فليحذر المسلم المهتدي من التفريط في هذين الأمرين، ليفوز في الدارين، ثبت في المستدرك والسنن بإسناد صحيح حسن عن كعب بن عجرة – رضي الله تعالى عنه – قال: خرج إلينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن تسعة، وخمسة وأربعة، أحد العددين من العرب، والآخر من العجم فقال: "اسمعوا، هل سمعتم؟ إنه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليّ، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وراد على الحوض (1)
__________
(1) انظر سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب تحريم إعانة الحاكم الظالم –: (7/38) ، وقال: هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلى من حديث مسعر من هذا الوجه، وفي الباب عن حذيفة وابن عمر – رضي الله تعالى عنهم –، ورواه أيضاً في كتاب الصلاة – باب ما ذكر في فضل الصلاة –: (2/373) ، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب الوعيد لمن أعان أميراً على الظلم –، ورواه في الباب الذي بعده – باب من لم يعن أميراً على الظلم –: (7/143) ، والمستدرك – كتاب الفتن والملاحم: (4/422) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمسند: (5/243) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الإمارة – باب فيمن يدخل على الأمراء –: (378) ، وحلية الأولياء: (7/249، 8/248) ، وكتاب العزلة للخطابي: (86) ، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (3/321، 399) عن جابر بن عبد الله، ورواه في: (4/267) عن النعمان بن بشير، وفي: (5/384) عن حذيفة، وفي: (2/95) عن ابن عمر، وهو في مسند ابن عمر للطرسوسي: (40) رقم 70، ورواه الإمام أحمد في: (3/24) عن أبي سعيد الخدري، وفي: (5/111) عن خباب بن الأرت، ورواه عن الأخيرين ابن حبان في المكان المتقدم، وانظر مجمع الزوائد – كتاب الخلافة – باب في أبوب السلطان والتقرب منها، وباب الكلام عند الأئمة، وباب فيمن يصدق الأمراء بكذبهم ويعينهم على ظلمهم –: (7/246-248) فقد أورد الإمام الهيثمي أحاديث كثيرة في ذلك المعنى – رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين – وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(120/11)
".
وهذا الأمر – أي نصح الأئمة، والجهر بالحق عندهم – إذا لم تقم به الأمة، فقد تُوُدِّعَ منها ولا خير فيها، وسيحل البلاء بها، وينزل سخط الله عليها، كما ثبت هذا عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – ففي المسند والمستدرك بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا رأيت أمتي تهاب الظالم إن تقول له: إنك ظالم فقد تُوُدِّعَ منهم (1) ".
__________
(1) - انظر المسند: (2/63، 190) ، والمستدرك – كتاب الأحكام –: (4/96) ، والحديث رواه البزار والطبراني كما في مجمع الزوائد: (7/262، 270) ، وقد صححه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمنذري أيضاً في الترغيب والترهيب: (3/232) ،وقال الشيخ شاكرفي تعليقه على المسند: (10/39) 6521 إسناده صحيح، والحديث ذكره السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى ابن عدي، والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث رواه الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما كما في مجمع الزوائد: (7/270) ، قال الهيثمي فيه: سنان بن هارون، وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات، ونسب السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) تخريجه أيضاً إلى الحاكم عن سليمان بن كثير بن أسعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي عن أبيه عن جده.(120/12)
وإذا قام المسلم بذلك فقد أدى ما عليه، وخرج من العهدة، وبرئت ذمته من جور الأئمة، ويا ويل الأئمة ثم يا وليهم، إذا لم يلتزموا بما نُصحوا، وانحرفوا عن شرع الله وقسطوا، قال الله – جل وعلا –: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (1) } وفي الصحيحين أن عبيد الله بن زياد أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد عاد الصحابي الجليل معقل بن يسار – رضي الله تعالى عنهم – في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك حديثاً سمعته عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة" وفي رواية في الصحيحين أيضاً: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين، فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة (2) ".
__________
(1) من سورة الجن: (15) ، والقاسطون هم الجائرون، من قسط إذا جار، أما أقسط فبمعنى عدل كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (490) ، ومدارك التنزيل: (5/273) ، والجامع لأحكام القرآن: (19/16) وفتح القدير: (5/299) ، والبحر المحيط: (8/350) .
(2) انظر روايتي الحديث الشريف في صحيح البخاري – كتاب الأحكام – باب من استرعى رعية فلم ينصح: (13/127) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار: (1/125-126) ، وكتاب الإمارة – باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر –: (3/1460) ، والمسند: (5/25) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب العدل بين الرعية: (2/324) .(120/13)
وفي المسند وسنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً إمام عادل وأبغض الناس إلى الله، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر (1)
__________
(1) انظر المسند: (3/22، 55) ، وسنن الترمذي – كتاب الأحكام – باب ما جاء في الإمام العادل: (5/9) ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله تعالى عنه – رواه الطبراني في الأوسط مختصراً كما في الترغيب والترهيب: (3/167) بلفظ: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر" والحديث في سنده عطيه العَوْفي وهو صدوق ويخطئ كثيراً وكان يدلس كما في التقريب: (2/24) ، وقد عنعن، ولكن للحديث شواهد كثيرة، ولذلك حسنه الترمذي ونقل المنذري في الترغيب والترغيب تحسين الترمذي ولم يعقبه، وانظر تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (4/55) .
قال مقيد هذه الصفحات – غفر الله الكريم له سائر الزلات –: نظراً لانحراف أكثر الأئمة الذين جاؤوا بعد الخلافة الراشدة، وعدم قبولهم نصيحة الناصحين، اعتزلهم غالبية العلماء الصالحين، ومن اضطر منهم للمخالطة صدع بالحق المبين، وقد قرر الغزالي في إحياء علوم الدين أن الواجب الاعتزال عن السلاطين، إذ لا سلامة إلا فيه، وقال: فإن قلت: كان علماء السلف الصالح يدخلون على السلاطين، فأقول: نعم، تعلَّمِ الدخولَ منهم ثم ادخل، ثم سرد عدة قصص لعلماء السلف الطيبين في دخولهم على السلاطين ونصحهم لهم وزجرهم عن الباطل والجور، انظر هذا وما يتعلق به في الإحياء: (140-145) ، وقال الخطابي في كتاب العزلة: (86) معلقاً على حديث كعب بن عجرة – رضي الله تعالى عنه – وقد تقدم في صفحة: (.....) ليت شعري الذي يدخل عليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم، ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم، ومن الذي ينصح، ومن الذي ينتصح منهم؟ إن أسلم لك – يا أخي – في هذا الزمان، وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم، ونسأل الله – تبارك وتعالى – الغنى عنهم، والتوفيق لهم 10هـ وذكر نحو ذلك ابن الجوزي في صيد الخاطر: (286-288) ، والسمرقندي في تنبيه الغافلين: 270-273، وانظر مسلك الإمام أحمد مع الخليفة المتوكل، ومع أمير خراسان ابن طاهر في مناقب الإمام أحمد: (375-379) وعقب ابن الجوزي على ذلك بقوله: وإنما امتنع الإمام أحمد من زيارة ابن طاهر لأنه كان سلطاناً، وإلا فقد كان يزور أهل العلم والتدين، وانظر كتاب الإسلام بين العلماء والحكام، ويقع في قرابة خمسين ومائتي صفحة، وركز النظر على فصل: العلماء ينصحون الحكام، وفصل: العلماء ومواجهة الحكام.
وانظر قصة أبي حازم مع سليمان بن عبد الملك عند لقائه إياه، واجتماعه به في سنن الدارمي – المقدمة – باب في إعظام العلم –: (1/125-126) ، وانظر قول ابن أبي ذئب لأبي جعفر المنصور: إنك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، في آداب الشافعي ومناقبه: (320-321) ، وانظر أخباراً أخرى له مع المنصور تشبه ما تقدم في تاريخ بغداد: (2/298-300) ، وانظر لزاماً معاتبة شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك لإسماعيل بن عُلَيَّة؛ لاتصاله بهارون الرشيد، وولايته له ديوان المظالم في ميزان الاعتدال: (1/218) ، وتهذيب التهذيب: (1/277) ، وجامع بيان العلم: (1/165) ، والصواعق المحرقة: (309) .
واعلم – وفقك الله – أن ذينك المسلكين – الاعتزال، أو الدخول للنصح – من سلفنا الكرام تجاه الحكام، كان في ظل الخلافة الإسلامية، لكن أكثر أولئك الأمراء دخلوا في بعض الأمور الردية، وقد تغيرت الأمور تغييراً جذرياً بعد ضياع الخلافة الإسلامية، وبذل الكفار كل غالٍ ورخيص في القضاء عليها، وأصبح الذين يتقلدون الأمور هم حثالة الناس وسقطهم، وهم شياطين في صورة آدميين، إلا من عصم الله منهم ورحم، وقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن وقوع ذلك واعتبره من علامات فساد الكون، وأشراط الساعة، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع". انظر سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب 37: (6/363) عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – وقال الترمذي: هذا حديث حسن، والمسند: (5/389) ، ورواه الإمام أحمد في المسند أيضاً عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في: (2/326، 358) ، وعن بعض أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في: (5/430) ولم يرفعه، وعن أبي بردة بن نيار – رضي الله تعالى عنه – في: (3/466) ، وروايته أخرجها الطبراني باختصار كما في مجمع الزوائد: (7/320) ، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وعنون عليه باباً في كتاب الفتن، فقال: باب لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع، ثم قال: ويأتي لهذا الحديث طرق في أمارات الساعة من حديث عمر وأنس وأبي ذر رضي الله تعالى عنهم أجمعين –، وقد ذكر رواياتهم في مجمع الزوائد: (74/325-326) ، فرواية عمر أخرجها الطبراني في الأوسط بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات، ورواية أنس رواها أيضاً الطبراني في الأوسط ورجال السند رجال الصحيح غير الوليد بن عبد الملك بن مرح، وهو ثقة، ورواية أبي ذر رواها الطبراني في الأوسط أيضاً، ورجال السند وثقوا، وفي بعضهم ضعف 10هـ.
واللكع هو: اللئيم، والوسخ، والأحمق، قال النضر بن شُمَيْل: يقال للرجل إذا كان خبيث الفعال شحيحاً قليل الخير: إنه للكوع 1هـ من اللسان: (10/199) "لكع"، وقد فسره الأسود بن عامر أحد رواة الحديث في المسند: (2/326) بالمتهم بن المتهم، وانظر غريب الحديث: (2/233-234) ، والفائق: (2/474) ، وقد اعتبر النبي – صلى الله عليه وسلم – من علامة حلول البلاء بالأمة كون زعيم القوم أرذلهم، كما في سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء في علامة حلول المسخ والقذف: (6/363) ، عن علي – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً، وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً أيضاً، وقال إنه غريب، نسأل الله الفرج، وحسن الخاتمة، إنه سميع مجيب.(120/14)
".
التنبيه الثاني:
لا يجوز أن يكون للمسلمين في الدنيا إلا خليفة واحد، كما قرر ذلك الشرع المطهر، لئلا يتفرق شمل المسلمين، ويتشتت شملهم، وتضع منزلتهم، وتتلاشى مكانتهم، وتضمحل هيبتهم، وتذهب ريحهم وقوتهم، ويصيح بأسهم بينهم، ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (1)
__________
(1) انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب إذا بويع لخليفتين: (2/242) بشرح النووي، ورواه البيهقي في السنن الكبرى – كتاب قتال أهل البغي – باب لا يصلح إمامان في عصر واحد –: (8/144) والبغوي في شرح السنة – كتاب الإمارة والقضاء – باب من يخرج على الإمام والوفاء ببيعة الأول: (10/56) ، وفي المستدرك: (2/156) ، وقد أخرج مسلم، ثم ذكر ما تقدم، والحديث رواه الطبراني في الأوسط، والبزار عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وفيه أبو هلال وهو ثقة كما في مجمع الزوائد – كتاب الخلافة – باب النهي عن مبايعة خليفتين: (5/198) ، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: وأنت يا معاوية أخبرتني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا كان في الأرض خليفتان، فاقتلوا أخرهما" انظر مجمع الزوائد: (5/198) ، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد: (1/239) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وورد في سنن البيهقي: (8/144) قال البيهقي: وروينا في حديث السقيفة أن الأنصار حين قالوا: منا رجل ومنكم رجل، قال عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – يومئذ: سيفان في غمد لا يصطلحان، وقال أبو بكر – رضي الله تعالى عنه – في خطبته يومئذ: وإنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح.
وقال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – إن تعدد الحكام في بلاد المسلمين، لا يقل خطورة وشناعة عن تعدد الأزواج لزوجة واحدة، ومعلوم ما في ذلك من الفساد المبين – حفظنا الله بمنه وكرمه من سائر الفتن أجمعين.(120/15)
" قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام، أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه "الإرشاد" قال أصحابنا لا يجوز عقد لشخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين، وتخلت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، قال: وهو خارج من القواطع، وحكى المازري: هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل، وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف، لظواهر إطلاق الأحاديث، والله أعلم 10هـ (1) .
__________
(1) انظر شرح صحيح مسلم: (12/32) ، ونقل الأُبُّي في إكمال المعلم، والسنوسي في مكمل إكمال المعلم مطبوعان معاً الثاني منهما في الحاشية: (5/204) عن القاضي عياض رد قول إمام الحرمين والحكم عليه بأنه غير سديد، وهو مخالف لما عليه السلف والخلف، ولظاهر إطلاق الأحاديث 10هـ ومن العجيب أن يرد القرطبي في تفسيره: (1/274) قول الكرامية المجوزين نصب خليفتين في عصر واحد لجواز بعث نبيين في عصر واحد، كحال علي ومعاوية – رضي الله تعالى عنهما – بقوله: والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه، لقوله: "فاقتلوا الآخر منهما"، ولأن الأمة مجمعة عليه، وأما معاوية فلم يدع الإمامة لنفسه، وإنما ادعى ولاية الشام بتولية مَنْ َقْبَلُه من الأئمة، ومما يدل على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما، وما قال أحدهما: إني أمام، ومخالفي إمام، فإن قالوا: العقل لا يحيل ذلك، وليس في السمع ما يمنع منه، قلنا: أقوى السمع الإجماع، وقد وجد على المنع 1هـ من العجيب حقاً أن يرد القرطبي قول الكرامية، ويعلل المنع أيضاً بأن وجود إمامين يؤدي إلى النفاق والشقاق، وحدوث الفتن والافتراق، وزوال النعم، ثم يقول: لكن إن تباعدت الأقطار، وتباينت كالأندلس وخراسان جاز ذلك 1هـ كيف يجوز ذلك، والإجماع قام على منع التعدد مطلقاً كما قرر هو وما توهمه من مسوغ التعدد لتباعد الأقطار مجرد وهم، لأن الأمير من قبل الخليفة يدير أمر تلك البلدة مع ارتباطه بالخلافة، لتكون كلمة المسلمين واحدة، مرتبطة بقيادة واحدة، وبذلك تتم وحدتها، ويجتمع شملها.
ولزيادة البصيرة بالقول الحق، والثقة به انظر الأحكام السلطانية للماوردي: (9) وفيه: وإذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد، وإن شذ قوم فجوزره 1هـ وحكى الإمام الشافعي – عليه رحمة الله – في الرسالة: (419) أن مما أجمع عليه المسلمون أن يكون الخليفة واحداً وفي الأحكام السلطانية للفرَّاء: 25 ولا يجوز عقد الإمامة لإمامين في بلدين في حالة واحدة 1هـ وفي كتاب مراتب الإجماع لابن حزم وإقرار ابن تيمية له: (124) واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان، ولا في مكانين ولا في مكان واحد 1هـ وفي المحلي: (9/360) ، ولا يصح أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد 1هـ والله تعالى أعلم.(120/16)
وما ذكره الإمام النووي لا ينبغي التوقف في صوابه، كما لا ينبغي التوقف في بطلان قول إمام الحرمين، فالنص بخلافه، وإذا صادم القياس نصاً فهو فاسد الاعتبار، ومطروح لا يلتفت إليه ومع هذا فهو فاسد أيضاً من حيث النظر، فالمفاسد التي تنتج من تعدد الخلفاء جسيمة وخيمة أفظعها تفريق أوصال الأمة، وتشتيت شملها، هذا إذا لم يجر الأمر إلى التناحر والمنازعات بين الخلفاء، مع أن واقع تعدد الأمراء سينتج عنه الشقاق بلا نزاع، والواقع أكبر دليل على ذلك وصدق الله إذ يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الأنبياء22 فعند تعدد الخلفاء يصبح بأس الأمة فيما بينها، وتترك الأمة تبليغ دعوة ربها، وتهمل نشرها، مع أن ذلك هو عملها ووظيفتها.
والملاحظ أن تعدد الخلفاء مع دلالته على التفرق والتمزق، والتنافر والتناحر فيما بين أولئك فهو يدل دلالة واضحة على تشتيت أمر كل خليفة من أولئك الخلفاء في خلافته، وما تعدد الحكام إلا لتضعضع أمر الخلافة الأولى، وتشتت شملها، حيث أدى ذلك لانقسامات الداخلية، ولاستبداد الأمراء بحكم ولاياتهم، بحيث كان الخليفة صورة لا حقيقية، ولم يكن له من الخلافة إلا الاسم، مما أدى ذلك في النهاية إلى انفصال أجزاء عن بناء الدولة المسلمة، وانسلاخ بلدان عن جسمها، فالتشتت الداخلي أدى للانسلاخ الخارجي، وبذلك تعلم أن تعدد الخلفاء نذير بكل سوء، لدلالته على تفرق الكلمة، وتشتت الشمل داخلاً وخارجاً، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أسباب انتشار مذهب الاعتزال أهل الزيع والضلال:(120/17)
.. بعد تلك الجولة المباركة، في بيان أسس مذهب الاعتزال الباطلة، وتقرير صحة أقوال أهل السنة الثابتة، سأكمل البيان في بيان سبب انتشار مذهب المعتزلة أهل الزيع والهذيان (1) ، وأستمد التوفيق من ربي الرحمن، فهو الجواد ذو الجلال والإكرام.
... إن المتفحص في مذاهب المبطلين، يرى أن مذهب المعتزلة أكثرها انتشاراً في بلدان المسلمين ولذلك أسباب كثيرة، أبرزها:
1- اتصالهم بالخلفاء والأمراء: واستطاعوا بدهائهم جلبهم إليهم، فتبنى عدد منهم أقوالهم وركنوا إليهم، وأسندوا إليهم مهام دولتهم، فعمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب الاعتزال كان جليس الخليفة أبي جعفر المنصور، وصفيه، وأحمد بن أبي دؤاد كان قاضي القضاة لثلاثة من الخلفاء، المعتصم، ثم الواثق، ثم المتوكل، وفي عهده طرد من القضاء وحل به البلاء، وأبو الهذيل العلاف كان أستاذَ الخليفة المأمون (2) .
__________
(1) وبذلك وصفهم هارون الرشيد كما في شرف أصحاب الحديث: (55) فقال: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة: طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته في الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث، وقال كما في صفحة: (78) المروءة في أصحاب الحديث، والكلام في المعتزلة، والكذب في الروافض.
(2) سيأتيك عما قريب ترجمة عمرو بن عبيد، وقد تقدمت ترجمة ابن أبي دؤاد في كتاب التوحيد، وكذلك أبو الهذيل العلاف، وهو إمام القدرية في زمانه، كما في درء تعارض العقل والنقل: (1/305) .(120/18)
.. ذلك هو حال المعتزلة مع جهاز الحكم، وأهل السنة كانوا على نقيض ذلك تماماً، وسبب ذلك ما قدمته من وجود شيء من الخلل في جهاز الحكم، وتلبس الحكام بشيء من الظلم فآثر أهل السنة الابتعاد عنهم، ومن اضطر لمخالطتهم نصحهم ولم يركن إليهم، وما أرادوا بالأمرين إلا الاحتراز من الشين، وإرضاء رب الكونين، وفي سنن الدارمي عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أهل الأهواء (1) . وقد بلغ الأمر بأهل السنة الكرام أن يحترزوا ممن يخالط السلطان، قال سعيد بن المسيب – عليه رحمة الرحمن الرحيم –: إذا رأيتن العالم يغشى الأمراء فاحترزوا منه، فإنه لص، وقيل للأعمش – رحمه الله تعالى –: لقد أحييت العلم لكثرة من يأخذ عنك، فقال: لا تعجبوا، ثلث يموتون قبل الإدراك، وثلث يلزمون أبواب السلاطين فهو شر الخلق والثلث الباقي لا يفلح منه إلا القليل (2) .
__________
(1) انظر سنن الدارمي – المقدمة – باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله: (1/77) .
(2) انظر قول سعيد في الإحياء: (1/66، 74) ، وقول الأعمش فيه أيضاً: (1/74) ، وفي جامع بيان العلم وفضله: (1/185) ، وفيه أيضاً قال الأعمش: شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمراء، وانظره في بهجة المجالس: (1/322) ، وقد ورد معنى هذا في حديث رواه ابن ماجه في – المقدمة – باب الانتفاع بالعلم والعمل به: (1/94) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/74) : سنده ضعيف.
وللإمام ابن الجوزي – رحمه الله تعالى – نظرات سديدة، وأقوال محكمة رشيدة في هذا الموضوع فمن ذلك قوله في صيد الخاطر: (453) العجب ممن عنده مُسْكَةٌ من عقل، أو عنده قليل من دين كيف يؤثر مخالطتهم، فإنه بالمخالطة لهم، أو العمل معهم، يكون قطعاً خائفاً من عزل أو قتل أو سم ولا يمكنه أن يعمل إلا بمقتضى أوامرهم، فإن أمروا بما لا يجوز لم يقدر أن يراجع، فقد باع دينه قطعاً بدنياه إلخ، وقال في صفحة: (347) : طال تعجبي من مؤمن بالله، مؤمن بجزائه يؤثر خدمة السلطان مع ما يرى منه من الجور الظاهر إلخ، وقال في: (402-403) : وقد تغير الزمان، وفسد أكثر الولاة، وداهنهم العلماء، ومن لا يداهن لا يجد قبولاً للصواب فيسكت، وقد كانت الولايات لا يسألها إلا من أحكمته العلوم، وثقفته التجارب، فصار أكثر الولاة يتساوون في الجهل، فتأتي الولاية على من ليس من أهلها، ومثل هؤلاء ينبغي الحذر منهم، والبعد عنهم، وأخبر عما لقي بنفسه من المخالفة في: (110، 399) فقال: كنت قد رزقت قلباً طيباً ومناجاة حلوة، فأحضرني بعض أرباب المناصب طعامه، فما أمكن خلافه، فتناولت وأكلت منه فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت ما كنت أجده، فقلت: واعجباً، لقد كنت في هذا كالمكره، فتفكرت وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة، ولكن التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمداراة، فلما تناولت بالتأويل لقمة، واستحليتها بالطبع لقيت الأمرين بفقد القلب فاعتبروا يا أولي الأبصار، ومما يشبه ما جرى لابن الجوزي ما في الإحياء: (2/20) أن بعض المزكين رد شهادة من حضر طعام سلطان، فقال: كنت مكرهاً، فقال: رأيتك تقصد الأطيب، وتكبر اللقمة، وما كنت مكرهاً عليه 10هـ وقد كرر ابن الجوزي الأخبار عن نفسه بما حصل له من تغير وتكدر حالٍ من مخالطة السلاطين، فقال في: (78-81) : كنت في بداية الصبوة قد ألهمت سلوك طريق الزهاء بإدامة الصوم والصلاة وحبب إليّ الخلوة، فكنت أجد قلباً طيباً، وكانت عين بصيرتي قوية الحدة، تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة، وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات، ولي نوع أنس وحلاوة ومناجاة، فانتهى الأمر إلى أن صار بعض ولاة الأمور يستحسن كلامي، فأمالني إليه، فمال الطبع، ففقدت تلك الحلاوة ثم استمالني آخر، فكنت أتقي مخالطته، ومطاعمه لخوف الشبهات، وكانت حالي قريبة، ثم حال التأويل فانبسطت فيما يباح، فعدمت ما كنت أجده، وصارت المخالطة توجب ظلمة القلب إلى أن عدم النور كله، فكثر ضجيجي من مرضي، وعجزت عن طب نفسي، فاجتذبني لطف مولاي بي إلى الخلوة على كراهة مني، ورد قلبي على بعد نفوره مني، وأراني عجيب ما كنت أوثره، فأفقت من مرضي غفلتي، ثم ذكر أن أسلم شيء للإنسان العزلة، خصوصاً في زمن مات فيه المعروف، وعاش فيه المنكر، ولم يبق لأهل العلم وقع عند الولاة، فمن داخلهم دخل معهم فيما لا يجوز، ولم يقدر على جذبهم مما هم فيه، ومن تأويل العلماء الذين يعملون لهم في الولايات يراهم منسلخين من نفع العلم، قد ساروا كالشرط فليس إلا العزلة عن الخلق، والإعراض عن كل تأويل فاسد في المخالطة، وقد اعترف كل من داخل السلاطين إن كان من الصالحين بما اعترف به الإمام ابن الجوزي، ولذلك قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر: (288) : ولما بليت أقوام بمخالطة الأمراء، أثر ذلك التكدير في أحوالهم كلها، فقال سفيان بن عيينة – رضي الله تعالى عنه –: منذ أخذت من مال فلان الأمير منعت ما كان وهب لي من فهم القرآن، وأثر ابن عيينة رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: (1/368) .
وقد قرر ابن الجوزي أن مداخلة السلاطين، ومساعدتهم في أعمالهم، تلحق فاعل ذلك بهم ففي صفحة: (422) يقول: قال السجان للإمام أحمد بن حنبل – عليه رحمة الله تعالى –: هل أ، امن أعوان الظلمة؟ فقال: لا، أنت من الظلمة، إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر 10هـ وفي الإحياء: (2/13، 20، 98، 149) آثار كثيرة عن سلفنا الصالح تشبه هذا القول، فمن ذلك قول سفيان بن عيينة – رحمه الله تعالى –: لا تخالط السلطان، ولا من يخالطه، وقال: صاحب القلم، والدواة وصاحب القرطاس بعضهم شركاء بعض، وقال رجل لابن المبارك – عليه رحمة الله تعالى –: أنا رجل خياط، وأخيط ثياب السلاطين، فهل تخاف عليّ أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لا، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة نفسهم.(120/19)
ب- وجود عدد منهم من أهل اللسن والفصاحة في كل طبقة من طبقاتهم، فاستطاعوا بذلك استمالة الناس إليهم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن من البيان لسحراً (1)
__________
(1) انظر صحيح البخاري – كتاب النكاح – باب في الخطبة –: (9/201) ، وكتاب الطب – باب إن من البيان لسحراً: (10/237) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب ما جاء في المتشدق في الكلام: (5/275) ، وسنن الترمذي – كتاب البر والصلة –: باب ما جاء في أن من البيان سحراً –: (6/30) ، والموطأ – كتاب الكلام – باب ما يكره من الكلام بغير ذلك الله –: (2/986) ، والمسند: (2/16، 59، 62، 94) ، ورواه أحمد عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في: (1/269، 273، 303، 309، 327، 332) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (4/138) رقم 2424 وعن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في: (1/397، 454) وإسناده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (5/293) 3778، ورواه عن معد بن يزيد السلمي – رضي الله تعالى عنه – في: (3/470) ، وعن عمار بن ياسر – رضي الله تعالى عنهما – في: (4/263) ، وعنه رواه مسلم في كتاب الجمعة: (6/158) بشرح النووي، وهو في سنن الدارمي – كتاب الصلاة – باب في قصر الخطبة –: (1/365) ، والحديث رواه الطبراني عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وفيه العباس بن الفضل وهو متروك كما في مجمع الزوائد: (8/123) .
وأحسن ما يقال في معنى الحديث أن الكلام، إذا وقع على أتم بيان، بأن دخلته الصنعة من الإنسان، بحيث يروق للسامعين، ويستميل قلوبهم، كحال السحر إذا خلب القلب، وغلب على النفس حتى يحول الشيء عن حقيقته، يصرفه عن جهته، فيلوح للناظر في معرض غيره، وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح، وإذا صرف إلى الباطل يذم، انظر تفصيل ذلك في فتح الباري، وشرح النووي – في الأماكن المتقدمة، وعارضة الأحوذي: (8/182-183) .(120/20)
" فمؤسس المذهب واصل بن عطاء الغزَّال مِنْطيق فصيح ذكي بليغ، وأبو الهذيل العلاف مناظر مفوه، وخطيب مِصْقَعٌ، كان يستشهد بثلاثمائة بيت من الشعر في مناظرته، وقد تقدم في كتاب التوحيد بيان قوة عارضته، وشدة ذكائه، وألمعيته.
... ويضاف إلى ذلك الأمر، عنايتهم بالثرثرة، وعدم الاقتصار في الكلام على الضرورة، فمجالسهم قيل وقال، وشغب وجدال، وذلك مما يخدع به السذج الجهال، وقد شهد أمير المؤمنين هارون الرشيد، باتصافهم بذلك الحال، كما تقدم قريباً فكن منه على بال.
3- تعاونهم فيما بينهم على نشر ما يدعون إليه وتساندهم في بث ما اتفقوا عليه، حتى استطاعوا في نهاية الأمر، إقناع المأمون بما يدعون إليه من وزر، فصبا إليهم ومال، وتقلد مذهب الخزي والعار، واضطهدوا أئمة السنة الأبرار، وتغيرت الأمور، وتكدرت الأحوال، وكثر البلاء واستطار، إذ تبع ذلك المذهب غفير من الأغمار، واستمر الحال على ذلك العار حتى أزاله العزيز القهار على يد المتوكل إمام الأبرار.
... وقد ضرب المتقدمون الأمثال، بتعاون المعتزلة الضلال، فقالوا معبرين عن مدى الاحتفاء والإجلال: اعتد به، كاعتداد الشيعي بالشيعي، والمعتزلي بالمعتزلي (1) – جمعنا الله على الهدى، وحفظنا من الزيغ والردى.
نشأة تلك الفرقة المنكرة، وحكمها في شريعة الله المطهرة:
__________
(1) انظر تفصيل الكلام على أسباب انتشار مذهب المعتزلة اللئام، في تقديم الأستاذ محمد محيى الدين عبد الحميد لكتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: (21-22) ، وفي كتاب التنبيه والرد: (40) يقول الإمام أبو الحسن الملطي – رحمه الله تعالى –: واعلم أن للمعتزلة سوى من ذكرناهم جماعة كثيرة قد وضعوا من الكتب والهوس ما لا يحصى، ولا يبلغ جمعه، وهي في كل بلدة وقرية، ولا تخلو منهم الأرض.(120/21)
.. ظهر مذهب المعتزلة في أوائل المائة الثانية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق المِلِّي، وهو أول اختلاف حدث في الملة، هل هو كافر أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنه كافر، وقالت الجماعة أهل السنة: إنه مؤمن، وقالت طائفة: نقول هو فاسق، لا مؤمن، ولا كافر، ننزله منزلة بين المنزلتين، وخلدوه في النار، واعتزلوا حلقة الحسن البصري وأصحابه – رحمهم اله جميعاً – فسموا معتزلة (1) .
__________
(1) انظر مجموع الفتاوى الكبرى: (3/182-183) ، وأفاد في: (10/358) أن انتشارا أمر المعتزلة تم بعد موت الحسن البصري وابن سيرين – عليهما رحمة الله تعالى – وذكر في: (8/228) أن قتادة وغيره قالوا: أولئك المعتزلة.(120/22)
.. وأول من قال إن مرتكب الكبيرة: لا مؤمن ولا كافر، إنما هو منزلة بين الإيمان والكفر في الدنيا ومخلد في النار في الآخرة هو: واصل بن عطاء الغزَّال، المتكلم البليغ المتشدق، وكان من تلاميذ الحسن البصري – رحمه الله تعالى – فلما قال ما قال، طرده من مجلسه، فاعتزل عنه، وجلس في ناحية من مسجد البصرة، وانضم إليه عمرو بن عبيد، فقيل لهما ولأتباعهما: المعتزلون، أو المعتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن البصري، ولاعتزالهم قول الأمة في دعواهم: إن الفاسق من أمة الإسلام لا مؤمن ولا كافر 0 قال الذهبي – عليه رحمة الله – في الميزان: كان واصل من أجلاد المعتزلة، قال أبو الفتح الأزدي: هو رجل سوء كافر، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (1) .
__________
(1) انظر إيضاح ذلك وترجمة واصل في وفيات الأعيان: (3/130، 248، 5/61) ، وميزان الاعتدال: (4/329) ولسان الميزان: (6/214-215) ، وشذرات الذهب: (1/182-183) ، والفرق بين الفرق: (20-21، 117-119) ، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: 38، والملل والنحل: 1/53-57 واحذر ما جاء في طبقات المعتزلة للمعتزلي عبد الجبار: (234-241 من إسفاف ومجازفة في الثناء على واصل الضال، وما ذكره في صفحة: (234) من الحديث في فضل واصل: "سيكون في أمتي رجل يقال له واصل، يفصل بين الحق والباطل" فهو من لهو الحدث، ومن أشنع الكلام الخبيث، ولا يصدر إلا من رقيع خسيس.(120/23)
.. وقد تبع عمرو بن عبيد واصل بن عطاء على تلك المقالة النكراء، وبلغ من شدة تعلقه به أن زوجه أخته، والطيور على أشكالها تقع، وقال له: زوجتك أختي إذ لم يكن لي بنت، وما بي إلا أن يكون لك عقب، وأنا خاله، فما حقق الله أمنيته، وقطع نسلهما، وماتا جميعاً، ولم يعقبا، وفي الميزان، وتهذيب التهذيب نقلا ً عن ابن حبان – عليه رحمة الرحيم الرحمن – كان عمرو بن عبيد من أهل الورع والعبادة، إلى أن أحدث ما أحدث، واعتزل مجلس الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – هو وجماعة معه، فمسوا بالمعتزلة – وكان يشتم الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – ويكذب في الحديث وَهْماً لا تعمُّداً، قال ابن حجر معلقاً على كلام ابن حبان وغيره: والكلام فيه، والطعن عليه كثيراً جداً وبذلك ختم ترجمته 0 وفي البداية والنهاية نقلا ً عن الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – قال: عمرو بن عبيد سيد شباب القراء ما لم يحدث، قالوا: فأحدث والله أشد الحدث، وقد قال عبد الله ابن المبارك – عليه رحمة الله تعالى –:
أيها الطالب علماً ... ايتِ حماد بن زيدِ
فخذِ العلم بحلم ... ثم قيده بقيدِ
وذر البدعة من ... آثار عمرو بن عبيدِ
... قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الرب الجليل –: وقد كان عمرو بن عبيد محظياً عند أبي جعفر المنصور، وكان المنصور يحبه ويعظمه، لأنه كان يفد على المنصور مع القراء، فيعطيهم المنصور فيأخذون، ولا يأخذ عمرو منه شيئاً، وكان يسأله أن يقبل كما يقبل أصحابه، فلا يقبل منه، فكان ذلك مما يغر المنصور ويروج به عليه حاله، لأن المنصور كان بخيلا ً، وكان يعجبه ذلك منه وينشد:
كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد(120/24)
.. ولو تبصر المنصور لعلم أن كل واحد من أولئك القراء خير من ملء الأرض مثل عمر بن عبيد، والزهد لا يدل على صلاح، فإن بعض الرهبان قد يكون عنده من الزهد مال لا يطيقه عمرو، ولا كثير من المسلمين في زمانه، مات عمر سنة ثلاث وأربعين ومائة (1) .
حكم تلك الفرقة:
__________
(1) انظر ما تقدم وغيره في ميزان الاعتدال: (3/273-280) ، وتهذيب التهذيب: (/70-75) والبداية والنهاية: (10/78-80) ، والفرق بين الفرق: (20، 120-121) ، والملل والنحل: (1/56) وتاريخ بغداد: (12/166-188) ، وفيه في: (183) عن سلام بن أبي مطيع قال: لأنا أرجي للحجاج مني لعمرو بن عبيد، إن الحجاج إنما قتل الناس على الدنيا، وإن عمرو بن عبيد أحدث فتنة، فقتل الناس بعضهم بعضاً، وانظر وفيات الأعيان: (3/130-133) ، والمعارف: (212) ، ومروج الذهب: (3/313-314) وشذرات الذهب: (1/211) .(120/25)
.. الذي حط عليه كلام المحققين، الحكم عليهم بالضلال، وتفويض شأنهم إلى الكبير المتعال – جل جلاله – قال الإمام الذهبي في الميزان، وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين – عليهم جميعاً رحمة رب العالمين – يقول: كان عمرو بن عبيد من الدهرية، قلت: وما الدهرية؟ قال: الذين يقولون لا شيء، إنما الناس مثل الزرع، وكان يرى السيف، قال المؤلف – الإمام الذهبي – لعن الله الدهرية، فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا 10هـ.(120/26)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: نصوص الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم 10هـ ونقل عن السلف تكفير من نفى الكتاب والعلم من القدرية، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال، قال: وأقدم من بلغنا أنه تكلم في تعيين الفرق الهالكة وتضليلهم يوسف بن أسياط، ثم عبد الله بن المبارك – وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين عليهما رحمة رب العالمين – قالا: أصول البدعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن مبارك: والجهمية؟ فأجاب: بأن أولئك ليسوا من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، وقالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة، وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، ثم قال شيخ الإسلام: من أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم فإنه لا يكفر سائر أهل البدع، بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله – صلى الله عليه وسلم –: "هم في النار" مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال – جل جلاله –: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} النساء10.
ومن أدخل الجهمية فيهم – أي: في الفرق الضالة البالغ عدد ثنتين وسبعين فرقة – منهم على قولين:(120/27)
.. منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المتأخرين المنتسبين إلى الأئمة، أو المتكلمين وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير "المرجئة" و"الشيعة المفضلة" ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص الإمام أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميعه أهل البدع – من هؤلاء وغيرهم – خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة.
... ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة: إطلاق أقوال بتكفير "الجهمية" المحضة (1) .
__________
(1) انظر ما تقدم في ميزان الاعتدال: (3/280) ، ومجموع الفتاوى: (23/348، 3/350-352) وكرر نحو ذلك في أماكن من مجموع الفتاوى: (28/50، 3/229، 282) .(120/28)
.. وصفوة كلامه – رحمه الله تعالى – أن من عدا الجهمية لا يكفرون، وفي تكفير الجهمية نزاع، والمنقول عن السلف القول بكفرهم، وبناء على هذا فالمعتزلة ضلال وليسوا بكفار، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن قدامة في رسالته إلى الشيخ محمد بن الخضر بن تيمية – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – ومما قاله في ذلك: ثم إن الإمام أحمد – الذي هو أشد الناس على أهل البدع – قد كان يقول للمعتصم: يا أمير المؤمنين، ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلى القول بخلق القرآن، وصلاة الجمع والأعياد خلفهم ولو سمع الإمام أحمد من يقول هذا القول – تكفير أهل البدع، وتخليدهم في النار – الذي لم يرد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أحد قبله – أي: قبل الإمام أحمد – لأنكره أشد الإنكار، فقد كان ينكر أقل من هذا (1) .
__________
(1) انظر الذيل على طبقات الحنابلة: 2/156، والرسالة طويلة لخص منها ابن رجب قرابة أربع صفحات، وأشار إلى تأليف ابن قدامة إلى هذه الرسالة في ترجمة ابن قدامة: (2/139) فقال في عد تصانيفه، منها: رسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في تخليد أهل البدع في النار. وانظر نحوه ما ذكره ابن قدامة عن الإمام أحمد في مجموع الفتاوى: (23/349) وفي: (8/430، 460) قرر عدم تكفير الأئمة للمعتزلة ولا لمقابلهم من الجبرية، إنما كفروا من نفى علم الله بالأشياء قبل وقوعها.(120/29)
.. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – إطلاق الكفر على الزائغين المبتدعين، من قبل بعض السلف الصادقين، محمول على واحد من أمور أربعة عن المهتدين، فاعلم ذلك ولا تكن من الغافلين، قال الإمام البغوي – عليه رحمة رب العالمين – بعد أن قرر وجوب هجر الزائغين المفسدين، وسير السلف على ذلك الهدي القويم –: ثم هم مع هجرانهم كفوا عن إطلاق اسم الكفر على أحد من أهل القبلة، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – جعلهم كلهم من أمته – أي في الحديث المتقدم في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة –. وروي عن جماعة من السلف تكفير من قال بخلق القرآن، روي ذلك عن الأئمة الكرام مالك، وابن عيينة، وابن المبارك، والليث بن سعد، ووكيع بن الجراح، وغيرهم – رحمهم الله جميعاً –. وناظر الشافعي – رحمه الله تعالى – حفصاً الفَرْدَ، فقال: حفص: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم (1) .
والأمور الأربعة التي يحمل عليها إطلاق الكفر على المبتدعين هي:
__________
(1) انظر شرح السنة: (1/228) ، وانظر مناقشة الشافعي لحفص الفرد المعتزلي وحكمه بالكفر على من قال بخلق القرآن في الأسماء والصفات: (252) ، والسنن الكبرى: (10/206) ، ومناقب الشافعي: (10/460) والانتقاء: (82) ، وتبيين كذب المفترى: (339) ، والمقاصد الحسنة: (304) ، وفيه: تكفير الشافعي لحفص الفرد ثابت، وانظر كشف الخفاء: (2/94) ، وتدريب الراوي: (216) ، ومنهج ذوي النظر: (106) ، والبداية والنهاية: (10/254) ، ومجموع الفتاوى: (23/349) ، وآداب الشافعي ومناقبه: (194) ، وذلك الحكم قاله الإمام أحمد أيضاً ففي مسائل الإمام أحمد: (262) قال أبو داود: قلت لأحمد: من قال القرآن مخلوق أكافر هو؟ قال: أقول هو كافر.(120/30)
1- كفر لا يخرج عن الملة: فهو كفر دون كفر، قال الإمام البغوي وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع، والصلاة خلفهم مع الكراهة على الإطلاق، فهذا القول منه دليل على أنه إن أطلق عليه بعضهم اسم الكفر في موضع أراد به كفراً دون كفر (1) .
2- فعل المبتدعين، يشابه فعل الكافرين، ولوجود ذلك الاتفاق بينهما، صح إطلاق لفظ الكفر على المبتدعة منهما، ولم تطبق على المبتدعين أحكام الكفر، لقيام شبهة عندهم لهم فيها شائبة عذر، قال الإمام ابن تيمية: وكذلك الإمام الشافعي لما قال لحفص الفَرْد حين قال: القرآن مخلوق، كفرت بالله العظيم، بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لا يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وقد صرح في كتبه بشهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم (2) .
__________
(1) انظر شرح السنة: (1/228) ، وانظر نحو ذلك التعليل في الذيل على طبقات الحنابلة: (2/156) .
(2) انظر مجموع الفتاوى: (23/349) ، وقال قبل ذلك: (23/346) : وحقيقة الأمر في ذلك – أي في تكفير أهل البدع – أن القول قد يكون كفراً، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، ولم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله فيها، ونحو ذلك في: (7/619) .(120/31)
3- إن ذلك الزيغ سيؤدي إلى الكفر في نهاية المطاف، لما يتلبس به المبتدع من شنيع الأوصاف وإذا كانت المعاصي بريد الكفر، فإن البدع بريدها السريع، مع الضمان الوثيق، لذلك الوصف الشنيع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر، وآيلة إليه (1) .
4- إطلاق الكفر على المبتدعين، من باب التغليظ والردع للزائغين، زجراً لهم عن إفكهم المبين وتنفيراً لغيرهم من ذلك المسلك الوخيم (2) .
__________
(1) انظر قول العلماء الكرام: الصغيرة تجر إلى الكبيرة، وهي تجر إلى الكفر، لأن المعاصي بريد الكفر في الفتح المبين لشرح الأربعين: (118) ، وكشف الخفاء: (2/213) ، ونحو ذلك في الإحياء: (4/32) ، وانظر مجموع الفتاوى: (6/359) ، كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر , وآيلة إليه ...
(2) انظر توجيه إطلاق لفظ الكفران، ونفي الإيمان، عن أهل الفسوق والعصيان في فتح الباري: (1/112) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم –: (2/57) ، ومجموع الفتاوى: (7/524-525) ، ومدارج السالكين: (1/395-397) ، وأجوبة الحافظ ابن حجر عن أحاديث المشكاة: (3/1778-1779) .(120/32)
وبهذه التحقيقات العلية، يتبين الوجه في إطلاق لفظ "المجوس" على القدرية، في قول خير البرية – عليه صلوات الله وسلامه بكرة وعشية –: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم (1)
__________
(1) رواه أبو داود في سننه – كتاب السنة – باب في القدر –: (5/66) ، والحاكم في المستدرك – كتاب الإيمان –: (1/85) وأحمد في المسند: (2/86، 125) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/149-150) ، والآجري في الشريعة: (190) ، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد: (7/205) ، كلهم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ورواية الحاكم وأبي داود وإحدى روايات ابن أبي عاصم من طريق أبي حازم سلمة بن دينار عن ابن عمر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر، وأقره الذهبي، قال الهيثمي في تهذيب السنن: (7/58) : هذا منقطع، أبو حازم لم يسمع من ابن عمر، ووصله الآجري وفيه زكريا بن منظور، ومن طريقه أخرجه الطبراني: قال الهيثمي: زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة 10هـ والذي حط عليه كلام ابن حجر في التقريب: (1/261) أنه ضعيف، ورواية أحمد الأولى، وإحدى روايات ابن أبي عاصم عن طريق عمر بن عبد الله، وعمر مولى غفرة لم يسمع أحداً من الصحابة كما في تهذيب التهذيب: (7/472) نقلا ً عن ابن معين، فالسند منقطع. ومع هذا فقد حكم ابن حجر عليه في التقريب: (2/59) بالضعف..ورواه أحمد في المكان الثاني متصلا ً عن مولى غفرة عن نافع عن ابن عمر، وقد علمت حال مولى غفرة، ومع ذلك فقد مال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (8/279) 6077 إلى ترجيح الحكم عليه بالصحة، وأن علة الانقطاع في الرواية الأولى قد زالت، وقد ورد في بعض روايات ابن أبي عاصم، والآجري والطبراني في الصغير: (2/14) من طريق الحكم بن سعيد عن الجعيد بن عبد الرحمن عن نافع به، وساقه البخاري في التاريخ الكبير: (2/341) في ترجمة الحكم بن سعيد، وحكم عليه بالنكارة، وكذلك عَدَّ الذهبيُّ في الميزان: (1/570) هذا الحديثَ من مناكير الحكم بن سعيد، وأقر ذلك ابن حجر في اللسان: (2/332) ، ونقله أيضاً عن العقيلي، وابن عدي، والحديث رواه ابن أبي عاصم أيضاً من طريق إسماعيل بن داود عن سليمان بن بلال عن أبي حسين عن نافع به، وإسماعيل ضعفه أبو حاتم كما في الميزان: (1/226) ، وقال البخاري في التاريخ الكبير: (1/374) : إنه منكر الحديث، وانظر حديث ابن عمر أيضاً في الميزان: (2/79) ، والمجروحين لابن حبان: (1/314) .
وقد روي الحديث عن حذيفة بن اليمان – رضي الله تعالى عنهما – بنحو الحديث المتقدم في سنن أبي داود في المكان المتقدم، وفي المسند: (5/406-407) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/144) كلهم عن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة، وتقدم الكلام في مولى غفرة، والرجل الأنصاري مجهول كما في تهذيب السنن: (7/61) .
وروي الحديث أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – في سنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر –: (1/35) ، ومعجم الطبراني الصغير: (1/221) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/144) والشريعة للآجري: (190) بزيادة: "وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم" ورجال السند ثقات إلا أن أبا الزبير محمد بن مسلم بن تدردس المكي مدلس كما في التقريب: (2/207) وقد عنعن.
وري الحديث عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/146) بنحو ما تقدم، وسنده ضعيف كما قال الشيخ الألباني في تعليقه عليه.
وروي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في كتاب السنةلابن أبي عاصم –: (1/151) والشريعة للآجري: (191) وهو من رواية مكحول عن أبي هريرة، وروايته عنه مرسلة، لأنه لم يسمع عنه كما في تهذيب التهذيب: (10/290-292) وفي بعض أيضاً مع انقطاعه عطاء الخرساني صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس كما في التقريب: (2/23) وقد عَنْعَنَهُ، وفيه أيضاً جعفر به الحارث الواسطي صدوق كثير الخطأ كما في التقريب: (1/130) ، وانظر الحديث في تاريخ بغداد: (14/114) من رواية سهل بن سعد – رضي الله تعالى عنه – ورواه عنه الطبراني في الأوسط واللالكائي في السنة كما في تنزيه الشريعة: (1/317) وانظره في الميزان: (4/377) ، واللآليء المصنوعة: (1/259) .
وروي الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – في المعجم الأوسط للطبراني ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (7/205) ، وانظر ترجمة هارون في تهذيب التهذيب: (11/13-14) ولفظ الحديث: "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم".
وهذه الرواية الأخيرة ورد ما يشبهها وبعضها في سنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء في القدرية –: (6/321) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في الإيمان –: (1/24، 28) ، والشريعة للآجري: (148، 193) ، والسنة لابن أبي عاصم: (1/147، 2/461-462) ، كلهم عن ابن عباس وزاد ابن أبي عاصم وابن ماجه عن جابر، وزاد الآجري روايته عن أبي هريرة وزاد ابن أبي عاصم ورايته عن أبي يعلى، ورواه عنه إسحاق بن راهُوْيَهْ كما في المطالب العالية: (3/88) ورواه إسحاق عن أبي بكر – رضي الله تعالى عنه – أيضاً كما في المطالب العالية، وانظره عن معاذ – رضي الله تعالى عنه – في التاريخ الكبير للبخاري: (1/375) ، والعلل المتناهية: (1/144) ، ورواه أبو نُعيم في الحلية عن أنس: (9/254) – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وأمثل طرقه طريق الترمذي وقد حسنه وفي بعض النسخ ضم إلى التحسين الحكم عليه بالصحة فقال: هذا حديث غريب حسن صحيح.
انظر الطبعة الحمصية: (6/321) ، والمصرية: (4/54) ، وعارضة الأحوذي: (8/316) ، وتنزيه الشريعة: (1/318) ، وفي سنده علي بن نزار، ووالده نزار بن حيان الأسدي وكل منهما ضعيف كما في التقريب: (2/45، 2/298) ، ولذلك حكم الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/130) عليه بالضعف، ولفظ الحديث: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية".
قال عبد الرحيم: وصفوة الكلام أن كلاً من الحديثين لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الرحيم الرحمن، وإليك البيان:
أما الحديث الأول: "القدرية مجوس هذه الأمة" إلخ فقد تقدم بيان كثرة طرقه، وغالب تلك الطرق فيها شيء من الضعف إما بسبب الانقطاع، أو بسبب عَنْعَنَةِ المدلسين، وقد أطلق الذهبي في تهذيب السنن: (7/58) أن حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – روي من طرق ليس فيها شيء يثبت، وقال العقيلي كما في لسان الميزان: (2/332) يروى من طرق ضعاف بغير هذا الإسناد، أي إسناد الحكم بن سعيد المتقدم، ولا يصل الحديث إلى درجة الوضع، أو الترك والنكارة، وما أصاب ابن الجوزي في الحكم على الحديث بالوضع وإيراده في الموضوعات: (1/275) والعلل المتناهية: (1/144-154) ، لان مجيء الحديث الضعيف من طرق ترفعه إلى درجة الحسن، مع أن بعض تلك الطرق لها تلك الصفة على انفرادها كرواية الإمام أحمد في المسند حسبما رأى الشيخ أحمد شاكر، وكحديث أنس – رضي الله تعالى عنه – عند الطبراني في الأوسط.
وعلى التسليم بعدم وصول كل رواية على انفرادها مرتبة القبول فبمجموعها تبلع ذلك بلا ريب، ولذلك تتابع الأئمة الحفاظ على رد كلام الإمام ابن الجوزي، وحكموا على الحديث بأنه في درجة الحسن على أقل تقدير، فالإمام السيوطي ينقل عن الحافظ صلاح الدين العلائي تحسين الحديث ويقره على ذلك قال في اللآليء المصنوعة: (1/258-259) ما حاصله: قال الحافظ العلائي: إخراج ابن الجوزي الحديث في الموضوعات ليس بجيد، لأن له طرقاً أخرى لا يحكم عليها بالوضع، فلا فائدة إذن في إخراجه في الموضوعات، لأنه يوهم أن الحديث من أصله موضوع، وليس كذلك، وهكذا إخراجه هذا الحديث في كتاب الأحاديث الواهية، لأنه ليس كذلك بل ينتهي بمجموع طرقه إلى درجة الحسن الجيد المحتج به إن شاء الله تعالى 1هـ ونص الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح: (3/1779) على أن الحديث من شرط الحسن 10هـ ونقل الحافظ ابن عَرَّاق كلام الحافظ العلائي المتقدم وأقره في تنزيه الشريعة: (1/317) – الفصل الثاني من كتاب السنة – وحكم الشيخ الألباني بحسنه في تعليقه على أحاديث المشكاة: (1/38) 107، وحكم عليه بالحسن، وبالصحة أيضاً في تعليقه على كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/150، 151) .
وهكذا حال الحديث الثاني: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب" إلخ فقد تقدم تحسين الترمذي له، بل وتصحيحه في بعض النسخ، ومع التنبيه على وجود راوٍ فيه فيه ضعف، ولعل حكم الترمذي عليه بالحسن هو الصواب، وذلك لكثرة طرقه كما هو مقرر عند أولي الألباب، وما حالف ابنَ الجوزيِّ الصوابُ في إيراده الحديث في العلل المتناهية – المكان السابق – ولذلك رد عليه الحافظ العلائي كما في تنزيه الشريعة – المكان المتقدم أيضاً – وأقر ابن عَرَّاق ذلك، وحاصل الكلام: أن تحسين الترمذي ووجود المتابعات له تُخرجه عن كونه موضوعاً أو واهياً 1هـ ثم نقل ابن عراق عن الحافظ العراقي الحكم على الحديث بالحسن 1هـ وهكذا مال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح: (3/1778) إلى تحسين الحديث، وذكر أن الخبر إذا جاء من طريقتين قوى أحدهما بالآخر، ومن ثم حسنه الترمذي 1هـ.
والحكمة من قرن القدرية بالمرجئة ما قاله الإمام ابن العربي – رحمه الله تعالى - في العارضة: (8/297) من أن القدرية أبطلت الحقيقة، والمرجئة أبطلت الشريعة 1هـ ولشيخ الإسلام – عليه الرحمة والرضوان – كلام محكم متين في حكمة اقتران القدرية بالمرجئة الزائغين، وعبارته في مجموع الفتاوى: (8/105) قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، وروي في ذلك حديث مرفوع، لأن كلاً من هاتين البدعتين تفسد الأمر والنهي، والوعد والوعيد، فالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد، ويهون أمر الفرائض والمحارم، والقدري إن احتج كان عوناً للمرجئي، وإن كذب كان هو والمرجئي قد تقابلا، هذا يبالغ في التشديد حتى لا يجعل العبد يستعين بالله على فعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه، وهذا يبالغ في الناحية الأخرى 10هـ.(120/33)
".
... قال ابن الأثير – عليه رحمة الملك الكبير – في جامع الأصول: القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة: هم الذين يقولون: الخير من الله، والشر من الإنسان، وإن الله لا يريد أفعال العصاة، وسموا بذلك، لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله – جل وعلا – ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه، وهؤلاء مع ضلالتهم يضيفون هذا الاسم إلى مخالفيهم من أهل الهدى، فيقولون: أنتم القدرية حين تجعلون الأشياء جارية بقدر من الله، وأنكم أولى بهذا الاسم منا، وهذا الحديث يبطل ما قالوا، فإنه – صلى الله عليه وسلم – قال: "القدرية مجوس هذه الأمة" ومعنى ذلك: أنهم لمشابهتهم المجوس في مذهبهم، وقولهم بالأصلين، وهما: النور والظلمة، فإن المجوس يزعمون: أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة فصاروا بذلك ثَنَوِيَّةً، وكذلك القدرية، لما أضافوا الخير إلى الله، والشر إلى العبيد أثبتوا قادِرَيْنِ خالِقَيْنِ للأفعال، كما أثبت المجوس، فأشبهوهم، وليس كذلك غير القدرية، فإن مذهبهم أن الله – عز وجل – خالق الخير والشر، لا يكون شيء منهما إلا بخلقه ومشيئته، فالأمران معاً مضافان إليه خلقاً وإيجاداً، وإلى العباد مباشرة واكتساباً (1) .
__________
(1) انظر جامع الأصول: (10/128) نحوه في مجموع الفتاوى: (8/452) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (1/154) وقد استدل الإمام الآجري في الشريعة: (168) على شقاء القدرية بالحديث الوارد عن خير البرية – صلى الله عليه وسلم – في تشبيههم بشرذمة المجوس الردية، فقال: فإن قال قائل: هم عندك أشقياء؟ قلت: نعم، فإن قال قائل: بماذا؟ قلت: كذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم –، وسماهم "مجوس هذه الأمة" 10هـ وتلك التسمية لا تستلزم كفرهم كما تقدم، قال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المشكاة: (3/1779) : المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعِلَيْنِ، لا في جميع معتقد المجوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة 1هـ.(120/34)
فائدة علية هي خاتمة الكلام على تلك الفرقة الردية الغوية:
أفاد شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحيم الرحمن – أن القدرية ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قدرية مشركة:
وهو الذين اعترفوا بالقضاء والقدر، وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي قال الله – عز وجل –: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148، مثلها في سورة النحل35: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} .
... وهؤلاء يؤول أمرهم إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، مع الاعتراف بالربوبية العامة لكل مخلوق، وقد ابتلي بهذا الجهميةُ وطوائفُ من الفقراء والصوفية، ولن يستتب لهم ذلك، وإنما يفعلونه عند موافقة أهوائهم كفعل المشركين من العرب، وإذا خولف هوى أحد منهم قام في دفعه متعدياً للحدود غير واقف عند حد كما كانت تفعل المشركين أيضاً قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، إذ هذه الطريقة تتناقض عند تعارض إرادات البشر فهذا يريد أمراً، والآخر يريد ضده، وكل من الإرادتين مقدرة، فلابد من ترجيح إحداهما، أو غيرهما.
القسم الثاني قدرية مجوسية:(120/35)
.. وهم الذين يجعلون لله – جل وعلا – شركاء في خلقه، كما جعل الأولون لله – جل وعلا – شركاء في عبادته، فيقولون: خالق الخير غير خالق الشر ويقول من كان منهم في ملتنا: إن الذنوب الواقعة ليست بمشيئة الله – عز وجل – وربما قالوا: ولا يعلمها أيضاً فيجحدون مشيئته النافذة، وقدرته الشاملة، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن وحد الله، وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحد الله، وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. ويزعمون أن هذا هو العدل، ويضمون إلى ذلك سلب الصفات، ويسمونه: التوحيد، كما يسمي الأولون التلحيد: التوحيد، فيلحد كل منهما في أسماء الله وصفاته، وقد وقع بذلك المعتزلة، والمتأخرون من الشيعة.
القسم الثالث قدرية إبليسية:
... وهم الذين صدقوا الله بأن الله – جل وعلا – صدر عنه الأمران، لكن عندهم هذا تناقض، وهذا حال الزنادقة الملاعين، كالمعري وشيعته المجرمين (1) .
... هذه هي أصناف الزائغين في قدر رب العالمين، وقد تكرم الله الكريم، بهداية عباده المخلصين إلى صراطه المستقيم، فأثبتوا أمر الله ونهيه، كما أثبتوا قدره وحكمته، وعولوا على القدر في المصائب، واستغفروا ربهم ولاذوا به عند المعايب – جعلنا الله العظيم من حزبه المفلحين، وختم لنا بالحسنى آمين.
__________
(1) انظر تفصيل ذلك وإيضاحه في مجموع الفتاوى: (8/256-261، 3/111-128، 8/107) ، وأثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – رواه الآجري في الشريعة: (215) وانظره في شرح الطحاوية: (225) .(120/36)
فتح الحق
في بيان
توضيح الحق
لفضيلة الشيخ
الدكتور/ عبد الرحيم بن أحمد الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأصبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنه وهو اللطيف الخبير، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك أنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم صلى على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد إخوتي الكرام فهذه الموعظة ستكون أمر طرأ ونسأل الله أن يحفظنا من كل شر في الدنيا والآخرة وهذا الأمر الذي طرأ إخوتي الكرام ويتحدث به عباد الرحمن في هذه الأيام لعله بلغكم شريط من شيخين يتكلمان فيه حول بعض القضايا وأرى من باب إحقاق الحق وبيان حقيقة الأمر ونصحاً لهما ووضع الأمر في موضعه أن نتدارس هذا على وجه الاختصار في هذه الموعظة بعد ذلك وتفصيل المباحث يأتي بعد ذلك إن شاء الله مع أن الكثير من المسائل قد مر الكلام عليها ومن أراد الحق وجده فيها لكن كثيراً من الناس يتصيدون الكلامات من هنا وهناك ويضعون الشيء في غير موضعه ونسأل الله جل وعلا أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
إخوتي الكرام، كما قلت كلام بتداوله الناس في مواقف حول كلام تدارسناه وذكرناه فيما مضى وهذا الكلام صدر من الشيخ الألباني ومن الشيخ أبي شقرة، وأنا في هذه الموعظة كما قلت سأبين الحق في هذا الأمر إن شاء الله.(121/1)
إخوتي الكرام، تقدم معنا مراراً أن دين الله جل وعلا يقوم على أمرين إثنين تعظيم لله وشفقة على خلق الله جل وعلا والذي يتأمل هذين الشريطين يرى أنه حقيقةً حصل فيهما اعتداء على الله جل وعلا كما حصل فيهما ظلم لعباد الله وإذا كان الأمر كذلك فسأقرر هذا بما يدل على الأمر الأول ثم بعد ذلك اتبعه بما يدل على الأمر الثاني من حق العباد الأحياء أما حق الله جل وعلا إخوتي الكرام أول كلمة في الشريط إذا سمعتوه يقول الشيخ الألباني أسأل الله أن يغفر لنا وله وللمسلمين أجمعين (كنت أتمنى أن يكون – ويقصدني بذلك – أن يكون مخلصاً وإن كان مخطئاً) .(121/2)
يعني يقول: خطأ عبد الرحيم لا شك فيه لكن كنت أتمنى أن يكون مع خطئه مخلصاً لله - عز وجل - في كلامه لكن لا إخلاص ولا صواب أما الأمر الثاني الذي حكمت به فلك أن تحكم على حسب اجتهادك أنني أصبت أو أخطأتُ اهتديتُ أو ضللتُ والله سيحاسبك وإليه سيؤول العباد جميعاً. أما أن تتدخل في الأمر الأول فحقيقةً هذا لا ينبغي لبشر أن يتدخل فيه فما في قلوب العباد لا يعلمه إلا رب العباد فمن الذي أطلعك على قلب هذا المسكين وهل هو مخلص فيما يقول أو منافق لئيم؟ من الذي أطلعك؟ هل أطلعك الله على غيبه لتقول هذا! أنت أيها الشيخ تقول: لا يمكن أن يُكاشَفَ إنسان بشيء عن طريق الكرامة وتخالف بذلك أهل السنة قاطبةً فأهل السنة يقولون: الكرامات تقع في المكاشفات يقررها الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابين من كتبه: في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وفي قاعدة في المعجزات والكرامات) وهو المقرر عندنا في كتب التوحيد في العلم مكاشفات، وسيأتينا بسط هذا بأدلته والتوسع في أنواع خوارق العادات عند الأمر الثاني الذي يعرف به صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا وهو المعجزات وخوارق العادات فإذا أنت تقول لايمكن أن يعلم الإنسان المغيب عن طريق الكرامة إذاً أنت ما علمت هذا عن طريق الكرامة يعني لو كنت ولياً لله تقول أن ما يحصل لي هذا، ونسأل الله أن تكون ولياً ومن المقربين لكن أنت تنفي هذا عن كل ولي فإذا ما أطلعك الله عن هذا الأمر بسبب كرامة تحصل للصالحين فمن أين علمت أنه مخلص أم لا؟ ولا علاقة على الإطلاق بين الصواب وبين الإخلاص، قد يشرك الإنسان بالله ويكون مخلصاً قد يذهب ويسجد لقبر، سجوده لقبر حرام وشرك، لكن يكون مخلصاً قد قرر أئمتنا أن كثيراً من عباد القبور يُجابون فيما يسألون لإخلاصهم لا لإستقامة فعلهم فهم على ضلال، وهو عندما يذهب إلى القبر يذل لله وينكسر له فيقضي له حاجته سبحانه وتعالى، فإذاً لا صلة بين الإخلاص(121/3)
كما قلت – وبين إصابة الحق قد يكون الإنسان مصيباً [قد يكون] وهو مخلص أو لا يكون على حق أو لا صلة له كما قلت بالإخلاص. فعندنا إتباع وعندنا إخلاص.
فإذا اتبعت أحسنت، وإذا أخلصت أحسنت، وقد يوجد إخلاص بلا إتباع وقد يوجد إتباع بلا إخلاص.
فقولك: (كنت أتمنى أن يكون مخلصاً وإن كان مخطئا) هل أطلعك الله على غيبه؟ وإذا رجعت عن قولك وقلت إن الله أطلعني عن طريق خرق العادة وهذا بسبب كرامةٍ حصلت لي فليتك بينت هذا من أجل أن نكون على بينة وأسأل الله أن يلطف بأحوالنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أيها الشيخ الكريم: من المقرر عندنا في كتب الحديث الشريف – حديث نبينا عليه الصلاة والسلام – حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو حديث عظيم وجليل له وقع في الإسلام كبير وهو ثابت في الكتب الستة وغيرها: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى) ولا يطلع على ما في النيات إلا رب البريات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه وقد كان أئمتنا الكرام يستحبون بدأ أعمالهم بهذا الحديث. قال عبد الرحمن بن مهدي – كما تقدم معنا في أوائل دروس سنن الترمذي – وقد توفي سنة 198 هـ - من صنف كتاباً فليبدأ بحديث عمر وهذا ما فعله البخاري.(121/4)
أيها الشيخ الكريم: أول شيء مر معك في دراسة سنة نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث هلاّ اعتبرت به؟ قال الإمام أبو سليمان الخطابي عليه رحمة الله وقد توفي سنة 338هـ: [كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون بدء أعمالهم بحديث عمر قبل كل قول وعمل] ، ليتذكر الإنسان خشية الله وليصحح نيته ولئلا بعد ذلك يتهم غيره. إخوتي الكرام، هذا الأمر ينبغي أن نعيه وعليه ما جاء في الشريط أنه ليس بمخلص وأنه مصلحجي وأنه وأنه فكما قلت إن أطلعكم الله على غيبه فعلى العين والرأس وإن لم يطلعكم الله على غيبه فقد أشركتم بالله جل وعلا لأن هذا منازعة لله في ربوبيته. إخوتي الكرام، أنتم تدندنون طول حياتكم حول البدع ولا يجوز أن نفعلها وينبغي أن نحذر الناس منها ووصل تشددكم في أمر البدع أن من حمل سبحةً قلتم عنه إنه مبتدع. وكلامكم باطل والحكم على السبحة بالبدعة بدعة وقد قرر هذا أئمتنا الكرام كما في مجموع الفتاوى للإمام ابن تيمية 22/506 قال: [إذا أحسنت النيةُ في التسبيح بالخرز فهو حسن غير مكروه] ، الذي أريد أن أقوله إذا وصل تنطعكم وتشددكم واحتياطكم إلى أن تقولوا إن السبحة بدعة من باب صيانة جناب التوحيد وعدم فعل شيء ليس في شرع الله على حسب اصطلاحكم. كيف بعد ذلك جئتم تمدون علمكم إلى ما في قلوب العباد؟ حقيقةً هذا منازعة لله في توحيد الربوبية وتوحيد الربوبية عندنا أقر به المشركون فضاع عن الموحدين في هذه الأيام. حقيقةً أمر عظيم أمر فظيع ولذلك أنا أرجو من الشيخ الكريم أن يعيد النظر فيما قال وأن يخبرنا إن أطلعه الله على غيبه فنفوض أمرنا إلى الله وما لنا إلا نعبده سواء كنا من أهل الجنة أو من أهل النار لكن إن أطلعك الله فهذه حقيقةً يعني –كما قلت- بلية في حقي وأفوض أمري إلى الله. وإذا لم يطلعك فأرجو أن يقف كل إنسان عند حده.(121/5)
قل فلان أصاب وأخطأ، اهتدى وظل وقل ما شئت وسيحاسبك الله على ما تقول لكن لا تتدخل بين العباد وبين ربهم هل هذا مخلص أو منافق؟ كل سرائرهم إلى الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى وأنا أقول هذا لتعلم أيها الشيخ الكريم وليعلم كل مسلم والله ما أصف نفسي بالإخلاص وما أعلم أنني أخلصت في حياتي وأنا على نفسي بصيرة والله الذي لا إله إلا هو ما أصف نفسي بهذا وإذا وصفت نفسي بذلك فلا شك في غروري وسفاهتي وقلة عقلي، ولكن كما قلت هذا ما يتعلق بحالي مع نفسي أما أنت لا تتجرأ على قلوب العباد، فوض أمرهم إلى ربهم جل وعلا.
إخوتي الكرام.. ينبغي أن نتهم أنفسنا وأن نكون على علم بحالنا وقد تقدم معنا في ترجمة العبد الصالح هشام الدستوائي وقلت حديثه مخرج في الكتب الستة وتوفي 152هـ يقول هذا العبد الصالح: (والله ما أستطيع أن أقول إني قد ذهبت يوما قط اطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) .(121/6)
فمن أنت أيها الشيخ ومن أنا ومن يوجد في هذا الزمان بجنب أولئك الأئمة الأعلام. ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوماً قط اطلب الحديث أريد به وجه الله. وغالب ظني أنك وأنكم لا يخفى عليكم حال هشام الدستوائي الذي بكى من خشية الله حتى فسدت عينه والذي كان يقول عجبت للعالم كيف يضحك ثم يقول عن نفسه هذا. وكان أكثر أهل البصرة ذكراً للموت وهو الذي يقول فيه أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج: (هشام أعلم مني وأحفظ من قتادة) وهو الذي يقول فيه أبو داود الطيالسي: (هشام الدستوائي أمير المؤمنين في الحديث) ومع ذلك يقول (لا أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) فكوني مخلصاً أو لا فدع هذا لي بين وبين ربي. وأنت لا تتدخل بما في قلوب العباد وكل واحد ينبغي أن يتهم نفسه، وأنا على يقين أن كل واحد منا يعرف من عيوب نفسه مالا يعرفه من عيوب غيره، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس قال الإمام الذهبي معلقاً على كلام هشام الدستوائي: (قلت: والله ولا أنا –أي أنا ما أستطيع أن أقول إنني ذهبت اطلب الحديث لله في يوم قط –أبدا- لله مخلص لا يمكن أن أقول هذا. قلت والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنَبُلُوا وصاروا أئمة يُقْتَدَى بهم وطلبه قوم منهم أولا لا لله فحصلوه ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرّهُمُ العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق كما قال مجاهد وغيره طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزقه الله النية بعد وبعضهم يقول: (طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله) فهذا أيضاً حسن ثم نشروه بنية صالحة رحمهم الله ورضي عنهم والصنف الثالث وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثني عليهم فلهم ما نَوَوا.(121/7)
قال عليه الصلاة والسلام: (من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى) والحديث إخوتي الكرام رواه أحمد والنسائي ورواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه ورأضاه، وترى هذا الصنف لم يستضيئوا بنور العلم ولا لهم وقع في النفوس ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل وإنما العالم من يخشى الله عز وجل.
والصنف الرابع: وقوم نالوا العلم وولوا به المناصب فظلموا وتركوا التقيد بالعلم واركبوا الكبائر والفواحش فتباً لهم فما هؤلاء بعلماء.
والصنف الخامس: وصنف لم يتق الله في علمه بل ركب الحِيَلَ وأفتى بالرخص وروى الشاذ من الأخبار وبعضهم إجترأ على الله ووضع الأحاديث فهتكه الله وذهب علمه وصار زادة إلى النار. وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا وتضلعوا منه في الجملة ما أظن ينطبق علينا وصف واحد من هؤلاء الأصناف الخمسة مع ما في الأصناف المتأخرة من سوء وقبح ثم يقول: (فخلف من بعدهم خلْفُ بان نقصهم في العلم والعمل وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ولم يتقنوا منه سوى نذر يسير أوهموا به أنهم علماء فضلاء ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله عز وجل لأنهم ما رأوا شيخا يقتدي به في العلم فصاروا همجا رعاعاً غاية المدرس منهم أن يحصل المدرس منهم كتبا مُثمَنَةً يخزنها وينظر فيها يوماً ما فيصحف ما يورده ولا يقرره فنسأل الله النجاة والعفو كما قال بعضهم: ما أنا عالم ولا رأيت عالماً.(121/8)
وهذا الوصف الأخير أيها الشيخ الكريم ما أراه إلا ينطبق إلا على علماء زماننا إلا من رحم ربك وقليل ما هم فإذا كان هذا حالنا فليتهم كل واحد منا نفسه وليقف عند حدّه إخوتي الكرام: الإخبار بأن ما في القلب يعلمه أحد من البشر وأننا نحكم على هذا بأنه مخلص أو منافق أو مرائي وما أطلعنا الله على غيبة فهذا منازعة لله تعالى في الربوبية وهذا من خصائص ربوبية الله جل وعلا هو الذي يعلم السر وأخفى، وإذا كان الأمر كذلك فلنقف عند حدنا لنمسك ألسنتنا ولنتق ربنا (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) أما فيما يتعلق بعد ذلك في المخلوق هذا فيما يتعلق بحق الله أردت أن أبدأ به لعظم موقعه وعظم حق الله علينا وأشنع شيء يقوم به الإنسان أن يشرك بالرحمن وأن يدعى خصائص الربوبية لنفسه البشرية وليس بعد هذا الظلم ظلم (إن الشرك لظلم عظيم) وأما حق المخلوق فحقيقة المخلوقات على تعددها وتنوعها تنقسم إلى قسمين إما أحياء وإما أموات وقد اتهمت في ذينك الشريطين أنني ما سلم مني الأموات ولا الأحياء وإذا كان كذلك فحقيقة ينبغي أن نذكر واحداً من الأموات وماذا جرى مني ومنهم نحوه ثم نذكر أيضا واحدا من الأحياء واختم الموعظة بذلك أما الأموات فسأبدأ بخير الأموات وأفضلهم ألا وهو خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وهو وإن كان ميتاً عليه الصلاة والسلام وانقطع عن الحياة الدنيوية فحياته أكمل حياة عند رب البريات.(121/9)
إخوتي الكرام: أثاروا لغطاً وأكثروا كلاما حول حديث ذكرته عن نبينا عليه الصلاة والسلام فأعادوا ما عندهم دون الرجوع عما ذكروه ولا يلتفتون إلي ما قرره علماء الأئمة الإسلامية عليهم جميعاً رحمات رب البرية. والحديث تقدم معنا إخوتي الكرام حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي رواه البزار والمسند وحديث بكر بن عبد الله المزني الذي رواه ابن سعد ورواه كما تقدم معنا الشيخ الصالح المبارك إسماعيل بن اسحق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقد توفى 282هـ ورواه الحارث بن أبي أسامة وابن النجار في تاريخه وغيرهما عن انس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. ولفظ الحديث تم تفصيل الكلام عليه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدَثُ لكم – تحدثون ويُحْدِثُ لكم – تحدثون وتُحْدَث لكم – أي تتكلمون وتسألون فنحدث لكم ويُحدَثُ لكم من قِبَل الله جل وعلا وَيحْدُث لكم أجوبة وبيان مادام النبي عليه الصلاة والسلام باقياً فالوحي ينزل وما انقطع وحي السماء.
تحدثون ويحدث لكم ونُحْدِثُ لكم وتُحْدَثُ لكم (ومماتي خير لكم – عليه صلوات الله وسلامه- تُعْرَض عليّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) .(121/10)
جرى حول هذا الحديث لغط كثير منهم وقالوا أنه ليس بثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم أنا بعد ذلك وسعت دائرته وخرّفْتُ نحوه وكنت فصلت الكلام عليه في مباحث النبوة المشرفة على نبينا صلوات الله وسلامه وأراني مضطراً إلى أن أذكر اختصاراً ما ذكرته سابقاً فأقول: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه صحيح، صححه عدد من أئمتنا الأبرار بتصحيحهم نأخذ الأحاديث الثابتة عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه فيما يتعلق باعتقادنا نحو ربنا وفيما يتعلق بالأحكام التفصيلية في شريعتنا، والحديث ذكره الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد 9/24 وبوب عليه باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد موته وقال رواه البزار (ورجاله رجال صحيح) . والإمام الهيثمي ذكره أيضا في كشف الأستار عن زوائد البزار1/397 وبوب عليه بابا فقال باب ما يحصل لأمته عليه الصلاة والسلام منه في حياته وبعد وفاته عليه صلوات الله وسلامه هذا إمام أول من الأئمة الكرام الأبرار يصحح الحديث وهو الإمام الهيثمي.. وبعده الإمام السيوطي عليه رحمة الله يصحح الحديث أيضا في الخصائص الكبرى 2/281 يقول رواه البزار (بسند صحيح) هذا كلام الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى وهكذا الإمام الزر قاني في شرحه على المواهب اللدنية 5/337 يقول رواه البزار عن عبد الله بن مسعود ... (وإسناده جيد) .(121/11)
وهكذا الإمام ولي الدين ابن شيخ الإسلام عبد الرحيم الأثري ولي الدين بن عبد الرحيم العراقي في كتابة طرح التثريب شرح التقريب وبُينت قيمته الحديثية في الأحكام الفقهية في أحاديث الأحكام 3/297 يقول: (إسناده جيد) كم إمام صار؟ أربعة، والخامس والد ولي الدين شيخ الإسلام عبد الرحيم بن الحسين الأثري في تخريج أحاديث الإحياء 4/144 يقول هذا العبد الصالح حياتي خير لكم ومماتي خير لكم الحديث – البزار من حديث ابن مسعود ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف كأن العراقي يقول: رجال الإسناد رجال الصحيح لكن فيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أخرج له مسلم وأهل السنن الأربعة وت 206 هـ قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيرا أفرط ابن حبان فيه فقال إنه متروك. وكما قلت حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة. في هذا العبد الصالح عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عليهم جميعاً رحمة الله. حوله كلام لكن هو من رجال مسلم.
فإذا كان صدوقا حديثه في درجة الحسن لاسيما وقد اعتضد بمرسل ثابت كالشمس سطوعا وظهورا في رابعة النهار ثبت في مرسل بكر بن عبد الله المزني في كتابه فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وطبقات ابن سعد (بسند صحيح) بهذا اللفظ لكن هناك مرسل وهنا الإسناد متصل فلو قُدّر أن هذا الحديث فيه شيء من الضعف في رواية ابن مسعود. ينجبر هذا الضعف ويتقوى ويزول بالرواية المرسلة من طريق بكر بن عبد الله المزني كما قرر أئمتنا هذا في كتب المصطلح فقالوا:
فإن يُقَلْ يُحْتَجُّ بالضعيف ... فقل إذا كان من الموصوف
رواته بسوء حفظ يجبروا ... بكونه من غير وجه يُذْكَرُ(121/12)
يعني إن قيل لنا هل يحتج بالحديث الضعيف؟ نقول نعم متى نحتج بالحديث الضعيف إن كان رواته يوصفون بسوء حفظ نقصوا في الحفظ لكن تعددت الطرق..
وإن يكن كذب أو شذا ... أو قوى الضعف لم يُجْبَرْ ذا
ألا ترى المرسل حيث أسندا ... أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا
ألا ترى هذا المرسل إذا جاء مسندا من طريق ضعيف أو جاء مرسلا من طريق آخر يتقوى المرسل ويصبح حسناً أوَ ليس كذلك.
فإذًا عندنا حديث مرسل اسندا أي إذًا مسندا متصلا من طريق ضعيف أو جاء مرسلاً من طريق تقوى وزال ما فيه من ضعف وهذا الذي يقرره أئمتنا الكرام كما قلت هو المقرر في كتب الحديث والمصطلح.
أعادوا ما في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وكنت ذكرتُ هذا وبينت ضعفه وعدم صلاحيته لما فيه. يقول هنا: إذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في المجمع رواه البزار (ورجاله رجال الصحيح) يوهم أنه ليس فيهم من هو متكلم فيه. وهو قال رجاله رجال الصحيح أما بعد ذلك عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد من رجال مسلم وحوله كلام والمعتمد في أمره كما قال الحافظ صدوق يخطئ لكن هو من رجال مسلم. -ولعل السيوطي إغتر بهذا –انظر إلى هذا التعبير السيوطي اغتر بكلام الهيثمي. يعني كأن السيوطي من جهله المقلدة – إغتر بكلام الهيثمي فقال في الخصائص الكبرى سنده صحيح – (ولهذا فإني أقول إن الحافظ العراقي شيخ الهيثمي كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حيث قال عنه في تخريج الاحياء رجاله رجال الصحيح إلا عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه النسائي وابن معين فقد ضعف بعضهم قلت: أما قوله هو أو ابنه في طرح التثريب في شرح التقريب إسناده جيد فهو غير جيد عندي.(121/13)
10) انتبه إلى هذا التعبير: السيوطي اغتر بكلام الهيثمي قول ولي الدين العراقي ووالده غير جيد عند الألباني (وكان يكون كذلك لو مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه فهي علة الحديث وإن لم أجد من نبه عليها أو لفت النظر إليها أن يكون الحافظ ابن كثير في كلمته التي نقلتها عن كتابه البداية والله أعلم. نعم لقد صح إسناد هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلاً وله عنه ثلاث طرق.
إخوتي الكرام: خلاصة كلام الشيخ الألباني يقول: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد حوله كلام وانفرد بهذه الزيادة في أصل الحديث فهي شاذة.
يقول: (أصل الحديث: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام قال: وقال رسول الله صل الله عليه وسلم حياتي خير لكم إلى آخر الحديث قال البزار لم نعرف آخره يروي عن عبد الله إلا من هذا الوجه ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ثم قال فهو موجود في كشف الأستار في زوائد البزار ثم يقول بعد ذلك إتفاق جماعة من الثقات على راوية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث الذي هو حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ثم متابعة الأعمش له على ذلك مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها لاسيما وهو متكلم فيه من جهة حفظه مع أنه من رجال مسلم وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون وبين بعضهم السبب في ضعفه.(121/14)
إخوتي الكرام: لو سلمنا أن عبدا لمجيد ابن عبد العزيز ابن أبي رواد حوله كلام وزاد آخر الحديث وخالف الثقات هذه الزيادة هل يحكم عليه بالشذوذ؟ من حكم عليها بالشذوذ فهو لا يعرف معنى الشذوذ. الشذوذ هو ليس أن يزيد الراوي في الرواية إنما أن يروي ما يخالف ما رواه من هو أكثر منه أو أثبت منه. فهذا يثبت وذاك ينفي أو ذاك ينفي وهذا يثبت هذا هو الشذوذ أما أن يروي شيئا مثبوتا عنه وهو إن رواه دون أن يشاركه الحفاظ في الرواية لأخذ منه إذا كانت روايته مقبولة في درجة الحسن وانتبه لتقرير هذا من كلام أئمتنا عليهم رحمة الله يقول الإمام عبد الرحيم الأثري في ألفيته.
12) ...
وذو الشذوذ ما يخالف الثقا ... فيه الملا فالشافعي حققا
والحاكم الخلاف فيه مااشترط ... وللخليل مفرد الراوي فقط
ورَدّ ماقالا بفرد الثقة ... كالنهي عن بيع الولاء والهبة
وقول مسلم روى الزهري ... تسعين فردا كلها قوي
واختار فيما لم يخالف (انتبه) ... أن من يقرب من ضبط فردُه حسن
أو بلغ الضبط فصحح أو بعد ... عنه فما شذ فاطرحه ورد(121/15)
يقول الإمام العراقي في شرح هذه الأبيات في التبصرة والتذكرة 1/195 فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردوداً وأن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره – هناك (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام) وقال عليه الصلاة والسلام (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) . هل بين اللفظين تعارض؟ إنما هنا زيادة على ذلك ليس بينهما تعارض حتى تحكم بالشذوذ – يقول: وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد إن كان عدلا حافظا موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق فيما مرّ من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح نعم: هو بعد ذلك بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه. يقول إذا كان ما انفرد به الراوي هو في نفسه في درجات الإتقان والضبط نحكم لإنفراده بأي شيء؟ بالصحة، وإذا كان ما انفرد به هو دون درجة الحافظ الضابط المتقن ننظر إلى حاله فإن كان يُحكم لحديثه بالحسن نحكم لإنفراده بأنه أيضا حسن. إذا استحسنا حديثه لذلك ولم نحطه إلى قِبَلِ الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر وانتهى. وعليه عندنا ماانفرد به الراوي له ثلاثة أقسام:
1. إذا كان ما انفرد به وهو ضابط حاذق ماهر حافظ متقن انفراده صحيح ولا يقال عنه شذوذ.
2. إذا نزل عن ذلك كحال عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد نستحسن حديثه كما لو روى حديثا دون أن يشاركه غيره في روايته.(121/16)
3. وإذا روى من فحش غلطته ردت روايته لو روى دون رواية شارك فيها الحفاظ ويحكم عليها بالضعف. فنحكم أيضا على شذوذه هنا بالضعف هذا كلام أئمتنا فرواية عبد المجيد ... لو سلمنا أنها شاذة وهو متكلم فيه نقول هذا الشذوذ بمعنى أنه انفرد عنهم لا بمعنى أنه اثبت خلاف ما اتفق الجماعة من هم أعلا منه وأكثر ضبطا وعدلا في الرواية وعليه لا يضر فنحن إذا كنا نحسن حديثه لو لم يشاركه غيره فستحسن حديثه بهذه الزيادة وعليه استدل أن حديثه فيه ضعف – على التنزل – باتفاق المحدثين هذا الضعف يزول بالرواية المرسلة –أوليس كذلك؟ وهذا الكلام يعرض على علماء أهل الأرض قاطبة فلينظروا فيه وليعطونا رأيهم.
أما بعد ذلك قوله شذوذ أي شذوذ إذا انفرد بشيء ما خالف فيه الجماعة. أي ما أثبت شيئا نفته تلك الرواية ولا نفى شيئا اثبتته تلك الرواية صار كما لو روى هذه الزيادة برواية مستقلة لم يشاركه أحد في روايتها. لِمَ نرُدُّ زيادته وهذا كلام أئمتنا وهو الذي قرره أئمتنا قاطبة إخوتي الكرام انظروه أيضا كما قلت في هذا الكتاب وانظروه في تدريب الراوي للإمام السيوطي عليهم جميعاً رحمة الله تدريب الراوي ص 149 يقول: وإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمراً لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وأن لم يوثق بحفظه ولكن لم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا، وإن بعد من ذلك كان شاذا منكرا مردودا. وهل عبد المجيد بعيد؟ أو كما قلنا صدوق إذا والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في روايته من الثقة والضبط ما يُجْبَرُ به تفرده هذا الذي قرره أئمتنا في كتب المصطلح إخوتي الكرام فلو سلمنا أن رواية عبد المجيد ... فيها شيء من الضعف- لو سلمنا – لزال الضعف الذي فيها.(121/17)
برواية بكر بن عبد الله المزني، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن إما لذاته أو لغيره، وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أما الرواية الثالثة وهي رواية أنس رضي الله عنه وأرضاه فكما قلت رواها الحارث بن أبي أسامة وابن النجار وغيرهم بسند ضعيف.
بسند ضعيف من قال هذا؟ أما نقلت لكم كلام الإمام العراقي: (ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف) هذا كلام من؟ العراقي. أنا قلت فيما سبق حديث أنس إسناده ضعيف وإن لم يُقوِ رواية عبد الله بن مسعود ورواية بكر بن عبد الله المزني لاشتداد الضعف فيه – إن لم يُقَوِّ فلا يضر دعونا من هذه الرواية لكن عندنا مرسل وبعد ذلك حديث إما حسن لذاته وإما لغيره. قالوا بعد ذلك أنت تقول حديث أنس ضعيف يقول وهذا خطأ وبدأ يكثر بعد ذلك من الكلام الذي ينبغي للإنسان أن يعي ما يقول وقال هذا أنا ذكرت في السلسلة أن فيه متهم وأن فيه وأن فيه.
أيها الشيخ الكريم: أنت ذكرت بنفسك هذا الحكم في كتاب ضعيف الجامع الصغير وزياداته. أنت ذكرت هذا ص405 وهو آخر حديث في حرف الحاء. آخر حديث عندك في ضعيف الجامع: (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) رواه الحارث أي ابن أبي أسامة من حديث أنس- ماذا يقول عنه: (ضعيف) فعلام تعيب علينا بما تقول أنت وتكثرون من اللغط في الأشرطة وتفتنون الأمة علام أنت هنا تقرر بخط يدك أن حديث أنس ضعيف ثم عملتم دندنة لا نهاية لها لأنني قلت إن حديث أنس ضعيف فأنت هنا تقول ضعيف هذا حكمك وأحاديث أخرى تقول موضوع وأحاديث تقول ضعيف جداً أما هذا ماذا حكمت عليه وإذا ذهلت أيها الشيخ ونسيت لكبر سنٍ فيك أسأل الله أن يحسن لك الخاتمة بفضله ورحمته وأن يجعل مأواك جنة النعيم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ولنا ذلك إذا نسيت لكبر السن فأنا أذكرك أن ترجع إلى كتابك ص 405 آخر حديث في حرف الحاء (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) رواه الحارث عن أنس. ضعيف هذا كلامك.(121/18)
فإذا أنت قررت هذا الحكم فإذا عبت غيرك فسيقع العيب بعد ذلك عليك لأنك أنت أصدرت هذا الحكم عليه نعم في السلسلة فيه متهم وفيه وفيه لكن هنا حكمت عليه بخلاف ما في السلسلة فأي الحكمين منك سنأخذ به أيضا؟ على كل حال كما قلت حديث أنس عندنا في هذا الموضوع لا يقدم ولا يؤخر عندنا رواية عبد الله بن مسعود فيما أرى والعلم عند ربي حسبما قرر أئمتنا انتبهوا لا من عندي ولذلك هم عندما يقولون صححت وحسنت هذا افتراء عليّ لا صححت ولا حسنت نقلت التصحيح عن خمسة من الجهابذة الحفاظ وأنا أتحداكم إذا كنتم تنقلون تضعيف هذا الحديث عن حافظ قبلكم فأي الفريقين أهدى سبيلاً. من يقتدي بأئمة متقدمين من علماء القرن الثامن للهجرة ينقل كلامهم ويعوّل عليه أم من يأتي في القرن الخامس عشر للهجرة ويطرح كلام المتقدمين ويعبر عن كلام السيوطي بأنه اغتر وعن كلام ولي الدين العراقي بأن عنده غير جيد ومن هذا الكلام؟ أريد أن أعلم أي الفريقين أهدى سبيلاً ولذلك إخوتي الكرام ينبغي أن نتقي ربنا نحو حديث نبينا عليه الصلاة والسلام. هذا الحديث لما ذكرته سابقا علقت عليه أيضا وقلت لا يتنافى مع ما هو ثابت لنبينا عليه الصلاة والسلام حي في قبره عليه صلوات الله وسلامه، وما المانع من عرض أعمال أمته عليه ليمتد نفعه إلى الأمة فهو مبارك علينا في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسلام أما ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (أتيت ليلة أسري بي على نبي الله موسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه وهو قائم في قبره يصلي) والحديث في صحيح مسلم.(121/19)
وهو قائم في قبره يصلي أما تقدم معنا حديث أبي يعلى والبزار وقال عنه الهيثمي رجاله أثبات ثقات 8/211المجمع وقد صححه السيوطي في الخصائص 2/281، والإمام الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 5/332 تقدم معنا قول النبي عليه الصلاة والسلام (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) فنبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا أنبياء الله عز وجل جميعاً لهم هذا الوصف فإذا عرض الله جل وعلا على نبينا عليه الصلاة والسلام أعمال أمته من أجل أن يحصل لهذه الأمة ما يحصل كان ماذا؟
وهذا الحديث كما قلت أُضِيفُ إلى من تقدم ذكرهم ممن صححوه صححه أيضا الإمام الزبيدي في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين 9/177 فهذا جم غفير من أئمتنا صححوا هذا الحديث واعتمدوه وقبلوه والعلم عند الله جل وعلا ولاأريد أن أفيض أكثر من هذا فيما يتعلق بالنواحي الحديثية لعلنا نكمل ما عندنا من مبحث.
إخوتي الكرام هذا الأمر لا بد لنا أن نعيه قبل أن ننتقل إلى ما بعده أريد أن أقول لهذا الشيخ الكريم أموراً من باب النصح وأنا أرى أن يرسلها كل واحدٍ إليه وأن نتناصح بها فيما بيننا دوما ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا أول هذه الأمور:-
1. أيها الشيخ الكريم مع احترامي لك ينبغي أن تعلم أن أقوالك ليست مقدسة وليس عندنا أحد قوله مقدس إلا النبي عليه الصلاة والسلام وكل واحد يخطئ ويصيب وإذا أنت رضيت لنفسك أن ترد أقوال خمسة وستة من الحفاظ الكبار وأنت استسهلت هذا فأنا على يقين أننا عندما نرد قولك ينبغي أن نستسهل هذا من باب أولى. فإذا أنت تجرأت على رد كلام الحفاظ فلا ينبغي أن يضيق عطنك عندما نتجرأ على رد كلامك فأقوالك كما قلت ليست مقدسة وليست معصومة من الخطأ لذلك أصغ لنصح من ينصحك وأصِغْ بسمعك إليه فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها التقطها.(121/20)
2. الأمر الثاني: ينبغي أن تعلم أيها الشيخ الكريم أنت ولا أريد أن أقول وأنا فمن أنا حتى أقول وأنا أنت وكبار العلماء في هذا الزمان لا تأتون قطرة من بحار علمائنا الكرام فليعرف كل منا قدره وليقف عنده يقول الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تذكرة الحفاظ 2/627 بعد أن انتهى من بيان طبقات معينة وهم الذين قبضوا وتوفوا بين 250و300 يعني في المنتصف الثاني من القرن الثالث للهجرة يقول واستمعوا وليستمع الشيخ الكريم لهذا ولنعرف قدر علمائنا في هذه الأيام بالنسبة لعلمائنا الكرام الذين سبقونا – يقول الإمام الذهبي: (ولقد كان في هذا العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي خلق كثير وما ذكرنا عشرهم هنا وأكثرهم مذكورون في تاريخي تاريخ الإسلام وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفرع وعدد من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذين مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية على نبينا صلوات الله وسلامه وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الإجتهاد فسبحان من له الخلق والأمر) فبالله عليك أيها الشيخ إرفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشذر وهو نظر الغضب – والإحتقار الذي يكون بمؤخر العين ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا هذا من يقوله؟ الذهبي الذي هو من علماء القرن الثامن للهجرة يعني بينه وبين عصر النبي عليه الصلاة والسلام كما بيننا وبين عصر الذهبي تماما مدة مضاعفة يقول فما فيمن سميت أحد أي ممن كانوا في هذه الفترة من سنة 250 إلى 300 للهجرة (فما فيمن سميت أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة) فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال من أحمد ومن ابن المديني وأي شيء أبو زرعة وأبو داوود هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه وما(121/21)
أصوله ولا يدرون الرأي ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت هذا كلام من؟ لا نحن ولا أنت يخاطب علماء زمانه، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوي الفضل. فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجاه أو بالجهل أو بالشر والبأو – وهو الترفع على الأقران – فأعرض عنه وذره في غيه فعقباه إلى وبال.
نسأل الله العفو والسلامة فمع مكانتك واحترامنا لك لا يمكن بحال أن نقدم قولك على قول علمائنا الذين سبقوك ينبغي أن يرسخ هذا في ذهنك وينبغي أن يرسخ هذا في ذهن كل مسلم.(121/22)
3. الأمر الثالث: من باب النصيحة أيها الشيخ أريد أن ترفق بنفسك وأن تشفق على أمة نبيك عليه الصلاة والسلام أرى أن تمنع نفسك من الفتيا وألا تدخل نفسك في أمور الفقه على الإطلاق فعلم الفقه له رجاله فسلم الأمر لأصحابه وإذا سئلت عن مسألة فقهية قل سلوا الفقهاء وقد كان الإمام مالك عليه رحمة الله إذا سُئل عن القراءة يقول سلوا نافعا فإنه إمام القراءة في المدينة وينبغي أن يستعان على كل صنعة بصالح أهلها وحقيقة حصل من فُتياك ومن كثرة الشذوذ الذي يقع في فتاويك حقيقة حصل ما حصل من الإضطراب في الأمة والشذوذ وألفت في ذلك الرسائل وتنابز الناسُ بألقاب السوء من أجل ذلك. خرقت الإجماع في أن الذهب المحلق لا يباح للنساء! وأن النساء لا يباح لهن الذهب المحلق ومن لبست هذا فهي عاصية! ووالله إنا ندافع عنك وقد قررت هذه المسألة في رأس الخيمة وقلت الإجماع انعقد على حل الذهب للنساء فقام بعض الحاضرين فقال الشيخ الألباني خالف إذاً مخالف الإجماع كافر قلت اسكت واضبط لسانك واتق ربك إنه لا يسلم بانعقاد الإجماع فله عذر مع ردنا لقوله ونلتمس له عذراً ونسأل الله لنا وله المغفرة والرحمة لكن هذه مسألة قلتها. بعد ذلك أتيت بفتيا غريبة حقيقة أن ما طال عن القبضة من اللحية بدعة ينبغي قصها من اطلق هذا الحكم قبلك من خلق الله؟ من اطلق من أئمتنا الفقهاء على أن ما طال بدعة ويجب قصه ثم بعد ذلك تطلع ما بين الحين والحين بهذه الأقوال الشاذة والأمة بعد ذلك يقع فيها الهرج والمرج وكم حصلت الردود عليك وأنت بعد ذلك تقابل الرد بردود وتتجرأ عليهم وقد ألف بعض المعاصرين وغفر الله له ولك ولي وللمسلمين أجمعين كتابا سماه قاموس شتائم الألباني.(121/23)
أي التي نبذ بها العلماء الماضين والحاضرين – كتابا في هذا الأمر- فبالله عليك أيها الشيخ أرفق بنفسك وبأمة نبيك عليه الصلاة والسلام وما بذلته من جهد نسأل الله أن يثيبك عليه وأن يضاعف لك الأجر. لكن جانب الفقه إعزل نفسك عنه ومن أيام كنا نتدارس ما يتعلق بموضوع وجه المرأة وبينت كلامه وقلت لكم اشتد بعض الناس في مناظرته كما فعل الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وتقدم معنا أنه وصف تفسير الألباني للأية ولاستنباطه بعد ذلك هذا الحكم من الشريعة أنه إلحاد ومبني على المغالطة وأنه بعد ذلك لا يقول بهذا الحكم إلا من كان اجهل الناس ثم بعد ذلك يقول فهذا القول سوء لا يصدر من أحد يتمسك بما ثبت في السنة النبوية وإنما يصدر ذلك ممن يتمسك بالتقاليد والسنن الإفرنجية إلى آخر كلامه وقلت لكم قسى عليه للتنفير من قوله لا للوضع من مكانته. وهناك كتب أخرى قست أكثر من هذا وما ذكرتها سابقا وإنما من باب أن تعلم ماذا يجري في الأمة من أجل ما تقوله من أقوال شاذة كتاب آخر نظرات في كتاب حجاب المرأة المسلمة لعبد العزيز بن خلف العبد الله من المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يصفك حقيقة بأوصاف والله يعز علينا أن توصف بها لكن هذا هو حال الشذوذ الذي ينفرد به الإنسان وبعد ذلك يريد أن يثبت القول كيف ما كان في صفحة 12 (إن الشيخ الألباني عفا الله عنا وعنه مجبول على محبة الظهور والبروز في أسلوب المخالفات والثناء على نفسه فهو يقوم في هذه المهمة حين لا يوجد من يقوم بها كما وكما وكما) ثم بعد ذلك يقول (الغرور يدعو الألباني إلى التحدي) العناوين بارزة في هذا. قلت: هذا كله بسبب الشذوذ الذي تقوله فأنا أطلب منك أن تكفّ فيما بقي من حياتك وأسأل الله أن يمدها على طاعته وأن يحسن لنا ولك الخاتمة. أن تمسك عن الفتيا وأن تحيل على ما في المذاهب الأربعة المتبعة وان تقتصر على نشر سنة نبينا عليه الصلاة والسلام.(121/24)
4. الأمر الرابع: وهذا حقيقة بحثته مع بعض الإخوة الكرام من خواص من لهم صلة بك نسأل الله أن يحفظك وأن يحفظهم ويحفظ المسلمين أجمعين في مدارسة سبب ما يجري فقال إن سبب ذلك شلة حوله لا يتقون الله في صحبته وإذا كان كذلك فينبغي أن يحترس الإنسان إن الذين كانوا معك حول هذا السؤال أما ظهر لك حالهم أنهم بمظهر العامة ثم من وجّه لك السؤال من أهل هذه البلاد يسألك عن هذه المسائل من أجل إثارة فتنة أما سمعت سؤاله من بداية كلامه يا شيخُنا ثم ما ذكر كلمة صحيحة والشريط موجود وأنت تقول له قل يا شيخنا لكن ما بعدها أنكى وأمر فإذا كان هذا حاله كان الألْيق بك أن تقول له أيها الإنسان إذهب تعلم أحكام الطهارة وكيف تصلي، ولا تشتغل بإيقاع الفتنة بين العلماء وعندما جئتُ هنا كان بعض الناس يحضر فماذا أقول عنهم حقيقة نسأل الله أن يحسن ختامنا وبعد الخروج من المحاضرة قال يا شيخ إنني أؤلف كتاباً في الرد على فلان من المشايخ المشهورين في هذا الزمان ووالله الذي لا إله إلا هو لا يتقن قراءة جزء عم نظراً لا حفظاً والله الذي لا إله إلا هو ثم حضر لعله كان يظن أن أكون مطية له وكم من يحضر من أجل أغراض ثم بعد ذلك لما رأى الأمر ولى وكان أحيانا يتصل بي عدة أيام وما أعلم إن كان هو السائل يا شيخُنا يا شيخُنا. يا عبد الله بمثل هؤلاء الإنسان يتكثر. فدعك من صحبة هؤلاء وأصحب العلماء الأتقياء الذين هم في هذه الكتب واصحب رب الأرض والسماء فأرى أن تنتبه إلى من حولك ووالله إنهم فتنة وما قالوه لك في هذا الشريط وفي غيره قد يدخل الغرور على الصديقين فضلاً عن أمثالنا في هذا الحين إنك تُقَدَّمُ في كل شريط بأنك محدث العصر وفقيه الزمان وبمثل هذه العبارات.(121/25)
أيها الشيخ: أترضى أن يقال هذا فيك وأنت الذي تنشر سنة النبي عليه الصلاة والسلام أما بلغك حديث الصحيحين من حديث أبي بكر وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين عندما أثنى رجل على رجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام قال (أهلكتم الرجل قطعتم ظهر الرجل. قطعت عنق صاحبك) عبارات تقال في الإنسان.
فهؤلاء لو ضبطتهم لكفيت شرهم ونسأل الله أن يكفينا شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين كما لا ينبغي للإنسان أن يزل ينبغي أن يحذر من أن يُزَل ونعوذ بالله من أن نزل أو نُزَل أو نضِل أو نُضَل أو نظلِم أو نُظْلَم أو نجهل أو يُجهل علينا أيها الشيخ الكريم ولعلك أعلم مني بذلك ثبت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي من رواية عبد الله بن سخبرة قال قام رجل يثني على بعض الخلفاء فأخذ المقداد بن الأسود رضي الله عنهم أجمعين كفا من حصى – من رمل – ورشقه بها – ونسفه بها – تعلم من الذي أُثْنِيَ عليه؟ هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - – أُثْنِيَ على عثمان في حضرة هذا العبد الصالح المقداد بن الأسود فأخذ كفا من حصى ورشق بها المثنى المادح فقال له عثمان ما شأنك؟ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) .
وأختم الكلام على هذا بتذكيرك أيها الشيخ الكريم بما جرى من أصحابك المتقدمين معك. كيف حصلت البراءة بينكم وسبّكم من كان يطريكم وما كان لله دام واتصل وما كان (لغير الله) زال وانفصل. فاعتبر بهذا الأمر أيها الشيخ الكريم في هذه الحياة قبل أن يشتد ندمك بعد الممات ولا تكن معبرا لمن حولك وقاني الله وإياك شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.(121/26)
آخر الأمور: حقيقة أرى لك أيها الشيخ وقد أمضيت ما أمضيت وأسأل الله أن يتقبل منك أن تستعد للقاء الله وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في آخر عمره (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) والله إن المناظرات والمجادلات والقيل والقال منا مذمومة فكيف من الشيخ الكبير الوقور نسأل الله أن يصونك من كل شائبة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وبالختام أقول لك شئت أم أبيت وشئنا أن أبينا أنت والدنا ولا شك في ذلك ولك أمران. لا ينكرهما إلا من لا يخاف الرحمن:
1. أولهما: أنت كبير في العمر وليس منا من لم يجل كبيرنا وإذا جهلنا عليك فلسفاهة وطياشة عندنا وما ينبغي أن تشاركنا في الطياشة والسفاهة.
2. والأمر الثاني: الذي لك حق به علينا أمضيت وقتا طويلا في خدمة حديث نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا كان الكلب الذي صحب أصحاب الكهف جعل الله له ذكرا وقدرا فذكره في كتابه فكيف بمن يعيش مع سنة نبينا عليه الصلاة والسلام فترة طويلة من الزمان ووالله الذي لا إله إلا هو ما حصل الرد عليك ولا على غيرك إلا تعظيما لدين الله ومحافظة على ما قرره العلماء الذين هم قبلك لا انتقاصا لقدرك وإن كانت العبارة قاسية ولا يراد من قسوتها الطعن في شخصك ولا في ذاتك وإنما يراد من ذلك التنفير من أقوال تنفرد بها. وقد سبقنا إلى ذلك أئمتنا الكرام وكانوا يسلكون هذا المسلك مع من يشذ في قوله. وسأذكر لك كلاماً يقوله علماؤنا الكرام في بعض علماء الاسلام الكبار لتعلم أن ما يحصل نحوك ونحو غيرك لا يراد منه إلا النصح لدين الله ولا داعي بعد ذلك للطعن بما في القلوب فلا يعلم ذلك إلا علام الغيوب.(121/27)
أما الكلام الذي سأذكره إخوتي الكرام / كلام في منتهى الشدة والقسوة نحو إمام من أئمة الإسلام لكن كما قلت إذا شذ الإنسان فلا بد من الرد على قوله بما ينفر الناس من أخذه وحقيقة أيها الشيخ عندما أطلقت مثل هذه العبارات فإن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع بدعة مقيتة – بدعة وإن قال بها الإمام أحمد – ما قلت إنك تبدع الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه وأنت عندما ذكرت هذه العبارة التي لم تسبق إليها واطلقتها أيضاً قام بعد ذلك السفهاء الذين تأثروا بقولك فما اقتصروا على تبديع الإمام أحمد إنما بدّعوا من قبله ومن بعده عندما رأوا وتوهموا أنهم يخالفون شرع الله كما فتحت لهم الباب وقد تقدم معنا أن الحكيم الترمذي عندما ألف كتابه خاتم الأولياء صار هذا الكتاب بابا للزندقة التي انتسب إليها بعد ذلك وادعاها من جاء بعده من غلاة الصوفية والزنادقة.(121/28)
الكلام الذي سأذكره رواه الإمام أبو الخير شيخ القراء وإمام المسلمين في كتابه منجد المقرئين ومرشد الطالبين {ت 833 هـ} يقول في صفحة 62 عند بيان تواتر القراءات يقول: أما من قال إن القراءات متواترة حال اجتماع القراء لا حال افتراقهم فأبو شامة قال في المرشد الوجيز قال في الباب الخامس منه إن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمه إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم ثم حكى قوله فيما يوجد شذوذ في القراءات السبع. وأبو شامة من هو؟ هو حقيقة إمام زمانه رفع الله مقامه ت سنة665 هـ وهو عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي. انظر ماذا علق الإمام ابن الجزري على عبارة أبي شامة قال: أنظر يا أخي إلى هذا الكلام الساقط الذي خرج من غير تأمل المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة أوقفت عليها شيخنا الإمام ولي الله أبا محمد بن محمد بن محمد بن محمد الجمالي رضي الله عنه فقال: ينبغي أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتة فإنه طعن في الدين. قلت: ونحن – يشهد الله – إنا لا نقصد إسقاط الإمام أبو شامة إذ الجواد قد يعثر ولا نجهل قدره إذ الحق أحق أن يتبع ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلة المُزلَّة ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا اطلاع له على أحوال الأئمة.
ثم بعد ذلك أنا أفاض في تقرير هذا ثم قال وأنا من فرط اعتقادي فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه أو أنه إنما ألف هذا الكتاب في أول أمره كما يقع لكثير من المصنفين ... إلى آخر كلامه.(121/29)
وعند هذا الأمر الأول ألا وهو حق المخلوق وتكلمنا على حق أعظم المخلوقات على نبينا صلوات الله وسلامه على حق المخلوق من الموتى. عند هذا الحق أريد أن أقول أيضا. قلتم أيضا في الشريط الذي يَصُكُّ الآذان ويسمعه المسلمون في البلدان قلتم إنني بنيت على حديث عبد الله بن مسعود علالي وقصوراً فقلتُ إننا ننتفع بالنبي عليه الصلاة والسلام. بعد موته وقُلْتَ بالحرف الواحد إنني وسعت دائرة الحديث كما هو شأني في هذه الأمور هل زدتُ على هذه كلمةً أخرى إنما قلت هذه نعمة من الله بها علينا ألا وهي استغفار نبينا عليه الصلاة والسلام لنا بعد موته وإذا لم نحظى باستغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته ولم نحظ برؤية نور وجهه عليه الصلاة والسلام فما حرمنا الله هذه الفضيلة فمن الله علينا باستغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا قلت هذه نعمة ننتفع بها مازدت عليها فكيف إذا وسعتُ دائرة الحديث وبنيت عليه علالي وقصوراً. أين العلالي والقصور؟ أليس استغفار النبي عليه الصلاة والسلام لنا نفع لنا فما العلالي وما القصور؟ هل قلت نذهب نسجد له أو نطوف بقبره الشريف عليه الصلاة والسلام.(121/30)
ما هي العلالي وما هي القصور؟ ينبغي أن نراقب العزيز الغفور عندما نتكلم. إخوتي الكرام هذا الحديث مع صحته كما تقدم معنا قلت إن بعض الناس في هذه الأيام تجرأ وزعم أنه موضوع أيضا منهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتاب وجاءوا يركضون في صفحة 82 قال حديث حياتي خير لكم ومماتي خير لكم (حديث موضوع) ووالله هذا كلام وضيع وهذا كلام رذيل ولا يجوز أن يقال عن حديث نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام هذا حديث موضوع ثم بعد ذلك أين ردك على مثل هذا الهراء أيها الشيخ فقط جئت تنتقدني في اصطلاح أنت ذكرته فقلت إن حديث أنس ضعيف فقلتُ أنا ضعيف فجئت تقول لا إنه ليس بضعيف إنه فيه متهم يعني موضوع أنت ذكرت ذلك الإصطلاح وهذا الحديث الذي أنت لا تسلم بوضعه كيف ترضى أن يقال هذا الحكم فيه وفي صفحة 149 يتناقض مؤلف الكتاب في كتاب صغير في حديد 150 صفحة فيقول: وما ورد أنه عليه الصلاة والسلام أنه تعرض عليه أعمال أمته فيستغفر لهم فإنه لا يدخل في هذه القضية العينية فإنه كاستغفار الملائكة للمؤمنين التائبين. ويقول معلقا عليه: حديث عرض الأعمال عليه - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت بسند قوي. هناك موضوع وهنا لم يثبت بسند قوي. هذا هو الحال عند ما نريد أن نجعل الحديث يخدم الأغراض ففي ذهن الواحد منا فكرة فسنجعل الحديث يخدم فكرتنا كيفما كان وهذا لا يجوز في شريعة الرحمن.
أترك الشيخ الكريم إلى المعلق الثاني بعد ذلك ولا أزال في الأمر الأول. الشيخ أبو شقرة تولى بعد ذلك الكلام فأثار الشغب والخصام حول هذا الحديث الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقد نعت بألفاظ لعلها بمثل نعوت شيخه أو أعلى فهو الخطيب المصقع وهو أسد المنابر ومن هذا الكلام وكيف يقبل هؤلاء هذه العبارات حقيقة ما اعلم.(121/31)
يقول هذا الشيخ الذي يثير الشغب حول هذا الحديث ويقول: لو سلمنا بصحته انظر ماذا يترتب عليه من محذور – أي محذور سيترتب عليه؟ - قال: سيترتب عليه إذا استغفر النبي عليه الصلاة والسلام لنا وقلنا إن الإستغفار عام في سائر الأمة وفي الأمة طائعون وعصاة وشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام استغفاره لا يرد وعليه ينبغي أن يلحق العصاة بالأتقياء بل بكبار الصحابة رضوان الله عليهم يعني إذا استغفر النبي عليه الصلاة والسلام لأمته استغفاره يكون مقبولا إذاً لن يدخل أحد النار وكلهم سيكونون من أهل الجنة وكلهم سيكونون في درجة الصحابة.
يقول: وتعلم ما يترتب على هذا من ضلال؟!!
سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم..
والله أيها الشيخ الكريم أنت الثاني أنا أعجب كيف نزلت لهذه الهوة السحيقة المهلكة هي التي أهلكت الجهمية عندما ردوا نصوص صفات رب الأرض والسموات بأقيستهم وآرائهم وضلالاتهم فقالوا لو أثبتنا لله الوجه واليدين وسائر صفاته جل وعلا يلزم من هذا التشبيه فنفوا وهذا هو الذي حدا ودعا الشاذين من النحاة إلى رد القراءات لأنها تتناسب مع قواعدهم النحوية وهذا الذي دعا أهل الآراء إلى نبذ الشريعة الغراء لأنها لا تتناسب مع عقولهم وهذا الذي دعا المحترفين من الصوفية إلى تأويل النصوص الشرعية بما لا يخطر ببال أحد من البرية وهذا الذي دعا أهل السياسة الوضيعة الوضعية لنبذ الشريعة المحكمة الربانية.
هذا تأويل يا عبد الله! أنت ابحث في الحديث ثبت أم لا؟ إن ثبت وإن فهمته أحمِد الله وإن لم تفهمه أحمد الله وقل آمنت برسول الله عليه الصلاة والسلام وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا تكثر الشغب حول نصوص نبينا عليه الصلاة والسلام ولا تفتح هذا الباب على الأمة وكفاها هلك تعيش فيها في تأويل الأحاديث وردها. الشغب لا تفتح بابه على حديث.(121/32)
أنت ابحث في الحديث ثبت أم لا إن ثبت وفهمته أحمد الله وقل الحديث ثابت والله أعلم بكيفية استغفار النبي صلى الله عليه وسلم للأمة وماذا يترتب على هذا الإستغفار وكِل هذا إلى الله جل وعلا، ولا تُدخِل نفسك بين الله وبين رسوله عليه الصلاة والسلام ولا تُدخِل نفسك في هذه القضية وقولك إن هذا بعد ذلك سيجر إلى الغلو يقول: وهل تخريف المخرفين إلا مثل هذا الحديث هو الذي دعاهم إلى التخريف. وعندما علموا أن النبي عليه الصلاة والسلام حي في قبره ويستغفر لهم إذا دعاهم للطواف بالقبور والإستغاثة بهم و..و..وسبحان ربي العظيم. هذا الحديث هو الذي دعاهم أو جهلهم بدين الله؟ أما علم هذا الحديث سلفنا وصححوه هل كانوا يطوفون حول قبر النبي عليه الصلاة والسلام وأنت وأنا لا يستطيع أحد منا أن ينكر حياة الأنبياء في قبورهم وأنهم يصلون على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. فهل تنفي هذا أيضاً لئلا يترتب عليه أيضاً محذور؟ نعوذ بالله من هذا القول المرذول وأنا أيضاً أنصحك أيها الشيخ الكريم أن تسمع لي محاضرة ولعلك تتواضع وأسأل الله أن يرفع قدرك وهي محاضرة كانت على مرحلتين وفي كل مرحلة قاربت ثلاث ساعات أو زادت في موقف العقل البشري من الوحي الرباني أنصحك بسماع هذه المحاضرة لئلا تكثر الشغب حول نصوص النبي عليه الصلاة والسلام..(121/33)
وأقول لك ضع رأيك تحت رجلك ولا تلجأ إلى الشغب نحو سنة نبيك عليه الصلاة والسلام. فو الله ثم والله لن تؤمن بربك الكبير حتى يكون هواك تبعاً لهذا السيد الجليل عليه الصلاة والسلام وإياك إياك أن تبدي إعتراضاً على حديثه بقال أو قيل. إلزم الصمت فتح الله عليك ونوَّر بصيرتك وفهمك فاحمد الله وإلا فسأل أهل الذكر عن معناه ولا تقل يلزم ويلزم ويلزم وتريد أن تكثر الشغب في المناقشة حول هذا الحديث. ليس هذا حال أهل الحديث إنما هذا حال من يعكفون على لهو الحديث. أقول لك ما وجه الملازمة بين استغفار نبينا عليه الصلاة والسلام وبين ما ذكرته أنه إذا استغفر لنا سنكون جميعا من أهل الجنة وسنكون جميعا في درجة الصحابة ما وجه الملازمة والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم عندما استغفر لأناس من المنافقين) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:80) آية من القرآن خفيت عليك أيها الشيخ!(121/34)
الأمر الثاني: أذكرك بحديث لتعلم أن دعاء النبي عليه الصلاة والسلام يكون حسبما يشاء ربنا ويرضى ولا تدخل نفسك بين الله وبين نبيه عليه الصلاة والسلام ثبت في المسند وصحيح مسلم والحديث رواه أبو داوود والنسائي والترمذي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، (أتاني جبريل فقال إن الله يقول لك إقرأ القرآن على حرف أن إقرأ القرآن على حرف قلت أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك) وفي رواية في الحديث (إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف قال أسأل الله مغفرته ومعافاته فإن أمتي لا تطيق ذلك فأتاه الثانية قال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. قال أسأل الله مغفرته ومعافاته فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثالثة قال على ثلاثة حروف ثم أتاه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ) أي حرف قرأوا به فقد أصابوا وهي الموجودة في القراءآت العشر المتواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام من المدنيين والمكي والشامي والبصريين والكوفيين الأربعة. إذاً أنظر لتكملة الحديث: قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام (وإن الله يقول لك، لك بكل ردة مسألة) يعني كل رده أنت قلت أسأل الله فيها مغفرته ومعافاته وجاءك جبريل يقول إقرأ ثانية على حرف ثانٍ على ثالثٍ ورد ثلاث مرات ثم في الرابعة على سبعة يقول لك بكل مسألة تسألينها سَلْ ربك ما شئت فقلت اللهم أمتي اللهم أمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم خليل الله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
فقد دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لأمته مرتين وادخر الثالثة ليوم القيامة وهل يعني هذا أننا في درجة الصحابة وأنه لن يدخل عاص في هذه الأمة النار.(121/35)
ما وجه الملازمة بين هذا وذاك أيها الإنسان ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في قول الله جل وعلا فيما حكاه عن خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. (رب إنهن) أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فأنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم قرأ ما حكاه الله جل وعلا عن روحه وكلمته عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) .
فرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه حتى رؤي بياض إبطيه الشريفين عليه صلوات الله وسلامه ثم قال اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي وبكى عليه صلوات الله وسلامه فأتاه جبريل من قِبَلِ ربنا الجليل يبشره بأنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك فهل يعني هذا أننا سنكون في درجة أبو بكر وعمر؟ وهل يعني هذا أنه لن يدخل العاصي النار؟ ما وجه الملازمة بين هذا وذاك؟ على كل حال. أقول من اتضح له معنى الحديث فليحمد الله وإلا فليسلم الأمر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلى الله الذي جعل هذا لنبيه عليه الصلاة والسلام.
إخوتي الكرام والأحاديث في ذلك كثيرة التي تقرر مثل هذا المعنى أريد أن أنتقل إلى الأمر الثاني من الأمرين الأخيرين وهو الأمر الثالث على التفصيل إلى بعض الأحياء الذي أيضاً جرى حوله كلام وكما أخترتُ نموذجا من الأموات وبدأت بأفضلهم وأكملهم وأشرفهم على نبينا صلوات الله وسلامه.(121/36)
هكذا في حق الأحياء أكثر هذا الشيخ أبو شقرة في شريطه ويكرر بين الحين والحين أنني أصف الشيخ الجليل عبد العزيز بن باز حفظه الله والمسلمين في خير وعافية أجمعين وتاب علينا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين كرر بأنني أصفه بأنه صاحب تلويث وأنه لوث الدين وحقيقة عندما سمعت هذا الإنسان يعني بشر هل صدر أحياناً مني شيء من هذا وهو لا يدري أجمعت فكري مراراً فما خطر هذا ببالي. ثم زاد في الإفتراء أنني أقلد أحياناً صوت الشيخ مستهزئاً به وأرد عليه وأن أسأل الله أن يمسخني قرداً أو خنزيراً أو خنزيراً إذا خطر ببالي تقليد الشيخ فضلاً عن فعل ذلك ويعلم الله ما سمعت هذا إلا من الشريط أما أنه خطر هذا ببالي أو فعلت لا أقول فعلت ولا أقول خطر ببالي ولما تابعت كلامه وأعدت سماع الشريطين وقفت على وهمه وخطئه ولله الحمد والمنة.(121/37)
وكل قضية كما يقول أئمتنا من حقق النظر فيها علم أمرها كل مسألة إذا حققت النظر فيها فيها علامة صحتها أو بطلانها والإمام ابن القيم عليه رحمة الله ألف كتابا سماه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية فيذكر في صفحة 29 أن الإنسان إذا كان عنده ملكة يعرف المحق من المبطل ويعرف كيف يوصل الحق إلى صاحبه ويعرف كيف يأخذ على يد المبطل فهو عندما يتكلم في الشريط يقول: أنك تقول أن الشيخ عبد العزيز بن باز لما رد على كلام الشيخ ابن عبد الهادي ... وكنت ذكرت كلامه سابقاً في قصة وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية وكيف دخل شيوخ المسلمين وتبركوا بهذا الإمام الصالح وقبلوه تبركا به أو ليس كذلك وتقدم معنا كلامه في صفحة 369 قلت وحضر- كما يقول الشيخ تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول محمد بن أحمد بن عبد الهادي في صفحة 369 وحضر جمع إلى القلعة فأذن لهم في الدخول وجلس جماعة قبل الغسل فقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا قلت – بعد ذلك- انظر إلى هذا التعليق والتلويث ثم قرأت فمن المعلق ومن الملوث؟ إذا كان المعلق على الكتاب هو الشيخ عبد العزيز بن باز حقيقة – هو الذي وُصِفَ بذلك وإذا كان المعلق غيره فقائل هذا القول وناسبه إلى بين أمرين: إما مفترٍ على عمد ويريد أن يخدع الناس وإما لا يعلم من الذي علق على هذا الكتاب فظن أن الشيخ ابن باز هو الذي علق على هذا الكتاب وأنني الذي أحكم عليه بذلك وهو بذلك مخطئ فيما يقول ما صدر هذا وأنا قلت بعد ذلك أنظر إلى هذا التعليق والتلويث. يقول الشيخ محمد بن حامد الفقي- المعلق على الكتاب.(121/38)
سبحان الله لقد كان الشيخ ابن تيمية يجاهد طوال حياته تلك البدع من قراءة القرآن على الموتى والتبرك بالموتى وآثار الصالحين ثم هؤلاء يصنعون به هذا الذي كان يكرهه والذي ما أوذي بأنواع الأذى إلا من أجل إنكاره إلى آخر كلامه. فمن الملوث؟ الملوث هو المعلق على هذا الكتاب ولذلك أيها الشيخ أيضاً أريد أن تتقي الله في عباراتك وأن تراجع كلامك وأن تتحقق وأنا أريد منك حقيقة أن تكون جريئاً في تحققك فانظر فيمن علق على الكتاب فإذا الشيخ عبد العزيز بن باز هو الذي علق على الكتاب فحقيقة كما قلت أنا الذي وصفته بذلك وبعد ذلك يصدر مني ما تريده مني أنت إن شاء الله وما يجب عليّ وإذا كنت أنت تنسب إليّ ذلك وقد لوثت سمعة الشيخ بهذه الأشرطة هنا وهناك والمؤمن مبتلى فأريد منك أن تتبع هذا بشريط آخر وأن تتوب إلى الله عز وجل وأن تقول أنا أخطأت فيما قلت إما عن جهل وتسرعت ولا أعلم من المعلق على هذا الكتاب وإما أن تقول أيضا سوّل الشيطان لي سوء فعلي لكن كُشِفْتَ والحمد لله الذي أظهر الحق والله جل وعلا يقول في كتابه في قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون..(121/39)
أين الدم الكذب؟ بعد أن ألقو نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه في الجب –بعدها- أخذوا سخلة وذبحوها ولطخوا قميصه بدمها ثم جاءوا إلى أبيهم وقالوا أكله الذئب فنظر يعقوب عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه إلى هذا المشهد الذي يفري الكبد وقال سبحان الله ما أحلم هذا الذئب وما أحكمه ذئب يأكل ولدي ولا يقطع قميصه؟ كيف هذا؟ ولد يؤكل وما باقي منه شيء وليس فيه خرق وجاءوا على قميصه بدم كذب وهنا يقول إنني افتريت على هذا الشيخ وطعنت فيه ووصفته بأنه ملوث والشيخ برئ من ذلك، معاذ الله أن أقول فيه هذا الكلام وليس يعني هذا أيضاً أنني لا أقول إنه أخطأ أو أصاب هذا أمر آخر وكوني كما ذكرت أنه علق على فتح الباري ورد موضوع التبرك فقلتُ إن هذا خطأ وهذا باطل ثم أتبعت هذا بأن قائل هذا من العلماء ونسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
لكن شتان بين أن يقال ملوث ويلوث الدين وبين أن يقال رأي الشيخ الآن في رده على ابن حجر وعلى غيره قول باطل. هذا أقول ولا شك ويبقى ما قلناه سابقاُ أئمتنا المتقدمون لا يزاحمهم عندنا أحد لكن من يلزم الإنصاف نعامله إن شاء الله كذلك ونتأدب معه وهذا واجب علينا ومن يشذ ويطلق لسانه لابد أيضاً أن نعطيه عبارات من أجل أن يحذر الناس ذلك التسرع وذلك التهور.
وبما أنه ثبت وهْمُ الشيخ أبي شقرة وخطؤه فيجب عليه أن يتوب منه وأن يقلع عنه واتبع الشيخ هذا الكلام فقال ما سلم منك الأموات فضلاً عن الأحياء ثم اتهمني بأنني أضلل الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة الله وأنا أعجب إخوتي الكرام غاية العجب. والله الذي لا إله إلا هو لو أذن الله لملابسي أو لدابتي أو لذرات جسمي أن تنطق لقالت إن عبد الرحيم هذا العبد المسكين يحب ابن تيمية وابن القيم أكثر من روحه التي بين جنبيه.
أما بعد ذلك تعليقك على هذا بأني عدت كما كنت عليه وذكرت بيتين من الشعر أنا أعيذك بالله من حمية الجاهلية فقال:(121/40)
نزل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل
يقول أنت كنت مخرف في بلاد الشام وبعد ذلك جئت إلى مكان فيه شهرة للإمام ابن تيمية وابن القيم فلبست هذا القميص ثم عدت إلى بلاد التخريف فأطلقت لسانك بالتخريف مرة ثانية فما كنت تتستر به. بشعار السلفية هذا مصلحة كما قال في أول الشريط مصلحجية وأنا أتحداك إذا قلت عن نفسي في يوم من الأيام أنني سلفي وكما قلت البارحة لا يعنيني أنني لا ألتزم بطريقة السلف. لكن السلفية التي لها مدرسة الآن خاصة وأفكار معينة ومن كان منها فهو سلفي ومن كان لا فهو ردي والله لست منها ولا أقرها وأنا قلت ليسمع هذا الشيخ وغيره الذي يقول مصلحجية في محاضرة علنية في أبها تكلمت فيها على هذا الأمر وقلت كما يفعل تجار السلفية وإذا أردت أن تتحقق جاء مشايخ من كلية الشريعة الكبار وقال يا شيخ والله الذي لا إله إلا هو ما تقوله حق ونفديك بأرواحنا لكن أهل الباطل يتعلقون بهذا الكلام ويعملون ضجيجاً فلا أريد أن تعيد هذه العبارة مرة ثانية. وإن كان يوجد من يتاجر بهذه الشعارات وما أكثرهم. وكما قلت مراراً لا نقر تخريف الصوفية ولا نقر شذوذ من يدعون أنهم سلفية. ودين الله بين الغالي والجافي. متى ادعيت في يوم من الأيام أنني سلفي؟ متى؟ لكن هل خرجت عن مسلكي الذي أنا عليه؟ هل خرجت؟ وقد قال بعض الإخوة عندما قيل له: يقول عن ابن تيمية وابن القيم ما يقول. قال: سبحان الله!(121/41)
والله ما أحد حببني في هذين الشيخين إلا عبد الرحيم وأقول لما درست لما درَّستُ مادة توحيد رب البريات لأخواتي الطالبات في أبها ثلاث سنوات حصل من الخير ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسموات ولما فصلت عن تدريسهن ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعاً كتبن رسائل متعددات لكثير من الشيوخ الكرام ووقعن عليها جميعاً بلا استثناء هذا عدا عن الرسائل المتعددة الفردية يقلن فيها إنهن ما ذقن حلاوة الإيمان ولا عرفن قيمة هذه المادة إلا بعد تدريسي لهن ولله الحمد والفضل والمنة لا إله غيره ولا رب سواه. وكما دَرَّسْتَ أخواتي الطالبات فقد درّست إخوتي الطلاب مادة توحيد الكريم الوهاب بالإضافة إلى غيرها من المواد وكان أثر مادة التوحيد يفوق غيرها في نفسي وفيهم ولله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات. نعم كنت أقرر عقيدة أهل الحق وأحاول ربط القلب بالرب جل وعلا وأعرض عن سفاهة من جعلوا هذه المادة المباركة معبراً لتضليل المسلمين وشن حملات منكرة على مذاهب أئمتنا المهتدين جزاهم الله عنا الخير العميم في هذه الدنيا ويوم الدين فهذا يقول هذه الأبيات يقول: أنت بدأت تعود لتخريفك لأول منزل. ما الحب إلا للحبيب الأول رجعت للتخريف الذي كنت عليه وأنا أقول لك سنجتمع عند من تبلي عنده السرائر.
وإذا كان شيخك في أول الأمر يقول: هو يتمنى أن أكون مخلصاً وإن كنت مخطئاً فأنت تقول ما سبب تغير عبد الرحيم عندما جاء إلى بلاد التخريف السبب أنه رجع إلى خرافاته التي كان عليها. أنا اقول لك أيها الإنسان أنت تسأل وتجيب وسنجتمع عند السميع المجيب.(121/42)
لكنني أريد أن أقول لك الله هو الذي يعلم السر وأخفى يعلم الله الذي لا تخفى عليه خافية وما كان في وجهي شعرة وأنا في ثانية متوسط إعدادي وما أعلم أني كنت في ذاك الوقت كنت محتلماً أم لا كنت أقرأ في كتب الشيخين المباركين بتوجيه من ربي لا بتوجيه من أحد ولا بجهد من نفسي وأذكر أنني كنت في بعض الأماكن ومعي كتاب الحسبة وأنا في هذا السن فرآني بعض الناس فقال ما معك قلت كتاب الحسبة للإمام ابن تيمية كتاب مختصر صغير قال أعوذ بالله أنت تقرأ كتب ابن تيمية في هذا السن؟ قلت: يا رجل ما في هذه الكتب إلا نور وهدى. قال: أعوذ بالله. الحجرة التي فيها كتاب لابن تيمية أنا لا أدخلها.
وأحب أن ألفت نظرك أيضاً إلى هذا الأمر فلا يغيبن عن بالك. إعلم يا عبد الله إذا كنت متقوقعاً وحصرت نفسك في مفاهيم معينة فو الله الذي لا إله إلا هو لقد تلقيت العلم عن مشايخ كرام سادة أعلام في حلب الشام. لو قدر الله أن تراهم لتقربت إلى الله جلا وعلا بخدمتهم ولحملت أحذيتهم فاعرف قدرك ولا تعرض بأولياء الله جل وعلا لئلا يكون الله خصمك ألهمك الله رشدك ووقاك شر نفسك.
أيها العبد المستور. كان يقال العداوة تزيل العدالة فصارت العداوة تزيل الديانة فهل اطلعك الله على غيبه حتى صرت تستدل بهذين البيتين على ما خفى عنك. نعم إن الشعراء يقولون ما لا يفعلون وكما نعتهم بذلك الحي القيوم وهم بلا شك أخف ممن يقولون ما لا يعلمون. ألهمنا الله رشدنا في جميع أحوالنا. وأنا في جميع. وأنا في جميع ما ذكرت كنت أقرر أموراً علمية ودفاعاً عن أئمة الإسلام.(121/43)
ليتكم ذكرتم بعد ذلك قضايا العلم وقلتم إنني خرفت فيها وضللت ليتكم إنما جئتم بعد ذلك بهذه التحليلات الفارغات والله الموعد سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام: يقول في هذا الشريط كنت سلفياً وتتظاهر فيها ثم بعد ذلك واحد آخر يقول يا شيخ – هذا خلال الكلام واللغط ممن يوجهون المجلس – يقول له يا شيخ أنا من خمس سنين له شهرة وكانوا يعرضون أشرطته ويبيعونها ولكن ما وقع في قلبي. يقول له الشيخ الكبير: الحمد لله لأنه كان مخرفاً.(121/44)
ثم يقول واحد آخر يقول: يا شيخ: نحن تذكر جاءنا منذ ثلاث سنين أو خمسة كتاب في بدع هذا الإنسان عندما كان في تلك البلاد. قال ما أذكر قال لا. جاءنا كتاب في بدعه وأنه ضال يضل الأمة. لكن نسيت اسم المرسل ثم بعد ذلك يشتط في الكلام ويقول مسلكك في الوعظ مسلك القصاص. ثم بعد ذلك يأتي ويثني ويقول عجبت بقوة عارضتك وحسن عرضك وجمع مادتك بما يبهر العقل أريد أن أقول لكم: نحو هذه الأوصاف أنتم مجانين أو عقلاء. أما قال الله جل وعلا: (قُتِلَ الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون) خرَّاصون.. (إنكم لفي قول مختلف يُؤفَكُ عنه من أُفِكْ قتل الخراصون) قول مختلف ! كيف أعجبك قوة عرضي وحسن عرفي وجمع مادة علمية غزيرة أعجبت بها شيئاً كثيراً ثم تقول مسلكي مسلك القصاص الذين يريدون أن يخدعوا العامة. كيف ستؤلف بين هذين الحكمين المتناقضين ثم كان سلفياً وكان يتظاهر وعندكم كتب عنه بأنه مبتدع ضال من سنوات كيف توفقون بين هذه الأمور ألا تتقون الله في أحكامكم على عباد الله وكما قلت هل أطلعكم الله على غيبه أو على ما في قلوب عباده وأنا والله لا أحجر عليكم إذا قلتم أنني أخطأت بل لو زدتم وقلتم أنك ضللت في هذه المسألة وقولوا ما عندكم من أدلة وأنا إخوتي الكرام أريد أن أقول لكم لتعلموا وليعلم المسلمون في كل مكان إذا قلت قولاً من إجتهادي ونسبته إلى نفسي فأجعل في أعناقكم أمانة أحاسبكم عليها أمام الله أن تقوموا وتأخذوا الأحذية وتضربوني على رأسي حتى ألقي على الأرض. إذا ذكرت حديثاً وصححته من نفسي، أو إذا ذكرت مسألة علمية من نفسي. أما في مسائل العلم فلا أخرج عما هو في المذاهب الأربعة المتبعة وهذا ما أفعله في دروسي وأما في الحديث فلا أتكلم إلا ما يقوله أئمتنا وأحدد الأجزاء والصفحات.(121/45)
لكن بعد ذلك ينسب الهوس إليّ لم؟ أنت عندما جئت تناقش في موضوع قراءة القرآن على القبور أنا نقلت كلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية وإذا كنت تناقش وسنناقش المسألة مع أنه تقدم الكلام عليها علام تنسب إليّ التخريف؟ هلا نسبته إلى الإمام ابن تيمية الذي لا شك في سلفيته عندي وعندكم؟ هلا نسبت التخريف إليه؟ وأنا نقلت القول عنه. وأن هذا قول معتبر وفعله الإمام ابن عمر وكان يفعله الأنصار وجئت بعد ذلك ترد على أيها الإنسان لما؟! وأنا حقيقةً أحسن بعضُ الشباب الطائش في هذه البلدة في وصفي والله أنطقه بالحكمة ولكنه طائش من هذا الشباب الذي قلت لكم يريد أن يؤلف كتبا في الرد على العلماء ولا يتقن قراءة جزء عم قال: لا يغرنكم أمر هذا الإنسان هو جَمَّاعٌ فقط ليس بعالم ولا فقيه ووالله إنك صدقت وكثيرا ما تجري الحكمة على ألسنة السفهاء والمجانين. ما عندي شك في هذا. جَمَّاعٌ نعم اجمع من هنا وهناك وأعرض ما أجمعه في دروسي من أجل أن ينتفع الناس به. نعم لست بمتخرص ولست بمجتهد ولست بمتأول ولا مستنبط وأنا أعرفُ قدر نفسي ووالله الذي لا إله إلا هو وهو على ما أقول شهيد ويعلم مافي القلوب لولا أن الحاجة تدعو إلى التدريس لما دَرَّسْتُ وما عندي شك أن زماننا يتحدث فيه مثلي زمان سوء ما عندي شك فيه. لكن ما أعمل وإلى الله جل وعلا أشكو ضعفي وضعف الأمة في هذه الأيام فيا أيها الإنسان أريد أن ترفق بنفسك فإن قيل وهل يجوز أن ترمي الشيخ محمد بن حامد الفقي بأنه يُلَوِّث أقول نعم كما قلت في عبارات الشيخ الألباني من قال هذا الكلام يحجر عليه أقول أيضاً هنا هذا ليس بتعليق هذا تلويث ممن صدر لأنه شتان شتان بين أن يقول الإنسان رأياً وأن يعلله وأن يأتي عليه بدليل وأن يأتي بشذوذ ما بين الحين والحين هنا وهناك شتان شتان. فالشيخ حامد فقي وقد توفي نسأل الله لنا وله المغفرة الرحمة أرحم الراحمين.(121/46)
وكما قلت نقول ما نقول تحذيراً من الأقوال الباطلة ونسأل الله للمسلمين أجمعين المغفرة والرحمة. حقيقة لما علق على كتب الإمام ابن القيم لما علق عليها وعلى غيرها من كتب أئمتنا لوثها فاستمع إلى بعض تعليقاته: في صفحة (55) مثلاً في مدارج السالكين في الجزء الأول استمع ماذا يقول: يأتي الإمام ابن القيم للإستشفاء بالقرآن فيقول: وأما تضَمُّنُها – يعني سورة الفاتحة – لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة. فأما ما دلت عليه السنة في الصحيح من حديث أبي المتوكل من رواية أبي سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب فلما لم يقروهم – يعني لم يضيفوهم – فلدغ سيد الحي إلى آخر الحديث. يقول هنا الإمام ابن القيم فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغْنته عن الدواء وربما بلغت من شفاءه ما لم يبلغه الدواء. هذا حق أو باطل؟! الرقية بالقرآن حق أو باطل؟ استمعوا ماذا يقول المعلق – الشيخ حامد فقي يقول: (لم نجد في الروايات الصحيحة أن أحداً من الصحابة لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعده فعل ذلك مرة ثانية ولعله والله أعلم كان هذا الحادث بصنع الله لأولئك الصحابة الذين كانوا في حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعهم أهل الحي حقهم من الضيافة مع جوعهم وشدة حاجتهم فسلط الله الحشرة على رئيسهم فلدغته ليستخرج لهم بتلك اللدغة والرقية حقهم.(121/47)
أما هذا لا يجوز وما فعله أحد بعد ذلك. هذا تلويث أو تحقيق. ويقول في تعليقه على فتح المجيد عند مبحث الرقية بآيات الله والأدعية الشرعية في صفحة 28. وبعد أن أورد صاحب كتاب فتح المجيد الخلاف بين السلف في تعليق الرقية إذا كانت من التمائم لكن من آيات القرآن. أورد قولين للسلف يقول هذا المعلق: فعل ذلك إستهزاء بآيات الله ومناقضة لما جاءت به ومحادة لله ولرسوله والله أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وشفاء لما في الصدور ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وإنه لتذكرة للمتقين وإنه لحسرة على الكافرين.
ولم ينزل ليتخذ حجباً وتمائم ولا ليتلاعب به المتأكلون الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويقرأونه على المقابر وأمثال ذلك مما ذهب بحرمة القرآن وجرأ الرؤساء على ترك الحكم به.
إخوتي الكرام: ما دخل هذا بهذا؟ أن من فعل هذا واسترقى بآيات القرآن. هذا أشد أنواع الإستهزاء بآيات الله جل وعلا؟! هذا تلويث.(121/48)
أنظر إلى تلويث آخر في صفحة (57) لما ذكر تأثير إصابة العين علق عليها الإمام ابن القيم يقول منكر هذا – أي الإصابة بالعين – ليس معدوداً من بني آدم إلا بالصورة والشكل. يقول المعلق: هذا باعتقاد الشيخ رحمة الله وغفر لنا وله ولو كان الأمر كما ذكر لاستطاع كل يهودي ونصراني ومشرك بل وكل عدو أن يؤذي عدد بإرسال تلك السموم التي صورها الشيخ من أشعة عينية فتقتله كمل يقتله لسع الحية ولدغ الثعبان والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ولما كان مع الشيخ أحمد شاكر – أي الشيخ حامد فقي – يحققان تهذيب السنن للإمام المنذري وعلق عليه ابن القيم واختصما وكل واحد كان يكتب اسمه على التعليقة التي يعلقها وجرى بينهما مباحثة حول دخول الجن في بدن المصروع محمد حامد فقي قال: هذا لا يمكن مستحيل هذا خرافة لايمكن للجني أن يدخل في بدن الإنسي وأن يصرعه فقال له الشيخ أحمد شاكر هذا موجود في الأحاديث الصحيحة قال: لا يمكن. فذهب وبحث وأحضر له نص الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي على أنه يمكن والإمام ابن تيمية كان يعالج بعض هذه الحالات قال له الإمام ابن تيمية هذا (بتوعنا مش بتوعكم) لا يجوز أن تستدل أنت بكلامه هذا من جماعة السلفية فقط هذا نحن نستدل به هذا ليس من جماعتكم. أعوذ بالله. وهنا كذلك لا يأتي كلمة والله لوث الكتاب من أوله إلى آخره أنظر ماذا يقول في تعليقه على كلام الإمام ابن القيم في صفحة (58) يذكر الإمام ابن القيم أنه عندما كان في مكة المكرمة كان يستشفي بالفاتحة وبماء زمزم ثم يقول بعد ذلك كنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين يعلق يقول: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو عن خلفاؤه الراشدين فعل شيء من ذلك.(121/49)
تقرأ الفاتحة على ماء زمزم وتشرب في صفحة (118) يقول الإمام ابن القيم: والمستحب النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلماً والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين والنظر في آيات الله المشهورة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته يقول المعلق: انظر. النظر والتأمل في آيات الله الكونية أوجب الواجبات إلى أن يقول بعد ذلك: أما النظر إلى المصحف ووجوه العلماء فلا أدري من أين جاء استحبابه. لم النظر إلى المصحف مستحب والنظر إلى العلماء مستحب اللهم إلا إن كان على أنه من سنن الله وآياته فيكون للإعتبار. يعني كما أنك تنظر للقرد تنظر إلى العَالِم لتعتبر هذا مخلوق وهذا مخلوق أما أن هذا نظر مستحب تنظر لترى النور والبهجة في وجهه يقول لا. ما الدليل على استحبابه؟ إهداء القرءان إلى الموتى صفحة (142) يقول الإمام ابن القيم: ما ينفع الميت: ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال من الصدقة عنه والحج والصيام وقراءة القرآن الصلاة وجعل ثواب ذلك له وقد أجمع الناس على وصول الصدقة والدعاء. يعلق يقول: (ليس في قراءة القرآن للموتى إلا دعاوي ومنا مات المقلدين الذين يلقون القول على عواهنه بدون تحقيق ولا تمحيص، والقرآن إنما أنزله الله ليتدبره أولو الألباب) ومثل هذا كثير وكثير هذا في هذا الجزء وأما بعد ذلك في الجزء الثاني نماذج ففي صفحة (485) أنظر كيف تجرأ بهذه العبارات يقول هنا الإمام ابن القيم (إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في قلوبكم ويخرجون من حيث لا تحتسبون عن طريق الفراسة الصادقة وإلهام الله لهم يقول المعلق (ليس هذا فراسة إنما هو علم بما في الصدور وهذا شرك في الربوبية وهي دعوى كثير من شيوخ الصوفية) ، وهل أشرك الإمام ابن القيم عندما أورد هذا.(121/50)
يقول هنا بعد ذلك – أي الإمام ابن القيم – على فراسات الصحابة عندما دخل بعض الناس على عثمان وقال (تدخلون علي وفي أعينكم أثر الزنا) .
يقول المعلق: (هذه روايات غير مستندة إلى ما يطمئن قلب المؤمن إليه وبالأخص بالنسبة إلى أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذه ليست فراسة وإنما هي معرفة غيب وأنى لعثمان أن يجزم بالزنا هذا الجزم إلا أن يكون وحيا أو دعوى علم غيب وكلها منتفى) صفحة (89) حتى الإمام ابن تيمية ما سلم منه يقول الإمام ابن تيمية حاكيا عن شيخه:
(ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخما) وسأذكر كثيراً منها إن شاء الله عند مبحث خوارق العادات.
يقول ابن القيم أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة 699 هـ وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن ... الجيش وحدته في الأموال. وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة ثم أخبر الناس والأمراء سنة 702 هـ لما تحرك التتار وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وسمعته يقول ذلك فلما أكثر عليه قلت لا تكثروا كتب الله في اللوح المحفوظ أنهم منهزمون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام هذا كلام من؟ ابن تيمية يحكيه تلميذه ابن القيم فإذا اطلع الله على ذلك عبدا من عباده ما الحرج؟ سيأتينا هذا خارق للعادة كرامة والله يكرم من شاء بما شاء يقول المعلق: (هل أطلع على اللوح المحفوظ ابن تيمية إطلع كيف هذا لعله كان يقصد بتلك الجرأة في القول تشجيعهم وتقوية روحهم المعنوية فإن هذا من أقوى أسباب النصر على الأعداء) .(121/51)
كيف يقسم ابن تيمية تلك الأيمان والأمر كما يقول حامد فقي – المعلق - يقول بعد ذلك الإمام ابن القيم في آخر مبحث كرامات شيخه الإمام ابن تيمية أخرها يقول (وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا انتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدت والله أعلم) هذا ينقله عن شيخه وكل هذا يعلق عليه الشيخ حامد فقي بأنه لا قيمة له واستمع إلى ما ختم به تعليقه على ما تقدم.
قال: (مفاتيح الغيب عند الله جل وعلا لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى وغفر الله لنا ولإبن القيم فأين هذا من الفراسة إنما هلك من هلك بالغلو في شيوخهم عفا الله عنا وعنهم. وهذه الأقوال التي يذكرها الشيخ حامد فقي سيأتي معنا إن شاء الله مناقشتها والرد عليها بإذن الله جل وعلا.
بالنسبة لقراءة آيات السكينة (ثم أنزل الله سكينتة على رسوله وعلى المؤمنين ... الأية)
(لا تحزن إن الله معنا ... الأية) للإمام ابن القيم بحث طويل يقول: (سمعت شيخ الإسلام يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شياطينية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة قال فلما اشتد علي الامر قلت لأقاربي ومن حولي إقرأوا آيات السكينة قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبا يقول ابن القيم وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيراً عظيما في سكوني وطمأنينتي.. إلى آخر بحثه) .
يقول المعلق: (كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل كان من هديه ومن هدى الخلفاء الراشدين..) .
خذ من هذا الكلام ومن هذه التعليقات الباطلة ما لا مثيل له. الجزء الثالث – ما سلم جزء من أجزاءه من تعليقات ملوثة ص 228 في الجزء الثالث تعليق يعجب الإنسان منه يقول ابن القيم (والكشف الرحماني من هذا النوع.(121/52)
ومن الكرامة التي يكرم الله بها عبداً من عباده فيعلمه شيئا مغيبا مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة إن امرأته حامل بأنثى وكشف لعمر رضي الله عنه لما قال يا سارية الجبل وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن.
يقول المعلق: (كان سارية مع قواد جيش عمر في بلاد الشام في بلاد العجم فأخذت عمر وهو على المنبر سنه من النوم كوشف فيها بمجيء مكيدة دبرت لسارية وجيشه فناداه وهو نائم – نائم على أي شيء؟ على المنبر يخطب الجمعة – ناداه وهو نائم كذلك بأن يلجأ للجبل ويجعله وراء ظهره ويلزمه وروى أن سارية سمع ذلك النداء وأطاع الأمر فسلم وسلم جيشه) .(121/53)
أنا أعجب من عقلك إذا رضي أن تقول قال في نومه كيف بلغ سارية القول هي هي بقيت يعني لِمَ أوَّلت الأولى والثانية ما وجدت لها مخرجاً هذا هو التلويث الذي يفعله في هذه الكتب وهذا التلويث كما قلت اتصف به هذا الإنسان ولا بد من التحذير من تلويثه الذي لوث به كتب شيخ الإسلام وتلميذه وكتب أئمة الإسلام فلنحذر هذا وقصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في مناداته سارية رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر ثابتة صحيحة قال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة ص 474 قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر عليهم جميعا رحمة الله اسنادها حسن وقد رواها الإمام البيهقي في دلائل النبوة كما رواها الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة الكرام وقد رواها الإمام ابن الأعراب أيضا في كتاب كرامات الأولياء وجمع طرقها الإمام القطب الحلبي في جزء مفرد وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي الجزء 11/278 ومثل تلويثه أيضا تلويث زهير الشاويش في تعليق على الأعلام العلية في مناقب الإمام ابن تيمية أنظر مثلا في ص 43 يقول صاحب الكتاب تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية الحافظ عمر بن على البزار توفي سنة 749 هو تلميذ الإمام ابن تيمية يعني يروي أشياء جرت له مع شيخه يقول سبحان الله ما أقصر ما كانت يعني مدة صحبتي له – يا ليتها كانت طالت والله ما مر علي إلى الآن زمان كان أحب إليّ من ذلك الحين ولا رأيتني في وقت أحسن حالا مني حينئذٍ وما كان إلا ببركة الشيخ رضي الله عنه.(121/54)
البركة الآن تخريف ابن تيمية وتلاميذه مخرفون استمع للتعليق يقول (أي بتوفيق الله بالاقتداء بأحد العلماء الصالحين وأخذ العلم عنه) وفي ص 58 الفصل التاسع في ذكر بعض كراماته وفراسته بعد أن أورد نماذج كثيرة من فراسة الشيخ وكلامه يقول (الشيخ لم يكاشف بأمر مغيب ثم يُأوِّلُ بعد ذلك حقيقة إخوتي الكرام سأذكر لكم قصة فقط من هذه المكاشفات التي كان يرويها هذا الشيخ الكريم عليه رحمة الله. منها مثلا يقول حدثني الشيخ الصالح المقرئ أحمد أنه سافر إلى دمشق قال: (فاتفق أنه لما قدمت ولم يكن معي شيء من النفقة البتة وأنا لا أعرف أحداً من أهلها فجعلت أمشي في زقاق منها كالحائر فإذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعاً فسلم إليّ وهش في وجهي ووضع في يدي صرة فيها دراهم صالحة وقال لي أنفق هذه الآن وخلِّ خاطرك مما أنت فيه. فإن الله لا يضيعك ثم رُدَّ على أثري- يعني رجع من حيث جاء – كأنه ما جاء إلا من أجلي فدعوت له وفرحت بذلك هذه من ينقلها؟ الإمام الحافظ البزار تلميذ الإمام ابن تيمية وقلت لبعض من رأيته من الناس: من هذا الشيخ قالوا كأنك لا تعرفه؟ وكيف يعرفه وهذا أول دخوله إلى دمشق وجاء للقاء الشيخ قالوا هذا ابن تيمية له مده طويلة لم نره اجتاز بهذا الدرب – هذا الدرب الذي أنت تسلكه ما يسلكه الإمام ابن تيمية – وكان جُلَّ قصدي من سفري إلى دمشق للقائه فتحققت أن الله أظهره علي وعلى حالي فما احتجت بعدها إلى أحدٍ مدة أقامتي بدمشق بل فتح الله علي من حيث لا أحتسب واستدللت فيما بعد عليه وقصدت زيارته والسلام عليه فكان يُكرِمني عن حالي فأحمد الله تعالى إليه.(121/55)
ماذا نقول عن هذا يعني الشيخ ابن تيمية الآن بدأ يخرف؟ لا إله إلا الله ... ومثل هذا كثير إخوتي الكرام يقول أحمد بن سعيد سافرت إلى مصر حين كان الشيخ مقيما فيها فاتفق أني قدمتها ليلا وأنا مثقل مريض فأنزلت في بعض الأمكنة فلم ألبث أن سمعت من ينادي بإسمي وكنيتي فأجبته وأنا ضعيف فدخل إلى جماعة من أصحاب الشيخ محمد ممن كنت اجتمعت ببعضهم في دمشق فقلت كيف عرفتم بقدومي وأنا قدمت هذه الساعة فذكروا أن الشيخ أخبرنا بأنك قدمت وأنك مريض وأمرنا أن نسرع بنقلك وما رأينا أحدا جاء ولا أخبرنا بشيء هذه الكرامات كلها يعلق عليها ويقول: (كيف يقع هذا ومثل هذا ومثل هذا غيب ولا يطلع عليه إلا الرب) وماذا نعمل الآن؟ يعني نكذب الإمام البزار؟ أو نقول إن الشياطين كانوا يأتون للإمام ابن تيمية فأنا أقول إلى من يدعون الإنتساب إلى السلف أقول: أجِلُّوا علماءكم الذين تنتسبون إليهم واتقوا الله جل وعلا فيهم وإذا رأيتمونا نخرج عن أقوالهم وعن أقوال أئمة الإسلام فلكم بعد ذلك علينا كلام والله ما أحد خرج عن أقوالهم إلا أنتم قبل غيركم وأحضرتم بعد ذلك من التأويلات مالا يخطر ببال إنسان ولذلك اتقوا الله جل وعلا ربكم. واختم الكلام إخوتي الكرام بهذا التنبيه هذا الشيخ كما قلت يقول. إنك من القُصَّاصِ ثم في مستهل حديثه يقول: (كأنك تشبه حال القُصَّاص بحيث من سمع كلامك ينعقد لسانه ولا يتكلم من غرابة ما تأتي به من الكلام كما حصل للإمام أحمد بن حنبل ويحي بن معين عندما قام القاص وافترى عليهم بحضورهما فما استطاعا أن يجيباه) .(121/56)
وخلاصة القصة ولا صحة لها – وأريد أن انبه هذا إلى ألا ينسب إلى الإمامين المباركين الجليلين – أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رحمهما الله ورضي عنهما – لا ينسب إليهما ما علم لهما به – خلاصتها كما سأبين وهي موضوعة مكذوبة يقولون كان الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فجاء قاص وقال حدثني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ثم ساق حديثا إلى نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم من طريق الشيخين أن من قال لا إله إلا الله خلق الله من هذه الكلمة طائراً له ريشة من ذهب وريشة من فضة وريشة من زبرجد وبدأ يذكر حديثا في قرابة خمس عشرة صفحة له والإمام أحمد نظر إلى يحيى ابن معين قال أنت حدّثته قال لا فيحيى بن معين قال لأحمد أنت حدثته قال لا فبعد أن انتهى هذا القاص من حديثه جلس على الباب وفرش خرقة من أجل أن يعطيه الناس القطيعات الدراهم فبعد أن انصرف الناس جئنا إليه فمد يده كأنه ظن أننا سنعطيه – يحيى بن معين وأحمد بن حنبل فقلنا من حدثك بهذا الحديث قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قلنا أيها الشيخ هذا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين فكيف تروي عنا ونحن ما حدثناك قال سبحان الله ما يوجد على الأرض أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلا أنتما؟ أنا كتبت عن بضعة عشر رجلا كل واحد يسمى أحمد بن حنبل ويحيى ين معين.
هذه القصة. إخوتي الكرام يعلم الله قرأتها من فترة طويلة طويلة ولعلني في المرحلة الثانوية في تفسير سيد قطب في أوله وقلبي ما ارتاح لها ثم بعد فترة تبين في أنها مكذوبة فهذا الإنسان يرويها ويقول أنا حالي ما الناس كحال ذلك القاص اعقد ألسنتهم وأبهرهم بكلامي فلا يتكلمون وأنا أقول لهذا الإنسان لا تنسب إلى الإمامين المباركين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين مالا علم لهما به وتنبه غاية التنبه عندما تنسب الأقوال إلى علماء الإسلام فإذا كان يحتاط غاية الاحتياط من ينسب الأقوال إلى السلاطين فكيف بمن ينسب الأقوال إلى أئمة المسلمين.(121/57)
ولا يمكن أن يجري ذلك من الإمام أحمد ويحيى بن معين وأن يُترك ذلك الكذاب الوضَّاع ولا يكشف عنه من هو يقول الإمام الذهبي في الميزان (1/47) وفي اللسان (1/79) لسان الميزان لإبن حجر – والكلام ينقله الإمام ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/14) .
يقول الذهبي: في إسنادها إبراهيم بن عبد الواحد البلدي وقيل البكري لا أدري من هذا أتى بحكاية أخاف أن تكون من وضعه وفي بعض النسخ أخاف ألا تكون من وضعه يعني من وضع غيره لكن هي موضوعة.
فأنت تستدل بموضوع ثم تقول عمل القصاص؟ من عمل القُصَّاص؟ ثم أعجب منك تقول عمل القصاص ثم تعيب فتقول أنت أيضاً تعزو إلى الكتب ومن هنا ومن هنا وما فائدة العامة من ذلك. هل رأيتم قاصا على وجه الأرض عندما يروي حديثا يخرجه ويعزوه إلى كتاب ويحدد مكانه؟؟ -لا إله إلا الله- وبالإضافة إلى تلك الكتب من أجل أيضا أن ترجع إليها وأن تعلم الحكم لئلا تلقي مرة ثانية كلاما دون التحقق منه.(121/58)
فالكلام لا صحة له كما قلت إنما أزيدك أنظر أيضا ذلك الأثر بالسند الذي فيه ذلك – إبراهيم بن عبد الواحد – الذي يقول عنه الذهبي لا أدري من هو ذا أتى بحكاية منكرة أخاف أن تكون من وضعه انظر ذلك في الموضوعات للإمام ابن الجوزي (1/46) وأنظرها أيضا في كتاب القصاص والمذكرين للإمام ابن الجوزي أيضا ص (305) ، وأنظرها أيضا في اللآلئ المصنوعة في الأخبار الموضوعة (2/346) ، وأنظرها في كتاب الإمام السيوطي تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص (195) وأنظرها في كتاب المجروحين لابن حبان (1/85) وأنظرها في كتاب الباعث الحثيث في تعليق الشيخ أحمد شاكر على علوم الحديث للإمام ابن كثير ص (85) وأنظرها في الأسرار المرفوعة للإمام على القاري ص (37) وأنظرها في أول كتاب قرأت هذه القصة فيه ولم يبين أنها منكرة تفسير القرطبي (1/79) كما قلت فالقصة منكرة وأنت تستدل بها وترويها عن أئمتنا البررة وينبغي أن تتنزه عن ذلك الفعل فهذا لا يليق بعباد الله الذين يحققون ما يقولون ويتقون الحي القيوم وبالختام أيها الاخوة الكرام أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يجمع أمة نبينا صلى الله عليه وسلم على الهدى وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين ...(121/59)
عصبية في القرآن (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
عصبية في القرآن (2)
يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قالوا إخوة يوسف لَيُوسُفُ وأخُوهُ مِنْ أمه أحَبُّ إلى أبِينا مِنَّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ يقولون: ونحن جماعة ذوو عدد أحد عشر رجلاً. والعصبة من الناس هم عشرة فصاعدا، قيل إلى خمسة عشر فصاعدا عشر، ليس لها واحد من لفظها، كالنفر والرهط. إنَّ أبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعنون: إن أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة، ويعني بالمبين أنه خطأ، يبين عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط،
القرطبي:(122/1)
عالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} يعني من سأل عن حديثهم. وقرأ أهل مكة «آيةٌ» على التوحيد؛ واختار أبو عبيد «آيَاتٌ» على الجمع؛ قال: لأنها خير كثير. قال النحاس: و «آية» هنا قراءة حسنة، أي لقد كان للذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبّروا به، لأنهم سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فقالوا: أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أُخرج ابنه إلى مصر، فبكى عليه حتى عمي؟ ـ ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب، ولا من يعرف خبر الأنبياء؛ وإنما وجّهَ اليهودُ (إليهم) من المدينة يسألونه عن هذا ـ فأنزل الله عز وجل سورة «يوسف» جملة واحدة؛ فيها كل ما في التوراة من خبر وزيادة؛ فكان ذلك آية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، بمنزلة إحياء عيسى ابن مريم عليه السلام الميت. «آيَاتٌ» موعظة؛ وقيل: عبرة. وروي أنها في بعض المصاحف «عبرة» . وقيل: بصيرة. وقيل: عجب؛ تقول فلان آية في العلم والحسن أي عجب. قال الثعلبيّ في تفسيره: لما بلغت الرؤيا إخوة يوسف حسدوه؛ وقال ابن زيد: كانوا أنبياء، وقالوا: ما يرضى أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه! فبغوه بالعداوة، وقد تقدّم ردّ هذا القول. قال الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} وأسماؤهم: روبيل وهو أكبرهم.
الجلالين:
8ـ اذكر {إذْ قَالُوا} أي بعض إخوة يوسف لبعضهم {لَيُوسُفُ} مبتدأ {وأَخُوهُ} شقيقه بنيامين {أَحَبُّ} خبر {إلَى أَبِينَا مِنَّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ} جماعة {إنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ} خطإ {مُّبِينٍ} بيّن بإيثارهما علينا.
ابن كثير:(122/2)
قول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي عبرة ومواعظ للسائلين عن ذلك المستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا} أي حلفوا فيما يظنون والله ليوسف وأخوه، يعنون بنيامين وكان شقيقه لأمه {أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة} أي جماعة، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة {إنّ أبانا لفي ضلال مبين} يعنون في تقديمهما علينا، ومحبته إياهما أكثر منا.(122/3)
واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم، {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم أعدموه من وجه أبيكم، ليخلو لكم وحدكم، إما بأن تقتلوه أو تلقوه في أرض من الأراضي تستريحوا منه، وتخلوا أنتم بأبيكم {وتكونوا من بعده قوماً صالحين} فأضمروا التوبة قبل الذنب {قال قائل منهم} قال قتادة ومحمد بن إسحاق: وكان أكبرهم واسمه روبيل. وقال السدي: الذي قال ذلك، يهوذا. وقال مجاهد هو شمعون الصفا {لا تقتلوا يوسف} أي لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله لأن الله تعالى كان يريد منه أمراً لا بد من إمضائه وإتمامه من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب وهو أسفله.(122/4)
قال قتادة: وهي بئر بيت المقدس {يلتقطه بعض السيارة} أي المارة من المسافرين فتستريحوا منه بهذا ولا حاجة إلى قتله {إن كنتم فاعلين} أي إن كنتم عازمين على ما تقولون. قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه ورقة عظمه، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلاً صغيراً، وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمراً عظيماً رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل عنه.
مفعو©_
السعدي:
يقول تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات} أي: عِبَرٌ وأدلة، على كثير من المطالب الحسنة. {للسائلين} أي: لكل من سأل عنها، بلسان الحال، أو بلسان المقال. فإن السائلين، هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون، فلا ينتفعون بالآيات، ولا بالقصص، والبينات.
{إذ قالوا} فيما بينهم: {ليوسف وأخوه} بنيامين، أي: شقيقه، وإلا، فكلهم إخوة، {أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة} أي: جماعة، فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة، {إن أبانا لفي ضلال مبين} أي: لفي خطأ بَيِّنٍ، حيث فضلهما علينا، من غير موجب نراه، ولا أمر نشاهده.
{اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً} أي: غيبوه عن أبيه، في أرض بعيدة، لا يتمكن من رؤيته فيها.
فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين {يخل لكم وجه أبيكم} ، أي: يتفرغ لكم، ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة، فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف، شغلاً، لا
الطبري:
يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئب في الصحراء، ونحن أحد عشر رجلاً معه نحفظه، وهم العصبة إنَّا إذا لخَاسِرُونَ يقول: إنا إذا لعجزة هالكون.
القرطبي:(122/5)
قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} في موضع رفع؛ أي ذهابكم به. أخبر عن حزنه لغيبته. {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} وذلك أنه رأى في منامه أن الذئب شدّ على يوسف، فلذلك خافه عليه؛ قاله الكلبيّ. وقيل: إنه رأى في منامه كأنه على ذروة جبل، وكأن يوسف في بطن الوادي، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله، فدرأ عنه واحد، ثم انشقّت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام؛ فكانت العشرة إخوته، لما تمالؤوا على قتله، والذي دافع عنه أخوه الأكبر يهوذا، وتواريه في الأرض هو مقامه في الجب ثلاثة أيام. وقيل: إنما قال ذلك لخوفه منهم عليه، وأنه أرادهم بالذئب؛ فخوفه إنما كان من قتلهم له، فكنى عنهم بالذئب مساترة لهم؛ قال ابن عباس: فسماهم ذئاباً. وقيل: ما خافهم عليه، ولو خافهم لما أرسله معهم، وإنما خاف الذئب؛ لأنه أغلب ما يخاف في الصحارى. والذئب مأخوذ من تَذَاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه؛ كذا قال أحمد بن يحيى؛ قال: والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه. وروى ورش عن نافع «الذِّيبُ» قوله تعالى: {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي جماعة نرى الذئب ثم لا نرده عنه. {إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} أي في حفظنا أغنامنا؛ أي إذا كنا لا نقدر على دفع الذئب عن أخينا فنحن أعجز أن ندفعه عن أغنامنا. وقيل: «لَخَاسِرُونَ» لجاهلون بحقه. وقيل: لعاجزون.
ابن كثير:
جيبين له عنها في الساعة الراهنة {لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون} يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ونحن جماعة إنا إذاً لهالكون عاجزون.
السعدي:(122/6)
أي: قال إخوة يوسف، متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون} أي: لأي شيء يدخلك الخوف منا، على يوسف، من غير سبب، ولا موجب؟ {و} الحال {إنا له لناصحون} أي: مشفقون عليه، نود له ما نود لأنفسنا، وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام، لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها.
فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة، لعدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه، الذي يحبه أبوه له، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم، فقالوا: {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} أي: يتنزه في البرية ويستأنس، {وإنا له لحافظون} أي: سنراعيه، ونحفظه من كل أذى يريده.
فأجابهم بقوله: {إني ليحزنني أن تذهبوا به} أي: مجرد ذهابكم به، يحزنني، ويشق عَلَيَّ، لأنني لا أقدر على فراقه، ولو مدة يسيرة. فهذا مانع من إرساله {و} مانع ثان، وهو: أني {أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} أي: في حال غفلتكم عنه، لأنه صغير، لا يمتنع من الذئب.
{قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة} أي: جماعة، حريصون على حفظه، {إنا إذاً لخاسرون} أي: لا خير فينا، ولا نفع يرجى منا، إن أكله الذئب، وغلبنا عليه.
فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله، وعدم الموانع، سمح حينئذٍ بإرساله معهم، لأجل أنسه.
طبري
{الَّذِينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} قال: الشرّ لكم بالإفك الذي قالوا، الذي تكلَّموا به، كان شرّا لهم، وكان فيهم من لم يقله إنما سمعه، فعاتبهم الله، فقال أوّلَ شيء: {إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ثم قال: {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .(122/7)
وقوله: {لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ} يقول: لكلّ امرىء من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما اجترم من الإثم، بمجيئه بما جاء به، من الأولى عبد الله. وقوله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} يقول: والذي تحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بالخوض فيه. كما:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يقول: الذي بدأ بذلك.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عُصْبَةٌ مِنْكُمْ قال: أصحاب عائشة عبد الله بن أبيّ ابن سَلُول، ومِسْطَح، وحَسّان.
قال أبو جعفر: له من الله عذاب عظيم يوم القيامة.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: كِبْرَهُ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: كِبْرَهُ بكسر الكاف، سوى حميد الأعرج فإنه كان يقرؤه: «كُبْرَهُ» بمعنى: والذي تحمل أكبره.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: القراءة التي عليها عوامّ القرّاء، وهي كسر الكاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأن الكِبْر بالكسر: مصدر الكبير من الأمور، وأن الكُبْر بضم الكاف: إنما هو من الولاء والنسب، من قولهم: هو كُبْر قومه والكِبْر في هذا الموضع: هو ما وصفناه من معظم الإثم والإفك. فإذا كان ذلك كذلك، فالكسر في كافة هو الكلام الفصيح دون ضمها، وإن كان لضمها وجه مفهوم.
وقد اختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ... الآية، فقال بعضهم: هو حسان بن ثابت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، قال: ثنا داود، عن عامر، أن عائشة قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزاءُ(122/8)
فإنَّ أبي وَوَالِدهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ وِقاءُ
أتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ ... فَشَرُّكُما لخَيْرِكُما الفِداءُ
لِسانِي صَارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ... وبَحْرِي لا تُكَدّرهُ الدّلاءُ
فقيل: يا أمّ المؤمنين، أليس هذا لغوا؟ قالت لا، إنما اللَّغو ما قيل عند النساء. قيل: أليس الله يقول: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره وكُنِّع بالسيف؟.
قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كنت عند عائشة، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت، فأُلقي له وسادة فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا وقد قال الله ما قال؟ فقالت: قال الله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ وقد ذهب بصره، ولعلّ الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة، فشبَّب بأبيات له، فقال:
وَتُصْبِح غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ.
فقالت عائشة: أما إنك لست كذلك فقلت: تدعين هذا الرجل يدخل عليك وقد أنزل الله فيه: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ ... الآية؟ فقالت: وأيّ عذاب أشدّ من العمى وقالت: إنه كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المُعَلَّى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال: تفاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجِي من السماء. قال: وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعَطَّل على الراحلة. فقالت لها زينب: يا عائشة، ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل قالت قلتِ كلمةَ المؤمنين.
وقال آخرون: هو عبد الله بن أُبيّ ابن سَلُول. ذكر من قال ذلك:(122/9)
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الذين تكلموا فيه: المنافق عبد الله بن أُبيّ ابن سَلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كِبْره، ومِسْطَحا، وحسان بن ثابت.
حدثنا سفيان، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمدبن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقَّاص وغيره أيضا، قالوا: قالت عائشة: كان الذي تولى كبره الذي يجمعهم في بيته، عبد الله بن أُبيّ ابن سَلُول.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عتبة، عن عائشة، قالت: كان الذي تولى كبره: عبد الله بن أُبيّ.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: إنَّ الَّذِينَ جاءُوا ... الآية،، الذين افْتَرَوا على عائشة: عبد الله بن أُبيّ، وهو الذي تولى كِبْره، وحسان، ومِسْطَح، وحَمْنه بنت جحش.
حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة في الذين جاءوا بالإفك: يزعمون أنه كان كِبْرُ ذلك عبدَ الله بن أبيّ ابن سلول، أحد بني عوف بن الخرزج وأخبرت أنه كان يحدّث به عنهم فيقرّه ويسمعه ويستوشيه.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أما الذي تولى كبره منهم، فعبد الله بن أُبيّ ابن سلول الخبيث، هو الذي ابتدأ هذا الكلام، وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقود بها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والذي تولى كِبْره هو عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، وهو بدأه.(122/10)
وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: الذي تولى كِبْره من عصبة الإفك، كان عبد الله بن أبيّ، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير، أن الذي بدأ بذكر الإفك، وكان يجمع أهله ويحدثهم، عبدُ الله بن أُبيّ ابن سَلُول، وفعله ذلك على ما وصفت كان توليه كِبْر ذلك الأمر. وكان سبب مجيء أهل الإفك، ما:(122/11)
حدَّثنا به ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، ثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقّاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا: زعموا أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد ما أَنْزِل الحجاب، وأنا أُحْمَل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل إلى المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني، أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عِقْدٌ لي من جَزْع ظَفَارِ قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرْحَلون لي، فاحتملوا هو دجي، فَرَحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خِفافا لم يُهَبِّلْهُن ولم يَغْشَهن اللحم، إنما يأكلن العُلْقة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقلَ الهودج حين رَحَلُوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عَقْدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني ويرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني، فنمت حتى أصبحت.(122/12)
وكان صفوان بن المعطَّل السُّلميّ ثم الذَّكْوانيّ، قد عَرَّس من وراء الجيش، فادّلَج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل أن يُضرب الحجاب عَلَيّ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخَمَّرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطِىء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مُوغِرِينَ في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كِبْره عبد الله بن أُبيّ ابن سلول.(122/13)
فقدمنا المدينة، فاشتكيت شهرا، والناس يُفِيضُون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَرِيبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللُّطْف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم؟» فذلك يريبني، ولا أشعر بالشرّ. حتى خرجت بعد ما نَقَهت، فخرجت مع أمّ مِسْطَح قبَلَ المَنَاصع، وهو مُتَبرّزنا، ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قَبل أن نتخذ الكُنُف قريبا من بيوتنا، وأَمْرُنا أمر العرب الأُوَل في التنزّه، وكنا نتأذّى بالكُنُف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي ابنة أبي رُهْم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مِسْطَحْ بن أُثاثة بن عباد بن المطَّلب. فأقبلت أنا وابنة أبي رُهْم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مِسْطَح في مِرْطِها، أوَ لم تسمعي ماقال؟ وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مَرَضا على مرضي. فلما رجعت إلى منزلي، ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» فقلت: أتأذن لي أن آتيَ أبويّ؟ قال: «نعم» . قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستثبت الخبر من قِبَلهما. فأذِن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ، فقلت لأمي: أي أمتاه، ماذا يتحدّث الناس؟ فقالت: أي بُنية، هوّني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله، أَوَ قد تحدّث الناس بهذا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدخل عليّ أبو بكر وأنا أبكي، فقال لأمي: مايبكيها؟ قالت: لم تكن علمت ما قيل لها.(122/14)
فأكبّ يَبْكي، فبكى ساعة، ثم قال: اسكتي يا بنية فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلى المقبل لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى ظنّ أبواي أن البكاء سيفلق كبدي.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأُسامة بن زيد، حين استْلَبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أُسامة، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الودّ، فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما عليّ فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تَصْدُقك، يعني بَرِيرة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَرِيرة، فقال: «هَلْ رأيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عائِشَةَ؟» قالت له بَرِيرة: والذي بعثك بالحقّ، ما رأيت عليها أمرا قطّ أَغْمِصْه عليها، أكثرَ من أنها حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «مَنْ يَعْذِرُنِي مِمنْ قَدْ بَلَغْنِي أذَاهُ فِي أهْلِي؟» يعني عبدَ الله بن أُبي ابن سَلُول. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر أيضا: «يا مَعْشَرَ المُسْلَمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَني أذَاهُ فِي أهْلي؟ فَوَاللهِ ما عَلمْتُ عَلى أهْلي إلاَّ خَيْرا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً ما عَلمْتُ عَلَيْهِ إلاَّ خَيْرا، وَما كانَ يَدْخُلُ عَلى أهْلي إلاَّ مَعي» فقام سعد بن مُعاذ الأنصاريّ، فقال: أنا أعذِرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عُنُقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.(122/15)
فقام سعد بن عُبادة، فقال، وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحا، ولكن احتملَتْه الحَمِيّة، فقال: أَيْ سعدَ بن معاذ، فقال لسعد بن عُبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلَّنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهم حتى سكتوا. ثم أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في بيت أبويّ، فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنتْ عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلس عندي، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحَى إليه في شأني بشيء قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ يا عائشَةُ فإنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرّئُكِ اللهُ، وَإنْ كُنْتِ ألمَمْتِ بِذَنْبٍ، فاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَف بَذَنْبِهِ ثُمَّ تابَ تابَ الله عَلَيْهِ» . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قَلَص دمعي، حتى ما أحسّ منه دمعة قلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.(122/16)
فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد عرفت أنْ قد سمعتم بهذا، حتى استقرّ في أنفسكم، حتى كِدْتم أن تصدِّقوا به، فإن قلت لكم: إني بريئة والله يعلم أني برئة، لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة، لتصدِّقُنِّي، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: {وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} .(122/17)
ثم تولَّيت واضطجعت على فراشي، وأنا والله أعلم أني بريئة وأن الله سيبرّئني ببراءتي، ولكني والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحْي يُتلى، ولَشأني كان أحقَر في نفسي من أن يتكلَّم الله فيّ بأمر يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: والله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدّر منه مثلُ الجُمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أُنزل عليه. قالت: فلما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، كان أوّل كلمة تكلم بها أن قال: «أبْشِرِي يا عائِشةُ، إنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأكِ» فقالت لي أمي، قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي. فأنزل الله: {إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عشر آيات، فأنزل هذه الآيات براءة لي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مِسْطَح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة قالت: فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ} حتى بلغ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فقال أبو بكر: إني لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مِسْطَح النفقةَ التي كان يُنفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا.
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري وما رأت وما سمعت، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما رأيت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالوَرَع، وطفقت أختها حَمْنة تحارب فهلكت فيمن هلك.
قال الزهريّ بن شهاب: هذا الذي انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.(122/18)
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، وعن علقمة بن وقّاص الليثيّ، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير، وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود. قال الزهريّ: كلّ قد حدثني بعض هذا الحديث، وبعض القوم كان له أوعى من بعض. قال: وقد جمعت لك كل الذي قد حدثني. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة قال: وثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة. قال: ثني عبد الله بن بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت وكل قد اجتمع في حديثه قصة خبر عائشة عن نفسها، حين قال أهل الإفك فيها ما قالوا، وكله قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا، ويحدث بعضهم ما لم يحدث بعض، وكلّ كان عنها ثقة، وكلّ قد حدث عنها ما سمع.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأَيتهُنّ خرج سهمها خرج بها معه. فلما كانت غزاة بني المصطَلِق، أقرع بين نسائه كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهنّ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العُلَق لم يهيِّجْهُنَّ اللحم فيثقلن. قالت: وكنت إذا رحل بعيري جلست في هَوْدَجي، ثم يأتي القوم الذين يرحلون بي بعيري ويحملوني، فيأخذون بأسفل الهودج يرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فينطلقون به. قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجَّه قافلاً، حتى إذا كان قريبا من المدينة، نزل منزلاً فبات بعض الليل، ثم أذّن في الناس بالرحيل. فلما ارتحل الناس، خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي من جَزْعَ ظَفارِ، فلما فرغت انسلّ من عنقي وما أدري فلما رجعت إلى الرحْل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل. قالت: فرجعت عَوْدِي إلى بَدْئِي، إلى المكان الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون بي البعير.(122/19)
ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وما علمت، فتشهد، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ أشِيرُوا عَليَّ فِي أُناسٍ أبَنُوا أهْلِي وَاللْهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي سُوءًا قَطُّ، وأبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللهِ ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءا قَطُّ، وَلا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إلاَّ وأنا حاضِرٌ، وَلا أغِيبُ فِي سَفَرٍ إلاَّ غابَ مَعِي» فقام سعد بن مُعاذ فقال: يا رسول الله، نرى أن نضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج، وكانت أمّ حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال كذبتَ، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شرّ وما علمتُ به. فلما كان مساء ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي ومعى أمّ مِسْطح، فعثرت، فقالت: تَعَس مِسْطح فقلت علام تسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تَعَس مسطح قلت: علام تسبين ابنك؟ فسكتت الثانية. ثم عثرت الثالثة، فقالت: تَعَس مسطح فانتهرتها، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله. قالت: فرجعت إلى بيتي فكأن الذي خرجت له لم أخرج له، ولا أجد منه قليلاً ولا كثيرا. ووُعِكْت، فقلت: يا رسول الله، أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار فإذا أنا بأمي أمّ رومان، قالت: ما جاء بك يا بُنية؟ فأخبرتها، فقالت: خَفِّضي عليك الشأن، فإنه والله ما كانت امرأة جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقلن فيها. قلت: وقد علم بها أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم. فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكر من أمرها. ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك إلاّ رَجَعْت إلى بيتك فرجعت.(122/20)
فأصبح أبواي عندي، فلم يزالا عندي حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بعد العصر، وقد اكتنفني أبواي، عن يميني وعن شمالي، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ يا عائِشَةُ، إنْ كُنْتِ قارَفْتِ سُوءا أوْ ألَمَمْتِ فَتُوبِي إلى اللهِ، فإنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» . وقد جاءت امرأة من الأنصار وهي جالسة، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تقول شيئا؟ فقلت لأبي: أجبه فقال: أقول ماذا؟ قلت لأمي: أجيبيه فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشَّهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل، والله يعلم إني لصادقة ماذا بنافعي عندكم، لقد تُكُلِّم به وأُشْرِبته قلوبكم وإن قلت إني قد فعلت والله يعلم أني لم أفعل لَتقولُنّ قد باءت به على نفسها، وأيمُ الله مَا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف وما أحفظ اسمه: {فَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} . وأنزل الله على رسوله ساعتئذٍ، فُرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه يقول: «أبْشِرِي يا عائِشَةُ، فَقَدْ أنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ» فكنت أشدّ ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا أحمدكما، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، ولكني أحمد الله الذي أنزل براءتي. ولقد جاء رسول الله بيتي، فسأل الجارية عني، فقالت: والله ما أعلم عليها عيبا إلا أنها كانت تنام حتى كانت تدخل الشاة فتأكل حصيرها أو عجينها، فانتهرها بعض أصحابه، وقال لها: اصْدُقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عروة: فعَتب على من قاله، فقال: لا، والله ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. وبلغ ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله ما كشفت كَنَف أنثى قطّ.(122/21)
فقتل شهيدا في سبيل الله. قالت عائشة: فأما زينب بنت جحش، فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرا وأما حَمْنة أختها، فهلكت فيمن هلك. وكان الذين تكلموا فيه: المنافقَ عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كِبْره، ومِسْطحا، وحسانَ بن ثابت، فحلف أبو بكر أن لا ينفع مِسْطَحا بنافعة، فأنزل الله: {وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ} يعني أبا بكر، {أنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَى وَالمَساكِينَ يعني مِسْطحا، ألا تَحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال أبو بكر: بلى والله، إنا لنحبّ أن يغفر الله لنا وعاد أبو بكر لِمْسطَح بما كان يصنع به.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا، قال: خرجت عائشة تريد المَذْهب، ومعها أمّ مسطح. وكان مِسطح بن أثاثة ممن قال ما قال. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل ذلك، فقال: «كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أهْلِي وَيجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي؟» فقال سعد بن مُعاذ: أي رسول الله، إن كان منا معشرَ الأوس جلدنا رأسه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا فأطعناك. فقال سعد بن عبادة: يا ابن معاذ، والله ما بك نُصْرة رسول الله، ولكنها قد كانت ضغائن في الجاهلية وإحن لم تحلل لنا من صدوركم بعد فقال ابن معاذ: الله أعلم ما أردت. فقام أُسَيد بن حُضَير، فقال: يا ابن عبادة، إن سعدا ليس شديدا، ولكنك تجادل عن المنافقين وتدفع عنهم. وكثر اللَّغَط في الحيين في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على المنبر، فما زال النبيّ صلى الله عليه وسلم يومىء بيده إلى الناس ههنا وههنا، حتى هدأ الصوت.(122/22)
وقالت عائشة: كان الذي تولى كِبْره، والذي يجمعهم في بيته، عبد الله بن أُبّي ابن سلول. قالت: فخرجت إلى المَذْهَب ومعي أمّ مسطح، فعثرتْ، فقالتْ: تَعَس مِسْطح فقلت: غفر الله لك، أتقولين هذا لابنك ولصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت ذلك مرّتين، وما شعرت بالذي كان. فحُدثت، فذهب عنى الذي خرجت له، حتى ما أجد منه شيئا. ورجعت على أبويّ أبي بكر وأمّ رُومان، فقلت: أما اتقيتما الله فيّ وما وصلتما رحمي؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي قال، وتحدّث الناس بالذي تحدثوا به ولم تُعْلِماني فأُخْبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أي بنية، والله لقلما أحبّ رجل قطّ امرأته إلا قالوا لها نحو الذي قالوا لك أي بنية ارجعي إلى بيتك حتى نأتَيك فيه فرجعت وارتكبني صالِبٌ من حُمَّى، فجاء أبواي فدخلا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سريري وُجاهي، فقالا: أي بينة، إن كنت صنعت ما قال الناس فاستغفري الله، وإن لم تكوني صنعتيه فأخبرني رسول الله بعذرك قلت: ما أجد لي ولكم إلا كأبي يوسف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} . قالت: فالتمست اسم يعقوب، فما قدرت، أو فلم أقدر عليه. فشخص بصر رسول الله إلى السقف، وكان إذا نَزَل عليه وَجَد، قال الله: {إنَّا سَنُلْقي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} فوالذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا، ثم مسح عن وجهه، فقال: «يا عائِشَةُ أبْشِرِي، قَدْ أنْزَلَ اللهُ عُذْرَكِ» قلت: بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد أصحابك. قال الله: {إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ... حتى بلغ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} . وكان أبو بكر حلف أن لا ينفع مسطحا بنافعة، وكان بينهما رَحم، فلما أنزلت: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ} ...(122/23)
حتى بلغ: {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال أبو بكر: بلى، أي ربّ فعاد إلى الذي كان لمسطح {إن الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ} ... حتى بلغ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} . قالت عائشة: والله ما كنت أرجو أن ينزل فيّ كتاب ولا أطمع به، ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا تُذْهب ما في نفسه. قالت: وسأل الجارية الحَبَشية، فقالت: والله لعائشة أطيب من طيب الذهب، وما بها عيب إلا أنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها، ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنَّك الله قال: فعجب الناس من فقهها.
القرطبي:
فيه ثمان وعشرون مسألة:(122/24)
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} «عُصْبَةٌ» خبر «إنّ» . ويجوز نصبها على الحال، ويكون الخبر {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} . وسبب نزولها ما رواه الأئمة من حديث الإفك الطويل في قصة عائشة رضوان الله عليها، وهو خبر صحيح مشهور، أغنى اشتهاره عن ذكره، وسيأتي مختصراً. وأخرجه البخارِيّ تعليقاً، وحديثه أتم. قال: وقال أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وأخرجه أيضاً عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان من حديث مسروق عن أم رُومان أم عائشة أنها قالت: لما رُميت عائشة خرّت مغشيًّا عليها. وعن موسى بن إسماعيل من حديث أبي وائل قال: «حدثني مسروق بن الأجدع قال: حدثتني أمّ رومان وهي أم عائشة قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشةُ إذ وَلَجت امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بفلان وفعل (بفلان) ! فقالت أم رومان: وما ذاكِ؟ قالت اتّي فيمن حدّث الحديث! قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا. قالت عائشة: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم! فخرّت مغشيًّا عليها؛ فما أفاقت إلا وعليها حُمَّى بنافضٍ، فطرحْتُ عليها ثيابها فغطيتها؛ فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ما شأن هذه؟» فقلت: يا رسول الله، أخذتها الحُمَّى بنافض. قال: «فلعلّ في حديثٍ تُحُدِّث به» قالت: نعم. فقعدت عائشة فقالت: والله، لئن حلفتُ لا تصدّقوني! ولئن قلت لا تَعْذِروني! مَثلي ومثلُكم كيعقوبَ وبَنِيه، واللَّهُ المستعان على ما تصفون. قالت: وانصرف ولم يقل شيئاً؛ فأنزل الله عذرها. قالت: بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك. قال أبو عبد الله الحميدي: كان بعض من لقينا من الحفاظ البغداديين يقول الإرسال في هذا الحديث أبْيَن، واستدلّ على ذلك بأن أم رومان تُوفّيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسروقٌ لم يشاهد النبيّ صلى الله عليه وسلم بلا خلاف.(122/25)
وللبخاريّ من حديث عبيد الله بن عبد الله بن أبي مُليكة أن عائشة كانت تقرأ «إذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» وتقول: الوَلْق الكذب. قال ابن أبي مُليكة: وكانت أعلمَ بذلك من غيرها لأنه نزل فيها. قال البخارِيّ: وقال مَعْمَر بن راشد عن الزهري: كان حديث الإفك في غَزْوَة الْمُرَيْسِيع. قال ابن إسحاق: وذلك سنة ستّ. وقال موسى بن عقبة: سنة أربع. وأخرج البخاري من حديث معمر عن الزُّهرِيّ قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن عليًّا كان فيمن قَذَف؟ قال: قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت لهما: كان عليٌّ مُسَلِماً في شأنها. وأخرجه أبو بكر الإسماعيليّ في كتابه المخرج على الصحيح من وجه آخر من حديث معمر عن الزهري، وفيه: قال كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولَّى كِبرْه منهم عليّ بن أبي طالب؟ فقلت لا، حدثني سعيد بن المسيّب وعُروة وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة كلّهم يقول سمعت عائشة تقول: {والذي تولّى كبره} عبدُ الله بن أبَيّ (بن سلول) . وأخرج البخاري أيضاً من حديث الزهري عن عروة عن عائشة: والذي تولّى كِبْرَه منهم عبدُ الله بن أبَيّ.(122/26)
الثانية: قوله تعالى: {بِالإِفْكِ} الإفك الكذب. والعصبة ثلاثة رجال؛ قاله ابن عباس. وعنه أيضاً من الثلاثة إلى العشرة. ابن عُيينة: أربعون رجلاً. مجاهد: من عشرة إلى خمسة عشر. وأصلها في اللغة وكلام العرب الجماعةُ الذين يتعصّب بعضهم لبعض. والخير حقيقته ما زاد نفعه على ضره. والشرّ ما زاد ضره على نفعه. وإنّ خيراً لا شرَّ فيه هو الجنة. وشرًّا لا خير فيه هو جهنم. فأما البلاء النازل على الأولياء فهو خير؛ لأن ضرره من الألم قليل في الدنيا، وخيره هو الثواب الكثير في الأخرى. فنبّه الله تعالى عائشة وأهلها وصَفْوان، إذ الخطاب لهم في قوله: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ؛ لرجحان النفع والخير على جانب الشر.(122/27)
الثالثة: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه في غَزْوة بني المُصْطَلِق وهي غزوة المُرَيْسِيع، وقَفَل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل فمشت حتى جاوزت الجيش، فلما فرغت من شأنها أقبلت إلى الرّحْل فلمست صدرها فإذا عِقدٌ من جَزْعِ ظَفَارِ قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه، فوجدته وانصرفت فلم تجد أحداً، وكانت شابَّة قليلة اللحم، فرفع الرجال هَوْدَجها ولم يشعروا بزوالها منه؛ فلما لم تجد أحداً اضطجعت في مكانها رجاء أن تُفتقد فيُرجع إليها، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صَفْوان بن المُعَطَّل: إنا لِلَّه وإنا إليه راجعون؛ وذلك أنه كان تخلف وراء الجيش لحِفْظ الساقة. وقيل: إنها استيقظت لاسترجاعه، ونزل عن ناقته وتنحَّى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نَحْر الظَّهِيرة؛ فوقع أهل الإفك في مقالتهم، وكان الذي يُجتمع إليه فيه ويَسْتَوْشِيهِ ويُشْعلُه عبدُ الله بن أُبَيٍّ بن سَلُول المنافق، وهو الذي رأى صفوان آخذاً بزمام ناقة عائشة فقال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال: امرأة نبيِّكم باتت مع رجل. وكان من قالته حسان بن ثابت ومِسْطح بن أُثَاثة وحَمْنَة بنت جَحْش. هذا اختصار الحديث، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم، وهو في مسلم أكمل. ولما بلغ صَفْوان قولُ حسان في الإفك جاء فضربه بالسيف ضربةً على رأسه وقال:
تَلَقَّ ذُباب السيف عني فإنني ... غلام إذا هُوجِيت ليس بشاعر
فأخذ جماعة حسان ولَبَّبُوه وجاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح حسان واستوهبه إيّاه. وهذا يدل على أن حسان ممن تَوَلَّى الكِبْر؛ على ما يأتي والله أعلم.(122/28)
وكان صفوان هذا صاحبَ ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته، وكان من خيار الصحابة (رضي الله عنه وعنهم) . وقيل: كان حَصُوراً لا يأتي النساء؛ ذكره ابن إسحاق من طريق عائشة. وقيل: كان له ابنان؛ يدل على ذلك حديثُه المروي مع امرأته، وقولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في ابنيه: «لهما أشبه به من الغراب بالغراب» . وقوله في الحديث: والله ما كَشَفْت كَنَف أنثى قطّ؛ يريد بزنًى. وقتل شهيداً رضي الله عنه في غزوة أرمِينِيَة سنة تسع عشرة في زمان عمر، وقيل: ببلاد الروم سنة ثمان وخمسين في زمان معاوية.
الرابعة: قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} يعني ممن تكلم بالإفك. ولم يُسَمَّ من أهل الإفك إلا حسان ومِسْطَح وحَمْنة وعبد الله؛ وجُهل الغير؛ قاله عروة بن الزبير، وقد سأله عن ذلك عبد الملك بن مروان، وقال: إلا أنهم كانوا عُصْبة؛ كما قال الله تعالى. وفي مصحف حَفْصة «عصبة أربعة» .
الخامسة: قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} وقرأ حُميد الأعرج ويعقوب «كُبْرَه» بضم الكاف. قال الفراء: وهو وجه جيّد؛ لأن العرب تقول: فلان تولَّى عُظْم كذا وكذا؛ أي أكبره. روي عن عائشة أنه حسان، وأنها قالت حين عَمِيَ: لعل العذاب العظيم الذي أوعده الله به ذهابُ بصره؛ رواه عنها مسروق. وروي عنها أنه عبد الله بن أبَيّ؛ وهو الصحيح، وقاله ابن عباس. وحكى أبو عمر بن عبد البر أن عائشة برّأت حسان من الفِرْية، وقالت: إنه لم يقل شيئاً. وقد أنكر حسان أن يكون قال شيئاً من ذلك في قوله:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنَّ برِيبَةٍ ... وتُصبح غَرْثَى من لُحُوم الغَوافِلِ
حَلِيلةُ خيرِ الناس دِيناً وَمَنْصِباً ... نَبِيِّ الهُدَى والمَكْرمات الفواضل
عَقِيلةُ حَيٍّ من لُوَيِّ بن غالبٍ ... كرامِ المساعِي مَجْدُها غيرُ زائل
مُهَذّبةٌ قد طَيّب الله خِيمَها ... وطهّرها من كل شَيْن وباطل(122/29)
فإن كان ما بُلِّغْتِ أَنِّي قلتُه ... فلا رفعَتْ سَوْطي إليّ أناملي
له رُتَبٌ عالٍ على الناس فضلها ... تقاصَرُ عنها سَوْرة المتطاول
فكيف ووُدِّي ما حيِيتُ ونُصْرتِي ... لآل رسول الله زَيْنِ المحافل
وقد روي أنه لما أنشدها: حصان رزان؛ قالت له: لستَ كذلك؛ تريد أنك وقعت في الغوافل. وهذا تعارض، ويمكن الجمع بأن يقال: إن حساناً لم يقل ذلك نصاً وتصريحاً، ويكون عرّض بذلك وأوْمأ إليه فنُسب ذلك إليه؛ والله أعلم.
وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الإفك أم لا، وهل جلد الحدّ أم لا؛ فالله أعلم أيّ ذلك كان، وهي المسألة:
السادسة: فروى محمد بن إسحاق وغيره: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جلد في الإفك رجلين وامرأة: مِسْطَحا وحسان وحَمْنَة، وذكره الترمذي. وذكر القشيريّ عن ابن عباس قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أُبَيٍّ ثمانين جلدة، وله في الآخرة عذاب النار. قال القُشَيْريّ: والذي ثبت في الأخبار أنه ضرب ابن أبَيّ وضرب حسان وحمنة، وأما مِسْطح فلم يثبت عنه قذف صريح، ولكنه كان يسمع ويشيع من غير تصريح. قال الماوردي وغيره: اختلفوا هل حدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحاب الإفك؛ على قولين: أحدهما أنه لم يحدّ أحداً من أصحاب الإفك لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو ببيّنة، ولم يتعبّده الله أن يقيمها بإخباره عنها؛ كما لم يتعبّده بقتل المنافقين، وقد أخبره بكفرهم.
قلت: وهذا فاسد مخالف لنص القرآن؛ فإن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} أي على صدق قولهم: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
والقول الثاني: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حدّ أهل الإفك عبدَ الله بن أُبَيّ ومِسْطح بن أثَاثة وحسان بن ثابت وحَمْنة بنت جحش؛ وفي ذلك قال شاعر من المسلمين:
لقد ذاق حسّان الذي كان أهلَه ... وحَمْنَةُ إذ قالوا هجيراً ومِسْطَحُ(122/30)
وابنُ سَلُولَ ذاق في الحَدّ خِزْية ... كما خاض في إفك من القول يُفْصِح
تعاطَوْا برجم الغيب زَوْجَ نبيِّهم ... وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا
وآذوْا رسولَ الله فيها فَجُلِّلُوا ... مخازِيَ تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا
فصُبّ عليهم مُحْصَدات كأنها ... شآبيب قطر من ذُرَى المُزْن تَسْفَحُ
قلت: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حُدّ حسان ومِسْطح وحَمْنةُ، ولم يُسمع بحدٍّ لعبد الله بن أبَيّ. روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عُذْري قام النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، وتلا القرآن؛ فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضُرِبوا حدَّهم، وسمّاهم: حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحَمْنة بنت جحش. وفي كتاب الطحاوي «ثمانين ثمانين» . قال علماؤنا. وإنما لم يُحدّ عبد الله بن أبَيّ لأن الله تعالى قد أعدّ له في الآخرة عذاباً عظيماً؛ فلو حُدّ في الدنيا لكان ذلك نقصاً من عذابه في الآخرة وتخفيفاً عنه مع أن الله تعالى قد شهد ببراءة عائشة رضي الله عنها وبكذب كل من رماها؛ فقد حصلت فائدة الحدّ، إذ مقصوده إظهار القاذف وبراءة المقذوف؛ كما قال الله تعالى: «فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون» . وإنما حدّ هؤلاء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف حتى لا يبقى عليهم تَبِعة من ذلك في الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحدود: «إنها كفارة لمن أقيمت عليه» ؛ كما في حديث عُبَادة بن الصامت. ويحتمل أن يقال: إنما ترك حدّ ابن أبيّ استئلافاً لقومه واحتراماً لابنه، وإطفاءً لثائرة الفتنة المتوقعة من ذلك، وقد كان ظهر مبادئها من سعد بن عُبَادة ومن قومه؛ كما في صحيح مسلم. والله أعلم. السابعة: قوله تعالى: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} هذا عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنّهم حين قال أصحاب الإفك ما قالوا.(122/31)
قال ابن زيد: ظن المؤمنون أن المؤمن لا يفجر بأمّه؛ قاله المَهْدَوِيّ. و «لولا» بمعنى هَلاّ. وقيل: المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمرَ على أنفسهم؛ فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد. وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاريّ وامرأته؛ وذلك أنه دخل عليها فقالت له: يا أبا أيوب، أسمعتَ ما قيل! فقال: نعم! وذلك الكذب! أكنتِ أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك! قالت: لا والله! قال: فعائشة والله أفضل منك؛ قالت أم أيوب نعم. فهذا الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله تعالى عليه المؤمنين إذ لم يفعله جميعهم.
الثامنة: قوله تعالى: {بِأَنْفُسِهِمْ} قال النحاس؛ معنى «بأنفسهم» بإخوانهم. فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً أو يذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه. وتواعد من ترك ذلك ومن نقله.
قلت: ولأجل هذا قال العلماء: إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان؛ ومنزلةَ الصلاح التي حلّها المؤمن، ولُبْسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع، إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً.
التاسعة: قوله تعالى: {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} هذا توبيخ لأهل الإفك. و «لولا» بمعنى هلاّ؛ أي هلاّ جاؤوا بأربعة شهداء على ما زعموا من
الجلالين:(122/32)
1ـ {إنَّ الذِينَ جاؤوا بِالإِفْكِ} أسوأ الكذب على عائشة رضي الله عنها أمّ المؤمنين بقذفها {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} جماعة من المؤمنين، قالت: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبيّ، ومسطح، وحمنة بنت جحش {لا تَحْسَبُوهُ} أيها المؤمنون غير العصبة {شَرّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} يأجركم الله به ويظهر براءة عائشة ومن جاء معها منه وهو صفوان فأنها قالت كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بعدما أنزل الحجاب ففرغ منها ورجع ودنا في المدينة وآذن بالرحيل ليلة فمشيت وقفيت شأني وأقبلت إلى الرحل فإذا عقدي انقطعـ هو بكسر المهملة القلادة ـ فرجعت ألتمسه وحملوا هودجيـ هو ما يركب فيه ـ على بعيري يحسبونني فيه وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العلقة ـ هو بضم المهملة وسكون اللام ـ من الطعام ـ أي القليل ـ ووجدت عقدي وجئت بعدما ساروا فجلست في المنزل الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ فغلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان قد عرّس من وراء الجيش فادّلج ـ هما بتشديد الراء والدال أي نزل من آخر الليل للاستراحة ـ فسار منه فأصبح في منزله فرأى سواد إنسان نائم ـ أي شخصه ـ فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ـ أي قوله إنا لله وإنا إليه راجعون ـ فخمرت وجهي بجلبابي ـ أي غطيته بالملاءة ـ والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ووطىء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ـ أي من أوغر: واقفين في مكان وغر من شدّة الحر ـ فهلك من هلك وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول. اهـ قولها رواه الشيخان.(122/33)
قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ} أي عليه {مَا اكْتَسَبَ منَ الإِثْمِ} في ذلك {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} أي تحمّل معظمه فبدأ بالخوض فيه وأشاعه وهو عبد الله بن أبيّ {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو النار في الآخرة.
من_ ابن كثير:
هذه العشر آيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله عز وجل لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه، فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} أي جماعة منكم يعني ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريباً من شهر حتى نزل القرآن، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة.(122/34)
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنامعمر عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله تعالى، وكلهم قد حدثني بطائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت لها اقتصاصا، وقد وعيت عن كل واحدٍ منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضاً، ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يُهَلَبْهُنَّ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين(122/35)
رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب على الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطىء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمناها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول «كيف تيكم؟» فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه في البرية وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم) أم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت تسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: أي هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، ثم قال «كيف تيكم؟» فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها.(122/36)
قالت: فقلت سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ويستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه له من الود، فقال أسامة: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله.(122/37)
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت (!) لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال «أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبٍ ثم تاب، تاب الله عليه» قالت:: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال والله ما أدري(122/38)
ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أحفظ كثيراً من القرآن، والله لقد عرفت، أنكم قد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذٍ أعلم أني بريئة وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.(122/39)
قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال «أبشري يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك» قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} العشر آيات كلها، فأنزل الله هذه الآيات في براءتي قالت: فقال أبو بكر رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي} ـ إلى قوله ـ {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.(122/40)
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري، فقال «يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟» فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله تعالى بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك. قال ابن شهاب: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الزهري، وهكذا رواه ابن إسحاق عن الزهري، كذلك قال: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن عمرة، عن عائشة بنحو ما تقدم، والله أعلم.(122/41)
ثم قال البخاري وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيّ خطيباً، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال: أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وايم الله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أئذن لنا أن نضرب أعناقهم، فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال: كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد وما علمت، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعثرت فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم تسبين ابنك؟. فسكتت، ثم عثرت الثانية فقالت: تعس مسطح فقلت لها أي أم تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أي شأني؟ قالت: فبقرت لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً، ووعكت وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار فوجدت أم رومان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت لي أم رومان: ماجاء بك بنية، فأخبرتها وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: يابنية خففي عليك الشأن فإنه والله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها، وقيل فيها، فقلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟.(122/42)
قالت: نعم ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه رضي الله عنه وقال: أقسمت عليك ـ أي بنية ـ إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمتي فقالت: لا والله ما علمت عليها عيباً إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به. فقالت: سبحان الله، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ عن تبر الذهب الأحمر، وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط.(122/43)
الت عائشة رضي الله عنها: فقتل شهيداً في سبيل اللهو قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءاً أو ظلمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده» قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً؟ فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي فقلت له: أجبه قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه قالت: ماذا أقول؟ فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل والله عز وجل يشهد أني لصادقة ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم، وإن قلت لكم إني قد فعلت، والله يعلم أني لم أفعل، لتقولن قد باءت به على نفسها، وإنني والله ما أجد لي ولكم مثلاً، والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول «أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك» قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه.(122/44)
وكانت عائشة تقول: أما زينب بنت جحش فقد عصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيراً، وأما أختها حمنة بنت جحش فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم به مسطح وحسان بن ثابت وأما المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول، فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة، قالت: وحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً، فأنزل الله تعالى {ولا يأتل أولو الفضل منكم} يعني أبا بكر {والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعني مسطحاً إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فقال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع. هكذا رواه البخاري من هذا الوجه معلقاً بصيغة الجزم عن أبي أسامة حماد بن أسامة أحد الأئمة الثقات. وقد رواه ابن جرير في تفسيره عن سفيان بن وكيع عن أبي أسامة به مطولاً مثله أو نحوه. ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة ببعضه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري من السماء جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني بذلك، فقلت: نحمد الله لا نحمدك. وقال الإمام أحمد: حدثني ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة أيضاً عن عائشة قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم، وأخرجه أهل السنن الأربعة وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ووقع عند أبي داود تسميتهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، فهذه طرق متعددة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في المسانيد والصحاح والسنن وغيرها.(122/45)
وقد روي من حديث أمها أم رومان رضي الله عنها، فقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أم رومان، قالت بينا أنا عند عائشة إذ دخلت علينا امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بابنها وفعل، فقالت عائشة: ولم؟ قالت: إنه كان فيمن حدث الحديث، قالت عائشة: وأي الحديث؟ قالت: كذا وكذا، قالت: وقد بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قالت: وبلغ أبا بكر؟ قالت: نعم، فخرت عائشة رضي الله عنها مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فقمت فدثرتها، قالت: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم قال «فما شأن هذه؟» فقلت: يا رسول الله أخذتها حمى بنافض، قال «فلعله في حديث تحدث به» قالت: فاستوت له عائشة قاعدة، فقالت: والله لئن حلفت لكم لا تصدقوني، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه حين قال: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عذرها، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فدخلال: يا عائشة «إن الله تعالى قد أنزل عذرك» فقالت: بحمد الله لا بحمدك، فقال لها أبو بكر: تقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعوله أبو بكر فحلف أن لا يصله، فأنزل الله {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} إلى آخر الآية، فقال أبو بكر: بلى فوصله. تفرد به البخاري دون مسلم من طريق حصين.(122/46)
وقد رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وعن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل كلاهما عن حصين به: وفي لفظ أبي عوانة حدثتني أم رومان، وهذا صريح في سماع مسروق منها، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادي، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطيب: وقد كان مسروق يرسله فيقول: سئلت أم رومان ويسوقه فلعل بعضهم كتب سئلت بألف اعتقد الرواي أنها سألت فظنه متصلاً، قال الخطيب: وقد رواه البخاري كذلك ولم تظهر له علته كذا قال، والله أعلم.
فقوله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك} أي بالكذب والبهت والافتراء {عصبة} أي جماعة منكم {لاتحسبوه شراً لكم} أي يا آل أبي بكر {بل هو خير لكم} أي في الدنيا والآخرة لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث أنزل الله براءتها في القرآن العظيم {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} الآية، ولهذا لما دخل عليديه {ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} الآية، ولهذا لما دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه وعنها وهي في سياق الموت، قال لها: أبشري فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحبك ولم يتزوج بكراً غيرك، وأنزل براءتك من السماء.
وقال ابن جرير في تفسيره: حدثني محمد بن عثمان الواسطي، حدثنا جعفر بن عون عن المعلي بن عرفان عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب رضي الله عنهما فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي من السماء قال، وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتاب الله حين حملني صفوان بن المعطل على الراحلة، فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت حسبي الله ونعم الوكيل، قالت: قلت كلمة المؤمنين.(122/47)
وقوله تعالى: {لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم} أي لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب {والذي تولى كبره منهم} قيل ابتدأ به، وقيل الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه {له عذاب عظيم} أي على ذلك، ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي ابن سلول قبحه الله تعالى ولعنه، وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد وغير واحد، وقيل المراد به حسان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك، لما كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنه كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هاجهم وجبريل معك» . وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت فألقي له وسادة، فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك، وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا يدخل عليك، وقد قال الله {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} قالت: وأي عذاب أشد من العمى، وكان قد ذهبظيم} قالت: وأي عذاب أشد من العمى، وكان قد ذهب بصره، لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم ثم قالت إنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها شعراً يمتدحها به، فقال:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنَّ برِيبَةٍ ... وتُصبح غَرْثَى من لُحُوم الغَوافِلِ
فقالت: أما أنت فلست كذلك، وفي رواية، لكنك لست كذلك، وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن قزعة، حدثنا سلمة بن علقمة، حدثنا داود عن عامر عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشعر أحسن من شعر حسان، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزاءُ(122/48)
فإنَّ أبي وَوَالِدهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ وِقاءُ
أتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ ... فَشَرُّكُما لخَيْرِكُما الفِداءُ
لِسانِي صَارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ... وبَحْرِي لا تُكَدّرهُ الدّلاءُ
فقيل: يا أم المؤمنين أليس هذا لغواً؟ قالت: لا إنما اللغو ما قيل عند النساء، قيل: أليس الله يقول {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره، وكنع بالسيف؟ تعني الضربة التي ضربه إياها صفوان بن المعطل السلمي حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك، فعلاه بالسيف وكاد أن
السعدي:
لما ذكر فيما تقدم تعظيم، الرَّمْي بالزنا عموماً، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد.
وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة، بنت الصديق. فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها ثم استقل الجيش راحلاً، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم.
وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عَرَّس في أخريات القوم، ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها، فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها، بعد ما نزل الجيش في الظهيرة. فلما رأى بعض المنافقين، الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر، مجيء، صفوان بها في هذه الحال أشاع ما أشاع، وفشا الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.(122/49)
وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزناً شديداً، فأنزل الله براءتها في هذه الآيات. وَوَعظَ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك} أي: الكذب الشنيع، وهو رَمْيُ أم المؤمنين {عصبة منكم} أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق في إيمانه، لكنه اغتر بترويج المنافقين، ومنهم المنافق.
{ولا تحسبوه شراً لكم بل خير لكم} لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك. وإذا أراد الله أمراً جعل له سبباً، ولذلك جعل الخطاب عاماً مع المؤمنين كلهم. وأخبر أن قدح بعضهم ببعض، كقدح في أنفسهم. ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن، كالبنيان يشد بعضه بعضاً. فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه، وعدم نصحه.
{لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم} وهذا وعيد للذين جاؤوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة.
{والذي تولى كبره} أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلول، لعنه الله {له عذاب عظيم} ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.
ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} أي: ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيراً، وهو السلام مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل.(122/50)
{وقالوا} بسبب ذلك الظن {سبحانك} أي: تنزيهاً لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة.
{هذا إفك مبين} أي: كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك.
{لولا جائوا عليه بأربعة شهداء} أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين.
{فإذ لم يؤتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأنه حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال: {فأولئك عند الله هم الكاذبون} ، ولم يقل «فأولئك هم الكاذبون» . وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق.
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة} بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم. {لمسكم فيما أفضتم} أي: خضتم {فيه} من شأن الإفك {عذاب عظيم} لاستحقاقكم ذلك بما قلتم. ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب.
{إذ تلقونه بألسنتكم} أي: تتلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض وتستوشون حديثه، وهو قول باطل.
{وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم} والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم. {وتحسبونه هيناً} فلذلك أقدم عليه، من أقدم، من المؤمنين، الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك. {وهو عند الله عظيم} وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئاً، ولا يخفف من عقوبته، الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته، مرة أخرى.(122/51)
{لولا إذ سمعتموه} أي: وهلا إذ سمعتم ــــ أيها المؤمنون ــــ كلام أهل الإفك. {قلتم} منكرين لذلك، معظمين لأمره: {ما يكون لنا أن نتكلم بهذا} أي: ما ينبغي لنا، وما يليق بنا الكلام، بهذا الإفك المبين، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح {هذا بهتان} أي: كذب عظيم. {يعظكم الله أن تعودوا لمثله} أي: لنظيره، من رَمْيِ المؤمنين بالفجور، فالله يعظكم، وينصحكم عن ذلك، ونعم المواعظ والنصائح، من ربنا فيجب علينا مقابلتها، بالقبول والإذعان، والتسليم والشكر له، على ما بيَّن لنا {إن الله نعما يعظكم به} .
{إن كنتم مؤمنين} دل ذلك على أن الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات.
{ويبين الله لكم الآيات} المشتملة، على بيان الأحكام، والوعظ، والزجر، والترغيب، والترهيب، يوضحها لكم توضيحاً جلياً. {والله عليم} أي: كامل العلم {حكيم} عام الحكمة. فمن علمه وحكمته، أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك، راجعاً لمصالحكم في كل وقت.
{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} أي: الأمور الشنيعة المستقبحة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة {في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ وسواء كانت الفاحشة، صادرة، أو غير صادرة.
وكل هذا، من رحمة الله لعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له، ما يكره لنفسه. {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فلذلك علمكم، وبيَّن لكم ما تجهلونه.(122/52)
{ولولا فضل الله عليكم} قد أحاط بكم من كل جانب {ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} لَمَا بيَّن لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه.
ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموماً فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: طرقه ووساوسه. وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن.
ومن حكمته تعالى، أن بيَّن الحكم، وهو: النَّهْيُ عن اتباع خطوات الشيطان. والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضى، والداعي لتركه فقال: {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه} أي: الشيطان {يأمر بالفحشاء} أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه. {والمنكر} وهو: ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك. فنهى الله عنها العباد، نعمة منه عليهم، أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك، صيانة لهم عن التدنس بالرذائل، والقبائح.
فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها.
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً} أي: ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء، أمارة به، والنقص مُسْتَوْل على العبد، من جميع جهاته، والإيمان غير قوي. فلو خُلِّي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب، والسيئات، والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته أوجبا، أن يتزكى منكم، من تزكى.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» ولهذا قال:(122/53)
{ولكن الله يزكي من يشاء} من يعلم منه أن يتزكى بالتزكية، ولهذا قال: {والله سميع عليم} . {ولا يأتل} أي: لا يحلف {أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا} .
كان من جملة الخائضين في الإفك «مِسْطح بن أثاثة» وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان مسطح فقيراً من المهاجرين في سبيل الله. فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال.
فنزلت هذه الآية، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله، إن غفره له فقال: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر ــــ لما سمع هذه الآية ــــ: بلى، واللهوفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم.
ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: {إن الذين يرمون المحصنات} أي: العفائف عن الفجور {الغافلات} اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن {المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة} واللعنة، لا تكون إلا على ذنب كبير.
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين. {ولهم عذاب عظيم} وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته.
وذلك العذاب يوم القيامة {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار. ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم.
{يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفراً، لم يفقدوا منها شيئاً.(122/54)
{ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً} ، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى.
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعيده حق، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثَمَّ حق، إلا في الله، وما من الله.
{الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات} أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له.
فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء خصوصاً أولي العزم منهم، خصوصاً سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق، على الإطلاق، لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء.
فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين. فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة، من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي ما هي؟ صِدِّيقةُ النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه، وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها؟!!
ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال: {أولئك مبرؤون مما يقولون} والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلاً، وللمؤمنات المحصنات الغافلات، تبعاً لها. {لهم مغفرة} تستغرق الذنوب {ورزق كريم} في الجنة صادر من الرب الكريم.(122/55)
عصبية في القرآن (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
عصبية في القرآن (1)
قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا} وهي البيوت أو المدينة؛ أي من نواحيها وجوانبها، الواحد قُطْر، وهو الجانب والناحية. وكذلك القُتْر لغة في القطر. {ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا} أي لجاؤوها؛ هذا على قراءة نافع وابن كثير بالقصر.
وقرأ الباقون بالمدّ؛ أي لأعطوها من أنفسهم، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وقد جاء في الحديث: أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يعذَّبون في الله ويُسألون الشرك، فكلٌّ أعطى ما سألوه إلا بلالاً. وفيه دليل على قراءة المدّ، من الإعطاء.
ويدل على قراءة القصر قوله: {وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} ؛ فهذا يدل على «لأَتَوْهَا» مقصوراً.
وفي «الفتنة» هنا وجهان: أحدهما سُئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه؛ قاله الضحاك. الثاني: ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين؛ قاله الحسن. {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ} أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا؛ قاله السّدِّي والقُتَيبِيّ والحسن والفراء. وقال أكثر المفسرين: أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلاً ولأجابوا بالشرك مسرعين؛ وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم؛ فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر.
ابن كثير:(123/1)
يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله، من اليهود والنصارى حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة، وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك، بل بمجرد الهوى والعصبية، فاليهود ـ عليهم لعائن الله ـ آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم، والسامرة لا يؤمنون بنبيٍّ بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت، ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم، والله أعلم.
والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي، تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيماناً شرعياً، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية، ولهذا قال تعالى: {إن الذين يكفرون} با لله ورسله فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في الإيمان، {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً} أي طريقاً ومسلكاً، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: {أولئك هم الكافرون حقاً} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به، لأنه ليس شرعياً إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله، لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه، أو نظروا حق النظر في نبوته.(123/2)
وقوله: {وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً} أي كما استهانوا بمن كفروا به، إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه، وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته، كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه، فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي {وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله} في الدنيا والآخرة. وقوله: {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} يعني بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله، كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن با لله} الآية، ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل، فقال: {أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} على ما آمنوا بالله ورسله {وكان الله غفوراً رحيماً} أي لذنوبهم، أي إن كان لبعضهم ذنوب.
إنه é_
القرطبي:
وله تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ} أي بأن يُظهروا لك السلم، ويُبطنوا الغدر والخيانة، فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة. {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} كافيك الله؛ أي يتولّى كفايتك وحياطتك. قال الشاعر:
إذا كانت الهيجاءُ وانشقّتِ العصا ... فحسبُكَ والضّحاكَ سيفٌ مُهَنَّدُ
أي كافيك وكافي الضحاك سيفٌ.(123/3)
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أي قوّاك بنصره. يريد يوم بدر. {وَبِالْمُؤْمِنِينَ} قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار. {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} أي جمع بين قلوب الأَوْس والخَزْرج. وكان تألّف القلوب مع العَصبية الشديدة في العرب من آيات النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعجزاته؛ لأن أحدهم كان يُلطَم اللطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشدّ خلق الله حَمِيّة، فألّف الله بالإيمان بينهم، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدِّين. وقيل: أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب.
حدثني أحمد بن حماد الدولابي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، قال: من قتل في عصبية في رمي يكون منهم بحجارة أو جلد بالسياط أو ضرب بالعصيّ فهو خطأ ديته دية الخطأ، ومن قتل عمدا فهو قود يديه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير ومغيرة، عن الحارث وأصحابه في الرجل يضرب الرجل فيكون مريضا حتى يموت، قال: أسأل الشهود أنه ضربه، فلم يزل مريضا من ضربته حتى مات، فإن كان بسلاح فهو قود، وإن كان بغير ذلك فهو شبه العمد.
وقال آخرون: كل ما عمد الضارب إتلاف نفس المضروب فهو عمد، إذا كان الذي ضرب به الأغلب منه أنه يقتل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة عن عبيد بن عمير، أنه قال: وأيّ عمد هو أعمد من أن يضرب رجلاً بعصا ثم لا يقلع عنه حتى يموت.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن إبراهيم، قال: إذا خنقه بحبل حتى يموت أو ضربه بخشبة حتى يموت فهو القود.
وعلة من قال كلّ ما عدا الحديد خطأ، ما:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي عازب، عن النعمان بن بشير، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلاَّ السَّيْفَ، وَلِكُلّ خَطَأٍ أرْشٌ» .(123/4)
وعلة من قال: حكم كلّ ما قتل المضروب به من شيء حكم السيف من أن من قتل به قتيل عمد، ما:
حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا أبو الوليد، قا: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاح لها بين حجرين، فأتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقتله بين حجرين.
قالوا: فأقاد النبيّ صلى الله عليه وسلم من قاتل بحجر وذلك غير حديد. قالوا: وكذلك حكم كلّ من قتل رجلاً بشيء الأغلب منه أنه يقتل مثل المقتول به، نظير حكم اليهودي القاتل الجارية بين الحجرين.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: كل من ضرب إنسانا بشيء الأغلب منه أنه يتلفه، فلم يقلع عنه حتى أتلف نفسه به أنه قاتل عمد ما كان المضروب به من شيء؛ للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها} فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: فجزاؤه جهنم إن جازاه. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: هو جزاؤه، وإن شاء تجاوز عنه.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن يسار، عن أبي صالح: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: جزاؤه جهنم إن جازاه.
وقال آخرون: عُني بذلك رجل بعينه كان أسلم، فارتدّ عن إسلامه وقتل رجلاً مؤمنا؛ قالوا: فمعنى الآية: ومن يقتل مؤمنا متعمدا مستحلاًّ قتله، فجزاؤه جهنم خالدا فيها. ذكر من قال ذلك:(123/5)
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: أن رجلاً من الأنصار قتل أخا مقيس بن ضبابة، فأعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم الدية قبلها، ثم وثب على قاتل أخيه فقتله. قال ابن جريج وقال غيره: ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم ديته على بني النجار، ثم بعث مِقْيَسا وبعث معه رجلاً من بني فهر في حاجة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فاحتمل مقيس الفهري وكان أيّدا، فضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين حجرين، ثم أُلفي يتغنى:
قَتَلْتُ بِهِ فِهْرا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بني النَّجَّار أرْبابِ فارعِ
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أظُنُّهُ قَدْ أحْدَثَ حَدَثا، أمَا وَاللهِ لَئِنْ كانَ فَعَلَ لا أُؤَمِّنُهُ فِي حِلٍّ وَلا حَرَمٍ، وَلا سِلْمٍ وَلا حَرْبٍ» فقتل يوم الفتح؛ قال ابن جريج: وفيه نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} ... الآية.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا من تاب. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: ثني سعيد بن جبير، أو حدثني الحكم، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ولا توبة له. فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: إلا من ندم.
وقال آخرون: ذلك إيجاب من الله الوعيد لقاتل المؤمن متعمدا كائنا من كان القاتل، على ما وصفه في كتابه، ولم يجعل له توبة من فعله. قالوا: فكلّ قاتل مؤمن عمدا فله ما أوعده الله من العذاب والخلود في النار، ولا توبة له. وقالوا: نزلت هذه الآية بعد التي في سورة الفرقان. ذكر من قال ذلك:(123/6)
حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن يحيى الجاري، عن سالم بن أبي الجعد، قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كفّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعدّ له عذابا عظيما. قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأني له التوبة والهدى، فوالذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ! رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدا، جاءَ يَوْمَ القِيامَة آخِذا بِيَمِينِه أوْ بِشِمالِهِ، تَشْخُبُ أوْدَاجُهُ دَما، فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَلْزَمُ قاتِلَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى يقولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي» . والذي نفسي عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قُبِض نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما نزل بعدهما من برهان.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد، عن عمرو بن قيس، عن يحيى بن الحارث التيمي، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وأعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما} فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحا؟ فقال: وأنَّى له التوبة!.(123/7)
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا همام عن يحيى، عن رجل، عن سالم، قال كنت جالسا مع ابن عباس، فسأله رجل فقال: أرأيت رجلاً قتل مؤمنا متعمدا أين منزله؟ قال: جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعدّ له عذابا عظيما. قال: أفرأيت إن هو تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنَّى له الهدى ثكلته أمه! والذي نفسي بيده لسمعته يقول ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ مُعَلَّقا رأسُهُ باحْدَى يَدَيْهِ، إمَّا بِيَمِينِهِ أوْ بِشِمَالِهِ، آخِذا صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى تَشْخُبُ أوْدَاجُهُ حِيالَ عَرْضِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يا رَبّ سَلْ عَبْدَكَ هَذَا عَلامَ قَتَلَنِي؟» فما جاء نبيّ بعد نبيكم، ولا نزل كتاب بعد كتابكم.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا عمان بن زريق، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: فوالله لقد أنزلت على نبيكم ثم ما نسخها شيء، ولقد سمعته يقول: {وَيْلٌ لِقاتِلِ المُؤْمِنِ، يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَة آخِذا رأسَهُ بِيَدِهِ ثم ذكر الحديث نحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أي عديّ، عن سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي عبد الرحمن بن أبزي: سئل ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فقال: لم ينسخها شيء. وقال في هذه الآية: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلها آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بالحَقّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما} قال: نزلت في أهل الشرك.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين، فذكر نحوه.(123/8)
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، قال: حدثني سعيد بن جبير، أو حُدثت عن سعيد بن جبير، أن عبد الرحمن بن أبزي أمره أن يسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} .... إلى آخر الآية، والتي في الفرقان: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما} ... إلى: {وَيخْلُدْ فِيهِ مُهانا} قال ابن عباس: إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره ثم قتل مؤمنا متعمدا فلا توبة له. وأما التي في الفرقان، فإنها لما أنزلت قال المشركون من أهل مكة: فقد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرّم الله بغير الحقّ وأتينا الفواحش، فما ينفعنا الإسلام؟ قال: فنزلت {إلاَّ مَنْ تابَ} ... الآية.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: ما نسخها شيء.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هي من آخر ما نزلت ما نسخها شيء.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت إلى ابن عباس فسألته، فقال: لقد نزلت في آخر ما نزل من القرآن وما نسخها شيء.
حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو إياس معاوية بن قرّة، قال: أخبرني شهر بن حوشب، قال: سمعت ابن عباس يقول: نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} بعد قوله: {إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحا} بسنة.(123/9)
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سلم بن قتيبة، قال: ثنا شعبة، عن معاوية بن قرّة، عن ابن عباس، قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: نزلت بعد: {إلاَّ مَنْ تَابَ} بسنة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو إياس، قال: ثني من سمع ابن عباس يقول: في قاتل المؤمن نزلت بعد ذلك بسنة، فقلت لأبي إياس: من أخبرك؟ فقال: شهر بن حوشب.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن أبي حصين، عن سعيد، عن ابن عباس في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} قال: ليس لقاتل توبة إلا أن يستغفر الله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} ... الآية، قال عطية: وسئل عنها ابن عباس، فزعم أنها نزلت بعد الآية التي في سورة الفرقان بثمان سنين، وهو قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلها آخَرَ} ... إلى قوله: {غَفُورا رَحِيما} .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مطرف، عن أبي السفر، عن ناجية، عن ابن عباس، قال: هما المبهمتان: الشرك، والقتل.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرّم الله؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وأعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما} .
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أشياخه الكوفيين، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: إنها لمحكمة، وما تزداد إلا شدة.(123/10)
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثني هياج بن بسطام، عن محمد بن عمرو، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت، قال: نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر.
حدثنا ابن البرقي قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: يأتي المقتول يوم القيامة آخذا رأسه بيمينه وأوداجه تشخب دما، يقول: يا ربّ دمي عند فلان! فيؤخذان فيسندان إلى العرش، فما أدري ما يقضي بينهما. ثم نزع بهذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها} ... الآية. قال ابن عباس: والذي نفسي بيده ما نسخها الله جلّ وعزّ منذ أنزلها على نبيكم عليه الصلاة والسلام.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، عن أبي الزناد، قال: سمعت رجلاً يحدّث خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت، قال: سمعت أباك يقول: نزلت الشديدة بعد الهينة بسنة أشهر، قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} ... إلى آخر الآية، بعد قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلها آخَرَ} ... إلى آخر الآية.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزناد، قال: سمعت رجلاً يحدّث خارجة بن زيد، قال: سمعت أباك في هذا المكان بمني يقول: نزلت الشديدة بعد الهينة، قال: أراه بستة أشهر، يعني: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} بعد: {إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ} .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: ما نسخها شيء منذ نزلت، وليس له توبة.(123/11)
قال أبو جعفر: وأولى القول في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه إنْ جزاه جهنم خالدا فيها، ولكنه يعفو أو يتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه عزّ ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إياها ثم يخرجه منها بفضل رحمته لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا} .
فإن ظنّ ظانّ أن القاتل إن وجب أن يكون داخلاً في هذه الآية، فقد يجب أن يكون المشرك داخلاً فيه، لأن الشرك من الذنوب، فإن الله عزّ ذكره قد أخبر أنه غير غافر الشرك لأحد بقوله: {إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} والقتل دون الشرك.
ابن كثير:
يقول تبارك وتعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون {إنما أعظكم بواحدة} أي إنما آمركم بواحدة وهي {أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} أي تقوموا قياماً خالصاً لله عز وجل من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضاً هل بمحمد من جنون. فينصح بعضكم بعضاً {ثم تتفكروا} أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك، ولهذا قال تعالى: {أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} هذا معنى ما ذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتاده وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية.(123/12)
فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أعطيت ثلاثاً لم يعطهن أحد قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أتيمم بالصعيد وأصلي فيها حيث أدركتني الصلاة، قال الله تعالى: {أن تقوموا لله مثنى وفراد} وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي» فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها، والله أعلم.
وقوله تعالى: {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} قال البخاري عندها: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خازم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني» قالوا: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا. فأنزل الله عز وجل: {تبت يدا أبي لهب وتب} وقد تقدم عند قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} .(123/13)
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم. حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فنادى ثلاث مرات، فقال: «أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم؟» قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدواً يأتيهم، فبعثوا رجلاً يتراءى لهم فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه، أيها الناس أوتيتم أيها الناس أوتيتم» ثلاث مرات، وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة جميعاً إن كادت لتسبقني» تفرد به الإمام أحمد في مسنده.
الطبري:
أويل ذلك: واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم التي أنعم بها عليكم حين كنتم أعداء: أي بشرككم، يقتل بعضكم بعضا، عصبية في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله، فألف الله بالإسلام بين قلوبكم، فجعل بعضكم لبعض إخوانا بعد إذ كنتم أعداء تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُمْ} كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام، فآخى به بينكم، وألف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو، إن الألفة لرحمة، وإن الفرقة لعذاب!
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} يقتل بعضكم بعضا، ويأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فألّف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانا.(123/14)
فالنعمة التي أنعم الله على الأنصار التي أمرهم تعالى ذكره في هذه الآية أن يذكروها هي ألفة الإسلام واجتماع كلمتهم عليها، والعداوة التي كانت بينهم، التي قال الله عزّ وجلّ: {إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} فإنها عداوة الحروب التي كانت بين الحيين من الأوس والخزرج في الجاهلية قبل الإسلام، يزعم العلماء بأيام العرب، أنها تطاولت بينهم عشرين ومائة سنة. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة، حتى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم أخوان لأب وأم، فلم يسمع بقوم كان بينهم من العدواة والحرب ما كان بينهم. ثم إن الله عزّ وجلّ أطفأ ذلك بالإسلام، وألف بينهم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
فذكَّرهم جلّ ثناؤه إذ وعظهم عظيم ما كانوا فيه في جاهليتهم من البلاء والشقاء بمعاداة بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا، وخوّف بعضهم من بعض، وما صاروا إليه بالإسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وبما جاء به من الائتلاف والاجتماع، وأمن بعضهم من بعض، ومصير بعضهم لبعض إخوانا. وكان سببُ ذلك ما:(123/15)
حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: ثنا عاصم بن عمر بن قتادة المدني، عن أشياخ من قومه، قالوا: قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا. قال: وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره ونسبه وشرفه. قال: فتصدّى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به، فدعاه إلى الله عزّ وجلّ وإلى الإسلام، قال: فقال له سويد: فلعلّ الذي معك مثل الذي معي! قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَما الَّذِي مَعَكَ؟» قال مجلة لقمان ـ يعني حكمة لقمان ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعْرِضْها عَليَّ!» فعرضها عليه، فقال: «إنَّ هَذَا الكَلامَ حَسَنٌ، مَعِي أفْضَلُ مِنْ هَذَا، قُرآنٌ أنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَّي هُدًى وَنُورٌ» . قال: فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا القول حسن ثم انصرف عنه، وقدم المدينة، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، فإن كان قومه ليقولون: قد قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بُعاث.(123/16)
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني الحسين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل: أن محمود بن أسد أحد بني عبد الأشهل، قال: لما قدم أبو الجيش أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجلس إليهم، فقال: «هَلْ لَكُمْ إلى خَيْرٍ ممَّا جِئْتُمْ لَهُ؟» قالُوا: وَما ذَاكَ؟ قال: «أنا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي إلى العِبادِ أدْعُوهُمْ إلى اللَّهِ أنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، وأَنْزَلَ عَلَّي الكِتابَ» . ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: أي قوم، هذا والله خير مما جئتم له! قال: فأخذ أبو الجيش أنس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا! قال: فصمت إياس بن معاذ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج. قال: ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك قال: فلما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم. فبينا هو عند العقبة، إذ لقي رهطا من الخزرج أراد الله لهم خيرا. قال ابن حميد: قال سلمة: قال محمد بن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه، قالوا: لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «مَنْ أنْتُمْ؟» قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمِنْ مَوَالىَ يَهُودَ؟» قالوا: نعم، قال: «أفَلا تَجْلِسُونَ حتى أُكَلِّمَكُمْ؟» قالوا: بلى. قال: فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.(123/17)
قال: وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم ببلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا أهل شرك، أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء، قالوا لهم: إن نبيا الآن مبعوث قد أظلّ زمانه، نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله عزّ وجلّ، قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبيّ الذي توعدكم به يهود، ولا يسبقُنكم إليه! فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، وسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه، فلا رجل أعزّ منك! ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، راجعين إلى بلادهم، قد آمنوا وصدّقوا، وهم فيما ذكر لي ستة نفر. قال: فلما قدموا المدينة على قومهم، ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة، وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.(123/18)
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن عكرمة: أنه لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار، فآمنوا به وصدّقوه، فأراد أن يذهب معهم، فقالوا: يا رسول الله، إن بين قومنا حربا، وإنا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريد. فوعدوه العام المقبل، وقالوا: يا رسول الله نذهب، فلعلّ الله أن يصلح تلك الحرب! قال: فذهبوا ففعلوا، فأصلح الله عزّ وجلّ تلك الحرب، وكانوا يرون أنها لا تصلح؛ وهو يوم بُعاث فلقوه من العام المقبل سبعين رجلاً قد آمنوا، فأخذ عليهم النقباء اثني عشر نقيبا، فذلك حين يقول: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُم} .
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما: {إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} ففي حرب {فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} بالإسلام. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، بنحوه، وزاد فيه: فلما كان من أمر عائشة ما كان، فتثاور الحيان، فقال بعضهم لبعض: موعدكم الحرة! فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُم فأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا} ... الآية، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يتلوها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضا، وحتى إن لهم لحنينا، يعني البكاء.
وسمير الذي زعم السديّ أن قوله {إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} عنى به حربه، هو سمير بن زيد بن مالك أحد بني عمرو بن عوف الذي ذكره مالك بن العجلان في قوله:
إنَّ سُمَيرا أرَى عَشِيرَتَهُ ... قَدْ حَدِبُوا دُونَهُ وَقَدْ أبقوا
إنْ يَكُنِ الظَّنُّ صَادِقي ببني النَّـ ... ـجَّارِ لم يَطْعَمُوا الذي عُلِفُوا(123/19)
وقد ذكر علماء الأنصار أن مبدأ العداوة التي هيجت الحروب التي كانت بين قبيلتيها الأوس والخزرج وأولها كان بسبب قتل مولى لمالك بن العجلان الخزرجي، يقال له: الحر بن سمير، من مزينة، وكان حليفا لمالك بن العجلان، ثم اتصلت تلك العداوة بينهم إلى أن أطفأها الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك معنى قول السديّ: حرب ابن سمير.
وأما قوله: {فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا} فإنه يعني: فأصبحتم بتأليف الله عزّ وجلّ بينكم بالإسلام وكلمة الحقّ والتعاون على نصرة أهل الإيمان، والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانا متصادقين لا ضغائن بينكم، ولا تحاسد. كما:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {فأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا} ، وذكر لنا أن رجلاً قال لابن مسعود: كيف أصبحتم؟ قال: أصبحنا بنعمة الله إخوانا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} .
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} وكنتم يا معشر المؤمنين من الأوس والخزرج على حرف حفرة من النار، وإنما ذلك مثل لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام، يقول تعالى ذكره: وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه، قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فانقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له. وشفا الحفرة: طرفها وحرفها، مثل شفا الركية والبئر، ومنه قول الراجز:
نحْنُ حَفَرْنا للحَجيج سَجْلَهْ ... نابِتَةً فوقَ شَفَاهَا بَقْلَهْ(123/20)
يعني فوق حرفها، يقال: هذا شفا هذه الركية مقصور، وهما شفواها. وقال: {فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} يعني فأنقذكم من الحفرة، فردّ الخبر إلى الحفرة، وقد ابتدأ الخبر عن الشفا، لأن الشفا من الحفرة، فجاز ذلك، إذ كان الخبر عن الشفا على السبيل التي ذكرها في هذه الآية خبرا عن الحفرة، كما قال جرير بن عطية:
رأتْ مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي ... كما أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ
فذكر مرّ السنين، ثم رجع إلى الخبر عن السنين. وكما قال العجاج:
طُولُ اللّيالي أسْرَعَتْ فِي نَقْضِي ... طَوَيْنَ طُولي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
وقد بينت العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ} كان هذا الحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاً، وأشقاه عيشا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودا، وأجوعه بطونا، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات رُدّي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظا، وأدقّ فيها شأنا منهم، حتى جاء الله عزّ وجلّ بالإسلام، فورّثكم به الكتاب، وأحلّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحبّ الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قوله: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} يقول: كنتم على الكفر بالله، {فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} من ذلك، وهداكم إلى الإسلام.(123/21)
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} بمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: كنتم على طرف النار من مات منكم أُوبق في النار، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاستنقذكم به من تلك الحفرة.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا حسن بن يحيّ: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} قال: عصبية.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
يعني جلّ ثناؤه بقوله: كذلك كما بين لكم ربكم في هذه الآيات أيها المؤمنون من الأوس والخزرج، من علماء اليهود، الذي يضمرونه لكم، وغشهم لكم، وأمره إياكم بما أمركم به فيها، ونهيه لكم عما نهاكم عنه، والحال التي كنتم عليها في جاهليتكم، والتي صرتم إليها في إسلامكم، يعرّفكم في كل ذلك مواقع نعمه قبلكم، وصنائعه لديكم، فكذلك يبين سائر حججه لكم في تنزيله، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. {لَعَلَّكم تهتدون} يعني: لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها فلا تضلوا عنها.
القرطبي:(123/22)
«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل» . قال أبو عمر: وهذا كله نصٌّ في موضع الخلاف قاطع له عند من أُلْهِمَ رشدَه، ولم تَمل به عصبيّته. وذكر ابن حبيب عن مُطَرِّف وعن أَصْبَغ عن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على ما في هذا الباب. وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يُبْرَز لهما في كل بلد إلا مكة فإنها تُصلَّى في المسجد الحرام. وكان عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدَّرْدَاء وجابر يفضّلون مكة ومسجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم؛ وإلى هذا ذهب الشافعي، وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين، وروي مثله عن مالك؛ ذكر ابن وهب في جامعه عن مالك أن آدم عليه السلام لما أُهبط إلى الأرض قال: يا ربّ هذه أحب إليك أن تُعبدَ فيها؟ قال: بل مكة. والمشهور عنه وعن أهل المدينة تفضيل المدينة، واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك؛ فطائفة تقول مكة، وطائفة تقول المدينة.
قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب، وقد يُعبَّر عن القلب بالفؤاد كما قال الشاعر:
وإن فؤاداً قادني بصَبَابَةٍ ... إليكِ على طولِ المَدَى لَصَبُورُ(123/23)
وقيل: جمع وَفْد، والأصل أوفدة، فقدّمت الفاء وقلبت الواو ياء كما هي، فكأنه قال: واجعل وفوداً من الناس تَهْوي إليهم؛ أي تَنزع؛ يقال: هوِي نحوه إذا مال، وهوت الناقة تَهوِي هُوِياً فهي هاوية إذا عَدَت عَدْواً شديداً كأنها في هواء بئر، وقوله: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} مأخوذ منه. قال ابن عباس ومجاهد: لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند واليهود والنصارى والمجوس، ولكن قال: «مِنَ النَّاسِ» فهم المسلمون؛ فقوله: «تَهْوي إِلَيْهِمْ» أي تحنّ إليهم، وتحنّ إلى زيارة البيت. وقرأ مجاهد «تَهْوَى إِليهِم» أي تهواهم وتجلّهم. {وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} فاستجاب الله دعاءه، وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار، وبما يجلب إليهم من الأمصار.(123/24)
وفي صحيح البخاريّ عن ابن عباس الحديث الطويل وقد ذكرنا بعضه: «فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسمعيل يطالع تَرِكَته فلم يجد إسمعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألهم عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة؛ فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عَتَبة بابه، فلما جاء إسمعيل كأنه آنس شيئاً فقال: هل جاءكم من أحد! قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشتنا فأخبرته أنّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاكِ بشيء: قالت: أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيّر عَتَبة بابك؛ قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الْحَقِي بأهلك؛ فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، ودخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله. قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ ولو كان لهم دعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه؛ وذكر الحديث.(123/25)
وقال ابن عباس: قول إبراهيم: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} سأل أن يجعل الله الناس يهوون السُّكْنى بمكة، فيصير بيتاً محرّماً، وكل ذلك كان والحمد لله. وأول من سكنه جُرْهُم. ففي البخاريّ ـ بعد قوله: وإن الله لا يُضيِّع أهْلَه ـ وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، وكذلك حتى مرّت بهم رُفقة من جُرْهُم قافلين من طريق كُدَا، فنزلوا بأسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً فقالوا: إن هذا الطائر ليَدُور على ماء! لَعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء؛ فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّين فإذا هُم بالماء، فأخبروهم بالماء فأقبلوا. قال: وأمّ إسمعيل عند الماء؛ فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: « (فألفى) ذلك أمّ إسمعيل وهي تحب الأنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، شَبَّ الغلامُ، وماتت أم إسمعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسمعيل يطالع تَرِكَته؛ الحديث.
القرطبي:(123/26)
ع. قال الزهريّ: حَمِيَّتُهم أنفتهم من الإقرار للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم، ومنعهم من دخول مكة. وكان الذي امتنع من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله: سهيل بن عمرو؛ على ما تقدّم. وقال ابن بحر: حمِيّتهم عصبيّتهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، والأنفة من أن يعبدوا غيرها. وقيل: «حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ» إنهم قالوا: قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا؛ واللات والعُزَّى لا يدخلها أبداً. {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} أي الطمأنينة والوقار {عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . وقيل: ثبتهم على الرضا والتسليم، ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قيل: لا إله إلا الله. روي مرفوعاً من حديث أُبَيّ بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهو قول عليّ وابن عمر وابن عباس، وعمرو بن ميمون ومجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك، وسلمة بن كُهيل وعبيد بن عمير وطلحة بن مُصَرِّف، والربيع والسّدي وابن زيد. وقاله عطاء الخراساني، وزاد «محمد رسول الله» . وعن عليّ وابن عمر أيضاً هي لا إله إلا الله والله أكبر. وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضاً: هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقال الزهريّ: بسم الله الرحمن الرحيم. يعني أن المشركين لم يُقِرّوا بهذه الكلمة؛ فخص الله بها المؤمنين. و «كَلِمَةَ التَّقْوَى» هي التي يتَّقى بها من الشرك. وعن مجاهد أيضاً أن «كَلِمَةَ التَّقْوَى» الإخلاص. {وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي أحق بها من كفار مكة؛ لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه. {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} .(123/27)
محبطات الأعمال (2)
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
محبطات الأعمال (2)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي صالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما {من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
{يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} .
أما بعد: معشر الإخوة الكرام..(124/1)
تقدم معنا أن فرائض الله على كثرتها وتعددها وتنوعها تنقسم إلى قسمين اثنين فرض دائم على الدوام ينبغي أن يقوم به الإنسان في كل مكان وزمان وفرض مؤقت محدد بشروط في أمكنة وأزمنة وتقدم معنا أن الإنسان إذا ضيع الفرض الدائم فهو من الكافرين لرب العالمين ولا يقبل منه عمل عند الله عز وجل والفرض الثاني لا يقبل إلا إذا قام الإنسان بالفرض الأول.
وأما الفروض المؤقتة فقد تقدم معنا حالها وكنا نتدارسها وقلت إذا حقق الإنسان الفرض الأول وقام بالعبودية لرب البرية ولم ينقض عبوديته وتوحيده وإيمانه بربه جل وعلا، ففرائضه بعد ذلك إذا وقعت مستوفية للشروط ولا يوجد ما يبطلها فهي مقبولة وقد يوجد ما يبطلها ويحبطها وينقضها وإن لم يكن فاعلها من الكافرين وقد يمن الله على الإنسان بالقبول، وإن أتى بما يحبط العمل إذا لم يكن من الكافرين والأمر إلى رب العالمين سبحانه وتعالى.
وتقدم معنا أن محبطات الأعمال ومبطلاتها كثيرة وفيرة سأقتصر على عشرة منها وكان في نيتي أن نتدارس هذه العشرة في الموعظة الأولى الماضية وقدر الله أن يطول الحديث فلعلني أكمل الكلام عليها في هذه الموعظة إن شاء الله.
إخوتي الكرام:
تدارسنا أربعة أمور من هذه الأمور العشرة التي تحبط العمل عند رب العالمين وإن لم يكن العامل من الكافرين برب العالمين.
أولها: الرياء عدم الإخلاص لرب الأرض والسماء.
ثانيها: الابتداع وعدم كون العمل على هدي نبينا عليه الصلاة والسلام.
ثالثها: المن باللسان على عباد الرحمن والمن بالجنان على ذي الجلال والإكرام.
ورابعها: رفع الصوت على نبينا عليه الصلاة والسلام فكيف سيكون الحال إذا قدم الإنسان رأيه وهواه واجتهاده على شرع النبي عليه الصلاة والسلام.
تقدم معنا الكلام على هذه الأمور الأربعة وبقي معنا ستة أمور لعلني أتكلم عليها في هذه الموعظة.
أولها: ترك صلاة العصر.(124/2)
وثانيها: الوقوع في الزور والبهتان والآثام في شهر الصيام وعند الصيام.
وثالثها: الاحتيال على أكل الحرام.
ورابعها: أكل الحرام.
وخامسها: الوقوع في المسكرات.
وسادسها: إسبال الإزار وجر الثياب.
أمور عشرة تحبط الأعمال عند ذي العزة والجلال وإن لم يكن العامل من الكافرين عند رب العالمين.
أما الأمر الأول:
الذي سنتدارسه في هذه الموعظة وهو الأمر الخامس في ترتيب هذه الأمور العشرة فهو ترك صلاة العصر.
من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمله.
ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والحديث رواه الإمام ابن ماجه في سننه والنسائي في سننه أيضا ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والحديث في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للإمام البيهقي وهو صحيح صحيح ولفظ الحديث من رواية بريدة بن الحصين رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [بكروا بصلاة العصر أيام الغيم فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ترك صلاة العصر حبط عمله] .
والحديث رواه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح كما نص على ذلك الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء 1/308 من رواية سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه بزيادة التعمد ولفظ حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله] .
والإنسان إذا ترك صلاة العصر إما أن يتركها تعمدا والتعمد ليس من باب الجحود ولا الاستهزاء إنما التعمد تركها كسلا وأما إذا تركها بعد ذلك ذهولا عنها لاشتغاله بأمور الدنيا فله عقوبة أخرى مع شناعتها أخف من هذه العقوبة.(124/3)
كما ثبت في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي والحديث في الصحيحين والسنن الأربعة ورواه ابن خزيمة في صحيحه كما رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وهو من أعلى الأحاديث درجة فهو في الصحيحين من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله] .
والحديث رواه النسائي والطبراني في معجمه الكبير والإمام أحمد في المسند والبيهقي في السنن الكبرى من رواية نوفل بن معاوية والحديث رواه الإمام الطبري في تهذيب السنن والآثار من رواية سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام [من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله] : أي سلب وفقد أهله وماله وأصل الموتور في لغة العرب يدل على دلالتين اثنتين الدلالة الأولى إذا أصيب الإنسان بأهله في أهله وفي ماله ووقعت الإصابة أمام عينيه ولا يستطيع أن يثأر ممن أوقع البأس بأهله يقال إنه موتور فقد اجتمع عليه غمان غم وقوع المصيبة على أهله وماله وغم عدم أخذ الثأر ممن أوقع بأهله البأس والضر وهنا اجتمع وعقوبتان على من فاتته صلاة العصر لاشتغاله بأمور الدنيا الغم الأول فاته الثواب والغم الثاني سيحصل العقاب ولله در الإمام البخاري حيث بوب على هذين الحديثين بابين في صحيحه في الجزء 2/30 من فتح الباري في كتاب الصلاة فبوب على حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بابا فقال باب إثم من فاتته صلاة العصر، ثم ذكر الحديث.
ولما جاء بعد ذلك لحديث بريدة رضي الله عنه في الباب الذي بعده قال باب في ترك صلاة العصر، أي: هنا ترك تعمدا وهناك فاتته ذهولا لاشتغاله بما يضادها.(124/4)
هناك كأنما وتر أهله وماله، وأما هنا فقد حبط عمله كما حقق ذلك حذامي المحدثين وأمير المؤمنين شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، فقال لفظ الترك مشعر بأنه تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فإذا فعل الإنسان هذا في صلاة العصر حبط عمله.
ومعنى الحديث يحتمل أن يحبط عمله في ذلك اليوم أو أن يحبط عمله كله وعلم ذلك عند ذي الجلال والإكرام وهذا الحبوط لا يعني أن الإنسان كافر لا ثم لا على أن أئمتنا تكلموا في ثلاثة ألفاظ من الحديث وما تحتمله من معاني:
أولها: الترك
والثاني: الحبوط
والثالث: العمل
قال الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا من ترك صلاة العصر قال بعض العلماء أي جحودا وعنادا أو استهزاءًا واستخفافًا فهو كافر بالله حبط عمله وهنا نقض عبوديته لربه، فهو أتى بما يسقط عمله ويبطل عمله عند ربه جل وعلا.
والفرض المؤقت لا يقبل إلا إذا قام الإنسان بالفرض الدائم على الدوام وهو العبودية لذي الجلال والإكرام.
وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أنه من ترك صلاة العصر متعمدا كسلا فقد حبط عمله قال هذا ورد مورد الزجر والتغليظ وأن العمل قد يحبط عند الله عز وجل دون أن يكون العامل من الكافرين ومال إلى هذا الحافظ ابن حجر.
والذي يظهر أنه لا تعارض بين هذه التوجيهات فمن ترك صلاة العصر جاحدا لفرضيتها مستخفا مستهزئا بها فلا شك في كفره وردته وليس كلامنا فيه لأنه نقض الفرض الدائم إنما لو تركها عامدا كسلا دون جحود لفرضيتها ودون استهزاء بها فقد عرض عمله للحبوط عند الله عز وجل.
وأما الحبوط: فقال الحافظ ابن حجر: قال: بعض العلماء هذا كالتشبيه والتمثيل أي حاله كحال من حبط عمله والله عليم هل يحبط العمل أم لا وأورد قولا ثانيا لبعض العلماء قال أي كاد أن يحبط عمله.
ولا داعي لهذه التكلفات والتوجيهات، ولذلك المعني الثالث والمعتمد وهو ما قاله شيخ الإسلام الإمام أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي.(124/5)
قال الحبوط قسمان: حبوط إسقاط بحيث يزول العمل الصالح عند الله ويكون فاعله من عداد الكافرين فهذا لا يكون إلا إذا كفر الإنسان بربه جل وعلا.
والثاني يقول حبوط موازنة وهي أن تجتمع الحسنات والسيئات فتغلب السيئات على الحسنات فهنا يحبط ثواب الحسنات بمعنى يضيع ويختفي حتى يعاقب الإنسان على تلك السيئات فإذا طهر عاد إليه ثواب الحسنات ودخل الجنة برحمة رب الأرض والسموات.
وهذا هو المعنى المراد من هذا الحديث وأما العمل فقد أورد الحافظ ابن حجر قولين في بيان المعنى الثاني منهما وهو متكلف بل باطل، والأول هو الحق المراد من العمل هنا العمل الصالح عند الله عز وجل.
أي: بطل أجره وضاع الثواب عليه، وقال بعض العلماء فقد حبط عمله، أي: عمله الدنيوي في ذلك اليوم فلا ينتفع به ولا يمتع به فإذا شغلته الدنيا عن أداء هذا الفرض يحرمه الله بركة ذلك العمل الذي قام به وشغله عن فرض ربه قول كما قلت متكلف.
إخوتي الكرام:
والسبب الذي من أجله خصت صلاة العصر من بين الصلوات الخمس بهذه الميزة العظيمة أمور كثيرة يمكن أن نجملها في أربعة أمور:
أولها:
صلاة العصر هي مظنة انشغال الناس عنها وقتها يقع بعد تعب في النهار وقيلولة ينام الإنسان فيها بعد الظهر فقد يشغل عن هذا الفرض العظيم الذي له أجر كريم عظيم عند ربنا الكريم من أجل هذا وقع هذا التغليظ والتشديد في ترك صلاة العصر.
والثاني:
صلاة العصر هي خاتمة الطاعات التي يتقرب بها الإنسان إلى رب الأرض والسموات في ذلك اليوم فهي آخر صلاة وجبت عليك في ذلك اليوم فإذا أذَّن المغرب دخلت في اليوم الثاني، واليوم يخرج يقينا بغروب الشمس.
وقد ورد ما يرشح هذا المعنى في نظائر هذا المعنى أيضا في أحاديث أخرى عن نبينا صلى الله عليه وسلم تبين أن شناعة المعصية بعد العصر أكثر من شناعتها قبل العصر ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة والحديث رواه شيخ الإسلام عبد الرزاق في مصنفه.(124/6)
كما رواه الإمام الطبري والبيهقي في السنن الكبرى والحديث صحيح صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم؛ رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل ورجل بايع بسلعة بعد العصر فحلف بالله أنه أعطي بها كذا وكذا فصدقه ولم يعط بها ذلك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه وفى وإن لم يعطه لم يف] .
وفي بعض الروايات [فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط] .
فالأول: على ماء زائد في الصحراء فمر به ابن السبيل وطلب ماءا يشربه فمنعه لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم.
والثاني: يا عبد الله وقت صلاة العصر مؤذن بزوال النهار وزوال النهار مؤذن بانقضاء هذه الدار أما وعظك زوال النهار عن الكذب والافتراء والغش والتزوير، ففي آخر اليوم عصيت الله وكذبت وحلفت اليمين الغموس حالك كحال من يكذب ويعصي عند احتضاره فلك هذه العقوبة من الله عز وجل وهذا هو الشاهد وهنا كذلك صلاة العصر ختام عمل اليوم فمن تركها حبط عمله.
المعنى الثالث:
الذي من أجله صار لصلاة العصر تلك المنزلة ما قاله شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال إن صلاة العصر عرضها الله على الأمم السابقة وكلفهم بها فأبوا أن يتحملوها وما قاموا بها فكلفت بها هذه الأمة المباركة فلها شأن عظيم فمن قام بها أعطاه الله أجرين، وهذا الذي أشار إليه الإمام ابن تيمية ثبت ما يقرره في صحيح السنة في صحيح مسلم وسنن النسائي ومعجم الطبراني الكبير.(124/7)
والحديث رواه الإمام أبو يعلى في مسنده أيضا والبيهقي في السنن الكبرى وابن قانع في معجم الصحابة كما رواه الإمام البارودي وهو حديث صحيح من رواية أبي بصرة الغفاري واختلف في اسمه فقيل حميد وقيل جميل الغفاري وهو من الصحابة الكرام قال: [صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق ثم قال إن هذه الصلاة قد فرضها الله على الأمم قبلكم فأبوا أن يحملوها فمن قام بها منكم أعطاه الله أجره مرتين] .
إذن لهذا الاعتبار لها منزلة عظيمة وهذا الحديث روي أيضا من رواية أبي أمامة الباهلي في معجم الطبراني الكبير والأحاديث الجياد المختارة للضياء المقدسي عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه.
والمعنى الرابع:
الذي من أجله صار لصلاة العصر تلك المنزلة أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى والله جل وعلا يقول في كتابه: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} .
وقد أكثر أئمتنا المفسرون رضوان الله عليهم أجمعين في بيان المراد من الصلاة الوسطى وخلاصة كلامهم يدور على ثلاثة أمور إما أن يكون المراد من الوسطى الوسطى في العدد وهذا لا يراد عند جماهير المفسرين.
وإذا كان المراد الوسطى في العدد فهي صلاة المغرب لأن الصلوات أربع ركعات أو ثلاث ركعات أو ركعتان والمغرب هي الوسطى في الأعداد وخصت بالذكر على هذا القول لضيق وقتها ولمنزلتها أيضا عند ربنا جل وعلا.
وإما أن يكون المراد من الوسطى هنا أي الصلاة الخيرة العظيمة الشأن الفاضلة التي لها منزلة قال الإمام ابن الجوزي وغيره من أئمة التفسير وهذا يصلح على كل صلاة فكأن المعنى حافظوا على الصلوات وحافظوا عليها واعتنوا بها وإياكم إياكم أن تفرطوا في شيء منها.
وإما أن يكون المراد من الوسطى هنا الوسطى في المحل وعلى هذا جمهور المفسرين واختلفوا في تعيين المحل الذي يراد منه الصلاة الوسطى على سبعة أقوال:
أولها:(124/8)
المراد من الصلاة الوسطى الصلوات الخمس وعليه أعيدت بلفظ ثاني لبيان منزلة الصلاة ورفعة قدرها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أي الصلاة الفاضلة التي هي في المحل وسط من بين الصلوات كيف تكون الصلوات الخمس وسطا بين الصلوات وكل واحدة وسط اسمعوا إلى توجيه أئمتنا في ذلك كل صلاة وسط من حيث المحل الفجر وسط بين الصلوات.
قال أئمتنا الكرام إن الليل يخرج يقينا بطلوع الشمس وإن النهار يدخل يقينا بطلوع الشمس وما بين الفجر وطلوع الشمس متردد هل هو من الليل أم من النهار وعليه هذا الوقت وسط بين الليل وبين النهار فيه شيء من ظلمة الليل وهو غلس الفجر وفيه شيء من ضوء النهار وهو الاصفرار الذي يكون في الفجر.
والظهر صلاة وسطى لأنها تكون وسط النهار.
والعصر تكون صلاة وسطى لأنه تقدمها فرضان في النهار الفجر والظهر ويأتي بعدها فرضان في الليل المغرب والعشاء.
والمغرب تكون وسطى لأن أول صلاة فرضت هي الظهر وتليها العصر فالمغرب هي وسطى من حيث المحل بين ترتيب الصلوات المفروضة أول ما فرضت ثم العشاء ثم الفجر.
والعشاء تكون وسطى بين الصلوات ووجه ذلك أنها بين فريضتين لا تقصران فصلاة المغرب لاتقصر أبدا وصلاة الفجر لا تقصر أبدا وعليه حافظوا على الصلوات وحافظوا عليها أيضا فكل واحدة منها صلاة وسطى.
والقول الثاني:
من الأقوال السبعة قالوا إن الله أبهمها ولم يعينها ليكون العباد على محافظة تامة على جميع الصلوات كما أبهم الله تعيين ليلة القدر في أي ليلة تكون في شهر رمضان وفي العشر الأخير منه.
ثم بعد ذلك هناك خمسة أقوال كل قول حدد صلاة من الصلوات الخمس كما تقدم معنا وأرجحها كما قال شيخ المسلمين الحافظ ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الجليل قال: وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام تفسير الصلاة الوسطى بصلاة العصر فتعين القول إلى هذا والمصير إليه.
إخوتي الكرام:(124/9)
وما أشار إليه شيخ الإسلام الإمام ابن كثير ثابت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة والحديث رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة في مصنفه ورواه عبد بن حميد في مسنده والإمام الطبري في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره والإمام البيهقي في السنن الكبرى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه.
والحديث صحيح صحيح فهو في الصحيحين من رواية سيدنا علي عليه وعلى جميع الصحابة رضوان رب العالمين قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب في موقعة الخندق: [ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس] .
وفي رواية أخرى [شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ... ] .
وثبت الحديث بذلك من رواية عبد بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ورواه الإمام الترمذي وابن ماجه في السنن ورواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه والطبري في تفسيره وابن المنذر في تفسيره والإمام البيهقي في السنن الكبرى والحديث صحيح صحيح أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا أو حشى الله أجوافهم وقبورهم نارا] .
والأحاديث في ذلك كثير وفيرة منها رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهي ثابتة في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجه والحديث رواه عبد بن حميد في مسنده والطبري في تفسيره كما رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، وهكذا ابن الأنباري في كتاب المصاحف أيضا وفي السنن الكبرى للبيهقي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} الصلاة الوسطى صلاة العصر سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.(124/10)
وقد ثبت نظير هذه الرواية أيضا عن أمنا حفصة رضي الله عنها وأرضاها في الموطأ والتاريخ الكبير للبخاري وهو في مصنف عبد الرزاق ورواه عبد بن حميد في مسنده والطبري في تفسيره.
كما رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف والأنباري في المصاحف أيضا، وأبو عبيد في كتاب فضائل القرآن، ورواه أبو يعلى في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى عن أمنا حفصة رضي الله عنها وأرضاها بنحو رواية أمنا عائشة وانظروا روايات متعددة عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في تفسير الصلاة الوسطى بصلاة العصر في الدر المنثور في الجزء 1/300 إلى 305.
فالصلاة الوسطى هي العصر فهي ختام أعمال اليوم هي فرضت على الأمم قبلنا فما تحملوها وبها أقسم الله جل وعلا على أحد أقوال ثلاثة قيلت في تفسير سورة العصر خلاصتها أن الله أقسم بالعصر والمراد منه ثلاثة أقوال:
القول الأول: هو الدهر هو الزمن.
ويدخل في هذا ثلاثة أقوال تدخل في هذا القول:
العصر: هو العشي.
... وهو الوقت الذي يكون من زوال الشمس إلى غروبها العصر.
... هو عصر الإنسان وزمن كل إنسان فأقسم الله بعمر كل إنسان وبما يوقع في عمره من أعمال ينال بها الفوز أو الخسران.
والقول الثالث: العصر هو عصر النبي صلى الله عليه وسلم ونقل هذا عن عدد من أئمتنا الكرام.
قال الإمام الرازي: وقد أقسم الله جل وعلا بعمر النبي عليه الصلاة والسلام وأقسم ببلد النبي عليه الصلاة والسلام وأقسم بزمن النبي عليه الصلاة والسلام فقال جل وعلا: {وهذا البلد الأمين} .
وقال: {فلا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد} .
وقال في سورة الحجر: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} .(124/11)
ثبت عن حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في كتاب دلائل النبوة لأبي نعيم ودلائل النبوة للبيهقي والأثر رواه ابن مردويه في تفسيره قال: [ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد عليه الصلاة والسلام وما سمعت الله أقسم بعمر إنسان إلا بنبينا عليه الصلاة والسلام] .
والثاني: أن الكلام من باب حذف والتقدير ورب العصر أقسم الله بذاته وبربوبيته لمخلوقاته.
والقول الثالث: وهو محل الشاهد أقسم الله بصلاة العصر لما لها من منزلة وشأن عند الله جل وعلا.
وهذه السورة مع وجازتها بليغة بليغة وكلام الله كله محكم بليغ يقول الإمام الشافعي لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم وقد بلغ من تذكير الصحابة بعضهم بعضا بها ما رواه الطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
والحديث رجاله ثقات وإسناده صحيح ولفظ الحديث من رواية أبي مدينة رضي الله عنه وأرضاه قال: [كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على صاحبه والعصر إن الإنسان لفي خسر ... ] وأبو مدينة صحابي وحكى الطبراني في معجمه الأوسط أن اسمه عبد الله بن حصن وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة وتعجيل المنفعة إن كان الطبراني حفظ ذلك ففي التابعين من يسمى بعبد الله بن حصن السدوسي، أما هذا فعبد الله بن حصن الدارمي وعليه فقد اتفق الصحابي مع التابعي في الاسم واسم الأب والكنية واختلفا في النسبة قال: وإن لم يضبط الطبراني هذا في أبي مدينة فالذي يسمى بعبد الله بن حصن هو التابعي لهذه الأمور المتقدمة كان لصلاة العصر تلك المنزلة من ترك صلاة العصر حبط عمله.
والأمر الثاني:
الذي يحبط لعمل عند الله عز وجل الوقوع في الزور والبهتان والآثام في شهر الصيام فمن صام كذب ووقع في الزور وعمل الآثام فقد بطل صيامه عند ذي الجلال والإكرام.
إخوتي الكرام:(124/12)
تقدم معنا ما للصيام من منزلة عند الله عز وجل وأن من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لكن هذا يكون للصيام المقبول الذي لا تأتي فيه بعمل مرذول تنقض به صيامك وتحبط أجره عند ربك جل وعلا.
ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والسنن الأربعة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه كما رواه البيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه] .
والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط والصغير من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه بلفظ: [من لم يدع الكذب والخنا في صيامه فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه] .
وتقدم هذا معنا في مواعظ شهر الصيام وكنت ذكرت أن كثيرا من الصائمين لا يحصلون من صيامهم إلا الجوع والعطش كما أن كثيرا من القائمين لا يحصلون من قيامهم إلا السهر وهذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
ففي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه والنسائي ومستدرك الحاكم والسنن الكبرى وشعب الإيمان للبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وربّ قائم حظه من قيامه السهر] فإذا وقعت في شيء من الآثام بطل الصيام عند ذي الجلال والإكرام.
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يحسن ختامنا أقول هذا القول وأستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض، اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوتي الكرام:(124/13)
لولا أنني أواصل سلسلة المواعظ المتصلة حول هذا الموضوع لكان في نيتي أن أتكلم على أمر يتدارسه الناس في هذه الأيام وتتحدث عنه وسائل الإعلام ألا وهو الجامعة الغوية التي يقال لها الجامعة العربية وعلى تعبيرهم قد مضى عليها خمسون عاما، وقد أسست في الثاني والعشرين من شهر آزار والحمد لله لا ينتسبون إلى الأشهر القمرية ولا إلى السنة الهجرية فبينهم وبين خير البرية عليه الصلاة والسلام ما بين المشرقين الجامعة العربية التي أسست سنة 1945م وقد مضى عليها كما يقولون خمسون عاما تشتتا وفرقة وتناحرا وخصومة وتلاعنا هذه الجامعة التي يطنطن لها ويجرى كلام حولها مما يفري الكبد والأمة للآن ما وعت أمرها ولا طريقها وحالها كما قال القائل:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول
... ...
إخوتي الكرام:
السبب في تأسيس هذه الجامعة دولتان ملعونتان الدولة الأولى بريطانيا وهم كما قال عنهم أئمتنا الكرام أخدع من الضب وأمكر من الثعلب وأعيث من الذئب وأخبث من الشيطان والدولة الثانية فرنسا وقد لعب مندوب الدولة الأولى دورته الفظيعة حول تأسيس الجامعة العربية وأسسها هؤلاء بإيحاء من هؤلاء لأمرين اثنين:
الأول: القضاء على الخلافة الإسلامية وتشتيت المسلمين فلا بد من إثارة النعرات الوطنية والقومية وما قضي على آخر خلافة إسلامية عثمانية إلا بسلاحين بسلاح الإلحاد ونشر الفساد وبإثارة النعرات بين العباد عربية وكردية تورانية وما شاكل هذا وهنا كذلك جامعة عربية لتتخلص على تعبيرهم من الاستعمار العثماني.
الثاني: المراد من إنشائها: أن لا يفكر مسلم ما دامت الروح تتحرك فيه بإعادة الخلافة اَلإسلامية ولا بإعادة الوحدة بين المسلمين بهذا التخدير الذي يجري بينهم فهم في اتحاد ولكن كما قال الله: {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} .(124/14)
.. ومن سمع المقابلات التي تجري بين المسؤولين في تلك المنظمة يتذكر حديث خير البريات عليه الصلاة والسلام [سيأتي عليكم سنوات خداعات يؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ويصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق وينطق فيها الرويبضة قالوا وما الرويبضة يا رسول الله قال الرجل التافه في أمر العامة] .
وفي بعض الروايات [وينطق فيها الفويسق] [وينطق فيها الفاسق] [وينطق فيها السفيه] [وينطق فيها من لا يؤبه له] .
... والحديث صحيح روي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأنس بن مالك وأمنا أم سلمة وعمرو بن عوف وعوف بن مالك الأشجعي وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين أما رواية أبي هريرة رضي الله عنه فقد رواها الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وابن ماجه في السنن والخرائطي في مكارم الأخلاق.
... وأما رواية أنس بن مالك رضي الله عنه فقد رواها الإمام أحمد في المسند وأبو يعلى في مسنده أيضا والطبراني في معجمه الأوسط وانظروا هذه الرواية في مجمع الزوائد في الجزء 7/284 وأما رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها فهي في معجم الطبراني الأوسط والكبير في المكان المشار إليه آنفا في مجمع الزوائد وأما رواية عمرو بن عوف فقد رواها البزار في مسنده وأما رواية عوف بن مالك فهي في معجم الطبراني الكبير انظروها في المجمع في الجزء 7/330.
... وأما رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في معجم الطبراني الكبير كما في المجمع في الجزء 6/324 وألفاظ رواياتهم متقاربة إخوتي الكرام خمسون عاما نصف قرن مرت عليها والأمة لا تجد منها إلا الذل ومن كلامهم أن الميزانية التي تصرف عليها في كل عام سبعة وعشرون مليون دولارا ينبغي أن نعي أين نسير في هذه الأيام وقد اتفق أعضاء الجامعة العربية على أن لا يتفقوا إلا في أمر واحد ألا وهو عدم الرجوع إلى رب العالمين والأمة الإسلامية في هذه الأيام حالها يفطر الأكباد ونشكوا أمرنا رب العباد.(124/15)
.. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
... اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم.
... اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
... اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً.
... اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك.
... اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .(124/16)
محبطات الأعمال (3)
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
محبطات الأعمال (3)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.
{يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} .
أما بعد: معشر الإخوة الكرام..
تدارسنا في ثلاث مواعظ سابقة مبطلات الأعمال وكان في نيتي أن ننتهي من مدارستها في موعظة واحدة وقدر الله وما شاء فعل وهذه هي الموعظة الرابعة في مبطلات الأعمال وسأنهي الكلام على مبطلات الأعمال فيها بإذن ذي العزة والجلال.
إخوتي الكرام:(125/1)
تقدم معنا أن مبطلات الأعمال تنقسم إلى قسمين اثنين:
منها ما يبطل العمل ويبطل عبودية الإنسان لله عز وجل فهي تنقض فرضه الدائم وتخرجه عن رسم العبودية لرب البرية وقد ذكرت لذلك خمسة أنواع الكفر والشرك والردة والنفاق الأكبر والبدعة المكفرة نسأل الله أن يصوننا منها ومن جميع المخالفات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأما المحبطات من النوع الثاني فهي تحبط الطاعات لكنها لا تبطل عبودية المخلوقات لرب الأرض والسموات وهذه كثيرة وفيرة كما قرر أئمتنا الكرام وأكثر الخلق ليس عندهم خبر عنها ولا اعتناء بها وقلت سأقتصر على عشرة منها مضى الكلام على ستة منها ألا وهي:
الشرك الأصغر: وهو الرياء عدم الإخلاص لرب الأرض والسماء.
والابتداع وعدم اتباع حبيبنا خاتم الأنبياء عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه.
والمن على المخلوق باللسان وعلى الخالق بالجنان.
ورفع الصوت على نبينا عليه الصلاة والسلام فكيف بتقديم الآراء على حديثه وهديه عليه الصلاة والسلام.
وترك صلاة العصر.
والوقوع في الزور والآثام في شهر رمضان ووقت الصيام.
وقد مر الكلام على هذه الأمور الستة مفصلا بأدلته وبراهينه وبقيت أربعة أمور ن الأمور المكملة للعشرة أذكرها في هذه الموعظة وأختم الكلام بها على مبطلات الأعمال بإذن ذي العزة والجلال.
إخوتي الكرام الأمور الأربعة المتبقية هي:
1- الاحتيال على الحرام:
2- وأكل الحرام:
3- وشرب الخمر:
4- وإسبال الإزار:
هذه أمور أربعة إذا ضمت إلى الستة صارت عشرة أمور تبطل العمل ولا تنقض العبودية لله عز وجل هذه كما قلت نماذج مما يبطل العمل لا من باب الحصر لجميع يبطل الأعمال عند ذي العزة والجلال.
الأمر الأول: من الأمور الأربعة وهو السابع من العشرة على الترتيب:(125/2)
الاحتيال على ما حرمه ذو العزة والجلال إخوتي الكرام إذا امرنا الله بأمر فالواجب علينا أن نقوم بذلك الأمر وبما يستلزمه ذلك الأمر وإذا حرم الله علينا أمرا فالواجب علينا أن نترك ذلك الأمر وأن نترك ما يؤدي إلى ذلك الأمر الذي حرمه الله علينا وعندما حرم الله علينا استعمال فروجنا في غير ما أحل الله لنا من أزواجنا وسرارينا إن هذا التحريم يستلزم تحريم النظر إلى ما حرم ربنا جل وعلا لأن النظر بريد الزنا: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} .
وقد وجد في هذه الأمة كما وجد في الأمم السابقة أناس يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون فيحتالون على إبطال ما شرعه الله وعلى إسقاط ما أوجبه الله وعلى تحليل ما حرمه الله بحيل ردية لا تقبل عند رب البرية.
وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا المسلك وحذرنا منه وأخبرنا أن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة استحلوا ما حرم الله بالحيل الباطلة عند الله روى شيخ الإسلام أبو عبد الله بن بطة في كتابه تحريم الحيل في صفحة47.
وإسناد الحديث صحيح كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء 19/29 وقال رواه أبو عبد الله بن بطة بإسناد حسن وقد حكم على الإسناد شيخ الإسلام الإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تفسيره في الجزء 2/257 عند تفسير آية الأعراف: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ... } .(125/3)
قال وقد روى أبو عبد الله بن بطة بإسناد جيد ثم قال ومثل هذا الإسناد يصحح به الإمام الترمذي كثيرا من الأحاديث وحكم عليه بالصحة الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه إغاثة اللهفان في 1/348 وكتب حول الحيل المحرمة ما يقارب 170 صفحة، والحديث صحيح ورواه هذا العبد الصالح أبو عبد الله بن بطة وهو من أئمتنا الربانيين صاحب كتاب الإبانة الكبرى في عقائد أهل السنة المكرمين في ثلاث مجلدات وله جزء صغير في حدود المائة صفحة في تحريم الحيل وقد توفي سنة 387هـ ومن مناقبه أن كان صالحا مجاب الدعوة رضي الله عنه يقول أبو محمد الجوهري قال لي أخي الحسين الجوهري نمت ليلة وأنا مغموم لاختلاف المذاهب والطرق علي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفت المذاهب والطرق علي وكثرت الأقوال فبأي شيء تشير علي قال عليك بطريقة أبي عبد الله بن بطة قال فشددت رحلي وذهبت إلى عكبرى فلما دخلت عليه المسجد تبسم وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام الذهبي في السير في الجزء 16/536، ويذكر هذا الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء 11/322 أن أبا عبد الله بن بطة بعد أن انتهى من طلب العلم وأخذ الحديث وتلقيه بقي في بيته أربعين سنة لا يخرج من بيته إلا إلى المسجد وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويباشر ذلك بنفسه هذا العبد الصالح يروي في كتابه تحريم الحيل بسند حسن جيد والحديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل] .
اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود ندما حرم الله عليهم الاصطياد يوم السبت احتالوا على ذلك المحرم بأمرين اثنين:
بالتأويل الخاطئ الجائر:
والاحتيال الخبيث الماكر:(125/4)
أما فريق منهم: وهم المؤولة تأويلا باطلا قال إن الله حرم علينا أكل الصيد يوم السبت ولم يحرم علينا الاصطياد وعليه نصطاد وندخر لنأكل يوم الأحد فما بعده.
والفريق الثاني: الذين سلكوا مسلك الاحتيال الماكر انقسموا إلى قسمين:
فريق منهم: فحفر أحواضا وبركا بجوار البحر وفتحوا لها طريقا ليدخل الماء مع السمك يوم السبت، فإذا امتلأت تلك الأحواض بالسمك وضعوا الحاجز لئلا تعود إلى البحر مرة ثانية.
والفريق الثاني: كان يمسك السمك من البحر بيديه ثم يربطها بحبل ويدق لها وتدا ويربط هذا الحبل بالوتد ثم يلقي السمك مرة أخرى في البحر فإذا صار يوم الأحد سحب هذا الحبل والسمك فيه فأكله يوم الأحد والله جل وعلا يقول في كتابه: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذا يعدون في السبت إذا تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون * وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين * وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم *} .
لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ـ بتأويل خاطئ جائر باحتيال خبيث ماكر ـ.(125/5)
وقد تقدم معنا عن إمام أهل السنة أنه كان يقول: خطأ وضلال بني آدم منحصر في أمرين اثنين: في تأويل خاطئ وقياس فاسد والتأويل الخاطئ في الأدلة السمعية والقياس الفاسد في الأدلة العقلية فإذا جاء وأول النص تلاعب به وإذا جاء وأتى بحجج عقلية ففرق بين المتماثلين وسوى بين المختلفين فقاس قياسا فاسدا ولذلك قال أئمتنا إن أهل الضلال يسفسطون في العقليات ـ والسفسطة هي المكابرة وجحد حقائق الأشياء ـ ويقرمطون في السمعيات ـ والقرمطة هي التلاعب بالمعاني ـ فإذا جاؤوا إلى مسلك السمع سلكوا مسلك القرامطة الباطنية، واخترعوا للنصوص معاني ما أرادها رب البرية وهو التأويل الخاطئ، وإذا جاؤوا للحجج العقلية أتوا بالأقيسة الفاسدة، وقد جمع اليهود بين الأمرين، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك المسلك المشين فقال: [لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل] .
ولذلك قال الإمام ابن القيم: الحيل المحرمة في شريعة الله هي ما تضمنت إسقاط ما شرعه الله وإبطال ما أوجبه الله وتحليل ما حرمه الله.
إخوتي الكرام:
إن الحيل قد انتشرت في الأمة لاسيما في هذا الزمان وسلكوا مسلك اليهود اللئام إن الربا حرمه ربنا علينا فكل ما يؤدي إلى ذلك الأمر المحرم ينبغي أن نمتنع عنه وكثير من الناس يحتالون عليه بصور من صور المبايعات لكنها لا تخرج هذا الأمر عن كونه ربا محرما في شريعة رب الأرض والسماء.
فبيع العينة بيع؛ لكن الإنسان فيه أراد أن يحتال على الربا فباع سلعة بثمن مؤجل نسيئة بأقساط ثم اشتراها من المشتري منه بثمن معجل أقل مما باعها به.
هذه هي صورة العينة، وهي صورة من صور الربا؛ لكنها عن طريق الاحتيال، وقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الأمة إذا وقعت في الاحتيال فقد سقطت من عين ذي العزة والجلال.(125/6)
ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، والحديث رواه أبو يعلى في مسنده والبزار في مسنده والطبراني في معجمه الكبير ورواه البيهقي في السنن الكبرى وإسناد الحديث صحيح من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتبعتم الزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم] .
تحتالون على ما حرم الله وتخلدون إلى الدنيا وتجرون وراءها ولا تجاهدون في سبيل الله إذا اتصفتم بهذه الأمور لا لله عظمتم ولا على الخلق أشفقتم فهمكم الاستغلال وتحصيل المال ولو كان عن طريق الاحتيال ثم بعد ذلك خلود إلى الدنيا وإعراض عن إعزاز دين الله عن طريق الجهاد إذا وقع فيكم ذلك سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم، وما أظن أنه يوجد أمة من الأمم تعاني من الذل والعناء والبلاء ما تعانيه الأمة الإسلامية في هذه الأيام ولا يظلم ربك أحدا {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} .
وهذه المبايعة المحرمة وقع بها بعض الصحابة الطيبين المهتدين عن طريق الخطأ وعدم تعمد لما حرم رب العالمين ولما نبه إلى ذلك تنبه ورجع إلى رشده وصوابه وكل بني آدم خطاء والذي وقع في هذه المبايعة بعد وفاة نبينا عليه صلوات الله وسلامه العبد الصالح زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه فأصدرت في حقه أمنا الجليلة الفاضلة المفضلة أمنا عائشة رضي الله عنها حكما يخلع القلوب ولا كفارة لذلك العيب من العيوب إلا أن يتوب زيد بن أرقم إلى علام الغيوب.(125/7)
والقصة رواها الإمام أحمد وعبد الرزاق في مصنفه والداراقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى، وإسناد القصة صحيح ثابت وقد نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن عبد الهادي كما في كتابه التنقيح في التعليق على كتاب التحقيق لابن الجوزي وانظروا الكلام على هذه الرواية في نصب الراية للإمام الزيلعي في الجزء 4/15.
وقد اختصر الكتاب الإمام ابن حجر وزاد عليه فوائد في الدراية انظروا كلامه حول هذا الحديث في الجزء 2/150 وقد ذكر ابن الأثير، هذا الحديث في جامع الأصول مع أنه ليس في الأصول الستة في الجزء الأول من جامع الأصول صفحة 572، ولفظ الأثر عن أبي إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله السبيعي وقد توفي سنة 129 هـ وهو ثقة فقيه مكثر حديثه في الكتب الستة روى هذا الحديث عن زوجه العالية وهي امرأة معروفة دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها وروت عنها كما ذكر ذلك الحافظ ابن سعد في الطبقات وعليه من حكم على.(125/8)
الحديث بالضعف بجهالة العالية زوج أبي إسحاق السبيعي فهو واهم، أبو إسحاق يروي عن زوجه العالية أنها دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها فسألتها أم محبة وهي امرأة من الكوفة فقالت يا أم المؤمنين بعت جارية إلى زيد بن أرقم بثمانية درهم إلى عطائه واشترط عليه أنه إذا أراد أن يبيع الجارية فينبغي أن يبيعني إياها فبعد فترة أراد أن يبيعها فباعني إياها فاشتريت الجارية منه بستمائة درهم نقدا فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها يا أم محبة بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أخبري زيدا أن جهاده قد بطل مع رسول الله إلا أن يتوب فقالت أم محبة فما كفارته يا أم المؤمنين؟ فقالت: التوبة لرب العالمين {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ، فالتحايل على الحرام يحبط العمل عند ذي الجلال والإكرام.
نعم إن العبرة في العقود في المقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني فبيع العينة معاملة ربوية وهو في الظاهر مبايعة شرعية قال الإمام ابن الأثير ولذلك قالت أمنا عائشة رضي الله عنها هذا الكلام وانتشر بين الصحابة الكرام فلم ينكر ذلك عليها أحد منهم رضي الله عنهم وانظروا كلام الإمام الشافعي حول هذا الحديث وقارنوه بما ذكرت في كتابه الجليل الأم في الجزء 3/78.
هذا الأمر الأول من الأمور الأربعة التي سنتدارسها في هذه الموعظة الاحتيال على أكل ما حرمه ذو العزة والجلال.
إخوتي الكرام:
لو قدر أن الإنسان وقع في معصية من معاصي الرحمن فليعترف بتقصيره وانكساره لربه وليستغفر الله جل وعلا أما أن يسلك مسلك التأويل الاحتيال والتبرير فليس هذا من صفة المؤمنين ولذلك قال بعض القائلين ونعم ما قال:
وأشربها وأعلمها حراما ... وأرجو عفو ربي ذي امتنان(125/9)
ويشربها ويزعمها حلالا ... وتلك على المسيء خطيئتان
... يقول إذا ابتليت بشرب الخمر فاشربها وقل أنا عاصي لله وأرجو مغفرة الله ورحمة الله وإياك ثم إياك أن تحلل الخمر وبالتالي لا ترى أنك مسيء وبذلك قد ارتكبت وزرين شرب الخمر وعدم الاعتراف بالذنب.
والأمر الثاني أكل الحرام:
وأريد من أكل الحرام تناول الحرام سواء كان عن طريق الأكل أو الشرب أو اللباس أو السكن أو الأساس المقصود أنك تستعمل شيئا لا يحل لك أن تستعمله وحرمه الله عليك شراب طعام لباس أساس مسكن كل هذا حصلته من غير طريق شرعي هذا يحبط عملك عند الله وإن لم ينقض عبوديتك لربك وإن لم يجعلك من الكافرين لكن العمل لا يقبل عند رب العالمين لا تقبل الصلاة ولا الصيام ولا يستجاب الدعاء إذا كان في تلك الأشياء التي تتعاطاها في هذه الحياة حرام، وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا فقال بعد آيات الصيام: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون} .
منبها إلى أننا إذا خالفنا هدي الله جل وعلا في آيات الصيام فأكلنا وشربنا ما حرم الله علينا في نهار رمضان لا يقبل الله منا الصيام وهكذا لو أكلنا الحرام من باب أولى لايقبل الله منا الصيام لأن ترك الحرام آكد في شريعة ذي العزة والجلال من ترك الطعام والشراب في نهار رمضان استمع لهذه الدلالة التي استنبطها أئمتنا المفسرون عليهم رحمات الحي القيوم يقول: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} .(125/10)
كأن الله يقول يا عبادي يا من أطعتموني في ترك الشراب والطعام في نهار رمضان أطيعوني في ترك الحرام على الدوام فإذا تناولتم شرابا وطعاما في نهار الصيام لا يقبل الصيام وإذا دخل جوفكم أو استعمل بدنكم شيئا مما حرم الله في شراب أو طعام أو لباس أو سكن أو أساس لا تقبل العبادة عند الله جل وعلا كما لم أكلت في نهار رمضان ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون تعلمون أن هذا حرم عليكم لا يجوز أن تأكلوا الأموال بالباطل ولا يجوز أن تدفعوا الرشوة إلى الحكام ليحكموا لكم بالباطل الذي حرمه الرحمن إذا فعلتم شيئا من ذلك لن تقبل الصلاة والصيام ولا غير ذلك من عبادات الرحمن وهذه الآية جاءت بعد عبادة الصيام وفي أثناء عبادة الصيام ذكر الله عبادة الدعاء ثم عقبها بالامتناع عن الحرام في جميع الأوقات وأن من لم يمتنع لن يقبل الله دعاءه ولن يقبل صومه ولن يقبل سائر عباداته فأكل الحرام محبط للأعمال عند ذي العزة والجلال.
وقد وضح لنا هذا نبينا صلى الله عليه وسلم:
ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، والحديث رواه الترمذي في سننه والدارمي في سننه والبيهقي في السنن الكبرى وهو صحيح صحيح من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال جل وعلا: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} ، وقال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} قال أبو هريرة رضي الله عنه: ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك] .(125/11)
وقد ثبت في صحيح ابن حبان من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة رضي الله عنهم أجمعين: [يا كعب بن عجرة كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به] والحديث رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه أيضا من رواية كعب بن عجرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به] .
والحديث رواه أبو يعلى في مسنده والبزار في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في السنن الكبرى وإسناده حسن كما نص على ذلك الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء 2/552 ولفظ الحديث عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [كل جسد غذي بالحرام فالنار أولى به] .
وانظروا أيضا كلام الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد في الجزء 10/293 في كتاب الزهد باب في من نبت لحمه من الحرام، وفي ذلك الباب أحاديث أخرى فيها هذا المعنى عن سيدنا حذيفة بن اليمان وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين هذا الأمر الثاني الذي يحبط العمل عند الله عز وجل أكل الحرام.
والأمر الثالث: شرب الخمر:
من شرب الخمر يحبط عمله أربعين يوما لا يقبل عند الله عز وجل كما أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم الخمر أم الخبائث الخمر مصدر الرذائل وهي المصائد والمثبطات التي يثبط بها الشيطان بني الإنسان الخمر مفتاح كل شر الخمر يحصل بها اغتيال العقل وقد ذم الله الخمر وعابها في العهد المكي في سورة النحل في قوله جل وعلا: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون} .
ثم حرمها الله جل وعلا في العهد المدني في العام الثامن للهجرة فاستمرت إباحتها إحدى وعشرين سنة ثم بعد ذلك حرمت وأول ما نزل في ذمها آية النحل.(125/12)
ثبت ذلك في السنن الكبرى للإمام البيهقي في الجزء 8/297 عن سيدنا عبد الله بن عباس وعن تلميذه مجاهد بن جبر رضي الله عنهم أجمعين قالا: السكر هو الخمر قبل تحريمها والرزق الحسن هو الطعام وقال سيدنا عبد الله بن عباس إن الله حرم بعد ذلك السكر مع تحريم الخمر لأنه منها ثم في العهد المدني أنزل الله فيها ثلاث آيات في الآية الأولى أخبر الله جل وعلا عن وجود الإثم فيها فقال: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ... } .
ثم أنزل الله جل وعلا آية أخرى في سورة النساء منع الله فيها عباده عن الخمر في أوقات الصلاة: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا} .
ثم أنزل الله في تحريمها الآية الثالثة في العهد المدني وهي في سورة المائدة وفيها يقول الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ... } .
فالخمر فيها اغتيال للعقل فإذا شربت قطرة منها تظل أربعون يوما أعمالك حابطة ما تفعله بعد شرب الخمر من صالحات لمدة أربعين يوما لايقبل عند رب الأرض والسموات.(125/13)
ثبت الحديث بذلك في سنن الترمذي وحسنه ومستدرك الحاكم وصححه وأقر التصحيح الإمام الذهبي والإمام المنذري ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الثالثة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب لم يتب الله عليه وغضب عليه وكان حقا عليه أن يسقيه من نهر الخبال قالوا وما نهر الخبال قال عصارة أهل النار] .
إخوتي الكرام:
وكون شارب الخمر لا تقبل له أعمال أربعين يوما هل لأن الخمر لها أثر حسي في النفس لا يزول إلا بعد أربعين يوما أو هل لها أثر معنوي لا يزول إلا بعد أربعين يوما أو لها أثر حسي ومعنوي لا يزول إلا بعد أربعين يوما مرد ذلك وعلمه إلى الله وجل وعلا، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ما قاله بعض أئمتنا إن أثر الخمر الحسي يبقى في البدن أربعين يوما ولا يمكن أن يستحيل الطعام والشرب على وجه التمام إلا بعد مضي هذه المدة هذا محتمل وما قاله بعض أئمتنا من أنه يبقى أثر معنوي لما تزرعه في النفس من خبث ردي مدة أربعين يوما وعليه مادام هذا الأثر المعنوي باق في النفس البشرية لا يقبل عمل لشارب الخمر بعد أن يشربها مدة أربعين يوما هذا محتمل والعلم عند الله جل وعلا.(125/14)
والحديث أقطع بصحته وأسأل أمام الله عز وجل فقد روي عن عدة من الصحابة الكرام بروايات متعددة فيه هذا المعنى ومن تلك الروايات رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهي في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وابن ماجه ورواها الحاكم في المستدرك وصحح الرواية وأقره الإمام الذهبي ورواها ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده بنحو اللفظ المتقدم من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دون الزيادة التي في آخر الحديث [فإن عاد الرابعة فتاب لم يتب الله عليه وغضب عليه ... ] ، وإنما [فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من نهر الخبال من طينة الخبال قالوا وما نهر الخبال وما طينة الخبال يا رسول الله قال صديد أهل النار] .
ورواية ثالثة عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هي في سنن أبي داود وإسنادها حسن لغيره، ولفظ الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كل مسكرٍ خمر وكل مسكرٍ حرام ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباح فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من رضغة الخبال قالوا وما رضغة الخبال يا رسول الله قال عصارة أهل النار] بخست أي انتقصت صلاته وما قبلت عند الله عز وجل.
وهناك روايات متعددة بهذا المعنى منها رواية أسماء بنت يزيد رضي الله عنها وأرضاها في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير ومنها رواية أصدق هذه الأمة لهجة سيدنا أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه في المسند ومعجم الطبراني الكبير ومسند البزار وإسناد الروايتين حسن كما في الترغيب والترهيب للمنذري في الجزء 10/367، ولفظ الروايتين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من شرب الخمر غضب الله عليه أربعين ليلة فإن مات مات كافرا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من نهر الخبال قالوا وما نهر الخبال يا رسول الله قال عصارة أهل النار] .(125/15)
وإذا غضب الله عليه لن يقبل منه عملا وقول نبينا صلى الله عليه وسلم فإن مات مات كافرا كما تقدم معنا في نظائر هذه الأحاديث التي فيها الوعيد الشديد وطلاق لفظ الكفر على العاصي إما أنه إذا استحل وإما أنه كفر دون كفر والعلم عند الله عز وجل أو أنه شابه الكافرين في هذه الخصلة المذمومة تأويلات خمسة ذكرها أئمتنا في نظائر هذا الحديث هذه خصلة ثالثة من فعلها حبط عمله وإن لم يخرج عن العبودية لرب البرية.
والرابعة: في مبحثنا والعاشرة في مبحث محبطات الأعمال إسبال الإزارعن الكعبين في حق الرجال:
من أسبل إزاره لا يقبل الله صلاته وترد عليه صلاته إذا صلى وهو مسبل للإزار سواء كان بمفرده أو في الجماعة وقد رتب الشارع المطهر على جر الإزار عقوبتين:
الأولى: أن من نزل إزاره عن كعبيه فهو في النار قصد الخيلاء أو لم يقصد.
الثانية: أنه إذا نزل إزاره عن كعبيه خيلاء أو بطرا ورياءا فهو في النار ولا ينظر إليه الجبار جل جلاله، ثم لا تقبل الصلاة بعد ذلك، وهذا لا ينبغي لإنسان أن يقوله من رأيه؛ إنما ينبغي أن ينقله عن نبينا عليه الصلاة والسلام؛ وسأقتصر على حديثين اثنين أختم بهما هذه الموعظة إن شاء الله في تقرير هذا الأمر.(125/16)
الحديث الأول رواه أبو داود ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام أحمد في المسند عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسم الصحابي في روايته فليس هو من طريق أبي هريرة، وإسناد المسند كما قال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد في الجزء 5/125 قال رجاله رجال الصحيح وأما رواية أبي داود والبيهقي فهي من طريق أبي جعفر المؤذن المدني عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو جعفر المؤذن المدني روى له البخاري في الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب مقبول وقال أخطأ من ظن أبا جعفر المؤذن هو محمد بن علي بن الحسين بن علي ـ الإمام الباقرـ رضي الله عنه وأرضاه وقد وهم شيخ الإسلام الإمام النووي عليه رحمة الله ورضوانه في رياض الصالحين فظنه أنه هو الإمام الباقر فقال رجال الإسناد على شرط مسلم وليس كذلك ولذلك قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء 3/92 إن كان المراد من أبي جعفر الإمام الباقر فالرواية مرسلة لأن الإمام الباقر لم يرو عن أبي هريرة رضي الله عنه فأبو هريرة توفي سنة 57هـ وقيل 58هـ وقيل59 هـ أما الإمام الباقر فقد ولد سنة 56هـ قال المنذري وإن كان المراد منه غيره فلا أعرفه.(125/17)
وقال الإمام الخزرجي في الخلاصة حسن له الترمذي ولفظ الحديث من رواية أبي هريرة ومن رواية بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: [أن رجلا دخل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى وهو مسبل إزاره فلما انتهى من صلاته جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسلم عليه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اذهب فتوضأ وصلي فذهب وتوضأ وصلى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ وصلي فلما ذهب فكر في نفسه وأن الأمر ليس بسبب وضوئه فقصر ثيابه، ثم جاء إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فصلى فسكت عنه النبي عليه الصلاة والسلام فقال الصحابة لنبينا عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله مالك أمرته بالوضوء ثم سكت عنه قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره ولا يقبل الله صلاة رجل مسبل] .
وتقدم معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوضوء من أجل أن يكسر نفسه لأن الشيطان خلق من النار والنار تطفأ بالماء فلما كان الإزار يزرع في النفس الكبر والخيلاء أمره خاتم الأنبياء بالوضوء ليظهر هذا المعنى الذي حصل في نفسه من جر إزاره ثم قال له لا يقبل الله صلاة رجل مسبل.
والحديث الثاني: رواه أبو داود في سننه وأبو داود الطيالسي في مسنده مرفوعا وموقوفا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورواه البيهقي في السنن الكبرى والطبراني في معجمه الكبير موقوفا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وإسناد الأثر الموقوف حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 10/257 والهيثمي في المجمع في الجزء 5/125 ولفظ الأثر أن عبد الله بن مسعود رأى رجلا يصلي وهو مسبل إزاره فقال: [من أسبل إزاره في صلاته فليس من الله في حل ولا حرام] ، وقد ذكر أئمتنا لأثر عبد الله بن مسعود ثلاث معاني:(125/18)
1- أن من جر إزاره في صلاته فحاله كحال من لا يعتقد بتحليل ولا تحريم وصار كأنه من عداد الكافرين الذين لا يعتقدون بتحليل ولا تحريم إنما يفعلون حسبما تهوى أهواؤهم فليس من الله في حل ولا حرم.
2- أن من جر إزاره في صلاته ليس من الله في حل ولا حرام لا يحله الله ولا يدخله الجنة ولا يحرم عليه النار.
3- أن من جر إزاره في صلاته ليس في حل ولا حرام؛ أي ليس له من الله في فعل حلال عندما جر إزاره إنما فعل معصية وإثما ولا حرام؛ أي ليس له احترام ومنزلة عند ذي الجلال والإكرام.
إخوتي الكرام:
هذه أمور أربعة تكمل الستة المتقدمة يصبح المجموع عشرة تحبط الأعمال عند ذي العزة والجلال وإن لم تنقض عبودية الإنسان لذي الجلال والإكرام وأكثر الخلق ليس عندهم خبر عنها ولا يهتمون بها ولا يبالون بشأنها كما هو الحال فينا معشر الحمقى المغرورين نحسب ما لنا ولا نحسب ما علينا وكما قلت في البداية إن حفظ العمل على العمال أشق عليهم من القيام بسائر الأعمال.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يوفقنا لفعل الصالحات والمحافظة عليها من الحبوط عند رب الأرض والسماوات ونسأله أن يتقبلها منا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمَّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
خلاصة الكلام:(125/19)
لا يقبل الله العمل إلا إذا صدر من تقي قام بحق العبودية لربه على وجه التمام فإن نقض عبوديته لربه فهو من الكافرين، ولا يقبل عمله عند رب العالمين وإن خدش عبوديته لربه فعمله مردود عليه، وإن لم يخرج من دائرة العبودية لرب البرية فالله لا يتقبل إلا من المتقين كما قرر ذلك ربنا في كتابه الكريم، فقال سبحانه وتعالى في سورة المائدة عند حديثه عما جرى بين ولدي أبينا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين} .
يقول سيدنا علي رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وعن الصحابة الطيبين كما في كتاب التقوى لابن أبي الدنيا: لا يُقَلُّ ما تُقُبِل ثم تلى قول الله: {إنما يتقبل الله من المتقين} .
إذا قبل الله عملك هذا له شأن كبير كبير عند الله الجليل.
وثبت عن ثلاثة من الصحابة أولهم فضالة بن عبيد كما في كتاب التقوى لابن أبي الدنيا وثانيهم أبو الدرداء كما في تفسير ابن أبي حاتم وثالثهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين كما في تاريخ ابن عساكر قال هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم يقول: لو أعلم أن الله تقبل مني ركعة أو سجدة أو صدقة كان أحب إلي من الدنيا وما عليها ثم تلى كل واحد منهم هذه الآية: {إنما يتقبل الله من المتقين} .
وزاد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الأثر المنقول عنه بعد أن تصدق بدرهم قال لو أعلم أن الله قبل مني صدقة أو سجدة لما كان غائب أحب إلي من الموت ثم تلى: {إنما يتقبل الله من المتقين} .
وتقدم معنا كلام بعض الصالحين أبي يزيد البسطامي أنه كان يقول والله لو صفت لي تهليلة لما باليت بعدها.(125/20)
لابد إذن من تحقيق العبودية على وجه التمام ليقبل العمل ولا يعني هذا أن يكون الإنسان من المعصومين إنما كما قلت لا ينقض عبوديته لربه وإذا وقع في شيء من المعصية عن طريق الغفلة والذهول والشهوة التي تحجب العقل أحيانا لا أنه يوطن نفسه على ذلك، لا ثم لا، والله يقول في كتابه: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها خالدين فيها ونعم أجر العاملين} .
فإياك ثم إياك أن توطن نفسك على المعصية وإياك ثم إياك أن تستحل ما حرم الله عليك.
ثبت في سنن ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات عن ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث رواه أبو نعيم في الحلية في الجزء 1/177 من رواية سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[لأعلمن أناسا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباءا منثورا قالوا يا رسول الله: صفهم لنا حلهم لنا جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم فقال عليه الصلاة والسلام: أما إنهم إخوانكم ويأخذون بحظهم من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها] .
وفي رواية الحلية: [ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه] قال مالك بن دينار هذا والله هو النفاق فقام المعلى بن زياد وقبض على لحية مالك بن دينار، وقال: صدقت أبا يحيى.(125/21)
روى البزار في مسنده كما في كشف الأستار في الجزء 1/176، والحديث بوب عليه الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء 2/147 في كتاب الصلاة باب علامة قبول الصلاة وانظروه في الترغيب والترهيب في الجزء 1/350 وجميع رجال الإسناد ثقات أثبات وما فيهم إلا عبد الله بن واقد الحراني أبو قتادة وكان قاضيا من الصالحين ضعفه البخاري وبعده النسائي ومعهما يحيى بن معين في رواية ووثقه في رواية أخرى، كما وثقه شيخ الإسلام الإمام أحمد بن حنبل واستنكر قول من ضعفه وقال البزار عقيب الرواية كما في كشف الأستار إنه رجل صالح فقيه عفيف لكنه كان يخطئ فيصر على الخطأ وتوفي سنة 210 هـ ومعنى الحديث ثابت ولفظ الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى: [إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل بها على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع نهاره في ذكري ورحم المسكين والأرملة وابن السبيل ورحم المصاب فذلك ضوؤه كضوء الشمس أكلؤه بعزتي واستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة] .
والفردوس أعلى الجنة وأشرفها وأفضلها.
كما ثبت في المسند وصحيح البخاري وفي السنن الكبرى والأسماء والصفات وفي كتاب البعث للبيهقي، والحديث صحيح صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة] .
... اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى بفضلك ورحمتك فأنت الكريم وأنت الأعلى اللهم.
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.(125/22)
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوَّنا صغارا. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين.
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم،
{والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*} .
... ... ...(125/23)
محبطات الأعمال (1)
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
محبطات الأعمال (1)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما {من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
{يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} .
أما بعد: معشر الإخوة الكرام..
تدارسنا في الموعظة السابقة أن فرائض الله التي فرضها على عباده والواجبات التي أوجبها على خلقه تنقسم إلى قسمين اثنين فرض دائم على الدوام ينبغي أن يقوم به الإنسان في كل زمان ومكان وهو تحقيق العبودية لذي الجلال والإكرام.(126/1)
والثاني فروض مؤقتة بأمكنة وأزمنة وقد مر الكلام على هذين القسمين وبينت في الموعظة السابقة أن القسم الثاني من فرائض الله وواجباته أعني الفروض المؤقتة لا تقبل إلا إذا حقق الإنسان الفرض الدائم وقام به وبينت أن الناس ينقسمون نحو الفرض الدائم إلى ثلاثة أقسام تكلمت على قسمين اثنين ووعدت بأن أتكلم على القسم الثالث في هذه الموعظة وهم عباد الله طوعاً واختياراً ورضوا بدينه منهجاً لهم في هذه الحياة ورضوا به إلهاً لهم ورضوا بنبيه صلى الله عليه وسلم رسولاً لهم ولا يوجد عندهم خلل من هذه الناحية: ناحية الاعتقاد إنما خلطوا وقصروا وفرطوا في جانب العمل ووقع منهم تقصير وزلل، هذا القسم الثالث الذي وقع منه الزلل الزلل الذي يقع منهم إما أن يكون من الزلل الذي لا ينفك عنه البشر بحكم بشريته وإنسانيته فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فإذا وقعوا في شيءٍ من القاذورات رجعوا إلى رب الأرض والسموات {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} ، {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} وإذا وقعوا في شيءٍ من القاذورات الكبيرات رجعوا إلى رب الأرض والسموات {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فهم في جانب الاعتقاد على سلامة ونقاء لكن في جانب العمل عندهم تفريط وزلل هذا التفريط الذي يصدر منهم أحياناً يؤدي إلى حبوط طاعاتهم وإن لم يكونوا من الكافرين وقد يمن الله عليهم بقبول أعمالهم فهو أرحم الراحمين.
إخوتي الكرام..
كما قلت: بعض المعاصي تحبط الطاعات والإنسان بطبيعته وبشريته لا ينفك من مخالفات لكن المؤمن إذا وقع في مخالفة العمل هو صحيح الاعتقاد بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبدينه فلا يرضى بديلاً عن ذلك ومع أنه مخطئ مسرف مقصر إذا فعل المخالفات يستاء وإذا فعل الطاعات يفرح فهذا دليل على عبوديته لربه مع تقصيره ونقصان إيمانه.(126/2)
وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن} .
والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية عدد من الصحابة الكرام رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في السنن وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وعبد الرزاق في مصنفه والقُضاعي في مسند الشهاب.
والحديث صحيح صحيح من رواية أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن] ، وروي من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعجم الطبراني الكبير وروي أيضاً من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الأوسط والكبير ومصنف عبد الرزاق وفي مسند الشهاب للقُضاعي.
كما أن الحديث روي أيضاً من رواية عمر بن ربيعة في مسند الإمام أحمد ومن رواية جابر بن عبد الله في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ومن رواية عبد الله بن عمر في مسند الشهاب للقُضاعي ومن رواية أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه في معجم الطبراني الأوسط هؤلاء سبعة من الصحابة يروون هذا الكلام عن نبينا صلى الله عليه وسلم نعم المؤمن يسهو ويقع في زلل لكنه يرجع إلى الله عز وجل، لكنه يرى أن ما فعله سيئ لا يحسنه ولا يستحسنه وقد ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى بسند رجاله ثقات كما في المجمع في 10/201.(126/3)
والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية من رواية أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الرامهر مزي في الأمثال بسند صحيح كما قال الإمام السيوطي في الجامع الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع إلى آخيته والمؤمن يسهو ثم يرجع فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين] والآخيةُ هي واحدة الأواخي وهي الخشبة الوتَِد بكسر التاء وفتحها الوتد الذي يدق بالأرض أو في الجدار ثم يربط به الفرس والإيمان في قلوب المؤمنين قد يبتعد عنه الإنسان في بعض الأحايين لكن الإيمان يشده فلا يحصل ابتعاد تام عن الإيمان بحيث ينسى إيمانه ويعرض عن ربه ويجحد رسوله صلى الله عليه وسلم ويستحسن غير شريعة الإسلام لا يمكن أن يقع هذا من أحد من أهل الإيمان فإذا وقع في شيء من المعاصي هذا جولان في هذه الحياة وهذا عصيان وخروج عن طاعة رب الأرض والسموات، لكن ليس في ذلك ضياع لحقيقة العبودية نعم إن العبودية خدشت وما زالت ولذلك ما يأتي به الإنسان من مخالفات قد يزيل حقيقة العبودية وقد يكدرها وينقصها فالمعاصي تنقص والإنسان لا يكون من عداد أولياء الله الكاملين وأمره إلى رب لعالمين نعم إخوتي الكرام بعض المعاصي قد تبطل الطاعات وهي كثيرة وفيرة كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب في صفحة 11 فما بعدها قال ومحبطات العمل ومفسداته أكثر من أن تحصى نعم فليس الشأن في أن يعمل الإنسان إنما الشأن في أن يحافظ على العمل الذي عمله ولذلك قال أئمتنا الأبرار حفظ العمل على العمال أشق عليهم من القيام بسائر الأعمال وكم من إنسان يبني قصراً لكنه يهدم مصراً كما هو حالنا معاشر الحمقى نعمل الأعمال الصالحات ثم نأتي بما ينقضها عند رب الأرض والسموات والطاعات فيها من التقصير ما لا يعلمه(126/4)
إلا الله ثم نأتي أيضاً بما يبطل ما في تلك الطاعات من سلامة ونحسب ما لنا ولا نحسب ما علينا وحالنا كما قال القائل:
قابلت بين حسانها وفعالها ... فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
وسأقتصر في هذه الموعظة على عشر معاصي إذا فعل الإنسان شيئاً منها تحبط طاعاته كما هو مبين بالصفات المذكورة في هذه المعاصي ثم أختم هذا الأمر والكلام على هذا الموضوع في الموعظة الثانية من هذه الخطبة بخاتمة حسنة نسأل الله أن يختم لنا بالحسنى إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
أما هذه الأمور التي تحبط العمال:
أولها: الرياء.
وثانيها: الابتداع وعدم الاتباع.
وثالثها: المن على المخلوقات وعلى رب الأرض والسموات.
ورابعها: الجهر بالقول على خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتقديم الآراء بين يديه وبين شريعته الغراء.
والخامس: تفويت صلاة العصر.
والسادس: عدم حفظ الصيام من الهذيان والزور والآثام.
والسابع: الاحتيال على أكل الحرام.
والثامن: أكل الحرام فمن وقع فيه فالنيران أولى به عند ذي الجلال والإكرام.
والتاسع: شرب الخمر.
والعاشر: إسبال الثوب.
هذه الأمور العشرة من جملة ما يحبط الأعمال وكثير من الناس في غفلة عن ذلك.
أما أولها:
1- الرياء:
وهو أن لا يخلص الإنسان في عبادته لربه جل وعلا فالعمل مردود قال ربنا المعبود في سورة الكهف: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} .
وثبت في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه] .
وفي رواية ابن ماجه [فهو للذي أشرك وأنا منه بريء] الرياء يحبط الطاعات ويبدل الحسنات إلى سيئات هذا محبط أول فانتبه يا عبد الله والله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاًا ولوجهه خالصاً.(126/5)
2- الابتداع وعدم اتباع نبينا خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه:
وهذا أشير إليه في الآية السابقة أيضاً العمل الصالح هو المشروع الذي تتبع فيه نبينا عليه الصلاة والسلام فليس هو من قِبَل الأذهان والآراء والأوهام وكل عمل من غير اتباع فهو حظ النفس وكل اتباع من غير إخلاص فهو نحس ونقص فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً وقد ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه وغير ذلك من دواوين السنة من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] ، وفي رواية لمسلم [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد] .
3- المن على المخلوقات باللسان وعلى رب الأرض والسموات بالجنان:
تمن على الله بقلبك وتعجب بفعلك وكأنك تمن عليه عندما عبدته وتمن بعد ذلك على المخلوقات عندما تقوم بالإحسان والخيرات {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين} .
انظر لهذه الصورة التي صور الله بها عمل المان الذي يمن بقلبه على ربه ويمن بلسانه على خلق الله فمثله كمثل صفوان والصفوان هي الحجارة الصلدة الملساء الصلبة- كالبلاط والرخام - صار عليه شيء من التراب والغبار لكن هذا التراب لا يثبت ولا يستقر على هذا الصفوان ولا ينبت شيئاً فإذا نزل عليه من السماء وابل وهو الماء الغزير المنصب بقوة غسل هذا الصلد وزال عنه التراب وما يمكن أن ينتفع منه الإنسان بزراعة من هذا التراب.
{ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير} .(126/6)
بستان مرتفع أصابه مطر غزير فآتى أكله ضعفين فإن لم يصبه وابل فطل وهو المطر الخفيف والندى ولن تخرج عن هاتين الحالتين إما رطوبة من الجو وهو الندى والمطر الخفيف ينزل عليها فتؤتي خيراً وإما أن ينزل مطر كثير فتؤتي أكلها مضاعف.
إذن ـ إخوتي الكرام ـ المن يبطل العمل عند الله عز وجل وبأي شيء تمن يا عبد الله أنت ملك لله وما تقوم بطاعته إلا بتوفيق الله ثم تلك الطاعات التي تقوم بها فهي من كرم الله فهو الذي من عليك بهذا المال حتى تصدقت فأنت منه وبه وإليه فبأي شيء تدل ولم تعجب وعلام تمن؟!(126/7)
والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي، وهو حديث أبي ذر الطويل وهو ثابت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه وهو حديث شامي رواه عن أبي ذر أبو إدريس الخولاني وكان إذا حدث بهذا الحديث كما في صحيح مسلم جثا على ركبتيه، وقال الإمام أحمد كما في جامع العلوم والحكم هذا أشرف حديث لأهل الشام ولفظ الحديث روى أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: [يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاتغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] .
وفقت للعمل الصالح فهذا زيادة فضل من الله عليك وأما أن تمن على الله وعلى عباد الله فهذا حال المخذولين من يحبطون عملهم في هذه الحياة ويلقون الله مفلسين يوم الدين فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
4- أن يرفع الإنسان صوته وأن يجهر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام:(126/8)
وأن يرفع صوته عند سرد حديث النبي عليه الصلاة والسلام وأن يقدم رأيه واجتهاده وكلامه على كلام النبي عليه الصلاة والسلام هذا محبط للعمل وإساءة أدب مع خير خلق الله عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} .
لا رفع لصوت على صوته ولا في حضرته وإذا نودي ينادى بأشرف الألفاظ وأفخمها فهذا خير المخلوقات عند رب الأرض والسموات عليه صلوات الله وسلامه كما قال ربنا العزيز الغفور في آخر سورة النور: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .
والآية تحتمل معنيين المعنى الثاني الذي يتعلق بغرضنا في هذه الموعظة وهو أن هذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول لا تجعلوا دعاءكم للرسول صلى الله عليه وسلم عندما تدعونه وتنادونه وتتكلمون في حضرته الشريفة المباركة كما يدعوا بعضكم بعضاً إياكم ثم إياكم فهذا يخاطب بألفاظ التوقير والتبجيل والتعظيم يا رسول الله يا نبي الله يا خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.
وأما أن يخبر الإنسان عن نبينا رسول الرب عليه الصلاة والسلام بأنه محمد بن عبد الله فذلك من قلة الأدب والبذاءة والجفاء ألا قلت قال محمد خير خلق الله ألا قلت قال محمد رسول الله ألا قلت قال رسولنا حبيب الله ألا قلت قال سيدنا محمد خاتم النبيين، ولا يضاف نبينا عليه الصلاة والسلام إلى والده إلا عند حكاية نسبه فقط محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عند بيان النسب الشريف المبارك وأما أن يقال في مجالس العلم قال محمد بن عبد الله فهذه بذاءة وجفاء وعدم احترام لخاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.(126/9)
وقد أفتى الحافظ ابن حجر الهيثمي بأن من قال ذلك فينبغي أن يعذر من قبل ولي الأمر لبذاءته وعدم تأدبه مع نبينا خير خلق الله صلى الله عليه وسلم.
سبحان ربي العظيم! رفع الصوت على صوت النبي عليه الصلاة والسلام وفي حضرته وفي مجلسه قد يترتب عليه حبوط العمل عند الله عز وجل فكيف بمن قدم رأيه على حديث النبي عليه لصلاة والسلام؟! كيف من احتكم إلى ذوقه ورأيه واجتهاده ورد حديث النبي عليه الصلاة والسلام من أجل هوسه؟!
إن البلية شنيعة شنيعة فظيعة فظيعة وقد ابتلينا في هذه الأيام بأناس ينسبون أنفسهم إلى السلف الكرام وما عندهم من هذه النسبة إلا الاسم اسم بلا جسم لفظ بلا معنىً0 ثم بعد ذلك لا يتورع من رد حديث النبي عليه الصلاة والسلام برأيه وهوسه وذوقه واجتهاده وترهاته وأوهامه واستمعوا إلى هذا لخبر الذي قابلني به بعض الإخوة الكرام بعد الموعظة الماضية أعطاني رسالة من خمس صفحات لشيخ من بلاد الشام يقيم في بلد الله الأمين وقد زاد عمره على الستين وكنت قلت له يا عبد الله رفقاً بنفسك واغتنم فضل ربك؛ أقامك الله في ذلك المكان فاغتنمه بالطاعات الحسان ولا داعي لإثارة الفتن بين أهل الإسلام فأعطاني هذا الأخ خمس ورقات له فيها على زعمه ردود على بعض طلبة العلم وفي الصفحة الأولى في مطلعها يقول إنني سمعتك في شريط تذكر حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام ـ والحديث أذكر لفظه ثم أبين من خرجه كما هي عادتي، وسمعتك تقول قال النبي عليه الصلاة والسلام: [لا تمس النار مسلماً رآني ولا رأى من رآني] ثم اعترض هذا المعترض برأيه الفاسد على هذا الحديث بأمرين قال: هذا الحديث ضعيف فهو من رواية موسى بن إبراهيم الأنصاري المدني ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقال: إن معناه غير صحيح فلا يمكن أن يعلق هذا الأمر على مجرد رؤية النبي عليه الصلاة والسلام ورؤية الصحابة الكرام، أي عدم دخول النار أو مسها فهو ضعيف.(126/10)
والقول بتضعيف هذا الحديث قول فاسد سخيف، والقول بعد ذلك إن معناه ليس بصحيح افتراء قبيح وأنا أعجب ممن ينسب نفسه إلى السلفية في هذه الأيام، ثم بعد ذلك يرد حديث نبينا خير الأنام عليه الصلاة والسلام إن السلفية الصادقين الطيبين بريؤون من هذا المسلك الذميم.
نعم نحن نتبرك بذكر سلفنا ونتقرب بحبهم أيضاً إلى ربنا لكن لابد من أن نقف عند ما وقفوا عنده وأن لا نتقدم بين يديهم ولا بين يدي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أيها المعترض على حديث خير الأنام نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام بالأوهام والهذيان.(126/11)
كنت قلت لمعترض مثلك ضع رأيك تحت رجلك، وأنا أقول لك الآن ضع رأيك تحت نعلك فهذا الحديث رواه الترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن غريب وصححه الحافظ الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة وأقر التحسين والتصحيح شيخ الإسلام السيوطي وهذا الذي ذكرته سابقاً وأضيف الآن روى هذا الحديث أبو نعيم في المعرفة ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة أيضاً من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما والحديث في دواوين السنة فانظروه في سنن الترمذي في كتاب المناقب وهو في الطبعة الحمصية من بلاد الشام في الجزء 9/380 وبوب عليه الإمام الترمذي باباً فقال: باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه قال الإمام الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي البصري وهو شيخ الإمام الترمذي ثقة إمام توفي سنة 248هـ، حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة قال أخبرني موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهذا هو الذي يزعم هذا السلفي المتأخر بجميع ما في هذا اللفظ من معنىً يزعم بأنه ضعيف لم يوثقه إلا ابن حبان ومن أجله الحديث ضعيف ولا يثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وأنا أقول لم يضعف هذا العبد الصالح أحد من الإنس والجن قبل هذا المتأخر في هذا العصر فاستمعوا لترجمته قال عنه الإمام ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق ويخطئ وحديثه في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود وهذا حكم من الحافظ ابن حجر على هذا الراوي بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن وقال الذهبي في الكاشف في الجزء 3/159 وثق أي هو موثق وأورده في الميزان ليفرق بينه وبين راوٍ شاركه في اسمه واسم أبيه موسى بن إبراهيم فبعد أن ترجم لذاك وتكلم عليه قال: وأما موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري المدني فهو مدني صالح يعني يقول لا داعي لإيراده في الميزان فيمن تكلم فيهم فلم يتكلم عليه أحد ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء وقال الإمام الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان(126/12)
وهذا المعترض يقول لم يوثقه إلا ابن حبان افتراء على أئمة الإسلام يا عبد الله الإمام الترمذي أوليس هو أسبق من ابن حبان عندما حكم على الحديث بأنه حسن هذا الحكم من الإمام الترمذي حكم من ولد أو من إمام أوليس في ذلك توثيق لرجال الإسناد عندما قال هذا حديث حسن إذن جميع رجال الإسناد مقبولون ثقات ولا يوجد ضعف في واحد منهم فقولك لم يوثقه إلا ابن حبان كذب قبل ابن حبان وثقه الترمذي وبعد ابن حبان وثقه ابن حجر والذهبي ولم ينقل عن أحد تضعيف لهذا الراوي، قال سمعت طلحة بن خراش وطلحة مدني أيضاً صدوق حديثه في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني] ، قال طلحة فقد رأيت جابر بن عبد الله كأنه يقول بشارة عظيمة لي أنني رأيت بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقال موسى: وقد رأيت طلحة بن خراش الذي رأى جابراً. قال يحيى بن حبيب شيخ الترمذي قال لي موسى وقد رأيتني ونحن نرجوا الله كأن موسى بن إبراهيم الأنصاري يقول هذه البشارة ثابتة للصحابة والتابعين لكن بما أن أعيننا اكتحلت برؤية من رأى الصحابة وكما أعطى الله هذا الفضل للتابعين أسأله أن يعطيه لأتباع التابعين قال أبو عيسى الترمذي شيخ الإسلام الذي كان يقول في حقه أمير المؤمنين وجهبذ المحدثين أبو عبد الله البخاري يقول له انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري وروى علي بن المديني وغير واحد من أهل الحديث عن موسى هذا الحديث.(126/13)
والحديث كما قلت حسنه الترمذي وصححه الضياء المقدسي والشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي في الجزء 4/359 أقر تحسين الترمذي والسيوطي أقر تحسين الترمذي وتصحيح الضياء المقدسي في الجامع الصغير والجامع الكبير ولم يعترض عليه الإمام المناوي في فيض القدير في الجزء 6/421 فالقول بأن هذا العبد الصالح موسى بن إبراهيم بن كثير سبب ضعف الحديث لأنه لم يوثقه إلا ابن حبان هذا قول باطل سخيف وأنا أعجب لمن وجدوا في هذا العصر بعد أن ضللوا الأحياء وخطؤوهم انتقلوا إلى تضليل وتخطئة المتقدمين يا عبد الله أيها المعاصر تعيش في حرم الله إياك والإلحاد في حرم الله وهذه البلية مع شناعتها وفسادها وظلمتها أيسر مما بعدها وهي التي دعتني لذكر هذا المثال عند المحبط الرابع من محبطات الأعمال يقول ومعنى الحديث غير صحيح؛ لأن رؤية النبي عليه لصلاة والسلام أو صحابته لا تمنع مس النار أو دخولها سبحان الله وهل أطلعك الله على غيبه وهل الجنة والنار ملكاً لك أو لأبيك ولأمك حتى تتصرف فيها كما تريد؟! نبينا الذي هو رسول ربنا عليه الصلاة والسلام يخبرنا بهذا، وأنت تقول هذا لا يعقل لم لا يعقل يا من سلبك الله الفهم أوليست هذه البشارة لمسلم موحد ستتحكم على الله أما يكفيك أنك تتحكم فينا وتحكم علينا بما تريد تريد أن تحكم على الله المجيد بأن معنى الحديث غير صحيح سبحان الله العظيم هذا بهتان عظيم أيها العبد من كان من سلفنا يرد الأحاديث بمثل هذا التعليل العليل أي عن طريق الرأي الهزيل إن الفرق بين أهل السنة وأهل البدعة أمر واحد وهو أن أهل السنة أسسوا دينهم على المنقول وجعلوا المعقول تبعاً وأهل البدعة أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا المنقول تبعا فيعرض أحاديث خير خلق الله على رأيه يقول هذا صحيح وهذا باطل مردود معنى الحديث غير صحيح ثم أقول لهذا المتهجم على سنة النبي عليه الصلاة والسلام باسم السلف الكرام إن هذا الحديث الذي فيه بشارة للصحابة(126/14)
وللتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ليس هو بأعجب من الحديث الذي فيه بشارة لعموم المسلمين لهم ما يشبه هذه البشارة فكيف بالصحابة والتابعين وماذا تقول في ذلك الحديث.
ثبت في صحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي وقد ذكر الحديث أئمتنا في كتب السنة أعنى كتب التوحيد التي تذكر أمور الاعتقاد حسبما ثبت عن نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام منهم الإمام اللالكائي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان] فيا عبد الله صحابي رأى النبي عليه الصلاة والسلام رؤية النبي عليه لصلاة والسلام ألا تعدل مثقال حبة خردل من خير؟! ألا تعدل بلى والله لو أنفقنا كل يوم مثل أحد ذهب ما بلغنا مد أحدهم ولا نصيفه لما حصل في قلبهم من اليقين الاطمئنان برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام وهل رؤية النبي عليه الصلاة والسلام يسيرة، نعوذ بالله من الافتراء على الشريعة الغراء.
إخوتي الكرام:(126/15)
رفع الصوت والجهر بالقول على قول النبي عليه الصلاة والسلام مشعر بحبوط العمل عند الله عز وجل فكيف بتقديم الآراء على الشريعة الغراء فكيف بالافتراء على خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وإلى من يدعي تقليد السلفية بالاسم لا في الحكم أذكر لك كلام الإمام ابن القيم في مثلك وفيك وفي أمثالك يقول في كتاب مدارج السالكين في الجزء 1/325 هل كان في الصحابة من إذا سمع نص رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته وهل كان قط أحد منهم يقدم على نص الرسول صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياساً أو ذوقاً أو رأياً أو سياسة أو تقليد مقلد، فقلد من أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم ولقد حكم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه على من قدم حكمه على نص النبي عليه الصلاة والسلام بالسيف وقال هذا حكمي فيه.
وتقدمت معنا قصته فأقول فيا الله كيف لو رأى سيدنا عمر ما رأينا وشاهد ما بلينا به من تقديم رأي فلان وفلان على قول المعصوم عليه الصلاة والسلام ومعاداة من اطرح آراءهم وقدم عليها قول المعصوم صلى الله عليه وسلم وأثر سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه الذي أشار إليه الإمام ابن القيم نزل على إثره قول الله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .
وقد روى الأثر الإمام الثعلبي والكلبي من رواية أبي صالح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والإسناد ضعيف قال حذامي المحدثين الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 5/37 وإن كان إسناده ضعيفا لكنه يتقوى بطريق مجاهد وقد روي هذا الأثر عن مجاهد وغيره من أئمة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.(126/16)
أما أثر مجاهد فقد رواه الطبري في تفسيره، وهكذا عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر كما روي عن الإمام الشعبي بسند صحيح في تفسير الطبري ورواه إسحاق بن راهُوْيَهْ وروي الأثر عن الربيع بن أنس في تفسير الطبري وروي عن أبي الأسود في تفسير ابن أبي حاتم وابن مردويه كما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن دحيم في تفسيره عن ضمرة بن حبيب الزبيدي وهذه الآثار المرسلة تشهد للأثر المتصل عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وخلاصة ما فيها أنه وقعت خصومة بين بعض المنافقين وبين يهودي في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام فطلب اليهودي من المنافق الاحتكام إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فأراد المنافق من اليهودي الاحتكام إلى حبر من أحبار اليهود ثم ذهبا إلى نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام فقصا عليه قصتهما فحكم نبينا صلى الله عليه وسلم بأن الحق لليهودي فلما خرجا قال المنافق هلم بنا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فذهبا إليه فلما عرض المنافق عليه القصة قال اليهودي يا أبا بكر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم بأن الحق لي فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يحكم في مسألة حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهبا إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فلما قص المنافق عليه القصة وطلب منه الحكم فيها قال اليهودي يا عمر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم بأن لحق لي ثم ذهبنا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال ما كان لابن أبي قحافة أن يحكم في مسألة حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه للمنافق أحقيق ما يقول اليهودي قال نعم قال انتظرا ثم دخل إلى بيته وأخرج سيفه وضرب عنق المنافق وقال هذا حكمي في من لم يقبل بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... } وأئمتنا قالوا في الحديث المتقدم {لا(126/17)
يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان} كما قال الإمام الترمذي قال قال بعض أهل العلم أي لا يدخل النار التي يخلد فيها الكفار إما أنه لا يدخلها رأسا وإذا قدر أن بعض الموحدين دخل فلن يخلد.
فالأحاديث إذا ماستبانت لك سلم لنبيك عليه الصلاة والسلام وإذا استبان لك معناها فاحمد الله وقد ذكر نحو ما قاله الإمام الترمذي شيخ الإسلام الإمام النووي في شرح صحيح مسلم صفحة 2/90 فما بعدها.
إخوتي الكرام:
الافتراء على سنة نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام باسم السلفية لا بد لها من وضع حد يقول بعض من يشتغل في علم الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء 3/30 يقول: (ولقد تتبعت سنن الترمذي حديثا حديثا فوجدت فيها نحو ألف حديث ضعيف هذا عدا عما وجدت فيها من أحاديث ضعيفة لها متابع أو شاهد) .
ألف حديث ضعيف أعان الله هذه الأمة بما ابتليت به في هذه الأيام والإمام الترمذي يقول ما أوردت في كتابي الجامع حديثا إلا عمل به الفقهاء غير حديثين اثنين وأنت تقول ألف حديث ضعيف والأمة تمشي على عمي حتى جئت لتصحح لها حديث النبي عليه الصلاة والسلام في القرن الخامس عشر كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.(126/18)
يروي الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وهكذا يعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ والقصة يرويها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة هارون الرشيد في الجزء 9/288 ورواها ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة هارون الرشيد أيضا في الجزء 10/215 وخلاصة القصة أن أمير المؤمنين في الحديث أبو معاوية الضرير محمد بن خازن وقد أصيب بالعمى وهو صغير قيل ابن أربع سنين وقيل ابن ثمانية وهو أوثق الناس رواية في حديث الأعمش فقد صحبه عشرين سنة ثقة إمام عدل رضا توفي سنة 195هـ وحديثه في الكتب الستة كان في مجلس أمير المؤمنين في الحكم هارون الرشيد وهارون الرشيد صاحب مروءة وأريحية واتباع لنبينا عليه الصلاة والسلام ولا يخلو بشر من تقصير كان سيد المسلمين في زمنه الإمام الفضيل بن عياض وهو ثقة شيخ الحرم المكي وتوفي سنة 187هـ وحديثه في الكتب الستة إلا سنن ابن ماجه كان يقول ما من نفس تموت أشد علي من نفس هارون الرشيد ووالله لوددت لو أن الله أخذ من حياتي فوضعها في حياة هارون فاستعظم الناس هذا الكلام من أبي علي الفضيل بن عياض فلما مات هارون وجاء المأمون وأحدث في هذه الأمة ما أحدث علموا صدق كلام الفضيل بن عياض فقد كان المأمون بأسا وبلاءا على الإسلام وعلى أهل الإسلام كما قرر ذلك أئمتنا الكرام انظروا سير أعلام النبلاء الجزء 10/234 حدث أمير المؤمنين في الحديث محمد بن خازم أبو معاوية الضرير في مجلس هارون الرشيد وكان محمد بن خازم يقول ما حدثت بحديث إلا قال هارون الرشيد صلى الله وسلم على سيدي يقول فحدثت بحديث اختصام نبي الله موسى وآدم والمحاجة التي وقعت بينهما والحديث في المسند والكتب الستة إلا سنن النسائي ولفظ الحديث كما في الصحيحين وغيرهما من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [احتج آدم وموسى فقال نبي الله موسى: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم قال نبينا صلى(126/19)
الله عليه وسلم فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره علي قبل أن يخلقني قال نبينا صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى] .
وفي بعض روايات الحديث: [احتج آدم وموسى عند ربهما] ، والعندية هنا عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 11/505 [فحج آدم موسى قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبط الناس بخطيئتك إلى الأرض قال أبونا آدم: أنت موسى الذي اصفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة] .
قال نبينا صلى الله عليه وسلم [فحج آدم موسى] عليهم جميعا صلوات الله وسلامه؛ ومعنى حج آدم موسى أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها والسبب في ذلك أن أبانا آدم تاب إلى ربه وأناب وقد غفر له الكريم الوهاب وقد خرج أبونا آدم من دار التكليف إلى دار الجزاء والحساب فلومه محض تخجيل ولا يترتب عليه إلا التحسير وهو ممنوع منه في شرع الله الجليل ولذلك قال ساداتنا الأولياء ذكر الجفاء وقت الصفاء من الجفاء فحج آدم موسى؛ لما حدث بهذا الحديث قال عم هارون يا أبا خازن أين اجتمعا فقال هارون الرشيد علي بالسيف والنطع فقال أبو خازن ومن في المجلس يا أمير المؤمنين إنها هفوة قال والله زندقة.(126/20)
يعترض على حديث النبي عليه الصلاة والسلام ويقول أين التقى موسى بآدم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام يا عبد الله عقلك سيحيط بملك ربك بالمشهود والغائب بالمتقدم والمتأخر {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} كلام قاله من لا ينطق عن الهوى فاسمع وسلم لذلك وأيقن بصحته ـ فقال عم هارون: يا أمير المؤمنين والله ما قلت هذا عنادا وجحودا إنما رأيا وقع في نفسي فقال لله علي أن أضرب رقبتك أو تخبرني بمن قال لك هذا الكلام، ثم قال وراءه أناس يبيتون هذا الكلام والاعتراض على حديث النبي عليه الصلاة والسلام.
هذه مدرسة زنادقة لابد من أن نوقفها بهذا السيف..
قال يا أمير المؤمنين: ما أعلمني بهذا أحد ولا تحدثت به لأحد ولا حدثني به أحد إنما لما ذكر هذا الحديث انقدح في ذهني هذا الكلام وهذه زلة وهفوة فقال: خلدوه في السجن حتى يقر على من يعلمه هذا الكلام ثم بعد ذلك له ولمن معه هذا السيف وهذا النطع فمكث في السجن زمانا وأقسم بالأيمان المغلظة أنه ما قال هذا عنادا للنبي عليه الصلاة والسلام ولا إنكارا لحديثه وما علم به أحد فأطلقه هارون وكفر عن يمينه لا إله إلا الله كلام النبي عليه الصلاة والسلام وفي دواوين الإسلام وفي كتب السنة والتي يقول عنها أئمتنا كتب الأصول في الحديث في سنن الترمذي يروى تحت باب ما جاء في فضل من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه أي رأى صحبه ثم يقول هذا حديث حسن غريب.(126/21)
ويرويه الإمام المقدسي ويرويه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ويرويه أبو نعيم في كتاب المعرفة ويأتي هذا متكئ على أريكته يقول موسى بن إبراهيم الأنصاري سبب علة الحديث فالحديث ضعيف ثم معناه غير صحيح أن سيف هارون الذي يطهر هذه الأمة في هذه الأيام أين سيف هارون الذي يطهر هذه الأمة من الإلحاد في بلد الله الحرام اعتراض على حديث النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام بتجريح راوي ظلما وعدوانا وبرد الحديث إفكا وبهتانا هذه هي السلفية التي تنادون بها وتدعون إليها رد أحاديث خير البرية عليه الصلاة والسلام إخوتي الكرام والحديث كما قلت في كتاب السنة لابن أبي عاصم انظروه في الجزء 2/630 وهناك في الحديث زيادة وهي ما رجاها موسى بن إبراهيم ولفظ الحديث في السنة لابن أبي عاصم [لن تمس النار مسلما رأى من رأى من رآني] .
يعني من رأى التابعين أيضا وعليه موسى بن إبراهيم عندما قال أنا رأيت طلحة بن خراش وأرجو الله رجاؤه في محله وأورد الحديث من رواية ثانية عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل النار مسلم رآني ولا من رأى من رآني ولا رأى من رأى من رآني] .
ولم يتكلم محقق الكتاب على هذين الإسنادين ووضع حول الإسناد الثاني علامة استفهام عند ولد عقبة بن عامر وإن كنت لا أطمئن إلى تحقيقه ولابد من الرجوع إلى أصل المخطوطة.
إخوتي الكرام:
هذا أمر رابع محبط للأعمال عند ذي العزة والجلال وأما بقية الأمور الستة المكملة للعشرة فكان في ظني أن أكمل الكلام عليها وقدر الله وما شاء فعل أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أقول هذا القول وأستغفر الله
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين.(126/22)
اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم احفظنا من كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعل هوانا تبعا لشرع نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ.
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوَّنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين،
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*} .(126/23)
حكم التناكح بين الإنس والجن (2)
(بحث)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم التناكح بين الإنس والجن 2
الدليل الثالث: الذى يحرم التناكح بين الإنس والجن الآثار المنقولة عن السلف الأبرار منها ما تقدم معنا أثر الحسن لا تزوجوه ولا تكرموه عندما قالوا له إن جنيا يخطب منا ويزعم أنه يعنى علق وأحب إحدى بناتنا ولا يريد أن يقترب منها عن طريق الحرام فقال لا تزوجوه ولا تكرموه وهكذا لما ذهبوا إلى قتادة قال لا تزوجوه ولا تكرموه قال أئمتنا وجمهور الفقهاء على المنع من التزاوج تحريما هذا هو قول جمهور أئمتنا وأنا أقول يد الله مع الجماعة مع جمهور أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم والإمام مالك عليه وعلى أئمتنا الذى هو فقط رأى الأصل الزواج أيضا منعه خشية المحذور عليه وعليه ما عدا الإمام مالك كما تقدم معنا عند الحنفية والشافعية والحنابلة يحرم التناكح بين والإنس والجن والإمام مالك كرهه وإن كان الأصل عنده الجواز وكرهه لعلة سيأتينا ذكرها إن شاء الله،
إذن هذا دليل ثالث الكتاب والسنة والآثار المنقولة عن السلف الكرام(127/1)
الدليل الرابع: وما أقواه وهو قياس الأولى وهذا أقوى من القياس الذى هو فى معنى الأصل فى معنى الأصل أن تبين أن العلة الموجودة فى الأصل موجودة فى الفرع وعليه يجب أن يحرم هذا الفرع لتحريم هذا الأصل لاشتراكهما فى العلة قياس فرع بأصل لعلة جامعة بينهما فى أى شىء تقيسه فى الحكم تقول حكم هذا كحكم هذا لأن شريعة الله جاءت فى التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين وقياس الأولى تقول إذا نهيت عن هذا فذاك من باب أولى أنت منهى عنه يعنى قول الله جل وعلا {فلا تقل لهما أف} فى الوصية بالوالدين فلا تقل لهما أف فإذا أنت تقول إذا كان لا يجوز أن تتأفف منهما من باب أولى يحرم أن تضربهما هذا قياس الأولى فمن باب أولى يعنى إذا حرم عليك التأفف والتضجر وإظهار الاستياء فقط فمن باب أولى هذا قياس الأولى إذا حرم ذلك من أجل علة الأذى فالأذى فى هذا أكثر فهذا يحرم من باب أولى هذا قياس الأولى وهنا عندنا قياس الأولى فى هذه القضية أى فى تحريم التناكح بين الإنس والجن عندنا قياس الأولى يحتج به على من ما هو هذا القياس أشار إليه الإمام السيوطى وحقيقة هو فى منتهى القوة والرجاحة ذكره فى الأشباه والنظائر صفحة سبع وخمسين ومائتين فقال إن شريعة الله منعت من نكاح الحر للأمة لا يجوز للحر أن يتزوج أمة وهى من جنسه إلا فى حالتين كما هو مقرر.(127/2)
الحالة الأولى: إذا خشى على نفسه العنت والثانية إذا لم يكن قادرا على نكاح حرة فالأمة هى آدمية من جنسك وقد تكون أصلح منك وأتقى لله وأبر أنت إذا كنت حرا منهيا إذا كنت حرا تنهى عن نكاحها إلا فى حالتين إذا ما عندك القدرة على نكاح حرة وتخشى على نفسك من الوقوع فى العنت أى فى الوقوع فى الزنا فيباح لك أن تتزوج أمة والعلة من ذلك أن الأمة أولادها أرقاء لأن الولد يتبع أمه فى الحرية والرق فأنت إذا كنت حرا وتزوجت أمة أولادك أحرار أو أرقاء؟ أرقاء يولد الأولاد على فراشك وفى بيتك وينسبون إليك يقال هذا ابن فلان ثم يأخذه مالك الأمة ويحرج عليهم فى السوق ويبيعهم وأنت تنظر إليهم هم ملك لمالك الأمة وأنت ولدك لا تستطيع يعنى أن تأخذه ولا أن تتحكم فيه لمجرد ما يملكه مالك زوجتك التى هى أمة عندك فمن أجل استرقاق الولد الذى يكون عند نكاح الأمة نهانا الله عن نكاح الإماء ولا يجوز أن تتزوج أمة إلا ما أمكنك أن تتزوج حرة وخشيت على نفسك من الزنا حقيقة زواج الأمة خير من الزنا لا شك لأن هناك فى ضياع الدين وأما هنا فى ضياع الذرية ضياع الولد وأنه يصبح عبدا رقيقا بالإمكان أن يحرر فى المستقبل وممكن أن تشتريه أنت أو يشتريه غيرك ويعتقه ممكن ويصبح حرا أما الزنا هذه بلية البلايا وعليه نكاح الأمة مع ما فيه من غصة فهو أخف من الزنا وأيسر إذن أنت منهى عن نكاح الأمة وهى من جنسك لأجل ألا يصبح الولد كما قلت رقيقا فالولد سيتضرر بالرق طيب إذا كان الأمر كذلك.(127/3)
استمع إلى كلام السيوطى يقول ولا شك أن الضرر بكونه من جنية أى الولد إذا كان من جنية وفيه شائبة الجن خلقا وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق يعنى لو صار رقيقا هذا أيسر عليه من أن يكون ابن جنية أو ابن جنى أعطينا إنسية لجنى فصار فيه شائبة من خلقهم ثم يخالطهم ويتصل بهم فهذا الضر الذى سيقع على هذا الآدمى الأنسى أعظم من الضر الذى سيقع على ولد الأمة هناك سيرقى فيه خصال الأنس كاملة لكنه رقيق ويمكن أن يحرر.
وأما هنا ما يمكن أن تخلصه من الجن بحال يعنى أمه جنية وأبوه جنى وأمرنا ببر الوالدين يعنى تقول له لا علاقة لك بأمك حتى لو طلقتها مأمور ببر والدته التى هى جنية فالضرر سيلحق عليه أكثر مما لو كان رقيقا لأن ضرر الرق كما تقدم معنا مرجو الزواج بكثير قال الإمام السيوطى فإذا منع الحر من نكاح الأمة مع اتحاد الجنس للاختلاف فى النوع هذا حر وتلك أمة والجنس واحد كلهم من بنى آدم اختلفوا فى النوع لا فى الجنس فلا أن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى هناك الجنس واحد والاختلاف فى النوع حر رقيق هنا الجنس كله مختلف فإذا منعت من نكاح الأمة لأنها تخالفك فى الحرية والرق أى فى النوع وهى تماثلك فى الجنس هى آدمية وأنت آدمى فلا أن تمنع من نكاح ما يخالفك فى الجنس من باب أولى.(127/4)
قال الإمام السيوطى وهذا تخريج قوى لم أر من تنبه له وواقع الأمر كذلك وحقيقة ما رأيت أحدا من أئمتنا ذكر هذا قبل الإمام السيوطى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول ما رأيت أحدا تنبه لهذا وهو أنه إذا نهينا عن نكاح الأمة للاختلاف بيننا وبينها فى النوع ولأن الولد سيتضرر إذا كان رقيقا وبالإمكان أن يحرر فلا أن نمنع عن نكاح الجنية للاختلاف بيننا وبينها فى الجنس ولأن الضر يقع على الولد أكثر مما لو كان ابنا لأمة فلا أن نمنع إذن عن نكاح الجنية من باب أولى هذا تخريج قوى ولم أر من تنبه له ثم هو التقرير فقال ويقويه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لا يجوز أن تنزى الحمير أى أن يركب الحمار الخيل الفرس فى مهر المهرة الأصيلة خيل عراض ولو وطء الحمار فرسا لجاء المولود بغلا أوليس كذلك يأتى الآن ليس بحمار وليس بخيل يأتى بغل البغل هذا عند اختلاف الجنس حمار أنزيته على فرس فيأتى بغل والبغل خلقته بين الحمار وبين الفرس وهو من الجافى الخلقة كما يقول أئمتنا لكن شتان شتان بين البغل وبين الخيل بين الحصان بين الفرس شتان نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن إنزاء الحمير على الخيل وعلة ذلك اختلاف الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل فيلزم منه قلتها يعنى الخيل ما يبقى لها بعد ذلك نسل كثير لأنها تنتج بغالا وعلل النبى صلى الله عليه وسلم هذا ونهى عنه فقال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
قال الإمام السيوطى فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى..نكاح الجنى الإنسية أولى وأحرى يعنى إذا منعنا من أن ننزى الحمار على الخيل فنحن إذن نمنع من أن يتصل إنسى بجنية من باب أولى أما حديث إنزاء الحمير على الخيل فهذا حديث صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.(127/5)
الحديث الأول: حديث سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه رواه الإمام أحمد فى المسند وأبو داود والنسائى فى السنن وراه الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الثالث صفحة واحدة وسبعين ومائتين وهو غير مشكل الآثار هذا شرح معانى الآثار فى أربع مجلدات ومشكل الآثار فى أربع مجلدات لكنه ثلث الكتاب الذى ألفه الإمام الطحاوى والثلثان مفقودان أخبرنى بعض الإخوة الكرام البارحة يقول كأنه عثر على بقية الأجزاء وطبع الآن أخيرا فى طبعة فى ستة عشر مجلدا مشكل الآثار والعلم عند الله جل وعلا على كل حال المطبوع منه أربعة مجلدات ثلث الكتاب وأما شرح معانى الآثار هذا كاملا للإمام الطحاوى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فالحديث فى شرح معانى الآثار للإمام الطحاوى فيورد بالإسناد ويحتج بذلك على طريقة المحدثين.
والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسى وابن أبى شيبة فى المصنف وإسناد الحديث كما قلت صحيح صحيح انظروه إن شئتم فى جامع الأصول فى الجزء الخامس صفحة ثلاث خمسين عن على رضى الله عنه وأرضاه قال أهديت إلى النبى صلى الله عليه وسلم بغلة وهى المتولدة بين الخيل والحمير بغلة فركبها عليه الصلاة والسلام فقال على رضى الله عنه وأرضاه لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه يعنى ننزى الحمير على الخيول من أجل أن يخرج لنا بغال كالبغلة التى ركبها نبينا المختار عليه الصلاة والسلام فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.(127/6)
وبوب الإمام أبو داود على هذا الحديث بابا فى كتاب الجهاد فقال باب فى كراهية الحمير تنزى على الخيل وبوب عليه الإمام النسائى بابا فى سننه فى كتاب الخيل عنده باب خاص فى الخيل كتاب الخيل أحد الأبواب فيه باب فى التشديد فى حمل الحمير على الخيل وبوب عليه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى فى كتاب السبق والرمى باب فى كراهية إنزاء الحمير على الخيل وبوب عليه الإمام ابن أبى شيبة فى المصنف فى الجزء الثانى عشر صفحة أربعين وخمسمائة باب فى إنزاء الحمير على الخيل يعنى هذا منهى عنه إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون ومراد النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون يعنى لا يعلمون ما فى ذرية الخيل من الخير والمصلحة الشرعية ومائة بغل بل ألف بغل لا يسدون مسد حصان وخيل وفرس ولذلك يفعل هذا الذين لا يعلمون وما يحصله الإنسان من تربية الفرس والخيل من الأجر لا يحصل هذا الأجر لو ربى ألف بغل ولذلك ما كان شيئا أحب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام بعد النساء فى هذه الحياة من الخيل، الخيل يحبها هى آلة الجهاد المفضلة وسيأتينا ماذا يوجد من أجر على تربية الخيل فأنت لو أنزيت الحمير على الخيل سيأتى بغال والبغال ليست كالخيل لا تصلح للجهاد لا يصلح البغل للجهاد عندما تركب البغل كأنك ركبت الحمار لكن هذا على..لكن لا كر ولا فر ولا قتال معك ولا ولا سرعة الخيل أحيانا إذا كانت مسرعة تبلغ مائة كيلو فى الساعة هذه الخيل التى هى عادية وإذا زادت ممكن تصل إلى مائة وستين كيلو متر فى الساعة يعنى يغلب السيارة حقيقة هذا فى الحقيقة يعنى آلة عظيمة ثم يقاتل معك ثم ثم فهذه الأشياء عظيم الخيل.(127/7)
ولذلك ثبت فى سنن النسائى بسند حسن عن أنس رضى الله عنه وأرضاه قال لم يكن شىء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل أكثر ما يحبه فى هذه الحياة بعد النساء الخيل الخيل هذه لها شأن عظيم ولا يحب النبى عليه الصلاة والسلام إلا ما يقربه إلى ذى الجلال والإكرام فالنساء ذرية طيبة وبعد ذلك عشرة ينتج عنها خيرات فى العاجل والآجل وهنا كذلك خيل فلها هذه المكانة.
وقد ثبت فى الصحيحين من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام من رواية ابن عمر وعروة البارقى وأنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم والحديث روى من رواية أبى هريرة رضى الله عنه لكن فى سنن الترمذى والنسائى فليس هو فى الصحيحين وقد ثبت فى المسند وصحيح البخارى وسنن النسائى من رواية أبى هريرة أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [من احتبس فرسا إيمانا واحتسابا فإن شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة] شبعه وريه وبوله وروثه كل هذا يوضع فى ميزانه يوم القيامة وله هذا الأجر العظيم.
وكما قلت بأنه آلة الجهاد وتقدم معنا أن الإمام أبا حنيفةعليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كره أكل لحوم الخيل لا لآفة فى لحمها يؤكل لحمها عند الجمهور فلحمها كلحم الضأن فهى كريمة طيبة مباركة لكن كره أكل لحمها لكرامتها لا لآفة فى لحمها قال هذا لو يعنى تمادى الناس وفشى فيهم ذبح الخيل وأكلها ينقطع بعد ذلك وسيلة الجهاد فيمنع الناس من ذبح الخيل لا لأن الخيل لا يحل لحمها إنما كرامة لها من أجل أن يستعان بها على هو ما أعظم من الأكل ألا وهو القتال فى سبيل الله عز وجل الخيل لها هذا الشأن الكبير عند ربنا الجليل سبحانه وتعالى هذا الحديث الأول وهو حديث على رضى الله عنه وأرضاه وهو حديث صحيح كما قلت.(127/8)
الحديث الثانى: من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم وأجمعين رواه الإمام أحمد فى المسند والترمذى والنسائى فى السنن وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح والحديث رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار انظروا المكان المتقدم عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا لا شك هو عبد وهو أفضل العبيد وأحبهم إلى ربنا المجيد سبحانه وتعالى فما خلق الله وما ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من حبيبنا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان رسول الله عليه الصلاة والسلام عبدا مأمورا يعنى يبلغ ما أمر بتبليغه هو عبد لله عز وجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا ما اختصنا دون الناس بشىء إلا بثلاث يقول نحن آل البيت الطيبين الطاهرين ما خصنا بشىء لأأنه مأمور بالبلاغ لكل الناس إلا بثلاثة أمور خصنا بها هذا من قبل الله عز وجل لآنه قدم مقدمة قال كان عبدا مأمورا فالله أمره أن يخص آل البيت بهذه الأمور الثلاثة كما خصهم بكثير من الأمور وهنا هذه الأمور الثلاثة خصهم بها إلا هذه الأمور الثلاثة يقول عبد الله ابن عباس رضى الله عنه.
الأمر الأول: أمرنا أن نسبغ الوضوء.
والثانية: ألا نأكل الصدقة.
والثالثة: ألا ننزى حمارا على فرس.(127/9)
طيب قد يقول قائل الأولى والثالثة يعنى يشترك فيها آل البيت وغيرهم لا ثم لا إسباغ الوضوء على آل البيت واجب وعلى غيرهم سنة فبقى بيننا وبينهم فارق هناك ينبغى أن يسبغوا الوضوء هؤلاء الذرية الطيبة الطاهرة لهم شأن إذا توضأ يسبغ الوضوء أكثر منا والإسباغ هو المبالغة بالدلك والفرك عند الوضوء من أجل يعنى كمال الإنقاء على وجه التمام الأصل صب الماء عندما تدلك هذا إسباغ الوضوء وهذا واجب على آل البيت الطيبين الطاهرين وفى حقنا سنة مستحب يستحب لك الدلك وإسباغ الوضوء والأمر الثانى صدقة هذه محرمة عليهم ولا تحرم على غيرهم والثالث يحرم عليهم أن ينزوا حمارا على خيل لأن هؤلاء هم أول من يقوموا بالجهاد وهم يعنى ينبغى أن ينصروا دين الله قبل غيرهم وإذا هم أرادوا البغال بدل الخيل وتأخروا عن الجهاد من باب أولى فيحرم عليهم ويكره فى حق غيرهم يكره لنا أن ننزى حمارا على خيل ولا يحرم وفى حق آل البيت يحرم وليس المقصود الكراهة ولذلك كان يقول كان رسول الله عليه الصلاة والسلام عبدا مأمورا ما اختصنا دون الناس بشىء إلا بثلاث أولها أمرنا أن نسبغ الوضوء والثانية لا نأكل الصدقة والثالثة ألا ننزى حمارا على فرس.
إخوتى الكرام: هذا أحد القولين فى توجيه الحبيب إذن هذه واجبة علينا وعلى غيرنا سنة وبالنسبة لأكل الصدقة نحن نمنع منها على سبيل التحريم وغيرنا الأولى أن يتعفف وهناك قول ثان لأئمتنا خصنا قال بمزيد حث ومبالغة فغيرنا يندب له هذه الأمور وأما نحن الندب فينا قوى ومبالغ فيه أكثر من غيرنا ندب لكن فيه كما قلت تأكيد وهناك ندب فيه ترغيب.(127/10)
هذان جوابان ذكرهما أئمتنا فى شرح هذا الحديث وانظروا مثلا تحفة الأحوذى فى الجزء الثالث صفحة واحدة وثلاثين قال الإمام الطحاوى مبينا أن الكراهة أن المنع للكراهة من إنزاء الحمير على الخيل فى حق الأمة لكن تقدم معنا فى حق آل البيت الطيبين الطاهرين على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه هل هو للمنع أو أن الكراهة شديدة يمنعون من ذلك بشدة أكثر من غيرهم.(127/11)
يقول الإمام الطحاوى تواترت الأحاديث على نبينا عليه صلوات الله وسلامه بركوب البغال وهذا مما يدل على أن إنزاء الحمير على الخيل جائز لكنه مكروه ولو كان محرما لما ركب النبى عليه الصلاة والسلام البغل وزجر عنه لأنه تولد من شىء محرم لا بد من أن ينهى عنه ثم روى الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الثالث صفحة خمس وسبعين ومائتين عن أبى جهضم وهو موسى ابن سالم مولى بنى هاشم رضى الله عنهم وأرضاهم وهو صدوق حديثه فى السنن الأربعة أبو جهضم موسى ابن سالم يقول حدثنى عبيد الله ابن عبد الله يعنى لهذا الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن إنزاء الحمير على الخيل ألا ننزى حمارا على فرس نهانا نحن آل البيت ما خصنا دون الناس بشىء ألا بثلاث يقول حدثنى بهذا الحديث عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس رضى الله عنهم فقال فلقيت عبد الله ابن الحسن رضى الله عنهم أجمعين وهو يطوف فحدثته بهذا الحديث الذى بلغنى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى عليه الصلاة والسلام خص آل البيت بهذه الأمور الثلاثة بإسباغ الوضوء وبمنعهم من الصدقة وألا ينزوا حمارا على خيل فقال عبد الله ابن الحسن صدق كانت الخيل قليلة فى بنى هاشم فأحب النبى صلى الله عليه وسلم أن تكثر فيهم فكأنه يقول هذا الأمر أيضا هم وغيرهم فيه سواء إنما نهاهم النبى عليه الصلاة والسلام عنهم فى أول الأمر لأن الخيول كانت قليلة عند بنى هاشم فلأجل أن تكثر فيهم من أجل أن يكونوا يعنى فى القتال على الصفة الكاملة نهاهم على وجه التحريم فى حقهم عن إنزاء الحمير على الخيل لتكثر الخيل فيهم ولئلا تنتج خيولهم بغالا وعليه كأنه يقول عبد الله ابن الحسن رضى الله عنهم أجمعين إذا كثرت الخيل كما هو الحال الآن فى بنى هاشم فلا داعى بعد ذلك للمنع على سبيل التحريم نحن وغيرنا فى ذلك سواء والعلم عند الله جل وعلا.(127/12)
الحديث الثالث: فى النهى والزجر عن إنزاء الحمير على الخيل مروى من رواية دحية ابن خليفة الكلبى وحديثه فى المسند انظروه فى الجزء الثالث صفحة إحدى عشرة وثلاثمائة فى المسند وهو فى معجم الطبرانى الأوسط كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الخامس خمس وستين ومائتين ورواه ابن أبى شيبة فى المصنف فى المكان المتقدم.
وهكذا رواه الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة والإمام البغوى وابن قانع كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة ثمان وتسعين ومائتين ورجال إسناده رجال الصحيح تقدم معنا الحديثان المتقدمان صحيحان حديث سيدنا على وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وحديث دحية رجاله رجال الصحيح قال الهيثمى خلا عمر ابن حسين ابن سعد ابن حذيفة ابن اليمان رضى الله عنهم وأجمعين وقد وثقه ابن حبان جميع رجال إسناده رجال الصحيح إلا عمر ابن حسين ابن سعد ابن حذيفة وقد وثقه ابن حبان وقال ابن أبى الحاتم فى الجرح والتعديل قال وكيع كان ثبتا وقد روى عنه وكيع كان ثبتا لكن قال عن الشعبى حديثا مرسلا أن دحية الكلبى وسيأتينا لفظ الحديث إن شاء الله وهو حديث إنزاء الحمير على الخيل وقال الإمام البخارى فى التاريخ الكبير عمر ابن حسين عن الشعبى مرسل والذى يظهر والعلم عند الله جل وعلا أن عمر ابن حسين من الرواة عن الشعبى روى عنه وهو من تلاميذه والشعبى روى عن دحية الكلبى وهو يعنى عندما روى الحديث عن الشعبى والشعبى عن دحية الشعبى من تلاميذ دحية ودحية صحابى رضى الله عنهم أجمعين وعليه الإسناد متصل وهو ما أرسل الحديث يعنى ما رواه عمر ابن حسين عن دحية وأسقط الشعبى وما رفعه من الشعبى إلى النبى عليه الصلاة والسلام فعمر ابن حسين من تلاميذ الشعبى والشعبى أدرك دحية وروى عنه عليه ينبغى أن يكون الإسناد متصلا.(127/13)
وانظروا إيضاح هذا الأمر فى تعجيل المنفعة فى صفحة سبع وتسعين ومائتين وفى الإصابة للحافظ ابن حجر فى الجزء الأول صفحة أربع وستين وأربعمائة وكيفما كان أمر الحديث مرسلا أو متصلا فهو صحيح قطعا وجزما بشهادة الحديثين المتقدمين له ولفظ حديث دحية قال قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ألا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج يعنى الفرس لك بغلا فتركبها ألا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج لك بغلا فتركبها فقال النبى صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون وفى رواية المصنف ابن أبى شيبة عن دحية رضى الله عنه وأرضاه قال أهديت إلى النبى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فقال دحية رضى الله عنه وأرضاه لو شئنا أن نتخذ مثلها فقال له النبى عليه الصلاة والسلام وكيف كيف ستأتى بمثلها هذه البغلة فقال نحمل الحمر على الخيل العراض الجيدة الخالصة فتأتى بها تتأتى ببغال فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
وفى رواية قال دحية ألا ننزى حمارا على فرس فتنتج مهرة نركبها فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون إذن الحديث صحيح كما قلت من رواية ثلاثة من الصحابة سيدنا على وعبد الله ابن عباس ودحية الكلبى رضى الله عنهم أجمعين نهى نبينا عليه الصلاة والسلام عن إنزاء الحمير على الخيل لاختلاف الجنس ولأن الذرية ستأتى تخالف الأصل ونهانا ربنا عن نكاح الأمة إذا كنا قادرين على حرة وإذا لم نكن قادرين فإذا ملكنا أنفسنا فلا نتزوجها أيضا وإذا ما قدرنا على نكاح حرة وخشينا على أنفسنا من الزنا فيجوز نكاح الأمة فإذن منعنا عنها للحالتين المتقدمتين مع أنها من جنسنا لكن النوع مختلف فلأن نمنع عن نكاح ما ليس من جنسنا أولى وأحرى والعلم عند الله وهذا استدلال الإمام السيوطى وهو قياس الأولى هذا الدليل الرابع أوليس كذلك.(127/14)
الدليل الخامس: اختلاف الجنس دليل على تحريم التناكح بين الجن والإنس اختلاف الجنس وقد قرر هذا أئمتنا الكرام ففى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الثالث صفحة خمسين وهو من كتب فقه الحنفية والإمام ابن عابدين له حاشية رد المحتار توفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين بعد الألف رد المحتار على الدر المختار يوجد حاشية أيضا على الدر المختار للإمام الطحطاوى وهذا كان فى بلاد مصر الطحطاوى وابن عابدين فى بلاد الشام وهما متعاصران وكتابهما أيضا متقاربان فى الحجم وفى الشرح لكن كتب الله الذيوع والانتشار لحاشية رد المحتار دون حاشية الطحطاوى الطحطاوى توفى سنة واحدة وثلاثين ومائتين بعد الألف وهو فى الأصل من بلاد الشام أيضا حلبى لكن ذهب إلى بلاد مصر واستقر فيها الطحطاوى له حاشية أيضا على كما تقدم معنا على الدر المحتار شرح متن تنيير الأبصار فى الفقه الحنفى فى حاشية الطحطاوى فى الجزء الثانى صفحة ثلاثة ومثل هذا التقرير الذى سأذكره فى لقط المرجان للإمام السيوطى صفحة سبع وثلاثين عرفوا النكاح فقالوا النكاح عند الفقهاء عقد يفيد ملك المتعة قصدا بهذا العقد يفيد لك أن تتمتع يحصل لك يباح لك أن تتمتع بمن عقدت عليها قصدا أنت تقصد الوطء وهذا يباح لك وخرج الوطء ضمنا كما لو اشتريت أمة هناك عندما اشتريت أمة يباح لك التمتع بها شراء لكن أنت لا تقصد هذا وقد لا تتمتع بها طول حياتك تشتريها ولا تقربها أما هذه كما قلت أنت تقصد ذلك عقد يفيد ملك المتعة أنت تملك التمتع بها قصدا وأما هناك عند شراء الأمة يقع حل التمتع ضمنا قال أئمتنا أى حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى هذا معنى النكاح عند الفقهاء عقد يفيد ملك المتعة قصدا أى حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى قالوا خرج بقوله امرأة خرج الذكر وخرج الخنثى لجواز ذكورته فلا يجوز أن تتزوج هذا ولا ذاك خرج هذا حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من(127/15)
نكاحها مانع شرعى قالوا خرج بالمانع الشرعى المحارم من أم وجدات وبنات وخالات وعمات وغير ذلك المحارم امرأة لكن منع من التمتع منها مانع شرعى وخرج المشركة غير الكتابية منع من نكاحها مانع شرعى وخرج إنسان الماء لو وجدت فى البحر مخلوقا على صورة الإنسان ويوجد.
يقول الفقهاء إنسان الماء على صورة بنى آدم لا يجوز أن تقربه ولا أن تطأه ولا أن تتزوجه ولا أن تملكه لأجل وطء لاختلاف الجنس ليس هو امرأة من بنى آدم وخرجت الجنية فقوله لم يمنع منها مانع شرعى خرج معنا أربعة أصناف المحارم والمشركة غير الكتابية وإنسان الماء والجنية خرج بقولنا امرأة الذكر والخنثى إذن حل استمتاع الرجل بامرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى وعليه هنا الجنية ليست من جنسنا فلا يجوز لنا أن نتزوجها.
قال الإمام ابن عابدين فى حاشية رد المحتار وقول الله جل وعلا فى سورة النحل والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا بين المراد من قوله انتبه لهذا البيان فانكحوا ما طاب لكم من النساء أنه سيأتينا ضمن استدلال المبيحين قال يطلق على رجال الجن وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن يطلق عليهم إخوان لنا كما معنا فى هذا الحديث وهذا مما استدلوا به إنه زاد إخوانكم من الجن إذا كان رجالهم الذكور فيهم رجالا وهم إخوان لنا والإناث فيهم نساء إذن يجوز أن نتزوج من نساء الإنس ويجوز أن نزوج من رجال الجن لأن الله يقول فانكحوا ما طاب لكم النساء والأنثى من الجن من النساء.(127/16)
قال الإمام ابن عابدين فقول الله فى سورة النحل {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} بين المراد من قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء ما هو وهو الأنثى من بنات آدم وبنات بنى آدم فلا يثبت حل غيرها بلا دليل ثم قال ولأن الجن يتصورون بصور مختلفة شتى فقد يكون الجنى ذكرا وتصور بصورة أنثى فكيف ستتجوزه ما عندك يقين أيضا على أنه أنثى وإذا كان الأمر كذلك فيمنع من التزواج والتناكح بين الإنس والجن إذن اختلاف الجنس النكاح حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى خرج بقولنا من امرأة أمران وخرج بقولنا مانع شرعى أربعة أمور منها الجنية وعليه قول الله والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يبين المراد من قوله فانكحوا ما طاب لكم النساء أى من النساء الآدميات لأن الله يقول من أنفسكم والله جعل لكم من أنفسكم يضاف إلى هذا أن هذه الجنية ليس عندنا وثوق بأنها أنثى فقد تتشكل بأشكال مختلفة وقد تكون ذكرا وظهرت بصورة أنثى والعلم عند الله جل وعلا.(127/17)
نعم إخوتى الكرام: اختلاف الجنس من موانع النكاح والإنسان ينبغى أن يتزوج من جنسه الذى يكافئه والله جل وعلا عندما نفى الوالدية والولدية عنه نفى الزوجة عنه بعدم وجود كفء له فقال فى سورة الإخلاص {قل هو الله أحد الله الصمد} سيد سبحانه وتعالى اكتمل فى السؤدد والشرف والكمال يصمد إليه فى الحاجات وهو غنى ليس بأجوف سبحانه وتعالى هو الذى يطعم ولا يطعم لم يلد أى ليس له فرع ولم يولد ليس له أصل لا ولد ولا والد ولم يكن له كفوا أحد قال أئمتنا فى كتب التفسير فى ذلك دليل على نفى الزوجية عن الله جل وعلا لأن الزوجة تكون من جنس زوجها والله لا يوجد من يكافئه ولا من يماثله وهل يرضى الواحد منا نحن من بنى آدم أن يتزوج من غير جنسه لا والله جل وعلا أحد لا يوجد من يكافئه ولا من يماثله فكيف تنسبون إليه الزوجة هذا نقص فى حقه عظيم تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة سبحانه وتعالى ولم يكن له كفوا أحد فى هذا دليل على انتفاء الزوجة كما هو مقرر فى كتب التفسير لأنها تكافىء الزوجة تكون من جنسه والله لا يماثله شىء فى ذاته فى صفاته وفى أفعاله ليس كمثله شىء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى إذن لا ولد ولا والد ولا زوجة وهنا كذلك اختلاف الجنس كما قلت من موانع النكاح.
الدليل السادس: منافاته أى الزواج بين الإنس والجن التناكح بين الإنس والجن منافاته لمقصود النكاح وعدم حصول المقصود بذلك النكاح.(127/18)
المقصود من النكاح أن يسكن كل من الزوجين إلى صاحبه وأن يحصل له الأنس بصاحبه هذا لا يوجد إذا تزوج الإنسى جنية ولا إذا تزوجت الأنسية جنيا لا يوجد هذا وهذا مقصود من مقاصد النكاح العظيمة كما تقدم معنا فى آية الروم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها يحصل سكن ... وأما هذه بأى سكن سيحصل لتكون معك فى الفراش وتتشكل بصورة ثعبان بأى سكن سيحصل لك تأتى بعد ذلك إلى البيت ولا تراها ثم تخرج من غير إذنك ثم ثم هذه كلها الآن أى بعد ذلك سكن سيحصل بينك وبينها وأى وئام وأى ارتباط وأى التزام فإذا كان مقصود النكاح لم يحصل بهذا النكاح إذن النكاح كله لا يجوز لأنه ما حصل المقصود منه ولذلك قال أئمتنا لو قدر لو قدر لو قدر أن هذا جائز هل له القدرة على إجبارها على ملازمة المسكن تستطيع أن تجبرها لا تستطيع أما الإنسية بإمكانك وهل منعها من التشكل فى غير صور الآدميين وهل سيعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع تكون هى مزوجة لغيرك من جنى أو إنسى أيضا ما الذى يدريك وهل إذا رآها فى غير صورتها التى ألفها وادعت أنها هى يعتمد على قولها ويطأها أو تشكلت بصورة أخرى غير ما يألف منها هل يجوز أن يقترب منها وهل يكلف بالإتيان بما تألفه من قوت يحضر لها العظام لتكسى اللحم على أوفر ما كانت يكلف بهذا وهل وهل قال أئمتنا وكل هذا مما يوجب النفر ولا يحصل به مقصود النكاح ولذلك لا يجوز التزاوج بين الإنس والجن والعلم عند الله جل وعلا وإن كان هذا واقع الوقوع شىء والحل بعد ذلك شىء آخر.(127/19)
يعنى المشركة التى هى وثنية ما أحل لنا نكاحها لأنه أيضا لا يحصل سكن واطمئنان إليها بوجه من الوجوه والكتابية نفرنا الله عن نكاحها فى آخر الآية التى أحل نكاحها بها فقال جل وعلا بعد أن ذكر وطعام أهل الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان بأى شىء ختم الآية ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ما دخل الكفر الآن عند موضوع التزاوج بين مسلم وكتابية الكتابية قد تقود زوجها إلى الشرك ويميل إليها وهكذا الوثنية فإذن الانسجام لن يحصل هى على ملة وأنت على ملة الانسجام لا يحصل إلا إذا أنت على ملتها وهى على ملتك وكل واحد على مشرب الآخر أما أنت مسلم وهى كتابية يعنى أنت تعبد الله الواحد وهى تعبد ثلاثة آلهة لن يحصل انسجام ولا وئام لكن حتما فى ذلك شىء من المصلحة ومن أجل هذا أبيح هذا النكاح بيننا وبينها بعض الأمور المشتركة لعلها تدعوها إلى الإيمان الكامل أما الوثنية فليس بيننا وبينها اشتراك فى أمر من الأمور وهنا كذلك لا يجوز نكاح الجنية من قبل الإنسى لاختلاف الجنس.(127/20)
الأمر السابع: وهو آخر الأمور الأصل فى الأبضاع وفى الفروج الحرمة والتحريم حتى يرد دليل الحل وهذا الأمر وحده كاف فى التحريم لو لم يوجد إلا هذا الدليل لكفى لو لم يرد دليل يحرم نكاح الإنسى للجنية والعكس لكفى هذا الدليل دليلا على التحريم لأن الأصل أنت أن تأتى بدليل على الحل أن تقول يدل على الحل قول الله تزوجوا جنية أو قول النبى عليه الصلاة والسلام تثبت حديثا أو آية لأن الأصل فى الفروج التحريم ولا يباح لك بضع إلا بنص يدل على حل ذلك البضع ولذلك الأبضاع محرمة وهذه قاعدة قررها أئمتنا الأصل فى الأشياء الإباحة إلا الأبضاع فالأصل فيها الحل وإلا إلا الأبضاع الأصل فيها التحريم الأصل فى الأشياء الإباحة إلا الأبضاع فالأصل فيها التحريم والمنع وإلا اللحوم أيضا أمران انتبه لهما الفروج واللحوم الأصل فيهما التحريم إلا أن يثبت دليل الحل دليل الإباحة أبيح لك هذا البضع وأحل لك أن تأكل هذا اللحم كما سيأتينا بالنسبة للحوم أيضا.(127/21)
من باب التنبيه على هذه الفائدة وهذه القاعدة قررها أئمتنا انظروا الأشباه والنظائر لابن نجيم صفحة سبع وستين وانظروا شرحه فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين ومائتين عند قاعدة الأصل فى الأشياء الإباحة إلا الأبضاع فالأصل فيها التحريم الأصل فيها الحظر الأصل فيها الحرمة والمنع وانظروه فى الأشباه والنظائر للإمام السيوطى صفحة واحدة وستين انظروا هذه القاعدة فى دفع إيهام الإضطراب عن آى الكتاب لشيخنا فى الحزء العاشر صفحة أربع وسبعين وهى فى آخر أضواء البيان فى الجزء العاشر له كتاب مطبوع فى آخر التفسير دفع إيهام الإضطراب عن آى الكتاب ولذلك قال الفقهاء الأصل فى النكاح الحظر وأبيح للضرورة وإذا تقابل حل وحرمة غلبت الحرمة حتى النكاح والأصل منه المنع وأبيح فقط للضرورة إنه كشف عن عورات وسوءات وهذا الاتصال هذا الأصل منه المنع لكن أباحه الشارع لأنه طريق إلى إخراج الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية فلنقتصر على هذا ولنقف عنده فإذا قام الدليل على حل شىء فهو حلال إلا فلا بالنسبة للأبضاع فالأصل فى الأبضاع الأصل فى الفروج التحريم وإذا كان كذلك فلا يجوز للإنسى أن يتزوج جنية ولا للجنى أن يتزوج إنسية إلا بدليل يدل على الحل.(127/22)
وهذه القاعدة أشار إليها سيدنا عثمان ابن عفان ذو النورين رضى الله عنه وعن الصحابة الكرام عندما سئل عن الجمع بين الأختين بواسطة ملك اليمين هل يباح أن يجمع بين الأختين بملك اليمين لا للنكاح فقال سيدنا عثمان رضى الله عنه وأرضاه أحلتهما آية وحرمتهما آية فإذن ما الحكم تحريم واضح هذا بما أنه هو يوجد ما يحل الحل والتحريم التحريم يغلب فلا بد الآن من نص صريح فى لحل أما الآية التى أحلتهما فهى قول الله جل وعلا فى سورة المؤمنون وفى سورة المعارج {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} أو ما ملكت أيمانهم هذا مطلق أختان أو ما شئت من عدد الإماء هذا يحل لك ما ملكته يمينك حلال وهكذا زوجتك التى أحلها الله إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم أحلتهما آية وقول الله جل وعلا فى سورة النساء: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم ونساؤكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما} وأن تجمعوا بين الأختين..(127/23)
ما خص هذا عن طريق ملك اليمين أو عن طريق النكاح يحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين وهناك قال وأحل لكم ما وراء ذلكم وهناك قال والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قال أحلتهما آية وحرمتهما آية قال أئمتنا الفقهاء يحرم على الإنسان أن يجمع بين الأختين بملك اليمين لما فهنا عموم يحل وهنا عموم يحرم لخمسة أمور أولها النص الذى يحرم وهو قول الله فى سورة النساء وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف نص فى محل المدرك أى فى محل النزاع فى محل المطلوب فى محل المدرك المقصود وأخذ الحكام من مظانها أولى من أخذ الأحكام من غير مظانها الآية فى سورة المؤمنون وفى سورة المعارج مسوقة للثناء على عباد الله الموحدين المتقين فهناك قد أفلح المؤمنون من صفاتهم كذا وكذا فهذا الآن ثناء على المؤمنين من صفاتهم أنهم يحفظون فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ثم ما هى الزوجة التى يحل له أن يقترب منها هذا مبين فى أدلة أخرى لا يستفاد الآن من هذا هذه الزوجة بعينها وهكذا ما الإناث اللائى يحل له أن يقترب منهن أن يجمع بينهن هذا انظر تفصيله فى أدلة أخرى هنا ليس الآن مسوق لبيان عدد الزوجات وعدد الإماء وتفصيل الكلام فيهن الكلام مسوق فى الثناء على المؤمنين وأنهم يحفظون فروجهم ولا يتصرفون بفروجهم إلا على حسب شرع ربهم أما هناك آية كما قلت تبين المقصود لأنها مسوقة لبيان ما يحل لك وما يحرم من الأبضاع والله قال وأن تجمعوا بين الأختين فعموم آية النساء يقدم على عموم آية المؤمنون وآية المعارج لأن ذلك كما قلنا نص فى محل النزاع فى محل المدرك المقصود فى محل المطلوب فى محل البحث فى القضية التى يبحث فيها وأما هنا آية مسوقة للثناء كما قلت على عباد الله الأتقياء فشتان شتان بين هذين الأمرين فأخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذ الأحكام من غير مظانها هناك الأصل أن تأخذ الحكم من هذه الآية التى تبين لك ما يحل لك وما(127/24)
يحرم عليك من الأبضاع.
الدليل الثانى: آية المؤمنون وآية المعارج هذه الآية التى فيها {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} ليست باقية على عمومها باتفاق أئمتنا بلا نزاع وأما هناك وأن تجمعوا بين الأختين غى ما قد سلف هذا باقى على عمومه ما يستثنى شىء وأما هنا ليست باقية على عمومها إن قيل كيف نقول الأخت من الرضاعة لا تحل بملك اليمين لا الأخت من الرضاعة لا تحل بملك اليمين يعنى لو سبيت أو اشتريت أختك من الرضاعة هى رضعت معك هى أمة وأمها أرضعتك ثم اشتريتها يحل لك أن تقترب منها إذن لا يحل الله يقول فى كتابه إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وهذه بملك يمين واضح إذن هنا خرجت الأخت من الرضاعة بملك اليمين موطوءة الأب لو قدر أن الأب وطء هذه الأمة ثم آلت إليك بعد ذلك يجوز أن تطأها يبقى موطوءة الأب لا يجوز للابن أن يقترب منها سواء عن طريق النكاح أو عن طريق التسرى فخرجت إذن خرجت صور كثيرة من ذلك العموم الذى هو إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ليست كل أنثى ملكتها يمينك يجوز أن تطأها إلا بصفات شرعية وضوابط تؤخذ من محلها أختك من الرضاعة إذا ملكتها بملك يمينك لا يجوز أن تطأها موطوءة أبيك وهكذا إذن هناك عموم لم يبق على عمومه خص لصور كثيرة مجمع عليها وهناك عموم باقى على عمومه بالاتفاق وأن تجمعوا بين الأختين فتقديم ذلك العموم على هذا أولى وعليه لا يجوز للإنسان أن يجمع بين الأختين بملك يمين كما لا يجوز له أن يجمع بينهما بعقد النكاح لما الأصل فى الأبضاع كما قلنا المنع التحريم أحلتهما آية حرمتهما آية نقدم دليل التحريم لهذه الأمور.(127/25)
الدليل الثالث: عموم الآية الأولى وهى آية النساء غير وارد فى معرض مدح ولا ذم إنما فى بيان الأبضاع المحرمة والأبضاع المباحة وأما عموم قوله جل وعلا كما تقدم معنا والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم هذه فى معرض الثناء والمدح وهذا يختلف عن الأمر الأول من حيث التعليل هناك قلنا نص فى محل النزاع هناك قلنا أخذ الأحكام من مظانها هناك آية لبيان ما يحل وما يحرم وأما هنا بيان ما يحل وما يحرم وأما هناك بقى ثناء ومدح وإذا كان النص عام وسيق من أجل الثناء من أجل المدح من أجل الذم يقول أئمتنا لا عموم له ولذلك الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى قول الله جل وعلا {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} هذه الآية استدل بها الإمام أبو حنيفة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا على وجوب الزكاة فى الحلى الذى تلبسه المرأة قال لأنه حلى ذهب وفضة وإذا ما أدت زكاته فهو كنز الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الآية مسوقة للترغيب فى الإنفاق ما الذى يجب علينا أن نخرج منه الزكاة ولا يجب هذا يحتاج إلى دليل خاص فى المسألة وعليه عموم هذه الآية مسوقة للترغيب فى الإنفاق ما على أن الزكاة واجبة على كل ذهب وفضة لا هذا يحتاج بعد ذلك لبيان نوع الذهب الذى يجب فيه الزكاة ونوع الذهب الذى لا يجب فيه الزكاة لأنها مسوقة كما قلت فى الثناء على الإنفاق والتحذير من البخل والتقتير فقط والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم فالإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول هذه ثناء على المنفقين وذم غير من لا ينفقون أما الحلى هل فيه زكاة أم لا هذا يحتاج إلى دليل خاص أبو حنيفة ...(127/26)
حكم التناكح بين الإنس والجن (1)
(بحث)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم التناكح بين الإنس والجن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
اللهم صل على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لازلنا نتدارس مبحث الجن وكما قلت فى الموعظة الماضية نحن الآن فى آخر مباحثه ألا وهو الصلة بيننا وبينهم وقلت هذا المبحث الأخير من مباحث الجن يقوم على أربعة أمور.
أولها: استعانة الإنس بالجن.
وثانيها: التناكح بين الإنس والجن.
وثالثها: صرع الجن للإنس.
ورابعها: تحصن الإنس من الجن.
إخوتى الكرام: انتهينا من الأمر الأول ألا وهو الاستعانة استعانة الإنس بالجن وشرعنا فى الموعظة الماضية فى مدارسة الأمر الثانى ألا وهو وقوع التناكح بين الإنس والجن وقلت هذا الأمر أيضا يبحث ضمن ثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى: تقدمت معنا وقوع التناكح بين الجن وقلت هذا ثابت كوقوعه بين الإنس وذكرت الأدلة التى تؤيد هذا وتبين أنه للجن ذرية كما أنه للإنس ذرية.
والأمر الثانى: إمكان التناكح والتزاوج بين الإنس والجن قلت أيضا الإمكان ممكن والوقوع واقع والحوادث فى ذلك كثيرة تصل إلى درجة التواتر ومنكرها مكابر.(128/1)
بقيت معنا الجزئية الثالثة: فى الموضوع ما حكم هذا لو وقع وهل يجوز للإنسى أن يتزوج جنية وهل يجوز للجنى أن يتجوز إنسية هذا ما سنتدارسه فى هذا المبحث إخوتى الكرام وهذه الجزئية على وجه الخصوص ومبحث الجن على وجه العموم يعنى قد تكون فائدته كثير من المسلمين به قليلا ولا يحتاجون إليه.
وهذا التوسع الذى حصل كما قلت لنتعرف أولا على هذا العالم الذى يقابل عالم الإنس الأمر الثانى إخوتى الكرام عندما نتعلم أحكام الإسلام فى كل قضية من القضايا سواء احتجنا إليها أم لا نكون على بينة من أمرنا فى جميع أحوالنا ونرى بعد ذلك عظمة هذه الشريعة وسعتها ودقتها كيف حوت حكم كل شىء فى هذه الحياة ثم أنك تحتاج بعد ذلك إلى هذا الحكم أو لا تحتاجه هذا موضوع آخر ونحن كما ترون حتى فى مبحث الجن عندما نتدارس أحكام الجن نتعرض لأحكام الإنس ثم نستعرض الأدلة الشرعية التى تعطى للإنسان يعنى سعة نظر ويعنى فهما ووعيا بشريعة الله جل وعلا فى القضايا التى نتدرسها وفى غيرها وقد يدرس الإنسان قاعدة من القواعد ضمن مباحث الجن تلزمه بعد ذلك فى مبحث آخر يتعلق بالإنس وشريعة الله مترابطة ببعضها فكن على علم بذلك.(128/2)
إخوتى الكرام: كما قلت نحن فى القضية الثالثة فى حكم التناكح بين الإنس والجن كنت أشرت فى آخر الموعظة الماضية إلى أن الحكم هو المنع ولا يجوز أن يتجوز الإنسى الجنية ولا الجنى إنسية وهذا هو المقرر عند جماهير أئمة المسلمين عند أبى حنيفة وعند الشافعى وعند الإمام أحمد وقلت الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كرهه لاعتبار معين سيأتينا إن شاء الله وإن كان يرى أن الأصل الجواز والعلم عند الله جل وعلا وقلت إن الذى يظهر القول بالمنع وأن التحريم فى حق كل أحد من الإنس والجن فلا يجوز أن يقع التزاوج بينهما لسبعة أمور وقلت لكم اكتبوها إجمالا فى آخر الموعظة الماضية وأشرحها الآن تفصيلا وترى بعد ذلك سعة هذه الشريعة وعظمتها ودقتها كما قلت فى تشريعها ويزداد الإنسان بصيرة بأن هذا الشرع هو شرع الحكيم الخبير سبحانه وتعالى.
أول هذه الأمور كما تقدم معنا إخوتى الكرام التى تدل على التحريم قلت كتاب الله وثانيها حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وثالثها الآثار المنقولة عن سلفنا الكرام ورابعها القياس السوى الذى هو من أعلى أنواع الأقيسة لهذه المسألة ألا وهو قياس الأولى كما سيأتينا وخامسها التمسك بالأصل فالأصل فى الأبضاع التحريم ولا يحل لك بضع إلا بدليل كما سيأتينا وسادسها اختلاف الجنس وسابعها عدم حصول المقصود من الزواج عند تزاوج الإنسى بجنية أو جنى بإنسية لا يحصل مقصود.
التزاوج مقصود النكاح وهو السكن الذى أشار إليه ربنا فى كتابه كما سيأتينا ومن أجله يتزوج الإنسان فلن يحصل هذا المقصود وبالتالى لا يجوز التناكح بين الإنس والجن.
الدليل الأول: كتاب الله جل وعلا دل على تحريم التناكح بين الإنس والجن والله أشار إلى هذا فى آيتين من كتابه جل وعلا:
الآية الأولى: فى سورة النحل وفيها يقول عز وجل: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون} .(128/3)
والآية الثانية: فى سورة الروم: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} قول الله جل وعلا فى الآيتين جعل لكم من أنفسكم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم من أنفسكم كلمة من هنا إما أن تكون للجنس وعليه من جنسكم ونوعكم وعليه من هنا ابتدائية من أنفسكم وإما أن تكون للتبعيض والله جعل لكم من أنفسكم ويراد من ذلك هنا خصوص حواء التى خلقت من خصوص أبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى جعل حواء من بعض وجزء أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأنه خلقها من ضلعه الأيسر الأقصى فإذن هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا فإن قيل كيف جمع والمراد فرد من أنفسكم وهى مخلوقة من نفس واحدة أزواجا وهى زوج فهذا من باب تغليب الجمع على المفرد لأجل التعظيم لأن ما حصل عظيم عظيم أن تخلق أنثى من ذكر بدون اتصال بين الأنثى والذكر هذا أمر عظيم والله جل وعلا خلق ذكرا من غير أنثى وذكر وهو أبونا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وخلق أنثى من ذكر بلا أنثى كما خلق أمنا حواء من أبينا آدم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام خلق ذكرا من غير ذكر يعنى من أنثى فقط وهو عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام وخلقنا نحن من ذكر وأنثى فاكتمل الخلق يعنى من أنثى من أم بلا أب ومن أب بلا أم ومن غير أب وأم ومن أب وأم سبحان الخالق سبحانه وتعالى هو الذى يخلق ما يشاء إذن والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى جعل حواء من آدم من للتبعيض خلقها من بعضه من أحد أجزائه وهى بعد ذلك يعنى أصل لكل أنثى وأبونا آدم أصل لكل ذكر على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا كما قلت إما للجنس وإما للتبعيض وهى إما ابتدائية وإما بعضية كما تقدم معنا وكون أمنا حواء مخلوقة من أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام هذا ثابت إخوتى الكرام عن(128/4)
نبينا عليه الصلاة والسلام.
كما ثبت هذا فى كتاب الرد على الجهمية صفحة خمسين وهو لابن منده أيضا الرد على الجهمية للإمام الدارمى أيضا لكن هذا لابن منده الرد على الجهمية لابن منده صفحة خمسين عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال إن الله لما خلق آدم مسح ظهره سبحانه وتعالى وجرى من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة ثم انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء فهى مخلوقة من أحد أضلاعه وإلى هذا أشار الله فى أول سورة النساء {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة} وهى آدم وأنثت واحدة لتأنيث لفظ النفس لا للتأنيث المعنوى الحقيقى فيه إنما للتأنيث اللفظى من نفس واحدة لأن لفظ النفس مؤنث تقول هذه نفسى ولا تقول هذا نفسى هذه وهذه أنفسكم إذن من نفس واحدة {وخلق منها زوجها} وهى أمنا حواء على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه.(128/5)
وهذا التفسير هو الذى أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث مسح على ظهر آدم فخرج من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة وأشهدهم بعد ذلك على أنفسهم أنه ربهم فشهدوا ثم انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء ولذلك هى مخلوقة من شىء حى قيل لها حوا وحواء وهى أم لكل حى حواء خلقت من شىء حى من أبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه وهى أم لكل حى حى حوا حواء وهذا هو التفسير الحق وما قاله بعض الضالين فى هذه الأيام فى أمريكا قال إن آدم خلق من حواء لأن الله يقول: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة} من نفس واحدة قال هى حواء لأنها مؤنث وخلق منها زوجها وهو آدم فقال الزوج هذا ذكر والنفس الواحدة هى أنثى فخلق الذكر من الأنثى وهذا هو تفسير الأعاجم الذين يتلاعبون بكلام الله عز وجل الزوج يطلق على الذكر والأنثى والأفصح إطلاق هذا اللفظ على المرأة إذا كانت زوجة تقول لها هذه زوجى ولا تقول زوجتى ولو قلت يصح من حيث اللغة يعنى كلاهما صحيح فصيح لكن الأفصح وبه نزل القرآن الزوج فى حق الذكر والأنثى ولذلك ولكم نصف ما ترك أزواجكم لم يقل زوجاتكم واستعمال الزوجة فصيحا أيضا وورد فى أشعار العرب لكن الأفصح ونزل به القرآن الزوج لكل منهما وعليه وخلق منها زوجها لا يراد منه الزوج الذكر وخلق منها زوجها خلق منها حواء فهى الزوج لأبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه.(128/6)
وهذا التفسير كما هو ثابت على نبينا وعليه الصلاة والسلام منقول أيضا عن حبر الأمة وبحرها سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين نقل ذلك عنه ابن أبى حاتم فى تفسيره وابن المنذر فى تفسيره والبيهقى فى شعب الإيمان وإسناد الأثر إليه صحيح والأثر فى تفسير ابن كثير انظروه فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين وأربعمائة وانظروه فى الدر المنثور فى الجزء الثانى صفحة مائة وست عشرة يقول عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما يقول [إن الرجل خلق من الأرض فجعلت نهمته فى الأرض وإن المرأة خلقت من الرجل فجعلت نهمتها فيه فاحبسوا نسائكم] يعنى تريد أن ترجع إلى أصلها وتتعلق به ولا تستقر المرأة إلا إذا كانت فى كنف رجل والرجل لو أعطيته نساء الدنيا يتطلع إلى تملك العقار والديار وأما هى إذا حصلت رجلا لو لم تملك من الأرض شبرا لا تبالى لذلك الرجل خلق من الأرض فجعلت نهمته فى الأرض يريد يتملك يبنى مع أنه حبب إليه أيضا الشهوات الأخرى من النساء والبنين لكن الأرض هذه خلق منها يحب أن تزداد عنده المساحات والدور العقارات فجعلت نهمته فى الأرض والمرأة خلقت من الرجل فجعلت نهمتها فى الرجل فاحبسوا نسائكم لأنها إذا خرجت الرجل يريدها لأنها محل شهوته وهى تريده لأنها فرعا منه فالفتنة مشتركة من الجانبين هو يريدها وهى تريده فاحبسوا نسائكم.(128/7)
الشاهد كما قلت مخلوقة من أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وما يوجد فى الأصل من خصائص يسرى إلى الفرع {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} ، {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} وهناك جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وتقدم معنا غالب ظنى ضمن مباحث النبوة ما يتعلق بهذه الآية وقلت البنين المراد إما خصوص الأولاد الذكور وهذا هو الظاهر وحفدة يراد منها على أحد أقوال الستة قيلت البنات لأن صفة الخدمة فيهن من الحفد وهو الخدمة بسرعة على وجه السرعة والنشاط أكثر من البنين وعليه بنين وبنات وقيل الحفدة كما تقدم معنا الأولاد الذكور أيضا وأعيد هنا العطف مع الاختلاف فى الحقيقة فنزل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات كما تقدم معنا إذن بنين يعنى تحبونهم وهم جنس الذكور ولهم شأن وهم يخدمونكم أيضا أو أن المراد الأولاد مطلقا بنين وبنات أو أولاد الأولاد كما تقدم معنا أو أولاد الزوجة أو الأصهار والأختان أو أن المراد من الحفدة الخدم من غير هذه الزوجة وعليه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وجعل لكم خدما تستعينون به وترتفقون بهم فى هذه الحياة والعلم عند الله كما تقدم معنا فى سرد هذه الأقوال.(128/8)
إذن {وجعل لكم من أنفسكم وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} ، {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون} قد يقول قائل ما وجه الدلالة فى هاتين الآتين على تحريم التناكح والتزاوج بين الإنس والجن وأئمتنا استدلوا بهايتين الآيتين على المنع منهم شيخ الإسلام الإمام البارزى وهو هبة الله ابن عبد الرحيم توفى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة للهجرة وكان قاضى القضاة فى بلاد الشام فى حماه فى القرن الثامن للهجرة ولما مات غلقت حماه من أجل شهود جنازته رحمة الله ورضوانه عليه هبة الله ابن عبد الرحيم سأله تلميذه الإسنوى كما سيأتينا عدة أسئلة من جملتها عن موضوع التزاوج بين الإنس والجن فأفتى بالمنع من هايتين الآيتين والإمام البارزى كان إماما راسخا خيرا محبا للعلم ونشره قال أئمتنا فى ترجمته كما فى الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لحزام المحدثين الحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعمائة يقول صارت إليه الرحلة فى زمانه يرتحل إليه طلبة العلم قال الإمام الإسنوى فيما ينقله عنه الحافظ ابن حجر وقف على شىء من كلامى أى اطلع البارزى على شىء من كلام الإسنوى يقول فأعجب به وأرسل لى إذنا بالفتوى يقول أنت تأهلت للفتيا والإمام الإسنوى من تلاميذ البارزى وتوفى سنة اثنتين وسبعمائة للهجرة يعنى عاش بعده فترة طويلة ذاك ثمان وثلاثين وهذا اثنتين وسبعين قال الحافظ ابن حجر فى الدرر الكامنة قلت كان الإسنوى قد جهز إليه أسئلة للإمام البارزى فأجابه عنها وأذن له وهى أجوبة مشهورة من جملة هذه الأسئلة والإجابة عليها التناكح بين الإنس والجن فأفتى بالمنع لهايتين الآيتين وسيأتينا وجه الاستدلال إن شاء الله.(128/9)
وقد حكى استدلاله الإمام الشبلى فى آكام المرجان والإمام السيوطى فى لقط المرجان والسيوطى فى الأشباه والنظائر حكوا استدلاله بهاتين الآيتين وأقروه على تحريم التناكح بين الإنس والجن والإمام البارزى كما قلت كان قاضى القضاة والإمام ابن كثير عندما ترجمه فى البداية والنهاية فى حوادث سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فى الجزء الرابع عشر صفحة اثنتين وثمانين ومائة والإمام ابن كثير أدرك الإمام البارزى وعاش معه قرابة ثلاثين سنة لأن الإمام ابن كثير ولد سنة سبعمائة للهجرة وتوفى سنة واحدة وسبعين أوليس كذلك وسبعمائة فعاش مع الإمام البارزى ثلاثين سنة فهو يعرفه وكلاهما من بلاد الشام يقول كان شيخ الإسلام والإمام الذهبى ترجمه فى معجم الشيوخ واعتبره من شيوخه الإمام البارزى فى معجم الشيوخ فى الجزء السادس صفحة ست وخمسين وثلاثمائة يقول شارك فى الفضائل وصنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق وما فى طباعه من الكبر ذرة وله ترامن على الصالحين وحسن ظن فيه أى يحب الصالحين الزهاد العابدين ويحسن ظنه فيهم رحمة الله ورضوانه عليه وعلى أئمة المسلمين أجمعين وهذه الكلمة له ترامن على الصالحين وحسن ظن فيهم سيأتينا شىء من التعليق عليها عند كلام الذهبى فى الحرانى أحد أئمة الإسلام أيضا لكن جرى حوله كلام فيما سيأتينا إن شاء الله ضمن مبحث الصرع فسينقل عن الحرانى كلام الحرانى كان بينه وبين البارزى صلة أبينها هناك إن شاء الله.(128/10)
وأما الإسنوى الذى وجه الأسئلة فهو عبد الرحيم ابن الحسن ابن على الإسنوى من بلاد إسنا وهى فى مصر الإسنوى ضبطها بالكسر الإسنوى كثير من الناس يلحنون يقولون الأسنوى الإسنوى إسنا كان بينه وبين الإمام أبى حيان صلة وكتب إليه أبو حيان فنعته بالشيخ وقال ما شيخت أحدا فى سنك أى أنت أصغر منى ومن هو فى عمرك أنا ما أخاطبه بلفظ الشيخ هذه يعنى اعتبرها واحفظها أبو حيان يكتب إلى الإسنوى أيها الشيخ ما شيخت أحدا فى سنك وترجمه أيضا الحافظ ابن حجر فى الدرر الكامنة فى الجزء الخامس صفحة أربع وخمسين وثلاثمائة فى الجزء الثانى إخوتى الكرام فى الجزء الثانى أربع وخمسين وثلاثمائة قال كان شيخنا يجله أى يريد به الإمام العراقى حافظ الدنيا فى زمنه كان شيخنا يجله يقول وكان هو يحبه أى الإسنوى ونعته بأنه حافظ عصره الإسنوى يقول عن العراقى أنه حافظ عصره والأمر كذلك إذن الإسنوى سأل البارزى عن موضوع التناكح بين الإنس والجن فأفتى بالتحريم والمنع واستدل بهاتين الآيتين وجه استدلاله اضبطوه وانتبهوا له إخوتى الكرام.(128/11)
الله جل وعلا يقول: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} نكرة أو معرفة نكرة ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا أيضا نكرة النكرة إذا جاءت فى سياق نفى فى سياق نهى فى سياق شرط فى سياق نفى ونهى وشرط تفيد العموم طيب وهنا لا يوجد لا نفى ولا نهى ولا شرط فلما تفيد العموم وأئمتنا قالوا المراد منها العموم والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى عموم الزوجات لا يخرجن عن كونهن من أنفسكم لا يمكن أن توجد زوجة من غير جنسك التى خلقت منك وهى آدمية من أنفسكم أزواجا وللجن يقال لهم من أنفسكم أزواجا كما أن الجنية للجنى فالإنسية للإنسى إذن هنا نكرة فى سياق اثبات والأصل أنها لا تفيد العموم يعنى مما جعل لكم من أزواجكم مما جعل لكم زوجات من جنسكم يمكن أن تقول هناك زوجات من غير جنسكم يعنى الجنيات هذا الظاهر فهنا استدل بالآية على العموم ما وجه ذلك؟
أئمتنا يقولون النكرة إذا كانت فى سياق الإثبات وسيقت فى معرض الامتنان تفيد العموم فى معرض الامتنان تفيد العموم ومنه قول الله جل وعلا: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} كل ماء ينزل نكرة فى سياق اثبات لكن هذا للامتنان كل ماء ينزل من السماء فهو طهور طاهر مطهر وهنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا لا يوجد زوجة نفسك وجنسك لا يوجد الزوجة آدمية فما خرج عن ذلك هذا محرم ومنهى عنه فالنكرة إذا كانت فى سياق امتنان وإخبار عن فضل الرحمن تفيد العموم كما هو هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وإن كانت فى سياق نفى أيضا تفيد العموم كما تقدم معنا.(128/12)
ومنه قول الله جل وعلا: {ما لكم من إله إلا الله} ، {ما لكم من إله غيره} ، {ما لكم من إله} قوله من إله ما لكم نفى فتفيد العموم أى الآلهة كلها إلا هذا الإله الحق وهكذا إذا وردت كما قلت فى سياق شرط {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} إن أحد أحد نكرة أيضا فى سياق نفى فى سياق شرط تفيد العموم وهكذا إذا وقعت النكرة فى سياق النهى ولا تطع منهم آثما أو كفورا فتفيد العموم وعليه النكرة إذا كانت فى سياق اثبات وهى فى معرض الامتنان تفيد العموم وإذا كانت فى سياق نفى تفيد العموم فى سياق نهى تفيد العموم فى سياق الشرط تفيد العموم وهنا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض الامتنان الله يمن علينا بنعمه التى أنعم بها علينا فلو كان هناك زوجة من غير جنسها لما صح الامتنان بهذه الآية لأنه يوجد زوجة أخرى لما ما ذكرت فإذن هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض امتنان تفيد العموم يعنى لا يوجد زوجة من غير هذا الصنف من عدا هذا الصنف هذا محرم فى شريعة الله جل وعلا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض الامتنان فأفادت العموم فانحصرت الزوجات فى هذ النوع للآدمى آدمية وللجنى جنية ولا يجوز لأحد الصنفين أن يتزوج من الآخر والعلم عند الله عز وجل هذا استدلال أئمتنا وهذا هو كما قلت استدلال الإمام البارزى وغيره وهو الذى أيضا وضحه شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى الجزء الثالث صفحة عشرين وثلاثمائة إذن هذا الدليل الأول آيتان من القرآن نصتا على أن الزوجات منحصرات فى جنسنا فلا يجوز أن نتزوج الجنيات والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا وإن قال قائل هذه نكرة فى سياق اثبات ولا تفيد العموم نقل إذا ورد فى معرض الامتنان تفيد العموم فالله يخبر عن منته على عباده لأنه جعل لهم زوجات من هذا الصنف وعليه ما خرج عن هذا الصنف فلا يحل وسورة النحل من أولها(128/13)
إلى آخرها هى سورة النعم وتقدم معنا أن الله عدد نعمه على عباده فيها أصول النعم وعدد متمات النعم فيها جميع النعم الأصول والفروع ذكرت فيها وهنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا فلو كان هناك زوجة من غير جنسنا ونوعنا لما حصل الامتنان الكامل لهذه الآية فى الإخبار والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا والعلم عند الله.
الدليل الثانى: السنة سنة النبى عليه الصلاة والسلام دلت على تحريم التناكح بين الإنس والجن روى الحديث بذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام لكنه مرسل وسيأتينا أن الحديث المرسل يستدل به إذا اعتضد بشواهد وقد أفتى بموجبه كثير من أئمة التابعين ولذلك هذه الشواهد تعتبر مقوية لهذا المرسل ويحتج به وأما المرسل فقد رواه حرب كما تقدم معنا فى مسائل حرب قلنا هى من أجل كتب الإسلام ومن أجل ما نقل عن الإمام الهمام أحمد ابن حنبل فى حرب ما نقله عن الإمام أحمد فى مسائل حرب نقل عن الإمام الزهرى مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن والأثر فى آكام المرجان ولقط المرجان والأشباه والنظائر لابن نجيم وللإمام السيوطى أيضا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن قال قال ابن نجيم من أئمة الحنفية والإمام السيوطى من أئمة الشافعية فى الأشباه والنظائر أيضا الأشباه والنظائر لابن نجيم إن شئت صفحة سبع وعشرين وثلاثمائة وللسيوطى الأشباه والنظائر صفحة ست وخمسين ومائتين قال هذان الإمامان الأثر وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بأقوال العلماء والمرسل عند من لم يحتج به يحتج به إذا اعتضد بأقوال العلماء أفتى بموجبه صحابى أو قال به إمام من أئمة التابعين وهنا اعتضد(128/14)
تقدم معنا أن قتادة والحسن البصرى تقدم معنا نهيا عن نكاح الجن فإذن يقول السوقى وابن نجيم وهو وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بأقوال العلماء والإمام الحموى فى حاشيته على ابن نجيم وهو أربع مجلدات فى حاشيته على الأشباه والنظائر لابن نجيم فى الجزء الثالث صفحة تسع وأربعمائة يقول هذا الكلام فيه نظر لابن نجيم والنظر هو يقول المرسل عندنا حجة بنفسه فلا داعى بأن يعتضد بأقوال العلماء لأن المرسل حجة عند الأئمة الثلاثة عند أبى حنيفة ومالك والإمام أحمد من غير قيد ولا شرط المرسل حجة بنفسه يقول الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الألفية:
واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعوهما به ودانوا
ورده جماهر النقاد من جاهل ... الساقط فى الإسناد
يعنى جماهير المحدثين ردوا المرسل ولذلك يقول الإمام مسلم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى أول صحيحه المرسل فى قولنا وقول عامة أهل العلم ليس بحجة لكن الفقهاء خالفوا المحدثين فى ذلك فأبو حنيفة يحتج بالمرسل بلا قيد ولا شرط وهكذا الإمام مالك وهكذا الإمام أحمد والشافعى لا يحتج به إلا بشروط.(128/15)
وغالب ظنى تقدمت معنا بين مباحث الحديث فى مسجد..عند مبحث الحديث المرسل الشاهد هنا بما أن ابن نجيم من الحنفية يقول أنت تقول هذا مرسل اعتضد بأقوال العلماء احتجوا به يقول هذا خطأ على حسب أصول المذهب المرسل يحتج به من غير اعتضاد إذا كان هذا المرسل ثابتا يحتج به ثم قال الإمام الحموى والأولى أن يقال إن فى إسناده ابن لهيعة فهو ضعيف فما ينبغى أن نعلل الضعف بالإرسال فهو ضعيف ويحتج به مع وجود ابن لهيعة لفتيا العلماء بمدلوله يعنى قولك إنه مرسل اعتضد بأقوال العلماء الإرسال ليس بآفة تمنعنا من أن نحتج بهذا الأثر إنما فى إسناده ابن لهيعة وابن لهيعة فيه ضعف فإذن مرسل فيه ضعف لا يقوى بنفسه هذا الضعف الذى فيه انجبر بفتيا العلماء بمدلوله ابن لهيعة تقدم معنا حاله إطلاق القول بضعفه غير مسلم وقلت إن شاء الله إن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله كما تقدم معنا مرارا فى ترجمة ابن لهيعة خلاصة الكلام أثر مرسل ثابت عن الزهرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن وعليه هذا دليل من السنة يفيد التحريم فإن قلنا إن المرسل حجة بنفسه الأمر واضح وإن قلنا لا بد له من تقوية لأجل أن يحتج به فقد أفتى بموجبه أئمة التابعين الكرام رضوان الله عليه أجمعين.
الدليل الثالث: الذى يحرم التناكح بين الإنس والجن الآثار المنقولة عن السلف الأبرار منها ما تقدم معنا أثر الحسن لا تزوجوه ولا تكرموه عندما قالوا له إن جنيا يخطب منا ويزعم أنه يعنى علق وأحب إحدى بناتنا ولا نريد..(128/16)
لا عدوى (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
لا عدوى 2
وهى أول الروايات أوليس كذلك.
هذه إخوتى الكرام: اثنتا عشرة رواية منها كما تقدم معنا صحيح بنفسه ومنها ما هو منجبر بغيره تثبت هذا المعنى ألا وأنه لا عدوى ولا يعدى سقيم صحيحا.
هذه الرويات إخوتى الكرام: تؤيد الحديث الذى ورد فيه أن نبينا عليه الصلاة والسلام أكل مع مجذوم وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه والحديث مروى من طريق جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما أخرجه أهل السنن الأربعة إلا النسائى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه وابن خزيمة فى المستدرك وصححه ووافقه عليه الذهبى فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثمائة ورواه ابن السنى فى كتابه عمل اليوم والليلة ورواه البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء السابع صفحة تسع عشرة ومائتين وراوه ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ من حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام صفحة تسع وأربعمائة وسأنقل إليكم بعد النقول منه عما قريب إن شاء الله ناسخ الحديث ومنسوخه ورواه سعيد ابن منصور فى سننه والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة وعبد ابن حميد وابن أبى عاصم وأبو يعلى كما فى جامع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ثمان وعشرين وستمائة ورواه الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثمائة ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما قال أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مجذوم فأخذ بيده ووضعها فى القصعة وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه والحديث إخوتى الكرام من حيث الصناعة الحديثية والبحث فى الإسناد ضعيف والحاكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما صححه وأقره عليه الذهبى كما قلت فى ذلك شىء من التساهل كما سيأتينا فى الإسناد رجل ضائع لكن الحديث يشهد لمعناه ما تقدم معنا من أنه لا عدوى كل ثقة بالله وتوكلا عليه إذا كان لا عدوى كل ثقة بالله وتوكلا عيه والكتاب ابن الجوزى(129/1)
فى كتابه العلل المتناهية فى الأحاديث الواهية فى الجزء الثانى صفحة ست وثمانين وثلاثمائة أورد الحديث تحت عنوان حديث فى الأكل مع المجذوم ثم قال قال الدار قطنى تفرد به المفضل وهو المفضل ابن فضالة عن حبيب ابن الشهيد عن محمد ابن المنكدر عن جابر ابن عبد الله قال يحيى يعنى ابن معين ليس المفضل بذاك وقال العقيلى لا يتابع عليه إلا من طريق فيها لين ثم ساق الطريق الثانى من غير طريق المفضل عن محمد ابن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتى بطعام ومجذوم قاعد فى ناحية القوم فدعاه فأقعده إلى جنبه فقال كل بسم الله وإيمانا بالله وتوكلا عليه قال أحمد إسماعيل المكى منكر الحديث قال يحيى لم يزل مخلطا وليس بشىء وقال على لا يكتب حديثه وقال النسائى متروك الحديث إذن عندنا فى الإسناد الأول مفضل ابن فضالة وتابعه إسماعيل المكى مع أنه أضعف منه استحى للمفضل المفضل ابن فضالة فى تقدير الحافظ تأكد منه يقول عنه ضعيف لكن لا يصل الحديث إلى درجة الترك ولا النكارة والشاهد الذى من طريق آخر متابع ضعيف لكن معنى الحديث بوجه عام يشهد له ما تقدم لا عدوى ولا طيرة المفضل عندك عدد من الرواة المفضل ابن فضالة اقرأ لى الذى كما قلنا نحن الآن خرج له أهل السنن الأربعة إلا النسائى واضح هذا, هذا إذا عندك من رجاله ... ما ينفعنا هذا فى مسلم أريد الآن قدت لأن من رجال هؤلاء فقط ومعه خرج له فى الصحيحين اقرأ عن مفضل ابن فضالة..أبو مالك البصرى أخو مبارك ضعيف..ضعيف هذا الذى أريده ورمز له..(129/2)
لأنه أخرج حديثه كما قلت أهل السنة الأربعة إلا النسائى لم يرمز له ب س وحديثه فى آخر كتاب الطب من سنن أبى داود آخر حديث فى كتاب الطب هو هذا الحديث حديث جابر وأبو داود سكت عنه وعلى اصطلاحه صالح والحاكم صححه وأقره عليه الذهبى كما قلت فيه المفضل من ناحية الصناعة الحديثية فيما يظهر الإسناد ضعيف يضاف إليه المتابعة لا تقويه بقى المعنى العام ثابت وتشهد له الأحاديث المتقدمة عن نبينا عليه الصلاة والسلام لا عدوى وهنا كل ثقة بالله وتوكلا عليه فإن قيل سيأتينا فر من المجذوم كما تفر فرارك من الأسد نقول هذا لا يتعارض مع الأكل مع المجذوم ولا مع لا عدوى كل واحد يمشى فى طريق كما سيأتينا عندما نجمع بينهما بعون ربنا على كل حال هذا جانب أول من هذه الأحاديث تنفى العدوى ولا يأذى شىء شيئا.(129/3)
جانب ثانى: وهو الذى سأذكره لتحل المعارضة بينهما وقد مرت الإشارة إلى بعض الجانب الثانى ضمن حديث أبى هريرة لا يورد ممرض على مصح وهنا حديث آخر فيه هذا المعنى رواه الإمام أحمد فى المسند ومسلم فى صحيحه والنسائى فى سننه وابن ماجة فى سننه أيضا وراوه الإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه فى الجزء الثامن صفحة عشرين وثلاثمائة وفى الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين ورواه الحربى فى غريب الحديث وابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ صفحة ثمان وأربعمائة وهو فى السنن الكبرى للإمام البيهقى فى الجزء السابع صفحة ثمانى عشرة ومائتين وعندكم هنا الإمام ابن الأثير ينبغى أن يعزوه الآن إلى مسلم والنسائى أوليس كذلك قصر غاية التقصير فعزاه إلى النسائى فقط ولم يعزه إلى صحيح مسلم رمزله س عن الشريد ابن سويد رضى الله عنه قال كان فى وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبى عليه الصلاة والسلام ارجع فقد بايعناك أخرجه النسائى فقط وهو فى صحيح مسلم يعنى لو قال أخرجه مسلم فى صحيحه دون النسائى لكانت أيضا يعنى الخطيئة أيسر من أن يحذف صحيح مسلم ويقتصر على سنن النسائى واصطلاحه يلزمه أن يذكر مصدرين سم أخرجه مسلم والنسائى والحديث فى صحيح مسلم كما قلت لكم إخوتى الكرام فانتبهوا لذلك مع من خرجه من أصحاب الكتب الأخرى وقد روى الحديث أيضا مرسلا فى مسند أبى داود الطيالسى كما فى منحة المعبود فى الجزء الأول صفحة ست وأربعين وثلاثمائة ورواه ابن شاهين أيضا فى الناسخ والمنسوخ فى المكان المشار إليه من حديث يعلى ابن عطاء عن أبيه أن النبى عليه الصلاة والسلام عندما جاء وفد ثقيف وفيهم رجل مجذوم وأراد أن يبايع نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام قال له النبى عليه الصلاة والسلام قولوا له فليرجع فإنى قد بايعته ويعلى ابن عطاء العامرى الطائفى توفى سنة عشرين ومائة أو بعدها ثقة حديثه فى صحيح مسلم والسنن الأربعة وأما أبوه فهو مقبول وحديثه فى البخارى وفى السنن الثلاثة(129/4)
يعنى الأربعة ألا سنن ابن ماجة فى النسائى والترمذى وأبى داود وعليه هو مرسل لأنه ليس بصحابى وهو عطاء يعلى ابن عطاء عن أبيه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال له قولوا فليرجع فإنى قد بايعته.
هذه أحاديث إخوتى الكرام تنفى العدوى وأحاديث ظاهرها تثبت ذلك فما الجمع بين هذه الأحاديث أذكر هذا بعد صلاة المغرب إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(129/5)
إخوتى الكرام: تقدم معنا سرد الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام التى تنفى العدوى وتقدم معنا أيضا بعض الأحاديث ظاهرها يفيد اثبات العدوى فر من المجذوم كما تفر من الأسد فر من المجذوم فرارك من الأسد لا يوردن ممرض على مصح ارجع فقد بايعناك للمجذوم وأبى أن يبايعه وأن يصافحه عليه صلوات الله وسلامه هذه كما قلت تقابل القسم الأول والقسم الأول تقدم معنا أيضا معه أن النبى عليه الصلاة والسلام أكل مع مجذوم وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه وحول الحديث اختلاف فى درجته لكن معناه من حيث العموم ثابت عن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام لا عدوى لا يعدى شىء شيئا لا يعدى سقيم صحيحا ما التوفيق بين هذه النصوص كما قلت هذا لا بد من التعرض له بعد الأدب النبوى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والذى تقدم معنا أننا لا ندخل إلى البلدة التى فيها الطاعون ولا نخرج منها لا نخرج منها فرارا فنتوكل على الله ونثق به ثم بعد ذلك لا ندخلها هذا كما تقدم معنا من باب التعليم والإرشاد وتحصين أنفسنا مما نخشى عليها من الهلاك والعطب والفساد كذاك له تعليل هذا له تعليل وهنا ما المسلك السديد نحو هذه الأحاديث فى هذا الموضوع.(129/6)
إخوتى الكرام: تقدم معنا مرارا أن الأحاديث إذا تعارضت من حيث الظاهر لأئمتنا نحو هذا التعارض أربعة مراحل الأول ثم الثانى ثم الثالث ثم الرابع أولها الجمع وإذا أمكن لا يعدل عنه إلى غيره وثانيها النسخ ونقدمه على ما بعده لأننا بالنسخ نترك كلام بعض النبى عليه الصلاة والسلام لبعض كلامه لبينة تدل على ذلك فما أدخلنا عقولنا فى النسخ والطرق الثالث الترجيح وقلت الترجيح نؤخره عن النسخ لأنه فيه إعمال الجهد البشرى وقد نخطأ فى الترجيح وتقدم معنا أن المرجحات ذكرها الإمام الحازمى فى أول الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ من الآثار فبلغت خمسين مرجحا وهذا ذكرته فى آخر الموعظة أيضا فى موعظة الثلاثة ضمن مباحث النبوة والإمام العراقى فى لوكته على ابن الصلاح كما تقدم معنا إخوتى الكرام فى صفحة ست وثمانين ومائتين فى التقييد والإيضاح قال إن المرجحات تزيد على مائة وأحصاها فبلغت عشر مرجحات ومائة مرجح المرحجات بلغت هذا ثم قال وثم وجوه أخر للترجيح بعد هذه المرجحات يوجد أيضا وجوه أخر للترجيح والإمام السيوطى فى تدريب الراوى صفحة ثمان وثمانين وثلاثمائة يقول استوفاها الإمام العراقى فى لوكته على ابن الصلاح كما ذكرت لكم فإذا ما أمكن الترجيح وهو الطريق الثالث نتوقف ونعتبر كأن هذه النصوص لم ترد فى هذه القضية ونلجأ إلى الأدلة الشرعية العامة الأخرى فى هذه المسألة وهذه كما قال أئمتنا صورة فرضية نظرية وضعت لبيان ما ينبغى أن نفعله نحو النصوص لكن لا يوجد فى الحقيقة نصان لا يمكن أن نجمع بينهما ولا أن ننسخ واحدا منهما بالآخر ولا أن نرجح بينهما لا يمكن من باب ما تحتمله القسمة العقلية نحو النصوص المتعارضة من حيث الظاهر فأولها الجمع قال الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى ألفيته:
والمتن إن نافه متن آخر ... وأمكن الجمع فلا تنافر
كمتن لا يورد مع لا عدوى ... فالنفى للطبع وفر عدوى
أو لا فإن نسخ بدا فاعمل به ... أو لا فرجح واعملن بالأشبه(129/7)
إذن المتن إن نافاه متن آخر وأمكن الجمع فلا تنافر فلا تعارض ضرب مثالا بما نبحث فيه قال كمتن لا يورد لا يورد ممرض على مصح من عنده إبل مريضة لا يوردها على من عنده إبل صحيحة كمتن لا يورد هذا حديث مع لا عدوى تعارض لا يورد ممرض على مصح لا عدوى لا يورد ممرض على مصح ومعه فر من المجذوم فرارك من الأسد معه ما يقابل لا عدوى أكل مع مجذوم وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه كمتن لا يورد مع لا عدوى فالنفى للطبع فهذا أحد أوجه سبعة من أوجه الجمع كما سيأتينا يعنى لا عدوى فى ذاتها ونفسها إنما بتقدير الله جل وعلا فالنفى للطبع ليس كما هو اعتقاد المشركين يعنى إذا جاء البعير الأجرب سيجرب الإبل..فالنفى للطبع لا يوجد شىء بطبعه يعدى إلا بتقدير الله فهو سبب من الأسباب الظاهرة فالنفى للطبع وفر عدوى أى مسرعا فيما يضرك واضح هذا وفر عدوى مسرعا تعدو بسرعة أو لا ما أمكن الجمع فإن نسخ بدا فاعمل به أو لا فرجح واعملن بالأشبه نحو هذه الأحاديث أئمتنا سلكوا المسالك الثلاثة غفر الله لنا ولهم فسلكوا الجمع وسلكوا النسخ وسلكوا الترجيح فلنبدأ بما هو ضعيف ثم نختم بما هو قوى.(129/8)
الطريق الثانى: من أوجه كما قلت الموقف نحو الأحاديث المتعارضة النسخ الجمع الآن دعونا منه نبدأ الآن بالنسخ فما بعده النسخ قال به بعض الناس من أئمة الإسلام رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين منهم عيسى ابن دينار من أئمة المالكية الكبار توفى سنة اثنتى عشرة ومائتين للهجرة وهو فقيه الأندلس وفقيهها أبو محمد الغافقى القرطبى كان مجاب الدعوة خيرا صالحا ورعا صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة فمن الذى يقول الآن بدعة رحمة الله ورضوانه عليه صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة انظروا ترجمته العطرة فى السير فى الجزء العاشر صفحة أربعين وأربعمائة وفى ترتيب المدارك فى طبقات أصحاب سيدنا الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الثانى صفحة ست عشرة فى ترتيب المدارك وله كرامة عند موته كما كان مجاب الدعاء فى حياته خلاصتها أنه فى مرض موته قيل له من يصلى عليك قال ابنى وكان ابنه فى السفر فلما قبض ولده ما جاء من السفر وجهز وأحضروه إلى المصلى من أجل أن يصلى عليه بدأوا يلتفتون من يصلى عليه فجاء ولده من السفر على دابته وما عرفوه أنه ولده قالوا تقدم فصلى على هذا الميت فصلى عليه عليه رحمة الله ورضوانه ابنى يصلى على فجاء وصلى عليه هذا أئمتنا ختموا ترجمته بذلك هذا العبد الصالح عيسى ابن دينار قال الأحاديث التى تدل على اجتناب المرضى والمجذومين منسوخة بحديث النبى عليه الصلاة والسلام لا عدوى فر من المجذوم هذا منسوخ لا يوردن ممرض على مصح هذا منسوخ هذا نسخ بقول النبى عليه الصلاة والسلام لا عدوى وبفعله بعد ذلك كل ثقة بالله وتوكلا عليه قال الإمام العراقى فى شرح ألفيته فى الجزء الثانى بحدود صفحة ثلاث وثلاثمائة وذهب إلى هذا المسلك أى إلى النسخ بين هذه الأحاديث أيضا ابن شاهين فى كتاب الناسخ والمنسوخ من الآثار لأنه أورد الأحاديث التى تثبت العدوى فى الظاهر والتى تنفيها ضمن الناسخ والمنسوخ كأنه يرى أنه يوجد بينها نسخ(129/9)
يقول حديث آخر فى المجذومين لا تديموا النظر إلى المجذومين إلى آخره سيأتينا هذه الأحاديث ثم بعد ذلك يقول الخلاف فى ذلك كأنه يذهب إلى ما ذهب إليه عيسى ابن دينار من أنه كان فى أول الأمر ثم نسخ ولذلك يقول الخلاف فى ذلك ثم أورد كل ثقة بالله وتوكلا عليه الأحاديث يوردها بأسانيدها وحديث أبى ذر سيأتينا رضى الله عنهم أجمعين أن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام قال كل مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا به وأثر آخر ختم به هذا الأمر وهو أثر عبد الله ابن عباس وسيأتينا يقول أجلس ابن عباس مجذوما معه يأكل فقال له عكرمة قال عكرمة فكأنى كرهت ذلك فقال ابن عباس فلعله خير منك وسيأتينا خير منك ومنى حتى قال ابن عباس فى غير رواية ابن شاهين قد جلس مع من هو خير منى ومنك يأكل معه يعنى النبى عليه الصلاة والسلام ابن شاهين يرى أيضا النسخ كعيسى ابن دينار والحافظ ابن حجر أضاف القول بالنسخ إلى عيسى ابن دينار فى الفتح والإمام العراقى كما قلت لكم فى شرح ألفيته له شرح عليها فى المكان المشار إليه أضاف القول بالنسخ إلى ابن شاهين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أبو حفص عمر ابن أحمد ابن عثمان ابن شاهين توفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة للهجرة هذا المسلك الأول وهذا فى الحقيقة مع سلامته من حيث الظاهر فيه تخطى للطريق الأول فإذا أمكن لا يجوز أن نعدل عنه والجمع ممكن فإعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما والقاعدة عند أئمتنا لا يصار إلى النسخ والترجيح عند إمكان الجمع لا يصار إليهما إلا عند تعذر الجمع فإذا أمكن لا نعدل عنه لأننا نعمل بجميع كلام الشارع الذى لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام ونحمل كل واحد من كل صنف من كلامه على حالة معينة فهذا كما قلت مع وجاهة مسلكه وجلالة من قال به فيه تجاوز للطريق الأول ألا وهو الجمع أبعد من تخطى الطريق الأول والثانى وذهب إلى الترجيح والذين سلكوا الترجيح على طرفى نقيض منهم من رجح الأخبار التى تدل(129/10)
على نفى العدوى على تلك لا عدوى ومنهم من رجح الأخبار التى ظاهرها يفيد اثبات العدوى على الأخبار التى تنفى العدوى ترجيح يقول هذا ثابت وهذا ثابت لكن ذاك أرجح فكأنه هو المحفوظ وهذا شاذ لأنه مخالف للراجح الأرجح الثابت فهذا له حكم الشذوذ وذاك له حكم الصحة والثبوت فهو المحفوظ سلكوا كما قلت هذا الذين قالوا بهذا انقسموا إلى قسمين الفريق الأول كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح رجحوا الأخبار الدالة على نفى العدوى وقالوا بتزييف الأخبار الأخرى التى تدل على عكس ذلك وهذا يختلف عن النسخ واضح هذا أن يقول لا يوجد نسخ لكن كأنه يقول تلك حصل فيها شذوذ حصل فيها خطأ حصل فيها وهم فى الضبط والنقل أما هناك يقول كل منهما صحيح لكن هذا فى البداية وذاك فى النهاية فنسخ فر من المجذوم بقوله لا عدوى هنا يقول لا عدوى هو الراجح وذاك بمثابة الشاذ الذى وهم فيه الرواة فيختلف عن النسخ بكثير ولذلك قلت لكم النسخ عندنا يقدم لأنك تدرك كلام الشارع بكلام الشارع ولا يمكن أن ننسخ إلا بنص أو قول صحابى أو بتاريخ أو بإجماع وهى طرق النسخ الأربعة.(129/11)
وأما الترجيح: مائة وعشر مرجحات مرجحاته هناك طرق أخرى للترجيح فمثلا لو قدر أن الحديث فى الصحيحين يقدم على حديث فى سنن ابن ماجة هذا مرجح حديث يتسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين يرجح على غيره تقدم معنا فى الترجيح بين رواية الرجل والمرأة من جملة المرجحات مرجحات كثيرة فهنا دخل كما قلت جهد البشر فقد يخطأ وقد يصيب وأما هناك نص هذا فى البداية وهذا فى النهاية نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها قول صحابى عرف التاريخ الإجماع وهى طرق النسخ الأربعة إذن هنا رجحوا الأخبار الدالة على نفى العدوى وزيفوا ما عداها التى تدل على عكس ذلك وقووا قولهم هذا بعدة أمور فقالوا الأخبار التى تعارض ذلك شاذة لما قالوا أولا ورد عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها ما يدل على وهم الرواة فى تلك الروايات ثبت فى تفسير الطبرى ومصنف ابن أبى شيبة فى الجزء الثامن صفحة تسع عشرة وثلاثمائة أنها قالت لما قيل لها أن النبى عليه الصلاة والسلام قال فر من المجذوم كما تفر من الأسد والحديث تقدم معنا فى صحيح البخارى وغيره قالت ما قال النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ما قال النبى عليه الصلاة والسلام ذلك كأنها تريد أصحاب هذا القول يقولون إذن هذا غير محفوظ..ثم قالت كان لى مولى فيه هذا الداء وكان ينام على فراشى ويأكل من صحافى ولو عاش لكان كما كان يقول لكن هناك فيه مولى عندها هذا يأكل فى صحافها وينام على فراشها أى فى بيتها ثم بعد ذلك فيه هذا الداء والنبى عليه الصلاة والسلام يطلع ولو كان فر من المجذوم كما تفر من الأسد يعنى ثابتا لو كان لهذا المجذوم أخرج من هذا البيت ولما أكل فى صحافى ولا ما نام على فراشى هذا كلام أمنا عائشة رضى الله عنها قلت فى تفسير الطبرى ومصنف ابن أبى شيبة.(129/12)
والمرجح الثانى: قالوا الأخبار التى وردت بنفى العدوى لا عدوى كثيرة شهيرة ولا يضر تردد أبى هريرة رضى الله عنه فى هذا تقدم معنا لا عدوى وقف عنها وبدأ يقول لا يورد ممرض على مصح قالوا لا يضر لأن الرواية محفوظة من رواية غيره تقدم معنا عن اثنى عشر صحابيا هذا مما ورد ولو جمعت لحصيت أكثر من ذلك وعادتى كما تقدم معنا دائما إذا زادت الرواية عن عشرة يعنى حصلنا المطلوب وهو أنه وصف التواتر حصل فى هذه القضية اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الدليل الثالث: عندهم قالوا الأخبار الأخرى المعارضة لهذا هل التى ترخص بالفرار والتى تشير فى ظاهرها إلى اثبات العدوى قليلة فلا تقاوم هذه الأخبار الكثيرة الشهيرة المتضافرة.(129/13)
الدليل الرابع: عندهم قالوا يمكن أن تأول بعض الأدلة التى ظاهرها يدل على نفى العدوى بما لا يثبت العدوى يمكن أن تأول الأخبار التى ظاهرها يثبت العدوى بما لا يكون فيه دليلا على اثبات العدوى يمكن وأن تلك إذن هى السليمة لا عدوى وأما التى فيها اثبات العدوى فى الظاهر يمكن أن تأول يكون لها مخرج فمثلا حديث الشريد ابن سويد تقدم معنا فى صحيح مسلم وسنن النسائى وغيرهما أوليس كذلك عندما قال ارجع فقد بايعناك أوليس كذلك تقدم معنا يقول ليس صريحا بسبب الجزام يعنى ليس من أجل علة الجزام قال له ارجع فقد بايعناك العلم عند الله يعنى هو فيه داء الجزام فوقع أن النبى عليه الصلاة والسلام قال له ارجع فقد بايعناك لكن ما العلة هل العلة فى الجزام أو لاعتبار آخر فيه هذا ما ذكر يعنى ما قيل ارجع فقد بايعناك لأنك مجذوم هذا ما ورد هنا أنا أقول هذا لو سلم فى هذا يبقى معنا كما كما تفر من الأسد فى حديث فر من المجذوم هنا لا مجال للتأويل على كل حال هم يتصيدون يعنى أدلة ظاهرها يقوى قولهم يحكم بالشذوذ على القول المقابل وهذا كما قلت مسلك المرجحين لاثبات لا عدوى ونفى ما عداها مسلكهم سديد لكن تجاوزوا خطوتين وطريقين النسخ وقبله الجمع فإذا لم يمكن النسخ يمكن أن يعنى نرجح وإذا لم يمكن الجمع يمكن أن نرجح الجمع ممكن قبل النسخ فعلام الترجيح.
والفريق الثانى: قابل هذا فرجحوا الأحاديث التى تثبت الفرار من المجذومين والمرضى التى أيضا لا يورد فيها ممرض على مصح رجحوا هذه الأخبار على الأخبار التى تنفى العدوى لا عدوى وسبب ترجيحهم عدة أمور أيضا.
أولها: رجوع أبى هريرة رضى الله عنه عن روايته لا عدوى يدل على أنه يشك فى صدور هذا عن النبى عليه الصلاة والسلام إذن حديث لاعدوى محفوظ والمحفوظ فر من المجذوم والمحفوظ لا يورد ممرض على مصح والمحفوظ ارجع فقد بايعناك إذن يقولون لشكه أو لثبوت عكسه عنده من أجل هذا رجع عن قوله فى رواية لا عدوى.(129/14)
الدليل الثانى: عندهم هو نفس الدليل المتقدم الثانى قالوا الأخبار الدالة على اجتناب المرضى والمجذومين والفرار منهم أكثر مخارجا وطرقا وواقع الأمر ليس كذلك لكن هذا ما قالوه فى الترجيح وواقع الأمر تلك أكثر.
القول الثالث: عندهم كما أن أولئك فى القول الرابع قالوا يمكن أن نصرف بعض الأحاديث التى قالوا ظاهرها تثبت العدوى عن ما قالوه فليس فيها موضوع اثبات العدوى ليس ارجع فقد بايعناك من أجل أن الجزام يعدى لا الله عليم بأى شىء صرفه وهنا هؤلاء قالوا ممكن أن نقول إن بعض ما أثبتموه وظاهره ينفى العدوى فيه تأويل وأنه ليس يعنى فيه نفى للعدوى فحديث كل ثقة بالله وتوكلا عليه قالوا أولا رجح الترمذى وقفه على ابن عمر فليس هو مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم على تقدير ثبوته ليس فيه أنه أكل معهم بل وضع يده فى القصعة ليس فيه أنه جلس وأكل معهم وصاحبه وكما قلت ما قالوه يعنى يمكن أن يقبل من ناحية ما سلكوه من طرق الجمع لأجل إزاة التعارض لو أنهم أيضا تخطوا طريقين اثنين فلا نقبل هذا القول إلا إذا لم يمكن المصير إلى الجمع ولا إلى النسخ.
إذا انتهينا من هذين القولين وهو القول بالنسخ لا يصح الاعتماد عليه والقول بالترجيح لا يصح الاعتماد عليه وما أحد قال من أئمتنا بالقول الرابع وهو التوقف فماذا بقى عندنا القول الأول وهو الجمع وهذا الذى سلكه أئمتنا فقرروا عدة أوجه يمكن أن تصل معنا إلى سبعة أوجه فى الجمع بين هذه الأخبار اضبطوها إخوتى الكرام.(129/15)
الأمر الأول: وهو القول الأول فى الجمع لا عدوى يثبت نفى العدوى جملة فلا يعدى شىء شيئا ولا يعدى سقيم صحيحا لا عدوى طيب وفر من المجذوم ولا تديموا النظر إلى المجذوم كما سيأتينا قال هذا ليس من أجل اثبات العدوى لما قال هذا رعاية لخاطر المجذوم المصاب المبتلى لما لأن المصاب إذا نظر إليه الصحيح تعظم مصيبته وينكسر خاطره يعنى أنت لو رأيت أعور تحب النظر فيه ينكسر خاطره يا عبد الله غمض عينيك يعنى لا داعى أن تخبره أنه أعور أعور أعور بتقدير الله وهذا الشىء الذى فيه يثاب عليه لكن أنت عندما تجلس تتأمله ولو جئت قلت له أين عينكم الوضع يعنى تكسر خاطره حقيقة يشعر بنقص مع أنه بغير اختياره لكن يشعر بنقص فأنت غض الطرف وهذا المجذوم هذا مصاب بجدرى هذا مصاب بعلة بآفة لا يعديك إذا جلست بجواره ولا إذا دلكت جلدك بجلده..يا عبد الله أنت عندما تجلس إليه وهو أنت صحيح وهو المصاب وتنظر إليه ينكسر خاطره فاتركه مع أصحابه الذين ألفهم والبقية خليهم بعداء بعيدين عنه وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك وابن خزيمة عليهم جميعا رحمة الله فقالوا الفرار لا من أجل الفار إنما من أجل المصاب المبتلى لئلا تكسر خاطره إذا رأيت مجذوما ابتعد عنه من أجل يعنى ألا تنظر إليه يقول هذا يحقرهم وشىء قدره الله عليه وحقيقة طريق من طرق الجمع المعتبرة وقرروا هذا بحديث نبينا عليه الصلاة والسلام لا تديموا النظر إلى المجذومين انتبه ما قال فر يقول إذا اجتمعت مع مجذوم لا تحد النظر فيه لا تجلس تتأمل هذه العلة التى فيه والجذام داء أولا كريه الرائحة فى الإنسان إذا أصيب به يفيح منه رائحة النتن يصاب..جلده يتساقط ويسيل منه الدم ويتساقط جلده فأنت لا تديم النظر إليه يعنى إذا جلست معه غض الطرف فنظرك إليه يكسر خاطره لا تديموا النظر إلى المجذومين قال..(129/16)
فى هذا الحديث فإذن هناك فر أيضا يعنى إن أردت أن لا تراه ولا يراك هذا أيضا حسن وإذا قدر أنك جلست معه لا تحد النظر إليه لئلا تكسر خاطره لا تديموا النظر إلى المجذومين والحديث ثابت عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام رواه الإمام أحمد فى المسند فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثين ومائتين ورواه ابن ماجة فى سننه فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وسبعين ومائة بعد الألف قال الإمام البوصيرى كما فى التعليق على سنن ابن ماجة فى الزوائد الزجاجة فى زوائد سنن ابن ماجة فى الجزء الثالث صفحة اثنتين وأربعين ومائة قال إسناده الثقات ورواه ابن أبى شيبة فى مكانين من مصنفه فى المجلد الثامن أربع وأربعين ورواه الإمام البخارى..روى فى سنن ابن ماجة رواه الإمام ابن ماجة من طريق فاطمة بنت الحسين رضى الله عنها وأرضاها عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وأما طريق معجم الطبرانى الكبير رواه من طريق عمر ابن دينار عن ابن عباس فكأنه يقول هنا طريق ثان يختلف عن طريق سنن ابن ماجة ولذلك أورده فى المجمع والعلم عند الله جل وعلا.(129/17)
والحديث رواه الطبرى وابن عساكر والبيهقى فى السنن الكبرى انظروا الجزء السابع صفحة تسع عشرة مائتين ورواه ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ صفحة ست وأربعمائة والإمام الحربى فى غريب الحديث فى الجزء الثانى ثمان وعشرين وأربعمائة والضياء المقدسى وأبو داود الطيالسى كما فى منحة المعبود فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة والحديث كما قلت إسناده صحيح رجاله ثقات عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا تديموا النظر إلى المجذومين وفى رواية فى مسند أبى داود الطيالسى والبيهقى لا تحدوا النظر إلى المجذومين لا تديم ولا تحد النظر إليه وإذا نظرت أطرق بصرك والحديث له شواهد رواه الطبرانى فى معجمه الأوسط والكبير كما فى المجمع فى المكان المشار إليه عن معاذ ابن جبل والرواية الأولى عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنه قال الإمام الهيثمى فى المجمع شيخ الطبرانى الوليد ابن حماد الرملى لم أعرفه وبقية رجاله ثقات لا تديموا النظر إلى المجذومين رواية معاذ رضى الله عنهم أجمعين ورواه أبو يعلى والطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى السنن الكبرى والطبرى وابن عساكر من رواية الحسن ابن على رضى الله عنهم أجمعين قال الإمام الهيثمى فى المجمع اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا قلت من رواية الحسين إخوتى الكرام ابن على لأن فاطمة بنت الحسين تروى أيضا عن أبيها من رواية الحسين ابن على رضى الله عنه أجمعين عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تديموا النظر إلى المجذومين إلى المجذمين وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح مقدار رمح رواه أبو يعلى والطبرانى وفى إسناده أبى يعلى الفرج ابن فضالة وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائى وغيره وبقية رجاله ثقات وفى إسناد الطبرانى يحيى الحمانى وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات كل من الطريقين يتقوى بالثانى إخوتى الكرام طريق الطبرانى فيه يحيى كما قلت(129/18)
الحمانى وهكذا طريق السنن الكبرى للإمام البيهقى ويحيى الحمانى قال أئمتنا فى ترجمته حافظ منكر الحديث وهو من رجال مسلم استحال يحيى الحمانى حافظ منكر الحديث غاية ما عيب عليه مع كلام كثير أورد الحافظ ابن حجر فيه قرابة خمس صفحات أنه كان يسرق الحديث سيأتينا معنى السرقة إن شاء الله يحيى ابن عبد الحميد الحمانى فى حرف الياء ... اقرأ يحيى ابن عبد الحميد ابن عبد الرحمن ... حافظ إلا أنه يتهم بسرقة الحديث من كبار..مات..من رجال مسلم على العين والرأس..(129/19)
رضى الله عنه وأرضاه يحيى ابن عبد الحميد الحمانى إخوتى الكرام السرقة تطلق على ثلاثة أنواع سرقة الحديث أولها وهو ما يريده أئمتنا والثانى وأما الثالث كما قال الإمام الذهبى أنحسها أولها أن ينفرد راو بالرواية فى حديث عن شيخ فيدعى بعض التلاميذ والناس مشاركته فى رواية هذا الحديث انفرد راو فى رواية حديث عن شيخ ما روى هذا الحديث عن هذا الشيخ إلا هذا الراوى أجاب أنا سمعت أيضا من هذا الشيخ هذه سرقة الحديث فكأنه الآن أخذه منه ذاك كان مختص به معروف به هو يرويه هذا جاء وأخذه منه والثانى أيضا هناك أن يعرف راو برواية حديث الحالة الثانية أن يعرف راو بالسماع من شيخ ما روى عنه إلا راو فقط هذا الشيخ, هذا الشيخ روايته من طريق فلان فقط هناك رواية أما هنا شيخ فهنا يدعى فى مشاركته لهذا الشيخ هناك فى مشاركته بالرواية قد يكون هذا الشيخ سمع منه آلاف لكن هذا الحديث بعينه ما سمعه إلا واحد وقال أنا سمعت معه والحالة الثانية شيخ لم يسمع منه واحد فقط قال أنا سمعت معه هذان كما قلت نموذجان لسرقة الحديث والنموذج الثالث يقول عنه الذهبى أنحس من هذين أن يسرق الكتب من مؤلفيها وأصحابها قال وسرقة الأجزاء والكتب أنحس من ذلك عليهم جميعا رحمة الله إذن راو انفرد بالرواية عن شيخ فادعى مشاركته فى الحمل عن ذلك الشيخ راو انفرد بالرواية فى رواية معينة فى حديث بعينه قال أنا شاركت سرقة الأجزاء والكتب من المصنفين..(129/20)
هذه أنحس على كل حال يحيى ابن عبد الحميد الحمانى يقول اتهم بسرقة الحديث يعنى يأتى إلى راو انفرد بالحديث يقول أنا شاركتك فيه وإلى راو انفرد بالرواية عن شيخه يقول أنا سمعت من ذلك الشيخ أيضا هذا الذى أخذ عليه والعلم عند الله جل وعلا على كل حال كما قلت فى إسناد الطبرى والطبرانى والبيهقى يحيى الحمانى وفى إسناده أبى يعلى الفرج ابن فضالة فى كل منهما كلام كل منهما يتقوى بالثانى يضاف إلى هذا رواية معاذ يضاف إلى هذا رواية عبد الله ابن عباس وقلنا هى حسنة بنفسها لا تديموا النظر إلى المجذومين.
رواية رابعة: عن سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه رواها شيخ الإسلام عبد الله ولد الإمام المبجل عليهم جميعا رحمة الله الإمام أحمد ابن حنبل فى زياداته على المسند عن على ابن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه عن النبى عليه الصلاة والسلام قال لا تديموا النظر إلى المجذمين وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح يعنى مقدار رمح رواه عبد الله ابن أحمد وفيه الفرج ابن فضالة فى رواية أبى يعلى التى تقدمت معنا فيها الفرج ابن فضالة وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائى وغيره وبقية رجاله ثقات إن لم يكن سقط من الإسناد أحد حقيقة رجعت لإسناد المسند فما تبين لى سقوط أحد يعنى هل فى الأمر شىء يحتاج الأمر لبحث يقول بقية رجاله ثقات إن لم يكن سقط من الإسناد أحد والعلم عند الله جل وعلا.(129/21)
خلاصة الكلام: مروى من طريق عبد الله ابن عباس رضى الله عنه ومن رواية معاذ ابن جبل وسيدنا الحسين ابن على ووالده على رضى الله عنهم أجمعين لا تديموا النظر إلى المجذمين إلى المجذومين والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة الحسن الرواية الأولى وبهذه الطرق يرتقى إلى درجة الصحيح بغيره والعلم عند الله جل وعلا الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء العاشر صفحة تسع وخمسين ومائة حكم على إسناد سنن ابن ماجة بأنه ضعيف وقواعد التعديل والترجيح لا تساعد الحافظ فيما قال فرجال كما قلت إسناد ابن ماجة ثقات ويقول إسناده سنده ضعيف هذا فى الجزء العاشر صفحة تسع وخمسين ومائة مع أنه كما قلت له هذه الشواهد والحديث لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله جل وعلا.(129/22)
إذن هذا الجمع الأول لا يوجد عدوى ولا يعدى شىء شيئا وما أجمل هذا القول وأحسنه لربط القلوب بعلام الغيوب إذن لما نفر يا عبد الله لئلا تكسر خاطر المجذوم وخاطر المصاب وإذا قدر أنك اجتمعت به وما يعنى ابتعدت عنه لا تحد أيضا النظر إليه مما يدل على أنه ليس من أجل عدوى أننا نفر إنما لئلا يكسر خاطره وهذا من يقوله إمام دار الهجرة نجم السنن وبعده إمام الأئمة الإمام ابن خزيمة هذا نقلوا له من بين أئمة الإسلام إمام الأئمة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا تفضل هذا هو هذا من باب كما قلت لك لا زال نحافظ على شعوره هو أنت لو اقتربت منه واحتككت به هو يتأثر يعنى هو يتأفف من نفسه ويظن أنه فى منقصة هو يظن أنه فى منقصة فأنت تقترب منه تلتصق به يشعر كأنه يعنى أنك الآن تتأذى به يجد فى نفسه شيئا فأنت لئلا تكسر خاطره..مسافة فلا تحد النظر إليه وبينك وبينه مسافة هو الآن مرتاح يعنى يعلم أنك ما تتأفف به لو جلست بجواره يقول أنا أخشاك يعنى هذا إخوتى الكرام يعنى مثل أحيانا لو قدر إنسان مسكين يعنى هذه تقع فى الأعراف الدنيوية إنسان مسكين لو جاء بعده من له شأن وقدر وكذا ولاصقه فى الجلوس بجنبه ذاك يتمنى أحيانا لو بلعته الأرض ما يعرف كيف سيجىء لأنك لو بعيد عن الآخر لراحة له الآن من أجل تقديم هذا الكبير الذى لو شاء يضم نفسه يجلس على ركبتيه يضبط نفسه لما..قيده يعنى لو ابتعد عنه مسافة رمح لأخذ النفس طليقا صحيحا من هذا الباب وهنا كذلك يعنى حتى نبتعد مسافة رمح لا من أجل العدوى بقيت من أجل ضعفه يتصرف كما يريد ولا تحرجه لأنك عندما تلتصق به هو يشعر كما قلت بضيق يريد يتنفس يقول اخشى الآن هذا يفسر يعنى ألا يؤذى يضبط نفسه هذا يعمل الإنسان بشر يقدر شعور الآخرين فيتضايق أنت..(129/23)
أحد فتجعل بينك وبينه مقدار رمح وإذا نظرت إليه لا تحد النظر وأكرمه أما لو كان المراد فيه عدوى لما كان هناك رمح لم يمنع العدوى ونفس الإنسان يصل ما شاء الله من مسافات يعنى عندما يتنفس فليس هو موضوع نفس موضوع كما قلت هذا من أجل رعاية خاطره دعه يتصرف كما يريد وجه من أوجه الجمع المعتبرة وإذا قال أئمتنا واحتملها الدليل فلا جدال ولا قيل كما قلت مرارا واحتمله الدليل وقال به إمام جليل نسلم ثم بعد ذلك يوجد أوجه أخرى من أوجه الجمع يوجد لكن نحن أمام أحاديث كما قلت متعارضة فى الظاهر ماذا سنعمل قال لا عدوى هذه صيغة ثابتة محكمة تنفى العدوى بجملتها طيب نفر من المجذوم ولا يورد ممرض على مصح وكذا قال هذا كله من باب رعاية خاطر المصاب فقط لا أنه يوجد عدوى تنتقل من السقيم إلى السليم.
الوجه الثانى: من أوجه الجمع لو انتهينا منها فى خمس دقائق نريد ننتهى من هذه الأوجه أوجه سبعة ما أريد أن أبدأ بها فى الموعظة الآتية فاصبروا بعض الشىء إخوتى الكرام لأنها إذا انتهت معنا اليوم كان حتى فى نيتى أن نبدأ بشىء من الأمر الرابع الذى كما قلت التحصن من سبعة تخلية وبعد ثمانية تحلية خمسة عشر بعدد أبواب النار والجنة نتخلى عن سبع فلعل الله يحفظنا من أبواب جهنم السبعة ونفعل ثمانية لعله يمن علينا بدخول أبواب الجنة الثمانية نحصن أنفسنا فى الدنيا والآخرة فهذه هل تكلمنا على واحد منها لكن إذا ما أمكن فالأقل ننتهى من هذا المبحث.(129/24)
الأمر الثانى: من أوجه الجمع النفى والإثبات فى حالتين مختلفتين كيف هذا فحديث لا عدوى لمن قوى يقينه وعظم توكله وتعلق قلبه بربه فلا يضره أن يخالط من..كما فعل خير العباد عليه الصلاة والسلام كل ثقة بالله وتوكلا عليه وكما فعلت أمنا الطاهرة المطهرة مع المجذوم الذى فى بيتها ينام على فراشها ويأكل فى صحافها وقوله فر هذا من أجل سد باب اعتقاد العدوى فالإنسان لا يباشر ما يكون سببا فى مرضه فإذا أصيب يثبت العدوى التى نفاها الشارع فيقع فى المحذور لا عدوى إذا كان يقينك قوى وخالطت المرضى لن تتأثر خالط إذا فى يقينك ضعف إذا خالطت فتقول هذا بسبب فلان يا عبد الله فر وأرح نفسك لئلا تقع فى الشرك فى العدوى وما معها من الطيرة التى نهينا عنها لا عدوى هذا لمن يقينه قوى عندك ضعف خذ بالرخصة والشارع أباح لك أن تبتعد عن المصاب الذى فى مرضه يعنى انتشار إلى غيره لا عدوى فى الأصل وإذا فى يقينك ضعف لك أن تفر وهذا الجواب الثانى قال به الإمام ابن خزيمة أيضا والطبرى وإليه ذهب الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثمائة وعشر وثلاثمائة وذهب إليه الإمام ابن أبى جمرة وهو عبد الله ابن سعد ابن سعيد الأندلسى توفى سنة خمس وتسعين وستمائة وقيل تسع وتسعين وستمائة من بلاد الأندلس وذهب إلى مصر وقبر فيها وتوفى وكم حوت مصر من صالحين من بلاد الله جميعا يأتون إليها ويتوفون فيها رحمة الله على المسلمين أجمعين قال الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فة ترجمته فى الجزء الثالث عشر صفحة ست وأربعين وثلاثمائة فى البداية والنهاية وترجمه فى وفاة سنة خمس وتسعين وستمائة يقول كان قوالا بالحق أمارا بالمعروف نهائا عن المنكر واختصر صحيح البخارى سماه جمع النهاية فى بدء الخير والغاية والكتاب مطبوع على ما أحضرته على كل حال وشرحه هو فى أربعة أجزاء فى مجلدين كبيرين سماه بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها وما لها هذا القول(129/25)
الذى قاله ابن أبى جمرة موضوعه فى الجزء الرابع من بهجة النفوس لابن أبى جمرة صفحة واحدة وثلاثين ومائة فقال كما قلت النفى لمن قوى يقينه وذاك لمن ضعف يقينه ولا عدوى فى الحقيقة قال الحافظ ابن أبى جمرة وقد فعلهما النبى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به كل من الطائفتين قال لذاك ارجع فقد بايعناك فحتى الإنسان أراد أن يبتعد لا يقال له يعنى أنت كفرت لا الأمر فيه سعة وقال لذاك كل ثقة بالله وتوكلا عليه وقال لا عدوى حتى لو أن الإنسان أكل لما نقول له عرضت نفسك للتلف فعل كلا من الأمرين من أجل أن يقتدى به الفريقان من قوى يقينه ومن يخشى على يقينه من الضعف إذا خالط المرضى وأصيب قول معتبر كالقول الأول.(129/26)
القول الثالث إخوتى الكرام: قبل أن ننتقل للقول الثالث يدخل فى القول الثانى بعض الأحاديث التى فيها أيضا هذا التوجيه وهو أنه لا يوجد تشاؤم ولا طيرة ولا عدوى لكن أنت إذا يعنى تخوفت من شىء وخطر فى نفسك شىء ابتعد عنه وسلم نفسك ولا داعى أن تدخل نفسك فى ضيق وحرج مما يشهد لهذا أيضا لهذا الجمع ما ثبت فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا والأثر رواه الإمام أبو داود فى السنن والبيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء الثامن صفحة أربعين ومائة ورواه الإمام ابن قتيبة بسنده فى تأويل مختلف الحديث صفحة واحدة وسبعين والحديث فى جامع الأصول فى الجزء السابع صفحة أربعين وستمائة وإسناد الحديث حسن من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه قال قال رجل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنا كنا فى دار كثر فيها عددنا وكثر فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروها فإنها ذميمة طيب هل هذا تشاؤم تطير لا لما كأن النبى عليه الصلاة والسلام يقول لهم هل البقاع كلها لله جل وعلا لكن أنتم بدأ يقع فى نفوسكم شىء من هذه الدار قلتم أموالنا كانت كثيرة لما جئنا لما افتقرنا عددنا كان كثيرا لما جئنا هنا مات أكثرنا فبدأتم هذه الديار كأنكم تقولون لها اعتبار هذه دار نحس يا عباد الله أريحوا أنفسكم ما أكثر الدور ذروها فإنها ذميمة ما دام هذا الاعتقاد عندكم اتركوها واذهبوا إلى غيرها خلاص افعلوا على حسب اعتقادكم ما هو مباح ولا داعى أن تتشاءموا وتقيموا فى هذا المكان قال الإمام ابن الأثير فى جامع الأصول أى مذمومة وإنما أمرهم بالتحول عنها إبطالا لما وقع فى نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما خامرهم من الشبهة والوهم الفاسد والله أعلم وهذا حقيقة يعنى مجرد أحيانا بعض الإخوة يأخذ سيارة يجرى(129/27)
حادث يجرى حادث يقول هذه مشأومة نقول يا عبد الله لا شؤم فيها لكن أنا أنصحك ومرارا وقلت دعها يا عبد الله واشترى غيرها وأنا أقول لكم عن نفسى عادتى خاصة بالنسبة للسيارات لو أخذتها ووجدت فيها مشكلة ليس من باب يعلم الله لا تشاؤم ولا تطير أقول ما أريد أن يكون معى شىء فيه مشاكل خلاص أتخلص منه وأستريح ما تعين على أن أكون مع هذه السيارة يعنى مشكلة مشكلة خلاص تخلص منها وخذ غيرها وأنت فى سعة هنا كذلك لا يوجد كما قلت شؤم فى هذه السيارة المسكينة جماد ما الشؤم الذى فيها ولا فى هذه الدار ولا فى هذه البقعة لكن أنت بدأ يقع فى نفسك هذا الوهم كل ما تدخل لهذه الدار يقول يا لطيف ستنزل عليه على قاصمة الظهر يا عبد الله خذ غيرها وإذا دخلت قل ما شاء هذه دار وسيعة فسيحة ما فيها لا ضر ونكد نعمة هذا مطلوب هذا كما قلت لكم هذا لحديث يشهد لهذا الجمع وهو الجمع الثانى أوليس كذلك وأيضا يدخل فى هذا الباب ما تقدم معنا حديث فروة ابن مسيك المرادى وتقدم معنا وهو فى سنن أبى داود والسنن الكبرى للإمام البيهقى تقدم معنا إخوتى الكرام حديث فروة ابن مسيك المرادى عندما قال للنبى عليه الصلاة والسلام عندنا أرض يقال لها أرض أبين هى أرض ريفنا وميرتنا وهى وبيئة أو قال وبائها شديد فقال له النبى عليه الصلاة والسلام دعها عنك فإن من القرف التلف وقلت معنى الحديث فإن التلف من القرف أى تصاب بالتلف والآفات والنكبات إذا قارفت أى اقتربت والقرف المقاربة من هذا المكان الذى ترى فيه وباء ترى فيه ما فيه من الضر إن من القرف التلف إن التلف من القرف كما تقدم هذا يدخل فى هذا المعنى وفى ذلك عدة أحاديث لو ذكرتها أيضا قبل أن ننتقل إلى القول الثالث حديث رواه الإمام البزار كما فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة خمس ومائة من رواة عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين يدخل فى هذا المعنى وفى قوله ذروها فإنها ذميمة عن ابن عمر رضى الله عنهما أن قوما جاءوا(129/28)
إلى النبى عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله دخلنا هذه الدار ونحن ذو وفر فافتقرنا وكثير عددنا يعنى عندنا مال وفير فافتقرنا وكثير عددنا فقل عددنا وحسنة ذات بيننا فساء ذات بيننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها فهى ذميمة فقالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف ندعها قال بيعوها أو هبوها ليتهم يهبوها إذا الإنسان يتشائم من بيته فليحوله إلى بعض خلقه لهو عباده بيعوها أو هبوها لمن تريدون رواه البزار وقال أخطأ فيه صالح ابن أبى الأخضر والصواب أنه من مرسلات عبد الله ابن شداد أوليس كذلك قلت وصالح ضعيف يكتب حديثه وفيه أيضا فى الإسناد سعيد ابن سفيان ضغفه الإمام المدينى وذكره ابن حبان فى الثقات ونقل تضعيف المدينى له إخوتى الكرام أما صالح الذى يقول ضعيف ضعيف يعتبر به وهو من رجال أهل السنن الأربعة وتوفى بعد أربعين ومائة للهجرة وأما سعيد ابن سفيان هو سعيد ابن سفيان الجحدرى البصرى صدوق كما قال الحافظ ويخطأ وهو من رجال الإمام الترمذى وتوفى سنة أربع أو خمس بعد المائتين وقال الإمام ابن حجر فى التهذيب والتاريخ فى الجزء الرابع صفحة أربعين قال ابن حبان قال ممن يخطأ ونقل كلام ابن المدينى الذى يقول هنا الهيثمى ذكره فى الثقات ونقل كلام ابن المدينى فيه وقال إنه يخطأ لكن قول هنا الإمام البزار الصواب أنه من مرسلات عبد الله ابن شداد وهو عبد الله ابن شداد ابن الهاد انتبه أثره إذا كان من مرسلات عبد الله ابن شداد يعنى ليس هو من رواية ابن عمر وقد رواه من مرسل عبد الله ابن شداد البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء الثامن صفحة أربعين ومائة عن عبد الله ابن شداد ابن الهاد أن امرأة من الأنصار جاءت إلى نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقالت سكنا دارنا هذه ونحن كثير فهلكنا وحسن ذات بيننا فساءت أخلاقنا وكثير أموالنا فافتقرنا قال أفلا تنتقلون عنها ذميمة قالت فكيف نصنع قال تبيعونها أو(129/29)
تهبونها.
قال الإمام البيهقى هذا مرسل انتبه لتعليق الإمام ابن التركمانى فى الجوهر النقى على سنن البيهقى يقول عبد الله ابن الهاد ابن شداد يعنى لو لم يكن حتى الحديث من رواية عبد الله ابن عمر ليس بمرسل ولد على عهد النبى عليه الصلاة والسلام قال الإمام العجرى هو من كبار التابعين الثقات وهو معدود فى الفقهاء توفى سنة واحدة وثمانين فقط قبل المائة وحديثه مخرج فى الكتب الستة قال الإمام ابن التركمانى فى التعليق على سنن البيهقى هذه المرأة صحابية لأن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبى عليه الصلاة والسلام وابن شداد وهو عبد الله ابن شداد ابن الهاد سمع من قدماء الصحابة كعمر وعلى ومعاذ وقوله إن فلانا قال كذا هو يقول أن امرأة من الأنصار كقولهم وقوله إن فلانا قال كذا كالعنعنة انتبه لهذا الفقه الدقيق عند جماهير أصحاب الحديث فالحديث مرفوع يعنى عندما يقول عبد الله ابن شداد ابن الهاد أن امرأة من الأنصار هو لا يحكى أنه وقع فحضر الواقعة بنفسه أن بمعنى عن وعليه بما أنه هو روى عن الصحابة الكبار كبار كعمر وعلى وغيرهما رضى الله عنهم أجمعين فإذن ما يريد هذه المرأة وعليه عبد الله ابن شداد ابن الهاد عن امرأة من الأنصار قالت فإذا كان الحديث عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنه فالرفع ظاهر ولا انقطاع وإذا كان من رواية عبد الله ابن شداد فكذلك لأن قوله أن امرأة لا يفيد أنه حضر بنفسه وقد قرر أئمتنا أن صيغة أن بمعنى عن كالعنعنة فإذا قال عن امرأة من الأنصار لا يعنى أنه حضر وإلا سنحكم على جميع روايات التابعين بأنها مرسلة لأنه يقول عن ابن عمر أوليس كذلك لإذا قال أن ابن عمر قال أو عن ابن عمر أنه قال الأمر واحد وهنا عبد الله ابن شداد ابن الهاد يروى عن امرأة من الأنصار فالحديث متصل مرفوع وليس بمرسل.(129/30)
هذا تحقيق الإمام ابن التركمانى فى الرد على الإمام البيهقى عليهم جميعا رحمة الله وعليه قول البزار هنا كقول البيهقى الصواب أنه من مرسلات عبد الله ابن شداد كيف من مرسلات عبد الله ابن شداد كما قلت وهو لو قال أن امرأة أو قوما جاءوا بمعنى عن أناس من الصحابة قالوا للنبى عليه الصلاة والسلام وعدم تسمية أعيان لا يضر بعد التحقق من أنهم صحابة وهناك امرأة صحابية والعلم عند الله جل وعلا هذا حديث للبزار وغيره كما قلت من رواية ابن عمر ومن رواية عبد الله ابن شداد وهو متصل وليس بمرسل.(129/31)
حديث آخر رواه الطبرانى فى معجمه الكبير من رواية سهل ابن حارثة الأنصارى قال اشتكى قوم إلى النبى عليه الصلاة والسلام أنهم سكنوا دارا وهم عدد فقلوا فقال هلا تركتموها وهى ذميمة رواه الطبرانى فيه يعقوب ابن حميد ابن كاسب وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة إذن صار معنا عدة روايات رواية أنس التى تقدمت معنا ذروها فإنها ذميمة أوليس كذلك وبمعناها رواية فروة ابن نسيك إن من القرف التلف ورواية ابن عمر ورواية سهل ابن حارثة ورواية عبد الله ابن شداد أوليس صار خمس روايات فيها هذا المعنى وهى أن الإنسان يبتعد عن المكان الذى لا يرتاح إليه لا لوجود شؤم فيه فلا شؤم لا بالمكان ولا فيما تستعمله من حاجات مباحة إنما أنت إذا وقع فى خلدك وذهنك شىء نحو هذا فتخلص منه واسترح وانتهى الأمر وهنا كذلك لا عدوى والعدوى منتفية لمن قوى يقينه وعظم توكله على ربه وفر من المجذوم لمن ضعف يقينه وهنا هذه الدار بدأ يحصل فى قلوبكم ما يحصل هنا تتخلصوا منها والعلم عند الله جل وعلا ما أعلم العشاء قريب بقى معنا خمسة أقوال خمسة دقائق نعم على كل حال إخوتى الكرام بالنسبة لشهر رمضان المبارك نسأل الله أن يبلغنا دخول هذا الشهر الكريم وأن يمن علينا بصيامه وقيامه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ستكون الدروس فيه فى يوم السبت والأحد بعد صلاة الفجر فى هذا المسجد المبارك وفى يوم الأثنين بعد العصر جمعا بين المصلحتين لأن بعض الإخوة يريدون بعد الفجر وبعض الإخوة يريدون بعد العصر وبعض الإخوة عندهم ارتباط بعد العصر وهذا المسجد فيه دروس بعد العصر فى تحفيظ القرآن أوليس كذلك إلا يوم الإثنين فليس فيه درس الأحد فيه فدعونا نجمع هذا الأمر وهى أربعة أسابيع نسأل الله أن يتقبل منا السبت والأحد فقط استعينوا بالله سبت وأحد بعد الفجر إلى ساعة ونصف على أكثر تقدير بحيث نملؤ شريطا واحدا ويوم الإثنين بعد العصر إن أحيانا الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع(129/32)
الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللم ارحمهم كما ربيونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن لمن أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(129/33)
لا عدوى (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
لاعدوى 1
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
اللهم صل على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لازلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث الجن ألا وهو صلة الجن بالإنس وصلة الإنس بالجن أوليس كذلك صلة الجن بالإنس وصله الإنس بالجن صلتنا بهم وصلتهم بنا وقلت هذا المبحث يقوم على أربعة أمور كما تقدم الكلام على ذلك مرارا.
أولها: فى حكم الاستعانة بهم.
وثانيها: فى حكم المناكحة بيننا وبينهم.
وثالثها: فى مس الجن للإنس.
ورابعها: فى تحصن الإنس من الجن.
والمبحث الثالث إخوتى الكرام: نحن على وشك الانتهاء منه النقطة الثالثة من المبحث الثالث وهى مس الجن للإنس وتقدم معنا يصيبون بنى آدم بالصرع وقد يعتدون عليه بالخطف وقد يحصل منهم وخز لبنى آدم فيتسبب مرض الطاعون الذى إلى وفاة الإنسان فتقدم معنا إخوتى الكرام هذا الأمر وأن الطاعون هو وخز الجن وبينت هذا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة.
ثم تكلمنا أيضا وتدارسنا مبحث الطاعون ضمن أربعة أمور.
أولها: فى تعريف الطاعون وأعراضه.
وثانيها: فى فضل الإصابة بالطاعون.
وثالثها: فى أسباب الإصابة بالطاعون.
ورابعها: وهو ما تدارسناه فى الموعظة الماضية فى أدب نبوى ينبغى أن نحرص عليه عند وجود الطاعون فى بلدة فيما يتعلق بالخروج من تلك البلدة وفيما يتعلق بالدخول إليها.(130/1)
وآخر ما تكلمت عليه فى هذا الأمر بيان الحكمة من النهى عن الخروج من البلدة التى ينتشر فيها الطاعون وبينت سبع حكم فى ذلك وبقى علينا أن نتدارس الحكم من منع الخروج أوليس كذلك من منع الدخول إلى البلد الذى ينتشر فيه الطاعون تقدم معنا أنه إذا وجد الطاعون فى بلد لا يجوز أن ندخلها ولا أن نخرج منها لا يجوز أن نخرج منها لأمور كثيرة بينتها لا يجوز أن ندخلها أيضا الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه زاد المعاد فى هدى نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام فى الجزء الرابع صفحة أربع وأربعين أورد خمس حكم لذلك أى فى المنع من الدخول إلى البلدة التى ينتشر فيها الطاعون؟
أولها: لتجنب الأسباب المؤذية تجنب الأسباب المؤذية تقدم معنا الطاعون يخبر الجن ويظهر بعد ذلك أعراض كما تقدم معنا من انتفاخ فى بدن الإنسان من عفونة من رائحة من من فأنت سلم نفسك من مباشرة هذا ومن رؤيته بما أنه لم يقدر عليك وأنت بعيد عنه فحصن نفسك منه تجنب الأسباب المؤذية.
الحكمة الثانية: الأخذ بالعافية والعافية هى مادة المعاش فى هذه الحياة وبعد الممات لتطلب العافية لنفسك وأن تسأل الله جل وعلا السلامة من كل ضر وأذى إذا كان فيه ضر فيه أذى ابتعد عنه.
والحكمة الثالثة: أن لا يستنشق الإنسان الهواء الذى يصبح فيه عفونة عند ظهور مرض من الأمراض فى بلد من البلاد.
والحكمة الرابعة: ألا يجاور المرضى لأنه قد يحصل له من جنس ما يحصل لهم بتقدير الله لا عن طريق العدوى كما سيأتينا وقلت سأختم الكلام فى أمر العدوى على هذا الأمر إن شاء الله.(130/2)
وآخر الحكم: أن يحصن الإنسان نفسه من الطيرة التى نهينا عنها فقد يدخل البلد التى ينتشر فيها الطاعون فيصاب بتقدير الله بمرض الطاعون فيقول لو لم أدخل لما أصبت وهذه كلام لغو باطل لا حقيقة له فإذن وقع فى الطيرة والتشاؤم ودخل فى باب اللغو التى نهينا عنها فليحصن نفسه من البداية لا يدخل ويستريح ويريح نفسه وكفى الله المؤمنين القتال هذا إخوتى الكرام فيما يتعلق بهذا الأدب النبوى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
أما الموضوع الذى سنتدارسه فى هذا اليوم فى أمر العدوى وردت أحاديث كثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنفى العدوى وأنه لا عدوى ولا يعدى شىء شيئا ووردت أحاديث أخرى ظاهرها يفيد اثبات العدوى هذه القضية لا بد من أن نتدارسها فى هذا اليوم لننتقل بعد ذلك إلى الأمر الرابع من المبحث الثالث ألا وهو تحصن الإنس من الجن بإذن الله جل وعلا.
إخوتى الكرام..
قبل أن أدخل فى هذا الموضوع بعض الإخوة قدم سؤالا أنا أريد أن أعلم الأخوة الذين يسألون هل يعون ما سبق تقريره مرارا أم لا يقول نرجو بيان الدليل فى عدم الخروج عن المذاهب الأربعة لقول مجتهد من المجتهدين من غير أصحاب المذاهب وهو الحق فى المذاهب الأربعة فقط، ما أعلم هذا يعنى ما قلته مرارا أم لا حقيقة يعنى إن وعى ما أريد من هذا السؤال وإذا لم يع فكلما كرر ما الفائدة إن لم يكن هناك وعى.(130/3)
إخوتى الكرام: تقدم معنا مرارا أن الحجة فى كتاب الله وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا الكرام هذه الأمور الثلاثة انحصرت فى المذاهب الأربعة ايتنا بقول خرج عن المذاهب الأربعة فيما تقول حتى بعد ذلك نقول الحق لا يوجد فى المذاهب الأربعة..نحن كما قلنا قلت كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم الصحابة الكرام هات لنا مسألة من المسائل لا توجد فى المذاهب الأربعة وعليها دليل من الكتاب والسنة وقال بها أحد من سلفنا هات فإذا أعياك هذا دل على أنك أنت على بطلان وتطالبنا بالدليل لن نطالبك..نقول هات مسألة ليست فى المذاهب الأربعة وأنت تقررها بآية وحديث وقول إمام من سلفنا الكرام هات فإن يوجد أوجد عندك على العين والرأس نبحث وإذا تبين لك على وهم فإذن الحق كما قلت فى هذه المذاهب وهذه المذاهب ليست أربعة مذاهب لأربعة أئمة لا ثم لا أربعة مذاهب للأمة فأبوحنيفة رضى الله عنه وأرضاه ما أسس هذا المذهب بمفرده لا هو ولا غيره يستطيع أن يستنبط هذه الأحكام بمفرده وهكذا الشافعى وهكذا الإمام أحمد وهكذا الإمام مالك فى مدرسة كاملة متكاملة على مراحل عدة قرون يحقق المذهب وينقح من قبل أهل الخبرة والتحقيق والديانة والصلاح والإمامة وانظر وجود تلك المدرسة إلى الإمام مالك فمذهب الإمام الشافعى ليس أقوال قررها الإمام الشافعى وانتهى..جاء بعد الشافعى أئمة كرام فى درجة الإمام الشافعى يلتزمون بمذهبه وبما وجد..فإذا وجد شىء أحيانا يخالف يقولون هذا مرجوح وإن احتمله الدليل والراجح كذا فى مسائل كثيرة مقرر عند الأئمة فإذا السائل عنده مسألة فى هذا الوقت أو فى غيره أنا مستعد البحث معه يأتينا بمسألة تخرج عن المذاهب الأربعة والدليل معه هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه أن نكون على بينة من الأمر وتقدم معنا مرارا قلت الذين خرجوا إما أن يوافقوا المذاهب الأربعة فى بعض الأقوال ويقولون نحن لا نلتزم..(130/4)
ضمن دائرتهم شاءوا أم أبوا وإما أن يشذوا ويأتونا بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان كشذوذ ابن حزم الذى من الحزم ألا تتبع ابن حزم يعنى لما جاء فى بحث المفطرة حقيقة قال قولا لم يسبق ما سبقه لا إنس ولا جن فى موضوع المفطرة قال كل معصية تفطر الصائم ثم بعد ذلك يعنى لو نظر فقد أفطر لكن ما عليه القضاء أفطر وما عليه القضاء ثم بعد ذلك قال لو قدر أن الإنسان أفطر يعنى يحتاج الآن لتحقق من قوله بشىء من المفطرات وقد أفطر ولا عليه القضاء إلا إذا أفطر بالجماع وإلا إذا أفطر بعذر كما لو كان مريضا أو مسافرا أو ممن رخص لهم هؤلاء يقضون هؤلاء أما من عداهم لا يقضى وإن أفطر هذا الآن خارج عن المذاهب الأربعة نعم خارج لكن هل هو حق أو له هذا يحتاج إلى بحث أئمتنا باختصار كما ناقشه الإمام ابن رجب الحنبلى باختصار قال له ما نهى عنه الصائم ينقسم إلى قسمين نهى عنه لخصوص الصوم فيبطل صومه إذا فعله نهى عنه مطلقا لأنه صائم ولأنه غير صائم من نظر محرم من غيبة من كذب هذا لا يبطل الصوم ليس معناه أنه مباح له هذا إذا فى خارج الصوم منهى عنه يعنى إذا فى الصوم أشنع وأشد وهو عند الله ككلب جائع لكن ليس معناها أفطر كما تقول وعليه القضاء أفطر ما عليه قضاء فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه لذلك عند ابن حزم لو زنى لو لاط أفطر وما عليه القضاء ولا الكفارة قال هذه معصية ولو باشر زوجته عليه كفارة هذا فقه يا إخوتى الكرام لكن لا بد من نعى أن عوضا ومع ذلك من كانت عنده أهلية العلم كالإمام ابن حزم نلتمس له عذرا ونرد قوله ونستغفر له نقول يستحيل أن نأخذ قولك ونترك أقوال أئمتنا لكن نحن فقط عندما نرد عليك لأنك تتهجم على أئمتنا فقط أم أنت لك اجتهاد حتما أنت مطالب إذا كنت إماما أن تفهم على حسب ما يؤديك إليه الدليل فأنت1310 عند الله جل وعلا أو تثاب أكثر من الأئمة هذا لا يحكم فيه إلا رب العالمين لكن يستحيل أن نأخذ بقولك ونترك أقوال أئمتنا انتبه(130/5)
لهذا أنت وغيرك وممن يأتى بعدك إلى يوم القيامة فانتبه لهذه القضية فالأخ السائل إن كان يعى هذا الكلام فلا داعى للسؤال.
المذاهب الأربعة هى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا فانحصرت هذه الأمور فى مذاهب أئمتنا إذا عندك إشكال فى هذا ايتنا بمسائل لنضع الأصبع عليها ونتناقش لا تأتينا بكلام نظرى هات مسألة حتى نقول هل موجودة فى المذاهب الأربعة أم لا, لا تأتينا بكلام ما الحكم وما الدليل هذا كلام لا ينتهى هذه هى المجادلة بالباطل والمجادلة التى لا توصل إلى نتيجة.(130/6)
فيما كنت أقول لبعض الإخوة قبل قليل قبل صلاة العصر قلت كما هو حال الألبانى فى مقدمة كتاب صفة صلاة النبى عليه الصلاة والسلام يقول الأئمة كانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم فأبو حنيفة يقول يا يعقوب أى أبى يوسف لا تأخذ بقولى فإننى أقول القول اليوم وأرجع عنه غدا قلت والله هذا المثال ينطبق على الألبانى بالمائة مائة فإنه يصحح الحديث اليوم ويرجع عنه غدا ويضعف الحديث اليوم ويرجع عنه غدا فإذا كان..(130/7)
أخطأ فى اجتهاده على تعبيرك اجتهاد وأما أنت جئت تجعل حديث خير العباد عليه الصلاة والسلام تبعا لمادة بحث تبحثها وما تلقيت علما عن أئمة ولا التزمت بأقوال الأئمة وجئت يوم تقول إن هذا ليس من كلام النبى عليه الصلاة والسلام ويوم تقول هذا من كلام النبى عليه الصلاة والسلام حيرتنا هل إذا قال أبو حنيفة عليه رحمة الله ما قال هذا قال هذا اجتهاد قد أرجع عنه وأما أنت تقول هذا حديث صحيح هذا حديث حسن بعد فترة تقول هذا حديث منكر من الذى إذن يتراجع أنت الآن حالك أشنع من ذلك الحال الذى تقول لا يجوز أن نتبع أئمتنا يعنى إذن نتبعك لا نتبع أئمتنا كم من حديث كم صححه ثم حكم عليه بالنكارة والضعف وكم من حديث ضعفه ثم استبان لى أنه صحيح وهو لو عرف قدره وقدر أئمتنا لكانت المسألة سهلة هذا حال البشر لكن هو كأنه يريد أن يقول إن كلامى حق وصدق وكلام من عداه يخطأون ويصيبون فحد الله أنت تخطأ وتصيب وتخلط أكثر مما يخلطون وإذا هم لهم أحيانا استنباط قد يكون مرجوح يوجد له أرجح فأنت تأتى بشىء أى بمتناقضين وتثبتهما فأنت الآن يعنى فى منتهى البعد عن الصواب فهذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام وكل دعوة للخروج عن المذاهب الأربعة مؤداها التلاعب بدين الله جل وعلا ليقول من شاء ما شاء وانظر الآن للمجتهدين الذين لا يحصون أما وجد مفتى متن فى مصر وتوفى من فترة فأفضى إلى ما قدم أفتى وهذا لما قلته مرة فى العام الماضى على المنبر فى الرد عليه وعلى هوس المجتهدين فى هذه الأيام قال هذا ليس بصحيح وهذا من يعنى من ترتيب فلان قلت يا عبد الله تعال نريكم فقه رسول الله أفتى بجواز صلاة المرأة فى المايوه على شاطىء البحر ولها حق أن تقصر وتجمع تذهب تسبح فى البحر وهذه الآن مشتغلة بالزنى والعربدة داخل البحر ما عندها وقت تصلى الصلاة فى وقتها فلها حق أن تجمع وتقصر وتصلى بهذه الملابس لأنه لا يوجد دليل على ستر جسم المرأة هذا اجتهاد منه هذا اجتهاد..(130/8)
ما لا مثيل له خذ من هذا ما لا حكم له.
نقل لى بعض الشيوخ هنا وحقيقة ليس عندى علم قال لى بعض الإخوة يوجد شريط تسجيل فى ذلك فى مكتبة التسجيل فى موضوع عروض التجارة هل فيها زكاة أم لا عندكم شريط بذلك قال لى رآه بعض الإخوة من أيام عندكم على كل حال عروض التجارة يحتاج الأمر للتحقق فى هذه القضية يقول لا زكاة فيها الذى يقول هذا أريد أن أعلم عنده عقل هل عنده عقل إذا كنت تتاجر عندك عروض تجارة ملابس بالأقمشة بالسكر بالرز بالتين بالتمر وفلوسك كلها فى هذه الأشياء فى العقارات كان يقول هذه ليس فيها زكاة يقول لى هذا الشيخ وعليه يقول لأهل دول الخليج بالمائة تسع وتسعين منهم ليس عليهم زكاة لأنهم تجار أموالهم فى التجارة من الذى عنده زروع الثمار فى هذه الأيام أو مواشى أو أموال مدخرة كلها الآن فى تجارات ترى أن الإنسان أحيانا فى المعمل ليس مليون مئات الملايين من البضائع هذه ليس عليها زكاة عروض التجارة ليس فيها زكاة هذا فقه هذا فقه فى هذه الأيام يقول هذه المسألة قال بها الألبانى وسبقه إليها ابن حزم وتبناها الألبانى فى هذا الوقت والله لو علم بها الأغنياء لطاروا فرحا هم فى الأصل يعنى الأكثر لا يزكى والذى يزكى يتلاعب فى الزكاة والذى بعد يزكى قلبه ينخلع يقول أما الآن فخلاص هذه فتوى رسمية ليس علينا زكاة فى عروض التجارة.(130/9)
وجد فى هذا الوقت من يقول أنه أشنع من ذلك ورق الفلوس من أولها إلى آخرها لا ربا فيها إنها ليست بنقدين لا ذهب ولا فضة ولا زكاة عليها هذه ورقة مثل ورق الجرائد إذن فئة خمسمائة ريال قال ورقة ما لها قيمة هذه ليست ذهبا الزكاة فى الذهب والفضة هذا فقه هذا خذ من هذا الفقه الذى لا مثيل له هذا فقه فى هذه الأيام هذا لما تركنا فهم أئمتنا وفقه أئمتنا..ولذلك أنا أقول لمن يعترض أقول هات المسألة يا أخى واضحة لنتكلم فيها اليوم فى موضوع الهلال إخوتى الكرام لما نتكلمنا يعنى..(130/10)
الآن فى أمر الهلال ثلاثة أقوال ماذا تستفيد عليهم كل قول مأخوذ من دليل ومقارنة فإذا قلت يعنى قال به أبو حنيفة وإن قلت بهذا قال به الإمام مالك وإن قلت بهذا قال به الشافعى وأحمد رضى الله عنهم أجمعين أدلة معتبرة نعم يبقى طالب العلم كما تقدم معنا مرارا ينظر يقول هذا الذى يبدو أقوى من حيث الدليل أقوى هذا موضوع ثانى لكن ضمن دائرة الهدى أقول دائما لبعض الإخوة أقول المذاهب الأربعة بركة عذبة وما خرج عنها عذاب إذا أردنا أن نعذب أنفسنا فى الدنيا والاخرة فلنخرج ولما خرج الناس ابتلوا فالأخ السائل أن أريد أن أعلم هضم هذا أم لا فأنا ما أدعوه لاتباع أبى حنيفة ولا لاتباع الشافعى ولا لاتباع الإمام أحمد ولا لاتباع مالك مع أنهم أحق بأن يتبعوا من غيرهم ما أدعوه لفهم فهم مقرر بكتاب وسنة حسبما فهم سلفنا الكرام الصحابة رضى الله عنهم أجمعين ولا يوجد مذهب من المذاهب الأربعة إلا وعمدتهم وأدلتهم كتاب الله سنة رسوله عليه الصلاة والسلام إجماع قياس صحيح سوى إذ كان عندك بعد ذلك ما يخالف هذا هاتى مسألة قل هذه ليس قالها المذاهب الأربعة وليس عليها دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس وأنا عندى مسألة عليها دليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس هات حتى نجعلك إمام هذا الزمان ونترك أئمتنا الكرام هذا الكلام نظرى لا ينتهى ولذلك كما قلت صاحب السؤال إن أراد أن يأتى بمسألة الآن أو لاحقا أو فى أى وقت أنا مستعد له أو لغيره والأمة الإسلامية فى هذه الأيام فى عمى ما واحدا منا قرأ مختصرا من كتب الفقه فضلا عن المطولات والناس أعداء لما جهلوا.. الفقه أريد أن يتعلم حديثين فى العبادات ويصبح بعد ذلك مفتى الثقلين فقط يؤلف له ذاك كتب صلاة النبى عليه الصلاة والسلام واحد أخذ صفة وضوء النبى عليه الصلاة والسلام.(130/11)
يا معشر المظلومين متى صار الفقه الذى يعالج أمور الحياة من أولها لآخرها فى رسالة أو رسالتين صغيرتين هل البحث فى قضيتين يشكل فقها البحث فى قضيتين يشكل فقها عندما تبحث الآن عندنا فى فقه أئمتنا على أى مذهب كان تذهب من الطهارة وتنتهى بعد ذلك بالجنايات أوليس كذلك والحدود والعقوبات بدأت بطهارة وعبادات جئت إلى معاملة جئت إلى أنكحة جئت جئت انتهيت أمور الحياة من أولها إلى آخرها مرصوصة مرتبة بأحكام مأخوذة من أدلة شرعية هذا ينشر لك يريد من إصدارين أو ثلاثة يجمع فقها للأمة الإسلامية يا عبد الله هذه مضيعة أتريد ان تضيع الأمة بذلك تريد ان تضيعها دعهم يأخذوا صفة صلاة النبى عليه الصلاة والسلام من كتب السنة ومن كتب أئمتنا لا تأتى تشغلهم بهذا وتقول هذا هو الفقه ثم تقول بعد أبو حنيفة نهى عن تقليده والشافعى نهى عن تقليده يعنى أمرونا بتقليدك أنا أريد أن أعلم عندما نهانا الشافعى عن تقليده قال قلدوا الألبانى أو قلدوا غيره هى هى فإخوتى الكرام لا بد وعى القضية فى هذا الزمان نعم شباب طيب بارع يأتى يغرر يقال له الكتاب والسنة الكتاب والسنة لعنة الله على من يخرج عنهما ولعنة الله على من لم يحتكم إليهما لكن يا أخى ليس الكتاب والسنة مع هؤلاء وليس مع أئمتنا أولى الناس بالكتاب والسنة أئمة الإسلام فلا بد من وعى إخوتى الكرام لا بد من وعيه سبحان ربى العظيم حديث واحد يأتى هذا يستدل به على قضية وهذا يستدل به على قضية حسب مفاهيم البشر هذا موجود منذ زمن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فحتما للفوضى إذن لا تأتينا أهواء شاذة فى هذه الأيام.. أما نقول نحن مرارا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلف الأمة, سلف الأمة من هم..الذى انحصرت مفاهيمهم فى هذه القضية.(130/12)
إخوتى الكرام: آخر مبحث الآن معنا فى توريث الغرقى والهدم وبعضهم من بعض المذاهب الأربعة عندما يقدم على قولين فى هذه المسألة هل رأيتم قولا من هذين القولين خرج عن أقوال سلف الأمة ما دام من الصحابة إلى التابعين إلى أن استقرت الأقوال عندهم هذا يقول عمدتى من حيث الأدلة العامة كذا الأصل أن الغرقى والهدم والكذا على قول الإمام أحمد الثانى رضى الله عنه وأرضاه أنهم أحياء لا يرث بعضهم من بعض وهذا الأصل لا نتركه لشك ثم عندنا أدلة أخرى منقولة آثار وأولئك يقولوا الجمهور يقول عندنا هذا الشك فى سبب استحقاق الغرقى والهدم ومن يموتون فى موت جماعى شك فى حياتهم ولا توريث مع الشك هذه قضية مستنبطة من أدلة شرعية ثم انتبه وعندنا آثار يرد آثارا عن الصحابة الأبرار رضى الله عنهم أجمعين هذه هى القضية هات لنا قولا ثالثا فى المسألة ماذا ستقول وهذه كما قلت لك فى كل مسألة لذلك لا يأتى إنسان يدلس علينا أحيانا كما قلت لكم وضوء النبى عليه الصلاة والسلام يا أخى ما يتكون الفقه وقضايا المسلمين لا بوضوء ولا بطهارة ولا بصلاة عندنا فقه متكامل لجميع شؤون الحياة وهذا كما قلت يعجز أن يقوم به فرد أمة متكاملة تنقح وتحقق وتهذب وتستبين وتقرر حتى آل الأمر إلينا وقلت مرارا من أعظم معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذه الأمة فقه الفقهاء هذه هى التى هى أكبر معجزات خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام..(130/13)
أن نسمع بها فى هذه الأيام تحت ستار الاجتهاد وتقليد فلان وفلان من العباد يا جماعة هذه سفاهة فإخوتى الكرام لا داعى مثل هذا ينبغى أن يعى ما يقول نعى ما نقول ما الدليل ما الدليل ما أعلم ما الدليل الدليل كما قلت بالاستقراء والاستقراء هذا أعظم الأدلة برهانا ما يوجد مسألة إلا ولها فى المذاهب الأربعة حكما ومستنبطة من الكتاب والسنة عندك شىء يخرج عن هذا هاتى لنا لنبحث معك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام أن نكون على بينة من أمرنا وإلا بعد ذلك كما قلت ضجيج ضجيج ما أكثره والتلبيس بالباطل فى هذه الأيام فإنه صار يعنى شعارا.(130/14)
جاء مرة بعض السفهاء القصة يوردها الإمام ابن الجوزى فى كتابه الأذكياء جاء بعض السفهاء من حمقى اليهود الأمة الغضبية الذين لعنهم رب البرية جاء على زعمه يريد أن يفتن المسلمين بتلبيس من الكلام يأتى للعامة يقول أتؤمنون بنى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال نؤمن هذا نبى الله نجى الله كليمه أتؤمنون بالتوراة وأنها حق قالوا نؤمن أنزلها الله على نبيه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال إذن أجمع المسلمون واليهود على الإيمان بموسى والإيمان بالتوراة لكن معشر اليهود نكفر بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام فدعونا على ما أجمعنا عليه واتركونا مما اختلفنا فيه نحن..(130/15)
حقيقة أمام الناس السذج يخدع العامة حقيقة يعنى كيف سنناظره أما مجمعون عليه دعونا عليه والذى اختلفنا فيه دعونا من هذه الفتنة فقام شاب عمره خمس عشرة سنة ما نبت فى وجهه لحية قال أنا أناظرك فيما تقول قال أنت ستناظرنى هؤلاء رجال كبار ما أحد يرد على من العامة فاستخف قومه فأطاعوه قال أنت ستناظرنى قال أنا أناظرك الآن وإذا غلبتنى أنا أكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن وإذا غلبتك آمن بمحمد وبالقرآن وهو نبى الله حقا وصدقا كما آمنا نحن بموسى وبالتوراة قال أسألك أو تسألنى هذا اليهودى لهذا الشأن قال بل أنت ابدأ أنت سل ماذا تريد قال أتؤمن بنبى الله موسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام قال عن أى موسى تسأل عن موسى ابن عمران الذى بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام وأخبر عنه نبينا عليه الصلاة والسلام فأنا أومن به هذا رسول الله حقا وصدقا وإذا كان سؤالك عن موسى الذى لم يبشر بالنبى عليه الصلاة والسلام ولم يأمر باتباعه إذا ظهر فهذا شيطان مريد لأننا لا نؤمن به تمعر وجه اليهودى لكن لعله يجد له كما يقال مطبا ذهب لقضية ثانية قال تؤمن بالتوراة قال عن أى توراة تسألنى التوراة التى أنزلها الله وبها البشارة بمحمد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن أومن بها كلام الله وأما إذا كان سؤالك عن التوراة التى ليس فيها البشارة بخير المخلوقات عليه الصلاة والسلام فأنا كافر بها هذه من وساوس الشياطين بقى أن أجمعنا واختلفنا..(130/16)
أجمعنا على موسى واختلفنا فى محمد عليه الصلاة والسلام أجمعنا على الأمرين أو جلست نبذ الأمرين قال له هذا اليهودى أريد ان أكلمك فيما بيننا قال طيب فدخل إلى الحجرة فبدأ يسبه بأمه وأم من علمه باللفظ الصريح لا يكنى بالكذا وكذا بأمه كذا وكذا لكن الشاب عنده عقل فضبط نفسه قال دعك من هذه السفاهة يقول فيك كذا وفى أمك كذا وفى أم من علمك كذا هذا اليهودى فضبط نفسه وما أجابه بشىء قال عندك شىء ثانى قال نخرج إلى الناس فقال لهم هذا الشاب الحذر قال ترونى أننى غلبته وكسرته قالوا نعم أنت على الحق وهو الآن مجابه بالباطل قال تدرون ماذا قال لى هذا الخبيث أدخلنى إلى الحجرة وسبنى بأمى وأم من علمنى باللفظ الصريح لا يكنى يريد منى أن أضربه من أجل أن يضيع الحق وسط الضجيج فدونكم هذا الخبيث فافعلوا به ما تريدون فقاموا عليه بالنعال وهو يهرب منهم هذا حقيقة..فلا بد إخوتى الكرام تلبيس ما لم نعرف التلبيس لا بد من أن تضع الأمر فى موضعه السوى السديد الرشيد أما التلبيس التلبيس ما أكثره ما أكثره التلبيس ونسأل الله أن يحسن ختامنا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الكرمين.(130/17)
بعض الإخوة ما أعلم حضر معنا درس الفرائض ما كان فى نيتى يعلم الله أن أثير هذا ولا أتكلم يأتى عليه كلام إن شاء الله ووضع الحق فى نصابه حول حديث معجم الطبرانى الأوسط وكما تقدم معنا رواه أبو نعيم فى الحلية من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يبعث إلى المطاعم فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدى المسلمين الألبانى حسنه كما تقدم معنا فى صحيح الجامع وقال حسن وأحال على الأحاديث الصحيحة وقلت لبعض الإخوة أحضرها لى لأنها ليست عندى فلما أحضر لى المجلد الخامس نظرت فيه يقول أيضا حديث حسن كتب حوله صفحة رجع الآن يقول هذا حديث منكر أحضر لى بعض الإخوة بخط يده ثمانى صفحات أن هذا حديث منكر وقال أنا كنت أخطأت فيما قلته سابقا لكن فلان ويقصدنى يقول كذب وغش ودلس عندما قال إن الحديث صحيح فهل تنسب هذه لنفسك لما أنا كذبت ودلست وغششت عندما قلت إن الحديث صحيح أنا لاصححت ولاضعفت نقلت كلام الإمام الهيثمى وكلام أئمتنا فى تصحيح الحديث ورجال الحديث كما سيأتينا رجال الصحيح لقد أحلت أما أنت أنت لا تقبل لا بكلام الهيثمى ولا بكلام غيره إلا إذا أردت أن تستر عورتك تأتى تتستر بكلام الأئمة فجئت تقول هذا الحديث حديث حسن لما ظهر فيه ما يرد على تشويشكم من أنه لا يجوز التبرك بآثار الصالحين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام كان يفعل هذا وهذا كما يقال قطعت جهيزة قول كل خطيب قالوا إذن لا بد محاولة وأن نناطح بقرون عجيبة(130/18)
جاءنى راو اسمه إسماعيل أوليس كذلك حسان ما هذا حسان من رجال الصحيحين جاء يتكلم عليه وكما قلت فى ثمانى صفحات يأتينا الكلام على هذا لكن أنت تحسنه فى مكان من كتبك من اجتهادك ثم تنقض اجتهادك هلا قلت عن نفسك إنك غاش مدلس كذاب يعنى لما أنت تتهم غيرك إذا أنت أخطأت قل غيرى أخطأ قل غيرى قال هذا الحديث صحيح أخطأ كما أخطأت أنت..أو قل غيرى كذب وأنا أكذب منه المسألة سهلة أيضا يعنى أحد أمرين أما غيرى كذاب وغشاش ومدلس يقول هذا صحيح قال ليس بصحيح وأنا يعنى أخطأت فقط لما يا عبد الله لما أريد أن أعلم ...(130/19)
إذا كنت تحكم على غيرك بالكذب وقل وأنا معه وكلنا فى الهم شاكو كلنا نكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام فى هذا الوقت والله سيحكم هل أنا كذبت أو أنت نعود إليه وإذا كنت تلتمس لنفسك عذرا فالتمس أيضا لأخيك عذرا قل هذا صححه وهو مخطأ وأنا استبان لى الرجوع لكن هو مصر على رأيه لا بأس بذلك أما موضوع غش وكذب ودلس لما يا عبد الله هذا لما أنا أريد أن أعلم لما وكلامه كما قلت الذى ذكره فى ثمانى صفحات نقف عنده إن شاء الله بعض الوقفات فيما يأتى وأذكر لهذا نظائر من كلامه لنقف على بينة من الأمر ولنرى الضجيج حول أئمتنا الذين يتهمونهم بأنهم يقولون القول ويرجعون عنه ما من الذى يقول القول ويرجع عنه من الذى كان يقول إن الصلح مع اليهود لا يجوز من دعاة السلفية أم نحن أريد أن أعلم ولا أقصد إخوتى الكرام انتبهوا من السلفية السلف الصالح أقصد من لهم حزب فى هذه الأيام يسمون أنفسهم سلفية حزب تام لكن اسمه سلفية كانوا يقولون لا يجوز وأصدروا الفتيا تلك تلو الفتيا والاستنكار تلو الاستنكار لما حصل من علماء مصر من بعض علماء مصر فى إقرار الصلح أوليس كذلك آخر ما نطالع به فى هذه الأيام أن الصلح مع اليهود جائز وجائز جوازا مطلقا بغير قيد ولاكما يقال شرط إلى بطاقة مفتوحة وأى صلح يا إخوتى الكرام إن واضع صلح اليهود مع المسلمين والمسلمين مع اليهود لا يدخل تحت الموازين الشرعية ولا باعتبار المناسبة الصلح أن نضع الحرب بيننا وبينهم إذا هناك دولة إسلامية من أجل أن نتقوى لنوقفهم عند حدهم هذا هو أما أن يحصل سفارات كما أنتم تقولون هذا جائز ودبلوماسيات ومعاونات ومساعدات وبعد ذلك تطبيع علاقات على تعبيرهم واليهودى يكرم كما يكرم النصرانى هذه لا بد من وعيها فى بلدان المسلمين أكثر من المسلمين اذهب الآن لأى بلد أنت ليأتى أمريكى أنت تقف فى طرف الطابور كالكلب الأسود حتى وذاك الأمريكى تؤخذ له التحية وأبواب بغير يدخلها من غيرأن يوصد(130/20)
أمامه باب هذا موجود إخوتى الكرام هذا فى بلاد المسلمين أمريكى بيرطانى المقصود يحمل الجنسية النصرانية الملعونة هذا مفتوح له الباب يأتى مسلم يضرب هنا وهناك واليهودى عما قريب ستجدونه فى بلاد المسلمين أنت صاحب اللحية ستوقف فى المطار يحقق معك وقد يبصق على لحيتك وبعد ذلك ذاك تضرب له التحيات هذا صلح يقره دعاة سلفية أنا أريد ان أعلم عندكم عقول عندما تبحثون فى الواقع أم لا فى القضايا الشرعية.(130/21)
الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثامن والعشرين فى مجلد الجهاد لكن فى أى صفحة ما عاد استحضره لعله فى حدود خمسمائة وستين فى هذه الحدود ستمائة وستين فى هذه الحدود يبحث من أراد أن يهاجم أعداء الله على تعبيرهم يجعل العلاقات بيننا وبينهم دون يعنى قيد وشرط نتناسى بعد ذلك ما بيننا من جراحات يقول هذا بين ثلاثة أقسام إما أنه كافر خبيث مثلهم يتظاهر بالإسلام وإما أنه قال ما قال بواسطة ترغيب وترهيب كما لو بلطلوه أو رغبوه أوحذروه فى شىء فرع هذا وأما وهذا الثالث يقول يجهل واقع المسلمين يجهل ما يقول هذا أحد أمور ثلاثة أم الإنسان يأتى يقول أعداؤه خلص وسفارات تفتح ولازم أن نأخذ تأشيرات منهم هذا ما يقول عن اليهود فقط عن الكل هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه وأين نسير أو أمكننا أن نغيره على الأقل ما يقال يقول هذا كله ضلال والحياة تعيش فى جاهلية ونشكو أمرنا إلى رب البرية أما أن تأتى تصدر فتوى شرعية فى هذه أو فى تلك هذه ما يفعلها أبو حنيفة ولا يفعلها الشافعى لا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه ضرب مائة سوط فى عشرة أيام على أن يلى القضاء فما وليه هذا لا بد من وعيه هذه ديانة أبو حنيفة وهذا ورعه وهذه إمامته وأما نحن نسارع فى هوى من يريد أن يجعل ديننا مطية لدنياه وأشقى الناس من باع دينه بدنيا غيره هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه فى هذه الأيام ثم بعد ذلك ليتنا عرفنا حالنا وقلنا إلى الله نشكو ضعفنا لا المذاهب الأربعة هذه وثن طاغوت احذروه يا عبد الله لو قلت هذا تقوله فى زمن يعنى كما يقال هارون الرشيد فى زمن السلطان عبد الحميد ليس هارون دولة إسلامية يقال لا بأس يريد منا أن نرجع تقول هذا فى أى وقت فى وقت خسرنا فيه الدنيا والآخرة ضيعنا الدين والدنيا وجئت فقط ما بقى عندك سلاح إلا تتهجم به على أئمتنا فقط المذاهب فى الأصل كلها محكيات من الدنيا إنك أيضا من نحى كتاب الله وسنة(130/22)
رسوله عليه الصلاة والسلام خلاص الآن تهجم عليها لماذا يعنى حتى الآن تريد أن تجهز عليها حتى من أذهان المسلمين ما بقى لها عمل فى الواقع حتى من أذهان المسلمين هذه طواغيت وذكرت لكم كلام بعض السفهاء حول هذه المذاهب ولذلك إخوتى الكرام كما قلت لو وعينا نحن ما نقول لما كررنا مثل هذا السؤال ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
إخوتى الكرام: أما الموضوع الذى نتدارسه سنتدارسه إن شاء الله الآن وهو كالتكملة للأمر الثالث من الأمر الثالث أى حول الأدب النبوى الذى ينبغى أن نحافظ عليه عند وجود الطاعون فى بلدة دخولا وخروجا يرتبط بهذا أمر العدوى وردت أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنفى العدوى وأجزم بتواترها وقلت لكم مرارا الحديث دائما إذا جمعت طرقه ومخارجه وتعدد رواياته يزداد الإنسان بصيرة به وبالوثوق منه أنه صدر من نبينا عليه الصلاة والسلام سأذكر لكم ما يزيد على عشر روايات كلها ثابتة عن خير البريات عليه الصلاة والسلام فيها نفى العدوى ثم أشير إلى ما فى ظاهره يعارض هذا وأنه يوجد عدوى وأنه ينبغى أن نفر من المجذوم كما نفر من الأسد وأن مجذوما جاء للنبى عليه الصلاة والسلام يبايعه فقال ارجع فقد بايعناك كما فى صحيح مسلم وغيره وما رضى أن يقابله ولا أن يضع يده بيده عليه الصلاة والسلام هذه لا بد من الجمع بينها وهى ترتبط بمبحثنا وإن كانت من باب التكميل فلا تتعلق بمبحث الطاعون والجن لكن ستأتينا ضمن مباحث سنن الترمذى لن أتكلم عليها إذا جاءتنا بكلمة وأحيل إلى ما سبق بعون الله جل وعلا استمعوا إلى بعض هذه الأحاديث إخوتى الكرام.(130/23)
الحديث الأول: ثابت فى المسند والصحيحين وسنن أبى داود والترمذى وابن ماجة فهو فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى أوليس كذلك ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده والبيهقى فى السنن الكبرى من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه وانظروا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء الثانى صفحة واحدة وثلاثين وستمائة فى جامع الأصول الآن سيعزوه إلى كم كتاب ممن ذكرناه هاتوا لا يعزوه إلى أربعة فقط وأبى داود والترمذى فقط البقية ما له علاقة به ابن ماجة ليس له علاقة لأنه ليس من اصطلاحه لأن الكتب الستة على اصطلاحه ولذلك رمز له خمدت وقلت لكم كتاب عظيم نافع فيما يتعلق بالأحاديث التى فى الكتب الستة يبين لك هذا الحديث أين روى فى هذه الكتب التى هى السنن الثلاثة والصحيحين مع موطأ الإمام مالك رضى الله عنهم أجمعين لفظ الحديث عن أنس ابن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا عدوى ولا طيرة ويعجبنى الفأل قالوا وما الفأل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال كلمة طيبة] .(130/24)
وفى لفظ للبخارى ويعجبنى الفأل الصالح وهى الكلمة الحسنة ولمسلم مثله وقال ويعجبنى الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة لا عدوى ولا طيرة سيأتينا ضمن مراحل البحث قوله يعجبنى الفأل الاستبشار هذا ويعنى الفرح والرجاء بكلمة حسنة تسمعها كما لو كان الإنسان مريضا ومر بإنسان قال ما اسمك قال جابر يقول إن شاء الله علامة جبر وشفاء بإذن الله جل وعلا يعنى هذا يستبشر به قال ما اسمك قال معاذ يقول يحصل لنا إن شاء الله تحصنا بالله جل وعلا بوجود هذا الاسم المبارك هذا هو الفأل فيرى مذموما تتشائم إذا رأيت شيئا تتشائم منه ويستحب لك أن تتصف كما قلت بهذه النفس الطيبة أن تستبشر من أمور الخير كل ذلك يستحب تحسين اسم الإنسان لما يأتيك إنسان مثلا اسمه حسن حقيقة حسن إن شاء الله يدل على حسن وكمال والأمور ميسرة بإذن ذى العزة والجلال اسمه سهل اسمه سهيل ولو جاءك صعب فى الحقيقة صعب صعوبة فيها لا نتشائم من هذا اللفظ لكن أيضا لا يوجد فيه فأل هذا فيه تفاؤل فى الأسماء الحسنة هذا لا نتشائم منه.
إخوتى الكرام: كما قلت الحديث فى السنن الكبرى للبيهقى فى الجزء الثامن صفحة تسع وثلاثين ومائة انظروه فى منحة المعبود فى تفسير مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة ورواه الإمام الطحاوى أيضا فى شرح معانى الآثار وما ذكرته انظروه فى الجزء الرابع صفحة ثمان وثلاثمائة ثلاثمائة وثمانية هذه الرواية الأولى وهى صحيحة صحيحة فى أعلى درجات الصحة فى الصحيحين.(130/25)
الرواية الثانية: فى المسند أيضا والصحيحين وسنن أبى داود والترمذى والنسائى بدل ابن ماجة الآن النسائى يعنى فى السنن الأربعة إلا ابن ماجة وهناك فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى ورواه الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار هذا الرواية الثانية وهو فى جامع الأصول فى المكان المشار إليه ورواه الإمام مالك فى الموطأ ولذلك رمز له ط لأنه ضمن اصطلاحه وهنا رمزه الآن إلى الستة الستة تماما خمطتدس عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم فى ثلاث فى الفرس والمرأة والدار] وفى رواية قال ذكروا الشؤم عند النبى عليه الصلاة والسلام فقال إن كان الشؤم ففى الدار وفى المرأة وفى الفرس ولمسلم فى المرأة والفرس والمسكن والمراد من الشؤم هنا إخوتى الكرام ليس التطير المنهى عنه إنما المراد منه هنا ما يحصل منه شدة وعسر وضيق ونكد وكرب وهم وغم على الإنسان لهذه الأمور الثلاثة فهذه أبرز وأكثر ما تسبب له ضيق الحياة ضيق الصدر أولها المرأة نعوذ بالله منها إذا كان جار السوء فى دار مقامة نتعوذ بالله منه فكيف بالتى لها مزيد يعنى صلة بك عن جار السوء على جار السوء حقيقة هذه أشنع امرأة والثانية مسكن وشؤم المسكن ليس كما قلت نتطير نتشائم لكن شؤم ما هو الضيق الذى فيه الكرب الذى يحصل لك منه ضيق الحجرة عصر المنافذ خبث الجيران هذا كله إذا ابتليت بسكن يعنى من هذا أعانك الرحمن والثالث فى الفرس عنده سيارة كالبرص إذا ذهب إلى عمله تقف معه فى الذهاب وإذا عاد تقف معه فى الإياب ذاهب آيب لأنها قديمة تعبانة تحتاج إلى تصليح باستمرار يعنى ما يأخذه لا يكفى تصليحا للسيارة أهذه السيارة كان بعض إخواننا يقول لى يقول ما رأيت سيارة فلان إلا واقفة فى الطريق قلت فى الطريق أى طريق يقول أبدا ما رأيت إلا فى الطريق غير الطريق لا أراها اذهب أراها أما متوجهة لهذه الجهة أو لهذه الجهة هذه حقيقة توجب(130/26)
للإنسان نكدا فهذا هو الشؤم الذى فيها أنك تتطير إنما هذا كما قلت شؤم شدة يعنى عسر فى هذا الأمر كرب حقيقة إذا كانت المركب بهذه الحالة ففى الحياة يعنى من الشدة ما فيها رواية ثانية كما قلت.
رواية ثالثة: فى المسند والصحيحين وسنن أبى داود والحديث رواه الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار ورواه البيهقى فى السنن الكبرى وهو فى جامع الأصول صفحة أربع وثلاثين وستمائة ففيه ثلاثة مصادر مما ذكرت فى الصحيحين وسنن أبى داود فقط ولفظ الحديث من رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال إن النبى صلى الله عليه وسلم قال [لا عدوى ولا صفر ولا هامة] العدوى سيأتينا الكلام عليها والصفر تقدم معنا وفسرته بأمرين إما التشاؤم بدخول صفر وكانوا لا يتزوجون فيه ولا يزوجون ولا يبيعون ولا يشترون ويمسكون فيه عن أمور الدنيا وعن التجارات شهر صفر وكانوا أحيانا يحلونه ويحرمونه يتلاعبون بالأشهر الحرم ويجعلون مكانه شهر صفر لا صفر والثانى تقدم معنا داء يأخذ فى بطن الإنسان أيضا يقولون هذا بواسطة يعنى حيوانات تكون فى البطن من القوى الشريرة الخبيثة التى هى من الجن وهى يتشائم بها فهذا لا وجود له ولا هامة الهامة أيضا تقدمت منا على تعبير الجاهلية أن المقتول الميت إذا مات يطير من عظامه طائرا اسمه هامة يقول اسقونى اسقونى فلا يزال يصيح حتى يأخذ أهله بثأره هذه لا هامة يعنى لا حيوان طائر اسمه هامة ينادى هذا كله تخيل ووهم لا ثبوت له فقال أعرابى يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فما ذلك الإبل تكون فى الرمى كأنها الظباء الغزلان أنت تقول لا عدوى عليه الصلاة والسلام نحن نرى الإبل تكون كأنها الظباء فيأتى البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها فقال عليه الصلاة والسلام فمن أعدى الأول قال البخارى ورواه الزهرى عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن سنان ابن أبى سنان وفى رواية سنان وحده بنحو ذلك وفى رواية لأبى سلمة أنه سمع أبا هريرة بعد يقول قال النبى صلى الله عليه(130/27)
وسلم [لا يوردن ممرض على مصح] والممرض الذى عنده إبل مريضة والمصح إبله صحيحة لا يوردن ممرض على مصح على من عنده إبل صحيحة سليمة وهذه الجملة لا يوردن ممرض على مصح كما قلت فى رواية البخارى ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه فى الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين وهى فى السنن الكبرى للبيهقى وفى شرح معانى الآثار للإمام الطحاوى وأنكر أبو هريرة رضى الله عنه حديثه الأول لا عدوى بعد ما روى لا يوردن ممرض على مصح أنكر أنه روى حديث لا عدوى قلنا ألم تحدث أنه لا عدوى أنت تقول لا عدوى تنقل عن النبى عليه الصلاة والسلام ثم تأتى بحديث ظاهره يثبت العدوى وهو لا يوردن ممرض على مصح من كانت عنده إبل مريضة فيها جرب فلا يوردها على من عنده إبل صحيحة ظاهره من أجل العدوى ظاهر ألم تحدثنا بأنه لا عدوى فرطن بالحبشية يعنى تكلم بكلام لا يفهم وهو مغضب عندما عارضوه وقالوا أنت حدثتنا والآن تحدثنا بشىء آخر فرطن بالحبشية أى تكلم بكلام لا يفهم من غضبه قال أبو سلمة فما رأيته نسى حديثا غيره وهو لا عدوى هذا نسيه يعنى يقول ما أعلم أنه له أيضا نسى إلا هذا الحديث وفى رواية أخرى عن أبى سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى وتحدث أن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يورد ممرض على مصح قال الزهرى قال أبو سلمة كان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم صمت أبو هريرة رضى الله عنه بعد ذلك عن قوله لا عدوى وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح على هذه الرواية قال فقال الحارث ابن أبى ذباب وهو ابن عم أبو هريرة رضى الله عنهم أجمعين قد كنت أسمعك يا أبو هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكت عنه كنت تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال لا يورد ممرض على مصح فما رآه الحارث فى ذلك حتى غضب فماراه جادله فماراه الحارث فى ذلك وهو ابن عم أبو هريرة فماراه الحارث فى ذلك حتى غضب(130/28)
أبو هريرة فرطن بالحبشية فقال للحارث أتدرى ماذا قلت قال لا قال أبو هريرة إنى قلت أوتيت يعنى لابن عمه للحارث يعنى أنت الآن يعنى أوتيت من قبل جهلك وعدم وعيك وعدم استيعابك للكلام يزجره بهذا قال أبو سلمة ولعمرى لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى فلا أدرى أنسى أو نسخ أحد القولين الآخر.
وفى رواية أخرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طيرة وخيرها الفأل قيل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما الفأل قال الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم أخرجه البخارى ومسلم وفى لفظ للبخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وله فى أخرى زيادة وفر من المجذوم كما تفر من الأسد وهذه الرواية فى مصنف ابن أبى شيبة فى الجزء الثامن صفحة عشرين وثلاثمائة وفى الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين وفى رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا هامة ولا صفر إلى آخر الحديث هنا فى زيادة فى رواية مسلم ولا نوء وهى الأنواء التى كان المشركون ينسبون نزول الأمطار إليها ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بالرب سبحانه وتعالى إخوتى الكرام هذا حديث أبى هريرة كما تقدم معنا فى الصحيحين وغيرهما(130/29)
رواية رابعة عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما رواه الإمام أحمد فى المسند ومسلم فى صحيحه ورواه الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار وهو فى جامع الأصول صفحة ثلاث وثلاثين وستمائة ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [لا عدوى ولا صفر ولا غول] أخرجه مسلم وتقدم معنا لفظ الغول إخوتى الكرام إذا تغيلت الغيلان تنادوا بالآذان تقدم معنا فى أول مبحث الجن وقلت المراد من نفى الغول نفى ما كان يتوهمه المشركون من أن هذه الغول تنفع وتضر تؤذى بنفسها وأن الإنسان إذا ذهب إلى ذلك المكان فينبغى أن يستتغيث بها وأن يعبدها وأن يقرب إليها القرابين من أجل أن لا تؤذيه فالأمور كلها بيد الله جل وعلا واستعن بالله ولا يضرك شىء كما تقدم معنا هذا هذه رواية جابر ابن عبد الله.
الرواية الخامسة: رواها الإمام أحمد فى المسند وأبو داود فى السنن والبيهقى فى السنن الكبرى والطحاوى فى شرح معانى الآثار وهى فى جامع الأصول صفحة أربعين وستمائة وإسناد الحديث حسن وقال عنه المعلق إسناده صحيح حديث صحيح وانظروه فى المسند فى الجزء الأول صفحة أربع وسبعين ومائة وصفحة ثمانين ومائة عن سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه وأرضاه وهو سعد ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة فى شىء والمراد من الطيرة هنا الشؤم والشدة والعناء والبلاء والكرب ففى الفرس والمرأة والدار كما تقدم معنا.(130/30)
الرواية السادسة: رواية السائب ابن يزيد رواها الإمام أحمد فى المسند والطحاوى فى شرح معانى الآثار وهى فى صحيح مسلم وقد قصر صاحب جامع الأصول فلم يذكرها فى هذا المكان وإذا كانت فى صحيح مسلم فهى على شرطه نعم المسند شرح معانى الآثار ليس على شرطه لكن هى فى صحيح مسلم انظروها فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وأربعين وسبعمائة بعد الألف من صحيح مسلم فى الطبعة التى حققها وضبطها ورقمها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقى عليه وعلى المسلمين أجمعين رحمة رب العالمين والحديث فى المسند فى الجزء الثالث صفحة خمسين وأربعمائة وفى شرح معنى الآثار فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثمائة من رواية السائب ابن يزيد رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [لا عدوى ولا صفر ولا هامة] .
هذه ست روايات الآن كلها صحيحة خمس روايات ما عدا رواية جابر كلها إما فى الصحيحين أو فى بعضهما أما رواية سعد فهى فى سنن أبى داود فقط فليست فى الصحيحين أو فى أحدهما والروايات الأخرى الباقية إما فى صحيح مسلم أو فى الصحيحين كما تقد معنا المقصود الآن الروايات الستة كلها صحيحة وفيها هذا القاسم المشترك لا عدوى.(130/31)
الرواية السابعة: رواها الإمام أبو يعلى فى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير وأبو نعيم فى حلية الأولياء كما فى الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين وأوردها الإمام ابن الأثير فى أسد الغابة بإسناده فى تراجم الصحابة رضى الله عنه أجمعين فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وانظر الحديث فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثانى صفحة أربع ومائة وصفحة ثمان وخمسين وخمسمائة فى ترجمة العبد الصالح عمير ابن سعد وهو من الصحابة الكرام وما روى إلا هذا الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة واحدة ومائة فى مجمع الزوائد وكرره الإمام الهيثمى فى الصفحة التى بعدها بنفس العزو فلما أعاده فى مكان واحد ضمن ترجمة واحدة حقيقة ما اهتديت لذلك ولا علمت قال باب فى العدوى والهام والطيرة وغير ذلك أورد الحديث كما قلت هنا بعد أورد بعده أربعة أحاديث أعاده بنفس الرواية ونفس التخريج ونفس الكلام كما سترون فعلقت هنا بالحاشية قلت لما أعاده لا أعلم يعنى هى هى أما المكان الأول صفحة مائة وواحدة ضمن باب واحد أيضا يعنى ولو ترجم ثانى يستدل به على قضية ثانية لا بأس ضمن باب واحد.(130/32)
لفظ الحديث من رواية أبى طلحة الخولانى قال بينما عمير ابن سعد فى نفر من أهل فلسطين وكان يقال له نسيج وحده هذا يقوله أبو طلحة الخولانى يعنى كان يسير على طريقة لا يشاركه فيها غيره فى صلاحه واستقامته وزهده وتألهه والذى نعته بذلك فاروق هذه الأمة وثانى الخلفاء الراشدين سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة اثنتين وثلاثين أخرج ابن عائذ عن ابن سيرين أن عمر رضى الله عنه سماه نسيج وحده لإعجابه به إذن عمير ابن سعد يقول قاد على دكان له عظيم فى داره والدكان هى المكان المرتفع من دكان مرتفع يجلس الناس عليه موجود الآن عند الناس من أجل الهواء وارتفاعه عن الأرض هذا يسمونه دكان عندنا يقولون لها يعنى دكة ويقولون المصطبة ما أعلم هل هذا يستعمل أو لا مصطبة فى مصر وفى السودان وعلى كل حال مكان مرتفع ينام الناس عليه فى الصيف وكذا بكثرة وهنا يجعلونه مجالس لهو على كل حال يقول قام على دكان له عظيم فى داره فقال لغلامه يا غلام أورد الخيل أوردها لتدخل ولتستقى وتشرب قال وفى الدار كور من حجارة أوردها لتستقى تشرب الماء كور وهو الوعاء الكبير قال فأوردها قال أين فلانة هى إحدى خيله يسأل عنها لما لم تورد يعنى الفرس الغلامية أين فلانة قال هى جربة تقطر دما أو تقطر ماء من شدة جربها شك أبو إسحاق قال أوردها فقال أحد القوم إذن تجرب الخيل كلها لو دخلت هذه الفرس الخيل كلها تصبح جرباء قال أوردها فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا طيرة ولا هامة فقيل له ألم تر إلى البعير يكون فى الصحراء يصبح عندكم فى المجمع فى كريه ضبطها رجعت إلى حلية الأولياء يصبح فى كركرته والكركرة هى الصدر للدابة كركرته يصبح فى كركرته أو فى مراقه ما سفل من بطنه كما تقدم معنا نكتة من جرب لم يكن وهنا أيضا نكتة كتبها ننلة طبعة المجمع والتصحيح كما قلت لكم من حلية الأولياء البعير(130/33)
يكون فى الصحراء ثم يصبح فى كركرته فى صدره فى مراقه ما سفل من بطنه كما تقدم معنا نكتة من جرب لم يكن قبل ذلك قال فمن أعدى الأول رواه أبو يعلى كما قلت والطبرانى باختصار وفيه عيسى ابن سنان الحنفى وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره وبيقة رجاله ثقات ومعنى الحديث ثابت قطعا وجزما فلفظ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ثابت فى الصحيحين ولفظ فمن أعدى الأول ثابت فى الصحيحين كما تقدم معنا واضح هذا فهنا عيسى ابن سنان الحنفى يقول وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات عليهم جميعا رحمة رب الأرض والسماوات عمير ابن سعد رضى الله عنه وأرضاه ولاه سيدنا عمر رضى الله عنه على بلاد حمص أميرا فى خلافته فلما تأخر خبره عن أمير المؤمنين خشى عمر رضى الله عنه وكان يتفقد عماله بكثرة أكثر مما يحاسب الشريك الشحيح شريكه من أجل رعاية مصالح المؤمنين فهى أمانة فخشى أن يكون جرى منه يعنى ما يجرى من بنى آدم إذا وسد وترأس فأرسل إليه أن يأتى فجاء من بلاد حمص إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يمشى على رجليه ما عنده دابة يركبها فقال له بأى شىء جئت قال جئت بخير عظيم وظن عمر أنه يقود معه المغانم والخيرات يعنى مما زاد عن تلك البلاد يؤتى به إلى مركز الخلافة الإسلامية فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه قال وما الخير الذى أتيت به قال عكاظ أتكأ عليها ونحلات أحمل فيها طعامى وكوز أشرب فيه قال ليس لك إلا ذاك قال هذا يكفينى ماذا تريد أكثر من هذا أنت أمير المؤمنين رضى الله عنهم أجمعين قال وعلى أى شىء جئت قال جئت على رجلى أمشى فتغيظ عمر رضى الله عنه على أهل الحمص وغضب وقال أما كان فيهم واحد يعطيك دابة تركبها أنت أميرهم وتمشى من هناك إلى هنا ما أحد يعطيك دابة تركبها قال ما أحد عرض على وما أردت أن أطلب من أحد وأنت استدعيتنى فجئت فلما تحقق من حاله وعلم صدقه قال عد إليهم قال أعفينى الآن لا ألى(130/34)
عملا بعد اليوم فأقاله عمر رضى الله عنه وأرضاه وأراد أن يتابع البحث عن حاله فأرسل بعض الناس إليه بمائة دينار وقال إن وجدته فى سعة فلا تعطيه إياها عد والدنانير معك وإن وجدته فى ضائقة فأعطه إياها وكان مسكنه خارج المدينة المنورة ومن الصحابة البررة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فبات فبقى عنده ثلاثة أيام فقال له عمير ابن سعد يا هذا يا هذا قد آذيتنى ما لى إلا طعامى وطعام أهلى لو أنت تشاركنا فيه يعنى خلاص اليوم الأول والثانى والثالث ما عندنا بعده يعنى الطعام الذى يكفينا تشاركنا فيه فقام وجئت هذا بعد أيام ثلاثة يبحث عن حاله وما يأكل جئت من عند أمير المؤمنين قال كيف حاله حفظه الله للمسلمين وكيف أحوال المسلمين ويسأله عن الصحابة الكرام وأحوال الأمة الإسلامية فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه فأعطاه مائة دينار قال مالى ولها قال أنفقها فى مصالحك وحوائجك وعلى ما شئت قال إن كان كذلك فلا بأس فأحضر ثياب زوجته وشقه وصر هذه الدنانير صررا ووزعها على من حوله وما ترك لنفسه دينارا يعنى خسر ثوب الزوجة ثم استدعاه عمر بعد ثلاث لا زال مراقبة أخرى هذا هو كما قلت الذى سماه نسيج وحده رضى الله عنهم وأرضاهم فلما استدعاه قال أين الدنانير التى أرسلت إليك وأعطيتك إياها قال يا أمير المؤمنين أعطانى إياها وخولنى أن أتصرف فيها هل تريد أن تستردها مرة ثانية قال ماذا فعلت فيها فى ثلاثة أيام فأخبره أنه وزعها وما بقى منها دينارا واحدا فأمر له بأوسق من طعام يأخذها وبملابس لزوجته قال أما الطعام فعندى ما يكفينى من طعام أنا وأهلى وأما هذا اللباس فزوجتى ليس عندها لباس آخذه منك يا أمير المؤمنين فأخذه وذهب إلى زوجه رضى الله عنهم وأرضاهم.(130/35)
انظروا ترجمته فى الحلية كما قلت إخوتى الكرام فى الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين وبعد أن أورد أبو نعيم هذا الحديث فى ترجمته قال لا نعلم أنه أسند غير هذا الحديث ما عنده إلا هذا الحديث يرويه عن النبى عليه الصلاة والسلام عندما قال يا غلام أين فلانة عن إحدى خيله خذ خيله ثم قال أوردها لا عدوى ولا طيرة ولا هامة والإمام الذهبى فى السير فى الجزء الثانى صفحة ثلثمائة يقول له حديث واحد وهو هذا وقد روى ابن منده بسند حسن كما فى الإصابة عن عبد الرحمن ابن عمير وهو ولد عمير ابن سعد قال قال لابن عمر رضى الله عنهم أجمعين ما كان بالشام أفضل من أبيك أفضل الصحابة الذين ذهبوا إلى بلاد الشام عمير ابن سعد رضى الله عنهم أجمعين وفى حلية الأولياء بعد أن جرى من عمر مع عمير ناداه جمع عمر الصحابة وقال تمنوا هذا فى الحلية وتقدمت معنا أمنية ثانية لسيدنا عمر فى ترجمة حذيفة وهنا أمنية قال تمنوا فقال بعضهم يتمنى أن يكون عنده قوة وجلد وأسقى الحجيج يعنى ينزح من ماء زمزم ويسقى الحجيج وقال بعضهم يتمنى يقاتل فى سبيل الله وقال بعضهم يتمنى أن يكون عندى مال لأتصدق به فى سبيل الله وكل واحد يتمنى فقال رضى الله عنه وأرضاه وددت لو أن عندى رجالا مثل عمير ابن سعد أستعين بهم فى أعمال المسلمين وقال هذا سابقا مثله فى ترجمة حذيفة قال وددت فى ترجمة حذيفة ابن اليمان هى القصة تقدمت معنا فى ترجمة حذيفة أو فى غيره؟ يا إخوتى ما تقدم معنا ترجمة لسالم نحن ترجمنا سابقا لحذيفة ابن اليمان راوى الحديث فعند ترجمته أوردت والخبر فى أسد الغابة فى الجزء الأول صفحة تسع وستين وأربعمائة قال تمنى فلما تمنى قال لكنى أتمنى رجالا مثل حذيفة ومعاذ وأبا عبيدة هذا موضوع آخر لكن هذا عند ترجمة من عند ترجمة حذيفة ابن اليمان هذا تقدم معنا إخوتى الكرام ما أوردت ترجمة سالم..(130/36)
انظر لى فى أى ترجمة لأننى أذكر أوردته فى ترجمة حذيفة وفيه هذا نعم تأكد وانظر إذا كان معك لأنى متأكد أنه فى ترجمة حذيفة رضى الله عنه وأرضاه أحد معه الدفتر السابق ترجمة حذيفة افتحوا عليها بسرعة إذا كان أحد معه ترجمة حذيفة فيها هذا الأمر أما إذا كان أبو عبيدة ومعاذ وحذيفة وسعيد فلا مانع..لا مانع لكن هؤلاء مروا معنا فى ترجمة حذيفة أنا على يقين منه لكن موضوع سعيد ابن..يحتاج لتحقق نعم فى الحلية لكن فيه تمنى اقرأ لى العبارة يا إخوتى سعيد تقدم معنا جعله أيضا فى بلاد الشام وله شأن رضى الله عنه وأرضاه لكن ما هى قصة تمنى أنا الذى أتذكر أن قصة التمنى مرت فى ترجمة حذيفة وأنا على يقين منها وقال هذا لكن هى فى أسد الغابة فى هذا المكان رجال كأبى عبيدة ومعاذ وحذيفة فإذا أيضا فى سعيد رضى الله عنه وأرضاه له شأن تقدم معنا حاله لكن يعنى تحتاج لتحقق تحقق منها إذا عندك اقرأه على إذا ما عندك نرجع إليه لكن فى ترجمة حذيفة مر معنا مثل هذه الأمنية والآن فى ترجمته هذا العبد الصالح عند رواية عمير ابن سعد إذا مرت معنا فى ترجمة غيره فلا بأس اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.(130/37)
الرواية الثامنة: أوليس كذلك رواها الإمام أحمد فى المسند إخوتى الكرام قبل الرواية الثامنة كما قلت الحديث فى الجزء الخامس صفحة واحدة ومائة فى صفحة اثنتين ومائة فى نفس الباب يقول هنا أيضا وعن أبى طلحة الخولانى قال دخلنا على عمير ابن سعد فى نفر من أهله فلسطين فذكرت عنده العدوى فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا طيرة ولا هامة رواه الطبرانى وأبو يعلى وبه قصة طويلة وفيه عيسى ابن سنان الحنفى وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات هو هو نفس الكلام فلما أعاده وما أورد بين هذا وذاك غير حديثين يعنى ما الحكمة من ذلك ما أعلم هل تكرار منه أو من الطابع أو فى شىء آخر خفى عليه العلم عند الله يعنى كما قلت الحديث أعيد مرتين فى باب واحد بنفس اللفظ والتخريج.(130/38)
الرواية الثامنة رواها الإمام أحمد فى المسندوهى فى المجمع فى الجزء الأول صفحة واحدة ومائة فى المكان المتقدم من رواية عبد الله ابن عمر ابن العاص رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [لا عدوى ولا طيرة ولا حسد] والعين حق وهنا لا حسد فهذا ذم ونهى للحسد فلا يحسد بعضنا بعضا وأيضا لا حسد لا يضر الحسد بإذن الواحد الأحد الفرد الصمد إذا كنت تحصن نفسك فمهما حسدت لا تصاب بأذى لكن إذا أنت ما حصنت نفسك هذا موضوع آخر الحسد يعنى إذا قلت على نفسك الرقى الشرعية والأدعية الشرعية كما سيأتينا عند تحصن الإنس من الجن وهكذا إذا قلت ما تدفع به عنك مضرة أعين الإنس وحسدهم لو قلت لا يضرك بعد ذلك حسد من يحسدك لا يضرك لا عدوى ولا طيرة ولا حسد والعين حق ولذلك حصنوا أنفسكم منها بالالتجاء إلى الله جل وعلا رواه أحمد عليه رحمة الله وفيه رشدين ابن سعد وهو ضعيف وقد وثق تقدم معنا مرارا رشدين ابن سعد قلت هو إمام مصر رجل صالح أخذته غفلة الصالحين من رجال الترمذى وابن ماجة القزوينى وتقدم معنا توفى سنة ثمان وثمانين ومائة للهجرة وهو رجل صالح إنما غاية ما فيه غفلة الصالحين ولذلك هنا ماذا يقول ضعيف والإمام الهيثمى فى المجمع فى نفس الجزء فى الجزء الخامس صفحة أربع وسبعين ومائتين يقول وثقه الإمام أحمد فى الصفحة أربع وسبعين يقول هنا وثقه الإمام أحمد وضعفه جماعة هذا فى حديث آخر وهذا ضمن حديث كنت ذكرته فى الموعظة الماضية لكن فى خطبة الجمعة لما جاءت المرأة التى ذهب زوجها فى الغزو وقالت تريد أن تعمل عملا من أجل أن تدركه وأن تلحقه فى المنزلة لأنها كانت تقتدى به وتصلى بصلاته تعمل بمثل عمله فبأى عمل الآن تنال منزلة الجهاد فقال عليه الصلاة والسلام لها تستطيعين أن تقومى فلا تقعدى وأن تصومى فلا تفطرى وأن تذكرى فلا تفترى قالت أنا أعجز من ذلك كيف أطيق هذا قال والذى نفس محمد عليه الصلاة والسلام بيده لو طوقتيه لما بلغت(130/39)
العشر من عمله الحديث تقدم معنا رواه أحمد والطبرانى وفيه رشدين ابن سعد وثقه أحمد وضعفه جماعة والحكم عليه كما قلت ضعيف من أجل حفظه لغفلة الصالحين التى فيه رضى الله عنه وأرضاه رشدين ابن سعد ومعنى الحديث ثابت وله الشواهد المتقدمة.
الرواية التاسعة: طيب نقرأ الروايات التى فى المجمع على الترتيب قبل أن انتقل إلى غيرها رواه أبو يعلى فى مسنده والطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثمائة من رواية سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صفر ولا هامة ولا يعدى سقيم صحيحا رواه أبو يعلى وفيه ثعلبة ابن يزيد الحمانى وثقه النسائى وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات وثعلبة ابن يزيد الحمانى لو فتحتم عليه لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة فى كتبهم إنما خرج له الإمام النسائى فقط فى فضائل على خصائص لعلى رضى الله عنه وأرضاه وهو جزء صغير فى حدود مائة صفحة خصائص على رضى الله عنه وأرضاه فالإمام النسائى يقول وثقه من ذلك خرج له فى هذا الكتاب لكن ما خرج له فى السنن هذا ثعلبة ابن يزيد الحمانى لا يعدى سقيم صحيحا بمعنى لا عدوى هذه صارت الرواية التاسعة أوليس كذلك طيب.
الرواية العاشرة: رواها الطبرانى فى معجمه الكبير والطحاوى فى شرح معانى الآثار من رواية أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا عدوى ولا صفر ولا هامة ولا يتم شهران ثلاثين يوما] قلت وله طريق أتم من هذه فى الديات فيمن قتل ذميا رواه الطبرانى وفيه عمرو ابن محمد الغازى لم أعرفه وعبد الرحمن ابن ثابت ابن ثوبان وثقه ابن حبان وغيره وضعفه النسائى وغيره وبقية رجاله ثقات قوله لا يتم شهران ثلاثين يوما هذا من باب الغالب فى الغالب لا يأتى يعنى فى الأشهر القمرية شهران متتابعان كل منهما ثلاثين يوما فى الغالب باعتبار الغالب وقد يحصل هذا الرواية العاشرة انتهينا منها.(130/40)
الرواية الحادي عشرة: رواها ابن حبان فى صحيحه والاطحاوى فى شرح معانى الآثار انظروا رواية ابن حبان فى موارد الظمآن صفحة ست وأربعين وثلاثمائة وهى فى شرح معانى الآثار صفحة سبع وثلاثمائة للإمام الطحاوى إذن فى صحيح ابن حبان وشرح معانى الآثار ولفظ الحديث من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما ما تقدمت معنا له رواية أوليس كذلك الرواية الحادى عشرة عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا طيرة ولا هامة ولا عدوى] .
الرواية الثانية عشرة: وهى الأخيرة رواها الطحاوى فى شرح معانى الآثار من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه بمعنى رواية أبى هريرة رضى الله عنه التى تقدمت معنا عن أبى هريرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لا عدوى فقال رجل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى آخره فى موضوع فمن أعدى الأول يقول هنا بعد ذلك حدثنا أبو أمية حدثنا قبيصة عن سفيان عن عمارة ابن القعقاع عن أبى زرعة عن رجل عن عبد الله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مثله وعبد الله هو عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وفى الإسناد رجل مبهم لم يسم ثم بعد ذلك أعاده فقال حدثنا ابن أبى داود بإسناد آخر أيضا عن أبى زرعة عن رجل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود عن النبى عليه الصلاة والسلام مثله إما رواية ابن عمر التى بعده تقدمت معنا وهى أول الروايات أوليس كذلك.
هذه إخوتى الكرام: اثنتا عشرة رواية منها كما تقدم معنا صحيح بنفسه ومنها ما هو منجبر بغيره تثبت هذا المعنى ألا وأنه لا عدوى ولا يعدى سقيم صحيحا.(130/41)
أسباب غنى المتزوجين (1)
(بحث)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
أسباب غنى المتزوجين (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لازلنا نتدارس مقاصد النكاح ولعلها تكون هذه آخر موعظة فى هذا الموضوع وننتقل بعد ذلك إلى ما بعده إن شاء الله وتقدم معنا إخوتى الكرام إن مقاصده الأساسية وحكمه البارزة كما تقدم معنا خمس.
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية سواء كانت حسية أو معنوية.
وثانيها: إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية.
وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته أيضا فى نفقته.
ورابع المقاصد: كما تقدم معنا تذكر لذة الآخرة.
وخامس المقاصد: وهو ما كنا نتدارسه ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وقرابته.(131/1)
إخوتى الكرام: الأمر الخامس كما قلت سأقرره بخمس آيات وقد تدارسنا أربع آيات ونحن نتدارس الآية الخامسة الأخيرة فى هذا الموضوع ألا وهى قول الله عز وجل وأنحكوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وقد تقدم معنا إخوتى الكرام تقدم معنا أن هذه الآية فيها عدة كريمة من رب كريم بإغناء المتزوجين وقلت هذا المعنى هو الذى دلت عليه آيات القرآن العظيم ووردت به أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وهو نقل عن سلفنا الطيبين وهو المقرر فى كتب أئمتنا المفسرين هذا انتهينا منه وقررت هذه الدلالات ثم استعرضت قولين ضعيفين مرجوحين الأول كما تقدم معنا قاله الزين ابن المنير وذهب إليه الإمام الرازى عليهم جميعا رحمة الله إنه ليس فى هذه الآية عدة بإغناء المتزوجين إنما لما ركز فى الطباع بأن النكاح مانع من الغنى لكثرة ما يتحمله المتزوج من نفقات وتبعات أراد الله أن ينفى هذا الوهم فأراد أن يخبر بأن هذا النكاح لا يمنع من الغنى فعندما أراد بأن ينفى هذا المعنى دل عليه بهذه الصورة وهو وجود الغنى مع النكاح والمقصود أصالة نفى الفقر بالنكاح يعنى لا يمكن أن يفتقر الإنسان إذا تزوج وإذا قدر له الغنى سيأتيه الغنى سواء كان متزوجا أو لا وتقدم معنا أن هذا القول مردود لما تقدم معنا من الأدلة والآثار.(131/2)
والقول الثانى تقدم معنا قال به الإمام الثعلبى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وخلاصته أن الله وعد المتزوج بالغنى كما وعد العزب بالغنى فإن قيل يقول فما الفارق إذن يعنى لمَ ذكر وعد الله بإغناء المتزوجين وهذا حاصل لغيرهم قال أيضا من أجل أن الإنسان إذا لم يتيسر له الزواج وكان عزبا فليستعفف حتى يغنيهم الله من فضله وإذا طلب الزواج وهو فقير فما ينبغى للمرأة ولا لأهلها أن يمنعوه لفقره فهو يستعفف ويصبر ويأمل الغنى من فضل الله وإذا خطب يزوج ولا يمنعهم فقره من تزويجه ويأملون الغنى من فضل الله وقلت هذا القول مع أنه أقل فى البعد من القول الذى قبله أيضا ظواهر ما تقدم معنا يرد هذا ولذلك قال الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى روح المعانى فى الجزء الثامن عشر صفحة تسع وأربعين ومائة عند تفسير هذه الآية الكريمة ولا يخفى عليك أن الأخبار الدالة على وعد الناحك بالغنى كثيرة ولم نجد فى وعد العزب الذى ليس بصدد النكاح من حيث هو كذلك خبرا ما ورد خبر بأنه إذا كان عزبا سيضمن له من المعونة والرعاية والعناية والتوفيق كما هو الحال فى حق المتزوج الفقير والعلم عند الله الجليل.
إخوتى الكرام: هذا كله تقدم معنا كما قلت وسأختم الكلام على هذه المسألة بأسباب حصول الغنى للمتزوج هذه الأسباب متنوعة متعددة كلها كما قلت تقرر هذا الأمر أعنى أن كل واحد من الزوجين يرتفق بزوجه وبما يترتب على مصاحبته لصاحبه من غنى فى هذه الحياة.(131/3)
أول هذه الأسباب سبب عادى وهو معروف عند البشر أجمعين أن الإنسان إذا تزوج يصبح عنده مزيد اهتمام بالكسب ويقوم بعد ذلك بالجد على وجه التمام فى السعى لتحصيل الرزق هذا سبب عادى لأنه يشعر بالمسؤولية كان هو بمفرده ولربما كان أيضا مع أسرته مع أبويه وإخوته لا يعنى لا يكلف بشىء لكن عندما استقل وصار بعد ذلك له بيت وهو قيم ومسؤول وصار عنده رعية حتما سيهتم لمصلحته ولمصلحتهم ولذلك سيبحث عن تحصيل الرزق وإذا تعرض لنفحات الله فتح الله عليه الرزق من حيث لا يحتسب ولذلك إخوتى الكرام كان أئمتنا يقولون الزواج قيد للرجال يقيده والإنسان قبل زواجه يكثر التطواف والأسفار ويذهب إلى هذه الديار وتلك الديار فإذا تزوج استقر فى الدار التى تزوج فيها ويبتعد بعد ذلك عن الذهاب والإياب قيد للرجال ولا يقوى عليه البطال, البطال يحب دائما أن يتجول هنا وهناك إما أنه لا يريد أن يتحمل مؤنة الزواج ولا يريد الفساد أيضا لكن يقول أصبر على عناء العزوبة وضغطها ولا أريد الزواج وإما أنه يريد الفساد ولا ريرد أن يتحمل مسؤولية فتح بيت وإنجاب ذرية همه أن يعيث فسادا هنا وهناك نسأل الله العافية لكن كما قلت هو قيد للرجال لا يقوى عليه البطال وأئمتنا كانوا يدركون هذا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين وهذا الأمر كما قلت مما هو مركوز فى فطر الخلق أجمعين.(131/4)
يذكر أئمتنا فى ترجمة العبد الصالح معمر ابن راشد وهو شيخ الإسلام أبو عروة معمر ابن راشد البصرى من بلاد البصرة من جهة العراق ذهب إلى اليمن لأجل تحصيل العلم وطلبه فأعجب به أهل اليمن وأحبوه وما أرادوا أن يفارقهم معمر ابن راشد فبدأوا يتشاورون فيما بينهم كيف سيستقر معمر عندنا فقال بعض الشيوخ الكبار قيدوه قالوا بأى شىء نقيده سيقيد من يديه ورجليه ويربط رضى الله عنه وأرضاه قال يعنى زوجوه إذا تزوج خلاص سيستقر عندكم ولن يفارق دياركم وكان كذلك حتى توفى فى بلاد اليمن سنة ثلاث وخمسين ومائة وحديثه فى الكتب الستة وقد نعته الإمام الذهبى فى السير فى الجزء السابع صفحة خمسة وترجمته أول ترجمة فى الجزء السابع قال إنه شيخ الإسلام أبو عروة البصرى نزيل اليمن فقد شهد جنازة الحسن البصرى عليهم جميعا رحمة الله فهو من أتباع التابعين الكبار وطلب العلم وهو حدث وكان من أوعية العلم مع الصدق والتحرى والورع والجلالة وحسن التصنيف قال الإمام أحمد لست تضم معمرا إلى أحد إلا وجدته فوقه لست تضم معمرا إلى أحد لتقارنه مع الرواة إلا وجدته فوقه وقال الإمام العجلى ثقة رجل صالح بصرى سكن صنعاء وتزوج بها قال العجلى ولما دخلها كرهوا أن يخرج من بين أظهرهم فقال لهم شيخ قيدوه فقيدوه عن طريق تزويجه فاستقر عندهم قال الحافظ فى التقريب هو فقيه ثبت فاضل وكما قلت فى سنة ثلاث وخمسين ومائة فى سير أعلام النبلاء والحاكم ابن حجر يقول سنة أربع وخمسين مائة ولعل واحدا منهما جبر الكسر والآخر ألغاه والعلم عند الله جل وعلا إذن الزواج قيد والإنسان إذا تزوج يشعر بالمسؤولية وبالتالى سيتحرك من أجل تحصيل الرزق ويجد ويجتهد وأئمتنا كانوا يشيرون إلى هذا فيقولون:
إن ذئبا أمسكوه ... وتماروا فى عقابه
قال شيخ زوجوه ... ودعوه فى عذابه(131/5)
إن ذئبا أمسكوه وتماروا فى عقابه بأى شىء يعاقبونه فقال أكبر القوم زوجوه وإذا زوجتموه هذه أكبر عقوبة له ودعوه فى عذابه خله يعانوا ما يعانى ويقاسى ما يقاسى من نفقة من إنجاب أولاد من رعاية لهم من من من هذه كلها تحتاج حقيقة كما قلت إلى جهد وأنا لما كنت أذكر هذين البيتين للأخوة سابقا عندما أذكرهما أقول:
إن ذئبا أمسكوه ... وتماروا فى عقابه
قال شيخ زوجوه ... ودعوه فى عذابه
ليس دعوه وخلصوه من عذابه حقيقة إذا تزوج يعنى يتحمل شيئا من العناء والجهد والتعب الظاهرى البدنى لكن يجد كما قال الله ومن آياته أن خلق لكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة وتقدم معنا ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون والزوجان كل واحد منهما للآخر كاليدين للبدن وكالعينين للإنسان وكالأذنين له وكالرجلين له يعنى لو فقد شيئا من ذلك إحدى الرجلين تعطل عن المشى إحدى اليدين تعطل أيضا عن مزاولة الحاجات على وجه التمام إحدى العينين إحدى الأذنين فإذن هذا لا بد من مراعاته أما أنه فى الدنيا يعنى يوجد لذة لا تنغيص فيها هذا لا يمكن أبدا كما تقدم معنا مرارا حتى الطعام نتعب فى تحصيله نتعب فى هضمه وأكله ونتعب فى إخراجه هذا لا بد منه لا يوجد فى الدنيا لذة كاملة إنما لذاتها مشوبة بالنقص والتنغيص والعكر والكدر اللذات الكاملة هذه فى دار الكمال بجوار ذى العزة والجلال فى الجنة كما تقدم معنا عند يعنى نقص هذه اللذة فى مدارسة هذا الأمر فى أول المبحث وذكرت الأمور العشرة فى بيان امتهان هذه اللذة ووجود النقص فيها وأنها لا تكون على وجه الكمال إلا فلا الآخرة فى دار كرامة الله جل وعلا إذن هذا إخوتى الكرام كما قلت الأمر الأول وهو سبب عادى لتحصيل الرزق الإنسان يتحرك يكون عنده كسل إذا تزوج لا بد أن يقوم بالعمل لا بد صار يشعر بمسؤولية.(131/6)
إخوتى الكرام: الإمام الذهبى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى ترجمة معمر ابن راشد فى السير ذكر كلاما حقيقة ينبغى أن نذكر به أنفسنا جميعا يقول عليه رحمة الله فى الجزء السابع صفحة سبع عشرة قال عبد الرزاق أنبأنا معمر قال كان يقال إن الرجل يطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله ونقل أيضا عن معمر أنه قال لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نية ثم رزقنا الله النية من بعد حقيقة الإنسان فى أول أمره قد يكون عنده شىء من التخليط فى نيته عند طلبه يتطلع للدنيا1526للمنزلة لحطام الدنيا لى لى لى لهذه الرعونات والآفات لكن إذا طلب العلم الشرعى سيكسره هذا العلم ويذكره بالله فتراه بعد ذلك يصحح نيته ويقبل على الله عز وجل مع أنه عندما دخل كان هناك شىء من الشوائب يقول الذهبى قلت نعم يطلبه أولا والحامل له حب العلم وهذا كما يقول كثير من الناس اطلب العلم للعلم لا, نطلب العلم لله عز وجل لا للعلم ولا للجهل لا نطلبه إلا إرضاء لله عز وجل همهم يصبح عالما يعنى ليعلم الشىء لا ما نطلب العلم من أجل أن نعلمه فقط من أجل أن نتقرب إلى الله عز وجل يقول والحامل له حب العلم وحب إزالة الجهل عنه وحب الوظائف ونحو ذلك هذا كثير من الناس يفعل هذا ونسأل الله أن يتوب علينا ثم قال ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ولا صدق النية فإذا علم عندما يدرس هذه العلوم الشرعية وتذكره بالله حاسب نفسه وخاف من وبال قصده فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها هذا بعد أن سار فى طلب العلم وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة ومن قصد التكثر بعلمه ويزرى على نفسه فإن تكثر بعلمه أو قال أنا أعلم من فلان فبعدا له فإذا تعلم ليتشدق وأنه هو وهو وأنه لا يوجد أحد يساويه ولا يقرب منه فبعدا له هذا كما قلت حقيقة كلام ينبغى أن نذكر به أنفسنا جميعا أن النية قد لا تكون خالصة فى البداية لكن من طلب العلم الشرعى سيذكره بالله(131/7)
فإذا تذكر تراه دائما يوبخ نفسه ويعترف بتقصيره وأنه ما عنده من العلم إلا قليل ولا بعد ذلك يزرى على فلان ولا على فلان ونسأل الله أن يشغلنا بعيوبنا عن عيوب خلقه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين هذا السبب الأول.
السبب الثانى إخوتى الكرام: مساعدة المرأة له هذا أيضا من أسباب حصول الرزق إذا تزوجت تأتى المرأة وتساعدك قال الإمام الألوسى فى روح المعانى فى الجزء الثامن عشر صفحة تسع وأربعين ومائة وهذا كثير فى العرب وأهل القرى فقد وجدنا فيهم من تكفيه امرأته أمر معاشه ومعاشها بشغلها وحقيقة كما يقول الإمام الألوسى أنا أدركت هذا موجودا فى بلاد الشام فى القرى بكثرة أنهم إذا الإنسان تزوج المزرعة من أولها لآخرها تقوم بها المرأة الاحتطاب تقوم به المرأة إعداد الطعام تقوم به المرأة يعنى صارت هى المسؤولة عن كل شىء وما عنده إلا أن هذا المال فى الأصل له لكن التثمير بعد ذلك هى وهى تقوم على الماشية وهى تحلبها هى تجبن هى تنزلها على السوق متحجبة يعنى هى تبيع هى كذا دون أن يتحرك ذاك يقول الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا هذا كثير فى العرب وأهل القرى وقد وجدنا فيهم من تكفيه امرأته أمر معاشه ومعاشها بشغلها تشتغل فتكفى نفسها وتكفيه وأنا أعرف بعض طلبة العلم من إخواننا ولا زال على قيد الحياة كان طالبا وكان بعدى فى مراحل الطلب فتعرضت له بعض النساء عن طريق خطبة شرعية يعنى بواسطة محارمها من أجل أن يتزوجها وهى كانت مدرسة نعم أكبر منه لكن هو طالب ما يملك شيئا فتزوجها فبدأت تنفق عليه وما كانت يعنى كدسته وجمعته من رواتب أعطته أيضا هذه الرواتب فالرجل تحسنت حاله وظهرت عليه البهجة والنعيم والنضرة ونحن بقينا على حالتنا لما كنا فى سن الطلب وأعرفه وصار حاله كما يقال يعنى كذكر النحل حقيقة تنفق عليه هذه الزوجة تكرمه تحسن إليه وليس فى ذلك منقصة إذا جاء الأمر عن طريق ما أحل الله فليس فى ذلك منقصة وهى تعمل فى مهنة(131/8)
التدريس متحجبة تتقى الله وتصون عرضها وكرامتها فلا حرج أيضا وهذا عندما تزوجها حقيقة ارتفق بها وحصل وما كلفته من المهر درهما واحدا قالت أنت إذا وافقت كل شىء يتم وتم الأمر يعنى نسأل الله أن يبارك لهما وللمسلمين أجمعين هذا يقع إخوتى الكرام بكثرة أعرف بعض إخواننا أيضا فى بلاد الشام ذاك أكبر منى بكثير هو كان يخبرنى يقول تزوج امرأة قريبة له أيضا مدرسته يقول إذا أخذت راتبها تأتى تضعه فى جيبه دون علمه يعنى فى المساء هو نام وخلع الملابس تضع الفلوس فى جيبه فإذا استيقظ وجد الفلوس فى الجيب يقول من أين هذا يقول ما لى علاقة بهذا أنا لا أستلم ريالا واحدا أنا الآن امرأة فى بيت لا يصلح أن يكون بين يدى فلوس يقول إن احتاجت بعد ذلك إلى ليرة واحدة إلى درهم تطلب منه كأن ليس لها مال هذا موجود أيضا حقيقة ارتفاق هذا ارتفق بها وحصل خيرا بسببها إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله هذه أسباب كثيرة هذا سبب ثان يحصل الإنسان بسببه الغنى
سبب ثالث: عن طريق إرثه منها وقد أيضا هى ترثه كل منهما أيضا يرتفق وهناك إذا كانت فقيرة وزوجها غنى ترتفق به أيضا فى الحالة الأولى أحيانا تكون هى فيها ما يمنعها من العمل وتحصيل الرزق لنفسها جاء رجل يسعى لها فهذا أيضا يحصل يعنى كما أنه هو يرث هى ترث إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وكم من إنسان حصل الغنى الكثير بسبب زوجته كم هى من أسرة غنية ثرية ورثت يعنى مئات الألوف بعد ذلك جاءه منها ذرية فقدر الله عليها الموت مالها من أوله لآخره الذى هو فى الأصل مال أهلها انتقل إليه وإلى ذريته أوليس كذلك جاء الأولاد والمال كله استولوا عليه وإذا قدر الله على ذريته الموت يكون أحرز المال من أوله لآخره وهذا حصل بكثرة.(131/9)
يذكر أئمتنا فى ترجمة شيخ الإسلام أبى بكر محمد ابن عبد الباقى البزاز الذى توفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة للهجرة وهو من كبار شيوخ شيخ الإسلام الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقد ترجمه هو وغيره وذكروا هذه القصة فى ترجمته التى سأذكرها انتظروا إخوتى الكرام المنتظم للإمام ابن الجوزى فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وتسعين وانظروا سير أعلام النبلاء فى الجزء العشرين صفحة ثلاث وعشرين وانظروا الذيل على طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب فى الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائة وانظروا المنهج الأحمد فى طبقات أصحاب الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله فى الجزء الثانى صفحة ثمان وأربعين ومائتين فى ترجمة هذا العبد الصالح حقيقة يعنى يذكر عجبا كما سأحكى لكم قصته بعد أن أذكر لمحة عن حياته رضى الله عنه وأرضاه هو من أئمتنا الأبرار وقد ظهرت عليهم علامة النجابة والذكاء والألمعية من الصغر حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحضر سماع الحديث وهو ابن أربع سنين وقيد هذا فى مسموعاته وفى روايته يعنى كان يحفظ وهو ابن أربع سنين الحديث يحضر مجالس الشيوخ أبو بكر محمد ابن عبد الباقى البزاز ولذلك كان يقول بعد ذلك عندما تصدر من خدم المحابر خدمته المنابر ويقول عندما ولد جاء منجمان عليهما غضب الرحمن فاسقر رأيهما أن هذا الشيخ لا يزيد أكثر من اثنتين وخمسين سنة لا يعيش أكثر من اثنتين وخمسين سنة يقول هو فها أنا قد بلغت ثلاثا وتسعين سنة يقول الإمام ابن الجوزى وكان يقرأ الخط الدقيق من بعد وفى هذه السن فمن حفظ أعضاءه فى الصغر حفظها الله له فى الكبر احفظ الله يحفظك حفظوها فى الشبيبة فحفظها الله لهم فى الشيب سبحانه وتعالى طلب العلم كما قلت وعمره أربع سنين يدور على المحدثين ويحضر عندهم ولذلك هذه الكرامة التى حصلت له وكانوا أحق بها وأهلها والله سبحانه وتعالى يكرم عباده الصالحين فى كل حين.(131/10)
إخوتى الكرام: فيما يتعلق بموضوع تحمل شيخ الإسلام محمد ابن عبد الباقى البزاز وعمره أربع سنين هذا مقرر عند أئمتنا ويصح للإنسان أن يحمل الحديث قبل البلوغ لكن لا يقبل منه إلا بعد البلوغ يعنى يشترط لقبوله أن يكون بالغا مسلما أما لا يشترط لتحمله أن يكون بالغا ولا مسلما فيصح أن يتحمل وهو كافر لكن لا يروى إلا بعد الإسلام ويصح أن يتحمل وهو صغير ولا يروى إلا بعد البلوغ يقول شيخ الإسلام الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا:
وقبلوا من مسلم تحملا ... فى كفره كذا صبى حمل
وقبلوا من مسلم تحملا فى كفره حمل شيئا فى كفره ثم رواه بعد إسلامه يصح كذا صبى حمل:
ثم روى بعد البلوغ ومنع ... قوم هنا ورد كالسبطين مع
إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
يقول قوم منعوا رواية الصغير إذا رواها بعد أن يكبر تحمل الصغير إذا رواها بعد أن يكبر يقول هذا مردود كالسبطين الحسن والحسين يرويان عن جدهما خير خلق الله علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهما صغيران تحملا فى حال الصغر يعنى رواية الحسن والحسين هى من باب أنه تحملا فى حال صغرهما ورويا بعد البلوغ والنبى عليه الصلاة والسلام عندما توفى ما بلغ لا الحسن ولا الحسين علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لأن سيدتنا البضعة الطاهرة فاطمة رضى الله عنها وأرضاها تزوجت عليا رضى الله عنه للعام الثانى للهجرة أوليس كذلك يعنى على أكثر تقدير سن الحسن والحسين على أقل تقدير ست سنين سبع سنين فهذا دون البلوغ لكن رواية الرواية بعد البلوغ يعنى عند موت النبى عليه الصلاة والسلام سن الحسن والحسين بحدود الست أو السبع إلى هذا المقدار لا تزيد لكن روايتهما بعد ذلك بعد البلوغ كما قلت معتبرة ومقبولة باتفاق أئمتنا ولا يعتبر كلام من رد ولذلك يقول:
ثم روى بعد البلوغ ومنع ... قوم هنا ورد كالسبطين مع
إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
ثم قال الإمام العراقى:(131/11)
فكتبه بالضبط والسماع ... حيث يصح وبه نزاع
متى يصح السماع إذا ضبط كتب وضبط يعتبر الآن يعنى سماع ما فى أى سن يصح السماع منه قال والماع حيث يصح وبه نزاع فى ذلك أربعة أقوال:
فالخمس للجمهور ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة
يقول عند الجمهور ينبغى أن يتحمل وهو ابن خمس سنين هذا عند الجمهور لم قال لقصة محمود ويقصد به محمود ابن الربيع وهو من الصحابة الكرام رضى الله عنه وأرضاه وحديثه فى الصحيحين وسنن ابن ماجة والنسائى وصحيح ابن حبان يقول عقلت من النبى صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهى من دلو وأنا ابن خمس سنين وفى رواية يقول مجها من دلو فى دارنا وأنا ابن خمس سنين والمج وقع من النبى عليه الصلاة والسلام على كيفيتين أخذ يعنى شربة من الدلو وملء فمه الشريفة الطاهرة على نبيناو عليه الصلاة والسلام فمج فى وجه محمود ابن الربيع مداعبة وتبركا ثم مج عليه الصلاة والسلام مجة أخرى فى البئر من أجل أن يحصل فيها بركة ولذلك مج فى وجهه ومج أيضا فى البئر التى فى دار محمود ابن الربيع يقول أنا عقلت هذه المجة وأنا ابن خمس سنين إذن هو يقول:
فالخمس للجمهور ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة
وهو ابن خمسة وقيل أربعة هذا الذى قاله ابن عبد البر ولكن كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح لا دليل على ذلك المعتمد خمسة وهو يقول وأنا ابن خمس سنين يعنى أربع ما ورد فى الأثر وهو ابن خمسة وقيل أربعة وليس فيه سنة متبعة.
يعنى ليس هذا يعنى بحد فاصل لسماع الصغير لا سمع محمود ابن الربيع وعقل وهو ابن خمس سنين طيب لو عقل وهو ابن أربع سنين يقبل أم لا؟ يقبل واضح هذا يعنى فى الغالب أن الإنسان يعقل ويضبط ابن خمس لو ضبط ابن أربعة أيضا يعنى يعتبر مقصود أنه يضبط ما يسمعه فى صغره ولذلك القول الثانى يقول وليس فيه سنة متبعة.
بل الصواب فهمه الخطاب ... مميزا ورده الجواب(131/12)
الصواب أن يكون واعيا بصيرا إذا سمع شيئا يجيب على مقتضاه ولا يعنى يهذى فى الكلام ولا يدرى ما يقول كحال الصبيان.
بل الصواب فهمه الخطاب ... مميزا ورده الجواب
وقيل لابن حنبل فرجل ... قال لخمس عشرة التحمل
يعنى لا يتحمل إلا وهو ابن خمس عشرة سنة يعنى ينبغى أن يكون بالغا يجوز لا فى دونها فغلطه قال الإمام أحمد بئس ما قال ما قال بهذا أحد من قال التحمل لا يصح إلا إذا كان ابن خمس عشرة سنة ما قال هذا أحد يجوز لا فى دونها فغلطه قال يعنى الإمام أحمد إذا عقله ضبطه يعنى يصح سماعه ويعتبر تحملا هذان قولان خمس سنين للجمهور ثم يقول الصواب أن يكون مميزا واعيا عندما يتحمل والقول الثالث يعود إلى هذين القولين.
وقيل من بين الحمار والبقر ... فرق سامع ومن لا فحضر
وقيل من بين الحمار والبقر يعنى يميز الحمار من البقر ولا يشتبه عليه هذا بهذا وبعض الأولاد قد لا يميز يعنى ولا يعرف ما هو الحمار وما هو البقر ولا يميز الذكر من الأنثى فإذا كان لا يميز لا يعتبر تحمله ينبغى أن يكون فطنا واعيا وقيل من بين الحمار والبقر فرق إذا فرق بينهما سامع صح سماعه فإذا روى بعد بلوغه يقبل منه ومن لا يميز فحضر هذا له مجرد الحضور للبركة ولا يعتبر سماعه ولا يصح سماعه ولا يجوز أن يروى بعد ذلك إلا إذا اتصف بهذه الصفة هذا القول الثالث قال به الحمال هذا قول الإمام الحمال عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن هذا قول ثالث أوليس كذلك ثم قال:
وابن المقرى سمع ... لابن أربع ذى ذكر(131/13)
القول الرابع الذى تقدم معنا وهو خمس عشرة سنة وهو الذى رده الإمام أحمد يفرق بين الحمار والبقر قول ثانى القول الثالث وهو المعتمد أنه يتعلق الضبط والتمييز والوعى وقيل ابن خمس سنين هذه الأربعة أقوال ثم قال وابن المقرى الإمام ابن المقرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول سمع لابن أربع ذى ذكر يعنى لإنسان له ذكر قدر وفضل وهو الإمام ابن اللبان فى قصة شهيرة جرت له عندما جاء ليستمع من الحافظ ابن المقرىء وغيره من أئمة الحديث فقال لهم سمعوه والعهدة على بعد اختبار جرى له وستسمعونه إن شاء الله وهو ابن أربع سنين هذه الأبيات إخوتى الكرام انظروا شرحها فى كتاب التبصرة والتذكرة لشيخ الإسلام الحافظ العراقى وهى شرح ألفيته فى الجزء الثانى صفحة أربع عشرة إلى ثلاث وعشرين فى عشر صفحات ومعها فى الحاشية فتح الباقى أيضا للشيخ زكريا الأنصارى فى شرح ألفية العراقى وانظروا فتح المغيث فى الجزء الثانى أول الجزء الثانى تماما من صفحة ثلاثة إلى خمس عشرة.(131/14)
وأما القصة التى أشار إليها الإمام العراقى ذى ذكر لصاحب الذكر والقدر والشأن انظروها إخوتى الكرام فى تاريخ بغداد فى الجزء العاشر صفحة أربع وأربعين ومائة وحقيقة قصة طريفة عجيبة يورها الإمام الخطيب البغدادى فى الجزء العاشر صفحة أربع وأربعين ومائة فى ترجمته يقول عبد الله ابن محمد ابن عبد الرحمن ابن أحمد يقول بعد ذلك وهو أبو محمد الأصبهانى المعروف بابن اللبان وكان من شيوخ الخطيب البغدادى يعنى هذا من شيوخه ويترجمه هنا يقول هو أحد أوعية العلم ومن أهل الدين والفضل والإمام الذهبى فى السير فى الجزء السابع عشر صفحة ثلاث وخمسين وستمائة يقول عظمه الخطيب وقال كان من أهل الدين والفضل ومن أوعية العلم ثم يقول الخطيب البغدادى وكان ثقة صحب القاضى أبا بكر الأشعرى ودرس عليه أصول الديانات وأصول الفقه ودرس فقه الشافعى على أبى حامد الإسفرايينى وقرأ القرآن بعدة روايات وولى القضاء ثم قال وله كتب كثيرة مصنفة وكان من أحسن الناس تلاوة للقرآن ومن أوجز الناس عبارة فى المناظرة مع تدين جميل وعبادة كثيرة وورع بين وتقشف ظاهر وخلق حسن سمعته يقول حفظت القرآن ولى خمس سنين هذا ابن اللبان وأحضرت عند أبى بكر ابن المقرىء ولى أربع سنين فأرادوا أن يسمعوا لى يعنى الأحاديث ليس القرآن يعتبروا سماعه يضبطوه معهم سمع فلان وفلان عن هذا الشيخ فيما حضرت قراءته فقال بعضهم إنه يصغر عن السماع أربع سنين تسمعونه فقال لى ابن المقرىء تعال اقرأ سورة الكافرون هو حفظ القرآن كما قلنا ابن خمس سنين يقول فقرأتها فقال اقرأ سورة التكوير وهذه السور التى يخطىء يعنى أكثر الناس بها إلا من كان حافظا حاذقا اقرأ سورة التكوير قال فقرأتها فقال لى غيره اقرأ سورة والمرسلات وهذه أصعب الثلاثة يقول فقرأتها ولم أغلط فيها فقال ابن المقرىء سمعوا له والعهدة على اكتبوا سماعه وهذا معتبر ابن أربع سنين والعهدة على يقول ثم قال سمعت أبا صالح أبى مسعود يقول سمعت أبا(131/15)
مسعود أحمد ابن الفرات يقول أتعجب من إنسان يقرأ سورة المرسلات عن ظهر قلب ولا يغلط فيها أتعجَب أو لعله أتعجّب يقول حكى إن أبا مسعود ورد أصبهان ولم يكن كتبه معه فأملى كذا وكذا ألف حديث عن ظهر قلبه فلما وصلت الكتب إليه قوبلت بما أملى فلم يختلف إلا فى مواضع يسيرة يقول أدرك ابن اللبان شهر رمضان من سنة سبع وعشرين وأربعمائة وهو ببغداد فكان يسكن درب الآجر من نهر الطاق يقول فصلى بالناس صلاة التروايح فى جميع الشهر وكان إذا فرغ من صلاته بالناس فى كل ليلة لا يزال قائما فى المسجد حتى يطلع الفجر وهو يصلى فإذا صلى الفجر دارس أصحابه وسمعته يقول لم أضع جنبى للنوم فى هذا الشهر ليلا ولا نهارا وكان ورده كل ليلة فيما يصلى لنفسه سبعا من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل ولم أر أجود ولا أحسن قراءة منه مات أبو محمد ابن اللبان فى أصبهان فى جمادى الآخرة من سنة ست وأربعين وأربعمائة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو شيخ الخطيب البغدادى ولذلك هنا يقول وابن المقرى سمع لابن أربع ذى ذكروهذه القصة يقول عنها الحافظ فى الفتح فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وسبعين ومائة يقول قصة أبى بكر ابن المقرىء الحافظ فى تسميعه لابن أربع لكن ما سماه والحقيقة ينبغى أن يسمى هذه منقبة كبيرة لابن اللبان بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة يقول هذه القصة مشهورة بين العلماء الكرام.(131/16)
ثم قال الحافظ ابن حجر تحديد السن بخمس كما ذهب إلى ذلك الجمهور يقول بأنه يعنى هذا مظنة الضبط مظنة لا أن هذا يعنى على سبيل التحديد الجازم مظنة الضبط يقول وقريب منه ضبط الفقهاء سن التمييز بست أو سبع والمرجح أنها مظنة للضبط والتمييز ليس هذا من باب التحديد فقد يميز الإنسان وابن أربعة وقد لا يميز إلا وهو ابن تسع لكن فى الغالب ابن ست أو سبع يميز ثم يقول ومن أقوى هذا كلام الحافظ فى الفتح ما يتمسك به فى أن المراد فى ذلك فى أن المرد فى ذلك إلى الفهم أن المرد فى قبول السماع إلى الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص الذى يحقق هذا يقول ما أورده الخطيب من طريق أبى عاصم قال ذهبت بابنى وهو ابن ثلاث إلى ابن جريج فحدثه هذا ابن ثلاث سنين قال أبو عاصم ولا بأس بتعليم الصبى الحدث أى الصغير ولا بأس بتعليم الصبى الحدث الحديث والقرآن وهو فى هذا السن يعنى إذا كان فهما يعنى وهو ابن ثلاث سنين عناية ربانية من صغرهم وهكذا أبو بكر محمد ابن عبد الباقى البزاز حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحضر مجالس السماع وضبط سماعه وهو ابن أربع سنين يقول عليه رحمة الله عندما ذهب إلى الحج اشتد بى الجوع فخرجت من بيتى أبحث عن طعام آكله يقول فرأيت كيسا فى الطريق فأخذته فإذا به عقد من لؤلؤ وحواه أحجار كريمة يقول فأخذته ووضعته فى البيت وخرجت لأبحث عن رزقى يقول وإذا بمناد ينادى من وجد كيسا فيه كذا وكذا فله خمسمائة دينار هو الدينار الواحد فى ذاك الوقت يتزوج ويولم بدينار فخمسمائة دينار وسيأتينا أن هذا العقد بيع بمائة ألف دينار جائزة عليه خمسمائة دينار فقلت ما وصف الكيس وماذا فيه يقول فوصف لى الكيس والرباط الذى عليه وعدد ما فيه من أحجار ووصف العقد الذى فيه يقول فدفعته إليه فأعطانى الدنانير فأبيت أن آخذ دينارا وقلت عمل عملته لله لا آخذ أجرة عليه وهذا مالك يعنى بأى حق آخذ هذا فقال نفسى طيبة قلت لا أريد أن آخذ أجرا على طاعة عملتها خذ مالك(131/17)
وبارك الله لك فيه يقول ووالله إن بحاجة إلى كسرة خبز انظر لهذه العفة وهذه الشهامة وهذه المروءة وهذه الرجولة بحاجة إلى كسرة خبز وهذا يعرض عليه خمسمائة دينار طيبة بها نفسه يقول لست بحاجة إليها ثم حصل ما حصل من رزق وأنهى حجته ولما عاد وركب البحر انكسرت به السفينة أو بخشبة من خشباتها فضربته الأمواج حتى استقر فى جزيرة يقول فدخلت إلى غيضة ومشيت فيها شجر كثير ملتف حتى بان لى علامة يعنى مسجد وذهبت فدخلت إلى هذا المسجد يقول فالحمد لله وجدت أن أهل الجزيرة على الإسلام وأنه يعنى ضربته إلى جزيرة مسلمة فى ذاك الوقت ليست من جزر الكفر يقول فدخلت إلى المسجد فبدأت أقرأ القرآن فجاء أهل القرية وقالوا تحسن قراءة القرآن قلت نعم هذا شيخ الإسلام يحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين هذا محدث الدنيا الآن قالوا علمنا فعلمتهم فأكبرونى وأحسنوا ضيافتى وأحبونى ثم رأونى بعد أيام أكتب يخرج الأوراق ويكتب فيها قال أنت تحسن الخط قلت نعم قال علمنا يقول فعلمتهم يقول فزادت الألفة والمودة بينى وبينهم فلما عزمت على الرحيل عزموا على أن أبقى وقالوا نزوجك عندنا قلت أنا أريد أن أذهب إلى بلادى ولم يكن متزوجا قالوا تتزوج عندنا يقول فقلت على بركة الله فبعد أن أجريت يعنى كما يقال مراسيم الزواج وتم الأمر ودخل على زوجه وجد العقد الذى وجده فى مكة فى صدر هذه الزوجة الطيبة الطاهرة بدأ ينظر إلى صدرها وإلى هذا العقد الذى فى صدرها ويتعجب يعنى أنا هذا رأيته فى مكة ما الذى أحضره إلى هذا المكان هذه الجزيرة النائية وما رفع طرفه إلى وجه زوجته مشدوه حقيقة ليس من أجل عرض الدنيا يعنى هذا من أين جاء فقال له يعنى أقارب الزوجة يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة المسكينة تنظر إلى العقد ولا تنظر إليها قال لهذا العقد قصة وما هى فأخبرهم بالقصة وأنها وجده فى مكة وأن بعض أهل الخير أخبره أن هذا العقد له فدفعه إليه وأراد أن يعطيه جائزة فأبى ثم بعد ذلك ما عنده خبر(131/18)
عن صاحب العقد قالوا صاحب العقد هو والد هذه المرأة والد زوجتك وقد حج معك فى السنة التى حججت فيها ورجع قبلك وكان كلما صلى يقول ما رأيت على وجه الأرض أتقى من الذى وجد على عقدى فى مكة وكان كلما صلى صلاة يقول اللهم اجمع بينى وبينه حتى أزوجه ابنتى هذه الأمانة وهذه الديانة هذا أمر عجيب اجمع بينى وبينه لأزوجه ابنتى قال لكن الأجل يعنى انتهى والعمر محتوم الأجل جاءه فذهب إلى لقاء ربه وقد أجاب الله دعاءه فكبر من فى البيت وكبر معهم وقال حتى ارتجت بعد ذلك الجزيرة بالتكبير من هذا الخبر العجيب يقول فجلست معها ورزقنى الله منتها ولدين ثم ماتت فورثتها أنا وولداى ثم مات الولدان فآل المال كله إلى فبعت العقد بمائة ألف دينار بدل خمسمائة يقول فكان من أغنى العلماء فى زمنه فيسألونه من أين لك هذا المال يقول هذا بسبب ما حصل لى بمكة ثم ترتب عليه هذا الزواج المبارك حقيقة هذا ارتفاق لا يخطر بالبال تزوج هذه المرأة وورثت من والدها ما ورثت فآل إليه هذا ارتفاق إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.
إخوتى الكرام: ومثل هذه القصة جرت أيضا لشيخ الإسلام أبى الوفاء على ابن عقيل الذى توفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وانظروا قصته أيضا فى سير أعلام النبلاء فى الجزء التاسع عشر صفحة خمسين وأربعمائة كهذه القصة تماما وأيضا وجد عقدا فى مكة لكن تبين بعد ذلك أن هذا الرجل من بلاد الشام من حلب وجاء الإمام ابن عقيل إلى حلب واستوطن فيها فترة ولما أحبه أهل حلب وزوجوه زوجوه تلك البنت التى مات والدها وخلف لها العقد الذى وجده أيضا الإمام ابن عقيل انظروا هذا كما قلت إخوتى الكرام فى سير أعلام النبلاء فى ترجمة أبى الوفاء ابن عقيل عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الجليل ولا غرو فى ذلك ولا عجب صنائع المعروف تقى مصارع السوء احفظ الله يحفظك.(131/19)
إخوتى الكرام: وهاتان الجملتان صنائع المعروف تقى مصارع السوء احفظ الله يحفظك قطعتان من حديثين صحيحين ثابتين عن نبينا علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أما الجملة الأولى صنائع المعروف تقى مصارع السوء مروية فى حديث حسن رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير وقد نص على تحسينه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الثانى صفحة ثلاثين والإمام الهيثمى أيضا فى مجمع الزوائد فى الجزء الثالث صفحة خمس عشرة ومائة ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال صنائع المعروف تقى مصارع السوء وصدقة السر تطفىء غضب الرب جل وعلا وصلة الرحم تزيد فى العمر وانظر فى هذين الكتابين فى الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد وفى جمع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ستين وخمسمائة أحاديث أخرى بمعنى ذلك.(131/20)
وأما الجملة الثانية فهى قطعة من حديث صحيح أيضا رواه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه والحاكم فى مستدركه والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة وابن السنى فى عمل اليوم والليلة رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء لن ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف والحديث مروى بغير هذه الرواية انظروا إخوتى الكرام هذا الحديث فى جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقد شرحه فى خمس عشرة صفحة من صفحة ثلاث وسبعين ومائة إلى صفحة ثمان وثمانين ومائة وهو الحديث التاسع عشر فى جامع العلوم والحكم وقد أشار فى جامع العلوم والحكم إلى أنه أفرد لهذا الكتب جزءا كبيرا والجزء مطبوع إخوتى الكرام سماه الإمام ابن رجب نور الاقتباس فى مشكاة النبى صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضى الله عنهما قال الإمام ابن رجب الحنبلى فى جامع العلوم والحكم وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين حتى قال بعض العلماء تدبرت هذا الحديث فأدهشنى وكدت أطير فوا أسفاه من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه وهذا العالم الذى قال هذا الكلام هو الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كما وضح ذلك الإمام ابن رجب الحنبلى فى نور الاقتباس فى صفحة ثلاث وعشرين يقول حتى قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزى فى كتابه صيد الخاطر تدبرت هذا الحديث(131/21)
فأدهشنى وكدت أطير ثم قال فوا أسفاه من الجهل بهذا الحديث وقلة الفهم لمعناه قال الإمام ابن رجب فى جامع العلوم والحكم قلت وقد أفردت لشرحه جزءا كبيرا ونحن نذكر هاهنا مقاصده على وجه الاختصار إن شاء الله تعالى والجزء كما قلت إخوتى الكرام مطبوع وهو فى حدود ستين صفحة شرح فيه هذا الحديث الجميل احفظ الله يحفظك.
إخوتى الكرام: هذا كما قلت سبب ثالث من أسباب غنى المتزوجين هو يرثها هى ترثه كم من أحيان كان يتزوج امرأة من أسرة يملك أهلها ليس الملايين المليارات كم وإذا مات بعد ذلك والدها ورث ثروة طائلة طائلة ستؤول بعد ذلك إلى الزوج وإلى أولاده والعكس كذلك كم من إنسان أيضا يملك فيموت فترثه زوجته وهكذا الأولاد ثم يموت الأولاد تنتقل بعد ذلك التركة إلى هذه الزوجة التى صارت أما للأولاد هذا يقع بكثرة فى الحياة وهذا كله من أسباب ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه إذن هذا طريق ثالث لتحصيل الغنى عن طريق الإرث الذى جعله الله بين الأزواج والقرابات والأهل والأولاد:(131/22)
السبب الرابع لحصول الغنى للمتزوجين مساعدة الأولاد له إذا تزوجت وجاءك أولاد هؤلاء الأولاد سيساعدونك يشدون عضدك وأزرك وأيضا يعملون ويقدمون لك وكم من إنسان اغتنى بسبب أولادهم هو فقير لعله ما ملك رهما ولا ريالا فى جيبه طول حياته فاضلا عن حوائجه ثم فتح الله على أولاده يعنى الخيرات من حيث لا يحتسب ما يملكه الأولاد ملك للوالد فحصل له الغنى بسبب الأولاد وهذا واقع بكثرة لذلك قال الإمام الألوسى قد ينضم إلى ذلك حصول أولاد له فيقوى أمر التساعد والتعاضد وقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن الله امتن علينا بذلك والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وقلنا حفدة يحفد حفدا وحفدان واحتفد إذا خف وأسرع فى الخدمة على وجه النشاط فيخدمونك ويساعدونك هذا تقدم معنا إخوتى الكرام ونفقة الأبوين واجبة على الأولاد هذا باتفاق أئمتنا إذا كان الوالدان فقيرين فنفقتهما واجبة على الأولاد رغم أنفهم هل للأبوين أن يأخذا ما زاد على حاجتهما؟ تقدم معنا أنه عند الحنابلة مال الولد مال الوالد يتصرف فيه كما يتصرف فى ماله بشرطين اثنين كما تقدم معنا الأول ألا يأخذ ما يحتاجه الولد لئلا يضره فمصلحة المالك تقدم على مصلحة غيره والثانى ألا يأخذ منه ليعطى إخوته الآخرين لأنه منهى عن المحاباة بين أولاده فيما هو من ماله فكيف يأخذ من مال هذا الولد ليعطى ولدا آخر ما عدا هذا تقدم معنا هذا قلت يأخذ ما شاء ويدع ما شاء لا يجوز للولد أن يقول لم ولا يتمعر وجهه بل ولا أن يتكدر قلبه ولو فعل هذا فهو عاق هذا والد هذا وتقدم معنا تقرير هذا وقلنا أن الله جعل الولد كسبا للوالد تقدم معنا تقرير هذا بالأدلة ما أغنى عنه ماله ما كسب كسبه أولاده وذكرت أيضا حديث النبى عليه الصلاة والسلام وخرجته هذا ضمن الثمر الثانى والمقصد الثانى من مقاصد النكاح ألا وهو إنجاب الذرية وما فى إنجاب الذرية من فوائد فى الدين والدنيا فى العجل والآجل تقدم معنا(131/23)
هذا حديث النبى عليه الصلاة والسلام إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم وتقدم معنا أيضا الحديث الثانى أنت ومالك لأبيك تقدم معنا هذا إذن هو كسبه وهو أيضا هبة لوالده يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور وتقدم معنا استدلال سفيان ابن عيينة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا على هذا الأمر بأن الله عندما ذكر البيوت التى يرخص للإنسان أن يأكل منها لم يذكر بيوت الأبناء بيوت الأولاد لم لأن بيوتهم بيوت للأب فما فى داعى أن يقال أو بيوت أبنائكم ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا قوله من بيوتكم دخل فى ذلك بيتك الذى تملكه وبيت ولدك دخل فى هذا ولذلك ما قال الله أو بيوت أولادكم ما قال هذا ولو قيل كما قلت فيه كسر لخاطر الوالد يقول صار مال الولد يختلف عن مالى ولا بد يعنى من تنصيص على ذلك هذا لايليق ولذلك انظر لهذه الدلالة الكريمة من بيوتكم هذا شامل لبيتين لبيته الأصلى ولبيت ولده يأكل ويتصرف فيه كما يتصرف فى بيته تماما تقدمت معنا هذه الدلالات إذن إذا جاءه أولاد يرتفق بهم كم من إنسان كما قلت حصل الغنى بسبب أولاده ولو لم يتزوج لبقى يعنى طول حياته لا يملك ريالا ما أكثر هذا ما أكثره فى الحياة وهو واقع مشاهد إذن هذا سبب رابع لتحصيا الغنى للأزواج إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.(131/24)
سبب خامس: مساعدة أهل زوجته له إذا كان فقيرا وهذا يقع بكثرة قال الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وربما يكون للمرأة أقارب يحصل له منهم الإعانة بحسب مصاهرته إياهم ولا يوجد ذلك فى العزب هذا من الذى صاهر أحدا ليساعد وهذا إخوتى الكرام يعنى ما أعرفه تعرفونه حقيقة ما أكثره كم من إنسان يتزوج وهو فى الأصل لا أقول ما عنده المهر ما عنده شىء قالوا له نحن نساعدك ونحن نجهز المرأة طيب أين سيسكن يسكن فى العراء يشترون له بيتا لو بقى خمسين سنة ما يجمع قيمة البيت هذا مشاهد بكثرة بيت اشتروه له فرشوه دفعوا له المهر اهدوا إليه الزوجة ما شاء الله على هذا الزواج ما أحسنه حقيقة يقع هذا بكثرة إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وهذا واقع ولا أتكلم عن خيال وأنا أعرف بعض الناس فى بلاد الشام عنده عدد من البنات ما زوج واحدة إلا واشترى لها بيتا على علم يقين يقول أنا أشترى لها البيت شراء ليس موضوع استئجار البيت أشتريه وأنت بعد ما تيسرت1:1:41 أما البيت أنا أكفيك لبيت بيت ملك له لها وأنت تسكن وأسأل الله أن يجمع بينكم على طاعته هذا موجود بكثرة هذا ارتفاق وسعادة حصلت للإنسان بسبب هذا التمسوا الغنى بالنكاح وتقدم معنا النكاح مفتاح للرزق هذا من جملة الأسباب وهذا كما قلت سبب أيضا لتحصيل الغنى.
سبب سادس: مساعدة أهله له لثقل حمله الذى يحمله يعنى هو عندما يتزوج والده يساعده أمه تساعده إخوته يساعدونه أعمامه يساعدونه كلهم يشتركون يقلون هذا تزوج مسكين فى بداية حياته ما يملك كل واحد يحضر له ما تيسر من هدية من معونة من من ترى ما بين الحين والحين تأتيه الخيرات والبركات هذا أيضا من أسباب تحصيل الرزق والله هو الذى يلقى فى قلوب هؤلاء هذا الشىء فعملك يحضر لك ووالدك يحضر لك وهكذا وهكذا تحصل خيرا هذا سبب سادس أيضا لتحصيل الرزق.(131/25)
سبب سابع: مساعدة أهل الخير له ومواساتهم له فى تحصيل رزقه ومساعدتهم له الآن لا أهل الزوجة ولا أهل الزوج أهل الخير إذا رأوا طالب علم فقير رأوا إنسانا فقيرا طيبا صالحا تزوج ليس من شيمتهم يعنى أن ينظروا إليه وتزوج يعنى ما شاء الله بارك الله لك وعليك وانتهى لا ثم لا إذا عندك بعد ذلك شىء مع بارك الله لك وعليك خذ هذه بركة أيضا تعطى عشرة آلاف تعطيه مائة ألف تعطيه خمسة آلاف على حسب حالك حقيقة هذا أيضا موجود وهذا مستعمل فى جميع العصور ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام ينبه أيضا إلا إليه ويلفت الأنظار له ووقع هذا فى العصر الأول فى ترجمة الصحابى الجليل خادم نبينا علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ربيعة ابن كعب أبو فراس الأسلمى الذى كان يبيت مع النبى عليه الصلاة والسلام وإذا قام نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذلك لقضاء حاجته تبعه بوَضوئه فقال له مرة كما فى صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والنسائى سل حاجتك يريد أن يكافئه نبينا عليه الصلاة والسلام ماذا تريد ستبيت معى تخدمنى إذا ذهبت لقضاء الحاجة تحمل هذا الماء سل حاجتك سل طلبا أقضيه لك انظر لهذا الطلب الذى هو أغلى الطلب قال أسألك مرافقتك فى الجنة قال أو غير ذاك اطلب شيئا آخر من عرض الدنيا ماذا تريد قال هو ذاك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أريد غيره وفى بعض روايات المسند قال له نبينا عليه الصلاة والسلام من علمك هذا أنت علمته يا رسول الله عليه الصلاة والسلام علمته أن يتعلق بما عند الله وألا يفكر فى الدنيا أنت الذى علمته قال من علمك هذا من أشار عليك تكون معى فى الجنة فقال ربيعة لا والله يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما علمنى أحد هذا ليس يعنى بواسطة تدبير مع أحد أبدا إنما نظرت فى الدنيا فعلمت أنها منقطعة وأن لى فيها رزقا سيأتينى يقول وما فقلت أسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام لآخرتى وعلمت أنك عند الله بالمنزل الذى(131/26)
أنت فيه يعنى لك شأن أنت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلت أسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام لآخرتى ورد فى رواية المسند أن نبينا عليه الصلاة والسلام أطرق قليلا كأنه يوحى إليه ثم قال يا ربيعة إنى فاعل فأعنى على نفسك بكثرة السجود أسألك مرافقتك فى الجنة وهنا لا يقولن قائل أسألك استغاثة بغير الله فى طلب ما لا يقدر عليه إلا الله المراد أسألك أن تشفع لى إلى ربك لأنال هذه الحظوة عنده لأكون معك فى عليين فأطرق النبى عليه الصلاة والسلام ينتظر الأمر من ربه هل سيشفع فى هذا بخصوصه لينال هذه المنزلة فقال إنى فاعل سأشفع لك لتنال هذه المنزلة فى الآخرة لكن يعنى أبذل ما فى وسعك بعد بكثرة التقرب إلى ربك فأعنى على نفسك بكثرةالسجود هذا ربيعة انظروا لمعاونة الصحابة له بإرشاد نبينا عليه الصلاة والسلام ثبت فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والحديث فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة خمس وخمسين ومائتين وبوب عليه الإمام الهيثمى فى كتاب النكاح بابا فقال باب الأمر بالتزويج والإعانة عليه أمر بالتزويج إعانة عليه قال وفى إسناده مبارك ابن فضالة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح والحديث ذكره فى ترجمة فضائل الصحابة فى ترجمة سيدنا أبى بكر صديق هذه الأمة رضى الله عنه وأرضاه فى الجزء التاسع صفحة خمس وأربعين وقال فى إسناده مبارك ابن فضالة حديثه حسن وبقية رجاله ثقات وإنما أورده فى ترجمة سيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه لما تسمعون من منزلة لأبى بكر رضى الله عنه وأرضاه لا يصل إليها أحد من الصالحين والصديقين لا من المتقدمين ولا من المتأخرين وما وصل إليها وجاوزها إلا أنبياء الله ورسله علي نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.(131/27)
إخوتى الكرام: والمبارك ابن فضالة كما قال الإمام الهيثمى حديثه حسن وقد حكم عليه الحافظ فى التقريب فقال صدوق يدلس ويسوى وقد توفى سنة ست وستين ومائة للهجرة يدلس ويسلك أيضا تدليس التسوية وتقدم معنا أنه يحذف ضعيفا بين ثقتين وقد توفى سنة ست وستين وخرج له البخارى فى صحيحه تعليقا وهو أيضا مخرج له فى سنن أبى داود والترمذى وابن ماجة فهو فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى أوليس كذلك والحافظ الذهبى فى السير فى الجزء السابع صفحة أربع وثمانين ومائتين يقول قلت هو حسن الحديث كما قال الإمام الهيثمى تماما يقول حديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح وهنا كذلك حديثه حسن وبيقة رجاله رجال الصحيح وقال فى المكان الثانى الإمام الهيثمى حديثه حسن وبقية رجاله ثقات إذن هو فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير ورواه الإمام الطيالسى فى مسنده كما فى منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وأربعين ومائة ورواه الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى أيضا صفحة أربع وسبعين ومائة وقال صحيح على شرط مسلم يستقيم الكلام لا يستقيم على شرط مسلم لأنه مبارك ابن فضالة ليس من رجال مسلم علق عليه الذهبى بقوله قلت لم يحتج مسلم بمبارك الحديث صحيح صحيح لكن لم يحتج مسلم بمبارك فهو صحيح وليس على شرط مسلم وقال شيخ الإسلام الإمام أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثانى صفحة أربع وعشرين بإسناد حسن إسناد الحديث حسن والحديث رواه الحافظ فى الفتح فى الجزء السابع صفحة ست وعشرين محتجا به فلا ينزل عن درجة الحسن على شرطه خلاصة الكلام هو فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير ومسند أبى داود الطيالسى ورواه الحاكم فى المستدرك والحديث صحيح انظروا لحصول الغنى له والخير والبركة بواسطة وسبب زواجه إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم والحديث إخوتى الكرام طويل أخذ قرابة صفحتين لكن حقيقة(131/28)
كما قلت يعنى فيه هذه الدلالة العجيبة.
باب فى الأمر بالتزويج والإعانة عليه عن ربيعة الأسلمى وكما قلت هو ربيعة ابن كعب رضى الله عنه وأرضاه أبو فراس قال قلت أخدم النبى عليه الصلاة والسلام فقال لى يا ربيعة ألا تتزوج قلت لا والله يا رسول الله عليه الصلاة والسلام لا أريد أن أتزوج وما عندى ما يقيم المرأة وما أحب أن يشغلنى عنك شىء لا أريد الزواج وليس عندى ما أنفق على المرأة ولا أريد أن أشتغل بالزواج عنك فأعرض عنى ثم قال الثانية يا ربيعة ألا تتزوج فقلت ما أريد أن أتزوج وما عندى ما يقيم المرأة وما أحب أن يشغلنى عنك شىء فأعرض عنى ثم رجعت إلى نفسى رجع الآن إليه عقله ووعيه فقلت والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم منى بما يصلحنى فى الدنيا والآخرة والله لئن قال لى أتتزوج لأقولن نعم انتهى الآن ما فى كلام لا لا ولا يعنى اختر لى أقول نعم لأقولن نعم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام مرنى بما شئت فقال لى يا ربيعة ألا تتزوج الثالثة فقلت بلى مرنى بما شئت أنا مستعد فأنت الآن المسؤول عن البقية قال انطلق إلى آل فلان إلى حى من الأنصار كان فيهم تراخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلنى إليكم يأمركم أن تزوجونى فلانة لامرأة منهم فذهب إليهم يقول فذهب إليهم إخوتى الكرام لعله فذهبت إليهم فقلت لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلنى إليكم يأمركم أن تزوجونى فقالوا مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته يقول فزوجونى وألطفونى وما سألونى البينة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أتيت قوما كراما فزوجونى وألطفونى وما سألونى البينة وليس عندى صداق فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام يا بريدة الأسلمى كأنه يقول اربط قلبك بربك ولا داعى للحزن ولا للهم يا بريدة ثم قال(131/29)
النبى عليه الصلاة والسلام اجمعوا له وزن نواة من ذهب هذا مساعدة أهل الخير اجمعوا له وزن نواة من ذهب قال فجمعوا لى وزن نواة من ذهب فأخذت ما جمعوه لى فأتيت النبى عليه الصلاة والسلام قال اذهب بهذا إليهم فقل لهم هذا صداقها فأتيتهم فقلت هذا صداقها فقبلوه ورضوه وقالوا كثير طيب قال ثم رجعت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام حزينا مرة ثانية ما يكفى فى البداية فقال يا ربيعة مالك حزين فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما رأيت قوما أكرم منهم رضوا بما آتيتهم وأحسنوا وقالوا كثير طيب وليس عندى ما أولم فقال يا بريدة اجمعوا له شاة قال فجعوا لى كبشا عظيما سمينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب إلى عائشة رضى الله عنها وأرضاها فقل لها فلتبعث بالمكتل الذى فيه الطعام قال فأتيتها فقلت لها ما أمرنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا المكتل فيه سبع آصع من شعير لا والله ولا والله إن أصبح لنا طعام غيره ما عندنا إلا هذا الطعام خذه فقال فأخذته فأتيت به النبى صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قالت عائشة رضى الله عنها وأرضاها قال اذهب بهذا إليهم فقل لهم ليصبح هذا عندكم خبزا وهذا طبيخا فقالوا أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فاكفونا أنتم يقول فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه وطبخناه فأصبح عندنا خبز ولحم فأولمت ودعوت النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانى بعد ذلك أرضا وأعطى أبا بكر رضى الله عنهم أجمعين أرضا وجاءت الدنيا فاختلفنا فى عزق نخلة فقلت أنا هى فى حدى وقال أبو بكر هى فى حدى وكان بين وبين أبى بكر كلام فقال لى أبو بكر رضى الله عنهم أجمعين كلمة كرهتها وندم فقال لى يا ربيعة رد على مثلها حتى يكون قصاصا قلت لا أفعل فقال أبو بكر رضى الله عنه لتقولن أو لاستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ما أنا بفاعل قال فرفض أبو بكر الأرض رضى الله عنه(131/30)
وأرضاه ضربها برجله مغضبَا لم َلم يرد عليه ربيعة كلمة خشنة كالتى صدرت من سيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه فى حق ربيعة قال وانطلق أبو بكر إلى النبى عليه الصلاة والسلام وانطلقت أتلوه فجاء أناس من أسلم فقالوا رحم الله أبا بكر فى أى شىء يستعدى رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى سيحرض الرسول عليه الصلاة والسلام عليك لم َ وهو الذى قال لك ما قال قال فقلت أتدرون ما هذا أترون من هذا هذا أبو بكر الصديق هذا ثانى اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصرونى عليه فيغضب فيأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فتهلك ربيعة يعنى ربيعة وأسرته وقبيلته كلهم يهلكون إذا غضب أبو بكر وترتب عليه غضب النبى عليه الصلاة والسلام وغضب ذى الجلال والإكرام قالوا ما تأمرنا قال ارجعوا انصرفوا أنتم لا أحد منكم يتكلم قال فانطلق أبو بكر رحمة الله عليه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فتبعته وحدى حتى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إليه فقال يا ربيعة مالك وللصديق قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كذا كان كذا فقال لى كلمة كرهتها قال لى قل لى كما قلت يعنى كما قلت لك حتى يكون قصاصا فأبيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل لا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر قال الحسن فولى أبو بكر رحمة الله عليه يبكى رواه أحمد والطبرانى وفيه مبارك ابن فضالة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال أحمد رجال الصحيح.
إخوتى الكرام: كما ترون هنا حصلت معونة من الصحابة الكرام لهذا الصحابى الجليل والعبد الصالح ربيعة ابن كعب رضى الله عنه وأرضاه.(131/31)
إخوتى الكرام: قبل أن ننتقل إلى السبب الثامن من أسباب حصول الرزق للمتزوج قبل أن ننتقل للسبب الثامن عندى تعليق على هذه القصة التى جرت لسيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه مع هذا الصحابى الجليل ربيعة ابن كعب رضى الله عنهم أجمعين اترك الكلام عليها على التعليق عليها إلى الموعظة الآتية إن أحيانا الله نتدارس السبب الثامن والتاسع والعاشر وهو آخر ما يكون عندنا كما قلت فى هذا المبحث وكان فى نيتى أن أنتهى منه فى هذه الموعظة وقدر الله وما شاء فعل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة وأوسطه لنا مغفرة وآخره عتقا لنا من النار.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.
اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(131/32)
علامات في نفس رسول الله (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
كل نبى بمن كان قبله وبمن كان بعده يلزم أنه هذا النبى الذى سيأتى بعده لو بعث وهو حى أن يصدق به وأن يتبعه وأن يكون من أعوانه وأنصاره، إذاً هذا النبى على نبينا صلوات الله وسلامه الذى فيه هذا الكمال والجمال فى خَلْقِه وخُلُقِه وهو فى أتم صور الكمال سيتحيل أن يكذب، ثم لو تنزلنا وقلنا يمكن أن يقع منه كذب نقول فأين الله، كيف يقر هذا الكذاب وينصره ويؤيده ويجيب دعاءه ويعلى كلمته ويرفع ذكره، هذا كما قلنا طعن فى ربوبية الله بل جحد لربوبية الله وكأنه ليس لهذا العالم رب يدبره ولا حكيم يصرف شئونه عندما أيد هذا المبطل ونصره وهو كاذب ليس برسول من قبل الله جل وعلا، هذا لايمكن أن يقع على الإطلاق، ولذلك إخوتى الكرام تأمل حال النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه خَلْقاً وخُلُقَا يدل على أنه رسول صلى الله عليه وسلم، سأتناول هذا بالتفصيل وسنأخذ شيئاً من خَلْق نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام، ثم نتدارس خُلُقه بعد ذلك النبيل لنرى هذا الخَلْق وهذا الخُلُق وكيف صاغه الله جل وعلا بصورة الكمال والجمال والجلال فى الأمرين خَلْقاً وخُلُقا فما خلق الله مخلوقاً أكرم وزلا أفضل وأبهى ولا أجمل من نبينا عليه الصلاة والسلام والأنبياء يلونه فى ذلك فهم على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
ومن تأمل حال النبى عليه الصلاة والسلام فى الخَلْق، وهو الأمر الأول، لن يرتاب فى أن هذا المخلوق ليس بإنسان عادى، هذا المخلوق هو نبى الله حقاً وصدقا، يتميز عنهم فى كل شىء بصورته فى حركاته فى ريحه فى جميع أحواله إذا نظرت إليه تقول هذا إنسان يخنلف عن البشرية فى هذه الأحوال، هذا اصتنعه الله لنفسه فهو قدوة لأمته على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه.(132/1)
وذكرت فى الموعظة الماضية قول عبد الله بنرواحة رضي الله عنه وأرضاه وقلت هو من أحسن ما قيل فى بيان حقيقة نبينا عليه الصلاة والسلام وما يدل على نبوته عندما يقول: لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر، تأتيك بالخبر، أى لو لم يكرمه بآيات واضحات من خوارق العادات وغيرها تدل على أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا كانت طلعة وجهه الشريف والنظر إليه فى أول وهلة هذا كافى فى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا كافى فى الدلالة على صدقه على أنه رسول ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، ولذلك ثبت فى المسند وسنن ابن ماجة وسنن الترمذى والحديث قال عنه الإمام الترمذى صحيح، والحديث رواه الحاكم فى المستدرك فى كتاب الهجرة فى الجزء الثالث صفحة 13 وقال صحيح على شرط الشيخيخن وأقره عليه الإمام الذهبى ولفظ الحديث عن حبر اليهود وإمامهم فى زمانه عبد الله بن سلام رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، يقول: لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة مهاجرا تنادى الناس قد م رسول الله قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام فانجفل الناس إليه ليروه على نبينا صلوات الله وسلامه، يقول: وكنت فيمن انجفل أى ذهبت بسرعة، يقول: فلما استثبت من وجهه أى تحققت وتمكنت من النظر إلى جماله وبهائه وكماله ونوره عليه صلوات الله وسلامه، فلما استثبت من النظر إلى وجهه قلت: إن وجهه ليس بوجه كذاب، وسمعته يقول: (هذا قبل أن يقول، إنما جاء ونظر الناس انجلوا إليه وأسرعوا لإستقباله وللنظر إلى طلعة وجهه ونوره وبهائه عليه الصلاة والسلام، يقول: فجئت معهم فلما استثبت وتمكنت من النظر وتحققت إلى نور وجهه، وجهه ليس بوجه كذاب عليه صلوات الله وسلامه، ثم سمتعه يقول: يا أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصِلُوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، هذا أول خطاب يلقيه نبينا عليه الصلاة والسلام فى طيبة(132/2)
وطابا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصِلُوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، حقيقة أحسن وصية أن تحسن صلتك بربك وصلتك بخلق الله جل وعلا، أن تعظم الله وأن تشفق على عباد الله والدين كله يدور على هاتين الدعامتين، تعظيما لله وشفقة على خلق الله، إطعام الطعام تعظيم شفقة على خلق الله إفشاء السلام إحسان لعباد الله رفق بهم مواسات لهم، ثم بعد ذلك الصلاة بالليل والناس نيام، تعظيم لذى الجلال والإكرام، فإذا عظمت الخالق وأشفقت على المخلوق وأحسنت إليه تدخل الجنة بسلام، هذا خطاب النبى عليه الصلاة والسلام فى أو لقاء بأصحابه فى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، الشاهد فى الحديث وهو صحيح، فلما استثبت من النظر إلى وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب على نبينا صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام: لنفصل كما قلت الكلام على خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام وخُلُقه، ونرى دلالة هذين الأمرين على نبوته ورسالته على نبينا صلوات الله وسلامه.(132/3)
أما خَلْقه الظاهرى وصورته الظاهرة بدنه جسده من راسه إلى رجليه الشريفتين المباركتين على نبينا صلوات الله وسلامه، أعطاه الله ملاحة وبهاء، مليح ولكن هذه الملاحة فيها بهاء فيها جلال جمال وجلال هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام، كمال، والكمال ما انتظم أمرين، جمال وجلال ملاحة وبهاء، وترتب على هذين الأمرين أمران نحو من يراه، أولهما كان من يرى النبى عليه الصلاة والسلام يحبه لما فبه من جمال وبهاء وملاحة، وكان أيضاً يجله ويوقره لما يرى فيه من جلال وبهاء على نبينا صلوات الله وسلامه، ملاحة وبهاء ترتب عليهما فى نفوس الناس كما قلت: أمران جليلان معتبران أقرر هذه الأمور بأدلة إن شاء الله، حب من الناس له، تعظيم وتوقير وإجلال من الناس له على نبينا صلوات الله وسلامه، فكان له هيبة وهو مرهوب عليه الصلاة والسلام، وكان أيضا فيه حلاوة وهو محبوب عليه الصلاة والسلام، ولابد من الأمرين، أن يوجد فيه الهيبة وأن يكون محبوبا، أما الهيبة بدون محبة فهذا يصبح حاله كحال الجبابرة والملوك فزعا وخوفا منه، لكن ليس فى القلب تعلق به، ويريدون الخلاص منه كما يحصل فى الجبابرة والملوك يخافونهم يرهبونهم لكن دون تعلق ومحبة وميل إليهم، ومحبة بلا رهبة بلا إجلال، يصبح فيها ميوعة وشطط، فإذاً بهاء وملاحة ترتب عليها هيبة ومحبة.
كان الصحابة يحبونه ويجلونه عليه صلوات الله وسلامه، أما الملاحة التى فيه والجمال الذى فيه ومنحه الله له عليه صلوات الله وسلامه ولا يمكن أن يعطى الله هذا لمن يكذب عليه بعد ذلك ولو كان يحصل من هذا الذى ممنح هذا الكمال فى خلقه وخلقه، يحصل منه كذب على ربه لمسخه الله وعجل عقوبته، أما الملاحة التى فى خَلْقه عليه صلوات الله وسلامه فحدث ولا حرج.(132/4)
وتقدم معنا إخوتى الكرام عند بيان الأمور التى ينبغى أن توجد فى النبى والرسول على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، الشروط فى النبى والرسول، وقلت إنها ثمانية، السابع والثامن الكمال فى الخَلْق والخُلُق، حسن الخلق والخلق، وذكرت عند خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام بعض الأحاديث وقلت: كان أضوأ من الشمس وأبهى من القمر عليه صلوات الله وسلامه وقررت هذا بأحاديث صحييحة ثابتة ذكرتها، وقلت: أضيف إليها شيئاً أخر ومن جملة الأحاديث التى تقدمت معنا حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وهو فى الصحيحين وغيرهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خَلْقا، ليس بالطويل البائن ولا القصيرعليه صلوات الله وسلامه كان أحسن الناس وجها أحسنهم خَلْقا، الوجه وسائر الجسم بعد ذلك فى خِلْلقة معتدلة مستقيمة بهية جميلة ليس بالطويل البائن الذى فحش فى الطول ولا بالقصير، فكان ربعة عليه الصلاة والسلام وفيه هذا الجمال، والرويات فى بيان حسنه كثيرة متواترة عليه صلوات الله وسلامه.(132/5)
فمن ذلك ما ثبت فى صحيح مسلم وسنن أبى داود والحديث من رواية خالد بن عبد الله الجورينى وهو من التابعين قال لأبى الطفيل وهو عامر بن واسلة الليثى، أبو الطفيل وهو آخر الصحابة موتا على الإطلاق آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل سنة 110 للهجرة فى مكة المكرمة، هذا آخر صحابى فارق الحياة أبو الطفيل عامر بن أسلة، يقول خالد بن عبد الله الجورينى لأبى الطفيل عامر بن واسلة، هل رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم رأيته، قال: كيف رأيته؟ فقال أبوا الطفيل: كان عليه الصلاة والسلام كان أبيض مليحا، وفى رواية كان أبيض مليح الوجه عليه صلوات الله وسلامه نور يتلألأ فيه هذه الملاحة وهذه الإشراقة على نبيناصلوات الله وسلامه، كان أبيض مليحا، وفى رواية فى صحيح مسلم يقول أبو الطفيل عامر بن واسلة: ما بقى على وجه الأرض أحد رأى النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنا، لايوجد أحد من الصحابة فى زمنى إلا أنا، وأنا الذى انفردت فى هذه العصور بحصول الرؤية لى من النبى عليه الصلاة والسلام وما يشاركنى فى الأحياء أحد فى هذه الصفة التى حصلت لى، رأيته عليه الصلاة والسلام فكان أبيض مليحا مُقَصّدا، والرواية فى صحيح مسلم، أبيض وهذا البياض كما تقدم معنا مشرب بحمرة صلوات الله وسلامه نور يتلألأ مقصدا أى متوسطاً فى كل شىء فى طوله وقصره فى ضعفه وسمنه عليه الصلاة والسلام كان قصداً متوسطاً فى هذا الأمر فما فيه شىء ينزل عن الحد المطلوب ولا يزيد كان أبيض مليحاً مقصدا، عليه صلوات الله وسلامه، وهذا الصحابى الجليل أبو الطفيل كما قلت إخوتى الكرام هو آخر صحابى مات وفارق سنة 110 للهجرة فى مكة المكرمة.(132/6)
وأما الذى ادعى الصحبة فى القرن السادس للهجرة وهو الدجال رتن بن عبد الهندى فهذا من كذبه وزوره وإفكه وضلاله، وقد أورد أئمتنا هذا فى ترجمة رتن فى كتب الجرح والتعديل انظروا ذلك فى ميزان الإعتدال ولسان الميزان بل إن الحافظ الذهبى أورد ترجمته فى تجريب أسماء الصحابة ليبين أن رتن ليس بصحابى والحافظ ابن حجر فى الإصابة أورد ترجمة رتن أيضاً فى الإصابة وأطال الكلام فى ترجمة هذا الضآل المضل الزنديق المفترى، لكن ما ادعى النبوة، ادعى الصحبة فى القرن السادس للهجرة، وهل هو موجود أيضا أو ادعاه له سوتوفى سنة 630 للهجرة رتن الهندى وهو من رأى النبى عليه الصلاة والسلام وصحبه ودعى له بطول العمر، كل هذا كذب وإفك مفترى.(132/7)
والحافظ ابن حجر أورد هذا كما قلت فى الإصابة وذكر هذا فى الفصل الرابع من حرف الراء والفصل الرابع دائما فى كل حرف يورده لتراجم أناس معينين يريد بهم من ادعى أنهم صحابة وليس كذلك، وهذا الباب الرابع فى الإصابة عند كل حرف مما انفرد به الحافظ فى الإصابة فلا تجدونه فى كتب تراجم الصحابة الأخرى، جعل فى كل حرف أربعة فصول، الفصل الأول: فيمن ثبتت صحبته ولا خلاف فى ذلك، الفصل الثانى: لأولاد الصحابة الذين ثبتت ولادتهم فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام ولم يثبت من طريق صحيح مجيئهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام أو حصول هذا لهم، كيف أدرجهم ضمن الصحابة؟ قال: لأن كل مولود كان يؤتى به إلى النبى عليه الصلاة والسلام ليحنكه وليدعوى له عليه الصلاة والسلام فإذا ثبتت له وإن لم يرد نص بخصوصه فى بيان الصحبة لهذا الإنسان الذى ثبت أنه ولد فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام، والفصل الثالث: للمخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يثبت لقاءهم بنبينا عليه الصلاة والسلام، والفصل الرابع: لممن ادعى انهم وليسوا كذلك منهم رتن الهندى، وأطال الكلام كما قلت فى ستة صفحات ولو أفردت لبلغت ما يزيد على عشرين صفحة من الحجم المتوسط، لكن الطبعة الأولى للإصابة الكلام فيها دقيق جدا، وغاية ما فعله ابن حجر لخص كتاب الإمام الذهبى له كتاب إسمه (كسر وثن رتن) ، جزء ألفه افمام الذهبى يقول الحافظ ابن حجر لازلت أبحث عنه حتى وجدته بخط مؤلفه، فلخص ما فى الكتاب فى الإصابة وما عندنا خبر عن هذا الجزء الذى ألفه الإمام الذهبى فى كسر وثن رتن، ثم تحدث الإمام الذهبى فى هذا الكتاب عن رتن الهندى وعن ضلالاته وافترآءته ومنها قوله سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من مشط حاجبيه عند المساء وصلى على لا يصبه رمد ما بقى حيا، عند المساء يمشط الحاجبين ويصلى على النبى عليه الصلاة والسلام فلا يصاب برمد ومنها ما من عبد يبكى فى يوم قتل الحسين عليه وعلى(132/8)
سائر الصحابة رضوان الله جل وعلا، إلا أعطاه الله ثواب الأنبياء وحشره مع أولى العزم.
لا إله إلا الله، ومنها من ضلالاته يقول: من أعان تارك الصلاة بلقمة فعليه إثم من قتل الأنبياء جميعا، ومن هذا حدث ولا حرج، ثم علق الذهب على هذه الخرافات يقول: هذه الخرافات هى خرافات الزنادقة من الصوفية الذين يقولون حدثنى قلبى عن ربى، كلهم أيضاً هكذا الباب مفتوح وهنا الباب مفتوح لكن باب الشيطان ليقول ما شاء من غير زمام ولا خطام، من أين لك هذا وفىأى كتاب؟ يقول: أنا صحبت النبى عليه الصلاة والسلام ما أريد واسطة ودعى لى بطول العمر فاسمعوا أحاديث، وذاك من أين تروى هذا الدجل؟ يقول: عن الله مباشرة، أنتم تأخون من الكتب ونحن نأخذ من الرب جل وعلا، القلب عن الرب، هذه دعوى الزنادقة، وهكذا رتن الهندى، وأنا أعجب لبعض علماء الإسلام كالصلاح الصفدى غفر الله له، قال: وما المانع أن يكون هناك رجل صحابى اسمه رتن وأن الحياة قد امتدت به والعقل لا يحيل هذا وإذا كان جائزفى العقل لما نسبعد هذا، فقال له شيخ الإسلام فى زمانه، الإمام ابن جماعة، ليس المسألة ليس التعويل فى هذه المسألة على تجويز العقل، التنعويل على النقل، بأى طريق ثبتت صحبة هذا الإنسان، يعنى لو جاءنا إنسان من بلاد مجهولة وما نعرف أصله ولا فصله وقال: أنا رأيت النبى عليه الصلاة والسلام واجتمعت به ودعى لى بطول العمر فأنا صحابى نصدقه، وهذا يحتاج إلى نقل، العقل يجوز يجوز، قال: ليس هذا المر مبناه تجويز العقل، مبناه على ثبوت النقل، فمن أين ثبتت صحبة رتن وأنه عاش إلى القرن السادس وتوفى سنة630 للهجرة، أين ثبتت؟ ومن الذى نقل هذا؟ بل المنقول، يقول الإمام ابن جماعة يرد ذها ويبين أنه لايمكن لصحابى أن يعيش بعد النبى عليه الصلاة والسلام أكثر من مائة سنة، والنبى عليه الصلاة والسلام توفى فى العام العاشر من الهجرة أوليس كذلك، أبو الطفيل مات سنة 110، ولذلك ورد الحديث كما سأذكر لكم(132/9)
ويستدل به ابن جماعة وغيره فى الصحيحين وغيرهما على أنه لا يمكن أن يعيش أحد ممن كان حياً فى آخر حياة النبى عليه الصلاة والسلام وقال هذا الكلام قبل موته بشهر لا يمكن أن يعيش أكثر من مائة سنة، مائة سنة كل من كان حياً فى زاك الوقت سوآء راى النبى عليه الصلاة والسلام أو لم يره سيموت وسينقرض أهل ذالك القرن وسيأتى بعدهم أناس أخرون.
والحديث ثابت فى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والترمذى من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول [أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على راس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد] أى لا يبقى ممن هو عل ظهر، لا يبقى أحد ممن هو على الأرض هذا اليوم، والنبى عليه الصلاة والسلام قال هذا الكلام قبل موته بشهر، كما وضحت هذا رواية المسند والصحيحين أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قام قبل موته فقال [ما من نفس منفوسة اليوم يأتى عليها مائة سنة وهى يوم إذٍ حية، وعليه فغاية ما يمكن أن يعيش الإنسان مائة سنة، وهذا الذى ثبت لواحد فقط وهو أبو الطفيل عامر بن واسلة توفى سنة 110للهجرة ولم يبقى بعد ذلك صحابى رضوان الله عليهم أجمعين.(132/10)
إخوتى الكرام: من تأمل خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام بدنه وصورته الظاهرة لن يرتاب فى أنه رسول ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، أعطاه الله ملاحة وبهاء عليه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا بيان تلألىء وجهه عليه الصلاة والسلام وبيان نور وجهه عليه الصلاة والسلام وأنه أبهى من القمر واضوء من الشمس ووتقدم معنا أيضا طيب عرقه عليه صلوات الله وسلامه، وكيف كان يؤخذ ليوضع فى الطيب ليزداد الطيب طيبا، فطيب نبينا عليه الصلاة والسلام عرق نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب أنواع الطيب على نبينا صلوات الله وسلامه، إذا هذا الخلق الذى ينفرد بهذه الأمور له اعتبارات ينبغى أن نستدل بها، فقد يقول قائل: قد يوجد هذا لصالح أن يكون له ريح طيبة وعرقه طيب؟، نقول: هل الصالح ادعى النبوة؟ وهل ما يحصل للصالح من كرامات يدل على أنه نبى، ما حصل له هذا إلا بركة اتباعه للنبى عليه الصلاة والسلام، لكن أرينى متنبئاً دجالا ادعى النبوة وهوكذاب يشم منه ريح الطيب وريح المسك من غير تطيب ومن غير تعطر ثم بعد ذلك إذا مج فى بئر يفو منها المسك أرنى هذا، نعم قد يأتى صالح ويكرمه الله بهذا لكن لا يوجد دعوى النبوة والرسالة، هذا ببركة اتباعه للنبى عليه الصلاة والسلام فذاك كرامة، أما عندنا هذا صادق وقال: أنا رسول الله عليه الصلاة والسلام إذاً بين أمرين إما أنه صادق فى دعوى الرسالة فهذا الكمال فى خَلْقه وخُلُقه فى محله، إما أنه كاذب فى دعوى الرسالة لابد من أن يهتك الله ستره وأن يشوه خَلْقه وأن يبين بعد ذلك إنحطاطه ووضاعته وشناعة خلقة فى الحياة قبل الممات لابد، وأما أن يؤيده الله وأن يزيده بعد ذلك تمكيناً ومددا، هذا لايمكن أن يحصل بحال، فانظر لهذه الأحاديث التى تبين لنا خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام وملاحته وطيبه عليه صلوات الله وسلامه.(132/11)
ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة والحديث إسناده صحيح من رواية وائل بن حُجُر رضي الله عنه وأرضاه قال: أوتنى النبى عليه الصلاة والسلام بدلو من ماء فأخذه وشرب منه ثم مج فيه مجة ثم حمله وطرحه وصبه فى بئر ففاحت من البئر ريح المسك وفى رواية شرب من الدلو وأخذ مجة مجها فى البئر مباشرة دون أن يمجها فى الدلو ويصب ما فى الدلو فى البئر مرة ثانية، ففاحت منها ريح المسك.
هذا الأمر الذى يحصل لهذا البدن الكريم الطاهر من حسن وبهاء وكمال ينبغى أن يكون له دلالة، هذا لو كان كذاباً لفاحت من تلك المجة رائحة النتن، كما سيأتينا فى علامات المتنبىء الكذاب عند خوارق العادات، وكيف يهتك الله ستره ويظهر أمره ويفضحه فى الدنيا مع ما له من الفضيحة على رؤوس الأشهاد، وتقدم معنا كيف كان يجمع عرق النبى عليه الصلاة والسلام ويوضع فى الطيب ليطيب، وهنا بئر يصب فيه مجة النبى عليه الصلاة والسلام فتفوح من هذا البئر رائحة المسك على نبينا صلوات الله وسلامه، وكنت ذكرت غالب ظنى فى الموعظة الماضية أن نبينا عليه الصلاة والسلام قرأ فى فم أحد القرآء السبعة وهو نافع الذى توفى سنة 169 للهجرة فكان لا يقرأ فى مجلس من المجالس إلا عبقت فيه رائحة المسك، فقيل له هل تطيب فمك؟ قال: لا رأيت النبى عليه الصلاة والسلام فى النوم فقرأ القرآن فى فىّ فما تشمون من الرائحة الشذية الطيبة هذا بسبب قرأة النبى عليه الصلاة والسلام فى فىّ فى فمى، ولذلك يقول الإمام الشاطبى عليه رحمة الله فى حرز الأمان فى المنظومة التى عملها فى القراءات السبع، يقول:
فأما الكريم السر فى الطيب نافع ... فذاك الذى اختار المدينة منزلا
فأما الكريم السر فى الطيب نافع، كريم السر كريم الباطن أكرمه الله بهذا الأمر، فذاك الذى اختار المدينة منزلا.(132/12)
وهنا مجة يمجها فى بئر تفوح منها رائحة المسك على نبينا صلوات الله وسلامه وهذا الخَلْق الظاهرى من بهاء وملاحة، زانه حياء عظيم عظيم، حياء طبيعى غريزى وحياء مكتسب فى عِلِىّ حصله نبينا عليه الصلاة والسلام بما أدبه به ربنا جل وعلا بتوجيهات القرآن وتعاليم القرآن ولذلك ورد فى وصف نبينا عليه الصلاة والسلام أنه كان أشد حياء من العذراء فى خدرها والحديث فى المسند والصحيحين ورواه البخارى فى الأدب المفرد ورواه ابن ماجة فى سننه من رواية أبى سعيد الخدرى ورواه البزار فى مسنده بإسناد صحيح عن أنس من رواية أبى سعيد وأنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء فى خدرها، وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرفنا ذلك فى وجهه دون أن يتلكم صلوات الله وسلامه، فكان إذا سر يستنير وجهه كأنه فلقة قمر، وكأن الشمس تجرى فى جبهته عليه صلوات الله وسلامه وكان إذا غضب كأنه يفقأ فى وجهه حب الرمان عليه صلوات الله وسلامه تظهر عليه هذه العلامات وهو كان أشد حياء من العذراء فى خدرها عليه صلوات الله وسلامه وإذا رأى شيئا يكرهه عرفنا ذلك فى وجهه عليه صلوات الله وسلامه، والعذراء هى البنت البكر والخدر هو المكان الذى تجلس فيه فلا يراها فيه أحد، فهذه المرأة كم تستحى؟ بكر مخدرة، فنبينا عليه صلوات الله وسلامه الذى هوسيد الرجال وإمام الأبطال وأفضل خلق الله أشد حياء من هذه البنت المخدرة على نبينا صلوات الله وسلامه، جمال وبهاء زانه هذا الحياء، ولذلك كما قلت: صار له فى قلوب الناس مهابة كما صار له محبة.(132/13)
انظر للمهابة التى كانت تقع فى قلوب الصحابة وفى قلوب من يراه ثبت فى سنن ابن ماجة والحديث رواه الحاكم وإسناده صحيح من رواية أبى مسعود البدرى الأنصارى ورواه الحاكم فى المستدرك أيضا والطبرانى فى الأوسط عن جرير بن عبد الله البجلى، فمن رواية أبى مسعود ومن رواية جرير رضي الله عنهم أجمعين، قال: أوتى برجل إلى صلى الله عليه وسلم، فلما وقف أمامه ورأه بدأت ترتعد فرائصه، يطرب من الخوف والفزع فقال النبى عليه الصلاة والسلام: هون عليك إنى لست بملك، إنى ابن امرأة كانت تأكل القديد على نبينا صلوات الله وسلامه لما هذا الفزع؟ لما هذا الرعب؟ هذا هو الوجل وهذه هى الرهبة لكن معها كما سيأتينا محبة لا نهاية لها فعندما يراه فى الأمر وليس حوله صلوات الله وسلامه لا خدم ولا حشم ولا حراس ولا جنود عليه صلوات الله وسلامه {والله يعصمك من الناس} ، لكن من ينظر لطلعة وجهه وبهاءه عليه الصلاة والسلام يعتريه هذا الوجل من النبى عليه الصلاة والسلام، هون عليك أنى لست بملك ليس حالى كحال الجبابرة أنا امرأة كانت تأكل القديد، والقديد: هو اللحم الذى يجفف ويملح، وهذا يفعله الإنسان فى الغالب إذا كان فقيراً، يملح اللحم عندما يذبح الذبيحة لا يريد أن يأكلها بكاملها ولا يوجد ثلاجات فى ذاك الوقت، فما بقى إلا أن يملح ويجفف ليؤكل عند الحاجة، فكأنه يقول أنا يعنى ابن امرأة تأكل كما يأكل الناس من أسرة يعنى عادية ليس من أسرة ملوك، فعلى ما هذا، يعنى الفزع والفرائص والأعضاء تتطرب، ولا يقولن قائل هذا حال إنسان لم يسبق له أن رأى النبى عليه الصلاة والسلام هذا حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ما استطاع صحابى أن يحد النظر فى وجه نبينا عليه الصلاة والسلام، واسمعوا لهذا الحديث الذى هو فى صحيح مسلم اتروا أن هذا ليست بحالة كما يقال فى أول لقاء لا، الذين عاشروه لا يستطيع واحد منهم أن يديم النظر إلى وجه نبينا عليه الصلاة والسلام مما(132/14)
فيه من الهيبة والمهابة صلوات الله وسلامه والبهاء.
ثبت فى صحيح مسلم من رواية عبد الرحمن بن شماسة ويقال بفتح الشين شماسة المهرى رحمه الله، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت وعمرو أسلم فى العام الثامن للهجرة هو وخالد قبل فتح مكة رضي الله عنهم أجمعين، ثم امتدت حياته إلى أن توفى سنة 43 للهجرة وعاش تسعا وتسعين سنة رضي الله عنه وأرضاه، عمرو بن العاص، لما مات كان عمره 99 سنة، مات سنة43 للهجرة وهو كما قال الذهبى داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل فى الفطنة والدهاء والحزم، عمرو بن العاص، يقول عبد الرحمن بن شماسة حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه عبد الله يقول: ما يبكيك يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، قال له النبى عليه الصلاة والسلام والحديث فى المسند وغيره وإسناده صحيح أسلم الناس وآمن عمرو، ولعل نبينا عليه الصلاة والسلام يقصد بالناس الذين أسلموا بعد فتح مكة فهؤلاء أسلموا لأن الغلبة صارت للإسلام وأما عمرو فجاء قبل فتح مكة هو وخالد وآمنو رغبة لا رهبة، رغبة فى الإسلام لا رهبة مما حصل من قوة الإسلام، والحديث رواه الترمذى أسلم الناس وآمن عمرو، ورواه الإمام أحمد فى المسند وإسناده حسن، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، فأقبل بوجهه وقال: إن أفضل ما نعد شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنى كنت على أطباق ثلاث، أى على ثلاث حالات، لقد رأيتنى، هذه الحالة الأولى وما أحد أشد بغضاً لرسول صلى الله عليه وسلم منى ولا أحب إلىّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت، مت بكسر الميم وضمها على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام فى قلبى صلى الله عليه وسلم هذا الحالة الثانية، فقلت: أبصت يمينك فل أبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال: مالك يا عمرو، قلت: أردت أن أشترط، قال:(132/15)
تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لى، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، ان الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله، وما كان أحد أحب إلىّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحلى فى عينى منه، إنتبه لكلام عمرو وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له ولو قيل لى صفه لما استطعت أن أصفه، وكان بعض شيوخنا يقول: وما أعلم صحة هذا القول، يقول: ما استطاع أحد أن يصف النبى عليه الصلاة والسلام إلا النساء، وأما الصحابة الكرام ما استطاعوا أن يصفوه وأن يحدوا النظر فيه عليه صلوات الله وسلامه، ولو قيل لى صفه لما استطعت أن أصفه لأنى لم أكن أملأ عينى منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، الحالة الثالثة: ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فإذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فسنوا فشنوا بالسين المهملة والشين المعجمة، فسنوا علىّ التراب سنا شنا، أى ضعوه برفق دون شدة وغلظة وعنف، ثم أقيموا حول قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى، الحديث كما قلت فى صحيح مسلم وهذا لفظه، انظر لعمرو بن العاص وله هذه المكانة رجل العالم أقوى الناس فى الحزم والعزم والدهاء ما استطاع أن ينظر إلى خاتم الأنبيناء عليه الصلاة والسلام وأن يملأ عينيه منه عليه صلوات الله وسلامه، لاإله إلا الله، وأما محبته فى القلوب وتعلق القلوب به أتلكم على هذا فيما يأتى مع بيان الأمر الثانى والشق الثانى من الأمر الأول، ألا وهو بيان خُلُق النبى عليه الصلاة والسلام بعد الإنتهاء من الكلام على خَلْقِه.(132/16)
اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوما، اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا معنا ولا بيننا شقياً ولا محروما، اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا وأرحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلأى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبيناء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(132/17)
علامات في نفس رسول الله (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
علامات في نفس رسول الله (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام:(133/1)
كنا فى المبحث الثالث من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذا المبحث كما تقدم معنا مبحث جليل يدور حول بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء ورسله صلوات الله وسلامه، وقلت إخوتى الكرام: هناك تدل على صدق النبى وكذب المتنبىء، فلا بد من وجود علامات تدل على صدق المحق وكذب المبطل، لا بد من وجود علامات تدل على صدق الصادق وعلى كذب الكاذب، فنبينا عليه الصلاة والسلام وأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه لابد وأن يكون فيهم علامات تدل أنهم رسل رب الأرض والسماوات، وهذه العلامات كما تقدم معنا إخوتى الكرام كثيرةوفيرة، ويمكن أن يصل الإنسان إليها عن طريق النظر بعقله وتحكيم فطرته، إذا تأمل هذه العلامات فرق بين النبى والمتنبىء، وتقدم معنا بعض هذه العلامات عن طريق الإجمال، وذكرت ما استدل به هرقل على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام فى نبوته وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقا، ودارت أسئلته كما تقدم معنا على عشرة أمور منها ما يتعلق بنسب النبى عليه الصلاة والسلام وأسرته، ومنها ما يتعلق ببيان دعوته، ومنها ما يتعلق ببيان معاملته لغيره، ومنها ما يتعلق ببيان حال أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ثم خلص بعد ذلك من هذه الأسئلة والأجوبة التى أجاب عليها أبو سفيان، خلص من ذلك إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو رسول الله حقا، فقال لأبى سفيان: إن كان ما تقول حقاً فهو نبى فسيملك موضع قدمى هاتين، وهذا الذى تحقق بعد ذلك على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذه الأسئلة التى وجهها هرقل إلى أبى سفيان كنت سردتها وبينت جواب أبى سفيان وتعليقنا أيضاً عليها فى الموعظة الماضية، أبو سفيان بعد أن سئل تلك الأسئلة الحسان من قبل هرقل ملك الروم وعظيم الروم يقول أبى سفيان: ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف أى الذى لم(133/2)
يختتن، وتقدم معنا أن النصارى لا يختتنون، ويقول: هذه الأسئلة تدل على دهائه وذكائه وعظم عقله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف، إنتهينا إخوتى الكرام من بيان هذه العلامات عن طريق الإجمال، ووعدتكم أن أتكلم على نهاية هرقل فى أول هذه الموعظة، لنكمل إن شاء الله بعد ذلك تفصيل الكلام على الأمور التى يعلم بها صدق الرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.(133/3)
هرقل إمتدت به الحياة وعاش بعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام، فحياته امتدت لكن ما شرح الله صدره للإيمان وأمره عند ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، ففى غزوة مؤتة فى العام الثامن للهجرة، بعد الأسئلة التى سألها لأبى سفيان بسنتين، قاد جحافل الروم وكان مائةألف، وانضم إليه أيضا مائة ألف من قبائل لخم وجذمان، وحصلت بين هؤلاء الجموع من الروم ومن هذه القبائل وبين المسلمين الموقعة الشهيرة فى العام الثامن للهجرة وهى غزوة مؤتة، وفيها كان أمير الجيش حب رسول عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة ثم بعد ذلك جعفر بن أبى طالب، ثم عبد بن رواحة رضي الله عنهم أجعين، ثم لما قتل هؤلاء الثلاثة بنأمير النبى عليه الصلاة والسلام لهم على التوالى والتعاقب أخذ الراية خالد بن الوليد فاستطاع أن يعود بمن بقى من الجيش سالمين إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، وهذا أقل ما قيل فى عدد الروم ومن معهم مئتا ألف، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، عددهم ثلاثة آلاف فى هذه الموقعة، فكل فرد يقابه سبعون فردا، فهذه الموقعة كان فيها هرقل، موقعة مؤتة، ثم فى العام التاسع فى غزوة تبوك عندما قاد النبى عليه الصلاة والسلام الصحابة بنفسه فى هذه الغزوة الطويلة البعيدة، وكان هذا فى العام التاسع فلما وصل النبى عليه الصلاة والسلام إلى تبوك كتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام مرة ثانية وكاد هرقل أن يسلم لكن حصل منه ما حصل فى المرة الأولى عندما عرض الأمر على بطارقته وعلى أهل ديانته نفروا فبقى على دينه وأرسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام شيئاً من الذهب كما ثبت هذا فى صحيح ابن حبان فقسمه النبى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وفى رواية المسند كما ذكر هذا الحافظ فى الفتح وإسناد الأثر صحيح، أنه كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام يعنى هرقل، يقول له: إنى مسلم، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: كذب، وفى رواية كتاب أبى عبيد الأموال لأبى عبيد، لكن من(133/4)
رواية بكربن عبد الله المدنى، مرسلة، أن هرقل كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام يقول له: إنى مسلم، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: كذب عدو الله لا زال على نصرانيته.
وهذا الذى حصل من هرقل وجواب النبى عليه الصلاة والسلام يدل على أن هرقل مات على نصرانيته وأنه كذاب فى دعوى الإسلام كما أخبر عن ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث الطويل الذى أوره الإمام البخارى فى أخر كتاب الوحى، إفتتح الإمام البخارى كتاب الوحى بحديث عمر رضي الله عنه وهو فى الكتب الستة [إنما الأعمال بالنيات] .، وختمه بهذا الحديث الطويل عن ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم معنا أن أبا سفيان بن حرب أخبره عن هذا الحديث الطويل، وختم الإمام البخارى كتاب الوحى بهذا الحديث الطويل كأن الإمام البخارى يشير بهذا إلى أن أمر هرقل أمر مستبهم لن يجرى منه إيمان ويثبت عليه، والله أعلم بحقيقة أمره، كأنه يشير بختم كتاب الوحى بهذا الحديث مع بدءه بحديث إنما الأعمال بالنيات، كأنه يشير إلى أن هرقل إذا كان فى قرارة نفسه وفى قلبه إذا كان موحدا مؤمنا بالله ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم لكن منعه من الإظهار خشية القتل، خشية القتل منعه من إظهار الإيمان، فبقى فى الظاهر على دين قومه لكنه أقر وأذعن لله جل وعلا ولرسوله عليه الصلاة والسلام وشهد له بالرسالة، فإن كان كذلك فيبقى الحديث إنما الأعمال بالنيات، والله هو الذى سيحكم فى هذا يوم تبلى السرائر، كأن الإام البخارى كما قال الحافظ ابن حجر، يشير إلى هذه المسألة أمر هرقل يعنى غير واضح مغلق مستبهم غير ظاهر، فإذاً إذا كانت نيته صادقة فى قوله: إنى مسلم إذا كانت، لن يضيع ما صدر منه عند الله، لكن جواب النبى عليه الصلاة والسلام الذى ذكرته فيما يظهر والعلم عند الله يزيل هذا الإشكال وأن أمره ليس يعنى بخفى إنما هو واضح مُصِرّ على نصرانيته، آثر الدنيا على الآخرة.(133/5)
والإمام الذهبى عليه رحمة الله فى كتاب سير أعلام النبلاء ذكر ما يؤيد ما أشاره الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، فكأنه يرى أنه إذا صدر ما صدر من هرقل من الإذعان والإقرار والإعتراف وأنه لو أمنه لتجشن الذهاب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ولو كان عنده لغسل عن قدمه ولقبل رأسه عليه صلوات الله وسلامه كما قال هرقل، يقول: هذا إذا صدر منه على سبيل الإذعان والحقيقة ثم ما استطاع أن يظهر هذا وأن يثبت عليه من أجل الخوف الذى يحيط به من رعيته وأهل دينه لعله ينفعه فى يوم من الأيان عند الله، لعله.(133/6)
يقول الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثانى صفحة15، فمن أسلم فى باطنه هكذا ويقول هذا بعد قصة أذكرها عند نهاية كلامه فيرجى له الخلاص من خلود النار، إذ قد حصل فى باطنه إيماناً ما، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام وأعتقد أنهما حق مع كون أنه على دين صحيح، فتراهم يعظمو للدينين، يعنى الإسلام حق والنبى عليه الصلاة والسلام صدق، لكن ما هو عليه من اتلنصرانية أيضاً دين صحيح فيعظم الدينين، يعظم الإسلام ونبى افسلام ويبقى على نصرانيته ويعظم ديانته، فإن كان كذلك هذا لا شك فى كفره، واعتقد أنه حق مع كون أنه يعنى هو هرقل وأمثاله على دين صحييح فترام يعظم للدينين كما فعله كثير من المسلمانية أى الذين يظهرون الإسلام وأن الإسلام أحق من النصارى وهم على نصرانيتهم، فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك، هذه القصة هذا الكلام أوره الإمام الذهبى فى ترجمة عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وهو من الصحابة الأطهار الأبرار قيل أنه شهد بدراً رضي الله عنه وقيل لم يشهدها، حول شهوده بدر خلاف، هو من الصحابة على كل حال، عبد الله بن حذافة، هذا أرسله عمر رضي الله عنه أميراً على جيش ليقاتل بلاد الروم، والروم فى بلادهم، فأسر على حدود الشام عبد الله بن حذافة صاحب النبى عليه الصلاة والسلام، قيل لملك الروم أسر أمير الجيش وهو صاحب نبى الإسلام على نبينا صلوات الله وسلامه، فقال: إتونى به ثم لما جاء عبد الله بن حذافة إلى ملك الروم، عرض عليه أن يتنصر وقال: أزوجك ابنتى وأعطيك نصف ملكى، أيطمع فى ذلك لأنه صحابى جليل وفى ردته فتنة للمسلمين الذين يعنى فى قلوبهم أحياناً ضعف إيمان لكن الإيمان كما قال هرقل: إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، فقال عبد الله بن حذافة لملك الروم: لو أعطيتنى جميع ما تملك وجميع ما تملك وجميع ملك العرب، يعنى ما تملك ومثله وما يملكه العرب ما رجعت عن دينى محمد عليه(133/7)
الصلاة والسلام طرفة عين، فاقطع أملك من ذلك، قال: أقتلك، قال: أنت وذاك، فقال: لأعوانه وحراسه وأفراد جيشه خذوه وضعوه على شجرة واضربوه بالسهام لكن لا تسددوا السهام عليه دعوها تسقط بجواره ليدخل فى قلبه الروع والفزع لعله يرتد إذا فاوضناه مرة ثانية، فأخذوه ووضعوه على شجرة وربطوه بها ثم سلطوا السهام عليه يضربونه سهاماً كالمطر لكن لا يقصدوه بالضرب بحيث تقع يميناً أو يساراً، ثم استدعاه هرقل، قال: هل تكفر وترجع عن دينك وتدخل فى النصرانية أزوجك ابنتى وأعطيك نصف ملكى، فردد عليه الكلام السابق، قال: أقتلك، قال: أنت وذاك، فقال هرقل: هاتوا قدراً كبيرأ ووضعوا فيه ماء ثم أوقد عليه النار، فأتى بأحد المسلمين فألقاه فى الماء أمامه، فظهر عظمه، أى انسلخ اللحم منه وظهر العظم، فقال: أترجع عن دينك وتدخل فى دينى وإلا أفعل فيك كما فعلت، فبكى عبد الله بن حذافة، فطمع ملك الروم قال: على ما تبكى، قال: أبكى لأننى لا أملك إلا نفساً واحدة، كنت أتمنى أن يكون لى أنفاساً أى أرواح بعدد شعر جسمى حتى يكون أعظمنى أجرى، نفس واحدة الآن تلقينى فى القدر وأموت فأنا أبكى لأن أجرى الآن سيقل، لو كان لى أرواح كثيرة واحدة بعد الواحدة تخرج لكان أحسن، أنا أغبط من مات لكن أريد أن تكون لى أرواح متعددة لأحصل أجراً كثيرا، فقال هرقل فقال ملك الروم: دعوه فى بيت وأغلقوا عليه وضعوا معه الخمر والخنزير، فإما أن يأكل وإما أن يموت، ففتحوا عنه بعد ثلاث فالتوى عنقه، فقال: ما منعك أن تأكل، قال: والله إن الله قد أحل لى ذلك عند الضرورة لكن لا أوريد أن أشمتكم بمسلم، تقولون: أكل خنزير شرب خمرا هذا لا يمكن، فقد الحياة أيسر، فقال له ملك الروم: هل لك أن تقبل رأسى وأطلق سراحك، قال: وتطلق سراح المسلمين، وكانوا ثلاث مائة، قال: نعم، قال: أقبل رأسك، فقام عبد الله بن حذافة وقبل رأس هذا الملك النصرانى النجس الكافر، فأطلق سراحه وسراح ثلاثمائة من المسلمين(133/8)
مأسورين وأعطاه ثلاثين ألف دينار وثلاثين وصيفة عبدة، فأخذ كل هذا وعاد معه أسرى المسلمين إلى المدينة فى عهد خلافة عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فقص عبد الله بن حذافة على عمر ما حصل له وأنه قبل رأس ملك الروم الكافر، فقال عمر: حق على كل سلم أن يقبل رأس عبد بن حذافة، وأنا أول من يبدأ فقام وقبل رأسه رضي الله عنه وأرضاه، وحقيقة ما قبل رأس هذا الكافر لمصلحة لنفسه، إنما إذا توقف الأمر على إطلاق ثلاثمائة من المسلمين فحقيقة الأمر إن شاء الله يسهل بجانب إطلاق هذه النفوس العزيزة.
الإمام الذهبى بعد أن أورد هذه القصة علق عليها، والقصة صحيحة ثابتة رواها البيهقى فى دلائل النبوة وابن عساكر فى تاريخ دمشق، يقول الإمام الذهبى: ولعل هذا الملك قد أسلم سراً ويدل على ذلك مبالغته فى إكرام عبد الله بن حذافة، ملك الروم بعد أن رأى من عبد بن حذافة ما رأى لعله أسلم، وقال لعبد بن حذافة: قبل رأسى وانا أعطيع ما أعطيع لألا ألام أمام رعيتى ولألا أيضاتً يبطشوا بى، يقول هذا يعنى حيلة عليهم وما أستطيع أنا أن أظهر الإسلام لعله يكون، يقول الذهبى: وكذا القول فى هرقل إذ عرض على قومه الدخول فى الدين فلما خافهم قال: إنما كنت أختبر شدتكم فى دينكم، فمن أسلم فى باطنه هكذا فيرجى له الخلاص من خلود النار، إذ قدحصل فى باطنه إيماناً ما، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام والرسول واعتقد أنهما حق مع كونه على دين صحيح، هذا لو صدر منه لا ينفعه ذلك الإعتقاد، فتراه يعظم للدينين كما فعله كثير من المسلمانية فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك والعلم عند الله جل وعلا، هذه القصة فى ترجمة عبد الله بن حذافة فى سير أعلام النبلاء يذكرها أيضاً الإمام ابن حجر فى الإصابة، يقول: ومن مناقب عبد الله بن حذافة ثم ذكر هذه القصة وأنه تسبب فى إطلاق ثلاثمائة من أسرى المسلمين من ملك الروم.(133/9)
وعبد الله بن حذافة: هو الصحابى الجليل رضي الله عنه وأرضاه وكان فيه شىء من الدعابة والمزاح، وهو قائد الغزوة المشهورة التى طلب من المسلمين أن يقدوا ناراً وأن يضرموها وان يلقوا أنفسهم فيها، عبد الله بن حذافة، وهذا من باب كما قلت من باب المداعبة والمزاح ليختبر طاعتهم وليمزح معهم، وهل سيلقون أنفسهم فيها أم لا.(133/10)
والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وابن ماجة فى السنن ورواه ابن خزيمة فى صحيحه وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه، وإسناده صحيح، فيه أن النبى عليه الصلاة والسلام من رواية أبى سعيد الخدرى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز أميراً على بعث، يقول أبو سعيد: أنا فيهم، فأذن عبد الله بن مجزز، علقمة بن المجزز أذن لطائفة من الجيش من هؤلاء البعث أن ينصرفوا وأن يذهبوا إلى مكان ما وأمر عليهم عبد الله بن حذافة، فلما تأمر عليهم هذا من قبل علقمة بن مجزز الذى أمره رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: أوليس لى عليكم حق السمع والطاعة، قالوا: بلا، قال: اجمعوا حطباً وأقدوا نارا ثم قال: أوقدوا أنفسكم فيها، فلما هم بعضهم أن يلقى نفسه فيها وبدأ يحتجز أى يربط صدره وثيابه من أجل أن يلقى نفسه فيها، قال: أردت أن أختبر حالكم وهل تطيعونى أم لا؟ وتكررت مثل هذه القصة كما فى الصحيحين عن على رضي الله عنه مع بعض الأنصار عندما أمره النبى صلى الله عليه وسلم على سرية، فذاك غضب منهم ويعنى كأنهم أزعجوه ويعنى خالفوه فى بعض الشىء فى الطريق فقال: اجمعوا حطباً إننى أميركم ثم أوقدوا نارا ألقوا أنفسكم فيها فاؤلئك جابلوه، وقالوا: أمنا برسول الله عليه الصلاة والسلام فرراراً من النار وفريق هم أن يلقى نفسه فيها، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه إنما الطاعة فى المعروف، وقال كما فى الصحيحين فى حديث على رضي الله عنه والذى نفسى بيده عليه صلوات الله وسلامه، لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة فى المعروف، وقوله: ما خرجوا منها أى إذا استحلوا الدخول من غير تأويل فهذا استحلال لمعصية فهو كفر، أو أنهم ما خرجوا منها أى سيموتون ويحترقون وواقع الأمر كذلك، أوما خرجوا منها أى أن دخولهم فيها سيوصلهم إلى نار جهنم بعد ذلك وأمرهم إلى الله جل وعلا، فإن شاء عفى عنهم وإن شاء عذبهم سبحانه وتعالى(133/11)
هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، عبد بن حذافة هذا شأنه، فلما فعل مع ملك الروم ما فعل، يقول الذهبى عليه رحمة الله لعل ملك الروم أسلم سرا، يقول: وهكذا هرقل فإذاكان فى قلبه إيمانا حقيقى وما استطاع أن يظهره من أجل خوف قومه لعله ينفعه ذلك عند ربه والعلم عند الله جل وعلا..... اقول هذا احتمال يقوله الذهبى، لكن ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من أن هرقل كذب وأنه عدو الله ولا زال على نصرانيته، هذا يقطع كل احتمال والعلم عند الله جل وعلا.
إخوتى الكرام: فى الحديث الذى ذكرته فى أخر فى الموعظة الماضية، حديث ابن عباس رضي الله عنه حول أسئلة هرقل لأبى سفيان، تقدم معنا أن هرقل كان حزاء ينظر فى النجوم، وهذا قلنا فيه شىء من التكهن ودعوى وزعم علم الغيب، فكيف يرد الإمام البخارى هذا فى صحيحيه ويسكت عليه؟ والجواب أن البخرى عليه رحمة الله أراد أن يورد فى كتاب الوحى ما يدل على نبوة النبى عليه الصلاة والسلام وأن الأدلة والإشارات تتابعت وتواترت على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام من كل طريق بكل لسان بلسان العربى ولسان الأعجمى بلسان الإنسى بلسان الجن من جميع الطرق ورد ما يدل على أن نبينا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقاً وصدقا، وهذا أبدع ما يشير إليه عالم وأقوى ما يحتج به محتج، ليس نحن نثبت الكِهانة والكَهانة لا لكن طريق الكهانة أشار غلى أن النبى عليه الصلاة والسلام هذا حق وصدق وبعثته فى هذا الوقت هو الذى يدل عليه كهانتهم، والجن صرحت بذلك والإنس صرحت بذلك والعرب صرحت بذلك والعجم صرحت بذلك فهذه الطرق على اختلاف أساليبها واعتباراتها متفقة على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام فى أنه رسول الله حقا وصدقا، يقصد الإمام البخارى عليه رحمة الله من إراده هذه الجملة عن هرقل، يقصد هذه الدلالة وأن جميع الطرق والإشارات والدلالات دلت على أن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً.(133/12)
إخوتى الكرام: هذه الأمور كما قلت مجملة تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام فى نبوته ورسالته وأنه رسول الله حقاً وصدقاً على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وكنت ذكرت فى الموعظة الماضية حديث الحارث بن مالك الأشعرى، وقلت: روى من طريقه ومن طريق أنس بن مالك فى معجم الطبرانى الكبير ومسند البزار والحديث رواه البيهقى فى شعب الإيمان كما تقدم معنا وعبد الرزاق فى مصنفه وفى التفسير، وفيه الإشارة إلى أن كل شىء له علامة ودلالة، عندما قال نبينا عليه الصلاة والسلام لحارثة كيف أصبحت، قال: أصبحت مؤمناً حقا، إلى أخر الحديث الذى ذكرته، قال: انظر ما تقول إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك، قال: أصبحت وقد عزفت نفسى عن الدنيا فأظمئت نهارى وأسهرت ليلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزاً كما ذكرت هذا فى الموعظة الماضية، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يعذبون، بعض الأخوة الكرام كأنه أشكل عليه الأمر، فيقول: قرأ فى كتاب الفتن والملاحم للإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل فكأنه يقول: أشار الإمام ابن كثير إلى أن الحديث فى صحيح البخارى، وقلت لكم الحديث فى تلك الكتب واسناده ضعيف لكن معناه يدل على أنه لا بد لكل شىء من علامة تدل تلك العلامة على صدق ذلك الشىء أو على بطلانه، وكأن الأخ اشتبه عليه الأمر، يقول الإمام ابن كثير فى كتابه الفتن والملاحم وهو النهاية الملحق بأخر البداية، يقول: ذكر تزاور أهل الجنة بعضهم بعضا، وتذاكرهم أمور كانت منهم فى دار الدنيا من طاعات وزلات، يقول بعد ذلك: ولهذا مزائر كثيرة قد ذكرنها فى التفسير، وذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا، قال: أصبحت مؤمنا حقا إلى أخر الحديث، يا إخوتى لا يدل هذا على أن الحديث فى صحيح البخارى، الإمام ابن كثير شرح قطعة من صحيح البخارى ولم يكمله، وهكذا الإمام(133/13)
النووى شرح قطعة من صحيح البخارى ولم يكمله، فعند باب حقيقة الإيمان فى صحيح البخارى عند هذا الباب أورد بعض شراح البخارى هذا الحديث، حقيقة الإيمان، قول حارثة أن الإيمان إذا وجد فى القلب ينبغى أن يكون لذلك علامات تدل عليه، يقول: ذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة، من الذى ذكر؟ ابن كثير استشهد به فى الشرح على أن الإيمان إذا وجد فى قلب الإنسان ينبغى أن تكون عليه علامات فينبغى أن يصدقه العمل أن تعزف نفسه عن الدنيا أن يظمأ نهاره وأن يسهر ليله فيصوم ويقوم، ثم بعد ذلك كأنه يرى عرش الرب بارزا ويرى أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، هذه حقيقة الإيمان فى باب حقيقة الإيمان من كتاب الإيمان ذكر بعض شراح الحديث هذا الحديث لتقرير هذه القضية وهى أن الإيمان وقر فى القلب يظهر عليه أثراً على نفس الإنسان وسلوكه، ذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة، فليس الحديث فى صحيح البخارى، لا رواه البخارى وليس هو فى الصحيح بل إن اسناده الحديث ليس بصحيح كما قلت: إسناده ضعيف كما ذكرت سابقا، نعم معناه صحيح صحيح ويدل على ما قررته وهو أن كل شىء لابد له من علامة تدل عليه إما أنه حق وإما أنه باطل.(133/14)
إخوتى الكرام: بعد بيان هذه الأمور المجملة فى بيان صدق أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه وأن العقل الصريح والفطرة السوية يمكن أن تتأمل العلامات التى فى الرسول وفى النبى وبعد ذلك تطلق الحكم وتصدر الحكم على هذا النبى أنه رسول الله حقاً وصدقاً، وهذا الذى فعله هرقل وفعله غيره وفعله النجاشى أيضاً عندما استدل بما بلغه عن النبى عليه الصلاة والسلام على أنه رسول الله حقاً وصدقا وآمن بنبينا عليه الصلاة والسلام ووحد الله ولما مات صلى عليه نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث ثابت فى الصحيحين...... إذاً هناك علامات تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام قلت: هذه العلامات إخوتى الكرام كثيرة يمكن أن نجملها فى أربعة علامات.
أولها: علامات فى نفس النبى عليه الصلاة والسلام فى خلقه وفى خُلُقه، علامات فى دعوته، علامات فى أصحابه، علامات تكون فى المعجزات والخوارق التى يؤيده الله بها بهاناً ودليلاً على صدقه وأنه رسول من عند ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، هذه علامات تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام،(133/15)
سنأخذ كما قلت أولا واحدة من هذه العلامات فى كل موعظة إن يسر الله وأعان لعلنا نتكلم على بعضها فى موعظة واحدة وعلى بعضها كما قلت فى أكثر من موعظة، نأخذ العلامة الأولى، علامات تكون فى نفس الرسول عليه الصلاة والسلام فى خلقه وفى خُلُقِه، فى صورته الظاهرة وفى صورته الباطنة التى يدل عليها علامات فى ظاهره فالخلق هو الصورة الظاهرة، والخُلُق هيئة باطنة فى نفس الإنسان تصدر عنها الأفعال بسهولة وروية، فإن كانت تلك الأفعال حسنة فى الشرع ممدوحة فى العقل يقال لتلك الهيئة خُلُق حسن وإن كانت تلك الأفعال مذمومة فى الشرع قبيحة فى العقل يقال لتلك الهيئة التى تصدر عنها الأفعال إنها خُلُق سىء قبيح دنىء، إذاً من تأمل خَلْقَ النبى وخُلُقَه على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، لن يرتاب فى ان هذا النبى هو رسول الله حقاً وصدقا وفخَلْقه وخُلُقه، العلامة الأولى حاله فى نفسه يدل على أنه صادق أو كاذب نبى أو متنبىء، لابد من هذا، وهذا ما سأوضحه فى هذه الموعظة إن شاء الله.(133/16)
إخوتى الكرام: جعل الله نبينا عليه الصلاة والسلام فى أكمل صورة فى خَلْقِه وفى خُلُقِه، فهو صاحب الكمال عليه الصلاة والسلام فى الأمرين صورة كاملة فى الظاهر صورة نقية كاملة فى الباطن عليه الصلاة والسلام، فهو موهوب من قبل علام الغيوب وهب الكمالين فى خلقه وفى خُلُقِه وهو محبوب من قبل الله ومن قبل عباد الله على نبينا صلوات الله وسلامه، موهوب محبوب عليه صلوات الله وسلامه، جمع الله له كمال الخَلْقِ وتمام الخُلُق على نبينا صلوات الله وسلامه، هذان الأمران خَلْقه وخُلُقه من تأملهما يعلم أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا، كيف هذا؟ ما فى خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام من كمال وجمال وبهاء وجلال وما فى خُلُقِه عليه الصلاة والسلام من كمال وحسن وتمام يدلان على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقا، كيف هذا؟ من كان فيه تلك الصفات الكاملة بانواعها فى خَلْقه وخُلُقه يستحيل أن يكذب، وأى كذب؟ كذب على الله كما استدل بذلك هرقل، فقال: لم يكن ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله، ولو تنزلنا وقلنا صاحب هذا الخُلُق العالى والخَلْق الجميل الجليل يمكن أن يكذب لو تنزلنا لما أقره الله بالكذب عليه طرفة عين، فلو قدرنا أن النبى عليه الصلاة والسلام فيه جميع الصفات الحسنة فى خَلْقه وخُلُقه لكنه فى هذه الصفة ليس بصادق، لو قدرنا، فادعى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وما أوحى الله إليه بالرسالة، لو قدرنا قلنا ما فيه من صفات حسنة يمنع هذا التقدير لكن لو تنزلنا وقدرنا، لو ادعى هذا الأمر وهو ليس بصادق فيه لما أمهله الله طرفة عين، ولذلك قال أئمتنا فى كتب التوحيد جحد النبوة والطعن فى نبوة نبينا ونبوة الأنبياء عليهم جميعا صلوات الله وسلامه طعن فى كمال الرب بل نفى لوجوده وربوبيته سبحانه وتعالى، ووجه ذلك، أن الله جل وعلا حكيم عليم عظيم على كل شىء قدير، كيف يمكن دجالاً فى هذه الحياة يدعى أنه رسول رب(133/17)
الأرض والسماوات والله ينصره ويظهره ويمكن له ويجيب دعائه ويخلد ذكره، لو فعل الله هذا بكذاب لما كان حكيما، هذا لا يفعله الحكيم سبحانه وتعالى، ففى هذا طعن فى ربوبية الرب بل جحد لربوبيته، فهذا الإله العظيم المهيمن على شئون خلقه كيف يمكن هذا الكذاب من الإفتراء عليه ثم لا يعاجله بالعقوبة؟(133/18)
نعم قد يقوم هناك ظالم فينصر فى هذه الحياة، لكن لا يكون هناك دعوى النبوة، هو معروف أمام الناس أنه ظالم ولو قدر أنه ادعى النبوة سيفضح عاجلاً غير آجل وسيخذله الله جل وعلا ويجعله عبرة للعالمين وهذا الذى حصل أما متنبىء يخلد الله ذكره ويرفع قدره وينصره ويجيب دعائه ويجعله فى أكمل خلق وأتم خُلُق هذا يستيحل أن يوجد فى حكمة ربنا الجليل سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله جل وعلا {فلا أقسم بما تبصرون. وما لا تبصرون. إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون. ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون. تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين} ، وهونياط القلب عرق يعلق به القلب إذا قطع هذا مات الإنسان {ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم} ، إذاً إذا تقول على الله بعض الأقاويل لعاجله الله بالعقوبة ولا ما أمهله طرفة عين، والله جل وعلا يقول فى سورة الطور {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، لو كان هذا شاعرا مفترياً أفاكاً ينسب النبوة لنفسه وليس بصادق ما تفعلونه من الإنتظار به وقطع دابره واستئصاله سيحصل له، لكن إذا كان صادقا ستستئصلون أنتم ويرفع ذكره ويعلوا قدره، {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} ، حوادث الدهر ليموت ونستريح منه، {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، فالظالمون لن يفلحوا والمفترون لن يفوزوا، فإذا كنت ظالما حقيقة سيبتر ذكرى ويمح أثرى، إذا كنتُ صادقا سترون لمن يكون الظهور والعلو ورفعة القدر، {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، ما النتيجة؟ {ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك.(133/19)
ورفعنا لك ذكرك} ، هل يرفع الله ذكر الدعى الكذاب المفترى؟ لو حصل هذا لكان طعناً فى حكمة الرب وجحداً لربوبيته قبل أن يكون طعناً فى رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام، {ورفعنا لك ذكرك} ، لا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثبت فى صحيح ابن حبان والحديث رواه أبو يعلى فى مسنده والبغوى فى معالم التنزيل ورواه ابن المنذر فى تفسيره وابن أبى حاتم وابن مردوية فى التفسير أيضا وأبو نعيم فى دلائل النبوة وإسناد الحديث حسن من رواية أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال لجبريل عندما نزلت عليه هذه الآية {ورفعنا لك ذكرك} ، قال: ما هذا يا جبريل، ما المراد برفع الذكر وعلو القدر، ما هو؟ فقال: يقول الله لاأذكر إلا ذكرت معى، لايدخل الإنسان فى الإسلام ولا يقبل منه إيمان إلا بركنين ينطق بهما لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، دين الله من أوله وأخره يقوم على هاتين الدعامتين لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إياك أريد بما تريد حسبما شرعن على لسان نبيك عليه الصلاة والسلام فلا نعبد غيرك ولا نتبع إلا نبيك عليه الصلاة والسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا أذكر إلا ذكرت معى، إذاًرفع الله ذكر النبى عليه الصلاة والسلام، فما يمكن إذاً أن يحصل من الله تأيد لكذاب دل هذا على صدق النبى عليه الصلاة والسلام حقاً وصدقا، لا أذكر إلا ذكرت معى، وهذا التفسير الثابت عن ربنا جل وعلا فى بيان معنى الآية، أنه لا يذكر الله وهذا قول الله إلا يذكر معه رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا منافسة بينه وبين ما ورد عن سلفنا الكرام فى معنى الآية فقيل {ورفعنا لك ذكرك} بالنبوة، فأنت نبى حتماً هو نبى فرفع ذكره ومن أجل ذلك قرن الله اسمه باسمه نبيه عليه الصلاة والسلام.(133/20)
{ورفعنا لك ذكرك} عند الملائكة مترتب على المعنى الأول، {ورفعنا لك ذكرك} فى الآخرة وفى الدنيا، {ورفعنا لك ذكرك} عندما أخذنا العهد والميثاق على الأنبياء قبلك أنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت وهم أحياء وإذا ماتوا قبل بعثتك ينبغى أن يأخذوا العهد على أممهم إذا بعثت وهم أحياء يؤمنوابك كما قال الله جل وعلا {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} ، وإن مات قبل بعثته فينبغى أن يأخذ العهد على أمته إذا بعث محمد عليه الصلاة والسلام وهم أحياء أن يؤمنوا به.
قال الإمام ابن كثير: وما ورد عن بعض السلف من أن معنى الآية {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه.....} إلى أخرها من أنه يجب عليهم أن يصدق بعضهم بعضا، قال: هذا لا ينفى القول الأول، والثابت عن على وابن عباس هذا لا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه، أى إذا صدق كل نبى بمن كان قبله وبمن كان بعده يلزم أنه هذا النبى الذى سيأتى بعده لو بعث وهو حى أن يصدق به وأن يتبعه وأن يكون من أعوانه وأنصاره، إذاً(133/21)
الآفات الردية
في الشهوة الحسية (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
الآفات الردية
في الشهوة الحسية (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لازلنا فى دراسة فصل مستطرد ضمن مباحث النبوة وقد دخلنا فيه وعلقناه كما فى دخلنا فى مباحث سنن الترمذى فى بحث أيضا مستطرد ضمن مباحث الترمذى فيما يتعلق بالجن عند قول النبى عليه الصلاة والسلام لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم لفإنه زاد إخوانكم من الجن عند هذا الحديث كنت أظن أننا سننهى الكلام على الجن بموعظتين أو بثلاث مواعظ فلعل الأمر سيأخذ منا أكثر من عشر مواعظ وهكذا فى مبحث النبوة دخلنا فى هذا المبحث كما قلت المستطرد وشاء الله له أن يطول وعلى كل حال نحن إن شاء الله نتدارس أحكاما شرعية على أى نوع كانت المباحث.
إخوتى الكرام: الذى جرنا إلى هذا المبحث خلق نبينا عليه الصلاة والسلام وقد تقدم معنا أن الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات وسلامه أربعة أمور.(134/1)
أولها: النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه وخلقه وثانيها النظر إلى دعوة النبى عليه الصلاة والسلام ورسالته التى بعث بها وثالث الأمور النظر فى المعجزات التى أيد الله بها رسله خير البريات على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه ورابعها تأمل حال أصحابه فهم صورة لشيخهم لنبيهم الذى رباهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد شرعنا فى مدارسة الأمر الأول منها النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه فى خلقه وخلقه وقد انتهينا من مدارسة الشق الأول المتعلق بخلق النبى عليه الصلاة والسلام ودخلنا بعد ذلك فى الشق الثانى من الأمر الأول من التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلاته وسلامه.(134/2)
الأمر الثانى: كما قلت الشق الثانى خلق النبى عليه الصلاة والسلام وقلت إن خلق النبى عليه الصلاة والسلام ينقسم إلى قسمين إلى خلق مع الخلق وإلى خلق مع الحق أما خلقه مع الخلق فتقدم معنا له سبعة أنواع وأقسام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه والمؤمنين به من أمته خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس خامسها خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن سادسها خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات سابعها خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات وأول هذه الأمور السبعة خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه على آل بيته صلوات الله وسلامه بعد أن انتهينا من مدارسة خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام قلت ينبغى أن نتعرف على أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت هذا يدعونا قبل أن نتعرف عليهن ونتدارس ترجمة موجزة لهن قبل هذا ينبغى أن نتكلم على حكمة التعدد التى خص الله بها نيبه عليه الصلاة والسلام زيادة على ما أباح لهذه الأمة وينبغى أن نتكلم على حكمة التعدد فى الأمة وينبغى أن تكلم على مقاصد النكاح بوجه عام وقلت هذه الأمور الثلاثة يندرج تحتها خمس وعشرون حكمة خمس حكم لمقاصد النكاح العامة وعشر حكم للتعدد فى حق الأمة وعشر حكم للتعدد فى حق نبينا عليه الصلاة والسلام.(134/3)
أما مقاصد النكاح العامة وكنا نتدارسها ومن مشروعيته أولهاكما تقدم معنا تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية وثانيها إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية ... الأمور المالية والحكمة الرابعة تذكر لذة الآخرة وكنا نتدارس ما يتعلق بالحكمة الخامسة كما تقدم معنا مرارا ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه من أهله وعشيرته هذه الحكم الخمسة كنا فى الحكمة الرابعة وهى تذكر لذة الآخرة قلت هذه الحكمة لا بد لها من تمهيد لنتكلم عليها هذا التمهيد بدأته إخوتى الكرام فى الموعطة الماضية أعظم الشهوات الحسية عند المخلوقات شهوة النكاح وقضية الجنس فهى إذن أعظم الشهوات عند المخلوقات ومع عظمها وتعلق النفوس بها قلت فيها آفات وآفات فإذا كانت هذه الشهوة فى هذه الحياة فيها تلك الآفات وتتعلق بها نفوس المخلوقات فمن باب أولى ينبغى أن تتعلق أن تتعلق همتنا بهذه الشهوة التى تكون فى جنة ربنا وليس فيها آفة من الآفات التى سأذكرها فى هذه الشهوة الجنسية فى الحياة الدنيوية وبضدها تتميز الأشياء وكنا إخوتى الكرام نتدارس الآفات التى تكون فى شهوة النكاح فى هذه الحياة غالب ظنى أننى ذكرت خمس آفات أكملها بخمس آفات أخرى توجد فى شهوة النكاح فى هذه الحياة لا يوجد شىء منها فى شهوة النكاح التى سيحصلها المؤمنون فى نعيم الجنات الآفة الأولى تقدم معنا الكلام عليها وتقريرها قلت صورة النكاح فى هذه الحياة ممتهنة ثانيها قلت لا تحصل هذه الشهوة ولا يمكن أن يحصلها الإنسان إلا بتعب وجهد ونصب ثالثها يترتب تعب عليه وعلى زوجه كل منهما يتعب ولذلك يجهد الإنسان زوجه ويجتهد ويجهد نفسه عندما يقوم بقضاء تلك الشهوة رابعها كما تقدم معنا لا تطيب إلا عند الحاجة إليها فإذا فقد الإنسان الا حتياج إليها لا يفكر بها ولا تخطر على باله ولذلك الصغير لا يشعر بها وهكذا الهرم وهكذا وهكذا وقلت هذا من منغصات الشهوة ومن مكدراتها ومن وجود النقص(134/4)
والآفات فيها أنك لا تشتهيها إلا إذا احتجت إليها إذن هى شهوة ليست كاملة والآفة الخامسة وهى آخر ما ذكرت من الآفات وسأتبعها بالآفات التى بعدها إن شاء الله.
قلت إن حقيقة شهوة الجنس فى هذه الحياة كما هو الحال فى سائر المشتهيات الحقيقة دفع ألم بألم والتخلص من تعب بتعب هذه هى شهوات الدنيا والأمر كما قال القائل:
أصبحت فى دار البليات ... أدفع آفات لآفاتج
ولذلك لا يوجد فى هذه الحياة شهوة خالصة من جميع الوجوه وبكل الاعتبارات إلا الإيمان بالله إلا ذكر الله إلا محبة الله جل وعلا أما الشهوات الأخرى ففيها نغص ونكد قبل تناولها وعند تناولها وبعد تناولها وكنت بينت ما فى شهوة الطعام من نقص وامتهان فى مباحث سنن الترمذى وهنا شهوة الجنس أيضا كما قلت إننا نتخلص من ألم بألم وندفع تعبا بتعب فليس إذن هى لذة خالصة ولذات الدنيا كما قال أئمتنا هى كلذة الأجرب عندما يحك جلده فإذا حك الجلد خدش الجلد وسال الدم يتلذذ لكن بما يؤذيه الأجرب لا يصبر عن الحك يحك وترى الدم يسيل من جلده يتلذذ بحكه لنفسه ويؤذى نفسه ويخدش جلده ويخمش وجهه ويسيل الدم من جسمه وهو يتلذذ وهكذا الشهوات الدنيوية بأسرها بلا استثناء هى كلذة الحك عند الأجرب يلتذ بالحك لكن هل هذا لذة حقيقية لا يتلذذ بما يتأذى به وهذه شهوات الدنيا كلها وهذه هى دار النقص ودار البلاء ودار الآفات ولا عيش إلا عيش الآخرة ولو كان هناك شهوة واحدة كاملة لربما ركن الناس إليها وقالوا يوجد شهوة كاملة نتمتع بها من جميع الوجوه لا لا يوجد فى هذه الحياة شهوة كاملة خالصة لا يوجد إنما الشهوات الكاملة التى فيها نقص بوجه من الوجوه فى الدار التى من دخلها لا يمسه فيها نصب ولا يخرج منها نسأل الله أن يمن علينا برضوانه وبدار كرامته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.(134/5)
الآفة السادسة إخوتى الكرام: من آفات شهوة الجنس شهوة التمتع بما أحل الله من النساء من الآفات فى هذه الحياة أن النفس لا تشبع منها ولا تقنع بما عندها مع أنه ما عندها يكفيها ويزيد على حاجتها يعنى عنده زوجة يريد ثانية تزوج ثانية يريد ثالثة تزوج ثالثة يريد رابعة طيب بعد يقول أريد النفس البشرية طبيعتها لو كان فى حوزتها جميع نساء الدنيا إلا واحدة فقط لقال أريد تلك الواحدة جميع نساء الدنيا بلا استثناء هن فى حوزته وفى عصمته وتحت رغبته إلا واحدة يقول أريد تلك ماذا عندها ما أعلم لعل حاجتى عندها يا عبد الله ما عند تلك عند هذه ما عند هذه عند هذه لكن هذه النفس البشرية إذن النفس البشرية لا تشبع من هذا مع أنه تكفيها منها شىء قليل يكفيه منها لكن هكذا النفس البشرية تتطلع كما قلت ولا غرو فى ذلك ولا عجب هذه الدار هى دار النقص وهى دار الذل وهى دار الحاجة وهى دار الفقر وهى دار الجشع ولذلك النفس تصاب بهذه الآفات نحو هذه الشهوة ونحو غيرها كما لو أنه لو ملك واديا من ذهب لأحب ثانيا طيب يا عبد الله الوادى يكفيك ويكفى ذريتك إلى عشرة قرون وادى من ذهب يريد ثانيا ولو كان عنده واد ثان لابتغى ثالثا ولو أعطيته ثلاثين لطلب الزيادة ولا يملأ جوفه إلا التراب ويتوب الله على من تاب وهنا كذلك شهوة كما قلت مع ما فيها من الآفات فيها هذه الآفة أن الإنسان لا يقنع منها ويتطلع ونفسه تزهد فيما يملكه وتتطلع إلى ما لا تملكه ولا يقنع يعنى من هذه الشهوة بما يكفيه إلا الكيس الفطن العاقل اللبيب وهم قليل قليل الذين حالهم كما قال الله {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وأما أكثر الناس فحاله أن يتمتع من هنا وهناك ولا يقنع بما يحصل من واحدة إلى أربع وهذا كما قلت حال هذه الحياة.
وليس العجب ممن هلك كيف هلك ... إنما العجب ممن نجا كيف نجا(134/6)
ومن حماقة الإنسان أن يتعلق بغير ما عنده مع أن ما عنده يسد مسد ما يتعلق به بل ربما كان ما عنده أفضل بكثير مما ليس عنده لكن دار النقص وهذه النفس كما قلت فيها النقص وفيها الفقر لذلك تتطلع إلى غير ما تملك من المشتهيات مع أن ما تملكه كما قلت يكفى النفس ويزيد عليها والسبب فى هذا قصور عقل الإنسان ونظره إلى الظاهر وعدم وصوله إلى حقيقة الأمر إلى الأمر الباطل والإمام ابن الجوزى عليه رحمة الله له نحو هذا الأمر توجيهات ونصائح سديدة ذكرها فى كتابه صيد الخاطر فمنها ما ذكره فى صفحة واحدة وستين ومائتين يقرر فيه شأن العاقل وشأن الحمقى فيقول تحت عنوان من عرف النساء رضى بزوجته يقول أكثر شهوات الحس النساء وقد يرى الإنسان امرأة فى ثيابها فيتخايل له أنها أحسن من زوجته أو يتصور بفكره المستحسنات وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة فقط فيسعى فى التزوج والتسرى فإذا حصل له مراده لم يزل ينظر فى عيوب الحاصل التى ما كان يتفكر فيها فيمل ويطلب شيئا آخر ولا يدرى أن حصول أغراضه فى الظاهر ربما اشتمل على محن منها أن تكون الثانية لا دين لها أو لا عقل لها أو لا محبة لها أو لا تدبير لها فيفوت أكثر مما حصل وهذا المعنى هو الذى أوقع الزناة فى الفواحش لأنهم يجالسون المرأة حال استتار عيوبها عنهم وظهور محاسنها فتلذهم تلك الساعة هذه الساعة يعنى تدخل على نفسهم اللذة عندما جالسها من حيث الظاهر دون أن يسبر غورها وأن يعرف حقيقتها ثم ينتقلون إلى أخرى فليعلم العاقل ألا سبيل إلى حصول مراد تام كما يريد ما دام فى هذه الحياة لا يمكن أن يحصل ما يريد, ما يريد هذا لا يكون إلا فى دار كرامة الله لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد.(134/7)
يقول الإمام ابن الجوزى وما عيب نساء الدنيا بأحسن من قوله عز جل {ولهم فيها أزواج مطهرة} وذو الأنفة يأنف من الوسخ صورة وعيب الخلق معنى فليقنع لما باطنه الدين وظاهره الستر والقناعة فإنه يعيش مرفه السر طيب القلب ومتى استكثر فإنما يستكثر من شغل قلبه ورقة دينه إذن هذا حقيقة من آفة هذه الشهوة أنه عندك ما يكفيك ويسد حاجتك وأنت مع ذلك تتطلع إلى شىء آخر ربما كان أنزل مما عندك وذكر نحو هذا فى صفحة ثمانين ومائتين تحت عنوان لذات الدنيا مشوبة بنغص ثم قال عليه رحمة الله إن النفس لا تقف على حد بل تروم من اللذات ما لا منتهى له وكلما حصل له غرض برد عندها وطلبت سواها هذا الغرض الذى كان عنده حرارة فى طلبه وحصله إذا حصل عنده برد طلبه وفتر يريد شيئا آخر فيفضى العمر فيفنى العمر ويضعف البدن ويقع النقص ويرق الجاه ولا يحصل المراد وليس فى الدنيا أشد بلاهة ممن يطلب النهاية فى لذات الدنيا وليس فى الدنيا على الحقيقة لذة إنما هى راحة من مؤلم يدفع بلية ببلية يتخلص من ألم بألم فالسعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها ومالت إليه وعلم سترها ودينها أن يعقد الخنصر على صحبتها وأكثر أسباب دوام محبتها ألا يطلق بصره فمتى أطلق بصره أو أطمع نفسه فى غيرها فإن الطمع فى الجديد ينغص الخلق خلقه وينغص الخلق أى القديم الذى عنده من زوجة قديمة وينقص المخالطة ويستر عيوب الخارج فتميل النفس إلى المشاهد الغريب ويتكدر العيش مع الحاضر القريب كما قال الشاعر:
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... فى أعين الناس موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
فى أعين العلم موقوف على الخطر(134/8)
طيب حصل الثانية ما النتيجة ثم تصير الثانية كالأولى وتطلب النفس الثانية ثالثة وليس لهذا آخر بل الغض عن المشتهيات ويأس النفوس من طلب المستحسنات يطيب العيش مع المعاشر مع من يعاشره وتعاشره ومن لم يقبل هذا النصح تعسر فى طريق الهوى وهلك على البارد وربما سعى لنفسه فى الهلاك العاجل أو فى العار الحاضر فإن كثيرا من المستحسنات لسن بصينات ولا يفى التمتع بهن بالعار الحاصل ومنهن المبذرات فى المال ومنهن المبغضة للزوج وهو يحبها كعابد صنم إلى آخر كلامه فى هذا الأمر إذن هذا من آفة هذه الشهوة أن النفس لا تقنع بما يكفيها وهى فقيرة تريد المزيد وفى ذلك إضرار عليها فى هذه الحياة وإضرار أيضا لها بعد الممات والإمام ابن الجوزى يقرر هذا أيضا فى كتابه ذم الهوى فى صفحة اثنتين وخمسين وستمائة وهكذا الإمام ابن القيم الجوزية فى كتابه روضة المحبين وهو كذم الهوى لكن الهوى إذا صرف فى الحلال فحقيقة مباح وروضة وإذا صرفته فى غير ذلك فيذم وتمنع منه فذاك نظر إلى جانب وهذا إلى جانب فذاك سمى كتابه ذم الهوى وهنا هوى مباح فسماه روضة المحبين يذكر الإمام ابن الجوزى وبعده الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله فى هذا الكتاب فى ترجمة الخليفة المتوكل حقيقة أمرا عجيبا والمتوكل هو جعفر ابن المعتصم توفى سنة سبع وأربعين ومائتين للهجرة ومن الغريب أنه مات مقتولا قتله أعوانه بتآمر مع ولده المستنصر ثم بعد أن تآمر مع أعوان أبيه على قتل أبيه دبر هؤلاء مكيدة فقتلوا الابن فكان يقول لأمه وقد قتل بعد أبيه بخمسة أشهر ونصف خسرت الدنيا والآخرة تعجلت قتل أبى فقتلت المستنصر يتآمر على قتل أبيه الخليفة المتوكل انظر فى حال المتوكل يقول الإمام ابن الجوزى خرج مرة وهو واجم أى ساكت كأنه مشدوه فقال له وزيره ما لك عليك علامة الحيرة والدهشة ووضعك ليس بطبيعى قال فى الدار عشرون ومائة جارية ما فيهن واحدة تطلبها نفسى عنده من الجوارى مائة وعشرون من الغيب(134/9)
الحسان يقول نفسى ملتهن ما تتطلع إلى واحدة من هؤلاء تريد شيئا آخر شيئا غريبا هذا حقيقة من علامة النقص فى هذه الشهوة وكما قلت لو كان النساء كلهن فى عصمتك إلا واحدة لقلت أريد تلك الواحدة ماذا عندها مائة وعشرون ثم بعد ذلك يفكر فى إرواء شهوته يقول نفسى لا تميل إلى واحدة من هؤلاء هذا حقيقة من الآفة التى فى هذه الشهوة فى هذه الحياة والسبب فى ذلك إخوتى الكرام أن عين الهوى عوراء ولو كان الذى يهوى يبصر لقنع بواحدة وإذا أراد أن يتوسع فأحل الله له ثانية وثالثة ورابع وقف عند الحد وانتهى لكن عين الهوى عوراء يرى المستحسنات ولا يعلم ما فيهن بعد ذلك من آفات وبليات فيريد أن يعدد وأن يجدد وفى ذلك حتفه وهلاكه فى العاجل والآجل وكما قلت هذا من النقص الذى فى هذه الشهوة وجميع الشهوات فى هذه الحياة لا يخرجن عن هذا الوصف ألا وهو النقص يقول الإمام ابن الجوزى عليه رحمة الله فى ذم الهوى صفحة ثلاث وخمسين وستمائة فى علاج هذا الأمر فى علاج الهوى الذى يدعو صاحبه إلى أن ينظر بعين واحدة ويغمض الأخرى يقول له يقول ومما يداوى به إذا أردت أن تداوى هواك ومما يداوى به الباطل أنت تفكر أن محبوبك ليس كما فى نفسك فأنت تنظر إلى شىء والواقع بخلافه فاعمل فكرك فى عيوبه تسلو عنه إذا تفكرت فيما عنده من عيوب زهدت فيه إن الآدمى محشو بالأنجاس والأقذار وإنما يرى العاشق معشوقه فى حال الكمال ولا يصور له الهوى عيبا لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال وسلطان الهوى حاكم جائر يغطى المعايب فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنا وبهذا السبب يعرض الإنسان عن زوجته ويؤثر عليها الأجنبية وقد تكون الزوجة أحسن من الأجنبية والسبب أن عيوب الأجنبية لم تبن له قود تكشفها المخالطة ولذلك إذا خالط هذه المحبوبة الجديدة وكشفت له المخالطة ما كان مستورا مل وطلب أخرى إلى ما لا نهاية ثم نقل عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أنه قال إذا أعجبت(134/10)
أحدكم المرأة فيذكر مناتنها ما فيها من نتن من بول وغائط وحيض ونفاس ومخاط وبصاق أذكر هذه المناتن نفسك تزهد فيها.
ومرة اغتصب بعض الفجار امرأة وأرادوا الاعتداء عليها فمن خوفها تغوطت فى ثيابها فتركوها وهربوا عنها شاردين من النتن وكريه الرائحة التى فاحت منها إذا أعجبت أحدكم المرأة عجبته المرأة فليذكر مناتنها ثم نقل عن امرأة عفيفة صينة صالحة أن بعض الغواة تعرض لها وراودها فقلت ويحك تعلم ما هنالك هنالك بالوعة وأنت تريد أن تبول فيها هى أنتن من الكنيف تعلم ما هنالك يعنى أسرتك هذه الشهوة أنت ما تعلم ما يوجد فى ذلك المكان استحى يا عبد الله من نفسك هذا أمر عن طريق الحلال يطلب مع ما فيه من نقص لما ترتب عليه من خيرات وفضائل أما بعد ذلك تعلق همتك بهذا الأمر وتجعله غاية وإن كان من الحرام أما تعلم ما هنالك هذه بالوعة أنتن من الكنيف أما يردعك هذا عن همتك الدنيئة إذا أعجبت أحدكم المرأة فليذكر مناتنها.(134/11)
حقيقة إخوتى الكرام: هذا علاج لمن ينظر بعين واحدة وكما قلت نساء الدنيا فيهن ما فيهن وفينا كذلك ولذلك هذا الكلام موجه للنساء أيضا فإذا أعجبها الرجل فلتذكر مناتنه يعنى لا تظن أن المرأة فيها نتن والرجل ليس كذلك الآدمى محشو بالأقذار والأنجاس وأوله كما قال أئمتنا نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بينهما يحمل فى جوفه العذرة ابن آدم تأمل حالك وحال غيرك تغسل الخراءة فى اليوم بيدك مرتين فقف عند حدك وعلق قلبك بربك جل وعلا وإياك وهذه الشهوات الحسيات الزائلات فإن تيسرت عن طريق الحلال لما يترتب عليها من خير تناولتها بالصفة الشرعية وإلا فعندك فيها ما يزهدك فيها هذا عدا عما بعد ذلك عند الله من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب هذا هى الشهوة بنفسها لو تأملتها لزهدت فيها ووالله لولا ما يترتب عليها من طيب الخصال لأعرض عنها عقلاء الرجال لولا أن هذه الشهوة هى الطريق لإنجاب الذرية هى أيضا تذكر باللذة العظيمة التى سينالها الموحدون بجوار الحى القيوم فى دار كرامته لأعرض العاقل عنها يقول هذه فيها ما يدعو إلى الإعراض عنها إذن هذا من آفاتها النفس لا تشبع منها وعندها ما يكفيها يعنى هى الواحدة تكفى وتكفى أمثاله معه وتراه يتطلع يا عبد الله اتق ربك وعلق همتك بما عند الله جل وعلا.(134/12)
الآفة السابعة: فى آفات الشهوة الجنسية فى هذه الحياة إخوتى الكرام هذه الشهوة محفوفة بالأخطار يترتب عليها حسب العباد وينتج منها فساد الزوجة والأولاد وكم من إنسان ذبح من أجل زوجته, زوجته جميلة وأرادوا الاعتداء عليها فذبحوه وكم من إنسان ذبحته زوجته الفاسدة وولده الفاسد كم فهى إذا فعلت عن طريق حلال محفوفة بالأخطار مع أنها عن طريق حلال كما قلت تبتلى بحسد من قبل الناس عنده زوجة جميلة يحسد ويتآمرون على قتله وسيأتينا أن حاكم مصر أراد قتل خليل الرحمن إبراهيم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه من أجل زوجته سارة فتخلص إبراهيم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه من ذلك بقوله إنها أختى شأنك بها لست أنا بزوجها لا كما سيأتينا والحديث فى الصحيحين قال إنها أختى وإذا أردتها خذها أما إذا كانت زوجة ذاك لا بد من أن يقتل زوجها ليتمتع بها بعد ذلك قال أختى سآخذها خذها والله جل وعلا سيحول بينك وبينها إنما إذا قال زوجتى قبل أن يأخذها سيبطش به والسبب فى تطلع الملك إليها السبب عندما دخلت إلى بلاد مصر جاءه أعوانه قالوا دخلت امرأة جميلة وضيئة لا تصلح إلا أن تكون لك هى مع إنسان دونك أنت الملك ينبغى أن تكون هذه المرأة الجميلة عندك وسيأتينا الحديث فى ذلك وهكذا بعد ذلك فساد الزوجة والأولاد إذن شهوة محفوفة بالأخطار أما كما قلت الحسد الذى يتعرض له صاحب الزوجة الجميلة من قبل الأشرار بسبب ما فى زوجته من حسن وجمال فهذا واقع فى جميع الأعصار وكما قلت حصل لخليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وقد نجا الله خليله وزوجه من المكيدة التى دبرت لهما.(134/13)
ثبت الحديث بذلك فى المسند والصحيحين ورواه أبو داود فى سننه والإمام الترمذى فى سننه وهو من أعلى الأحاديث درجة وصحة فهو فى الصحيحين كما قلت والحديث من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وفيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم النبى على نبيناو عليه الصلاة والسلام قط إلا ثلاث كذبات ثنتين فى ذات الله وفى بعض الروايات كلها فى ذات الله يماثل أى يجادل بها عن دين الله وإنما قال ثنتين فى هذه الرواية لأن الثالثة زوجته سارة قد يظن أن له تعلق بها ومن أجل مصلحته دفع ما دفع وقال ما قال إنما الأمر أيضا من أجل الله وفى ذات الله والكلام إخوتى الكرام وسيلة إلى المقاصد وإذا كان لا يتوصل إلى المقصود إلا بالكذب تعين الكذب وإذا كان المقصود واجبا ولا يمكن أن تصل إليه إلا بالكذب تعين أن تكذب ولا حرج عليك فى ذلك فإذا هرب مظلوم من ظالم وجاء الظالم وبيده سكين يريد أن يقتله والمظلوم عندك فى البيت قال أين فلان تقول ما رأيته ما دخل بيتك ما دخل بيتى ولا أعرفه ولا يعرفنى وهذا واجب عليك ولو أردت أن تتصف بالورع البارد وتقول الكذب حرام تقول دخل إلى بيتى وهو فى الحجرة الفلانية ودخل فقتله فأنت شريكه فى القتل يجب عليك أن تكذب نعم إذا أمكن أن تورى هذا أحسن وأن تفهم المخاطب شيئا وأنت تريد شيئا كما قال علماء اللغة والكلام أوسع من أن يكذب ظريفة تقول ما رأيته أى ما ضربت رأته وهو يفهم منك ما رأيته بعينيك هذا موضوع آخر على كل حال قوله إنى سقيم عندما ذهبوا إلى عيدهم وعبادتهم غير ربهم إنى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا محل الشاهد وواحدة فى شأن سارة فإنه قدم أرض جبار وهى أرض مصر ومعه سارة وكانت أحسن الناس هذه هى محل3646هى لو كانت زوجة عادية لما تطلع هذا الملك إليها وكانت أحسن الناس فقال لها إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتى يغلبنى عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختى فإنك أختى فى الإسلام فإنى لا أعلم فى الأرض(134/14)
مسلما غيرى وغيرك فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغى لها أن تكون إلا لك فأرسل إليها فأتى بها فقام إبراهيم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه إلى الصلاة فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها هذا الجبار فقبضت يده قبضة شديدة فقال لها قبضت يدك ووقفت وشلت وما استطاعت أن تتحرك لما مد قبضت وشلت ويبست اليد فليس فيها حركة فقال لها ادعى الله أن يطلق يدى ولا أضرك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضة الأولى فقال لها مثل ذلك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضتين الأوليين فقال ادعى الله أى يطلق يدى فلك الله ألا أضرك ففعلت وأطلقت يده ودعا الذى جاء بها فقال له إنك إنما جئتنى بشيطان ولم تأتنى بإنسان فأخرجها من أرضى وأعطها هاجر أمة خادمة قال فأقبلت تمشى فلما رآها خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه انصرف فقال لها مهيم أى ما أمرك وما حالك وما شأنك وماذا جرى قالت خيرا قالت كف الله يد الفاجر وأخدم خادما قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بنى ماء السماء وكما قلت الحديث فى الصحيحين وغيرهما:
إخوتى الكرام: سأذكر بعض الروايات الأخرى لهذا الحديث إنما هنا خليل الرحمن إبرهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كيف أعطى زوجته إلى هذا الجبار وأيضا تخلص أن يقول إنها أختى هذه أختى كيف هذا.(134/15)
إخوتى الكرام: هو على يقين أن الله جل وعلا سيحفظ زوجة نبيه الكريم زوجة خليله إبراهيم محفوظ فإذا كان الأمر كذلك لا داعى أن يعرض نفسه للخطر أن يدخل مع الجبار فى مشكلة ومشاكلة لا داعى هذه محفوظة ولن تصل يد الجبار إليها وورد فى بعض الآثار أن الله جعل القصر كالقارورة الصافية فكان إبراهيم يراهما ويسمع كلامهما وهو يصلى ويناجى ربه وهى أيضا مع الجبار لكن أمامه كأنها قارورة زجاجة صافية يراهما أيضا ويسمع حتى يطمئن تمام الاطمئنان لو أيضا ما رأى وما سمع لربما قالت ما فعلت شيئا ويقع فى نفسه ما يقع فى نفوس البشرية إذن اعلم هذه مصونة محفوظة وهذه زوجة نبى وتقدم معنا أن نساء الأنبياء يصن عن الفواحش وإذا كانت لا تزنى زوجة النبى باختيارها فلا يمكن أن يقع الزنى أيضا بها باضطرارها والله يصونها من هذه الفاحشة فى الحالتين لا باختيار ولا باضطرار لا يمكن أن تقع منها كرامة لنبيها لزوجها للنبى على نبينا وأنبياء الله جميعا صلوات الله وسلامه فهو مطمئن إذن قال أنا أخ لها وهى أختى لينجو بنفسه وتلك ناجية ما عنده شك فى ذلك وهذا إخوتى الكرام هو الجواب المعتمد فى هذه يعنى الحادثة وما قيل إن خليل الرحمن إبراهيم هى أختى لأنه كان فى دين الملك أحق الناس بالمرأة أخوها وعليه هى أختى وأنا سأتزوجها فلا تقربها أنت لأن الأخ أولى بها من غيرها فقيل كان الملك يرى نكاح المحارم وأراد خليل الرحمن إبراهيم أن يقول إنها أختى من أجل أن يمنع الملك عنها لأنه لو علم أن هذه المرأة أخت لهذا الإنسان يقول هو أولى بها فلا داعى أن نعتدى عليها لكن هذا فى الحقيقة غير سليم لم لأن هذا الجبار إن أراد عن طريق النكاح يمكن أن يقال هذا لكن هو لا يريدها عن طريق النكاح يريدها عن طريق السفاح فلا يمنعه مانع سواء كان الذى معها أخ لها وسيتزوجها أو كان زوج وليس بأخ سيقتله إذن كما قلت الجواب الأول هو المعتمد خلص نفسه وهو ضامن كما قلت خلاص زوجه سارة.(134/16)
السبب كما قلت فيما حصل له فى هذه المحنة حسن سارة وجمالها رضى الله عنها وأرضاها ولوكانت كسائر النساء لما تعرض لها الجبار ولما ذهبت إلى تلك المجنة وله فى أخرى أى لأبى هريرة رضى الله عنه فى رواية أخرى مسندة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم على نبيناو عليه الصلاة والسلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة قيل لها دخل إبراهيم فقيل له دخل إبراهيم بامرأة هى من أحسن النساء.
وفى بعض الروايات قالوا له إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه التى معك قال أختى ثم رجع إليها فقال لها لا تقرى بحديثى فإنى أخبرتهم أنك أختى والله إن على الأرض يعنى ما على الأرض مؤمن غيرى وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلى فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى إلا على زوجى فلا تسلط على يد الكافر فغط حتى ركض برجله غط أخذه الغطيط وهو الصراع أى صرع والغيبوبة ركض برجله بدأ يفحص برجليه ويضطرب كأنه مخنوق فقالت اللهم إن يمت يقال هى قتلته يعنى لا أريد أن يموت يمتنع منى لا أريد أن يموت وإلا نقع فى مشكلة أخرى مع أنواعه وزبانيته فأرسل ثم قام إليها فقامت توضأ وتصلى وتقول اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى فلا تسلط على هذا الكافر فغط حتى ركض برجله قال أبو هريرة فقالت اللهم إن يمت يقال هى قتلته فأرسل فى الثانية أو فى الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلى إلا شيطانة ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوه هاجر فرجعت إلى إبراهيم فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة وفى بعض الروايات قيل للجبار إنه نزل هاهنا رجل معه امرأة هى أحسن الناس قال فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختى بنحو الروايات المتقدمة.(134/17)
إذن محفوفة بالأخطار إن تزوجت جميلة تحسد من قبل الناس وتتعرض لمشاكلهم ثم هذه الزوجة قد تفسد وتكون فاسدة فتصاب ببلاء من قبلها تأتى بذرية فاسدة تصاب ببلاء من قبل هذه الذرية وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا فى كتابه فى سورة التغابن فقال جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم هذه هى أخطار فى هذه الزوجة فيما ينتج عنها من أولاد فيما تتعرض له أيضا من مشاكل وحسد العباد وسبب نزول هذه الآية ما ثبت فى تفسير الطبرى وسنن الترمذى وقال الترمذى حسن صحيح والأثر رواه الإمام الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة تسعين وأربعمائة وصححه وأقره عليه الذهبى رواه عبد ابن حميد والإمام السريابى والإمام الطبرانى فى معجمه الكبير ورواه ابن مردويه فى تفسيره وابن أبى حاتم فى تفسيره وابن المنذر فى تفسيره عن ابن عباس رضى الله عنه وإسناد الأثر كما قلت صحيح هذه الآية قال نزلت فى قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فمنعهم قراباتهم نساؤهم وأولادهم منعوهم من الهجرة وقالوا لهم فارقتمونا فى الأديان تفارقونا أيضا فى الأبدان والأوطان يعنى ما يكفى أنكم على خلاف ديننا ورضينا بأنكم آمنتم بالنبى عليه الصلاة والسلام أيضا تتركون الوطن وتفارقون أرحامكم فمنعوهم من الهجرة فلما بعد ذلك هاجر هؤلاء إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وجدوا من سبقهم قد فقهوا وفهموا وتعلموا وهؤلاء منعوا من هذا الفقه والتعلم فترة طويلة وحرموا هذا الخير من النبى عليه الصلاة والسلام فهموا بعقوبة أهليهم الذين منعوهم من الهجرة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فأنزل الله هذه الآية وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم عفا الله عما سلف لكن ينبغى على الإنسان أن يحترس يا أيها الذين آمنوا إن(134/18)
من أزواجكم وأولادم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم وإنما قال الله جل وعلا إن من أزواجكم ومن تبعيضية لأنه ليس كل الأزواج والأولاد أعداء حقيقة منهن من تكون عونا لزوجها على أمور الدين والدنيا ومن الأولاد من هو قرة عين ويعين والده فى الدنيا وينفعه فى الآخرة ويوجد أيضا من الزوجات من هى بلاء يوجد من الأولاد من هم بلاء من للتبعيض إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم.(134/19)
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) حذف من فى قوله أموالكم وأولادكم ولم يقل إن من أموالكم وأولادكم فتنة إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأن واقع الأمر أنه لا تخلو الأموال وهكذا مشاكل الأولاد والعيال لا تخلو من فتنة ومشكلة الولد حقيقة أمره صعب صعب وكم ستبذل يعنى فى تربيته وبعد ذلك كيف سيكون حاله نسأل الله أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين والأموال قل أن يسلم الإنسان من فتنتها وهنا ما أدخل الأزواج لأن من الأزواج حقيقة من الأزواج من لا تكون فتنة للزوج وهنا عمم قال إنما أموالكم وأولادكم فتنة أما الأولاد واقع الأمر كل ولد فتنة والمال فتنة لك من جميع الجهات وقد تحفظ لكن بالنسبة للزوجة قد يكون كما قلت بعض النساء عدوا لكن بعضها قد لا تكون يعنى عدوا ولا يكون فيها فتنة إنما هى أحلى من العسل طيبة لا تكلف زوجها رهقا لا فى أمر الدين ولا فى أمر الدنيا ولذلك إنما أموالكم وأولادكم فتنة أشار إلى هذا أئمتنا عليهم رحمة الله فى كتب التفسير انظروا كتاب السراج المنير للخطيب الشربينى فى الإعانة على معرفة بعض معانى كلام ربنا الحكيم الخبير فى الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثمائة وانظروا زاد المسير للإمام ابن الجوزى فى الجزء الثامن صفحة خمس وثمانين ومائتين وهذا الكلام والتوجيه نقلوه عن الإمام البقاعى عليه رحمة الله قال منهن من يكون صلاحا وعونا للزوج على الآخرة {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} .(134/20)
نعم إخوتى الكرام قد يكون بعض الأزواج بعض الأولاد عدوا للزوج وهذا بسبب شهوة النكاح أى خطر أشنع من هذا الخطر زوجتك تعبت فى تحصيلها ثم أتعبت نفسك فى معاشرتها ثم بعد ذلك تآمرت عليك مع الأولاد فذبحوك وهذا وقع سابقا وحاضرا وسيقع لاحقا وقع بكثرة طيب هذه الشهوة انظر إلى هذه الأخطار التى فيها يعنى شهوته أدت إلى ذبحه هذا أكثر ما يقع ولذلك يعنى كم يغتاظ الإنسان إذا حصلت العداوة له من قبل أزواجه وأولاده هذه أعظم البلايا عداوة الأزواج والأولاد واقعة وهى فظيعة منكرة وقد روى عن نبينا عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى ذلك فى أثر ضعيف ومعناه صحيح صحيح رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير كما فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة خمس وأربعين ومائتين والأثر فى إسناده محمد ابن اسماعيل ابن عياش الحمصى قال عنه الإمام الهيثمى ضعيف وبذلك حكم عليه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وثمانين ومائة فصدر الحديث بلفظ روى وهذا الرجل وهو محمد ابن اسماعيل فى طبعة تقريب التهذيب الجديدة التى هى فى مجلد واحد رمز إلى أنه من رجال سنن ابن ماجة فقط وقال الحافظ ابن حجر فى ترجمته عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع وكما قلت رمز إلى أنه من رجال ابن ماجة وفى الطبعة القديمة من التقريب فى مجلدين وهكذا فى تهذيب التهذيب رمز ب دق إلى أنه من رجال أبى داود وسنن ابن ماجة وهذا هو الثابت وورد فى كتاب الكاشف للإمام الذهبى الاقتصار على د أى إلى أنه من رجال أبى داود وكذلك فى الميزان وكذلك فى المغنى فى الضعفاء فبعضه كما قلت الطبعة الجديدة من التقريب ق وكتب الذهبى من المغنى والميزان والكاشف د أجمعوا بين الرمزين كما فى تهذيب التهذيب والطبعة القديمة من تقريب التهذيب هو من رجال سنن ابن ماجة وسنن أبى داود كما قلت نقموا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع وحكم عليه الحافظ الذهبى فى الكاشف فقال ليس بذاك وما عدا هذا(134/21)
رجال الإسناد ثقات أثبات فالحديث ضعيف لكن معناه صحيح ولفظ الحديث من رواية أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ليس عدوك الذى إن قتلته كان لك نورا وإن قتلك دخلت الجنة يقول هذا عدو معلوم وليس هذا بالعدو الحقيقى الذى يغيظ القلب إغاظة شديدة إن قتلته كان لك نورا وإن قتلك دخلت الجنة ليس هذا هو العدو الحقيقى من هو العدو الحقيقى قال ولكن أعدى عدوك ولدك الذى خرج من صلبك حقيقة إذا خرج الولد خبيثا فهذا أشنع من العدو الكافر أشنع وأغيظ للنفس من العدو الكافر ولكن أعدى عدوك ولدك الذى خرج من صلبك ثم أعدى عدوك مالك الذى ملكت يمينك إنما أموالكم وأولادكم فتنة أعدى عدوك ولدك الذى خرج من صلبك أعدى عدوك مالك الذى ملكت يمينك والأثر رواه الإمام الديلمى كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة واحدة وثمانين وستمائة بلفظ ولكن أعدى أعدائك نفسك التى بين جنبيك وامرأتك التى تضاجعك على فراشك وولدك الذى خرج من صلبك فهؤلاء أعدى عدو لك نفسك التى لا تستقيم على حالة زوجتك تضاجعك على الفراش ولد خرج من صلبك إذا ما استقام هؤلاء الثلاثة هؤلاء أعظم عدو لك.
هذا كله كما قلت مترتب على الشهوة الجنسية فكم حول هذه الشهوة من أخطار وهذا الحديث إخوتى الكرام ذكره الإمام ابن كثير فى تفسيره فى الجزء الرابع صفحة ست وسبعين وثلاثمائة وانظروه فى فيض القدير مع الكلام عليه للإمام المناوى فى الجزء الخامس صفحة ثمان وستين وثلاثمائة.(134/22)
إخوتى الكرام: حذرنا الله جل وعلا من التلهى بالأزواج والأولاد والإعراض عن ذكر رب العباد فكثيرا ما يتلهى الإنسان بزوجه بولده ويعرض عن طاعة ربه ولذلك احترس وانتبه نحو هذا لأمر قال الله جل وعلا فى آخر سورة المنافقون {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} وكثيرا ما حمل حب الإنسان لزوجه لأولاده حمله على البعد عن طاعة ربه فكم من إنسان ترك الهجرة من أجل الزوجة والأولاد ترك الجهاد من أجل الزوجة والأولاد ترك التصدق من أجل الزوجة والأولاد ويستغل الشيطان جانب الضعف فى الإنسان ويأتيه من هذه الجوانب فانتبه لهذا وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فى الحديث الصحيح الذى رواه الإمام أحمد فى المسند والنسائى فى السنن والحديث رواه ابن حبان فى صحيحه ورواه البيهقى أيضا فى شعب الإيمان ورواه الإمام البغوى فى شرح السنة وراه الإمام أبو يعلى فى معجمه والطبرانى فى معجمه الكبير أيضا والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة.(134/23)
وإسناد الحديث كما قلت صحيح كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن حجر العسقلانى فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة فقال إسناد النسائى حسن وصححه الإمام ابن حبان ونص الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثالث صفحة ثمانية وعشرين على أن إسناد الحديث صحيح وإلى ذلك ذهب الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الثانى صفحة أربع وثمانين ومائتين نعم وهم الخطيب الشربينى فى تفسيره فى الجزء الرابع صفحة ست وثلاثمائة فعزا الحديث إلى صحيح البخارى وليس فيه إنما كما قلت فى المسند وسنن النسائى وصحيح ابن حبان وغير ذلك ولفظ الحدبديث من رواية سبرة ابن الفاكه ويقال له ابن أبى الفاكه سبرة ابن الفاكه ابن أبى الفاكه رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه قعد فى طريق الإسلام فقال تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك فعصاه وأسلم يقول الآن ستترك قوميتك أنت تنتمى إلى أقوام معينين ترغب عن ملة الآباء والأجداد فعصاه وأسلم فقعد له بطريق الهجرة فقال تهاجر وتذر أرضك وسماءك يعنى تترك وطنك لا قومية ولا وطنية وإنما مثل المهاجر هذا كله من وسوسة الشيطان للإنسان وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس فى الطول يعنى فى الحبل المربوط فرس مربوط فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال هذه المرأة ستضيع والمال يذهب فعصاه فجاهد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة إذا أسلم وهاجر وجاهد وما استجاب لوساوس الشيطان وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة الشاهد إخوتى الكرام عندما يريد الجهاد يأتيه الشيطان يقول إن جاهدت تقتل وإذا قتلت نكحت المرأة وقسم المال فيدعوه من هذا الجانب إلى ترك الجهاد.(134/24)
{إنما أموالكم وأولادكم فتنة} ، {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} .
نعم إخوتى الكرام: إن الغلو فى محبة الأولاد والأزواج كثيرا ما يدعو إلى الغى والفساد وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا وأخبرنا أن الولد سبب للجهل سبب للحزن سبب للبخل سبب للجبن وليس معنى هذا أننا لا ننجب الذرية إنما إن جاءتنا الذرية نحذر هذه الأمور السلبية فالولد يدعوك إلى الجبن إلى البخل إلى الجهل إلى الحزن فانتبه لنفسك وحذارى حذارى أن تقع فى هذه البليات بسبب الأولاد وقد شار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى فى أحاديثه الكثيرة الصحيحة وكثير من الناس ما فهموا معنى الأحاديث وظنوا أن الولد شؤم وأن الأولاد شؤم وقالوا كيف يرغب الشارع فى الأولاد ثم يرتب عليها ما يرتب من الشؤم والفساد هذا تناقض ولا تناقض إنما كل شىء يوضع فى موضعه الشرعى هذا الولد فيه خير وفيه شر فاحذر جانب الشر فيه واغتنم جانب الخير فيه ووجهه الوجهة السليمة السديدة الرشيدة وإذا دعاك حرصك على الولد إلى الجبن وانقدت إلى ذلك فالولد شؤم عليك إنما كما قلت يدعو فجاهد نفسك وقف عند حدود الشرع.(134/25)
روى الإمام الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة ست وتسعين ومائتين والحديث رواه الإمام البزار كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الثامن صفحة خمس وخمسين ومائة وانظروه فى كشف الأستار فى الجزء الثانى صفحة ثمان وسبعين وثلاثمائة وإسناد الحديث رجاله ثقات كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع ورواه الإمام البغوى وابن السكن كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة ست عشرة ومائتين ولفظ الحديث عن الأسود ابن خلف رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ حسنا فقبله وهو ابن سيدتنا فاطمة على نبينا وآله وصحبه جميعا صلوات الله وسلامه أخذ حسنا فقبله ثم أقبل عليهم فقال إن الولد مبخلة مجهلة محزنة زاد الحاكم فى روايته مجبنة لكنه ذكر أن المقبل فى الرواية هو الحسين وليس بسيدنا الحسن عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه وعلى نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه أخذ الحسين فقبله أخذ الحسن فقبله ثم قال إن الولد مجبنة مبخلة مجهلة محزنة مجبنة قلت زادها الإمام الحاكم عن البزار وعمن روى الحديث معه من أئمة الحديث.
ومعنى الحديث كما قلت الولد يدعو إلى البخل يدعو إلى الجهل يدعو إلى الحزن يدعو إلى الجبن فانتبه لذلك كم من طالب علم عندما تزوج خف طلبه للعلم فلما جاءه الأولاد أعرض عن طلب العلم كم شغل بالزوجة وبالأولاد صار الأولاد شؤما عليك وكان كريما لما جاءت الزوجة والأولاد أمسك يده كان جريئا يقول الحق ولا يخاف فى الله لومة لائم وإذا طلب إلى القتال فى سبيل الله ما تأخر جاءت الزوجة والأولاد وقف فإذن الولد يدعو كما قلت إلى هذا كان بعد ذلك لا يبالى بالدنيا إن أقبلت ولا يحزن عليها إن أدبرت صار يتعلق بها ويحزن عليها من أجل أولاده فانتبه لهذا احترس من ذلك أنجب الأولاد واستكثر ما شئت لكن إياك أن يدعوك الولد إلى جبن أو إلى بخل أو إلى حزن أو إلى جهل فالولد يدعو إلى هذا فعالج نفسك وكن يقظا.(134/26)
والحديث كما قلت صحيح وروى من غير طريق الأسود ابن خلف رضى الله عنهم أجمعين رواه أبو يعلى والبزار كما فى مجمع الزوائد فى المكان المتقدم من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه وفى إسناد الحديث عطية العوفى وهو ضعيف كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع وقال عنه الإمام ابن حجر فى التقريب صدوق يخطأ كثيرا ومع خطئه يدلس وقد توفى سنة إحدى عشرة ومائة عطية ابن سعيد العوفى وهو من رجال البخارى فى الأدب المفرد وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى عليهم جميعا رحمة الله والرواية التى معنا تشهد لها الرواية المتقدمة, الرواية المتقدمة قلنا من رواية الأسود ابن خلف هذه من رواية أبى سعيد رضى الله عنهم أجمعين لفظ رواية أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الولد ثمرة القلب وإنه مجبنة مبخلة محزنة يدعو إلى الجبن وإلى البخل وإلى الحزن فاحترس من هذا واستكثر من الأولاد ما شئت إنما إياك أن يوقعك الأولاد فى هذه السلبيات الولد ثمرة القلب.(134/27)
وبعض إخوتى الكرام من يعنى من يشتغلون بعلم الحديث فى هذه الأيام أورد حديث أبى سعيد فى كتابين فأورده فى الأحاديث الضعيفة ثم أورده فى الأحاديث الصحيحة صححه هنا وضعفه هناك انظروا إخوتى الكرام ضعيف الجامع الصغير وصحيح الجامع الصغير أورده فى الضعيف وأرده فى الصحيح ثم بعد ذلك قال فاتنا حذف الزيادة ما هى الزيادة يقول ثمرة القلب هذه يقول هى الزيادة فى الحديث يعنى كان ينبغى أن نحذفها أما الحديث الولد مجبنة مبخلة محزنة هذا ثابت لأنه كما تقدم معنا فى الرواية المتقدمة أما هذه الرواية وهى الولد ثمرة القلب يقول فاتنا حذف الزيادة وأنا كما قلت إخوتى الكرام إذا شهد الحديث المتقدم لهذا بقيت الولد ثمرة القلب المعنى صحيح ثابت ولا إشكال فيه واضح هذا وإذا شهد الحديث ذاك لهذا الحديث وسيشهد له ما بعده أيضا فالحديث ثابت وأما أن يورده الإنسان تارة فى الضعيفة وتارة فى الصحيحة كما قلت إخوتى الكرام هذا من عدم تتبع طرق الحديث وقلت لكم مرارا إخوتى الكرام إذا تتبعت طرق الحديث ورواياته تبين لنا أن الصحيح متواتر وتبين لنا أن ما فيه ضعف ينجبر فيتقوى بغيره وهذا لا بد من العناية به وقد تنظر أحيانا إلى إسناد بانفراده ففيه ضعف ثم بعد ذلك تجد ما يشهد له من نصوص كثيرة.(134/28)
وهذا الحديث سأورده من خمس روايات عن خمسة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين الرواية المتقدمة كما تقدم معنا صحيحة بنفسها ورواية أبى سعيد قيها شىء من ناحية وجود عطية العوفى لكن يشهد لها ما تقدم وما سيأتى الرواية الثلثة لهذا الحديث رواها الإمام أحمد فى المسند والإمام الطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى المكان المتقدم فى الجزء الثمن صفحة خمس وخمسين ومائة وهذه الرواية من رواية الأشعس ابن قيس وفى إسنادها مجالد ابن سعيد قال الإمام الهيثمى ضعيف وقد وثق ومجالد هو من رجال مسلم والسنن الأربعة تغير حفظه فى آخر عمره وحديثه إن شاء الله فى درجة الحسن وهو كما قلت من رجال مسلم والسنن الأربعة مجالد ابن سعيد ولفظ الحديث كما قلت عن الأشعس ابن قيس رضى الله عنه وأرضاه قال قدمت على النبى عليه الصلاة والسلام فى وفد كندا فقال لى النبى عليه الصلاة والسلام هل لك من ولد لك أولاد قلت نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام ولد لى فى مخرجى إليك عندما جئت إليك مهاجرا ولد لى غلام ولوددت أن مكانه شبع القوم لوددت بدل هذا الولد طعام يأكله قومى فقال النبى عليه الصلاة والسلام لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا إذا عاشوا قرة عين وبهجة المال والبنون زينة الحياة الدنيا زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام ثم ولئن قلت ذاك يعنى مع قولى هذا هم قرة عين وإنما فيهم أجر إذا قبضوا ثم ولئن قلت ذاك إنهم لمجبنة محزنة يدعون إلى الجبن وإلى الحزن مع أنهم قرة عين وفيهم أجر إذا قبضوا إنهم مجبنة محزنة وكما قلت هذا لنحترس لا لنحذر الأولاد أى إنجاب الأولاد.(134/29)
الرواية الرابعة رواها الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى سننه فى كتاب البر والصلة وبوب عليه باب حب الولد والحديث إسناده منقطع فى هذه الرواية بين عمر ابن عبد العزيز الخليفة الخامس الراشد رضى الله عنه وأرضاه وعهن سائر الخلفاء الراشدين وبين رواية الحديث وهى خولة بنت حكيم رضى الله عنها وأرضاها خولة الصحابية وعمر ابن عبد العزيز لم يلتق بها ولم يسمع منها فالحديث فيه انقطاع قال عمر ابن عبد العزيز زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو محتضن أحد اثنى ابنته يعنى سيدنا الحسن أو سيدنا الحسين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه خرج يحتضن ويحمل أحد ابنى ابنته الحسن أو الحسين ثم قال تقول خولة بنت حكيم إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون وإنكم لمن ريحان الله إنكم لتبخلون تحملون على البخل تجبنون تحملون على الجبن تجهلون تحملون على الجهل وإنكم لمن ريحان الله الريحان هنا إخوتى الكرام المراد منه الرزق أى لمن ريحان الله أى من رزق الله كما ذكر ذلك الإمام ابن الأثير فى نهاية غريب الحديث فى الجزء الثانى صفحة ثمان وثمانين ومائتين فقال لفظ الريحان يأتى فى اللغة بمعنى الرحمة وبمعنى الرزق وبمعنى الراحة وبالرزق سمى الولد ريحانة وإنكم لمن ريحان الله يعنى من رزق الله الذى فيه منة علينا وراحة لنا وإنكم لمن ريحان الله نعم الولد من رزق الله وريحه أيضا من الجنة والوالدان كم يتلذذان بشم الولد الصغير وعندما يشم ولده الصغير كأنه يشم الرياحين غريزة جعلها الله فى قلوب الآباء والأمهات وقد أشار إلى هذا خير البريات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ففى معجم الطبرانى الأوسط والصغير كما فى المجمع فى الجزء الثامن صفحة ست وخمسين ومائة والحديث رواه ابن حبان فى كتاب الضعفاء كما فى تخريج أحاديث الأحياء للإمام عبد الرحيم الأثرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الثانى صفحة ثمانى(134/30)
عشرة ومائتين وكا فى جمع الزوائد للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة سبع وثلاثين وخمسمائة والحديث رواه الإمام البيهقى فى شعب الإيمان أيضا كما فى فيض القدير فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعين إذن فى معجم الطبرانى الأوسط والصغير وكتاب الضعفاء لابن حبان وشعب الإيمان للإمام البيهقى عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنه والحديث حكم عليه أئمتنا بأنه ضعيف الإسناد لكن معناه حقيقة حق ومثله لا مانع من ذكره حتى دون بيان ضعفه فيما يتعلق بهذا الأمر لأنه لا يتعلق فى إثبات جكم شرعى لفظ الحديث كما قلت عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ريح الولد من ريح الجنة وواقع الأمر كذلك وإن أردت أن تتحقق من هذا فانظر إلى الأبوين إذا ما كان عندك أولاد كيف كل واحد منهم يشم ولده الصغير ويجد متعة لا يعدلها متعة يعنى أعظم مما لو شم الفاكهة أو الطيب ريح الولد من ريح الجنة وورد أيضا أن الولد أيضا من ريحان الجنة روى ذلك الحكيم الترمذى من رواية خولة بنت حكيم رضى الله عنها وأرضاها عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه قال الولد من ريحان الجنة يعنى من رزقها ونعيمها وريحه أيضا من ريح الجنة أيضا كما تقدم معنا انظروا الحديث فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة أربع وخمسين وأربعمائة وانظروه أيضا فى فيض القدير فى الجزء السادس صفحة ثمان وسبعين وثلاثمائة إذن إنكم لتبخلون تجبنون تجهلون وإنكم لمن ريحان الله هذه رواية رابعة عن الأسود ابن خلف عن أبى سعيد عن الأشعث ابن قيس عن خولة بنت حكيم والرواية الخامسة الرواية الأولى صحيحة بنفسها وذاتها والخامسة صحيحة بنفسها وذاتها والروايات الثلاث بينهما كما تقدم واحدة فيها انقطاع وروايتان ضعيفتان تشهد الروايات لبعضها وتتقوى بالرواية الأولى والأخيرة الرواية الخامسة رواها الإمام ابن ماجة فى سننه ورقم الحديث ثلاثة آلاف وست ومائة وست وستون فى سنن ابن ماجة فى(134/31)
الجزء الثانى صفحة تسع بعد المائتين والألف وانظروه فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة أربع وستين ومائة وإسناد الحديث على شرط مسلم وقال الإمام البوصيرى إسناده صحيح ورجاله ثقات ولفظ الحديث عن يعلى العامرى وقيل يعلى الثقفى العامرى الثقفى فى رواية الحاكم يعلى الثقفى وفى رواية ابن ماجة يعلى العامرى وفرق أئمتنا فى كتب تراجم الصحابة بينهما وبعضهم قال إنهما واحد واختلف فى نسبهما فرق بينهما الإمام الطبرانى والعسكرى وابن شاهين وأبو عمر ابن عبد البر وذكر ابن عبد البر أنه اختلف فى نسب يعلى فقيل العامرى وقيل الثقفى على كل حال لا يضرنا الخلاف فى نسبه هو صحابى سواء كان عامريا أو ثقفيا يعلى العامرى يعلى الثقفى أن النبى صلى الله عليه وسلم يقول يعلى العامرى الثقفى يقول جاء النبى عليه الصلاة والسلام إلينا فجاءه الحسن والحسين على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه جاءه الحسن والحسين يسعيان جاء نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الصحابة فتبعه الحسن والحسين يسعيان قال يعلى فأخذهما النبى عليه الصلاة والسلام فضمهما وتقدم معنا ضم الحسن وضم الحسين وهنا جاءا مجتمعين فأخذهما فضمهما عليه الصلاة والسلام ثم قال إن الولد مبخلة مجبنة زاد الإمام الحاكم محزنة إن الولد مبخلة مجبنة محزنة وتقدم معنا أيضا مجهلة هذه الأمور الأربعة ثابتة عن النبى عليه الصلاة والسلام وكما قلت الولد يدعو إلى هذا والزوجة تدعو إلى هذا إذا رزقك الله زوجة فاحذر هذه السلبيات يعنى تحتاج إلى مجاهدة لنفسك أكثر مما كنت قبل زواجك وإذا جاءك الولد تحتاج إلى مجاهدة أكثر وليس معنى هذا الحديث أن تعرض عن الزوجة وألا تنجب الأولاد إنما الأولاد والأزواج يدعون إلى الجبن إلى الجهل إلى الحزن إلى البخل فانتبه إلى هذا وجاهد نفسك ولا تقع فى هذه السلبيات وفى هذه الشائبات هذا هو معنى الحديث والمعصوم من عصمه الله والمحفوظ من حفظه الله إذن الولد كما قلت ثمرة للنكاح(134/32)
والنكاح عندما ينتج عنه هذه الثمرة تحف هذه الثمرة بأخطار فإذن هذه الشهوة فيها هذه الأخطار فيها هذه الشوائب فينبغى أن تحترس كم إنسان حقيقة تزوج ووقع فى أخطار الزواج.
اعرف بعض إخواننا من طلبة العلم قبل أن يدخل فى زوجه وقبل أن يأتيه الأولاد لحيته ما شاء الله كانت تملأ صرته صدره تقارب أن تصل إلى صرته تملأ الصدر تزينه إذا نظرت إليه عنده مهابة كأنه سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه من هذا الجمال والنور ولحية تستر الصدر فى ليلة العرس على زعمه ذهب إلى الحلاق من أجل أن يزين رأسه فقال له تريد يعنى أن أهذب لحيتك قال كما ترى أنا رأيته فى اليوم الثانى من أيام العرس اللحية أقل يعنى من عشرها تسعة أعشار ذهبت ولو أردت أن تمسكها يحتاج إلى كلفة يا شيخ فلان أين اللحية أنت الآن يعنى من ليلة العرس حاربت هذه اللحية يا عبد الله أين اللحية قال أحكى لك ما حصل لى قلت وما الذى حصل قال أنا ذهبت إلى الحلاق واستسلمت وهو سيقص أنا قلت يعنى لله فى ذلك إرادة ماذا يفعل أنا مستسلم قلت أسألك بالله لو أن هذا حصل قبل زواجك ترضى قال لا قلت لو أن الحلاق مد يده إلى لحيتك قبل ليلية الزواج أراد أن يقص منها ترضى قال لا كنت أمسك يده قلت هلا مسكت يده أيضا فى تلك الليلة إنما هذا وافق هواك وأنت قدمت له مقدمة أنك هذه الليلة ستذهب إلى زواج ويعرف يعنى ميول أهل الدنيا فقال ماذا ترى لو هذبت اللحية وهى فى الحقيقة لو شوهتها ماذا ترى أنت لما وافقته بدأ يعتدى يا عبد الله قلت من البداية فماذا سيكون الحال فى النهاية أسأل الله العافية والسلامة نعم إخوتى الكرام كما قلت الزواج محفوف بأخطار وهذه هى حال هذه الشهوة فى هذه الحياة ولا تسلم فى هذه الحياة شهوة ولا يعنى هذا أن نعرض عن هذه الشهوة عن طريق ما أحل الله لا إنما نتاولها بالطريق الشرعى وما فيها من سلبيات من محاذير نتجنبه والمعصوم من عصمه الله سبحانه وتعالى.(134/33)
إخوتى الكرام: هذه الشوائب التى توجد فى النكاح وفى هذه الشهوة الجنسية فى هذه الحياة تقدم معنا أيضا تقابل بالفوائد التى توجد فى النكاح وتقدم معنا من فوائد النكاح الخمسة البارزة أولها كما تقدم معنا وذكرتها فى أول هذه الموعظة تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية ومعنوية إلى غير ذلك من الفوائد فعندنا كما قلت آفات وعندنا بعد ذلك مغانم وفوائد يعنى يوجد مغارم ويوجد ومغانم فالمغارم تجنبها والفوائد حصلها.
إخوتى الكرام: هذه الآفات التى فى النكاح مما ذكرت ومما سأذكرحقيقة لو أن الإنسان وقف عندها ربما يعرض عن هذا النكاح الذى أحله الله جل وعلا ولكن ليس هذا برأى سديد فلا بد من أخذ النافع واجتناب الضار إذن هذه هى آفة سادسة آفة سابعة ألا وهى أن هذه الشهوة محفوفة بهذه الأخطار.
الآفة الثامنة: فى النكاح فى شهوة الجنس فى هذه الحياة هذه الشهوة يشاركك فيها الغواة من العصاة من المشركين والمشركات من بل يشاركك فيها البهائم العجماوات بل لعل نصيبهم منها أكثر من نصيبك منها فالعصفور مع صغر حجمه أكثر سفادا ووطأ من الإنسان بكثير فإن افتخرت بكثرة وطأ العصفور غلبك وإن افتخرت بقوة فالسباع تغلبك وإن افتخرت بحمل الأثقال فالبغال تحمل أكثر منك فبأى شىء تفتخر إذن هذه كما قلت كمالات يشاركك فيها أرذل المخلوقات فهذه الشهوة يشاركك فيها أعداء الله يشاركك فيها البهائم والمشاركة فى اللذة يضعف اللذة لا سيما إذا وقعت المشاركة من قبل الأعداء فى الصورة والمعنى ولذلك لا تتم لذة الإنسان بهذه الشهوة لأنها ما صفيت له بخلاف لذتنا فى الآخرة فهى صافية لا يشاركنا فيها من غضب الله عليه ولا يشاركنا فيها من ليسوا مثلنا التكليف من البهائم والعجماوات {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون} .(134/34)
إخوتى الكرام: بقية الآفات وهى الآفة التاسعة والعاشرة أذكرهما إن شاء الله فى أول الموعظة الآتية ثم بعد ذلك ننتقل إلى ما ينبغى أن نأخذه من عبرة من هذه الآفات ومن وضع هذه الشهوة وما ينبغى أن نستفيده منها ألا وهو تذكر اللذة الآخرة التى نحصلها عن طريق التمتع بما أحل الله لنا فى تلك الدار نسأل الله رحمته التى وسعت كل شىء إن أحيانا أن يحيينا على الإيمان وإن توفانا أن يتوفانا على الإسلام ونسأله برحمته التى وسعت كل شىء أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر للآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا.
اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(134/35)
الآفات الردية
في الشهوة الحسية (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
الآفات الردية
في الشهوة الحسية (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
كنا نتدارس كما تقدم معنا فصلا مستطردا جرنا إليه مبحث من مباحث النبوة ألا وهو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام وبعد أن انتهينا من مدارسة هذا الجانب من حياة نبينا عليه الصلاة والسلام وتبين معنا أن من تأمل خلقه عليه الصلاة والسلام مع آل بيته الكرام عليه وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه لن يرتاب فى أن نبينا رسول الله حقا وصدقا عليه صلوات الله وسلامه.(135/1)
إخوتى الكرام: كما قلت بعد أن انتهينا من هذا الجانب قلت ينبغى أن نتدارس ترجمة لأمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وهذه الدراسة قلت سيسبقها ثلاثة أمور أولها فى بيان مقاصد النكاح والحكم من مشروعيته والأمر الثانى فى بيان حكم التعدد فى حق الأمة والأمر الثالث فى بيان حكم التعدد فى حق النبى عليه الصلاة والسلام بعد هذه المقدمات الثلاثة ننتقل إلى مدارسة أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكنا نتدارس إخوتى الكرام: الأمر الأول من هذه الأمور الثلاثة وهى الحكم العامة والمقاصد البارزة من مشروعية النكاح وقلت لذلك حكم جليلة يمكن أن نجملها فى خمس حكم أولها كما تقدم معنا تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية والأمر الثانى الحكمة الثانية إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية وتقدم معنا ما فى إنجاب الذرية من فوائد فى العاجل والآجل فى الدنيا والآخرة وثالث الأمور تحصيل الأجر لكل من الزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته أيضا فى النفقة والأمر الرابع والحكمة الرابعة تذكر لذة الآخرة وخامس الحكم ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه كنا إخوتى الكرام: بدأنا فى الحكمة الرابعة ألا وهى تذكر لذة الآخرة وقدمت لها مقدمة لا زلنا نتدارس هذه المقدمة لننتقل بعد ذلك إلى كيفية تذكير النكاح بلذة عظيمة تكون فى الآخرة إن شاء الله.(135/2)
إخوتى الكرام: تقدم معنا أن أعظم الشهوات الحسية عند بنى آدم شهوة الجنس وتقد معنا تقرير هذا من كلام الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبين معنا أن النفس البشرية لا تصاب بالعشق المفرط الذى يؤدى بصاحبه إلى تلف وهلاك إلا فى هذه الشهوة فمهما اشتهى الطعام لا يؤدى به ذلك إلى الهيام والجنون وإلى أن يموت هما وغما لأنه ما حصل شهوة طعام ما وهكذا شهوة الشراب أما شهوة الجنس فقد يصاب الإنسان لضعفه وعدم تعلقه بربه أحيانا بالتلف والعشق والوسوسة والجنون هذا حاصل فى الناس بكثرة فى القديم وفى الحديث ونسأل الله أن يعلق قلوبنا به وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين تقدم معنا تقرير هذا أن هذه الشهوة هى أشد الأشياء تسلطا على النفس البشرية والنفس البشرية تقدمها على غيرها من الشهوات الحسية وآخر ما ذكرته فى ذلك الحديث الثابت فى الصحيحين وغيرهما كما تقدم معنا قول نبينا عليه الصلاة والسلام ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن وبينت ما يتعلق بهذا الحديث من معنى فى الموعظة الماضية ولا أريد أن أعيد شيئا من ذلك إنما هذا كما قلت آخر شىء ذكر فى آخر الموعظة الماضية أبنى عليه لأنتقل بعد ذلك كما قلت إلى بيان أن هذه الشهوة مع تعلق النفس بها هى شهوة أيضا خسيسة وضيعة يعنى ليس لها قدر ولا اعتبار ومع ذلك النفس تتعلق بها وتقدمها على غيرها فكيف بالشهوة الحقيقية التى تكون فى الجنة فى دار السلام.(135/3)
إخوتى الكرام: كما قلت هذه الشهوة لها هذا الأثر عند النفس وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا أيضا فى أحاديث أخرى سأقرر هذا بحديثين آخرين ثم أنتقل إلى بيان منزلة هذه الشهوة وحقارتها فى هذه الحياة لنعلم أننا عندما نفعلها عن طريق الحلال نفعلها إرضاء لذى العزة والجلال وأما إذا عرضت على المرء من طريق حرام فيعرض عنها إعراض الكرام ويقول إنى أخاف ذا الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
إخوتى الكرام: الذى يدل على كما قلت تعلق النفس البشرية بهذه الشهوة الحسية أيضا ما ثبت فى المسند والكتب الستة إلا سنن أبى داود الحديث فى الصحيحين والسنن الثلاثة رواه الإمام الحميدى فى مسنده وابن أبى شيبة فى مصنفه وراه ابن حبان فى صحيحه والبرانى فى المعجم الكبير والبيهقى فى السنن الكبرى والبغوى فى شرح السنة ورواه الإمام العنى وابن قانع كما ذكر ذلك الإمام السيوطى فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة تسع وتسعين وستمائة.(135/4)
والحديث كما قلت فى المسند والصحيحين وغير ذلك من رواية حب رسول الله وابن حبه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من رواية أسامة ابن زيد رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء] إذن هذه الشهوة الحسية لها هذا الأثر تزيد كما قلت على أثر ميل الإنسان إلى الطعام والشراب وغير ذلك ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء هذا لفظ الحديث إخوتى الكرام: وسمعت بعض الخطباء يذكره على المنبر بزيادة ما وقفت عليها لا بد من التحقق مما ينسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام فيزيدون فى الحديث يقول وما تركت بعدى فتنة أضر على النساء من الرجال كما قلت بعد تفتيش وبحث ما وقفت على هذه الزيادة وإن كان المعنى صحيحا لكن لفظ الحديث ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء وأما ذاك الزيادة فكما قلت ما أعلمها مروية لكن المعنى حقيقة فيها صحيح فكما أن أعظم فتنة للرجل المرأة فأعظم فتنة للمرأة أيضا الرجل والأمر صحيح وقد ثبت معنى هذا فى تفسير ابن أبى حاتم وتفسير ابن المنذر والأثر رواه البيهقى فى شعب الإيمان عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال خلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته فيها يحب أن يتملك وأن يبنى وأن يكون له العقار والمزارع وخلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها فيه فاحبسوا نسائكم المرأة لا يهدأ بالها ولا يقر قرارها إلا إذا كانت فى كنف رجل وتحت رعايته وإذا حصلت هذا الرجل حصلت وطرها من الحياة إذا حصلت هذا الرجل حصلت وطرها أما الرجل حقيقة مع ميله للمرأة يحب أيضا أن يتملك وأن يكون له كذا وكذا من العمارات المرأة لا تسأل عن شىء من ذلك إذا حصلت بعلا جعلت نهمتها فى الرجل فاحبسوا نسائكم لأن الفتنة مشتركة من الجانبين هو يميل إليها فهى بعض منه وهى تميل إليه فهو أصلها فاحبسوا نسائكم نعم إخوتى الكرام: إن الميل كما قلت بينها مشترك فأعظم فتنة على الرجل المرأة(135/5)
وأعظم فتنة على المرأة الرجل لكن لا يجوز أن ننسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام إلا ما قاله ونطق به عليه صلوات الله وسلامه والمرأة كما قلت بعض من الرجل وهى مخلوقة منه وقد ثبت هذا فى كتاب التوحيد والرد على الجهمية للإمام ابن مندة فى صفحة خمسين من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فجرى من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم انتزع الله ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء] ولذلك هو الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء ولذلك قيل لأمنا حواء رضى الله عنها وعن سائر الصديقين والصديقات لأنها خلقت من شىء حى كما ثبت هذا فى تاريخ ابن عساكر عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قيل لها حواء خلقت من شىء حى وأنا أقول قيل لها كذلك لأنها أم كل حى فهى أم الأحياء وخلقت من شىء حى رضى الله عنها وأرضاها إذن خلقت من أحد أضلاع أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وقد وردت الإشارة إلى ذلك فى الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأن المرأة خلقت من ضلع إشارة إلى هذا الأثر الثابت كما قلت فى كتاب التوحيد والرد على الجهمية للإمام ابن مندة ثبت معنى هذا الحديث فى الصحيحين وسنن الترمذى من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [إن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شىء فى الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا] خلقت من ضلع وأعوج شىء فى الضلع أعلاه وأعوج شىء فى المرأة لسانها وقد أحيانا يخرج منها ما يخرج فهو حال أيضا بنى آدم ذكرا أو إناثا لكن صفة يعنى الخفة فيها أكثر فإن ذهبت تقيمه كسرته وكسر الضلع بالنسبة للمرأة كسرها طلاقها وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث ثابت من(135/6)
رواية عدة من الصحابة الكرام.
ثبت فى المسند وسنن النسائى وكتاب الأدب المفرد للإمام البخارى والأثر رواه الإمام الدارمى فى سننه والإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة من رواية أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه ورواه الإمام أحمد أيضا وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه والطبرانى فى معجمه الأوسط والإمام النسائى فى السنن الكبرى من رواية سمرة ابن جندب إذن من رواية أبى هريرة وأبى ذر ومن رواية سمرة ورواه الإمام العسكرى فى الأمثال عن أمنا عائشة رضى الله عنها بمعنى حديث أبى هريرة المتقدم رضى الله عنهم أجمعين المرأة خلقت من ضلع وهذا إشارة إلى خلق أمنا حواء من أبينا آدم على نبيناو عليهما صلوات الله وسلامه وهذه إحدى الحكم المعتبرة فى أن بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل كما تقد معنا فى بعض مواعظ الجمعة وقد ثبت هذا الحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى وإسناده صحيح كالشمس من رواية على رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية وهذا ما لم يطعما ما دام يتناولان الحلب واللبن من الثديين فإذا بال الغلام ينضح يرش رشا خفيفا بالماء وأما بول الجارية لا بد من غسله ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية كما قلت الحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى.(135/7)
ورد فى سنن ابن ماجة وهو فى الجزء الأول صفحة خمس وسبعين ومائة عن أبى يمان المصرى ولعل هذا غلط كما قال الحافظ ابن حجر فى التقريب هو أبو لقمان ليس أبو اليمان أبو لقمان وهو محمد ابن عبد الله ابن خالد مستور من رجال سنن الإمام ابن ماجة ورد عن أبى لقمان بدل اليمان ورد فى سنن ابن ماجة كما قلت عن أبى اليمان يقول الحافظ فى التقريب هذا غلط كنيته أبو لقمان أنه قال لشيخه سيد المسلمين فى زمانه أبى عبد الله الإمام الشافعى عليهم جميعا رحمة الله عن الحكمة من ذلك لما ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية فقال الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لأن بول الغلام أصله ماء وطين وبول الجارية أصله لحم ودم فقال أبو لقمان كيف هذا يعنى كيف هذا أصله ماء وطين وذاك أصله لحم ودم فقال الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة ربنا إن الله خلق آدم من تراب وعليه أولاده يحملون خصائصه فخلق حوا من ضلعه القصير والإناث يحملن خصائصها فالأنثى مخلوقة أصلها من دم ولحم والذكر أصله مخلوق من ماء وطين ثم قال له فهمت لقمت قال نعم قال بارك الله فيك ونفعك الله انتبه أصل هذا الغلام ماء وطين وأصل هذه الأنثى لحم ودم إذن ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء وواقع الأمر كذلك وما آيس إبليس من أحد إلا أتاه من قبل النساء وكان سعيد ابن المثيب من أئمة التابعين الكبار لا يبصر بإحدى عينيه فى آخر حياته وبالأخرى يعشو وهو فى بلد نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى العصر الأول ولا يوجد يعنى شىء من التبرج ولا عدم الانضباط ومع ذلك يقول لا يوجد شىء فى المدينة أخافه إلا النساء يقول هؤلاء النساء يعنى فتنة للرجل كما أن الرجل حقيقة أيضا فتنة للمرأة ولذلك عندما فصل الإسلام بين الجنسين ضبط الجنسين بهذا الفصل والاختلاط من أشنع الأمور فى الإسلام وخلطة اانساء بالرجال فى شرعنا من أقبح الخصال وسمة الفساق والجهال فى كل وقت(135/8)
وفى بكل حال ومن أجل موجبات الطرد وما نتج عن الاختلاط من الفساد فى هذه الأوقات لا يحتاج إلى ذكر ما نتج عنه من مفاسد وفساد لا يحتاج إلى ذكر ولذلك {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} وهذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ما تركت بعد فتنة أضر على الرجال من النساء الشاهد إخوتى هذا الحديث يقرر لنا كما قلت منزلة تعلق بنى آدم بشهوة الجنس فهى أعظم الفتن إذا ما اتقوا ربهم نحوها ومما يقرر هذا حديث آخر رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام مسلم فى صحيحه ورواه الأئمة أهل السنة الأربعة إلا سنن أبى دواد والحديث رواه الإمام الحميدى والإمام البغوى والإمام القضاعى وكما تقدم معنا هو فى صحيح مسلم وغيره فالحديث صحيح من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء] إن الدنيا حلوة خضرة وإذا اجتمع هذان الوصفان تتعلق يعنى النفس بالشىء على التمام حلوة طعم طيب ومنظر بهيج حلوة خضرة هذه هى الشهوات لكن نعوذ بالله حقيقتها سم قاتل يعنى هى مثل حبة الفخ قطعة الجبن التى توضع فى المصيدة من أجل أن يصاد العصفور أو الفأرة حقيقة طعم الجبن طيب لكن ينتج عنها هلاك وعطب وهنا إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء أى احذروا تناول شىء من هذين على غير هدى رب الكونين وليس المقصود أن تترك الدنيا ولا أن تبتعد عما أحل الله لك من النساء لا إنما انتبه لا تتناول شيئا من هذين على غير هدى الإسلام وخص النساء بالذكر مع أنها من الدنيا فالدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة لأنها أعظم فتن الدنيا وأعظم مغرياتها بالنسبة للرجل فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء وحقيقة(135/9)
من تأمل أحوال بنى إسرائيل علم هلاكهم وعطبهم بسبب عدم انضباطهم نحو النساء فلما حصل الاختلاط ترتب عليه الفساد غضب عليهم رب العباد.
وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا فى سورة الأعراف فقال جل وعلا {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} .(135/10)
وخلاصة قصته كما ثبت فى كتب التفسير فى تفسير الطبرى وفى كتاب أبى الشيخ وتفسير ابن مردويه وتفسير ابن أبى حاتم عن الإمام الشعبى وعن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى قصة الرجل من أهل الكتاب الذى يسمى ببلعام ابن باعوراء رجل من أهل الكتاب اسمه بلعام ابن باعوراء قال الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير عند تفسير هذه الآية فى الجزء الثالث صفحة ثمان وثمانين ومائتين المشهور فى التفسير أن هذه الآية تتحدث عن رجل فى الأمم السابقة اسمه بلعام ابن باعوراء وهكذا قال فى كتاب التبصرة فى الجزء الأول صفحة ثلاث وستين ومائتين قال هذا هو المشهور والأثبت وإلى هذا ذهب الإمام الألوسى فى روح المعانى وغيره من أئمة التفسير عليهم جميعا رحمة الله وخلاصة قصته أن نبى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه عندما أرسل جيشا إلى فتح بيت المقدس وكان فيها الجبارون المتكبرون لفتح بيت المقدس جاؤا إلى بلعام ابن باعوراء وطلبوا منه أن يدعو على جيش موسى ليهلكه الله وليستأصله ويقال كان قد أوتى اسم الله الأعظ وكان إذا دعا به أجيب وإذا سأل أعطى واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فقالوا ادع على جيش موسى ليهلكهم الله قال كيف ادعو على جيش نبى على نبينا وأنيباء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه كيف ادعو عليهم إنهم على الحق ولو دعوت لما استجيب قالوا شاور ربك استخر ربك فى هذا فنام فظهر له ملك فى الرؤيا يقول له لا تدعو على جيش موسى إنهم على الحق انتبه لا تتورط وتنسلخ من دين الله فجاء قومه إليه فى الصباح ماذا قال لك ربك قال نهانى أن أدعو على جيش موسى إنهم على الحق قالوا شاور ربك مرة ثانية استخره فشاوره واستخار ربه فرأى فى الرؤيا فى الليلة الثانية ما رآه فى الليلة الأولى وهكذا فى الليلة الثالثة ثم جاؤا إليه فى اليوم الرابع قالوا شاور ربك رابعة طيب يعنى هى المسألة لعب انتهى مرة ومرتين ثلاثة ماذا تريدون أكثر من هذا(135/11)
فشاور ربه واستخاره فما رأى فى الرؤيا شيئا قالوا ماذا رأيت قال لم أر شيئا قالوا رضى ربك أن تدعو على جيش موسى ولو لم يرض لنهاك كما نهاك فى الليالى الماضية قال أمنوا فرفع يديه وبدأ يدعو فكان إذا أراد أن يقول اللهم أهلك جيش موسى يقول اللهم أهلك جيشنا وإذا أراد أن يقول اللهم انصر جيشنا يقول اللهم انصر جيش موسى الله على كل شىء قدير وهذا اللسان لا يتحرك إلا بإذن من الرحمن سبحانه وتعالى فلما انتهى من الدعاء قالوا ويحك أهلكتنا دعوت علينا ودعوت لهم قال لا خيار لى فى هذا يعنى هذا الذى حصل بغير اختيارى ولو دعوت عليهم لما استجيب لى لكان أخبركم بما أن الأمر وقع وغضب الله حل علينا إذن لو كان عاقلا لتاب وأناب إنما سيسلك مسلك إبليس عندما حصل منه ما حصل كان الواجب عليه أن يقول رب تب على استغفرك أعتذر مما وقع إنما أنظرنى إلى يوم يبعثون ثم لا تجد أكثرهم شاكرين ولأغوينهم أجمعين يعنى هى محادة لا تضر إلا نفسك وهنا كذلك يعنى إذا ظهر خذلان هو علم أن الله غضب عليه فالواجب أن يتدارك وأن يقول يا قوم أنا أتوب إلى الله لما صدر منى وتوبوا إلى واحترسوا لكن انظر ماذا فعل فلما علم أن الله خذله قال أنا أرشدكم إلى شىء إذا فعلتموه تنتصروا على جيش موسى الأمر يسير قالوا وما هو قال إن جيش موسى جاء من مصر من بلاد بعيدة وليس مع الجيش نساؤهم وهو يتطلعون إلى هذه الشهوة فجهزوا البنات ليبعن الطعام ويختلطن بجيش موسى وليستقبل البنات الجيش وزينوا البنات بحيث تغرى الرجال وإذا أراد بعض الرجال شيئا من النساء فلتمكنه يعنى لا تمتنع فإن الجيش إذا وقع فى الزنا غضب الله عليه وبذلك تنتصرون عليهم من غضب الله هذا لا قيمة له ولا وزن واعتبار وكان الأمر كذلك فجهزوا البنات وذهبن ليبعن الطعام ويتلقين هذا الجيش وحصل فى الجيش ما حصل من الضياع والفساد وفشى فيهم الطاعون ويقال مات منهم كما فى أخبار الكتب السابقة سبعون ألفا من أثر وقوع الجيش(135/12)
فى الزنا وأوحى الله إلى نبيه وكليمه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ما حصل فى الجيش فأرسل فرقة أخرى تتدارس الموقف يقال حتى إن الفرقة الأخرى التى جاءت مددا لتصحح الموقف جاء رئيسها فدخل على رئيس الفرقة الأولى فى خيمته فرأى معه بغيا أيضا يفعل معها ما حرم الله فضربهما برمحه ثم رفعهما إلى النساء وقال اللهم من فعل هذا فعلنا به هذا فاكشف عنا البلاء يعنى الجيش وقع وأنت عاقبتنا لكن نتوب إليك أنت ربنا وولينا وحسبنا فكشف الله عنهم البلاء والطاعون ثم بعد ذلك فتح لهم ودخلوا منتصرين ظاهرين فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء ولذلك ينقل الإمام ابن القيم فى كتابه روضة المحبين صفحة ست وتسعين عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لم يكن كفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء وسيكون كفر من بقى من قبل النساء يعنى كفر الماضين سببه النساء وكفر اللاحقين سيكون فى المستقبل بسبب النساء ونسأل الله العافية والسلامة وكما قلت هذه الآثار تبين لنا منزلة هذه الشهوة فى النفس البشرية بحيث توصله إلى الكفر وتخرجه من دين الله.(135/13)
نعم إخوتى الكرام: إن الزنا يبغضه الله وإذا ظهر الزنا ومعه الربا فى قوم فاعلم أن الله يحاربهم من حاربه الله فلا نصير له ثبت الحديث بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم فى مسند الإمام أحمد ومسند أبى يعلى وتفسير الطبرى عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه وإسناد الحديث جيد كما فى الترغيب والترهيب فى الجزء الثالث صفحة ثمانية وفى صفحة أيضا ثمان وسبعين ومائتين وقد حكم الإمام الهيثمى أيضا على الحديث أن إسناده جيد فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة مائة وثمانى عشرة وكذلك حكم عليه الإمام ابن حجر الهيثمى فى الزواجر عن اقتراف الكبائر فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين ومائتين والحديث روى أيضا عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى المستدرك فى الجزء الثنى صفحة سبع وثلاثين ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى شعب الإيمان وعليه هو مروى عن صحابيين عن عبد الله مسعود وعن عبد الله ابن عباس وإسناد الحديث صحيح من الطريقين ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال [إذا ظهر الربا والزنا فى قوم فقد أحلوا بأنفسهم عقاب الله فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله إذا ظهر الربا والزنا فى قوم فى قرية فقد أحلوا بأنفسهم عقاب الله أحلوا بأنفسهم عذاب الله] .(135/14)
إخوتى الكرام: كما قلت هذه الآثار وما تقدمها كلها تقرر منزلة تعلق النفس البشرية بهذه الشهوة الحسية فلها شأن كبير هذه الشهوة مع تعلق النفس بها إخوتى الكرام أيضا لا قيمة لها فى الحقيقة فهى ناقصة بكل اعتبار ولا غرو ولا عجب فى ذلك فهذه الشهوة تكون فى هذه الدار وهذه الدار دار كمال أو دار نقصان؟ دار نقصان ودار ذل ودار امتهان وهوان فكل الشهوات فيها ناقصة ولا يوجد شهوة كاملة إلا فى الدار الآخرة فهى دار الحيوان هذه الشهوة كما سيأتينا محفوفة بالأخطار هذه الشهوة يشاركك فيها الكفار والفجار بل الحيوانات البهيمية هذه الشهوة منقطعة يعتريها الفتور والفناء والزوال هذه الشهوة قد توصل إلى ذل الدنيا وعذاب النار وسأبين إخوتى الكرام ما فى هذه الشهوة من نقائص ليعلم الإنسان وضعه فى هذه الحياة وليتبصر أمره نحو هذه الشهوة ونحو غيرها من المشتهيات وكنت ذكرت فى ما فى شهوة الطعام من نقائص وشوائب وكدر فما يكون قبل تناولها وعند تناولها وبعد تناولها عند أحكام الخلاء فى مبحث سنن الترمذى وقررت هذا كما تقدم معنا من عشرة أوجه وشهوة الجنس عندنا هذه سأقرر نقصها وامتهانها وخستها فى هذه الدار من عشرة أوجه هذه الأوجه لا يوجد شىء منها فى الدار الآخرة فإذا كانت هذه الشهوة ناقصة والنفس البشرية تتعلق بها إذن من باب أولى ينبغى أن يتعلق الإنسان بهذه الشهوة الكاملة فى الدار الكاملة التى هى فى دار الآخرة فهناك لا نقص فى هذه الشهوة بوجه من الوجوه وهذه السلبيات فى هذه الشهوة كما قلت إخوتى الكرام: نذكرها لا لنعرض عن هذه الشهوة عن طريق ما أحل الله لنا لا ثم لا فالنقص فينا مركب وهذه الحياة هى دار النقص لكن كما قلت لنعلم وضع هذه الشهوة لئلا ننهمك فيها وإن كانت مباحة ولأن نحذرها إن كانت محرمة ولنصرف بعد ذلك همتنا إلى الشهوة الكاملة التى تكون فى الدار الآخرة ولنذكر نذكر بما يكون من شهوة كاملة فى تلك الدار الآخرة الفاضلة ولذلك كما(135/15)
قلت سأذكر عشرة أمور تبين نقص هذه الشهوة ثم بعد ذلك أنتقل إلى موضوع البحث وهو النقطة الرابعة تذكر لذة الآخرة عند هذه الحكم العامة للنكاح.
إخوتى الكرام: أول نقص فى هذه الشهوة أعنى غريزة الجنس إرواء الشهوة البشرية أول نقص فيها صورتها ممتهنة ولذلك تفعل فى السر وهى شهوة بهيمية فى حقيقة الأمر صورتها ممتهنة حقيقة يستحى منها العقلاء يستحى منها الفضلاء ولذلك تفعل سرا وما يجهر الإنسان بها حتى عن طريق الحلال يفعلها سرا مع من أحل الله له صورة ممتهنة.
أثر عن سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه كما فى إحياء علوم الدين فى الجزء الثالث صفحة ست ومائتين والأثر موجود فى شرح الإحياء للإمام الزبيدى فى الجزء الثامن صفحة ثمان وتسعين وما
وقفت على من خرج هذا الأثر عن هذا الخليفة المبارك رابع الخلفاء الراشدين على ابن أبى طالب من الكتب التى تروى بالإسناد إنما كما قلت فى الإحياء وفى شرحه عن على رضى الله عنه أنه قال إنما الدنيا ستة أمور يعنى شهواتها ملذاتها تقوم على ستة.(135/16)
أولها: يقول مطعوم وأعلى المطعومات مذقة ذباب وهو العسل مذقة ذباب يعنى لعاب ذباب أعلى المطعومات العسل والنحلة كما قال أئمتنا يعنى بأحد طرفيها تعسل وبالطرف الآخر تلسع ومقلوب العسل لسع يعنى عسل اقلب الآخر إن الأول يصبح لسع فالعسل من الفم واللسع من الإبرة فى المؤخرة بأحد طرفيها تعسل وبالآخر تلسع ومقلوب العسل لسع مخلوق صغير يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس يعنى من الذى فضلها على الذبابة وهى أحيانا الذبابة الكبيرة بحجمها ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى فهذه تأكل من كل الثمرات وسهل الله لها أن تسلك سبل ربها ذللا وتلك تقف على القاذورات والأشياء المستقبحات نحلة تقف على غائط لا تقف لكن هذا مكان الذباب ولو قدر أن الإنسان قضى حاجته فى صحراء يعنى فى حال قضاء الحاجة يتجمع الذباب على هذا الغائط الذى يخرج منك أما النحل لا يأتى نحل ثم كلى من كل الثمرات لم ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوما ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلى من كل الثمرات فاسلكى سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون} .(135/17)
إذن أشرف المطعومات مذقة ذباب ذبابة مذقة ذباب لعاب ذباب هذا أشرف المطعومات قال ومشروب يعنى الدنيا مطعوم ومشروب وأشرف المشروبات الماء ويستوى فيه البر والفاجر وهو هذا الماء أهون موجود وأعز مفقود يعنى إذا وجد لا قيمة له وليس له ثمن لكن إذا فقد هو أعز شىء يعنى عندك وأغلى شىء عندك الماء ولذلك الماء يلى الهواء فى احتياج الكائنات الحية إليه أهون موجود عندما يوجد لا قيمة له لكن إذا فقد أعز مفقود رحمة الله على محمد ابن السماك عندما دخل على هارون الرشيد رحمة الله عليهم جميعا ودعا بقلة ماء ليشربها فى أيام الحر وهو خليفة المسلمين فى ذاك الوقت إذا أراد أن يشرب ماء مثلجا فى القلة التى هى من الفخار أما ثلجات وثلج هذا كان لا يوجد خليفة المسلمين كان إذا أراد أن يخرج من بلاد العراق للحج يعنى يعتريه ما يعترى غيره من ظروف الطبيعة من رياح وأمطار وبرد ووو والآن صار عند الناس من وسائل الرفاهية والراحة حقيقة ما يعنى ما تشاهدونه وتعلمونه ونسأل الله أن يجعل الآخرة دارنا وألا يجعل الدنيا دارنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين دعا بماء ليشربه قال لا تشرب يا أمير المؤمنين قال علام قال إن منعت هذا الماء فى هذا اليوم القائظ كم تدفع ثمنا له قال ادفع نصف ملكى حقيقة هذا أعز مفقود إذا فقد عزيز غالى وهو يقول يدفع نصف ملكه هذا فى حال الاختيار هو الآن ما يقدر قيمة الماء لأنه لا يشعر بقيمته إلا إذا فقد هو الآن يقول نصف الملك والله يدفع الملك بكامله إذا اضطر إلى كوز من الماء قال اشرب قال الآن إذا احتبس هذا الماء فى بطنك وما خرج كم تدفع ثمنا لإخراجه قال نصف الملك الآخر قال تبا لهذا الملك الذى لا يعدل بولة إن ملكا يا أمير المؤمنين لا يسوى بولة لا ينبغى أن يتنافس الناس فيه يعنى الدنيا من أولها إلى آخرها ثمن بولة ثمن كوز من الماء تشربه وتخرجه واقع الأمر كذلك ولذلك إخوتى الكرام: نعم الله علينا لا تحصى وإن تعدوا نعمة(135/18)
الله لا تحصوها وكثير من الناس يظن أن النعم يعنى بكثرة المطعومات وتنوعها وأشكالها يا عبد الله نعمة الهواء ما أعظمها بلا ثمن بل بلا كلفة لا تشعر بها على الإطلاق لو كان الهواء يشرى بثمن لمات أكثر الناس يليه نعمة الماء بلا ثمن وهو كما قلت أهون موجود يليه الغذاء ومن قنع بالخبز لم يستعبده أحد يليه يليه ومن رحمة الله بعباده أنه كلما اشتدت حاجتهم إلى الشىءبدا لهم بلا ثمن وبلا كلفة وكلما قلت حاجتهم إليه جعل له قدرا واعتبارا فمثلا يعنى رفيع الثياب الحلى والزينة للنساء لها ثمن لكن لو أن المرأة طول حياتها ما لبست الحلى يعنى نقصت قيمتها ما نقصت قيمتها.
سبحان من خص العزيز بعزه ... والناس مستغنون عن أجناسه
وأذل أنفاس الهواء وكل ... ذى نفس لمحتاج إلى أنفاسه
الهواء ذليل بلا ثمن وهكذا الماء أعز مفقود أهون موجود وهذا أشرف مشروبات الدنيا الماء.
الأمر الثالث من شهواتها قال ملبوس الأمر الثالث فى الدنيا ست أشياء ملبوس قال وأشرف الملبوسات نسج دودة وهو الحرير هذا أشرف الملبوسات أغلاها ألينها أنعمها وهو نسج دودة هناك مزقة ذباب وهنا نسج دودة وما بينهما الماء أعز مفققود وأهون موجود.
قال ومركوب وأشرف المركوبات الخيل وعليه يقتل الرجال على هذا الخيل فى المعارك يموت الرجال فى ساحات الوغى وهذا أشرف مركوب يركبونه يموتون عليه.
يقول ومشموم وهو الأمر الخامس يقول وأشرف المشمومات أعلاها المسك وهو دم الغزال
والسادس ومنكوح وهو مبال فى مبال هذه الدنيا مطعوم مشروب ملبوس مركوب مشموم منكوح المنكوح مبال فى مبال.(135/19)
قال على رضى الله عنه وإن المرأة لتزين أحسن شىء فيها ويراد أخس شىء منها ترى تجمل وجهها وتزينه بأنواع المساحيق والزينة ويراد منها ما يستحى من ذكره مبال فى مبال والله الذى لا إله إلا هو إخوتى الكرام: لولا أن الله أمر الرجال بتناول هذه الشهوة لما يترتب عنها من طيب الخصال من إخراج ذرية تعبد وتوحد رب البرية من صحة للجسم من تذكر للذة الآخرة من من من يعنى لولا أن الله أمرهم وحسهم على تناولها لما يترتب عليها من مصالح لولا ذلك لأعرض عنها الرجل العاقل يكفى فى الإعراض عنها هذا الامتهان فيها مبال فى مبال ولذلك كما قلت هند ما أقبحه حلالا فكيف به حراما يعنى هو فى صورة الحلال صورة ممتهنة ثم بعد ذلك يفعله الإنسان عن طريق الحرام هذا حيوان هذا بهيمة ليس من بنى آدم ما عنده كرامة فعل هذا عن طريق ما أحل الله بدافع شرعى لما يترتب عليه من مصالح فى العاجل والآجل أما أنه يفعل هذا عن طريق ما حرم الله حقيقة هذا ليس من عداد بنى آدم هذا الآن بهيمة من البهائم لكن يختلف عن البهائم أنه يمشى على اثنتين وتلك تمشى على أربع فقط.
أبنى إن من الرجال بهيمة ... فى صورة الرجل السميع المبصر
هو بهيمة لكن فى صورة رجل فهذا النقص الأول بهذه الشهوة صورتها ممتهنة ولذلك تفعل فى السر وهى شهوة بهيمية فى حقيقة الأمر.(135/20)
الأمر الثانى: من أمور النقص فيها هذه الشهوة لا تحصل إلا بإرهاق وتعب لا يمكن للإنسان أن يحصل شهوة الجنس إلا بعد تعب يكد ويكدح ويجد ويجتهد ويبذل ويدفع ويوسط ويخطب ووعود وترتيبات حتى بعد ذلك يقترن مبال فى مبال كل هذا الجهد من أجل هذه الشهوة ألا تصرف بعد ذلك همتك لشهوة لا نقص فيها بوجه من الوجوه فى الدار الآخرة أما عندك عقل يذكرك بهذا الأمر انتبه للإرهاق والتعب الذى يكون فى هذه الحياة وكما قلت هذه دار النقص وقلت مرارا لا يوجد فى هذه الحياة شهوة كاملة إلا بما يتعلق بتوحيد الله وذكره والأنس به وما طابت الدنيا إلا بحبة الله وذكره وما طابت الجنة إلا برؤيته ومشاهدته لكن هنا شهوة تامة كاملة لا يمكن لا فيما يوصل إليها ولا فى تناولها ولا فيما يعقبها نقص من جميع جهاتها لم لتعلم أن هذه الحياة دار هوان والآخرة هى دار الحيوان انتبه للتعب الذى يحصل فى هذه الحياة لا تخلو هذه الحياة من تعب عندما جعل الله أبانا آدم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه فى الجنة هناك أخبره أنه لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى وحذره من الركون إلى وساوس الشيطان فقال له إذا ركنت إليه وأخرجك منها ستشقى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} تشقى فى أى شىء فى تحصيل أمور الحياة فى الدنيا ليس المراد من الشقاء الذى هو ضد السعادة فيما يتعلق بالطاعة والمعصية لا فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى تشقى فى تحصيل رزقك أما فى الجنة لا تجوع ولا تعرى ولا تظمأ ولا تضحى لا يصيبك حر ولا ظمأ ولا....(135/21)
أما فى الدنيا لا تحصل يعنى الشبع إلا بتعب ولا تحصل الرزق إلا بتعب ولا تدفع عنك الحر إلا بتعب فانتبه لهذا إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى إذن فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى الخطاب إخوتى الكرام: لآدم وزوجه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه فلا يخرجنكما ثم الإخبار بصيغة الإفراد فتشقى لم لم يقل فتشقيا قيل لأن المخاطب بذلك آدم أصالة وزوجته تبع له وما يشمله يشملها هى ستشقى أيضا مع شقائه هو وكل واحد سيتعب فى هذه الحياة وإنما آثر الله الإخبار بصيغة الإفراد من أجل المحافظة على رؤوس الآى فتشقى أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فمن أجل المحافظة على رؤوس الآيات السابقة واللاحقة أتى بصيغة الإفراد وقيل لأن الشقاء والتعب فى حق الرجل أكثر منه فى حق المرأة لأنه هو المطالب بالنفقة وتحصيل أمور المعيشة فالشقاء فيه والتعب فيه والعناء يحصل له أكثر مما يحصل للمرأة إذن شقاء سيحصل للإنسان قبل تحصيل هذه الزوجة أما يحتاج الزواج إلى مهر لا بد منه يحتاج إلى كلفة وشدة وعناء وتعب وقهر هذا حال الحياة ولايمكن أن يحصل الإنسان فى هذه الحياة لذة إلا بعد مكابدة شدة كما قال الله جل وعلا فى سورة البلد لقد خلقنا الإنسان فى كبد مكابدة مشقة بعد مشقة ويتحمل شدة بعد شدة تحصيل مآربه وشهواته ولذائذه التى أحلها الله له لكن لا توجد شهوة بلا تعب بلا كدح بلا جهد بلا عناء ولو قدر أن الطعام جاءك لو قدر من طريق حلال لا بد من أن تتعب كما تقدم معنا فى مضغه ولو قدر أنه يعنى بذل لك المهر5548مع امرأة تميل نفسك إليها سيأتين بذلك تعب تعب تعب تعب بعد ذلك فى الاتصال بها وفيما يترتب عليك ما سيأتينا عشرة أمور من النقص فى هذه الشهوة وعلى ذلك تتعلق النفس بها فإذا كانت النفس عاقلة تتعلق بهذه الشهوة إذا لم يكن فيها نقص من باب أولى لقد خلقنا الإنسان فى كبد يكابد كما قلت شدة بعد شدة ونصبا بعد نصب(135/22)
ومشقة بعد مشقة وهذا مما قيل فى تفسير الآية.
وقيل وهو معنى ثان معتبر أيضا ومذكور فى كتب التفسير ومنقول عن أئمتنا لقد خلقنا الإنسان فى كبد قيل المراد من ذلك لقد خلقناه منتصبا يمشى على رجلين قامته معتدلة خلق على هذه الصورة فى بطن أمه رجلاه إلى أسفل ورأسه إلى أعلى بخلاف سائر الحيوانات وإذا قدر الله خروجه انقلب إذن الله وقت الخروج فخرج الرأس قبل الرجلين وهو فى هذه الحياة صورته أكمل الصور يمشى على رجلين ورأسه مرتفع بخلاف البهائم التى صورتها فى صورة ناقصة كبد أى منتصب القامة وقيل المراد خصوص آدم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه خلقه الله فى كبد السماء أى فى وسطها والذى يظهر القول للعموم ولا مانع أيضا من أن يقال إن الله خلق آدم فى وسط السماء منتصبا وخلق ذريته فى بطون أمهاتهم منتصبين وأخرجهم إلى هذه الحياة بصورة منتصبة يمشون على أرجلهم وقاماتهم مرتفعة ثم بعد ذلك يكابدون الشدائد والمشقات والأهوال فى جميع الأحوال والأطوار لقد خلقنا الإنسان فى كبد الإمام القرطبى عليه رحمة الله فى تفسيره عند هذه الآية فى الجزء العشرين صفحة اثنتين وستين نقل عن أئمتنا الكرام شيئا من مكابدات الإنسان فى هذه الحياة حقيقة يحسن بنا أن نذكره لنعلم الشدائد التى يكابدها الإنسان فى هذه الحياة يقول الإمام القرطبى عليه رحمة الله قال علماؤنا أول ما يكابد قطع سرته يتألم عندما يقطع السر ثم إذا قمط قماطا وشد رباطا يعنى شد عليه يكابد الضيق والتعب يوضع فى القماط وهو يعنى الذى يربط به الولد بعد ولادته من أجل ألا تتحرك أعضائه يبقع كل ما قمط ولم تترك يداه يعنى متروكتان كان هذا أضبط لصحته فى أول حياته يقمط بالقماط يشد الرباط ثم يكابد الارتضاع ولو فاته لضاع ثم يكابد نبت أسنانه يتغير مزاجه يبكى ويصيح ويصبح معه حرارة زائدة عند خروج الأسنان ثم يكابد نبت أسنانه وتحرك لسانه ثم يكابد الفطام الذى هو أشد من اللطام يعنى لو لطمته أسهل(135/23)
عليه من أن تفطمه ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان ثم يكابد المعلم صولته عندما يعلمه يصيح به ويضربه هذه شدة يكابدها الولد والمؤدب وكياسته والأستاذ5942ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه ثم يكابد شغل الأولاد والخدم والأجنان ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور ثم الكبر والهرم وضعف الركبة والقدم فى كلها مكابدات فى مصائب يكثر تعدادها ونوائب يطول إيرادها من صداع الرأس ووجع الأضراس ورمد العين وغم الدين ووجع السن وألم الأذن ويكابد محنا فى المال والنفس مثل الضرب والحبس ولا يمضى عليه يوم إلا يقاسى فيه شدة ولا يكابد إلا مشقة ثم الموت بعد ذلك كله ثم مساءلة الملك وضغطة القبر وظلمته ثم البعث والعرض على الله جل وعلا إلى أن يستقر به القرار إما فى الجنة وإما فى النار قال الله تعالى لقد خلقنا الإنسان فى كبد فلوكان الأمر1:0:51 لما اختار هذه الشدائد يعنى لو أنت حرقت نفسك ولك اختيار فى تدبير حالك لما اخترت هذه الشدئد ودل ذلك على أن له خالقا دبره وقضى عليه بهذه الأحوال فليمتثل أمره لقد خلقنا الإنسان فى كبد.
إخوتى الكرام: كما قلت هذه الشهوة لا تحصل إلا بإرهاق وتعب.(135/24)
النقص الثالث: فيها كما أنها لا تحصل إلا بتعب يصاحب تناولها تعب ويعقبها ضعف ونصب يعنى تعب قبلها وتعب عند تناولها وتعب بعدها لا بد للذكر وللأنثى يتعبان يعنى عملية الوقاع مع ما فيها من لذة للصنفين للجنسين فيها تعب لهما وقد أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففى المسند والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن الترمذى والحديث رواه الإمام الدارمى فى مسنده وابن أبى شيبة فى مصنفه وعبد الرزاق فى مصنفه أيضا والدار قطنى فى سننه والبيهقى فى السنن الكبرى وأبو داود الطيالسى فى مسنده ورواه ابن حبان فى صحيحه وأبو عوانة فى مسنده والحديث كما تقدم معنا فى الصحيحين وغيرهما إسناده صحيح صحيح فهو فى أعلى درجات الصحة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل جهدها تعبها والشعب الأربع ما بين الرجلين والساقين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فى عملية الوقاع وجب الغسل حصل إنزال أو لم يحصل إذا حصل الإيلاج حصل كما قلنا الكبد الشدة المشقة التعب المرأة تجهد وهو يجهد ويتعب وفى بعض روايات الحديث كما فى رواية السنن والمسند وسنن الدار قطنى ومسند أبى عوانة ومصنف ابن أبى شيبة ثم اجتهدا يعنى اجتهدا فى تلك العملية وبذل جهدا ومشقة وتعبا يعنى هذه تحصل يعنى بدون كلفة لا ثم لا يحتاج الانتصاب إلى شدة وجهد فى الإنسان ثم ما يخرج منه بعد ذلك خلاصة الدم هذا يضعفه تعب متتابع عليه ثم اجتهدا وفى رواية البيهقى فى السنن الكبرى والدار قطنى وصحيح أبى عوانة ثم أجهد نفسه إذن إذا جلس بين شعبها الأربع وجهدها واجتهدا وأجهد نفسه وجب الغسل هى جهدت وتعبت وهو اجتهد وأجهد نفسه وتعب إذن هذه ما حصلت إلا بعد جهد بعد تعب بعد عناء بعد شدة وإذا أكثر الإنسان منها فالويل له والشقاء له والمرض والأسقام له فى هذه الحياة عندما يكثر منها وقد قرر هذا أئمتنا الكرام ففى كتاب نزهة المتأمل(135/25)
ومرشد المتأهل لمن للإمام السيوطى نزهة المتأمل ومرشد المتأهل فى صفحة ثمان ثمانين يقول الإفراط فى الجماع يورث الفالج إذا أكثر منه يصاب بالشلل وهذا واقع يورث الفالج ويضعف قوة البصر وبين الشهوة وقوة البصر ارتباط وثيق وسبحان من جعل هذا الربط بينهما فكلما أكثر الإنسان من تناول هذه الشهوة إذا لم يكن قويا وما عنده استعداد كلما ضعف من بصره وقد يعمى سبحان ربى العظيم شهوة وترتب عليها عمى هذا لقد خلقنا الإنسان فى كبد.(135/26)
والآفة الثالثة يقول يورث الهرم ويسرع المشيب قبل وقته يهرم والشيب ينتشر فى شعره عندما يفرط فى الجماع هذا كما قلت فى كتاب نزهة المتأمل ومرشد المتأهل يعنى الذى يريد أن يتأهل ينتبخ لهذا الأمر هذه الشهوة تفعل عند الاحتياج أما تكثر منها تصاب بهذه الأشياء وأصعبها الفالج والعمى نسأل الله العافية أما الشيب أمره يسير يعنى من شاب وما أصيب بعمى وفالج وشلل أمره يسير لكن هذه كما قلت شدائد يصاب بها الإنسان قد نص أئمتنا الكرام أيضا على أن من أكثر من تناول هذه الشهوة يصاب برعشة فى أعضائه ترى أعضائه تتحرك اضطرارا لا اختيارا لا يملكها من كثرة إفراطه فى تناول هذه الشهوة وتضعف ذاكرته ويصاب بنسيان وببلادة ويصاب بوجع فى المفاصل فلو مشى أمتارا لتعب وبدأ قلبه يخفق ونفسه يعلو من صدره هذا أيضا من هذه الشهوة كبد وقد يعقبها الموت وكم من إنسان مات بسبب الإفراط فى الجماع كم من إنسان بحوادث وقعت فى التاريخ كثيرة ونعرف بعض الحوادث كنت مرة فى بعض البلاد وبعض الناس كان فى المستشفى وما جلس فترة طويلة فجاءت أهله وهو فى حجرة خاصة فما ملك نفسه فوقع فمات إثر الوقاع مباشرة أعرفه معرفة شخصية فى بعض البلاد الإسلامية وأئمتنا ذكروا هذا أيضا فى كتبهم إن هذا حصل فى الزمن القديم بكثرة مع كثير من الناس جماعه أدى به إلى موته سبحان ربى العظيم كما تقدم معنا صورة ممتهنة لا تحصل إلا بتعب ثم بعد ذلك تعب فى تناولها ونصب يترتب عليها طيب مثل هذا يتنافس الإنسان فيه لو لم يؤمر بها لأعرض العاقل عنها ولذلك هى1:7:55 فليست يعنى هى فضيلة فى هذه الحياة فانتبه لذلك تتناول بمقدار الحاجة.(135/27)
يذكر الإمام الذهبى عليه رحمة الله فى كتابه معجم الشيوخ فى الجزء الأول صفحة اثنتين وأربعين ومائة فى ترجمة شخه الإمام الهمام إبراهيم ابن عبد السلام القبيسى وتوفى سنة ثلاث عشر وسبعمائة للهجرة ينقل هذا إبراهيم ابن عبد السلام عن والده عبد السلام القبيسى أنه قال سمعت أبى يقول احفظ الدمين تثنية دم دم ودم احفظ الدمين هل فى الإنسان دمان؟ نعم كما عندك ذهبان أحمر وأبيض عندك دمان أحمر وأبيض احفظ الدمين الأبيض والأحمر فى صغرك ينفعانك فى كبرك يعنى إياك أن تضيع شيئا من هذا الدم الذى هو أحمر والدم الذى هو أبيض لا تفرط فى الجماع فى أول نشأتك وإذا كنت شابا وتزوجت فارت الشهوة قضيتها أما أنك تتكلفها كما يفعل كثيرا من الناس بحيث أحيانا يأخذ ما ينشطه من أجل يعنى أن يأتى هذه الشهوة والله ليس بعد هذه الحيوانية حيوانية وليس بعد هذه البهيمية بهيمية عندك نشاط فعلته لا تتعب نفسك وتخلصت من فضلة وحصلت خيرا أما أنك تتكلف هذا لتخرج خالص الدم من دمك وخالص الدم يتحول إلى منى أشرف أنواع الدم يتحول إلى منى.
احفظ منيك أيها الإنسان ... فإنه ماء الحياة يصب فى الأرحام(135/28)
احفظه هذا ماء الحياة به تحيا ما دام فيك فأنت فى صحة وسلامة وعافية نقص منك تتضرر احفظ الدمين الأبيض والأحمر فى صغرك ينفعانك فى كبرك وقد بلغ من حرص بعض الناس على صحته وإن كان مسلكه لا يقتدى به كما أنه لا يقتدى أيضا بشخصه فمسلكه باطل وهو على باطل وهو أبو مسلم الخرسانى الذى هلك سنة سبع وثلاثين ومائة للهجرة وهو مؤسس الدولة العباسية من السفاحين الذين زاد سفكهم للدماء وظلمهم للناس على ظلم الحجاج فالحجاج قتل عشرين ومائتا ألف وأما هذا أحصى من قتلهم فبلغ ستمائة ألف من قتله أبو مسلم الخرسانى قتل فى دمشق فقط خلال ثلاث ساعات خمسين ألفا أبو مسلم الخرسانى لكن بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين من الذى قتله الذى أفنى حياته فى خدمته وأسس له ملكه أبو جعفر المنصور استدعاه وقتله أمامه وأنشد أبو جعفر بيتين من الشعر بعد قتل أكبر قواده ومؤسس دولته فقال:
زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوفى بالكيل أبا مجرم
ج
واشرب بكأس كنت تسقى ... بها أمر بالحلق من العلقم
بدل أبا مسلم أبا مجرم
أبو مسلم الخرسانى يذكر أئمتنا فى ترجمته كما يذكر هذا الإمام الذهبى فى السير فى الجزء السادس صفحة ثمان وأربعين أنه كان لا يأتى النساء إلا مرة واحدة فى العام فقط محافظة على صحته وعناية بأمر جسمه ثم يقول لشرفه واشتغاله يعنى بأمور الرعية مرة واحدة فى السنة يجامع بها زوجته بعد هذا لا صلة له بالنساء كما قلت لا يقتدى لا بفعله ولا به لكن انظر يعنى فى الفكرة العامة أن الإكثار منه حقيقة ضار فلا بد من وضع الشىء فى موضعه نعم ينبغى للإنسان أن يتعهد نفسه وأن يعف أهله لكن ينبغى أن يكون ذلك باقتصاد بحيث لا يرهقه ولا يتعبه ولا يؤذيه أما يترتب على هذا أذى فهذا فى الحقيقة لا ينبغى أن يحصل.(135/29)
يقول الإمام الذهبى فى الجزء الخامس صفحة اثنتين وخمسين فى السير ناقلا عن عبد الله بريدة وهو من أئمة التابعين توفى سنة خمس عشرة ومائة للهجرة حديثه فى الكتب الستة عن عبد الله ابن بريدة يروى عن أبيه وأبو بريدة ابن الحصين وهو من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه كما قلت بريدة ابن الحصين وعبد الله ابن بريدة من التابعين روى عن أبيه وعن عمران ابن حصين عن أبى هريرة وعن أبى موسى وعن أمنا عائشة وأمنا أم سلمة رضى الله عنهم أجمعين يقول قال كما قلت بريدة ابن الحصين ينبغى للرجل أن يتعاهد نفسه أن يتعاهد من نفسه ثلاثة أشياء ولا يدعها يعنى أمور ثلاثة ينبغى الإنسان أن يتعاهد من نفسه المحافظة عليها لكن بكيفية معينة سيوضحها الإمام الذهبى فاستمع له.
أولها: يقول المشى فينبغى الإنسان أن يتعاهد من نفسه المشى ولا يترك المشى لأنه إذا احتاجه وجده إذا تعلم الركوب باستمرار إذا أراد أن أن يمشى يتعب فليتعاهد نفسه نحو هذا الأمر فليمش دائما وبعض الناس يعنى أصيبوا بالكسل فى هذه الأيام حتى لو أراد أن يخرج لصلاة الجماعة ينبغى أن يركب السيارة
الأمر الثانى: الأكل أيضا لا يمسك عن الأكل فترة طويلة فإن أمعاءه تضيق فليعود نفسه أيضا الأكل بمقدار.(135/30)
والثالث: الجماع فإن البئر إذا لم تنزع ذهب ماؤها فمن أعرض عن بعد ذلك يعنى يجف هذا الماء عنده ولو تزوج بعد ذلك لوجد كلفة ومشقة هذه الأمور الثلاثة ينبغى للإنسان أن يعتنى بها مشى وأكل وجماع قال الإمام الذهبى معلقا على هذا الكلام الحق قلت يفعل هذه الأشياء باقتصاد لا سيما الجماع إذا شاخ فتركه أولى لا سيما الجماع إذا شاخ والشيخوخة من سنة الستين فما بعد إذا ما دخل فى الستين تركه أولى ولو فعله يبقى كما قلت باقتصاد يفعل هذه الأشياء باقتصاد لا سيما الجماع إذا شاخ فتركه أولى لأنه يغض من حياته ويضعف جسمه إضعافا كثيرا يعنى لو جلد الشيخ ألف جلدة أقل ضررا على نفسه من أن يجامع أهله إذا لم يجد لذلك نشاطا فلا بد من وضعه فى موضعه لا سيما الجماع إذا شاخ إذن إخوتى الكرام: شهوة لكن فيها هذا النقص تعب عندما يتناولها وتعب يترتب عليها وكما قلت بعض الناس تناولها ثم صار هلاكه بسببها وبعض الناس تناول شيئا ليقوى هذه الشهوة فى نفسه فهذا المقوى قتله كما حصل للخليفة الواثق يذكر الإمام الذهبى فى السير فى الجزء العاشر صفحة ثلاثمائة واثنتى عشرة فى ترجمة الخليفة الواثق وقد توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين للهجرة وهو هارون ابن المعتصم ابن هارون ابن الرشيد على المسلمين أجمعين رحمة رب العالمين يقول كان ذا نهمة بالجماع وسبب موته أكل لحم سبع من ذئب من أسد السبع المعروف حيوان مفترس ليقوى جسمه فى تناول تلك الشهوة قال فولد له أمراضا صعبة كان فى ذلك حتفه أكل لحم السبع ليقوى نفسه على هذه الغريزة فقضت عليه هذه الشهوة ولما احتضر رحمة الله عليه وعلى المسلمين أجمعين ألصق خده بالتراب ثم بكى وقال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ملك الله لا يزول وملك من عداه زائل إذن كما قلت إخوتى الكرام: شهوة لكن محفوفة بهذه الأخطار.
ثلاث مهلكات للأنام ... ومدعاة الصحيح إلى السقام
دوام ندامة ودوام وطء ... وإدخال الطعام على الطعام(135/31)
فإذن لابد من وعى هذا والإمام ابن الجوزى عليه رحمة الله حقيقة له كلام محكم يعنى ينقش على القلب نحو هذا الأمر فى كتابه صيد الخاطر وهو كتاب ليس له موضوع معين كتبه فى مراحل متعددة فى حياته ما يعن له من فوائد يقيده فليس هو لا فى تفسير ولا فى الحديث ولا فى الفقه إنما كما هو أخبر عنه صيد الخاطر ما يعن على خاطره من فائدة وحكمة يقيدها يقول فى صفحة واحدة وثمانين ومائتين من صيد الخاطر نحو هذه الشهوة كلاما طيبا تحت عنوان لذات الدنيا مشوبة بنغص حقيقة لا يوجد لذة خالصة يقول وأبلغ البله الشيخ الذى يطلب صبيا ولعمرى إن كمال المتعة إنما يكون بالصبا لكن متى لم تكن الصبية بالغة لم يكمل بها الاستمتاع فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع والشيخ لا يقدر فإن حمل على نفسه لم يبلغ مرادها وهلك سريعا يعنى لو أراد أن يتحمل ما يكفيها حقها شيخ مع صبية ما بلغ مرادها وهلك أيضا ولا ينبغى أن يغتر بشهوته إلى الجماع شهوة الشيخ فإن شهوته كالفجر الكاذب والفجر لكاذب هذا الذى يخرج قبل الفجر الصادق نور يظهر فى الأفق فى وسط السماء يبدو مستطيلا ثم يعقبه ظلمة الفجر الكاذب كذنب السرحان كذنب الذئب هذا لا يدخل به الفجر ولا يمتنع على الإنسان أن يأكل إذا أراد أن يصوم وأما الفجر الصادق هذا النور المنتشر فى الأفق مستطير وأشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الفجرين فى الحديث الذى ثبت فى المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائى والحديث أيضا فى مصنف ابن أبى شيبة والسنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه أبو داود الطيالسى وابن خزيمة فى صحيحه والإمام الطحاوى والإمام الدار قطنى عليهم جميعا رحمة الله من حديث سمرة ابن جندب رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنكم من سحوركم وهو طعام السحور الذى يؤكل عند السحر لا يمنعنكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل باللام وهذا هو الفجر الكاذب ولكن الفجر المستطير فى الأفق مستطير(135/32)
ينتشر مستطيل كما قلنا كذنب السرحان والحديث ثابت من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها وابن عمر فى الصحيحين وسنن النسائى وموطأ الإمام المالك وثابت أيضا فى الصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن الترمذى من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه الشاهد هنا ولا ينبغى أن يغتر بشهوته إلى الجماع فإن شهوته الفجر الكاذب قال الإمام ابن الجوزى وقد رأينا شيخا اشترى جارية فبات معها فانقلب عنها ميتا ليلة واحدة اشترى جارية ليتسرى بها فمات قبل أن يطلع عليه الفجر إنما هى الحرارة الغريزية التى عنده ذهبت عن طريق إخراج المنى خلاص ما بقى فى الجسم ما يحفظه هلك وعطب ومات يقول وكان فى المارستان ما شاء الله هذه قصة تشبه القصة التى ذكرتها لكم وكان فى المارستان شاب قد بقى شهرين بالقيام فدخلت عليه زوجته فوطأها فانقلب عنها ميتا فبان أن النفس باقية بما عندها من الدم والمنى فإذا فرغا يعنى أخرجا من البدن الدم الأحمر والأبيض ولم تجد النفس ماء تعتمد عليه ذهبت يقول وإن قنع الشيخ بالاستمتاع من غير وطأ فهى لا تقنع فتصير كالعدو له فربما ضربها الهوا ففجرت أو احتالت على قتله خصوصا الجوارى اللواتى أغلبهن قد جئن من بلاد الشرك ففيهن قسوة القلب حقيقة مرة بعض الناس كنت فى بعض البلاد وأراد أن يتزوج وأراد أن يختبرنى أيضا مستشارا فى زواجه كان يسكن قريب من الحجرة التى أسكنها وقال أريد أن تنظر فى أمرى هل هذه تصلح لى فى يوم من الأيام أحضر وهو يزيد على الستين سنة أحضر فتاة معها يعنى من يحضرها له من أهلها والله عليم على كل حال فى حدود السابع عشرة ويعنى سبحان الخالق فى جسمها وكذا فقال ما رأيك قلت يا رجل أما تتقى الله فى نفسك أنت ما تحافظ على سمعتك وعلى يعنى مكانتك بين الناس قال لم قلت يا عبد الله هذه بين أمرين إما أن تموت عنها وإما أن تفجر ولا يمكن أن تبقى معك على حالتك يعنى طرفة عين اتق الله فى نفسك قال يعنى مادام هى راغبة قلت(135/33)
أتركها ولو راغبة ابحث عن واحدة تزيد على الأربعين وأنت تزيد على الستين يعنى فى ذلك يعنى قد يتحمل منك ومنها لكن امرأة دون العشرين وأنت فوق الستين اتق الله فى نفسك أنت إذا كان عندك يعنى كرامة خاصة من قبل الله يمدك بمعونة وقوة هذا أمر آخر.
يقول الإمام ابن الجوزى وقبيح بمن عبر الستين أن يتعرض بكثرة النساء فإن اتفق معها صاحبة دين قبل ذلك فليرع لها معاشرتها وليتمم نقصه عندها تارة بالإنفاق وتارة بحسن الخلق وليجد فى تعريفها أحوال الصالحات والزاهدات وليكثر من ذكر القيامة وذم الدنيا إلى آخر كلامه الذى يتعلق بهذه القضية وأشار إلى مثل هذا الكلام أيضا فى صفحة تعسن ومائتين والكتاب كله إخوتى الكرام: حقيقة نافع وفيه مواعظ بالغة تحت عنوان الكهل والزوجة الصغيرة والكهل هذا الذى دون الشيخ يعنى من طعن فى الأربعين فهو كهل قد دخلنا فى سن الكهولة ونسأل الله حسن الخاتمة يقول شكا لى بعض الأشياخ فقال قد علت سنى وضعفت قوتى ونفسى تطلب منى شراء الجوارى الصغار ومعلوم أنهن يردن النكاح وليس فى ولا تقنع منى النفس بربة البيت إذ قد كبرت عنده زوجة لكن يريد أن يشترى جارية فقلت له عندى جوابان أحدهما الجواب العامى جواب العامة وهو أن أقول ينبغى أن تشتغل بذكر الموت وما قد توجهت إليه وتحلم باشتراء جارية لا تقدر على إيفاء حقها فإما تبغضك فإن أجهدت يعنى نفسك استعجلت التلف وإن استبقيت قوتك غضبت هى على أنها لا تريد شيخا كيفما كان حتى لو أتعبت نفسك تنفر منك وقد أنشدنا على ابن عبيد الله قال أنشدنا محمد التميمى ثم روى أبياتا من الشعر هى موجودة أيضا فى كتاب غذاء الألباب للإمام السفارينى فى الجزء الثانى صفحة ثمان وثمانين وثلاثمائة ونقلها عن ابن الجوزى:
أفق يا فؤادى من غرامى واستمع ... مقالة محزون عليك شفيق
علقت فتاة قلبها متعلق بغيرك ... فاستوثق غير وثيق
واصبحت موثوقا وراحت طليقة ... فكم بين موثوق وبين طليق(135/34)
فاعلم أنها تعد عليك الأيام وتطلب منك فضل المال لتستعد لغيرك وربما قصدت حتفك وكم من الناس أن ذبحته زوجته وسيأتينا هذا إن من أزواجكم عدوا لكم فاحذروهم سبحان الله ما أخس هذه الشهوة إذا كان فيها هذه المنغصات والمكدرات وربما قصدت حتفك فاحذر والسلامة فى الاقتناع والاقتناع بما يدفع الزمان هذا الجواب العامى أوليس كذلك هذا جواب العامة.
يقول والجواب الثانى فإنى أقول لا يخلو أن تكون قادرا على الوطء فى وقت أو لا تكون فإن كنت لا تقدر فالأولى مصادرة الترك للكل وإن كان يمكن الحازم أن يدارى المرأة بالنفقة وطيب الخلق إلا أنه يخاطر وإن كنت تقدر فى أوقات على ذلك ورأيت من نفسك توقا شديدا فعليك بالمراهقات فإنهن ما عرفن النكاح وما طلبن الوطء وأمرهن بالإنفاق وحسن الخلق مع الاحتياط عليهن والمنع من مخالطة النسوة وإذا اتفق وطء فتصبر على الإنزال ريثما تقضى المرأة حاجتها واعتمد وعظها وتذكيرها بالآخرة واذكر لها حكايات العشاق من غير نكاح واذكر لها قبح صورة الفعل وألفت قلبها إلى ذكر الصالحين ثم يقول بعد ذلك ولا تخلى نفس من الطيب والتزين والكياسة والمداراة والإنفاق الواسع فهذا ربما حرك الناقة للمسير مع خطر السلامة.
إذن إخوتى الكرام: هذه آفة ثالثة كما قلت يصاحب تناولها تعب ويعقبها ضعف ونصب.(135/35)
الآفة الرابعة: هذه الشهوة لا تطيب إلا عند الحاجة وهذا علامة نقصها كلما اشتدت الحاجة إليها طابت وإذا لم يكن هناك حاجة فى النفس ما تذكرها الصغير يشعر بها الصغير لا يشعر بلذة الجنس وليس عنده خبر عنها لأنه لا يحتاج إليها الحالم الذى فارت شهوته قد يعرض عنها الإنسان بعد قضاء وطره وانتهاء حاجته انتهى الآن ما عاد يفكر بشىء إلا بعد تعود بعد ذلك إليه هذه الشهوة ويعنى يعود الماء عنده إذن هذه لا تطيب إلا عند الحاجة فإذا ذهبت الحاجة فتر الإنسان عنها وسلا عنها وهذا من علامات النقص فى الشهوة من علامات النقص فى الحاجة أنه إذا احتجت إليه طاب عندك وإذا استغنيت عنه فلا قيمة له عندك هذا بخلاف أمر الآخرة إن شهوات الآخرة كما سيأتينا ليست كذلك والطيب فيها موجود فى كل وقت وهى شهية فى جميع أحوالها وأنت عنك قوة وتشتهى هذا فى جميع أحوالك ولا تحصل بتعب ولا يعقبها نصب وتعب فإذن هذا أيضا من علامات النقص فيها.
الآفة الخامسة: أذكرها وأشرحها وما بعدها فى الموعظة الآتية إن شاء الله حقيقة هذه الشهوة وجميع شهوات الدنيا حقيقتها دفع ألم بألم وتخلص من تعب بتعب هذا حال الدنيا تدفع بلية ببلية كما قال بعض أئمتنا:
أصبحت فى دار البليات ... أدفع آفات بآفات
يعنى هنا تخلصت من الشهوة يعنى كما قلنا بلية وصارت عندك شوشت الذهن لكن ما توصلت إليها إلا بتعب وأعقبها تعب وبلاء وقد تكون يعنى ما يكون التخلص منها أصعب منها قد هذه جميع شهوات الدنيا كذلك لا يوجد شهوة كاملة لا فى الوصول إليها ولا فى تناولها ولا فيما يعقبها فهى دار نقص فلا تزن عند الله جناح بعوضة كما قلت إخوتى الكرام: عند هذه الحكمة يعنى أشرحها هذه وأشرح ما بعدها فى الموعظة الآتية إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.(135/36)
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(135/37)
علامات قوة النبي (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
وذهب النبى عليه الصلاة والسلام تحت شجرة وعلق سبفه بغصن من أغصانها ثم نام تحتها وما معه أحد فداه نفسى وأبى وأمى عليه صلوات الله وسلامه، ففطن بعض المشركين لحال الصحابة الكرام الطيبين وأنهم ناموا وابتعدوا عن النبى عليه الصلاة والسلام، فجاءه واسمه غورث بوزن جعفر كما وردت الإشارة إلى هذا فى صحيح البخارى، جعفر غورث، وقيل بضم الغين غُورث، وقيل: غُويرث، وقال القرطبى بالكاف كورث، وضبط الإسم لايهمنا، غورث جعفر هذا أرجح فيما يظهر والعلم عند الله، مشرك اسمه غورث، جاء والنبى عليه الصلاة والسلام نائم القائلة تحت ظل الشجرة وسيفه معلق بغصن من أغصانها، فأخذ السيف وسله، فانتبه النبى عليه الصلاة والسلام، قال: يا محمد عليه صلوات الله وسلامه، من يمنعك منى إنسان مضجع وفوقه إنسان قائم عدو السيف بيده مسلط، يعنى أخرج من قرابه وغمده، من يمنعك منى، أنا النبى لا كذب، وعدنى الله بالنصر، الله فقط، من يمنعك منى؟ الله، هذا كالتعليل الذى ذكرناه، أنا النبى لا كذب، وعدنى الله بنصره، ولن يخلف الله وعده، ليس عندما يأتى أهل الأرض معك وسيوفهم مصلتة لا يقع فى قلبى مقدار ذرة شعرة من فزع، من يمنعك منى؟ الله، قال: فشام السيف، شام من الأضداد كما يقول أئمتنا، يأتى بمعنى أدخل اتلسيف فى غمده وبمعنى سله من غمده، والمراد هنا، أدخله، لما أدخله؟ علم يقيناً أنه لا قدرة له على النبى عليه الصلاة والسلام، ولا قبل له به، هذا كلام الواثق المطمئن، والله جل وعلا ألقى فى قلب هذا المشرك الرعب، فالسيف بيده بعد أن أخرجه ومن يمنعك منى؟ الله، فشام السيف، أى أدخل السيف مرة أخرى إلى قرابه وغمده، فقام النبى عليه الصلاة والسلام وأخذ السيف منه، وقال: من يمنعك منى؟ قال: لا أحد وكن خير آحذ يارسول الله عليه الصلاة والسلام، يعنى لا تعاقب وعاملنى بالعفو والمسامحة، لكن ما يمنعنى(136/1)
منك أحد، فقال له النبى عليه الصلاة والسلام: اذهب فقد عفوت عنك، فقال هذا المشرك: أنت خير منى يارسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إنى أعاهدك ألا أقاتلك وألا أقاتل مع أحد يقاتلك، يعنى أنا لا أقاتل مباشرة ولا أساعد قوماً يقاتلونك، ولا أقاتل مع أحد مع قزم يقاتلونك، كل من بينك وبينهم عداوة لا أنصرهم، فتركه النبى عليه الصلاة والسلام وأخبر الصحابة الكرام بقصته، ذهب يعنى سالما أمناً من بين الصحابة الكرام إلى قومه آمن بعد ذلك.
كما ثبت هذا فى رواية ابن اسحاق، وفى رواية الواقدى آمن هو وقومه، وقال: جئتكم من عند خير الناس محمد عليه الصلاة والسلام، من يمنعك منى؟ الله، ثم يقول: من يمنعك منى؟ يقول: لا أحد بإمكانه أن يبطش بى هذا ليس كحالى، ألقى فى قلبه، ليس كحالى، ألقى فى قلبه الرعب كما ألقى فى قلبى، لا هو مع أصحابه والسيف بيده، لكن قال: عفوت عنك، والنبى عليه الصلاة والسلام، فعل به هذا ليتألفه وهو رؤوف رحيم عليه صلوات الله وسلامه، وكان العلاج فى محله، فآمن بعد ذلك وآمن قومه كما فى رواية ابن اسحاق والواقدى.
وورد فى رواية ابن اسحاق فى المغازى وأن هذا المشرك غورث عندما حمل السيف والنبى عليه الصلاة والسلام مضجع نائم، ففتح عينيه فرأى هذا المشهد قال: من يمنعك منى؟ قال النبى عليه الصلاة والسلام الله، فى رواية ابن اسحاق عن جابر، يقول: فضرب جبريل فى صدره، الله غلى كل شىء قدير، فضرب جبريل فى صدره فوقع السيف من يده فقام النبى عليه الصلاة والسلام وأخذ السيف وقال: من يمنعك منى؟ قال: لا أحد كن خير آخذ على نبينا صلوات الله وسلامه، هذه قوة نبينا عليه صلوات الله وسلامه، هذا الخلق فى منتهى الكمال والقوة والصحة والفتوة على نبينا صلوات الله وسلامه.(136/2)
وسيأتينا إخوتى الكرام فى حادث الإسراء عندما أسرى بنبينا عليه الصلاة والسلام وعرج به ومر على السماء السادسة وفيها نبى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، ولما مر عليه وجاوزه بكى، فقال كما فى حديث الإسراء: غلام بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى، نبينا غلام عليه الصلاة والسلام، فى حادث الإسراء زاد على الخمسين، الذى وقعت قبل الهجرة بسنة، يعنى صار له فى البعثة اثنتى عشرة سنة، عمره اثنتان وخمسوت سنة، وأنت تقول عنه غلام، قال غلام فى الجد والعزم والنشاط والحيوية والفتوة، لا فى العمر، هو شيخ لكن هذا الشيخ، همة الغلمان والفتيان والشجعان والشبان دون همته، وهذا تعبير نبى الله موسى، قال: غلام بعث بعدى، هو لما بعث كان كهلا عليه صلوات الله وسلامه، تم الأربعين، وبعد بعثته باثنتى عشرة سنة أسرى به، وأنت تقول غلام، كيف غلام؟ قال: هذا غلام فيه معنى الغلمان لا عمرهم، هذا عمر الشيخوخة، لكن هذا الشيخ فيه قوة الشبان والشجعان والغلمان والفرسان على نبينا الصلاة والسلام هذا حاله، وهذا الكمال فى خَلْقهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام: مما يتعلق بالقوة بحث أحب أن اذكر به، لأنه جرى حوله لغط فيما يتعلق بقوة نبينا عليه الصلاة والسلام وحقيقة هو مما يمدح به وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يذكره ولا يتمدح به إلا ذكور الرجال ولا يكرهه إلا مخانيثق الرجال، هذا الوصف الذى فى نبينا عليه الصلاة والسلام كثير من الأنذال لا سيما فى هذا الوقت أكثروا الغط حوله، نذكره ولنبين يعنى الكمال فيه، وكيف هو يوضح قوة نبينا عليه صلوات الله وسلامه.(136/3)
ثبت فى المسند والكتب الستة فى الصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن أبى داود فهو فى سنن الترمذى والنسائى وابن ماجة مع الصحيحين ومسند الإمام أحمد، عن أنس رضى الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نساءه فى الساعة الواحدة فى الليل أو النهار بغسل واحد، ليس فى الساعة الواحدة بعضكم يظن يعنى الساعة الواحدة، نهاراً ظهراً أوليلا، لا، يعنى فى جزء من الوقت يدور على نساءه عليه صلوات الله وسلامه وهن تسع فى ساعة واحدة جزء وقت قصير من ليل أو نهار، نساءه التسع على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه يعنى ما اكتملن عنده تسع إلا فى آخر حياته عليه صلوات الله وسلامه يعنى كان جاوز الخامسة والخمسين وقارب الستين حتى اتكمل عنده التسع، هو فى العام الثانى تزوج أمنا عائشة وقبلها سودة ففى العام الثانى ما عنده غير زوجتين على نبينا ولى آل بيته صلوات الله وسلامه، العام الثانى من الهجرة، وكان عمره فى العام الثانى من الهجرة خمس وخمسون سنة وما عنده إلا زوجتين ثم ها يعنى النساء التسع يعنى ليتنى ضبط التحديد لكن لعله يعنى ما اكتملن كصفية مثلا من نساءه، يعنى كانت هذه فى موقعة بنى قريظة أو ليس كذلك كانت فى العام السادس للهجرة، نعم، خيبر؟، خيبر على كل حال، خيبر او قريظة؟ ما يضر على كل حال فى العام السادس وخيبر فى العام السابع يعنى كان عمر النبى عليه الصلاة والسلام فى العام السادس للهجرة مع ثلاثة عشر سنة فى مكة وستة تسعة عشر سنة وأربعين، تسع وخمسون سنة، يعنى ما أكتملت هذه النسوة عنده إلا وقد قارب على الستين، ثم يقول أنس يطوف على نساءه التسع فى الساعة الواحد من ليل أو نهار بغسل واحد أيضا،، سبحان الله يعنى نحن أمرنا غذا أراد الإنسان أن يتصل بزوجته مرة ثانية أن يغتسل أو أن يتوضأ لأنه أنشط للعود لأن الجسم يفتر، فلعلك تجهد نفسك ولا تتمكن بعد ذلك من مواصلة هذا مرة ثانية، فلا بد من منشط عن طريق الإستحمام أو(136/4)
الوضوء، ثم تسع نسوة، من هذا العمر على نبينا وأيامه وحياته وكل ما يتعلق به صلوات الله وسلامه، هذا النبى فى هذا الحال تسع نسوة يطوف عليهن فى جزء قصير بغسل واحد، فقيل لأنس أو كان يطيق ذلك؟، يعنى فى هذا العمر وتسع نسوة ووقت قصير يطوف عليهن يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين، على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
والحديث رواه الإسماعيلى، أنه اعطى قوة أربعين وراه أيضاً روى عن طاووس مرسل أنه أعطى قوة أربعين ورواه أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة أنه أعطى قوة أربعين من أهل الجنة، قال الحافظ فى الفتح، فى الجزء الأول صفحة 378، وقد ثبت والحديث صحيح فى المسند وسنن النسائى وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومعجم الطبرانى الكبير وسنن الدارمى وإسناد الحديث صحيح صحيح عن زيد بن أرقم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [إن الرجل من أهل الجن ليعطى قوة مائة، فى الأكل والشرب والجماع والشهوة] .
وفى كتاب صفة الجنة المتقدم، أعطى نبينا عليه الصلاة والسلام قوة أربعين من رجال أهل الجنة، والواحد منهم قوته، الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة، والحديث صحيح فى الأكل والشرب والجماع والشهوة، قال الحافظ ابن حجر وعلى هذا قوة نبينا عليه الصلاة والسلام تعدل أربعة آلآف، أربعة آلآف رجل يعنى لو اجتمع أربعة آلآف أقوياء ليس يعنى مثلنا أيضاً من أقوياء العالم، الذين يتخصصون فى الملاكمات والمصارعات، لصرعهم خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، أعطاه الله قوة أربعة آلآف رجل والحديث كما قلت صحيح، ولذلك قال أنس كنا نتحدث وهذا فى الصحيحين كما قلت: أنه أعطى قوة ثلاثين وورد أربعين وفى كتاب صفة الجنة لأبى نعيم قوة أربعين من أهل الجنة، والرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة فى الأكل والشرب والجماع والشهوة، فعنده قوة أربعة آلآف عليه صلوات الله وسلامه، هذا نشاطه وهذا كماله عليه صلوات الله وسلامه.(136/5)
إخوتى الكرام: وهذا الأمر أعنى كثرة التزوج وكثرة الوطء مما يتمدح به الذكور فى هذه الحياة، وهو من علامة كمال الفحولة واكتمال الذكورة فى الإنسان، وقد كان العرب يتمدحون به، وقد كرهه المخنثون فى هذه الأيام واعتبروه منقصة عندما يتزوج الإنسان اثنتين أو ثلاثة أو أربع وعندما يطوف على نساءه الأربع فى ليلة واحدة يقول: أنت شهوانى؟ اما تستحى من الله، فى الفحولة هذا كمال، والضعف الجنسى فى الإنسان منقصة ولذلك من صفات النفص الكبيرة التى يساوى الإنسان عليها إذا احتسب العنة، والعنة على قسمين، إما عنة كاملة، وما معه شىء من الحركة كالخرقة البالية، وإما عنة ناقصة كأمر أكثر الناس فى هذه الأيام، هو هنا كذب وزور، هناك كلام فى الراوى هنا كلام فى الرواية، اختلف الأمر غاية الإختلاف، لذلك إخوتى الكرام حقيقة العكوف على كتب سلفنا هذا خير لنا من أن نأخذ من كتب يعنى أخذت من تلك الكتب وصار فيها شىء من التصرف الشهوة لكن يحجزها عنها حاجز طبيعى ـ ونشاط ولا عنده قوة وفتور وبرود يصاب به الإنسان، هذا كسل فى الإنسان، والنشاط يدل على حيوية الإنسان وكماله ورجولته وفحولته، ولذلك يتزوج الإنسان وامرأة وفيه عنة كاملة، غاية ما تصبر عليه سنة واحدة، وبعد ذلك لها حق طلب الطلاق وتطلق مع أخذ المهر من أوله لأخره، لأن العجز جاء منه، إذا كان أنت لست برجل لما تغررالنساء بنفسك، العن ضعف، وقد قضى بذلك عبد الله بن مسعود، هذا ثابت فى مصنف ابن أبى شيبة وسنن الدارقطنى بسند صحيح كالشمس، وروى عن على، وعن عمر، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين من الصحابة، قال الإمام ابن قدامة ولا يعرف لهم الصحابة مخالف فكان إجماعا، على ذلك المذاهب الأربعة.(136/6)
لو أن إنساناً تزوج امرأة وما استطاع أن يتصل بها يؤجل سنة لتمر عليه الفصول الأربعة، فإذا كان عنده حرارة مزاجه كثير، وهذه الحرارة وجبت عنده فتورة، يأتى فصل الشتاء عنده برودة يأتى الصيف، عنده كذا يأتيه فصل الخريف، فصل الربيع، فإذا مرت عليه الفصول الأربعة التى تقاوم طبيعته إذا بها شىء من الشذوذ وهو لا زال فى عنته وفتوره وضعفه، تطلق المرأة منه، وهذا فى المذاهب الأربعة بلا خلاف.
فالفحولة والرجولة كمال وهذا هو الموجود فى خير خلق على نبينا صلوات الله وسلامه وفى أنبياء الله ورسله، {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية} ، وهذا الأمر حقيقة مما يحبه ذكور الرجال ويكرهه مخنثوهم.(136/7)
وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [حبب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة] ، هذا فحل هذا قوى هذا ذكر، هذا شهم، وليس بذلك منقصة من شهامة الإنسانم وفحولته ورجولته أن يحب النساء لكن عن طريق ما أحل الله، [وفى بضع أحدكم صدقة] ويؤجر على ذلك ورب جماع خير من عبادة ألف سنة، كما يقول الإمام ابن الجوزى فى تلبيس إبليس، فى صفحة 297، وأنت إذا عددت وأردت إنجاب الذرية من تعددك فهذا هو الغاية فى التعدد، وإذا أرت به التلذذ فهو مباح يندرج تحته من أنواع الطاعات ما لا يحصى، من إعفاف امرأة وسترها والإنفاق عليها ومجاهدة النفس فى تربية الأهل والأولاد هذه كلها أجور ومغانم وخيرات تحصلها، صارت هذه المحمدة التى اختارها الله لأنبياءه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه وكان يفعلها الصالحون، صارت هذه المحمدة مذمومة فى هذه الأيام وعندما يريد الإنسان أن يتزوج ثانية، أول ما يقال له: أنت شهوانى، واحدة ما تكفيك، ما تستحى من الله هذا فحل هذا رجل، فإذا أنمت يعنى أخذت بالضعف الذى يناسبك يعنى كيف بعد ذلك تعترض على غيرك، يعنى بك ضعف ونقص وتريد بعد ذلك أن تعير غيرك، استر سؤتك واسكت، أما أنك بعد ذلك تعترض على الناس، وحقيقة هذا مذمة، لا إله إلا الله، وهذا نقص فى الإنسان فى هذه الأيام، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
والحديث إخوتى الكرام الذى ذكرته حبب إلى من دنياكم، من الدنيا الطيب والنساء،] حديث صحيح، رواه الإمام أحمد فى المسند، ولا يقولن قائل: لما لم تذكر من خرجه، رواه الإمام أحمد فى المسند والنسائى فى السنن ورواه البيهقى فى السنن الكبرى والحاكم فى المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبى، عن أنس رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [حبب إلىّ من الدنيا من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة] .(136/8)
أما مايرويه بعض النعاء، وهذا موجود فى الإحياء وموجود فى تفسير الزمخشرى وغيره، [حبب إلىّ من دنياكم ثلاث] هذا باطل، والصلاة ليست من الدنيا، وهذه زيادة مفسدة للمعنى، حبب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء] ، وأما أحب شىء إلى نبينا عليه الصلاة والسلام مناجاة الله وجعلت قرة عينى فى الصلاة] .
وانظروا للتنبيه على فساد الزيادة [حبب إلىّ من دنياكم ثلاث] ، فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثامن والعشرين صفحة 31، وفى زاد المعاد فى هدى خير العباد على نبينا صلوات الله وسلامه فى الجزء الأول صفحة 150، وانظروها فى كتاب الحاوى للفتاوى للإمام السيوطى فى الجزء الثانى صفحة 270، أكمل هذا بعد أذان العشاء إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
إخوتى الكرام: من باب وعى الكلام أقول من كره هذا الأمر حقيقة هو مخنث وفيه خنوثة، أما كونه لا يفعله هذا موضوع أخر، يعنى لو جاء كما سأنقل لكم كلام بعض الضآلين ممن يدعون أنهم علماء وينقضون شريعة الله الغراء، من جاء، وأنقل لكم كلامه بالحرف، يعترف على هذا فلا شك فى أنه مخنث سافل خسيس حقير، يعترض على شرع الله الجليل، وأما لو قدر أن إنساناً ما تزوج إلا واحدة أو لم يتيسر له، فهذا موضوع أخر، واضح هذا، اختار هذا غاية ما يقال: يعنى ما حصل فضيلة وانتهى الأمر، أما الذى يعترض فهذا بلاء لأنه يعترض على أمر حق، يدل على فحولة الإنسان وكماله ورجولته، ورغبت فيه شريعة الله المطهرة.(136/9)
وقد ذكر الإمام القاضى عياض الذى توفى سنة 544 للهجرة فى كتاب الشفا بالتعريف فى حقوق المصطفى على نبينا صلوات الله وسلامه فى صفحة 87، أن مما يتمدح به الإنسان كثرة أزواجه وكثرة وطئه، هذا مما يتمدح به، هذا دليل على صحته وقوته وفحولته ورجولته، وأقول: وهذا مما فطر الله عليه الناس، هذا فى الأصل فطرة عند الناس، وكان العرب يتمحون به وحث عليه الشرع المطهر، ولذلك ثبت فى صحيح البخارى فى كتاب النكاح باب كثرة النساء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خير هذه الأمة أكثرهم نساءا، فخير هذه الأمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثرها نساءا، ثم بعد ذلك الصحابة.
يقول الإمام الغزالى فى الإحياء: من كان عنده الصحابة ثلاث والأربع كثير، ومكن كان عنده اثنتان ليحصى والقليل من كان عنده واحدة، هذا حال الصحابة، ويستحيل أن يأخذ هؤلاء بالمفضول ويتركوا الفاضل، فلو كان التعدد مفضولاً ناقصا لما أخذوا به رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان على أزهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولما توفى عنده أربع حرائر، وسبعة عشر سرية، مات عن واحد وعشرين امرأة.... إحدى وعشرين امرأة رضي الله عنه وعنهن وعن الصحابة أجمعين، هذا حال على.
ولذلك قال سفيان بن عيينة: كثرة النساء ليست من الدنيا فعلى أزهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وعنده أربع حرائر وسبعة عشر سرية، يستشهد رضي الله عنه وعنهن، يستشهد عنهن رضي الله عنهم أجمعين.(136/10)
هذا لابد من وعيه وهذا كما قلت: من علامات الكمال للإنسان وقد ذكر أئمتنا فى ترجمة العبد الصالح سليم بن عتر، وكان من القضاة الكبار فى مصر وهو من التابعين، أدرك عمر بن الخطاب وروى عنه، وأدرك علياً وروى عنه وعهن عدد من الصحابة الكرام، وانظروا ترجمته فى الجزء الرابع صفحة 132، من سير أعلام النبلاء، وغير ذلك من الكتب التى ترجمته، سليم بن عتر، تابعى وهذا مفخرة لأهل مصر، الإمام الفقيه قاضى مصر وواعظها وقاصها وعابدها، أبو سلمة، ثم يقول بعد ذلك: وروى أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتى امرأته ويغتسل ثلاث مرات، أنها قالت بعد موته: رحمك الله لقد كنت ترضى ربك وترضى أهلك، علق المعلق، وانا أعجب لهذه التعليقات التى تتردد فى كل مكان، قال: لا يعقل ذلك وربما لايصح عنه، لما لا يعقل؟ لأنه مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول، لا يعقل أنت عندك عقل عندما تقول أو لا، عندك عقل يعقلك عن مخالفة العقل أم لا لا يعقل ما معنى لا يعقل؟ يعنى مستحيل لا يتصور وجوده، أوليس كذلك، ألا يتصور أن يختم هذا فى اللية مائة ختمة عن طريق خارق العادة، أما يتصور أن يسير من هنا إلى مكة ويعود فى جزء من الليل، يعقل أم لا يعقل؟ يعقل، أما أنه بعيد فى العادة هذا أمر أحر، وليس إذا استبعد الحس والعقل الشىء معناه لايعقل، لا يعقل يعنى مستحيل، لا يمكن أن يقع وهذا باطل، مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: [لم يفقه من قرأ القرآن فى أقل من ثلاث] ، الحديث صحيح رواه أبو داود والترمذى بسند صحيح.(136/11)
لكن إخوتى الكرام إذا ثبت هذا عن طريق إكرام الله له وخرق العادة، وهو الذى يسميه أئمتنا نشو الزمان، وتوسعة الوقت للإنسان، فتقضى فى وقت قصير ما يقضيه غيرك فى أوقات ليس فى وقت، فى أوقات طويلة، والله على كل شىء قدير {سبحان الذى أسرى بعبده ليلا} ، ليلا اتى به منكرا للإشارة إلى انه فى جزء من إسراء ومعراج ليلا، ما قال: أسرى به فى الليل، حتى يقال: استغرقت عملية الإسراء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ليلا، فى جزء منه، طيب ماذا جرى يا يعنى؟ أمر نعم غريب مستغرب لكن ليس بمستحيل لا يقع، هذا هو إذا ورد به خبر صادق صدقنا به، فهنا ينقل فى كتب أئمتنا فى ترجمة هذا العبد، يختم ثلاث ختمات ويتصل بأهله ثلاث مرات ويغتسل ثلاث مرات، لما تقول لا يعقل، هذا لا يعقل هذا كلام بعيد، وهذا هو الحاصل فى هذا الإنسان.
ورد فى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمى فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة 295، أن أكّاراً عند أنس، أى كان مزارعاً، يسقى له بستانه، خاصمته زوجته إلى أنس كما يقول محمد بن سيرين، سبب الخصومة، قالت: لا يدعنى فى ليل ولا فى نهار، كل ما يرانى يريد أن يتصل بى وأنا ضعيفة لا أتحمل، فأصلح بينهما أنس على س مرات فى كل يوم وليلة، لا يزيد، فهذا ثابت بإسناد صحيح، فإذا أنت يعنى عندك ضعف لما بعد ذلك تقول لا يعقل؟، ثابت فى كتب أئمتنا بسند رجاله ثقات، إذا خلقك الله ضعيفا وفيك ضعف، إذا حدك.
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لقد أعطيت من الجماع شيئا ما أعلم أحد أعطيه إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى رواية قال: إنى لأظن أنه قسم لى منه ما لم يقسم لأحد إلا للنبى عليه الصلاة والسلام.(136/12)
قال الإمام ابن القيم فى الجواب الكافى صفحة 249، هذا لا يذم إذا صادف حلالا بل يحمد، وقال: من كمال الرجال أن يحب النساء حباً شرعياً شرعه الله جل وعلا، هذا من كمال الرجل، أى منقصة فى ذلك، وهذا الذى حبب لخير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه.
وورد فى ترجمة ابن عمر أنه أحيانا كان يفطر على الجماع، وأى حرج فى ذلك، وانه يقع على ثلاث من جواريه قبل أن يدخل جوفه شىء من الطعام إذا كان صائما، عنده هذه القوة، هذه الفحولة هذا الكمال، هذه الرجولة، تأتى بعد ذلك انت تعلق على هذه الأخبار تقول: لاتعقل.
هذا الحديث الذى ذكرناه إخوتى الكرام وهو فى الصحيحن يوجد كتاب لشيطان من شياطين الإنس فى هذه الأيام سماه الفرقان، وهو اسمه محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن الخطيب، صاحب كتاب الفرقان، كله هذيان، ووسوسة من الشيطان، أقرأ لكم بعض ضلاله، وكفره عليه سخط ربه فى هذا الكتاب الذى حول القرآن، وهو وشيطانم أخر اسمه أبو رية، فى هذا الوقت، تبنيا هدم الإسلام باسم الإسلام، هذا فى القرآن وذاك فى السنة، فاستمع لهذا الشيطان ماذا يقول حول هذا البحث الذى ذكرناه والحديث فى الصحيحن، أنظر ماذا يعلق عليه صفحة 161، يقول هنا: وهناك الكثير من أمثال هذا الحديث مما يناقض العقل والمرؤة والآداب، وقد وردت جميعها فى أمهات الكتب الصحيحة المعتمدة، يعنى موجودة فى الصحيحن، لكن تناقض العقل والمرؤة والآداب، وسأورد طرفاً منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، نسأل الله ان يجعل جهنم لك حصيرا، سيورد أمثلة مما فى الصحيحن لا يقبلها العقل ولا المرؤة ولا الآداب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.(136/13)
فمن ذلك ما روى عن إحدى امهات المؤمنين رضي الله عنهن قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يطوف على نساءه فى الليلة الواحدة وغسل واحد، وقد جاء هذا الحديث بروايات أخرى وعن طرق شتى بهذا المعنى، والحديث كما ترى يرفضه الذوق السليم وتمجه النفوس السامية، طيب إذا كنت مخنث فماذا نريد منك؟ أنا أريد أن أعلم لما يرفضه الذوق السليم؟ لما تمجه النفوس السامية؟ إذا إنسان فى هذه الفحولة وهذه القوة وهذا النشاط، وهو فى سن الشيخوخة عليه صلوات الله وسلامه، يبرهن فيه عن قوته وعن إكرام الله له، تقول: يرفضه الذوق السليم وتمجه النفوس السامية، لما؟ قال: فإذا ما حاولنا أن نبحث طريق وصوله لروايته أو لراويته أو لراويه عجبنا كل العجب، وحق لنا أن نعجب إذا ليس له سوى طريقين.
طريق أول: أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول ذلك لإحدى زوجاته، يقول: هذا ما نستبعد وقوعه من عصاة الأمة وطغاتها، فما بالنا بأكرم مخلوق تحلى بأعظم الأخلاق، وحاش أن يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام ما يتوجب اللوم، أو ما يوجب الزراية، ولا أحق من أن يذكر مثل هذا أمام إحدى يعنى الزوجات والضرائر، لما غذا قال الإنسان هذا وأنه أعطى قوة وفحولة، دون أن يصف كيفية ما يقع، أى حرج فى ذلك؟ فقال: إنسان عندى نشاط وبإماكنى أن أتصل بأربع نسوة فى ساعة من ليلة، ماذا حرج، ماذا حصل فى هذا؟(136/14)
يقول والطريق الثانى: يقول، أن يكون دخل عند راوية الحديث وأفضى إليها يعنمى عند إحدى أمهاتنا أزواج نبينا عليه وعليهن صلوات الله وسلامه، كما يفضى الرجل إلى امرأته ثم تركها فتبعته، فدخل عند إحدى زوجاته الأخريات فنظرت من شق الباب ورأت ما رأت، يقول: إذا هذا إما أن يخبر وهذا لا يليق بمرؤةالنبى عليه الصلاة والسلام، أو أنه كان يأتى الراوى أو الراوية ينظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام ماذا يفعل فى بيته، يقول: وهذا لا يمكن، ومن اعجب العجب ألا يتعرض شراح الحديث لمثل هذا الحديث بتجريح أو تصحيح، بل كل ما يقولون ويصرفونه الجهد فيه هم، هل كان نساءه عليه الصلاة والسلام الآتى مر عليهن فى ليلة واحدة تسعا أم سبعاً فى هذا العهد، كذاب ما أحد قال سبعة على الإطلاق، وإنى أترك المؤمن الذى لا يتقيد يالتقليد الأعمى ولا يتبع الأسماء الرنانة التى دس الداسون وأبطل المبطلون تحت ستارها، وهى من كل هذا براء، إنى أتركه ليفكر فى نفسه هل مثل هذا صحيح؟ نعم تحتكم إلينا نقول صحيح، وعقلك قبيح، وهل نشر مثله على سواد الأمة جائز وهو فى الصحيحن، ثم بعد ذلك يقول: يا للداهية الداهية الدهياء والخطة العمياء الرسول الكريم الذى يقول: إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق، والذى ورد من صفاته وشمائله أنه كان يستحى كاستحياء البكر فى خدرها، والذى يقول الله فيه {وإنك لعلى خلق عظيم} ، هذا الرسول وتلك صفاته وأخلاقه وهذه شهادة الله له يزعمون أنه جلس بين صحابته وقال: إنى أوتيت قوة أربعين منكم فى الجماع، لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وأستغفر الله، إلى أخره، يقول بعد ذلك: على أن هذه الأحاديث سواء صح سندها أو لم يصح فهى على ضعفها وظهور بطلانها، قلة لا يعتد بها ما دام إلى جانبها إجماع الأمة وتظاهر الأحاديث الصحيحة التى تدمغها، وتظهر أغراض الدين والمشرع باجلى مظاهرها إلى أخر كلامه.(136/15)
هذا ألان كتاب يعتبر هذه الأمور نقص، وهذا الكتاب إخوتى الكرام، حقيقة أنا أعجب كيف ينشر ويباع فى بلاد ألإسلام ولما كنت فى بعض الأماكن، أخبرت بعض الكتب التى تبيعه لأن هذا حرام ونشره إفساد للاجيال من قبل هذا الضآل.
استمع هنا إلى القرأة التى مرت معنا فى المبحث الثانى نبى ونبىء وقلنا قرأ بها نافع، يقول هنا: لكن القرآء أثابهم الله يأبون إلا قراة نبىء بالهمز، قراة صحيحة متواترة يأثم جاحدها ويكفر منكرها، وانا أشهد الله وملائكته ورسله أنى بها أول الجاحدين، ولكلام القرآء أول المكذبين، ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أنزل عليه القرآن أول المصدقين، أنت كذبت الحديث قبل قليل ورددته أوليس كذلك، والقرأة المتواترة الآن تقول: أنت تشهد الله والملائكة والرسل أول الجاحدين بها والقرآء أول المكذبين.
إخوتى الكرام: الطعن فى القرآء طعن فى القرأة، يعنى الآن القرأة التى نقرأها قرأة من حفص عن عاصم، أوليس كذلك؟ وهناك نافع فعندما تتطعن فى قرأة حفص، كنافع طعنت فى القرآن يعنى ما هو القرآن، كيقية القرأة للقرآن هى قرأة القرآء.
يقول هنا أيضاً للقرآء، يقول: يزعم القرآء أن القرآء يقولون: القرآن الذى نزل ليفهمه سائر الناس لا يجوز تلاوته إلا إذا تلقيناه عن بعض الناس، يعنى لا يجوز تلاوة القرآن إلا بالتلقى، لأنك {حم عسق} ستقرأها حمعسق، فلا بد من التلقى كيف ستضبط كيفية القرأة،.(136/16)
يقول هنا: يا معشر القرآء إن الرسول والإسلام منكم برآء حتى تتوبوا عن هذا الهرآء، فآخر ما ختم به كتابه هو أخر شىء صفحة 235، يقول هنا: إن سائر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مهما بولغ فى توثيق روايتها وثبوت صحتها لايجوز نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم إلا إذا كانت متفقة مع العقل السليم....... أنا أعجب كلمة العقل، أى عقل سنكتحكم إليه، عقل أم عقلك أم عق بجين أم عقل كارتر أم عقل الشيطان؟ أى عقل سنحتكم إليه؟ يعنى إذا كان مرد الأمور إلى العقل فلا داعى إذاً للنقل، يعنى إذا كنا سنعرض النقل على العقل، خلاص لا داعى إذا لوحى الله ورسله، وكل واحد يقول عقلى عقلى، يقول: مهما بولغ فى توثيق روايتها، لعله يقصد رواتها وثبوت صحتها لا يجوز نسبتها إليه عليه الصلاة والسلام إلا إذا كان متفقة مع العقل السليم والكتاب الكريم، أنت الآن تقول ستصدق النبى عليه الصلاة والسلام، والآن سترد أحديثه، أما إذا اختلفت عن ذلك فى شىء فهى مما دسه الأعداء والرسول منه عليه الصلاة والسلام برآء ولايحق لمسلم أن يدعى صحة ما يرفضه العقل والذوق والمنطق والدين، نعم ما يرفضه العقل لا نقبله، لكن أى عقل؟ العقل الصريح ليس العقل القبيح، العقل الصريح لا يتناقد نقل صحيح مع عقل صريح، أما إذا جاء العقل واستحل الزنا وقال حرية شخصية، كما هو أكثر البشرية والقرآن حرم الزنا حصلت معارضة فماذا نعمل؟ نرد النقل من أجل العقل، سبحان ربى العظيم، تحت كتاب الفرقان فى جمع القرآن وتدوينه هجاءه ورسمه تلاوته وقرآءته وجوب ترجمته وإذاعته، الناشر دار الباز للنشر والتوزيع مكة المكرمة، والله أسأل الله أن يكرمها من هذا الدنس الذى تنشرونه فيها وفى غيرها.(136/17)
ولما كنت كما قلت لكم فى بعض البلاد فى أبها قلت: يا أخوتى اتصلت بصاحب مكتبة قلت: ما تتقى الله أنت تنشر هذا، قال: يا شيخ ما أعلم ما فيه، قلت: والله إذا زنيت أيسر للك، إذا زنيت أيسرمن أن تنشر هذا الكتاب بين النشىء فى طالب فى المتوسط أو فى الثانوى لا يعرف يأخذه على أنه كتاب لعالم من العلماء وكله ضلال من أوله إلى أخره، وهذا كما يقال: قطرة من مستنقع آثم فى هذا الكتاب، وما اكثر هذه الكتب.
الكتاب الثانى كما قلت لكم لأبى رية، الذى سماه أضوآء على السنة النبوية، ورد عليه الشيخ المعلم عليه رحمة الله، الأنوار الكاشفة لما فى كتاب أضواء على السنة، من الذلل والتضليل والمجازفة، وهذا يحتاج إلى رد لكن بالسيف لا بالقلم،(136/18)
إخوتى الكرام: كان فى نيتى كما قلت فى أول الدرس أن أتكلم على ثلاثة أمور وقعت لنبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فى خَلْقه، شق الصدر وكم مرة حصل، وما فى ذلك من عبر وعظات، وخاتم النبوة الذى بين كتفيه، وهذا فيما يتعلق بخلقه، وولادته عليه الصلاة والسلام مسرورا مقطوع السرة مختوناً، عليه صلوات الله وسلامه هذه كما قلت: كمال خَلْقى أكرم الله به النبى على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أترك الكلام على هذه الأمور الثلاثة للموعظة الآتية، وقدر الله وما شاء فعل، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم اكرمنا ولا تهنا، اللهم آثرنا وتؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماَ كثيرا، اللهم اغفر لآباءنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارى، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، اللهم لا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبيناء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(136/19)
علامات قوة النبي (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
علامات قوة النبي (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام:
كنا نتدارس العلامات التى يعرف بها صدق أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وقلت: هذه العلامات كثيرة وفيرة يمكن أن نجملها فى أربع علامات،
الأولى منها: النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه، فيما يتعلق بخَلْقِه وخُلُقه.
والأمر الثانى: النظر إلى دعوته.
والثالث: النظر إلى المعجزات وخوارق العادات التى أيده بها رب الأرض والسماوات.
والرابع: النظر إلى حال أصحابه.،(137/1)
هذه الأمور الأربعة إخوتى الكرام، قلت من تأملها يستطيع أن يفرق بين النبى والمتنبىء، بين النبى والدعى، بين النبى الصادق والمتنبىء الكذاب، وكنا إخوتى الكرام نتدارس العلامة الأولى، النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه، فمن تأمل أنبياء الله ورسله عليهم جمعيا صلوات الله وسلامه خَلْقاً وخُلُقا واستبان من هذا التبين أنهم رسل الله حقا، كنا نتكلم إخوتى الكرام عن حال الأنبياء من حيث الخلق وهو الشق الأول من العلامة الأولى وغالب ظنى أننا تدارسنا هذا فى موعظتين ويعلم الله ما كان فى ظنى أن يطول الأمر إلى هذا المقدار ولعل هذه الموعظة أيضا ستكون فى بيان أيضاً ما يتعلق بخلق النبى عليه الصلاة والسلام، وأما الخلق وهو الشق الثانى من العلامة الأولى فنتدارسه فى المواعظ الآتية إن أحيانا الله.
إخوتى الكرام:
قلت إن الله جعل أنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه فى درجة الكمال فيما يتعلق بخَلْقهم وخُلُقهم، أما الخَلْق ففيه الكمال جلال وجمال، كما تقدم معنا، ملاحة وبهاء فجمع هذا النبى نبينا وأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه الطكمال فى الخلق ففيه ملاحة وبهجة وإشراق وفيه جلال وهيبة ورهبة كما تقدم معنا شىء من تقرير هذا.
إخوتى الكرام:
هذا الخلق الذى جعلهم الله عليه بهذه الصورة مع الخٌلٌق الذى هو أيضا فى درجة الكمال قلت: يستحيل أن يكون كمن اتصف بهذا الوصف فىكمال فى خَلءقه وخُلُقه ثم بعد ذلك يكذب على ربه جل ولاع ولا يعاجله الله بالعقوبة وهو يقول إنه رسول عليه الصلاة والسلام، والله يزيده كمالا فى خَلْقه وخُلُقه، هذا لا يمكن أن يقع على الإطلاق تقدم معنا شىء كما قلت مما يتعلق بخَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام وأريد أن أكمل هذا الموضوع فى هذه الموعظة إن شاء الله. و
إخوتى الكرام:(137/2)
أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه حازوا درجة الكمال فى الخَلْق ومن هذا الكمال الذى كانوا عليه فى خلقهم القوة والشجاعة على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فأقوى الناس على الإطلاق أنبياء الله ورسله، وأقوى أنبياء الله ورسله نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا عن هذه القضية فيما يتعلق بالأنبياء وأثنى عليهم بالقوة فالله جل وعلا يقول فى حق العبد الصالح داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى إنه أوآب} ، والأيد: مصدر آد يأيد أيداً إذا قوى واشتد، {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى} أى ذا القوة، صاحب القوة البدنية والقوة القلبية العلية، {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى} ، والأيد: كما قلت: مصدر آد يأيد أيداً كما لفظ الأيد يأتى بمعنى جمع اليد أيدى، والمراد هنا المصدر ومنه قول الله جل وعلا {والسماء بنيناها بأيد} ، أى بقوة وإحكام وإتقان، {ما رتى فى خلق الحمن من تفاوت} ، وليس المراد بنيناها بأيدينا كما قال الله {ما منع أن تسجد لما خلقت بيدى} ، لا ليس هنا إثبات صفة اليد لأن الأيد هنا مصدر آد يأيد أيدا، أى قوى، {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى} .(137/3)
وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قوة هذا العبد الصالح فى خَلْقه وخُلُقه على وجه التمام والكمال، ففى المسند والصحيحين وغير ذلك والحديث فى أعلى درجات الصحة من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال سمعغت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: [أحب الصلاة إلى صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان لا يفر إذا لآقى] إذا التقى بأعداء الله لا يفر، فهذا نبى والله ضمن له النصر وهو صاحب القوة على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، كيف يتوقع أن يقرويهرب؟ هذا لايممكن أن يتصف به نبى صيامه أكمل صيام يصوم يوماً ويفطر يوما وهذا أشق من صيام الدهر، لأن من صام الدهر صار له عادة وديدنة لا يشعر بمشقة أما الذى يصوم ثم يفطر ثم يصوم، هذه عبادة يميزها عن العادة، وحقيقة هذا هو العزم وهو الكمال وهكذا فى القيام ينام نصف الليل ثم يقوم الثلث، ثم ينام السدس،.(137/4)
وهذا أعظم مما لو قام الجزء الأخير أوالجزء الأول أو الليل بكامله هذا أشق وأعظم عند الله جل وعلا، فلو قدرنا أن الليل عشر ساعات من الساعة السابعة ننتهى من صلاة العشاء مثلا إلى الفحر الساعة الخامسة، لو قدرنا أن الليل عشر ساعات ينام خمس ساعات هذا النصف، ثم يستيقظ ثلاث ساعات وكسر، قدرها ثلاث ساعات ونصف فى التهجد، ثم ينام ساعة ونصف، فيكون قد قام من الثلث الأخير نصفه، لأن الثلث الأخير ثلثا الليل أوليس كذلك، نام النصف وهو الذى سدس الليل كله نام نصف الثلث الذى هو سدس وقام بعد ذلك نصفه مع نصف الليل أيضا لأنه قد يقول قائل: يعنى لما ما قام ثلث الليل الأخير كله؟ نقول: قام قبله فحصل من ثلث الليل الأخير الذى له فيه فضيلة حصل نصف ثلث الليل الأخير واضح هذا، بعنى هو عندما نام عندما قام ثلث الليل، ثلث الليل كما قلت: فيه جزء من ثلث الليل الأخير وهو نصف الليل الأخير دخل معه، لأن ثلث الليل الأخير سدسان، فلما نام السدس بقى كما قلت: سدس، وهوسدس الليل الكامل قامه فى قيامه، انظر لهذا القيام ينام النصف يقوم الثلث ينام السدس وفى نيامه السدس هذا إعانة لبدنه على صلاة الفجر بجد ونشاط وذهاب للصفرة من وجهه لأن من واصل القيام اصفر وجهه، فلا يريد ان يحصل فيه هذه العلامة ويريد أن يستقبل الطاعة بجد ونشاط ثم انظر لهذا كما قلت: نوم قيام نوم قيام، هذا أصعب مما لو كان قياما متصلا فى الثلث الأخير، فهذه عبادته وقوته وكان لا يفر إذا لاقى، وهذا حال نبينا عليه صلوات الله وسلامه فلنمتع أنفسنا بقوة نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذه الموعظة، ثم بعد ذلك أتكلم على ثلاثة أمور أكرم الله بها بدن نمبينا عليه الصلاة والسلام شق صدره وخاتم النبوة الذى بين كتفيه وولادته مختوناً مسرورأ عليه صلوات الله وسلامه، وهذه كلها من باب الكمال فى الخَلْق الذى تميز به عن سائر الخلق عليه صلوات الله وسلامه.(137/5)
أما قوته: فقد ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن النسائى والحديث إسناده صحيح عن على رضي الله عنه وهو الشجاع الصنديد، يقول على رضي الله عنه فى موقعة بدر لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهوأقربنا إلى العدو وكان أشد الناس بأساً، أى قوة، على والصحابة الكرام يلوذون أى يحتمون بالنبى عليه الصلاة والسلام، سبحان الله، يعنى متى جرت عادةالجنود أن يحتموا بقائدهم، الأصل: الأمير هو الذى يحتمى بالجنود، هنا العكس، أشجعنا يلوذ يحتمى يختبىء ورآء النبى عليه الصلاة والسلام من شدة بأس الحرب وكان عليه الصلاة والسلام أشد الناس بأساً.
الحديث فى المسند وفى سنن النسائى كما قلت، لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهوأقربنا إلى العدو وكان أشد الناس بأسا.
وفى رواية يقول على رضي الله عنه كما فى المسند: لما حضر البأس يوم بدر، البأس: القتال والشدة والمشقة،.لما حضر البأس يوم بدر إتقينا رسول صلى الله عليه وسلم، أى احتمينا به وجعلناه وقاية لنا بيننا وبين العداء عليه صلوات الله وسلامه، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشسد الناس بأسا، ما كان أو لم يكن احد أقرب إلى المشركين منه، ما كان أو لم يكن أحد أقرب إلى المشركين منه، هذا النبى عليه صلوات الله وسلامه هو فى المقدمة وهو أشد الناس بأسا، وشجعان الصحابة الكرام يلوذون به ويتقون به عليه صلوات الله وسلامه، هذه قوة الأنبياء هذا كمال الخَلْق، هذه القوة العظيمة التى أعطاها الله لأنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ليكونوا فى درجة الكمال، خَلْقاً وخُلُقا، أما نبى رعديد جبان لو خوف ينقطع قلبه حقيقة هذا لايصلح أبداَ، هذا فى الناس منقصة فكيف يتصف به نبى الله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.(137/6)
لذلك فى قصة حادث الهجرة الشهير، أشجع الخلق بعد الأنبياء أبو بكر على نبينا وعلى أنبياء ورسله والصديقين جميعا صلوات الله وسلامه، مع ذلك يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرأنا، انظر لكلام النبى عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظتك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا، فانظر لحال أبى بكر وحال نبينا عليه الصلاة والسلام وحال أبى بكر على حسب حاله، وكان خوفه رضي الله عنه على النبى عليه الصلاة والسلام، يتخوف عليه ويقول: أنا إن مت ومت ففرد، وأما أنت فالعالم كله بحاجة إليك عليك صلوات الله وسلامه، لكن اعتراه ما اعتراه من الخوف البشرى والضعف الجبلى فى الإنسان، لكن نبينا عليه الصلاة والسلام هون عليه، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} ، حقيقة هذا هو حال أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه إذا أجدع الصحابة يلوذ ويتقى ويحتمى ويتترس بالنبى عليه الصلاة والسلام وهذا الوصف من على رضي الله عنه تتابع الصحابة رضوان الله عليم على ذكره فى نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى أن هذا الوصف كان وصفا للنبى عليه الصلاة والسلام فى جميع المعارك، فهوالذى لايمكن أن يفر ولا أن يقع فى قلبه شىء من الهول الرعب والفزع عليه صلوات الله وسلامه.
فى موقعة حنين، والحديث فى الصحيحين قال رجل للبراء رضي الله عنه وأرضاه يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ أفررتمك هذه كلمة عامة شاملة دخل فيها النبى عليه الصلاة والسلام والصحابة، فقال البر اء رضي الله عنه وأرضاه: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر وفى رواية لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولى، أى ظهرهو لم يهرب،
وفى رواية، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ولى.(137/7)
نعم نحن حصل منا ما حصل لكن النبى عليه الصلاة والسلام ما حصل منه فزع ولا رعب ولا فرار، إذا من الذى فر؟ شبان هؤلاء بعد فتح مكة، خرجوا سراعا إلى موقعة حنين وأكثرهم حديث عهد بإسلام وشبان ليس عندهم أسلحة، فكانوا فى المقدمة كما سيأتينا فلما رشقوا بسهام كالمطر ولوا وفروا، وما عندهم علم بأساليب الحرب والقتال، فمن الذى ثبت؟ ثبت النبى عليه الصلاة والسلام ومعه كبار الصحابة كما سيأتينا رضوان الله عليهم أجمعين، قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة، قال: أشهد على نبى الله صلى الله عليه وسلم ما ولى ولكنه انطلق اخفاء من الناس، أى متخففون ليس عليهم سلاح وهم أيضا أخفة فى أنفسهم شباب عندهم نشاط وحسر أخفاء من الناس، شباب حسر جمع حاسر لا يحملون شيئاً من الأسلحة ويعنى عدة القتال، إلى هذا الحى من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، رجل: أى قطعة كبيرة من جراد، أى كأنها سرب عظيم، كأنها رجل من جراد، أى جراد منتشر، جاءت السهام كأنها مطر فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث وهو ابن عم النبى عليه الصلاة والسلام، أبو سفيا بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبى عليه الصلاة والسلام، وأبو سفيان بن الحارث، يقود به بغلته، فنزل النبى عليه الصلاة والسلام عن بغلته وترجل ودعى واستنصر وهو يقول: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك، قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقى به، وإن الشجاع منا للذى يحاذى به، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم.(137/8)
وفى رواية لمسلم، قال رجل للبراء "يا أبا عمارة فررتم يوم حنين، قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه واخفائهم حسر، ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح فلقوا قوماً رماة، لا يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا، ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر وقال: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، على نبينا صلوات الله وسلامه، وبعد ذلك جاءه الصحابة الذين فروا رضوان الله عليهم أجمعين وحصل لهم النصر.(137/9)
وثبت فى الصحيحن أيضاً من حديث أنس وعبد الله بن زيد وهو الأنصارى الذى أُرى الآذان فى نومه رضي الله عنهم أجمعين، أن النبى عليه الصلاة والسلام عندما كان على بغلته فالتفت يمينا وقال: يا معشر الأنصار، قالوا لبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن معك أبشر، فالتفت عن يساره وقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن معك أبشر، نحن ما نفر، ولذلك طلب النبى عليه الصلاة والسلام من العباس أن ينادى: يا أهل بيعة الشجرة، يا أهل بيعة العقبة تعالوا أنتم الخلص، فهؤلاء الشبان الأخفاء ما عندهم دراية بالحرب وحديث عهد بإسلام فحصل ما حصل، أما الخميرة والأساس تظهر فى هذا الوقت، فانعطفوا على النبى عليه الصلاة والسلام ورجعوا إليه عطفة البقر على أولادها، وكتب الله لهم النصر، ونتيجة المعركة عندما تألف النبى عليه الصلاة والسلام بقسط كبير من هذه الغنائم بعض الذين أسلموا فى فتح مكة ودخل فى قلب بعض الأنصار شىء، أما أهل الرأى منهم والشيوخ فسلموا الأمر للنبى عليه الصلاة والسلام، وأما الشبان منهم، فكأنهم وجدوا شيئا، وأنهم هم أهل القتال وأهل النجدة وعن يمين النبى عليه الصلاة والسلام وعن شماله، فعند الفزع يكثرون وعند المغانم بعد ذلك يأتوا أهل الطمع ويأخذون، هم أولى حقيقة بهذه المغانم فلما علم النبى عليه الصلاة والسلام، بما دار بينهم جاءهم وقال لهم: أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، فبكوا وقالوا: بلا، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: والله لو سلك الأنصار شعبا وسلك الناس شعبا باسرهم لسلكت شعب الأنصار، والحديث فى الصحيحن، الأنصار شعار والناس دثار، والشعار هو الثوب الذى يلاصق البدن، والدثار ما يكون فوقه، أى أنتم خاصتى وليس بينى وبينكم كلفة، ولذلك إذا حصل يعنى شىء من الحيث الظاهرى عليكم فأنا وأنتم حالنا واحد، أما هلاء نتألفهم ونعطيهم هذا(137/10)
المال، وأما أنا وأنتم فليست همتنا فى هذا العرض الدنيوى، أنتم شعارى، الأنصار شعارى، شعار والناس دثار، رضي الله عنهم وأرضاهم.
إذاً كانوا يتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول البراء: كنا والله إذا احمر البأس أى اشتد القتال، وحصل لمعان السيوف وبريقها كأنها شمس تضىء من اصطكاك السيوف ببعضها، ونار تقدح كنا فى هذه الحالة نتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم.
إخوتى الكرام:
قول نبينا عليه الصلاة والسلام أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، هذا شعر وهو نوع من أنواع الرجز والرجز الشعر، والله يقول فى حق نبيه عليه الصلاة والسلام {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} ، والسبب فى ذلك أن الله صان أنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه عن الشعر أن الشعر كما قال أئمتنا مبنى على المجازفات والمبلاغات والخيالات والتلبيسات فأعذبه أكذبه، فلا يمكن أن يكون إذا فى النبى عليه الصلاة والسلام يضاف إلى ذلك أن الشعر فيه شىء من الفصاحة فلو اتصف النبى عليه الصلاة والسلام لقالوا: ما يأتينا به هو من باب الفصاحة التى هو ماهر فيها وهو الشعر عدى كما قلت: عن أن الشعر قائم على التخييل والتلبيس وإظهار الباطل بثوب الحق، فقد يقال: ما أتانا به من نصوص شرعية، هذا هو حال الشاعر موه علينا بهذه العبارات المعسولة، {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} ، فكيف قال الشعر، أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب.،
زعم بعض روات الحديث أن البيت ينبغى أن يفتح، أنا النبى لا كذب لينكسر الوزن وللألا يكون شعر، انا ابن عبد المطلب، فيقول: إذا يخرج عن وزن الشعر، وهذا فى الحقيقة خلاف الرواية الثابتة، وإذا ثبتت الرواية فما هو التوجيه بين قول نبينا عليه الصلاة والسلام للشعر ونفى الله للشعر عنه والشاعرية فيه فلم يكن شاعراً عليه صلوات الله وسلامه.
ذكر أئمتنا عدة توجيهات لذلك منها:(137/11)
قيل هذا لم يقله النبى عليه الصلاة والسلام، إنما قيل له فغيره هو الضمير، قيل له: أنت النبى لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فى غير موقعة حنين، فتمثل بما قيل له مع تغيير الضمير فليس هو من نظمه وقوله وإنشاءه عليه صلوات الله وسلامه.، أنت النبى لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فهذا الذى مدح به، أخبر به عن نفسه فى موقعة حنين فقال: أنا النبى بدل أنت أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وهذا يحتاج إلى اثبات كما قال أئمتنا.
والجواب الثانى، والتوجيه الثانى، قالوا: هذا رجز والرجز ليس من الشعر وهذا لا يصح الرجز نوع من أنواع الشعر،
والقول الثالث: قيل إن الشعر يطلق على القطعة التامة والقيدة، فمن قال بيتا أو بيتين لا يقال له شاعر، وقد يقول الإنسان أحياناًء كلاما فيأتى على وزن الشعر ولا يقصد الشعر هذا يقع أحيانا فى كلام الناس، مرة قلت يعنى هكذا جملة مع بعض إخواننا قال: هذا على وزن كذا من بحور الشعر، قلت: يعلم الله، لا أعرف الشعر ولا أوزانه، وهذا لا لمدح فىّ هذا نقص، عدم الشعر فى البنى عليه الصلاة والسلام مدح، أما فينا لجهلنا به، يعنى ما عندى علم، قال: هذا الذى تقوله من أحد إخواننا ممن يدرس الأدب، يقول: هذه الجملة التى ذكرت الآن بيت من الشعر خلال كلامك، فهذا دون قصد، وهنا: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، قالها دون قصد للشعر، والشاعر هو الذى يلقى قصيدة وقصائد، أما أن يقول الإنسان بيتاً واحداً، فهذا لا يدخله فى وصف الشعراء.(137/12)
والتوجيه الرابع: وهو الذى ذهب إليه الحافظ ابن حجر وقدمه على هذه التوجيهات الثلاثة وهو قريب من الثالث، قال: يكون الإنسان شاعراً إذا قال الشعر لما قصده، إذا قال شعراً وقصده، وأما إذا قال شعراً بيت أو أكثر دون قصد، أى تكلم بكلام ووافق أوزان الشعر فلا يكون شاعرا، فالجواب الفارق بين الثالث والرابع، الثالث يقول: لا يكون شاعراً إلا إذا قال قطعة كبيرة، البيت والبيتين لا يكون فيها شاعرا، على التعليل الرابع يقول: مهما قال من أبيات لا تعتبر شعرا إلا إذا قصدها، فقد يقول كلاماً وهذا الكلام يأتى عهلى أوزان الشعر لكن دون قصد منه، فلا يدخل إذا فى وصف الشعراء وأنه شاعر {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} .
وقول النبى عليه الصلاة والسلام: أنا النبى لا كذب، يحتمل أمرين اثنين.
الأول: وهو الذى يتعلق ببحثنا أنا النبى، قد وعدنى الله بالنصر ولن يكذبنى الله، ولن يخلف وعده، فكيف أفر، كيف أولى الأدبار، هذا يقع أعنى الفرار ممن ليس بمبوعوث ومرسل من قبل العزيز القهار، فهو لا يثق هل سيحصل له النصر أم لا، أما أنا لو اجتمع العالم بأسره، أنا نبى الله حقاً وصدقاً، أنا النبى وعدنى الله بالنصر بدون كذب ولن يكذبنى، لن يخلف الله وعده، أنا ابن عبد المطلب، فإذا أنا النبى حقا وصدقا ووعدنى الله بالنصر ولا يمكن أن يخلف الله وعده، ولذلك تحصل فىّ هذه الشجاعة هذه القوة، هذا الثبات، هذه الرجولة على وجه التمام والكمال.
والقول الثانى: قريب منه لكن يختلف فى التعليل، أنا النبى لا كذب، أى أنا صادق فى دعوى النبوة، أنا ابن عبد المطلب، فليس إذا على التوجيس يعنى لا كذب بمعنى أنه لن يكذبنى الله ما وعدنى به من النصر.(137/13)
أما القول ألأول: أنا النبى ووعدنى الله بالنصر فلا كذب فى وعد الله لى وسأنتصر وتكون الدائرة لى على من خالفنى وعادانى مهما كثر وقوى، أنا النبى لاكذب لوعد الله لى بالنصر، أنا النبى لا كذب فى دعواى فأنا رسول الله حقاً وصدقا، والقولان متقاربان لكن القول الأول والتعليل الأول كما قلت أظهر القولين، فكأنه يقول: أنا النبى وإذا كان نبياً فهو صادق فى دعوى النبوة كأنه يقول: أنا النبى وبرهان نبوتى ان الله سيحقق لى ما وعدنى من نصرى عليكم وسترون فى نهاية الأمر، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ، أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، على نبينا صلوات الله وسلامه، وإنما أضاف نفسه إلى جده لأنه يشتهر بذلك عند الناس، فوالده عبد الله توفى والنبى عليه الصلاة والسلام حمل فى بطن أمه على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه ولذلك كان يضاف إلى جده الذى تعهده وتعهد به وتكفل به ورباه حتى بلغ من عمره ثمانى سنين أوليس كذلك عبد المطلب توفى وعمر النبى عليه الصلاة والسلام كان ثمانى سنين، فكان يقال له: ابن عبد المطلب، ولذلك عندما كانت تأتى وفود الأعراب ليسألوا النبى عليه الصلاة والسلام كحديث ضمامة فى صحيح مسلم وغيره يقول: يا ابن عبد المطلب إنى سائلك ومشدد عليك، ابن عبد المطلب سيخاطب بهذا، وهنا أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب على نبينا صلوات الله وسلامه.(137/14)
إخوتى الكرام: فى موقعة حنين لما نزل النبى عليه الصلاة والسلام من بغلته وترجل على رجليه أخذ كفاً من رمل وحصى كما هو ثابت فى صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، ثم رماها فى وجوه هوازن الذين جاءوا ورشقوا الصحابة كما قلنا برشق من نبل كأنها رجل من جراد، أى جماعة كبيرة من جراد، أخذ كفاً من تراب وحصى ثم نسفها فى وجوه القوم، فقال: شاهت الوجوه، يقول سلمة: فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ الله عينيه ترابا من هذه الرمية التى رماها نبينا عليه صلوات الله وسلامه {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} ، شاهت الوجوه.
إخوتى الكرام: فى حديث سلمة أمر ينبغى أن تنتبهوا له غاية الإنتباه، وقد وهم بعض الناس فيه وهماً فاحشا قبيحا، يصان عنه نبينا عليه الصلاة والسلام ويتنزه عنه،
فى حديث سلمة رضي الله عنه يقول سلمة: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، قوله منهزما، هذا حال من الفاعل لا من المفعول، أى مررت منهزماً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن فى التعبير تأخير، الأصل يقول سلمة: أنا كنت منهزما، هكذا الكلام مررت وأنا منهزم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته البيضاء ويقول: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، فقوله: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، هذا حال من ضمير مررت وهو سلمة لا من المفعول فى قوله برسول الله عليه الصلاة والسلام، واضح هذا، يعنى ليس حال من رسول الله، حال من سلمة الذى كنى عنه بالضمير، ضمير الفاعل، مررت منهزماً برسول الله صلى الله عليه وسلم.(137/15)
قال الإمام النوى عند شرح هذا الحديث يقول: أجمع المسلمون على أن النبى عليه الصلاة والسلام لا يفر ولا ينهزم ولا يقع فى قلبه الروع والرعب عليه صلوات الله وسلامه، فإذاً منهزما حال من سلمة، وتقدم معنا حال نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ذا الأيد ولا يفر إذا لاقى، فكيف بمن هو أشجع وأشجع وأقوى وأقوى منه ومن خلق الله أجمعين، نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، يهزم فى موقعة حنين؟ هذا لا يمكن إنما الرواية، مررت منهزماً برسول الله عليه الصلاة والسلام، يغنى أنا منهزم لكن مررت والنبى عليه الصلاة والسلام ثابت، فبعض الناس ينصرف ذهنه إلى أن منهزماً حال من رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهذا فى منتهى الضلال، فإياك أن تظن هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أشجع الخليقة وأقوى الخليقة واكمل الخليقة خَلْقاً وخُلُقاً عليه صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام: هذا الوصف كما قلت فى كمال، الكمال الخًَلْقى فى النبى عليه الصلاة والسلام متواتر وورد نقله عن الصحابة بروايات متعددة، تقدمت معنا رواية على فى بدر رواية البراء فى حنين.(137/16)
انظرلهذه الرواية الثالثة من رواية أنس رضي الله عنه وأرضاه فى غير الموقعتين المتقدمتين وهذا هو حال النبى عليه الصلاة والسلام فى جميع الأحوال. ثبت فى المسند والصحيحين والحديث فى سنن أبى داود والترمذى عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس، جمع الله فيه الكمال والجلال، الملاحة والبهاء عليه صلوات الله وسلامه، أحسن الناس وكان أجود الناس، والصفةة الثالثة كان أشجع الناس، طيب برهن على شجاعته، هات قصة تبرهن على هذا، يقول أنس: كما فى الصحيحن والكتب الذى ذكرتها، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، اعتراهم فزع، لشىء حدث فى ناحية من نواحى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، حصل شىء ظنوا أنه يعنى باغت المدينة عدوا فى تلك الناحية، فاعتراهم فزع، يقول: فانطلق ناس قبل الصوت، لنفرض أنه مثلا وجد حريق أو وجد شىء فى ذلك المكان فاعترى الصحابة فزع فى تلك الليلة فأسرعوا إلى جهة الصوت الذى جاء منه يعنى أسباب الفزع، قال: فاستقبلهم االنبى صلى الله عليه وسلم عائداً من جهة الصوت، هم لا زالوا يذهبون، هذا ذهب قبلهم، وكشف الخبر وعاد عليه صلوات الله وسلامه، على فرس عرىٍ، أى ليس عليه سراج يضعه، الذى يوضع على ظهر الخيل، على فرس عرى، وهذا لا يقال إلا فى البهائم، وأما بنى أدم، يقال لهم: عريانا، على فرس عرى استعاره من أبى طلحة، وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، لا يوجد فزع، إنما هناك شىء طرأ من داخل المدينة على منورها صلوات الله وسلامه، وما جاء عدو وما يوجد شىء من أسباب الفزع، هم خرجوا والنبى عليه الصلاة والسلام، خرج وكشف الخبر وعاد بمفرده على فرس عرى عليه صلوات الله وسلامه، ويقول: لن تراعوا لن تراعوا لن تراعوا لن تراعوا، ثم قال لأبى طلحة: غن وجدناه أى هذا الفرس الذى استعرته منك لبحرا، أى هو متسع واسع الجرى شديد السرعة كأنه بحر لا ينفد وهذا الفرس قوته لا تضعف وجريه لا(137/17)
يفتر، إن وجدناه لبحرا، هو كذلك؟ لا، يقول انس رضي الله عنه، ولقد كان يبطأ، هذا الفرس، يعنى إذا مشى مع الخيول هو أبطأها، لكن لما ركبه خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه، صار بحرا، وإن كان ليبطأ، ثم ماسبق بعد ذلك، هذا الفرس ما سبق بعد ذلك، والحديث فى الصحيحين، إن كان ليبطأ وشىء يركبه رسول الله عليه الصلاة والسلام يسبق؟، هو لا يسبق، ومركوبه لا يسبق عليه صلوات الله وسلامه قطعاً وجزماً، هذا حاله كان لا يبطأ، نعده بطيئا، وإذا حصلت المسابقة بينه وبين الخيول هو فى المؤخرة، لكن صار بعد ذلك لا يسبق، إن وجدناه لبحرا، هذا يعنى عظيم، سرعته قوية لا تفتر كالبحر لا ينفد، إن وجدناه لبحرا.(137/18)
إخوتى الكرام: يحق لمركوب يركبه خير خلق الله عليه الصلاة والسلام أن يكون كذلك، سيأتينا إن شاء الله عند حديث الإسراء، لما قدم البراق إلى النبى عليه الصلاة والسلام ليركبه وهو دابة دون الفرس وفوق الحمار على نبينا صلوات الله وسلامه، دون البغل وفوق الحمار، لما قدم له هذا البراق ليركبه، مأخوذ كما سيأتينا من البريق، وهو اللمعان أو من البرق من شدة السرعة كأنه برق خاطف، لما قدم له ليركبه، بدأ يستصعب ويعنى يعتريه امتناع وإباء، فقال له جبريل: ما لك والله ما ركبك أحد قبله، خير منه، مالك، ما ركبك قبل النبى عليه الصلاة والسلام أحد قبل النبى عليه الصلاة والسلام، مالك: قال: فانصب عرقاً، بدأ هذا البراق وهذه الدابة تسيل عرقا حياء، أما تعليل امتناع البراق، علل بأمرين محل الشاهد، يقول الإمام ابن حجر،: امتنع الراق ليس امتناع إباء إنما امتناع زهوٍ وخيلاء لما قدم البراق للنبى عليه الصلاة والسلام ليركبه بدأ يضرب برجليه ويفتخر يركبنى خير خلق الله، لكن هذا الإفتخار يعنى ما فيه كما قلت ليونة ليركبه النبى عليه الصلاة والسلام لكن هو يفتخر وامتناعه ليس امتناع إباء إنما امتناع زهو وخيلاء، فهذا الزهو والخيلاء الذى حصل له عندما اقترب من النبى عليه الصلاة والسلام ليركبه ترتب عليها نفور فيه فاستصعب على النبى عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الإستصعاب لا من باب الإباء، من باب الزهوّ والخيلاء يبتهج يركبنى خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه، لكن هذا الزهو، إذا طغى يعنى على الأدب الواجب يعاتب عليه مالك، ماركبك أحد قبله خير منه عليه صلوات الله وسلامه، فكيف أنت إذاً يعنى يحصل فيك ما يحصل، انصب عرقاً واستكان حياءا فركبه نبينا عليه الصلاة والسلام، وهنا هذا الفرس العرى الذى ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام ليكسف اثر الفزع الذى حصل فى قلوب أهل المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، يركبه وهو عرى وهو كما قلنا بطىء(137/19)
المشى يبطأ فيقول له النبى عليه الصلاة والسلام: إنه بحر ثم ما سبق بعد ذلك، والحديث فى الصحيحين، أخذ القوة ممن ركبه واخذ الشجاعة ممن امتطاه، ظهره على نبينا صلوات الله وسلامه.
إذاً هذه قوة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، هم أكمل الناس خلقا، جمالا وجلالا ملاحة وبهاءا على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام: والأحاديث فى ذلك كثيرة كما قلت: نعطر حياتنا بما يتعلق بقوة نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذه الموعظة وأنتقل للأمور الثالثة بعدها،
حديث رابع: ثيت فى الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وصحابة مختلفون، على والبراء وأنس وجابر، ووالله إن ذلك متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيما وصفه به الصحابة الكرام، أنه أشجع الناس أنه أكرم الناس، أنه أحسن الناس، أنه أقوى الناس عليه الصلاة والسلام، هذا فيه تواتر، والقوى منهم يلوذ بالنبى عليه الصلاة والسلام عند الشدة ويتقى به عليه صلوات الله وسلامه ويتترس به عليه صلوات الله وسلامه.
انظر لهذا الحديث وهو فى الصحيحين وغيرهما من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا قبل نجد ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما يعنى أردنا أن ننام القيلولة عند القائلة فى الظهيرة تفرق الصحابة تحت الشجر وذهب النبى عليه الصلاة والسلام تحت شجرة وعلق سبفه بغصن من أغصانها ثم نام تحتها وما معه أحد فداه نفسى وأبى وأمى عليه صلوات الله وسلامه، ففطن بعض المشركين لحال الصحابة الكرام الطيبين وأنهم ناموا وابتعدوا عن النبى عليه الصلاة والسلام، فجاءه واسمه غورث بوزن جعفر(137/20)
ذكر الشيخ
1_تكملة الرواية التى تدل على ان النبى صلى الله عليه وسلم اختار الدون من الطعام فى الكم وفى الكيف
2_الروايات التى تدل على شد صفائح الحجارة على بطن نبينا صلى الله عليه وسلم
3-معجزة تكثير الطعام فى يد النبى صلى الله عليه وسلم(138/1)
تكملة قوت النبي - صلى الله عليه وسلم - (2)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
وما أعلم من هذه الترتيبات هل رأى النبى صلى الله عليه وسلم النقى فقال سهل ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم النقى من حين ابتعثه الله حتى قبض ما وقعت عيناه على نقى دقيق بر منخول هذا ما رآه مطلقا عليه الصلاة والسلام ودقيق الشعير لا ينخل عندهم ينفخ نفخا أما دقيق بر وستنخله أيضا يعنى هذا فى الحقيقة ترف يعنى كترفنا فى هذه الأيام ونسأل الله حسن الختام ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم النقى من حين ابتعثه الله حتى قبض فقيل لهم هل كانت عندكم مناخل تنخلون بها فقال سهل ابن سعد ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم منخلا قط من حين ابتعثه الله حتى قبض فقيل له فكيف كنتم تأكلون الشعير ما عندكم النقى يعنى دقيق البر ولا مناخل كيف تأكلون الشعير غير منخول ومناخل لا توجد فقال كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقى فريناه بالماء يعنى بللناه بالماء وعجناه ثم خبزناه نطحنه وننفخه فيطير ما طاب وما بقى فريناه والشعير إخوتى الكرام لعل من أكله يعرف حاله قشره كالإبر يعنى لو أخذت قشرة الشعير وضربتها فى جلدك يخرج الدم منها فكيف ستدخل للجوف بدون نخل هذا حال من آثر الآخرة على الدنيا ينفخ فما طار منه طار من هذا القشر الخفيف والباقى بعد ذلك يبل بالماء ويعجن ثم يخبز ويؤكل.(139/1)
إخوتى الكرام: المنخل قال علماء اللغة بضم الميم والخاء وهذا من النوادر لأنه اسم آلة والأصل أن يقال مِنخَل مطرقة هذا الأصل لكن خرج عن الأصل فهو منخل واسم الآلة ينبغى أن تكسر أوله وتفتح ثالثه منخل هذا الأصل لكن هذا من النوادر كما قال علماء اللغة مُنخُل بضم الميم وضم الثالث ثالثة الحروف الخاء منخل والأصل منخل هذا الأصل مطرقة وهنا منخل منشار الأصل أن يكسر الأول ويفتح الثالث اسم آلة لكن هنا منخل جاء على كما قلت هذه الصيغة وهو من النوادر فى الاستعمال عند العرب بضم الأول والثالث وهو اسم آلة منخل وهو ما ينخل به ومعروف ما رأى عليه الصلاة والسلام منخلا منذ أن بعثه الله حتى قبضه الله عليه صلوات الله وسلامه وهذا ثابت فى أحاديث كثيرة ففى مسند الإمام أحمد عن أمنا عائشة رضى الله عنها ولا تعتبر رواية كاملة لأنه تقدم معنا رواية عائشة فى تقرير طعام نبينا عليه الصلاة والسلام إنما أريد ما يتعلق بالمنخل فقط رواية أخر ى تقول أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها والذى بعث محمدا بالحق عليه صلوات الله وسلامه ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله إلى أن قبض ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ أن بعثه الله إلى أن قبض فقال لها عروة رضى الله عنه وأرضاه كما قال لها سابقا هناك هلال وهلال وهلال قال فماذا كان يعيشكم وهنا قال كيف كنتم تأكلون الشعير شعير لا ينخل كيف تأكلونه إذن فى زمن التابعين وجدت المناخل بل صار ينخل أيضا البر لذلك يقول أئمتنا أول بدعة حدثت فى هذه الأمة أول بدعة وتوسع فى أمر الحياة نخل الدقيق صارت المناخل تنخل ليس الشعير صار أيضا لدقيق البر وأرادوا بعد ذلك أولون الأطعمة فقال عروة لأمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها كيف تأكلون الشعير قالت كنا نطحنه ثم نقول أف يعنى ننفخ عليه أف والحديث كما قلت فى مسند الإمام أحمد.(139/2)
إخوتى الكرام: هذه الروايات كلها تقرر المعنى الذى تقد معنا فى أن نبينا عليه الصلاة والسلام اختار الدون فى قوته وطعامه من حيث الكمية الكيفية عليه صلوات الله وسلامه بعد هذا التقرير فى هذه الروايات كما وعدتكم سابقا أننى أذكر حالة لنبينا عليه الصلاة والسلام فى جوعه وهى معجزة من معجزاته عليه صلوات الله وسلامه جوع لكن انظر ما يترتب عليه من معجزة تدل على أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا.(139/3)
إخوتى الكرام: بلغ من جوع نبينا عليه الصلاة والسلام عندما يطوى الأيام والليالى لا يأكل يشد على بطنه الشريف فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه يشد صفائح الحجارة يأتى بالحجارة الرقيقة التى كحجم الكف فيضعها على بطنه ثم يشد الإزار عليها من أجل أن يقيم صلبه وظهره لأن البطن سيأتينا إذا خوى وضمر يسقط الإنسان على وجهه فمن أجل أن يقوم الصلب يأتى بهذه الحجارة ويضعها على البطن ويشد عليها عليه صلوات الله وسلامه وقد وجد فى الصحابة من شد كما سيأتينا حجرا على بطنه لكن ما وصل لحال النبى عليه الصلاة والسلام شد حجرا واحدا أم هو كان يشد حجرين فى كثير من الأحوال عليه صلوات الله وسلامه كما سيأتينا فإن وقع بهم أحيانا شىء من الشدة لكن بمقدار أما هو عليه صلوات الله وسلامه يتحمل ما لا يتحملون وسأذكر فى ذلك ثلاثة أحاديث فقط فيما يتعلق بشد صفائح الحجارة على بطن نبينا الشريف عليه صلوات الله وسلامه لنعلم مدى اعتنائه بطعامه عليه الصلاة والسلام وكان بعض شيوخنا يقول ونسأل الله أن يلطف بنا يقول من همه ما يأكله فقيمته ما يخرج منه هذا حالنا إلا ما رحم ربك حقيقة هذا حالنا فى هذه الأيام ليس لنا هم ولا فكر ولا بحث إلا ماذا سنأكل وماذا سنطبخ هذا اليوم وماذا سنضع من ألوان الأطعمة ولو أن الإنسان قدم له لون واحد يعنى يرى كأنه فعل كبيرة يعنى سيأكل لونا واحدا يعنى لو قيل له مثلا حتى خبزا ولحما فقط يقول لا لازم يكون سلطة ولازم يكون لبن ولازم يكون عصيرات ولازم يكون فواكه هذا أحسن لو خبز ولحم ومن باب أولى لو قلت له خبز وزيت يقول خبز وزيت أحد يأكل خبز وزيت فى هذه الأيام أو خبز خل أو خبز بندورة فقط خذ حبة بندورة مع رغيف من الخبز وكلها واحمد الله يقول هذا مضى زمنه هذه أحوالنا حقيقة ولذلك إخوتى الكرام نحن أمة لا تصلح لا لدين ولا دنيا والله نحن عار حتى على الأرض، الأرض التى نمشى عليها تتعير بنا تقول هذه(139/4)
الأمة التى وجدت وما تهتم إلا ببطونها كيف ابتليت الأرض بنا وانظر لحال نبينا عليه الصلاة والسلام وسلفنا حقيقة خلقوا لغاية فالغاية التى خلقوا من أجلها قاموا بها على وجه التمام وأما بعد ذلك أكل أو لم يأكل يعنى ماذا نقص منه إذا يعنى ما ملأ بطنه من أطايب الطعام ماذا أصابه ما نقص منه ولا شىء على الإطلاق وكما كان أئمتنا يقولون البطن زجاجة لا تشف يعنى إن وضعت فيها لحما أو وضعت فيها خبز يابسا أحد يعرف ماذا فى بطنك ما أحد يعرف زجاجة لا تشف لكن إذا اعتاد الناس على الشهوات هذه هى المهلكات ومن قنع بالخبز كان أئمتنا يقولون لم يستعبده أحد يأكل الخبز هذا لا يستعبده أحد من خلق الله والخبز موجود فى كل مكان {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} وما حصلت الخبز دعه ورق الشجر وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كثيرا ما يقتاتون بورق الشجر ويضعون كما تضع الشاة يعنى هل نقص من قدرهم فى الدنيا أو فى الآخرة لا والله ونبى الله موسى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه لما شرد من بلاد مصر إلى بلاد مدين ما له طعام إلا ورق الشجر ولذلك بعد ذلك قال ربى إنى لما أنزلت إلى من خير فقير أيام متتابعة ما دخل جوفى إلا ورق الشجر طيب هل نقص يعنى من قدرهم عند ربه أو فى هذه الحياة لا ثم لا ولذلك ما أوتينا إلى من قبل شهواتنا.
ورحمة الله على أبى حازم سلمة ابن دينار كان عندما يدخل السوق ويرى الفاكهة يقول لها موعدك الجنة أما فى هذه الحياة بينى وبينك حواجز موعدك الجنة(139/5)
كنت مرة فى بعض البلاد الإسلامية فى أندونيسيا والفقر شديد فقالوا لى مرة يا شيخ يعنى بعض الفواكه كيلو التفاح هناك إخوتى الكرام التفاح يزيد على عشر ريالات هذا بالريالات القطرية الكيلو الواحد وراتب الإنسان هناك فى الشهر هذا لو يعنى كان مدرس فى ثانوية راتبه ميت ليرة سورية مائة ريال قطرى أو مائة وخمسين أقصى حد وكيلو التفاح عشر ريالات هذا أقل شىء عن هذا التفاح الردىء وأحيانا إلى خمسة عشر إلى عشرين على حسب نوعه فقالوا لى يعنى مرة ذكرت لهم التفاح وكذا قال لى واحد منهم يقول ياشيخ أنا فى حياتى ما ذقت التفاح أراه فقط فى السوق أما أننى ذقته والله ما أعرف طعمه وهو طالب فى كلية الشريعة فذكرت له هذه القصة ففرحوا قلت قولوا لها موعدكم الجنة كما كان سلمة ابن دينار أبو حازم يمر بالسوق ويرى الفاكهة ويقول موعدك الجنة وأنتم يعنى ماذا تعملون هذا حال الشهوات فاستمع لحال النبى عليه الصلاة والسلام واعلم أن هذه الحالة كما قلت اختارها ولو أراد أن تسير معه الجبال ذهبا لسارت لتعلم مذا فى نفسه عليه الصلاة والسلام من معانى فى تعظيم الله ومعاملة هذه الحياة بما تستحق.(139/6)
الحديث الأول إخوتى الكرام وفيه شد الحجر على بطن نبينا الشريف عليه الصلاة والسلام رواه الإمام أحمد فى المسند ورواه الشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما فى موقعة الخندق الشهيرة جرت هناك حادثة لنبينا عليه الصلاة والسلام من الشدة التى قالبها المسلمون فى تلك الموقعة فكان يشد الحجر على بطنه الشريف عليه صلوات الله وسلامه ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنما قال لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا يعنى ضمور بطن بطنه ضامرة سيأتينا فى الرويات أن هذا الضمور شدة أيضا عليه بحجر من أجل أن يقوم صلب النبى عليه الصلاة والسلام وأن يعتدل قال فانكفأت إلى امرأتى يعنر رجعت إليها وذهبت إليها فقلت هل عندك شىء فإنى رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير وصاع الشعير تقدم معنا عند الجمهور كيلو وسبعمائة وثمانية وعشرين جراما أوليس كذلك يعنى تقريبا كيلوين إلا ربع وأقل بشىء قليل صاعا من شعير بمقدار اثنين كيلو ولنا بهيمة داجن البهيمة هى ولد الضأن والداجن هى التى تكون فى البيت وتألفه فلا تخرج إلى المرعى قال فذبحتها هو ذبح البهيمة جابر وطحن زوجته الصاع من الشعير ففرغت إلى فراغى أنا لما ذبحت البهيمة وسلختها زوجتى فرغت من طحن الصاع من الشعير وقطعتها فى برمتها فى القدر ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له زوجته لا تفضحنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه انتبه يعنى هذه بهيمة يهنى بهيمة ما يأتى فيها اثنين كيلو من لحم واثنين كيلو من شعير يعنى إياك أن تدعو جمعا كثيرا النبى عليه الصلاة والسلام ومعه واحد واثنان ونحن بعد ذلك أهل البيت سنأكل لا تفضحنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه يظن أنه عندنا طعام كثير يدعو أهل الخندق وأهل الخندق كم عددهم ألف رجل يحفرون(139/7)
قال فجئته فساررته فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبحنا بهيمة لنا وطحنت يعنى زوجى صاعا من شعير كان عندنا فتعالى أنت ونفر معك توسع جابر رضى الله عنه فى الدعوة نفر وزوجته سيأتينا فى بعض الروايات قالت له فى بعض الروايات يأتى واحد أو اثنان قف عند حدك قال فصاح النبى صلى الله عليه وسلم يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سؤرا فحي هلا بكم والسؤر بلغة الفارسية الوليمة والطعام وقد تكلم نبينا عليه الصلاة والسلام بالفارسية بهذه اللفظة فمعه سلمان الفارسى السؤر هو الوليمة والطعام بلغة فارس فحى هلا بكم يعنى تعالوا وعجلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر لا تنزلَن تنزلُن برمته هذا القدر لا ينزل عن النار ولا تخبزن عجينتكم حتى أجىء البرمة تبقى منصوبة على الأثافى والعجين لا يخبز حتى أحضر عليه صلوات الله وسلامه فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتى فقالت بك وبك بدأت تعاتبه وتلومه ألف رجل عندنا بهيمة وصاع من شعير وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد فعلت التى قلتِ قلتُ له أنت ونفر ممن معك فأخرجت عجينا فبصق فيه عليه صلوات الله وسلامه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك أى دعا بالبركة ثم قال لى ادعى لى خابزة فلتخبز معك واحدة ما تكفى ألف واحد سيأكلون هو صاع من شعير يعنى خابزتان ستخبزان على تنورين واقدحى من برمتكم واقدحى يعنى اغرفى وأخرجى منها ماشئت لكن إياك أن تنزليها أو تكفتيها كما تقد معنا لا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى عليك ولا توكى فيوكى عليك ولا تنزلوها قال جابر وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تروكوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هى وإن عجيننا لتخبز كما هو.
وفى رواية يقول جابر ابن عبد الله إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة والكدية هى الحجر الصلب.(139/8)
القوى الذى لا يستطيع الإنسان أن يفتته فجاؤا النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت فى الخندق فقال أنا نازل أى نازل أى نازل إليها هذا هو البطل المغوار عليه صلوات الله وسلامه أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر عليه صلوات الله وسلامه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا قال جابر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا وعصب النبى عليه الصلاة والسلام بطنه بحجر فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم المعول فعاد كثيبا أهين يعنى تلك الكدية والحجر الصلب عاد كثيبا والكثيب هو الرمل المجتمع أهيل سائلا كأنه صار رمل يسيل كأنهما كما تسير الرمال بالرياح فى البوادى والصحراء.(139/9)
وفى رواية فعاد كثيبا أهيم أى ترابا دقيقا يابسا يتطاير هذه الحجرة الصماء الصلبة صارت كأنها رماد دقيق يتطاير يقول جابر فى رواية الإمام أحمد فى المسند أصابهم جهد شديد حتى ربط النبى صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع وأما تلك الصخرة فلما ضربها نبينا عليه الصلاة والسلام ظهرت معجزات عدا عن معجزة تكثير الطعام تلك المعجزات أشارت إليها رواية الإمام أحمد فى المسند والنسائى فى السنن ورواها أبو نعيم فى دلائل النبوة والبيهقى فى دلائل النبوة أيضا وإسناد الأثر حسن كما فى فتح البارى فى الجزء السابع صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة وانظروا الأثر فى مجمع الزوائد أيضا فى الجزء السادس صفحة واحدة وثلاثين مائة ولفظ الحديث عن البراء ابن عازب رضى الله عنهم أجمعين قال عرضت لنا صخرة فى بعض الخندق لا تأخذ فيها المعاول تضرب المعول يرجع إليك ولا تنحتها ولا تؤثر فيها فجاؤا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا له صخرة لا تعمل فيها المعاول قال إنى نازل إن شاء الله فجاء ورش عليها الماء عليه الصلاة والسلام وقال بسم الله فضربها الضربة الأولى فكسر ثلثها وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إن لأبصر قصورها الحمر الساعة انظر إليها وكيف ستفتحها أمتى وقد حصل هذا فى عهد عمر ابن خطاب رضى الله عنه وأرضاه ثم قال بسم الله فضربها الضربة الثانية فقطع الثلث الآخر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والذى نفسى بيده إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض الساعة ثم ضربها الثالثة وقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال عليه الصلاة والسلام أعطيت مفاتيح اليمن والله لأبصر أبواب صنعاء فى مكانى الساعة اليمن وفارس وبلاد الشام فقال المنافقون لعنات الحى القيوم عليهم محمدا عليه الصلاة والسلام يعدنا أننا سنفتح الشام وبلاد كسرى واليمن وأحدنا لا يستطيع أن يقضى حاجته وقد حقق الله لنبينا عليه الصلاة والسلام ما أطلعه عليه سبحان ربى العظيم حجر على بطنك(139/10)
يا خير خلق الله عليه الصلاة والسلام ومع ذلك عندك هذه الهمة يعنى مع ذلك ستفتح الشام وبلاد كسرى واليمن وأنت الآن ثلاثة أيام ما ذقت طعاما وتعصب بطنك بحجر هذا هو رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا.
إخوتى الكرام: وهذه الرواية صحيحة رواها الإمام الطبرانى أيضا فى معجمه الكبير وأبو نعيم أيضا فى دلائل النبوة من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص ورواها ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تفسيره وابن أبى حاتم فى تفسيره وأبو نعيم فى دلائل النبوة والبيهقى فى دلائل النبوة من وراية كثير ابن عبد الله ابن عمرو ابن عوف المزنى عن أبيه عن جده والجد هو عمرو ابن عوف صحابى رضى الله عنهم أجمعين ورواها أبو نعيم فى دلائل النبوة عن أنس ابن مالك ورواها الإمام أحمد لكن من زيادات ولده عبد الله فى المسند عبد الله فى زياداته على المسند والطبرانى فى معجمه الكبير بسند صحيح من رواية ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين بأن النبى عليه الصلاة والسلام ضرب ثلاث ضربات وبشرهم فى الضربة الأولى سيفتح الشام والثانى سيفتح بلاد كسرى والثالثة ستفتح اليمن عليه صلوات الله وسلامه أكمل إخوتى الكرام هذا بعد آذان العشاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.(139/11)
إخوتى الكرام: فهذه رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما يقول فيها عندما قام النبى عليه الصلاة والسلام بطنه معصوب بحجر وفى رواية أبى يعلى فى مسنده يقول لما كان يوم الخندق نظرت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فوجدته قد وضع حجرا بينه وبين إزاره ليقيم به صلبه من الجوع عليه صلوات الله وسلامه فانظر لفعل جابر رضى الله عنه وأرضاه لما رأى بنبينا عليه الصلاة والسلام ما رأى فقلت يا رسول الله ائذن لى إلى البيت أريد أن أذهب لحاجة وما أعلمه بما دبر فى نفسه وأنه سيذبح تلك البهيمة للنبى عليه الصلاة والسلام فقلت لامرأتى إنى رأيت بالنبى صلى الله عليه وسلم شيئا ما فى ذلك صبر نبينا عليه الصلاة والسلام يش الحجر على بطنه الشريف وعندنا صاع من شعير وعندنا بهيمة لا نستطيع أن نصبر على ذلك فعندك شىء قالت عندى شعير وعناقة فذبحت العناقة وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم فى البرمة ثم جئت إلى النبى صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر يعنى تجهز واختمر للخبز والبرمة بين لأثافى وهى الحجارة التى تنصب من أجل أن تكون عليها البرمة ثلاثة الأثافى قد كادت أن تنضج يعنى البرمة وتستوى فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعيم لى يعنى طعام قليل قليل فقم أنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ورجل أو رجلان قام كم هو فذكرت له صاعا من وبهيمة عناق قال كثير طيب قل لها لا تنزعى البرمة ولا الخبز من النتور حتى آتى فقل قوموا يا أهل الخندق ألف رجل يأكلون من صاع ثم من عناق وليتهم أكلوا فقط سيأتينا أهدوا إلى الجيران لأن الناس أصيبوا بمجاعة والحديث كما قلت فى الصحيحين وغيرهما فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبى عليه الصلاة والسلام بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك يعنى ماذا عندكم قلت نعم قالت الله ورسوله أعلم هدأ روعها وذاك بد أت لومه كما تقدم معنا تقول بك وبك أما هنا سألت ماذا عندكم قلت نعم قالت الله(139/12)
ورسوله أعلم إن كان الأمر كذلك نحن نعلم أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا ولن يخيبنا الله إذا جاء رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فقال ادخلوا قلت نعم فقال ادخلوا النبى عليه الصلاة والسلام ولا تضاغطوا يعنى لا تتزاحموا خذوا يعنى الأمر بالراحة وطول البال وكل واحد يأتيه أكثر مما يريد فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقى منه بقية فقال كلى هذا وأهدى فإن الناس أصابتهم مجاعة هذه الحادثة الأولى فيها شد النبى عليه الصلاة والسلام على بطنه حجرا وأكرمه الله بهذه المعجزة الذى أكرمه بهذه المعجزة أما كان بالإمكان أن ينزل له السماء برا دقيقا وخبزا نقيا كان بالإمكان لكن هو الذى اختار هذا عليه الصلاة والسلام وإذا بعد ذلك جد الجد وحزم الأمر الله جل وعلا لا يتخلى عن رسوله عليه الصلاة والسلام فصاع من شعير بمقدار اثنين كيلو إلا ربع يأكل منه ألف مقاتل وأى ألف هم جياع يعنى ليس كالواحد منا الآن عندما نذهب الآن للوليمة نحن فى طريقنا للوليمة نتجشأ يعنى قبل أن نأكل وأنت ذاهب لتأكل تتجشأ فى طريقك وأما ذاك جائع يعنى جاء يريد أن يرى شكل الطعام فهذا يسليه فكيف إذا حصل بين يديه خبز ولحم خبز ولحم خبز ولحم يأكل منه ألف ثم يقول بعد ذلك أهدوا إلى الجيران ووزعوا على أهل المدينة فالناس أصابتهم مجاعة ووالله لو اجتمع أهل الأرض وكانوا مليارات وبلايين لأكلوا من تلك البرمة التى برك عليها نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام.
وتقدم معنا فى معجزاته تقدم معنا وطعامه عند النهى عن الإحصاء والعد والربط والاستقصاء قال لمن يعنى أحصوا ما عندهم لو تركتموه لقام لكم ما بقى تأكلون منه أنتم ومن يأتى إلى يوم القيامة لكن أنتم حرمتم أنفسكم تلك البركة هذا الحديث الأول إخوتى الكرام: فيه شد الحجر على بطن نبينا عليه الصلاة والسلام(139/13)
حادثة ثانية فى غير موقعة الخندق شد أيضا الحجر على بطنه الشريف عليه صلوات الله وسلامه حتى دعاه أبو طلحة إلى طعام لكن هناك لا يوجد صاع من شعير كيلوان ولا يوجد بهيمة إنما كسيرات فقط من خبز ويصب عليها شىء من الأدم فى عكة لو عصرناها نحن ما خرج منها قطرة تعصر فيها عكة فيها شىء من زيت أو ثمن على هذه الكسيرات من خبز الشعير يأكل منها ثمانون نفرا ثم يبقى بقيى ليهدى منها أيضا للجيران أيضا.(139/14)
الحادثة الثانية أيضا حديث صحيح رواه الإمام أحمد فى المسند والشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام مالك فى الموطأ وابن حبان فى صحيحه والترمذى فى سننه ورواه البيهقى فى دلائل النبوة ورواه حماد ابن إسحاق فى تركة النبى عليه الصلاة والسلام ولفظ الحديث عن أنس ابن مالك رضى الله عنه قال أبو طلحة لأم سليم رضى الله عنهم أجمعين قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شىء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبى وردتنى ببعضه ثم أرسلتنى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فى المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عليهم أى وقفت عليهم ومعه ما معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة وهو زوج أم أنس رضى الله عنهم أجمعين قلت نعم قال ألطعام قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم هذا الأمر اتركه لرسول الله عليه الصلاة والسلام والأمر ليس بتدبيرى ولا تدبيرك فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمى ما عندك يا أم سليم ماذا يوجد أقراص من خبز شعير فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام ما شاء أن يقول من الدعاء والالتجاء إلى رب الأرض والسماء ثم قال ائذن لى عشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لى عشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن(139/15)
لى عشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون.
وفى رواية أن أم سليم عمدت إلى مد من شعير والمد عند الجمهور الأئمة الثلاثة تقدم معنا ضبطه بالموازين الحديثة كم المد أربعمائة واثنان وثلاثون غراما لأن الصاع أربعة أمداد ألف وسبعمائة وثمانية وعشرين اقسمها على أربعة تخرج معك أربعمائة واثنان وثلاثون اضربها فى أربعة تصبح ألف وسبعمائة وثمانية وعشرون أوليس كذلك نعم قريب من نصف كيلو أربعمائة واثنان وثلاثون اضربها فى أربعة يصبح أف وسبعمائة وثمانية وعشرون غراما هذا هو الصاع، الصاع أربعة أمداد عمدت إلى مد يعنى أقل من نصف كيلو يعنى لو جبرنا الكسر لدى بدل اثنان وثلاثين أربعمائة وخمسين بقى نصف كيلو ناقص خمسون غراما أيضا أقل من نصف كيلو أوليس كذلك إلى مد من شعير هذا الذى عندها جشته وجعلت منه خطيفة يعنى طحنته والخطيفة لبن ودقيق يطبخ ويلعق يعنى هذا الذى هو مد من شعير طحنته ثم بعد ذلك طبخته ووضعت معه شيئا من اللبن ليعقد دقيق ولبن حتى يرمى ويصب فى القصعة والناس يلعقون منه ويأكلون يأتى ثمانون شخصا يلعقون بنصف كيلو من شعير وعصرت عليه عكة لها ليصبح شىء من الدسم مع اللبن وخبز الشعير ثم بعثته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والرواية كما قلت فى الصحيحين وهذه رواية البخارى فأتيته وهو فى أصحابه فدعوته فقال ومن معى يأتى أيضا الصحابة الحاضرون فجئت فقلت أنه يقول ومن معى فخرج إليه أبو طلحة فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو شىء صنعته لك أم سليم بنصف كيلو وأقل هذا لك خاص لتأكله فدخل فجىء به وقال أدخل على عشرة حتى عد أربعين ثم أكل النبى عليه الصلاة والسلام ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شىء فى رواية لمسلم.(139/16)
قال أنس بعثنى أبو طلحة رضى الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل طعاما قال فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس فنظر إلى فاستحيت فقلت أجب أبا طلحة يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال للناس قوموا فقام أبو طلحة فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعت لك شيئا فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة ثم قال أدخل نفرا من أصحابى عشرة وقال كلوا وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه فأكلوا حتى شبعوا فخرجوا فقال أدخل عشرة فأكلوا حتى خرجوا فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبعوا ثم هيأها يعنى جمعها الذى بقى وجمعها على بعضها فإذا هى مثلها حين أكلوا منها.
وفى رواية فوضع النبى عليه الصلاة والسلام يده فيه وسم عليه ثم قال ائذن لى عشرة فأذن لهم فدخلوا فقال كلوا وسموا الله فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ثم أكل النبى عليه الصلاة والسلام بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرا عنى بقية ليهدى منها كما سأتينا إلى الجيران وفى رواية قال أبو طلحة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان شيئا يسيرا قال هلمه فإن الله سيجعل فيه البركة فاكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت ثم أفضلوا ما بلغوا إلى جيرانهم.
وفى رواية أخرى ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس وفضلت فضلة فأهدوا منها لجيراننا.(139/17)
وفى رواية أخرى أنه سمع أنس ابن مالك يقول جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه قد عصب بطنه بعصابة على حجر والرواية فى الصحيح قال فقلت لبعض أصحابى من القائل أنس رضى الله عنه لم َعصب رسول الله عليه الصلاة والسلام بطنه الآن كشف لى عن بطنه ورأيت هذه الحجر هذا أمر غريب لم َعصب بطنه فقالوا من الجوع فركض إلى زوج أمه وإلى أمه يخبرهما بحال النبى عليه الصلاة والسلام فذهبت إلى أبى طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان فقلت يا أبتاه قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فدخل أبو طلحة على أمى فقال هل من شىء فقالت نعم عندى كسر من خبز وتمرات فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاءنا آخر معه قل عنهم يعنى لو واحد فقط معه يقل الطعام ولا يشبع النبى عليه الصلاة والسلام ثم ذكر الحديث بمعنى ما تقدم.
إذن هذه حالة أخرى عصب النبى عليه الصلاة والسلام بطنه بحجر وجعل الله بعد ذلك العسر يسرا وجعل له معجزة وكرامة بحيث نصف كيلو من الشعير كفت ثمانين رجلا ثم أكل النبى عليه الصلاة والسلام وأكل أبو طلحة وأم طلحة وأنا ثم أهدوا إلى الجيران.(139/18)
الحادثة الثالثة أذكرها إخوتى الكرام وبعد الحوادث الثلاثة تحتاج إلى تعليق فى موضوع تعصيب بطن نبينا عليه الصلاة والسلام بحجر وما الفائدة من ذلك ووهم بعض أئمتنا الكرام فى هذه الحوادث هذا يأتى الكلام عليه فى الموعظة الآتية لكن أختم كما قلت هذا الموعظة بالحديث الثالث رواه الإمام الترمذى فى سنه وفى الشمائل وقال عنه غريب وسبب غرابته واستغراب الإمام الترمذى له أنه من رواية سيار ابن حاتم العنزى أبو سلمة البصرى وهو صدوق له أوهام توفى سنة مائتين أو قبلها وحديثه فى السنن الأربعة إلا سنن أبى داود وحديثه يشهد له شواهد كثيرة وكما قلت هو فى السنن والشمائل المحمدية على نبينا صلوات الله وسلامه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا ثيابنا عن حجر حجر إلى بطوننا نضع كل واحد حجرا على بطنه فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيابه عن حجرين يعنى إذا أصبتم بشدة فهو يتحمل ما هو أشد عليه صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام: ما يتعلق بهذه الأحاديث وبموضوع شد الحجر على البطن عند الجوع يأتينا الكلام عليه على وجه الاختصار إن شاء الله وكما قلت مع التنبيه على وهم بعض علمائنا الكرام فى هذه الأحاديث وظن أنه يوجد تصحيف فى هذه الروايات ولا تصحيف فيها يأتى الكلام على هذا فى الموعظة الآتية إن شاء الله
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلسما كثيرا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب سميع مجيب الدعوات.(139/19)
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(139/20)
علامات صدق النبي (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
قلت: بل يزيدون.
السؤال السادس: قال فهل يرتد أحد منهم سَخطةً سُخطة بفتح السين وضمها، سخطة، أى كراهية لدينه، هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه سخطاً لدينه؟ كراهية له وعدم محبة فيه بعد أن يدخل فيه، أحد ارتد من الصحابة، قلت: لا، وإنما قال سخطةً ليخرج لنا الإكراه وإذا أكره الإنسان على الكفر كما حصل من عمار بن ياسر {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ، فكونه كفر من باب الإكراه ليتخلص من القتل وقال فى الإسلام قولاً منكرا هذا لا إثم عليه ولا يعتبر أنه كره الإسلام وخرج منه، إنما يريد هو كره الإسلام، بعد أن دخل قال " هذا دين عفن دين باطل لا قيمة له، وجد أحد من الصحابة قال هذا، أما أنه أكره، أو ترك الإسلام من أجل عرض دنيا ما نتحدث عن هذا، أسألك أحد كره الإسلام بعد دخوله وقال فيه منقصة، قلت: لا.
فسأله السؤال السابع: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، هذا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى ادعى أنه نبى فيكم، قبل أن يدعى النبوة أحد منكم ينقل عنه كذبا وتتهمونه بذلك؟ وانظر إلى كلام هرقل ودقة احتياطه ما قال: هل كان يكذب؟، إنما قال: هل تتهمونه؟ لأنه إذا انتفت التهمة فالكذب منفى من باب أولى، لكن قد ينفى الكذب لا يكذب وهم يتهمونه، أنتم عنكم شك فى صدقه، لا أقول يكذب هذا مفروغ منه إذا كلن نبياً لن يكذب، لكن أنتم عندكم كان شك فيه، هم كانزا يسمونه بالصادق الأمين فداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه، هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.(140/1)
السؤال الثامن: فقال هرقل: فهل يغدر؟، إنتبه لقول أبى سفيان وما استطاع أن يضيف شيئاً من البهتان إلا فى هذه الجمل، قلت: لا، ونحن منه فى مدة أى فى صلح،، الآن صلح الحديبة وضع فى الحرب عشرة سنين بينهم وبين النبى الأمين عليه الصلاة والسلام ثم غدروا ففتحت مكة بعد سنتين فى العام الثامن، هذا لغدرهم، قلت: لا ونحن منه فى مدة، لا ندرى ما هو فاعل فيها، يعنى هل سيغدر الآن أم لا، لاندرى، وإنما قال أبو سفيان هذا لأنه الآن بإمكانه أن يقول هذا لأنه مستقبل وهو غيب ولا أحد يقول له تكذب أو تصدق، يقول: فما التفت إلىّ هرقل عندما ذكرتها، يعنى يعلم أنها كذبة، لكن لن يقول له: إنك كذاب، ما يوجد دليل، يعنى المستقبل هل سيغدر أم لا؟ ما نعلم، أنتم تعلمون قطعاً أنه لا يغدر، هل يغدر؟ قلت: لا ما غدر لكن نحن منه فى مدة صلح لا ندرى ما فاعل فيها، سيغدر أم لا لا ندرى، فما انتبه ولا التفت إليها هرقل ويعلم أن هذا غاية ما فى وسع أبى سفيان أن يزيده، قال أبو سقيان: ولن يمكنى كلمة أدخل فى كلامى غير هذه، لماذا؟ لأن هنا عنده مبرر، كما قلنا أمر سيقع فى المستقبل وهو غيب، وما يستطيع أحد قيول له تكذب لن يغدر هذا علمه عند الله، فلكن هرقل عرف المراد أرض عنه ووجه إليه السؤال التاسع.(140/2)
السؤال التاسع: قال: هل قاتلتوه؟ قلت: نعم، لا زلنا فىالسؤال التاسع، قال: كيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ننال منه وبينال منا، نال منا فى موقعة بدر ونلنا منه فى موقعة أحد، هذا من حيث الظاهر لكن أى نصر حصل للمشركين فى موقعة أحد، كما قال لهم المشركون فى مكة: لا محمد قتلتم عليه الصلاة والسلام ولا الكواعب أردفتم ما أتيتم ولا بسرية ولا بمؤمنة من أجل أن نلهو وأن نعبث بعرضها، لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم ولا المغانم أحرزتم بأى نصر، يعنى فقط حصل من المسلمين ما حصل من مخالفة أمرهم للنبى عليه الصلاة والسلام أن أصيبوا فقتل منهم سبعون لكن ولى أبو سفيان ومعه الأدبار بعد النصر هذا نصر؟ طيب المدينة أمامك مفتوحة أدخل واستأصل خضراء المسلمين ولا تترك منهم ديارا، اما أنكط جئت يعنى فى معركة هكذا ساعات أثبت رجولة وهربت، يعنى كما يقال: اضرب واهرب هذه ليست شجاعة، الأصل اضرب واثبت، أما اضرب واهرب هذه ليست شجاعة، فلكن من حيث الظاهر هى نصر، يعنى من حيث الظاهر قتلوا سبعين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هذا من حيث الظاهر، لكن أى نصر يعنى المنتصر يهرب هذا ما حد سمعها، لعله فى هذه الأيام نصر الناس أشنع من نصر المشركين فى يعنى موقعة أحد أشنه تراه يذبح تؤخذ منه بلاده ويقول انتصرنا، كيف انتصرنا؟ يقول: حررنا إرادة الإنسان العربى، ما شاء الله على هذا النصر، ذبح وأخذت البلاد وهتكت الأعراض وما بقى بعد هذا الذل ذل، يقول: نحن فى نصر، ما نصرك؟ حررنا إرادة الإنسان العربى وقفنا أمام أكبر دولة، ما شاء الله على هذا الوقف، على هذه الوقفة التى يقفها الناس فى هذه الأيام، وهكذا المشركون لكن أولئك من حيث الظاهر أحرزوا نصراً يسيراً ثم هربوا، وهذا ليس بنصر، النصر كان نبينا عليه الصلاة والسلام إذا حارب قوماً وانتصر عليهم يقيم ثلاثة، لا يفارق المكان ثلاثة أيام، ثم يعود إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات(140/3)
الله وسلامه، هذه هى الرجولة، انتصرنا عليكم بإمكانكم أن تستأنفوا القتال وأن يأتيكم مدد فنحن رجال ننتظركم، أنتم انتصرنا عليكم وهربتم، خلاص ماذا نعمل؟ نحن حصلنا المراد، هذه هى الرجولة وهذا هو النصر وهذا هو الحرب، فقال: هل قاتلتموه، قلت: نعم، قال: كيف كان قتالكم إياه، قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، من السجل وهى الدلو والزنوب العظيمة، كأنه يريد أن يجعل المقتتلين كالمستقيين الذين يستقيان من البئر، أنا أستقى دلواً وأنت دلوا، وهنا مرة أنا أنتصر ومرة أنت تنتصر، الحرب بيننا وبينه سجال، كأننا نستقى من بئر نحن دلو وهو دلو، هذا من حيث الظاهر كما قلت، تركه هرقل يعنى من حيث الظاهر انتصروا فى موقعة أحد، ختام الأسئلة وهو العاشر.
السؤال العاشر: قال: بماذا يأمركم؟ وفى هذا دليل على أن النبى لابد من أن يأمر لأنه مبلغ عن الله جل وعلا، وما يأتى نبى لا يامر ولا ينهى فأى فائدة من نبوته؟، بماذا يأمركم؟، قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما كان يعبد آباءكم ويأمرنا بالصلاة والصدق، وفى رواية بدل الصدق والصدقة، وفى رواية جمع بين الأمور الثلاثة، بالصلاة والصدق والزكاة، والعفاف وصلة الأرحام، إذاً اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والصدقة التى هى الزكاة والعفاف وصلة الأرحام.(140/4)
هذه عشرة أسئلة وهرقل هو شيخ النصارى وسيأتينا كان أسقفى، سقفا، أى من أساقفتم، ورؤساءهم فى الدين مع كونه حاكما وهو نصرانى عدو للإسلام والمسلمين، سأل هذه الأسئلة، انظروا لجوابه، وللشهادة التى أنطق الله بها هذا الكافر كيف شهد لنبينا عليه الصلاة والسلام بعد أن سأل هذه الأسئلة ولم يرى النبى عليه الصلاة والسلام، فقال لترجمانه: قل له سألتك عن نسبه فيكم، فذكرت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تعبث فى نسب قومها، أى تبعث من الأسر الشرسفة الكريمة، لأنه لو كان نسبه نازلا، ليس عليه منقصة عند الله، لكن يحقر عند أهل الأرض، فلألا يكون فى النبى مطعن كما تقدم معنا فى خلقه وخلقه يختار ويكون خياراً من خيار من خيار، على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث فى نسب قومها.
السؤال الثانى: وسألتك هل قال هذا القول أحد قط قبله، فذكرت أن لا فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله لكان يتأسى يأتسى، يعنى يقتدى بقول قيل قبله، يعنى لو هذا فاشى فيكم ومنتشر وكل سنتين واحدمنكم يدعى النبوة، لقلنا هذا على شاكلة المنبئين الكذابين، فالأمر ليس بغريب عليه، أما أنتم ما تعلمون أحداً ادعى النبوة ولا الرسالة، إذاً هذا أوحى إليه فهو حق وصدق وليس هذا من باب تقليد المتقدمين،
وسألتك، هل كان فى آباءه من ملك، مَلِك، مَن مَلَك، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان فى آباءه ملك لكان يطلب ملك أبيه، جاء ليتشرف عليكم ويتسود فادعى النبوة والرسالة.(140/5)
وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاءهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، ولذلك قال قوم نوح لنبى الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كما حكى الله عنهم هذا فى سورة هود {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين. أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} ، من فضل: فى الغنى والجذى واليسار والثروة والمال { ... وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} ، إذاً اتبعت الذين هم أراذلنا من أول وهلة، وهذا الذى عيروا به نبى الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وجعلوه من المنفرات عن اتباعه هو فى الحقيقة من موجبات اتباعه لأنه عندنا أغنياء متغطرسون أهل جبروت وعلو، وعندنا مساكين مهتدون، عندما يأتى الحق ليس بين الضعفاء ولا بين أعل القلوب الطاهرة من مانع يمنعهم من اتباع الحق، وأما اؤلئك يقول: إذا اتبعنا الحق ذهب عزنا ذهب ملكنا، يطلب كمنا بعد ذلك مساعدة للفقراء كل هذه تعتبر من الموانع، وهى موانع مصطنعة، أما إذا كانت النفس طاهرة وليس عندها مانع بعد ذلك من هذه الموانع والحواجز الدنيوية وبلغتها دعوة الحق هذا دين الفطرة، تهتدى به بلا توقف.
وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون فى ازدياد، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.(140/6)
وسألتك: لا إله إلا الله، هلى يرتد أحدمنهم لسخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حينما تخالط بشاشته القلوب، القلوب مفعول به، تخالط بشاشة الإيمان القلوب، لا يسخطه أحد أى حلاوة الإيمان إذا دخلت إلى قلب الإنسان لا يسخطه، وضبط وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، لا إله إلا الله، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلب، بشاشة القلوب، فإذاً هنا، هناك تخالط بشاشته القلوب، يعنى حلاوة الإيمان تخالط القلوب وأما هنا نور القلب انشراح الصدر يخالط الإيمان ويسكن فيه على التمام، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب،،وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، يخالط بشاشة القلوب، لا سخطه أحد.
ثم قال له وهو الآن السؤال السابع أليس كذلك، السابع، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد كنت أعرف أنه لن يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، يعنى لبس فيكم عمراً طويلا، {فقد لبثت فيكم عمر من قبله أفلا تعقلون} ، أربعين سنة وما جربتم عليه كذباً قط، هل يليق بهذا الصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه أن يترك الكذب على الناس ثم يكذب على رب الناس، هذا لا يمكن أن يصدق بحال من.
وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وأما تلك، ونحن منه فى مدة هذه ما التفت لها ولا يمكن أن نحكم عليها لا بصحة ولا ببطلان إذا نهملها والمستقبل يكشف عنها، هل سيغدر أم لا؟ هذا المستقبل يكشفه، فهل يغدر؟ قلت: لا، وكذلك الرسل لا تغدر، لما لا يغدر الرسل؟ لأنهم لا يريدون بدعوتهم الدنيا، فلا يمكن أن يجرى منهم غدر على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.(140/7)
والأمرالثامن إخوتى الكرام: سألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، قلنا ما ذكره أبو سفيان باطل وبهتان، عندما قال: ونحن منه فى مدة أى صلح لا ندرى ما هو فاعل فيها، هذا كذب، والتنقيص على قسمين، تنقيص حقيقى أن يقول: يغدر وهنا يفتضح ويكذب، وتنقيص نسبى، وهو أن يقول يتوقع منه الغدر فى المستقبل ولا نعلم، والأصل لو كان صادقاً فى كلامه لقال كما أنه لم يغدر فى السابق لن يغدر فى الاحق، بقى معنا بعد دعوى النبوة ثلاثة عشر سنة فى مكةوستة سنوات فى المدينة، تسعة عشر سنة ما رأينا منه غدراً، فلا يمكن أن يغدر بعد ذلك انتهى، لكن هذه هى معادن الكفار الأشرار فى كل وقت، إذا أمكنه أن يؤذى مسلما أمكنه آذاه بما يستطيع، يعنى هو ليس بإمكنه أن يكذب كذباً صريحا من أجل أن يفتضح ويكشف، وإذا ظهر هرقل بعد ذلك على حقيقة أمره بطش به وقتله، إذا هو غاية ما عنده أنه يكذب فى أمر مستقبل لا يعلم فى هذا الوقت يعنى حقيقته، نفوض الأمر لا ندرى ما هو فاعل، فى الحقيقة يقصد التحقير لكن تحقير نسبى ليس حقيقى، والأصل أن يقول: ما غدر ولن يغدر، وهكذا كما قلت حال الكفار، إذا ما أمكن أن يقتلك يطأ على ظلك {لا يألونكم خبالا ودّو ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفى صدورهم أكبر} ، يغدر لا لكن نحن منه فى مدة لا ندرى ما هو فاعل فيها.
الأمر التاسع: لا إله إلا الله، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قاتلتموه وأن الحرب بينكم وبينه سجال، قال هرقل: وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، انتصرتم فى أحد وقتلتم من قتلتم هذا ليحصل التمحيص وليميز الله الخبيث من الطيب وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، الرسل يبتلون ويؤذن، لكن فى النهاية ثم تكون لهم العاقية.(140/8)
وسألتك: ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم تعبدوا الله وحده لا شريك له وان تتركوا ما يعبد آباءكم ويأمركم بالصلاة والصدق والصدقة والعفاف والصلة، وهذه صفة نبى، لا يأمر بهذه الأمور إلا نبى، وفى رواية قال: إن كان ما تقول حقا، ما ذكرته لا كذب فيه فإنه نبى، هذا كلام هرقل، علامات لابد منها، هنا علامات تتعلق بعدة أمور بنسبه باصحابه بدعوته، وكما قلت سأفصل الكلام على واحدة من هذه الأمور فى موعظة، أقرأ لكم الحديث إخوتى الكرام فله بعد ذلك تكملة فى بيان حال هرقل ومصيره وإلى أى شىء صار، وكما قلت الحديث فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى وهو فى أعلى درجات الصحة.(140/9)
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، جماعة ثلاثين أو عشرين ـ وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ ـ وقلت كانوا فى ذلك الوقت فى مدينة غزة ـ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، (ماد: صالح وهادن وعاهد، وكان هذا فى صلح الحديبة فى العام السادس على أن تترك الحرب بين المشركين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام والمؤمنين عشرسنين، ثم نكسوا ففتحت مكة فى العام الثامن) ـ فَأَتَوْهُ (أى لهرقل، لا إله إلا الله) فأتوه وَهُمْ (إذا أن أباسفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه فى ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام فى المدة التى كان رسول صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه (أى إلى هرقل) وهم بِإِيلِيَاءَ (وهى بيت المقدس) فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ (البطارقة والقسس) ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.(140/10)
فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ (لتُرجمانه) قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا (يأثُروا) عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ (مَلِكٌ، مَن مَلَكَ) قُلْتُ لاَ. قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.(140/11)
قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، (وكأن أبا سفيان يقول يعنى وترك ما عليه الآباء صعب عندنا وعندكم يا معشر النصارى فأتانا بشىء مردود، كيف نترك ما عليه الأباء، لا إله إلا الله) وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ (وقلت لكم فى بعض الروايات بالصلاة والصدقة والزكاة وفى بعضها والزكاة والصدق، واجمعوا بينها يصبح بالصلاةوالصدق والعفاف والصدقة والصلة) . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ (فى هذه الرواية هنا تقديم وتأخير فى الأجوبة والأجوبة رتبتها لكم على حسب الأسئلة كما هى من روايات صحيح البخارى ومسلم عليهم جميعاً رحمه الله.(140/12)
فقال للترجمان قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي (يتأسى) بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ (سُخطة لدينه) بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وحده، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.(140/13)
إنتبه ماذكر أمر الجهاد هنا، وأنهم ينالون منه وينال منهم، ما ذكر هذا هنا، وهو وارد فى روايات البخارى عندما قال له: وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، هذا ثابت فى الصحيحين، لكن فى هذه الرواية ما ورد، وهنا بعد ماذا يأمركم عقب على هذا السؤال العاشر، قال: هذه صفة نبى، إن كان ما تقول حقا فهو نبى، ثم قال هرقل: فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، (هذه البلاد ستكون فى نهاية الأمر وهى بلاد الشام بيت المقدس وبلاد الشام كلها ستكون ملكاً للإسلام، إن كان ما تقول حقا، هذا نبى وسيظهره الله على أهل الأرض) وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، (حسب ما عندنا فى الكتب السابقة من الإنجيل والتوراة) لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، (يا معشر العرب وأنتم الآن ستفوقون بهذه المرتبة) فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ (بضم اللام، أى أصل إليه وأقترب منه وأكون عنده) أنى أخلص إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، (أى لتكلفت وتحملت الصعوبات من أجل الوصول إليه) وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ.(140/14)
(وفى رواية لقبلت رأسه وغسلت عن قدميه) ثُمَّ دَعَا (أى هرقل) بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، (وعظيم بصرى هو أمير ورئيس حوران، وهى مدينة فى بادية الشام قرب الشام، دمشق) ، ثم دعابِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أى هرقل) الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ (بعثه النبى عليه الصلاة والسلام مع الصحابى دحية، دحية الكلبى، وكان جبريل على نبينا عليه صلوات الله وسلامه كثيراً ما يأتى فى صورة دحية، بعث النبى عليه الصلاة والسلام بكتاب إلى عظيم بصرى أآ إلى ملكها وأميرها.، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ (فعظيم بصرى حول الكتاب إلى هرقل لأنه هو صاحب المملكة العامة وهو المسئول عن الأمراء) فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ (ويقال: هِرْقِل) عَظِيمِ الرُّومِ. سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، (ليس فيه تحية لكافر ولا بدء له بسلام، إنما فى ذلك إخبار أن من تبعى الهدى فله من الله السلام والأمان ومنا كذلك) سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (إذا لم يتبع عليه إثم عظيم كما سيأتينا فى نهاية الرسالة) أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، (أى بالدعوة التى بعثت بها، وهى أن تسلم لله جل وعلا) أَسْلِمْ تَسْلَمْ، (وليت هرقل وعى هذا وعلم أنه إذا أسلم سيسلم فى دنياه وفى أخرته ولن يمس بسوء، لكن الخبيث ظن بملكه وآثر الدنيا على الأخرة) يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، (لما؟ لأمرين اثنين، لأنك آمنت بالنبى السابق ثم آمنت بالنبى اللاحق.(140/15)
وقد ثبت فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى وابن ماجة والحديث فى أعلى مراتب الصحة من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل كتاب آمن بنبيه ثم آمن بى على نبينا صلوات الله وسلامه، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها وأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران أجر التربية والتعليم والعتق ثم الزواج بها عندما جعلها حرة وسترها عن طريق النكاح الذى أحله الله، هؤلاء يؤتون أجرهم مرتين،) يؤتك الله أجرك مرتين، والأمر الثانى إذا أسلمت الرعية ستتبعك فلك أجرك وأجورهم، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ (بفتح الهمزة ويقال: الإرسيين، ويقال: اليراسين، ومعناه الأكار وهو الفلاح المزارع، اسمه الأرسيين واليراسين الإرّسيين الفلاح المزارع، بمعنى العامى، يعنى عليك إثم رعيتك الذين يتبعونك وغالب الرعية أهل فلاحة وزراعة وعامة هذا غالب الرعية، وخواصك وبطارقتك هؤلاء يشاركون فى الوزر تحمل أنت يعنى ومن معك إثمكم وإثم هؤلاء الأرسيين، الإرسيين واليراسين.(140/16)
{قل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، (يعنى من قرأة الكتاب الذى بعث به دحية إلى هرقل عظيم الروم) وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، (يعنى الضجيج والكلام والمجادلة من هؤلاء البطارقة والقسس وخواص أصحابه) وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، (قيل أخرجوا يا معشر العرب عندنا ما يشغلنا عنكم الآن أخرجوا) ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ (أمِر أى بلغ وعظم) أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، (يعنى نبينا عليه الصلاة والسلام، وكانوا يعيرونه بهذا الوصف، وهذه كنية قيل لبعض أجداده من أمه وقيل من أبيه وقيل من مرضعته حليمة السعدية، إذاَ يكنى بأبى كبشة، فإذاً كانوا ينسبونه إليه قيل للإحتقار والتصغير، يعنى إنُّ هذا الذى جده البعيد يكنى أبى كبشة صار له شأن وملك الروم هرقل يخافه، قيل أبو كبشة رجل كان من قبيلة خزاعة لا يعبد صنماً معينا وهى الشعرى التى كانوا يعبدونها فكان كل من لا يعبد هذا الصنم أو ينحرف عن عادة من عادات الجاهلية يقولون هذا حاله كحال أبى كبشة، وهذا كأنه على طريقته وإبن له، والعلم عند الله) .(140/17)
لقد أمِرَ (يعنى بلغ وعظم وصار أمر (يعنى شأن) ابن أبى كبشة (يعنى بينا عليه الصلاة والسلام) إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ (ملك الروم هرقل يخاف هذا اليتيم الذى طردناه من مكة وهو فى المدينة على نبينا صلوات الله وسلامه) . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ (يعنى زال اليقين، فى العبارة إشكال، مَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ، ما هو التقدير؟ فأظهرت يقينى وجهرت به ما زلت موقناً حتى أظهر علىّ الإسلام، ليس يعنى بطل اليقين، إنما أظهرته، هذا اليقين الذى كان فى قلبى وانا موقن أن الله سيظهر النبى عليه الصلاة والسلام، كان مكتوما فلما أسلمت أظهرت هذا اليقين. قال: وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ (لأن هرقل كانت مركز ملكه ومملكته فى حمص من بلاد الشام، ووكان على إيلياء ابن الناطور، وهنا عظيم بصرى أمير أخر، وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سُقُفًّا (سُقِفا أُسقُفّا أُسْقٌفَا، وهى معناها العالم الذى له شأن فى النصرانية، كما يقال: شيخ إمام، سُقُفاً عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، (يعنى هرقل وابن الناطور أمرآء وعلماء فى النصرانية) يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ (على ابن الناطور فى بيت المقدس) أَصْبَحَ يَوْمًا (يعنى هرقل) خَبِيثَ النَّفْسِ، (يعنى استيقظ ونفسه يعنى كئيبة حزينة) فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.(140/18)
قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً (بالزاى ليس بالذال، والحزّاء هو الذى ينظر فى النجوم ويزعم أنه يستدل بها على المغيبات، وقيل الحزاء هو صاحب الفراسة،) وكان هرقا حزاء يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، (وضبط مُلْكُ الخِتان قد ظهر، ملكهم يعنى حكمهم، ملك الختان من سيملكهم قد ظهر وسينتشر سلطانه فى هذه الحياة، سيملك الناس فى هذه الحياة من يأمر أتباعه بالختان، والنصارى لا يختتنون عليهم لعنات الحى القيوم، بل ولا يستنجون.
اختصم مرة نصرانيان وهذه النكت اللطيفة التى تذكر فى أحوال النصارى، إختصم نصرانيان، فمد يده إلى مؤخرته أحدهما وهو من القسس وأخذ قطعة من القلق التى يكون يعنى من الغائط اليابس فى مؤخرته كما يكون فى الغنم وضرب بها خصمه، فقال له: آه، يعنى كدت أن تشق رأسى، قال: ضربتك بالرطبة، لو ضربتك باليابسة لقلعت رأسك، هذا حالهم لا يختتنون ولا يستنجون، لا إله إلا الله.(140/19)
هذا يقول: إنى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان، ليس مَلَكَ، مَلِك، يعنى الذى سيملكهم، يملك أمة تختتن، مَلِكَ الختان قد ظهر، مُلْكَ الختان قد ظهر، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ (من أهم يعنى لا تغتم ولا تنزعج) وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ (لألا يكون لهم الملك) . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذا وصل متعددون، بصرى وهنا ابن الناطور، ملك غسان يرسشلون الخبر إلى هرقل وأنه أتتنا كتب من رسول صلى الله عليه وسلم، وقد انتشر أمره وأنت الملك الأعظم فى المملكة النصرانية فماذا عندك؟) أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ (أرسل برجل هذا الرجل جاء من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، بخبر إلى ملك غسان، فأرسله إلى هرقل ليستفسر منه ويسأله عن أحوال النبى عليه الصلاة والسلام، فلما استخبره هرقل، قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ (هذا الذى من هذا النبى عليه الصلاة والسلام هذا الرسول الذى جاء لملك غسان وأرسله إلى هرقل يختتن؟ إكشفوا عن مئزره وانظروا إلى سوءته. فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.(140/20)
ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، (وذاك أيضاً عظيم من عظماء الروم، وهو أيضاً أسقف على النصارى كهرقل، مع أنه أيضاً حاكم) وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، (يعنى يسأله هل عندك خبر عن هذا النبى عليه الصلاة والسلام، وهل هذا وقت ظهوره؟) وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، (إلى مكان مملكته) فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ (يصل إليها، يستقر فيها) حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ (صاحب رومية) يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ (أذِن من الإذن بمعنى الترخيص، أو آذن هرقل، أعلم ودعى) لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ (والدسكرة هى القصر الذى حوله يعنى سور واسع، يقال له دسكرة، قصر وحوله سور واسع عالى مشرف، وهذه الدسكرة قصر حصين لا يمكن أن يدخل إليه من فى السور إذا كانت الأبواب مغلقة) فأذن هرقل لعظمار الروم فى دسكرة لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا.(140/21)
(وفى رواية فتتابعوا) هَذَا النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ (هو أدخلهم فى السور وأغلق باب الدسكرة) ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَىَّ. وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ، (أى فيما يتعلق بهذه القصة، لكن حياته إمتدت وقاتل المسلمين فى العام الثامن للهجرة فى موقعة مؤتة بألفى مقاتل، وقاتل بعد ذلك وجهز جيشاً كبيراً ليقتل النبى عليه الصلاة والسلام فى غزوة تبوك فى العام العاشر، وكتب له النبى عليه الصلاة والسلام كتاباً يدعوه إلى الإيمان وكاد أن يؤمن ثم لم يؤمن، وكتب للنبى صلى الله عليه وسلم كتاباً فقال: أسلمت، فقال النبى: كذب عدو الله على نبينا صلوات الله وسلامه، إنه على نصرانيته، ثم قيل: امتدت حياته لعهد أبى بكر وعمر، ثم زال ملكه فى عهد عمر عندما فتحت بلاد الشام فى العام السادس للهجرة بعد هذا الكتاب بعشر سنين بقيادة أبى عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذلك فى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.(140/22)
ما يتعلق بهرقل بعد ذلك وحال إيمانه، أترك الكلام عليه لأول الأتية إن أحيانا الله وأكمل بعد ذلك العلامات والكلام عليها وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(140/23)
علامات صدق النبي (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
علامات صدق النبي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
تدارسنا المبحث الثانى من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقد دار المبحث الثانى حول تعريف النبى والرسول والصفات التى ينبغى أن توجد فى كل منهما ليكون كل منهما نبياً ورسولا لله جل وعلا على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقبل أن ننتقل إلى المبحث الثالث فى بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، بقى معنا كما ذكرت فى الموعظة الماضية فى أخرها أمر يسير قصير يرتبط بموضوع تعريف النبى والرسول والصفات التى ينبغى أن توجدفى كل من النبى والرسول، وهذا اتلأمر الذى بقى هو بيان عدة أنبياء الله ورسله على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، كم عدد الأنبياء؟ وكم عدد الرسل؟ عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، هذا يرتبط بالمبحث الثانى فى بيان تعريف النبى والرسول وصفات كل منهما ثم بعد ذلك كما قلت عدد الأنبياء والرسل لعلمائنا الكرام أهل الهدى أهل السنة قولان فى بيان عدد الأنبياء والرسل.(141/1)
القول الأول: ونسب إلى الجمهور كما فى شرح الطحاوية للإمام ابن أبى العز فى صفحة 262، فقال: نعلم ونوقن ونجزم أن أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عددهم كثير، وهم جمٌ غفير، لكن ليس عندنا علم بعدد معين لهم، إنما نعلم أنهم عدد كثير جم غفير، فما من أمة إلا وقد بعث الله فيها نذير وما من أمة إلا وقد جاءها نذير، وهذا القول كما قلت نسب إلى الجمهور وقرروه بدليلين معتبرين محكمين من حيث الظاهر.
الدليل الأول: قالوا لم يرد خبر صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام فى بيان عدد انبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وطريق الكلام فى هذه المسألة هو النقل لا العقل، فلا يجوز للعقل أن يحدد عدداً معيناً لأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وعلى هذا القول يقولون لم يرد خبر صريح صحيح عن النبى عليه الصلاة والسلام فى بيان عدد أنبياء الله ورسله فنمسك عن بيان العدد ونوقن بأن جميع الأمم السابقة جاءها أنبياء وبعث إليها رسل وقد بلغوا دعوة الله جل وعلا على أتم وجه وأكمله، هذا الدليل الأول.، وهو كماترون يعتمد على النفى أنه ما ورد نص صحيح عن نينا عليه الصلاة والسلام فىى بيان عدد أنبياء ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.(141/2)
والدليل الثانى: قالوا نص الله جل وعلا فى القرآن أن كثيراً من أنبياء الله ورسله الكرام على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أن كثيراً من أنبياء الله ورسله ما ذكر شأنهم وخبرهم وأمرهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام مما يدل على أن عددهم مثبوت عنه، قال الله جل وعلا فى سورة النساء {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا. ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل (إنتبه لموطن الدلالة) ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما} ، ورسلا لم نقصصهم عليك.
إذاً هناك عدد من أنبياء الله ورسله ما قص خبرهم ولا ذكر شأنهم ولا أعلم نبينا عليه الصلاة والسلام بحالهم وأمرهم على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فلهذين الدليلين يقول جم غفير من أهل السنة الكرام لا يعلم عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.، الأمر الأول: لم يرد فى بيان عددهم والإخبار بعدتهم خبر صحيح.، الثانى: قول الله { ... ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، فلهذين الدليلين نمسك عن بيان عددهم والإخبار بعدتهم، ونقول إنه جم غفير وعدد كثير {فما من أمة إلا قد خلا فيها نذير} .
القول الثانى: وهو فيما يظهر لى والعلم عند ربى أقوى القولين، وإن نسب القول الأول إلى جمهور أهل السنة من باب التجوز، والحقيقة يعنى، هل القول الأول قال به الجمهور أم لا؟ يعنى فيما وقفت عليه أن كثيراً من العلماء نصوا على القول الثانى وأخذوا به واعتمدوه ووجد ما يقرره ويدل عليه، والقول الأول حكى فقط، يقال: هو قول الجمهور، والذى يبدوا لى والعلم عند ربى أن النسبة فيها شىء من التجوز والتساهل وأن هذا ليس بقول الجمهور ولعل القول الثانى هو قول الجمهور والعلم عند العزيز الغفور.(141/3)
القول الثانى: خلاصته نعلم عدد أنبياء الله ورسله، أما الرسل فهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا، وأما الأنبياء فهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وتقدم معنا الفارق بين النبى والرسول فى المبحث الماضى على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقد ثبت الحديث بذلك فقولهم فى الدليل الأول لم يرد خبر صحيح هذا على حسب علم القائل وإلا فقد ورد خبر صحيح أما الرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه فقد ثبت فى بيان عددهم خبر صحيح إسناده كالشمس ذكره الحاكم فى المستدرك وصححه، وهكذا وافقه عليه الإمام الذهبى فى تلخيص المستدرك، وقد نصا الحاكم والذهبى بعده على أن إسناد الحديث على شرط الإمام مسلم، والحديث فى الجزء الثانى صفحة 262 ولفظ الحديث عن أبى أمامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كم كانت عدة الرسل؟ فقال: ثلاثمائة وخمسة عشر] .
إذاً الحديث الصحيح فى بيان عدد الرسل وأما الأنبياء مع بيان عدد الرسل معهم فقد ورد ذلك فى حديثٍ ضعيف لكن من عدة طرق وقد صحح الحديث بعض أئمتنا كما سأذكر فتتقوى هذه الطرق ببعضها ويصبح إذا عندنا حديث ثابت فى بيان عدد الرسل، وحديث ثابت بطرقه فى بيان عدد الرسل والأنبياء على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.(141/4)
أما الحديث الذى فيه التصريح ببيان عدد أنبياء الله ورسله وأن عدة الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن عدة الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر، ورد ذلك فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وأورده فى صحيحه وصححه، ورواه الحاكم فى المستدرك وصححه لكن تعقبه الذهبى بأن فى الإسناد ضعفا والحديث مروى من رواية أبى أمامة وهو راوى الحديث الأول ومن رواية أبى ذر رضي الله عنهم أجمعين، وفيه أن كل واحد من هذين الصحابيين المباركين عليهما وعلى الصحابة الكرام رضوان الله جل وعلا، سألا النبى عليه الصلاة والسلام عن عدة الأنبياء وعن عدة الرسل، فأجيب كل واحد منهما بأن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً، والحديث كما قلت صححه ابن حبان وأورده الحافظ فى الفتح فى الجزء السادس صفحة 261 فى أول كتاب أحاديث الأنبياء فى شرح صحيح البخارى ونسب الإمام الحافظ ابن حجر تصحيح الحديث إلى ابن حبان ولم يعقب عليه بشىء وعلى حسب شرط الحافظ الذى ذكره فى مقدمة شرحه لصحيح البخارى فى هدى السارى فى صفحة 4، يقول: كل حديث أذكره إذا لم أضعفه فلا ينزل عن درجة الصحة أو الحسن وعلى هذا فقد حكى تصحيح الحديث عن ابن حبان ولم يعترض عليه مما يدل والعلم عند الله أن الحافظ ابن حجر يميل إلى تصحيح الحديث وقبوله، وقد ذهب إلى هذا القول الإمام ابن القيم عليه رحمه الله فى زاد المعاد فى الجزء الأول صفحة 43 فى الطبعة الحديثة التى هى فى خمس مجلدات، ففى بداية الكتاب عند قول الله جل وعلا {وربك يخلق ما يشاء ويختار} ، تكلم على اختيار الله فقال: واختار الله جل وعلا من العالم الأنبياء وعدتهم مائةألف وأربعمائة وعشرون ألفا، وأختار من الأنبياءالرسل وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وهذا ورد فى رواية لكن الرواية التى رويت من عدة طرق ثلاثمائة وخمسة عشر وهى رواية المستدرك، الأولى بإسناد صحيح على شرط مسلم كما تقدم معنا، لا(141/5)
منافاة بين ذكر القليل والكثير، فإذا أقررت لك بمائة لا يعنى أننى أنكر أن يكون لك على ألف، فمائة أقر بها ثم أقر بألف لا منافاة بين القليل والكثير كما يقول أئمتنا، فالرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر وهم أيضاً يزيدون على ذلك رسولين بحيث يصلون إلى ثلاثمائة وخمسة عشر، جمعاً بين الرويات، يقول: واختار من الأنبياء الرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، واختار الله من الرسل أولى العزم الخمسة، {وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} صلى الله عليه وسلم {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى....} واختار من ارسل أولى العزم، واختار من أولى العزم الخليلين، ووقف عند هذا، أنا أقول واختار من الخليلن أحب خلقه وأفضلهم عنده ألا وهو نبينا عليه الصلاة والسلام فهو خير خلق الرحمن فما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أطهر من نبيناعليه الصلاة والسلام، ولا أكرم عليه من نبينا عليه الصلاة والسلام، وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق، ويفهم من تفسير ابن كثير فى الجزء الأول صفحة 586 عند آية النساء المتقدمة {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، أنه يميل إلى هذا القول فبعد أن ذكر الحديث وأنه ضعف من قبل إسناده ذكر له روايات متعددة كأنه يشير إلى أن تلك الروايات تشد بعضها بعضا والعلم عند الله جل وعلا.
وخلاصة القول: ورد بذلك حديث صحيح كما تقدم معنا بالنسة للرسل بالإتفاق الحديث صحيح، بالنسبة لعدة الأنبياء مع الرسل فى الحديث الذى جمع بين عدد الأنبياء والرسل حول إسناده ضعف وصح من قبل أئمتنا لكن طرقه يعضد بعضها بعضا قيتقوى ويصل إلى درجة القبول والعلم عند العزيز الغفور.(141/6)
إذاً هذا القول الأول والدليل الأول وهو يرد دليل أصحاب القول الأول بأنه لم يرد خبر صحيح فى بيان عدد أنبياء الله ورسله عن نبينا عليه الصلاة والسلام.،
الدليل الثانى: الذى استدلوا به وهو قول الله جل وعلا.. {ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، إذاً هناك أنبياء ما ذكر أمرهم ولا شأنهم لنبينا عليه الصلاة والسلام وهذا يقررالقول الأول لأنه لا تعلم عدة الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، والجواب لا إشكال قد أزال أئمتنا الإشكال الذى قد يرد فى ذهن بعض الناس من بيان عدد الأنبياء والرسل مع هذه الآية فهناك بين لنا عدة الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل ثلاثمائة وخمسة عشر، وهنا {ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، فكيف هنا بين لنا عددهم وهنا رسل ما قص علينا خبرهم، قال أئمتنا من الإمام الألوسى وغيره لا منافاة بين الآية وبين المقرر عند أهل السنة لا منافاة، لأن الآية غاية ما نفت أنها ما بين الله لنبيه عليه الصلاة والسلام خبر جميع الأنبياء مفصلا كما هو الحال فى بعض الأنبياء فكثير من أنبياء الله ورسله طوى الحديث عنهم، وهل عندنا فى القرآن مائة ألف وأربعمائة وعشرون ألف نبى ذكر أخبارهم؟ لا، فصل إذاً خبر عدد منهم فإذا أعلم بعدتهم إجمالا ثم أخبر ببعضهم تفصيلا ولم يخبر بتفصيل بعض أحوال بعضهم الأخر، فإذاً لا تعارض بين الأمرين {ورسلا لم نقصصهم عليك..} ،(141/7)
أى لم نفصل لك أخبارهم كما فصلنا أخبار من ذكرنا لك شأنهم وأحوالهم، وأما عددهم هذا عدد إجمالى، فذكر العدد المجمل لا يتنافى مع عدم تفصيل أحوالهم ذكر عددهم مجملاً لكن لم يفصل شأن كثير منهم وعليه لا تدل اآية على أنه لا تعلم عدة الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذا القول كما قلت فيما يظهر لى ويبدو والعلم عند ربى أنه أقوى القولين وخلاصة الكلام على هذه الجزئية اليسيرة والنقطة الأخيرة أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة عشرون ألفا، وأن عدد الرسل من الأنبياء وتقدم معنا كل رسول فيه وصف النبوة، أن عدد الرسل من هذا العدد الجم الغفير الكثير ثلاثمائة وخمسة عشر والعلم عند الله جل وعلا.
والذى يتأمل هذا المبحث ويسرح النظر فيه يعلم رفق الله بعباده وإحسان الله إلى عباده ورحمة الله بعباده كيف أرسل لهم هذا العدد الكثير لهدايتهم فى كل وقت مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا يبلغون دعوة الله، والمؤمن عندما يعلم هذا العدد يشد أزره ويقوى نفسه ويعلم أن نسبه عريق عريق قديم قديم، ثابت ثابت، هذا أقوى نسب أنك تنتسب إلى دين بعث الله به مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، فهذا هو صراط الله المستقيم وهذا هو الطريق السليم وما عداه بنيات متعرجة توصلك إلى مَهلكة مُهلكة ولذلك أعرق نسب على وجه الأرض هو نسب الإسلام {إن الدين عند الله الإسلام} ، به بعث الله أدم وبه ختم الله به بعثة الرسل بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فكل رسول كان يقرر هذا الأمر كما سيأتينا {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} ، {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} ، هذا فيما يتعلق إخوتى الكرام فى المبحث الثانى جزئية يسيرة أكملنا بها المبحث، ننتقل إلى المبحث الثالث إلى العلامات التى يعرف بها صدق الأنبياء والرسل عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام..(141/8)
عندما يأمرالله باتباع الحق والإقتداء بالمحقيقن وينهانا عن اتباع الباطل ويحذرنا من السعى ورآء المبطلين يلزم من أمره لنا باتباع الحق ونهيه لنا عن اتباع الباطل أن ينصب للحق علامات ودلالات هى أوضح وأظهر من الشمس إذا كانت فى الظهيرة ليس دونها سحاب ولا غمام وهى أظهر من المنارات الطويلة العالية الشامخة التى تدل على بيوت الله فى الأرض، وإلا نؤمر بحق ولا يوجد علامة تدل على ان هذا حق، وننهى عن اتباع الباطل ولا يوجد علامة تدل على أن هذا باطل، هذا لا يمكن ولذلك إخوتى الكرام: من ضل فى هذه الحياة ما ضل لجهله إنما ضل لسوء قصده وسبب الضلال أحد أمرين: إما جهل وإما سوء قصد، أما الجهل فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقطع الأعزار وأقام الحجة كالشمس فى رابعة النهار ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة، بقى بعد ذلك أمر أخر وهو خبث فى النفس لا تريد اتباع الحق، وقد قرر الله هذا فى كتابه فقال {الذين الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} ، هذا دافعه ومبناه الجهل أو سوء القصد، سوء القصد،.(141/9)
ولكن إذا كان الضلال متسبباً عن سوء القصد فلا علاج له، إذا كان الضلال متسببا عن الضياع وعن عدم البصيرة ومعرفة الحق سرعان ما يهتدى الضآل فما أوضح الحق وما أظهره، فالله عندما أمرنا باتباع رسله عليهم صلوات الله وسلامه سيقيم لنا أدلة على ذلك الله أقام ادلة تدل عليه على أنه الخالق الموجد المعبود بحق سبحانه وتعالى، عندما يقول جل وعلا فى كتابه فى أول سورة من كتابه فى سورة الفاتحة {الحمد لله رب العالمين} ، الحمد لله، هذه قضية، الله يحمد لما يحمد؟ ويستحق الحمد ماالسبب لذلك؟ وما الدافع له؟ وما المبرر له؟ أتاك بالدليل والبينة قال هو الرب، رب من؟ رب العالمين وكل من عدا الله من العالمين، مفرد عالم جمع عالم، والعالم سمى عالما لأنه علامة على موجده وخالقه وهو الله جل وعلا فلله الحمد، ما الدليل على أنك إلاه تحمد وينبغى أن نشكرك وأن نعبدك وأن نوحدك؟ قال: أنا سيدكم أنا مالككم كيف، كيف هذا؟ قال: أنتم خلقى وتدلون على وكل واحد من مخلوقات الله من حجر وبشر وبقر وشجر وغير ذلك يدل على الله، وفى كل شىء له آية تدل على أنه واحد سبحانه وتعالى.
{الحمد لله رب العالمين} ، من العالم كما قلنا وهو جمع عالم من العلامة فالعالم سمى عالماً لنه علامة على وجود خالقه وعلى عظمة خالقه وعلى أن هذا الخالق ينبغى أن يعبد سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وهكذا الأنبياء والرسل عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ينبغى أن يكون هناك علامات تدل على صدقهم وأنهم رسل الله لنفرق بين النبى والمتنبىء، وبين الصادق والكذاب، وبين المحق وبين المبطل.(141/10)
يروى الإمام الخرائطى فى كتابه مساوىء الأخلاق، كما نسب الإمام ابن كثير الأثر إلى هذا الكتاب فى تفسير سورة العصر، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه جاء إلى المتنبىء الكذاب مسيلمة الكذاب، فقال مسيلمة لعمرو ماذا أنزل على صاحبكم، يعنى محمد عليه الصلاة والسلام، وكان عمرو لا يزال على شركه فى ذلك الوقت هو مشرك، ماذا أنزل على صاحبكم؟ الذى هو من قومكم وقبيلتكم، ماذا أنزل عليه؟ قال أنزل الله عليه سورة وجيزة بليغة، قال: وما هى؟ قالك سورة العصر، {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ، فقال هذا المتنبىء الكذاب الدعى الخبيث أنزل على أنفاً مثلها، إذا كان ينزل على صاحبكم قرآن وتقول سورة وجيزة بليغة عندى ما نزل على مثلها بحجمها ببلاغتها وفصاحتها، قال: أسمعنى ماذا أنزل عليك، فقال له وقرأ عليه ما أنزل عليه من شيطانه وهوسه ووهمه وضلاله، فقال: يا وبر ياوبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر، والوبر كما قال علماء اللغة يقولون حشرة حيوان كالقطة كالهرة كالسنور، أعظم ما فيه أذناه وصدره وبقية أعضاءه صغيرة لا يعنى أثر لها فى الرؤية ولا فى الحجم، يا وبر ياوبر إنما أنت أذنان وصدر أعظم ما فيك أذناك طويلة وصدرك بارز وسائرك حفر نقر، يعنى لا قيمة له ولا أثر له فى حجمك وشكلك، فقال: ماذا ترى يا عمر؟، ألا تعدل هذه السورة تلك السورة، قال: والله إنك لتعلم أننى أقول إنك كذاب، أنت تعلم لما تسألنى؟ هذه كهذه، لأين تذهب عقولكم، هذه كهذه؟ والله الذى لا إله إلا هو لو نظر الإنسان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وإلى مسيلمة لا يرتاب فى أن هذا رسول الله وهذا عدوا الله لا يرتاب، هنا كل حركة تدل على طهارة وفضيلة، وهناك كل حركة تدل على قبح ورذيلة.
النبية الثانية سجاح عندما جاءت إلى مسيلمة كانت النتيجة أن زنا بها وقال بعد ذلك قومها:(141/11)
أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها ... وغدت أنبياء الناس ذكرانا
فلعنة الله رب الناس كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغوانا
نبية جاءت إلى نبى زنا بها، طيب هذه نبية؟ وهذا نبى؟ كل حركة من هذه النبية سجاح ومن هذا النبى الدعى مسيلمة كل حركة تدل على كذبهما كما سيأتينا تفصيل ذلك، وهناك إذا نظرت فقط غلى وجه النبى عليه الصلاة والسلام تقول ليس هذا بإنسان عادى، {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} ، كما قال النسوة فى حق نبى الله يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
ولذلك قال عبد الله ابن رواحة وهو أحسن ما قيل فى بيان حقيقة نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه، قال: لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر كانت بديهته تأتيك بالخبر، لو لم يكن فى رسول الله عليه الصلاة والسلام من الآيات التى يعلم بها صدقه فى جميع الأوقات لو لم يكن هذا، أنت فقط إذا نظرت إلى وجهه تقول وجهه ليس بوجه كذاب كما كان يقول هذا الأعراب يأتون فيقولون أيكم محمد عليه الصلاة والسلام،؟ فيقال: هذا فينظرون إلى وجهه يقول: وجهه ليس بوجه كذاب، وجهه ليس بوجه كذاب، لو لم تكن فيه آيات بينة كانت بديهته تنبيك بالخبر تأتيك بالخبر، أى تخبرك عن طهارة قلبه وسره وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً.
إذاً لابد من علامات، يا وبر ياوبر، هذه علامة تدل على كذبه، وعلى افتضاحه وعلى نجاسته وحقارته، يستوى هذا مع هذا كلام الله مع هذا الهذيان وهذه الثرثرة وهذا الكلام الباطل الفارغ؟ ماذا ترى يا عمرو؟ قال: والله إنك لتعلم أننى أقول إنك كذاب، أنت تعلم هى علامة فضحتك لو سكت لكان خيراً لك، لا بد إ×وتى الكرام من علامة على حال الإنسان، فالعلامة هى التى تبين صدق النبى وكذب المنتبىء.
ولذلك كل من ادعى شيئا فإذا لم يظهر علامات على دعواه هذه الدعوة لا قيمة لها ولا وزن ولا اعتبار.(141/12)
ورد فى معجم الطبرانى الكبير والأثر رواه البزار فى مسنده ورواه عبد الرزاق فى مصنفه وفى تفسيره ورواه البيهقى فى شعب الإيمان عن أنس بن ماك وعن الحارث بن مالك الأشعرى رضي الله عنهم أجمعين، وإسناد الحديث ضعيف كما قال الحافظ فى المجمع فى مجمع الزوائد فى الجزء الأول صفحة 57 لكن معناه حق صحيح، الغرض منه أن نستدل على أنه لابد للشىء من علامة يستدل بها عليه وإلا كان هذا الشىء بلا دليل وبالتالى لايصح كلامه، فى الحديث الذى من رواية أنس والحارث بن مالك الأشعرى أن النبى عليه الصلاة والسلام لقى الحارث ويقال له حارثة، فقال له النبى عليه الصلاة والسلام: كيف أصبحت يا حارثة، قال: أصبحت مؤمناً حقا، قال: انظر ما تقول فإن لكل قول علامة، فما علامة إيمانك، أنت مؤمن ثم مؤمن حقا، فما العلامة؟ عندك علامة تدل على ذلك أو مجرد كلام حقيقة العلامة تبين صدق الإنسان، قال: يارسول الله عليه الصلاة والسلام عزفت نفسى عن الدنيا وأقبلت على الأخرة، فأظمئت نهارى وأسهرت ليلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزا وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يعذبون، هذا أصبح مؤمنا حقا أم لا؟، قال: عرفت فالزم، عبد نور الله قلبه.
الأثر من حيث الإسناد كما قلت ضعيف لكن المعنى، لابد لكل قول من علامة، لابد من كل شىء من براهان يدل عليه، فما هى البراهين التى تدل على صدق النبيين والمرسلين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، لابد من وجود براهين كما سيأتينا.
إخوتى الكرام..(141/13)
ما فى قلب الإنسان سيظهر على جوارحه مهما تكتم وكتم، وإذا أسر الإنسان سريرة أظهرها الله على جوارحه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وورد الحديث بذلك فى معجم الطبرانى الكبير والأوسط من رواية جندب بن سفيان والأثر إسناده ضعيف، ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله راءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فى قلبك شىء لابد من أن يظهر، وهكذا نبى لابد من ان صدقه، متنبىء لابد من أن يظهر كذبه، ولذلك سيشيع حال الإنسان على ألسن الناس سوآء علم أم لم يعلم، ما فى قلبك وما أنت عليه سيتناقله الناس بألسنتهم ويذكرونك بما فيك.
وقد ثبت فى مستدرك الحاكم والحديث رواه البيهقى فى شعب الإيمان وإسناد صحيح، عنم أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن لله ملائكة فى الأرض تنطق على ألسنة بنى أدم بما فى المرء من خير وشر،، ولذلك المؤمنون فى هذه الحياة هم شهداء الله فى الأرض،
إذاً لابد من علامات، العلامات التى نعرف بها صدق النبى وكذب المتنبىء كثيرة يمكن أن نجملها فى أربعة أمور، وكل واحد من هذه الأمور سيأخذ معنا موعظة أو أكثر، موعظة على أقل تقدير، وإذا زاد الوقت فنسأل الله أن يبارك لنا فى علمنا وديننا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، هذه العلامات الأربعة، أذكرها على سبيل الأجمال، ثم أذكر أمراً عاما يدل على هذه العلامات، وأما تفاصيل هذه الأربعة كل واحد منها على حدة، هذا يكون فى المواعظ الأتية إن أحيانا الله.
الأمر الأول: النظر إلى النبى فى نفسه، أن تتأمل حاله فى معيشته فى معاملاته بين أسرته كما سيأتينا برهان هذا وتقريره والتدليل عليه.
الأمر الثانى: النظر إلى الشريعة التى أتى بها النبى والديانة التى بلغها، والهدى الذى جاء به.
الأمر الثالث: النظر إلى معجزات النبى وخوارق العادات التى أتى بها.
الأمر الرابع: النظر إلى أصحابه.(141/14)
من تأمل هذه الأمور الأربعة فى نبيناعليه الصلاة والسلام لن يرتاب ولا واحد من مليارات بأنه رسول رب الأرض والسموات لم يرتاب، ومن أراد أن يأخذ واحدة منهاليتأملها فى متنبىء دعى كذاب لن يرتاب فى أنه غشاش كذاب ليس بنبى ولا رسول، إنما هو يجدل ويكذب ويقترى.
أربعة أمور لا بد من علامات العلامات يمكن أن تجمل فى أربعة أمور، قبل أن أفصل الكلام كما قلت على كل واحد منها، أحب أن أذكر أمراً عاما يدل على هذه الأمور، وهذا الأمر منقول، ثم أتحدث بعد ذلك عن ألأمور الأخرى.
ثبت فى مسند الإمام أحمد والصحيحين وهو فى أعلى مراتب الصحة والحديث رواه الإمام الترمذى أيضا من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال: أخبرنى أبو سفيان بن حرب فى بعض الرويات فى صحيح البخارى كما فى كتاب التفسير فى تفسير سورة المائدة يقول، من فيه إلى فىّ من فمه إلى فمى، والأصل أن يقول من فيه إلى أذنى، وإنما قال بن عباس هذا عمدا، كأنه يقول: أخبرنى من فيه إلى فىّ، من فمه إلى فمى، أى أخبرنى وأنا أسمع وإذا السماع يحتاج إلى إستفسار واستظهار تكلمت بفمى وضبط الأمر يعنى ليس هو سماع مجرد وليس لى فم ينطق ويستفسر، فمه إلى فمى منفيه إلى فىّ، أى فمه إلى أذناى، لكن الفم إذا لزم أن يتكلم تكلم من أجل أن يسأل عن الحقيقة وأن يستوضح عن المراد.(141/15)
وخلاصة حديثه أقرأه بعد ذلك بلفظه الطويل من صحيح البخارى إن شاء، خلاصة الحديث أن أبا سفيان عندما كان فى تجارة مع بعض أصحابه من قريش إلى بلاد الشام، وقيل كانوا ثلاثين شخصاً راكبا وقيل عشرين رضي الله على من اهتدى منهم بعد حينه، يعنى من اهتدى ومن بقى على كفره أو مات على الكفر العلم عند الله إنما أبو سفيان من جملة من اهتدى وآمن بالنبى عليه الصلاة والسلام، يقول: فلما وصلوا إلى بلاد الشام ورد فى بعض الرويات أنهم كانوا فى غزة من بلاد الشام طلبهم هرقل عظيم الروم الذى يلقب بقيصر وهذا لقب لكل من ملك الروم، فسألهم عشرة أسئلة تتعلق بالنبى عليه الصلاة والسلام عندما علم خروج النبى عليه الصلاة والسلام وبعثته وكان هذا فى العام السادس للهجرة بعد صلح الحديبية لأنه لما وضعت الهدنة بين النبى عليه الصلاة والسلام وبين مشركى قريش تفرغ المشركون واستطاعوا أن يسافروا إلى بلاد الشام وأن المسلمين فى المدينة المنورة وفيما حولها لم يعترضوهم من أجل الهدنة التى بينهم كما سيأتينا هذا إن شاء الله، فسألهم هرقل عشرة أسئلة، عشرة أسئلة كما سيأتينا، هذه الأسئلة هى علامات تدل على صدق خير البريات عليه الصلاة والسلام فى دعواه النبوة والرسالة وهذه العشرة أسئلة تقدمها سؤال ويتعلق هذا بمن هو أقرب نسباً بنينا عليه الصلاة والسلام، فقال هرقل لما جاء أبو سفيان وأصحابه: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذى يزعم أنه نبى على نبينا صلوات الله وسلامه، فقال أبو سفيان: أنا وهو أقرب الموجدين نسباً وأبو سفيان يلتقى مع نبينا عليه الصلاة والسلام فى الجد الرابع فى عبد مناف فهو الجد الرابع لأبى سفيان ولنبينا عليه الصلاة والسلام، فقال: أنا،.(141/16)
فقال هرقل لترجمانه: قربوه واجعلوا أصحابه ورآء ظهره ورآء أبى سفيان، ثم قال لأصحابه الذين معه وكما قلت كانوا ثلاثين أوعشرين: إنى سائل هذا، أى عن هذا النبى الذى بعث سأسئله فإن كذبنى فكذبوه، قال علماء اللغة: هذا من غرائب الألفاظ، كذب بالتخفيف تتعدى إلى مفعولين، كذّبوه تتعدى إلى مفعول واحد، والأصل أن الفعل إذا شدد وثقل إذا كان لازماً يتعدى إلى مفعول إذا كان متعدى إلى مفعول يتعدى إلى مفعولين، هذا إذا ثقل يتعدى إلى مفعول واحد وإذا خفف يتعدى إلى مفعولين، هذا من غرائب الأفعال كما قال علماء اللغة، إن كذبنى الحديث والخبر والقول، فالمفعول الأول الياء الضمير والثانى إن كذبنى القول الخبر الكلام فكذبوه، هذا لا يتعدى إلى مفعول واحد، كذبوا أبا سفيان، يقول أبو سفيان: والله لولا أن يأثرونى بكسر الثاء وضمها يأثُر أى يروا ويتناقلوا عنى كذباً لكذبت عنه، انتبه قال: يأثروا وما قال يكذبونى، هو واثق من عدم تكذيبهم له واثق لآنهم على نحلته وعلى ضلالته، فإذا غمط النبى عليه الصلاة والسلام وحقره وأنقص من شأنه لن يقولوا لهرقل إنه يكذب، كلهم يتآمرون على الباطل لكن سيسقط من أعينهم بعد ذلك، يقولون: هذا كذاب والكذب منقصة، عند الموحدين وعند المشركين الذى يكذب هذا ناقص يقول: لولا أن يأثروا أى يروا ويتناقلوا فيما بعد خبر كذبى وأنه لاقيمة لى إلا كذبت لأننى واثق من عدم تكذيبهم لى، لكن بعد ذلك سأفتضح لذلك سأتكلم بالحق، إلى هنا كله سؤال عمن يقرب من النبى عليه الصلاة والسلام وله به صلة من أجل أن يستوثق هرقل من أحواله وأخباره، فاسمعوا إلى الأسئلة العشرة.(141/17)
قال هرقل لأبى سفيان: كيف نسبه فيكم، هذا محمد عليه الصلاة والسلام خير عباد الله الذى بعث فيكم فى مكة وهاجر إلى المدينة وأنتم من قومه وأنت تزعم أنك من رهطه وأقرب الحاضرين به، كيف نسبه فيكم: قلت هو فينا ذو نسب، والتنكير فى نسب للتعظيم، أى نسب عظيم جليل رفيع كريم من خير بيوتات قريش، وهذا كقول الله {ولكم فى القصاص حياة..} أى حياة كريمة سعيدة هنيئة، فالتنكير للتعظيم والتفخيم، هو فينا ذو نسب، هذا السؤال الأول عدوا الأسئلة عشرة.
ووجه إليه السؤال الثانى وهذا سؤال نصرانى سؤال كافر وبقى على كفره، لكن اسمعوا لشهادة الحق نعلم أن الحق أبلج من النهار وأوضح وأظهر، فقال هرقل السؤال الثانى: هل قال هذا القول أحد قط قبله؟، أحد فى قريش كان يدعى أنه نبى ورسول قبل محمد عليه الصلاة والسلام، عندكم من ادعى النبوة يا معشر العرب؟، قلت: لا ما سمعنا بهذه الدعوة على الإطلاق، ونحن نعبد الأصنام وما جاءنا أحد قال: أنا نبى أتركوا عبادة الأصنام.
السؤال الثالث: فقال: هل كان من أباءه من ملك؟، قوله من ملك بزيادة من وحذفه، هل كان من آباءه ملك، من ملك؟ وعلى الزيادة تضبط بوجهين كما قال علماء الحديث وكل من هذه الوجوه منقول، هل كلن من آباءه مَن مَلَكَ، مِن مَلِكٍ، هل كان من آباءه مَلِكٌ؟، وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح، والوجوه الثلاثة متقاربة، والمعنى هل أحد من آباءه كان ملكاً عليكم رئيسا، مسئول، قلت: لا ما كان من أحد من آباءه ملك، مَلَكَنا أحد من أسرته.(141/18)
السؤال الرابع: قال أشراف الناس يتبعونه أم ضعفائهم، قلت: بل ضعفاءوهم، وإنما يريد بالشرف هنا أهل النخوة والكبر والعزة والأنفة الذين يتغطرسون ولا ينقاضون للحق، ليخرج بذلك أبو بكر وعمر فهم من سادات قريش، ويمكن أن نقول: يقصد بذلك التغليب يعنى غالب من يتبعه الضعفاء لا أهل الشرف فما تبعه إلا قلة من أهل الشرف، وإذا قلنا على المعنى الأول وهو أوجه والعلم عند الله، أشراف الناس أم ضعفاءهم؟ يقصد بالأشراف أهل العتو والكبر والعظمة، فأبو بكر شريف فى النسب لكنه طاهر القلب لا كبر عنده ولا تعالى ولا تعاظم، وهكذا عمر، أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاءهم، قلت: بل ضعفاءهم،
السؤال الخامس أوليس كذلك: قال: يزيدون أم ينقصون، قلت: بل يزيدون.
السؤال السادس: قال فهل يرتد أحد منهم سَخطةً سُخطة بفتح السين وضمها، سخطة، أى كراهية لدينه، هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه سخطاً لدينه؟ كراهية له وعدم محبة فيه بعد أن يدخل فيه، أحد ارتد من الصحابة، قلت: لا، وإنما قال سخطا.(141/19)
نماذج من بيت النبي (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
نماذج من بيت النبي (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لا زلنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم مع أهله الكرام وتقدم معنا أن خير الناس خيرهم لأهله ونبينا عليه صلوات الله وسلامه هو خير المخلوقات فهو خير المخلوقات إذن لأهله عليه صلوات الله وسلامه فى جميع الأحوال والأوقات وقد تقدم معنا شىء من معاملة نبينا عليه صلوات الله وسلامه وخلقه مع أهله فبينت أنه كان فى كل يوم يمر نبينا عليه صلوات الله وسلامه على نسائه أمهاتنا الطيبات الطاهرات ويتفقد أحوالهن ويؤانسهن كما كان عليه صلوات الله وسلامه يخلص فى حبهن ويحفظهن فى حياتهن وبعد موتهن على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه.
كما تقدم معنا الأمر الثالث ألا وهو حسن عشرته وكريم معاشرته لهن على نبينا عليهن صلوات الله وسلامه.(142/1)
والأمر الرابع: قلت وبه يتجلى به حسن الخلق على وجه التمام والكمال كان يتحمل تقصيرهن ويصبر على قصورهن على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت إخوتى الكرام ما جرى من تقصير وقصور من أمهاتنا نحو نبينا على نبينا وآل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه فقلت إن هذا يسير وعدده محصور وقلنا إذا أردنا أن نستقصى ما جرى فى بيت نبينا عليه صلوات الله وسلامه من نسائه مما يمكن أن يعتبر قصورا وتقصيرا فتقدم معنا أنه لا تصل الحوادث فى ذلك إلى عدد أصابع اليدين فهى دون العشر حوادث كما تقدم معنا ذلك وذكرت غالب ظنى خمس حوادث مما جرى من أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فيما بينهن وفيما بينهن وبين نبينا عليه صلوات الله وسلامه وبينت أن ذلك القصور والتقصير لا تنفك عنه طبيعة البشر وإذا جرى على حسب ما ركز فى الإنسان من غفلة وغضب وقصور وتقصير فلا يدل إلا على أن الإنسان فيه هذه الصفات فينبغى أن يجاهد نفسه ويدل أيضا على أن هذه الحياة لا تخلو من المعكرات والمكدرات فالقصور إذا لم يكن متعمدا ولم يكن دافعه خبثا فى القلب وفسادا فى النفس فلا يدل كما تقدم معنا إلا على قصور هذا البشر وأنه ما دام فى هذه الحياة ما يمكن أن يكون كاملا مكملا إنما دار الآخرة هى دار الكمال وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون هى الحياة الكاملة لا تنغيص فيها بوجه من الوجوه.
كما تقدمت معنا الإشارة إلى ذلك فنبينا عليه صلوات الله وسلامه خير خلق الله أدبه ربنا فأحسن تأديبه وأثنى عليه بقوله إنك لعلى خلق عظيم فهى الذى لا يصدر منه القصور والتقصير عليه صلوات الله وسلامه وأما من عداه فالأمر كما قال أئمتنا:
من الذى ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
محمد الهادى الذى ... عليه جبريل هبط(142/2)
هذا الذى ما ساء قط وهذا الذى يتصف بالحسنى فقط عليه صلوات الله وسلامه ولا يجرى منه القصور ولا التقصير عليه صلوات الله وسلامه وأما من عداه فكما قلت إذا جرى منه القصور والتقصير دون أن يكون ذلك متعمدا ودون أن يكون الدافع لذلك خبثا فى القلب وفسادا ونجاسة فى النفس فلا يضر الإنسان إنما يدل فقط على أن الإنسان فى هذه الحياة مجبول على القصور والتقصير وما عليه إلا أن يلجأ إلى الله الجليل سبحانه وتعالى فى جميع أحواله وأن يقلع عن قصوره وأنت يندم على ما جرى من تقصيره هذا الذى ينبغى أن يتصف به الإنسان.
ولذلك إخوتى الكرام ما جرى من شوائب من أمهاتنا أزواج نبينا الطيبات الطاهرات المطهرات على نبينا وعلى آل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه فقلت ما نذكره من باب تعييرهن فحاشاهن من أن يعيرن إنما نذكر ذلك كما قلت لبيان ما حصل فى بيت النبوة وكيف عولج من قبل نبينا الحليم الرحيم عليه صلوات الله وسلامه لنتقدى به فى معالجة هذه الأحوال التى تطرأ فى بيوتنا بعد نبينا عليه صلوات الله وسلامه فهو أسوتنا وقدوتنا كما تقدم معنا فيما نحب وفيما نكره فينبغى أن نقتدى به فى الشدة كما نقتدى به أيضا فى الرخاء ونقتدى به فيما نحبه عندما نعاشر الزوجة وتطيعنا ونقتدى به فيما نكرهه أيضا عندما نعاشر الزوجة وأحيانا تقصر فى حقنا وهكذا إذا نحن قصرنا فهى تتحمل ونسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من ذوى الأخلاق الحسنة الطيبة الهينين اللينين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.(142/3)
سأذكر إخوتى الكرام فى هذه الموعظة ثلاث حوادث أيضا مع الخمسة يصبح المجموع ثمانية ولا يمكن أن يزاد على ذلك شائبة من الشوائب وما قلت جمعتها وحقيقة جمعها غير محمود أن يجمع الإنسان يعنى هذه السلبيات فى مكان واحد لكن كما قلت لنقطع ألسنة الذين يتكلمون بالباطل ويقولون كان يجرى فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام ويجرى وهذا يدل على أنه إذا حصل تعدد سيترتب عليه مشاكل قلت لا ثم لا هن تسع نسوة فى تسع سنوات ما جرى فى هذه السنوات التسع تسع حوادث إنما على سبيل الاستقصاء خمس وهذه ثلاثة ثمانى حوادث وقعت فى بيت نبينا عليه صلوات الله وسلامه عولجت بعد ذلك بهذه المعالجة الحكيمة الحليمة الرحيمة فاستمعوا إخوتى الكرام للحادثة السادسة التى جرت فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام أوردها مختصرة ثم أذكر الروايات والدلالات عليها تقدم معنا أنه ركز فى طبيعة النساء الغيرة فنبينا عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا كان يعدل فى القسم ولم يوجب الله عليه ذلك وكان يقوم به على وجه التمام فهو فى بيت عائشة رضى الله عنها وأرضاها تكررت ثلاث حوادث.
الحادثة الأولى: أرسلت أمنا حفصة رضى الله عنها وأرضاها إلى النبى عليه الصلاة والسلام طعاما وهو مع أصحابه فى بيت أمنا عائشة.
حادثة ثانية: أرسلت أمنا أم سلمة طعاما إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه وأمنا عائشة تصنع طعاما على عجلة.
حادثة ثالثة: أرسلت أمنا صفية على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه طعاما إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه أيضا فى بيت أمنا عائشة.(142/4)
الحوادث الثلاث فى بيت أمنا عائشة وفى قسمها ونصيبها فما تحملت أمنا الطيبة الطاهرة المباركة فأخذتها الغيرة وضربت القصعة فكسرتها وتناثر الطعام فجمعه نبينا عليه الصلاة والسلام ولا أظهر تأففا ولا غضبا ولا انفعالا والصحابة حضور فماذا قال يلتمس عذرا لأمنا عائشة قال غرت أمكم يعنى التمسوا لها عذر ما أحد يتكلم الذى يتكلم نقطع لسانه الآن هذه جاءتها غيرة وطياشة فى البشر ولذلك ليس هذا من باب خبث فى القلب ولا فساد فى النفس غارت أمكم ثم جمع عليه الصلاة والسلام هذا الطعام وحبس الرسول الذى جاء من قبل حفصة وأم سلمة كما قلت وصفية فى الحوادث المتعددة حتى جاءت قصعة أمنا عائشة فأرسلها إلى التى كسرت قصعتها وقال إناء كإنائها وطعام كطعامها وانتهت المشكلة يعنى هذه حقيقة جرت فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام ولا أريد أن يقول يا ليتها لم تجرِ لا إنما جرت ولله الحكمة فيما شاء وقدر لنقتدى بهذا الفعل وأن هذا لا يعتبر تعييرا فى الرجل ولا منقصة فيه إذا جرى هذا بين أزواجه حتى أمام ضيوفه لا حرج ونلتمس العذر غارت أمكم أى لا أحد يتكلم لا فى وقت انفعال والإنسان دعوه ليهدأ هو يندم لذلك تقول أمنا عائشة كما سيأتينا فى الرواية التى سأذكرها قالت فنظرت إلى النبى عليه الصلاة والسلام فقلت أعوذ برسول الله أن يلعننى هذا اليوم يعنى أنا أغضبتك الآن وكسرت القصعة وتناثر الطعام كما سيأتينا والرواية صحيحة قال أو لا لا ألعنك ولا ألعن أحدا وما لعن عليه الصلاة والسلام أحدا من خلق الله حتى يلعن زوجه أم المؤمنين أو لا إناء كإنائها وطعام كطعامها انتهى مشكلة تزول ولا داعى للعن وللانفعال ولا للغضب يعنى إذا أنت غضبت لا بد من معالجة هذه القضية فنلتمس لك عذرا ولئلا يتكلم أحد غارت أمكم فاستمع لهذه الحوادث كما قلت الثلاثة التى جرت فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام.(142/5)
أما الحادثة الأولى قلت حفصة أوليس كذلك بدل حفصة زينب رضى الله عنها وأرضاها زينب وأم سلمة وصفية الحادثة الأولى رواها الإمام البخارى فى صحيحه وأبو داود والترمذى والنسائى فى سننه فهى فى صحيح البخارى والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة عن أنس ابن مالك رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه أبهمها أنس تفخيما لشأنها فكأنه يقول هى أفضل نساء النبى عليه الصلاة والسلام وهى معلومة قال فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام والصحفة كالقصعة والقصعة كما قال علماء اللغة إنا من خشب وأما الصحفة فهى قصعة مبسوطة قد تكون من خشب وقد تكون من غيره إذن أرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام هذه المرسلة هى زينب بنت جحش كما ثبت ذلك فى المحلى لابن حزم بإسناده أن زينب رضى الله عنها أهدت إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو فى بيت عائشة رضى الله عنهم أجمعين جفنة من حَيث والحيث طعام متخذا من تمر وأقط وسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق يعنى تمر وسمن لا بد منه وقد يكون معه أقط وقد يكون دقيق تمر وسمن ودقيق تمر وسمن وأقط يعجن مع بعضه والأقط هو لبن مجفف هذا يقال له حيث أرسلت أمنا زينب على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه جفنة من حيث وكما قلت هو فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنهم أجمعين قال فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التى هو فى بيتها يد الخادم عندما يحمل القصعة ضربت هذه القصعة لتسقط من يده فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذى كان فى الصحفة ويقول غارت أمكم غارت أمكم ثم حبس الخادم قال لا تذهب انتظر حتى أوتى بصحفة من عند التى هو فى بيتها يعنى من عند أمنا عائشة فدفعها إلى التى كسرت صحفتها وأمسك المكسورة فى بيت التى كسرتها وزالت المشكلة خلص المشكلة زالت من أولها لآخرها فانظر لهذا النبى الحليم الكريم عليه(142/6)
صلوات الله وسلامه كيف عالج هذا دون أن يتكلم كلمة عتاب لا لمن كسرت ولا لغيرها ولا لتلك لمَ أرسلت وتلك فى الحقيقة أيضا على حسب موازين يعنى الغيرة أيضا تعتبر تجاوزت حدها ينبغى أن تستأذن من صاحبة القسم هل ترسل يعنى أم لا فكأن أمنا عائشة رضى الله عنها ترى أن تلك تجاوزت الحد وأنها هى ما تقوم نحو النبى عليه الصلاة والسلام بما يجب حتى أرسلت تلك طعاما وطعام أمنا عائشة قد تأخر فإذن كأنها مقصرة فهذا الذى دعاها للانفعال ضربت القصعة والنبى عليه الصلاة والسلام لا عاتب هذه ولا عاتب تلك قال المسألة سهلة ولا داعى للتعليق عليها ولا ببنت شفة اجلس أيها الخادم فعندما يأتى طعام أمنا عائشة نرسله بصحفته إلى أمنا زينب وانتهت المشكلة حقيقة حادثة كما جرت ليس فيها لغط ولا سباب ما تقدم معنا ولا مهاترات كما يجرى من البشر فى هذه الأوقات.
نعم كما قلت شائبة لكن لا بد من معالجتها بالحكمة هذه القصة الأولى كما قلت وهى فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها والمرسلة هنا زينب.
وفى رواية الترمذى قال أهدت بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم إلى النبى طعاما فى قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم طعام بطعام وإناء بإناء.(142/7)
نماذج من بيت النبي (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
نماذج من بيت النبي (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..(143/1)
كنا نتدارس معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام مع زوجاته أمهاتنا الطاهرات المباركات على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن خير الناس خيرهم لأهله وبما أن نبينا عليه صلوات الله وسلامه هو خير المخلوقات قطعا وجزما فهو خيرهم للزوجات عليه الصلاة والسلام وقد تقدم معنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يطوف على نسائه أمهاتنا الطاهرات فى جميع الأوقات فيتفقدهن فى كل لك يوم كما مر معنا هذا وتقدم معنا أيضا أن نبينا عليه صلوات الله وسلامه كان يحنو عليهن ويحفظ ودهن فى حياتهن وبعد مماتهن كما تقدم معنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وتقدم معنا أيضا أنه كان يحسن عشرتهن ومعاشرتهن وقررت هذا بالأحاديث الصحيحة الصريحة فى الدلالة على هذا الأمر ووصلنا عند الأمر الرابع ألا وهو أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يصبر عليهن ويتحمل منهن قصورهن وتقصيرهن على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت هذا الأمر الرابع به يتجلى حسن الخلق على وجه التمام والكمال فحسن الخلق أن تبذل الندى وهو الخير والمعروف والبر والإحسان وأن تتحمل الأذى أحسنت إلى عباد الله ثم بعد ذلك تتحمل الأذى منهم وتصبر عليهم وهنا أحسنت إلى زوجتك وزوجاتك فلو قدر أنه جرى منهن قصور نحو فينبغى أن تصبر وأن تحتسب وأن تحلم وأن ترفق وهذا هو خلق الكرام الذين يتصفون بالأخلاق الحسنة ولنبينا عليه الصلاة والسلام من ذلك النصيب الأوفى الذى لا يمكن لبشر أن يصل إلى درجته فى ذلك كيف لا والله يقول فى حقه وإنك لعلى خلق عظيم اللهم صل على نبينا وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الكرام المباركين.(143/2)
إخوتى الكرام: حسن الخلق يتجلى كما قلت عند هذا الأمر الرابع فلا بد من الرفق وتحمل الأذى من الزوجات عندما يصدر منهن نحو أزواجهن وقد ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه ولا ينزع من شىء إلا شانه فعليك بالرفق فى جميع حياتك لا سيما مع أهلك وزوجاتك واضبط أعصابك فإذا أحسنت ما أحسنت وجرى منها ما جرى من النساء حذارى أن تقابل هذه الإساءة بغضب وانفعال لئلا تحبط عملك الذى عملته ولئلا يضيع إحسانك الذى بذلته ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يوصينا بأن نضبط أنفسنا فى جميع أحوالنا.(143/3)
ففى مسند الإما أحمد وموطأ الإمام مالك والحديث رواه الإمام البخارى فى صحيحه والإمام الترمذى فى سننه عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن رجلا جاء إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه فقال أوصنى قال لا تغضب فردد مرارا أوصنى أوصنى يقول لا تغضب لا تغضب كلما يكرر طلب الوصية يجيبه نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه القضية لا تغضب فإن الغضب يجمع شر الدنيا والآخرة وسوء الدارين العاجلة والآجلة لا تغضب وهنا جرى من أهلك نحوك ما جرى لا تغضب وأنت حقيقة إذا ضبطت نفسك ولم تضيع إحسانك فأنت الرجل الشهم وأنت الكريم وأنت صاحب الخلق الحسن وقد ثبت فى المسند وموطأ الإمام مالك والصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب ليس الشديد بمن يصرع الرجال فهو مصارع قوى ماهر يضجعهم على الأرض ويلقيهم على التراب ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب فأنت قيم وأنت سيد بكتاب الله وألفيا سيدها لدى الباب وأنت ترعى البيت ومن فيه لكن ليس معنى هذا ينبغى أن تتصف بالجبروت والغلظة والفظاظة والغضب والحماقة لا ثم لا فإذا جرى من هذه المسكينة ما جرى نحو إحسانك ومعروفك وفضلك قابله بصدر رحب وصرف الأمور على حسب شرع العزيز الغفور.
نعم أمران لا ينبغى أن تتهاون فيهما إذا صدرا من الأهل والزوجات.
الأول: معصية فى حق الله جل وعلا فلا بد من أن تثأر لله كما يثأر الليث الحرب وأن توقف الأمور عند حدها وألا تتساهل فى حقوق الله جل وعلا أما فى حقوقك كلما صفحت فهذا خير لك والناس عكسوا القضية يغضبون لحقوق أنفسهم ويحلمون عند ضياع حقوق ربهم وهذا هو الضلال المبين.(143/4)
الأمر الثانى: إذا جرى من زوجة اعتداء على زوجة أخرى حقيقة لا يصلح الحلم أيضا والصفح فى هذا الأمر فهذا ليس حقك ينبغى أن تعطى كل زوجة حقها وألا تميل مع واحدة على حساب الأخرى هذا ليس الآن حق لك تتنازل عنه ما عدا هذين الحقين كلما عفوت وصفحت فأنت أحسن فإذا أطالت لسانها بل مدت يدها ودفعت يعنى بك فى صدرك وأحيانا جرى منها ما جرى من هجران ونفور فكل هذا تحمله وطيب خاطرها بكلام طيب لعل الله جل وعلا يعفو عنك ويستر الزلات التى تصدر منى ومنك يوم القيامة فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
إخوتى الكرام: هذا الأمر الرابع قلت سأستعرض نماذج منه مما جرى من بيت نبينا عليه الصلاة والسلام من أمهاتنا نحو نبينا عليه صلوات الله وسلامه وهو بلا شك كما تقدم معنا قصور منهن وتقصير نحو نبينا عليه الصلاة والسلام ولا نقصد بذلك أن نعيرهن كما تقدم معنا فهن أكمل النساء وأطهر النساء بلا شك لكن هذه هى الحياة الدنيا كما سيأتينا وقلت هذه السلبيات التى جرت فى بيوت خير البريات عليه الصلاة والسلام إن أحصيت واستوعبت لقلت سأحصيها لا تصل إلى عدد أصابع اليدين ثم هى كما سيأتينا سلبيات ظاهرة ما دخلت إلى القلب ولا عشعشت فيه ونحن عندما ندرس هذا نستفيد فوائد عظيمة أبرزها فائدتان.
الفائدة الأولى: لنعلم أن الدنيا دار كدر مهما صفت فلا تخلو من عكر وكدر.
والأمر الثانى: لنستفيد معالجة هذا الكدر من بيوت نبينا خير البشر عليه صلوات الله وسلامه فقد جرى هذا فى بيته وهو عليه صلوات الله وسلامه أسوتنا وقدوتنا وأمامنا فى جميع شؤوننا فيما نحب وفيما نكره فإذا طرأ فى بيوتنا شىء مما نكرهه نعالجه كما كان نبينا عليه الصلاة والسلام يعالجه حقيقة هذا يدل على حال الدنيا ثم ما سلم من هذا بيت النبى عليه الصلاة والسلام وإن كانت الحوادث كما قلت بمقدار وعولجت معالجة حسنة فلنقتدى بنبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الأمر.(143/5)
إخوتى الكرام: الناس فى هذه الحياة لا ينفك عنهم وصف البشرية لا يخرجون عن وصف الإنسانية وفيهم الخطأ والنسيان والذهول والتقصير هذا لا يمكن أن ينفك عنه بشر ما دام فى هذه الحياة وهذه الحياة لا يمكن أن تكون دار صفاء ووفاء إنما الصفاء والوفاء على وجه التمام هذا فى غرف الجنان هناك {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} هناك {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} هناك {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} .
أما هنا ما يحصل لك مما تشاؤه أقل بأضعاف مضاعفة مما لا يحصل لك فأنت تريد أشياء كثيرة ولا يحصل لك منها إلا القليل فانتبه لهذا الأمر هذا حال الدنيا والأمر كما قال بعض الأكياس:
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب فى الماء جذوة نار(143/6)
لا يمكن أن تحصل يعنى جذوة نار قطعة نار من جوف الماء لا يمكن هذا وهذا حال الدنيا إذا أردت الصفاء والراحة والطمأنينة فيها فهذا خيال ووهم هذا لا يحصل إلا فى الدار التى لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام وهو خير عباد الرحمن وهو خير المخلوقات مع ذلك جرى فى بيته عليه صلوات الله وسلامه ما جرى وتحمل وعفا وصفح لحياة كدر حياة عناء حياة يقع فيها شىء من الشدة والبلاء فلا بد من أن تصبر ولا تقل للزوجة يعنى أن أفعل وأحسن وأقدم وأنت تقابلين بعد ذلك هذا بهذه المعالمة يا عبد الله هذا حال الحياة لا راحة إلا بلقاء الله جل وعلا ثم كما قلت هذه الحوادث من أولها لآخرها إذا كنت القلوب طاهرة تبقى انفعالات ظاهرية تزول بعد ذلك مباشرة إنما حصل انفعال {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} ذكرت الحادثة الأولى إخوتى الكرام فى تآمر من تآمر من أمهاتنا على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه على نبينا عليه صلوات الله وسلامه وكيف تسبب عن هذه المؤامرة أن يحرم نبينا عليه الصلاة والسلام على نفسه سريته وأن يحرم على نفسه شرب العسل فعوتب من قبل الله عز وجل ثم بعد ذلك هجر نساءه شهرا فكل واحدة تتمنى لو قطعت فى ذلك الشهر قطعا بعدد ذراتها ولم يحصل هذا الهجر من نبينا عليه الصلاة والسلام لها ثم عندما نزلت آية التخيير وبدأ بأصغرهن بأمنا عائشة رضى الله عنهن جميعا قال سأعرض عليك أمرا لا تستعجلى حتى تستشيرى أبويك ثم تلا الآية قالت أفيك أستشير بل اختار الله ورسولهعلى نبينا وآل بيته جميعا صلوات الله وسلامه ثم استقرأ نساءه التسع كل واحدة تقول هذا بل اختار الله ورسوله.
{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا* وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} .(143/7)
وسأذكر إخوتى الكرام حوادث كما قلت لو جمعت دون أصابع اليدين يعنى ما تزيد ولا تصل دون أصابع اليدين وإذا كانت هذه الحوادث مع نبينا عليه الصلاة والسلام كان يتحمل ويعفو ويحلم ويصفح عليه صلوات الله وسلامه بلغ الأمر بأمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها أن قالت لنبينا عليه الصلاة والسلام أنت تزعم أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فتحمل النبى عليه الصلاة والسلام هذا منها قالت أو فى ذلك شك يا عائشة أنت تشكين قالت أقول أنت تزعم إنك رسول الله اعدل عليه صلوات الله وسلامه فتحمل هذا لكن أبا بكر رضى الله عنه عندما سمع هذه المقالة ما تحمل من ابنته فلطمها على وجهها وما أقره نبينا عليه صلوات الله وسلامه على هذا الأمر والحديث رواه أبو يعلى ورواه أبو الشيخ ابن حيان وهو فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وأتكلم على درجة إسناده بعد روايته إن شاء الله تقول أمنا عائشة رضى الله عنها قالت وهذا حصل فى حجة الوداع تقول كان متاعى فيه خف المتاع الذى يحمل على الراحلة على البعير على الناقة وكان على جمل ناج أى عندها أمتعة خفيفة وجملها قوى مسرع نشيط سريع وكان متاع صفية فيه ثقل وكان على جمل ثفال أى بطىء ضعيف فى المشى ولو ضبط ثقال لكن من حيث اللغة صحيحا لكن الرواية الواردة بالفاء على جمل ثفال ثقال أى ثقيل فى المشى ثفال أى ضعيف لا يسرع ولا يلحق بالركب أمتعتها كثيرة وعلى جمل ثفال وتلك أمتعتها خفيفة وعلى جمل ناج وكان إذن متاع صفية فيه ثقل وكان على جمل ثفال بطىء يبطىء بالركب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حولى متاع عائشة على جمل صفية وحولوا متاع صفية على جمل عائشة يعنى هذه الأمتعة غيروا بينها بحيث يكون متاع صفية على جمل أمنا عائشة رضى الله عنها الذى هو ناج مسرع حتى يمضى الركب ولا يتأخر والركب كلهم تبع للنبى عليه الصلاة والسلام قالت عائشة فلما رأيت ذلك قلت يال عباد الله غلبتنا هذه(143/8)
اليهودية على رسول الله عليه الصلاة والسلام والله كلمة كبيرة وسيأتينا يعنى جرى هذا من حفصة أيضا ومن أمنا عائشة وجرى من زينب هذه اللفظة ثم هجر النبى عليه الصلاة والسلام زينب قرابة ثلاثة أشهر من أجل هذه الكلمة لما تطورت القضية يال عباد الله غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله عليه الصلاة والسلام قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم عبد الله عندكم فى المجمع هنا يا أم سلمة وهذا غلط إنما أمنا عائشة تكنى بأم عبد الله كنيت إما بابن أختها عبد الله ابن الزبير وقيل بسقط لها وهذا لم يثبت يقال لها أم عبد الله عليها وعلى سائر أمهاتنا رحمة الله ورضوانه يا أم عبد الله إن متاعك كان فيه خف وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بعيرها يعنى ماذا جرى قالت فقلت ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولست تزعم ويتبسم نبينا عليه الصلاة والسلام.(143/9)
وكلمة الزعم إخوتى الكرام تأتى غالبا فى القول المشكوك فيه الذى لا يثبت وقد تأتى فى القول الحق الصدق الذى لا شك فيه فى وقوعه وفى حقيقته وهنا كذلك قد ثبت فى صحيح مسلم فى حديث أنس رضى الله عنه عندما جاء ضمام ابن ثعلبة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فقال له أتانا رسولك فزعم أن الله أرسلك قال صدق زعم قال صدق فهنا أطلق الزعم والنبى عليه الصلاة والسلام أقره عليه وقال هذا كلام حق ثم إلى آخر الحديث قال من خلق السماء قال الله فمن خلق الأرض قال الله قال فمن خلق هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال أسألك بالذى خلق السماء والأرض والجبال وجعل فيها ما جعل آلله أرسلك قال نعم قال صدقت ثم سأله بعد ذلك عن الصلاة وعن غيرها ثم قال وزعم رسولك إن الله افترض علينا خمس وصلوات فى اليوم والليلة قال صدق قال الإمام النووى عند شرح هذا الحديث فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الأول صفحة سبعين ومائة نبينا عليه الصلاة والسلام قال صدقت مع ضمام مع قوله زعم يقول فى ذلك دليل على أن لفظ الزعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه بل يطلق أيضا على القول المحقق والصدق الذى لا شك فيه قال وقد أكثر سيبويه إمام العربية فى كتابه فى الكتاب الذى سمى بهذا الاسم الكتاب ولم يسمه باسم إنما أطلق عليه لفظ الكتاب للإمام سيبويه كان يقول زعم الخليل زعم الخليل بمعنى قال الخليل وقرر الخليل وذكر الخليل وهنا ألست تزعم يعنى ليس المراد أنك تتدعى زورا وكذبا هذا لا يمكن أبدا يعنى ألست تقول إنك رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف أنت رسول الله عليه الصلاة والسلام وخير خلق الله وتأمر بالعدل ثم تأخذ المتاع الثقيل لصفية تضعه على جملى ومتاعى الخفيف تحوله إلى جمل صفية ألست تزعم أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه قالت فتبسم فقال أفى شك أنت يا أم عبد الله انتبه ما تريد أن لست فى شك أيضا تعيد الكلام من غضبها وانفعالها والغيرة التى تلبستها قالت قلت(143/10)
ألست تزعم أنك رسول الله عليه الصلاة والسلام أنا ما أقول أننى فى شك أنا أخاطبك أنت, أنت ما تخبرنا أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فهلا عدلت قالت وسمعنى أبو بكر وكان فيه غرب أى شدة فأقبل على ولطم وجهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا أبا بكر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى ابنته عائشة أما سمعت ما قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغير أى التى تعتريها الغيرة لا تبصر أسفل الوادى من أعلاه هذه ما تميز أين السفل وأين العلو هذه اختلط عقلها الآن عند حصول الغيرة فيها فاعذرها هى الآن فى ثورة غضب وانفعال اصبر عليها بعد ذلك ستندم على مقالها ما نستعمل اليد مباشرة مهلا يا أبا بكر إن الغير لا تبصر أسفل الوادى من أعلاه رواه أبو يعلى وفيه محمد ابن إسحاق وهو مدلس وتقدم معنا ترجمته فى محاضرة سنن الترمذى وقلت إنه من رجال مسلم والسنن الأربعة وهو صدوق كما تقدم معنا لكنه يدلس وإذا عنعن يتوقف فى رواته حتى يثبت السماع وفيه أيضا سلمة ابن الفضل, سلمة ابن الفضل أمره يسير قال عنه الحافظ صدوق كثير الخطأ توفى بعد سنة تسعين ومائة للهجرة حديثه فى سنن أبى داود والترمذى وأخرج له ابن ماجة لكن فى التفسير قال الإمام الهيثمى وفيه سلمة ابن الفضل وقد وثقه جماعة ابن معين وابن حبان وأبو حاتم وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقد رواه أبو الشيخ ابن حيان فى كتاب الأمثال وليس فيه غير أسامة ابن زيد الليثى هذا فى رواية أبى الشيخ وأسامة ابن زيد الليثى صدوق يهم توفى سنة ثلاث وخمسين ومائة وحديثه فى صحيح مسلم والسنن الأربعة وأخرج له البخارى فى صحيحه معلقا إذن وليس فيه غير أسامة ابن زيد الليثى وهو من رجال الصحيح وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات والحديث ذكره الإمام الغزالى فى الإحياء وخرجه شيخ الإسلام الإمام أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم الأثرى فى المغنى عن حمل الأسفار فى الأسفار انظروه فى الجزء(143/11)
الثانى صفحة أربع وأربعين قال فيه ابن إسحاق وقد عنعنه ألست تزعم أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه وهذا الكلام يقابل بالتبسم يعنى هذا انفعال من حبيبك خلص يتسع صدرك له يزول عما قريب وهى تأتى بعد ذلك تقول أنا يعنى أخطأت فى هذه الكلمة أنا لا أشك فى أنك رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجزم بذلك وأنك رسول الله أكثر مما أجزم أننى أنا عائشة وسيأتينا إخوتى الكرام هذه الانفعالات التى ستجرى ستأختمها بحادثة كل واحدة منهن تتمنى لو اقترن معها أقرب الناس إليها بالنسب مع نبينا عليه الصلاة والسلام لتنال أعلى الرتب سيأتينا أن كل واحدة سيأتينا كانت تعرض قريباتها وأخواتها على نبينا عليه الصلاة والسلام سيأتينا هذا وثابت فى الصحيح تقول رملة أم حبيبة أمنا رضى الله عنها وأرضاها كما سيأتينا هل لك فى أختى وهل هى عزة أو درة كما سيأتينا اسمها قال أعمل فيها ماذا تنكحها أختها تعرضها على نبينا عليه الصلاة والسلام قال وتحبين ذلك قال خير من شاركنى فى خير أختى هذه تأتى أختى وأنا ما عندى شك أن صحبتك هذا خير لا يعدله خير وأنا أريد الخير لأختى فأريد أن تتزوج أختى معى قال إنها لا تحل لى لا يجوز أن نجمع بين الأختين هذه من المحرمات لكن انظر مع انفعالهن أيضا عندما تروق وهذه الانفعالات كما قلنا ليست هى الخط العام لحياتهم هذه يعنى فى تسع سنوات تسع انفعلات من تسع زوجات طيب ماذا جرى ولا شىء على الإطلاق.(143/12)
ولذلك قلت ما يقف عند هذه السلبيات ويضخمها ويجعلها صورة لبيت نبينا عليه الصلاة والسلام ألا من لعنه الله وغضب عليه إنه يريد أن يجعل هذا الأمر الذى هو فى حكم الشذوذ والنادر يريد أن يجعل هو المسلك العام الذى يخيم على بيت نبينا عليه الصلاة والسلام ليس كذلك المسلك العام هل لك فى عزة أعمل فيها ماذا قالت تنكحها أو تحبين ذلك يعنى يتعجب امرأة فى الأصل ركز فيها الغيرة وهى تعرض على زوجها أن يتزوج عليها قالت خير من شاركنى بخير أختى يعنى ما الحرج وصحبتك يعنى خير لا يعدلها خير فأريد أن تتزوج أختى معى لتنال ما نلت هذه لو لم تعلم أن صحبتها لنبينا عليه الصلاة والسلام أعظم صحبة وأنها تفدى نبينا عليه الصلاة والسلام بروحها وترى هذا قليلا فى حقه لما عرضت عليه أختها ورغبت فى ذلك.(143/13)
وعليه ما يجرى من انفعالات كما قلت انفعالات طفيفة يعنى تلقى فى مكانها ولا بعد ذلك يطورها الإنسان ويجعلها منهجا لحياة الزوجية ومثل هذا إخوتى الكرام كان يقع وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يتحمل كما قلت ويعفو ويصفح وقد روى الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط والأثر فى تاريخ بغداد للخطيب البغدادى كما ذكر ذلك شيخ الإسلام الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى المكان المتقدم فى الجزء الثانى صفحة أربع وأربعين والإمام الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وخمسين وثلاثمائة نقل كلام العراقى على هذا الحديث ولم يزد عليه شيئا ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت جرى بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما حتى أدخل النبى عليه الصلاة والسلام بيننا أبا بكر حكما وشاهدا قال تعال احكم بينى وبين ابنتك بين أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فاستشهده النبى عليه الصلاة والسلام فلما جاء أبو بكر رضى الله عنهم أجمعين قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة رضى الله عنها تتكلمين أو أتكلم من الذى يبدأ فى عرض الأمر على أبى بكر قالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقا تكلم ولا تقل إلا حقا فلطمها أبو بكر رضى الله عنه حتى خرج الدم من فمها فقامت مستجيرة برسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمت وراء ظهره أنت الآن تخاصمينه إلى أبيك بدأت تلوذين به ووالله هو أرحم بها وأرأف بها من نفسها لا من أبيها وأمها فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما لطمها أبو بكر قال يا عدية نفسها يعنى تصغير عدوة يعنى يا عدوة نفسها أنت تعادين نفسك بهذا الكلام ولا تدرين وهل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الحق تكلم ولا تقل إلا حقا وعلى كل حال كلام ليس فيه يعنى محذور والنبى عليه الصلاة والسلام لا يتكلم إلا بالحق لكن انفعال يعنى قل الحق وتكلم وليس معناها يعنى هذا الاستثناء يفهم منه أنه يتكلم(143/14)
بالباطل حاشاه من ذلك عليه صلوات الله وسلامه لكن انفعال فى نفسها الكلمة شرعية لكن وإن كان التعبير يعنى فيه شىء من الخشونة تكلم ولا تقل إلا حقا فلما استجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأبى بكر يا أبا بكر لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا ما أردناك أن تدخل فى خصومة نحن جئنا فقط لتصلح أتينا بك لتصلح بينى وبين هذه الزوجة الحبيبة شىء من يعنى الكلام وأنت تأتى يعنى تصلح بيننا ويعنى تقول لى أنت تجاوز ولها تجاوزى أما يعنى تستعمل اليد ما أردنا منك هذا وما جئنا بك لهذا لا لتضرب ابنتك الأثر قال عنه الإمام العراقى كما قلت رواه الطبرانى والخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد قال بسند ضعيف عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها لكن مثل وقع كثيرا فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام والكثرة دون العشرة أيضا فاستمعوا لبعض الحوادث عدا عما ذكرت.(143/15)
الحادثة الأولى رواها الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وقال حسن صحيح غريب ورواه هذا الأثر الإمام النسائى فى السنن الكبرى والأثر فى صحيح ابن حبان وإسناده صحيح عن أنس رضى الله عنه وأرضاه قال بلغ صفية رضى الله عنها وأرضاها وهى أمنا الطيبة الطاهرة المباركة بلغ صفية أن حفصة وهى أمنا حفصة رضى الله عنها وأرضاها قالت عنها إنها بنت يهودى حفصة تقول عن صفية هذه بنت يهودى هى نعم بنت يهودى طيب وكان ماذا أسلمت وصارت زوجة لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام كان ماذا ابنة يهودى يعنى تعير لأن أباها يعنى كان يهوديا فإذن يعنى هى هذا يلحقها تعيير به هذا لا يجوز هذا منطق غير سليم فى شريعة الله المستقيمة إنها بنت يهودى بلغ صفية كلام حفصة رضى الله عنها وأرضاها فبكت يقول أنس لما بلغ صفية هذا الكلام من حفصة بكت فدخل عليها النبى عليه الصلاة والسلام وهى تبكى قال ما يبكيك وفى رواية فى المسند ما شأنك تبكين لماذا قالت قالت لى حفصة أنت ابنة يهودى فانظر لحل المشكلة والقضاء عليها فقال عليه الصلاة والسلام يا صفية إنك لابنة نبى أنت نسبك ينتهى إلى هارون وإن عمك لنبى وإنك تحت نبى فما تفخر حفصة عليك يعنى قولى لها والدى هارون أنتمى إليه وهو نبى وعمى موسى وهو نبى وأنا زوجة نبى تفتخرين على بأى شىء يعنى تفتخرين بمن بنت نبى عمها نبى هى تحت نبى تفتخرين بأى شىء ما قيل كلام فارغ خلص كفى عنه وانتهى الأمر وأنت لم َتنفعلين أيضا قولى لها من قالت لك إنك ابنة يهودى قولى أنال بنت نبى وعمى نبى وأنا تحت نبى من ثبت منكن لها يعنى لها هذه الفضيلة خلص يسكتن ثم التفت نبينا عليه الصلاة والسلام إلى حفصة وقال يا حفصة اتق الله كلام الجاهلية لا داعى له يا حفصة اتق الله فاستمع الآن لهذا التوجيه من نبينا عليه الصلاة والسلام أصلح بين الزوجتين وأعطى حفصة حقها من النصح والزجر اتق الله وهذا كلام خروج عن التقوى وتلك طيب خاطرها لا تتأثرين(143/16)
بنت بنى أنت عمك نبى وأنت تحت نبى.
من جملة اللطائف حول هذه القصة كان بعض إخواننا عندما كنا فى أيام الدراسة يقول لى35:16 هذه يعنى تلقفها من بعض الشيوخ وهى فى الحقيقة نكتة لكن كانت فى منتهى الغرابة ننكرها عليه ثم تبين صحتها أنا ولى ابن نبى نقول اتق الله يا رجل اتق الله قال أنا ما أشك أننى ولى ابن نبى قلت يا عبد الله كيف هذا قال أنا مؤمن والمؤمنون إن شاء الله أولياء الله وأبونا آدم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه كلنا ننتمى لآدم وآدم من تراب وهو نبى الله فأنا ولى ابن نبى وهنا كذلك من باب تطييب خاطر أمنا صفية أنت ابنة نبى حتما ليس هو الأب الأقرب إنما بينها وبين هارون مسافة وعمك نبى وأفضل الفضائل أنت تحت نبى خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه فبم َ تفخر حفصة عليك يا حفصة اتق الله.(143/17)
وهذا الكلام كما قلت الذى صدر من حفصة صدر أيضا من أمنا عائشة رضى الله عنها وتقدم معنا أيضا قالته أمنا عائشة كما فى رواية أبى يعلى التى فيها عنعنة محمد ابن إسحاق كما تقدم معنا لكن هذا الكلام ثابت عن أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام فى حق صفية فى أحاديث أخر منها هذا الحديث ومنها ما فى الترمذى ومستدرك الحاكم عن أمنا صفية رضى الله عنها وأرضاها قالت دخل على النبى صلى الله عليه وسلم وانظروا الحديث فى مستدرك الحاكم فى الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين وقد بلغنى كلام عن عائشة وحفصة إذن المتكلم الآن زوجتان من أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وقد بلغنى كلام عن عائشة وحفصة وأنا أبكى فقال النبى عليه الصلاة والسلام ما شأنك ما يبكيك فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وعائشة ينالان منى ويقولان نحن خير منها نحن بنات عمه وأزواجه يعنى نحن لنا مزية على هذه اليهودية على زعمهما نحن بنات عمه فى النسب ونحن أزواجه طيب هى زوجة لكن هى ليس لها صفة بنت العمومة نحن بنات عمه ونحن أزواجه فقال نبينا عليه الصلاة والسلام يا صفية ألا قلت كيف تكونان خيرا منى وأبى هرون وعمى موسى وزوجى محمد عليه الصلاة والسلام قولى لهما هذا وخلص لا داعى للبكاء والكلام ينقطع ولا داعى بعد ذلك للتشويش بغير حق أبى هارون وعمى موسى وزوجى محمد عليه صلوات الله وسلامه نعم إخوتى الكرام الغيرة إذا جاوزت حدها لا بد من ردعها فهذه تكررت كما قلت من أمنا عائشة من أمنا حفصة نحو أمنا صفية على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه ثم تكررت من زينب لكن فى وقت حقيقة يعنى صدور هذا من زينب يعنى ينبغى أن يعنى يحصل عليه شىء كما قلت من الحسم والتوجيه لئلا يتطور الأمر يعنى أكثر مما يسمح به فاستمع لهذا الذى حصل من زينب مع أمنا صفية فى حجة الوداع بعد أن حصل من أمنا عائشة مع صفية ما حصل.(143/18)
تقدم معنا أخذ المتاع الثقيل لصفية ووضع على جمل أمنا عائشة لكن جملها مع ذلك الجمل الثفال ما استطاع أن يمشى مع خفة متاع أمنا عائشة فبرك فى النهاية فلا بد الآن من تغييره فاستمع ماذا جرى يعنى عند طلب تغيير الجمل الحديث رواه الإمام أحمد فى المسند والطبرانى فى معجمه الأوسط وانظروه فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة واحدة وعشرين وثلاثمائة إلى ثلاث وعشرين وثلاثمائة وهو فى المسند فى بلوغ الأمانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد الشيبانى ومعه الفتح الربانى فى الجزء الثانى والعشرين صفحة أربع وأربعين ومائة عن سمية وقيل شميسة سمية شميسة وهما بصريتان مقبولتان كما قال الحافظ ابن حجر فى التقريب قال الإمام الهيثمى كل منهما لم يجرحها أحد يعنى سمية البصرية لم يجرحها أحد وشميسة لم يجرحها أحد أما الأولى وهى سمية فحديثها فى السنن الثلاثة فى سنن أبى داود والنسائى وابن ماجة وأما شميسة فقد روى لها البخارى فى الأدب المفرد إذن إما عن سمية أو شميسة كما قلت كلاهما من البصرة بصريتان من التابعين تابعيتان كريمتان رضى الله عنهما وعن سائر المسلمين عن سمية أو عن شميسة عن عائشة وصفية رضى الله عنهم أجمعين لتنقل سمية أو شميسة عن أمنا عائشة وأمنا صفية ما جرى فى حجة الوداع مع نبينا عليه الصلاة والسلام مع نسائه فى السفر والطريق قالت حج النبى صلى الله عليه وسلم بنسائه فلما كان ببعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع والرجل الذى يسوق هو الذى يحدو بالإبل من أجل أن يعنى تمشى وتسرع وتلحق بالركب فأسرع فقال النبى عليه الصلاة والسلام كذاك سوقك بالقوارير يعنى هكذا تسوق القوارير وهذا الذى كان يسوق هو أنجشة وهو الذى كان يسوق النساء والضعفة عندما يسافرون مع النبى عليه الصلاة والسلام وورد التصريح باسمه فى الصحيحين وغيرهما فى المسند والصحيحين وسنن النسائى عن أنس رضى الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير وحاد يحدو بنسائه(143/19)
فضحك النبى صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد تنحى بهن يعنى سبقن الركب من كثرة يعنى سير أنجشة بالضعفة والنساء فقال النبى عليه الصلاة والسلام يا أنجشة ويحك ارفق بالقوارير القارورة فى الأصل هى الزجاجة الرقيقة اللطيفة شبهت النساء هنا بالقوارير لأمرين اثنين.
الأول: هى تشبه النساء فى الرقة هى تشبه القوارير الزجاجة فى الرقة واللطافة وضعف البنية هذه ضعيفة لا تتحمل كما أن الزجاجة لا تتحمل الخض وشبهت أيضا بالزجاجة والقوارير أى المرأة من وجه ثانى لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء ولذلك يسرع إليهن الكسر وقد لا يقبل الجبر لذلك هذه الزجاجة التى عندك حافظ عليها وإذا أردت يعنى أن تخضها انكسرت والقارورة إذا انكسرت لا تجبر وكسرها بالنسبة للمرأة طلاقها يا أنجشة ارفق بالقوارير هذا المعنى الأول يعنى ارفق بالنساء اللاتى هن كالقوارير فى الرقة واللطافة وضعف البنية هذا على التشبيه الأول وهن كالقوارير كما قلت لا يتحملن يعنى شدة وعناء ينكسرن بسرعة وإذا انكسرن لا ينجبرن فارفق بهن.(143/20)
ويمكن أن يكون المراد يا أنجشة ارفق بالقوارير أى سقهن كما تسوق الإبل لو كان على ظهرها القوارير من الزجاج كيف لا تسرع بالسير من أجل ألا تتكسر القوارير ارفق أيضا بالنساء لما فيهن من ضعف وهنا كذاك سوقك بالقوارير فلما كانوا يسيرون وأنجشة يحدو قال برك لصفية جملها هذا الذى وضع عليه المتاع الخفيف هو جمل ثفال فى حجة الوداع برك وكانت من أحسنهن ظهرا لكن قدر الله على ظهرها ما قدر يعنى هو فى الأصل فيه نشاط لكن فى هذه السفرة وفى هذا الطريق تعب فبكت وهى تقول فبكيت قالت فجاء النبى صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده عليه صلوات الله وسلامه وجعلت تزداد بكاء وبكاؤها من أجل أنها ستأخر الركب ستأخر خير خلق الله عليه الصلاة والسلام عن السفر فلا يمكن أن يسير الصحابة ومعهم النبى عليه الصلاة والسلام ويتركوا أمنا صفية هذا لا يمكن على الإطلاق وبدأت تبكى يعنى أنها تتسبب الآن فى مشكلة للنبى عليه الصلاة والسلام لصحبه الكرام وقد ينظر الناس إليها بعد ذلك نظرة تشاؤم فبدأت تبكى والنبى عليه الصلاة والسلام يمسح دموعها المباركة وهى تزاد بكاء وهو ينهاها فلما أكثرت زبرها وانتهرها يعنى زجر لتقف عند حدها طيب قدر الله وما شاء فعل الجمل يعنى عطب وهلك ووقع طيب خلص لا داعى لكثرة البكاء ونحصل غيره إن شاء الله قال وأمر النبى صلى الله عليه وسلم الناس بالنزول فنزلوا ولم يكن يريد أن ينزلوا إنما نزلوا من أجل جمل صفية رضى الله عنها وأرضاها فنزلوا وكان يومى وهذه الليلة هى ليلة صفية بالنسبة للسفر لا يوجد قسم فى ليل أو فى نهار إنما القسم يكون للزوجة عند النزول يعنى صاحبة الليلة عندما ينزل المسافر ليستريح..(143/21)
ليلة أمنا صفية رضى الله عنها وأرضاها وهى كما قلت تسببت فيما تسببت والنبى عليه الصلاة والسلام فى نهاية الأمر زجرها وانتهرها لكثرة بكائها قالت فلما نزلوا ضرب خباب النبى عليه الصلاة والسلام ودخل فيه فلم أدر علام أهجم عليه أى أدخل عليه بأى شىء وأنا الآن هذه ليلتى ونساؤه التسع معه على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه لكن هذه ستكون معه فى خبائه عندما ضرب له فهذا حقها قالت فلم أدر علام أهجم أى أدخل من النبى عليه الصلاة والسلام وخشيت أن يكون فى نفسه شىء منى أنه تأثر لما حصل قال فانطلقت إلى عائشة وقلت لها يا عائشة تعلمين أنى لم أكن أبيع يومى من رسول الله عليه الصلاة والسلام بشىء أبدا اليوم لا أتنازل عنه مهما بذل لى وإنى قد وهبت يومى لك على أن ترضى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن يكون قد تأثر فهذا اليوم لك وأنت ادخلى معه إلى الخباء وطيبى خاطره ليرضى النبى عليه الصلاة والسلام عنى اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا قالت نعم تقول فأخذت خمارا لها قد سردته بزعفران فرشته بالماء ليزكى أى ليفوح ريحه ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فرفعت طرف الخباب فقال يا عائشة مالك هذا ليس يومك قلت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم مع أهله فلما كان عند الرواح قال لزينب أفقرى أختك جملا أى أعيريها جملا لتركب عليه مأخوذ من ركوب فقار الظهر أفقرى أختك جملا وكانت من أكثرهن ظهرا فقالت أنا أفقر يهوديتك أنا أعطيها جملا لتركبه وفيها هذه الصفة فغضب نبينا عليه الصلاة والسلام حين سمع ذلك منها الآن تتابعت ونحن الآن كما قلت فى موقف حرج وصفية حالتها كما تقدم معنا وهبت يومها لأمنا عائشة وبعد ذلك يعنى تقابل من قبل زينب بهذه المقابلة فغضب النبى عليه الصلاة والسلام عليها حين سمع ذلك منها فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى فى سفره حتى رجع(143/22)
إلى المدينة والمحرم وصفر يعنى ذا الحجة والمحرم وصفر وهو يهجر أمنا زينب رضى الله عنها وأرضاها من أجل هذا الكلام الشديد فى هذه السفرة وهذا الموقف الذى يحتاج إلى مساعدة فلم يأتها ولم يقسم لها ويأست منه على نبينا وآل بيته جميعا صلوات الله وسلامه قال فلما كان ربيع دخل على شهر ربيع نبينا عليه الصلاة والسلام فلما رأت غله.
قالت إن هذا لغل رجل وما يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن دخل بيتى فى هذا الوقت فمن هذا فلما نظرت إليه وعرفته وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما أدرى ما أصنع يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى ماذا أكافؤك الآن ماذا أعمل يعنى لأرضيك وأطيب خاطرك لترضى عنى قال وكان لها جارية تخبؤها من رسول الله عليه الصلاة والسلام فوهبتها له فمشى النبى عليه الصلاة والسلام إلى سريرها وكانت قد رفعته فوضعه بيده ثم بقى عند أهله وأصاب أهله ورضى عنها على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه.(143/23)
قصة جرت وكما قلت إخوتى الكرام سلبية من السلبيات لكن هذه السلبيات انفعال ظاهرى يعالج عندما يحصل فى ذلك اعتداء على حق الغير ويكفى أنها هجرت ثلاثة أشهر يعنى ماذا تريد أكثر من ذلك وهذا الهجر حقيقة يمزق الكبد عند أمنا زينب رضى الله عنها وأرضاها وعفا الله عما سلف رحمة الله واسعة بعد ذلك والله غفور رحيم كما قلت حوادث معدودة هذه من ضمنها جرت فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام وعولجت بهذه المعالجة الكلام الأول الذى جرى من حفصة ما تطور عالجه نبينا عليه الصلاة والسلام بما تقدم يا صفية قولى لها أنا ابنة نبى وعمى نبى وأنا تحت نبى فاتق الله يا حفصة جرى الكرم من أمنا عائشة عولج بذلك زاد الكلام من أمنا عائشة فى السفر وقالت غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله عليه الصلاة والسلام وكيف وضع متاعها على جملى وأخذ متاعى ووضع على جملها وهذا خلاف العدل على حسب زعمها ومع ذلك كل هذا تجاوز بعد ذلك يعنى بعد كل هذه المواقف وفى النهاية التى وصلنا إلى موقف محرج والجمل برك ولا بد من مواصلة السير أفقريها جملا قالت أنا أفقر يهوديتك طيب هذا لابد الآن من زجر لوضع حد لهذا الكلام الذى تكرر وكثر فزجرن بما زجرن به من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام فكان ماذا وهذا وضع الحياة ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم سبحانه وتعالى لكن كما قلت شتان بين أن يكون هذا الخطأ دافعه التعمد وهو مستأصل ثابت فى القلب وبين أن يكون دافعه الخطأ والانفعال وهو طارىء يطرأ على الإنسان فيزول شتان ما بين هذا وذاك فهذه الحوادث كلها من باب الأمور الطارئة التى كانت تزول عند المعالجة وتستقر الحياة بعد ذلك.(143/24)
ومثل هذا كان يقع وكما قلت سأحصى جميع هذه الحوادث وحتى لو جاء متكلم يتكلم قل هل عندك زيادة على هذه الحوادث حتى جئت تتكلم وكما قلت يجرى بين الإنسان وأبيه بين الإنسان وأمه بين الإنسان وأخيه فضلا عن بينه وبين زوجته الوحيدة التى يحبها وتحبه لا أقول كما قلت فى العمر مشكلة أو فى الشهر أو فى السنة مشكلة أو فى الأسبوع مشكلة مشاكل كثيرة لكن إذا لم تكن هذه المشاكل من قلب خبيث سرعان ما تزول وهنا كذلك تسع نسوة يعشن فى حياة تقدم معنا وصف بيوت النبى عليه الصلاة والسلام ووصف أثاثه ووصف طعامه ولو جاءت الفأرة ما تحصل طعاما فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام ما عندهن ما يأكله ذو كبد كما تقدم معنا والحجر فى تلك الحالة والحياة وهن صابرات محتسبات ولما فتح على نبينا عليه الصلاة والسلام ما فتح من المغانم قلت كل هذا صرف إلى المسلمين ولم ينل بيت النبوة منه شيئا كما تقدم معنا لا شبع البطن ولا عمر البيت كما هو فإذا جرى منهن وهن تسع تسع حوادث فى حياتهن مع نبينا عليه الصلاة والسلام كان ماذا ولا شىء على الإطلاق وكما قلت هذه هى طبيعة الحياة نحن لا نعيش فى جنة فى الجنة حقيقة هناك لا يمكن أن يصدر شائبة أما ما دمت فى هذه الحياة لا بد من عكر وكدر يزال بعد ذلك وإذا لم يكن هذا العكر والكدر من قبل كما قلت وهو مستأصل فيه فى لا حرج وهذا طبيعة بنى آدم.(143/25)
استمع لمثل هذه الحوادث أيضا ولمعالجة النبى عليه الصلاة والسلام لها ثبت فى صحيح مسلم والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وصاحب كتاب بلوغ الأمانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد الشيبانى فى الجزء الثانى والعشرين صفحة ثلاث وخمسين ومائة يقول لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وهو فى صحيح مسلم كما قلت لكم يعنى هو يظن أن هذه الرواية انفرد بها الإمام أحمد لكنها فى صحيح مسلم نعم هى فى المسند أيضا عن أنس رضى الله عنه قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة وكان إذا قسم بينهن لا يتنهى إلى المرأة الأولى إلا فى تسع طيب يعنى ثمانية أيام ولا يجتمع بزوجاته هذا لا يمكن تقدم معنا بعض الروايات عند الأمر الأول أن نبينا عليه الصلاة والسلام ما من يوم يمر عليه إلا ويطوف عليهن جميعا كان عليه الصلاة والسلام إذا قسم بينهن لا ينتهى إلى المرأة الأولى إلا فى تسع فكن يجتمعن فى كل ليلة على هذا الود والحب والوئام فى كل ليلة يجتمعن فى بيت من هى ليلتها مع نبينا خير خلق الله عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه فكن يجتمعن فى كل ليلة فى بيت التى يأتيها طيب إذا حصل فى هذه الاجتماعات فى تسع سنوات هذا اجتماع فى كل ليلة يجتمعن إذا حصلت حادثة أو حادثتان يعنى هذه تعكر أو تكدر لا ثم لا فاستمع لما جرى فكن يجتمعن فى كل ليلة فى بيت التى يأتيها فكان فى بيت عائشة فى إحدى الأيام ليلة عائشة وأمهاتنا فى بيتها قال فجاءت زينب فمد النبى صلى الله عليه وسلم إليها يده زوجته ومد يده إليها يلاعبها يداعبها عليه صلوات الله وسلامه أمنا عائشة ما تحملت يعنى هذه ليلتها وفى بيتها تمد يدك إلى زينب استمع ماذا جرى فقالت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه زينب انتبه هذه ليست عائشة لم َتمد يدك إليها عليه صلوات الله وسلامه قالت فكف يده مباشرة امتنع لكن زينب لن تسكت الآن فتقاولتا كل واحدة بدأت تكلم الأخرى ولا تظن أن هذه مقاولة يعنى شتيمة كما يجرى(143/26)
فى نساء الناس الهابطين سب أب وأم وبذاءة لا يعنى تلك تقول هذه ليلتى ليس لك حق فى أن يستمتع رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الليلة بك قفى عند حدك وأنت ينبغى أن تقولين له إذا مد يده هذه ليلة عائشة اتق الله يا زينب فزينب تقول وأنت لم َتمنعين رسول الله عليه الصلاة والسلام من حظه والمؤمنون إخوة وإذا مد النبى عليه الصلاة والسلام كان ماذا ولم َ يعنى أنت ضيق العطن يعنى من هذا الكلام يعنى لا تظن أن المقاولة كما سيأتى فى بعض الروايات المساببة يعنى فيها شتم وكلام بذىء هذا لا يمكن أن تتفوه به أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه فتقاولتا حتى استحثتا وهو استفعال من الحث وهو أخذ التراب ونسفه فى الوجه كل واحدة أخذت ترابا ترش على الأخرى طيب ما الحرج لكن لا كلام بذىء وأقيمت الصلاة يعنى صلاة العشاء ستقام وحجر النبى عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى عليكم هى ملاصقة للمسجد وتقدم معنا قلنا جريد نخل طين ما أكثر يعنى هذا يسمع ما يجرى فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام يسمعه الصحابة الكرام فى المسجد لو أن الإنسان مضغ الطعام يسمع فى المسجد ونساء الآن يعنى فى رفع صوت ثم نسف بالتراب كل واحدة ترش على الأخرى ترابا والحديث فى صحيح مسلم وأقيمت الصلاة فمر أبو بكر رضى الله عنه فسمع أصواتهن فقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام اخرج إلى الصلاة واحثوا فى أفواههن التراب يعنى أنت لو زلت مع ذلك عليه صلوات الله وسلامه تطول بالك وتوسع صدرك وأنت حليم جالس زينب وعائشة كل واحدة تتكلم على الأخرى ثم تأخذ التراب وتنسفه وأنت جالس يعنى مع كل هذا اتركهن واحثوا فى أفواههن التراب فخرج النبى عليه الصلاة والسلام لصلاة العشاء سكن النسوة أمهاتنا رضى الله عنهن فقالت عائشة الآن يقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيجىء أبو بكر فيفعل بى ويفعل يعنى هى ما تخاف من النبى عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا إنما تخاف من أبيها(143/27)
قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتاها أبو بكر وقال لها قولا شديدا أتصنعين هذا برسول الله عليه الصلاة والسلام من أنت ومن أبوك ومن أهل الأرض وتصنعون هذا أنتن برسول الله عليه الصلاة والسلام والحديث كما قلت فى صحيح مسلم كان ماذا يعنى كان ماذا إذا حصل هذا فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام أى حرج تسع نسوة يجتمعن فى تسع سنوات فى جميع الليالى على الترتيب فى كل ليلة فى بيت التى هى ليلتها طيب إذا جرى يعنى فى هذه الليالى المتعددة المتكررة حادثة أو حادثتان هذا يقال فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام خصومة والله من قال هذا فخصمه الله هذا لا يقال خصومة هذا يدل على نبلهن وشرفهن ومحبتهن وودهن لبعضهن لكن أحيانا انفعال مد يده هى نبهت هذه زينب انتبه فكف النبى عليه الصلاة والسلام يده تلك حرمت خيرا فتريد أن تجيب هذه لن تسكت كلام بين كما قلت المحاورة الشرعية لكن فيه رفع صوت تطور الأمر أخذ تراب ورش على الصاحب وبعد ذلك هدأت الأمور وانتهى الأمر ولا يوجد يعنى أن واحدة تضمر لأختها عداوة أو بغضا وفى الليلة الثانية سيجتمعن فى بيت زينب وزال كل شىء على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه كما قلت إخوتى الكرام هذا فى صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد.(143/28)
وورد نظير هذه القصة مع أمنا عائشة وأمنا أم سلمة على نبيناو عليهن جميعا صلوات الله وسلامه والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وانظروه فى المكان المتقدم أو فى مكان آخر فى الجزء الثانى والعشرين صفحة ثلاث عشرة ومائة هناك تقدم معنا ثلاثا وخمسين أوليس كذلك وانظروه فى مجمع الزوائد أيضا فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وجميع رجال الإسناد ثقات أثبات وفيهم على ابن زيد ابن جدعان قال الإمام الهيثمى وفيه ضعف وحديثه حسن وعلى ابن زيد ابن جدعان أخرج له البخارى فى الأدب المفرد ومسلم فى صحيحه وأهل السنن الأربعة وتوفى سنة واحدة وثلاثين ومائة للهجرة ولفظ الحديث فى المسند عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت كانت عندنا أم سلمة فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت فجاء النبى صلى الله عليه وسلم فى جنح الليل فذكرت شيئا صنعه بيده ذكر النبى عليه الصلاة والسلام ذكرت شيئا صنعه النبى عليه الصلاة والسلام بيده مع أمنا عائشة وما ذكرت هذا الشىء حتما كما حصل من مد يده إلى زينب لكن هنا إلى عائشة فى بيتها وفى ليلتها لكن أمام أم سلمة على نبيناو عليهن جميعا صلوات الله وسلامه قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطن لأم سلمة ما انتبه لها دخل فى الليل ولم يكن فى البيوت مصابيح على نبينا صلوات الله وسلامه وهى ليلة أمنا عائشة فلما دخل تقول ذكرت شيئا بدأ يفعله مع أمنا عائشة ولم ينتبه لأمنا أم سلمة قال وجعلت أومأ إليه حتى فطن يعنى انبهه أم سلمة موجودة يعنى لا داعى الآن لمعاتبة أخرى فلما فطن وقف النبى عليه الصلاة والسلام عن فعله فقالت أم سلمة أهكذا الآن يعنى بعد ما كنت تفعل وتفعل مع أمنا عائشة رضى الله عنه أهكذا الآن أما كانت واحدة منا عندك إلا فى خلابة أى فى خداع كأنك تخادعنا وعائشة هى المقدمة علينا ونحن كلنا كأننا نخادع عائشة تقدم وإذا فطنت لنا يعنى تقف عما أنت عليه وحتما كلمة فى غير(143/29)
محلها تقدم معنا فعل هذا مع زينب فى بيت أمنا عائشة لا يخادع واحدة إنما نفس البشر أحيانا تمتد إلى بعض اليد إلى بعض زوجاته فليس معنى هذا أنه يخادع البقيات لا ثم لا قالت أما كانت واحدة منا عندك إلا فى خلابة كما أرى وسبت عائشة والسب كما قلت كلام شديد ليس فيه بذاءة ولا سفالة وجعل النبى عليه الصلاة والسلام ينهاها لأم سلمة كفى عن قولك فتأبى فقال لأمنا عائشة سبيها يا عائشة أبدئى أنت خذى حقك وهو جالس عليه صلوات الله وسلامه قالت فسببتها حتى غلبتها عندها سكت بعد ذلك أمنا أم سلمة فذهبت إلى على وفاطمة رضى الله عنهم أجمعين فقالت إن عائشة سبتها يعنى سبت أم سلمة وقالت لكم وقالت يعنى هى تفضل نفسها حتى عليكم يا على وفاطمة هذه عائشة رضى الله عنها وأرضاها فقال على لسيدتنا فاطمة على نبينا وآله جميعا صلوات الله وسلامه اذهبى إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وقولى له إن عائشة قالت لنا وقالت فجاءت فاطمة وقالت للنبى عليه الصلاة والسلام إن عائشة قالت لنا وقالت قال يا بنيتى إنها حبة أبيك ورب الكعبة أى هذه حبيبتى وزوجتى وهكذا أم سلمة وهكذا حفصة وهكذا صفية هذه حبتى يعنى أنت تتكلمين عليها ما تحبين ما أحب فسكتت فاطمة رضى الله عنها وأرضاها وعادت إلى على فلما ذكرت لعلى ما قاله لها النبى عليه الصلاة والسلام جاء على وقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أما كفاك إلا أن قالت لناعائشة وقالت فلما أتتك فاطمة قلت لها إنها حبة أبيك ورب الكعبة يعنى أيضا هذا ولا تعاتب عائشة لكن هذا هو خلق النبى عليه الصلاة والسلام أم سلمة بدأت نهاها ما انتهت قال تلك دونك انتصرى سبيها كما تسبك لكن كما قلت لا تفهم من هذا سب بكلام سافل بذىء يتنزه عنه الإنسان ويتنزه عنه أهل الإسلام إنما معاتبات شرعية فيها كما قلت شىء من الشدة والغلظة فى الصوت فلما غلبت حجة عائشة حجة أمنا أم سلمة تلك سكتت وسيأتينا أن أمنا عائشة أحيانا كانت ترد على بعض(143/30)
أمهاتنا كما سأتينا ضمن الحوادث على أمنا زينب تقول فردت عليها حتى جف ريقها بفمها وسكتت ما استطاعت أن تتكلم فبدأ وجه النبى عليه الصلاة والسلام يتهلل وقال إنها ابنة أبيها هذه يعنى وليس إذن مرتب عنى إذن تعرف كيف تسكت.
الخصم وتأتى بحجج شرعية على ما تقول أنها على حق وأن تلك عندما تكلمت يعنى انفعال ينبغى أن تتركه ولا يجوز أن تثبت عليه هذه حوادث إخوتى الكرام تجرى فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره أوسع من السماوات والأرض عليه صلوات الله وسلامه يتسع ويقول لهذه انتصرى وبعد ذلك بعد هذه المقاولة ذهب كل شىء ومضى وما بقى فى القلب شىء.
أكمل هذا بعد آذان العشاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.(143/31)
إخوتى الكرام: قبل أن أكمل هذا المبحث شىء خطر ببالى ليتنى نبهت عليه عند ذكر القصة عندما حج النبى عليه الصلاة والسلام بنسائه وبرك جمل أمنا صفية رضى الله عنها وأرضاها ووهبت بعد ذلك كما قلنا لأمنا عائشة هذا يتعين أن يكون فى عودة نبينا عليه الصلاة والسلام من حجته واضح هذا أنه فى الذهاب هم محرمون ولا يمكن لأمنا عائشة أن تأخذ هذا الثوب الذى فيه زعفران وبعدها نبينا عليه الصلاة والسلام يعنى يباشرها فى خبائه هذا كله بعد عودتهم فيما يظهر والعلم عند الله عز وجل يعنى هذا ما حصل فى حالة الإحرام قطعا وجزما أو ممكن أن يقال إذا كان فى البداية قبل أن يصلوا إلى الميقات لعله لكن المسافة قصيرة من المدينة المنورة إلى الميقات الذى والعلم عند الله أن هذا فى حالة العودة ما فصل الأمر لكن هذا يتعين قطعا يعنى ما حصل ليس فى حال الإحرام والذى يظهر والعلم عند الله يظهر لى أن هذا فى العودة ولذلك وصف جملها بأنه كان يعنى من أحسنهن ظهرا هذا فى حال الذهاب ثم لعله فى الإياب أصابه ما أصابه فلما برك وطلب النبى عليه الصلاة والسلام من أمنا زينب أن تفقرها أى أن تعطيها أن تعيرها جملا من جمالها قالت ما قالت والعلم عند الله.
هذه حوادث كما قلت تجرى فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام والذى دعانا إليها كما قلت الأمر الرابع بعد أن يحسن الإنسان إلى أهله ينبغى أن يتحمل منهن ما يتحمل وإذا ابتلاك أو أقول أكرمك يعنى الابتلاء يحصل بالإكرام والخصام ونسأل الله أن يجعل هذا إكراما لنا لا خصاما إذا ابتلاك بزوجة أو زوجات وهذا إن شاء الله من باب الكرامة والإكرام لا من باب مشقة وشدة وخصام.(143/32)
اعلم هذه الأخلاق التى كان يتخلق بها وهى خلق خير الله عليه صلوات الله وسلامه اعلم هذا لتعرف كيف تعيش فى بيتك مع زوجك أو مع زوجتك وهذا كما يلزمك مع الزوجة يلزمك من باب أولى مع الزوجات إذا حصل ما حصل لا داعى للانفعال ولا لصراخ ولا لمشاتمة ولا لضرب ولا لسب ولا طلقات أحيانا تطلقها فتطلق الثلاثة أو الأربعة بألفاظ يعنى أكثر مما تملك فاتق الله فينا واقتدى بنبيك عليه الصلاة والسلام وقلت سابقا يعنى هذه الحوادث جرت فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام لحكم منها كثيرا.
أولها للدلالة على أن هذه الحياة حياة كدر مهما صارت والثانى لنقتدى بنبينا خير البشر عليه الصلاة والسلام فى جميع أحوالنا فلو لم يوجد هذا فى بيتى يعنى كيف سنعالجه أمورنا فانتبه هذا خير خلق الله عليه الصلاة والسلام يجرى بين نسائه ما يجرى وليس هو يعنى يسكت ويقر لا بل يقول دونك قومى فانتصرى وسبيها كما تسبك وهو جالس عليه الصلاة والسلام يستمع حتى تنتهى هذه الخصومة يعود الود والوئام والحب بين هذه القلوب الطاهرة بعد أن يعنى فرغ كل واحد كما يقال انفعاله خلص يعود لطبيعته وإلى رشده وإلى عقله ووعيه كان ماذا.(143/33)
واستمع لهذه الحادثة أيضا وهى فى مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى وغالب ظنى كنت ذكرتها فى محااضرات مسجد الدفنة أول ما جئت فى ترجمة أمنا عائشة رضى الله عنها وفى ترجمتها أيضا فلا مانع من ذكرها لأنها تتعلق الآن هذه الحادثة بمبحثنا فى موضوع ما كان يجرى بين أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وانتبه كيف بعد ذلك عندما الواحدة تكلم من قبل النبى عليه الصلاة والسلام تقف عند حدها كما قلت الحديث فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى عن أمنا عائشة رضى الله عنها قالت إن الناس كانوا يتحرون هداياهم يوم عائشة يبتغون بها أو يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك علموا أنه يميل لأمنا عائشة قلبه أكثر من ميله إلى غيره وقلنا هذا الميل كله بإرشاد ربانى ووحى إلهى فما نزل عليه الوحى كما سيأتينا فى لحاف امرأة من نسائه إلا فى لحاف أمنا عائشة وهذا للإشارة إلى تقديمها وكما قلنا هذا تقديم قلبى أما المعاملة الظاهرة تقدم معنا هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك كما تقدم معنا هذا.(143/34)
وفى رواية عن أمنا عائشة رضى الله عنها قالت إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا حزبين التسع ينقسمن إلى قسمين حزبين حزب رئيسه أمنا عائشة وحزب آخر رئيسه أم سلمة فاستمع لهذين الحزبين المباركين وأحسن ما عرفته البشرية من أحزاب للمنافسة على الخير والحرص على خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه قالت أمنا عائشة فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والرئيس عائشة والحزب الآخر أم سلمة وسائر أزواج النبى عليه الصلاة والسلام وهن أربع مع أم سلمة زينب وميمونة وجويرية ورملة أم حبيبة هذه خمسة مع أم سلمة أربعة وهى وأما عائشة ثلاثة وهى أربعة تسع كنا حزبين قال وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أخرها إلى حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة رضى الله عنها وأرضاها ذهب صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فى بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة أم سلمة الأربعة فقلن لها كلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهدى إليه حيث كان من نسائه وهذه الهدية ما تستأثر بها أمنا عائشة لا ثم لا لكن يحصل لها الفضيلة فى بيتها جاءت الهدية إليها ثم قسمها النبى عليه الصلاة والسلام بين نسائه فكأن تلك البيوت مفضولة وهذه بيت فاضل يعنى هذا هو الذى يجود ويخرج منه الجود وتلك البيوت تأخذ فقط فقالت يعنى أمهاتنا الأخريات لم َيعنى بيت عائشة هو منبع الجود تأتى الهدية إلى البيت الذى يكون فيه النبى عليه الصلاة والسلام ثم تقسم لسائر بيوته فهذا الحزب الثانى قال للمسؤول أمنا أم سلمة رضى الله عنهن جميعا كلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا سكت فما أجابها بشىء فسألنها فقالت ما قالت لى شيئا فقلن لها(143/35)
كلميه مرة ثانية قالت فكلمته حين دار إليها إذن قالت فكلمته حين دار إليها يعنى حين جاءتها ليلتها ونوبتها فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لى شيئا قلن الثالثة فقلن كلميه حتى يكلمك يعنى لا تقبلى منه السكوت قولى له النساء يطلبن أن تقول للصحابة كل واحد يهدى إليك حيث كنت ولا يتحرون بهداياهم ليلة عائشة ولا تسكتى أعيدى عليه حتى يجيبك ننظر ماذا سيقول النبى عليه الصلاة والسلام فدار إليها فكلمته فقال لها لا تؤذينى فى عائشة فإن الوحى لم يأتنى وأنا فى ثوب امرأة إلا عائشة وتقدم معنا الحكمة من ذلك قلنا لمكان أبيها فأبوها لم يفارق النبى عليه الصلاة والسلام فى سفر ولا حضر فسرى سره إليها فكان الوحى ينزل على نبينا عليه الصلاة والسلام وهو فى لحاف ابنة أبى بكر على نبينا وآله وصحبه جميعا صلوات الله وسلامه وقيل لحكمة ثانية أوردها الحافظ ابن حجر ذكرتها وهى أنها كانت تبالغ فى نظافة ثيابها وجسمها وطهارتها فكان الملك يخصها بذلك من قبل الله جل وعلا فينزل على النبى عليه الصلاة والسلام فى لحافها قالت فقلت انتبه للإنصاف والوقوف عند الحد أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا كان هذا الكلام يؤذيك أنا أتوب إلى الله منه ولا أعود إليه انظر لهذا الإنصاف وكما قلنا إذن يعنى غيرة ظاهرية تزول بعد ذلك ثم إنهن بيقة الحزب دعون فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام فأرسلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول إن نساءك يسألنك العدل فى بنت أبى بكر فكلمته يعنى فاطمة فقال يا بنية ألا تحبين ما أحبه فقالت بى وفى رواية المسند إنها حبة أبيك ورب الكعبة فأحبى هذه أتحبيننى فى بعض الروايات قالت نعم قال فأحبيها فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن لها ارجعى إليه يعنى مرة ثانية فأبت أن ترجع فأرسلن زينب بنت جحش هذا المبعوث الثالث وهى لا زالت من الحزب الثانى زينب فأتته فأغلظته وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل فى(143/36)
بنت أبى قحافة فرفعت صوتها ثلاثا حتى تناولت عائشة وهى قاعدة يعنى ما ذنبها الآن هى لا دخل لها فى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام يأتى إليها والمسلمون يهدون إليها فى بيتها طيب هى ما دخلها تناولت عائشة وهى قاعدة فسبتها افهم معنى السب لا تفهمه على اصطلاحنا سبته كأنها تقول أنت لم َ ما تقولين للنبى عليه الصلاة والسلام كما نقول له نحن قل للصحابة ليهدوا إليك حيث كنت لم َ أنت تستأثرين بالخير تتميزين علينا ومن هذا الكلام كله يعنى محاسبات يعنى شرعية حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تلكم يعنى تتكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها فنظر النبى صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فقال إنها ابنة بى بكر.
وفى أخرى كان الناس يتحرون بهدياهم يوم عائشة يعنى رواية أخرى قالت فاجتمع صواحبى إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فأمرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبى صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عنى قالت فلما عاد إلى ذكرت ذلك له فأعرض عنى فلما كان فى الثالثة ذكرت ذلك له فقال يا أم سلمة لا تؤذينى فى عائشة فإنه والله ما نزل على الوحى وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها.(143/37)
وفى رواية أخرى قالت أرسل أزواج النبى عليه الصلاة والسلام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع فى مرطى وهو كساء كان يتغطى به نبينا عليه الصلاة والسلام فى بيت أمنا عائشة فأذن لها فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أزواجك أرسلننى يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة وأنا ساكتة وهى أمنا عائشة رضى الله عنها قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أى بنية ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبى هذه قالت فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبى على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه فأخبرتهن بالذى قالت والذى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شىء ما حصل فائدة فارجعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولى له إن أزواجك ينشدنك العدل فى ابنة أبى قحافة فقالت فاطمة لا والله لا أكلمه فيها أبدا قالت عائشة فأرسل أزواج النبى عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش زوج النبى عليه الصلاة والسلام وهى التى كانت تسامينى منهن فى المنزلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أى تضاهينى وتناظرنى من السمو وهى العلو فهى لها مكانة كمكانتى وقريبة من مكانتى عند النبى عليه الصلاة والسلام وهى ابنة عمته زينب بنت جحش على نبينا وعلى آله جميعا صلوات الله وسلامه انتبه لكلام أمنا عائشة ولم أر امرأة قط خيرا فى الدين من زينب واتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا يعنى امتهانا وتحميلا لنفسها الصعاب والشداد وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تصدق به وتتقرب به إلى الله عز وجل انظر لهذه الصفات الت تقولها أمنا عائشة فى أمنا زينب فيها هذه الصفات انتبه ما عدا فيه بس خصلة واحدة ما عدا ثورة وهى الوثوب والثوران والغضب والانفعال ما عدا ثورة من حد غضب وشدة كانت فيها هل هذه لازمة كانت تسرع(143/38)
منها الفيئة فيها تلك الصفات وفيها غضب بمجرد ما تغضب تعود إلى الرشد والصواب قالت فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة فى مرطها على الحال التى دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله على نبينا وآله وصحبه جميعا صلوات الله وسلامه إن أزواجك أرسلننى يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة قالت ثم قعت بى هذه هى ثورة الحد الشدة والغضب والانفعال مع أنها ما رأت مثلها أتقى لله وأصدق حديثا وأصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تتقرب به إلى ربها ثم وقعت بى فاستطالت على وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفا هل يأذن لى فيه يسمح لى أن أرد قالت فلم تبرح زينب لم تفارق المكان حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر إذا انتصرت لا يغضب قالت فلما وقعت بها لم أنشها يعنى لم أهملها ولم أتركها لم أنشبها حتى أثخنت عليها.
وفى رواية لم أنشبها أى أهملها وأتركها حتى أثخنتها غلبة أى كأنها قطعتها وأسكتتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم إنها ابنة أبى بكر.
وفى رواية المسند قال فأقبلت عليها أمنا عائشة على أمنا زينب حتى رأيتها قد يبس ريقها فى فمها ما ترد على شيئا فرأيت وجه النبى عليه الصلاة والسلام يتهلل.
طيب ماذا يعنى حصل من هذا ولا شىء معاتبات كما قلت ظاهرية جرت فى بيوت خير البرية عليه الصلاة والسلام عولجت فى وقتها وانتهى الأمر ثم هذه الثورة من حد غضب فيها زالت بعد ذلك وهذا الانفعال انطفى وفى الليل اجتمعن كما كن يجتمعن فى بيت التى هى ليلتها يتحادثن مع نبينا خير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.(143/39)
فلا بد إخوتى الكرام من وعى هذا الأمر لكن لا بد من تقدير موقف نبينا عليه الصلاة والسلام وهو الذى ينبغى أن يقتدى به الأزواج الكرام مع الزوجات فى هذه الحياة فالمرأة إذا حصل منها ما حصل من غضب من انفعال من تقصير من قصور نحوك أنت الرجل وإذا أنت ستقصر كما تقصر هى الدنيا خربت أنت القيم وأنت السيد فيعنى أدخل هذا فى واسع صدرك وبعد ذلك عامله بمعاملة الرفق والحنو والشفقة والصفح وتطييب الخاطر بحيث تندم على ما جرى منها وتعود الأمور إلى طبيعتها بما أنه لا يوجد كما قلت مرارا فى القلب خبث متأصل ثابت لازم العلاج سهل أما إذا كانت القلوب نسأل الله العافية فيها الفساد وفيها الخبث هذا كلما أصلحت فى الظاهر تنفجر الأمور لأن الداء كامن لكن انتبه هنا امرأة صالحة تقية نقية وهذا وصف جميع أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه ما بقى إلا انفعال ظاهرى هذا سيقع ليس بين الضرائر هذا سيقع بين أخلص الأصحاب مع بعضهم كان يجرى بين أبى بكر وعمر ما يجرى من هذه الحوادث هذا بشر وقلنا نحن نعيش فى هذه الحياة ولا تخلو من شوائب وكدر فهذه الحوادث القليلة التى جرت فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام عولجت بالحلم والصفح وظهرت كما تقدم معنا معالمة نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا أحسن إليهن وصبر عليهن وتحمل منهن هو خلق عظيم فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا.(143/40)
بقية الحوادث لعله بقى معنا حادثتان أذكرهما إن شاء الله وهذا مجموع الحوادث لعله تقدم معنا فى حدود خمسة أو ست حوادث نضيف إليها حادثتان وهذا مجموع ما حصل كما قلت فى بيوت نبينا عليه وعلى أمهاتنا وآل بيته وأصحابه صلوات الله وسلامه بعد الانتهاء من ذلك سأختم كما قلت الكلام على هذا الأمر بترجمة عطرة موجزة لأمهاتنا لأنه إذا ختمنا هذا المبحث بما يجرى منهن من قصور فى الحقيقة نقصر معهن لا بد بعد ذلك من ترجمة طيبة موجزة لكل أم من أمهاتنا مع نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.
اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(143/41)
خلق النبي مع أهله (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
خلق النبي مع أهله (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: إخوتى الكرام..
لازلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وعنوان هذا المبحث كما تقدم معنا بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وقلت إن هذه الأمور على كثرتها وتعددها وتنوعها يمكن أن تضبط فى أربعة أمور.
أولها: النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فى خَلقه وخُلقه.
وثانيها: النظر فى دعوته ورسالته.
وثالثها: النظر إلى المعجزات فى المعجزات وخوارق العادات التى أيده بها رب الأرض والسماوات.
ورابعها: تأمل حال أصحابه الكرام على نبينا وآله وصحبه أفضل الصلاة ووأزكى السلام.
وكنا نتدارس الأمر الأول من هذه الأمور الأربعة النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فى خلقه وخلقه وقد تقدم معنا ما يتعلق بخَلق نبينا عليه الصلاة والسلام ووجه دلالة ذلك على أنه رسول ذى الجلال والإكرام على نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.(144/1)
ثم شرعنا إخوتى الكرام فى مدارسة الشق الثانى من الأمر الأول ألا وهو النظر إلى خلق النبى عليه الصلاة والسلام فالله أعطى رسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه الكمال فى خلقهم وفى أخلاقهم فمنحهم الجمال والجلال فى الأمرين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
وخلق نبينا عليه الصلاة والسلام تقدم معنا ينقسم إلى قسمين اثنين بارزين خلق مع الخلق وخلق مع الحق فهو أعبد الخلق للحق جل وعلا وهو أحسن الخلق خلقا مع الخلق على نبينا صلوات الله وسلامه وقلت إن خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع الخلق إذا أردنا أن نقف عليه بصورة مجملة ينبغى أن نبحث فيه ضمن سبعة أمور خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أمهاتنا أزواجه الطيبات الطاهرات وآل بيته على نبينا وآل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه والمؤمنين به خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات.
وكنا نتدارس الأمر الأول من الأمور السبعة ألا وهو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته الطيبين الكرام وقلت إن هذا الأمر أيضا يقوم على أربعة أمور مضى الكلام على ثلاثة منها.
وشرعنا فى مدارسة الأمر الرابع منها فى الموعظة الماضية.
أول هذه الأمور الأربعة: كما تقدم معنا مسكن النبى عليه الصلاة والسلام.
ثانيها: أثاث ذلك المسكن.
ثالثها: ما يقدم فى ذلك المسكن من طعام وشراب على نبينا صلوات الله وسلامه.
رابعها: بعد ذلك معاملة النبى عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا زوجاته الطيبات الطاهرات عليه وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه.(144/2)
وقلت هذا الأمر الرابع أيضا سنتدارسه أيضا ضمن أربعة أمور أوليس كذلك أولها أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق عشرة لنسائه وآل بيته عليه صلوات الله وسلامه وثانيها تقرير هذا كما تقدم معنا بشهادة أعلم الخلق به ألا وهى زوجه أمنا الطيبة المباركة خديجة رضى الله عنها وأرضاها ثالثا كما ذكرت سابقا معاملته عليه الصلاة والسلام لنسائه ولآل بيته ومعاملة آل بيته له على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه رابعها كما قلت أستعرض على وجه الإجمال ذرية نبينا الطيبة الطاهرة من نسائه وأولاده وأحفاده على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.(144/3)
أما الأمر الأول: فقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن نبينا عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقا مع الحق ومع الخلق وتقدم معنا أن المؤمنين هم خير البرية وخير المؤمنين خيرهم لنسائهم وعليه نبينا عليه الصلاة والسلام هو خير المخلوقات للنساء وللذرية وللأهل ولا يمكن أن يوجد بيت وما وجد فيه عشرة تعدل عشرة نبينا عليه الصلاة والسلام لنسائه ولآل بيته الطيبين الطاهرين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيرهم خيرهم لأهله ونبينا عليه الصلاة والسلام خير الخليقة لأهله على نبينا وعلى آله الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه وقبل أن أنتقل إلى ما يتعلق بشهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وكما قلت هى أعلم الخلق به عليه صلوات الله وسلامه فقد عاشرته عشرة لم تحصل لأحد من الخلق غيرها على نبيناو عليها وعلى سائر آل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه قبل أن أنتقل إلى بيان تقرير هذا بشهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها قلت إخوتى الكرام إن من عناية الله برسله وأنبيائه عليهم جميعا صلوات الله وسلامه أن وفقهم ويسر عليهم وقدر لهم رعاية الغنم قبل بعثتهم وهذا ليحصل فيهم التواضع لربهم جل وعلا وليحصل بعد ذلك فيهم حسن الرعاية لأممهم فنقلهم الله من رعاية الغنم إلى سياسة وتعهد والرفق بالشعوب والأمم على نبينا صلوات الله وسلامه وقررت هذا فى الموعظة الماضية وأنه ما من نبى إلا وقد رعى الغنم واختار الله لأنبيائه هذا لما فى الغنم من خلق السكينة والليونة ولما فيها من الخير والبركة كما تقدم معنا ولذلك السكينة والخير والبركة فى أهل الغنم والغلظ والجفاء والفخر فى الفدادين فى أهل الإبل كما تقدم معنا هذا من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم ووضحت هذا إخوتى الكرام لأن من يعنى رعى الإبل وانصرف إليها يحتاج أن يقضى وقتا طويلا فى البادية.(144/4)
وختمت بعد ذلك الكلام على الموعظة الماضية بحديث عبد الله ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين وحديث عبد الله ابن عباس أنه فى المسند والسنن الثلاثة فى سنن أبى داود والترمذى والنسائى أوليس كذلك وقلت رواه أيضا البيهقى وابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه أبو نعيم فى الحلية وتقدم معنا أن الحديث صحيح كما قال الإمام الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب ولفظ الحديث من رواية عبد الله عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتَتَن ومن أتى السلطان افتُتِن ورواية أبى هريرة رضى الله عنه تقدم معنا تخريجها وقلت بمعنى حديث عبد الله ابن عباس رضى الله عنه.
حول ما تقدم عندنا تنبيهان:
الأول: نتبيه يتعلق بهذا الحديث.
الثانى: تنبيه يتعلق بأمر الإبل التى جرى حالها وذكرها.(144/5)
أما ما يتعلق بهذا الحديث إخوتى الكرام يقول نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث من رواية ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين من أتى السلطان افتتن من أتى السلطان افتُتن ولا شك أن الذهاب إلى السلاطين إذا لم يكن الإنسان قويا يريد وجه رب العالمين فتنة له ولهم وإذا أراد النصح لهم ولعباد الله فلا حرج عليه وقد قرر هذا أئمتنا لكن ينبغى للإنسان أن يراقب نبيته وأن يضبظ نفسه وأن يتقى ربه يقول الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى فى روايته وجمله فى الجزء الأول صفحة ست وثمانين ومائة بعد أن ذكر هذا الحديث وما يشبهه وتقدم معنا أنه من جملة من روى هذا الحديث وخرجه يقول الإمام ابن عبد البر إذا حضر العالم عند السلطان غِبا غبا يعنى الإمام ما بين الحين والحين لم يعنى يلازم المجلس فى كل وقت إذا حضر العالم عند السلطان غبا فيما فيه الحاجة وقال خيرا ونطق بعلم كان حسنا وكان فى ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه ولكنها مجالس الفتنة فيها أغلب والسلامة منها ترك ما فيها ولذلك إذا ضمن الإنسان نفسه فليس عليه حرج أن يداخل السلطان وأن ينصحه وأن يرشده على ما فيه خير البلاد والعباد ثم استدل الإمام ابن عبد البر بحوادث كثيرة جرت لسلفنا الطيبين منها ما وقع للإمام دار الهجرة الإمام مالك ابن أنس عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قيل له إنك تبخل على السلاطين وهم يظلمون ويجورون فقال للسائل يرحمك الله فأين الكلام بالحق يعنى أين واجب النصح الذى ينبغى أن نقدمه للمسؤولين والمسلمين أجمعين فأين الكلام بالحق فإذا اعتزل الإمام مالك وغيره وغره فمن الذى سيوجه بعد ذلك السلطان ومن الذى سينصحه ولذلك إخوتى الكرام إذا قصد الإنسان بالاقتراب من السلطان اعزاز الإسلام وتقوية المسلمين وقصد دحر أولياء الشياطين والقضاء على الفساد والمفسدين فهنيئا له ومن المعلوم أن شريعة الله جل وعلا جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وبالقضاء(144/6)
على المفاسد وتقليلها فمن راقب هذين الأمرين وقصد من مداخلته النصح أن يحصل المصالح وأن يكمل المصالح الموجودة على وجه التمام وأن يقضى على المفاسد أو أن قلل منها من قصد بدخوله هذين الأمرين فهو على هدى والأمر كما قال الإمام ابن عبد البر كان فى ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه.
نعم من دخل وداهن واشتعل بالمدح والملق وما بصر السلطان بعيوبه ولا وجهه إلى ما فيه صلاحه وسعادته فى هذه الحياة وبعد الممات فهو أول غاش للسلطان ومن باب بعد ذلك هو غاش لعباد الرحمن وهو أيضا مفسد فى الإسلام هذا إذا دخل وما اتقى الله وإذا دخل بالشروط المتقدمة فلا حرج عليه لكن بما أن أكثر النفوس ضعيفة هزيلة تميل إلى العاجل وإذا اقتربت من السطان غاية ما تريده من اقترابها أن تحصل حظوظا نفسها ولا تسأل بعد ذلك عن دين ربها ولا عن الأمة ولا عن أولياء الله ولا عن دحض الباطل ودحر أعداء الله لما كان الأمر هو هذا الغالب على أكثر الناس حقيقة مجالس فتنة الابتعاد عنها أسلم لك فإذا كنت قويا فتقدم وإذا كنت ضعيفا فتأخر والإنسان على نفسه بصيرة يضاف إلى هذا ما حصل بعد ذلك من فساد كثير من السلاطين فلا يقبلون النصح إلا ما رحم ربك وقليل ما هم.(144/7)
ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام الخطابى فى كتابه العزلة والخطابى توفى سنة ثمان وثمانين ثلاثمائة للهجرة والإمام ابن عبد البر توفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة أوليس كذلك أربعمائة وثلاث وستين الإمام ابن عبد البر أربعمائة وثلاث وستون يعنى بعد الخطيب البغدادى بعد الإمام الخطابى لأن الخطيب البغدادى وابن عبد البر توفيا فى سنة واحدة حافظ المشرق وحافظ المغرب سنة أربعمائة وثلاث وستون حافظ المشرق وحافظ المغرب أما الإمام الخطابى فتوفى قبلهما سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للهجرة يقول فى صفحة ست ثمانين باب فى فساد الأئمة وما جاء فى الإقلال من صحبة السلاطين ثم بعد أن أورد آثارا كثيرة فى ذلك قال أبو سليمان يعنى هو الإمام الخطابى مؤلف الكتاب ليت شعرى من الذى يدخل إليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم ومن الذى يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم ومن الذى ينصح ومن الذى ينتصح منهم إن أسلم لك يا أخى فى هذا الزمان وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم ونسأل الله الغنى عنهم والتوفيق لهم حقيقة هذا بالنسبة لأكثر الخلق إذا ابتعدوا فهذا أسلم لدينهم لأنه يدخل لا يريد من دخوله إلا أن يحصل مصالح نفسه وإذا دخل ما قلت بصفة شرعية فله من الأجر ما لا يخطر بالبال وكما قهر الله ضالين مبتدعين بواسطة صالح يقترب من السلاطين وكما عز الله مؤمنين مستضعفين بواسطة صالح يقترب من السلاطين إذا اتقى الله والله جل وعلا هو العلم بما فى قلوب عباده.
إخوتى الكرام هذا ما يتعلق بالأمر الأول الذى ختمت به المجلس فى الموعظة الماضية.(144/8)
أما الأمر الثانى: ما يتعلق بالإبل وقد سألنى عدد من الإخوة الكرام بعضهم عن طريق التليفون عن موضوع نقض الوضوء من أكل لحم الجزور وتقدم معنا إشارة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى أنها خلقت من الشياطين ما تقدم معنا فى الأحاديث وأشرت إلى أن من أكل لحم جزور فعليه أن يتوضأ وما ينبغى للإنسان أن يصلى فى أعطان الإبل إنما يصلى فى مرابض الغنم أما فى أعطان الإبل مباركها فلا يصلى ولا يتوضأ إذا أكل لحم الغنم ويتوضأ إذا أكل لحم الجزور فاتصل بى بعض الإخوة وقال هذه مسألة غريبة وهو يزيد على الخمسين سنة قال ما سمعتها فى حياتى وهو معذور لأن منهج الجمهور عليهم جميعا رحمة العزيز الغفور أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء وهو يعنى نشأ فى بلاد ليس فيها مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل عليهم جميعا رحمة الله يقول هذه أول مرة أسمعها أن من أكل لحم جزور يتوضأ يعنى هل هذا ثابت قلت له ثابت عن النبى عليه الصلاة والسلام والحديث فى صحيح مسلم كما ستسمعون ورود فى ذلك حديثان صحيحان كما سأورد عليكم وقلت هذا الذى رجحه شيخ الإسلام الإمام النووى نعم مذهب إبى حنيفة ومالك والشافعى أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء ومذهب الإمام أحمد فقط ينقض الوضوء ووردت فى ذلك كما قلت إخوتى الكرام أحاديث فانتبهوا لذلك لا بد من الكلام على هذه المسألة على وجه الاختصار وهى وإن كانت مسألة فرعية تتعلق بأمر الطهارة ونقض الوضوء فلتكن يعنى من باب الاستطراد فى مبحث النبوة حول هذا الأمر الذى ذكرناه.
إخوتى الكرام: الجمهور كما قلت وهم الأئمة الثلاثة وقبلهم الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم أجمعين لا يرون نقض الوضوء من أكل لحم الإبل وهذا قول جماهير الأمة وتعلقوا يعنى بعدة أدلة وتوجيهات على قولهم معتبرة سديدة وأبين بعد ذلك منزلة القول الثانى إن شاء الله.(144/9)
أول هذه الأدلة قالوا حديث جابر وهو فى سنن أبى داود والنسائى بأسانيد صحيحة كالشمس فى سنن أبى داود والنسائى من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فى أول الأمر كل ما طبخ من بالنار ينقض الوضوء إذا أكلته وعليك أن تتوضأ ولذلك ثبت فى صحيح مسلم وغيره توضؤوا مما مست النار من كلام نبينا المختار عليه الصلاة والسلام والأحاديث فى ذلك كثيرة ثم تواتر عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه أكل لحم شاة وكتف شاة وصلى ولم يتوضأ عليه الصلاة والسلام والأحاديث فى الصحيحين وغيرها فيقول هؤلاء الأئمة الكرام هذا الحديث يدل على نسخ الوضوء مما مست النار دخل فى هذا لحم الضأن والبقر والإبل وغيره الحديث عام فما يوجد من أحاديث تأمر بالوضوء من لحم الإبل هذا كالأحاديث التى كانت تأمر بالوضوء من لحم الضأن ومما مسته النار حتى من السمك وعليه بعد ذلك حصل النسخ هذا كما قلت قول الجمهور قالوا تقوى هذا بأمرين معتبرين.
الأمر الأول: هو المنقول عن الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء قالوا ويتقوى بأمر ثالث لو أكل الإنسان لحم الخنزير وقد عصى الجليل وما انتقض وضوءه وليس الخنزير بأقل من الجزور وليس الجزور بأشنع من الخنزير فقالوا هذه أمور تبين على أن الأمر بالوضوء من لحم الجزور إما منسوخ وإما للاستحباب لا للوجوب هذا قول من قول الجمهور كما قلت الأئمة الثلاثة من أربعة وهو قول الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين وهذه أظهر أدلتهم كما وضحت إخوتى الكرام.(144/10)
القول الثانى: وهو الذى لم يسمع به الأخ الكريم وسأل عنه أن لحم الجزور ناقض للوضوء وهو قول الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه ونقل عن بعض الصحابة نقل عن ابن عمر وأبى طلحة وأبى موسى الأشعرى وزيد ابن ثابت وأبى هريرة وعائشة رضى الله عنهم أجمعين وهؤلاء الذين نقلت عنهم هذا القول انتبهوا إخوتى الكرام هؤلاء يقولون بأن كل ما مسته النار ينقض الوضوء حتى لحم الضأن هذا القول يخالف القول الذى تقدم معنا والقول الثالث هذا قول ثان بأن الإمام النووى أورد ثلاثة أقوال ما كان فى نيتى أن أورد القول الثانى إنما يرون أن كل ما مسته النار يتوضأ الإنسان منه ولو من لحم الضانى وقالت طائفة يجب من أكل لحم الجزور خاصة وهو قول أحمد ابن حنبل إسحاق ابن راهويه ويحيى ابن يحيى وحكاه الماوردى عن جماعة من الصحابة منهم زيد ابن ثابت لأنه إذا كان يقول بالوضوء مما مسته النار من غير لحم الإبل فمن الإبل كذلك منهم زيد ابن ثابت وابن عمر وتقدم معنا أيضا يقول بأن كل ما مسته النار نتوضأ منه وأبى موسى وأبى طلحة وأبى هريرة وعائشة يعنى من تقدم ذكرهم يقولون أيضا بهذا القول وحكاه ابن المنذر عن جابر ابن سمرة الصحابى ومحمد ابن إسحاق وأبى ثور وأبى خيثمة واختاره من أصحابنا أبو بكر ابن خزيمة وابن المنذر وأشار إليه البيهقى كما سنرى هذا القول منقول أيضا عن الإمام الشافعى فى المذهب القديم لكن الجديد من قوليه على أنه لا ينقض الوضوء وهو المعمول به عند الشافعية انظر لقول الإمام النووى يقول والقديم من مذهب الشافعى أنه ينتقض الوضوء وهو ضعيف عند الأصحاب لكنه هو القوى أو الصحيح من حيث الدليل هذا كلام من النووى الشافعى وهو الذى أعتقد رجحانه وقد أشار البيهقى إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وسترى دليله إن شاء الله هذا القول رجحه النووى وهو شافعى والبيهقى وهو شافعى وابن خزيمة وهو شافعى وابن المنذر وهو شافعى رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.(144/11)
يقول هنا الإمام النووى واحتج القائلون بوجوب الوضوء بأكل لحم الجزور بحديث جابر ابن سمرة رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل رواه مسلم من طرق والحديث ثابت أيضا فى السنن الكبرى للإمام البيهقى وغيره وفيه أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ قال أصلى فى مرابض الغنم قال نعم صلِ قال أصلى فى مبارك الإبل قال لا يقول الإمام النووى عليهم جميعا رحمة الله وعن البراء وهذا الحديث الثانى الأول حديث جابر ابن سمرة وهذا الحديث الثانى كما قلت فى المسألة حديثان وعن البراء ابن عازب قال سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به وحديث البراء رواه الإمام أحمد فى المسند وأبو داود فى السنن والترمذى فى السنن ورواه ابن الجارود قى المنتقى وإسناده صحيح كالشمس وضوحا عن البراء ابن عازب رضى الله عنه قال سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل قال توضؤوا منها وسأل عن الوضوء من لحوم الغنم قال لا تتوضؤوا منها وسأل عن الصلاة فى مبارك الإبل قال لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين وسأل عن الصلاة فى مرابض الغنم قال صلوا فيها فإنها بركة يقول الإمام النووى فى المجموع قال أحمد ابن حنبل وإسحاق ابن راهويه صح عن النبى عليه الصلاة والسلام فى هذا حديثان حديث جابر يعنى جابر ابن سمرة والبراء ابن عازب وقال إمام الأئمة محمد ابن إسحاق ابن خزيمة لم نر خلافا بين علماء الحديث فى صحة هذا الحديث وانتصر البيهقى لهذا المذهب ثم ذكر أن الجمهور أولوا هذين الحديثين بعدة تأويلات.(144/12)
أولها: قالوا إن الوضوء هنا يحمل على غسل اليد والمضمضة وليس المراد منه الوضوء الشرعى لما فى لحم الإبل من زيادة سهوكة والسهوكة هى الرائحة الشديدة الكريهة يقال سهك سهكا إذا عرق فانتشرت منه رائحة كريهة فلحم الإبل فيه زهومة شديدة فلذلك أمر الناس بغسل الكفين والمضمضة منه بعد أكله وليس المراد الوضوء الشرعى قال الإمام النووى فى المجموع يقول هذا ضعيف لأن الحمل على الوضوء الشرعى مقدم على اللغوى كما هو معروف فى كتب الأصول.
القول الثانى: قالوا هذا منسوخ بحديث جابر المتقدم ابن عبد الله كان آخر الأمرين من رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار قال النووى وأما النسخ فضعيف أو باطل لأن حديث ترك الوضوء مما مست النار عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص والخاص يقدم على العام سواء وقع قبله أو بعده ثم قال النووى وأقرب ما يُستروح إليه يعنى يميل إليه الإنسان قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة يعنى أقرب ما يمكن أن يلتمس لهذا القول من دليل قول الخلفاء الراشدين الأربعة وجماهير الصحابة بأن لحم الجزور لا ينقض الوضوء.
خلاصة الكلام:
عندنا قولان معتمدان أما القول الثالث الذى هو وسط بينهما بأن الوضوء من كل ما مسته النار فالإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم حكى الإجماع بعد عصر الصحابة على أنه لا يجب الوضوء مما مست النار إنما الكلام فقط فى لحم الجزور خاصة انتقاض الوضوء من لحم الجزور رجحه النووى فى المجموع ورجحه فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الرابع صفحة تسع وأربعين قال هذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه.(144/13)
وحقيقة المسألة تحتملها الأدلة فمن قال بالنقض فهو على هدى ومن قال بعدم النقض فهو على هدى ومن قال أحد القولين ضلال وردى فهو أضل من حمار أهله ومن أراد أن يبدع أحدا القولين فهو المبتدع الضال وحذارى حذارى أن يأتيك ملبس فى هذه الأيام ويقول هذا حديث البنى عليه الصلاة والسلام ماذا تفعلون به على العين والرأس لكن عندنا كما قلت نصوص تعارضت فى الظاهر هذا حديث وحديث جابر ابن عبد الله كان آخر الأمرين من رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار دخل لحم الجزور فيه واضح هذا وإذا ما علم التاريخ فما ينبغى أن نقول يعنى قولك أقوى من قولنا بأن لحم الجزور يستثنى ولا قولنا أقوى من قولك تبقى المسألة تحتملها الأدلة ثم عندنا الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعثمان وعلى يقلون بعدم النقض رضوان الله عليهم اجمعين وحقيقة يستبعد غاية البعد أن تخفى هذه السنة الثابتة عنهم وإن رجح الإمام النووى قول الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله ورضوانه عليهم جميعا.(144/14)
وعليه فمن رأى أن يتوضأ من لحم الجزور وأن الوضوء ينتقض فهو على هدى ومن قال أنا تنشرح نفسى للقول الثانى وقال أنا شافعى المذهب أو حنفى المذهب أو مالكى المذهب وعندنا لا ينتقض الوضوء فإياك أن تقول لا هذا حديث ثابت وأنت تتركه فأنت ضال والله ما يضلله إلا من كان ضالا هو ما ترك حديث النبى عليه الصلاة والسلام عنادا وطرحا للحديث وإهمالا إنما يقول عندنا أدلة فى هذا الموضوع ظاهرها متعارض لا بد من الجمع بينها فأنت جمعت بينها فرجحت النقض أنت على هدى وأنا جمعت بينها فرجحت عدم النقض فأنا على هدى يعنى أنت ستلزمنا بقول لم َ لا يوجد الآن يعنى شىء قطعى يبن أن هذا متقدم وهذا متأخر أوليس كذلك بل عندنا فعل الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين مما يوقع فى القلب قوة وقبولا لقول الجمهور لأنهم هؤلاء عملوا بذلك بعد النبى عليه الصلاة والسلام فما كانوا يرون انتقاض الوضوء من أكل لحم الجزور وعليه المسألة كما قلت فيها سعة ورحمة الله واسعة وأقول ما قاله الإمام ابن قدامة وبعده الإمام ابن تيمية عليهم جميعا رحمة الله إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة وكما ترون ما أحد قال إن لحم الجزور ينقض الوضوء أو لا ينقض بناء على دليل عقلى أو عرف أبدا أدلة شرعية ونصوص ثابتة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام لكن هؤلاء قالوا هذه النصوص نراه هى التى حكمت على تلك وقضت عليها ونسختها وهؤلاء قالوا لا هذا خاص لا يشمله النسخ فى حديث جابى أولئك قالوا عندنا فعل الخلفاء الراشدين بقى مسألة كما قلت المصيب أجران والمخطىء أجر ولعل كلا من القولين يكون صوابا فلكل من القولين أجران ورحمة الله واسعة ولا تحجر رحمة أرحم الراحمين سبحانه وتعالى.(144/15)
لكن انظر لإنصاف أئمتنا هذا الإمام النووى الذى هو شافعى ماذا يقول يقول هذا قول الجمهور ضعيف وقول الإمام أحمد هو أقوى الأقوال دليلا وإن لم يأخذ به الجمهور هذا فيما ظهر له حقيقة هذه فريضة الله فى حقه ظهر له أن قول الإمام أحمد هو أقوى الأقوال فانظر لديانته وإنصافه وأمانته واهتدائه قال أنا فيما يظهر لى أن هذا أقوى الأقوال ثم قال هذا الذى أعتقده أوليس كذلك يقول هذا الذى أعتقده وهذا الذى آخذ به وإليه ذهب البيهقى وابن خزيمة وابن المنذر وكلهم من أئمة الشافعية رضوان الله عليهم أجمعين.(144/16)
وما يثيره بعض السفهاء فى هذه الأيام من نغمة التعصب المذهبى فلينظر لإنصاف أئمتنا فى كتبهم هذا كتاب المجموع هو أحسن وأعظم وأصح كتب الشافعية فانظر ماذا يقرر فيه الإمام النووى خلاف مذهبه هو رأى هذا أليست مسألة تعصب من باب يعنى التعصب بالباطل لكن إن ظهر له أن مذهبه الدليل معه أخذ به وإلا فالتمس لتلك الأقوال التمس لها وجها حسنا وقال القائل بها على هدى لكن أنا أعتقد قول الإمام أحمد فى هذه المسألة والله هذا هو الإنصاف وهذه هى الديانة وهذا هو الهدى لا من يثيرون اللغط فى هذه الأيام فيرجح قولا ثم يحصر دين الله فيما رجحه إن أخذت به فأنت مهتد وإلا فأنت ضال يا عبد الله أنت جعلت نفسك الآن منزلة النبى عليه الصلاة والسلام عندك قطع فى أن ما فعلته هو هو المتعين أو غاية ما فعلت ترجيح وهذا الترجيح يحتمل أنك أخطأت فيه وأن القول الآخر الذى جعلته مرجوحا هو الراجح وأقول لكم بالنسبة فيما يظهر لى وإن كنت أتوضأ من لحم الجزور ومرة أكلت لحم جزور وأنا فى طريقى إلى المسجد عدت وتوضأت الذى أراه فى قرارة نفسى أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء وهذا قول الجمهور وما يمكن أن تغيب هذه السنة الثابتة عن الخلفاء الراشدين الأربعة لكن يبقى كما قلت الأحوط وهذا الذى أفعله إن أكلت لحم جزور لا أستجيز الصلاة إلا بوضوء لكن ليس معنى هذا أننى أقول القول الثانى باطل لا أبدا بل أراه أرجح من هذا لكن دائما أمور الاحتياط مطلوبة فى العبادة يعنى إذا كان لا ينتقض وتوضأت ماذا جرى ولا شىء على الإطلاق عندما توضأت زيادة خير وزيادة بركة لكن لو قدر تركت الوضوء ليس عندى فى ذلك أى حرج ولا خطأ والخلفاء الراشدون الأربعة هم بعد النبى عليه الصلاة والسلام ويرون أن لحم الجزور لا ينقض ولذل هذا الأخ الذى حضر وسمع يقول هذه ما سمعت بها فى حياتى أن لحم الجزور ينقض قلت أنت على هدى لا تشكك نفسك أنت على هدى لكن القول الثانى لا تنكره أيضا قال ما أنكره لكن إذا(144/17)
ما أخذت به يعنى على حرج قلت لا أبدا ابقى على ما أنت عليه ابقى على أن لحم الجزور لا ينقض وأنت على هدى لكن القول الثانى إذا سمعته لا تقل لقائله أنت على ضلال فى ذلك إخوتى الكرام تعيش الأمة متآلفة متحاببة وأما هذا رأى أنه ينقض وقال من لم يتوضأ صلاته باطلة وذاك قال لا ينقض يقول من يتوضأ فهو متنطع وبقيت الأمة يضلل بعضها بعضا ويخاصم بعضها بعضا هذا كله ضلال والله جل وعلا لن يحصل له تعظيم إلا بنيتنا {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} وهى النيات الخالصة هى التى نعظم بها ربنا فأنت عندما تأكل جزور ولا تتوضا تعظم الله لأنك ترى أن لحم الجزور لا ينقض وهذا عندما يأكل لحم الجزور ويتوضأ يعظم الله لأنه يرى أن لحم الجزور ناقض فكلنا عظمنا الله وهذا مقصودنا عبادة الله إذن لم َيضلل بعضنا بعضا لم. َ(144/18)
فانظر لهذه السعة وهذا النور عند الصحابة وانظر لهذه الظلمة والضيق الذى نعيشه فى هذه الأيام يتبنى قولا ثم يحصر دين الله فيه إن خرجت عنه نبذك بالضلال والله هو الضال الذى يضلل عباد الله الأخيار فانتبهوا لهذا إخوتى الكرام وهذه الكلمة لا تغيبن عنكم ول من أنكرها لا شك فى ضلاله إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة هذا يقوله شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة فى المغنى وهو توفى سنة ستمائة وعشرون انظروه فى مقدمة المغنى ويقوله الإمام ابن تيمية كما ذكرت هذا ونسبت إليه مرارا فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثلاثين صفحة ثمانين فى محاضرات سنن الترمذى مرت معنا يقول إجماع العلماء حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة حقيقة هذه هى الرحمة, الرحمة جئنا نعتبرها فى هذه الأيام نقمة يأتيك أعمى القلب فى هذه الأيام فيقول إذا كان اختلافهم رحمة يعنى أن اتفاقهم نقمة طيب أنت لم َتتلاعب بالكلام نحن ماذا قلنا قلنا إجماعهم حجة قاطعة قلنا إن إجماعهم نقمة قلنا هذا أعوذ بالله إذ يتلاعبون فى الكلام ويفصلون آخره عن أوله قلنا إذا أجمعت الأمة على أمر فالخروج عنه ضلال هذا لا خلاف فيه لكن إذا اختلف علماؤنا فى مسألة حسب تعارض الأدلة فى الظاهر يبقى الأمة على هدى وإن أخذت بهذا فأنت على خير وإن أخذت بهذا فأنت على خير وانتهى الأمر ما أحد قال إن الاتفاق نقمة لكن نحن أمام أمر واقع فلا بد من النظر إليه بمنظار الشرع وهذا الذى كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة.
إخوتى الكرام:(144/19)
ما يتلعق بأكل لحم الجزور وأنها خلقت من الشياطين هذا ورد فى عدة أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام منها أيضا ما ثبت فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير والحديث رواه البيهقى وإسناده ثقات كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الثانى صفحة ست وعشرين ورواه الإمام النسائى والسنن مختصران من رواية عبد الله ابن مغفل رضى الله عنه وهو من الصحابة الكرام قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها من الجن خلقت ألا ترون إلى عيونها وهدابها يعنى هيجانها وثورانها إذا ندت وشردت ونفرت وهبابها إذا نفرت وصلوا فى مرابد الغنم مرابد مرابض كله واحد مراح كما تقدم معنا وصلوا فى مرابض الغنم فإنها أقرب من الرحمة وتقدم معنا أنها بركة ومباركة وفى بعض روايات المسند فإنها يعنى الإبل خلقت من الشياطين وفى بعض روايات سنن البيهقى إذا أدركتم الصلاة وأنتم فى مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة وإذا أدركتم الصلاة وأنتم فى أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا يعنى فى غير أعطان الإبل فإنها جن من جن خلقت ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها.
قول النبى عليه الصلاة والسلام جن من جن خلقت وقوله فيما تقدم معنا من حديث البراء فإنها من الشياطين ذكر الإمام ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث قولين لمعنى هذه الجملة الشريفة من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام الإبل من الشياطين جن خلقت من جن، جن من جن خلقت.(144/20)
المعنى الأول يقول خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين ففيها النفور والإباء وفيها الكبر والاستعلاء فيها هذه الصفة صفة العظمة صفة الخيلاء ولذلك الفخر كما تقدم معنا والخيلاء فى أهل الإبل فى فدادين كما تقدم معنا وهنا يقول خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين فيها نفور وإباء فيها كبر واستعلاء وكأن نبينا عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا عندما قال ألا ترون إلى عيونها وهبابها إذا نفرت والرواية الأخرى التى فى سنن البيهقى ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها والله جل وعلا لولا أنه ذلل الإبل لما استطاع أحد أن يقترب منها فهى أقوى من الأسد ولذلك {أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون *وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون *ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} لولا أن الله ذللها بحيث يقودها الولد الصغير لما استطاع أحد أن يقترب منها فهى أقوى من الأسد ولذلك هى تحفظ نفسها بنفسها فى البادية ولو اقترب منها الحيوان المفترس لضربته بيدها وقطعته قطعا الإبل بخلاف الغنم السكينة المسكينة فتلك فى زريبة الغنم لو جاء ذئب واحد لقضى عليها من أولها لآخرها فهذه التى تشمخ بأنفها وألا ترى إلى هبابها إذا نفرت ذللها الله جل وعلا لكن فيها كما قلت هذه الصفة فيها كبر إباء فيها فخر خيلاء فيها نفور إباء هذه الصفات موجودة فيها لكن الله ذللها لنا وعليه خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين فيها صفة النفور فيها صفة الخيلاء فيها صفة الكبر فيها صفة التعالى كما هو الحال فى الشياطين ولذلك الكبر ممن من الشيطان والغضب من الشيطان وإذا الإنسان غضب الدم ينتفخ فى أوداجه ووجنتاه تحمران وأمره نبينا عليه الصلاة والسلام بأن يتوضأ لمَ لأن الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء.(144/21)
وهذا ثابت عن خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ففى سنن أبى داود ومسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام البخارى فى التاريخ الكبير وإسناد الحديث حسن وقد ذكره الحافظ فى الفتح فتح البارى فى الجزء العاشر صفحة سبع وستين وأربعمائة وذكره شيخ الإسلام الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثالث صفحة ثلاث وستين ومائة وصفحة مائة سبعين فى الإحياء من حديث أبى وائل القاص وهو عبد الله ابن بحير الصنعانى حديثه مخرج فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى قال دخلنا على عروة ابن محمد السعدى فكلمه رجل فأغضبه فقام فتوضأ وقال سمعت أبى يحدث عن جدى يعنى عروة يحدث عن من عن محمد السعدى جده عطية السعدى من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يقول عروة ابن محمد السعدى سمعت أبى يحدث عن جدى عن عطية السعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.(144/22)
وهنا كذلك هذه فيها الإبل صفة الخيلاء صفة الكبر صفة النفور والإباء ولذلك أمرت إذا أكلت أن تتوضأ ليزول ذلك الأثر الذى يغرس فيك عند أكل لحمها فإذن جن من جن خلقت أى من جنس ما خلقت منه الجن فيها النفور الموجود فى الجن والخيلاء الموجودة فى الجن والكبر الموجود فى الجن ولذلك إذا أكلت منها فتوضأ كما هو الحال إذا غضبت تتوضأ من أجل أن تلزم نفسك السكينة والليونة وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام إذا غضبنا أيضا إذا كنا قائمين أن نقعد والحديث ثابت فى المسند وسنن أبى داود وصحيح ابن حبان من رواية أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إذا غضب أحدكم وهو نائم فليجلس فإن ذهب عنه ما به وإلا فليتضجع يغير هذه الهيئة التى وسوس له الشيطان فيها فإن كنت قائما اجلس ذهب عنك الغضب وإلا فاضجع وهناك توضأ واجمع بين الأمرين فإن أمكنك أن تتوضأ هذا أحسن علاج الماء بعيد عنك فدار نفسك مباشرة إن كنت قائما فاجلس وإن كنت جالسا فاضجع وإذا جلست وما ذهب عنك الأثر اضجع مباشرة وقد ورد الأمر بالاغتسال مع الوضوء.(144/23)
أيضا رواه أبو نعيم فى الحلية فى الجزء الثانى صفحة ثلاثين مائة من رواية معاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليغتسل لكن الحديث فى سنده مجهول يشهد لمعناه ما تقدم معنا من حديث عطية السعدى بأن الإنسان يتوضا إذا غضب إذن هذا المعنى الأول من المعنيين اللذين ذكرهما ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث فى صفحة تسعين تأويل مختلف الحديث وابن قتيبة توفى سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة وقد أثنى عليه أئمتنا عليهم جميعا رحمة الله يقول الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وأربعمائة رد فى هذا الكتاب يعنى فى تأويل مختلف الحديث على أهل الكلام الذين يطعنون فى الحديث ويقول الإمام الذهبى فى ترجمته فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثالث عشر صفحة تسع وتسعين ومائتين بعد أن حكى كلام سبط ابن الجوزى فى مرآة الزمان أن الإمام ابن قتيبة كان يقول بالتمثيل وحاشاه من ذلك أى بتمثيل الخالق بمخلوقاته وأنه يفهم من صفات الله ما يفهمه من صفات العباد يقول الإمام الذهبى ما رأيت فى كتابه يعنى كتاب مشكل الحديث ما رأيت فى كتابه مشكل الحديث ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأول يقول ما رأيت خلاف هذا فمن أين ينسب إليه سبط ابن الجوزى هذا ثم قال إن صح عنه التشبيه فسحقا له فما فى الدين محاباه ولكن لم يصح إن صح لكن يقول أنا قرأت كتبه واطلعت عليها فما فيها تشبيه إنما يمر أخبار الصفات ولا يأولها كما هو طريقة أهل السنة الكرام طريقة المثبتة كما هو قول الإمام المبجل أحمد ابن حنبل رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين ثم مع ذلك لا تظنن أننا عندما ندافع عنه من أجل يعنى هكذا هوى شخصى لا إن صح عنه التشبه فسحقا له وبعدا إن صح عنه وعن غيره من يقول بتشبيه الخالق بخلوقاته فلا شك فى ضلاله من شبه الله(144/24)
بخلقه فقد كفر والله ليس كمثله شىء سبحانه وتعالى وتقدم معنا مرارا أن طريقة أهل السنة فى صفات الله جل وعلا إقرار وإمرار إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ليس كمثله شىء وهو السميع البصير هذا المعنى الأول الذى ذكره الإمام ابن قتيبة هو فيما يظهر أقوى المعنيين وأولاهما بالقبول.
المعنى الثانى: قال ابن قتيبة لا مانع أن تكون الإبل من نتاج نَعم الجن فى الأصل نعم الجن يعنى من إبل الجن وما عندنا شك أن الجن عندهم إبل وعندهم غنم كما عندنا نحن إبل وغنم وعندهم ما عندنا ولا نبحث فيما عندهم إلا بما أطلعنا الله جل وعلا وأعلمنا لكن حالهم كحالنا لكن هى أجسام فقط يعنى قادرة على التشكل ونحن منعنا من ذلك لكن يأكلون ويشربون ويقضون الحاجة ويتناكحون يتناسلون فيقول لا مانع أن أصل الإبل من نتاج الجن من نتاج نعم الجن لا أنها هى مولودة من الجن الذين هم مكلفون مثلنا هم أحد الثقلين لا إنما من نَعمهم فقوله جن خلقت من جن يعنى من نعم الجن فى الأصل ثم قال بعد أن ذكر هذا كما قلت فى صفحة تسعين يقول وقد يجوز على هذا المذهب أن تكون فى الأصل من نتاج نعم الجن لا من الجن أنفسها ولذلك قال من أعنان الشياطين أى من نواحيها وهذا شىء لا ينكره إلا من أنكر الجن أنفسها والشياطين ولم يؤمن إلا بما رأته عينه وأدركته حواسه وهو من عقد أى من اعتقاد وعقيدة وهو من عقد قوم من الزنادقة والفلاسفة يقال لهم الدهرية وليس من عقد المسلمين يعنى يقول هذا المعنى أيضا لا مانع من قبوله وهى أنها جن من جن خلقت يعنى من نعم الجن خلقت فى الأصل ففيها ما فى صفات الجن وما فى الأشياء التى يستعملونها من النفور والإباء والكبر والاستعلاء وما شاكل هذا فهذا هو المراد خلقت من جن يعنى من نعم الجن فى الأصل ثم قال وهذا لا ينكره إلا من أنكر الجن والشياطين ولم يؤمن لا بما رأته عينه وحواسه كما هو حال كثير من السفهاء ينكر وجود الجن ينكر وجود الملائكة على نبيناو عليهم(144/25)
جميعا صلوات الله وسلامه يجحد المغيبات بحجة أنه ما رآها ولا لمسها وكأنه رأى عقله أو لمسه فينبغى أن يقول إنه ليس عنده عقل لأنه إذا كان لا يؤمن إلا بمحسوس فهل رأى عقله وهل لمس عقله لا كان مرة بعض الأساتذة السفهاء فى بعض البلاد التى تسمى أنفسها عربية ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يردنا إليه ردا جميلا يقرر وهذا فى بلاد المسلمين على أنه لا إله والحياة مادة وأن الله خرافة يقول لهم لأنه ديننا الآن يقول نحن الآن حياتنا الآن مبنية على الإثباتات والتجارب أنا موجود رأيتمونى إذن أنا موجود فلان موجود رأيتموه التفاحة البرتقالة كذا ثم الشىء الذى ما رأيناه إذن هو غير موجود طالب ذكى فى المرحلة يعنى الإبتدائية المتوسطة ما أدرى فى المراحل الأولى رفع أصبعه قال عندى سؤال قال تفضل قال للطلاب ترون الأستاذ قالوا نراه الأستاذ موجود ترون عقله قالوا لا قال الأستاذ مجنون انتهى هذا عقل ولد قال إننا لا ترى عقلك أنت الآن مجنون اخرج من الفصل يعنى إذا ما رأينا الله لا وجود له تعالى الله عما يقول الظالون علوا كبيرا والله إن وجوده أظهر من وجودنا ومن لم ير وجود الله أظهر أوضح من وجوده فليتهم عقله وفطرته وليس يصح فى الأذهان شىء إذا احتاج النهار إلى دليل قالت رسلهم أفى الله شك سبحانه وتعالى وهل يعقل وجود هذا الخلق بلا خالق يا من أنت لا تصدق بوجود عمارة بلا بان وكرسى بلا نجار يعنى كيف بعد ذلك هذا الكون من عرشه إلى فرشه ليس له خالق بهذا النظام المحكم البديع {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} .(144/26)
وهنا لذلك يقول هذا القول وهو أن الإبل جن خلقت من جن يعنى من نعم الجن يقول هذا لا ينكره إلا من ينكر الجن ولا يؤمن إلا بما رأته عينه وأدركته حواسه وليس المراد على القولين أن الإبل خلقت من ذات الجن ولذلك انظر ماذا يقول الإمام ابن قتيبة وأن الجن ولدت الإبل ليس المراد هذا عنى ليس المراد أن الإبل من نسل الجن لا إما كما قلنا فيها صفات الجن وإما من نعم الجن فى الأصل والله على كل شىء قدير والله أعلم بمراده من كلامه ورسول الله عليه الصلاة والسلام أعلم بمراده من كلامه وما أشكل علينا نقول فيه آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك يقول ابن قتيبة وكما قلنا أورد فى هذا الأحاديث يرد على المتكلمين وعلى الفلاسفة الذين قالوا يوجد أحاديث متناقضة يقول قال ابن قتيبة قالوا حديث يفسد أولُه آخره ويمكن أن تقول يفسد أولَه آخره يعنى ما يوجد فى الأول الآخر ينقضه قالوا رويتم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة فى أعطان الإبل لأنها خلقت من الشياطين ونهيه عن الصلاة عليه الصلاة والسلام فى أعطان الإبل لا ينكر وهو جائز فى التعبد فلما وصلتم ذلك بأنها خلقت من الشياطين علمنا أن النبى صلى الله عليه وسلم يعلم أن الإبل خلقت من الإبل كما أن البقر خلقت من البقر والخيل خلقت من الخيل والأسد خلقت من الأسد والذباب من الذباب قال أبو محمد يعنى ابن قتيبة ونحن نقول إن النبى عليه الصلاة والسلام وغير النبى عليه الصلاة والسلام يعلم أن البعير تلده الناقة وأنه لا يجوز أن تكون شيطانة تلد جملا ولا أن ناقة تلد شيطانا وإنما أعلمنا أنها فى أصل الخلقة خلقت من جنس خلقت منه الشياطين يعنى هذا على المعنى الأول من الجنس الذى خلقت منه الشياطين وهو الذى قلته أنها فيها نفور وإباء وكبر واستعلاء والعلم عند الله جل(144/27)
وعلا.
إخوتى الكرام: هذا فيما يتعلق بهذا الأمر وهذه القضية وأما ما يتعلق بأكل لحم الجزور كما فصلت إن أردتم زيادة إيضاح فى المسألة انظروا إخوتى الكرام أيضا زاد المعاد وانتصر لقول الإمام أحمد لكن دون رد للقول الثانى وتسفيه لمن قال به فى الجزء الرابع صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة وانظروه كما قلت فى شرح صحيح مسلم وانظروه فى مجمع الزوائد الآثار التى وردت فى ذلك فى الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين وفى الجزء الثانى صفحة ست وعشرين والعلم عند رب العالمين.
إخوتى الكرام..(144/28)
تقدم معنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم كما هو حال جميع الأنبياء على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه لكن الله أضاف إلى نبينا عليه الصلاة والسلام شيئا آخر ألا وهو رعاية الإبل عند رعاية الإبل سأتكلم على ما يتعلق بهذا لأنه مع رعايته للإبل ننتقل إلى الأمر الثانى زواجه بأمنا خديجة وشهادة خديجة فيه بعد أن رغبت فيه ثم عندما جاءه الوحى ماذا قالت فهذا يعتبر ممتد ما سأذكره بين الأمر الأول وبين الأمر الثانى فى شهادة أمنا خديجة من الأمور الأربعة رضى الله عنها وعن أمهاتنا أجمعين نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم ورعى الإبل وامتاز على الأنبياء بذلك وقلت فى ذلك إشارة إلى ما سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام من العلو ورفعة القدر والسؤدد الذى سيناله فى هذه الحياة مع عظيم قدره عند ربه على نبينا وآله صلوات الله وسلامه فلذلك حصل له السكينة وتواضع لله عندما رعى الغنم ثم كما قلت صفة السيادة صفة العز صفة النخوة صفة الكبر تحصل أيضا عند رعاية الإبل حصلت فى نبينا عليه الصلاة والسلام لكن ضمن الضوابط الشرعية ولذلك قلت يغلظ على المنافقين ويرفق ويشفق ويرحم المؤمنين وهو الضحوك القتال عليه صلوات الله وسلامه ويضع كل شىء فى موضعه وهو كما قلت مرارا مظهر للكمال الإلهى والكمال الإلهى يجمع أمرين جلال وجمالا فمظهر الكمال الإلهى نبينا عليه الصلاة والسلام أما نبى الله موسى مظهر للجلال الإلهى ونبى الله نوح مظهر للجلال الإلهى ونبى الله عيسى مظهر للجمال الإلهى ونبى الله إبراهيم على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه مظهر الجمال الإلهى هنا صفة رقة وليونة ورأفة ورحمة هناك صفات شدة وغلظة لكن كلها فى الموضع الشرعى يعنى ما فى نبى الله موسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام من شدة فى الحق {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا(144/29)
حتى يروا العذاب الأليم} ولما جرى من العاتى اللعين قارون ما جرى قال يا أرض خذيه وذاك يناشده الله والرحم يقول يا أرضى خذيه وما ظلمه ولا اعتدى عليه والظالم إذا أخذت على يديه فقد عاملته بما يستحق.
الحال فى نبى الله عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام على العكس من ذلك رأفة ورحمة وليونة ومن سبه وضربه يستغفر له هذا جائز وذاك جائز الحال فى نبينا عليه الصلاة والسلام يضع الأمر فى موضعه إن رأى حكمة من اللليونة والرحمة سيترتب عليها أثر فى العاجل والآجل رحم وعفا وصفح ولذلك فى وقعة مكة بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يعمل السيوف فى أهل مكة وبإمكانه عندما جاءه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين لكن رجى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وقد حقق الله دعوته لوما حصل فى موقعة بدر ما حصل كان رأى جمهور الصحابة إعمال السيف فى الأسرى ورأى أبى بكر مع نبينا عليه الصلاة والسلام إنهم أبناء العم والعشيرة ولعل الله يشرح صدورهم للإسلام وكان كذلك لكن ليس هذا رأى عمر وليس رأى الصحابة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين وبعضهم اقترح أن يملأ النبى عليه الصلاة والسلام الوادى حطبا ثم يؤجج فيه نارا ثم أن يلقى فيه المشركين الذين أسروا فى أول موقعة فصل الله بها بين الموحدين والمشركين لكن النبى عليه الصلاة والسلام اختار ما هو أرفق بخلق الله وأنفع لعباد الله فعفا وأخذ الفدية ثم بعد ذلك آمنوا هؤلاء الأسرى آمنوا ودخلوا بعد ذلك فى دين الله.(144/30)
وإذا رأى أنه لا فائدة من العفو والصفح حقيقة هو أشد خلق الله جل وعلا ويحزم الأمور ويحسمها فهذا مظهر للكمال الإلهى ولذلك من كمال نبينا عليه الصلاة والسلام أن قدر الله له هاتين المهنتين رعاية الغنم ثم رعاية الإبل فعز مع تواضع تواضع فى عز وهذا هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام أكمل خلق الرحمن وليس فى هذا تعريض لأحد من أنبياء الله الكرام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فانتبهوا ومقام النبوة من يعرض بشىء منه فلا شك فى ردته لكن من باب قول الله جل وعلا تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض يعنى هنا كما قلت جلال وهنا جمال وهنا جلال وجمال وليس الجلال بمنقصة وليس الجمال بمنقصة لكن من جمع بينهما فحقيقة هذا أكمل ممن انفرد بوصف منهما فنبى الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام مظهر للجمال الإلهى وهذا يقرره الإمام ابن تيمية وينقله عنه تلميذه ابن القيم فى مدارج السالكين بكثرة ونبى الله موسى مظهر للجلال والقهر الإلهى ونبى الله محمد على نبيناو عليهم جميعا صلوات الله وسلامه مظهر للكمال الإلهى الذى جمع الجلال والجمال ووضع كل شىء فى موضعه عليه الصلاة والسلام ولذلك رعى الإبل بعد أن رعى الغنم وقلت لكم إن الحديث بذبك صحيح فاستمعوا له ويتعلق برعيه للإبل بعد ذلك مناسبة حصلت ألا وهى زواجه بأمنا خديجة ثم توقفت عليها ترتب عليها شهادة منها لنبينا عليه الصلاة والسلام عندما جاءه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أكمل هذا بعد آذان العشاء إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا(144/31)
إخوتى الكرام: أما الحديث الذى يقرر أن نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الإبل وفى ذلك إشارة إلى ما سيحصل له من العز والفخر والسيادة مع ما حصل فيه عليه الصلاة والسلام من الليونة والرحمة والرأفة والمسكنة والتواضع وقد جمع الجلال والجمال عليه صلوات الله وسلامه الحديث كما قلت صحيح رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والبزار فى مسنده قال الإمام الهيثمى فى المجمع رجال الإسناد رجال الصحيح غير شيخيهما يعنى شيخ الطبرانى وشيخ البزار وغير أبى خالد الوالدى إذن ثلاثة وهم ثقات يعنى ما عدا هؤلاء الثلاثة كلهم من رجال الصحيح من رجال البخارى ومسلم إلا شيخ البزار وشيخ الطبرانى وأبى خالد الوالدى هؤلاء ليسوا من رجال الصحيحين لكن هم ثقات فالحديث صحيح صحيح انظروا كلام الهيثمى فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة اثنتين وعشرين ومائتين وانظروا الحديث فى كشف الأستار عن زوائد مسند البزار فى الجزء الثالث صفحة سبع وثلاثين ومائتين وأبو خالد الوالدى توفى سنة مائة للهجرة وحديثه مخرج فى الكتب الأربعة السنن إلا سنن النسائى روى الحديث عن جابر ابن سمرة أو عن رجل من أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام وعدم معرفة عين الصحابى لا تضر بعد أن علم أنه صحابى سواء جابر ابن سمرة أو غيره رضى الله عنهم أجمعين قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يرعى غنما ثم كان يرعى الإبل مع شريك له يرعى الغنم ثم كان يرعى الإبل مع شريك له ولعل الله وفق نبيه عليه الصلاة والسلام لهذا جبرا لخاطر أهل الغنم والإبل فى هذه الأمة المباركة المرحومة يعنى حتى لا يجد أهل الإبل فى أنفسهم يعنى هكذا منقصة فمهنتهم باشرها نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند النبى عليه الصلاة والسلام وأخبرهم أنه هو أنبياء الله رعوا الغنم وهنا أيضا رعى الإبل عليه الصلاة والسلام لكن يعنى عادته الغالبة هى رعى الغنم عليه صلوات الله وسلامه يقول ثم كان يرعى(144/32)
الإبل مع شريك له فأكريا أخت خديجة رضى الله عنهم أجمعين أى أكريا أنفسهما عند خديجة فى رعاية لها وعمل من أعمالها وبقى لهما عليها شىء يعنى من الأجرة والكراء فجعل شريكه يأتيها فيتقاضاه يعنى يأخذ ما بقى له على أخت خديجة من أهل خديجة ويقول للنبى عليه الصلاة والسلام انطلق معى لنأخذ ما بقى لنا من الكراء والأجرة فيقول له النبى عليه الصلاة والسلام اذهب أنت فإنى استحى يعنى لا أريد أن أقابل امرأة وكان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء فى خدرها كما تقدم معنا عليه صلوات الله وسلامه اذهب فإنى استحى أنت خذ الأجرة وأنت شريكى وبعدها تعطينى نصيبى أما أنا أذهب أقابل امرأة ما بين الحين والحين يعنى أطلب أجرتى أنا استحى أنا فقالت مرة أخت خديجة لهذا الشريك أين محمد عليه الصلاة والسلام قبل نبوته قطعا وجزما لا يأتى معك فقال شريك نبينا عليه الصلاة والسلام لأخت خديجة قد قلت له أن يأتى معى لما آتى فزعم أنه يستحى فقالت أخت خديجة ما رأيت رجلا أشد حياء ولا أعف ولا ولا ولا من محمد عليه الصلاة والسلام يعنى تعدد صفات الكمال ما رأيت أنا يعنى ما رأيت من يصل إلى درجته عليه صلوات الله وسلامه هو أشد الناس حياء أعف الناس أكرم الناس أفضل الناس عليه صلوات الله وسلامه فوقع فى نفس أختها خديجة لما سمعت خديجة هذا الكلام وقع هذا الكلام فى نفسها كما وقع فيها كلام ميسرة عندما أرسلته مع النبى عليه الصلاة والسلام وهو غلامها فى تجارة إلى بلاد الشام وأخبرها ما رأى من نبينا عليه الصلاة والسلام فوقع فى نفسها كلام ميسرة وهنا وقع كلام أختها وهذه تجمعها حتى بعد ذلك نفذت رغبتها ووصلت إلى مرادها وليتنا كنا مكانها رضى الله عنها وأرضاها.(144/33)
بعض السفهاء فى هذه الأيام لما ذكرت عن الحسن ابن على رضى الله عنهما أنه حصن تسعين على أقل ما قيل قلت هنيئا لمن اقترن بالحسن ومن التى تحظى بريق الحسن ليتنا كنا نساء ونقترن بالحسن فقال هذا السفيه يعلق يقول انظر كيف يعنى للحقارة والنذالة إنسان يريد أن يتنازل عن رجولته من أجل أن يقترن برجل ويعنى أنت تعد نفسك من الرجال.
ذهب الرجال وحال دون مجالهم ... زمر من الأوباش والأنذال
والله نحن عار على بنى آدم لا على الإسلام أنت تعد حالك أيضا من الرجال وإذا أكرمك الله بالحسن أو بالحسين من باب أولى بسيد الكونين عليه الصلاة والسلام ليتك كنت دابة يركبك الحسن خير لك من رجولتك التى تزعم أنك رجل وأى منقصة فى ذلك وسيأتينا حديث امنا خديجة وقول ورقة رضى الله عنه وأرضاه عندما قال يا ليتنى فيها جذعا ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك يقول أئمتنا شراح كلام نبينا عليه الصلاة والسلام عند شرح هذا الحديث فى هذا الحديث تمنى المستحيل طلبا لرضوان الله الجليل ورقة ماذا يقول ليتنى فيها جذعا ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك مضى سن الشباب من فترة هو شيخ قد عمى وماذا يقول ليتنى كنت جذعا فتيا قويا عندما يخرجك قومك فى المستقبل هذا تمنى أمور الخير وإن كانت لن تحصل ولذلك عدد من سلفنا وعلى رأسهم نبينا عليه الصلاة والسلام كان يقولون من شدة خوفهم كما بينت فى بعض مواعظ الجمعة يا ليتنى كنت شجرة تعضد هل معنى هذا أن نبينا عليه الصلاة والسلام تنازل عن رجولته وعن شهامته وعن نبوته هذا من أجل خوفه من ربه عليه الصلاة والسلام ونحن لنعبر عن حبنا لآل بيت نبينا عليه الصلاة والسلام ولنبينا عليه الصلاة والسلام نقول هذا وإن كنا نعلم أنه لن يقع فإن قيل لو كان سيقع تختارونه نقول والله نختار أن نكون دابة يركبنا النبى عليه الصلاة والسلام وهنيئا لنا إذا فزنا بهذا لكن إذا كان هذا لا يمكن فلا أقل من نية نعبر بها عن تعلقنا بخير البرية عليه الصلاة والسلام.(144/34)
يعلق بعبارات سافلة سافهة يقول انظروا ماذا يقول وأى حرج فى ذلك والله إن أمنا خديجة حصلت مفخرة ما أعلم الرجال هل يحصلوا واحد يعنى من بلايين مما حصلته من المفخرة باقترانها بخير الأولين والآخرين على نبيناوآله صلوات الله وسلامه ثم يقول بعد ذلك يعنى تتنازل عن رجولتك لا خير فى هذه الرجولة التى نحن عليها ليتنا كنا دابة ليس امرأة ثم بعد ذلك نحظى بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام فقلت من الذى يحظى بريق الحسن هنيئا لها يعنى امرأة عرضت نفسها على الحسن وكان يحصن من أجل رغبة النساء به تبركا بجسده الشريف رضى الله عنه وأرضاه فهو ابن بضعة النبى عليه الصلاة والسلام وجده خير خلق الله من الذى يحظى بالحسن من الذى يحظى وذكرت عند ذلك الكلام أن أبا هريرة رضى الله عنه وأرضاه لما كان فى جنازة ورأى الحسين رضى الله عنهم أجمعين وقد أصاب نعلهم غبار مسحه بأى شىء بثوبه وهذا فخر لأبى هريرة عندما يمسح غبار نعلى الحسين بثوبه إجلالا لجده خير خلق الله عليه الصلاة والسلام سبحان ربى العظيم كيف انطمست القلوب فى هذه الأيام تحت أيضا ستار الالتزام وأن ما خالف هذا تخريف وهذيان من المخرف ومن الذى يهذى.(144/35)
فأمنا خديجة وقر ذلك الكلام فى نفسها أختها تقول ما رأيت رجلا أشد حياء ولا أعف ولا ولا ولا من محمد عليه الصلاة والسلام فوقع فى نفس أختها خديجة فأرسلت إلى محمد عليه الصلاة والسلام فقالت له ائت أبى فاخطبنى وسيأتينا أيضا وسطت أيضا امرأة نفيسة ووسطت أختها وعرضت عليه بعد ذلك مباشرة ثم هو تقدم عليه الصلاة والسلام إلى أبيها فقال محمد على نبينا صلوات الله وسلامه أبوك رجل كثير المال وهو لا يفعل على حسب مفاهيم الجاهلية نبينا عليه الصلاة والسلام يتيم أبى طالب يقال له عليه صلوات الله وسلامه لأنه نشأ فى كنفه ورعايته فحرم حنان الأب وحنان الجد وهو صغير عليه صلوات الله وسلامه فالعم مهما جاد لن يجود كما يجود الأب والجد مهما جاد فيبقى يعنى ما عنده قل كما سيقول أبو طالب قل قليل فقال أبوك كثير المال وأنت من أغنياء قريش وأسرة غنية ثرية وعلى مفاهيم الجاهلية كيف سيزوجنى قال أبوك كثير المال وهو لا يفعل قالت انطلق فكلمه فأنا أكفيك أنت فقط تقدم للطلب وما عدا ذلك على تدبير الأمر يتم عن طريقى ووالله الذى لا إله إلا هو عندها عقل أوسع من السماوات والأرض وقد فازت بمفخرة تحسدها وتغبطها عليها ملائكة السماء على نبيناو عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ثم قالت لنبينا عليه الصلاة والسلام وائته عند سكره عندما يسكر كما هو حالة الجاهلية ويشربون الخمر على أنها أمارة النخوة والفتوة لا على أنها جريمة كما قال حسان رضى الله عنه وأرضاه:
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء(144/36)
فمن علامة الكرم شرب الخمر فى الجاهلية وائته عند سكره ففعل فأتاه فزوجه وأمنا خديجة هى التى تولت الأمر فلما أصبح جلس فى المجلس فجاء الناس إليه وأهله وأسرته وقالوا له أحسنت زوجت محمدا عليه الصلاة والسلام قال أنا زوجته لا علم لى ولم أزوجه لأنه جرى منه وهو سكران فقالت أمنا خديجة بلى إنك قد زوجتنى منه فلا تسفهن رأيك انتبه الآن أنت الآن تعترض على نفسك أنت زوجته وجرى منك هذا أمام الناس فلا تسفهن رأيك فإن محمدا عليه الصلاة والسلام كذا وكذا ما تظن هذا رجل عادى وتذكر ما فيه من الصفات النبيلة الكريمة فإن محمدا عليه الصلاة والسلام كذا وكذا فلم تزل به حتى رضى ثم بعثت بأوقيتين إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من فضة أو من ذهب وقالت اشترى حلة فاهدها إليه أى إلى أبى وفى بعض الروايات فاهدها إلى أمام الناس ليقال أهدى إلى عروسه وإلى زوجه هدية لكن من مالها أربعين أوقية، والأوقية أربعون درهما والدرهم تقدم معنا وزنه قلت عند الحنفية ثلاث غرامات ونصف وعند الجمهور غرامين وفاصلة اثنين وخمسين أوليس كذلك وعليه احسب الآن كما قلنا أوقيتان أوليس كذلك الأوقية إذا أردت أن تحسبها بالغرامات اضربها بثلاثة بأربعين أوليس كذلك الأوقية ستكون أربعون درهما اضربها فى ثلاثة ونصف يصبح مائة وعشرون وضف عليها عشرون مائة وأربعون ومائة وأربعون غرام من الذهب أو الفضة ضف إليها أوقيتان يعنى مائتان وثمانون غراما على مذهب أبى حنيفة وعند الجمهور قلنا الدرهم غرامان واثنان وخمسين فاصلة يعنى غرامين ونصف وزيادة من مائة اثنين احسبها غرامين ونصف فالأوقية مائة غرام وعليه مائتا غرام من ذهب خذها واشترى حلة لوالدى ولى من أجل أنك أهديت لوالد الزوجة وللزوجة هدية ثم قالت اشترى حلة فاهدها إلى وكذا وكذا يعنى أيضا من الأشياء ففعل على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه.(144/37)
الشاهد فى الحديث: أنه رعى الإبل وأما كيفية الزواج وكيف تم يحتاج إلى شىء من التفصيل قبل أن أختم الموعظة أريد أن أبين أن أمنا خديجة رضى الله عنها بذلك حقيقة صاحبة عقل يتضائل بجانب عقلها عقل عقلاء الرجال أمنا خديجة رضى الله عن وأرضاها وعبد الله ابن مسعود رضى الله عنه ليته أضاف أمنا خديجة إلى الأصناف الثلاثة الذين نعتهم بالفراسة الصادقة ثبت الأثر عن عبد الله ابن مسعود فى المستدرك بسند صحيح انظروه فى الجزء الثانى صفحة خمس وأربعين وثلاثمائة وفى الجزء الثالث صفحة تسعين من المستدرك.
ورواه الإمام الطبرانى كما قلت بسند صحيح انظروه فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة ثمان وستين ومائتين قال عبد الله ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة أنا أقول ينبغى أن يضاف إليهم لا بد وما تكتمل يعنى النسبة إلا بإضافة هذه العاقلة الحصيفة الطاهرة المباركة ولذلك بشرت حقيقة بما لم يحصل لغيرها كما سيأتينا إن شاء الله عند أخبارها رضى الله عنها وأرضاها أفرس الناس ثلاثة صاحبة موسى وهى دون خديجة بكثير عندما قالت {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} وفهم مرادها و {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} الحرص على نبى الله موسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام مفخرة فكيف الحرص على نبينا عليه الصلاة والسلام هى صاحبة فراسة ما عندنا شك لكن من هى فراستها أعلى من هذه لما ما ذكرت فى أثر عبد الله ابن مسعود يعنى حقيقة ما أعلم.
الصنف الثانى يقول وصاحب يوسف وهو عزيز مصر وسيد مصر عندما قال لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وحقيقة فراسته فى محلها(144/38)
والصنف الثالث قال وأبو بكر حين استخلف عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين يقول هؤلاء أفرس الخلق وأنا أقول لا نزاع فى فراسة هؤلاء وأنهم أفرس الناس لكن النسبة تبقى ناقصة لا بد من إضافة خديجة إليهم ليكتمل أفرس الخلق على الإطلاق خديجة رضى الله عنها عندما اختارت نبينا عليه الصلاة والسلام ووسطت نفيسة ووسطت أختها ثم شافهته بنفسها وقالت كل شىء يتم إذا تقدمت فقط أنت تقدم من أجل العرف أمام والدى وأنا أرتب كل شىء والدى إذا سكر الترتيب على بعد ذلك وسيأتينا فى بعض الآثار وهى ثابتة كيف بعد ذلك خلقته وطيبته وزعفرته بطيب الخلوق وهو طيب أصفر وألبسته الحلة وجلس فى المجلس وقال ما هذا قال هذا من ختنك من عند زوج ابنتك محمد عليه الصلاة والسلام إنك زوجتنى إياه وتم لها ما أرادت وحظيت بنبينا عليه الصلاة والسلام خمسا وعشرين سنة أوليس كذلك من خمس وعشرين إلى سن الخمسين وحصلت منه خمسا وعشرين سنة من حياته الزوجية يعنى نساؤه عداها وهن التسع مع السريات كلهن حصلن بعد ذلك ثلث مدة زواج نبينا عليه الصلاة والسلام يعنى الثلثان لأمنا خديجة والثلث الباقى لتسع نسوة مع السريات فكم لها من شرف الاتصال بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام ولا يزاحمها مزاحم أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها يقول الحاكم بعد أن روى الأثر المتقدم رضى الله عن ابن مسعود فلقد أحسن فى الجمع بينهم بهذا وأنا أقول كما قلت ضيفوا أمنا خديجة وأسأل الله أن ينيلنا رضوانه كما دعا الحاكم بذلك لعبد الله ابن مسعود إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
إخوتى الكرام..(144/39)
حول ما يتعلق بزواج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها سيأتى شىء من الكلام إن شاء الله فى أول الموعظة الآتية ثم أبين شهادة امنا خديجة فى نبينا عليه الصلاة والسلام عند مجىء الوحى وبأى شىء اختبرته وامتحنته مما يدل على رجاحة عقلها رجحانا كما قلت يتضائل عند عقلها عقول الرجال فرضى الله عنها وأرضاها وأسأل الله برحمته التى وسعت كل شىء أن يشفعها فينا وأن يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام فينا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(144/40)
خلق النبي مع أهله (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
خلق النبي مع أهله (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
لازلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة وعنوانه كما تقدم معنا مرارا الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وهذه الأمور إخوتى الكرام قلت إنها على كثرتها وتعددها وتنوعها يمكن أن تجمل فى أربعة أمور.
أولها: النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه ثانيها النظر فى دعوته ورسالته ثالثها النظر إلى حال أصحابه رابعها النظر فى المعجزات التى أيده الله بها وأكرمها وهى خوارق العادات وقد كنا نتدارس الأمر الأول من هذه الأمور الأربعة النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فى خَلقه وخُلقه على نبينا صلوات الله وسلامه وتقدم معنا إخوتى الكرام أن الله أعطى رسله وأنبياءه الكمال فى الأمرين الجلال والجمال فى خَلقهم وفى أخلاقهم على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.(145/1)
وقد تقدم معنا ما يتعلق بالشق الأول فيما يتعلق بخَلق النبى عليه الصلاة والسلام ودلالة ذلك على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقا ثم شرعنا بعد ذلك فى مدارسة الشق الثانى فى خُلق النبى صلى الله عليه وسلم ودلالة ذلك على أنه رسول الله حقا وصدقا وتقدم معنا فى أول هذا الشق الثانى من المبحث الأول من الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا صلوات الله وسلامه تقدم معنا أنه ليس فى وسع بشر أن يحيط بخلق النبى عليه الصلاة والسلام على وجه الكمال والتمام فخلقه عليه الصلاة والسلام كمعانى القرآن وكما أنه ليس فى وسع الإنسان أن يقف على وجه التمام على معانى كلام ذى الجلال والإكرام فهكذا هو الحال تماما بالنسبة لأخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام نعم إذا أردنا أن نقف على صورة واضحة من خلقه عليه الصلاة والسلام لنستدل بذلك على أنه رسول ربنا الرحمن فقلت نبحث فى سبعة أمور على وجه الاختصار كما يليق بحالنا وحسبما فى وسعنا.
خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه وأمته خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم جميعا أفضل الصلاة وأزكى السلام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من عتاة الإنس خلقه عليه الصلاة والسلام مع شياطين الجن خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات.(145/2)
هذه الأمور السبعة قلت إنها كلها فيما يتعلق بخلق المصطفى عليه الصلاة والسلام مع الخلق وأختمها بأمر آخر ألا وهو خلقه مع الحق عليه الصلاة والسلام بعد الانتهاء من هذه الأمور السبعة وشرعنا أيضا إخوتى الكرام فى مدارسة أول واحد من هذه الأمور السبعة ألا وهو خلق النبى عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته مع أسرته مع أزواجه أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت هذا الخلق تجليته بأربعة أمور أيضا مسكن النبى عليه الصلاة والسلام أثاث ذلك المسكن ما يقدم فيه من طعام وقد تقدم الكلام على هذه الأمور الثلاثة فى مواعظ متعددة بأدلتها كما سمعتم وسننتقل إلى الأمر الرابع من الأمر الأول من خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله فى كيفية كعاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لمن فى بيته من أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقبل أن أبدأ فى هذا الأمر لأربط ما تقدم بما سأذكره الآن.
إخوتى الكرام:(145/3)
عندما استعرضت مسكن النبى عليه الصلاة والسلام وأثاثه وطعامه الذى يقدم فى تلك الحجر المباركة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام تقدم معنا أن النبى عليه الصلاة والسلام قنع بالضرورة وأخذ مقدار البلغة فيما يتعلق بسكنه وأثاثه وطعامه عليه الصلاة والسلام وهذا تقدم معنا أخذه اختيارا عليه الصلاة والسلام لا اضطرارا فقد خيره الله جل وعلا كما تقدم معنا بين أن يكون رسولا ملكا وبين أن يكون رسولا عبدا عليه الصلاة والسلام وبين أن يسير له بطحاء مكة كما تقدم معنا فاختار عليه الصلاة والسلام ما تقدم معنا وسأل ربه أن يجعل رزقه ورزق آله كفافا وقوتا على نبينا صلوات الله وسلامه وختمت المبحث على هذه الأمور الثلاثة بما ذكرته فى آخر الموعظة الماضية بأن هذه الحالة التى اختارها نبينا صلى الله عليه وسلم لنفسه هى التى شاءها الله جل وعلا لأكثر المؤمنين أيضا وأكثر الصالحين فى هذه الأمة المباركة المرحومة حالة الكفاف حالة الفقر لا يكون عندهم سعة وغنى وتقدم معنا أن هذا الأمر هو أسلم للإنسان وأحسن فى هذه الحياة وأرفع لدرجته بعد الممات سأذكر بعض الآثار التى تقرر ما تقدم ذكره ثم أنتقل إن شاء الله إلى الأمر الرابع بعون الله.
إخوتى الكرام:
كما قلت إن الله زوى الدنيا عن نبيه عليه الصلاة والسلام وعن أوليائه وأحبابه فى هذه الحياة الدنيا لئلا يشغلهم بغير طاعته سبحانه وتعالى وذلك يحمى الله جل وعلا عبده المؤمن من الدنيا00هكذا ربنا جل وعلا يحمى عبده من هذه الحياة كما يحمى أحدنا سقيمه ومريضه من الماء.(145/4)
ثبت الحديث بذلك فى سنن الترمذى وقال عنه حسن غريب والحديث رواه الحاكم فى المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى ورواه ابن حبان فى صحيحه والبيهقى فى شعب الإيمان وهو حديث صحيح صححه عدا من تقدم ذكرهم شيخ الإسلام الإمام عبد الرحيم ابن الحسين الأثرى أيضا فى تخريج أحاديث الإحياء ولفظ الحديث عن قتادة ابن النعمان رضى الله عنه وأرضاه وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال سمعت النبى عليه الصلاة والسلام يقول إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمى أحدكم سقيمه الماء وفى رواية كما يحمى أحدكم مريضه الماء فما زويت الدنيا عمن زويت عنهم من الصالحين إلا لكرامتهم عند رب العالمين إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمى أحدكم سقيمه مريضه الماء والحديث رواه الإمام الحاكم فى المستدرك من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وإسناده صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال إن الله ليحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب كما تمنع المريض من الطعام والشراب برا به ورفقا به وإحسانا إليه وشفقة عليه هكذا يزوى الله الدنيا عن أنبيائه وأحبابه فى هذه الحياة من أجل ألا يشغل بغير الغاية التى خلقوا من أجلها على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.(145/5)
والحديث رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير بسند حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة خمس وثمانين ومائتين وشيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثين من رواية رافع ابن خديج رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء والحديث رواه أبو يعلى أيضا بسند حسن كما فى الكتابين المتقدمين فى ممع الزوائد والترغيب والترهيب من رواية عقبة ابن رافع رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه الماء ليشفى والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده وهو فى المسند فى الجزء الخامس صفحة سبع وعشرين وأربعمائة من رواية محمود ابن لبيب وقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن المعتمد أنه صحابى فى أول الموعظة الماضية كما أثبت ذلك الإمام البخارى وابن عبد البر وابن خزيمة رضوان الله عليهم أجمعين وأما قول أبى حاتم عليهم جميعا رحمة الله لم تثبت صحبته أى لم يثبت سماعه وقلت لايشترط للصحبة ثبوت السماع فقد رأى النبى عليه الصلاة والسلام وهذا حاصل باتفاق وهو صغير فهو صحابى وروايته بعد ذلك عن النبى عليه الصلاة والسلام بواسطة صحابى آخر فلا يضر وقد أشار الإمام الترمذى إلى هذه الرواية فى سننه فقال روى الحديث عن محمود ابن لبيب مرسلا أى من مراسيل الصحابة وحكمها أنه موصولة كما قال أئمتنا: أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب.(145/6)
الحديث أيضا روى من رواية محمود ابن لبيب فى المسند وغيره هذه الأحاديث تقرر ما تقدم معنا من أن اختيار نبينا عليه الصلاة والسلام لما اختاره فى هذه الحياة من عيشة الكفاف فيما يتعلق بمسكنه وأثاثه وطعامه عليه الصلاة والسلام لأن هذا أسلم له ولمن يقتدى به من أمته وأرفع له فى درجته عند ربه على نبينا صلوات الله وسلامه.
بعد هذا إخوتى الكرام: أنتقل إلى الأمر الرابع فى خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع من كان يعيش فى بيته وهذا هو المقصود أصالة بالبحث وما سبقه كالمقدمة والتوطأة إليه لأننا إذا أردنا أن نبحث فى خلق نبينا عليه صلوات الله وسلامه وكيف كان يعامل من فى بيته هذه الصورة المثالية المثلى لا بد لها من مقدمة ما وضع ذلك البيت وضع ذلك البيت كما تقدم معنا وصفه سكن وأثاث وطعام فلا يجلس الإنسان فيه إلا إذا أراد الله والدار الآخرة فقط وإذا كان لا يريد ذلك لا يمكن أن يستقر فى ذلك البيت طرفة عين وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من ذكر الأمور الثلاثة المتقدمة من احل أن نعلم بعد ذلك كيف كان النبى عليه الصلاة والسلام يعامل نساؤه على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه فى تلك الحجر ووصفها ما تقدم معنا مسكن أثاث طعام.
إخوتى الكرام:(145/7)
هذا المبحث الذى هو المبحث الرابع أيضا سنتدارسه ضمن أربعة أمور أولها أثبت فى أول هذا المبحث وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا عند بيان هذا الأمر الأول من الأمور الأربعة التى يعرف بها صدق النبى على نبينا صلوات الله وسلامه النظر إليه فى نفسه فى خَلقه وخُلقه تقدم الكلام على أخلاق النبى عليه الصلاة والسلام وأنه على خلق عظيم سأشير الآن أيضا إشارة موجزة إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أحسن الخليقة خلقا وأحسن الخليقة خُلقا مع الحق ومع الخلق عليه صلوات الله وسلامه هذا الأمر الأول سأقرر هذا بشهادة أخبر الخلق بنينا عليه الصلاة والسلام ألا وهى أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها الذى عرفت حاله فى الجاهلية قبل أن تقترن به وقبل أن يكرمها الله جل وعلا بالزواج منه ثم عرفت حاله أيضا فى الجاهلية أيضا قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام عندما تزوجته وأكرمها الله بالزواج منه وبقيت معه خمسا وعشرين سنة وليس بنبى عليه صلوات الله وسلامه من سنة خمس وعشرين بقيت خمس عشر سنة إلى سنة أربعين ثم بعد ذلك عرفت حاله بعد أن أكرمه الله بالرسالة وهى زوج له مدة عشر سنين فعرفته قبل البعثة عندما لم تقترن به وهذا الذى دعاها للاقتران به وعرض نفسها عليه كما سيأتينا وعرفته بعد البعثة وعرفته عندما اقترنت به قبل البعثة أيضا وعرفته عندما اقترنت به بعد البعثة فهى أعلم الخلق حقيقة بحال هذا المخلوق على نبينا صلوات الله وسلامه سأذكر شهادتها وقولها فى نبينا عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بكلامها فيه قبل أن تقترن به وبعد أن اقترنت به وبعد أن جاءه الملك فى غار حراء.
والأمر الثالث: سأستعرض حسن صلة النبى عليه الصلاة والسلام بنسائه وصلتهن به على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه.(145/8)
الأمر الرابع: كما وعدت سيكون فى لمحة موجزة مختصرة فى التعريف بأمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وبذرية نبينا الطاهرة المطهرة وكيف ذلك يدل دلالة واضحة على أن هذا البيت الفريد هو بيت النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه.
أما الأمر الأول إخوتى الكرام: فيما يتعلق بأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو كما تقدم معنا أحسن الخليقة خلقا فما خلق الله ولا ذرأ مخلوقا أجمل من نبينا عليه الصلاة والسلام تقدم معنا كأن الشمس تجرى فى جبهته عليه الصلاة والسلام ونور القمر ليلة البدر يتضائل عن نور وجهه عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا هذا فى خلق نبينا الشريف عليه صلوات الله وسلامه وأما خُلقه عليه الصلاة والسلام فكذلك فهو أنفع الخلق للخلق عليه صلوات الله وسلامه وهو أرحم الخلق بالخلق عليه صلوات الله وسلامه وإذا كان كذلك فأزواجه اللائى يعشن معه على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه ينبغى أن يكون لهن من ذلك الخلق من تلك الرأفة والرحمة وحسن المعاملة أن يكون لهن من ذلك النصيب الأوفى وهذا الذى حصل من نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا زواجاته الطاهرات المطهرات الكريمات على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه.(145/9)
وليس حسن الخلق إخوتى الكرام كما يفهم كثير من الناس كف الأذى لا حسن الخلق احتمال الأذى وبذل الندى تبذل المعروف ثم تتحمل بعد ذلك من هذا المخلوق ما يجرى عليك من جهل وتقصير وحقيقة سنستعرض هذا فى الأمر الثالث وكيف كان يجرى منهن ما لا تنفك عنه الطبيعة البشرية فمهما كان حالهن فيهن ما فيهن وصدر نبينا عليه الصلاة والسلام يتسع لهن وصدره أوسع من السماوات والأرض عليه صلوات الله وسلامه حاما ورحمة ورأفة عليه صلوات الله وسلامه ويجرى منهن أحيانا بعض التصرفات كما سيأتينا حقيقة لعلها لو جرت يعنى لبعضنا من زوجاته لما صبر وأين نحن من نبينا عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يحلم ويصبر ويشفق ويرحم عليه صلوات الله وسلامه مع ما يجرى منهن ويداعبهن وهو الصورة المثالية المثلى للزوج الكريم فى تلك البيوت الطاهرة المباركة المشرفة على نبينا صلوات الله وسلامه.
ولا يستبعد هذا إخوتى الكرام من خلق نبينا عليه الصلاة والسلام فهو الذى أوصانا بالنساء فى مناسبات كثيرة آخرها أعظم مناسبة شهدها النبى عليه الصلاة والسلام مع أمته فى حجة الوداع على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى تلك المناسبة العامة الشهيرة العظيمة الكثيرة يذكر بعشرة النساء والرفق بهن على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.(145/10)
والحديث ثابت فى صحيح مسلم وسنن أبى داود وابن ماجة ومسند الدارمى من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى خطبة يوم عرفة فى حجة الوداع فى خطبته الطويلة الشهيرة فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحلتم فروجهن بكلمة الله اتقوا الله فى النساء أحسنوا صحبتهن وعشرتهن ومعاملتهن واقتدوا بنينا عليه الصلاة والسلام بذلك أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وهى قول الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان بكلمة الله هى لا إله إلا الله كلمة التوحيد ولولا أنكم على التوحيد لما حل لكم النساء الصالحات المؤمنات بكلمة الله بقول الله فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع بكلمة الله بالكملة التى أمر الله بها عند اتصال الرجل بالمرأة عن طريق ما أحل ألا وهى الإيجاب والقبول أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله اتقوا الله فى النساء هذا فى أعظم اجتماع يقوله خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذه العشرة الطيبة سيأتينا إيضاحها فى حياة نبينا عليه الصلاة والسلام إنما من باب التعجل لتعلم كما قلت أن حسن الخلق احتمال الأذى لا كف الأذى لا أن تكف أذاك إنما أن تحتمل الأذى من غيرك يقع عليك وأنت تحتمل وهذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام وسيأتينا حديث الصحيحين إنما أذكر الآن محل الشاهد فى هذه الجزئية وسيأتينا ضمن المبحث الثالث من هذه الأمور الأربعة الحديث فى الصحيحين وفى سنن الترمذى والنسائى من وراية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال قال عمر ابن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما هاجرنا إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم الأمر انعكس كان الرجال يغلبون النساء فى مكة معشر قريش فلما جاؤا إلى الأنصار وجدوا أن النساء يغلبن الرجال قال عمر ابن الخطاب رضى(145/11)
الله عنه فطفق نساؤنا يتعلمن من أزواجهم من أزواج هؤلاء الرجال يعنى من النسوة من أجل أن تغلب الواحدة الرجل منا قال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فتغضبت يوما على امرأتى وكلمتها من باب الغضب فردت فى وجهى الكلام فأنكرت ردها قالت علام تنكر على ونساء النبى عليه الصلاة والسلام يراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل سبحان ربى العظيم والحديث فى الصحيحين نساء النبى عليه الصلاة والسلام إذا تكلم يراجعنه الكلام ثم تهجره إلى الليل يقول فدخلت إلى حفصة لأسألها قلت أتراجعن النبى عليه الصلاة والسلام الكلام كما سيأتينا وتهجرنه يوما إلى الليل فقالت حفصة نعم نراجعه الكلام ونهجره اليوم إلى الليل فقال خبتن وخسرتن كما سيأتينا الحديث بكامله انظر لهذا الخلق فى نبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله تتبرك الملائكة برؤيته وصحبته ويتشرف الجماد بمشى نبينا عليه الصلاة والسلام عليه فهو خير العباد ومع ذلك أمهاتنا لا أقول من باب طياشتهن لكن هذا هو حال القصور البشرى والضعف الإنسانى يجرى منهن أحيانا ما يجرى يتسع صدره عليه الصلاة والسلام ويحلم ثم هو الذى يبدأ بعد ذلك عليه الصلاة والسلام بالمصالحة وحسن الكلام على نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.
ولا يستبعد هذا ممن نعته الله جل وعلا بأنه رؤوف رحيم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم *فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن خيرنا خيرٌنا لأهلنا فهو خير البشرية لأهله عليه صلوات الله وسلامه فاستمع لتقرير هذا من كلام النبى عليه الصلاة والسلام فى المبحث الأول لنتدارس بعد ذلك ما بعده من مباحث.(145/12)
ثبت فى المسند وسنن الترمذى وصحيح ابن حبان والحديث إسناده صحيح كالشمس قال عنه الترمذى حسن صحيح من رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم الخير فيكم هو صاحب الخلق الحسن مع أهله وتقدم معنا مرارا إخوتى الكرام أن دين الله يقوم على دعماتين تعظيم لله وشفقة على خلق الله أولى الناس بشفقتك وحسن معاملتك أهلك أولى الناس بإحسانك ومعروفك ولين كلامك زوجتك وخيركم وخياركم خياركم لنسائهم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم والحديث رواه الإمام أحمد أيضا فى المسند والترمذى فى السنن والحاكم فى المستدرك وقال إسناده صحيح على شرط الشيخين وتعقبه الذهبى فقال فيه انقطاع والحديث صححه الإمام الترمذى ومع ذلك قال لا نعرف لأبى قلابة سماعا من أمنا عائشة والحديث مروى عن أمنا عائشة رضى الله عنها بواسطة هذا الراوى ألا وهو أبو قلابة وهو عبد الله ابن زيد الجرنى ثقة فاضل كثير الإرسال حديثه مخرج فى الكتب الستة توفى سنة أربع ومائة للهجرة مائة وأربعة وتوفى فى بلاد الشام بعد أن هرب من بلاد البصرة وهروبه لئلا يولى القضاء أريد منه أن يتولى القضاء فى تلك البلاد فتخفى وهرب حتى وصل بلاد الشام فقبض فيها وكان يقول ما لى وللقضاء مثل القاضى كمثل من وقع فى البحر فما عسى أن ينجو.(145/13)
ومن كلام هذا العبد الصالح ما ذكرته أيضا مرارا فى بعض المواعظ أنه كان يقول إذا حدثت الرجل بحديث عن النبى عليه الصلاة والسلام فقال دعنا من هذا وهات القرآن فاعلم أنه ضال وهذا الأثر رواه عنه الإمام ابن سعد فى الطبقات أبو قلابة الجرنى عبد الله ابن زيد الجرنى حديثه فى الكتب الستة توفى سنة أربع ومائة للهجرة روى عن أمنا عائشة ولم يسمع منها والترمذى يقول لا نعرف لأبى قلابة سماعا من عائشة إذن كيف صححت الحديث صححه لشواهده فالمتن ثابت عن النبى عليه الصلاة والسلام تقدم معنا من رواية أبى هريرة وهذه من رواية أمنا عائشة سيأتينا روايات كثيرة بهذا المعنى مع أنه هو الذى يقول لا نعرف لأبى قلابة سماعا من أمنا عائشة رضى الله عنها ثم يقول إن الحديث صحيح ولفظ حديث أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله هذا أكمل أهل الإيمان إيمانا خلق حسن وملاطفة لطيفة مع الأهل فى البيت إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله.(145/14)
وهذا المعنى ثابت إخوتى الكرام فى أحاديث كثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام منها ما فى المستدرك فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وسبعين ومائة بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما الأولى من رواية أبى هريرة والثانية من رواية أمنا عائشة وهذه من رواية أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين قال النبى صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الله ابن عباس الرواية الثالثة لكن مختصرة ولفظها خيركم خيركم للنساء دون الشق الأول من الحديث خيركم خيركم للنساء الخير فيكم هو صاحب المعاملة الحسنة مع أهله وأزواجه خيركم خيركم للنساء والحديث رواه الطبرانى خيركم خيركم للنساء من رواية أبى كبشة وفى إسناده عمر ابن روبة وفى المجمع همزة رؤبة وهذا خطأ وتصحيف فى الطباعة عمر ابن روبه الواو ساكنة وليس عليها همزة روبه وثقه ابن حبان وغيره وقال الحافظ فى التقريب صدوق وقد أخرج حديثه أهل السنن الأربعة من رواية أبى كبشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خيركم خيركم للنساء ورواه الطبرانى أيضا من رواية معاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين وفى إسناده على ابن عاصم الواسطى قال الإمام الهيثمى أقر عليه كثرة الغلط وتماديه فيه وقال الحافظ فى التقريب صدوق يخطىء ويصر توفى سنة واحدة ومائتين للهجرة وحديثه فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى إذن هنا من رواية معاوية أيضا خيركم خيركم للنساء والحديث رواه ابن ماجة بسند صحيح على شرط الشيخين من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خياركم خياركم لنسائهم وإذا كان الأمر كذلك فخير الناس فينا خيرنا خلقا ومعاملة مع أهله فخير الخليقة على الإطلاق نبينا عليه الصلاة والسلام فينبغى إذن أن يكون خير الناس مع أهله عليه صلوات الله وسلامه وهذا هو الواقع والحاصل.(145/15)
ثبت فى سنن الترمذى وقال حسن صحيح ورواه ابن حبان من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم فدعوه والحديث رواه الإمام الترمذى دون الجملة الثانية ولفظه خيركم خيركم لأهله وإذا مات صاحبكم فدعوه رواه الإمام الدارمى الرمذى أو الدارمى قلت؟ الترمذى غلط الترمذى حسن صحيح صحيح لكن رواه الدارمى بدون الجملة الثانية خيركم خيركم لأهله وإذا مات صاحبكم فدعوه ورواية الترمذى الأولى فى الترمذى وصحيح ابن حبان خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم فدعوه ثم قلت ورواه الدارمى هكذا ورواه الدارمى بدون الجملة الثانية خيركم خيركم لأهله وإذا مات صاحبكم فدعوه.
قول نبينا عليه الصلاة والسلام إذا مات صاحبكم فدعوه إما أن يريد به غيره أى هذا الصاحب هو غير النبى عليه الصلاة والسلام إذا مات واحد منكم من قريب أو غيره فدعوه أى لا تتكلموا عليه كما أمرنا أن نحسن أخلاقنا مع الأحياء فلنحسن أخلاقنا مع الأموات والمجاملة وحسن المعاملة مطلوبة منك نحو الأحياء والأموات إذا مات صاحبك أمرت عليه فى حال حياته فمن باب أولى بعد مماته وإذا مات صاحبكم فدعوه.
ويحتمل أيضا الحديث معنى آخر إذا مات صاحبكم فدعوه أى دعوا التعلق به والبكاء عليه فقد قضى نحبه وجاءه أجله إذا مات صاحبكم فدعوه ولذلك إذا مات المريض فانتهى ثم فى حال مرضه قد الإنسان يعنى يبذل ما فى وسعه لعلاجه والشفقة عليه لكن إذا مات دعوه لا داعى بعد ذلك للتعلق به والصراخ والعويل إذا مات صاحبكم فدعوه.
والمعنى الثالث الذى يحتمله الحديث على أن الصاحب هو غير النبى عليه الصلاة والسلام إذا مات صاحبكم فدعوه إلى رحمة الله فماعند الله خير للأبرار وهو قد انتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة فدعوه إلى رحمة الله ودعوه يلقى كرامة الله جل وعلا فى قبره وعجلوا بدفنه وإذا مات صاحبكم فدعوه.(145/16)
وقيل إن الصاحب هو النبى عليه الصلاة والسلام يعنى نفسه إذا مت فدعونى خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم يعنى النبى عليه الصلاة والسلام وإن صاحبكم خليل الله وإذا مت فدعونى وعلى هذا تحتمل هذه الجملة المباركة أمرين اثنين أولها فدعوه أى لا داعى للجزع والتحسر ففى الله خلف من كل فائت وحياة النبى عليه الصلاة والسلام خير لكم وموته خير لكم عليه الصلاة والسلام فإذا مات فدعوه ولا داعى للجزع والتحسر كما هو الحال أيضا فى حق غيره عليه صلوات الله وسلامه والمعنى الثانى وإذا مات صاحبكم يعنى النبى عليه الصلاة والسلام فدعوه أى فلا تؤذوه عليه الصلاة والسلام فى أهل بيته وصحابته وفى المؤمنين به من أهل ملته من أمته على نبينا وعليها صلوات الله وسلامه فإيذاء هؤلاء إيذاء له وإذا مات صاحبكم يعنى النبى عليه الصلاة والسلام فدعوه من الأذى وحذارى أن تصيبوه بأذى كيف بواسطة إيذاء آل بيته وصحابته والمؤمنين به عليه الصلاة والسلام خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم فدعوه.(145/17)
والحديث إخوتى الكرام مروى أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما فى سنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان من رواية ابن عباس كما قلت رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى والحديث رواه البزار من رواية عبد الرحمن ابن عوف كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثمائة خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وفى إسناده محمد ابن عمرو ابن علقمة قال الإمام الهيثمى وثق وفيه ضعف وقد حكم عليه الحافظ فى التقريب بأنه صدوق وله أوهام وحديثه فى الكتب الستة أى فى الصحيحين وغيرهما وتوفى سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن وللشواهد المتقدمة يرتقى لدرجة الصحة فالحديث ثابت من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها ومن رواية ابن عباس ومن رواية عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنهم أجمعين خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى على نبينا صلوات الله وسلامه.
إذن هو عليه الصلاة والسلام أحسن الخليقة خلقا مع الخلق وهذا يظهر بصورة جلية واضحة مع أهله وأسرته عليه صلوات الله وسلامه.
إخوتى الكرام..(145/18)
قبل أن أنتقل إلى شهادة كما قلت أعرف الخلق به ألا وهى أمنا خديجة رضى الله عنه أحب أن أقدم بين يدى ذلك أمرا يرتبط بهذا ألا وهو أن حكمة الحكيم العليم شاءت لنبينا الكريم ولجميع أنبياء الله الطيبين الطاهرين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه شاءت حكمة الحكيم العليم أن يسهل الله عليهم وأن يوفقهم قبل بعثتهم برعاية الغنم لينتقلوا بعد ذلك إلى رعاية الشعوب والأمم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وحقيقة رعاية الغنم تحتاج إلى سعة صدر وخلق ليتعود الإنسان هذا الخلق بعد ذلك عندما يأتيه ملك الله جل وعلا بتكليفه برسالة الله على نبينا صلوات الله وسلامه وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يشير إلى هذا ويتواضع بهذا الإخبار بربه جل وعلا فهو سيد العالمين ومع ذلك وفقه الله لرعاية الغنم قبل بعثته على نبيناو عليهم صلوات الله وسلامه.(145/19)
ثبت الحديث بذلك من رواية عدة من الصحابة الكرام منها ما ثت فى صحيح البخارى وسنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة انظروه فى الجزء الثانى من الدلائل صفحة خمس وستين وهو فى السنن الكبرى للإمام البيهقى فى الجزء السادس صفحة ثمانى عشرة ومائة وهو فى طبقات ابن سعد فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين ومائة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول ما بعث الله نبينا إلا رعى الغنم ونبى نكرة فى سياق نفى تفيد العموم فلا يوجد نبى من أنبيا ءالله على نبيناوعليهم جميعا صلوات الله وسلامه إلا وقد رعى الغنم ما بعث الله نبينا إلا وقد رعى الغنم إلا رعى الغنم قال أبو هريرة فقال له أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى هل المتكلم يدخل فى خطابه وكلامه أم لا أنت تخبر عن الأنبياء المتقدمين وأنت أيضا قمت بهذا الأمر وأنت أفضلهم وأكملهم أو استثنيت من هذا وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة وحرف على يحتمل أمرين اثنين معنيين اثنين.
أولها: وهو الذى ذهب إليه الجمهور أن على بمعنى الباء فهو للسببية أو للمعاوضة فكنت أرعاها على قراريط يعنى بسبب وبمعاوضة قراريط والقراريط جمع قيراط والقيراط أما أن يكون نصف العشر أو واحد من أربعة وعشرين كما هو فى اصطلاح آل الشام والمصريين عندهم القيراط جزء من أربع وعشرين جزءا وبعضهم يصطلح على أن القراط نصف العشر يعنى جزء من عشرين عشرون نصف العشر جزء من عشرين أرعاها على قراريط جمع قيراط يعنى لو أخذت الدرهم وقسمته إلى أربعة وعشرين قسما الجزء الواحد يقال له قيراط فكنت أرعاها على قراريط يعنى على أجزاء من الدراهم على قراريط إذن على بمعنى الباء سببية للمعاوضة وقلت إلى هذا ذهب الجمهور.(145/20)
وقد00 والحديث00 سويد ابن سعيد قال يعنى كل شاة بقيراط كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة يعنى كل شاة بقيراط وهل هذا القيراط يعنى أجرة شهر أو أجرة سنة العلم عند الله والذى يظهر والعلم عند الله أن هذا يعنى هذا أجرة شهر أو أجرة سنة يعنى كيف يتعاملون أهل الغنم وليس أجرة يوم قطعا وجزما إما شهرية مشاهرة وإما سنوية كل شاة بقيراط يقوله كما قلت سويد ابن سعيد كل شاة بقيراط يدل على هذا رواية واردة فى سنن ابن ماجة وطبقات ابن سعد ومستخرج الإسماعيلى قال كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط إذن على على قراريط بالقراريط يعنى بقراريط بأجرة آخذها معاوضة على الرعاية وسويد ابن سعيد هو شيخ الإمام ابن ماجة كما أنه هو شيخ الإمام مسلم وقد أخرج هذان عنه من أصحاب الكتب الستة وهو سويد ابن سعيد الهروى صدوق فى نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فيحدث به توفى سنة أربعين ومائتين للهجرة وكما قلت حديثه فى صحيح مسلم وهو من شيوخ الإمام مسلم وحديثه فى سنن ابن ماجة ومن شيوخ الإمام ابن ماجة وقد تكلم على الإمام مسلم لإخراجه حديث سويد ابن سعيد لكن الإمام مسلم هو أخبر الناس بشيخه والجرح الذى وجه إليه كما قلت مطلق وقوله أنه بعد أن عمى صار يتلقن الإمام مسلم أخذ هذه الروايات عنه قبل العمى مما هو ثابت عنده من أجل علو إسناده أما بعد أن تلقن فما روى عنه ولذلك الجرح إذا لم يكن مفسرا لا يقبل عند الجهابذة الحذاق مع أن البخارى وغيره طعنوا فى سويد لكن بدون بيان سبب الجرح غاية ما قيل بعد أن عمى يلقن طيب إذا روينا عنه قبل العمى كما قلنا صدوق فى نفسه لذلك يقول الإمام العراقى فى ألفيته:
واحتج مسلم بمن قد ضعف ... نحو سويد إذ بجرح ما اكتفى(145/21)
يعنى ما اكتفى الإمام مسلم بما وجه إليه من جرح وما عول عليه ولا قبله لأنه جرح مطلق ولا يقبل الجرح إلا إذا كان مفسرا وكما قلت أنه بعد أن عمى يلقن إذا حدث عنه قبل العمى فلا يضر فالإمام مسلم حدث عنه وهو من شيوخه وهكذا الإمام ابن ماجة وابن ماجة ينقل عن شيخه سويد يعنى كل شاة بقيراط للرواية الأخرى كنت أرعاها لأهل مكة بقراريط هذا المعنى الأول لحرف على كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة.
والمعنى الثانى: قيل إنها تفيد الظرف أرعاها على قراريط يعنى فى أمكنة تسمى قراريط كان النبى عليه الصلاة والسلام يرعى فيها غنم أهل مكة والذى يظهر كما قال الحافظ ابن حجر أن القول الأول أولى لأنه لا يعرف فى مكة مكان اسمه القراريط وعليه المراد من القراريط كل شاة بقيراط كما قال سويد ابن سعيد والعلم عن الله جل وعلا.
إذن ما من نبى إلا وقد رعى الغنم ما بعث الله نبيا ألا رعى الغنم وهذه الرواية كما قلت إخوتى الكرام هى فى صحيح البخارى وغيره فهى فى أعلى درجات الصحة ومنقولة أيضا عن غير أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه رويت أيضا من رواية أبى سعيد الخدرى رواها الإمام أحمد فى المسند ورواها الإمام البزار وعبد ابن حميد أيضا وفى الإسناد الحجاج ابن أرطاه وهو مدلس وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس توفى سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة وحديثه فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى وصحيح مسلم والسنن الأربعة.(145/22)
ويشهد لهذه الرواية لرواية أبى سعيد حديث أبى هريرة المتقدم فهو فى صحيح البخارى ولفظ هذا الحديث من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه قال افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند النبى صلى الله عليه وسلم هؤلاء يقولون مهنتنا أعلى وهؤلاء يقولون مهنتنا أعلى وهؤلاء يقولون نحن نكتسب يعنى صفات حميدة من هذه الحيوانات التى يعنى نرعاها وهؤلاء يقولون نحن نكتسب صفات حميدة من الحيوانات التى نرعاها افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو يرعى غنما على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلى بجياد ويقال أجياد وهى جمع جيد وهو العنق ويسمى به جبل معروف فى مكة وجهة منها أجياد جياد بغير ألف أو بالألف أجياد جياد كما قال الخزرجى فى مراصد الاطلاع لأسماء الأمكنة والبقاع فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثين بعث موسى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه وهو يرعى غنما وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلى بجياد لا يصح أن يتعلق بهذا الحديث أهل القول الثانى إبراهيم الحربى ومن معه من أنه كان يرعاها لأهله بجياد وبمكان يسمى قراريط وما كان يأخذ أجرة لأنه فسر المكان هنا وأنه كان يرعاها لأهله ما كان يرعى بالأجرة لا يصح التعلق بذلك كما قال أئمتنا لأن الأهل هنا إذا أريد بهم حقيقة الأهل فهم القرابات الذين ينتمى إليهم الإنسان فكان يرعاها لأهله بغير أجرة كما أنه كان يرعى غنما لقومه بأجرة فلا تعارض بين الأمرين ويمكن أن يقال من الأهل ما هو أعم من القول أهلى أى لقومى أرعاها لهم بجياد بأجرة على قراريط آخذها كنت أرعاها فى مكان أجياد وجياد لكن بقراريط فالمراد من الأهل هنا القوم لا خصوص القرابات والأهل ولذلك قال الحافظ ابن حجر فى أحد الخبرين بين الأجرة وفى الآخر بين المكان فهنا يقول يرعاها بجياد بأجياد وهناك يرعاها على قراريط وهذا يرجح القول الأول كما قلت.(145/23)
إذن بعث موسى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه يرعى غنما وبعثت وأنا أرعى غنما وهذا الحديث رواه الإمام أيضا أبو داود الطيالسى كما فى منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الثانى صفحة ست وثمانين ورواه البخارى فى الأدب المفرد صفحة خمس وثمانين ونسبه الإمام ابن حجر فى الفتح فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعين وأربعمائة إلى الإمام النسائى ولعله فى السنن الكبرى وليست عندى والحديث رواه ابن السكن أيضا ورواه البغوى وابن منده وأبو نعيم كما فى جمع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ستين وأربعمائة والإصابة للحافظ ابن حجر من رواية عبدة ابن حزن والرواية المتقدمة من رواية أبى سعيد من رواية عبدة ابن حزن ويقال له بشر ابن حزن ويقال له نصر ابن حزن عبدة بشر نصر عبدة ابن حزن النصرى مختلف فى صحبته له حديث فى رعى الغنم كما قال الحافظ فى التقريب أخرج حديثه البخارى فى الأدب المفرد فقط ولم يخرج لهذا الصحابى رضى الله عنه فى غير كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى من الكتب الستة من أصحاب الكتب الستة والحديث رواه ابن سعد فى الطبقات موقوفا على أبى إسحاق السبيعى الراوى عن عبدة ابن حزن أو بشر ابن حزن أو نصر ابن حزن فلم يروه عن عبدة عن النبى عليه الصلاة والسلام إنما رواه موقوفا عليه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم أى وقفه الإمام ابن سعد من رواية زهير عن أبى إسحاق السبيعى ولفظ الحديث كرواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين ولفظه تفاخر أهل الإبل وأصحاب الشاء عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو راعى غنم وبعث داود هنا زيادة وهو راعى غنم وبعثت أنا وأنا أرعى غنم أهلى وفى رواية وأنا أرعى غنما لأهلى بجياد وفى رواية بأجياد.(145/24)
هذه رواية ثالثة من وراية أبى هريرة وأبى سعيد وعبدة ابن حزن والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند أيضا من رواية أبى سعيد الخدرى بسند جيد ورواه الطبرانى فى الأوسط من رواية عبد الرحمن ابن عوف لكن أبا سلمة ولد عبد الرحمن ابن عوف لم يسمع منه ويشهد للحديث ما تقدم ورواه ابن سعد من رواية أبى سلمة وحذف الصحابى ألا وهو عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث أما حديث أبى سعيد فى المسند كما قلت إسناده جيد وحديث عبد الرحمن ابن عوف فى سنده انقطاع ويشهد له هذا الحديث من رواية أبى سعيد والرويات المتقدمة لفظ الحديث يقول عبد الرحمن ابن عوف وأبوسعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم نجتنى الكباث وهو النضيج من ثمر الأراك إذا نضج ثمر الأراك يقال له كباث النضيج من ثمر الأراك كنا نجتنى الكباث فقال النبى صلى الله عليه وسلم عليكم بالأسود منه فإنه أطيب عليكم بالأسود من الثمرة السوداء من الكباث فإنه أطيب ناضجة تماما النضج فإنى كنت أجتنيه وأنا أرعى الغنم قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رعيت الغنم قال نعم وما من نبى إلا وقد رعاها.(145/25)
وفى رواية وهل من نبى إلا قد رعاها والحديث ثابت أيضا من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما فى صحيح مسلم فى كتاب الأشربة رقم خمس وستين ومائة من كتاب الأشربة عن جابر رضى الله عنه قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وهى مكان قريب مكة بمرحلة دون مكة بمرحلة كما قال علماؤنا كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ونحن نجتنى الكباث فقال النبى صلى الله عليه وسلم عليكم بالأسود منه فإنه أطيب فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك رعيت الغنم فقال نعم وهل من نبى إلا وقد رعاها والأثر رواه الإمام مالك فى موطئه بلاغا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من نبى إلا وقد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال وأنا قال الإمام الزرقانى فى شرح الموطأ فى الجزء الرابع صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة صح الحديث موصولا من رواية عبد الرحمن ابن عوف وأبى هريرة وجابر وزيدوا عليه وأبى سعيد الخدرى وزيدوا عليه كما تقدم معنا وعبدة ابن حزن النصرى أوليس كذلك هذه روايات خمسة وأقتصر على ثلاثة وزيدوا عليه رواية ثالثة أوردها الإمام ابن سعد فى الطبقات فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين ومائة من رواية عبيد ابن عمير مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من نبى إلا قد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال وأنا وعبيد ابن عمير هو أبو عاصم المكى ولد فى عهد النبى عليه الصلاة والسلام مجمع على ثقته وإمامته قيل مات قبل عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين وموت عبد الله ابن عمر كان سنة واحدة وسبعين للهجرة على نبينا صلوات الله وسلامه قيل مات قبل ذلك يعنى سنة سبعين أو قبل عبيد ابن عمير وكان قاص أهل مكة ويحضر ابن عمر وعظه رضوان الله عليهم أجمعين روى الحديث مرفوعا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو تابعى فحديثه مرسل وإسناده صحيح ويشهد له ما تقدم.(145/26)
إخوتى الكرام: هذه عدة روايات ست روايات تفيد أن النبى عليه الصلاة والسلام رعى الغنم وأن جميع أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه قد قاموا بتلك المهمة ألا وهى رعاية الغنم ليتهيأ لهم بعد ذلك رعاية الأمم على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه.
قال الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعين فى شرح الحديث المتقدم ألا وهو حديث أبو هريرة وقلت إنه فى صحيح البخارى يقول قال العلماء الحكمة فى إلهام الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه من رعى الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ولأن فى مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها فى المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتاجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعى الغنم وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها فى العادة المألوفة ومع أكثرية تفرقها فهى أسرع انقيادا من غيرها وفى ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن عَلم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.
إخوتى الكرام..(145/27)
وكما حصل من نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم قبل بعثته فسيأتينا إن شاء الله أنه رعى الإبل أيضا وهذا مما خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم ثم رعى الإبل ليجمع الله له السكينة ويجمع له العزة والسيادة فسيأتينا أهل الإبل فيهم صفة النخوة والفخر والخيلاء وما أحسن ذلك إذا كان فى الحق وفى طاعة رب الأرض والسماء ونبينا عليه الصلاة والسلام هو سيد العالم عليه الصلاة والسلام وأفضل المخلوقات وهو أكثر المخلوقات تواضعا ومسكنة عليه صلوات الله وسلامه سيد مسكين متواضع عزيز كريم على نبينا صلوات الله وسلامه وحقيقة هو مظهر الكمال الإلهى والكمال الإلهى جمع الجلال وجمع الجمال ونبينا عليه الصلاة والسلام جمع الأمرين فهو الضحوك القتال عليه الصلاة والسلام وهو الذى يغلظ على الكافرين والمنافقين وهو الذى بالمؤمنين رؤوف رحيم عليه الصلاة والسلام فمن صفات الإبل أخذ العزة والسيادة وفى ذلك إشارة إلى ما سيحصل له عليه الصلاة والسلام من علو المقام والرتبة فى الدنيا والآخرة ومن صفات الغنم أخذ المسكنة والتواضع والليونة على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه عزيز متواضع لين ولا يوجد أحسن من هذا وصف تواضع مع عز عز فى تواضع هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام وسأقرر هذا إن شاء الله بعد الانتهاء على ما يتعلق بالغنم سأقرر هذا بأحاديث صحيحة أن النبى عليه الصلاة والسلام رعى الإبل كما رعى الغنم وهذا مما انفرد به نبينا عليه الصلاة والسلام فمن قبله رعوا الأغنام وأما هو فقد رعاها وقد رعى الإبل أيضا على نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.(145/28)
أما الغنم إخوتى الكرام حقيقة الذى يعنى يرعاها ويعتنى بها تحصل فيه السكينة والليونة والرحمة والرأفة لهذا الخلق الذى فيها ولما تحتاجه أيضا من رأفة ورحمة وشفقة وحنو ورعاية وقد جعل الله فى الغنم سكينة وبركة خاصة لا توجد فى غيرها ومن رعاها وأشرف على خدمتها وتربيتها تسرى إليه تلك البركة بإذن الله جل وعلا وقدرته ولطفه وتوفيقه أما الغنم فهى مباركة هذا بنص كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وقد بوب أئمتنا على الغنم أبوابا فى كتب الحديث فاستمعوا للطافتهن وذكائهن فى تلك التراجم.(145/29)
يقول البخارى فى كتاب الأدب المفرد صفحة أربع وثمانين باب الغنم بركة ويقول الحافظ ابن حجر فى المطالب العالية فى زوائد المسانيد الثمانية فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وثلاث مائة باب تسمية الشاة ببركة سبحان ربى العظيم يعنى أنا أعجب للسفهاء فى هذه الأيام الذين ينكرون علينا أن نقول إن المؤمن مبارك والنبى عليه الصلاة والسلام يجعل البركة فى الشاة وأما بركة المؤمن حيا وميتا فسيأتى الكلام عليها فى البحث الذى أشرت إليه ووعدت به وأقطع به إن شاء الله لغط اللاغطين وإرجاف المرجفين الذين ينسبون أنفسهم إلى السلف ولا سلف لهم إلا الخوارج والذين يدعون التوحيد ثم بعد ذلك يكرون على العبيد بالتضليل والتسفيه ولا ضال غيرهم ونغمة التوحيد كما قلت التى يدعى إليها من يدعى فى هذه الأيام قد ادعاها قبلهم المعتزلة فنسبوا أنفسهم إلى ذلك وكانوا يسمون أنفسهم أهل التوحيد والعدل المعتزلى لا يسمى نفسه إلا بهذا أهل التوحيد والعدل وكل من جعل لنفسه لقبا خاصا تميز به عن عامة المسلمين فاعلم أنه على ضلالة ولذلك قال شيخ الإسلام إمام دار الهجرة الإمام مالك ابن أنس قال أهل السنة ليس لهم لقب يعرفون به لقب خاص وجماعات يتمايزون بها عن غيرهم ليس لهم لقب خاص نحن ديننا يقوم على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك اصطلاحات حدثت من هنا وهناك ليس لهم لقب خاص أما أنه يأتى المعتزلى ويدعى أنه أهل التوحيد والعدل ويأتى محمد ابن التومارت الذى ادعى أنه المهدى فى بلاد المغرب فى القرن الخامس للهجرة وادعى أنه على التوحيد وأنه أهل التوحيد وكان يسمى جماعته بالموحدين هذه دعاوى المبطلين فى كل حين ولا لقب لنا ننتمى إليه إلا لقب أهل السنة والجماعة حسبما كان عليه سلفنا الكرام وأئمة الهدى.(145/30)
الشاة فيها بركة وبركة الشاة هذا يعنون به بهذا العنوان إمام أهل السنة وشيخ المحدثين وسيد المسلمين الإمام البخارى والإمام ابن حجر فى المطالب العالية تسمية الشاة ببركة وقد صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك فاستمع للأحاديث التى تدل على بركة الشاة وقد اختار الله جل وعلا لأنبيائه رعاية الشاء لما فيها من بركة تسرى إلى من يرعاها بإذن خالقها ومولاها ثبت فى سنن ابن ماجة فى كتاب التجارات باب اتخاذ الماشية والحديث إخوتى الكرام إسناده صحيح ورجاله ثقات كما قال الإمام البوصيرى فى الزوائد انظروا كلامه فى الجزء الثانى صفحة ست ومائتين والحديث فى سنن ابن ماجة فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وسبعين وسبعمائة وانظروا الزوائد للإمام البوصيرى فى الجزء الثانى كما قلت مائتين وستة إسناده صحيح رجاله ثقات ولفظ الحديث عن أم هانىء رضى الله عنها وأرضاها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها يا أم هانىء اتخذى غنما فإن فيها بركة والحديث رواه الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد فى الجزء السابع صفحة أحدى عشرة بلفظ تخذوا الغنم فإنها بركة [حان آذان العشاء أكمل هذا بعد الآذان إن شاء الله] .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.(145/31)
إخوتى الكرام: هذا تصريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر بكون الغنم مباركة اتخذوا الغنم فإنها بركة والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند انظروه فى الجزء السادس من المسند صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة ست وستين فيه موسى ابن عبد الرحمن ابن أبى ربيعة لم أعرفه ولفظ الحديث عن أم هانىء أيضا رضى الله عنها وأرضاها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اتخذى غنما فإنها تغدو بخير وتروح بخير والحديث رواه الخطيب البغدادى أيضا فى تاريخه فى الجزء الثامن صفحة اثنتين ومائتين من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأم هانىء يا أم هانىء اتخذى غنما فإن فيها بركة فإنها تغدو بخير وتروح بخير.(145/32)
وقد صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الغنم من دواب الجنة ثبت الحديث بذلك فى سنن البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء الثانى صفحة تسع وأربعين وأربعمائة والحديث رواه ابن عدى والخطيب فى تاريخ بغداد ورواه البزار كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الثانى صفحة سبع وعشرين وانظروا فى كشف الأستار عن زوائد مسند البزار فى الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين ومائتين والحديث روى من طرق وإسناده حسن عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الغنم من دواب الجنة فامسحوا رعامها وصلوا فى مرابضها فامسحوا رعامها والرعام ما يسيل من أنفها فامسحوا رعامها وصلوا فى مرابضها المكان التى تربض فيه وتجلس فيه وتستقر هذا مكان مبارك وهى بركة وإذا رأيت ما يسيل من منخريها امسحه هذا كلام النبى عليه الصلاة والسلام فامسحوا رعامها رفقا بها ورحمة ولما فيها من خير وبركة ولا تتأفف هذه مباركة هذه من دواب الجنة فإذا رأيتها ويسيل منها هذا المخاط امسحه بيدك هكذا طلبا للأجر عند الله وامتثالا لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام فامسحوا رعامها والحديث فى درجة الحسن وصلوا فى مرابضها قال الإمام ابن الأثير فى النهاية فى غريب الحديث فى الجزء الثانى خمس وثلاثين ومائتين صفحة خمس وثلاثين ومائتين الرعام ما يسيل من أنوفها وقد يتأفف الإنسان وأنا أعجب لمن غلظت أكبادهم فى هذا الحين إذا كان رعام الغنم نمسحه بأيدينا ألا نتبرك بعد ذلك بفضل سؤر المؤمن إذا شرب من ماء سبحان ربى العظيم والبركة التى فى الغنم دون دون ما فى المؤمن من بركة بكثير كما سيأتينا بركة المؤمن بعون الله جل وعلا فى الموعظة التى أشرت إليها فامسحوا رعامها وصلوا فى مرابضها والحديث رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير من رواية ابن عمر والرواية المتقدمة قلنا من رواية أبى هريرة أوليس كذلك ورواية أبى هريرة قلت إسنادها حسن مروية من طرق والرواية الثانية فى معجم الطبرانى(145/33)
الكبير من رواية ابن عمر رضى الله عنهما قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول عليكم بالغنم فإنها من دواب الجنة فصلوا فى مُراحها بمعنى مرابضها المكان التى تستريح فيه فصلوا فى مراحها وامسحوا رعامها قال الإمام الهيثمى فى المجمع فيه صبيح الرواى عن ابن عمر لم أجد من ترجمه وقد ثبت فى سنن ابن ماجة من رواية ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الشاة من دواب الجنة لكن فى الإسناد زربى الأسدى وهو ضعيف كما قال الحافظ فى التقريب أخرج حديثه الترمذى وابن ماجة فهو من رجال الترمذى وابن ماجة الشاة من دواب الجنة وهناك عليكم بالغنم فإنها من دواب الجنة فصلوا فى مراحها وامسحوا رعامها صلوا فى مراحها صلوا فى مرابضها فهذه بركة وليس حالها كحال الإبل التى خلقت من الشياطين كما أخبر عن ذلك نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وسأذكر ما يشير إلى هذا إن شاء الله عما قريب فشتان شتان هذه مباركة من دواب الجنة صلى فى مرابضها وإذا رأيت هذا الرعام يسيل ومن أنوفها فامسحه ولا تتأفف من ذاك واطلب الأجر من ربك جل وعلا.(145/34)
وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام فى أحاديثه الكثيرة المتكاثرة عن وجود البركة فى الغنم ففى سنن ابن ماجة ومسند أبى يعلى من حديث عروة البارقى والحديث قال عنه الإمام البوصيرى فى الزوائد فى الجزء الثانى صفحة ست ومائتين هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بجميع رواته ولفظ الحديث كما قلت عن عروة البارقى رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود فى نواصى الخيل إلى يوم القيامة الإبل عز لأهلها {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} الخيل عز لأهلها الإبل عز لأهلها والغنم بركة الله يقول فى سورة النعم التى هى سورة النحل {والأنعام خلقها لكم فيها دفء} الأنعام جمع نعم وهى تطلق على خصوص الإبل ولا تطلق على غيرها من بهيمة الأنعام إلا إذا كان معها إبل يعنى لا يقال للغنم أنعام إذا كان معها إبل وتطلق على خصوص الإبل {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون *ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون *وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود فى نواصى الخيل إلى يوم القيامة وهذا الحديث إخوتى الكرام رواه البزار أيضا كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الخامس صفحة تسع وخمسين ومائتين من رواية حذيفة لكن فى إسناد الحسن ابن عمارة قال عنه الإمام الهيثمى فى المجمع ضعيف قال عنه الحافظ فى التقريب متروك أخرج حديثه الترمذى وابن ماجة وكان قاضى بغداد الحسن ابن عمارة.(145/35)
والأحاديث فى ذلك كثيرة إخوتى الكرام ففى مسند البزار بسند رجاله رجال الصحيح غير عبد الله ابن عبد الله الرازى وهو ثقة كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع وهو صدوق كما قال الحافظ فى التقريب وقد أخرج حديثه وأهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى من رواية البراء ابن عازب رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول الغنم بركة والحديث رواه أبو داود بإسناد حسن فى سننه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه سأل عن الصلاة فى مرابض الغنم الحديث من رواية البراء ابن عازب أيضا لكن هناك رواية البزار الغنم بركة وهذه رواية أبى داود سأل عن الصلاة فى مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة وحقيقة فيها بركة وهى مباركة.(145/36)
وقد قال حبر الأمة وبحرها ترجمان القرآن عبد ابن عباس كما فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى صفحة أربع وثمانين قال ابن عباس رضى الله عنهما عجبت للكلاب والشاء يعنى الغنم إن الشاء يذبح منها فى السنة كذا وكذا ويهدى كذا وكذا والشاء أكثر منها والكلب تضع الواحدة كذا وكذا وهى قليلة يعنى الكلبة عندما تلد تلد عدد ثلاثة أو أكثر والغنم الغالب على ولادتها واحدة وإن زادت إلى اثنين وما زاد على اثنين فى حكم الندرة ثم يذبح منها فى العام كذا وكذا وما يخلو يوم من ذبح مئات بل ألوف وإن قلت ملايين لا تبالغ1:22:15 ومع ذلك سبحان من بارك فيها لو أن هذا الذبح استعمل فى الكلاب لما بقى كلب من زمن يعنى هى يعنى مع عدم إعمال السكين فيها وأكل لحمها سبحان من قلل عددها يقول ابن عباس رضى الله عنه عجبت للكلاب والشاء حقيقة أمر عجيب لكن هذا بارك الله فيه وما بارك الله فيه لا يمكن يعنى أن ينقطع ولا أن يقل هذا مبارك وأما تلك فهى نحسة نجسة نعوذ بالله منها شر المخلوقات فلذلك ما وضع الله فيها البركة فما كثرة توالدها ترى قلة عددها الكلاب وأما هذه مع قلة عدد توالدها سبحان الله تنمو كما ينمو الدود الغنم من أين تأتى تأتى من عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى بغير حساب الغنم سأل عن الصلاة فى مرابض الغنم قال صلوا فيها فإنها بركة ولذلك اختار الله لأنبيائه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه ورعاية الغنم من أجل أن يحصل فيهم هذه البركة ولأجل أن يحصل فيهم هذا الخلق الكريم فى رعاية هذا الحيوان البهيم الذى هو مبارك مسكين أنيس هو خير الحيوانات وأكثرها أنسا ولطافة اختار الله لأنبيائه هذا ثم بما أنها فيها هذا الأمر تحتاج إلى حنو سعة صدر حسن رعاية ضعيفة انقض عليها الذئب يأكلها من أولها لآخرها أما الإبل إذا رآه الذئب يهرب منه لو أن الذئب اقترب من الإبل لضربه بيده فقطعه قطعا لا تعد ولا تحصى أما هذه المسكينة قد يأتى يعنى ذئب واحد(145/37)
إلى زريبة غنم لا يترك منها شاة حية فتحتاج إلى رعاية إلى حنو إلى الشفقة يعنى مدة حراستها ورعايتها وهكذا دعوة الله تحتاج إلى مواصلة ومواظبة ليس هناك غفلة ولا دعة ولا راحة {يا أيها المدثر *قم فأنذر} ليس هذا وقت تدثر ووقت راحة ووقت كسل ووقت فتور هذا وقت جد ونشاط وأنت كنت ترعى الغنم ثم أكرمك الله جل وعلا بعد ذلك برعاية الإبل ليحصل فيك وصف السيادة كما قلت وهذا حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم ثم رعى الإبل كما سيأتينا هذا فى الحديث الصحيح إن شاء الله.
إخوتى الكرام: لذلك كما قلت اختار الله لأنبيائه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه رعاية الغنم ليحصل فى الأنبياء السكينة الرحمة الرأفة الرعاية التامة للأمة وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن كل من رعى الغنم وكان معها سيكون فيه سكينة هذا الوصف سينتقل إليه وكما قال أئمتنا الصاحب ساحب إلى الخير أو إلى الشر وأنت عندما تكون مع هذه الحيوانات الأليفة المسكينة الطيبة السكينة ستسرى فيك تلك السكينة وسينتقل إليك ذلك الخلق.(145/38)
ثبت فى المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام مالك فى الموطأ والإمام الترمذى من رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول السكينة فى أهل الغنم والفخر والخيلاء فى أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر السكينة فى أهل الغنم والفخر وهو تعداد محاسن الآباء على حسب أعراف الجاهلية والخيلاء التعالى والتكبر على الناس فى أهل الخيل والإبل الفدادين جمع فدان والفدان هو الذى يعلو صوته فى إبله وخيله وحرثه مأخوذ من الفديد وهو الصوت الشديد الفخروالخيلاء فى أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر وأهل الوبر لأن الغالب على من يرعى الإبل أن يكون فى البادية يقال بمقابل الحاضرة الذين يقال لهم أهل المدر مدر ووبر أهل الوبر فيهم فخر وخيلاء أهل الخيل والإبل الفدادين الذين يصيحون بأصواتهم فى هذه الإبل عند زجرها وجمعها ورعايتها.
وفى بعض روايات صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال الفخر والخيلاء فى أصحاب الإبل والسكينة والوقار فى أصحاب الشاء وثبت فى المسند والصحيحين من رواية ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن القسوة وغلظ القلوب فى الفدادين كما قلت جمع فدان وهو الذى ينعق ويصيح ويرفع صوته إن القسوة وغلظ القلوب فى الفدادين عند أصول أذناب الإبل فاختار الله لأنبيائه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه رعاية الغنم ليكون فيهم السكينة والرحمة وحسن الرعاية والتعهد التامين أما الإبل الغالب كما قلت من كان معها ورعاها سيصاب بجفاء وغلظة ويحتاج رعايتها إلى البعد عن المدر واللحوق بأهل الوبر ومن بدا جفا كما قال المصطفى عليه صلوات الله وسلامه.(145/39)
ولذلك ثبت فى المسند وسنن أبى داود والنسائى والترمذى والحديث رواه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى وانظروه فى الجزء العاشر فى السنن الكبرى صفحة واحدة ومائة ورواه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله وأبو نعيم فى حلية الأولياء من رواية ابن عباس رضى الله عنهما والحديث صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتَتَن ومن أتى السلطان افتُتِن من سكن البادية جفا أى صار فيه جفاء وبعد عن العلم لما فى تلك الحالة والطبيعة من غلظ وقسوة إبل وبادية كيف سيكون حاله ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن افتتن قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب والحديث قال وفى الباب عن أبى هريرة رضى الله عنه وحديث أبى هريرة الذى أشار إليه الترمذى رواه الإمام أحمد أيضا فى المسند والبزار ورواه أبو داود فى سننه والبيهقى فى السنن الكبرى من رواية أبى هريرة كما قلت رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن ثم زاد جملة رابعة وما ازداد عبد من السلطان دنوة وفى رواية قربى إلا ازداد من الله بعدا.
والحديث أورده الإمام الهيثمى فى المجمع من رواية أبى هريرة وهو فى سنن أبى داود والأصل ألا يورده لأنه يذكر الزوائد على الكتب الستة ثم قال معتذرا الإمام الهيثمى عن فعله قال لم أجده فى نسختى من سنن أبى داود أى هذا الحديث أعنى حديث أبى هريرة نسب إلى أن أبا داود أخرجه لكن لم أجده فى نسختى من سنن أبى داود وهو كما قلت لكم موجود فى سنن أبى داود ثم بعد أن ذكره الإمام الهيثمى قال رواه الإمام أحمد ورواه البزار وقال لم أجده فى نسختى من رواية أبى داود وقلت إنه فى نسخة أبى داود كما أشرت إلى ذلك.(145/40)
إذن من بدا جفا من اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن افتتن وما ازداد أحدا من السلطان قربا ودنوا إلا ازداد من الله بعدا إذن هذا كله يشير إلى أن الغلظ والجفاء والقسوة فى أهل الوبر فى الفدادين ولذلك اختار الله لأنبيائه الطيبين المباركين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه رعاية الغنم ليحصل فيهم السكينة والليونة والرحمة والرأفة وحسن التعهد والرعاية.
إخوتى الكرام: البحث يحتاج إلى يعنى تكملة فيما يتعلق بهذه القضية الأولى لأنتقل بعدها إلى رعاية نبينا عليه الصلاة والسلام للإبل بعد أن رعى الغنم ثم ننتقل إلى الأمر الثانى فيما يتعلق بشهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(145/41)
معاشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه
(حديث ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
معاشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
كنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته الكرام على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكنت أقدم لهذا الكلام مقدمة فيما جرنا إلى الكلام على هذا الموضوع من المبحث الثالث فى الأمور التى يعرف بها صدق نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام ورأيت أن الأمر يطول فى كل موعظة فى تكرار تلك المقدمة لذلك أرى أن ندخل فى هذه الموعظة وفى المواعظ التى بعدها فى الموضوع مباشرة ونكمل ما وقفنا عنده إن شاء الله.(146/1)
إخوتى الكرام: تقدم معنا الكلام على خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أزواجه أمهاتنا الطيبات الطاهرات على نبينا وآل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه وقد قدمت إخوتى الكرام أن أكمل الناس وأفضل المؤمنين أحسنهم خلقا وخير الناس خيرهم لنسائهم ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير المخلوقات وهو أحسن الناس أخلاقا مع الزوجات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد قدمت إخوتى الكرام ما يتعلق بطواف نبينا عليه الصلاة والسلام على جميع زوجاته وتفقدهن لأحوالهن فى جميع الأوقات فما من يوم إلا ويطوف على نسائه عليه الصلاة والسلام ويتفقد أحوالهن كما تقدم معنا هذا وكان يقسم عليه الصلاة والسلام فيعدل مع أن الله جل وعلا ما أوجب عليه القسم كما تقدم معنا هذا بل كان عليه الصلاة والسلام يعدل فى القسم فى الحضر والسفر كما بينت هذا ثم انتقلت إلى أمر آخر ألا وهو رعاية نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا زوجاته الطيبات الطاهرات المباركات على نبينا وأزواجه وصحبه صلوات الله وسلامه وكيف كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقوم على وجه التمام للوفاء نحوهن ويحفظ ودهن فى حال حياتهن وبعد مماتهن كما تقدم معنا تقرير هذا بالأدلة فيما مضى ثم انتقلت إلى الأمر الثالث وكنا نتدارسه وما أكملته ألا وهو حسن عشرة نبينا عليه الصلاة والسلام وكرم معاشرته لزوجاته وملاطفته لهن على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ذكرت حديثا يتعلق بهذا الأمر الثالث فى معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لأزواجه وكيف كان يعطيها العرق العظم للتعرقه فإذا تعرقته أخذه النبى عليه الصلاة والسلام فوضع فاه عليه الصلاة والسلام فمه وضع فيها..(146/2)
وثقه البزار وبقية رجاله ثقات والبزار فى كشف الأستار كما نقل ذلك عنه الهيثمى لكن ذكر هناك إسناد البزار وكلام البزار فى الجزء الثانى صفحة واحدة وتسعين قال ليس به بأس وهذا ما أشار إليه الهيثمى وثقه البزار وضعفه أبو حاتم ليس به بأس والحديث ذكره الحافظ فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة عند غيرة النساء من كتاب النكاح فى صحيح البخارى أيضا فقال رواه البزار ولم ينسب الحديث إلى معجم الطبرانى وقال الإمام ابن حجر رواه البزار وأشار إلى صحته لكن اختلف فى عبيد منه وهو أبوعبيد ابن الصباح اختلف فيه هل هو ثقة أو لا فوثقه كما قلت البزار وضعفه أبو حاتم وأبو حاتم فى العلل فى الجزء الأول صفحة ثلاث عشرة وثلاثمائة يقول الحديث منكر عندما يقول ابن أبى حاتم سألت أبى عنه فقال إنه منكر وقال مرة إنه موضوع بهذا الإسناد وحكم ابن أبى حاتم فى كتاب الجرح والتعديل فى الجزء الخامس صفحة ثمان وأربعمائة على عبيد بأنه ضعيف وهذا الذى يفهم من كلام الإمام الذهبى فى الميزان ومن كلام الحافظ ابن حجر فى اللسان فى الجزء الرابع صفحة تسع عشرة ومائة فذكرا إن من مناكير عبيد ابن الصباح من مناكيره هذا الحديث إن الله كتب الغيرة على النساء وكتب الجهاد على الرجال والإمام العقيلى فى كتابه الضعفاء فى الجزء الثالث صفحة سبع عشرة ومائة فى ترجمة عبيد ابن الصباح يقول لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به وقد ذكر خلاصة ما تقدم الإمام السخاوى فى المقاصد الحسنة فى صفحة ثمان عشرة ومائة والإمام المناوى فى فيض القدير فى الجزء الثانى صفحة خمسين ومائتين وقد ذهب الإمام ابن حبان فى كتابه المجروحين فى الجزء الثانى صفحة سبع وعشرين ومائتين إلى أنه فى رجال هذا الحديث فى رجال إسناده رجل آخر من أجله يرد الحديث لا من أجل عبيد ألا وهو كامل ابن العلاء السعدى التميمى وهو شيخ عبيد ابن الصباح يقول كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل فلما فحش غلطه(146/3)
بطل الاحتجاج به لكن هذا الحكم من ابن حبان على كامل ابن العلاء السعدى التميمى فيما يظهر لم يوافق عليه من قبل أئمتنا ولذلك حكم الحافظ فى التقريب فى تقريب التهذيب بأن كامل ابن العلاء صدوق يخطىء وحديثه فى السن الثلاثة فى سنن أبى داود والترمذى وسنن ابن ماجة.
نعم حول عبيد ابن الصباح كما قلت كلام وقد ذهب شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه رحمة الله وهو آخر شيوخ الإسلام لآخر دولة إسلامية وهى الدولة العثمانية ذهب فى كتابه قولى فى المرأة فى صفحة أربع وعشرين وهو أحسن ما كتب فى ذلك فى هذا الكتاب ذكر مقالتين اثنتين المقالة الأولى فى تعدد الزوجات والمقالة الثانية فى الحجاب ويريد بالحجاب تغطية الوجه فى تقرير تغطية الوجه وأن هذا هو عنوان التزام المرأة وهذا هو الدليل على حيائها وعفتها وفى المقالة الأولى فى تعدد الزوجات وبيان الحكم من ذلك فى صفحة أربع وعشرين من كتابه هذا يقول إسناد الحديث لا بأس به وكما قلت ليس فيه إلا عبيد ابن الصباح والحكم على كلامه على روايته بأنها منكرة أو موضوعة فى الحقيقة فى ذلك شىء من التشدد والغلو نعم غاية ما يمكن أن يقال أنه ضعيف لكن المعنى ثابت وقد كما تقدم معنا مشى حاله عدد من أئمتنا منهم البزار فقال لا بأس به وهذا توثيق ولذلك يقول شيخ الإسلام إسناد الحديث لا بأس به فهو مما اختلف أئمتنا فى تصحيحه فى قبوله والذى يظهر كما قلت والعلم عند الله يعنى أن عبيد ابن الصباح حوله كلام لكن لا يصل إلى درة النكارة ومن باب أولى لا يصل إلى درجة الوضع.(146/4)
ومعنى الحديث ثابت فى شريعة الله فهذا مما ركز فى طبيعة المرأة كما أن الله فرض الجهاد على الرجل وعليه معنى الحديث صحيح أما الحكم على إسناده فقد اختلف أئمتنا نحوه والعلم عند الله جل وعلا ففيما يتعلق بهذا الأثر الذى كثر السؤال عنه فى ذلك الوقت وأما النماذج التى سأذكرها مما كان يجرى فى بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكيف كان يتحمل القصور والتقصير الذى يجرى من نسائه على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه فكما قلت سأحصى ما جرى فى بيته مما يعد بأنه سلبيات لكن كما قلت حوادث فرديات لا تصل إلى العشرات كلها بعد ذلك تعالج على حسب شريعة الله المطهرة وهذا هو حال البشر وقد ان يجرى بين أجلة الصحابة الكرام ما كان يجرى ثم بعد ذلك كل هذا يحسم على حسب شريعة الله والقلوب لا تتأثر وتقدم معنا كان يجرى بين النبى عليه الصلاة والسلام وبين زوجته دع بعد ذلك عما يجرى بين النساء فيقول أعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت على غضبى ثم قالت أجل لكن قلبى يخفق بحبك وهنا كذلك عندما يختصم النساء أحيانا مع بعضهن ويدبرن أحيانا شيئا من المؤامرات والمنازعات يحسم بعد ذلك على حسب شريعة الله ويوضع كل شىء فى موضعه ويصغى الإنسان إلى الحق ويؤوب إليه وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.(146/5)
ثبت فى المسند والحديث فى الصحيحين وسنن الترمذى والنسائى من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله عز وجل إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وتقد معنا إخوتى الكرام عند المبحث الثانى من مباحث النبوة عند تعريف النبى والرسول وتقد معنا النبى هل هو مشتق من النبأ كما تقدم معنا وهو بمعنى الخبر أو من نبا ينبو نبوا على قراءة الهمز وعلى ترك الهمز وقلنا قرأ بالهمز نافع من العشرة يا أيها النبىء كما تقدم معنا وقلت إنه مأخوذ من النبأ والخبر فهو مخبر ومنبىء عن الله وهو مخبَر ومنبَأ من قبل الله وأما النبى بترك الهمز أما أن يكون من باب التسهيل فمعناه بمعنى الخبر وأما كما قلت من نبا ينبو نبوا إذا علا وارتفع قدره وقلت المعنيان حاصلان فى رتبة النبوة فهو منبأ من قبل الله ومنبىء عن الله وهو صاحب مقام عظيم فرتبة النبوة هى أشرف الرتب عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى والنبى هو أفضل أمته بلا نزاع ولا يصل ولى إلى رتبة نبى مهما علت رتبة الولى على أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه تقد معنا إخوتى الكرام عند تعريف النبى ذكر هذه الآية التى هى من سورة التحريم {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم*قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم *وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} فهو منبىء عن الله ومنبأ من قبل الله جل وعلا.
وتقدم معنا ثلاثة أسباب لنزول هذه الآية الكريمة من كلام ربنا الوهاب قلنا السبب الأول وبينت الآثار وتخريجها عند المبحث الثانى.(146/6)
السبب الأول: فى تحريم نبينا عليه الصلاة والسلام على نفسه سريته جاريته وهى سيدتنا الطيبة الطاهرة مارية أم سيدنا إبراهيم على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه وسبب هذا التحريم تظاهر أيضا زوجتين من أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام عائشة وحفصة رضى الله عنهم أجمعين ثم نفذت بعد ذلك هذه القضية من قبل حفصة فى نهاية الأمر عندما باشر نبينا عليه الصلاة والسلام سريته فى بيت حفصة وعلى فراشها وفى ليلتها فلما علمت بذلك قالت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلت معى ما لم تفعله مع نسائك فى بيتى وعلى فراشى وفى ليلتى وهى كان بينها فى الأصل وبين أمنا عائشة رضى الله عنهم أجمعين كما قلت تظاهر من أجل أن يفارق النبى عليه الصلاة والسلام سريته وهى ليست زوجة وألا يعاشرها معاشرة الأزواج ليتفرغ لعشرتهن على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه فلما قالت حفصة ما قالت أراد نبينا عليه الصلاة والسلام أن يطيب خاطرها يعنى هى رأت أنه انكسر خاطرها وأنه كأنه اعتدى على حقها على فراشها وفى بيتها وفى ليلتها قال إننى سأحرم مارية على سريتى لكن اكتمى ذلك ولا تخبرى أحدا لكن هى بينها وبين أمنا عائشة فى الأصل كما قلت اتفاق على ذلك فطارت فرحا وما كتمت السر وذهبت إلى أمنا عائشة وقالت حصل المراد والنبى عليه الصلاة والسلام حرم على نفسه سريته وصلنا إلى ما نريد على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه هذا السبب الأول.(146/7)
والسبب الثانى: أيضا تقدم معنا أن النبى عليه الصلاة والسلام هو الذى سيذكر هنا كان إذا صلى العصر يدخل على نسائه وسيأتينا أحيانا كن يجتمعن أيضا فى الليلة التى تكون ليلتها ثم ينصرفن ويبقى عند التى سيبيت عندها على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه فكان يطوف على نسائه بعد العصر كانت زينب رضى الله عنها وأرضاها تتحف النبى عليه الصلاة والسلام بشراب يحبه وهو العسل فمن أجل هذا الشراب كان يمكث عندها أكثر مما يمكث عند الأخريات الفضليات على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه فتآمرت أيضا عائشة مع حفصة على مكيدة من أجل ألا يستقر النبى عليه الصلاة والسلام كثيرا فى بيت زينب دون يعنى أيضا الآن طلاق ومضرة أما تلك يعنى سرية ابتعد عنها وأما هذه لا تطلقها لكن يعنى لا داعى أن تمكث عندها أكثر مما تمكث عندنا المكيدة هى اتفقتا على أن النبى عليه الصلاة والسلام إذا جاء إلى نسائه كل واحدة تقول له أجد منك ريح مغافير وتقدم معنا المغافير قلنا شراب يسيل كالناطف كالعسل وقلنا هذا يخرج من شجر العضاة وهى قلنا التى تسميه الجرسة العرفط من شجر العرفط وهو شجر عضاه معروف فى البادية يسيل منه مادة صمغية حلوة إذا أكلها الإنسان يتلذذ لكن تتغير راحئة فمه فقالت له نجد منك رائحة مغافير يعنى رائحة كريهة وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يتأذى غاية الأذى أن يوجد منه ريح كريهة فقال عليه الصلاة والسلام يعنى ما يوجد شىء يعنى قالت يعنى ماذا عملت شربت عسلا قال زينب فقط سقتنى العسل قالت لعل نحله جرست العرفط جرست أى أكلت أى عملت فى العرفط بشجر العرفط الذى يخرج المغافير فالنحل أكلت من شجر العرفط من هذا المادة من هذه المادة الصمغية الحلوة التى لها رائحة كريهة فخرج فى العسل رائحة كريهة فجاء لحفصة قالت له ذلك فجاء لأمنا عائشة قالت له ذلك تدبير فقال لن أشرب عسلا عند زينب بعد ذلك هذا الذى حرمه أيضا على نفسه عليه الصلاة والسلام لكن كما(146/8)
كانت حفصة تدبر هذا مع عائشة.
كانت أيضا عائشة تدبر هذا مع النساء البقيات نحو حفصة وهذا سبب ثالث أيضا ورد أيضا أن النبى عليه الصلاة والسلام أحيانا كان يدخل على حفصة ويطيل المكث عندها وتسقيه العسل فكما هى دبرت ما دبرته نحو زينب أمنا عائشة رضى الله عنها اتفقت مع سودة وصفية قالت لهن إذا دخل النبى عليه الصلاة والسلام بعد مجيئه من حفصة كل واحدة تقول له أجد منك ريح مغافير سيقول أكلت عسلا نقول له لعل نحله جرست العرفط لا تشرب عند حفصة عسلا فجاء إلى سودة قالت له ذلك جاء لصفية قالت له ذلك جاء لأمنا عائشة عليهن جميعا رضوان الله وعلى نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه قالت له ذلك قال لن أشرب عسلا عند حفصة يعنى كما هى تدبر يدبر لها أيضا لكن كما قلت كل ذلك يعنى يبقى عند يعنى عند حدود معينة وقصور حتما هذا يوقف بعد ذلك عند حده ويوجهن إلى الأكمل فيلتزمن.(146/9)
يقول عبد الله عباس رضى الله عنهم هذه الآثار كما قلت إخوتى الكرام تقدم ذكرها وتخريجها عند المبحث الثانى يقول كنت حريصا لم أزل حريصا على أن أسأل عمر ابن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله عز وجل (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) حتى حج عمر وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل عمر أى عن الطريق من أجل حاجة له وعدلت معه بالإداوة وهى الوعاء الذى يحمل فيه ماء وهذا من باب خدمة عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين لأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين يقول فتبرز ثم أتانى فسكبت على يديه وتقدم معنا فعل الصحابة هذا مع النبى عليه الصلاة والسلام واشتقوا منه واستنبطوا منه كما تقدم معنا خدمة المفضول للفاضل وأن هذا ليس خاصا بالنبى عليه الصلاة والسلام فسكبت على يديه فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) يعنى مالت للحق ولانت وانقادت له وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ثم نزل التهديد الذى يخلع القلوب وكل واحدة منها تتمنى لو ضربت رقبتها ما عوتبت بهذا العتاب عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن إلى آخر الآية الكريمة وكان كثير من أئمتنا يقولون هذه الآية أخوف آية عندنا فى القرآن الكريم (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) نساء صالحات طاهرات كريمات مكرمات جرى منهن ما جرى حول تحريم العسل حول عدم المكث مع زوجاته يخاطبن بهذا الخطاب وأنه يعنى إذا انفصلتن عن النبى صلى الله عليه وسلم يعوضه من هو خير منكن فقال عمر وا عجبا لك يا ابن العباس وإنما قال وا عجبا لك تعجبا يعنى كيف خفى عليك هذا وأنت حبر الأمة وبحرها وترجمان القرآن أو وا عجبا لك تعجب عمر من ابن عباس سببه حرص ابن عباس رضى الله عنهما على الفهم(146/10)
والبحث عن دقيق العلم ومعرفة المبهم لأن الله أبهم هنا المرأتين وما عينهما إن تتوبا إلى الله فكأنه يقول لله درك كم تبحث عن هذه الخفايا وتريد أن تقف على حقيقة الأمر ويمكن وهو الذى استنبطه الزهرى وهو الذى معنا الآن فى الرواية أنه قال هذا كراهة لقوله لأن فى ذلك شىء من المنقصة على ابنته وهى حفصة كأنه كره يعنى سؤاله من أجل أن هذه فيه منقصة على ابنته التى هى بضعة منه قال الزهرى كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه يعنى كره سؤاله لكن ما كتم الجواب أخبره بأنها هى حفصة وعائشة رضى الله عنهن أجمعين فقال هما عائشة وحفصة ثم أخذ يسوق الحديث يعنى عمر رضى الله عنه وأرضاه يبين له ما جرى فى تلك القصة قال كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قوله نغلب يعنى نحكم على النساء ولا واحدة تتحكم فى شأننا ولا تصدر رأيا فى أمرنا ثم جئنا إلى المدينة وإذ بنساء الأنصار يتحكمن بالرجال وكل واحد تعطيه آراء وهو ينفذ يقول فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال وكان منزلى فى بنى امية ابن زيد بالعوالى فتغضبت يوما على امرأتى يعنى اشتد غضبه عليها فإذا هى تراجعنى لما انفعل وكلمها وهو مغضب ردت عليه الكلام ويعنى لما تغضب كل هذا وقف عند حدك واتق الله يا عمر من هذا الكلام قال فأنكرت أن تراجعنى يعنى أنت امرأة تراجعينى وأنا الآن قريشى ونحن نغلب النساء وأنت تردين فى وجهى أمر عجيب فأنكرت أن تراجعنى فقالت وهذا كنت ذكرته فى أول مبحثنا هذا فقالت ما تنكر أن أراجعك لم َ أنت تستنكر هذا فوالله إن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره أحداهن اليوم إلى الليل على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.(146/11)
وفى رواية مسند أبى داود الطيالسى قال عمر رضى الله عنه لامرأته متى كنت تدخلين فى أمورنا قالت يا ابن الخطاب ما يستطيع أحد أن يكلمك وابنتك تكلم النبى صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان يعنى أنت إذا كلمناك تغضب وانظر إلى ابنتك تكلم من هو أفضل منك ومن الخليقة كلها حتى يبقى اليوم غضبان وأنت تستنكر كلامنا.(146/12)
وفى رواية يزيد ابن رومان لما كلمته قال فقمت إليها بقضيب فضربتها به فقالت يا عجبا لك يا ابن الخطاب ابنتك تؤذى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنت تستنكر أن نكلمك وأن نراجعك يعنى عجيب لأمرك فانتبه لحال عمر قال فانطلقت حتى دخلت إلى حفصة ليتحقق هذا يوجد فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام ابنتى حفصة تراجع النبى عليه الصلاة والسلام وتؤذيه وتهجره إلى الليل فقلت أتراجعين رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت نعم قلت أتهجره أحداكن اليوم إلى الليل قالت نعم قلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت أنتن تفعلن هذا مع خير خلق الله عليه الصلاة والسلام التى تفعل هذا فى خسران وخيبة أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام فإذا هى هلكت لا تراجعى رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا تسأليه شيئا وسلينى ما بدا لك ولا يغرنك أن كنت جارتك وهى أمنا عائشة رضى الله عنهن أجمعين هى أوسم يعنى أجمل وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة قال وكان لى جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فيأتينى بخبر الوحى وغيره وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدث أن غسان على حدود الشام تنعل الخيل لتعزونا أى تجعل لها نعالا بمعنى أنها تحدوها وتتهيأ لتجهيز الخيل من أجل غزونا وقتالنا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه قال فنزل صاحبى يعنى إلى من العوالى إلى المدينة المنورة إلى مسجد النبى عليه الصلاة والسلام ليتعلم ثم يأتينى بالخبر وأنا إذا نزلت هو يبقى وأتعلم وآتيه بالخبر ثم أتانى عشاء فضرب دارى ثم نادانى فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت ماذا جاءت غسان هذا الأمر العظيم الذى ننتظره جاءت هذه الجحافل من جهة الروم تريد أن تغزو المدينة بل أعظم من ذلك وأهون ووالله أنه أعظم فراق نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا أعظم من مجىء جحافل الكفر لقتال الموحدين(146/13)
طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه هذا أعظم من مجىء الكفار قلت قد خابت حفصة وخسرت وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابى ثم نزلت فدخلت على حفصة وهى تبكى فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدرى هو هذا معتزل فى هذه المشربة وهى الغرفة التى يجلس فيها النبى عليه الصلاة والسلام فأتيت غلاما له أسود فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى قال قد ذكرتك له فصمت عليه الصلاة والسلام فانطلقت حتى إذا أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكى بعضهم فإذا عنده عند المنبر فجلست قليلا ثم غلبنى ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى فقال قد ذكرتك له فصمت فخرجت فجلست إلى المنبر ثم غلبنى ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال قد ذكرتك له فصمت هذه الثالثة فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعونى فقال ادخل فقد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمال حصير قد أثر فى جنبه رملت الحصير إذا ضرفته ونسجته ويقصد بذلك أنه لم يكن على سرير النبى عليه الصلاة والسلام غطاء غير الحصير حصير فقط فوق سريره الخشبى قد أثر هذا الحصير فى جنبه فقلت أطلقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءك رفع رأسه إلى فقال لا فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضبت على امرأتى يوما فإذا هى تراجعنى فأنكرت أن تراجعنى فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هى قد هلكت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كنت جارتك(146/14)
هى أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك فتبسم أخرى فقلت استأنس يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يتمدمد رضى الله عنه وأرضاه ليزيل الغضب عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو استأذان فى الأنس والمحادثة يعنى أتأذن لى أن أتوسع فى الكلام الآن أنا جالس وتكلمت فى قضيتين تغضبت على زوجتى فقالت كذا وقلت لها كذا وقالت كذا ثم جئت إلى حفصة وقلت لها ما قلت استأنس أواصل حديثى وأنت تسمح استأنس يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال نعم قال فجلست الآن مطمئن فرفعت رأسى فى البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة جمع إهاب وتقدم معنا هو الجلد الذى لم يدبغ أو الجلد مطلقا ما يوجد إلا ثلاثة جلود لم تدبغ فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا ثم قال أفى شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى هذه الحياة فقلت استغفر لى يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرا من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله قال الزهرى فأخبرنى عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بى فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنك أقسمت ألا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن كل يوم هذا نحسبه كأنه يقطع منا عضو من أعضائنا فقال إن الشهر تسع وعشرون زاد فى رواية وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة ثم قال يا عائشة إنى ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلى حتى تستأمرى أبويك ثم قرأ {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} قالت عائشة رضى الله عنها قد علم والله(146/15)
أن أبوى لم يكونا ليأمرانى بفرقاه فقلت أفى هذا أستأمر أبوى فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
وفى رواية أن عائشة قالت لا تخبر نساءك أنى اخترتك فقال لها النبى عليه الصلاة والسلام إن الله أرسلنى مبلغا ولم يرسلنى متعنتا.
ستأذن العشاء أكمل هذا بعد الآذان إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا
إخوتى الكرام: هذه الحادثة كانت قبل فرض الحجاب والحجاب فرض فى العام الخامس من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام فهذه قبل هذا التاريخ حصلت ودخل عمر رضى الله عنه على أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام أمهاتنا وكلمهن ثم بعد ذلك وجه الله أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام هذا التوجيه فاستقمن ورجعن إلى الله جل وعلا فكان ماذا طبيعة البشر أن يخطىء ونبينا عليه الصلاة والسلام عندما قابل ذلك الخطأ بأن حرم ما حرمه على نفسه من شرب العسل أو سريته عاتبه الله جل وعلا وأمره أن يكفر عما صدر منه وأن يعود إلى ما كان عليه عليه صلوات الله وسلامه وهذا الحديث إخوتى الكرام تقدم معنا ذكره لكن من رواية مسلم غالب ظنى عند بيان معيشة النبى عليه الصلاة والسلام وماذا يوجد فى بيته من أمتعة وتقدم معنا ضمن تلك الرواية أن عمر رضى الله عنه عندما استأذن كان ذلك الغلام الأسود اسمه رباح تقدم معنا وقال له يا رباح استأذن لى فإنى أظن أن رسول الله عليه الصلاة والسلام ظن أنى جئت من أجل حفصة والله لئن أمرنى أن أضرب عنقها لأضربن عنقها فإذا يأمر نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك الآن أنا أذهب وأقطع رقبة حفصة رضى الله عنها وأرضاها.(146/16)
انظر لهذا الإيمان انظر لهذه الشدة التى ظهرت مع ما فيها من كره كيف تظهر معادن المؤمنين وحقائقه والله لئن أمرنى أن أضرب عنقها لأضربن عنقها وهذا فى صحيح مسلم قال ورفعت صوتى وأنه أُذن له لعمر عند ذلك عندما قال عمر هذا وسمعه النبى عليه الصلاة والسلام فإذن الله وأنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أن يخبر الناس انه لم يطلق نساءه أيضا فأذن له وأنه قام على باب المسجد فنادى بأعلى صوته لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وأنه قال له وهو يرى الغضب فى وجهه يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك قال وكلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولى الذى أقول فنزلت هذه الآية آية التخيير {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} وفيه أى فى تلك الرواية التى تقدمت معنا فى صحيح مسلم أنه قال فلم أزل أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك عليه صلوات الله وسلامه وكان من أحسن الناس ثغرا قال ونزلت أتشبث بالجزع وهو الجزع الذى يرقى كما تقدم معنا عليه إلى المشربة إلى الغرفة وهو جزع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشى على الأرض ما يمسه بيده فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كنت فى الغرفة تسعا وعشرين فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين قال ونزلت هذه الآية {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} قال فكنت أنا الذى استنبطت ذلك الأمر فأنزل الله عز وجل آية التخيير {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} إلى آخر الآيات.(146/17)
وفى رواية للبخارى ومسلم قال مكثت سنة أريد أن أسأل عمر ابن الخطاب عن آية وهذا هو ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فما أستطيع أن أسأله هيبة له وهذا حقيقة هو إجلال طلبة العلم للعلماء عندما كانت القلوب طاهرة نقية والسؤال مطلوب لكن لا بد أيضا من الوقوف عند الحد والإكثار من الأسئلة لا سيما إذا كنت أحيانا أسئلة من باب التعنت فهذا كله مذموم شنيع مكثت سنة أريد أن أسأل عمر ابن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا قال فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبى عليه الصلاة والسلام من أزواجه فقال تلك حفصة وعائشة فقلت والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندى من علم فسلنى فإن كان لى به علم خبرتك به ثم قال عمر رضى الله عنه والله إن كنا فى الجاهلية ما نعد للنساء أمرا فى رواية ما نعد النساء شيئا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم قال فبينا أنا فى أمر أتأمره يريد يعنى أن يخطط له أمر من أموره إذ قالت امرأتى لو صنعت كذا وكذا فقلت لها مالك ولما هاهنا فيما تكلفك فى أمر أريده لم َتتكلمين فقالت لى عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة فقال لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله عليه الصلاة والسلام يا بنية لا يغرنك هذه التى أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها يريد عائشة قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتى منها فكلمتها انظر لجواب أمنا أم سلمة فقالت أم سلمة عجبا لك يا ابن الخطاب دخلت فى كل شىء حتى(146/18)
تبتغى أن تدخل بين رسول الله عليه الصلاة والسلام وبين أزواجه قال فأخذتنى والله أخذا كسرتنى به عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها وكان لى صاحب من الأنصار إذا غبت أتانى بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا منه فإذا صاحبى الأنصارى يدق الباب فقال افتح افتح فقلت جاء الغسانى قال بل أشد من ذلك اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت رغم أنف حفصة وعائشة فأخذت ثوبى فخرجت حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشربة له وهى الغرفة كما تقدم معنا يرتقى عليها بعجلة وهى الدرج من جزع النخيل وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة فقلت قل هذا عمر ابن الخطاب فأذن لى بعد أن استأذن ثلاثا كما تقدم قال عمر فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد أن تدخل بين رسول الله عليه الصلاة والسلام وبين أزواجه ما كفاك أنك تدخل نفسك بكل شىء حتى فى هذه القضية الخاصة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه على حصير ما بينه وبينه شىء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن عند رجليه قرظا مصبورا وروى مضبورا يعنى جلدا مجموعا مجتمعا على بعضه وعند رأسه أُهب أَهب جمع إهاب معلقة فرأيت أثر الحصير فى جنبه الشريف عليه صلوات الله وسلامه فبكيت فقال ما يبكيك فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قلت بلى.(146/19)
كما تقدم معنا إخوتى الكرام فى الحادثة الأولى مما كان يجرى من أمهاتنا من قصور وتقصير نحو نبينا عليه الصلاة والسلام فتحمل ذلك ثم بعد ذلك يفأن ويرجعن إلى الحق فكان ماذا وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وهو كما قلت قصور بشرى يعترى البشر فى هذه الحياة ولذلك امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عن المؤمنين وأن يستغفر لهم وأن يشاورهم فى الأمر {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} اعف عنهم فيما يتعلق بحقك استغفر لهم فيما يتعلق بحق ربك فإذا طهروا فأنت قلبك راض عليهم والله قد غفر لهم لاستغفارك تأهلوا الآن لمناجاتك ولمشورتك وشاورهم فى الأمر تطييبا لخواطرهم هذا حال البشر لا ينفك عن قصور وتقصير لكن كما قلت هذا القصور لا بد من علاجه والاعتراف بالخطأ فضيلة والاصرار على الخطأ جريمة ورزيلة فكان يجرى من أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه ما يجرى من قصور وتقصير لكن كما قلت حوادث دون أصابع اليدين فى تلك العشرة الطويلة الطيبة الكريمة يجرى حوادث هذه الحوادث بعد ذلك توجه إلى الصواب وبعد ذلك ينبن إلى الله الكريم الوهاب إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وكل واحدة تعد كل يوم عدا ولما نزلت آية التخيير كلهن قلن ما قالته أمنا الأولى عائشة رضى الله عنها وأرضاها التى بدىء بها أفيك أستشير بل اختار الله ورسوله إذن مما يدل على أن ما جرى دافعه انفعال ظاهرى لا لفساد قلبى هذا الانفعال هذا القصور هذا التقصير يعالج وبعد ذلك زال وانتهى الأمر وهذا القصور كما قلت ليس هو ديدن للإنسان إنما يقع فيه على اختلاف الزمان عند تكرر الأيام هذا حال الإنسان فيقلع ويتوب إلى ذى الجلال والإكرام.(146/20)
هذه الحادثة الأولى إخوتى الكرام وبينت التوجيه نحوها وكما قلت هناك عدة حوادث ستأتينا وكلها يعالجها نبينا عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك تعود الأمور إلى أحسن مما كانت عليه فى الظاهر أما فى الباطن فالأصل إن شاء الله لا يوجد انحراف ولا تغير ولا يعنى تكدر إنما شىء من الانفعال الظاهرى عولج وزال ونسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يجعل سرنا خيرا من علانيتنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا.
اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك واغفر لمن عبد الله فيه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(146/21)
خلق النبي
مع السيدة خديجة (1-2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
خلق النبي مع السيدة خديجة (1-2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد: إخوتى الكرام..
كنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الطيبين الطاهرين المباركين وهذا المبحث قدمت له بثلاثة أمور.
أولها: فى بيان مسكن النبى عليه الصلاة والسلام.
وثانيها: فى بيان أثاث ذلك المسكن.
وثالثها: فى بيان الطعام والقوت الذى كان يقدم فى تلك الحجر المباركة الشريفة الفاضلة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وبعد ذلك الأمر الرابع الذى شرعنا فى مدارسته فى معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لأهله هذا الأمر الرابع الذى ما تقدم من الأمور الثلاثة تمهيدا له كما قلت وقلت إن هذا الأمر الرابع أيضا سيقوم على أربعة أمور أيضا.
أولها: الإثبات الإجمالى بأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو خير الناس لأهله الكرام عليه الصلاة والسلام فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيرهم خيرهم لأهله ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير الخليقة لأهله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.(147/1)
وقلت هذا الأمر سأقرره بأمر ثان: ألا وهو شهادة أعلم الخلق بنبينا عليه الصلاة والسلام وهى أمنا خديجة الطيبة الطاهرة المباركة رضى الله عنها وأرضاها فقد علمت حال نبينا عليه الصلاة والسلام قبل بعثته وقبل أن تتزوجه ثم علمت حاله بعد بعثته وقبل بعثته وبعد أن تزوجته ثم علمت حاله بعد بعثته عندما كانت أيضا زوجة له على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.
والأمر الثالث: فى بيان المعاملة التفصيلية لمعاملة خير البرية مع أهله وأسرته على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.(147/2)
والأمر الرابع: إخوتى الكرام كما تقدم معنا فى استعراض موجز لأحوال أمهاتنا أزواج نبينا وذريته الطيبة المباركة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد كنا نتدارس الأمر الثانى من هذه الأمور الأربعة بعد أن بينت أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق خلقا مع الحق ومع الخلق وبناء على ذلك فهو أحسن الناس والخليقة معاملة لأهله عليه صلوات الله وسلامه قلت وقد شاءت حكمة العليم الحكيم سبحانه وتعالى شاءت حكمة الله لأنبيائه أجمعين أن يقوموا برعاية الغنم لينتقلوا بعد ذلك إلى سياسة الشعوب والأمم وقد جمع الله لنبينا عليه الصلاة والسلام رعاية الغنم مع رعاية الإبل قبل بعثته عليه صلوات الله وسلامه ليجمع بين السكينة والسيادة عليه صلوات الله وسلامه فهو المتواضع وهو السيد سيد ولد آدم ولا فخر على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه واستعرضت إخوتى الكرام عند هذا المبحث بعد ذلك بداية المبحث الثانى الذى يتضمن شهادة أمنا خديجة لنبينا عليه الصلاة والسلام ضمن مراحل أولها فى بيان اختيارها لنبينا عليه الصلاة والسلام زوجا لها قبل أن يبعثه الله نبيا لهذه الأمة المباركة المرحومة وقد تقدم معنا أنها هى التى فاتحته بذلك وعرضت نفسها عليه كما ثبت هذا فى معجم الطبرانى والبزار بسند صحيح كما تقدم معنا وورد أيضا أن النبى عليه الصلاة والسلام هو الذى تقدم لخطبتها وأن أختها أيضا توسطت أيضا فى خطبتها وأن نفيسة أيضا توسطت أيضا فى خطبتها وهذه الأمور الأربعة كلها حاصلة أذكرها وأدلل عليها ثم أجمع بينها وأنتقل بعد ذلك إلى شهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها فى نبينا عليه صلوات الله وسلامه.(147/3)
تقدم معنا إخوتى الكرام فى آخر الموعظة الماضية أنها عرضت نفسها على النبى عليه الصلاة والسلام فقبل وورد فى بعض الروايات أنه هو الذى تقدم ولا معارضة بين الأمر تقدم بناء على عرضها وهى وفت بعد ذلك بوعدها فقامت بإقناع والدها وتم لها ما أكرمها الله به فى الدنيا والآخرة.
ثبت فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والحديث فى مجمع الزوائد فى الجزء التاسع صفحة عشرين ومائتين وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى المجمع والأثر رواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة مختصرا فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وسبعين عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة أى فى الخطبة ويريد أن يقترن بها وأن يتزوجها عليه صلوات الله وسلامه وكان أبوها يرغب عنه أن يزوجه يعنى لا يريد أن يزوجه وتقدم معنا الدافع لذلك هو الدافع المادى فقط فهو فقير عليه صلوات الله وسلامه وهى أبوها أسرة غنية ثرية جدا يرغب عن أن يزوجه فصنعت أمنا خديجة رضى الله عنها طعاما وشرابا كما تقدم معنا فى الرواية الأولى وتلك من رواية جابر ابن سمرة رضى الله عنهم أجمعين فدعت أباها وزمرا من الناس يعنى نفرا وجماعات من الناس وزمرا من الناس من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا يعنى سكروا وفقدوا عقولهم من رؤوسهم فطعموا وشربوا حتى ثملوا فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها لأبيها إن محمدا ابن عبد الله على نبينا صلوات الله وسلامه يخطبنى وهو كما قلنا أكل من اللحم وشرب فثمل إن محمدا يخطبى فزوجنى إياه فزوجها إياه وهو سكران قال فخلقته أى جعلت له الخلوق وطيبته به والخلوق بفتح الخاء وضم اللام خلوق طيب يصنع من زعفران وغيره ويميل لونه إلى حمرة أو إلى صفرة الخلوق ونحن نهينا أن نتطيب بهذا الطيب بالخلوق أى بالطيب الذى يظهر له أثر على الجلد.(147/4)
فقد ثبت فى الكتب الستة إلا سنن ابن ماجة من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل أى أن يتطيب من طيب له أثر من صفرة أو حمرة كما هو الحال فى الزغفران نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل.
وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه وخير طيب الرجال ما خفى لونه وظهر ريحه نهى عليه الصلاة والسلام أن يتزعفر الرجل فهى خلقته يعنى طيبته بالخلوق بالطيب الذى يظهر له أثر فى بشرته على وجهه وعلى يديه وعلى أعضائه وألبسته حلة وهى ثياب من قطعتين من لون واحد وكذلك كانوا يفعلون بالآباء يعنى إذا زوجت البنات يفعل بالأب هكذا يخلق ثم يلبس حلة من قبل ختنه الذى هو زوج ابنته فلما سرى عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال ما شأنى ما هذا الذى حصل فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها إنك زوجتنى محمد ابن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه ولذلك خلقك وألبسك الحلة وعملنا هذه الوليمة فقال أبوها وهو خويلد أنا أزوج يتيم أبى طالب لا لعمرى أنا أزوج يتيم أبى طالب يعنى هذا الفقير أزوجه وأنت تملكين ما يطمع أثرياء قريش ثم أزوجك ليتيم أبى طالب هذه الثروة الطائلة كلها تذهب عند هذا اليتيم على نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنا أزوج يتيم أبى طالب لا لعمرى فقالت خديجة رضى الله عنه أما تستحى تريد أن تسفه نفسك عند قريش يقولون أنت زوجت ثم نكست فلم تزل به حتى رضى رضى الله عنها وأرضاها إذن هو تقدم لكن كما قلت يجمع بين هذا وبين ما تقدم, تقدم بناء على عرضها ورغبتها فتقدم وهى وفت بما وعدت فدبرت هذه الحيلة الشرعية المباركة بحيث اقترنت بخير البرية عليه صلوات الله وسلامه بموافقة والدها عن طريق ما عملته من هذه الحيلة التى لا حرج فى استعمالها من أجل أن تنال موافقة ورضى والدها وقد حصل لها ما تريد وهكذا إخوتى الكرام توسطت أختها وكما قلت توسطت نفيسة وبعدما أقرر هذا نجمع بين هذه(147/5)
الآثار أرسلت نفيسة أن تعرض على النبى عليه الصلاة والسلام فلما قبل لتتحقق وليزداد يعنى الوثوق من موافقة النبى عليه الصلاة والسلام كلمت أختها فكلمته فقبل ثم فاتحته بنفسها ثم هو تقدم عليه صلوات الله وسلامه.
أما عرض أخت خديجة خديجة على نبينا عليه الصلاة والسلام فقد رواه الطبرانى أيضا والبزار وانظروا الأثر فى المجمع فى المكان المتقدم فى الجزء التاسع صفحة عشرين ومائتين كما قلت ورواه أيضا البيهقى فى دلائل النبوة لكن الأثر الأول تقدم معنا أن إسناده صحيح وأما هذا ففيه عمر ابن أبى بكر المؤملى وكان قاضيا فى بلاد الأردن وهو ضعيف متروك ضعفه أبو زرعة وغيره وقال أبو حاتم متروك انظروا ترجمته فى الميزان وفى المغنى فى الضعفاء كلاهما للإمام الذهبى وقد نص الحافظ ابن حجر فى التقريب على أنه متروك وذكره ليميز بينه وبين من يشابهه فى الإسم وليس لهذا رواية فى الكتب الستة وإذا رأيتم ترجمة فى التقريب فى نهايتها تمييز يورده من أجل أن يميز بين هذا الراوى وبين من يشاركه فى الإسم من رجال الكتب الستة ويترجمه عندما يذكره لكن ليس له رواية فى الكتب الستة مترجم فى التقريب وليس له رواية فى الكتب الستة والحديث عن عمار ابن ياسر رضى الله عنهم أجمعين الأول تقدم معنا عن جابر ابن سمرة والثانى عن ابن عباس وهذا عمار ابن ياسر رضى الله عنهم أجمعين ومعناه صحيح يشهد له ما تقدم قال عمار إذا سمع ما يتحدث به الناس من تزوج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها يقول أنا أعلم الناس بذلك أى بتزوج النبى عليه الصلاة والسلام من أمنا خديجة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كنت له خدنا وإلفا فى الجاهلية أى بمعنى صاحبا مقاربا له فى العمر والسن خدنا بمعنى تربا يعنى أنا وهو فى سنن واحدة وأنا صاحب له قبل أن يبعث عليه صلوات الله وسلامه قال عمار ابن ياسر فخرجت معه حتى مررنا على أخت خديجة رضى الله عنها وأرضاها وهى(147/6)
جالسة على أدم على جلد مدبوغ وهى جالسة على أدم فنادتنى نادت عمار ابن ياسر رضى الله عنه وأرضاه فانصرفت إليها ووقف النبى صلى الله عليه وسلم بعيدا كما هى حالته كما تقدم معنا فى الرواية الأولى من رواية جابر ابن سمرة عندما كان شريكه يذهب ليتقاضى الأجرة وهو لا يذهب لأنه يستحى أن يقابل النساء عليه صلوات الله وسلامه وهذا قبل أن يبعث والله جل وعلا رباه فأحسن تربيته ونشأه فأحسن تنشأته وإنك لعلى خلق عظيم عليه صلوات الله وسلامه فقالت أخت خديجة لعمار أما لصاحبك فى تزويج خديجة من حاجة ما له رغبة فى تزوجها وأن تكونه خديجة زوجة له فجاء عمار إلى نبينا المختار عليه الصلاة والسلام حتما قبل أن يبعث فعرض عليه الأمر فقال بلى أريد أن أتزوجها إذا تيسر فأخبر عمار أخت خديجة بذلك فى نفس المجلس فقالت أخت خديجة الأمر مرتب كما قلنا سبقت أيضا بالعرض نفيسة ثم هذه ثم بعد ذلك خديجة الأمر كله مرتب والموافقة حاصلة لكن ما بقى إلا إقناع الولى فقالت أخت حديجة اغد علينا إذا أصبحنا فى اليوم التالى مباشرة تعالى فلا تتأخر يقول عمار فغدوت أنا والنبى عليه الصلاة والسلام أنا ومحمد عليه صلوات الله وسلامه وقد ذبحوا بقرة وألبسوا أباها حلة وضربوا عليه قبة فلما أكلوا من اللحم وشربوا من الخمر وسكروا كلمت خديجة أخاها بأن يزوجها بواسطة أبيها وأن يعرض على أبيها الأمر فى تزويجها من محمد عليه الصلاة والسلام فرضى أخوها بذلك فكلم والده فأجاب فعقد لنبينا عليه الصلاة والسلام ووالدها كما قلت سكران ثم نام بعد أن أكل من الطعام وشرب من الخمر فلما استيقظ وجد فى نفسه الخلوق وهذه القبة ويلبس الحلة قال ما هذه فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها وأختها هذه حلة كساكها محمد ختنك عليه الصلاة والسلام والختن هو الصهر ويقال له ختن لأن قرابته بسبب التقاء الختانين كما قال أئمتنا ليس عن طريق النسب إنما عن طريق المصاهرة والزواج يقال له ختن كساكها محمد ختنك(147/7)
عليه الصلاة والسلام فأنكر ذلك وخرج من بيته يصيح فى شوارع مكة مستنكرا لهذا الأمر حتى أتى الحجر فى الكعبة المشرفة وهو يصيح وأنا ما زوجت محمدا عليه الصلاة والسلام من خديجة فخرجت بنو هاشم فكلموه فقال ما زوجت محمدا عليه الصلاة والسلام من خديجة ثم قال أين صاحبكم الذى تزعمون أننى زوجته فبرز إليه النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا هذا هو فلما نظر إليه قال إن كنت زوجته فذاك تم الأمر وإن لم أزوجه فقد فعلت وزوجته الآن لما نظر إليه عليه صلوات الله وسلامه وهذه الرواية تفيدنا فائدة ثانية وهى أن والد خديجة اقتنع بعد أن صحا سكره بنبينا عليه الصلاة والسلام على وجه التمام وعندما نظر إليه فقال إن كنت زوجته فذاك الأمر تم وانتهينا وإن لم أزوجه فقد زوجته الآن فقد فعلت هو زوج لابنتى وليس عندى اعتراض على ذلك وكما قلت تقدم من نفيسة وهى بنت أمية التميمى العرض على النبى عليه الصلاة والسلام.
والجمع بين هذه الأمور عرضت أمنا خديجة على نفيسة أن تكلم النبى عليه الصلاة والسلام فقبل ثم عرضت على أختها أن تباشر الكلام بنفسها فقبل ثم فاتحته بنفسها فقبل عليه الصلاة والسلام ثم تقدم ودبرت أمنا خديجة رضى الله عنها ما تقدمت الإشار إليه من أجل إقناع والدها رضى الله عنها وأرضاها يجمع بين هذه الأمور الأربعة بهذه الشاكلة عرض من نفيسة ثم من أخت خديجة ثم من أخت خديجة ثم موافقة النبى عليه الصلاة والسلام وتقدم.(147/8)
نعم إن أمنا خديجة رضى الله عنها عرضت نفسها على نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا ينبغى أن تدرج مع الأصناف الثلاثة لتكون رابع الأصناف وهى أشد الأصناف فراسة عندما اختارت خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه وقد ثبت فى سيرة ابن هشام فى الجزء الأول صفحة تسعين مائة أن أمنا خديجة رضى الله عنها قالت لنبينا صلى الله عليه وسلم رغبت فيك لقرابتك وسطتك فى قومك سطة يعنى الشرف والعز والمكانة النبيلة وسطتك فى قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت نفسه عليه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكما قلت إخوتى الكرام الأمور الأربعة حصلت لكن آخرها عرض من أمنا خديجة ثم باشر النبى صلى الله عليه وسلم الخطبة من والدها ودبرت أمنا ما دبرته من أجل إتمام الأمر وقد تم فلله الحمد والمنة.(147/9)
وفيما فعلته أمنا خديجة رضى الله عنها يستنبط حكم شرعى منه ومن أمثاله قرره أئمتنا ألا وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وهذه المسألة من فترة قريبة جرى بحث حولها وكنت مع بعض الإخوة والشيوخ الكرام فى هذه القضية وكأنه كتب عنها فكأن بعض الناس استنكر وقال هل المرأة يجوز أن تعرض نفسها على إنسان من أجل أن يتزوجها قلت وما الحرج لكن لا بد من الضوابط الشرعية يعنى هى تعرض نفسها من أجل صلاح فيه ثم بعد ذلك هو يأتى الأمر من بابه عن طريق الولى لكن هو علم رغبتها وأقنعته أنها تقنع أهلها فليتقدم وهى عليها تدبير الباقى فلا حرج كأن بعض الإخوة يعنى استنكر هذا غاية الاستنكار وقال كيف هذا وكان معنا بعض أيضا الإخوة من الشيوخ ولما بحثنا القضية وذكرت له الأحاديث فى ذلك وأنه حصل هذا كأن بعض الناس سبحان الله يعنى هذا الذى عرضت عليه يعنى يريد أن يجادل حتى لو قلت له الشمس طالعة يقول إذا غمضنا لا نراها طيب أنت لم َ تغمض يعنى أنت لم َ تغمض حتى تقول إذا غمضنا لا نراها إذن ليست طالعة يا عبد الله طالعة ذكرت له بعض الآثار الثابتة فى صحيح البخارى وغيره كما سأقرأ عليكم إن شاء الله وأذكر لكم فقال نعم يعنى هذا عرض لكن هذا العرض بُين يعنى هى تعرض بواسطة وليها هذا معنى الأثر يعنى وليها يأتى يعرض ويتكلم قلت يا أخى لا يوجد دلالى فى الأثر على ذلك أبدا وأنس رضى الله عنه عقب على كلام ابنته كما ستسمعون فى صحيح البخارى عندما قالت وا سوأتاه ما أقل حيائها امرأة تعرض نفسها فقال لها أنس هى خير منك رغبت فى رسول الله عليه الصلاة والسلام فعرضت نفسها عليه فهنا ليس موضوع ولى عرض هى جاءت وعرضت وقد بوب أئمتنا على هذا بابا يشير إلى الجواز وهذا ثابت فى صحيح البخارى أصر هو على رأيه وانفض المجلس على هذا ورأيه باطل قطعا وجزما وأنا لا أعلم خلافا بين أئمتنا الكرام فى هذه المسألة وأن المرأة يجوز أن تعرض نفسها على الرجل الصالح حتما(147/10)
كما قلت بالصفات الشرعية هو قال كيف ستعرض نفسها عليه قلت يا أخى المسألة سهلة يعنى افرض أنها قابلته فى مسجد قابلته فى شارع افرض أنها أرسلت مع يعنى قريب لها قريبة لها كلمت أخته وقالت كلمى فلانا أخاك أننى راغبة فيه يعنى المسألة قلت له سهلة أنت يعنى لازم يحصل خلوة ويحصل ما حرم الله حتى تعرض نفسها عليه لا يلزم هذا على الإطلاق يعنى ودع الناس قلت بعد ذلك فى ستر الله لكن هذا وارد فى السنة الصحيحة وقد وبو عليه أمير المؤمنين فى الحديث الإمام البخارى فى كتاب النكاح بابا فقال باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح هذا فى صحيح البخارى باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.(147/11)
والحديث فى سنن النسائى وبوب عليه باب عرض المرأة نفسها على من ترضاه أى من ترضاه زوجا لها وكفأ لها وهو صالح طيب مستقيم يقول ثابت البنانى كنت عند أنس رضى الله عنه وأرضاه وعنده ابنة له قيل هى أميمة والعلم عند الله ما ورد تسميتها فقال أنس جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألك بى حاجة فقالت بنت أنس ما أقل حيائها وأى قلة حياء فيها ليتنا مكانها يعنى أى قلة حياء فيها أريد أن أعلم امرأة تأتى لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام وتقول ألك بى حاجة فغفر الله لك يعنى ما هذا التعبير ما أقل حيائها وا سوأتاه يعنى كأنها تقول هذه فعلة قبيحة امرأة تعرض نفسها على الرجل طيب ما الحرج هى تعرض نفسها فى حرام أو فيما أحله الرحمن والمرأة إذا كانت زوجة للإنسان كلما عرضت نفسها عليه وتجملت له وكانت عروبا تتصنع له فهذا أعظم لأجرها أما تقول أنا ما أعرض نفسى إذا كان له حاجة يأتى يتعرض لى وإلا لا أريده لا خير فى هذه المرأة ما أقل حيائها وا سوأتاه فقال أنس هى والله خير منك رغبت فى النبى صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها يعنى أنت تعترضين عليها أنت المفضولة وهى الفاضلة والبلاء أن يعترض المفضول على الفاضل هذا البلاء يعنى27:40 رغبت فى النبى عليه الصلاة والسلام فعرضت نفسها عليه ثم أورد بعد ذلك حديثا آخر وهو حديث سهل ابن سعد عندما جاءت امرأة أيضا إلى النبى عليه الصلاة والسلام ووهبت نفسها له وقالت إن كان لك بى حاجة فصوب إليها النظر عليه الصلاة والسلام ثم صرفه فقام بعض الصحابة وقال إن لم يكن لك بك حاجة فزوجنيها إلى آخر الحديث.(147/12)
يقول الحافظ ابن حجر وفى الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه وأنه لا غضاضة عليها فى ذلك وأنا الذى تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار يعنى أنت لست بملزم قد امرأة تعرض نفسها عليك لكن ما عندك استعداد للزواج لكن لا ينبغى أن يصرح لها بالرد يعنى ألا يكسر خاطرها بل يكتفى بالسكوت هى إن عرضت لا غضاضة عليها والحديثان يدلان على ذلك وأنت إن كان لك رغبة صرحت وقلت أنا أرغب منك فيما تقولين وتعرضين وإذا ما لك رغبة اسكت فقط فسكوتك يعلم أنك لا تريد فلا تكسر خاطرها وتقول ما أريد هذا فحقيقة يعنى كسر القلوب من العيوب فلا تكسر خاطرها إذا رغبت فيك فاسكت وهى تعرف المراد فلعل الله يهيأ لها من خير منك وخزائن الله ملأى كما قلت إخوتى الكرام هذا فى فتح البارى انظروا فى الجزء التاسع صفحة خمس وسبعين ومائة وهنا أمنا خديجة رضى الله عنها فعلت هذا.
إخوتى الكرام..
فيمن زوجة خديجة من نبينا عليه الصلاة والسلام ورد فى الآثار ثلاثة أقوال نجمع بينها كما جمعنا فى كيفية عرض خديجة على نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه الذى عرض نفيسة وأختها وهى ثم هو تقد وهنا قيل زوجها عمها وقيل أبوها وقيل أخوها ونجمع بين الأمور الثلاثة والأشخاص الثلاثة فلا تعارض وأما ما ذهب إليه ابن هشام وابن سعد من ترجيح وتصويب كون الولى فى تزوجيها عمها وهو عمرو ابن أسد فبعيد وقيل إن الذى زوجها أخوها وهو عمرو ابن خويلد أيضا بعيد ولا داعى لهذا إنما هؤلاء هم العصبات وهم الأولياء فوالدها هو الذى أبرم عقد النكاح بحضور عمها وبعرض أخيها وموافقته كما تقدم معنا فى بعض الروايات وهؤلاء الثلاثة اشتركوا فى ذلك فلا داعى أن نثبت يعنى وأن نقصر العقد على واحد وأن نقول بقية الروايات يعنى إذن ترد هؤلاء كلهم حضروا العقد فنسب لكل منهم بأنه شارك فى شىء من العقد أنه هو الذى تولى تزويج أمنا خديجة من نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.(147/13)
وهذا كما أن الذى رغب أمنا خديجة فى نبينا عليه الصلاة والسلام متعدد أيضا يعنى الذى عرض متعدد والذى حضر العقد متعدد والدافع فى نبينا عليه الصلاة والسلام رغبات متعددة من جملة ذلك ميسرة رغب أمنا خديجة رضى الله عنها فى نبينا عليه الصلاة والسلام عندما أخبرها أنه صادق أمين وهذا غلامها وقد ذهب معه فى التجارة إلى بلاد الشام وأن الغمام يظلله من الشمس عليه صلوات الله وسلامه وأنه يقل الكلام ويقل اللغو وهذا لا نظير له فى البشر عليه صلوات الله وسلامه حقيقة عندما يعرض هذا الغلام أوصاف هذا الإنسان وهو خير إنسان على نبينا صلوات الله وسلامه يكون فى ذلك دافع فى قلب أمنا خديجة من ميل إليه ميسرة من جملة من رغب خديجة فى نبينا عليه الصلاة والسلام.
وأختها تقدم معنا قالت ما رأيت رجلا أشد حياء ولا ولا ولا من محمد عليه الصلاة والسلام فرغبت خديجة فى ذلك.
منها الثناء العام الذى كان يتميز به نبينا عليه الصلاة والسلام فكان يعرف قبل بعثته بالصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا هذا بأدلته.(147/14)
ومنها أيضا أمر رابع وهو أمر غريب حقا وهذا من البشائر التى فى الكتب السابقة بنبينا عليه الصلاة والسلام لكن النساء استنكرنه وأمنا خديجة رضى الله عنها فى ذلك الوقت فرحت به وسألت ربها أن يكون من نصيبها روى الإمام ابن إسحاق فى المغازى قال كان لنساء قريش عيد يجتمعن فيه فى المسجد فى المسجد الحرام حول الكعبة المشرفة فاجتمعن يوما في يوم العيد فيه فجاء يهودى فقال أيا معشر نساء قريش إنه يوشك فيكن نبى قرب وجوده يوشك يقرب أن يخرج فيكم نبى فيكن يا معشر قريش فأيتكن استطاعت أن تكون فراشا له فلتفعل هذا اليهودى نساء قريش يجتمعن فى المسجد الحرام وجاء ووقف على رؤوسهن وقال يا معشر نساء قريش اقترب خروج نبى منك من قريش وبشر بنينا عليه الصلاة والسلام فى الكتب السابقة وتقدم معنا سابقا عند خاتم النبوة فيما حصل لسلمان رضى الله عنه وأرضاه وأن آخر الأساقفة والقسس قال له لا يوجد أحد على الدين الحق دين النصرانية إنما قد أظل زمان خروج نبى عليه الصلاة والسلام ووصف له نبينا عليه الصلاة والسلام.(147/15)
وهنا هذا اليهودى جاء إلى مكة وألهمه الله هذا الكلام قال يا معشر نساء قريش سيبعث عما قريب فيكم نبى من استطاعت منكن أن تكون فراشا له فلتفعل فلتغتنم هذا قال فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له أنت الآن يهودى وتريد منا يعنى أن نعرض أنفسنا على الرجال وأن نكون فراشا لرجل سيبعث ما يعنى استرحن إلى هذا الكلام قال وأغضت خديجة رضى الله عنه على قوله رضى الله عنها وأرضاها على قول اليهودى ووقع ذلك فى نفسها فلما أرسلت معه غلامها ميسرة وعاد من التجارة وذكر لها صفات النبى عليه الصلاة والسلام ولم يكن نبينا عليه الصلاة والسلام نبأ قالت إن كان ما قاله اليهودى حقا ما ذاك إلا هذا ليس يبعث فينا معشر قريش إلا هذا فتعلقت به وما ملكت نفسها وحقيقة طينة طيبة وقلب طاهر وما تظن أنها ترغب يعنى فى الاقتران به من أجل أنه بشر من أجل شهوة بشرية إنسانية لا ثم لا إنما هذا المعنى لما فى قلبها من طهارة رسخ فى ذهنا نبى سيبعث هنيئا لمن تقترن به اليهودى يقول من استطاعت منكن أن تكون فراشا له فلتفعل فالنساء استنكرن وهى كتمت هذا وسألت ربها أن يكون هذا النبى زوجا لها وما تعلم من هو عليه صلوات الله وسلامه لكن لما ذهب غلامها معه وحكى لها صفاته عليه الصلاة والسلام قالت إن كان ما قاله اليهودى حقا ما ذاك الذى بشرنا به اليهودى إلا هذا إلا محمد عليه صلوات الله وسلامه وفراستها فى محلها رضى الله عنها وأرضاها.
إخوتى الكرام..
كما تعدد من عرض وتعدد الدافع وتعدد العاقد تعدد أيضا من ذهب من قبل النبى عليه الصلاة والسلام معه لإجراء العقد من أعمامه وما قيل إنه ذهب حمزة وذهب أبو طالب رضى الله عن حمزة وعن آل بيت نبينا وصحبه الكرام وعلى نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وأما أبو طالب فقد شاء قدر الله جل وعلا ألا يؤمن {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} سبحانه وتعالى وهو أعلم بالمهتدين.(147/16)
وتقدم معنا أن أعمام النبى عليه الصلاة والسلام أربعة آمن اثنان حمزة والعباس وكفر اثنان أبو لهب وأبو طالب أما أبو لهب فهذا العاتى الشرير الذى كان يبذل ما فى وسعه لإيذاء ابن أخيه نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام وأما أبو طالب فعلى العكس كان يبذل ما فى وسعه لنصرته لكن ما آمن حتى لا يعير من قبل قريش أنه ترك ملة الآباء والأجداد عبادة الأصنام ونسأل الله حسن الختام فذهب حمزة رضى الله عنه وأرضاه وأبو طالب مع النبى عليه الصلاة والسلام نعم إن الذى عقد العقد هو أبو طالب لأنه كما تقدم معنا نشأ فى كنفه وهو بمثابة الوالد له وألقى أبو طالب خطبته الشهيرة فى عقد ذلك الزواج المبارك الميمون فقال الحمد له الذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد ضئضىء بمعنى الأصل والمعدن يعنى نحن من أصل معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا ثم إن ابن أخى هذا محمد ابن عبد الله على نبينا صلوات الله وسلامه لا يوزن برجل ألا رجح به شرفا وفضلا ونبلا وعقلا وهو وإن كان فى المال قُلٌ أى قليل لا يملك منه كثيرا فإن المال ظل زائل وأمر حائل ومحمد عليه الصلاة والسلام من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة وبذل لها ما آجله وعاجله من مال كذا وكذا ومقدار المهر اثنتا عشرة أوقية ونشا وهذه هى مهور أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا الأوقية قلنا أربعون درهما اثنتا عشرة أوقية تصبح أربعمائة وثمانين درهم والنش نصف الأوقية يعنى عشرون المجموع خمسمائة درهم مهر أمهاتنا جميعا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا تحمله أبو طالب فبعد أن تم العقد أرسلت أمنا خديجة وهى مستعجلة لتنال الخير والبركة ممن سيكون نبى هذه الأمة حسب فراستها على نبينا صلوات الله وسلامه فقالت له مر عمك فلينحر بكرا وهى الفتية من الإبل ما يؤخر الأمر وأطعم الناس فى هذا اليوم تم العقد فلا تؤخر البناء والاتصال وهلم فقِل(147/17)
مع أهلك يعنى نم القيلولة وصرت زوجتا لك عمك ينحر بكرا وأطعم الناس وهلم فقل مع أهلك فقال النبى صلى الله عليه وسلم معها فقر الله عينه وفرح عمه فرحا شديدا على نبينا صلوات الله وسلامه.
هذه المرأة الطيبة المباركة الطاهرة العاقلة الفاضلة صاحبت نبينا عليه الصلاة والسلام خمسا وعشرين سنة خمس عشرة سنة قبل بعثته فانظر عند بعثته من سنة خمس وعشرين إلى أربعين وهذا السن فى الإنسان يعنى يظهر ما عنده يعنى قد بعد الأربعين إنسان يتطلع لكن يعنى من خمس وعشرين إلى أربعين هذا سن الشباب وما فى النفس سيظهر وهى صاحبته فى هذه الفترة وهذا كله قبل أن يكون نبيا فتعرف سره وعلنه مدخله ومخرجه كما كانت تعرف أخباره قبل أن تتزوجه بعد ذلك صاحبته فى جميع أحواله وهذا كله قبل بعثته لما نبأ انتبه ماذا جرى اختبرته باختبار كما سيأتينا وقالت هذا ليس بشيطان ثم قالت له أيضا عندما قال لها خشيت على نفسى قالت والله ما يخزيك الله أبدا فيك وفيك وفيك من الصفات النبيلة الطيبة الطاهرة فكيف ينزل عليك شيطان ويقترب منك الشيطان يأتى إلى شياطين الإنس أمثاله {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين *تنزل على كل أفاك أثيم *يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} أما شيطان يأتى لأولياء الرحمن لا يمكن هذا أبدا فانظر لكلامها فى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم انظر لاختبارها وهذا كما قلت هو الأمر الثانى فى مبحثنا فى شهادة أمنا خديجة فى نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.(147/18)
أما كلامها فيه رواه الإمام أحمد فى المسند والشيخان فى الصحيحين ورواه البيهقى فى دلائل النبوة والترمذى فى السنن ورواه عبد الرزاق فى مصنفه وابن حبان فى صحيحه وأبو نعيم فى دلائل النبوة ورواه الإمام أبو بشر الدولابى وقد توفى سنة عشر وثلاثمائة للهجرة فى كتابه الذرية النبوية الطاهرة على نبينا صلوات الله وسلامه وسيأتينا تلخيص ما فى هذا الكتاب عند المبحث الرابع من هذه الأمور فى استعراض أسرة نبينا عليه الصلاة والسلام عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه.(147/19)
ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها وكما قلت هو فى الصحيحين وغيرهما أعلى الأحاديث صحة ودرجة عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت أول ما بدىء برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة وفى رواية الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح هذه هى أول مراتب الوحى وقد استمرت مع نبينا عليه الصلاة والسلام ستة أشهر توطأة لنزول الملك عليه رؤيا صالحة صادقة ما يراه فى نومه إذا استيقظ يراه واضحا جليا واقعا من باب تأنيسه بما سيحصل له عليه الصلاة والسلام ولذلك الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة لأن فترة نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام ثلاثا وعشرون سنة وستة أشهر منها أوحى إليه عن طريق المنام وستة أشهر نسبتها إلى ثلاث وعشرين سنة ست وأربعين شهرا أوليس كذلك يعنى واحد من ستة وأربعين هذا أظهر ما قيل بأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة يعنى أنت شابهت النبى عليه الصلاة والسلام فى هذا الأمر الذى هو حصل له قبل نزول الوحى عليه جبريلعلى نبينا وعليه الصلاة والسلام رؤيا صالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح مثل الفجر الصادق الذى لا لبس فيه ولا إشكال ثم حبب إليه الخلاء عليه صلوات الله وسلامه وهذا حاله وحال الأنبياء وحال الأتقياء فى كل وقت يأخذون بحظهم من الخلوة والعزلة بينهم وبين ربهم جل وعلا وينبغى للإنسان أن يكون له دائما وقت يخلو فيه بربه جل وعلا لا يكون معه فيه لا زوجة ولا ولد ولا أحد من خلق الله ولذلك شرع لنا الاعتكاف والاعتكاف من أفضل العبادات وإذا كنت معتكفا أعظم عبادة تقوم بها الفكر والذكر حتى فى المدارسة العلم والتعلم اتركه وتركه فى وقت الاعتكاف أعظم لك وأنفع لأجرك وأصفى لقلبك هذا الآن وقت(147/20)
الفروق بين
مشتهيات الدنيا ولذات الآخرة
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
الفروق بين
مشتهيات الدنيا ولذات الآخرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
كنا نتدارس مقاصد النكاح والحكم العامة من مشروعيته وقلت له حكم كثيرة غزيرة يمكن أن نجملها فى خمس حكم.
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية.
الحكمة الثانية والفائدة الثانية: إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية.
والحكمة الثالثة: تحصيل الأجر للزوجين عن طريقين اثنين حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته بعد ذلك فى النفقة.
الحكمة الرابعة: تذكر لذة الآخرة وهى التى كنا نتدارسها وما قبلها فقد تقدم الكلام عليها.
وآخر الحكم: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وعشيرته.(148/1)
إخوتى الكرام: كما قلت كنا نتدارس الحكمة الرابعة من مقاصد النكاح وحكمه العامة تذكر لذة الآخرة وتقدم معنا أن شهوة النكاح هى ألذ شهوات الجسد وهى أعظم الشهوات الحسية والنفس البشرية تتعلق بها وإذا كان الأمر كذلك فهذه اللذة كما تقدم معنا التى يقدمها الإنسان على غيرها من المشتهيات المحسوسة فيها كما تقدم نقائص وآفات فإذا كانت النفس تتعلق بها مع ما فيها من نقص وآفات فمن باب أولى ستتعلق بهذه اللذة فى الدار الآخرة إذا لم يكن فيها آفة مكدرة.
وكنا نتدارس إخوتى الكرام العيوب والنقائص والآفات التى تكون فى الشهوة الجنسية فى هذه الحياة وقلت لذلك آفات كثيرة سنتدارس عشر آفات منها تقدم الكلام غالب ظنى على ثمان آفات ووقفنا عند الآفة الثامنة أسرد الآفات باختصار وأتكلم على ما لم نتكلم عليه فيما مضى الآفة الأولى تقدمت معنا إخوتى الكرام قلت صورة قضاء هذه الشهوة صورة ممتهنة الآفة الثانية لا يحصلها الإنسان إلا بتعب وكلفة الآفة الثالثة يترتب عليها تعب وكلفة عليه وعلى زوجه عند قضاء تلك الشهوة كما تقدم معنا يجهدها ويجهد نفسه ويجتهد فى ذلك الفعل الآفة الرابعة قلت إن هذه الشهوة لا تطيب إلا عند الحاجة وهذا من علامات النقص فيها فليست إذن شهوة حقيقية الآفة الخامسة قلت هذه الشهوة وسائر مشتهيات الدنيا حقيقتها تخلص من ألم بألم ودفع تعب بتعب وتخلص من حاجة بحاجة فليست هذه اللذة أيضا كاملة الآفة السادسة قلت مع ما فيها من هذه الآفات النفس لا يقنعها ما يكفيها وهذه هى دار الفقر ودار النقص ولذلك لو حصل منها ما حصل يتطلع ولا يشبع لكن فى الآخرة يوجد ما يشبعه ولا يتطلع إلى غير ما عنده الآفة الثامنة وهى التى كنا نتدارسها قلت يشارك الإنسان فيها الأشرار من بنى الإنسان كما يشاركه فيها البهيم من الحيوان والآفة التاسعة إنها زائلة والآفة العاشرة إذا وضعت فى غير محلها جرت الشقاء عليه وعلى الأمة والناس بأسرهم.(148/2)
الآفة الثامنة: وهى آخر ما تدارسنه إخوتى الكرام قلت هذه الشهوة مما يدل على نقصها ووجود الآفات فيها أنه يشاركك فيها الغواة من العصاة يشاركك فيها المشركون والمشركات يشاركك فيها البهائم والعجماوات بل ربما كان نصيب تلك البهائم منها أكثر من نصيبك بكثير وواقع الأمر كذلك وقلت لكم إن حيوانا صغيرا وهو العصفور أكثر سفادا ووطأ من بنى آدم وهو أكثر الحيوانات على الإطلاق وأكثر المخلوقات على الإطلاق مباشرة وقضاء شهوة وهو صغير الحجم بمقدار ملىء الكف وهذا كما قلت مما يدل على نقص هذه الشهوة وهكذا كما قلت بقية الأمور التى فينا إذا افتخر الإنسان بقوته فالسباع أقوى منه وإذا افتخر يعنى تحمله وحمله فالبغال تتحمل أكثر منه وخلق الإنسان ضعيفا كما قال الله جل وعلا فإذن هذه الشهوة يشاركك فيها شرار الخلق ويشاركك فيها البهائم والمشاركة فى اللذة كما تقدم معنا من علامات النقص فيها وتضعف التلذذ بها لأنها ليست خالصة لك يشاركك فيها الأراذل يشاركك فيها الحيوانات العجماوات نعم إن مشاركة الأضداد لك فى المعنى فى أمر من الأمور يضغف قيمة ذلك الأمر عندك والكفار هم أضداد لنا فهم نجس بص القرآن إنما المشركون نجس والمؤمن طيب طاهر مطيب هذه اللذة اشتركنا معهم فيها هذا مما يضعف قيمتها عندنا مما يضعف القيمة عند الطيبين إن هذه اللذة شاركك فيها هؤلاء الأراذل وهكذا يشاركك فيها أضادك الذين هم فى الصورة والمعنى أيضا وهم الحيوانات أولئك أضداد لنا فى المعنى وصرتهم كصورتنا لكن حقيقتهم تخلف عن حقيقتنا فهم معادن نجسة وهنا معادن طيبة طاهرة وبعد ذلك يشاركك فيها من يخالفك فى الصورة والمعنى من الحيوانات العجماوات كما قلت هذا كله يضعف قيمة اللذة عندك أما هذه اللذة فى الآخرة لا يشاركك فيها حيوان بهيم ولايشاركك فيها كافر لئيم {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك(148/3)