محاضرة ( أحكام تخص المرأة )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أما بعد :.
فإن المرأة تُخاطَبُ بما يُخاطب به الرجل – غالباً – وفي هذا ردٌّ على مَنْ زعموا أن الإسلام هضم المرأة حقوقها ، ولا أدلّ على ذلك مِن قوله صلى الله عليه وسلم : إنما النساء شقائق الرجال رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث حسن .
وقد جاء الخطاب كثيراً في القرآن الكريم للرجال والنساء ، كقوله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:72] .
وقال سبحانه : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء:124].(1/1)
وقال عز وجل : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97] .
حياةٌ طيبةٌ في الدنيا للمؤمنين والمؤمنات ، وأجرٌ بأحسنِ ما عمِلوا في الآخرة .
والآيات في هذا الصّدد كثيرة ، بل إن الخطاب القرآني بعامة – وإن جاء بصيغة المذكَّر – فإنه عام للرجال والنساء ، إلا ما اختصّ به الرجال .
قال ابن القيم : قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكَّرين إذا أُطْلِقت ولم تَقْتَرِن بالمؤنث فإنها تتناول الرجال والنساء ؛ لأنه يُغلّب المذكَّر عند الاجتماع ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] اهـ.
ولكن ثمة أحكام اختصّت بها المرأة ، كما اختصّ الرجل بأحكام أخرى .
أولاً : أحكام الحجاب .
فيجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الحجاب ، وما يتعلق به من شروط الحجاب واللباس ونحوها .
شروط حجاب المرأة ولباسها :
1 - أن يكون ساتراً لجميع البَدَن ، لقوله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59]
فقد كان من المعلوم عندهم أن الحرّة ليست كالأَمَة ، في الْحُكم واللباس ، ولذا قال : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) أي يُعرفن أنهن حرائر ، ولذا كان عُمر رضي الله عنه يضرب الإماء إذا تشبّهن بالحرائر .
فالأمَة في الحدود على النصف من حدِّ الْحُرّة ، وهي كذلك في اللباس إلا أن تُخشى الفتنة .(1/2)
قال ابن عباس - في تفسير الآية - : أمر الله نساء المؤمنين إذا خَرَجْن من بيوتهن في حاجة أن يُغطِّين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً
واحدة .
وقال ابن سيرين : سألت عَبيدة السَّلماني ، فقال بثوبه فغطّى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه .
فهذا يدلُّ على أن غطاء الوجه كان معروفاً عندهم ، بخلاف مَنْ يُفتي بجواز كشف الوجه ناسياً أو مُتناسياً أنه مجمع المحاسن .
ثم إن المرأة إذا تستّرت لم يكن لأهل الريب والفساد والغَزل سبيل إليها ، فالمرأة المحتَشمة تصون عرضها ، وتحمي نفسها ، فلا يجرؤ أحدٌ أن يُكلّمها أو يلتفت إليها .
وقال صلى الله عليه وسلم : المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان . رواه الترمذي
قال القرطبي : أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة ، وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها ، فإنهم اختلفوا فيهما (1) .
وفي هذا ردٌ على منْ قال : إن عورة المرأة مع المرأة مثل عورة الرجل مع الرجل .
__________
(1) وهذا الخلاف ضعيف ، ثم إنهم لم يختلفوا في وجوب تغطية الوجه زمن الفتنة ، بل نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية على أن الأمة إذا كان يُخشى منها الفتنة فإنها تؤمر بالتّحجّب .(1/3)
والصحيح أن عورة المرأة مع المرأة ليست كذلك ، فلا يجوز أن تَرى المرأة من المرأة – أعني الحُرّة من الحُرّة – إلا مواضع الزينة ومواضع الوضوء ، وهو ما يظهر عادة للمحارم ، لقوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31] .
أما حديث أسماء بنت أبي بكر أنها دَخَلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب شامية رِقاق فأعرض عنها ، ثم قال : ما هذا يا أسماء ؟! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يَصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه وكفيه .
فهذا حديث ضعيف فيه سبع علل لا يجوز الاحتجاج به .
ومن أحكام اللباس
أن يكون ساتراً لجميع البدن بما في ذلك اليدين والرجلين :
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه قالت أم سلمة : يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يُرخينه شبرا . قالت : إذا تنكشف أقدامهن . قال : يُرخينه ذراعا لا يَزدن عليه . رواه الإمام أحمد وغيره .(1/4)
وهذا يدلّ على شدّة حرص أمهات المؤمنين والصحابيات على ستر أقدامهن ، مع أن القدم ليس موضع زينة ، بخلاف الساق فهو موضع زينة في السابق ، حيث كانت تُلبس فيه الخلاخيل ، ولذا قال الله : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور:31] .
وفي هذا الوقت حلّت الأحذية محلّ الخلاخيل ، فتُعرف مِشيَة المرأة مِن مِشية الرجل ، بل أصبح صوت مشية بعض النساء مُلفتاً للنظر ، وإذا كانت المرأة نُهِيَتْ عن إظهار صوت ما لا يَظهر للرجال من خلخال ونحوه ، فإن إخفاء صوت ما ظهر من الحذاء آكد .
2 - أن يكون صفيقاً متيناً لا يَشِفّ ، فلا تلبس المسلمة الثياب الشفافة حتى أمام النساء . وفيه قول عمر رضي الله عنه ، وقصة المنذر بن الزبير مع أسماء رضي الله عنها.
وهذا سبق التفصيل فيه هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/85.htm
3 - أن لا يكون ضيقاً يُبدي حجم العورة ، فإن كذلك حرُمَ عليها لُبسُه .
أن لا يكون زينة في نفسه ، وقد قال الله تبارك وتعالى في شأن القواعد من النساء : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:60].
4 - أن لا يُشبه لباس الرجال ؛ لأن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء . رواه البخاري عن ابن عباس
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل .
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء . رواه أبو داود .
5 - أن لا يُشبه لباس الكافرات .(1/5)
فالمرأة المسلمة لها شخصية مستقلة لا تتشبّه بنساء الغرب ، بل تعتزّ بدينها ، وتَفْخَر أنها مسلمة شرّفها الله بالإسلام ، في حين أن غيرها تَشْقَى بدفع ضريبة الحياة المدنية والحضارة المادية .
قال صلى الله عليه وسلم : مَنْ تَشبَّه بقوم فهو منهم .
6 - أن لا يكون لباس المسلمة لباس شُهرة ، بمعنى أن لا يكون ملفتاً للنظر ، تشتهر به بين الناس ، بل تلبس ما تلبس نساء بلدها مِن غير إسراف ولا مَخيلة .
لقوله صلى الله عليه وسلم : مَن لَبِس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة .
ثانياً : - مما تختصّ به المرأة - أحكام الحيض والنفاس .
فيجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الدماء الطبيعية ، وهناك رسالة صغيرة للشيخ العثيمين عن هذا الموضوع .
ثالثاً : أحكام الرضاعة ، وما يتعلق بها .
فتتعلّم ما يتعلّق بالرضاع ، وأنه لا يُحرّم من الرّضاع إلا ما كان خمس رضعات فأكثر ، وأنه يَحرُم من الرّضاع ما يَحرُم من النّسب ، فيجوز للمرأة أن تكشف وجهها لوالدها من الرضاعة ولأخيها من الرضاعة ، وأنه لا يجوز لها أن تتزوّج بإخوانها من الرضاعة ، ولا بآبائها من الرضاعة .
ثالثاً : أحكام الزينة .
قال سبحانه وتعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[الزخرف:18] .
وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حريرا بيمينه وذهبا بشماله فقال : أُحِلَّ لإناث أمتي وحُرِّمَ على ذكورها . رواه أحمد وغيره .
فللمرأة أن تجمّل بالذهب والفضة والحرير ، من غير إسراف ولا مَخيلة ولا طلباً للشهرة .
وتتجنّب المسلمة في الزينة ما حُرِّمَ عليها من التّفلّج ، ونتف الحاجب أو قصِّه
أو حلقِه ، وهو ما يُعرف بالنّمص ، ويلحق به شعر الوجه ، وتتجنّب كذلك الوشم سواء كان في الوجه أو في اليد أو في سائر الجسد .
لأن هذه الأفعال سبب في اللعن ، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله .(1/6)
ولأن هذه الأفعال من تغيير خلق الله ، وفيها طاعة للشيطان ، قال الله تبارك وتعالى حكاية عن إبليس : (وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا) [النساء:119] .
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله . قال : فَبَلَغَ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك ؛ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ فقال : عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل : (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر:7] ، فقالت المرأة : فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن ! قال : اذهبي فانظري . قال : فَدَخَلَتْ على امرأة عبد الله فلم تَرَ شيئا ، فجاءت إليه فقالت : ما رأيت شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك ما جامعتنا .
أي ما ساكَنَتْنا .
وقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته ، فقالت : يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمعّط ( فتمزّق ) شعرها ، وإني زوجتها أفأصل فيه ؟ فقال : لعن الله الواصلة والموصولة . رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا فيمن تساقط شعرها فلم يُرخّص لها ، فكيف بمن تتخذه للزينة فتلبس ما يُسمّى " الباروكة " بقصد التجمّل ؟(1/7)
ولما حجّ معاوية بن أبي سفيان قال وهو على المنبر –وتناول قصة من شعر كانت بِيَدِ حَرَسِيّ– : أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ، ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم . رواه البخاري .
وروى عن سعيد بن المسيب قال : قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قَدمَة قدمها فخطبنا فأخرج كُبة من شعر ، فقال : ما كنت أرى أحدا يفعل هذا غير اليهود ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور ، يعني الوصال في الشعر .
ومما يحرم على المرأة وتتساهل فيه كثير من النساء الخلوة بالسائق الأجنبي .
وإذا كانت المرأة لا تؤدّي فريضة الله - أعني الحج - إذا لم يوجد لها مَحرَم فما بالها بما هو دون ذلك ؟
قال ابن عباس : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة ، وأني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا . قال: انطلق فحج مع امرأتك . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الرجل لم يؤذن له أن يخرج إلى الجهاد في سبيل الله ويترك امرأته تُسافر إلى الحج ، علماً أنه يُريد الخروج إلى عملٍ هو ذروة سنام الدِّين ، ولا يشفع للمرأة أن تقول : إنها تُسافر مع رُفقة صالحة ، أو أنها تثق بنفسها ، أو بسائقها .
وبعض النساء إذا وافق الأمر هواها بحثت عن الفتاوى التي تُبيح هذا الشيء ، وهذا قد سمّاه الله عبادة الهوى ، كما في قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23] .(1/8)
فلتحذر المسلمة أن تجعل هواها إلهاً من دون الله ، فما وافق هواها أخذت به واتّبعته ، وما لم يُوافق هواها ضربت به عرض الحائط ، وبحثت في الفتاوى ما يُوافق هواها .
ومما تتساهل به بعض النساء مصافحة الرجال الأجانب من غير المحارم ، والمقصود بالمحارم مَنْ يَحرُم عليها على التأبيد . يعني مَنْ لا يجوز للمرأة أن تتزوّج بأحد منهم .
وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يُصافح النساء ، سواء كان مباشرة أو مِن وراء حائل ، كما تفعل بعض النساء ، إذا مدّت يدها وضعت طرف عباءتها وما شابه ذلك .
وورد الوعيد الشديد في ذلك ، فقال - صلى الله عليه وسلم - :« لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن تمسه امرأة لا تحل له ».
فيَدُلُّ ذلك على أن هذا الأمر شديد ، وإذا كان كذلك فلا يجوز للمرأة مصافحة الرجال الأجانب ، وقد تقول المرأة : إن هذا مُخاطب به الرجال ، فأقول : إن الحديث دلّ على تحريم مسّ المرأة الأجنبية ، وعليه فلا يجوز للمرأة أن تُمكِّن الرجل مِنْ معصية الله ، يعني أن لا تكون هي سبب للمعصية .
ومما انتشر بين النساء حتى أصبح ظاهرة ملفتة للنظر توسّع النساء في النقاب والبرقع ، والنقاب كان معروفاً عند نساء الصحابة لكنه لم يكن كنقاب النساء اليوم فنقاب اليوم نقاب زينة وفتنة ، لا نقاب ستر وحشمة .
وقد كان الشعراء يتغزّلون بالعيون وحسنهنّ وجمالهنّ ، فهنّ موضع الفتنة ، كما قال جرير :
إن العيون التي في طرفها حَوَرٌ ... قتلننا ثم لم يُحيين قتلانا
وقد وُصِفَتْ العيون بأنها تنطق بما في نفس صاحبها ، كما قيل :
والنفس تعرِفُ من عينيّ محدِّثها ... إن كان مِنْ حِزبها أو مِنْ أعاديها
فإذا كانت المرأة منتقبة ونظرت إلى الرجال نَطَقَتْ أو كادت تنطق عيناها بما في نفسها من الإعجاب ونحوه ، بخلاف ما إذا كانت مستترة فإنه لا يُدرى ما وراءها .(1/9)
والأصل أن المرأة تؤمر بغضِّ بصرها كما يؤمر الرجل ، قال سبحانه : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)
ثم قال بعدها مباشرة : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) [النور : 31]
فَدَلَّ على أن غضَّ البصر سبيل لحفظ الفرج .
ومما ينتشر بين الطالبات على وجه الخصوص الإعجاب بعضهن ببعض ، وهذا يكفي أنه حبٌّ في غير ذات الله ، أي أنه ليس لله .
وقد قال الله في شأن صحبة غير المتّقين ، وفي شأن المحبة التي لغير الله : (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
فتتحوّل العلاقة والمحبّة التي كانت لغير الله إلى عداوة يندم عليها صاحبُها يوم لا ينفع الندم
قال سبحانه وتعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا) [الفرقان:27-29] .
والخُلّة درجة أعلى من المحبّة ، وغالباً ينشأ التعلق والإعجاب من الإفراط في المحبّة وهذا الإعجاب مُحرّمٌ لما يترتّب عليه من تعلّق الفتاة بفتاة مثلها ، ومما يُصاحبُه من محظورات .
ثم إن له من المفاسد الشيء الكثير ، وهو يجرُّ إلى محظورات تعرفها الطالبات
وما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم .
فلتحذر الفتاة المسلمة من هذه العلاقة المحرمة شرعاً ، وقد صدرت فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين بهذا الخصوص .
ثم إن من هذا الإعجاب ما يجرّ إلى إعجاب آخر ، وهو إعجاب الفتاة بأخِ صديقتها ومن ثمّ يجر هذا إلى مفاسد ومحذورات لا تُحمد عُقباها .(1/10)
وللخلاص من هذا الداء ، وهو داء العشق والتعلق بالفتيات أو الفتيان ، أن تتذكّر عيوب مَنْ أعجبها من شاب أو شابّة ، وبالتالي يقلّ الإعجاب ، أو تخفّ حدّته .
وقد ألف ابن القيم – رحمه الله – كتاباً حول هذا الموضوع ، كان تأليفه نتيجة سؤال
عن هذا الداء العضال الذي يصرف القلب عن العبودية لله ، فإن القلب لا يحتمل أكثر من عبودية ، ولذا سمّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم التعلق بشيء من متاع الدنيا عبادة كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - :« تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة ؛ إن أعطي رضي ، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش » رواه البخاري
فالتعلّق بغير الله تعلقاً يصرف القلب عن الله هو في حقيقته عبودية لغير الله .
وإذا قدّم العاشق رضا محبوبه على رضا ربِّه تبارك وتعالى ، وقدّم حقّه على حق مولاه سبحانه ، وآثر رضاه على رضا ربِّه عز وجل ؛ فإن هذا يُعدُّ عند العلماء من الشرك .
قال ابن القيم – رحمه الله – العشق هو الإفراط في المحبة ، بحيث يستولي المعشوق على القلب من العاشق ، حتى لا يخلو من تخيُّلِه وذكره والفكر فيه ، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه ، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القوى ، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يَعُزُّ دواؤه ويتعذر، فتتغيّر أفعاله وصفاته ومقاصده ، ويختلُّ جميع ذلك فتعجز البشر عن
صلاحه ، كما قيل :
الحبُّ أولُ ما يكون لجاجةً ... ... تأتي بها وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لُججَ الهوى ... ... جاءت أمور لا تُطاق كبار
والعشق مبادئه سهلةٌ حلوةٌ ، وأوسطه همٌّ وشغل قلب وسقم ، وآخره عَطَبٌ وقتلٌ ، إن لم تتداركه عنايةٌ من الله ، كما قيل :
وعش خاليا فالحب أوله عنى ... وأوسطه سقم وآخره قتل
وقال آخر :
تولهَ بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجةً ... فلما تمكن منها غرق(1/11)
والذنب له ، فهو الجاني على نفسه ، وقد قعد تحت المثل السائر : يداك أوكتا وفوك نفخ . اهـ(1/12)