الشيخ صالح : النخلة كانت يابسة هذا المشهور عند العلماء ، وأراد الله جل وعلا أن يبين لها كرامتها عنده ،لكن أراد أن يبين لها أن كل شيء ربطه الله بالأسباب ، فأمرها الله أن تهز الشجرة وهو قادر على أن يطعمها من غير هز ، حتى تسعى لها سعياً حثيثاً في طلب ما كُتب لها فلما هزت على ضعفها أثمرت الشجرة وأسقطت ما فيها من ثمر (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) أين الشاهد هنا ؟ هي عملت على ضعف لكن المسألة معجزة وعطاء ، نفع ذلك الضعف ، وإلا في مقاييس البشر لا يمكن أن ينفع ...
ألم ترى أن الله قال لمريمٍ وهزي *** إليكِ الجذع ويتساقط الرطبِ
ولو شاء لأعطاها من غير هزٍ *** ولكن كل شيءٍ له سببِ
الأستاذ معمر تسأل عن قصة سليمان عليه السلام ؟
الشيخ صالح : سليمان لم يمت على كرسيه ، مات متكئً على عصا ، الله جل وعلا قال ({فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }سبأ14) هو لا يتعارض .في أنه خير عليه السلام مابين الحياة والموت واختار الموت ثم قبضت روحه وهو متكئ على منسأته كما أخبر الله أي علا عصاته ثم أراد الله أن يحفظه جسداً لحفظ الله للأنبياء أجساداً سواءً فوق الأرض أو تحتها حتى وهم في القبور محفوظون فأراد الله أن يتكئ على منسأته فتراه الجن فتهابه فلا تزال تعمل تعتقد أنه حي حتى يظهر للناس جهلها وما تزعم في أنها تعلم ، قال الله جل وعلا (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) .(5/29)
الأستاذ معمر جيد ، نعود يا شيخ إلى الآيات ..يقول عز من قائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) آية مهمة جداً ، الواثقة بنصر ربها " جزاها الله خير أوردت موضوع قد يكون إشكال عند بعض الناس أن السورة مكية وهذه الآية مدنية فتسأل كيف آية مدنية والسورة مكية ؟؟
الشيخ صالح : نعم ..الحديث في البخاري عن أبن مسعود أنه ثبت أن السؤال كان في المدينة لكن يجاب بأن سورة الإسراء أكثرها مكي إلا هذه الآية بدلالة حديث البخاري أنها نزلت في المدينة ، ومعلوم أن السور لم تكن تنزل جملة واحدة إلا اللهم ما ذُكر عن سورة الأنعام بأنها نزلت جملة واحدة ..هذا الجواب الأول ..
أما الروح أيها المبارك أختلف فيها ، اختلف أولاً المقصود بالروح قيل أنه عيسى وحجة من قال بهذا القول (كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) وقيل أنه الوحي ({وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}الشورى52) وقيل أنه جبريل({تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}القدر4) لكن هذه الأقوال كلها بعيده والأصل صرفها إلى الروح المعروفة ، و (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) هذا من علم الغيب الذي أستأثر الله جل وعلا به ولم يُطلع عليه أحد من خلقه ، ومُستقرها من حيث الجملة ..أن أرواح المؤمنين في عليين ({كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ }المطففين18) وأرواح الفجار في سجين ({كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ }المطففين7) جاءت آثار صحيحة أن روح الشهيد في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش في الجنة وان روح المؤمن نسمة في جسد طائر ..هذه وردت فيها أحاديث صحيحة .(5/30)
الأستاذ معمر جيد ، بالنسبة يا شيخ للموت معلوم أن انفصال الروح عن الجسد وردت بعض القصص في التاريخ ..بعض القصص الأدبية عن أناس ثبتوا عند الموت أيضاً أناس جزعوا ، لو نذكر طرفاً من هذه الأمثلة .
الشيخ صالح : أبشر ، الموت مخيف..الله جل وعلا سماه مصيبة ولا يوجد أحد يحب الموت كما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ..لأن التعلق بالحياة فطري ، لكن هناك أناس ثبتوا وأناس جزعوا ، ربما يكون كلامي مكرراً .الحمد لله من كثرة المحاضرات لا أدري أين قلت هذا وأين قلت هذا!! ..، لكن نقول مما ذكر ..ذكر أن أحد الرجال الذين حُتم عليهم بالقتل كان فصيحاً قبل أن يُقتل فالحاكم الذي أراد أن يقتله أخرج له كفناً منشور وسل السيف عليه ، أمر الجلاد أن يسل السيف عليه وحفر قبره ، فقيل له ألا تتكلم ؟!! قال أتكلم من أين ؟؟؟ ** قبرٌ محفور .. وسيفٌ مشهور .. وكفنٌ منشور .. ** أين تأتي الفصاحة ؟ لا تأتي فصاحة معذور ..
ومر معنا أن تميم أحد الذي خرجوا على المعتصم كان وسيماً وفي نفس الوقت كان فصيحاً فأراد المعتصم أن يعرف أين لسانه من جنانه ..وقد سل السيف وجيء بالنطع و الجلاد فقال ..
أرى الموت بين السيفِ والنطعِ كامناً *** يلاحظني من حيثُ ما أتلفتوا
وأكبر ظني أنك اليومُ قاتلي *** وأي مريءٍ مما قضى الله يفلتوا
يعزُ على الأوس ابن تغلبٍ موقفاً *** يُسلُ علي السيفُ فيه واسكتُ
وما جزعي من أن موت وإنني *** لأعلم أن الموت شيءٌ مؤقتُ
ولكن خلفي صبيةٌ قد تركتهم *** وأكبادهم من حسرةٍ تتفتتُوا
كأني أراهم حين أُنعى إليهمُ *** وقد خمّشوا تلك الوجه وصوتوا
فإن عِشتُ عاشوا مسالمين بغبطةٍ *** أذودُ الردى عنهم وإن مت ماتوا(5/31)
وقالوا أيضاً ولا أدري إن كنت قد قلتها ، أن رجلاً في عهد معاوية قتل رجلاً قبل عهد معاوية ثم في عهد معاوية حُكم عليه بالإعدام أي بالقتل بالقصاص لما كبر القصّار ، فجيء به في ساحت القصاص ليُقتل فتبعته امرأته تقول له وتخبره بوفائها وحبها له ، فنظر إليها فقال هذا ما صنعت من تريد الحياة !!! فجدعت أنفها ، ثم إنه قُدم فلما جاء أمير البلدة ليحضر وحركت الأبواب وصوت الأبواب يسمى صرير وجاء الحرس ..قال ..
ذا العرش إني عائذٌ بك مقرٌ *** مؤمنونٌ بزلاتي إليك فقيرُ
وإني وإن قالوا أميرٌ مسلطا *** وحُجابُ أبوابٍ لهن صريرُ
لا أعلم أن الأمر أمرك إن تدم*** فربٌ وإن ترحم فأنت غفورُ
وهذا مبلغ عظيم من يستطيع أن يقوله؟!!
الأستاذ معمر يا شيخ صالح نختم بقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) تكرر كثيراً في القرآن الكريم والحديث عنها قد يطول ، لكن دعني أقف وقفة سريعة مع الدجال ، في مسألة دخوله المدينة ومنعه من ذلك ، قبل هذا يا شيخ احمد صبر على الموقع يقول (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) لم تُعقب بجواب فيتساءل عن الحكمة في ذلك ؟
الشيخ صالح : نعم ({يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا }النازعات43 ) كان الجواب بلاغي في أن هذا النبي لا يملك الإجابة ، وهذا نوع من الجواب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ( ما المسئول عنها اعلم من السائل ) ..(5/32)
على العموم أنت قلت الدجال ، المسيح مسيحان ..مسيح ضلالة وهو الدجال ومسيح هداية وهو عيسى ابن مريم عليه السلام ، والأصل في تسميتهما بالمسيح لأنهما يطوفان الأرض ..هذا الغالب ..لكن سنقف باختصار عند مكوث الدجال في المدينة ، المدينة في الجهة الشمالية الغربية منها موقع يقال له ( الجرف ) وهذا الجرف أول من سماه بالجرف هو تُبع اليماني وهي أول قريةٍ معمورةٍ في المدينة ، أول ما سكنت المدينة سكنت الجرف ..هذا الجرف ينيخ الدجال عسكرة عنده ويُمنع من دخول المدينة ، تمنعه الملائكة ، يخرج إليه شاب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الإيمان ليأزرُ إلى المدينة ) هذه المدينة مئولٌ عظيم في العلم والإيمان ، يخرج شاب ..جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( من خير أهل الأرض يوم إذ ) وفي رواية ( بل هو خير أهل الأرض يوم إذ) يخرج لدجال ،أجتمع في هذا الشاب صفتان بهاتين الصفتين يسود الناس يسود من أراد أن يسود ..العلم والإيمان.. فهو على إيماناً واثق يرد به الشهوات وعلى علم يرد به الشبهات فلما خرج والأصل عدم الخروج لدجال لكن هذا الرجل متمكن علمياً وإيمانياً ، ونحنُ نُطالب كل من يتصدر ونطالب الشباب أولاً الذين أحياناً يلقون أنفسهم في مهالك ويلقون في قضايا أحياناً بدون علم وأحياناً بدون إيمان وأحياناً يجتمع إيمان ولا يجتمع علم ، المقصود ..خرج هذا الرجل فيريد أن يقتله من دون الدجال من الخدم والحاشية والحرس فيقولون إن ربكم ..تعالى الله عما يقول الظالمون ..الذي هو الدجال ..قد أمركم أن لا تقتلوا أحداً دونه ,فيأتون به بين يدي الدجال فيسأله الدجال فيقول مما يراه ما ازددت بك إلا إيماناً بأنك كاذب ..أي كفراً بك ..فيقتله الدجال فيقطعه قطعتين ..ثم يمشي بينهما ثم يعيده ..فيقول ما ازددت به إلا كفرا ، لأن العلم الذي يحمله مع الإيمان منعه من أن يأخذ إغراءات الدجال ..(5/33)
ولا يسلط عليه ولكن يقطعه يرميه في شيء ، هذا الرجل الشاب أنموذج مطلوب في قضايا العلم والإيمان ، ثم إن الدجال تنهره الملائكة جهة الشام ..فيتوجه إلى الشام وهناك يُقتل على يد عيسى عليه السلام ..
الأستاذ معمر : قبل أن أختم أنا أشكرك نيابةً عن كل المشاهدين ، وأزف البشرى بتميز هذا الشهر للأخت سهام الحق ..أسأل الله أن يجعل هذا التميز عوناً لها على تقواه وطاعته ..
الشيخ صالح : أبارك للأخت (( سهام الحق )) مباركة جزيلة والأخت حررت معالم بيانيه وهذا جهد كبير تُشكر عليه شكراً جزيلاً ..نسأل الله أن يثيبها مثوبةً حسنة ..
الأستاذ معمر: لقاءنا يتجدد بكم ثاني أثنين في الشهر القادم ..إلى ذلكم الحين أبقوا في حفظ الله ورعايته ..أستودعكم الله ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...........
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/34)
حلقة القطوف الدانية لشهر شوال 1427هـ
الأستاذ معمر : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم وبعد :
مشاهدي الكرام .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. حياكم الله فى حلقة هذا الشهر من برنامجكم (القطوف الدانية) .
أيها الأحبة إن القرآن الكريم هو حجة الرسول وآيته الكبرى يقوم فى فم الدنيا شاهداً برسالته وناطقاً بنبوته ودليلاً على صدقه وأمانته وهو ملاذ الدين الأعلى وعماد لغة العرب الأسمى تدين له اللغة في بقائها وسلامتها وتستمد علومها منه على تنوعها وكثرتها ، هو القوة التي غيرت صورة العالم وحولت مجرى التاريخ وأنقذت الإنسانية العاترة. ،، لذلك كله .. كان القرآن الكريم موضع العناية الكبرى من الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته ومن سلف الأمة وخلفها جميعاً وقد اتخذت هذه العناية أشكالاً مختلفة : فتارة ترجع إلى لفظه وأدائه، وأخرى إلى أسلوبه وإعجازه. ، وثالثة إلى كتابته ورسمه، ورابعة إلى تفسيره وشرحه ... إلخ.
وفي هذه الحلقة سيكون لنا بإذن الله تعالى مزيد عناية بأمرٍ له في القلوب أحسن موقع وأعذب مذاق سنتحدث مع ضيفنا الكريم عن {التقديم والتأخير في كلام العلى الكبير}.
بدايةً أشرف بالحوار في هذا اللقاء وهذه الحلقة مع ضيف البرنامج الدائم فضيلة
الشيخ / صالح بن عواد المغامسي ـ خطيب مسجد قباء بالمدينة النبوية ـ على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا .. فحياكم الله يا شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ معمر وحيا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات.(5/1)
الأستاذ معمر : الترحيب موصول لكم أيها الأحبة .. أشكركم على طيب تواصلكم مع هذا البرنامج. وأرحب بالإخوة والأخوات الذين يتابعونا من خلال موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وأيضاً من خلال المواقع الأخرى .. موقع المسك ، وموقع البث المباشر .. أسأل الله عز وجل أن يبارك لنا جميعاً في هذا اللقاء وأن يجعله حجة لنا لا علينا وأن يوفقنا جميعاً.
الموضوع كما ذكرت آنفاً (التقديم والتأخير في كلام العلى الكبير) .. أرحب بكم جميعاً وأرحب بضيفنا وأستهل لقاءنا بهذا المحور لعل الشيخ يوافقني قبل أن ندخل يا شيخ فى تفصيلات الموضوع في ذكر الآيات التي ورد فيها التقديم والتأخير إذا أذنتم لي أن نبتعد قليلاً عن الطرح الأكاديمي بكون البرنامج برنامج موسوعي ـ إطلالة سريعة عن موضوع التقديم والتأخير فى كلام الله عز وجل ثم نشرع إلى هذه التفصيلات.
تمهيد وتقديم لحلقة التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير
الشيخ صالح : إن شاء الله .. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد :(5/2)
فأولاً : أهنئ من يسمعنا ويشاهدنا بعيد الفطر المبارك وأهنئكم يا أستاذ معمر .. سائلين الله جل وعلا أن يجعله علينا عيد أهل الإسلام عيد خير وبركة. ثم إننا نقول أنه كلما كان الإنسان قريباً دانياً من كلام الله جل وعلا فهذا شرف عظيم وموئل كريم لا يعطى لكل أحد ولهذا لعله من الفعل الحسن أن البرنامج غُير موعده إلى هذا الوقت أو إلى هذا الموعد المحدد الذي أصبح ثاني اثنين من كل شهر ولعل هذا قريب من قول الله جل وعلا : { ثَانِيَ اثْنَيْنِ } (التوبة: من الآية40) وإن كان هناك في الذوات وهنا في الأيام لكن أي قربة من القرآن أمر محمود .. هذا قول إلى أن نزدلف إلى مسألة التقديم والتأخير في كلام العلى الكبير جل جلاله. هذا القرآن هو معجزة نبينا الخالد - صلى الله عليه وسلم - :
الذكر آية ربك الكبرى التي *** فيها لباقي المعجزات هناءِ
جاء النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بحكيم غير منصرمِ
آياته كلما طال المدى جدد *** يزينهن جلال العتق والقدمِ
طرائق التقديم والتأخير في كلام الله عز وجل
التقديم والتأخير يأخذ طرائق متعددة في كلام الله جل وعلا لكني سأشرع في بيان مجملها
(1) أحياناً يكون التقديم فيه نوع من التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -
وهذا يكون في التقديم لخطاب الله وحده جل وعلا بعلم الغيب . فالله أذن لنبيه أن يتوجه إلى بيت المقدس أيام كان في مكة ثم لما هاجر إلى المدينة مكث فيها ستة عشر شهراً قبل أن تنزل الآية الناسخة لتولية المسلمين وجوههم حال الصلاة إلى بيت المقدس حيث نزل قبلها قول الله جل وعلا : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة:142) هذا تقديم (تقديم بمعنى توطئة لأمر سيقع وردة(5/3)
في فعل الناس تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها ـ قال الله بعد هذه الآية ـ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } (البقرة:144) فقول الله (تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ناسخ لتولية المسلمين وجوههم نحو بيت المقدس ، فالتقديم هنا للتسلية.
هذا التقديم فيه حكم : جاءت الآيات تحمل في طياتها حكماً وليست أسماء أو صفات في آية مصفوفة هذا نطاق ضيق نتعرض له لكنه في نطاق ضيق أحياناً لا.
المسلمون كانت بدر أول معركة خاضوها لم يكن لهم عهد في تقسيم الغنائم فلما حازوا الغنائم اختلفوا فيها كأنه حصل شيء من النزاع الخفيف فأخذوا يتساءلون فذهبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألوه ، فقال الله جل وعلا : { يَسْأَلونَكَ عَنِ الأنفال } (الأنفال: من الآية1) لكن الجواب هنا تأخر ، ما الذي قد م؟
قدم ما لم يٌعنى المسلمون به آنذاك وهو قضية إصلاح ذات البين فأنزل الله (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}الأنفال1) ثم بعد ذلك قال الله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } (الأنفال: من الآية41) .
ثم جاءت بعد ذلك قضية كيفية تصريف الأنفال هذا نوع من التقديم والتأخير.
(2) أحياناً يكون فى العامل والمعمول :
ذكر الله جل وعلا على لسان آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون أنها قالت : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ } (التحريم: من الآية11) ، وقد نبهنا إلى هذا في حلقات سلفت وأيام خلت.
{(5/4)
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ } الترتيب النحوي يقول :رب ابن لي بيتاً عندك، فقدم الجار والمجرور على المفعول به على خلاف التركيب لغرض وهى أنها اختارت جوار الله قبل أن تختار الدار ، وقد بين في أكثر من موضع أن هذا من دلالة شوقها إلى ربها جل وعلا وأدبها في مخاطبة الرب تبارك وتعالى .
(3) أحياناً يأتي الترتيب ظاهراً بيناًً :
يقول الله جل وعلا : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } (النساء: من الآية13) فتقديم الله على رسوله أمر واضح .. يعنى الفرق كبير.
أحياناً يكون مسألة تعبدية تسن تشرع :
يقول الله جل وعلا : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } (البقرة: من الآية158) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - رقى الصفا وقال : (أبدأ بما بدأ الله به (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)
الخلاصة : من هنا نفهم أن التقديم والتأخير في كلام الله جل وعلا لابد له من حكمة من علة قد نفقهها وقد لا نفقهها ، لكن العلة والحكمة باقية قائمة وإنما الأفهام تختلف هذا مضمار تجرى فيه أقدام العلماء ما بين مصيب أكثر وبين مقل وهذا هو العلم الحق.
هذا نوع من التمهيد والتوطئة لحلقة هذا اليوم (التقديم والتأخير في كلام العلى الكبير جل جلاله).
الأستاذ معمر :: شيخ صالح عبرات هذه الحكم وهذه الأشياء التي ذكرتها قد لا تتسنى لكل واحد وإنما يختص بها العلماء لعلنا قد نؤخر السؤال عن هذا المحور قليلاً لنمثل ببعض الأمثلة الواردة في كتاب الله عز وجل وإن كانت كثيرة جداً ولكن نكتفي ببعضها.
بعض الأمثلة الواردة في كتاب الله عز وجل علي التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير نبدأ بمسألة الإنس والجن
كثيراً ما تتردد في القرآن الكريم ـ سبحان الله ـ المتتبع لهذه الآيات يجد الباري عز وجل أحياناً يقدم الجن وأحياناً يقدم الإنس.
{(5/5)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56) أيضاً في آيات أخرى يقدم الإنس لا شك أن هذا التقديم والتأخير لم يكن عبثاً من الله عز وجل وإنما هو لحكمة معينة لعلنا نستعرض هذه المواضع ونبين سبب التقديم والتأخير في كل آية .
الشيخ صالح : نرتضي ما ارتضيتموه: الله جل وعلا جعل الجن والإنس أمتين ثقيلتين : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ } (الرحمن:31) هاتان الأمتان العظيمتان ذكرا في القرآن كثيراً وهذه أفضل طرائق المقارنة في التقديم والتأخير لأن الشيء إذا ذكر مرة واحدة لا يمكن مقارنته ، لكن سنأخذ نظير آخر الجن والإنس أمتان ذكرتا في القرآن قدم أحدهما في الخطاب حيناً وقدم الآخر في الخطاب أحياناُ ، فلماذا قدم الجن حيناً أخر الإنس ولماذا أخر الإنس وقدم الجن ؟ هذا ما سنعرض له .
بداية : تأصيلاً نقول إن الله خلق الجن قبل الإنس .. قال الله تعالى : { وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ } (الحجر:27) .
قال الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56) تقديم الجن هنا ظاهر وهى قضية مسألة أنهم أول إيجاداً ، أول خلقاً ، الذين خلقهم الله جل وعلا قبل أن يخلق الإنس ، فخاطبهم باعتبار إيجادهم باعتبار خلقهم باعتبار الترتيب فكلاهما مكلف بالعبادة ولهذا قدم الله جل وعلا من خلق أولاً بالتكليف الأول ، فقال : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، وفى سورة الرحمن قال جل وعلا : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } (الرحمن:33) ، وقال في سورة النمل : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والإنس وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } (النمل:17) .(5/6)
المتتبع للقرآن والسنة يفقه أن الجن أكثر قوة من الإنس : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } (الجن:6) ، فهذا حتى ما تكتنفه الضمائر أن الإنس يرون أن الجن أقوى منهم فلذلك وجد في الإنس من يلجأ إلى الجن ولا يوجد العكس فهنا قدم الله جل وعلا الجن لأن القضية قضية مخاطبة بالقوة الأولى ، قلنا بالإيجاد والخلق الآن لا نتكلم عن قوة ، فلما أراد الله أن يخاطب في قضية النفوذ من أقطار السموات والأرض خاطب الجن ابتداءً لأنهم أقوى فقال : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ) ، ولما أراد الله أن يتكلم عن جند سليمان ويتكلم عن جيش ، والجيش مداره الأول القوة قدم الجن فقال : : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } .
لكن الله لما تكلم عن البيان الذي تحدى به العرب تحدى بالقرآن العرب ، وهم أمة فصحاء والعرب من الإنس ، قال الله جل وعلا في سورة الإسراء : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنس وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الإسراء:88) فقدم الله الإنس هنا لأن الخطاب أحوج ما يكون إليه م لأنهم مخاطبون به أصلاً ، فالإنس أكثر فصاحة وبياناً فيما يظهر لنا من الجن ، والمخاطب الأول في القرآن بالذات في هذه الآية ـ آية التحدي ، إحدى آيات التحدي في سورة الإسراء مكية ـ هم أهل مكة الذين كانوا لهم مجال واسع في البلاغة والفصاحة كما هو معلوم. الذي يعنيا هنا أنه لا يقدم أحد ولا يؤخر أحداً إلا لحكمة ظاهرة بينة.
تبقى آية في سورة الأنعام : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ }
((5/7)
الأنعام: من الآية130) ، هذه آية لم أجد فيها شيئاً يروى الظمأ وما دمت لم أجد فيه شيئاً يروى الظمأ نتوقف عن الحديث فيه وهى عدة آيات أنا متوقف عن الكلام فيها حتى يكتب الله جل وعلا إما أن تقف على أحد من قبلنا من الأفاضل العلماء تكلم فيها كلاماً مقنعاً أو أن يفتح الله علينا بما شاء.
الأستاذ معمر :: شيخ صالح لعلنا قبل أن نخرج من دائرة الجن والحديث عنهم لا شك من المسائل ما يتعلق بمؤمنين الجن هل يدخلون الجنة أم لا ؟ نحاول تأصيل هذه المسألة ثم نبين القول الراجح فيها.
الشيخ صالح : أبشر. الله خاطب بالإيمان والتكليف والعبادة الجن والإنس وهذا ما أظهرته الآية (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، لكن العلماء عندما يناقشون آية الأحقاف : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأحقاف : 29-30) إلى الآن ليس في الآية خلاف { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } (الأحقاف:31). آراء العلماء حول مؤمني الجن ودخولهم الجنة موضع الشاهد هنا :
الرأي الأول وهو رأي مرجوح
الذين قالوا إن مؤمني الجن ليس لهم مكافأة على إيمانهم إلا غفران الذنوب والإجارة من النار ولا يتجاوزونه إلى دخول الجنة وحجتهم هذه الآية.(5/8)
فلو سألتهم أين الحجة في هذه الآية ؟ قالوا إن الله ذكرهم وذكر عملهم وهو الإيمان وذكر في مقام مبالغة لهم ما يترتب على إيمانهم (آمِنُوا بِهِ) ({أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ }الأحقاف31) هذا فعل أمر (يَغْفِرْ لَكُم) هذا هو جواب الأمر.
فعلقوا على الغفران والإجارة من الذنوب دون دخول الجنة فقالوا لو كان الله قد كتب لمؤمني الجن أن يدخلوا الجنة لأوشك أن يذكروه هذه عبارتهم أوتوا بواو الجمع لأنهم يتكلمون عن مؤمني الجن القائلين لأن الذين يتحدثون الآن مؤمني الجن لما ذكروا في الآية خلافاً عنهم هذا قول وهو رأى مرجوح .
والرد عليه بآراء أخرى سنعرضها قبل أن نذكر الرأي الراجح.
فيه أقوال يقول عنها العلماء أنها أقوال غريبة لكن هي منهجنا العلمي أننا نذكر كل شيء ولا يعنى ذكرنا لقول أننا نرتضيه أو نقطع به أو نجزم بصحته لكن من باب الأدب مع من يستقبل كلامنا أن يعرف كل شيء والأدب مع قائله حتى أن الناس مؤتمنون على عقولهم وهو شيء لا يخفى عليهم، صحيح أن فيه بعض الأشياء يحسن إخفاؤه لكن ليس كل شيء يحسن إخفاؤه.
الرأي الثاني" بعض العلماء يقول وينسب هذا لعمر بن عبد العزيز : أنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة وإنما في أرجائها وأطرافها .
الرأي الثالث قال آخرون يدخلون الجنة لكنهم لا يمكنون من النظر إلى بني آدم ، فبنو آدم يرونهم وهم لا يرونهم على عكس ما كانوا عليه في الدنيا منزلة أعلى وهذا تصور الحياة في الجنة لكن ما في على هذا دليل.
الرأي الرابع قال آخرون قطعوا بعدم الدخول بحجة أن الجِنة من ذرية إبليس ، قالوا إن إبليس كان سبباً في خروج أبينا وأمنا من الجنة فلا تدخل ذرية إبليس الجنة.
الرأي الخامس قال بعضهم يدخلونها لكنهم لا يطعمون منها إنما يلهمون التسبيح.
ـ وقلت من قبل أن أسرد هذه الأقوال أنها أقوال غريبة لكنها ليست مبنية على شيء معدود ولكن إنها موجودة ـ(5/9)
الراجح : أن مؤمني الجن يدخلون الجنة فإن رجحنا فلابد من أدلة ، هذه الأدلة ساقها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند تفسيره لسورة الأحقاف وقد أظهر قوله أموراً أهمها :
(1)-سعة اطلاعه رحمه الله (2) وعلو كعبه في التفسير (3) وتجرده من الهوى ، وهذه مطالب عالية تطلب لطالب العلم ، الإنسان يتصدر إن كان يملك قدرة على البحث مع تجرد من الهوى قلما أن يخذل يكون إلى التوفيق أقرب وإذا وفق نفع به العباد
الأدلة على القول الراجح
1-قال الحافظ بن كثير جملة من الأدلة نسردها بإيجاز :
* عموم قول الله جل وعلا : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } (الكهف:107) وأنت لبيب تعلم أن كلمة الذين آمنوا وعملوا الصالحات يندرج فيها مؤمنو الإنس ومؤمنو الجن.
* أظهروا منها أن الله قال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } (الرحمن : 46-47) فالآية مقطوع بأنه يخاطب بها مؤمنو الجن ومؤمنو الإنس. والله وعد (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)
وجه الدلالة :
أنه لا يعقل ولا يتصور أن الله يمن عليهم بفضل لم يحصلوا عليه فإذا كان الله قد كتب كما يزعم الأولون كما يقول الأول أن مؤمني الجن لن يدخلوا الجنة فمن أين المنة في الآية (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) هذا محال ولا مخصص لها.
* الأمر الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الجنة يبقى فيها سعة فينشئ الله لها خلقاً وورد أنه من باب أولى ما دام فيها فضل مكان أن يدخلها مؤمني الجن أولى ممن ينشئهم الله عز وجل لها وهذا لا يعني أن الله لن ينشئ لها أحداً.
* كذلك إذا ثبت لدينا قطعاً أن الله يعاقب كافر الجن بالنار وهو مقام العدل فمن باب أولى أن يكافئ ويثيب مؤمني الجن بالجنة وهو مقام فضل.
أيها الأخوة :(5/10)
إذا كان الله عز وجل قد ثبت لدينا أنه يعاقب كافري الجن بالنار والعذاب الأليم وهو مقام عدل فمن باب أولى أن يثاب مؤمني الجن بالجنة وهو مقام فضل.
ثم إن قول الله جل وعلا : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ليس فيه دلالة على أنهم يمنعون من دخول الجنة لأن الله ذكر مثل هذا عن قوم نوح { يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ولم يذكر فيها الجنة ومعلوم قطعاً بالاتفاق أن المؤمنين من قوم نوح مآلهم إلى الجنة هذا مجمل ما ذكره العلماء في قضية دخول الجن الجنة.
الأستاذ معمر : القسمة الثنائية يا شيخ الذي يمنع من دخول النار أين سيذهب ؟
الشيخ صالح: هم يقولون بفنائهم مثل الدواب لكننا رجحنا وذكرنا هذا من باب قضية العرفان العلمي.
الأستاذ معمر : شيخ صالح أشرت ـ جزاك الله خير ـ إلى بعض الصفات الحميدة التي كانت في الإمام ابن كثير يجب على طالب العلم أن يراعيها فى طلبه أيضاً أنا أشكرك على مسألة التوقف وتنبيه طالب العلم لأن بعض المسائل لا يحسن أن نتفرع فيها لكن يا شيخ أعود إلى مسألة مهمة عندما رجحت تقديم الإنس على الجن فى بعض الآيات أشرت إلى أن الإنس ولاسيما العرب وهم أهل الفصاحة وأهل البيان لعلنا نلطف اللقاء بشيء الأبيات الشعرية بشيء من المقطوعات الأدبية.(5/11)
الشيخ صالح : نعم العرب أمة ذات بيان هذا بالاتفاق ومن قرأ تاريخهم وأدبهم وشعرهم الذي وصل إلينا دل ذلك على علو كعبهم في مسألة الفصاحة والبلاغة ولذلك تعجب أحياناً ممن يطلب علماً ولا يكون له حظ من الاطلاع على ما ذكره العرب السابقون من شعر ونثر لأن ذلك معين على الوصول إلى الحقائق كما أن القرآن والسنة عربيين فالرسول عليه الصلاة والسلام أفصح ما نطق البعض والقرآن أنزل بلسان عربي مبين فإن الإنسان إذا كان له حظ من المعرفة بلغة العرب وكلماتها كانت له قدرة على الوصول إليها. مثلاً : يقول لبيد في معلقته التي مطلعها :
عتت الديار محلها فمقامها *** فإن من تأبد غيرها فلجامها
وهى من أمتع المعلقات صعوبة ، وقلت أمتع صعوبة ولا تتفقان لكن صعوبة الألفاظ هنا وغرابتها فيها متعة في سلاسة الجرس الشعري.
شاقتك دعم الحي حين تحملوا *** فتكنسوا قطناً تفر خيامها
دبلاً كأن نعاجتى ذبحا فوقها *** وظباء ؟؟ أرامها
حفزت وذايلها السراب كأنها *** أتباع بئشة أصلها ورضامها
بل ما تذكر من نوار وقد نأت *** وتقطعت أسبابها ورمامها
مرية حلت بفيدا وجاورت *** أهل الحجاز فأين منك مرامها
من معشر سنت لهم أقوامهم *** ولكل قوم سنة وأمامها
فهم العشيرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ *** أن يصير مع العدو لئامها
امرئ القيس
هل غادر الشعراء من متردم *** أو هل عرفت الدار بعد توهم
يتكلم فيها عن مناقبه وعن فروسيته محاولاً ميل قلب من يعشق إليه :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى *** وبيض الهند تقطر من دمي
وودت تقبيل السيوف لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسم
يدعون عنتر والرماح كأنها *** أشطان بئر في لبان الأدهم
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها *** قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
إلى أن قال في قضيته تصوير الظباء : الظباء له ذراعان يحكمها بعضها ببعض والعرب تقول الشعراء بعد عنترة لم يصلوا إلى ما وصل إليه عنترة : قالوا
غرباً يحك ذراعه بذراعه *** فعل المكب على الزناد الأجذم
..(5/12)
غرباً أي فرح . وهذا البيت فرت منه العرب أن تقاربه وهذا قول النقاد.
والذي يعنينا هذا كله أن العرب كانوا أهل فصاحة وبيان ، فإذا كانوا أهل فصاحة وبيان وبلغوا فيها منزلاً عظيماً ومع ذلك تحداهم الله بآية أن يأتوا بها مثل كتابه فعجزوا هذا قرينة لا تقبل المزايدة على أن القرآن من عند الله وليس من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - كما كانوا يزعمون : { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً } (الفرقان : 5-6) .
الأستاذ معمر :: شيخ صالح قلت الوجهين في بيت عنتر تجوز الرفع والنصب نحوياً لعلنا نحررها نحوياً يا شيخ.
الشيخ صالح : نحررها نحوياً اللغة الأولي.( لغة من ينتظر)
يدعون عنتر أصلها يدعون يا عنتر واسمه الحقيقي عنترة وأحياناً يطلق على الذكور أسماء ملحق بها تاء التأنيث : (طلحة ، معاوية ، حمزة ، عنترة) هناك عند العرب شيء يسمى الترخيم ، والترخيم حذف آخر الاسم مثل (يا فاطمُ ، يا عائشُ) المنادى العلم المفرد يبنى على الضم في محل نصب فأصل العبارة يدعون يا عنترة هذه التاء حذفت للترخيم منادي مرخم فإن قلنا يدعون عنتر علي اعتبار أين الضمة على اعتبار أن الضمة وضعت على التاء الغائبة يسمونها لغة من ينتظر هؤلاء على أمل أن تعود التاء برمتها.
اللغة الثانية (لغة من لا ينتظر):
يسمونها اصطلاحاً : لغة من لا ينتظر أي من لا ينتظر عودة التاء فمن لا ينتظر عودة التاء أخذ الضمة ووضعها علي الراء الحرف قبل الأخير فأصبحت : يدعون عنترُ والرماح كأنها .. والرماح كأنها ( جملة حالية ).
الأستاذ معمر :: أحسن الله إليكم نستأذنكم في هذا الفاصل.(5/13)
مشاهدي الكرام فاصل قصير ثم نتابع سوياً مع شيخنا ثم نعود لاستكمال حديثنا عن التقديم والتأخير فى كلام العلى الكبير .. تابعونا بعد هذا الفاصل.
فاصل
الأستاذ معمر :: أهلاً ومرحباً بكم مشاهدي الكرام مرة أخرى بعد أن توقفنا يسيراً لهذا الفاصل أحييكم مرة أخرى وباسمكم جميعاً أرحب بضيفنا .. حياكم الله يا شيخ صالح.
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ معمر .
الأستاذ معمر :: شيخ صالح أشرت جزاك الله خيراً قبل الفاصل إلى مسألة آيات الجن والإنس وتقديم الإنس فى بعض الآيات أيضاً والجن في بعض الآيات الأخرى فى القرآن .. إذا أذنتم لي يا شيخ أن أنتقل إلى آية أخرى أو إلى موضع آخر يتعلق بمسألة الوصية والدين لا شك أن من الحقوق المتعلقة بمال الميت المتعارف أو المعروف فقهياً أن الدين دائماً يقدم على الوصية المتتبع لآيات المواريث يجد أن كثيراً ما ينص الباري سبحانه وتعالى على تقديم الوصية : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } (النساء: من الآية12) قبل أن ندخل فى بيان سبب هذا التقديم لعلكم تشيرون يا شيخ بإشارة سريعة إلى أهم الحقوق المتعلقة بتركة الميت.
أهم الحقوق المتعلقة بتركة الميت .
الشيخ صالح : نعم ، أولاً أسأل الله لنا ولمن يشاهدنا حسن الختام.
الأستاذ معمر : اللهم آمين.
الشيخ صالح : المال أعطاه الله جل وعلا لبنى آدم وموله إياه أي ملكه الله جل وعلا إياه فعند موته يسلب ماله كله ويوم القيامة يسأل العبد عن ماله كله إلا أن هذا المال يمكن تقسيم ما يفيء إليه حال الميت إلى أربعة أقسام :
الأقسام التي يفيء إليها مال الميت حال الموت .(5/14)
1 القسم الأول: الإنسان في الدنيا يلبس شيئاً يخفى سوأته ويستر عورته فلا سبيل لأحد بأي سند شرعي في الوصول إلى ما يرتديه المرء ولو كان لنا عليه مئات الآلاف من الأموال فلا سبيل لنا إلي أن نبيع ثيابه لحاجته إليها هذه يوازيها كفن الميت وجهازه إلى قبره فأول ما يصرف فيه مال الميت وتركته إذا ترك شيئاً فى كفنه وجهازه ولا يحق لأحد أن يطالب بشيء لا يكفى إلا للكفن وجهازه إلي قبره فهذا يصبح مرادف أو موازي للثياب في الحياة ، هذه واحدة.
2- القسم الثاني : إذا كان عليه دين فإن الذمة لا تبرأ إلا بقضائه فإن كان قد أوصى بعطايا أو بقربات فلا شك أن هذه الوصايا والقربات يريد بها زيادة أجر ولا ريب أن تبرئة الذمة مقدمة على زيادة الأجر فلذلك لابد أن يقدم الدين بالاتفاق يقدم قضاء الدين حتى تبرأ ذمته وتنفك حسرته ،
قال - صلى الله عليه وسلم - : (نفس المؤمن معلقة بدينه) والناس اليوم يتساهلون في كل شيء .. في قسائم المرور أو في قروض البنك العقاري أو في الهاتف أو في فواتير الهاتف أو الكهرباء المتعلقة بالذمة هذه كلها ديون باقية في الذمة يجب سدادها من مال الميت في المقام الأول قبل أن توزع تركته أو قبل أن يقتسم الناس ماله أو قبل أن ينظر في وصيته. هذه نقطه أساسية
3- القسم الثالث : حالة الوصية .. لابد من تبرئة الذمة ما ينتقل إلى درجة أعلى فله الثلث.
قال - صلى الله عليه وسلم - لسعد (الثلث والثلث كثير) ، وأبو بكر - رضي الله عنه - اختار الخمس .قال رحمه الله : ارتضيت ما ارتضاه الله لنفسه اعلم أن لله خمسه، فأوصي بالخمس لكن الثلث كحد أقصى ، وهذا جعله الله تعالى رحمة به حتى يكون سببا في نجاته يوم القيامة ، ويكون بسببه لسان صدق والله جل وعلا ذكر أنبيائه وذكر أنهم يبحثون عن لسان صدق في الآخرين.(5/15)
من أسباب حصول الثناء الحسن والذكر العاطر بعد الوفاة أن يكون هناك مال ينفق على من بعدنا على قربات ينفق علي الفقراء على المساكين مجالات الخير ، وقد ظهرت والحمد لله فى بلادنا جمعيات تعنى بهذا الأمر كثيرا جدا وكلها مجال خير يسهم فيها المرء .
4- القسم الرابع : وهى ما كتبه الله للوارث ، وقد قسمه الله عز وجل في كتابه وتولى تقسيمه بنفسه .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : جزاكم الله خير يا شيخ معنا اتصالات الأخت مها
المتصلة : السلام عليكم ورحمة الله : عليكم السلام ورحمة الله ، بداية نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
هناك سؤال يا شيخ يقول : يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المعارج { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (المعارج:11-13)
ويقول تعالى في سورة عبس : { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } (عبس:33-36) وكلا الآيتين تتحدث عن يوم القيامة عن أهوالها ومع ذلك في الآية الأولى التي هي في سورة المعارج قدم الابن على الأخ وفى الثانية في سورة عبس قدم الأخ على الابن فيعنى مرة تقديم الابن على الأخ ومرة تقديم الأخ على الابن واضح ؟
الأستاذ معمر : الأخت مها كانت تسأل عن الترتيب بين الأخ والابن فى سورة المعارج وفى سورة عبس .
الشيخ صالح : هو طبعاً ينبغي التفريق بين الحالتين ، أولا هما لا يتكلمون عن موقف واحد ، صحيح(5/16)
ما قالت أنهم يتكلمون عن يوم القيامة هذا زمن ، أما كحدث الأمر يختلف ، الله قال يوم يفر ، وقال يفتدى ، والافتداء غير الفرار ، فأما الافتداء فقدم الابن ؛ لأن جرت عادة الناس أن الإنسان يجد عوضا عن ابنه ولا يجد عوضا عن أخيه ، وقد قيل لرجل وهذا كثيراً عن ديار أهله، قد فقدت أباك ، قال ملكت أمري ، قيل له قد فقدت زوجتك قال تغير فراشي ، قال قد فقدت ابنك قال يعوضني الله خيرا منه ، قيل قد فقدت أخاك قال انقسم ظهري. فقدم الله جل وعلا الأبناء لأنهم يفتدون على أنهم في سياق العرب أنهم يمكن يفتدى بهم أنهم يمكن أن يأتي غيرهم ، بخلاف الأخ هذا الأول وهو الفدية.(5/17)
أما الثاني : وهو يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه انعكست الآية ، كيف انعكست الآية هذا مصطلح وليس الآية القرآنية يجب أن يتصور الإنسان أن يوم القيامة يوم أخذ وإعطاء يوم أو بمعنى تعبير أنه جلب مظالم يعنى كل إنسان يهرب من الآخر مقام حسنات وسيئات ليس مقام درهم ودنيا ، ومما يشكو الناس يشكو الناس وهذا قد حررته كثيرا في دروسنا يشكو الناس من الإنسان الذي تتعامل معه كثيرا أنت عرضة أن تظلمه أكثر من غيره ، أما الذي هو بعيد عنك فلا وجه لك أن تظلمه لعدم الاتصال بينكما ، فالإنسان عندما يريد أن يظلم في الدنيا من حوله ظلمة لأخيه أكثر من ظلمه لأمه وأبيه ، وظلمه لأمه وأبيه أكثر من ظلمه لزوجته وأبنائه ،لأن الإنسان في مثل هذه الحالات يقدم في حياته الدنيا زوجته وأولاده ثم إذا فاض شيء أعطاه لأمه وأبيه ثم إذا فاض لأخيه إذا أراد التقصير قصر مع أخيه فيحصل هذا التقصير الكائن منه مع أخيه وأمه وأبيه وأمه وزوجته وبنيه ، إذا جاء يوم القيامة وقد حصل منه تقصيرا لا يريد أن يراهم لأنهم سيطالبونه بعوض هذا التقصير حسنات وهو يومئذ ضنين بحسناته لا يريد أن يعطيها أحد فقال الله ({يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ }عبس36) أما آية المعارج كانت تتكلم عن الافتداء .
الأستاذ معمر : وننتقل الآن إلى الأخ / محمود . السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : و عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييك أخي الكريم معمر وأحي ضيفك الكريم الشيخ صالح
إن المحب إذا شكا من شوقه *** جعل النسيم إلى الحبيب رسولا
أما أنا فأقول شوقاً ليتنى *** كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
ولى نقطتان على عجل(5/18)
النقطة الأولي"حبذا لو أشار الشيخ إلى أن موضوع التقديم والتأخير في القرآن يحتاج إلى الاعتدال كثيرا حيث طفحت بعض كتب اللغة العربية والتفسير بما لا حاجة فيه مما يتكلفون فيه التقديم والتأخير ، واذكر هنا مقالة الإمام الطبري أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج التقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه أو تأخيره ، فأما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير .
النقطة الثانية بما يتعلق بالتقديم و التأخير في كلام الله تعالى وجه من الأوجه السبعة التي وجه بها العلماء رحمهم الله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ) قالوا : هي سبعة أوجه ، وذكروا منها وجه التقديم والتأخير في القراءات كما في قوله تعالى { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } (آل عمران: من الآية195 فقرأت سبعية أيضا (وقتلوا ، وقاتلوا) وفى قوله سبحانه وتعالى (فيقتلون ويقتلون) قرأت أيضا ( فيقتلون ويقتلون ) وكلا القراءتين متواترة ، والسلام عليكم ورحمة الله .
الأستاذ معمر : عليكم السلام نشكرك الشيخ محمود على تواصلك هذا وعلى هذه الإضافة الجيدة وجزاك الله خير ، ونشكر الأخت مها المتصلة الأولى(5/19)
الشيخ صالح: الشيخ محمود لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله لا تعقيب أقول ما ذكره صحيح وعلماء اللغة أصلا أصحاب الفن، يحاولون دائما أن يجعلون الدائرة كلها في الفن الذي يريدونه وهذا أصلا صبغة في الناس جميعا ، الآن لماذا المؤلفات المقررات الدراسية تشتكى الوفرة لغياب النظرة الصحيحة أين غياب النظرة الصحيحة، نحن نسند إلى أهل اللغة العربية تصنيف كتاب القواعد و إلى أهل الرياضيات تصنيف كتاب الرياضيات وإلى كل فن ، ما الذي يحصل هؤلاء أهل اللغة يظنون أن الطالب لن يدرس إلا لغة فيأتون بكل شيء يقولون معقول طالب ثالث الثانوي ما يعرف هذه المعلومة ما هو معقول يأتون بكل شيء دون النظر إلي غيرها طالب المتوسط نفس الكلام دون النظر إلى غيرها ، طالب متخصص في الرياضيات يقولون نفس الكلام يا شيخ ، متخصص في الإنجليزي يقول نفس الكلام ، ثم يؤتى بمواد بمقررات مليئة بالمواد ظنا منهم أن الطالب كل فئة يغيب عنها أن الطالب يدرس غيرها أنا أذكر وأنا في الصف الثالث الابتدائي كنت أدرك أذاكر في الحرم النبوي ، جرت عادة الطلاب علي ذلك الكتاب كان المقرر أيامها كان ما فيه فصل أول ولا فصل ثاني سنة كاملة ولا كان فيه خميس ـ هذه تبين العمر الله يمد عمرنا في طاعته ـ .
الأستاذ معمر : اللهم أمين
الشيخ صالح : الحاصل كان عندنا جغرافيا العالم الإسلامي اثنين وأربعين دولة ، طالب في السنة الثالثة جغرافية العالم الإسلامي كاملة تأخذ طقسها ، مناخها ، سطحها ، أبرز منتجاتها ، أبرز معادنها ما الذي يحفظه ، لكن الذي صمم المنهج يظن أن الطلاب لم يدرسوا شيئا غير الجغرافيا ولا نريد قدحا فى إخواننا التربويين و الاجتماعيين ، لكن أنا أتكلم كلام عام كذلك اللغويون عندما نظروا في كلام الله جل وعلا كأن القرآن ما أنزل إلا ليعرب أو ليكون مادة للبلاغة وهذا خطأ(5/20)
فائدة جليلة القرآن في المقام الأول واعظ ، من لم يتحرك قلبه بالقرآن ما فقه لماذا أنزل القرآن بعد ذلك نرى مضمار كبير تجرى فيه أقدام العلماء كما قال الشيخ محمود وفقه الله ، لابد فيه من الاعتدال والاعتدال مطلب في النظر إلى كل مسألة بحالها
الأستاذ معمر : مازال الحديث عن أهل اللغة الأخ محمود الشنقيطى على الموقع لا أدري هو نفس المتصل
الشيخ صالح : هو نفس المتصل .
الأستاذ معمر : طيب أشار إلى مسألة مهمة يا شيخ يقول لابد لنا أيها الأحبة ننظر في أمر في غاية الأهمية وهو أن بعض أهل البلاغة يذكرون فى بعض مواضع القرآن الكريم المتعلقة بالتقديم والتأخير سببا لذلك يسمونه مراعاة اللفظ ومراعاة النظم أو السجع يقول والحق كما هو ظاهر أن مراعاة النظم و السجع لوحدها فقط يصوغ فيها التقدم والتأخير إذا كان في كلام البشر من الشعراء والخطباء ، أما في كلام فاطر الأرض والسموات فلا ينفك البعد والجمال المعنوي عن الجمال اللفظي بحال من الأحوال . ما تعليقكم يا شيخ ؟
الشيخ صالح : هذا كلام صحيح حرره العلماء من قبل ، هذه المسألة شهيرة نجيب لها مثال : من أدلتهم على هذا "
أن الله قال موسى وهارون { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } (الشعراء:46-48)) الله قدم موسى وفى طه قال { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } (طه:70)) فقدم هارون على موسى ، فهذا الذي ذكره الشيخ محمود يقصد من قوله هذا العتب على بعض العلماء الذين قالوا أن الله قدم هارون في آية طه للسجع وأخره في السورة الأخرى الشعراء للسجع وهذا طبعا غير صحيح دائما قلنا قواعد العلم عندما ننفى شيئا لابد أن يحل محله شيء قائم وليس لنا حق سلطان إلا بعلم ،(5/21)
فتقول أن الصواب أن يقال في توجيه الآيتين أن هؤلاء السحرة ليسوا واحد ولا اثنين عشرات ، مئات ، وهؤلاء لم يكونوا يعلمون أن موسى سيظهر هذه الآية ، فجاءوا وهم في ظنهم وفي غالب ظنهم أنهم سينتصرون ، فلما حصل الموقف هم غير مرتبين مايو جد قاعد يقول لهم قولوا كذا أو وقع منهم المفاجأة فعبروا عن إيمانهم بالله على ثلاثة أقوال ({قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ }الأعراف121) (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى }طه70 ) وقال آخرون {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }الأعراف122) فالذين قالوا برب هارون وموسى قدموا هارون لأنه هو الأكبر فجاءت الفطرة معهم على أن هارون أكبر فقدموه ، والذين قالوا ({رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }الأعراف122) قدموا موسى لأنه هو الذي ألقى العصا ، فهذا تخريج الآية وليس له علاقة بالسجع كما زعم بعض البلاغيين والعلم عند الله ، ولكنى أقول هذا رأى ، وهذا كلام الله القطع فيه مسألة دونها خرق؟ كلمة غير مفهومة .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ ، أشار أيضا فضيلة الشيخ أن موضوع التقديم والتأخير يمكن أن تحمل له ،
الشيخ صالح : لا هذا قول وإن كنت لا أراه راجحا .
الأستاذ معمر : طيب نعود إلى مسألة الوصية والدين جزاك الله خيرا ، حررت التركات كيف تقسم والحقوق المتعلقة بمال الميت سبب تقديم القرآن الوصية على الدين .
الشيخ صالح : الآن بعد أن حررنا هذا نعود لما نحن فيه : سبب تقديم القرآن الوصية على الدين(5/22)
الوصية تكتب وقد لا يدرى عنها أحد إلا اثنين أو ثلاثة ، أما الدين له أصحاب ، أي أحد يعطي مال لأحد كلمة وثقه عندما يسمع من أقرض مالا بموت صاحبه أتى يطالب بحقه فقدم الله الوصية لأن الغالب لا يوجد لها مطالب ، وأخر الله الدين رغم أنه أولى بالتقديم نفاذا لأنه له مطالبون ، فمادام له مطالبون أخره الله ، فقدم الله ما حقه الرعاية حقه الاهتمام وهو الوصية فقدمه الله جل وعلا ، هذا السبب الذي ذكره العلماء رحمهم الله في تقديم الوصية على الدين في كلام الله مع اتفاقهم أنه حاول الإنفاذ وقدم سداد الدين على إنفاذ الوصية وهذا حررناه في الأول
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : ونستأذنكم في هذا الاتصال ـ السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، الشيخ صالح السلام عليكم ، عليكم السلام ورحمة الله ، أسأل الله سبحانه تعالى أن يجمعنا وإياكم في مستقر رحمته ، الله آمين في الدنيا والآخرة نحبك في الله الشيخ صالح أحبكم الله أحبكم الله
يا شيخ صالح / الله يجزيك خير نريد فقط شرح لمعني { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } (الرحمن:17))
الشيخ صالح :أبشر .
السائل الله يجزيك خير الشيخ صالح وإياك إن شاء الله
الجوب" توجيه الشيخ لمعنى ( { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } )
الأستاذ معمر : نعود يا شيخ إلى توجيهكم لقوله { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } (الرحمن:17))(5/23)
الله جل وعلا رب كل شيء ومليكه ، فقد ذكر الله في القرآن المشرق والمغرب على ثلاثة أوجه مفردة ومثنى وجمع فقال في الرحمن ( { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } (الرحمن:17)) وقال جلا وعلا في المعارج( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } (المعارج:40) وقال جلا وعلا ( { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة: من الآية142فأفردها وقال كذلك (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً } (المزمل : 9) ، في المزمل ، فأفردها الله جل وعلا حال ذكر التوحيد وثناها لما خاطب الثقلان وجمعها لما تكلم عن الناس مجتمعين ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ * فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } (المعارج:36-40المعارج { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } (الرحمن:17))
أظهر الأقوال"
أن لها مشرق من حيث الجملة في الصيف ، ومشرق في الشتاء ، ومغرب في الصيف ومغرب في الشتاء وذكر الله حال إشراقها وغروبها في فصلي الصيف والشتاء والعلم عند الله .
الأستاذ معمر : اتصال آخر : تفضل يا شيخ ، السلام عليكم ورحمة الله حياك الله
المتصل: أنا ما أدرى موضوع الحلقة .
الشيخ صالح : موضوع الحلقة التقديم والتأخير في كلام العلى الكبير وسل عما تريد إن علمنا أجبناك وإن ما علمنا أحلناك إلى ما هو أعلم .
المتصل : جزاك الله خير يا شيخ .
الأستاذ معمر:مادام أنك وصلت للبرنامج فلك الحق أن تسأل .
المتصل: السائل الله يجزيك خير(5/24)
بالنسبة لقول الله تعالى (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17) وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ(18) الغاشية ) كيف يتأمل الإنسان النظر إلى شيء ما رآه ، الذي في علمي أنا أن السماء أنها ليست الزرقاء هذه وإنما السماء سوداء وبصورة أخرى ، هذا استفسار ،
الأستاذ معمر: تسمع الإجابة إن شاء الله معنا .
الشيخ صالح : ويقول (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) في هذه قضية أنا لا أريد أن اصطدم مع من يقولون بالإعجاز العلمي علماء الأفذاذ.
فيه نقطة أساسية الله عز وجل لا يحيل على مجهول في الغالب مثلا الله يقول { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ } (الذاريات:21) أتى بعض الفضلاء وأخذ يتكلم عن ما يحدث في بدن الإنسان من أمور قويه عدد المفاصل عدد الأعضاء عدد كريات الدم وهذا حق موجود ، لكن ما ينبغي توجيه الآية في أول الأمر إلى هذا الخطاب ، و إن كنت لا أنفيه في أول الأمر اللغة تحتمل لماذا بسبب أن العرب المخاطبين بهذا القرآن أولا يكون لهم علم بهذا كله ، بل إن الأمم كلها ما كادت تدرى عن هذا ، قد يأتي إنسان فيقول القرآن مخاطب به كل جيل نعم مخاطب به كل جيل ، لكن المخاطب الجيل الأول ؛ لأنهم لو لم يفهموا ما في الآية ما تقيم عليهم حجة بها والله خاطبهم بالوصف { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ } (الذاريات:
21 المعنى الحقيقي للآية(5/25)
إن الإنسان المعنى الحقيقي للآية يبين الله له في عالم نفسه كثيرا من التقلبات في الآراء والفرح والحزن المسرة والصحة والمرض ما يجعله يتفكر أن هناك رب يبدل هذا كله مثلها (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) العرب ليس لها هذا الجرم الواقف أمامها من داخل الإبل ، لكن القضية كيف خلقت هنا الخلق كيف أن الله عز وجل مع عظيم خلقها سخرها لكم فيأتي الشاب الصبي الصغير يقود هذا المخلوق العظيم في أي شيء ، وإلى السماء كيف رفعت طبعا الأخ ذكر القضية كما يقول العلماء وهذا صحيح قد يكون هنالك، لكن لا شك الحق الذين يقولون أنها سوداء أو غير ذلك حسب ما يقولون وإن كنت لا أقطع به ، المقصود كل الناس تعلم أن هناك جرم فوقنا وأن هذا الجرم مغلق والله يقول( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً } (الأنبياء: من الآية32)) ولو لم تكن هناك جرم ثابت ينظر إليه لكان لابد من النظر لما بعده كرؤيا العرش ورؤية أمور أخري وهذا لا سبيل إليه لأن السماء لها أبواب ولها سقف و إنما القضية الأساسية هي قضية (وَإِلَى السَّمَاء) وليست قضية ألوان ولا غيرها إنما رفعها بغير عمد .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ ،، متصل آخر : السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : إحنا نسلم عليك يا شيخ ونقولك تقبل الله منا ومنكم ونشهد والله أنا نحيك في الله ولا يوجد لدي سؤال لكم إحنا حبينا نسلم عيك .
الشيخ صالح . شكر الله لك .
الأستاذ معمر : شيخ صالح نعود إلى مسألة الوصية النداء مكرر وهو رأيك وأيضا رأى أن هذا البرنامج لابد أن يخرج من حدود معينة أن يكون موسوعي
جزاك الله خيرا يا شيخ ، موضوع الوصية يا شيخ المتأمل بالتاريخ يجد أن كثير الوصايا سواء كانت دينية أو أدبية أو في النواحي السياسة لعلنا نذكر من هذه النماذج التي نقيد بها المشاهد :
الشيخ صالح : أولا الوصية الدينية(تقوي الله وهي أعظم الوصايا)(5/26)
ومن أعظم الوصايا تقوى الله والله ما أوصى أحد أحداً ولا محب محباً بأعظم من تقوى الله
{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } (النساء: من الآية131) هذه أعظم الوصايا والثبات على الملة (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (البقرة:132) ، { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة:133)
فما أوصى أحد أحداً بأعظم من الثبات على الدين وعلي وتقوى الله عز وجل .
نموذج من وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم )
فإذا انتقلنا إلى وصاياه - صلى الله عليه وسلم - فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين أوصاه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وبركعتي الضحى وأن يوتر قبل أن ينام ، وركعتا الضحى اختلف العلماء فيه اختلاف ما بين قائل بالمداومة عليها ، وبين قائل أن تفعل غباً
ما اختاره ابن تيمية رحمه الله تعالي عليه ورجحه في بهجة قلوب الأبرار وكفي به عالما رحمه الله قال إن الإنسان إذا كان له حظ من صلاة الليل كثير فيجعل صلاة الضحى غباً فترة نعم وفترة لا ، ومن لم يكن له حظ من قيام الليل كثير يأتي بها مداومة عليها أقلها ركعتان وأكثرها على ما رجحه الشيخ رحمه الله ثماني ركعات مع الوتر وهو من السنن المؤكدة حافظ عليهن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضرا وسفرا هذه وصايا دينية جميلة
الأستاذ معمر : قبل أن ننتقل يا شيخ معنا اتصال الأخت
المتصلة :أنا سؤالي مش مباشر عن الحلقة بالضبط بس هو عن القرآن(5/27)
السؤال الأول : بعض الآيات نسخت من القرآن ومع ذلك موجودة مثل الخمر فما الحكمة؟
السؤال الثاني وهو آية الحجاب { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } (النور: من الآية31)) يعني الجيب هنا تفسيره اللغوي لأن في كثير نسمع الصدر أو ذا كذا أبغي التفسير بالضبط حفظكم الله ؟
السؤال الثالث : إيش الكتاب المناسب في تفسير القرآن واستخراج اللطائف كتاب موثوق منه ؟
الأستاذ معمر : ننتقل إلى الأخت ريم السلام عليكم
المتصلة : سؤال بالنسبة يا شيخ في أحد دروسك أنا فهمت وما أدرى أنا فهمي صحيح أو غير صحيح أنك قلت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقاتل كفار قريش لأنهم لم يوحدوا الله عز وجل وإنما قتلهم لأنهم لم يخلوا بينه وبين الناس، ما أدرى فهمي هذا صح أم غير صح ما أدى التبس معي هذا الفهم
هذا الكلام مع الكلام الذي قلته مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)
وفيه حاجة ثانية أسأل عنها : بالنسبة لكتاب ظلال القرآن لسيد قطب هل تنصح به أحس أن بعض العلماء ما نصحوا بهذا الكتاب هل فيه أخطاء عقائدية .
الكتاب هذا لطلبة العلم هل ينصح به الشيخ ولا لأ ؟
الأستاذ معمر : معنا أيضا الأخ عبد الله .. السلام عليكم حياكم الله
المتصل : يقول الله سبحانه وتعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ *خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (هود:106-107) ويقول سبحانه (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } (هود:108)
يعنى يا شيخ ممكن توضح لنا اللبس في هذا الله يجزاكم الجنة(5/28)
الأستاذ معمر : أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام مرة أخرى بعد أن تابعنا أيضاً هذا الفاصل أحييكم وأحيى شيخنا ، أعود إلى الاتصالات التي استقبلتها قبل الفاصل.
الأخت مريم يا شيخ صالح : كانت تسأل عن نسخ بعض الآيات من القرآن الكريم مع وجودها ودللت بآية الخمر.
الشيخ صالح : نعم ، النسخ غالباً يكون الله يقول : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } (البقرة: من الآية106) ولقد أجاب الزركشى رحمه الله عن هذا التساؤل فقال : إن ما ينسخ حكماً ويبقى تلاوة إنما أبقاه الله جل وعلا سياقاً لأسباب وذكر منها رحمه الله وغفر له أولاً : التعبد به ، فإن القرآن سواء كان منسوخ حكماً أو غير منسوخ حكماً هو كلام الله ، وكفى شرفاً بالمؤمن أن يقرأ كلام الله جل وعلا بصرف النظر عن كون هذا الحكم نسخ أو لا لم ينسخ أو تعبد بتلاوته ، هذا الوجه الأول وهو أقواها.
الوجه الثاني : أنه قال قد يظهر المنة من الله جل وعلا على عباده لأن النسخ إنما يكون في الغالب للأفضل فيظهر الفرق بين الحالين بين حال.
كونهم يصلون وهم حديثو عهد بخمر وهم يصلون وهم لا يشربون الخمر أصلا فينظرون إلى فضل الله جل وعلا ورحمته.
فالمثال على قضية الخمر.
(2)(آية الحجاب) : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } (النور: من الآية31) الجيب مقدمة النحر فتحة الصدر. التي تلبس منها الثياب
(3)كتاب في تفسير القرآن يختلف أنا لا أدرى ما الذي تنشده الأخت ريم إذا نتكلم في اللطائف يوجد كتاب مستقل.أسمه (لطائف قرآنية) لصلاح عبد الفتاح الخالدي ، هذا كتاب من حيث الجملة جيد في بابه.
لكن لو قرأت في المحرر الوجيز لابن عطية رحمة الله تعالي عليه أو في كتاب الحافظ بن كثير نجد كثيراً من اللطائف.
الأستاذ معمر : تسأل عن رأيك في قتال الرسول .(5/29)
الشيخ صالح : قضية القتال قول الله صحيح. ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ) لكن لم يستبن الأمر لي جيداً لكن القضية أن النبي قال ويل قريش لو يخلوا بيني وبين الناس.
وسيوف الجهاد جردت في المقام الأول لمن منع النبي من تبليغ بعضه ، وهذا ذكره الله جل وعلا عن موسى : { وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ } (الدخان:21)
(2)ظلال القرآن لسيد قطب "" سيد قطب رحمه الله تعالى رجل يملك قلماً أدبياً قبل أن يملك علماً شرعياً ولا يعنى ذلك أنه ليس عنده علم شرعي ، فبحسب الناظر في الكتاب ، فإن كان أراد أن ينظر في الأسلوب ورقته وتفتك الكلمات فالحق أن الرجل أوتى حظاً عظيماً في هذا ، أما قضية سيد رحمة الله عليه في كتابه ضمناً لقضية جاهلية القرن العشرين هذه النظرية لا يوافق عليها وتضرر الناس بسببها كثيراً فإذا كان الإنسان طالب علم يميز هذا من ذاك فلا بأس أن يقرأ في ظلال القرآن لسيد غفر الله له ورحمه ورحم أموات المسلمين أجمعين
الأخ عبد الله يسأل عن آية هود ، الله يقول : { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } (هود:106-108) .
للعلماء في هذه المسألة ثمانية أقوال وفيهن ضعف
أكثرها وأرجحها عندي والعلم عند الله "
أن المعنى إلا ما شاء ربك تعليق الأمر بالمشيئة المقصود منه بيان عظيم القدرة الإلهية.(5/30)
الله يقول : { وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ } (الشورى: من الآية29) معلوم أن الله جل وعلا قادر ومعلوم أن الله حكم بجمعهم لا يشاء فقط في قضية بيان القدرة لبيان القدرة وعظمته جل وعلا فالقضية إنما شاء ربك لبيان أن الله جل وعلا هو المتصرف المالك العظيم لكل شيء ولا أهل النار يخرجون منها ولا أن أهل الجنة يخرجون منها.
الأستاذ معمر : نعود يا شيخ لمسألة الوصايا
الشيخ صالح : تكلمنا عن الوصايا الدينية. (ثانياً : الوصايا السياسية)
قالوا أن الوليد بن عبد الملك ابن عبد الملك بن مروان أو عبد الملك نفسه لما أوصى ابنه الوليد قال يا بني من قال برأسه هكذا أي قال لا في الحكم لا هكذا فقل بسيفك هكذا.
طبعاً المرحلة الزمنية للوليد كانت تستوجب هذا.
ويذكروا أن أحد العرب ـ قصة مشهورة ـ أنه أتى برماح متفرقة وأعطاها بنيه قبل أن يموتوا وقولوا جميعا يا بني ذا اعترت خطب**** ولا تتفرقوا آحادا
كاد الرماح اجتمعتا تكسر *** وإذا افترقت تكسرت أفرادا
طبعاً أن يوصى بحسب ما يخاف منه ، والناس إذا تركوا أحد ضعاف خافوا عليهم كما قال الله جل وعلا.
الأستاذ معمر : نعود إلى مسألة الدين يا شيخ أنت يجزاك الله خير قلت،و الدين يقدم على الوصية فقهياًُ باعتبار أن الدائن غالباًً يطالب بحقه لكن هذا المدين يا شيخ لعل الله نذكر قصة تاريخية.
الشيخ صالح : أنا أبدأ بقصة تاريخية غريبة .. محمد بن سيرين رحمه الله أحد أعلام التابعين كان يعد الرؤى يأتوه الناس إمام هذه رؤيا يعبرها وغالباً ما يأتي من هذا الحظ أن يقع ما عبر به لكن يوماً أتاه رجل فقال يا إمام رأيت رجلاً مكشوف الساق وقد نبت الشعر في ساقه فما تأويلها ؟(5/31)
قال رحمه الله بصدر رحب وتمكن ، قال هذا رجل يركبه دين فيسجن فيموت في سجنه ماذا قال الرجل الذي يسأل قال يا إمام رأيتها فيك فوقع ما عبره على نفسه فركبه دين رحمه الله وسجن ومات في السجن.في فترة سجنه مات أنس ابن مالك رضي الله عنه وأرضاه فأوصي أنس أن يغسله محمد بن سيرين فأخرج من سجنه عارضاً مؤقتاً للتغسيل والتكفين والصلاة على أنس ثم عاد إلى سجنه وتحقق تأويله فمات في سجنه.
طبعاً قد يقول إنسان ما علاقة ساق مكشوفة والعرب كشف الساق عندهم في أحد أوجه التفسير في كلام العرب القرض { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } (القلم: من الآية42) هذا مدخل الله جل وعلا ، كانت قريش عندها القرض فكان الرجل طبعاً القرض يكون إلى أمد ، إلي مدة معينة فإذا جاء الأجل ولم يجد المقترض شيئاً يسد به قال له المقرض : إما أن تقضى وأما أن تربي أي أزيد وأؤخر في الأجل وأزيد في الثمن، هذا عين الربا الذي حرمه الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران:130) ، أنذر الله المجتمع المسلم بقوله : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } (البقرة:280) ، وكان ليست هنا علي بابها ترفع اسماً وتنصب خبراً إنما هي تامة.
فالله جل وعلا أبدل بالإنذار ، هذا الإنذار (مأمور به)
حالتين في الشرع الندب فيها أفضل من الواجب.
الحالة الأولى : إذا أوجدنا مقترض معسر فنحن مأمورين بالإنذار هذا نص كلام ربنا ثم قال ربنا : { وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ، أصبح الآن تصدق فتنازل بالكلية هذا الإعفاء هذا ندب والأول واجب ، وهذي إحدى حالتين في الشرع الندب فيها أفضل من الواجب.
الحالة الثانية : رد السلام فإن المبتدأ مندوباً إليه أن يسلم والراد واجب لكن المبتدأ بالسلام أفضل من حيث الجملة.(5/32)
النبي صلي الله عليه وسلم بين فضيلة من يقرض الناس ثم يتنازل أو بتعبير أصح من أعفي معسراً ،
يقول عبادة ابن الوليد بن عبادة ابن الصامت ـ أي أن عبادة بن الصامت جده مسمي علي اسمه عبادة يقول خرجت أنا وأبى ، من أبوه الوليد بن عبادة نطلب العلم فى هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكون معناه أنه متقدم الزمن وخاف أن يهلكوا يقول جرت قصة طويلة حتى أتينا أبا اليسر ـ وأبا اليسر هذا صحابي
اسمه رضي الله عنه وأرضاه كعب بن عمرو في جملة ما تذاكروه قصة طويلة قضية مسألة الدين فقال أبو اليسر رضي الله عنه وأرضاه وقد أسن يومئذ قال : فإني أبصرت عيناي وأشار إلى عينيه وسمعت أذناي وأشار إلى أذنيه ووعى قلبي وأشار إلى مناط قلبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول ( من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله تحت ظله ) هذا باب رحمة واسع جدا فكثيراً من الناس قد لا يكون له حظ من عباده من قيام ليل أو من صيام أو من حضور محاضرات ويكون ذا مال ، فالإنسان الذي عنده مال أعانه الله يجرى الساعات حتى يحافظ عليه ويدير تجارته و يقيم أموره فتأتى هذه الأبواب رحمة من الله لهم في أن تقربهم من الله فيدركون ما أدركه الذاكرون والقانتون والصائمون قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (ذهب أهل الدثور بالأجور )
أبا اليسر رضي الله عنه وأرضاه كعب بن عمرو الآن قلنا أنه أسن الذي وأرضاه حفيد صاحبي يكلم صحابي
أنا الآن أسأل الأخوة الذين يسمعون ما السبب في أن أبا اليسر رضي الله عنه وأرضاه عمر إلى هذا العمر ، وكان من قلائل الصحابة المتأخرين موتاً رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين .
الأستاذ معمر :: كيف تكون الإجابة يا شيخ ؟
الشيخ صالح : تكون الإجابة أول من يدخل الإجابة الصحيحة في الموقع .في القطوف الدانية هل يؤذن لأصحاب القطوف الدانية يدخلون معنا
الأستاذ معمر : والله لهم الحق صراحةً(5/33)
الشيخ صالح"أهل المنتدى أهلي إجابتهم كإجابتي لكن نترك لهم الحق أول من يدخل الإجابة الصحيحة هذا يحتاج تفقه في السيرة لأنني قصدت السؤال حتى يقرأ الناس .
الأستاذ معمر : نستأذنك يا شيخ يتابع المشرف الشيخ عبد الرحمن سالم في الموقع لأن احتمال الإجابات ترد الآن .
انتهينا يا شيخ من مسألة المدين يا شيخ أنا أتمني صراحة أن الحلقة يشاهدها أصحاب رؤؤس الأموال والبنوك انتقل يا شيخ إلى نموذج آخر في كتاب الله عز وجل يقول عز من قائل ({لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ }الشورى49 )أقف يا شيخ مع هذه العبارة الكريمة (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً) سبب تقديم الإناث على الذكور في الآية قبل ذلك التصدير بقوله تعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
الشيخ صالح : أما التصدير فإن الله أراد أن يبين قبل أن يبين لخلقه أنه يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أن ملكه عز وجل أعظم من ذلك بل إن كل شيء تحت تصرفه وملكه تبارك وتعالى ويهب الإناث أو يهب الذكور أو تزويج الذكور والإناث أو جعل من يشاء عقيما كلها واحدة من عظيم ملكه وجليل قدرته تبارك وتعالى فتقديم الجار والمجرور في رواية حفص (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). ثم قال"( يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)
و والله أن الوصول إلى رحمة الله المنطلق من الإيمان بعظمة الله تعالي الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } (الشورى: من الآية49) هذا موضع السؤال .
نحن متفقون من حيث الجملة على أن الذكر أفضل من الأنثى لكل منهما خصائص ، { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } (آل عمران: من الآية36) والله يقول" { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } (النساء: من الآية34)(5/34)
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ...) وعد لكن لا يعنى بخسهن حقوقهن لكن من حيث الجملة الذكر أفضل من الأنثى. طبعاً يوجد نساء أفضل من الرجال ، يقول المتنبي:
ولو كان النساء كمن عرفنا *** لفضلت النساء على الرجالِ
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للهلالِ
والذي يعنينا هنا .. لماذا قدم الله الإناث ؟ للوصية بهن وللاستئناس بهن ، ولإظهار التيمن بهن .
قال بعض العلماء :أن المرأة أي الزوجة إذا كان أول بكرها أنثى دل ذلك على يمنها ـ أنا أحب أن أنيخ المطايا كثيراً ـ لا يعنى إذا كان أول مولودها ذكر أن يكون شؤم ، إثبات اليمن لا يعنى النفي. عن الآخرين
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (اجعلوا آخر صلاتكم وتراً) ولم يقل لا تصلوا بعد الوتر ، فلو جاء إنسان وأراد أن يقيم الليل وخاف أنه ينام فصلى وأوتر ونام ثم قام من الليل وأراد أن يصلى ما نقول له لا تصلى لكن نقول له لا توتر. فرق ما بين اجعلوا آخر صلاتكم وتراً وقولنا لا تصلوا بعد الوتر. مثله عندما نقول أن المرأة يدل على يمنها أن يكون أول مولود لها أنثى لا يعنى أن من كان أول مولود لها ولد أن يكون شؤم ، لكن الأول ثابت ظاهر القرآن نقول لذلك قدم الله الإناث.
الإناث حجاب من النار :(5/35)
يقولون وهذا جيد ما يروى عن الناس رجل حملت امرأته ست مرات فى كل حمل لها تضع أنثى فلما حملت السابع هددها زوجها وتوعدها إن كان الحمل أنثى ما عادت تملك شيء فلما هددها وتوعدها وأشرفت المرأة على أن تضع نام ورأي فيما يري النائم أنه يساق به إلى جهنم وجهنم لها سبعة أبواب فلما سيق به ساقته الملائكة إلى الباب الأول فوجد ابنته الأولى تصد الملائكة أن يدخلوه النار وأرسلته إلى الباب الثاني والثالث والرابع والخامس حتى أتى به إلى السادس وجد ابنته تصده فأتى به إلى الباب السابع فقام فزعاً وهو يقول اللهم اجعله أنثى اللهم اجعله أنثى ، فكانت أشبه بالنذارة له.
الله يقول في خاتمة سورة هود
{ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (هود:123)
فائدة مناط الدين إذا فهم الإنسان أن الله له غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فقام بالتوحيد والفرائض على الوجه الأكمل وأوكل أمره إلى الله و الإنسان لا يدرى أين الخير
وما أدري إذا يممت أرضاً ***أريد الخير أيهما يليني
أ ألخير الذي أنا أبتغيه***أم الشر الذي يبتغيني
كيف نميز من يعرف الله حقاً ومن لا يعرف الله حقاً ؟
عند حصول النعمة أو النقمة أو الابتلاء بتعبير أوضح إذا حصلت النقمة وتلقاها بقبول وهو يعلم أن هذه النعمة ليس له فيها حول ولا طول ولا قوة إنها رحمة من الله فيسأل الله الشكر : { رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } (النمل: من الآية19) وإذا حصل الابتلاء فيما تكرهه النفس طبعاً فإنه يرضى ويعلم أن رحمة الله به أكبر ويصبر ويحاول أن يرتقى إلى مسألة الرضي ويظهر لله جل وعلا على ما يحب ، ويعلم أن الله جل وعلا الخير كله بيديه والشر ليس إليه.
مسألة العقم(5/36)
الأستاذ معمر : هذا الابتلاء يا شيخ قد يكون إكراماً للإنسان ، البعض قد يكرمه الله ويبتليه بمسألة العقم ـ عدم الإنجاب ـ لعلنا نتحدث عن هذه المسألة قليلاً ؟
الشيخ صالح : هي مندرجة تحت هذا : { وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (هود:123) الله أعلم بما يصلحك والله أعلم بما ينفعك والله أعلم بما تصل به إليه
فاستقدر الله خيراً وارضين به. **فبينما العسر إذ دارت .....
هذا لا يمنع أن يأخذ الإنسان بالأسباب لكن وهو يخطو وراء تلك الأسباب راضى برضاء الله وقدره ، ومسلماً أمره إلي الله إلى الله عالم أن ما عند الله جل وعلا من الخير أعلى مما يطلبه وهو يجهل أين موقع الخير وموطن الخير ربما حتفه فيما تمناه لكن الإنسان يسلم أمره إلى الله ويأخذ بالأسباب المشروعة وكلما كان القلب راضياً عن الله تعالى كان أقرب إلي أن ينال رضوان الله ، والله جل وعلا ذكر أسباب من الصالحين من تأمل سيرتهم من أنبيائه ورسله كانوا راضين كل الرضا عن الله ، الذين أعطوا والذين منعوا ، الذين نجوا والذين ماتوا ، كانوا راضين كل الرضا عن ربهم وسعادة الحياتين ـ فحياة السعادتين في الرضا عن الله جل وعلا وعلى أمره وقدره.
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح.
الشيخ صالح : نموذج آخر: صون القرآن للمرأة
الأستاذ معمر : قبل أن نخرج من هذا النموذج إلى نموذج آخر لعلنا نقف سريعاً يا شيخ مع ما يتعلق بإكرام القرآن وصونه للمرأة وإسكاتاً للأصوات النشاز التي تنادى بإذلال المرأة. وليس إكراماً
الشيخ صالح : النبي - صلى الله عليه وسلم - قال( لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم. )
فالإنسان وبالذات الرجل ، لا تظهر رجولته حقاً إلا إذا تعامل مع أنثي ، لماذا ؟(5/37)
الرجل إذا تعامل حقاً مع أنثى فهو حقا مخلوق ضعيف وإذا كان ذئباً بشرياً يجعل من منصبه أو قدرته أو ماله سبيلاً للسيطرة عليها أو استدراجها إلى ما حرم الله أو حتى إذا كان الزوج أن يضطهدها أو كانت أختاً أن يمنعها أو أماً أن يعقها دل على نقص الرجولة كثيراً عنده. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (إنهن عوان عندكم) ولما وصي النبي - صلى الله عليه وسلم - وصى بهن : (وما ملكت أيمانكم) ووصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإحسان إليهن لأن هذا الأمر يجبر رجولة الرجل العظيم حقاً في نفسه لا يبحث عن عظمته عند الضعفاء لأن في تعامله مع الضعفاء يحسن إليهن لأن الإنسان إذا قعد من دونه كأنه يقول أنا لا أجد أحداً أقدر عليه أنت فيظهر فقره وعجزه
والمرأة ضعيفة بعمومها فالإحسان إليهن أمر محمود شرعاً يدل على حسن المعدن وكرامة الأصل وسلامة المنبت ، والإنسان يتقى الله فيها إن كانت زوجة أن يؤتيها حقوقها مع إكرامها خاصة أمام بنيها وبناتها ولا يهينها أمامهم فإن كان ثمة شيء يكون بينه وبينها ، ويكرمها أعظم إكرام إن كانت أماً ولا يرقى بإكرامه لأمه إكرامه لأي أحد من الخلق أعظم من أمه ، النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غير حي حتى يكرم إكرام حسي ثم إكرامها إن كانت خالة أو عمة أو أحد محارمه أن يتقى الله جل وعلا فيها ويبرها إكرامها إن كانت جارة إكرامها إن كانت مؤمنة أياً كانت لا يرضى لها ما لا يرضاه لنفسه الرضا الشرعي وهذه منازل يتفاوت الناس فيها تفاوتاً عظيماً
. نموذج آخر وقفة مع أية النجم
الأستاذ معمر : إذا أذنتم لي أن أختم بآية النجم لضيق الوقت بقى معنا وقت قليل لكن لعل بقية الوقت فى وقفة مع قوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } (النجم : 43-44) ، السؤال المتبادر يا شيخ وقبل أن نسأل عن تقديم الضحك على البكاء لعلكم تديرون الحديث على هذه الآية ثم ننتقل إلى محور آخر.(5/38)
الشيخ صالح : الحديث مجملاً يدل على أن الله جل وعلا خالق الأشياء وأسبابها والأفعال وأسبابها ومذهب أهل السنة أن الله جل وعلا خالق الأفعال وأسبابها ولا يقع شيء إلا والله عز وجل قد علمه وكتبه وأراده جل وعلا هذا تجرى عليه أحكام القدر الأربعة هذا ما تدل عليه الآية ، عموماً وهى مساقة في الثناء والمدح في الذات العليا تبارك وتعالى.
هذا قول تقديم الضحك على البكاء : الضحك سببه السرور وهو مقدم نوع من الاستئناس (وأبكى)غالبا البكاء يكون مواضع حزن والموت وربما قدمه الله لإظهار القهر على بني آدم قدمه الله هنا وقدمه فى تبارك : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ } (الملك: من الآية2).
وقول آخر : أن الأصل هو الموت الناس أصلاً لم يكونوا شيئاً والله في أول سورة الإنسان
قال : { هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً } (الإنسان:1) .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم .. ما زلنا حديثي عهد بعيد ، الآن يا شيخ الفرحة ما زالت مستمرة وما شاء الله عسى الله أن يجعل أيامنا وأيام المشاهدين كلها أفراح وسعادة ، فرحة العيد بعض الناس قد يتجاوز فيها نوعاً لعلنا نبين الضوابط الشرعية وبعض الناس يضيقها نبين المنهج الاسمي(5/39)
الشيخ صالح : المنهج دين الله ما بين المجافى عنه والمغالى فيه ، نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم الناس تقوى وورعاً إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في مسجده فقال( دونكم يا بني أرفده حتى تعلم يهود أن في ديننا فسحة إنما بعثت بحنيفية سمحة) هذه ليست أيام عيد يغض فيها ما يغض في غيرها فيترك للناس فرحتهم من حيث الإجماع لكن لا ينبغي للناس أن يفرحوا فرحاً غير شرعياً يكون فيه من الاختلاط المحرم أو جني الآثام أو مطالب غير محمودة ، هذا كله مطلوب العيد ينبغي أن يظهر على الناس الفرحة وأحياناً يقع من بعض الناس اجتهادا في أمور قد لا يحسن فعلها في أيام العيد ولا حاجة للتنصيص لكن ينبغي أن يعرف الإنسان ما سمى عيداً إلا ليظهر الإنسان فيه بهجته وفرحته.
الأستاذ معمر : نذكر بعض المواطن يا شيخ التي فرح فيها رسول الله ؟
الشيخ صالح : ما فرح أحد أعظم من نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، يقول الله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } (يونس:58) سجل التاريخ مواطن فرح النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منها :
الموطن الأول "قدوم جعفر بن أبى طالب ـ ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ـ هاجر إلى الحبشة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبه حباً جماً والتقى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء عودته من الحبشة بخيبر ولما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر التقى بجعفر ، ذكر أصحاب السير أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا أدرى بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ، ثم قبله بين عينيه والتزمه صلوات الله عليه وسلامه. وقطعاً سبحان الله من فرحك الله به يحزنك الله به إذا مد الله في العمر، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فرح بقدوم جعفر ثم لم يلبس أن حزن على وفاته ، فعلى قدر فرحه بقدوم جعفر على قدر حزنه على وفاة جعفر.(5/40)
قدوم جعفر كان فرحاً .. الغائب إذا كان محبوباً تبقي له وحشة فرحة اللقاء لا تعدلها فرحة.
أستودع الله في بغداد ولي قمراً*بالكرخ فلك .... مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني*** صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشبث بي يوم الوداع ضحى*** وأدمعي مستهلات وأدمعه
المقصود أن لقاء الغائب أمر محمود ، فكان جعفراً غائباً مدةً طويلة عن النبي وهو ابن عمه وأحد المؤمنين به وأنصاره فلما رآه التزمه صلي الله عليه وسلم وأظهر فرحه،
ومن مواطن فرح الإنسان أن الإنسان يشعر بنوع من التأييد وهذا أمر يحتاجه كل أحد ولو كان نبياً عليه الصلاة والسلام أخبر أصحابه بخبر الدجال ثم لم يلبث مدة وجاء تميم بن أوس الداري رضي الله تعالي عنه وأرضاه وكان من أرض الشام وكان نصرانياً فلما قدم المدينة بايع وأسلم وقص على النبي ما رآه من خبر الدجال فرح النبي وهو في غنى أن يشهد له أحد من الخلق فنودي في الناس الصلاة جامعة .. كان هناك صلاة صلى الناس فارتقى عليه الصلاة والسلام قبل أن يرتقى علي المنبر قال ليلزمن كل أحد منكم مصلاه ثم جلس على أعواد منبره وهو يضحك ثم قال أيها الناس ما جمعتكم لرغبة أو لرهبة ولكن تميماً كان نصرانياً فجاء وبايع وأسلم ثم حدثهم حديث الدجال كما قصه عليه تميم وهذا عند أهل الحديث يقولون رواية الفاضل عن المفضول وهى هنا في أرقى نماذجها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من تميم قطعاً وهو هنا فأخبر عن تميم ، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق بين أصحابه : ألم أكن قد أخبرتكم بهذا قالوا بلى قال فأعجبني أن وافق حديثه بالضم حديثي.
المقصود من هذا أن الإنسان يشعر بالفرح إذا أيد فلا نبخل على من حولنا بكلمة تشجيع ولا نبخل بكلمة تأييد ولا بكلمة نصرة ونفرق بين الرياء وغير الرياء.(5/41)
أحياناً نصلى وراء أئمة حسنة أصواتهم فنحاول قدر الإمكان أن نبعث لهم رسالة أن الله جل وعلا من علينا بالخشوع وراءكم لنداوة أصواتكم هذه تبعث فيه نوع من التأييد لأن هذا فضل من الله ورحمة ولا يكون هذا الأمر مبالغاً فيه حتى لا نقصم ظهر أخينا.
الموطن الثالث من مواطن فرح النبي صلي الله عليه وسلم
واقعة القضية المشهورة لما نظر إلى أصحابه يصلون خلف أبا بكر فقرت عينه فاطمأنت نفسه وتهلل وجهه المؤمن الحق المنصف يحب اجتماع الكلمة يحب وحدة الصف ناصحاً لولاة أمره لا يريد أن يشق عصا طاعة عليهم.
ويعلم أن الصلاة أعظم العبادات وأشرف الفرائض بعد التوحيد فلما رأى النبي الأمة قد اجتمعت خلف رجل واحد تصلى بصلاته وتأتم به قرت عينه واطمأنت نفسه وهذه من مواطن فرحه - صلى الله عليه وسلم - .
الأستاذ معمر : شيخ صالح .. نستأذنكم أن نختم بهذه المواطن الجميلة من مواطن فرحه - صلى الله عليه وسلم - .،، وأشكر الله تعالى على أن هيأ لنا هذا اللقاء ثم أشكر فضيلتكم على تشريفنا بحضوركم هذا اللقاء وجزاكم الله خيرا شكر الله مسعاكم(5/42)
الشكر موصول أيها الأحبة لكم أنتم علي طيب متابعتكم وكريم تواصلكم لا يفوتني أن أذكركم أن موعد البرنامج قد تغير إلى يوم الاثنين الثاني من كل شهر ولعل من توفيق الله عز وجل لنا في هذا البرنامج أن اسمه مشتق و مقتبس من آية قرآنية وكذلك موعده سيكون مقتبس من آية قرآنية ، ولا يفوتني أن أشكر المشرف على البرنامج الدكتور عبد الله المطوع الذي ـ جزاه الله خيراً ـ أفادنا كثيراً بتوجيهاته. أشكر أيضاً إدارة البرامج لتبنيها تغيير هذا الموعد وتفاعلها مع طلباتكم متمثلة في إدارة القناة الزميل الأستاذ : إسماعيل العمري. وأشكر جميع الأخوة الذين داخلوا معنا على الموقع الشكر مبدوء بالمشرف على الموقع الشيخ عبد الرحمن سالم. وأشكر الأخوات والأخوة في الموقع ، لا يفوتني أيضاً أن أشكر الأخوة الذين تابعونا على مواقع الإنترنت التي نقلت هذا اللقاء حياً على الهواء وهى : موقعي المسك والبث المباشر الشكر، أيضاً للمشرفين على موقع صيد الفوائد لنقلهم أو إعلانهم عن هذه الحلقة وأترك ختام لقاءنا هذه الحلقة لصاحب الكلمة في هذا اللقاء فضيلة الشيخ صالح المغامسي ..(5/43)
الشيخ صالح : وأنا أيضاً أشكر القائمين على هذه القناة المباركة على تبنيها لهذا البرنامج وعلى مجهودهم في برنامج محاسن التأويل وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً من أهل القرآن والله لا يُرام مجلس خير من مجلس يقرأ فيه القرآن أو يفسر فيه القرآن أو يدور الإنسان فيه في فلك القرآن. أشكر القائمين على هذه القناة مديراً وأعضاءً وإدارة ومخرج الحلقة الذي لم نرى منه إلا صدراً رحباً وفقه الله تعالى لكل خير ولزميلي الدكتور عبد الله المطوع وأستاذنا الأستاذ معمر وأشكر الأخوة أعضاء منتدى القطوف الدانية ومحاسن التأويل وأنا والله أكبرهم كثيراً فلقد استفدت كثيراً من تفريغ حلقات محاسن التأويل. ومعالم بيانية كان لهم جهد واضح وأشكركم جميعاً وكل عام وأنتم بخير. وأنا أكبركم لعظيم ما يصنعونه الأخوات اللاتي يسعون في تفريق الحلقات وأنا استفدت كثيراً جداً من حلقات محاسن التأويل وكذلك معالم بيانية كان لهم جهد واضح طبعاً أنا قلت الأخوات لأن الأخوات أكثر صنيعا فينا كذلك جميع الأخوة الفضلاء ويعلم الله أنهم جميعاً في منزلة ماء العينين وأنا حاولت أن أبعدهم عن إجابة السؤال لكن الأستاذ معمر شفع لهم وأشكر الله لي ولهم علي التوفيق والسداد .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم مشاهدي الكرام تحية طيبة وعطرة من فريق العمل بقيادة مخرجنا المبدع الأستاذ وليد الطيب .. أشكركم على طيب متابعتكم وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. يتجدد اللقاء بكم في الحلقة القادمة .. وإلى ذلك الحين ابقوا في حفظ الله ورعايته.في أمان الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ........................
(سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)
تم بحمد الله وتوفيقه(5/44)
أ.معمر العمري : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ..
مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلا ومرحبا بكم إلى حلقة جديدة من برنامجكم الشهري ( القطوف الدانية ) مشاهدي الأعزاء لقد اهتم الصحابة والتابعون ومن بعدهم من العلماء في دراسة كلام الله تعالى ، وبذلوا غاية جهدهم في معرفة الأماكن والأزمان التي نزلت فيها آيات القرآن الكريم ، وأيضا تلك الأماكن أو الأزمان التي نزلت فيها سور القرآن حتى إن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما يقول ( والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله
تبلغه الإبل لركبت إليه)
ولقد كان لهذا التحديد أثره في تاريخ التشريع الإسلامي وثمراته في معرفة بعض الأحكام الشرعي حتى نشأ علم يعرف بـ(علم المكي والمدني)
في هذه الحلقة بإذن الله تعالى ستكون لنا وقفات متنوعة مع بعض الآيات المكية ، بما أننا تحدثنا في الحلقات الماضية عن آيات الأحكام وهي في معظمها تعتبر آيات مدنية .
سنقف بإذن الله عزوجل: وقفة دعوية مع قوله تعالى في سورة الفرقان )تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً(
• نقف وأيضا وقفة بلاغية مع قوله تعالى )وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى(
• ونقف أيضا وقفة تاريخية مع قوله تعالى في سورة الإسراء )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى(
• ثم نختم ببعض الوقفات الإيمانية مع سورة ق.(5/1)
لا شك أن موضوع الحلقة بإذن الله سيكون موضوعا ماتعًا ، ولاسيما عندما يكون عرض هذه الآيات وعرض هذه الوقفات من فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء ، يسرني في مطلع اللقاء باسمكم جميعا أن نرحب بشيخنا المحبوب ، حياكم الله شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياكم الله .
معمر العمري : الترحيب لكم أيها الأحبة أرحب بكم وبتواصلكم مع هذه الحلقة وكما عودتمونا في الحلقات الماضية من خلال أرقام الهواتف التي تظهر الآن على الشاشة تباعا ، وإن كنت في بداية اللقاء لي طلب وهو باسمي وباسم الشيخ قبل ذلك أيضا باسم أسرة البرنامج أن تكون المداخلات خاصة بموضوع الحلقة ونستبعد المداخلات التي تكون فيها تنسيق لمحاضرات الشيخ لأننا لا نريد أن يطغى هذا الأمر على رسالة البرنامج التي نهدف جميعا تهدف قناة المجد أن توصلها إليكم ، التنسيق للمحاضرات يكون بإذن الله عن طريق المنتدى، أو عن طريق المنسقين بالخاصين للشيخ حفظه الله وإياكم .
لا يفوتني في بداية اللقاء أن أرحب الإخوة والأخوات على موقع المنتدى ، منتدى البرنامج أبارك لهم من الأعماق ، وعن الشيخ وإن كان له كلمة خاصة في حصولهم على المنتدى المتميز لشهر ربيع الأول ، كما أخص بالمباركة الأخت سهام الحق أيضا لحصولها على الموضوع المتميز ، أرحب بالإخوة والأخوات على مواقع الانترنت ولا سما موقعي البث الإسلامي والمسك .(5/2)
"آيات مكية"هو موضوع حوارنا مع شيخنا في هذه الحلقة نسأل الله أن يجعله لقاءا مباركا نافعنا، شيخنا الفاضل في بداية اللقاء يعني قد يرد للمشاهد الكريم أنه لابد من تحرير المكي والمدني والأقوال التي قيلت في ذلك، وإن كانت سبقت في لقاءات سابقة ورجحتم وفقكم الله ما ذهب إليه كثير من أهل العلم أن المكي ما نزل قبل الهجرة ، والمدني ما كان بعد ذلك ، استأذنك أن نبدأ مباشرة في محاوري ونقف الوقفة الأولى مع قوله تعالى )تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً( كون هذه الرسالة المحمدية للعالمين يدل على عالمية الرسالة ، وصولها لجميع الإنس والجن هذا يعني كثر الحديث فيه لكن يا شيخ أبدأ اللقاء بالتساؤل عن شمولية هذه الدعوة للملائكة إذا كان هناك من أقول لأهل العلم ، أيضا تحرير لهذه المسألة .
الشيخ صالح : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ..
نزدلف إلى صلب الموضوع كما ذكرتموه ، قال الله جل وعلا )تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً(
وجه الإشكال في المسألة أن لفظ العالمين في القرآن للعموميات ، والله جل وعلا يقول في سورة الفاتحة )الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(
والاتفاق منعقد على أن قول الله جل وعلا )الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( أنه جل وعلا رب لكل أحد وكل ما سوى الله فهو عالم ، من الإنس والجن والملائكة وغيرهم ، فقول الله جل وعلا في سورة الفرقان ) تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً((5/3)
إذا جعلنا لفظ العالمين مرادفا في المعنى لفظ العالمين في قوله جل ذكره )الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( فإن الملائكة يندرجون في هذا العموم
لهذا اختلف العلماء رحمهم الله على قولين :
هل هموم رسالته صلى الله عليه وسلم تشمل الملائكة أو لا تشملهم ؟
• فمن قال أن الملائكة مندرجون تشملهم الدعوة المحمدية احتجوا بهذه الآية .
من أدلتهم وأقواها:
آية الفرقان ، لأن الله قال )لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً( وقالوا:"إن الملائكة يدخلون في هذا العموم ولا وجه لإخراجهم ، فإن ألفاظ العموم يجب إخراجها بمخصص" قالوا إذا كان هناك مخصص ، ولا يوجد مخصص يخرج الملائكة .
ومن أدلتهم : أن الملائكة مندرجون في الدعوة المحمدية أن الله قال وقوله الحق)فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ( فقالوا:"إن الملائكة من أعظم من يخاف وعيد الله وربنا يقول )فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)، هذه أظهر ما استدلوا به من القرآن .
أ.معمر : هل تقاس عليها يا شيخ بعض الآيات التي وردت فيها ؟
الشيخ صالح : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) هذه من أدلتهم ، حتى إنهم قالوا ممن قال بهذا القول السيوطي في آخر قوليه ، أنهم قالوا أو ذكروا ، أقول أدلتهم في السنة تنقسم إلى قسمين :
1. قسم صحيح في النقل لكن لا تظهر فيه حجة ، مثل قولهم:" أن الملائكة تؤمن على دعاء الإمام"
وقالوا:" إن هذا من دلائل تكليفهم بالدعوة المحمدية" . لكن الحق أن هذا ليس فيه دليل ظاهر ، لا تظهر فيه حجة .
2. وأدلة عندهم لم تثبت ، وما دام لم تثبت صعب نسبتها إلى السنة ، ومنها ما ذكره القاضي ابن(5/4)
عياض في الشفا ، في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( تلا عليه الآية ، هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ قالوا : " إن جبريل قال : نعم ، فقد كنت أخشى العقاب فما أمنت حتى قال الله عني )ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ(، لكن السيوطي رحمه الله وهو القائل بهذا القول اعترف بأن هذا الخبر لا سند له ، وما دام أن هذا الخبر لا سند له لا يجوز أن يُحتج به ، ولا يمكن أن يصح .
أ.معمر : القول الآخر .
الشيخ صالح : هؤلاء هذه أدلتهم ، فأدلتهم ظاهرة.
القول الآخر ذكره النسائي و البيهقي وأبو السعود والرازي ، بأنهم يقولون : "إن الملائكة غير داخلين في العموم ، لقوله جل ذكره )تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ((5/5)
لكنهم لم يأتوا بدليل مقنع لأن الأصل إجراء العموم على ماهو عليه ، ونحن ينبغي أن نتكلم علميا لا عاطفيا ، فبعضهم حكى الإجماع في أن الملائكة غير داخلين، لكن الحق إثبات هذا الإجماع دونه خرق القتاد ،أمر صعب ، مع ما قدمنا من قول من قال بأنهم يدخلون ، فلا يمكن أن يكون هناك إجماع مع ذكر معارض ، لكن الصواب وقبل أن أحدده وأحرره أقول هناك رسالة دكتوراه للشيخ الدكتور محمد ابن سيدي ابن الحبيب ، أستاذ في جامعة أم القرى بمكة المكرمة عنوانها:" الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم عليه السلام "، هذه الرسالة الحق أنها رسالة قيمة نوقشت في الجامعة الإسلامية ثم إن الظاهر أن الشيخ عين في جامعة أم القرى وليست بيني وبين الشيخ أي علاقة شخصية ، ولم أره ولم أقابله ، لكن العلم رحم بين أهله ، وأنا رجل آتاني الله الإطلاع على الكتب فمنذ وقفت عليه هذا كتاب قيم المقصود أن هذا الشيخ وفقه الله ممن استطاع بقدرة علمية أن يجمع قضاياه، في هذه القضية التي نحن ، على هذا فنعود وعلى هذا نحن نقول ما حرره الأكابر قبلنا : أن الملائكة غير داخلين لكنهم غير داخلين بمخصص منفصل ، خرجوا من هذا العموم بمخصص منفصل .
السؤال ماهو المخصص المنفصل ؟ المخصص المنفصل العقل ، والأصوليون يقولون :"لأن العقل مخصص منفصل ، قال صاحب مراقي السعود :
وسمي مستقله منفصلا
بالحس والعقل نماه الفضلاء
والمعنى أن العقل يكون مخصصا ، قال والدنا الشيخ الأمين في شرح مراقي السعود يسمى" بنشر البنود "، قال – معنى البيت - : " أن يكون العقل مانعاً من ثبوت شمول ذلك الحكم لهذا المخصص "
أ.معمر :كيف نطبق في الآية ؟.(5/6)
الشيخ صالح : كيف نطبق في الآية ؟؟، لكني قبل نتكلم في قضية شيء خارج الآية حتى نعرف ما معنى أن العقل يكون مخصصا ، الله جل وعلا يقول )اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ( هذا مثل ضربه الشيخ الشنقيطي في نشر البنود ، هذه الآية معناها أن الله خالق كل شيء لكن بالعقل ليس معناها خالق لنفسه لاستحالة ذلك عقلا ، ليس معناها أن الله خالق لنفسه لاستحالة ذلك عقلا .
أ.معمر : فلا يشمله عموم اللفظ .
الشيخ صالح : لا يشملهم عموم اللفظ، لكن ما الذي أخرجه ؟
العقل
ما الذي أخرج ثبوت الحكم ؟
العقل ، فالعقل يقول : يستحيل أن يكون الله داخل في الخلق .
دعنا نطبق على الآية ، الآية كيف أن قضية العقل مخصص منفصل ؟؟ نقول : إن الملائكة عليهم السلام كانوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقبل نبوة آدم ، بل قبل خلق آدم ، وكانوا وما زالوا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، فهم خارجون عن الخطاب بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بذلك.
أ.معمر : طيب هذا الخروج ألا يكون بهذه النصوص التي ذكرتها ألا تدل على أنهم يعبدون الله لا يعصونه ، نقول خروجهم بالنص وليس بالعقل ؟
الشيخ صالح : لا ، العقل أخرجهم في تصديق القضية ، يعني العقل هذا الذي جعلنا نقول نخرج الملائكة ، هم داخلون في الأصل ، العقل يثبت أن هؤلاء غير مكلفون ، كيف عرفنا أنهم غير مكلفين ؟
بالنظر العقلي في تلك الآيات ، بالنظر العقلي لتلك الآيات ، متى تكون الآيات هي المخرج ؟
لو قالت الآيات أن الملائكة ليسوا من العالمين ، هنا صح
لكن عموميات القرآن أدرجت الملائكة ، لكن بالعقل عرفنا من القرآن لأن العقل لابد أن يعمل بنص لا يمكن أن يعمل لشيء غير موجود ، فيعمل العقل في النصوص ونعرف أن إعمالنا للنصوص أن الملائكة خرجوا لأنهم أخبر الله عنهم أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون(5/7)
طبعا يمكن أن يقال لكني لم أقف على من قاله ولذلك الإنسان يتريث الذي أفهمه من كلام الله ولا أحب أن أتقدم به الآن خاصة في السن هذا
نقول : "إن الإنسان يجب أن يتصور الآية في أصلها فقول الله جل وعلا )لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً( المخاطب أهل التكليف هذا الصواب عندنا
بالمخصص الذي نراه لكنني مشيت على سنن الأكابر لعلوا كعبهم ودرايتهم وأمرهم وبعض الأمور التي يفتح على المرء في زمن قد يريث الحكم والجزم بها ، حتى مرحلة أخرى من تلقيه للعلم .
أ.معمر : ما زال عندي إشكالية في هذه المسألة لكن أستأذنك في هذه الاتصالات ، أخونا من ليبيا إبراهيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تفضل يا إبراهيم .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أ.معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المتصل : يا شيخ ما الفرق بين العرض والجسم ، في مصطلحات المتكلمين .
أ.معمر: سؤال آخر يا أخ إبراهيم ؟
المتصل : لا ، بارك الله فيكم .
أ.معمر : معنا من الشرقية أم خطاب السلام عليكم .
المتصلة : يا شيخ أنا دخلت دورة تجويد ، علوم شرعية ، و بالتجويد بس ما فهمت شيء يعني أحسن أني ما عرفت أطبق التجويد بشكل صحيح هل هذا دليل على أنه ما فينا خير ،وما هي الطريقة الأولى لطالب العلم ويش يقرى الكتب اللي ينصح بها الشيخ .
أ.معمر : شكرا يا أم خطاب ، معنا أيضا محمود السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(5/8)
أ.معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حياك الله شيخ محمود .المتصل : الوالد الشيخ صالح المغامسي ، شكر الله سعيه ، شيخنا الكريم نلاحظ أن الآيات المتعلقة بالدعوة إلى التحلي بمكارم الأخلاق في القرآن المجيد هي من أوائل ما خاطب الله به أهل مكة ، في السور المكية من القرآن كذلك ما أشار إليه بعض أهل العلم إلى أنها وأجر ما يمتدح به بينهم كالدعوة إلى الكرم والإنفاق والإحسان وغيره ، فالدعوة أيضا إلى حفظ الفروج إلا على الزوجة وملك اليمين ، فحبذا لو أشار الشيخ إلى أنه يجمل في دعاة الإسلام وحملته في بلاد غير المسلمين إذاعة ونشر سبق ديننا الإسلامي العظيم فيما يظنون أنفسهم بدعا في التزامه من تكافل اجتماعي وحقوق الإنسان وغيرها من برّاق الشعارات التي ظن بعض ضعاف الإدراك من أبناء المسلمين اليوم أن سبق الغرب إليها حادث وجديد ، والله يشكر لكم .
أ.معمر : شكرا لك على هذه المداخلة القيمة ، وأيضا نشكر لك على مداخلاتك القيمة من خلال المنتدى.
شيخنا الفاضل نعود إلى أخينا إبراهيم من ليبيا يقول : ما الفرق بين العرض والجسم ؟
الشيخ صالح : حيى الله أستاذ إبراهيم ، هو ليس في اصطلاح أهل السنة ، هو من مصطلحات المتكلمين طبعا ، بالنسب للاصطلاحات يقولون : لا مشاحة في الاصطلاح ، وهم يجعلون الجسم أقرب إلى التحديد بخلاف العرض والجوهر ، لكنني لا أنصحك بالإغراق في مثل هذه المسائل ، لأنها في الغالب من جربها قبلنا كالرازي رحمه الله وغيره قال رحمه الله قبل وفاته - : "ومن جرب تجربتي عرف معرفتي " ، والخوض في مثل هذه الأمور أحيانا يظن الإنسان أن يبلغ به شأواً ولكنه بعد ذلك يسوقه لأنه يعطي شيء من العلم ، لكنه لا يحتاج إليه فيضطر للعمل به ، فيعمل به في غير موضعه وينجم عنه أمور لا تحسن كثيرا .
أ.معمر : حتى لو بلغ مبلغا من العلم ؟(5/9)
الشيخ صالح : حتى لو بلغ مبلغا من العلم ، يعني لا أدري المستوى العلمي للأخ إبراهيم وإن كنت أظنه حصل كبيرا لكن يخشى على الناس في الخوض في مثل هذه الأمور .
أ.معمر: أم الخطاب تقول دورة التجويد .
الشيخ صالح : أم خطاب قالت : هل نحن ليس فينا خير ؟؟
فيكم الخير كله ، لكن التجويد علم يراد به ضبط تلاوة القرآن ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، والمهم أن يبتعد الإنسان عن اللحن الجلي المغير للمعنى ، أما اللحن الذي الخفي قضيا أحكام النون الساكنة والميم الساكنة والتنوين وأمثالها فالأمر فيه يسير وإن تيسر لك فالحمد لله ، وإن لم يتيسر فلا يعارض هذا حصول الأجر .
الكتب التي أشارت أن ينصح بها: يختلف نحن كما قلنا من قبل أنا أجهل ما قرأت من قبل لكن هناك كتب في العقيد: للشيخ عمر سليمان الأشقر ، جيدة في بابها مثل الجنة والنار ، اليوم الآخر ، القيامة الكبرى ، هذه طيبة .
أ.معمر : يا شيخ طالب العلم المبتدأ .
الشيخ صالح : هذه الكتب محررة جيدا تعتمد على أحاديث صحيحة لكن كلمة طالب علم هذه كلمة مطاطية ، لا ندري ما الشهادة التي معه ، فإن كان الإنسان لم يتجاوز المرحلة الجامعية فلا يوجه العلم تماما ، يتريث .
أ.معمر : محمود ينبه إلى مسألة مهمة وهو الدعاة في غير بلاد المسلمين إلى مسألة التنبيه التشريع الإسلامي للأخلاق الفاضلة .
الشيخ صالح : نعم ، ما ذكره الشيخ محمود حق ، وسنشير إليه إن شاء الله لعله يأتي والقضية قضية دعوية لعلها تأتي في بابها ، وفي وقتها بإذن الله .
أ.معمر: نرجؤها .
الشيخ صالح : شاكرا له تواصله .
أ.معمر : أعود يا شيخ إلى مسألة تخصيص النص ، أو النص بالعقل أنت جزاك الله خير خصصت بالعقل بناء على بعض الأدلة، لكن يا شيخ بعض طلبة العلم قد يطلق العنان في هذه المسألة ، وتخصيص أي عموم نص بمجرد أن العقل لا يحتمل هذا الأمر لابد من ضوابط لهذه المسألة .(5/10)
الشيخ صالح : الذي يتكلم فيما لا يدري هذا مصيبته فيه
لكن علم أصول الفقه علم شبه منضبط ، وفيه متون ألفت ، ومراقي الصعود من أعظم الذي نُص فيه ، هذا أمر فرغ العلماء كثيرا منه ، وحرروا فيه آليته ، فمن لم يطلع عليها ولم يقرأها ولم يعرف ضوابطها يصبح القدح فيه لكن هي المشكلة أحيانا أن الإنسان يطلع على جزئية فيقرؤها ويريد أن يصدر نفسه من خلالها
أو لا يحسن التفريق ما بين المتشابهات
وأحيانا تأتي الإشكالية في الجهل باللغة
أو الجهل بأسلوب العرب في كلامها
وهذا تحدثنا فيه كثيرا ، مثال النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما "
فإن من كان على السليقة العربية يفقه أن المقصود من النص تغليظ سفك الدماء ليس المقصود من الدماء الإذن بغيره ، فيأتي إنسان يفهم يقول : معناه يقول : اسرقوا ازنوا ، الأمر واسع ، هذا محال .
أ.معمر : ما دام لم يصب دما حراما .
الشيخ صالح : "ما لم يصب دما حراما" ، لكن ليس المقصود هذا ، المقصود تغليظ مسألة الدماء ، ولهذا من في قلبه دغل ، أو فهمه سقم ، يأتي لبعض العلماء أو المشايخ أو لمحاضرة فيقول الشيخ كلمة يريد بها أمرا معينا ، فيفقهها هو كما فهم صاحبنا هذا الحديث ، ولذلك القضية كلها تقوم على أن الإنسان إذا تصدر وأراد أن يطير قبل أن يريش ، مع قلة التقوى ، لكن الإنسيان إذا كان عظيم التقوى حتى لو علم بعض العلم تورع ، ولهذا علمان من أحاط بهما أهل لأن يتصدر :
1. علم أصول الفقه .
2. وعلم اللغة .
ولهذا تجد بعض الأكابر بصراحة عندما تقرأ له ، وتجد في علمه تمكن وقدره تلحظ فيه أنه أعطي قدرة في أصول الفقه ، وفي اللغة مع شيء من التقوى .
أ.معمر : وهناك ترابط بينهما .(5/11)
الشيخ صالح : وهناك ترابط لكن هي قضية المحك هي قضية التقوى ، والتجرد لله ، ولا يكون الإنسان همه إظهار الخصم ، يعني بعض الناس يعني يتصل أو يسأل أو يبعث برسالة تعجب أنه لو تريث قليلا لو بحث لو قرأ وجد أمور أخر ، غير وهو يعتقد أن الإجمال منعقد فيما قاله ، وهو ليس هناك إجماع بل قد يكون رأي الجمهور على خلافه ، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل .
أ.معمر : شيخنا قبل أن نخرج عن عمومية الرسالة من المساءل التي تبحث هنا فيما يتعلق بيأجوج ومأجوج هل بلغتهم الرسالة المحمدية ؟
الشيخ صالح : وهذه كذلك لا يعلم فيها نص صريح ، لكن الذي يفهم أن يأجوج ومأجوج قبائل كانوا موجودين قبل البعثة ، وموجودين زمن البعثة وموجودين في زماننا .
أما الدليل على أنهم موجودون قبل البعثة )قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض)
وما الدليل على أنهم موجودون زمن النبي صلى الله عليه وسلم: ففي الصحيحين من طريق الزهري عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال )لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ( فهذا يدل على أنهم موجودون في زمن النبوة .
والدليل على أنهم موجودون في زماننا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله يقول لعيسى ) إنني أخرجت عباد ليس لأحد بهم يدا فحرز عبادي إلى الطور ( والمقصود أنهم موجودون .
العلماء يقولون: لما جاء الحديث عند مسلم " أخرج بعث النار"
وأنه حكم عليهم بالكفر وهذا صحيح واضح حديث صحيح في مسلم ، فلا يمكن أن يقام عليهم كفر إلا ووصلتهم الدعوة ، فالمحفظ عند أهل العلم في أن الدعوة وصلتهم ، لكن لا نعلم شيئا يروي الظمأ في مسألة كيف بلغتهم الدعوة ؟؟(5/12)
نقرأ لبعض الأفاضل من العلماء يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليهم في رحلة المعراج ، لكن لا نملك دليلا يثبت هذا ، فنحن متوقفون في إثبات كيف وصلتهم الدعوة .
أ.معمر : لكن وصولها ثابت .
الشيخ صالح : لكن ثبوتها يدل عليه ظاهر السنة ، لأن الورع ينبغي أن يحتاط الإنسان في عبارته . يدل عليه ظاهر السنة وهو أنهم يخرجون إلى بعث النار والله أجل من أن يعذبهم من غير أن تقوم عليهم الحجة ، فنقول : إن الحجة بلغتهم ، لكن كيف ؟.متى ؟
علمها عند ربي .
أ.معمر : أحسن الله إليكم شيخ صالح ، نعود للإخوة على الهاتف معنا أبي الحسن من الرياض ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله ، يا شيخ حفظكم الله ونفع بعلمكم عندي إشكال بسيط أريد حله لو سمحت .
الشيخ صالح : تفضل .
المتصل : يا شيخ تكلمت عن العقل يخصص ، ولكن الإشكال أن هناك آيات تدل على أن الله لم يخلق وغيره مخلوق ، وكذلك هناك أدلة تدل على أن الملائكة غير مكلفين كما ذكرت من الأدلة ، فأين تخصيص العقل في ذلك ؟؟هي أدلة خصصت أدلة .
أ.معمر: أبو الحسن ، الإشكال طرح على الشيخ وأجاب عليه .
الشيخ صالح : أتحاور معك ، ممكن أناقشك الآن ، ما فهمت الوجه الأول قلت العقل مخصص .
المتصل : أن العقل قد يخصص .
الشيخ صالح : العقل يخصص ، القول بأن العقل يخصص ليس قول أبي هاشم ليس قولي ، الأصوليون من العلماء من أهل السنة قالوا : بأن العقل يخصص " فأنا هنا ناقل ، لست مؤصلا ،لست مؤسسا لعلم جديد ، فنقول إن علماء الأصول اتفقوا على أن العقل مخصص
قال الشيخ : عبد الله ابن يزيد رحمه الله الشنقيطي في منظومته في الأصول :
وسمى مستقله منفصلا
بالحس والعقل نماه الفضلاء
أي الفضلاء من العلماء نسبه لعقل ، واضح أنت معي .
المتصل : واضح .
الشيخ صالح : قال شيخنا الشنقيطي في نشر البنود يشرح(5/13)
هذا يشرح كلام الشيخ عبد الله في هذه القضية قال : أنهم متفقون على أن العقل من المخصصات المنفصلة ثم شرح قال : فمثلا الله جل وعلا يقول )اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ( فكل من ألفاظ العموم بالاتفاق ، من ألفاظ العموم، لكن العقل عنده هم يقولون هذا يستحيل أن يكون الله خالق لنفسه ، الأمر متفق عليه - واضح -
فأنت تراه أنت ترى حفظك الله أن المخصص غير العقل
وأنا أقول لك : إن قولك إن المخصص هنا غير العقل كلام عندي أنا مستقيم ، لكنني أنا هنا لا أتجرأ أن أهدم بنيانا ساسه الناس من قبل ، لأنك إذا أردت أن تهدم بنيانا سابقا لابد أن تأتي ببنيان متكامل يقوم مكانه لا يكفي أن تأتي بجزئية منه ،هذا بارك الله فيك
أما قضية الملائكة غير مكلفون فنعم الملائكة غير مكلفين لكنهم يدخلون في قول الله للعالمين لأن العالمين كل ما سوى الله
وهم داخلون )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( وأنا قلت أن الأوجه أن يقال أنهم غير مكلفون ، قلت قبل أن تسأل قلت للأخ معمر قلت لاكني لا أتجرأ في سني هذا على أن أبعثه وأنشره ، إنما قلت من باب العرض لا من باب الجزم(5/14)
لأن الإنسان يبقى على سنن الأكابر من قبل لأن هؤلاء قرؤوا كما قرأنا واطلعوا كما اطلعنا ، وكانوا أعظم تقوى وأقرب إلى الصواب حتى يستبين لنا بعد مباحثات ومناقشات وقراءات لما دونوا رحمهم الله حتى بعد ذلك نجزم بأن نقول شيء خلاف الذي قالوه ، لكن الملائكة غير مكلفين نعم ، لكن هم يقولون إنهم مخاطبون جملة ، وقلت لك :إن السيوطي رحمه الله قال بهذا وإن كان جمع من العلماء قالوا إن الإجماع نقلوا الإجماع بأنهم غير مخاطبين وهذا بالنسبة لي أقرب لكن أنا هنا لا أعبر عن نفسي وعن آرائي إنما قلت هذه بنايات علمية أساسها الأكابر من قبل نحن ننقلها للناس مقصودنا من هذه اللقاءات المباركة في مثل هذه البرامج هي زيادة الوعي لدى الناس ، و التبصرة فيما حرره الأكابر من قبل وعدم الجرأة على هدم بنيانهم مع أنني أحترم جدا طريقة عرضك ومداخلتك ومناقشتك تدل على أنك لا أزكيك أنا لا أعرفك لكن على أنك تفقه جيدا ، ولو لم يكن في ما طرحته إلى أن بعث الهمة في أمثالك أن يناقش لكان خيرا عظيما .
أ.معمر: طيبا أبو الحسن واضح ؟
المتصل : واضح و جزاكم الله خير .
أ.معمر : جزاك الله خير، وشكرا لك ، معنا أبو عبد العزيز من الرياض ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : السلام عليكم ورحمة وبركاته .
أ.معمر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المتصل :الشيخ صالح كيف الحال ؟؟
الشيخ صالح : حياك الله أبا عبد العزيز .
المتصل : الله يجزاك خير ، شيخ صالح عندي ثلاث أسئلة سريعة : الأول : هل لديك مؤلفات ؟
السؤال الثاني : ما هي فائدة الخلاف في أن الملائكة مكلفين أو غير مكلفين ؟
السؤال الثالث : في قول الله عزوجل : (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) هل يدخل في ضمن هذه الآية ما يصاب الإنسان من أعراض وأمراض تدعوه إلى الرجوع إلى الله عزوجل .
هذه ثلاث أسئلة وجزاكم الله خير ونفع الله بعلمك .(5/15)
أ.معمر : شكرا أبو عبد العزيز أنا أشكرك وأشكر الأخ أبالحسن ، أشكر جميع الإخوة على هذا التفاعل ، لأن الثمرة من هذه الحلقة ومن أي حلقة هي التفاعل بين الضيف وبين المشاهدين الكرام ، معنا أيضا عبد الرحمن من الدلم وأتمنى أن تكون المشاركة متعلقة بالحلقة .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أ.معمر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المتصل : شيخ معمر .
أ.معمر : تفضل يا طويل العمر .
المتصل : أسأل الله أن يعمر قبلك بالإيمان وطاعة الرحمن .
أ.معمر : اللهم آمين .
المتصل : شيخ صالح أسأل الله أن يصلح قلبك ، وأن يصلح نيتك .
الشيخ صالح :حياك الله ، آمين .
المتصل : وأسأل الله أن يكرمك بدخول الأعلى من الفردوس الأعلى من الجنة ، ويغفر لك شيخ ولوالديك .
الشيخ صالح : آمين .
المتصل : سؤالي إليك جعل في الجنة يا رب ، أقول يا شيخ : بعض الناس يقدر له أنه يقرأ القرآن في الليل والنهار ، في السر والجهار ، ويسمع القرآن لكن يا شيخ صالح يتمنى دمعة واحدة تنزل ما يستطيع يا شيخ والشيخ بعضنا يا شيخ بعض كبار السن يا شيب كبير في السن ما تعلم وما يعرف التفسير لكن سبحان الله ما إن يقرأ حتى يبكي يا شيخ ، شيخ صالح ماهو السر في ذلك ؟ أسأل الله يا شيخ صالح أن يعلي مقامك ، وأن يعلي ذكرك وأن يحفظك من بين يديك ومن خلفك ، شيخ صالح استودعك الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أ.معمر : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، جزاك الله خير أخي الكريم على دعواتك وعلى مداخلاتك ، المتواصلة في هذا البرنامج أستأذن مشاهدي الكريم ، ثم أستأذن شيخنا الكريم لهذا الفاصل ، مشاهدي الكرام فاصل قصير نتابعه، ثم عودة إليكم فبقوا معنا .
أ.معمر: أهلا ومرحبا بكم مشاهدينا الكرام مرة أخرى في هذه الحلقة التي هي بعنوان : " آيات مكية"(5/16)
باسمكم جميعا نرحب مرة أخرى بضيفنا الكريم حياكم الله شيخ صالح ، قبل أن نواصل فيما يتعلق بمحاورنا نعود إلى اتصال الأخ أبي عبد العزيز يسأل إذا كان كم من مؤلفات معينة ؟
الشيخ صالح : ليس لي مؤلفات كما هو معلوم ، ونسأل الله التوفيق .
أ.معمر : اكتفيتم بالشرايط يا شيخ .
الشيخ صالح : بعضها فرغ وصدر عن بعض الدور، لكن مؤلف كذا مرتجل موجود، لكن مؤلف أنا كتبته لا يوجد .
أ.معمر : يسأل يا شيخ الفائدة عن الخلاف في أن الملائكة مكلفين .
الشيخ صالح : نعم ، يعني في نقطة أساسية أحيانا الناس لا يحتاجون إلى جواب نعم أو لا ، ثمة أمور مسائل تتعلق بالتفسير صحيح أنه لا ينجم عنها فائدة في الأجر ، بمعنى أنه في الأجر وبتعبير أوضح ليس لها علاقة بالعمل ، لكن لها علاقة بإعمال الذهن ، ولها علاقة بإدراك تصورات العلماء في المسائل الشرعية ، فالنظر فيها والتأمل فيها يزيد من قدرة طالب العلم من أن يكون قوي الملاحظة ، متطلع على ما دونه الأكابر ، في مسائل العلم
وإذا كان يوجد من النقاد وغيرهم من ينشغل ببيت شعر يغرق فيه ويحرر ويكتب مثل معجز أحمد في شرح ديوان المتنبي ، ويسهر الإنسان الليالي في أبيات شعرية قالها أفراد ، من تعبد الله جل وعلا أن يدرس كتابه صحيح أن هذا الكلام لا يخاطب به كل أحد
لكن هذا البرنامج موسوعي ونحن قلنا وأنتم ذكرتم وفقكم الله في أول اللقاء أن الوقفات تختلف في وقفات دعوية ، وفي وقفات تاريخية ، وفي وقفات بلاغية ، في وقفات إيمانية ، لأننا نخاطب فئات متفاوت من المجتمع ، هذا أمر يجب أن تدوينه(5/17)
في قضية أساسية أقول لكل من يطلب علمًا ويريد أن يكون إمامًا من الصفات التي يجب أن يتحلى بها ، أن يكون شجاعا ، ومعني أن يكون شجاعا أن لا يغمض عينيه ، معني لا يغمض عينيه مشكلة الناس العقل كما مر معنا في أول اللقاءات القطوف الدنية ساد في زمن المعتزلة ، وجعلوا للعقل سلطان على النقل ، أخطئوا ، فجاء فريق بعدهم يقرأ ما صنعه المعتزلة من دور للعقل وهو يريدوا أن يفروا من شبح المعتزلة من براثن المعتزلة من شباك المعتزلة ، فيريد أن يهمل العقل وهذا غير صحيح ، ينبغي للإنسان أن يقف شجاعا يعرف إلى أي حد يمكن أن يستخدم العقل
الله خاطب في كتابه أهل العقول ،بل إن الإنسان إذا فقد عقله جزئيا أو كليا أصبح خارجا عن مناط التكليف ، " رفع القلم عن ثلاث "
وقال : " المجنون حتى يفيق " لأنه لا عقل له ،
" والنائم حتى يستيقظ " لأنه لا عقل له ،" والصبي حتى يكبر " لأن عقله قاصر ، و حتى في الأموال الله يقول : (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً) عقلا تتصرف فيه )فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ( فلا تعطيه ماله إذا كان ناقص العقل ، فالعقل احترامه مطلوب لكن لا سلطان للعقل على النقل ، وإنما نحن فهمنا بالعقل أولئك الأكابر فهموا بالنقل إدخال العقل فيمثل هذه المسألة ، يعني جعلوا العقل مستقلا مخصص منفصلا مستقلا باعتبار ما دلت عليه النصوص ، فأحيانا يكون الخلاف أشبه بالخلاف اللفظي ، كما ذكره أخينا الشيخ أبا الحسن ، أو ما ذكر أبو عبد العزيز .
أ.معمر: يسأل عن قوله )وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ(
الشيخ صالح : قال الله )وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ( المقصود منها أن الله جل وعلا في كتابه العظيم إنما تدعو ما أمر به ونهى عنه إلى دار السلام ليس يبعد يشمل ذلك أن ما أصاب الإنسان أن يكون عونا على أن يدخل به الجنة ، لكن ...
أ.معمر : عبد الرحمن يا شيخ يسأل عن التأثر عند قراءة القرآن .(5/18)
الشيخ صالح: هذه لا أدري ما قول الناس يختلفون ، وقد يعطى الإنسان الدمع فتنة ، لكني لا أجرأ أن أقول قد يحبس عنه الدمع فتنة، لأن الله جل وعلا أثنى في آيات فيهن شيء من الإطلاق لا أعلم فيها تقييد ، على من يبكي لكن أحيانا عياذا بالله قد يكون وأنا لا أخص أحدا بعينه ولا أحكم لكن:
• قد يكن في الإنسان سريرة تمنعه من أن يكون قريب الدمعة ، وهذا الإنسان يتفقد .
• لا يكون الإنسان يحمل في قلبه بغض لأحد والديه ، وهذا من أعظم الموانع.
• أن يكون الإنسان في بيته أحد يظلم يقوم هو بظلم (زوجة أو ولد أو يتيم أو أخت ، خادمة قريبة
، أو مستأجر ، يكون الإنسان عياذا بالله مثلا له سلطة وتحته إنسان مثلا يستحق الترفيع فحال بينه وبينه عمدا ، منع أداء الحقوق .
إلا اثنتان فلا تقربهما أبدا
الشرك بالله الإضرار بالناس
هذه من موانع حبس الدمعة ، أحيانا يكون والعياذ بالله الإنسان أصلا لا يرد الله والدار الآخرة من أعظم الموانع ، فالموانع تحديدا تختلف لكن الإنسان عليه أن يراجع نفسه كثيرا . ولا يدري الإنسان أيهم أقرب إلى الله من بكى أو من لا يبكي .
أ.معمر: الإخلاص دور كبير في هذه المسألة ومادام الحديث عن الدعوة، لعلنا نتكلم عن الإخلاص في الدعوة ، إذا كان هناك من أمثلة دعوية ناجحة ممكن للدعاة ممكن لطلبة العلم لكل مسلم أن يتقفاها
الشيخ صالح : الإخلاص مطلب عام لكن الفقه الفهم ، العقل نعود للعقل الإدراك ، هذا يساعد النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة
وكان ممن هاجر ابن عمه وأشد الخلق شبها به جعفر ابن أبي طالب ، أثار هذا قريش ، فبعث القرشيون عمرو ابن العاص ، يريدون منه أن يقنع النجاشي أن يخفر ذمة هؤلاء ، حصلت كما تعلمون في السيرة المداولات فكان جعفر مقدما ليجيب(5/19)
هنا نأتي لما ذكره أخونا الشيخ محمود وفقه الله في أول اللقاء في قضية مكار الأخلاق ، عندما جاء جعفر رضي الله عنه يعطي تصور للنجاشي هذا ملك وهذا غريب الثاني مهاجر إلى بلده ليس من أهل البلدة أصلا ، لجأ إلى قضية الأخلاق ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أولا ما كان عليه أهل الجاهلية من سفك الدماء وقطيعة الرحم ، وذكر الأسس العظيمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه ، في قضية صلة الأرحام ، وحفظ الدماء وهذه الأمور الإنسانية كلها تطلبها ، كلها تؤمن بها ، والشرائع السماوية كلها جاءت بها ، ولهذا كما قال الشيخ محمود : وإن علت في الغرب اليوم فهي في كتاب الله من قبل ، لكن قَلّ من يحملها فحملها ناس من الغرب بحجة الكفر بالطاغوت لا الإيمان بالله ، فالغرب فيهم كفر كثير بالطاغوت ، لا يؤلهون أحد ، لكن ليس فيهم إيمان بالله ولهذا لا يقبل منهم بر ولا لكن الدين الكامل والهدي الواضح والمنهج الحق في كلام الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم ، فجعفر من عقله وحكمته لما قال له النجاشي هل معك مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم شيء ، ماذا تلا عليه ؟ )كهيعص{1} ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا{2} إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً{3} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً{4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً( أخذ يقرأ عليه آيات تزلزل ،هذه الآيات مما يفقهها النجاشي لأنه نصراني ، يعرف زكريا يعرف مريم يعرف عيسى ، فيأتي بآيات متتابعة تصور أولئك الصالحين ، تخبر عن أولئك الصالحين وتبين ثناء الله عليهم(5/20)
فاستطاع جعفر بذكائه بفقهه هو جاء بالقرآن لكن اختار آيات تناسب هذا المقام ، استدر بها عطف الملك حتى أبكى النجاشي أي جعفر بتلاوته وأبكى أساقفته ، لكنه لو قل له )أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ( لو فرضنا أنها نزلت لكأنه يغرض بأهل الحبشة لأنها نزلت فيهم ، ولا يناسب المقام .
لذلك الإنسان عندما يريد أن يدعو إلى الله أولا :يكن همه في دعوته أن تكون كلمة الله هي العليا ويتخلص من أثر البيئة ، ثم بعد ذلك يبدأ يعرض الدين كما أنزل والدين لا يحتاج منا إلى تحسين ، حسن لأنه من عند الله .
أ.معمر: شيخ عندي بعض الوقفات ، لعلي أنتقل للوقفة البلاغية ، طبيعة البرنامج أنها طبيعة متنوعة ، في قوله تعالى في سورة طه )وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى( أيضا في سورة القصص )اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ( يا شيخ تكرير هذه العبارة وهذا الضابط من غير سوء لا شك أن له مدلول معين .
الشيخ صالح : البلاغيون يقسمون علم البلاغة إلى ثلاثة أقسام :
1. المعاني .
2. البيان .
3. البديع .
ومما يندرج في البديع ما يسمى من أنواع البديع يسمى بـ(الاحتراس)(5/21)
ومعنى الاحتراس : أن المتكلم يتوجه إليه في كلامه دَخَلَ ، فيفطن إلى ذلك الدخل فيسده ، يتوجه في كلامه دخل فيفطن إلى ذلك الدخل ويسده ، فهذه الآيات المعنى موسى عليه السلام كان يميل إلى السمرة كأنه من أزد شنؤة ، آدم ، فالله يأمره أن يدخل يده في جيبه ويخبره أن اليد التي ستخرج بيضاء حتى لا يتوهم أنها ستخرج بيضاء بسبب كذا وكذا لا داع للتصريح ، فسد الباب هذا الذي يفطن له المتكلم الله جل وعلا ما يقال في حقه هذا نحن نتكلم كلاما عام ،قال جل وعلا )بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ( هذه "من غير سوء" عند البلاغيين تسمى احتراس ، احتراس مم يتوهم أنها خرجت بيضاء لشيء غير محمود ، لسوء مثلا .هذا معنى الاحتراس وهو نوع من أنواع البديع .
أ.معمر : ما دام حديثنا عن البلاغة ولغة العرب دائما يكرر أن القرآن نزل بلغة العرب يعني لو نضرب بعض الشواهد ضربت هنا وهناك.
الشيخ صالح : ممتاز ،هذا الاحتراس القرآن جاء بلغة العرب والعرب كانت تعرف الاحتراس ، صحيح أن البلاغيين هم الذين سموه بهذا لكن الأسلوب كان موجود ، قال طرفة ابن العبد شعراء المعلقات ، ولد ومات قبل البعثة ، يخاطب احد الناس :
فسقى ديارك غير مفسدها
صوب الغمام وديمة تهمي
فسقى ديارك : دعاء
صوب الغمام وديمة تهمي : واضح يعني المطر ،.
قال قبلها :
فسقى ديارك غير مفسدها : لأن المطر أحيانا يأتي منه تغير المعالم وإفساد الديار كما تفعل الفيضانات وجريان الماء
فقوله : غير مفسدها : احتراس مما يتوهم أنه دعا عليهم
فسقى ديارك غير مفسدها
صوب الغمام وديمة تهمي
وهذا أسلوب راقي والقرآن نزل بلغة العرب وعلى سنن ونسق كلامها .
أ.معمر : إتماما لهذه الفائدة لو نذكر أيضا بعض أنواع البديع التي وردت في القرآن الكريم نتذوق الجماليات .
الشيخ صالح : من الجماليات مثلا ذكروا وهذا ذكره المتأخرون ، كالحموي ذكروا الاستثناء .
والاستثناء أيها المبارك ينقسم إلى قسمين :(5/22)
1. استثناء لغوي .
2. واستثناء صناعي .
والاستثناء اللغوي : إخراج القليل من الكثير ، وهذا في المدارس يدرسونه في الأول المتوسط الظاهر، يقولون : حضر الطلاب إلا طالبًا ، أكلت الأرغفة إلا رغيفًا ، هذا استثناء لغوي ، حرره اللغويون وزادوا فيه ، الذي في البلاغيين هو نفسه لكنه يكسب طلاوة تزيد الكلام بهاءً ، مثاله في القرآن الله جل وعلا يقول )فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ )
ترى هذه تفرق كثير لو قال الله فسجد الملائكة إلا إبليس، كلهم أجمعون هذه الزيادة جَعَلت للاستثناء بهاءً وهو أنه عَظَمْ خطيئة إبليس ، أي أن الملائكة جميعا في وقت واحد سجدوا وإبليس امتنع
وهذا يهول عظيم ما صنعه إبليس ، ويبين أن إبليس أقدم على أمر أجمعت الملائكة على خلافه
هذا مثال مثلا في حياتنا المعاصرة يأتي في مجلس حي جيران يجتمعون وهؤلاء الجيران فيهم سعوديون فيهم مواطنون مقيمون إخوة لنا فيهم ملاك فيهم مستأجرون ، فيجتمعون في مجلس الحي ويريدون مثلا أن يقرروا شيء فيوافق جميعاً فيأتي إنسان فيه حب الشذوذ ، فيعارض فيأتي أحد الحاضرين يلومه يقول : يا أخي الجيران كلهم الملاك والمستأجرون المواطنون والمقيمون وافقوا إلا أنت ، تلاحظ أن كلمة الملاك والمستأجرون والمقيمون والمواطنون ، غَلّظَتْ الأمر أعانت على جعل هذا المستثنى في أمر فظيع
فالله جل وعلا يقول في كتابه العظيم )فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً( يتكلم عن نوح )فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً((5/23)
قبل أن أجيبك على هذا نأتي لحياة الناس ، الآن تقرأ أيها المبارك في الجرائد بعض الوكالات لا نسمي ، ينزلون عرض سيارات فيقولون بدون دفعة أولى والقسط الشهري 999ريال ، فرق ترى في قراءتك للقضية 999 يعني ألف ، الفرق بينه وبين الألف ريال واحد ، لكن لفظ تسعمائة وقعه في الأذن غير وقع الألف ، هو يريد أن يخرج صناعة إعلانية ، هو يريد أن يخرج من وقع الألف حتى لا تمتنع 999.
الله جل وعلا هنا يقول )فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً( هنا عكس الوضع، ما قال الله فلبث فيهم تسعمائة عاما لماذا ؟
لأن الله أراد أن يبين أن نوحا معذور في دعائه على قومه ، فأراد أن يبين لك أنه مكث مدة طويلة فلم يقل لك تسعمائة ، قال ألف ثم استثنى ، فقال )فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً( وأنا لا أريد أن أطيل له نظائر في القرآن تدل على أن من رزقه الله العلم بالصناعة اللغوية والبلاغية القدرة الكبرى على تدبر كلام الله ، وأنا أقول دائما :" ينبغي للإنسان إن لم يكن يحمل الآلة لا يجوز له شرعا أن يجرأ على كلام الله" .
أ.معمر : شيخ صالح قبل أن ننتقل إلى الوقفة التاريخية أستأذنك في هذه الاتصالات معنا الاتصال الأول من سمو الأمير خالد ابن طلال ابن عبد العزيز ، السلام عليكم ورحمة الله .
الأمير خالد ابن طلال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
أ.معمر : حياك الله يا طويل العمر .
الأمير خالد ابن طلال: الله يحي الشيخ الله يحي الجميع ، الشيخ المغامسي الله يسلمك يا شيخ ظهورك وشرواك ينفع بك إن شاء الله الشباب والقبول الذي نجده لك في الأرض أن يجعله عاجل بشرى المؤمن
أ.معمر: اللهم آمين .(5/24)
الأمير خالد ابن طلال: أريد من أخ إلى أخ أسلوبك كانت ومازالت الحذر من الإعلام ولا أتكلم عن المجد بالذات لأن الإعلام يوصلنا كلنا ثم بعد من المرات بعد عن الطريق ، وحصل كذلك وبدون ذكر أسماء في كثير من الإخوان سابقا ، الله يثبتك ، وسبب المكالمة هي نظرا لاهتداء كثير من الشباب في هذه البلاد وغيرهم الله يقويهم ،أسلوبك وأسلوب بعض الإخوة ، وهو أسلوب البسيط في توصيل الرسالة لكن الأسلوب الذي يوصل الرسالة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جميع فئام المجتمع ، النقطة التي أردت أن أأكد عليها أن بعض المرات يقحم الأخ الداعية أو الأخ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، مثلا في موضوع مثلا كان المسعى ، المسعى موضوع أرى أنه أتكلم بصفة عامة حساسة جدا ، ولي الأمر استفتى العلماء ، العلماء أعطوا رأيهم ، ولكن هناك علماء قالوا نعم وعلماء قالوا :لا ، بغض النظر عن العدد ، أنا استفتيت الركبان الشيخ وهو من هيئة كبار العلماء واستفتيت الشيخ ابن جبرين ، ورأيت أن فيه مع وعلماء ضد ، والذي عرفته كذلك من العلماء أنه يحق لولي الأمر أن يأخذ برأي عالم واحد ، إذن تأجيج الموضوع هذا زيادة عن ما هو عليه ليس هو من صالح الأمة ، ودليلنا على ذلك أن بعض الجهات الإعلامية الله يهديهم استعملوا مثلا علماء من خارج المملكة ما نقول شيء في حقهم نحترمهم نقدرهم، وكذلك استعملوا بعض العلماء أو من يقال لهم علماء الشياب وإلى آخره في جرايدهم، هنا الله يسلمك بدت تسبب نوع من الفتنة ، أنا شفت كذلك كلام الشيخ في إحدى القنوات وكذلك في الجرايد ،وأردت بس إنه أنبه أو أنه نكون على وفاق أنه إذا الشيخ على أساس ما يطلع لحاله في الموضوع هذا ويظهر أنه هو مثلا ضد العلماء وضد أولاة الأمر أردت فقط يستشهد بالعلماء بأسمائهم الذين رأوا معه بذلك يكون قد رجع إلى من أفتوا من العلماء اللي أهل الذكر اللذين هم علمائنا ، لكي لا يظهر جهة أخرى من الدعاة يأخذون(5/25)
الجهة العالم الذي لا يرى ويكبرون الفتنة فيما بين الجهتين ، فجزاك الله خير يا شيخ وأنت ضليع أولا في الشريعة وكذلك في اللغة العربية كما عرفت وهذا فضل الله عليك وزودك الله ويحفظك الله ويحفظ القناة ، والسلام عليكم ورحمة الله .
أ.معمر: وعليكم السلام ورحمة الله شكرا طويل العمر.
الشيخ صالح : شكر الله لك سمو الأمير وجزاك عنا خير الجزاء أسأل الله أن يبارك في هذه الكلمات ويجعلنا نعان أن نأخذ بمثل هذه الوصايا ، وما ذكرتموه بلا شك محله الصواب نسأل الله أن يقينا وإياكم الفتن ، ولا ريب أن المسألة كما حررتموه ولي الأمر أيده الله استفتى فيها وأفتوه والقاعدة عند العلماء أن المسألة التي فيها خلاف وتبنى ولي الأمر أحد الرأيين حق له ذلك ولو كان واحدا كما قلتموه ، وفي علمائنا و مشائخنا البركة والخير كثير .
أ.معمر : جزاك الله يا شيخ معنا أيضا أحمد.. السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله ،السلام عليكم ورحمة الله .
أ.معمرو الشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة الله .
المتصل : يا شيخ ما رأيك فيمن يعطل آية الجهاد ويقيس عهدنا بالعهد المكي ، وما معنى قول الله جل وعلا ) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً) ؟ وما معنى قول الله جل وعلا )يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ( الله يحفظك يا شيخ جزاك الله خير .
أ.معمر: شكر أحمد ، معنا أيضا محمد ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . كيف حالك أخي معمر ؟
أ.معمر: الله يحيك .(5/26)
المتصل : عندي أمرين أريد الاستفسار من الشيخ، الأمر الأول يا شيخ : الآن أنا معلم والأمر الذي أتكلم عنه يا شيخ يعني متعلق بالقرآن خاصة أنت تعلم أن وزارة التربية والتعليم تضم عدد كبير من المدارس ولو وضعنا مقارنة بين عدد المدارس وبين عدد مدرسين الأكفاء في تعليم القرآن أعتقد أنه لا توجد المقرنة ، لكن الأمر الواقع لما يأتي المعلم إلى مدرسة ويكون ظاهرة الاستقامة مباشرة مدير المدرسة يكلفه بتدريس القرآن ، وهذا هو الحاصل فضيلة الشيخ ، لقة وجود الأكفاء طبعا ، لكن أود منكم يا فضيلة الشيخ نصيحة للمعلمين خاصة من وقع في هذا ، ما الحل له ؟ هذا الأمر الأول .
الأمر الآخر : المقترح للمنتدى لو خدمونا الإخوة في المنتدى يكون لهم الفضل الجليل ، الآن عندنا الشيخ صالح يأتي إلى الرياض على ما أعتقد يأخذ يومين كذا ، وربما يكون له جدول في محاضرات وكذا ، لو الإخوة في المنتدى جدول الشيخ ، اليوم أنا قرأت في الجريدة أن الشيخ عنده حفل تكريم
أ.معمر : إكراما لك أبشر ستكون جداول الشيخ في الأشهر القادمة، موجودة على المنتدى ، وإن كان الإخوة جزاهم الله خيرا دائما متواصلين مع المنتدى . شكرا يا محمد جزاك الله خير .
يا شيخ الوقت يداهمنا نريد نجيب باختصار ثم نعود إلى محاورنا ، أحمد من القصيم يشير إلى من يقول : نقيس هذا العهد بالعهد المكي .
الشيخ صالح : فأما قياسه بالكلية فغير صحيح ، لكن آيات الجهاد قائمة ، وهذا أمر ليس قابلا للنزاع لأن الجهاد إلى قيام الساعة
لكن قضية من يعلن قضية الجهاد هذه من الأمور التي أسندها الله شرعا إلى ولي الأمر ، وولاة أمور المسلمين في الأصل هم مؤتمنون على هذه المسألة ، هذا بالنسب ،لكن آيات الجهاد قائمة لا يمكن أن يقال أن هذا مثل العهد المكي بالكلية .(5/27)
قوله تعالى ) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً( هذا من متشابه القرآن ، بلا شك متشابه القرآن يرد إلى محكمه ومحكم القرآن نطق بأنهم خالدون قال الله تعالى )خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً( وقول ربنا )خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً( هذا من محكم القرآن والقاعدة : أن متشابه القرآن يرد إلى محكمه . مثال قلناه في اللقاء السابق :
النصارى تزعم أن عيسى ابن الله وقالوا أنتم تقولون : إن الكلام صفة من صفات الله جل وعلا، والله يقول بكلمة منه ، فعيسى ابن الله بقرآنكم ، هذا زعمهم .
هذا من متشابه القرآن يرد إلى محكمه
ومحكم القرآن كفر الله من قال إن عيسى ابن الله ، وكفر الله من قال أن عيسى هو الله ، وكفر الله من قال إن الله ثالث ثلاثة ، وقال الله )إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ( هذا محكم يزال به متشابه القرآن
فقول الله جل وعلا )لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً( من متشابه القرآن يرد إلى سننه إلى محكمه في نفس السياقات دلت آيات أخر صريحة ظاهرة على أن أهل النار خالدين فيها أبدا ، قال الله )لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى(
وقال بعد ذلك )يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ( المشهور أنه من صلب الرجل وترائب المرأة ، ولكني لا أستطيع أن أجزم وقد حكى بعض العلماء في هذه الآية ستة وثلاثين قولا ، ثم قال : لا أدري أيهما الصواب .
أ.معمر : ولا يترجح لكم يا شيخ شيء.
الشيخ صالح : ولم يترجح عندي لكن من حيث العموم المشهر المحفوظ أنها من صلب الرجل وترائب المرأة ، والعلم عند الله .
أ.معمر: محمد يسأل تعين معلم القرآن بناءا على الشكل .(5/28)
الشيخ صالح : هو كان ناصحا وفقه الله ، ولكن لا بد أن يفرق ما بين الاستقامة والقدرة على الأداء في قراءة القرآن وتعليمه هذا فيه فرق ، لكن الوزارة الذي أعلمه معالي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد وفقه الله من خيرة الوزراء ووزراؤنا ولله الحمد في هذه البلاد خيرون ، تبذل جهود كبيرة وهناك كليات الآن بدأت يظهر فيها مسار القراءات ، وكليات المعلمين وهذه جهود تحاول إن شاء الله مع الأيام تؤدي الغرض.
المحاضرات أنت أجبته .
أ.معمر: إن شاء الله تكون موجودة في المنتدى ، الشيخ صالح بالأمس واليوم وفي كل يوم يعيش المسلمون في كل مكان وإخواننا الفلسطينيون على وجه الخصوص يعيشون آلام مرور ستين عاما على ما يسمى بالنكبة، وإن كان غيرنا يحتفلون بهذا التاريخ ، حديثنا عن الآيات المكية في سورة بني إسرائيل يقول عز من قائل )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى( فما ربط بين المسجدين المباركين ، وتعايشا مع الحادث التاريخ هذا إذا ممكن وقفة تاريخية في هاتين الآيتين ، أيضا وقفة لعموم هذه القصة .
الشيخ صالح : طبعا تكلمنا عن الإسراء والمعراج وفي قضاياها كثيرا ، لكن الله جل وعلا علم أزلا أن القبلة ستحول من المسجد الأقصى وأنها ستكون في مكة قطعا
الله جل وعلا خلق الأشياء وقدرها وعلمها وكتبها ، ومع ذلك جعل الله جل وعلا المعراج ينطلق من المسجد الأقصى ، ليبين للمسلمين وليفقه المسلمون أن هذا المسجد له ارتباط وثيق بهم ،والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن المسجد الأقصى في حوزة أهل الإسلام في أيام حياته ، إنما دخل في عهد عمر ، لكن الله أكرم نبيه بأن صلى فيه ، صلى في المسجد الأقصى ، وبينه وبين بناء المسجد المكي أربعون عاما(5/29)
وقوله جل شأنه )الأَقْصَى( يدل على أن هناك أدنى وهو المسجد النبوي الذي بني بعد رحلة الإسراء والمعراج بثلاث سنوات ،لأن الإسراء على الصحيح قبل الهجرة بثلاث سنوات
وهذا الربط التاريخي يشعر المسلمين بواجبهم تجاه بيت المقدس، حتى اليهود الصهاينة يفقهون هذا ديفيد بن غوريون أول رئيس لدولة يهود عندما احتلت بيت المقدس عام67 مر بجواره شبان يهود جنود فقال : "ها قد دخلنا القدس ، ونحن في طريقنا إلى يثرب"
جولدا مئير رئيسة وزراء يهود 67وقفت على خليج إيلاف جهة العقبة وقالت كما نقلت الأردنية آنذاك قالت : " إنني أشم من ها هنا رائحة أجدادي في المدينة والحجاز وإنا ذاهبون إليها "
فهذا من جهتهم هم ومن جهتنا نحن ينبغي أن يعلم المسلمون أن المسجد الأقصى شيء بالنسبة لهم مشعر عظيم إيمانيا
وهناك ارتباط وثيق بينه وبين المسجدين ، المسجد الحرام والمسجد النبوي هما الآن ولله الحمد والفضل والمنة في رعاية دولة مسلمة تحكم شرع الله و تقضي للناس فيه
هذا الأمر مطمع المسلمين أن كذلك يكون المسجد الأقصى تحت ولاية مسلمة عزيزة ، العمل لتحريره مسؤولية الجميع(5/30)
لكن لا يكون بالتناحر ، ولا يكون بشق عصا الطاعة ، ولا يكون بأن يذم بعضنا بعضا ، وأن كل منا يحمل لواءا يزعم أن الحق محصور فيه ، وما عند الله لا يطلب إلا بالطريق الذي شرعه الله ، وليس في شرع الله أن يخرج الناس على ولاة أمرهم ويسفكوا الدماء ويشقوا عصا الطاعة يقولون هذا طريق إلى القدس ، أو سبيل إلى تحريرها هذا لا يمكن أن يقع ، ولا يمكن أن تحرر شرعا بهذا الطريق لأنه كما أن الله حرم التداوي بما هو محرم فإن العلاج المعنويات لا يكون بشيء محرم ، وكما أنه لا يمكن أن يعالج إنسان بداء جسدي مادي بشيء محرم محال فكذلك من أعظم ما تصاب به الأمة معنويا كالهزائم واحتلال الديار وما إلى ذلك لا يمكن أن يكون الحل في شيء حرمه الله ، فلا يأتي أحد يشق عصا الطاعة ويقول بأمور ويطالب الناس أن يخرجوا على ولاتهم ، ويقدح في ولاة أمور المسلمين هاهنا و هناك ، ويريد من الناس أن .. هذا كله يزيد الألم إيلاما ، والجمع فرقة ، والشتات شتاتا ، ولا ينجم عنه خير البتة ، لكن مع ذلك لا يفهم الناس حكاما ومحكومين أمراء كل في بابه للعمل
لكن المشكلة كما قاله حق بعض من له في السياسة قضية أن كل إنسان يريد أن يحرر القدس من طرفه حتى ينسب المجد إليه ، ليس هكذا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم مات والمسجد الأقصى لم يحرر ، وأبو بكر مات رضي الله عنه وأرضاه ، حرر في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه ، لكن حب الناس للشرف أحيانا إذا سلمنا بحسن النية حب الإنسان للشرف يجعله يحاول أن يدير العجلة بسرعة تهلك من يركب معه .
أ.معمر : ألا يكون هذا تثبيط للجهود الشخصية ؟(5/31)
الشيخ صالح : الجهود الفردية يجب أن تكون في مسلك جماعة المسلمين ، في دولة الإسلام القائمة ، لكن الإنسان أنا أتكلم عن من يمتلكون نفوذا أكبر، أنا لا أتكلم عن الأفراد يعني الذين يحاولون على شكل جماعات أو أفراد أن ينسبوا لأنفسهم فضل ثم يموت هذا الذي يريد أن ينسب لنفسه الفضل دون أن يتحقق شيء فتتأخر العجلة وهذا حصل في جميع المستويات ، كما أنه لا يجوز لأحد وأنا قلت في أول اللقاء إن الذي يتكلم في الدين إما أن يكون شجاعا وإلا لا يتكلم، لا يجوز لأحد أن يجعل من جرح الأقصى هو لا شك جرح أن يجعله مانعا من إقامة شعائر الله .
أ.معمر: كيف ؟
الشيخ صالح : مثلا كما ذكر شيخنا الشيخ صالح ابن حميد وقفه الله في خطبة العيد ، يأتي إنسان يمنع الناس من أن يفرحوا بالعيد ، حتى لو جاء لأناس عندهم نساء عندهم ضرب دف في زواج، فيأتي للعريس يقول يا أخي الإخوة في غزة محاصرون ، والأقصى له أربعون عاما كذا ، تحت الاحتلال وأنت تأتي بضرب دف في زواجك
ما في مانع في الشرع النبي صلى الله عليه وسلم أذن للحبشة أن يلعبوا في مسجده ، وفرح بعودة جعفر ، فلابد أن يكون الإنسان يتكلم من شمولية الدين ، أما الإنسان يعطل عجلة الحياة لأجل شيء آخر لا ، كمن يبتلي بفقد ميت له أن يحزن إلى ثلاثة أيام ، لا تأتيني تقول لبعض الناس أبوكم مات كيف ؟ أبوهم مات كل الناس تموت ، هذه المصيبة نعم مصيبة فقد أبيكم لكن لا يعني تتعطل حركة الحياة ، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ، فالمقصود يجب أن يكون الإنسان يفقه الشريعة،لا أن يتاجر بالدين ، المتاجرة بالدين من أعظم الأسباب لضياع المسلمين في عصرنا .
أ.معمر : شيخ صالح استأذنك أن نخصص بقية الحلقة فيما يتعلق في الوقفات الإيمانية لعلنا ننيخ المطايا عند سورة (ق) سيكون لنا أكثر من وقفة .(5/32)
الوقفة الأولى يا شيخ عند قول الله )يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ( المعنى الإجمالي ، و المستفاد من هذه الآيات .
الشيخ صالح : جهنم والعياذ بالله هي الخزي الأكبر ، والله جل وعلا عزيز ذو انتقام ، جعل في جهنم صفتين:
الصفة الأولى : الضيق .
والصفة الثانية : السَّعة .
فالضيق : يجعلها زيادة في النكال على أهلها ، والسعة : يجعلها تتسع لجميع المعذبين .
فمن ما دلت عليه السعة قوله جل وعلا في ق (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) معناها أنها تتسع ، والضيق : قال الله جل وعلا )بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا*بِالسَّاعَةِ سَعِيراً وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ*تَغَيُّظاً وَزَفِيراً لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا*دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً ثُبُوراً كَثِيراً(
فقال الله )مَكَاناً ضَيِّقاً( وهذا كله من النكال بأهل النار ، ومعلوم أنه لا يخلد في النار إلا كافر ، لأنهم أشركوا بالله ، والكفر ملة واحدة قائم على الشرك بالله و من هنا يعرف المرء أن الشرك بالله ذنب لا ذنب مثله كما قال الله عن العبد الصالح )يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(
لكن فقه الآية هكذا أن يُعلم الله وصفها بالسعة ووصفها بالضيق ، ووصفها بالسعة حتى لا يبقى أحد خارجها ، ووصفها بالضيق حتى تكون أشد نكالا على أهلها أعاذنا الله منها .
أ.معمر:أحسن الله إليكم في قوله تعالى )مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ( وأترك لكم متسع من الوقت إذا كنت تريد أن تفصل في الآية .(5/33)
الشيخ صالح : لا يوجد فيها مزيد تفصيل ، الله يقول )وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ( أي قربت ، قال بعض العلماء: قربت مكانا ، وقال بعض العلماء: قربت زمانا ، ولا يظهر عندي تعارض في المعنيين .
)وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا( أي هذا التقريب ، )مَا تُوعَدُونَ( أي الذي توعدون ، )ِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ{32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن(
هنا ينيخ المرء مطاياه ،أن العقل يقول إن المفترض حتى نعلم أن عقولنا قاصرة ، إن لفظ خشي يصاحبه لفظ اسم الجبار ، المنتقم العزيز
لوقال الله من خشي العزيز ، من خشي الجبار ، من خشي المنتقم ، من خشي الملك ، لاستقام الأمر
لكن السؤال ما الذي وراء هذا اللفظ )مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( الجواب : هذا والله من نفائس نفائس العلم ، لما أراد الله أن يبين فيما نعلم أن هؤلاء الصالحين – جعلنا وإياكم منهم – إذا ذكروا رحمة الله خشوه ، فكيف سيكون حالهم إذا ذكروا عزته وانتقامه وجبروته ، إذا ذكروا رحمة الله عمتهم الخشية غلبت عليهم الخشية وتذكروا سعة رحمته ، فكيف سيصبح حالهم لو جبروته وعزته وانتقامه جل جلاله ؟؟؟، لا ريب أنه سيكون أعظم وأجل ، ولهذا قال الله )هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ( قال لهم )ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ(
أ.معمر : استأذنك في هذين الاتصالين، معنا متعب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(5/34)
المتصل : يعطيكم العافية ، في سورة الذاريات يقول الله تعالى )فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ( لماذا ذكر الله في الآية الأولى المؤمنين ، وفي الآية الثانية المسلمين ، هل هناك فائدة بلاغية ؟؟، السؤال الثاني يا شيخ : قال الله تعالى )فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ( في كلمة " مستقبل " لماذا كانت بالفتح ولم تكن بالتنوين هل هذا فائدة بلاغية ؟ وجزاكم الله خير .
أ.معمر : شكرا يعطيك العافية ، معنا أبو علي السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : الله يمسيكم بالخير شيخ ، كيف حالك يا شيخ صالح ؟
الشيخ صالح : الحمد لله .
المتصل : الله يبارك في أيامك ، أبغى أسألك عن الآية )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ( وجزاك الله خير .
أ.معمر: شكر يعطيك العافية ، شكرا أيضا لأخ متعب ، شكرا لكما على هاتين المداخلتين ، المفيدة بإذن الله ، معتب يسأل عن قوله )فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ(
الشيخ صالح : هذه في الذاريات ذكرها الله في نبأ لوط ، )فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ( الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا في المعنى ، وإذا افترقا اجتمعا يعني يصبح معناهما واحد إذا افترقا كما هو الآية ،كل منهم في معنى مختلف ، كل منهم في آية )فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ(أي بيت من المؤمنين معنى واحد .(5/35)
وإنما نوع الله وبين نهم مؤمنين ومؤمنين ظاهرا وباطنا ، لكنهما إذا اجتمعا في آية واحدة فالمعنى يختلف ، )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا( أسلمتم ظاهريا ، بدليل ما بعدها ) وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ( ومثلها الفقير والمسكين ، فإذا اجتمعتا اصبحتا مختلفتين ، وإذا افترقتا أصبحتا بمعنى واحد
يعني مثلا إذا قلنا : فلان يعطي المساكين ، المعنى يعطي المساكين والفقراء يعطي كل أحد ، لكن إذا قلنا يعطي الفقير والمسكين مع بعض كما قال الله )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ( اختلفت فالفقراء قدمهم الله فيما يظهر لأنهم أشد ، والمسكين الذي يجد لكن يجد ما يكفيه )أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر)
أ.معمر : يسأل يا شيخ عن قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ)
الشيخ صالح :قد يكون فيها لكن لا يحضرني الساعة فيها جواب ، ما أدري .
أ.معمر : أبو علي يا شيخ يسأل عن قوله )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا(
الشيخ صالح : نعم هذا من أعظم الدلائل التي قالها أهل العلم من أعظم آيات الرجاء ، الآيات في سورة فاطر
الله جل وعلا قال )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا(هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ)(5/36)
مر معنا أن بعض العلماء قالوا : " إن واو الجماعة في قوله تعالى )يَدْخُلُونَهَا( يكتب بماء العينين لأن معنى الآية أن جميع هؤلاء الثلاثة الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم مآله إلى الجنة ، والواو هنا قال العلماء في تفسيرها )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا(
الله يقول أنهم مصطفون (مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ) أي من هؤلاء المصطفين : ظالم لنفسه : أي غلبت سيئاته على حسناته مع بقاء أصل التوحيد ، ومنهم مقتصد : أي تساوت سيئاته وحسناته ، أتى بالواجبات لكنه لم يسابق بالخيرات .
ومنهم سابق بالخيرات : هؤلاء أصحاب منازل عالية ، في أول المقام منهم أنبياء الله ورسله
لكن مآل الطوائف الثلاثة الجنة .
( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) ورجح شيخنا الأمين الشنقيطي وقد ذكره قبله القرطبي في الجامع أن الواو هنا تعود على هؤلاء الثلاثة ، وبهذا المعنى بعض العلماء قال : إن هذه الآية من أرجى آيات القرآن ، والعلم عند الله .
أ.معمر :شيخ صالح عندما نتحدث عن الآيات المكية ونخصص ها حلقة يتسائل ما الفائدة من آيات مكية وآيات مدنية ، فائدة التفريق .
الشيخ صالح : هذا لبرنامج نقسمها على حلقات نحاول أن يكون القرآن هو المهيمن على فكرة البرنامج ونحن عندما نقول آيات مكية أصبحنا ملزمين بأن نتدارس الآيات المكية فقط ، حتى لا يأتينا سؤال عن آيات مدنية حتى لو أتى لا حرج ، لكن نريد أن ننفع الناس أن الآيات المكية تقل فيها الأحكام ، ونحن مر معنا آيات أحكام وكلها كانت مدنية .
أ.معمر : طيب تأذن لي يا شيخ أطرح السؤال بطريقة أخرى وكنت أقصد يا شيخ فائدة التفريق بين المدني والمكي في الأحكام الشرعية في مظاهر الدعوة ،
الشيخ صالح : لا بد أن نعلم سبب نزول الآية ووقتها يساعد كثيرا في تدبره ، ولهذا عني بها فقهاء المسلمين كما حر الزركشي في البرهان ، والسيوطي في كتبه ،(5/37)
أ.معمر العمر : أحسن الله إليكم شيخ صالح ، جزاك الله خير على ما أفدتنا به قبل أن نختم الحلقة هل لكم من كلمة في دقيقة أو دقيقتين توجهها للأخوة الأحبة على المنتدى بمناسبة حصولهم على التميز.
الشيخ صالح المغامسي : وأنا واحد منهم ، فشهادتي مجروحة ، لكن نشهد الله على محبتهم ، أسأل الله أن يزيدهم توفيقا ، رجالا ونساء ، وأكرهم شكرا جزيلا على تحملهم لمثلي ، فأنا قليل التواصل معهم ، يأتيني الأستاذ فهد بتساؤلات وأوراق فأرجؤه ، ويجب أن يعذره الناس التقصير مني أنا ، أخي الأستاذ أمين كذلك يأتي ، بعض الفضلاء يتم التواصل معهم يأتون بتساؤلات عن طريق الموقع ، الشيخ عبد الرحمن سالم شيخ الجمع ، مشرف المنتدى ، وكذلك أختنا سهام الحق نبارك لها أسأل الله أن يوفقها واللواتي معها في المنتدى ، والمنتدى حصوله على التميز دليل على أن القائمين عليه المشاركين فيه لهم جهود كبيرة ، طبعا حتى هناك تواصل طيب عاطفي بينهم ، ولكنه في جملته محمود ، الأخ أمين فقد والده رحمه الله ، نسأل الله أن يعظم أجره ، والأخ عايد العنزي منسقنا في دولة الكويت ، وفقه الله وسدده فقد والد كان في أيام متقاربة يعني ، نسأل الله أن يعظم أجره ، وهما أخوان كريمان ولهما مشاركات لكل واحد منهم قائم بأمور أجزل الله مثوبتهما وكذلك أنا مقصر في حقهم بالتواصل معهم ، لكن يعذروني أنا رجل كثير المشاغل كثير الأسفار ونسأل الله العافية .
شكرا لك أنت شكرا للإخوان في المجد ، الإخوة مخرجنا أ.عبد الكريم ماجد ، سمو الأمير خالد ومداخلته القيمة ، والإخوة الفضلاء بلا استثناء الذي داخلوا والأخوات ، يبقى فينا التقصير ظاهر لكن رحم الله من سدد الخلل .(5/38)
أ.معمر : شكر الله لكم شيخ صالح ، الشكر موصول لكم أيها الأحبة على طيب متابعتكم ، وأسأل الله عزوجل أن يجعل ما قدمناه في هذه الحلقة وما استمعتم إليه في ميزان حسناتنا جميعا ، بقي أن أودعكم على أمل أن ألتقيكم بإذن الله تعالى الحلقة القادمة وأنتم على خير ، وفي خير ، وتصبحون على خير ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(5/39)
حلقة القطوف الدانية لشهر صفر 1428هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ... مشاهدين الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله إلى حلقة جديدة من برنامجكم الشهري القطوف الدانية والذي يأتيكم ثاني اثنين من كل شهر أسعد كثيراً وأشرف بأن أدير هذا حوار هذا البرنامج مع ضيفه الدائم فضيلة الشيخ. صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة ..
موضوع هذه الحلقة سيكون بطابع خاص يتحدث عن ثنائيات ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وتكرر كثيراً في حياتنا اليومية بالنسبة للثنائيات اللغوية وهي كانت محور هام إلا أن الأخوة والأخوات في الموقع قد اشبعوا هذا المحور وأثروه أثراءً كبيراً أهيب بجميع المشاهدين والمشاهدات أن يطلعوا على المادة العلمية المركزة التي وضعت على الموقع من خلال المشاركين والمشاركات... وقت الحلقة سيجبرنا أن نحصر الحديث ولو أجمالاً في بعض الثنائيات التي وردت في الكتاب والسنة سنتكلم بإذن الله عز وجل عن ابني آدم قابيل وهابيل سنتكلم عن صاحبي أبي حنيفة وأبو يوسف ومحمد ابن الحسن رحمه الله الجميع سنخوض في غمار الشعر والأدب ونتكلم عن جرير والفرزدق وسنتكلم عن شوقي وحافظ إبراهيم أيضاً نختم الحلقة بالحديث عن بعض الإيمانيات سنتحدث عن الزهراوين.. وعن الصبر والصلاة وعن الحسنات والسيئات أسعد كثيراً باستقبال اقتراحاتكم لتطوير هذا البرنامج واقتراح بعض الموضوعات ..
ثنائيات هو موضوع حلقتنا أسأل الله عز وجل أن يسدد الجميع وأن يبارك فيكم وفي متابعتكم الكريمة ...(5/1)
يا شيخ صالح أكرر ترحيبي بكم في هذا البرنامج فحياكم الله ... وكما تعلم حفظك الله الحديث عن الثنائيات ولاسيما الواردة في القرآن والسنة كثيراً لكن استأذن فضيلتك في الحديث عن أبني آدم قابيل وهابيل ورد في قوله [ بالحق إذ قربى قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ...) إلى آخر هذه الآيات بنيه ولو إجمالاً نبارك هذه الحلقة بالحديث عن ورود هذا الخبر في القرآن الكريم الشيخ صالح : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود سواه وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه و على سائر من أقتفى أثره واتبع منهجه إلى يوم الدين أما بعد ...(5/2)
فنستعين بالله جل وعلا وهو المستعان ونقول إن الله جل وعلا قال لنبيه في سورة المائدة ({وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27..) الآية ، نبأ ابني آدم كما أخبر الله جل وعلا فيه بظاهر القرآن والذي عليه جماهير أهل العلم أنهما أبناء آدم لصلبه وفي رواية عن الحسن [ أنهما من بني إسرائيل ]وهذا بعيد لأنه بعيداً أن يكون الناس أمتد بهم الدهر إلى بني إسرائيل ويعجز أحدهما كيف يفعل بأخيه إذا قتله أن يجهل أمر قبره فعلى هذا الذي عليه الكافة أنهما أبناء آدم لصلبه ،، الله جل وعلا أراد لأبينا آدم أن يكون أباً للبشر وحتى يكون أباً للبشر تنساب الذرية وحتى يكون هناك تناسب الذرية لابد من التزاوج فكانت حواء تحمل في كل بطن ذكر وأنثى على ما قاله أهل التفسير فكان يزوج لذكر من الأنثى من البطن الآخر وهكذا ظاهر الأمر أن قابيل لم يرضى بأن يتزوج هابيل من أخته التي معه في بطنه ويتزوج هو وأخت هابيل التي حملت معه في نفس البطن فكأن الأمر وصل بينهما إلى نزاع واختصام فأشار عليهما أبوهما أن يقدم كل منهما قربناً ولعل هذا بأمر من الله فكان أحدهما صاحب زرع وهو قابيل فاختار أردى شيء من زرعه وكان أحدهما صاحب ضرع فاختار كبشاً من أحسن كبشه وهو هابيل ـ والخلاف في أيهما صاحب الزرع وأيهما صاحب الضرع لا يقدم ولا يؤخر في القول ـ ..(5/3)
المهم النفس الطيبة عند تقدم القربان لله جل وعلا كانت الآية في قبول القربان أن تأتي النار فتأكل القربان المتقبل فجاءت النار فأكلت قربان هابيل علامة على قبوله ولم تأكل قربان قابيل علامة على رده ، هنا دب الحسد على قلب قابيل فأخذ يزحف إلى أخيه قائلاً (لَأَقْتُلَنَّكَ ) فأجابه الأخ (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) أن معيار التقوى هو المعيار عند الله جل وعلا فليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب وليس المقام كما قلتم مقام تفسير لكنها إطلالة عامة .. مازال البغي والحسد في قلب قابيل حتى قال لأخيه يخبره بالقتل فقال له مجيباً ({إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ و }المائدة29) قال قبلهما ({لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ }المائدة28)
قال بعض العلماء عن هابيل كان أشد قوة من قابيل لكنه خوفه من مقام الله منعه ويؤيده قوله (إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) على لسان هابيل ..كان من الأمر أن سولت تلك النفس لقابيل أن يقتل أخاه فقتله فلما قتله وكان هذا أول قتل يكون في الأرض قال صلى الله عليه وسلم ( لا تُقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ) من يعرف ..من يدري ..جهل ..كيف يصنع به فبعث الله غراب يبحث في الأرض ـ قد كان غرابين اقتتلا أمامه هذا وارد ـ لكن القرآن لم ينص عليه المهم فيه أن الغراب قبر الغراب الآخر فقال (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }المائدة31)
هذا مجمل ما ذكره الله جل وعلا عن خبر أبني آدم وهو خبر الحق كما قال الحق جل جلاله ..(5/4)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح من هذا الإجمال السريع يتضح أن الحسد داء فتاك سبب في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم يحسن بنا أن نعرج على هذا الموضوع والتخلص منه
الشيخ صالح : القصص القرآني كما تعلمون ليس المقصود منه ألتماس العبر والعظات حتى تستنير الإنسان في طريقه إلى ربه جل وعلا الحسد احد أسباب هن أصول الخطايا وقد حررنا هذا من قبل في لقاءات عدة قال العلماء [ إن الكبر والحسد من أعظم أصول الخطايا ] والحسد شيء يدب في القلب يصيب الإنسان شيء من التغير القلبي أولاً على نعمه يراها في غيره أعلى مراتب الحسد عياذاً بالله ما يسمى عند أهل العلم الحسد المقدر ـوكل شيء بقدر لله ـ ويقصدون أن بعض الناس أنه يبلغ من حسده أنه إذا رأى احد من الناس يخاف أن تصل إليه النعمة قبل أن تصله فيحسده قبل أن تصل إليه النعمة !! عياذاً بالله يعني أن يرى فلان يترقب نعمة أو أهل لنعمه أو يُشاع أنه سيُعطى عطاءً سواء دينياً أو دنيوياً فتراه متوجساً خائفاً يسأل دائما هل رُفع فلان هل رزق فلان هل أذن لفلان بأن يعلم ..قبل أن يتحقق وهذا والعياذ بالله منزلة مخيفة بعض الناس وهو أقل درجة وهو الحسد إذا وقعت النعمة يصيبه تغير وهو الذي ذكره لله هنا في حسد قابيل وهابيل.
نزدلف في الحياة العامة بعيداً عن الكلام الفلسفي والأمور التنظيرية
يوجد في الناس من هو ذو قدرة ولكنه يرى غيره ولو أقل منه قدره له قبول أو أحيانا يكون له شهرة وهناك التفاف من الناس حوله فهو يقول في نفسه أنا أملك علماً أو مالاً مؤهلات خيراً من هذا فعلاما لهذا له صيت عند الناس وليس لي صيت عن الناس وليس لي صيت وهذا قياس خاطئ لماذا ؟(5/5)
لأن الله تبارك وتعالى أعلم في ابتلاء عبادة فهو قد يكون ذلك الغير ـ إن صح دخول الألف واللام على غير ـ قد يكون ذلك الغير ليس أقرب إلى الله منك لكن الله يبتليك ويبتليه فلا تقع في المزلق ويقع منك حسد لأخيك ، مثلاً يدخل احد الناس إلى تسجيلات إسلاميه فيسمع شريطاً لزيد أو عمر من الدعاة فيقول أنا أفضل منه أنا أعلم منه علاما يُقبل الناس عليه نعم قد تكون أعلم وقد تكون اتقى لكن هذا ليس مبرراً أن تحسده على التفاف الناس حوله وأنا لأني من مجتمع الدعاة أتيت بمثال على الدعاة ولكن أن أتكلم ويقع هذا في النساء والرجال ويقع هذا النوع من الحسد الذي يقع عند الناس
لابد أن الإسلام وضع طرائق لعلاج هذه الظاهرة أولها التحذير من الحسد ( إياكم والحسد ) جعله الله نعتاً للكفار ({وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم }البقرة109) ({أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ }النساء54)( لا تحاسدوا ) ( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما يأكل النار الحطب ) إلى غير ذلك من الآثار الصحيحة من الكتاب والسنة في هذا الباب.
كذلك الإسلام يربي في أصحابه أن يطلبوا الفضل من الله فلا يكون همنا لماذا أنعم على زيد ومن حق كل إنسان يطلب النعمة هذا أمر محبوب لكن ليس الطريق إلى نيل النعم بان تطلب من الله أن يزيلها من غيرها أو تسعى في ذلك ثم إن الإنسان عياذاً بالله وقع في هذا الداء يبدأ بصراع النفسي داخله ويحاول قدر الإمكان أن يقوض ذلك البنيان ولله يقول في كلمة فصل ({مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا }فاطر2 ) بل إن الإنسان إذا أكثر من الحديث عمن يحسده يكون ذلك سبباً في علو ذلك المحسود وعلو مرتبته وقد قيل للمحسودين .
أصبر عل كيد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إذ لم تجد ما تأكله(5/6)
المقصود في هذا كله في حياة الناس عامة أن الحسد قد يؤدي إلى مزالق أعظم يؤدي إلى القتل وهذا ناتج عن البغي كما في مثالنا قبل قليل قد لا يصل في مجتمع الناس اليوم على القتل ولكن قد يقع الإنسان في مزالق لسانية تهوي به في النار سبعين خريفا فيشيع عبارات يعلم أنها غير صحيحة عن أخيه تشيعها امرأة عن أختها أو يلمزه في المجالس أو يحمل قول له على أسوء محملة وكل ذلك يصنع أحياناً باسم الدين وباسم إنكار المنكر وهو في الحقيقة إنما يحقق رغبة نفسية مكمونة في قلبه ناجمة عن حسده لذلك الشخص عياذاً بالله من هذا كله .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح ما دامت ان القصة وردت في سورة المائدة وأنت تعلم ويعلم المشاهد الكريم من خلال بعض المطالعات لكتب التفسير من هذه السورة المباركة اشتملت على الكثير من اللطائف لعل نذكر بعضها في هذا اللقاء ..
الشيخ صالح : إذا وقفنا فيما نحن فيه لله يقول ({فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ }المائدة31) الآن نحن أمام شخص قتل فبهت بعد القتل وعجز ماذا يصنع في أخيه المقتول أراد لله أن يعلمه ماذا بعث لله له حتى يتعلم ..بعث لله له غراباً من الفواسق لأن القاتل دخل في عالم الفسق فبعث الله غراباً وهو عنوان من عنوان الفسق
إذا كان الغراب دليل قوم *** يدلهم على جيف الكلاب(5/7)
فحفر فدفن فنظر القاتل إلى الغراب فماذا قال ؟؟ قال (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ) نزع عن نفسه ما أكرمه لله به من التقوى وأصبح أسوء وأشد فسقاً من الغراب وذكر ذلك بلسانه ((يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي) كلنا يعلم انه لا ملزم على الله ، كان بالإمكان أن يبعث لله مخلوق آخر يعلمه سواء من الطير أو الحيوانات لكن لله ـ ولا نقول هذا جزماً لأن الله لم يصرح به ـ بعث لله له الغراب ليبين له مقامه ومكانه بعد أن وصل إلى القتل إذاً ينجم عن هذا أن الإنسان عياذاً بالله إذا قتل وسفك دماً واستحل دم أخيه وقتله يصل إلى درجة في الفسق عظيمة ولهذا جاءت النصوص بتحريم الدماء والقرب منها أين كان الأمر ..
هناك لطيفة أخرى قد لا تكون في نفس السورة لأن القرآن مليء وغني باللطائف يقول لله جل وعلا (عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى(2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3) عبس )(5/8)
الإنسان إذا قرأ هذه الآية يقع في نفسه شيء من الالتباس ..ما الالتباس أن لله يقول (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }الحجرات11) فلماذا عبر القرآن في وصف عبد لله ابن أم مكتوم بالأعمى ؟! كان بالإمكان أن يأتي قائل ويقول لماذا لم يقل الله مثلاً عبس وتولى أن جاءه صاحبه أن جاءه عبد الله ابن أم مكتوم أن جاءه السائل لماذا قال الله الأعمى مع أن الكفيف يتضجر إذا نادينها بالأعمى فلا بد أن يكون هناك عله خفية هذه مهمة العلماء والعلة الخفية هنا أن لله أراد أن يمدح عبد لله ابن أم مكتوم بهذا الوصف كيف يكون هذا مدح له ؟؟ يكون إذا عرف القارئ أن هذا الذي اقتحم على النبي صلى لله عليه وسلم وهو يحاور صناديد قريش كان كفيف البصر وجد له عذراً فعبد الله ابن أم مكتوم الذي جعله يدخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين صناديد قريش وهو يدعوهم للإيمان كونه لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منشغل بأولئك القوم فكان كونه كفيف البصر عذراً له بأن يقتحم على النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه وأخذ يلح ويطلب في السؤال فلهذا عبر الله جل وعلا بقوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى(2)) لأن الله قرر في كتابه أنه ليس على الأعمى حرج فيرتفع الحرج عن الأعمى فتكون كلمة الأعمى هنا منقبة في ذكرها لعبد لله ابن مكتوم رضي لله عنه .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : أبو عبد لله كأنه يقول أنه أشيع في الفترة الأخيرة أن فضيلتكم أنشاء قناة فضائية ما مدى صحة هذه الإشاعة ؟؟(5/9)
الشيخ صالح : طبعاً تكفي الابتسامة ..طبعاً الأمر غير صحيح كما تقول البيانات الرسمية دائماً جملة وتفصيلا ..يعني ليعلم كل أخٍ وأختٍ يسمع لنا ويقرأ لنا أني لا املك قناة ولست مشاركاً سهماً في أي قناة ولست موقع عقد مع أي قناة أنا مّن الله علي بهذه القناة المباركة أشارك فيها مجرد مشاركة في برنامج محاسن التأويل في القناة العلمية وفي القطوف الدانية في قناة المجد العامة وليس لي أي ارتباط لا بصورة رسمية ولا بصورة ودية مع أي قناة أخرى حتى ارتباطي هنا فهو بصورة أخوية مع الإخوة الفضلاء في قناة المجد وجزاهم الله خير على ما أعانوني عليه في نشر العلم أما ما يقال أنني أملك قناة أو سأسوس قناة فهذا لم أفكر فيه تفكيراً حتى يكون في حيز التنفيذ وقد يكون بعض أهل الفضل أحسنوا الظن وغلب على ظنهم إني صنعت شيء من هذا لكن ليس لهذا الخبر أي صحة لا من قريب ولا من بعيد.
الأستاذ معمر : سؤال الأخ محمود كان يسأل عن لقب الخليفة عثمان رضي لله عنه ذي النورين وعلي بن أبي طالب .
الشيخ صالح : كان هناك ود عظيم بين النبي صلى لله عليه وسلم وآله وأصحابه ولا خلاف بين العلماء المعتبرين من أهل السنة أن المجتمع المدني والمكي من المهاجرين والأنصار كان يمثل قمة التآخي مابين النبي صلى لله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين ، فمن ذلك زوج النبي صلى الله عليه وسلم رقية أبنته إلى عثمان فلما توفيت زوجه أم كلثوم وكلاهما ماتا في حياته صلى الله عليه وسلم رقية أنجبت عبد لله ومات وهو صغير وأم كلثوم لم تنجب فلذلك لم يكن هناك نسل للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة هاتين البنتين لما ظفر عثمان بالزواج بالبنتين وقد قال العلماء إنه ليس محفوظ أن احد من الأخيار تزوج أبنتي نبي إلا عثمان رضي الله عنه عدة هذه منقبة كبيرة لعثمان فعرف بذي النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.(5/10)
أما علي رضي الله عنه وأرضاه فقد زوجه النبي أبنته فأنجب منها الحسن والحسين ومحسن وزينب ..الحسن والحسين عاشا حتى كبرا أما المحسن مات صغيرا والثلاثة سماهم النبي صلى الله عليه وسلم وزينب إن لم تخني الذاكرة باسمها شقيقة الحسن والحسين جدها النبي صلى الله عليه وسلم زوجها علي من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا كفى به ، ودليل ذلك التآلف العظيم ما بين علي وعمر من جهة خاص ومابين الصحابة وآل رسول الله من وجه عام وهذا يدل على جميل ما كان عليه السادة الأخيار من آل البيت والصحابة باقتفائهم لأمر لله وأمر رسوله صلى لله عليه وسلم فآل الرسول صلى لله عليه وسلم كان الصحابة يعرفون لهم قدرهم حتى ورد ذكر أسم علي في السير : أن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان يصعد إليه الحسن والحسين ومعلوم أن الحسين توفي النبي وهو صغير فكان يرى النبي صلى الله عليه وسلم على منبره أي أن الحسين يرى جده على منبره ثم تولى أبو بكر ولم يمكث أبو بكر إلا سنتين وبضعة أشهر ثم جاء عمر وكان الحسين أحياناً يصعد إلى المنبر وعليه عمر ويمزح بطفولته ويقول أنزل عن منبر جدي فيضع عمر رأسه على شعر الحسين ويقول ما انبت الشعر على رؤؤسنا إلا أنتم ، أي أن الإسلام الذي جاء ونبينا من بني هاشم الذين منهم الحسين هو سبب عز العرب وعز الإسلام كلهم هذا هو مقصود عمر ..
المقصود هذه الروايات الصحيحة الثابتة لذلك المجتمع تبين ذلك الإخاء الذي كان بين آل رسول لله صلى لله عليه وسلم وبين أصحابه رضي الله عنه .
الأستاذ معمر : يا شيخ إن أذنت لي كنت أنوي أن اخرج من آية المائدة إلى جانب الفقه الإسلامي وأتكلم عن صاحب أبي حنيفة بعد هذا الكلام الجميل إذا أذنت أن نتكلم عن هذا الثنائي الرائع الذي قاد الأمة إلى انتصارات كثيرة أبي بكر وعمر أيضاً الحسن والحسين ؟؟(5/11)
الشيخ صالح : هذا يمكن إن كنت أريد أن اخصص له حلقة لكن ولو إجمالاً أبو بكر وعمر شيخا بالاتفاق يقول أبو هريرة كما في الصحيح (خرجت وأبو بكر وعمر ) وأكثر الروايات أنا وأبو بكر وعمر وهذا الأمر يدل على التقارب الذي آل به الأمر أن يكونا رفيقين أبو بكر كان معرق الأصابع ظاهرة جداً خفيف العارضين في ظهره انحناء بخلاف عمر كان جسيماً فيه صلع قوي هذا الوصف الجسدي تقريباً أما أوصافهم الإيمانية فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حق أبو بكر (لو وزن إيمانه بإيمان أمة لرجح )
ويقول في حق عمر (ما رآه الشيطان سالكاً شعبا سلك شعبا آخر )رضوان لله تعالى عليهما أعز الله بهما دينه بعد وفاة نبيه بويع أبو بكر في يوم السقيفة ووصى من بعده بعمر .
الحسن والحسين سبطا رسول لله صلى لله عليه وسلم إليهما ينتهي نسب رسولنا صلى الله عليه وسلم أي المقصود من ينتسب من الناس بالنبي صلى لله عليه وسلم ينتهي نسبه إلى الحسن والحسين ولهذا نحفظ قول الفرزدق في علي بن زين العابدين
هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله *** بجده أنبياء الله قد ختم
إما إلى ذروة العزة التي قصدت ***عن نيلها عرب الإسلام والعجم
الأستاذ معمر : أم عصام تسأل عن قراءة سورة البقرة تقول يتردد على شريط المجد أنها قرائتها في جلسة واحدة تكون سبباً للشفاء
الشيخ صالح: لا يشترط أن تكون في جلسة واحده ولكن لو فعلت ليس محضوراً والقرآن أصلاً قال الله فيه ({وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ }الإسراء82) وقد جاءت الآثار من حيث الجملة تبين فضل سورة البقرة (أقرءوا الزهراوين) وقد قلت في مقدمة البرنامج أننا سنتعرض لها فلا يعد هذا بدعه إن شاء لله
الأستاذ معمر : نايف من الكويت يسأل من ذي النون ؟(5/12)
الشيخ صالح : ذي النون يونس وقد ورد ذكره في القرآن أربع مرات قال الله تعالى ({وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً }الأنبياء87) وقال في القلم ({وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ }القلم48 ) وهو يونس وقال في يونس ({فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا }يونس98) يونس عليه الصلاة والسلام خرج مغاضباً من قومه ثم تاب الله عليه .
الأستاذ معمر : يتساءل يا شيخ بعلاقة ({ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }القلم1)
الشيخ صالح : لا ، نون الأولى الحرف المعروف لكن ورد ذكره في سورة نون وهي قوله تعالى (وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ) وهذا نفي مقيد .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أخرج من هذه الجانب إلى جانب الفقه الإسلامي تعلم حفظك لله أن الفقه مر بأطوار عديدة حتى وصل إلى ما يسمى بالمذاهب وما تتلمذ على هذه المذاهب انقسام هذه المذاهب إلى أربعة وإن كانت هذه الوقفة ستكون مع صاحبي أبي حنيفة قبل أن ندخل للحديث عن المسألة الخاصة دعنا بداية نحرر المراد بالمذهب ؟؟
الشيخ صالح : المذهب في اللغة مصدر من ذهبا كالذهب هناك أصول في الاعتقاد وهناك أحكام فقهية اجتهادية فأصول الاعتقاد فالصحابة رضي الله عنهم وقع فيهم اختلاف في المذاهب الفرعية في الأحكام الفقهية لكن جميعهم كان على أصل اعتقادي واحد المذاهب الأربعة الفقهية المتبوعة في أهل السنة يجب أن يفهم أمران ونحن يجب أن ندرسها :
الأول أن دين الله أجّل من أن يُحصر في أربعة قد يكون هناك قول لبعض العلماء لم يقول به أحد من الأئمة الأربعة يعني قد يكون هناك قول العالم غير متبوع وغير متبوع يعني ليس غير متبوع بالكلية لكن لم يحرر مذهبه ويبقى إلى يومنا هذا كسفيان الثوري وكالأوزاعي وكابن تيميه وهذا أمر مهم جداً .(5/13)
الأمر الثاني أن هذه المذاهب مذاهب في الفقه وليست في الاعتقاد من انحرف عن الاعتقاد أهل السنة والجماعة لا يقال في حقه مذهب وإنما يقال فرق ..وتعني طريقه عامه في الاستنباط لها أصول معينه صنعها إيمان تبعه على ذلك الصنيع آخرون سُمي [مذهب ]
مذهب أبي حنيفة رحمة لله تعالى أول المذاهب المتبوعة الباقية إلى اليوم ظهوراً لكننا لا نملك الحكم أي المذاهب أفضل هذا بكل مسألة بحسب ما ترجح لكن أول المذاهب حضوراً مذهب أبا حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم احمد رحمة لله تعالى عليهم ..
الأستاذ معمر : نتكلم يا شيخ عن أبو حنيفة قبل أن ندخل إلى أبو يوسف ومحمد
الشيخ صالح : أبو حنيفة فارسي الأصل أسمه المعمار أبن ثابت قال الشافعي رحمة لله تعالى [الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة ] هذه الشهادة لها اعتبار من جهة أن الشافعي ند لأبي حنيفة وعندما يأتي الشهادة من ند من فارس من نفس المضمار لها اعتبارها أكثر من شخص يكون تابع لأبي حنيفة في مذهبه وقد قال الذهبي رحمة لله تعالى : إن الإمامة في الفقه مسلّمة لهذا الإمام بلا ريب ولا شك هذا معنى كلامه في أعلاه
المقصود من هذا أن أبا حنيفة رحمة لله تعالى أول الأئمة ظهوراً وأكثرهم علماً بدقائق الفقه إليه المنتهى في هذا الباب رحمة لله تعالى له أصحاب منهم الذين ذكرتهما محمد أبن الحسن وأبو يوسف هو يعقوب أبن إبراهيم أنصاري في أصله لكنه نشأ في الكوفة وتعلم وعلم في الكوفة وأصبح قاضي القضاة فيما بعد.
محمد أبن الحسن مات أبو حنيفة ومحمد ابن الحسن الشيباني من بني شيبان ولهم ذكر كثير في التاريخ كمثل محمد ابن حميد يقول أبو تمام :
كأن بني شيبان يوم وفاته ***نجوم سماء حل من بينها البدر
عليك سلام الله وقفاً فإنني***رأيت الكريم الحر ليس له عمر(5/14)
ومنهم معن ابن زائدة الشيباني ..محمد أبن الحسن من بني شيبان مات أبو حنيفة وقد بلغ محمد أبن الحسن ثمانية عشر عاماً لكنه أكثر ما يسمى في ظاهر الرواية في المذهب هو من كتب محمد ابن الحسن رحمة لله تعالى من خلال دراستهما سيتضح أشياء كثيرة لكن أبو يوسف قلنا تولى القضاء وأصبح قاضي القضاة وكان الرشيد يجله ويكرمه ومحمد ابن الحسن في هيئته كان سميناً ذكياً قال الشافعي رحمة لله تعالى [ ما رأيت سميناً أذكى من].
الأستاذ معمر : نكتفي بهذا السرد القصصي ، دعني أقف وقفة يسيرة ..وأنت أشرت إليها قبل قليل في مثل هذه القصص وهذه الأخبار ليست غاية ..ما هي الفوائد والثمرات التي يمكن أن تُجتنى من وراء هذه القصص ؟
الشيخ صالح : العلم توفيق ..لكن من طرائق جمعه صحبة الأكابر ، فأبوا يوسف ومحمد بن الحسن وصلا إلى هذه المنزلة من العلم بصحبتهما لأبي حنيفة ، ولهذا من الخطأ لجيلنا اليوم صحبة الأصاغر وأنا أتكلم عن الأكابر والأصاغر في العلم ... الأعمار بيد الله ..لكن المتقدم في السن من العلماء والذي جمع تقدم في السن وتقدم في العلم حريٌ بطالب العلم أن يلزمه ،يتضرر المرء إذا كانت صحبته لأنداده ..أو لمن دونه في الزوايا والخفايا فتلك الأماكن لا يصنع فيها علم إنما يصنع فيها فكر مريب ، لكن العلم إنما في الجامعات والمدارس والحلقات المعروفة الظاهرة البينة المكشوفة أو في المساجد ..والحرمين في المقام الأول ..ويكون على يدي أكابر في المقام الأول الأكابر علمياً ..قد يكون المرء صغير السن كبير العلم وافر العقل ..لكن مع ذلك أقل شيء أن يكون في مشارف الأربعين حتى يؤخذ عنه حقيقةً ويُلازم لأن التجارب لها دور في صقل المرء قد يظهر وينفع دون الأربعين لكن لزوم الطلاب له لابد أن يكون متأخراً حتى يستفيدوا منه ..(5/15)
فمحمد بن الحسن وأبو يوسف رحمة الله تعالى عليهما حظيا بعلمٍ جم عندما صحبا أبا حنيفة رحمة الله تعالى عليه ... هذه الفائدة الأولى ..
الفائدة الثانية المرء وهو يطلب العلم لابد أن يكون ذكياً ..الذكاء مطلب أساسي في تكويننا لجيل يحمل العلم وقد نبهنا إلى هذا مراراً ..ولهذا قال الشافعي رحمة الله في وصف محمد بن الحسن ..ما رأيت سميناً أذكى منه .. وكان محمد بن الحسن يتوقد ذكاءً ..والإنسان يمرر مسائل على عقلة ويجلس مع أقرانه يطرح مسائل ..
المسائل التي تُطرح اليوم حتى فيما يسمى بالألغاز الشعبية ..أكثرها يجنح إلى الوصف والوصف يقيس مستوى واحد في الذكاء ،لا يقيس كل شيء لكن طالب العلم الحق يقيس عدة مستويات في ذكاءه ويمرن نفسه على المسائل العلمية ويمرن نفسه على مسائل الرياضيات حتى يكون ذكياً وقد مر معنا فقه علي رضي الله عنه وحكمة في الأرغفة وغير ذلك ..هذه كلها مطالب أساسية ...
الأمر الثالث أيها المبارك قضية أن الإنسان ينوع مناهله ..الإمام أحمد رحمة الله كان يعرض أحياناً مسائل دقيقة ..فقيل له من أين لك هذه المسائل ؟؟ ..قال من كتب محمد بن الحسن ثم برر بين فصل..قال إن محمد بن الحسن أخذ علم أهل العراق وأخذ علم أهل المدينة بتتلمذه ومراجعته على مالك مع تتلمذه على يد أبي حنيفة ..وأخذ فقه الشام عن الأوزاعي ثم قال كلمة لا بد منها ..قال رحمة الله ..عن محمد بن الحسن وصقله القضاء فالإنسان إذا مارس عملاً تدريساً أو قضاءً هذا يصقله ..ولهذا قلنا التجارب وطي السنين له دور كبير في ملكة الإنسان وتذكيتها وتربيتها ..(5/16)
والمقصود أن تعدد المناهل يصنع منك أيها الأخ المبارك رجلاً عالماً فذاً ..أما كون الإنسان لا يقرأ إلا لشخص أو شخصين ولا ينهل إلا من عالم أو عالمين ويغرق نفسه في دائرة ضيقة فهذا لا يمكن له أن يتوسع في القول ولا أن يستطيع أن يجاري علماء عصره ولا أن يُصدّر حتى ينفع الناس في كثير من أحوالهم وقضاياهم ، فتعدد المناهل كان عليه السلف في قضية التعلم والعاقل لا يجعل بينه وبين المعرفة حجاب إنما يأخذ العلم الحق من أي أحد لكنه في قضايا الاعتقاد هذه مسألة مهمة لا تؤخذ إلا ممن عُرف عنه سلامة المُعتقد ..هذا الأمر الثالث ..
الأمر الرابع ..التقليد شيء منفر منه فأبوا حنيفة رحمة الله عُرض عليه القضاء فأبا في حين أن أبا يوسف عُرض عليه القضاء فقبل ولم يقل إن أبا حنيفة لم يقبل فلا أقبله .. ولهذا المصالح تتفاوت والرجال أنفسهم يتفاوتون ..فقد يأتي إنسان مُعين حريٌ به أن يكون مرافقاً للسلطان مثلاً ..يستطيع أن يصنع شيء للناس يُحسن التعامل إذا قُرب من أمير ومن سلطان أو من ذوي جاه في حين أن غيرة لا يحسن ..فنقول للأخر أبتعد ونقول للأول أقترب والعبرة بالمصلحة العامة ، وأبو حنيفة ربما رأى نفسه ليس ممن يحسن نفع الناس من خلال مجارات السلطان ..في حين أن أبا يوسف يستطيع أن يفعل ذلك ..فكان الرشيد يُجله ولا نقدح في أبي يوسف ونُجل أبي حنيفة على هذه الطريقة ..لكن نُجل أبا حنيفة ونُجل أبا يوسف ..ويُعتقد فيهما حسن الظن ونعلم أن كل منهما نظر في مقوماته وقدراته فستعملها في الحق فوصل إلى مقصودة.(5/17)
المناظرات أيها الأخ المبارك والمحاضرات العلمية ينجم عنها علمٌ جم ..الآن الإنسان إذا أطلع على أراء الغير والمسألة بُسطة له بطريقة أكبر قل إنكاره قل انفعاله قل تشدده ..لكن من أين نؤتى ؟؟ تؤتى من الذي لا يعلم إلا شيءً واحداً .. لكن لما كانت هناك محاورات كان محمد بن الحسن يأتي المدينة يقابل مالك يتناقشان في المسائل ..هذا يعرض قولة وهذا يعرض قوله ثم يسلم هذا لهذا في شيء والأخر يسلم في أشياء ..كذلك كان يحصل مع محمد بن الحسن مع الإمام الأوزاعي وغيرهم ..هذه المناظرات والعالم الذي كانوا يعيشونه أدى إلى تلك الرفعة في الفقه الإسلامي على وجه العموم ..وهذا نفتقده يسيراً في زماننا وينبغي أن يعاد إلى ما كان عليه
الأستاذ معمر : أم خالد من الكويت كانت تسأل عن التلازم في القرآن بين موسى عليه السلام وهارون ..وتسأل عن كُتب تفسير لطلاب العلم المبتدأين.
الشيخ صالح : طبعاً الأخوة التي بينهما ولكونهما بعثا في نفس الوقت ..نبيان رسولان في زمنٍ واحد وإلى فرعون وملئه ..ولهذا ذكرهما جل وعلا متلازمين ..
بالنسبة لكتب التفسير .. ( التسهيل : لأبن جزي الكلبي ) هذا للمبتدأين جيد ...
الأستاذ معمر : أحمد يسأل عن قولة تعالى ( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم ) و ( واستبقوا الخيرات ) كيف الجمع بين ذلك مع نزع عملية الحسد ..ويتساءل عن الفرق بين الغبطة والحسد .
الشيخ صالح : الحسد مركب في كل جسد يقيناً ، لكن الله جل وعلا قيد ..قال ({وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }الفلق5) أما إذا تغلب الإنسان على حسده بالتقوى فقد أفلح ..وكل من أعتصم بالله وتوكل عليه وعلم أن الفضل بيده نجّاه الله جل وعلا من أن يتلبس بالحسد..(5/18)
الغبطة والحسد تأتي على عدة معاني أو طرائق ..على النحو التالي : إذا تمنى الإنسان النعمة ..تمناها لنفسه مع عدم تمني أن تزول عن أخيه فهذه غبطة ..لكن هل تكون غبطة مذمومة أو تكون غبطة محمودة أو مندوبه ..وهذا فيه خلاف ...كيف نعرف الخلاف؟؟
مثلاً: شخص ذو مال ..أنا وأنت .. الشيخ معمر ثري والشيخ صالح غير ثري ..فهذه مسألة دنيويه ..فكوني أتمنى لنفسي مالاً مثل الذي عندك ..هذا ما نقول أنه محمود ..نقول أنه مباح لأنه مسألة دنيويه ..
أنت ولا نزكيك على الله على مستوى من الفضل والتقوى ..فعندما أراها فيك أتمنى أن أكون مثلك دون أن تنزع منك ..فهذه غبطة محمودة مندوبة لأنها داخله في المسابقة إلى الخيرات والمنافسة في الطاعات ..أما الأول كانت دنيويةٍ محضة .
الأستاذ معمر : من الثنائيات يا شيخ الإفراط والتفريط ..يسأل يا شيخ كيف يكون الإنسان وسطياً ..حددها بمسألة الشجاعة والكرم ..لكن دعنا نعم قليلاً في الحياة ككل ولاسيما أنها ميزة لهذه الأمة .
الشيخ صالح :
الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ *** هي أولٌ وهو المحل الثاني
كلا طرفي الأمور ذميم ، فالإنسان إذا كان الصنيع الذي يصنعه يجتز الأمر من أصلة فهو مذموم لا يسمى كرم إذا كان يجتز الأمر من أصلة لأنه لا بد من عودة وإذا كان لا يحقق المراد أبداً أو يقصر عنه فهو مذموم ،لكن الإنسان يحاول أن يحقق المراد دون أن يجتز الأصل ، فلا يُعقل أن تعطي ضيفك كل ما عندك لأن الله يقول ({وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ }الإسراء29) ولا يُعقل أن ترُده لأن الله قال ({وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ }النساء128) لكن إذا أرضيت ضيفك دون أن تضيع أهلك كان ذلك وسطاً كما قال صلى الله عليه وسلم ( إياك والحلوب ) وإذٍ له أن يذبح دون أن يذبح شاةً فيها نفع لأهله ..(5/19)
كذلك الشجاعة في الحروب ..النبي صلى الله عليه وسلم قاتل وتقدم الصفوف لكنه كان يلبس في بعض حروبه درعين ولهذا قلنا وقد مر معنا أن الأعشى عندما مدح ..
كنت المقدم غير لابس لُمتٍ *** بالسيف تضربُ معلماً أبطالها
فلما قال للملك الذي يمدحه : غير لابس لمتٍ ، ذمته العرب على هذا المدح لأنه كونه لا يلبس درعاً في الحرب هذا تهور لكن الشجاعة بتقدم الصفوف ويحتاط لنفسه .
الأستاذ معمر : ندخل يا شيخ في عالم الأدب ولعل المشاهد الكريم والأخوة في الموقع بمجرد ما نقول ثنائيات في الأدب والشعر أول ما يتبادر إلى الذهن التلازم الواضح بين جرير والفرزدق ..إذا أذنت لي أن نعرض شيءً من أخبارهم ،أيضاً بعض ما ورد من أشعارهم ..
الشيخ صالح : الشعر صناعة دنيويه والآن أأذن لي أن أعقب على رسالة وصلتني بالجوال بعد الحلقة الماضية ..أحد الفضلاء ذكر أسمة وهذا يدل على فضلة.لأن الأمر كان محاورة لكني لم أجد الوقت لأجيبهم ذكر عندما قلت أن المتنبي لم يحقق الحكمة في نفسه ولم يصل إلى المقصود وأن قالها في شعرة ...
بعث أحد الفضلاء يعاتب ويقول أن هذا غير صواب .. وحجته شهرة المتنبي وقال إن الله علم صدق نيته وحصل له هذا القبول وهذا طبعاً خطأ في الفهم ..لأنه لا يُقال في الصناعة الدنيوية أن فيها صدق نية ..إنما هي أسباب ..فالشعر صناعة دنيويه ليست صناعة أخروية حتى يقال فيها صدق مع الله وصدقه الله ..إنما هذا في العبادات ووسائل القُرب أما الشعر في أصله ليس من وسائل القُرب ..
الأستاذ معمر : لكن يا شيخ ترد هنا مسألة تحويل العادات إلى العبادات عن طريق النية ..(5/20)
الشيخ صالح : ممكن ..هذه مسألة أخرى ، لكن المتنبي عُرف كشاعر مجيد ولم يُعرف كعبد رشيد وهذه قضية مهمة جداً .. لكن مثلاً المشاهير الذين يلعبون الكُرة والمشاهير من المغنين والمشاهير من الفنانين الناس كلها تعرفهم ..لكن لا يعني هذا أن هناك قبول لهم طُرح في الأرض أبداً إنما هي صناعة دنيويه يفتن الله بها من يفتن ..فأخذوا بأسبابها فنالوا مرادها ..( {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ }الإسراء18) لكن هذا ليس قبول.. قلنا مراراً لابد أن يفرق الناس مابين القبول ومابين الشهرة .فلو ذكرنا مثلاً [ أستالين ] أكثر الناس في زمانه كانوا يعرفون استالين وهو مذموم عند الله لصنيعه شيوعي ملحد قتل ملايين المسلمين وجرائمه هائلة ..لكن هذا لا يسمى قبولاً كوننا نعرفه ..فلا بد أن نفرق مابين القبول ومابين الشهرة ..
ـ نحنُ خرجنا جانباً ـ نعود لجرير والفرزدق ..
ظهرا في عصر بني أمية جملةً ..كلاهما من بني تميم ..الأول وهو جرير كان سلس العبارة والفرزدق كان فخمُ العبارة ..ويقال في حقه [ لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب ] عُرف بمجونه أكثر من جرير ..كان جرير فيه شيءٌ من الورع ..حصل بينهما نزاع سُمي في الأدب العربي [ بالنقائض ] كلاهما له أبيات فرادا ..تغن الناس بها وسارت بها الركبان وحفلة بها كتب الأدب من ذلك قول جرير ..
بانَ الخليطُ ولو طُوعتُ ما بانا *** يُقطعُ من حبال الوصلِ ألوانا
حيَ المنازل إذ لا نبتغي بدلاً *** بالدارِ دار ولا الجيرانِ جيرانَ
يا أمَ عمرٍ جزاكِ الله مكرُمةٍ *** ردي عليَ فؤادي كالذي كانا
لو تعلمين الذي نلقى أويتِ لنا *** أو تسمعين إلى ذي العرشِ شكوانا
يا حبذا جبلُ الريانِ من جبلٍ *** وحبذا ساكنُ الريانِ من كانا
وحبذا نفحاتٌ من يمانيةٍ *** تأتيك من قبلِ الريانِ أحيانا
إن العيون التي في طرفها حورٌ *** قتلننا ثم لم يحينّ قتلانا(5/21)
يصرعنّ ذا اللُبِ حتى لا حراك به *** وهُنّ أضعفُ خلق الله أركانا
قصيدة طويلة ..الذي يعنينا منها سلاسة العبارة ....
في حين أن الفرزدق إذا مدح وأراد أن يهب ممدوحة جزالة اللفظ وقوته أضفى على تلك القصيدة قوةً جعلها تبقى ..
هذا الذي تعرِفُ البطحاء وطأتهُ *** والبيتُ يعرفهُ والحِلُ والحرمُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلهمُ *** هذا التقيُ النقيُ الطاهرُ العلمُ
وليس قولك من هذا بضائره *** العُربُ تعرِفُ من أنكرة والعجمُ
كلتا يديه غياثٌ عم نفعهما *** تستو كفان ولا يعرُهما عدمُ
سهلُ الخليقةِ لا تُخشى بوادرهُ *** يزينهُ اثنان حُسن الخُلقِ والشيمُ
ما قال لا قط إلا في تشهدهِ *** لولا التشهدُ كانت لائهُ نعمُ
عمَ البريةَ بالإحسانِ فانقشعت *** عنها الغياهبُ والإملاقُ والعدمُ
يُنمى إلى ذروة العز التي قصُرت *** عن نيلها عربُ الإسلامِ والعجمُ
هذا ابن فاطمةٍ إن كنت تجهلهُ *** بجدهِ أنبياء اللهِ قد خُتِمُ
يقولون من طرائف أخبارهم أن جرير كان له راويةً يكتب شعره أسمه [مربع] فهذا مربع ذات يوم تشاجر مع والد الفرزدق فأراد الفرزدق أن يدافع عن أبية فدفعه مربع فسقط الوالد ..فلما سقط والد الفرزدق هدد الفرزدق مربعاً أنه سيقتله في حالة موت أبية ..طبعاً هذي بالعامية[ بلفه !!] معناها عجز ..فقال جرير متهكماً من الفرزدق ..
زعمَ الفرزدق أن سيقتل مربعاً *** أبشر بطولِ سلامةٍ يا مربعُ
وأصبح بالذات الشطر الثاني من البيت مجرى المثل والحكمة في الناس ..
عُمرا ما شاء الله أن يعمرا مات الفرزدق قبل جرير وأخطئ جرير عندما قال ..
مات الفرزدق بعدما جدعتهُ *** ليت الفرزدق كان عاشا طويلا
ثم أنه ندم على بيته هذا وقال أبيات يرثي فيها الفرزدق ..دخل معهما الراعي النميري والأخطل في صف الفرزدق فمما دفع جرير إلى أن يقول في لاميته ..
لما وضعتُ على الفرزدق ميسمي *** وضغا البُعيث جدعتُ أنف الأخطلِ(5/22)
يريد أن يجمعهما كلهم في سياق واحد ، هذا أيها المبارك بعض أخبارهما ونتفاً من أشعارهما ..
الأستاذ معمر : ننتقل أيضاً يا شيخ إلى ما يتعلق بأمير الشعر شوقي وحافظ .
الشيخ صالح : شوقي وحافظ ، يقول الناس أنني أكثر القول عنه والحق أنا واحدٌ من المُعجبين به وقد يكون هذا صواباً وقد يكون خطأً ..طبعاً شوقي ..
شوقي وحافظ من شعراء العصر الحديث ، مات حافظ قبل شوقي وندم شوقي وتمنى لو أن حافظاً مات بعده حتى يرثيه ..حافظ قال مبايعاً شوقي ..
أمير القوافي قد أتيتُ مُبايعاً *** وهذي وفود الشوق قد بايعت معي
رد عليه شوقي ..حفظ له الود والكلمة الطيبة بعد وفاته..
يا حافظ الفصحى وحارس مجدها *** وإماماً من نجبت من البلغاءِ
لكل منهما قصائد حافلة ، لكن شوقي بلا شك أفضل من حافظ بكثير ، من درر قول حافظ ما قاله في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..في قصيدة عُرفت بالعُمرية ..ذكرناها كثيراً ..منها ..
حسبي القوافي وحسبي حين ألقيها *** أني إلى ساحت الفاروقِ اهديها
للهم هبلي بياناً أستعينُ به *** على قضاء حقوقٍ نام قاضيها
ثم قال يصور وفادة رسول كسرى إلى عمر ..
وراع صاحبً كسرى أن عُمراً *** بين الرّعيةِ عُطلاً وهو راعيها
وعهدهُ بملوك الفُرس أن لها *** سوراً من الجُندِ والحرّاسِ يحميها
رآهُ مُستغرِقاً في نومهِ فرأى *** فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظِل الدّوحِ مشتملاً *** ببردةٍ كاد طول العهدِ يُبليها
فهان في عينه ما كان يُكبِرهُ *** من الأكاسرٍ والدنيا بأيديها
وقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً *** وأصبح الجيلُ بعد الجيلِ يرويها
أمِنت لمّا أقمت العدل بينهمُ *** فنمت نوم قريرِ العينِ هانيها
مما يُحفظ له :
الأمُ مدرسةٍ إذا أعددتها *** أعدت شعباً طيب الأعراقِ
أما شوقي فله درر ..منها ..
دقات قلب المرء قائلة لهُ *** إن الحياة دقائقٌ وثواني(5/23)
وله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أبيات لا حاجة لأعادتها أكثرنا من قولها ..لكن من جيد أبياته قوله على لسان امرأة أيام جاهلية النيل في العصور القديمة التي حكمة مصر أيام الفراعنة
..كانوا يؤلهون النيل فيختارون أجمل النساء ويقدمونها إلى النهر قرباناً فالحمد لله على نعمة الإسلام .. ثم إن هذه المرأة تتأنق تتزين تفرح أنها ستُزف إلى النيل ..كيف تُزف إلى النيل ؟
تلبس جيد ثيابها وفاخر ملابسها وتزُفها أترابها وهم يحسدونها على هذا المقام ..ثم تُلقى في النيل لتموت وتظُن أنها أصبحت زوجةً له ..
يقول شوقي ..
خلعت عليك حياءها وحياتها *** أأعز من هذين شيءٌ يُنفقُ ؟!!!
وهذا البيت من حيث السبك الشعري في القمة ..وقد قلنا أن لشوقي درراً أخرى من أبيات الشعر .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم معالي الشيخ ..الحديث في الشعر عموماً لا يمل لكن دعنا نستغل بقية الحلقة في بعض الإيمانيات التي تقربنا إلى ربنا ..بدايةً ياشيخ صالح وردة بعض التساؤلات على الموقع عن الزهراوين ..حبذا لو تحدثنا عنها قليلاً .
الشيخ صالح : البقرة وآل عمران سورتان كريمتان من سور القرآن الكريم والقرآن كله كريم منزلٌ من لدن حكيمٌ عليم قال صلى الله عليه وسلم ( إقراءُ الزهراوين البقرة وآل عمران فأنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غايتان أو فرقان من طيرٍ صواف يحاجانِ عن أصاحبهما ) ..
أما البقرة فهي سنام القرآن وفسطاطه ضمنها الله جل وعلا أخباراً ومواعظ وأحكاماً شتى ..وهي من أوائل ما أنزل في المدينة ولهذا نودي على الأنصار يوم حنين يا أصحاب سورة البقرة لأنهم كانوا يفتخرون بها لأنها من أوائل ما أنزل في المدينة ..سورة آل عمران تحدث الله فيها عن بيوت صالحة وهو بيت آل عمران قال الله ({إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33)(5/24)
تضمنت سورة البقرة أعظم أيةٍ في كتاب الله ({اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }البقرة255) وهي آية الكرسي، تضمنت خاتمتها آيتان عظيمتان نزلت من تحت العرش هاتان الآيتان من قرأهما في ليلة كفتاه ..قال الله ({آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ }البقرة285 ) ...الآية ، في سورة آل عمران تلك الآية العظيمة التي تنزل لها الجبال (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ(27) آل عمران ) في هذه السورة ذكر الله جل وعلا أخباراً عن غزوة أحد ذكر الله فيها ما أصاب المؤمنين في يوم أحد من الكرب والغم والجرح والكلم .من حيث الجملة هذان السورتان عظيمتان ..لكن لماذا سميتا بالزهراوين ؟؟ قال العلماء في ذلك ثلاثة أقوال ..القول الأول ..لما يزهر لما يظهر لصاحبهما أي قارئهما من المعاني العظيمة ويضيء له في قلبه ، وقيل إنما سميت الزهراوين لأنهما تضمنت أسم الله الأعظم ووردت في ذلك الآثار ، هذان قولان شهيران للعلماء في سبب تسميت سورة البقرة وسورة آل عمران بالزهراوين ..
هذا ما يمكن أن يقال عنها ..قي قراءتهما نفعٌ عظيم وخيرٌ وأجر في كل القرآن فكيف بهاتين السورتين العظيمتين التين أثنا الله عليهما ورسوله صلوات الله وسلامة عليه ..
الأستاذ معمر : أيضاً من الأشياء التي وردت في القرآن الكريم مسألة الصلاة والزكاة لكني سأتجاوزهما إلى ما يتعلق بالصبر والصلاة ({وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }البقرة45)(5/25)
الشيخ صالح : الدنيا سراء وضراء ولا مطية في حال السراء إلا الشكر ولا مطية في حال الضراء إلا الصبر ،
والإنسان ضعيف لابد له أن يستعين والاستعانة الحق بالله جل وعلا أرشد الله إليها أن مفتاحها الأعظم هو الصلاة لأن الصلاة تقرب العبد من ربه تبارك وتعالى والله لما أعطى آل داوود ما أعطى قال (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً}سبأ13)
قال بعض العلماء أنها لم تخلوا ساعة من نهار إلا وواحدٌ من آل داوود قائمٌ يصلي وهذه منقبة عظيمة ، يحسن بكل أهل بيت أن لا يفتروا من صلاة وصيام وأن يحاول الأبناء والبنات أن يعينوا أبائهم وأمهاتهم على الطاعة ..
والبيت إذا كان الناس يتداولون فيه الطاعة هذا صائمٌ وهذا قائمٌ وفي الليل يتفاوت أهل البيت هذا يصلي في أول الليل وهذا يصلي في آخر الليل ..اليوم الأم صائمة وغداً الوالد صائم ، إذا كان أهل البيت على هذا المنوال دل على قربهم من ربهم تبارك وتعالى ، أما الصبر فلا بد منه لكن لا بد أن يكون صبراً لله تبارك وتعالى رجاء ما عنده والإنسان لا ينبغي أن يعلم أنه مهما تعلق بأشياء حوله في الدنيا فالنسيان سهل مع مرور الأيام ..
يقول أحدهم وإن كان الموقف لا يحسُن الاستشهاد به لكن يبين لك أن الدنيا سهله يقول :
قد كنت أرحمُ نفسي من تذُكرِها *** واليوم أرحمها من فرطِ نسيانِ
أرقامُ هاتفكم ما عدت أذكُرها *** وضاع عنوانكم في ألف عنوانِ
إذا كان هذا في محفل صغير في علاقة بين رجلٌ وامرأة ،لكن في الحياة عموماً ..
النسيان سهل إذا أردنا لكننا لا نريدها أن تكون مسألة عاده مسألة تأسي بأقوال الشعراء ..نريدها احتساب وطلب الأجر من الله جل وعلا ..لأن قدر الله ماضيٍ ماض صبر أم جزع لكن المؤمن يصبر وينتظر من الله الفرج وينتظر من الله المثوبة والأجر ..والله جل وعلا يقول (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر10)(5/26)
يجب أن تعلم أن جل وعلا لم يجعل الدنيا ثواباً للمؤمن ول يجعلها سجناً للكافر وهذا يدل على حقارتها عند ربنا تبارك وتعالى والله يقول (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ(33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ(34) وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ(35)) الزخرف ،
يجب يعلم كل أحد أن الأمور ثلاثة ...
الأول لا يقع وهو مالا يكون بالله والمعنى مالا يكون بالله لا يكون .. شيءٌ لم يكتبه الله لم يقدره لا يمكن أن يقع ..
والأمر الثاني شيء يكون بالله قدراً ويكون لغير الله شرعاً فهذا لا يثبت ولا يدوم كالذي يعمل عملاً لغير الله ..
والثالث .. وهو الذي يجعله المؤمن بين عينيه يكون بالله ولله وهذا وإن ذهب في الدنيا عينه بقي في الآخرة أثره ..( {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }الإنسان22)
الأستاذ معمر : نعود للأسئلة ..الأخ أبو عبد الرحمن كان يسأل عن قراءة سورة الأنبياء ..البعض يقول قراءتها مثلاً سبع ليالي أن من شئنها أم من لديه عين يرى العائن في منامه ؟
الشيخ صالح : تفصيل هذا يكون على النحو التالي :(5/27)
أما تعبداً فلم يرد في هذا فيما أعلم شيء فلا يجوز اعتقاداًُ منه أنها له بها أجراً معين ، أما إذا قال أحدٌ من الناس أنه قرأ سورة الأنبياء سبع مرات ثم ظهر له أحد ثبت له بعد ذلك حقاً أنه من أصابه بالعين ..فانتقل الأمر الآن من كونه تعبدي إلى كونه تجربه ،طب .. والقرآن أخبر الله أنه شفاء ..فما يشترط في العبادة لا يشترط في التجربة ..لا يشترط في الطب لأن الطب قائمٌ على التجربة فلو قراءها وحصل أن رأى العائن فلا نثرب عليه في هذا الباب لكن لا ننسبها للنبي صلى الله عليه وسلم ولا نقول بالجزم ولا نقول أن هذا من وسائل القُرب ..
الأستاذ معمر : سلطان يسأل عن الحسد بين طلبة العلم وعبد الله يقول ( لا حسد إلا في اثنتين )
الشيخ صالح : (لا حسد) بمعنى لا غبطة وبينا قبل قليل قضية المباح والمحمود المندوب فهذا مندرج في المحمود والمندوب ، الإنسان إذا كان له حق يحسد ..يحسد رجل يقرأ القرآن وينفع الناس هذا الذي تغبطه وتتمنى أن تكون مكانه ..رجل أعطاه الله علم ينفع به الناس هذا الذي تغبطه وتتمنى أنك مكانه ..رجل أعطاه الله مال ينفه في الليل وأطراف النهار هذا الذي تغبطه وتتمنى أنك مكانه .. هذا المقصود وهو الحث على المنافسة في الخيرات ..
الأستاذ معمر : يسأل أيضاً يا شيخ عن العمل الصالح في قوله تعالى ({وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)
الشيخ صالح : العمل الصالح كل ما أمر الله به إذا وافق ذلك شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..طبعاً كل ما أمر به وافق الشرع أقصد الأخذ بها مع أخلاص العمل لله جل وعلا وسيأتي هذا في المحور الأخير ، أما قول الله (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) فأفضل ما فسرت به الرضا بالقدر ..
الأستاذ معمر : يسأل إذا كان لكم سلسة في التفسير ؟؟(5/28)
الشيخ صالح : لنا تأملات قرآنيه ..نزل منها ما يسمى ألبومان ونختار من كل سورة بعض الآيات ، أما في محاسن التأويل فنأخذ السورة بكاملها ..
الأستاذ معمر : الأخ فرحان يسأل عن طلب العلم ولاسيما في المناطق النائية ؟
الشيخ صالح : الذين في المناطق النائية يأخذون الأشرطة التي فيها شروح كشروح الشيخ محمد بن عثيمين والشيخ ابن باز والشيخ بن جبري ناو الشيخ صالح الفوزان وأمثالهم من خطباء العلماء يؤخذ أشرطتهم وتفرغ وتقرأ بعد تفريغها ينتفع الإنسان بها ويستمع لبعض طلبة العلم الآخرين مع كتب القراءة المهمة ، والأكاديمية العلمية في قناة المجد العلمية فيها خيرٌ عظيم لا يمكن إنكاره بل تزيد الإنسان علماً إلى علم...
الأستاذ معمر : ختاماً يسأل فيصل ..هل نسيان السنة كنسيان القرآن؟
الشيخ صالح : لا .. هذا يحتاج إلى دليل والدليل قُصر على القرآن ،لكن لا شك تضييع السنة فيه تفريط لكن لا يصل إلى حد نسيان القرآن والنسيان أحياناً يكون بسبب عضوي وأحياناً يكون بسبب المعاصي ..
الأستاذ معمر : أختم يا شيخ بما يتعلق بمسألة الحسنات والسيئات غالباً ما تُقرن ببعضها ، دعنا نتكلم عن أسباب تحصيل الحسنات والسيئات ثم كيفية المحافظة على الحسنات ومحاولة التزيد منها .
الشيخ صالح : الله جل وعلا خلق الثقلين لأمرٍ عظيم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ثم كلف عبادة بأعمال فسمى جل وعلا صنيع من ينهاه عن ما نهى عنه سيئة .. وسمى صنيع ما أمر به أو دعا إليه حسنة ..وسمى الأجر المترتب عليه حسنة وسمى الأجر المترتب على السيئة سيئة ..
قال({وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}الشورى40) والحسنة تُطلق على العمل وتُطلق على الجزاء ، والسيئة تُطلق على العمل وتُطلق على الجزاء ..(5/29)
الحسنات والسيئات ..هذان من أعظم ما يتقرب إلى الله جل وعلا به إتيان الحسنات وترك السيئات ولا حسنة تعدل توحيد الله جل وعلا وكل الحسنات مندرجة فيها فهي الحسنة العظمى ولا سيئة تعدل الشرك فهي السيئة العظمى المحبطة لكل عمل .
جعل الله جل وعلا جزاء السيئة سيئةٌ مثلها وجعل جزاء الحسنات الحسنة بعشر أمثالها كرماً منه وتفضلاً على عبادة ثم يضاعف الله جل وعلا لمن يشاء ..
إذا كان يوم القيامة وزنت حسنات المرء وسيئاته قال الله جل وعلا (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)) المؤمنون إلى أن قال (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) ثم قال بعدها (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ) حتى يتحقق فعل الحسنة لابد من أمور :
أولها ..تعظيم الله ثم يزدلف الإنسان إلى ربه بتلك الحسنات التي أمر بها ، وقد بينا أن من أعظم الحسنات بل الحسنة التي لابد منها حتى يكون ما بعدها هي التوحيد والسيئة التي لابد من تركها حتى لا تحبط الحسنة هي الشرك ثم تأتي أعمال والناس قدراتهم مشاربهم مواهبهم تختلف ظروفهم تختلف المهم أن يصنع الإنسان في الحسنات التي شرعها الله جل وعلا .
منها مثلاً .. بر الوالدين ..فبر الوالدين من أعظم ما يقرب إلا الله تبارك وتعالى وإن القلوب لتدمع حين يسمع الإنسان ويقرأ في الصحف أن أحداً من الناس قتل أحد أبويه أو تجرئ عليهما والله يقول ({وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24)(5/30)
وجاء في الأثر أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشكوا إليه كثرت ذنوبه فقال له عليه الصلاة والسلام ألك والده ؟؟ قال لا .. قال ..ألك خاله ؟؟ قال نعم ..قال فبرها ..فجعل صلى الله عليه وسلم بر الخالة ممحاة للذنوب ..فكيف إذاً ببر الوالدة...
من وسائل القرب إلى الله جل وعلا ..صلاة الليل ..فإن الإنسان إذا كان يوجد لديه باعث إلى أن يقوم من فراشة ويصلي فهو على خيرٍ عظيم ..قال جل وعلا (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ(113) وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(115) هود ) وهذا من نعم الله أن الله جعل للحسنات سلطاناً على السيئات (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)
والمحافظة عليها .. لا يحمل الإنسان هماً أعظم من هم كيف يفد على الله جل وعلا ..فحسن الوفادة على الله يلزم منه الاستمرار على العمل الصالح .والاستمرار على العمل الصالح لا يكون إلا بالله كما قلنا من قبل مالا يكون بالله لا يمكن أن يكون ..أنه ليس أمام الإنسان أن يتضرع ويتوسل إلى ربه في أن يرزقه عمل الحسنات ويكفر عنه السيئات و يعصمه وأن يثبته على الهدى حتى الممات حتى ينجوا .. هذا ما يمكن أن يقال جملةً عن الحسنات والسيئات ..
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم معالي الشيخ ، أستأذنكم في قطع هذا الحديث نظراً لانتهاء الوقت وإن كنت أتمنى ان يستمر ..أتقدم بالشكر نيابةً عن كل المشاهدين بجزيل الشكر ..شكر الله لكم يا شيخ صالح ..(5/31)
نبارك لـ سأبقى همم بجائزة التميز لهذا الشهر ..أشكرها على تميزها وعلى دعمها للمنتدى ..أيضاً أشكر لجنة الاختيار الذين أسهموا كثيراً في الاختيار بين هذه المشاركات ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ................
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/32)
حلقة القطوف الدانية لشهر رجب 1428هـ
الأستاذ معمر :بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين مشاهدي الكرام في كل مكان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله إلى لقائكم الجديد من برنامجكم الشهري القطوف الدانية نعود إليكم مرة أخرى بعد انقطاع يسير نظراً لظرف ضيفنا الكريم الصحي و الذي تعرض له في الفترة الماضية نسأل الله عز وجل أن يمنَّ عليه بالشفاء العاجل
أحبتي الأكارم في هذا اللقاء سيكون بإذن الله عز وجل لقاء خاصاً في مكانه وفي موضوعه من المدينة النبوية ومن جوار المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم تأتيكم هذه الحلقة بثاُ خارجياً على الهواء نتحدث مع ضيفنا الكريم عن ديباج القرآن الكريم فنبين المقصود بهذا اللفظ والسور التي تدخل فيه وسبب تسميتها ثم نحاول أن نقف وقفات إيمانية وتاريخية وأدبية مع بعض الآيات والمقاطع من هذه السور ..
في بداية اللقاء يسرني ويشرفني باسمكم جميعاً أن أرحب بضيفنا الكريم ضيف البرنامج الدائم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء
باسمكم جميعاً أرحب به فحياكم الله شيخ صالح ..
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ معمر وبارك فيكم .
الأستاذ معمر : أرحب بكم مشاهدي الكرام وأرحب بتواصلكم مع هذا البرنامج من خلال أرقام الهواتف التي تظهر على الشاشة أثناء بث هذه الحلقة نسعد كثيراً بمداخلاتكم وبمشاركاتكم عن موضوعنا ديباج القرآن قبل أن ادلف إلى محاور الموضوع وإلى محاولة تجليته مع ضيفنا الكريم باسمكم جميعاً أهنئ ضيفنا على الصحة ونسأل الله عز وجل أن يجمع له بين الأجر والعافية شيخ صالح لا شك أن ما تعرضت له في الفترة الماضية ابتلاء نسأل الله عز وجل أن لا يحرمك أجره . مشاهدي الكريم متشوق لمعرفة أخر التطورات في وضعكم الصحي ؟(5/1)
الشيخ صالح : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره وأتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فمعلوم أن القنوات الفضائية ليست منابر شخصية يتحدث فيها الإنسان عن نفسه ولسنا أول الناس ابتلاء ولن نكون أخرهم وليس ما تعرضنا له بذلك الابتلاء الذي يمكن أن يسمى ابتلاء عظيماً إنما مجمل القول كان بنا مرض روماتزم قلب وكان الأطباء يرون أنه لا بد من التدخل الجراحي ، وكل هذه أمور عدة ندفعها مرة بعد مرة حتى أراد الله جل وعلا أن نجري العملية الجراحية في مركز الأمير سلطان لجراحة القلب بالرياض , والعملية في مجملها تبديل صمامين الصمام المترالي والأورطي بصمامين معدنيين ، والحمد لله على فضله ونعمه وعطاءه وإحسانه العملية بفضل الله ورحمته ودعاء المسلمين الصالحين تمت بنجاح
لكن معلوم أن عملية يتم فيها شق صدر وإخراج قلب وتخييط معدن به لها توابع ولها عوارض وتحتاج إلى وقت ونحن ولله الحمد نقضي الآن فترة النقاهة الصحة قدر الإمكان ولكن لله الحمد نستطيع أن نصلي فرضين ثلاث أحياناً في المسجد لله الحمد والمنَّة ،
والأطباء يقولون يحتاج هذا إلى ثلاث أشهر مضى منها تقريباً شهر ونصف والله جل وعلا الكريم بفضله أحيانا قبلها ومتعنا بالعافية بعدها وهو جل وعلا الكريم ذو الفضل هذا مجمل ما يمكن أن يقال
وأنا أقول بعد أذنك الكريم لكل أخ مؤمن وأخت مؤمنة تعاطف معنا من دلائل بره وإحسانه أيام مرضي اسأل الله جل وعلا أن يرزقه من عفوه الواسع وان يسترهم بستره الجميل وأن يمدهم بعافيته الطيبة وأن يزيدهم من أحسانه الذي لا منتهى له وأن يأتيهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ويقيهم عذاب النار(5/2)
وثمة رجال وأخوات وقفوا وقفات أشد من غيرهم لكن هذا ليس مقام الحديث عن الناس أصلا من كان يتعاطف معنا بدعائه أو بوقوفه لم يكن يريد إن شاء الله فضل من الدنيا أو أن نذكره على منبر لكن نسأل الله أن يوفقنا وإياهم لكل خير و أن يجزيهم عنا خير الجزاء والحمد لله على فضله وإحسانه ولا نقول إلا ما يرضي ربنا .
الأستاذ معمر :نسأل الله لك الشفاء شيخ صالح وأن لا يحرمك أجر هذا ،
شيخ صالح دعنا ندخل إلى موضوعنا وما يتعلق بديباج القرآن قبل أن نقف مع هذه الآيات نقف وقفات مختلفة لا شك أن المشاهد الكريم قد يحتاج إلى تفكير بالمراد بهذا المصطلح وأهم السور التي ممكن أن تندرج فيه .
الشيخ صالح : نعم , هذا ديباج القرآن لفظ نقل عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه وصف به سبع سور متتابعات من كلام الله كلهنَّ سور مكيات , وهذه السور المكيات تبدأ بقول الله جل وعلا ( حم ) ولهذا بعض أهل العلم يسميها ذوات الحواميم أو آل حميم
وآل حميم أفضل عند البعض من قولهم ذوات الحواميم
وسميت بديباج القرآن لأنها آيات خلت من الأحكام فيهن رقائق عظات وعبر ومواعظ وأخبار الأولين وقصصهم ذكرها الله جل وعلا والإنسان إذا رأى في قلبه قسوة ثم قدر له أن يقرأها هذه السور السبع يجد في نفسه تغيراً كثيراً لما فيهنَّ من عظيم الرقائق وجليل المواعظ وعظيم التذكير الذي يرقق الله به جل وعلا قلوب العباد
وهنَّ سور [ غافر وفصلت والشورى والزخرف والجاثية والدخان وتختم بالأحقاف ] هذه السور السبع نسأل الله التوفيق هنَّ آل حميم
الأستاذ معمر : أستأذنك يا شيخ صالح هذه الحلقة ستكون لها طبيعة خاصة فرحة بوجودكم استأذنك في أن نبدأ بالاتصالات في وقت مبكر معي الأخ عمر ، السلام عليكم ورحمة الله ..
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأستاذ معمر : تفضل يا عمر
المتصل : بكلم الشيخ
معمر : أيه يسمعك الشيخ أرفع صوتك قليلاً(5/3)
المتصل : الحمد لله على السلامة يا شيخ
الشيخ صالح : الله يسلمك من النار
المتصل : يا شيخ أنا إمام مسجد نسيت أني أقرأ الفاتحة قراءة سرية
معمر :سؤال آخر يا عمر
المتصل : نعم , أنا نذرت وليمة , هل أأكل من الوليمة أم لا ؟؟!!
الأستاذ معمر : طيب واضح يا عمر جزاك الله خير شكراً معنا أيضاً الأخ عبد الله السلام عليكم ورحمة الله , أخوي عبد الله أتفضل.
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله .
الأستاذ معمر :وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل : كيف الحال
الأستاذ معمر : حياك الله
المتصل: ودي أكلم الشيخ الله يحفظك
الأستاذ معمر : أيه تفضل
المتصل: كيف حالكم يا شيخ صالح
الشيخ صالح :حياكم الله حمد لله
المتصل: عساكم بخير
الشيخ صالح :بخير وعافية
المتصل : حقيقة يا شيخ سعادتنا غامرة برؤيتكم ...........
الشيخ صالح :الحمد لله(5/4)
الأستاذ معمر :طيب شيخ عبد الله لعلك تعاود الاتصال أن كان لديك مشاركة أو تساؤل , يا شيخ أستأذنك أن نؤخر الاتصالات قليلاً حتى يتضح الموضوع ونجليه في بعض المحاور , الوقفات عديدة لكن استأذنك واستأذن المشاهد الكريم في أننا لن نعرض هذه السور كما ذكرها الشيخ مرتبة أيضاً لا نحاول أن نشمل جميع السور لأن الوقت قد يضيق , إنما هي آيات مختارة من هذه السور يعلق عليها الشيخ ويذكر أبرز ما أتى فيها , شيخ صالح نبدأ بقوله تعالى { هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الآية تشير إلى مسألة الدعاء ويكثر الحديث عن آداب الدعاء وعن أوقاته المفضلة , لكن هنا مسألة لعل نسلط الضوء عليها وهي أن الإنسان في حال الدعاء أو في حالة عندما أن يكون محتاج إلى مسألة معينة في حال الضيق يكون في حالة معينة عندما يخرج هذا الأمر أو عندما يتحقق مراده بعد الدعاء أو قبله ينتقل إلى حال أخرى , إذا أذنت لي أن نحاول أن نقارن بين هذين الحالين والواجب على المسلم في التعامل في كلتا الحالتين
الشيخ صالح :هذه القضية من أعظم القضايا التي تعرض لها القرآن وهي قضية أن الإنسان , حال الابتلاء حال الضراء كالمنقطع في البحر أو بالبر أو المريض أو ما أشبه ذلك ما يضطر إليه العبد ويجد نفسه في حالة شدة يتضرع بالدعاء وهذا حال حتى الكثير من أهل الإشراك يتضرعون إلى ربهم جل وعلا لكن الله جل وعلا اخبر أن كثير من عباده , إنما ينقلب حالهم بعد تضرعهم , بعد أن تنجلي البلوى ويكشف الله الضر ويرفع الله الكرب يكون منهم تغير في الحال , رغم أنهم في حال الاضطرار كانوا يتضرعون إلى الله تضرعا! شديداً .(5/5)
تأصيل هذا علمياً أن يقال كالتالي يجب أن يعلم أن الناس جميعاً مهما تباين حالهم ففقرهم إلى الله واحد , فالذي على لوح منقطع به الأمر في عرض البحر لا يجد إلا لوح , حاجته إلى ربه جل وعلا كحاجة من يجلس بين أهله وأبنائه وذويه وعصبته في بيته .
الحاجة واحدة لأنه لا حول ولا قوة لأحد إلا بالله فهذا إذا أراد ينفعه لوحه وهذا إذا أراد الله يخذله من حوله فالحاجة في حقيقتها واحدة الفقر إلى الله واحد لكن الإنسان إنما يعرف هذا الفقر إذا أنقطع وأشتد به الكرب وأضحى به الحال أشتد تضرعه إلى ربه جل وعلا
والله جل وعلا هذه القضية كما قلت عاجها كثيراً في آيات عظيمة قال الله في الأعراف {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وقال جل وعلا في سورة يونس { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقال تباركت أسمائه في الإسراء { وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا } والإنسان هنا ..بالألف واللام لام الجنس , أي هذا الأصل في الإنسان
فإذا تبين للعبد أنه في كل أحواله فقير إلى الله جل وعلا تأدب مع ربه بعد رفع الضراء(5/6)
تأدب مع ربه بعد كشف البلوى , فكان كشف البلوى ورفع الضراء وإغاثته من الحالة التي كان عليها يجب أن يكون أعظم دافعاً ,اجل سبباً في زيادة الطاعة والإيمان والتقرب والازدلاف إلى ربه تبارك وتعالى
وهذه الحقيقة غابت تماماً عن المشركين الأوائل ولذلك الله جل وعلا كما بينا بالآيات كما ذكر الله في القرآن بينت و ذكرت حتى يتنبه عباد الله الصالحون وأولياءه المقربون غلى خطر هذا الأمر فيكون منهم بعد رفع الضر عظيم الأوبة والإنابة إلى ربهم تبارك وتعالى .
الأستاذ معمر : شيخ صالح هل يعني هذا أن الإنسان يستمر على هذا الاضطرار إلى الله عز وجل يعني في حال الحاجة لا شك أنه يكون ... أحوج .
الشيخ صالح : لكن المقصود يعظم الشكر , لكن الله نعى على أولئك الذين يقول الله عنهم {مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ } يعني تناسى تلك الأيام الخوالي والأحوال السابقة والأمور كلها تناساها تماماً كأنه لم يلجأ إلى الله جل وعلا طرفة عين , ولهذا قال الله في الإسراء لما قال { وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ } قال { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ} أي أن حاجتكم إلى ربكم في البحر كحاجتكم إلى ربكم في البر { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ } أي البحر { تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} هذا كله من تأديب الله جل وعلا لعباده وأولياءه جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بالقرآن .
الأستاذ معمر : اللهم أمين , أحسن الله إليكم شيخ صالح لعلي أفصل بين هذه الإيمانية وقبل أن أدخل إلى الوقفة التاريخية ألطف الجو قليلاً أعود إلى الاتصالات(5/7)
عمر كان يقول أنه إمام مسجد نسي الفاتحة في صلاة سرية ..
الشيخ صالح :ما دام إمام فقراءة الفاتحة ركن بلا شك فإذا كان نسي أن يقرأ الفاتحة في ركعة وركع وسجد أي تغير حاله فهذا معناه أنه لم يأتي بذلك الركن فيصبح تلك الركعة كأنها لم تؤدى فيعوض تلك الركعة فلو سبح الناس ولنفرض أنه فعلها في الظهر لو سبح الناس يبقى واقفاً , لأن الناس يظنون أنها خامسة فيبقى واقفاً ويقرأ الفاتحة بصوت جاهر حتى يبين للناس أن لديه شيء ثم بعد ذلك يسجد سجود السهو .
الأستاذ معمر : يقول يا شيخ من نذر بوليمة عل يأكل منها .
الشيخ صالح : من نذر بوليمة هذا بحسب نذره كان عندما حكا النذر على أن لا يأكل منها فلا يأكل وأن كان بيت أن يأكل منها فيأكل منها والأصل أن لا يأكل إلا إذا بيت في أول نذره أو قال بأنه سيأكل منها.
الأستاذ معمر : لو حدد في نذره يا شيخ أمور أخرى أن أهدي مثلاً الثلث أتصدق بكذا ..؟!
الشيخ صالح : النذر بحسب ما ألزم الإنسان به نفسه .
الأستاذ معمر :جيد , طيب قبل أن أعود غلى الوقفة التاريخية معي الأخ صالح على الهاتف تفضل يا شيخ صالح .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل : كيفكم يا شيخ صالح حمداً لله على سلامتكم اسأل الله أن يرفع قدركم ويعلي شأنكم ويجعل ما أصابكم رفعة في درجاتكم وان يجمع لكم بين الصحة والعافية والأجر .
الشيخ صالح : أمين .
الأستاذ معمر : أمين
المتصل : الله يحفظكم يا شيخ صالح نحبكم في الله يا شيخ صالح
الشيخ صالح : أحبكم الله
المتصل : يا شيخ صالح وش الطريقة لتيسير حفظ القرآن الكريم , ودعائكم يا شيخ لي ولأخواني المسلمين بأن الله سبحانه ييسر حفظ هذا الكتاب العظيم
الأستاذ معمر : طيب , سؤال آخر يا صالح ؟!
المتصل : حفظكم الله
الأستاذ معمر : شكر الله لكم معانا أيضاً متصل آخر السلام عليكم ورحمة الله , تفضل
المتصل : السلام عليكم(5/8)
الأستاذ معمر : عليكم السلام ورحمة الله
المتصل : مساكم الله بالخير
الأستاذ معمر :مساك الله بالنور , تفضل
المتصل : ... ممكن اسأل الشيخ
الأستاذ معمر :أيه نعم .. الشيخ معاك
المتصل : حياكم الله يا شيخ صالح
الشيخ صالح : لشيخ صالح : حياكم الله
المتصل :الحمد لله على السلامة
الشيخ صالح : اللهم أمين حمداً لله
المتصل :ما تشوف شر وما ترى بأس إن شاء الله طهور لا بأس إن شاء الله عليك , وأنا أشكر قناة المجد أنها استضافتكم ما قصرتم ويعلم الله أن قلوبنا معك يا شيخ صالح وإنا خائفون عليك يعني كنَّا قلقون عليك , لكن الحمد لله على السلامة .
الشيخ صالح : الحمد لله
المتصل : يا شيخ صالح ما وصيتكم لأهل البلاء , ألا بالتصبير لهم .. ألا بالتصبير لهؤلاء الدعاة الذين يلقون الأذى في كل مكان فما أحسن أثرهم على الناس وما أسوأ أثر الناس عليهم , ألا بالتصبير لهم لأهل المصائب الذين أصيبوا بأولاد فاسدين ألا بالتصبير لهؤلاء الدعاة
الشيخ صالح :أبشر
الأستاذ معمر : طيب جزاك الله خير , الأخ صالح يقول الطريقة لتيسير حفظ القرآن الكريم
الشيخ صالح : أعظم طريقة لحفظ القرآن القيام به في الليل ثم بعد ذلك قراءته كثيراً لأنه يتلفت كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر من منَّ الله عليه بحفظ القرآن يقول أن القراءة بعد صلاة الفجر لها وقع أفضل , كثرة المراجعة قراءة القرآن كثيراً هذا كله مما يعين على الحفظ .
الأستاذ معمر :يا شيخ مراعاة في بداية الحفظ واستقامة اللفظ على المشايخ .
الشيخ صالح : هذا لا بد منه لكن لا يحفظ حفظاً عاجلاً , مما يسمى بالدورات المكثفة , هذه بالتجربة أكثرها ليس كلها قد لا يؤدي ثماره , لكن الأفضل أن الإنسان يقرأ السورة كثيراً أو الآية نفسها عشرين عشرة مرة ثم يعني ينتظم بتؤدة ولا يتعجل .
الأستاذ معمر : الدورات المكثفة لو كانت على سبيل المراجعة لمن حفظ .(5/9)
الشيخ صالح :على سبيل المراجعة لا بأس , لكن في التأصيل الأول أظنها لا تؤتي ثمارها .
الأستاذ معمر : نعم , أخونا الكريم يطلب وصية لأهل البلاء عموماً .
الشيخ صالح : هو الاستعانة بالله جل وعلا على كل حال هذا من أعظم ما يصبر الإنسان ، وعلم العبد أن مقاليد الأمور بيد الله جل وعلا لو كان داعية أو أن كان مريضاً أو أن كان حُرم نعمة الولد أو غير ذلك من أنواع الابتلاء .
علم الإنسان بأنه لا يقع في هذه الدنيا إلا ما أراده الله وأذن به وقدره وكتبه في الأزل يعين الإنسان على التصبر ،ليعلم كل أحد أن الدنيا معبر وممر
ولم تخلق لتعمرها ولكن *** لتعبرها فجد لما خلقتا
فإذا علم الإنسان إن الأيام دول وأنها إلى زوال وان هناك وقفة بين يدي الله أزداد تصبراً ويستعين بالله جل وعلا على هذا والله يقول : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } ويكثر من الصلاة .
الأستاذ معمر : شيخ صالح الوقفة التاريخية يعني بما أننا في هذا المكان - أذكر المشاهد الكريم بأن هذه الحلقة تبث بثاً خارجياً من جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - الآيات التي وردت في بعض السور في ديباج القرآن لعلنا نحاول نستثمر بعضها نربط بين المكان وبين صاحبه ،، في سورة الأحقاف يقول الله تعالى : {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ } بداية نبين المراد بالأحقاف ثم ندخل في هذه الآية ؟.
الشيخ صالح : الأحقاف : وادي , وهي جمع حقف وهو الرمل الطويل المعوج العظيم , فهذا يسمى حقف وجمعه أحقاف ويجمع على غير ذلك قال امرؤ القيس في معلقته :
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةً الْحَيِّ وَانْتَحَى *** بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفَافٍ عَقَنْقَل
قصد بذلك الخبت الأرض المطمئنة(5/10)
قصد بالأحقاف العقنقل : وادي ذو رمل طويل ,و العقنقل أي من العقد , وهذا شيء معروف في لغة العرب وهي في جنوب اليمن , جهة بين اليمن وحضر موت غير بعيدة عن عمان حالياً هذا الوادي الذي كان فيه يسكن قوم عاد وهم قوم هود عليه الصلاة والسلام وهو المقصود بقول الله {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ } وهو أول أنبياء الله من العرب وبعده كان صالح من العرب ثم شعيب ثم نبينا صلوات الله وسلامه عليه , وقد سمى الله جل وعلا سورة باسمه وهي سورة هود وسمى سورة في الوادي الذي فيه قومه وهو الأحقاف .
الأستاذ معمر :ما دام الحديث عن الأماكن يا شيخ وكما ذكرت نحن في المدينة لعلنا يعني يشفع لنا لدى أهل المدينة أننا خصصنا لها حلقة كاملة لكن نتحدث عن بعض الأماكن من الأشياء غير المشهورة عند بعض الناس ما يتعلق يا شيخ ببئر أريس وقصتها ..
الشيخ صالح : بئر أريس - أريس كلمة في اللغة الشامية القديمة بمعنى الفلاح ولهذا جاء في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل " وعليك أثم الأريسيين " أي الفلاحين لأن كان أكثرهم أهل فلاحة , وهذه البئر الآن معروف مسجد قباء هي تقرياً غربه جهة الشمال قليلاً جهة الشمال الغربي من مسجد قباء تقريباً عن المسجد في بناءه القديم أثنين وأربعين متراً هذه البئر كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدها ويأتيها ،
وجاء في حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بئر أريس الذي فيها القصة المشهورة جاءه أبو بكر وعمر وعثمان ولما قال بشر أبا بكر بالجنة وبشر عمر بالجنة وبشر عثمان بالجنة على بلوى تصيبه ،، هذه البئر عرفت بعد ذلك ببئر الخاتم . لماذا عرفت ببئر الخاتم ..؟؟!!
النبي عليه الصلاة والسلام لما كاتب الملوك والأمراء في زمانه أتخذ خاتماً , منقوشاً عليه محمد رسول الله(5/11)
يقول أهل التاريخ والسير لبسه أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبسه عمر ثم لبسه عثمان رضي الله تعالى عليهم أجمعين في سنة ثلاثين من الهجرة أي بعد ستة سنين من ولاية عثمان ذهب إلى بئر أريس وله معها ذكريات لأنه كان يأتيها أيام النبي صلى الله عليه وسلم بقدر الله حرك الخاتم سقط الخاتم في البئر فلما سقط الخاتم في البئر غم عثمان رضي الله عنه غماً شديداً لأنه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بنزح البئر , نزح ماء البئر
نزح ماء البئر : يعني المعنى إزالة الماء حتى تستخرج الخاتم , لكنه لم يوجد له أثر
هل يعني أحد من الموالي أو العبيد أو من أنزلهم عثمان أخذه وارد , هل جرف في الماء الله أعلم ؟!
لكن الخاتم لم يوجد له أثر ,, هذه الحادثة تمسك بها الخوارج في أن عثمان رضي الله عنه بعدها تغير ،، فقالوا لما تغير في حكمه غير الله عليه فأزال عنه الخاتم
هذا ضعف عقل لأن هذه الأشياء القائمة على الشبه لا تقاوم حقائق ,أعظم الحقائق أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو راضاً عن عثمان وزكى عثمان تزكية عظيمة وقال : بشره بالجنة على بلوى تصيبه
والنبي صلى الله عليه وسلم زوج عثمان أبنتيه الواحدة بعد الأخرى ومات كما قلنا وهو راض عنه ، فعثمان رضي الله تعالى عنه من أعظم الصحابة قدراً بعد الشيخين أبي بكر وعمر فلا يمكن أن تحسب الحسابات في مثل هذا
لكن الخروج على ولاة نبتة سوء تنشأ في القلب فإذا نشأت في القلب لا يجد صاحبها حرج أو مانعاً في أن يقول أي عذر يذكر فيه سبب خروجه.
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم معنا من الإمارات أبو عبد العزيز السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأستاذ معمر : تفضل يغالي حياك الله
المتصل : الله يحييك . بغينا أول شيء نسلم على الشيخ ونقوله حمداً لله على السلامة
الشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته(5/12)
المتصل : الله يسلمك يا شيخ ’ شيخ عندي سؤال الله يخليك عندنا هنه في بعض الدوائر الحكومية أن المسئولين أصدروا قرار بحلق اللحية ومن لم يلتزم بهذا القرار فأنه يتعرض للفصل عن العمل وحرمان عن الحقوق ووضعه في القائمة السوداء , فما توجيهكم يا شيخ للملتزمين بإعفائنا اللحية
الأستاذ معمر : طيب سؤال ثاني
المتصل :الله يخليك شيخ سؤال ثاني توجيه الشيخ بالنسبة مثلاً للذي عنده طفل عمره الآن سنتين يعني التربية التي ممكن يقوم فيها جزاكم الله خير شيخ
الأستاذ معمر : جزاك الله خير أبو عبد العزيز معنا أيضاً من حائل عمر , أنا أأمل من جميع المتصلين والمتصلات أن تكون قدر الإمكان الأسئلة في مضمون الحلقة وعلى الأقل بكتاب الله عز وجل يعني يكون فيه إثراء للموضوع ،، الأخ عمر من حائل تفضل يا غالي
المتصل :سلام عليكم
الأستاذ معمر : وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل : بالله أكلم الشيخ
الشيخ صالح : أيه نعم الشيخ معاك تفضل
المتصل :السلام عليكم
الشيخ صالح :وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل : حمداً لله على السلامة يا شيخ
الشيخ صالح : الله يسلمك
المتصل : شأخبارك
الشيخ صالح : الحمد لله بخير وعافية
المتصل : بالله ابسأل عندي سؤال
الشيخ صالح : تفضل
المتصل : أسهل طريقة لحفظ كتاب الله
الأستاذ معمر : نعود لسؤال أبو عبد العزيز يقول توجيه حكومي أو رسمي لحق اللحية ؟(5/13)
الشيخ صالح : حلق اللحية حرام اتفاقا قال صلى الله عليه وسلم " أعفوا اللحى "فحلقها حرام لكن نقول نسأل الله جل وعلا أن يهدي المسئولين الذين أصدروا هذا القرار أن يتراجعوا عن قرارهم ، وأنا أنصح الأخ عبد العزيز أن يذهب إلى الفضلاء وأهل الرأي والمشايخ في الإمارات وهم كثر فالأمارات بلد إسلامي عريق عظيم وحكامها لا نعلم عنهم من حيث الجملة إلا كل خير فيذهب هو وجملة من أهل الفضل إلى من أصدر القرار ويبين له انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وان الله تبارك وتعالى بيّن هذا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأسأل الله أن يهدي من أصدر القرار إلى الرشد وان يعود عن قراره.
الأستاذ معمر : .. يقول يا شيخ من لديه طفل عمره سنتان كيف يربيه ؟؟
الشيخ صالح : في أول الأمر يكثر من الدعاء له ثم في تربيته في السنين الأول يتجنب أن يذكر له الحلال والحرام "الأحكام الفقهية " قد يصعب عليه إنما يتكلم كثيرا عن الجنة عن عظمه النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلم عن سيرته عليه الصلاة والسلام تدريجيا حتى إذا بلغ ممكن أن يدخل معه في أمور الحلال والحرام .
الأستاذ معمر : عمر يسأل عن طرق حفظ القرآن ؟؟
الشيخ صالح : اجبنا عليه آنفا وقلنا أكثر الطرق هي أن يقوم به في الليل .
الأستاذ معمر:.. أعود يا شيخ إلى قصه بئر أريس أنت جزاك الله خير بيّنت قصتها .. الآن عثمان رضي الله عنه عندما أمر بنزح الماء هل نفرق بين نزح الماء وبين كون الماء قليل في أصله ؟؟
الشيخ صالح : إيه نعم فيه تفريق .. نزح الماء قد يكون الماء كثيرا فينزح أي يزال حتى يصل الإنسان إلى مقصوده من البئر وهو في الغالب يبحث عن شيء مفقود هذا الذي قد حصل لعثمان .(5/14)
أما أن البئر إن كانت قليله تسمى في اللغة ]بئر ذمه [ بمعنى قليله الماء إذا كانت البر قليله الماء لا يمكن للدلو أن يُملى يعني لا يمكن أن ترمي فيها دلوك ، فيلزم من ذلك وجود مائح والمائح رجل ينزل في البئر إذا قلّ مائها ليغرف من داخلها من بطنها .
والعرب تعرف المائح هذا .. كان منهم رجل صحابي رضي الله عنه اسمه ناجيه بن جندب السلمي ويروى في السير في التاريخ انه رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فمروا على بئر ذمه قليله الماء فنزلوا ستة ماحه يعني ستة يستخرجون الماء منهم ناجيه رضي الله عنه وأرضاه فجاءته امرأة من بني مازن معها دلو جاريه ، فأعطته الدلو طبعا تريد أن تشجعه وتغريه حتى يملى دلوها فقالت :
يا أيها المائح دلوي دونك *** إني رأيت الناس يحمدونك
يثنون خيرا ويمدحونك ***خذها إليك أشغل بها يمينك
فأجابها رضي الله تعالى عنه وأرضاه :
قد علمت جاريه يمانيه *** إني أنا المائح واسمي ناجيه
وطعنت ذات رشاش واهية *** طعنتها تحت صدور العادية
ثم حمل لها الماء
ما المقصود ؟ هذا المائح الذي ينزل في البئر إذا كانت ذمه أي قليله الماء أما مسألة النزوح فمسألة أخرى كما بينا في البحث عن المفقودات في الغالب .
الأستاذ معمر : .جيد .. قبل أن نخرج عن هذا المحور شيخ صالح .. سقيفة بني ساعده الناس يسمعون بقصتها كثرا إذا أذنت لي أن نحدد مكانها .. يعني أنا احدث المشاهد الكريم الآن قريب من المسجد وبالتحديد في فندق أنوار المدينة موفنبيك ،، فهمت منكم يا شيخ قبل اللقاء أنها قريبه من هذا المكان .. تحديد المكان ثم إطلاله على قصتها ؟
الشيخ صالح : طبعا نحن الآن في فندق أنوار المدينة موفنبيك وهو في بنايه الملك عبد الله وقف الملك عبد الله حفظه الله ووفقه وسدده
الوقف يأتي شمال الحرم أمام الحرم جنوبا الآن الحرم جنوبنا ـ أمامنا جنوب ـ قبله أهل المدينة جنوب فنحن في شمال الحرم وهو في الشمال الغربي منه(5/15)
هنا بالضبط ها هو أنا أراها من هنا .. الشجيرات الموجودة هي سقيفة بني ساعده من هنا تقريبا عشرون مترا أو ثلاثون أو أقلّ ، إن مشينا بالطريق هذه يكون سقيفة بني ساعده .
من ساعده هذه ؟؟ ساعده رجل من الخزرج جاهلي قديم لم يسكن المدينة لكن أبناءه من اليمن سكنوا المدينة ومنهم سعد بن عباده رضي الله عنه وأرضاه ، في هذا الموقع على بعد من الحرم شمالاً غرب الحرم له ظله ، هذه الظلة عرفت بأنها سقيفة بني ساعده وكانوا يجلسون فيها دائما قبل الإسلام لكنها اشتهرت تاريخياً بأن حدثت فيها بيعه الصديق رضي الله عنه تعالى وأرضاه فإن الأنصار أوساً وخزرجاً اجتمعوا في السقيفة بعد وفاه النبي صلى الله عليه وسلم لتدارس أمر الخلافة فجاءهم أبو بكر كما هو معلوم وأبو عبيده وعمر رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في القصة المعروفة الذي نريد أن نقف عنده :
الطبري رحمه الله تعالى عليه وابن هشام نقلا فيما دونوه في السير أن الخباب بن المنذر رضي الله عنه تعالى وأرضاه قال فيما قال يحث أصحابه على عدم السماح للمهاجرين فنقلوا عنه انه قال في خطبته : " فإن أبوا –أي المهاجرين- فأجلوهم عن هذه البلاد أخرجوهم من المدينة ثم قال : أنا جذيلها المحكك وعذيقها والمرجب .
هذا القول قال الدكتور أحمد عوض أبو الشباب في تحقيقه لكتاب موسوعة الخلفاء الراشدين للشيخ محمد رضا – والشيخ محمد رضا رحمه الله تعالى عليه تبع الطبري وابن هشام وغيرهما ممكن دوّن هذه القضية.(5/16)
وقال الدكتور : أن هذا غير صحيح ولا يمكن أن تثبت هذه القصة وأنا أقول أجزم بأنها لن تثبت ؛ يستحيل على أنصاري شهد بدرا أن يقول لقومه من غير نكث منهم أجلوا المهاجرين عن هذه البلاد ، مستحيل أن يقع هذا من قوم ترضّى الله عنهم فالرواية في ظني مكذوبة لا تصح ، كل الذي حصل مشاورات وأخذ وعطاء قد تعلوا الأصوات وعلو الأصوات ألفاظ غير مقبولة شرعا لكن الإنسان أحيانا يغضب ويعلو صوته ، ممكن أن تكون علت أصواتهم رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين لكن أن يقول احدهم ممن شهد بدرا أخرجوا المهاجرين وهو يقرأ القران ويعلم ثناء الله على الأنصار ويعلم مكانه المهاجرين والله قدمهم ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ )
( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ... ) في الحشر إلى غيرها من الآيات
يستحيل عقلاً والإنسان لا بد أن يُحكّم عقله فيما يأتيه من النقول فأنا أقول أن القصة باطله أما قوله رضي الله عنه وأرضاه : أنا جذيلها المحكك وعذيقها والمرجب
فنحن ننفي القول أصلاً لكن هذا القول مثل ، والمقصود من التصغير هنا التعظيم
والجذيل المحكك الجذيل أصل الشجره فيوضع فيها أعوادا فتأتي الإبل الجرباء فتحك نفسها بالعود فتبرى
والعذق حِمل الشجرة والمرجب اختلف في معناه لكن من أظهر المعاني أن يوضع عليه سياج من الشوك نفس الثمر إذا حمل كثيرا حتى لا يصل إليه السّراق
المقصود من المثل : أنا جذيلها المحكك وعذيقها والمرجب
في غير هذا الموضع : انه أهل لما يدعيه وأنه كفء لما يطالب به لكن كما قلت نحن ننفي أبداً أن يكون الخباب بن المنذر رضي الله عنه قال تلك الخطبة .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ
... فاصل ....
الأستاذ معمر : أهلا ومرحبا بكم مشاهدينا الكرام مره أخرى بعد أن تابعنا هذا الفاصل باسمكم جميعا أرحب بضيفنا حياكم الله شيخ صالح .. أعود إلى الاتصالات في هذه الجزء من الحلقة
... مجموعه اتصالات(5/17)
الأستاذ معمر : نعود يا شيخ إلى أم عبد الله تقول من نسي آية من سورة الفاتحة؟
الشيخ صالح : هذا غالباً يكون وسوسه أخاف نقول لها تعيد الصلاة تدخل في عالم من الوسوسة والغالب أن الإنسان لا ينسى الفاتحة متسلسلة محفوظة في الصدور لكن لو وقع هذا يلزمها إعادة الصلاة .
الأستاذ معمر : طيب حديث كاسيات عاريات ؟؟
الشيخ صالح : المقصود من الحديث جملة ، قال صلى الله عليه وسلم : "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم أسياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها "
نوع من التسريحات لكن هذا مرتبط أصلاً بسلوك المرأة يعني الأصل في زينه النساء الجواز لكن بعض التسريحات إذا كانت ملمومة بعضها فوق بعض حتى تصبح كأسنام الإبل هذا منهي عنه شرعا وإنما جعل في الحديث دلاله على ذهاب حيائها في الأصل ، نسأل الله العافية .
الأستاذ معمر : لكن ألا يفهم من ذلك يا شيخ انه حتى لو كانت المرأة سيرتها صالحة ؟؟؟
الشيخ صالح : الأصل في زينه المرأة الجواز لكن هذه التسريحات يحاولن أن يبتعدن عنها .
الأستاذ معمر : أحمد يقول توصون بكتاب عن المدينة ؟؟
الشيخ صالح : من كتب الأصول القديمة دار الوفاء للسمهودي
والمغانم المطابه في معالم طابة ..
من كتب المتأخرين : الدر الثمين لمعالم البلد الأمين للشنقيطي ،،هذه الكتب نافعة
إذا نأتي لكتب مفرده : فيه كتاب أسمه
أخبار الوادي المبارك لأستاذنا محمد حسن شراب رحمه الله تعالى عليه له كتاب قيم أسمه أخبار الوادي المبارك كان يتعلق بوادي العقيق إذا أردت الجزيئات .
فيه كاتب – قبل لا أنسى الاسم - أسمه عبد الغني الياس له مؤلفات في التصوير جيده عن المدينة المنورة ولأخينا الدكتور بكري أستاذ في جامعه طيبه كذلك جهود في التعريف بالبقيع وغيره .هذه جمله كتب تعين الإنسان على معرفه ما في المدينة.(5/18)
الأستاذ معمر : . قبل أن انتقل يا شيخ من الوقفة التاريخية قصه النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث علي والزبير إلى روضه خاخ .. تحديد مكان هذه الروضة وتعليق على هذه القصة .
الشيخ صالح : روضه خاخ عند حمراء الأسد طبعا حمراء الأسد خارج حد الحرم بعد ذو الحليفة ، أهل المدينة طبعا يعرفون حمراء الأسد .
الأستاذ معمر : لو نحددها يا شيخ لمن هم ليسوا من أهل المدينة مكانها بالضبط .
الشيخ صالح : إذا تجاوز ميقات ذو الحليفة فنقل في خط جده القديم وأتاه مسجد ذو الحليفة – مسجد آبار علي – على يساره هناك إشارة مرور يتجاوزها إذا تجاوزها تأتيه كليه المعلمين على يمينه يتركها حتى يصل إلى الإشارة الثانية ثم يتجه جنوباً لخط الهجرة السريع بينهما يأتي حمراء الأسد قبل أن يصل الخط يأتيه هناك روضة خاخ هذا مكانها.
إلى هذه الروضة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً والزبير لمّا حاطب بن أبي بلتعه بدريّ شهد بدرا لكنه أجتهد في أن تكون له يد عند قريش فأراد أن يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم قبل فتح مكة فنزل الوحي بخيره فبعث النبي عليّ والزبير ؛ لان الكتاب كان مع امرأة ومن جمله الأحداث أخذوا الكتاب من المرأة ولكن عليّ رضي الله عنه والزبير كل الذي صنعاه أنهم أخذوا الكتاب من المرأة لأن علياً والزبير فارسان عظيمان من فوارس الإسلام لا يضعان قوتهما مع امرأة ، أحياناً الإنسان يعرف خصمه فأنت أحياناً تنزل لخصمك فيظن الناس أنه ند لك وليس كل أحد من الخصوم ينزل الإنسان له , والإنسان العاقل إذا أخذ حاجته كُفي الشر فلا يفتح على نفسه أبواب كمن يريد أن يبغي وينتصر وينتقم لنفسه لكن أين العقلاء من زمانك .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الله يجزيكم بالخير جميعاً
الأستاذ معمر : مساك الله بالنور
الشيخ صالح :حياك الله
المتصل : حياكم الله جميعاً حيا الله الشيخ صالح
الشيخ صالح : الله يبقيك(5/19)
المتصل : لا بأس طهور إن شاء الله
الشيخ صالح : اللهم أمين
المتصل : أنا أقول أيها الشيخ ليس عندي مداخلة وإنما أحببت أن أدلوا بدلوي بشيء يسير فأقول طهور ما أصابك وكفارة ما نابك واسأل الله أن يجيبك ولعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل بهذا البلاء يعني كفارة لما أصابك وأن يرفع من درجاتك ولذلك أيها ألأحبه أنا أسلي الشيخ لأن الإنسان يجب أن يكون له من الأخوة من يسلونه حتى يكون بعد ذلك إذا به يرى البلاء هين فأقول حينما ينظر الإنسان في أيوب الذي أصابه البلاء والخطوب فكان ذلك المال المسلوب والجسم المنكوب حينما نادى علام الغيوب رَبَّهُ{ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } ولا يخفى على الشيخ ذلك ولكني أقول لكل إنسان كما أخبر الصادق الأمين عليه من ربه الصلاة والسلام أن المنافقين هم كالخروف يسمنون للضيوف ثم يذبحون بسكين الحتوف ،،
أما المؤمن فأنه جواد يضمر ليقطع السير المقدر ويصل إلى المحل ... نعم أيها الأحبة أن الصبر على مرارة دواء المصيبة فيه أمور عجيبة لا يعرفها إلا من رضي بالله رباً وبالإسلام دينا لأن هذا الابتلاء هو بوابة البلاء ولا يدخلها إلا الأولياء ولعل الشيخ صالح من هؤلاء الأولياء اسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع من قدره وأن يحط عنه وزره واسأل الله جل في علاه أن يغفر لشيخنا و لشيوخنا أجمعين اسأل الله بمنه وكرمه رب العزة والجلال أن يشفيه بشفائه وأن يداويه بدوائه انه على ذلك لقدير وفي الإجابة جدير أشكركم جميعاً أيها الأحباب وأعتذر عن الإطالة فقد أخذت من وقت الشيخ لكن محبتي له جعلتني أن أقول هذه الكلمات بين يديه واسمعها المشاهدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الأستاذ معمر : شكر الله لك وجزاك الله خير مشاهدي الكرام كان هذا هو الشيخ حسين الثقفي من مدينة الطائف أنتقل إلى الأخ محمد تفضل يا محمد
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(5/20)
المتصل : ممكن أكلم الشيخ
الأستاذ معمر : أيه تفضل
المتصل : كيف حالك يا شيخ
الشيخ صالح : الحمد لله بخير وعافية
المتصل : باسم شباب الوجه نهنئك على خروجك من المستشفى اسأل الله أن يثيبك ويكتب لك أجرها يا شيخ بس نبغي نسألك هل ورد فضل بسورة التكاثر
الأستاذ معمر : طيب
المتصل : يعطيك ألف عافية
الأستاذ معمر : شكراً يا محمد
المتصل : السلام عليكم
الأستاذ معمر : تجيب يا شيخ يسأل عن فضل سورة التكاثر
الشيخ صالح : لم يرد فيما أعلم فضل لسورة التكاثر السور التي ورد فيها فضل معدودات [ البقرة / آل عمران / والكهف / والفلق والناس / وقل هو الله أحد / وتبارك فيها حديث ضعيف ضعفه يسير رواه الترمذي أما سورة التكاثر لا أعلم فيها نصاً صريحاً في فضلها إلا أن كان لم أطلع عليها هذا وارد .
الأستاذ معمر : ما ورد يا شيخ غير هذه السور
الشيخ صالح : ما ورد في ...؟!
أكثره ضعيف .. لكن لا أقوله على سبيل الحصر لكن هذه سورة القدر ليس فيها فضل لكن إخبار بليلة القدر لكن الفلق والناس والإخلاص والبقرة وآل عمران والكهف هذه ثابت وأما ما ورد في سورة الملك هذا فيه حديث قلنا في سنده بعض الضعف ولكنه ضعف يسير هذا الذي أذكره الساعة .
الأستاذ معمر : جميل أنتقل يا شيخ إلى ..
الشيخ صالح : بالنسبة للشيخ حسين أنا أقول له يا شيخ حسين الثقفي أحبك الله الذي أحببتنا فيه وترى أنا دون وأقل مما يقولوا الناس فيّ أو يظنه الناس بيّ نسال الله العافية والله أن ابتلاء الناس أعظم من ابتلاء المرض ظن الناس هذا الحسن أعظم وقعاً على النفس من المرض لكن نسأل الله الإعانة ما نملك أن ندفعه يعني نسأل الله التوفيق نسأل الله ستره وأن لا يكون هذا استدراج .(5/21)
الأستاذ معمر : فيكم الخير شيخ صالح أنتقل إلى قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } الوقفة مع هذه الآية نحرر معناها عموماً والمراد بزيادة الحرث هنا والتفريق بين حرثي الدنيا والآخرة .
الشيخ صالح : نعم هذه من أعظم آيات القرآن تأثيراً في القلوب وهي من ضمن ديباج القرآن حرث الدنيا قال علي رضي الله عنه [ المال والبنون ] وحرث الآخرة قال علي رضي الله عنه وأرضاه [ الباقيات الصالحات ] والله يقول {فِي حَرْثِهِ } أختلف العلماء أستاذ معمر في قضية ما المراد بالزيادة هنا ..؟؟!!
هل هي زيادة في الثواب ؟ أو زيادة في العمل ؟
فالقائلون في أنها زيادة في الثواب دل عليه قول الله{وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } أي يزيدها , وقول الله جل وعلا في هذه الآية أوضح من هذه { يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء } وإضرابهما من الآيات في القرآن
وأما القائلون الزيادة في العمل , وهذا الذي أميل إليه أن المقصود { نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } أي نوفقه للازدياد من العمل الصالح نعينه نفتح له أبواب أعمال صالحة وهذا يلزم منه الأول لأن الله جل وعلا إذا وفق عبداً بازدياده من الأعمال الصالحة نجم عن هذا زيادة الثواب لأن الثواب مرتبطاً في أصله بالعمل فهذا المعنى العام للآية(5/22)
لكن هذه الآية وقعها على العلماء أشد في أن لا يكون الإنسان يريد بعلمه ولا بالقرآن خاصة ثواب الدنيا وأنا سأذكر الآن نموذج رأيته بعيني لأن السلف رحمة الله تعالى عليهم قمم أين نحن وهم السلف الصالح لكن بدون ذكر أسماء سأذكر أحد مشايخي الذين أثروا فيّ كثيراً , طبعاً العلم يعني أحياناً ليس شرط قضية ثني الركب , القضية أن تفهم رسالة يريد الشيخ أن يوصلها لك وأحياناً لا يكون الشيخ قد يريد أن يوصل الرسالة إليك لكن أنت باستطاعتك وبملاحظتك للشيخ تفقه تتعلم ،، شيخنا هذا حفظه الله تعالى ورعاه فوق الستين هو الآن.
الأستاذ معمر : لا زال حياً .
الشيخ صالح : لا زال حياً , يصلي بالحرم ولا يفوته المغرب والعشاء وسأعلق على عدم فواته المغرب والعشاء , ذات مرة دخل المسجد ’ أنا أتكلم عن رجل أظنه من أعظم الناس في الدنيا أحسبه كذلك ، فالرجل دخل فأحد طلاب العلم تابع الشيخ أين يضع نعله طبعاً الشيخ يأتي يومياً إلى الحرم وأصبح وضعه النعل والباب الذي يدخل منه معروف , فلما خرج والشيخ لا يلبس بشتاً , فلما خرج هذا الشاب جزاه الله خيراً يعني تقرباً للشيخ أدباً مع الشيخ , أخذ نعلي الشيخ ووضعهما بين قدميه , يعني ما أن خرج الشيخ إلا وفوجئ أن هذا الشاب يضع النعلين بين يديه فحدق النظر فيه ولبس النعلين قال جزاك الله خيراً وخرج من الحرم بعد أيام خرج هذا الشاب من الحرم فإذا بالشيخ يحمل النعلين ويضعها بين قدميه
ما الذي أراد الشيخ أن يقوله ..؟!
هو لا يريد أن يثيبه أحد على أنه عالم يريدها من الله , فلا يريد أن يجعل من كونه عالماً أنه من حقه على الناس أن يفتحون لي الأبواب أن يحملوا نعلي أن أنْ .... وهذا معرفة بالله وهذه هي حقيقة العلم الحق الذي أراده الله من العلماء(5/23)
وهذا الشيخ في مرضي هذا زارني في المنزل وطلب بأدب وله عليَّ فضل كبير لكن طلب بأدبٍ أن أزوره في العصر لأنه لا يستطيع أن يترك الحرم في الفترة بين المغرب والعشاء , ,أنا كنت قد حددت الزيارة للناس بين المغرب والعشاء لأني لا أستطيع أن أقابل الناس إلا ساعة من نهار , فجعلتها بين المغرب والعشاء وطبعاً قلت للأخ ياسر الذي ينسق بيننا وبينه قلت له لو قال الشيخ في أي وقت سنقبلها
الأستاذ معمر : له مكانته
الشيخ صالح : له مكانته , فلما قدم استقبلته على الباب فأنا كنت في شيء أريد أن أحققه من قديم أن اقبل رأسه , لم أستطيع أن أقبل رأسه طوال معرفتي به , رغم أنني أكثر من ثلاثين سنة , أقسمت عليه عند الباب طلبتها طلبه وهو رآني بعكازي يعني وضعي رق لي فأطرق برأسه فقبلت رأسه فلما رفعت رأسي اقسم بالله أن يقبل رأسي
وقتها رد الدين عاجلاً , وأنا طبعاً شيخي فوق الستين ما أستطيع أن أقول له في أي شيء لا في غير معصية الله , فقبل الرأس ولم أستفد شيئاً .
ورسالة ثانية كان عليَّ أن أفهم هذه الرسالة من الأول مع صنيعه مع ذلك الشاب , أنا أعرف قصته مع الشاب , ثم أدخلته الدار جزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
المقصود التعامل مع الله شيء عظيم والله يقول { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } هذا وعد رباني { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا} وهذا إطلاق قيدته آية الإسراء { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ }
المقصود أن هذه مقيدة في سورة الإسراء والمقصود عموماً أن وقع هذه الآية على العلماء أشد وليس والله العلم والفصاحة والبلاغة رقي لتحقيق أمور شخصية , تسهيل أمور وقد يبتلي العلماء بهذا فلا تستطيع أن تمنع الناس لكن لا يكون هذا رغبتك الأصلية ولا طلبك ولا لأنك طلبت العلم توسع لك الأبواب وتوسد لك المجالس هذا والعياذ بالله قمة الضياع نسأل الله العافية(5/24)
الأستاذ معمر : الأخ أبو خالد يطالبك المزيد من الإصدارات .
الشيخ صالح : تأملات قرآنية الجزء الرابع إن شاء الله الأخ أبو أحمد القائم على تسجيلات الفالحين وفقه الله في صدد إصدارها إن شاء الله وأما ذكر شيءً آخر.
الأستاذ معمر : هو سأل ({إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً }المزمل6)
ناشئة الليل هي على الصواب فيما نعلم أن تكون صلاة بين منامين يعني أن الإنسان ينام أول الليل ثم يقوم يصلي ثم ينام قبل الفجر فهذه ناشئة الليل .
(أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) قال ابن السعدي رحمة الله تعالى عليه يكون تواطأ القلب مع اللسان لأن فترة سكون وتنزل إلهي فهذه (أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً).
الأستاذ معمر : الأخ رجا يسأل عن فضل.
الأخ رجا ذكر أثراً الأثر طبعاً يقول " أن من قرأ سورة الواقعة ضمن الرزق أو كُفل الرزق ) هذا منقول عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا أعلم له سنداً صحيحاً إلى ابن مسعود وإنما فيما أذكر ذكره ابن سعد في الطبقات شيء مُطلق يعني لا اعلمه مُسنداً إسناداً صحيحاً إلى ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاها .
أما في فضل سورة الواقعة فلا أحفظ حديثاً صحيحاً في فضلها .
الأستاذ معمر : أعود يا شيخ إلى سور ديباج القرآن في سورة الدخان عندما ذكر الله عز وجل نعيم أهل الجنة قال بعد ذلك ({لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }الدخان56) أقوال أهل العلم حول هذا الاستثناء.
الشيخ صالح : نعم قال الله ، الله ذكر جنة نعيم عظيم فقال جل وعلا بعد أن ذكر جملةً من النعيم (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) ثم قال( لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)(5/25)
الأولى بمعنى السالفة يعني الموته التي سبقت وسلفت الموته التي في الحياة الدنيا .
البلاغيون يقولون إن هذا الاستثناء تأكيدُ الأمر بما يُضادهُ تأكيد الأمر بما يُضاده
لكن العلماء اختلفوا في معنى إلا..
فقال شيخ المفسرين الطربي إن إلا هنا بمعنى بعد وهذا الذي أرجحه والعلم عند الله فيصبح معنى الآية لا يذوقون فيها الموت بعد الموته الأولى
قال ابن عطية في المحرر الوجيز إن (إِلَّا ) بمعنى سوى لا يذوقون فيها الموت سوى الموته الأولى
الأستاذ معمر : هل يختلف المعنى يا شيخ ؟
الشيخ صالح : لا يختلف لكنه في قوله بعد أقوم سلوكاً
أصحاب الصناعة النحوية كالفراء والزجاج رحمة الله تعالى عليهما جميعاً قالوا إن (إِلَّا) على بابها بمعناها العام لكن الاستثناء هنا منقطع يُصبح المعنى عندهم لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى قد ذاقوها هذا رأي الفراء والزجاج من أئمة النحو .
وقلنا أصحاب التفسير شيخ المفسرين يقول إنها بمعنى بعد وهذا الذي يغلب على الظن عندي رجحانه لكنني لم أقف يعني البحث قليل خاصةً بعد أن مرضت في قضية أن ورود إلا بمعنى بعد في الشعر العربي يعني إن شاء الله أنه موجود لكنني لم أبحث عنه يعني قوياً حتى اجزم باختياره والعلمُ عند الله .
الأستاذ معمر : يُفهم من الآية يا شيخ نفي الموت في الجنة ؟
الشيخ صالح : نعم نفي الموت في الجنة.
الأستاذ معمر : هل وردت أمور أخرى نفيت في الجنة ؟
الشيخ صالح : نحنُ نقول العلمُ عند الله إنّ المنفي في الجنة أحد عشر شيئاً المنفي الذي ليس في الجنة أحد عشر شيئاًً.
الأستاذ معمر : بناءً على نصوص .
الشيخ صالح : بناءً على نصوص متقاربة يعني جملة ــ طبعاً ليس تجرأً لكن بعضها ما في نص صريح ـ لكن مقبول
طبعاً إن كان أحد يكتب معي من طلبة العلم سأسردها الأحد عشر:
الهرم والنوم والموت والخوف والحزن(5/26)
الهرم :: فكبرُ السن غير موجود في الجنة قال صلى الله عليه وسلم " لا يفنى شبابهم" هذا واحد .
النوم :: قال صلى الله عليه وسلم " النوم أخو الموت وليس في الجنة نوم "
الموت :: بنص الآية (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ)
فالآن ثلاثة الهرم يعني الكبر ، والنوم ، والموت ليس في الجنة
والخوف .
والحزن قال تعالى : (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .. هذه خمس
والليل :: لا يوجد في الجنة ليل .
ولا يوجد في الجنة نهار لأنُ إذا وجد ليل يوجد نهار إذا وجد نهار لا يُسمى نهار حتى يفصل بالليل فلا يوجد في الجنة لا ليل ولا نهار .
ولا يوجد ظلمة :: يعني أحياناً إحنا نكون في النهار ونكون في ظلمة نفس الغرفة ليس فيها إضاءة تسمى ظلمة وإن كنا في النهار لكن ليس في الجنة ظلمة .
لا أدري كم وصلت لكن أضنها ثمانية
ولا حر ولا برد :: لا يوجد في الجنة حر يتأذى منه الناس أهلها ولا يوجد في الجنة برد يتأذى منه أهلها .
والأخيرة هذه مقطوعٌ بها ولا يوجد في الجنة خروج لأن الله قال (خَالِدِينَ فِيهَا) فليس هناك خروج من الجنة كما لا يوجد خروج من النار.
فهذه أحد عشر شيئاً لا تتعلق بحلال وحرام أنا ما أتكلم عن الحلال والحرام أنا أتكلم عن أشياء موجودة في الدنيا ، الدنيا فيها نوم ، فيها موت ، فيها هرم ، فيها خوف ، فيها حزن ، وفيها حر وفيها برد وفيها ليل وفيها نهار وفيها ظُلمة وفيها خروج منها سنخرج من الدنيا ولكن هذه الأحد عشر شيئاً ليست موجودة في الجنة والعلمُ عند الله .
الأستاذ معمر : نعم عندما حررت يا شيخ مسألة الاستثناء في الآية (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) ألمحت إلى رأي الفراء والزجاج تعرف ويعرف مشاهدي الكريم أن يعني لهم باع كبير في العلم والمتتبع لسيرة هاذين العلمين يجد أخباراً ممُتعة إذا أذنت لي أن نُلطف اللقاء بشيءٍ من هذه الأخبار ..؟؟(5/27)
الشيخ صالح : الفراء أبو زكريا يحي ابن سينا من أئمة مدرسة الكوفة سُمي بالفراء لأنه كان يفري الكلام يعني عظيم الفصاحة والبلاغة هذا الرجل كلن فذاً في أخبار العرب وأشعارها وأيامها ولو في علم الفلسفة والنجوم وله علم في النحو وينسبون إليه الكلمة الشهيرة هو القائل [ أموت وفي نفسي شيءٌ من حتى ]
هذا صنعة النحو فتمر عليه حتى كثيراً فمرت عليه حتى أن الاسم بعدها يقع مرفوعاً ، يقع في أحوال منصوباً ، ويقع في أحوال مجروراً هذا لا يتأتى لغيرها فقال [ أموت وفي نفسي شيءٌ من حتى ] يعني لم أفك لغزها بعد وهو كان يُقال عنه أمير المؤمنين في النحو ، وعاش منعماً كانت له حضوه عند بعض الولاة وله حضوه عند المأمون وهو له علاقة قوية بمدرسة الكوفة(5/28)
أما الزجاج فهو أبو إسحاق إبراهيم السري رحمة الله تعالى عليه هذا الرجل سمي بالزجاج لأنه كان يخرط الزجاج كان نحوياً عاصر ثعلب طبعاً ثعلب إمام كوفي معروف كان يدخل على ثعلب وأخذ عن بعض أئمة الكوفة لكن فيه ميلٌ لمدرسة البصرة التي إمامها سيبويه أمام النحاة بلا جدال بلا منازع فدخل ذات مرة الزجاج على ثعلب طبعاً هذا أحمد ابن يحي لكن أشتهر بثعلب من المعمرين جاوز التسعين رحمة الله تعالى عليه وعنده وجد عنده أبا موسى الحامض فذكر فيما ذكر يونس من أئمة نحو البصرى والمبرد من أئمة نحو البصرا فذموهما قال قد بلغ المغرب وذم كتاب سيبوبه كتاب وأخذا ينتقصانه ينتقصان سيبويه فاغتاظ الزجاج فذهب إلى كتابٍ كان ثعلبُ رحمه الله قد ألفهُ لتوه اسمهُ الفصيح موجود الآن تقريباً عشرون ورقة فأخذ ينقد كتاب الفصيح انتقاماً من ثعلب لأن ثعلب انتقد كتاب سيبويه طبعاً العصبية دفعته إلى هذا فوجد عشرة أخطاء عشرة اعتراضات ذكرها السيوطي في المزهر وغيرها المنشورة عند صاحب الياقوت ذكرها كذلك في معجم الأدباء المهم أنه اعترض عشر اعتراضات على كتابٍ كلهُ عشرون ورقة حتى قالوا إن ثعلباً رحمه الله أصبح يتبرأ من الكتاب لا يكاد يرضى أن ينسبه إلى نفسه يعني لا يريد أن يقول لناس أن كتابه الفصيح ألفه ثعلبه من جمله الاعتراضات التي اعترض بها الزجاج على كتابه ..
حصل من هذا مع مر الأيام ظهر ابن خالويه الذي كان نديماً لسيف الدولة كان له
صرعات مع المتنبي المهم أن ابن خالويه اعترض على من ؟ على الزجاج عصبيةً نفس الحالة لأنه كان يميل إلى رأي الكوفيين ابن خالويه يميل إلى رأي الكوفيين .
والحقُ أن الزجاج نحوي ، أما ابن خالويه في علم اللُغة نعم له باعٌ طويل أما باعهُ في النحو قليل كما حررهُ أئمة أهل الشأن .
هذه بعض أخبار الفراء والزجاج رحمة الله على الجميع .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخ يوسف يا شيخ يسأل عن الصلاة خارج حدود الحرم ؟(5/29)
الشيخ صالح : الصلاة في المسجد الحرام في المسجد المعروف نفس المسجد الصلاة خلف السديس الشريم يعني قصدي المسجد الحرام بمئة ألف صلاة هذا محل اتفاق والصلاة داخل حدود حرم مكة يعني في مكة خارج المسجد هذه مختلفُ فيها وجمهور العلماء على أنها بنفس الصلاة في الحرم بمئة ألف صلاة وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمة الله تعالى عليه أما مسجد المدينة هذا المسجد المُبارك مسجدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاتفاق على أنّ الصلاة فيه في المسجد ليس في حرم المدينة في المسجد نفسه يعني خلف الشيخ علي الحذيفي عبد الباري الثبيتي عبد المحسن القاسم الفضلاء هؤلاء خلفهم الصلاة في المسجد النبوي بصرف النظر من هو الإمام بألف صلاة .
أما الصلاةُ في المدينة فالمتفق على أنها صلاة مثلها مثل غيرها لا تضاعف
الأستاذ معمر : ولو قريب من المسجد .
الشيخ صالح : ولو قريب ، الصلاة في الساحات هذه نحنُ نُرجح أنها بألف صلاة لأن باحة المسجد ساحتهُ إذا كان لها حدود فهي ملحقة بالمسجد أما باحة المسجد أو ساحتهُ كما قرر بعض العلماء الحنابلة وذكره ابن قدامه في المغني إذا لم يكن لها حدود ليس لها أبواب ليس لها سور بتعبير أوضح فهذه لا تلحق بالمسجد ، أما إذا كان لها سور كما هو حال المسجد النبوي فهذا تلحق بالمسجد والآن نرى المشاريع التي فيه تقام فيه مظلات مشروع الملك عبد الله وفقه الله فهذه من دلائل أن هذه الساحة من تبع المسجد .
الأستاذ معمر : أعود للحديث عن إمام أهل الكوفة .(5/30)
الشيخ صالح : الكسائي:: إمام أهل الكوفة وهو في القراءات والنحو والكسائي طلب العلم كبيراً علم النحو فجلس عند الخليفة واحمد شيخ سيبويه فلمّا طلب العلم على يد الخليل أُعجب الكسائيُ بالخليل فسأل الكسائي الخليل من أين لك هذا العلم قال من بوادي الحجاز ونجد وتهامة ماذا صنع ؟ ذهب إلى بوادي الحجاز ونجد وتهامة وأخذ ما عندهم ثم عاد إلى مناطق أُخرى يجمع علم ثم عاد إلى الكوفة طبعاً الكوفة يريدون أن تقوم مدرسة توازي البصرة فالتف حولهُ أهلها وقدر لهُ أن المهدي يستدعيه في قضيه فلمّا استدعاهُ في قضية أُعجب به فلمّا أعجب به تعرف على الرشيد ابن المهدي فلّما تعرف على الرشيد جعله الرشيد كان ذا حضوةٍ كبيرةٍ بعد ذلك عند الرشيد فهو ممن نال النعم وفرح بعلمه ليس مثل سيبويه ، سيبويه تكلمنا عنه مراراً كيف مات مغبوناً لكن هذا الرجل نال حضوه من أئمة العلم في زمانه محمد ابن الحسن الشيباني أنا الآن سأختبر المشاهدين محمد ابن حسن الشيباني صاحب من ؟ صاحب أبي حنيفه.
( أبي حنيفه ) أخذ عن أبي حنيفة كثيراً من العلم لما أراد الرشيد أن يذهب إلى فارس أخذ معهُ محمد ابن الحسن و الكسائي كلاهما كان ذا حضوهٍ عنده في لما مرّ على بلده أسمها رنبويه من قرى إيران الآن مات الاثنين محمد ابن الحسن و الكسائي في يوم واحد فلما مات في يوم واحد صلى عليمها الرشيد ودفنهما فقال اليوم دفتُ .....كذا و...كذا في رنبويه
السؤال : أجاوب أنا في آخر الحلقة أو بعد خمس دقائق أنا أختبر ثقافة الناس .
بماذا عبر ؟ طبعاً هو لم يقل دفنتُ محمد ابن الحسن والكسائي ـ لأن ما صار سؤال لكن عبر عن محمد ابن الحسن وعبر عن رمز لمحمد ابن الحسن ورمز للكسائي بلفظ واحد كلاهما واحد لهذا وواحد لهذا في رنبويه .(5/31)
كتب التراجم من مظنة وجود الفوائد كان في المدينة هنا شيخ أسمه محمد عبد القادر رحمة الله تعالى عليه شنقيطي توفي عام 1418 هـ من أكابر العلماء في السنة هذا الرجل يقول رحمة الله تعالى عليه يقول جلست سبع سنين لا أقرأ إلا كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي سبع سنين لا يقرأ ـ طبعاً هو أنهاه في أقل من سبع سنين ــ لكن يعاود ويكتب فوائد فكتب التراجم فيهن خيرٌ كثير لمن يُحسن التأمل والمطالعة والنظر واستنباط الفوائد .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : شيخ صالح أستأذنك أن نُؤخر الاتصالات قليلاً لأن بقي معي محور مهم جداً والوقت كأنهُ ضاق الآية في قوله تعالى في سورة الأحقاف (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) يعني تحديد أولي العزم لعلّه يكون معروف لدى عامة الناس وإن أشرت إليه فلا بأس نتحدث يا شيخ عن الصفات الخلقية لهؤلاء الأنبياء ، أيضاً عاطفة المكان والمشاعر.. حتى فريق العمل الآن يُطالب بحديث ماتع عن المدينة عن المسجد نختم به هذا اللقاء؟؟
الشيخ صالح : نعم أُولي العزم من الرُسُل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبيُنا صلى الله عليه وسلم .
أما نوح فلا أعلم وأثراً صحيحاً في وصفه .
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : خلقياً ،، وأما إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقد قال عنه عليه الصلاة والسلام " أنا أشبه ولده به " أي أنه كثيرا الشبه به صلى الله عليه وسلم سيأتي هذا.
أما موسى عليه الصلاة والسلام فهو أدم ،أدم بمعنى أسمر والنبي صلى الله عليه وسلم قال عنه " كأنه من أزد شنوة" وأزد شنوه قبيلة من اليمن وأزد شنوه كلمة شنوه يعني الشأن يعني البُغض قال جل وعلا ({إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }الكوثر3)
الأستاذ معمر : إي نعم
الشيخ صالح : لكن معناها هنا المدح يعني قومٌ كانوا يترفعون عن الأدناس يُبغضونهم المهم ان موسى عليه السلام كان طويل جسيم يميل لونهُ إلى السُمرة .(5/32)
أما عيسى عليه الصلاة والسلام فقد قال عليه الصلاة والسلام " أنه أحمر مربوع "
رُبعة وأنهُ أحمر بخلاف موسى رغم أن كلاهما من بني إسرائيل يعني وقال عليه الصلاة والسلام " كأنه خارجٌ من ديماس " الديماس الحمام لكن الإنسان لابُد أن يكون فطن وهو يتأمل السنة الحمام قديماً غير الحمام الآن كان قضاء الحاجة يسمى كنيف لا يسمى حمام ، الحمام قديماً هو مكان الاغتسال زي لما نسمي نقول حمامات تركية
أي عامة مكان اغتسال مكان تنظيف يستخدم فيها صابون وغيرهُ يعني فالإنسان إذا أغتسل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم قال " كأنه خارج من حمام " يعني كأنهُ لتوه كأنه متجدد يتجدد يعني يتجدد نوره يقطر وإن كان ليس به قطر عليه الصلاة والسلام هذا عيسى .
أما نبيُنا صلى الله عليه وسلم ـ فأنا طبعاً أعان الله الناس على سماعي يعني أنا أكثرتُ كثيراً من وصفه صلى الله عليه وسلم وإن كان هذا من المكرر الذي يحلو ـ
النبي عليه الصلاة والسلام كان ربعةً من القوم لا بالطويل البائن ولا بالقصير ، سبط الشعر، عريضٌ ما بين المنكبين ، ــ سبط الشعر بمعنى أن شعرهُ غير ملتوٍ ولا مسترسل ـ في جبينهِ عرقٌ يدرهُ الغضب إذا غضب في ذات الله يمتلأ جبينهُ دماً ، أزج الحواجب دقيق الحواجب من غير قرن يعني غير ملتصقة ، أشم الأنف طويل أشفار العينين ، كبير الفم ، أبيض مشرباً لونهُ بحمرة ، كث اللحية ، الشيب فيه نُدره شيبٌ في رأسهِ شيبٌ في صدغه الأيمن شيبٌ في صدغه الأيسر وأكثرُ شيبهِ في عنفقته ، كأن عنقهُ إبريق فضة ، من وهدت نحره هذه إلى أسفل سُرتهِ شعرٌٌ مُمتد على هيئة خيط ليس في بطنه ولا صدره شعرٌ غيرهُ ، ما بين كتفيه من الخلف شُعيراتٌ بيض كأنها بيضة حمامة ناتئة عن الجسد قليلاً سواء البطن والصدر ضخم الكراديس عظام المفاصل ، إذا مشى يمشي يتكفأ تكفُأً كأنما ينحدرُ من مكانٍ عالٍ ، كأن الشمس تجري في وجهة صلوات الله وسلامهُ عليه ..قال شوقي:(5/33)
ريمٌ على البان بين البان والعلمِ *** أحل سفك دمي في الأشهُر الحُرمِ
فما القضاءُ بعيني جُئذرٍ أسدٍ *** يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
إلى أن قال :
الله قسّم بين الخلق رزقهمُ *** وأنت خُيرت في الأرزاق والقسمِ
إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم *** فخيرةُ الله في لا منك أو نعمِ
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبةً *** حديثك الشهد عند الذائق الفهمِ
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام لهُ *** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
جاء النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بحكيمِ غير مُنصرمِ
آياتهُ كُل ما طال المدى جُددٌ *** يزينُهن جلال العتق والقدمِ
هذه مدينتهُ هذه دارهُ هذه البلد التي أختارها الله أن تكون مثوى لهُ صلى الله عليه وسلم نحنُ الآن على مقربةٍ من مسجده .
أشكر سعادة رئيس مجلس الإدارة الأستاذ فهد الشميمري أخي الكريم الشيخ راشد الزهراني وفقه الله تعالى ورعاه جميع أعضاء مجلس الإدارة في قناة المجد الأستاذ وليد الطيب مُخرج هذه الحلقة أخواني المُباركين جميعاً بلا استثناء في مقدمتهم أنت أخواني الفنيين القائمين على هذا البرنامج على هذه الخطوات التي خطوها من الرياض وعلى مراعاتهم لظروفي الصحية الحالية التي أرجوا الله أن يُزيلها وبث هذه الحلقة من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأنا الناس ألبسوني ثوباً فوق قامتي ودون قيمتي لكن نسأل الله جل وعلا أن يُلبسنا حُلل الإيمان وزينة التقوى وأن يغفر لنا ما لا يعلمه الناس وأن يستر علينا في الدنيا والآخرة ...
أقول للأخت أم نايف لا تدعين على أحد كائناً من كان .
" إقرأُ على موتاكم سورة يس " حديث من رآهُ صحيحاً حق له أن يقرأها على الميت ساعة الاحتضار ومن لم يرى الحديث صحيحاً فلا مجال لقرأتها هذا جواب للإخوان حتى لا يكون اعتراضاً على أحد .(5/34)
أشكركم جميعاً وأوجه شكر خاص لجميع أعضاء منتدى القطوف الدانية في مقدمتهم أخي الكريم الأستاذ عبد الرحمن سالم وفقه الله تعالى ورعاه وجميع أعضاء المنتدى من الأخوة والأخوات فهؤلاء كانوا لي بلسماً شافياً كان الأستاذ فهد أبو حسين سكرتاري الشخصي يعني يكتب ما قالوه ويأتي به
أسأل الله أن يغفر لي ولكم ولجميع المسلمين .....
الأستاذ معمر : شكر الله لكم شيخ صالح مشاهدي الكرام كان هذا هو فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي في لقاءٍ مُباشر أتاكم من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم نشكُر الله عز وجل على أن يسر لنا هذا اللقاء ثم نشكره على أن منّ على ضيفنا بالصحة والشفاء نسأل الله عز وجل أن يجمع لهُ بين الأجر والعافية ..
أستودعكم الله نلقاكم الشهر القادم وانتم على خير وفي خير وتصبحون على خير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.......................
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/35)
حلقة القطوف الدانية لشهر شعبان لعام 1427 هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
مشاهدي الكرام .... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وحياكم الله في حلقة هذا الشهر من برنامجكم ( القطوف الدانية)
أيها ألأحبه ... نسمع هذه الأيام حداء المحبين ونرى ابتسامات عريضةً على ثغور كثير من المسلمين لأنهم يستقبلون ضيفاً طالما انتظرته القلوب المؤمنة وتشوقت لبلوغه النفوس الزكية وتأهبت له الهمم العالية لقد أقبل شهر الصيام بفضائله وفوائده وهباته ونفحاته أقبل بأنفاسه العطرة وثغره الباسم ووجهه المشرق ، أقبلت يا رمضان يا شهر الصيام والقيام يا شهر النور و البركات ..يا شهر الخشوع والطاعات .. فكم كنتم ربيعاً للطائعين وموسم للتائبين .. قد تاقت إليك نفوس المؤمنين واشتاقت إلى لياليك دموع المتهجدين .. فكم فيك من راكع وساجد وكم فيك من تالي للقرآن وذاكر.. و كم .. شهر رمضان بين الفقه و الإيمان هو موضوع حلقتنا من هذا الشهر من برنامجكم: القطوف الدانية ،، أشرف بأن أرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ: صالح بن عواد المغامسي
يا شيخ صالح إن أذنتم لي قبل أن تقف مع هذا الموضوع الذي أتوقع أن لا تكفيه حلقة لكن أسأل الله عز وجل أن يسددكم بأن نبرز معالمه ولاسيما أن هذه الحلقة هي الأخيرة قبل شهر رمضان وأن يتجدد اللقاء بعد قضاء شهر رمضان إن أذنتم لي فضيلة الشيخ أن نقف وقفة مع رمضان كشهر دون أن ندخل في خصائصه فيما تعلق في الفقهيات وما يتعلق بالإيمانيات وما يتعلق أيضاً بالصوم لا شك أن هذا الشهر له ميز عن بقية الشهور قد أختصه الله عز وجل في عديد من الفضائل المختصة به كشهر ... .(5/1)
الشيخ صالح : بسم الله الرحمن الرحيم ... الحمد لله رب وحده .. هو الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى وجعله غثاء أحوى ... وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وصام وأفطر ...الشافع المشفع في عرصات يوم المحشر صلى الله عليه وعلى أصحابه وعلى سائر من اتبع أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد ...
فإن ما من قلب مؤمن موحد يعرف قدر الله جل وعلا إلا ويتعرض لنفحات الله ورحماته ... ويسأل ربه التوفيق فيها .. وإن من خصائص الصالحين أنهم إذا أصبحوا سألوا الله عز وجل التوفيق وإذا أمسوا استغفروا ربهم خوفاً وفزعاً من(5/2)
التقصير وعرفان بأنهم عاجزون عن عبادة ربهم جل وعلا عبادة كاملة .. شرع الله جل وعلا رمضان وقد قلت من المطلوب بيان فضله وهذا يحتاج إلى تأصيل علمي قال الله جل وعلا : (({وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }القصص68 )) والله جل وعلا وحده مدبر الأكوان و ميسر الشهور والأيام والأعوام .. وقد جعل الله جل وعلا لرمضان ميزه ليست لغيره ... ففيه أنزل الله خير كتابه على خير خلقه صلى الله عليه و سلم وصيام هذه الأيام التي جعلها الله جل وعلا رابع أركان الدين واختص رمضان من غير الشهور يصام و يأدى هذه العبادة فيه وهذا من خصائص الشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتصفد فيه الشياطين يغفر لهذه الأمة فيه في آخر ليلة ورد ( قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر قال : (لا إنما يوفى الأجير أجره إذا أنهى عمله ) .. أجتهد النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما أجتهد في غيره.. هذه ثمة تبين فضائل هذا الشهر .. مع اتفاق المسلمين على أن شهر رمضان ليس من الأشهر الحرم لكنهم قالوا: إنه خيرٌ منها ومع ذلك نجد أن الفقهاء رحمهم الله ترد في عبارتهم عبارة انتهاك حرمة الشهر وهذا له علاقة بقضية فضيلة الشهر فمثلاً - هذا سيأتي ربما تفصيله – لو أن إنسان أفطر في رمضان بفطر الجماع أي جامع في رمضان فإن عليه وفق الحديث الصحيح عليه القضاء وعليه الكفارة لكن لو أن إنسان أفطر بنفس الطريقة أي جامع في صيام نذر أو جامع في صيام قضاء بطبع النذر والقضاء لا يقع في رمضان .. فلو صام غير ذلك عليه نذر أو صام يوم عليه قضاء ثم أفطر بطريقة الجماع فيقال له: عليك القضاء فقط.. وليس عليك الكفارة .. لماذا ؟ لأن الكفارة مرتبطة بانتهاك حرمة الشهر و ليست أيام العام كشهر رمضان المبارك.. ومن هذا يفهم عظيم فضل شهر رمضان المبارك – بلغنا الله وإياك والمسلمين وإياه على أفضل عافية ونعمه –.(5/3)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أشرتم من خلال حديثكم إن من أهم الفضائل أن الله عز وجل أختص شهر رمضان بعبادة الصيام.. يعني كثيرة التعريفات لهذا المصطلح لكن نريد أن نحرره تحريراً ليس علمياً أكاديمياً بحيث نبين الأبعاد الموسعة لهذا المصطلح...
الشيخ صالح : نعم .. الله جل وعلا تعبد المسلمين بصيام رمضان وقال : (({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }البقرة183)) .. وقال ({شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185)
عند أهل اللغة الصيام هو الإمساك فكل من أمسك عن شيء فقد صام عنه..
خيل صيام وخيل غير صائمةٍ *** تحت الهجاج وأخرى تصف الجمى
هذا في اللغة .. وفي قصة مريم ((إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً }مريم26)) أي إمساك عن الكلام .. لكنه في الشرع أن يمسك الإنسان عن المفطرات المتعلقة برغبتين وشهوتين الفرج والبطن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .. وقال ربنا: ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ )) يتبين لكم بيض النهار من ظلمة الليل هذا المعنى الحرفي للآية.. هذا الصيام نلاحظ الآن طلبتم غير التعريف على التحديد.. نأتي لتحليل المعنى الصيام جزء من أربعة فرائض.. عبادات.. أركان.. وهم الصلاة و الزكاة و الحج و رابعها الصيام..
نبدأ بهذه الثلاث ليتحرر المعنى الأول ما الصلاة ؟ الإنسان إذا كان أمامك جالس جانبك تقول قم صل فهو يقوم يتوضأ ويذهب إلى المسجد صلاة الجماعة واجبة فيصلي .. إذا قام بعملية فعل .. واضح(5/4)
ما الزكاة ؟ إنسان عنده أموال قلت له زكي فهو يذهب يأخذ هذه النقود يخرج منها 2,5 % ثم يذهب وينفقها إما هو بنفسه أو بغيره إذاً فعل ..
ما الحج ؟ يذهب الإنسان إلى الميقات إذا كان عنده ميقات يحرم من دونه فيلبس إزار و رداء يغتسل يذهب إلى مكة يطوف يسعى يقوم بأعمال.. فعل مجموعة أفعال هذه الثلاثة فعل لكن الصيام ليس بفعل.. إنما امتناع ترك والترك عند الأصوليين يسمى فعل كما عند الناظم ..
والترك فعل في صحيح المذهبي
فالصيام عبادة قائمة على ترك ما ترغب النفس أصلاً في فعله أو ما تحتاج النفس أحياناً إلى فعله وما تعودت عليه أو ما أباحه الله جل وعلا لها .. لكن في قضية ما أباحه الله جل وعلا ليس يده صحيحاً لماذا ؟ لأن لا يأتي شخص ويقول أنا فعلت شيئاً محرماً مثلاً شربت دخان ... والدخان محرم فلا يقول لهم لا يفطر لأن الله منعنا من المباحات بل منع كل ما يدخل إلى جوفك من نافع أو ضار فصيام بهذه الطريقة التحليلية هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر تعبداً لله إلى غروب الشمس قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا أقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم ) .. وهذا تحرير المعنى والذي يهمني منه ترك وليس فعل ...
الأستاذ معمر : يا شيخ قبل أن ندخل في بقية المحاور ...سبحان لله المتأمل في النصوص الواردة في الصيام قوية جداً ..يعني يجب على المسلم أن يتأملها وأن يتدبرها من أمثال قول الله عز وجل في الحديث القدسي (الصوم لي )أيضاً الحديث الآخر ( الصوم جنة ) لاشك يا شيخ أن مثل هذه النصوص التي أختص لله بها هذه العبادة في هذا الشهر الفاضل..لاشك أنها مدلولات على آثار هذه العبادة سواء كانت حسية أو معنوية وتهذيب هذه النفس البشرية وتقوية الإيمان حبذا يا شيخ لو أشرنا إلى مثل هذه .. .(5/5)
الشيخ صالح : كما ذكرتم الصوم عبادة وهو ليس في رمضان هذا الصوم ذكر الله جل و علا فيه نصوص من القرآن والسنة قال ( الصوم لي ) مبدأ مبدئي من باب التشريف لكن العلماء رحمة الله عليهم اختلفوا في معناه ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) فقالوا : أنه عبادة تقتضي على السر وهذا عظمته ...
فقالوا أنه عبادة تعتمد على السر وهو أقرب للإخلاص وقلنا كما ذكرنا سالفاً أن بعض العلماء يقول إن هذه العبادات الثلاث غير الصيام ممكن أن يؤديها غير المسلم لغير الله .. فمثلاً جمع الأموال والتقرب بها إلى الطواغيت وقع .. السجود والركوع وتعظيم ذوات الأرواح ، لم يقع في التاريخ أن أحداً صام لأحد لأنه هذا سيكلف من صيم لأجله سيراقبه أكل أم لم يأكل وهو عبادة سرية ولأجل هذا قال بعضهم إن (الصوم لي )هذا معناه .. لكن أين كان كما أن معنى ما يهمنا في قضية الصوم آثار المؤمن (({إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }البقرة131)) ...
(({قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162 ) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) الأنعام ، فالعبودية تعني أن يسلم الإنسان قلبه لله .. (({وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125)) .. أين كان سواء جعلنا الحكم والعلل أو فقهناها هذا لا يفيد بمسألة أننا عبيد للرب جل وعلا الله يقول : ((كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ )) وقال : ((وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)) فقانتون في الأول فهذا قدري يدخل فيه كل الخلائق مؤمن وكافر وبر وفاجر .. أما قنوت الثاني فطاعة وقوموا لله قانتين طائعين وهذا وصف لأهل الإيمان فقط ..(5/6)
فالصيام المقصود منه ليس إجهاد البدن كما يقول بعض أهل الفضل إنما المقصود منه تهذيب النفس .. ولهذا لو كان المقصود من الصيام إجهاد البدن لكان يجب على المسافر وعلى المريض حتى يكون أقرب إلى إجهاد بدنه يزيده الصيام وهو على سفر أو غيره لكن المقصود السمو بالنفس والرقي بها على عالم الكمال .. إذا كان هناك حولك كثر من المباحات تنظر إليها وتملك أمرها وليس هناك رقيب إلا الجبار جل جلاله ثم تعظمه بأن تستسلم لأمر ثم تعظمه بأن تفزع إليه في الإفطار كما ستأتي هذه العبادة التي أرادها الله جل وعلا لخلقة .. هي مضغة و هي قلب إذا أصلحها الإنسان وجعلها رهناً لأمر الله وإشارته .. لأمر الله جل وعلا وامتثل بها فاز بسعادة الدارين .. من يخاطب بها هذه العبادة .. يخاطب بها المسلم لأن الصيام عبادة إسلامية لا تراء بالكفار و لا تقبل منهم ولا يصح صيامهم ..(5/7)
يخاطب بها العاقل وإن المجنون أختل به مناط التكليف أما الصغار فيربون عليها كعهد السلف و أبناء الصحابة ويخاطب بها المقيم وإن المسافر عذره الله وإن صام صح صيامه ويخاطب بها الصحيح لأن المريض عذره الله وإن صام صح صيامه والحائض والنفساء ليسا مخاطب به ولو صامتا لا يصح صيامهما و يلزمهما قضاء هذا الصيام من حيث الجملة قوله صلى الله عليه وسلم ( الصوم جنة ) أي وقاية ولله تعالى يقول (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ومن أعظم من يجلب التقوى ويسمو بالنفس في عالم الكمال وكمال النفس بقربها من ربها وتقوها لخالقها وباريها هو الصوم الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم على صيام التطوع أما في صيام الفريضة فلا ضار إلا بعذر وإنما أمر مقرب قول الذهبي رحمه الله كلمه تكتب بماء العينين لا بما النقدين ( وعند المسلمين مقرر أن من افطر يوم من رمضان من غير عذر فهو شر من الزاني ومدمن الخمر ويظنون به الزندقه والانحلال ) فهذه العبارة من الإمام الذهبي رحمه الله تبين ما استقر بأنفس المسلمين من أن الصوم عباده عظيمه لديهم .. أعدها لمن أراد تحريرها .. قال رحمه الله ( وعند المسلمين مقرر أن من افطر يوم من رمضان من غير عذر فهو شر من الزاني ومدمن الخمر ويظنون به الزندقه والانحلال ) نسال الله العافية...
حتى يعرف المرء المؤمن أي خطاب عظيم خاطب الله به لما نادى بنداء كرامه لا نداء علامة ((({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ })
الأستاذ معمر : مشاهدي الكرام هذا تقرير أعده فريق عمل البرنامج نشاهده سويا.. تابعونا بعد هذا الفاصل .
يا شيخ لعلكم شاهدتم هذا التقرير وكان السؤال يتعلق بالاستعداد لشهر رمضان .. انقل السؤال من التقرير إلى طاوله حوارنا .. كيف يمكن للمسلم أن يستعد لهذا الشهر الفضيل ؟؟(5/8)
أولاً :- أن تكون هناك رغبه ملحه فالقدوم على الله جل وعلا بعمل صالح فإذا انطلق الإنسان من هذا المنطلق وجعل ذلك نصب عينيه فقد وفق بإذن الله بأن يوفق للعمل الصالح في رمضان ..
لا يحمل الإنسان فوق كاهله أكثر من ذنوبه – نسال الله لنا ولكم العافية – فجعل الله جل وعلا رمضان فرصه للتكفير قال صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) فإذا عُمّر رمضان بالطاعات وذكر الله جل وعلا ودراسة القران وما فيه من سنن سنها المصطفى صلى الله عليه وسلم ومع كثر الاستغفار وللصوم نفسه من أعظم المكفرات ومن أعظم الشافعات يوم القيامة فإذا تم هذا الفضل للإنسان فإنه وفق في الدارين فأعظم استعداد أن يسأل العبد التوفيق من الله جل وعلا في أن يوفقه الله جل وعلا لصيام رمضان وقيامه على الوجه الأمثل والطريقة الأكمل ..
أما بعض الأمور التي تساعد على الصيام فالأخذ بالأسباب محمود شرعاً نسال الله التوفيق ..
الأستاذ معمر : جزاكم الله خيراً – احد الأخوة أشار إلى الآية الكريمة (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43) لا شك أن علمائنا هم مصابيح في الحياة ونسال الله أن يبارك فيهم وفي علمهم .. ولا شك أن الخير كله بالالتفاف حولهم وطلب العلم منهم وان كثرت الأصوات وكثره الناعقون عنهم من هذه الأشياء أعود فضيلة الشيخ إلى محوري وهو ما يتعلق بالفقهيات في شهر رمضان هذه عباده كسائر العبادات لها واجباتها لها سننها لها مستحباتها .. فنشير إشارات يسيره .. بداية يا شيخ عن أهم المفطرات في رمضان والإمساك عنها سواء كانت حسية أو معنوية ..(5/9)
الشيخ صالح : نعم .. ثمة أشياء تنقص الصيام بالكلية بمعنى من صنعها يعتبر مفطر وهذا يترتب عليه القضاء .. وأخرى منقصه فلا نلزمه بالقضاء فإنما تقدح في صومه وتقلل من أجره لكن من الناحية الفقهية لا نقول له اقضي ذلك اليوم هذا أمر يجب استيعابه في التحليل وان ترتب عليه إثم ..
وأما الأول:: فالمفطرات إما أن تكون على النحو التالي :
إما أن تكون جماعا فان كان جماعا فهذا فيه قضاء بالإضافة إلى الكفارة والكفارة عتق رقبة ثم ينتقل إن عجز إلى صيام شهرين متتابعين ثم ينتقل إن عجز إلى إطعام ستين مسكينا وهذا الترتيب عند أكثر أهل العلم وقد قال بعض العلماء بعدم الترتيب هذا من ناحية قضيه الجماع ونعني بالجماع المعروف الكامل وهو الحشفة المعروفة في مكانها المعروف أما إذا انزل الرجل من مداعبه لزوجته دون أن يكون هناك إيلاج فهذا فيه إثم مثل الأول وفيه قضاء وليس فيه كفاره هذا ما يتعلق بعلاقة الرجل مع زوجته ..(5/10)
أما غيرهما ويندرج بما فيه الآكل والشرب أو وصول شيء إلى الجوف فإذا وصل شيء إلى الجوف نافعاً أو ضاراً غذاءً أو دواءً أو غير ذلك فهذا مفطر إذا كان فعل ذلك عمداً أما ما يفعله الإنسان نسياناً فهذا رفعه الله جل وعلا عن الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم قال ( أطعمك الله وسقاك ) كذلك ما يلج من غير اختيار كالغبار كما أن يكون الإنسان في الشارع أو ما أشبه ذلك فهذا لا يعتبر مفطر يأتي عند الناس – أنا أحاول أن اجمع شتات الموضوع – يأتي عند الناس بلع الريق الأفضل أن لا يفعله ولكن إن فعله فهو ليس مفطر .. والنخامه – أكرمنا الله وإياكم والمشاهدين والمشاهدات _ اختلف العلماء فيها والأرجح فيما اعلم والعلم عند الله أنها غير مفطره وأيضاً إذا كان الإنسان يفكر تفكير غلبت عليه شهوته فأنزل فلا يخلو الإنسان من احد الحالتين إما أن ينزل منياً أو ينزل مذياً فإذا انزل منياً افطر وإن انزل مذياً فقد اختلف العلماء فيه هل يلحق بالمني او بالمذي والذي يرجح عندنا والعلم عند الله انه لا يفطر ..
نأتي للحائض والنفساء لا يقع منهما الصوم ويقابلهما الحامل والمرضع فالحديث عن الحائض والنفساء يقود إلى الحديث عن الحامل والمرضع ..(5/11)
الحامل والمرضع بعض الفقهاء يقول ينظر ما السبب في خوفهما هل خوفهما على نفسيهما أم على ولديهما ؟ فقالوا إن خافت على نفسيهما يلزمها القضاء دون الكفارة –الكفارة هنا ليست كفاره الجماع – وإنما إطعام مسكين أي نصف صاع أو مد وان كانت خافت على ولديهما يلزمها الكفارة وان خافت على الولد لا على نفسيهما فيلزمها الكفارة لأنهم اعتبروها أنها صحيحة وبعض الفقهاء كالإمام النخعي والبخاري ترجمتهما لباب ( إلا انه لا كفاره عليهما ولو خافتا على الولد لا الله تبارك وتعالى قال (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يشترط الله جل وعلا الكفارة وإنما اشترط الرب تبارك وتعالى القضاء وحده ، هذا ما يتعلق بجمله المفطرات التي تحول بين المرء وبين أداء رمضان صياماً على الوجه الأكمل ..
وبقي ما ينقص الصوم ويقلل من أجره لكن لا نقول أن فاعله يلزمه القضاء نحن نتكلم عن الصناعة الفقهية لا نتكلم عن القبول عند الرب تبارك وتعالى هذا ما أخفاه الله جل وعلا عن عباده .. يوم تبلى السرائر هذا مثله النبي صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجه أن يدع طعامه وشرابه ) النظر إلى المحرمات الغيبة النميمة كل معصية تخدش في الصيام وتنقص من أجره كذلك الصيام عباده تقوم على الحبس والإنسان إذا قدر على حبس نفسه عن ما حرم الله تعالى تحريم مؤبد كالمحرمات أو تحريم مؤقتا كالصيام عن الطعام والشراب فالإنسان إذا قدر على حبس نفسه فهو تعظيم بذلك الحبس لربه
والصبر كاسمه مر مذاقه *** لكن عاقبته أحلى من العسل
هذا الذي ينجم عن العاقبة والأمر الحسن والطيب ..
مجموعه من الاتصالات
الأستاذ معمر : أبو سعود يسال هل ترك الصلاة إلا في رمضان كفراً.
الشيخ صالح : ترك الصلاة عند بعض العلماء كفر وإذا صلى في رمضان ننتهز هذه الحالة فيه فنكثر من نصحه وإرشاده ..(5/12)
الأستاذ معمر : أم محمد تسال عن التحليل ؟
الشيخ صالح : التحليل في الدم التحليل المعروف الذي يقع في المختبرات وكميه الدم التي تؤخذ منها لا تصل إلى حد أنها تبطل الصيام فالصيام مع التحليل صحيح ولا يفطر أمثال هذا التحليل وإنما الحجامة وهي كميه دم كثيرة تخرج فالجمهور أنها لا تفطر والمذهب أنها من المفطرات ..
الأستاذ معمر : شيخ صالح انطلاقاً من قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) لا شك أن هذا الشهر له ميزه كبيرة فيما يتعلق بكتاب الله عز وجل ..حبذا يا شيخ لو تحدثنا عنها بياناً يا شيخ بحال التي يجب أن يكون عليها المسلم ..أيضاً يا شيخ الحال التي قد تحصل للمسلمين والمسلمات قبل أو بعد رمضان .
الشيخ صالح : تدارس القرآن في رمضان من أعظم سننه ، دل عليه حديث جبريل ، كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل عام مره حتى كان العام الذي مات فيه فدارسه القرآن مرتين ..صلوات الله وسلامه عليه ..وقبل ذلك قول الله جل وعلا (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ثم قال جل ذكره (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) قال العلماء لما أراد الله أن يمهد لفضل رمضان ويبين سبباً من أسباب شرع الصيام فيه جعله أنه ينزل فيه القرآن .. أي ابتدأ نزول القرآن في رمضان على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤيد هذا كذلك أن في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الصيام والقرآن يشفعان للمؤمن يوم القيامة ) فهناك تلازم شرعي ما بين الصيام وما بين القرآن ..ولهذا كان جبريل يتوخى رمضان فيزيد من مدارسة القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ..وإلا جبريل رواح غداء بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
..(5/13)
ما معنى تدارس القرآن ؟.. يجب أن يستقر في الأذهان والأفهام والقلوب من قبل ومن بعد أن القرآن أعظم كلام لأنه كلام رب العزة وأن السبيل إلى رحمة رب العزة تدبر كلامه ودراسة تلك الآيات الجليلات التي أنزلها الله على خير خلقه ..تدارس القرآن تلاوته تدبره محاولة حفظه ..فقه الآيات التي فيه ..خاصة تلك الآيات التي تعني بشؤون العقيدة وتبين أن الرب لا رب غيره وأن الله لا رب غيره ولا آله سواه وان ما يدعى من دونه باطل، ({إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ }النجم23 ) ({وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }الأحقاف5) إلى غير ذلك من الآيات التي ترسخ مفهوم العقيدة الصحيحة في النفس ، ثم تلك الآيات التي نبين العبادات وتلك الآيات التي تبين ما يسموا بالأخلاق في النفس ، والمقصود ورد عن مالك رحمه الله أنه إذا جاء شهر رمضان عكف على القرآن يتلوه ، لكن ينبغي أن تكون قراءة القرآن قراءة تدبر لا قراءة هذا ..ليقول الأخُ لأخيه أو القرين لقرينه أو الصديق لصديقه ختمت وأنت لما بعد ؟ ..هذا ليس مقصود شرعي ..(5/14)
فيخصص الإنسان وقت للتلاوة ووقت لفهم تلك الآيات ويقرأ في كتب التفسير ويتدارس القرآن حتى يعمل بتلك الآيات ،، يحسن بالأئمة في دروسهم الوقوف على بعض الآيات وتدارسها وذكرها وتوضيحها للناس ، لا يكون الخطاب العلمي والدعوي ترك ونهي ..كيف يترك كيف يأتي كيف ينتهي وهو أصلاً لم تعلو جذوة الإيمان في قلبه ، ولن تعلو جذوة الإيمان في قلب أحد حتى يكون متدبراً للقرآن ..الله يقول (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45) ({وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ }الإسراء79) ({لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ }الحشر21) فالقرآن أعظم كتاب أنزله الله على أعظم نبي ، وتدارسه من أعظم ما يقرب من الرب تبارك وتعالى في رمضان أو في غيره
الأستاذ معمر : هذا التدارس يا شيخ قد يستلزم من طالب العلم غير المتمكن أن يطالع كتب العلم أن يطلب العلم فقد يشكل على البعض ...
الشيخ صالح : قضية التلاوة هذا أمر مهم ...قلنا القراءة في كتب التفسير الموثوقة ..فيقرأ فيها حتى يتدبر كلام ربه جل وعلا ..وهذا نوع من تدارس القرآن ...
الأستاذ معمر : يا شيخ في الآية (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ولم يفهم منها أن شهر رمضان هو للقرآن ، بمعنى يا شيخ أن البعض قد لا يقرأ القرآن إلا في رمضان .
الشيخ صالح : هذا مفهوم خاطئ لكن إن تعذر عليه إلا في رمضان فيقراءة في رمضان ، وإلا فالقرآن يتدارس في جميع السنة.
الأستاذ معمر : أقف وقفات يا شيخ مع بعض السنن كتعجيل الفطور وأيضاً تأخير السحور ..رمضان والعمرة ، البعض قد يحرص على العمرة في رمضان ..(5/15)
الشيخ صالح : فلنبدأ بعد القرآن دائماً ينساق الصدقة ..لأن حديث ابن عباس( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان )..الصدقة ..الإنسان عندما يعطي إنما يقول لنفسه أنا واثق من عطاء الله فأكثر العباد حسن ظن بربهم هم أكثر العباد إنفاقاً لأنهم يعلمون أن ما ينفقونه سيخلفه الله جل وعلا لهم في الدنيا والآخرة وقد يكون في الآخرة ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }سبأ39 ) فظن الإنسان بربه أن الرب قادر على العطاء جود كريم هو الذي يجعله ينفق ، وابن عباس رضي الله تعالى عنه يقول وكان النبي أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل لأن جبريل لا يدعم فيه الخير بل يزيد فيه بعث الخير ، فالصدقة في غير رمضان محمودة وفي رمضان أؤكد لورود الأثر فيها ..فقد جاء رجل إلى عمر وقال ..
يا عمر الخير جزيت الجنة *** أكسي بنياتي و أمهنه
وكن لنا من الزمان جُنه *** أقسمت بالله لتفعلنه
وقال عمر وإن لم أفعل يكون ماذا *** قال أبا حفصٍ لأمضينه
قال وإذا مضيت يكون ماذا *** قال إذن أبا حفصٍ لتُسألُنه
يوم تكون الأعطياتُ جنه *** وموقف المسئول بينهنه إما إلى نارٍ وإما جنه
فأعطاه عمر قميصه وقال هذه والله الذي لا آله غيره لا أملك غيره ،
المقصود من هذا كله أن الصدقة لتطفئ غضب الرب كما جاء في الأثر ، والنبي عليه الصلاة والسلام حث عليها معاذاً في الحديث المشهور لما ذكر له طرائق الخير وأفعال المعروف ، فالصدقة في القرآن محمودة لكن الناس يقتصرونها في زماننا على أمور معينه(5/16)
الدفع المالي ، وأنا لا أحجر واسعاً ولا أحرم خيراً ، لكن أقول ينبغي للإنسان أن يتوخى الفقراء الذين لا يسألون الناس إلحافا ، المعوزين من قرابتك خالاتك عماتك جيرانك أضرابهم وأمثالهم من الضعفاء والمساكين هؤلاء أولى وأحرى بأن يعطى إليهم وينفق لديهم حتى يضاعف الله لنا الأجر والمثوبة ، هذا ما يتعلق أيها الأخُ المبارك بالصدقة ..
الأستاذ معمر : الصدقة يا شيخ تجعلنا نتحدث عن ظاهرة التسول ..هل يبقى الإنسان على فضل الله وأن يتصدق ولا يتحرى حال السائل .
الشيخ صالح : هو ليس ملزماً ..والنبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين مبين لهم أوصاف الصدقة ..ثم قال إن شئتما أعطيتكما وإن شئتما منعتكما ..لكن قال بعض العلماء أن لا يلزم التحري وقد سمعت هذا من الشيخ العلامة أبن باز غفر الله له ورحمة ..أنه لا يلزم أن يسأل ..لكن لا يلزم شيء والأفضل شيء آخر ....
الأستاذ معمر : أعود يا شيخ إلى سنة تعجيل الإفطار وتأخير السحور .(5/17)
الشيخ صالح : تعجيل الإفطار سنه ورد فيها الأثر ( أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل الفطر ..يفطر قبل أن يصلي المغرب ، وقد جاءت السنة في طريقة الفطر أنه يبدأ بالرطب فإن لم يتيسر فبتمر فإن لم يتيسر فبالماء ، وقد ذكر الترمذي رحمة الله قال ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر في الشتاء على الرطب والتمر وفي الصيف يبدأ بالماء ، لكن كما قلت ليس هناك نص ثابت ، المقصود تعجيل الفطر ما الذي فيه ؟ الذي فيه إشعار عظيم للنفس ..أنني عندما أمتنع عن الأكل والشرب فأنا لا أمتنع لقوة بدنيه أو أن الطبيب أمرني أو أني أريد أن أفعل أو أضع رجيم كما يقول الناس اليوم ، إنما امتنعت عن الأكل والشرب مع حاجتي إليهما تلبيةً لأمر ربي ، فلما جاء الإذن الإلهي الرباني أن أذهب وأفطر وانتهى المنع أبادر حتى أشعر نفسي أني عبد الله يأتمر لإمرة وينتهي عند نهيه لهذا ورد في الأثر ( أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا )
ما الفطر ؟ .. الطعام الذي تأكله والشراب الذي تشربه هو رحمة فضل من الرب تبارك وتعالى . فأنا عندما أسارع إلى الشراب والطعام ..أسارع إلى رحمة الله إلى فضله إلى ما أباحة الله جل وعلا لي ، أنا في حال الصيام عبد وفي حال الإفطار عبد في كلا الحالتين أمتثل للرب جل جلاله ..
الأستاذ معمر : فيما يتعلق بالسحور يا شيخ .(5/18)
الشيخ صالح : قال عليه الصلاة والسلام ( فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور ) وقال عليه الصلاة والسلام ( تسحروا فإن في السحور بركه ) قوله عليه الصلاة والسلام ( تسحروا ) هذا ندب ، وإن لم يتسحر صح صيامه لكن كفى بالمرء شرفاً وفخراً أن يتمثل سنة أحمد صلوات الله وسلامه عليه ، طعاماً يصفه النبي صلى الله عليه وسلم بركة ..كيف لا يفزع المرء إليه ، ومخالفة أصحاب الجحيم أمر رباني وهدي نبوي ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور ) فالإنسان يتمثل بذلك السنة يرجو بذلك البركة ، يخالف بذلك أهل الكتاب ، ثمة مصالح شرعيه عظيمه تتحقق من أكلة السحور ، وإن كان السحر يطلق على الوقت والسحور يطلق على الأكلة التي يريد بها الإنسان صيام ذلك اليوم ...
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أشرت إلى بعض العبادات والسنن جزاك الله خير ..دعني أقف وقفة مهمة مع رمضان وقيام الليل ، لاشك أن معاصينا كبلتنا نوعاً ما في فضل رمضان وقيام الليل ، بفضل الله صلاة التراويح أيضاً الاعتكاف في رمضان ,,ليلة القدر وتحريها كل هذه العبادات لها أهميه كبيره ..حبذا لو تحدثت عنها ..
الشيخ صالح : شهر رمضان جملة شهر عبادة ، والعبد لن يصل إلى رحمة ربه إلا برحمة الله ومن رحمة الله أن يهيئ له طرائق العبادة ، إجمالاً نقول مراعاةً للوقت
قيام الليل منقبة عظيمه لأهل الصلاح ، في سائر أيامهم (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الذاريات18)(5/19)
صلاة التراويح أول من شرعها لهذه الأمة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام حاثاً أمته ودالها على الخير ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) فأداء صلاة التراويح من أعظم ما يكفر الله به جل وعلا الخطايا ( من صلى مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليله ) ثم إن التدرج في العبادة أمر مشروع مسنون ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يجتهد في الوسطى أكثر مما يجتهد في الأول ثم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد فيما سلف .
نعود فنقول إن الإنسان بقيامه لليل وقوفه بين ربه إنما يتحرى فضلا ويرجو الجنة ويخشى نارا ، والله جل وعلا كريم حليم ذو فضل من وقف بين يديه كان أهلاً لفضله جل وعلا ورحمته ، الله يقول ({وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الإنسان25) وقال ({وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً }الإنسان26) ثم قال تبارك وتعالى ({إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }الإنسان27)
أما الاعتكاف فإن الإنسان عندما يترك الخلائق وينصرف فيتلمس ويتحرى رحمة الخالق بعد أن قطع العلائق مع الخلائق هذا عبد من الله عليه بالفضل ، وهي سنه سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، تقول عائشة في بيان فضله صلى الله عليه وسلم وبيان عبادته لربه في رمضان ( كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر أيقظ أهله وأحيى ليله وشد المئزر ) والمقصود من هذه العبارات الثلاث الانصراف للعبادة ،
واعتكف صلى الله عليه وسلم واعتكف أزواجه من بعده ، العبد عندما يكون تحت سارية أو يكون في الصف أو يكون في أي أروقة المسجد أو أروقة حرم يتلمس فضل الله جل وعلا ، تارة يخلد في الراحة طمعاً في الليل فيقف بين يدي ربه آخر رمضان نهاره صيام وليله قيام ، خاصة العشر الأواخر منه ، هذه جمله تقرب إلى الرب تبارك وتعالى ..(5/20)
لكني أقول . ينبغي للأئمة عافانا الله وإياهم أن يكونوا يعلموا وهم كذلك بإذن الله الهدف الأعظم من قيام الليل ، ليست القضية هي قضية أتمام الركعات عاجلاً وإنما تدبر القرآن تلاوته ،والمبالغات في رفع الصوت أو الصياح في الدعاء أو التكلف الغير محمود أو الإطالة في الصوت هذا كله خلاف الهدي ويغلب عليه التصنع والله جل وعلا يقول عن عبده ورسوله ونبيه (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }ص86) رحمة الله لا تطلب بالعويل وبالصراخ ، لا تطلب بالسجع لا تطلب بلفت أنظار الناس ..لا تطلب بهذا كله ..تطلب بـ ({إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً }مريم3) تطلب بـ ({ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }الأعراف55) تطلب بأمثال هذا ، لأن الإنسان يحاول أن يسمع غيره وخاصة في ظل الأجهزة المعاصرة حتى يستقيم تعاطفهم معه إيمانياً ، ثم بعد ذلك من غير إطالة من غير تكلف من غير تفصيلات لا يحتاج المرء إليها ، إنما يختار جوامع الدعاء وما قاله الليلة يأتي بغيره غداً حتى يبعد عن الناس الملل والسأمة ومراعاة الهدي النبوي ، قضية أن الإنسان كلما مر على آية جهنم أو نار صارخ فيها وعول وحاول أن يبحث عن البكاء بطريقة كهذه لا يأتي ، لكن لا بد أن تستقر في القلوب عظمة الله ، فإذا استقرت في القلوب عظمة الله يأتي أشياء كثيرة من هذه ، لكنك ترى أحياناً من بعض أهل الفضل ..ونحنُ لا نتهم الناس في نياتهم لكن نحنُ نتكلم من باب الإرشاد من باب العلم ونعلم أن الجميع خير منا واتقى وأفضل لكن أقول من باب الإرشاد من باب العلم الذي أوجبه الله على أهل العلم أن يبينوه للناس ، أن الإنسان يقرأ القرآن قراءة متدبره متأمل هذا هو الذي يقود إلى فضل الله تبارك وتعالى ورحمته ...(5/21)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح بما أنكم أشرتم إلى الاعتكاف دعني أشرك معنا الأخ أحمد صبر على الموقع ..يقول هناك بعض الشباب يحرصون على الاعتكاف في المسجد دون إذن والديه مع أنهم في أمس الحاجة إليه ، أضيف في هذا المحور ما يتعلق ببعض الأفاضل عندما يعتكف في السجد ولاسيما في الحرمين ثم يهمل أسرته بتوجيههم حتى مع العبادة .
الشيخ صالح : الإنسان لا بد أن يكون فقيهاً قبل أن يكون عابداً ، وقد قال بعض الفقهاء أن جريج الذي ورد في الحديث أنه هدمت صومعته لأنه لم يكن فقيهاً ، فلذلك لم يستجب لأمه ، لا يجوز شرعاً أن يقدم الاعتكاف على حق الوالدين ، لأن الاعتكاف سنه وطاعة الوالدين واجب في غير معصية الله ، فالذين يصنعون مثل هذا ويتركون وراءهم أُسر تُهمل وتُضيع لم يوفقوا للصواب في الاختيار ، وإنما كان يجب عليهم أن يتقوا الله جل وعلا في ذريتهم وأن يجمعوا مابين العبادة وما بين رعاية الأسرة ..
الأستاذ معمر : رمضان يعود إلينا وإخواننا في العالم الإسلامي مضطهدين في بعض الدول ، دعني نعود قليلاً وعلى اختصار ونذكر تلك الانتصارات التي تبعث الهمة في النفوس ، تذكر العبد بضرورة الاتصال بالله ..
الشيخ صالح : شهر رمضان فأل خير على الإسلام ، النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعمد معركة في رمضان ، يعني ينبغي أن يقرأ التاريخ قراءة صحيحة ، لكنها بقدر الله ورحمته كان رمضان فأل خير ..كذلك أخبر عمر غزوة بدر هي ألأولى وفتح مكة هي أخرى مع قريش ، فغزوة بدر كانت في رمضان وفتح مكة كان في رمضان ، ثم في عصرنا كانت حرب العاشر من رمضان ، الذي يعنينا أن رمضان أرتبط بالانتصارات وهذا نوع من الفأل الحسن والمحمود في الأمة ، وينبغي أن ترفع عن نفسها الذل بالعمل الصالح والطاعة لربها تبارك وتعالى والرجوع إلى هدي الكتاب والسنة لا بالانفعالات والحماسات والعبارات التي تأخر أكثر مما تقدم ...(5/22)
الأستاذ معمر : من المحاور التي أشار إليها المتصلون ولا يمكن إغفالها في مثل هذا اللقاء ، يا شيخ وسائل الإعلام جندت جنودها وحشدت كثير من المعطيات لإنتاج كثير من الأفلام والمسلسلات ، حتى أصبحنا نسمع أن المسلسل الرمضاني له شهرته وانتشاره بين الناس ، وصيتكم للقائمين على هذه الوسائل ..أيضاً إذا أمكن أننا نحاول أن نخاطب أنفسنا ..كيف يمكن أن نتعامل التعامل الأمثل مع مثل هذه الوسائل ..
الشيخ صالح : الله جل وعلا قال في حق الأخيار (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74) وقال في حق الأخيار (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) وقال في حق الأشرار ({وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }القصص41) كلا الفريقين موجود في الساحة اليوم ، ثمة أخيار إذا أقبل رمضان ساقوا الخير إلى الناس وعرفوهم بربهم ، وثمة فجار إذا أقبل رمضان ما تحت أيديهم من فضول أموال أو قدرات أو إعلام أو غير ذلك ..ساقوه والعياذ بالله لصرف الناس عن عبادة ربهم فيزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فيتنافس بعضهم مع بعض على أي شيء ؟؟ على الخسران المبين وهؤلاء والعياذ بالله على خطر عظيم جداً ..أن يجعلوا من هذا الشهر الذي كان نبيهم صلى الله عليه وسلم يصوم نهاره ويقوم أكثر ليله يتعبد الله فيه ويرجو رحماته جعلوه طرائق لإضرار الناس ثم لم يكتفوا بذلك بل سموه بالشهر فيجعلون الفاصل ما بين فلم وآخر ( رمضان كريم !!! ) وهذا والعياذ بالله عدم معرفه بنقمة الجبار جل جلاله ...
وإلا والله لو عرفوا عظيم نقمته جل وعلا لما حاربوه بمثل هذا ..، هذا يقال للقائمين على الإعلام المذموم وليس كل الإعلام مذموم ...(5/23)
أما الناس فإنه يوم القيامة لا تحمل وازرة وزر أخرى ({وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }فاطر18 ) فالمؤمن الحصيف العاقل يعلم أن رمضان أيام معدودات والعمر كله زهرة حائلة ونعمة زائلة ولابد من لقاء الله ، يحل عن الميت أربطة الكفن ثم ينصب عليه اللبن ثم يحثا عليه التراب ثم يخلى بينه وبين عمله فيصور له عمله إن كان صالحاً في هيئة طيبه ويصور له عمله إن كان سيئا في حالة سيئة فالأول يقول أنا عملك الصالح والثاني يقول أنا عملك السيئ ، وما رمضان في حقيقته إلى وعاء زمني يتقرب فيه المتقربون وينأ فيه الضالون ..
والنبي عليه الصلاة والسلام أمن ,,وقد دعا جبريل ..( رغم أنف امرئٌ دخل عليه شهر رمضان فلم يدخله الجنة ..)
والعاقل الذي يعرف فضيلة الشهر وحرمته كما حررنا في الأول لا يجعل من ذلك الشهر سباقاً في النظر إلى ما حرم الرب تبارك وتعالى ..أعاذنا الله وإياكم من ذلك ....
الأستاذ معمر : الشيخ أحمد في اتصاله أشار إلى قضية مهمة وهي أن طلابنا في المدارس أو العمل الوظيفي قد يأخذ جزء من الوقت في رمضان ، أنا أضيف مسألة مهمة .. البعض قد تكون أخلاقة غير مناسبة لرمضان ويتعذر بالصيام مع أن الهدي النبوي يفترض الذي يكون عليه هو عكس ذلك ..
الشيخ صالح : الصيام كما حررنا في الأول يسمو بالنفس ويجعلها ذات قدرة على الانتصار على رغباتها وشهواتها وطموحها المنفعل ، والإنسان عليه أصلاً في مخاطبته للمؤمنين أن يقول كما قال الله (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) فالصيام أعظم ما يأمرنا به الله جل وعلا أن نهذب أنفسنا ..( فإن سابه أحد أو شتمه فليقل اللهم أني صائم) حتى يبين له أنه متمسك بهدي الله ..لا يستطيع أن يجاريه في طرائق الشيطان ...(5/24)
نعود لقضية الناحية الوظيفية ..أنا أنصح المعلمين وأقول ما عليكم أدوه قدر الإمكان على الوجه الأكمل ولا ريب أن الصيام فيه إضعاف للبدن ولهذا أسقطه الله عن المريض والمسافر ..لكن هذا الإضعاف مأجور الإنسان عليه ..الحبس عن الطعام والشراب إضعاف في القوة ، فقضية المبالغة في الواجبات المدرسية قضية المبالغة في التكاليف قضية ما تصفه بعض المدارس من جبر الطلاب بطرائق لي الذراع وإجراء اختبارات ..هذا أمر غير مستحسن ، لكن ينبه الطلاب على أن رمضان لا يعني ترك العمل ولا ترك العطاء ، لكن ليس بالطريقة التي ترضي بالطلاب جرماً في التعليم العام دون سن التكليف ، فيساعدون على الطاعة خاصة في المرحلة الابتدائية ، لا يكثر المدرس من التكاليف في الواجبات حتى لا يرهقه حتى يعينه على طاعة الله تبارك وتعالى هذه قضية أساسيه ..
الطلاب الذين في الجامعات بعضهم ذوي غربه في السكن ,,فقد يتعب كثيراً إيجاد إفطاره أو إعداد سحوره ، فعندما يأتي الأستاذ الجامعي ويكثر من التكاليف في البحوث في رمضان أنا أعتقد أنه أمر غير محمود ، نعم تكون الحصة المحاضرة مدارسه وأخذ وعطاء ..لكن لا يكون فيه تكاليف خارجية مرعاه بأنه شهر عبادة
بمعنى أنني لا أربط الطالب أين كانت المرحلة التعليمية خارج الدوام بأمور حتى لا أشغله عن طاعة الله ، لأنه لا يصح أن نعيش مجتمع متناقض ،، أدخل عند الإمام كمسلم وخطيب الجمعة يقول رمضان شهر القيام ويأتيني بالسنن وأنا مؤمن بصحة كلامه ثم يأتيني المعلم يقول ليس رمضان شهر كسل إذا ذهبت في الليل أكتب درسك وحل واجباتك وأعد أبحاثك ثم يأتيني أخر يقول لي شيء ..هو ليل واحد أنا أصنعه لمن لكم أو لديني ؟؟؟
فينبغي أن يكون الخطاب خطاب عقل لا يكون هناك تكليف قدر الإمكان ...
هذا رؤية شخصيه قد تحمل الصواب وقد تحمل الخطأ..
الأستاذ معمر : العم سعد جزاه الله خير ..داخلنا يا شيخ يقول أنه مصاب بإمراض ...(5/25)
الشيخ صالح : أولاً نسأل الله جل وعلا أن يشفيه ويعافيه ، ثم أن الله جل وعلا أعذر المرضى والمرضى الذين فيهم أمراض دائمة فهؤلاء يكون هناك إفطار منهم ويطعمون عن كل يوم مسكين ، لكن تحقيق هذا عليه ليس لي ، بمعنى أنه يذهب إلى الطبيب فإذا قال له طبيبان مسلمان ناصحان أن الصوم يضره ولا يمكنه أن يصوم فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكين ...
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح ، بقي معي دقيقتان أن أذنتم لي في أن نخصصها في كيف يمكن للمسلم أن يستثمر هذا الشهر الفاضل في أن يكون له أثر كبير فيما يتعلق بالحياة الآخرة ....
الشيخ صالح : من كان يريد لقاء الله فإن أجل الله لآت ،، الوقوف بين يدي الله أمر حتمي سواءً أكان المرء باراً أو فاجراً .. (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ(8) الأنفطار) ({قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ }الجمعة8) استحضار هذه وأمثاله مما خاطب الله جل وعلا به عبادة يجعل المؤمن من رمضان طريق إلى رحمة الله ربه تبارك وتعالى فيبدأ أول ما يبدأ به بالتوبة ..والتوبة إلى الله جل وعلا وظيفة العمر خاطب الله بها عبادة أجمعين (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31) .
والاستغفار أعظم ما يجلب رحمة الله تبارك وتعالى قال سبحانه (وْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النمل46 )(5/26)
ورمضان مطية وأي مطية وشهر مبارك وأي شهر ، أنزل الله جل وعلا فيه كتابه وصامه وقامة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم والصالحون من أمته بعد ذلك ، يتأسون بهدي نبيهم ويقتفون آثاره صلى الله عليه وسلم ..والمرء لا بد أن يترك وراءه الدنيا وان يقف بين يدي الله وأن يخلي بينه وبين عمله وينساق الناس بين يدي الله جل وعلا ، والأخيار إلى الجنة والفجار إلى النار عندها يحصل الغبن يحصل من الناس من الحسرات ما الله جل وعلا به عليم ، جعلنا الله وإياكم من أهل الأمن لذلك اليوم ،
والله لما ذكر الصالحين من خلقه قال ({لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء103 ) وقال قبلها (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102)) ثم قال (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103) )
طوبا لعبد جعل من رمضان مطيه إلى رحمة الله جل وعلا ولفضله ، بر فيه والديه وصام الشهر في المقام الأول وتعبد الله جل وعلا بهذا الصيام إيماناً واحتساباً ، قدر الله له أن يأتي مكة ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) وفي رواية ( تعدل حجة معي ) منّ الله جل وعلا عليه بتلاوة القرآن وتدبره ، جعل من ليله حظاً ونصيبا ، وقف فيه بين يدي ربه يسأله ويدعوه ويعبده ويرجوه لا رب غيره ولا إله سواه ..
كانت له في السجود دعوات وتسبيحات يرفعها إلى ربه يتضرع بها إليه ويسأله جل وعلا رحمته تبارك وتعالى ..
هذا وأمثاله مما يجعل العبد قد عرف قدر رمضان وعبده فيه ، نسأل الله أن يرزقنا فيه والمسلمين جميعاً العمل الصالح والعلم النافع وما يقربنا إليه إنه ربي لسميع الدعاء ....(5/27)
الأستاذ معمر : أحسن الله أليكم يا شيخ صالح على ما أجدتم وأفدتم فجزاكم الله خيرا وشكر الله سعيكم ...
أسوق البشرى والتبريكات للعضوين المتميزين الذين حازا السبق في هذه الحلقة وهم الشيخ (( أحمد صبر )) والأخت (( الواثقة بنصر ربها )) فجزاهم الله خيرا وجزا جميع الأخوة خير الجزاء ...الشكر موصول لكم أيها الأحبة ، يتجدد اللقاء بكم بعد شهر رمضان المبارك ، اسأل الله أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح ، أستودعكم الله ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/28)
حلقة القطوف الدانية لشهر محرم لعام 1427 هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعدة ..سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله وصحبة أفضل الصلاة وأزكى التسليم ،،،
مشاهدي الكرام ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم إلى حلقةٍ جديدة من برنامجكم .. القطوف الدانية ،، والذي يأتيكم [ ثاني اثنين ] من كل شهر ..
نسعد كثيراً بأن يكون ضيفه الدائم فضيلة الشيخ .. صالح أبن عواد المغامسي ،، خطيب مسجد قباء بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ..
أستهل اللقاء مرحباً بضيفنا ..فحياكم الله يا شيخ صالح ..
:: أحبتي ألا كارم سيكون حديثنا عن مصدري ومنبعي الهدى ..كتاب الله عز وجل وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أما القرآن فهو كلام الله تعالى ..الكلام الجزل الفصل الذي ليس بالهزل ، سراجٌ لا يخبوا ضيائُه وشهابٌ لا يخمُدُ نوره وسنائهُ ، وبحرةُ لا يُدركُ غوره ، بهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول ، وتضافر إيجازه وإعجازه ، فالسعيد من صرف همته إليه ووقف فكرة وعزمه إليه ..
وأما السنة فهي بيان له كما قال تعالى (({وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44))
الحديث عن كلام الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم قد يطول وكما تعلمون أن كل العلوم وكل البرامج في هذه القناة المباركة وفي غيرها من القنوات ذات التوجه الديني إنما هي خدمة لكتاب الله عز وجل وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم ..هذه الحلقة ليست إلا ..قبسات من الكتاب والسنة
نحاول مع ضيفنا الكريم أن نقرب جملةً من المعاني من خلال هذين المصدرين العظيمين ..(5/1)
يا شيخ صالح أكرر ترحيبي بك ،وكما بينت قبل قليل أن الحديث عن الكتاب والسنة طويل جداً ،نكتفي ببعض القبسات ،لعل الوقفة الأولى تكون مع كتاب الله عز وجل مع هذا القرآن العظيم ..يقول عز من قائل {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ }الإسراء105، نبين المراد من هذه الآية والمعاني التي اكتنفتها هذه الآية ..أيضاً القبسات التي يمكن أن نستفيدها منها..
الشيخ صالح المغامسي : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا آله إلا الله لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وعلى سائر من أقتفى أثرة واتبع منهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعد.. فنسأل الله في المقام الأول العون والتوفيق ثم نقول ..قال ربنا جل وعلا وهو أصدق القائلين
{وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً }الإسراء105، حديث القرآن عن القرآن هو أعظم ما يمكن أن يُعرف به القرآن ، وهذه الآية مندرجة ضمن آيات عديدة تُخبر عن هذا الكتاب المبين والآية تقول { وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ } وتقول { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } والمعنى الأول
{ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ } أي أنزلناه ملتبساً متضمناً للحق والحق الذي في القرآن ..القرآن أصلاً أخبار و أوامر و نواهي ..فهو صدق في أخباره وعدلٌ في أوامره ونواهيه ، وكونه صدق في أخباره وعدلٌ في أوامره ونواهيه يجعله حقاً ,,قال ربنا {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}الأنعام115،(5/2)
صدقاً في أخباره وعدلاً في أوامره ونواهيه ، وهذا الجزء الأول من الآية ، { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } فقبل أن نشرع في بيانه ..نضرب مثلاً يقرب المعنى ..لو أننا هممنا أن نبعث رسالة إلى أحد ..فهناك مُرسل وهناك مُستقبل وهناك رسالة وهناك رسول يحمل هذه الرسالة ، حتى تصل لك الرسالة سواءً كانت مكتوبة أو كانت مادية محسوسة أو كانت مالاً حتى تصل على النحو الأتم والوجه الأكمل كما بعثها مُرسِلُها إلى ذلك المُستقبِل لا بد أن يتوفر في الرسول شرطان ..الشرط الأول.. قوته ..والمقصود بقوته ..قوته أمانته ..ونبدأ بتعريف أمانته ..إذا كان خائناً سيعتري تلك الرسالة نقص ..فإن كان مالاً أخذ منه وإن كان مكتوباً غير فيه وإن كان شفهياً بدّل في الأقوال ..فيعتري النقص للرسالة ..إذا كان الرسول خائناً غير أمين ، وقد يكون الرسول أميناً لكنه متلبس بالضعف ..فلضعفه يُسلط عليه غيره ممن له مصلحه في تبديل الرسالة فأما أستضعف عقله فغيرها دون أن يشعر وإما أستضعف قوته فبدّلها رغماً عنه فينشئ التغيير في الرسالة ,,فما الذي أراد ربُنا قولة من قولة { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } ..أراد أن يقول أن المُرسل بالقرآن وهو جبريل عليه السلام الواسطة بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم ..اجتمعت فيه خصلتان قوته وأمانته فلذلك بقي القرآن حقاً كما بلّغة الله تعالى جبريل بلّغه جبريل محمد صلى الله عليه وسلم ..فمن هنا نفهم معنى قول الله تعالى في سورة التكوير فالقرآن كما تعلم يعضد بعضه بعضا يقول الله .. {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }التكوير19 . قال {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ }التكوير20 ، لحفظه من أن يبدل عن طريق الضعف .. {(5/3)
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ }التكوير20 {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ }التكوير21 ، فهو عليه السلام جبريل آمين قوي وهذا هو الذي قاله الله جل وعلا {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى }النجم6 ، ذو مرة بمعنى ذو قوة ، والمقصود من هذا أن جبريل عليه السلام كان قوياً لا يمكن لأحد أن يستضعفه فيأخذ عنه القرآن ويُبدل فيه ولا يمكن أن يُخون فالله جل وعلا زكّاة وكفى بتزكية الله لجبريل تزكية ، الذي نريد أن نقتبسه من سنا هذا الأمر أن الإنسان إذا أتخذ رسول أو أحداً يقوم بشأنه أو أمرة يحاول أن يبحث عن القوي الأمين ..كما قالت الابنة الصالحة لذلك العبد الصالح في حق موسى { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26
كل واحد عنده أسرار وعنده قضايا خاصة لا ريب أن تشيع وتذيع في الناس ولا يمكن في بعض الأحوال أن تقوم أنت لوحدك بجميع شؤونك فيكون للإنسان خواص ,,هؤلاء الخواص الذين تقربهم يوجد صفات حسنٌ أن نتبعها ..لا يلزم أن يكون جميع خواصك يعرفون كل شيء.. لكلٍ ما يناسبهُ .
يضِلون شتى في البلادِ وسرِهم ** إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها
قد يوجد أحدٌ تعطيه كل شيء لكن في الغالب تفرق بينهم الأمور ، ثم عندما نتخذهم نتقي الله جل وعلا فيهم ثم نكل إليهم الأمور التي تناسبهم بحسب قوتهم وأمانتهم ..لا يكون صاحب سرك ضعيفاً يُغلب على عقلة ويُغلب على شخصيته فيَذيع ويشيع.. وليس حسناً أن تكون أسرار الإنسان فاشيةً ذائعةً شائعةً بين الناس ، ثم إن بعض الأمور ..قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) ..(5/4)
عندما يكون الإنسان أصدقائهُ والمُقربون إليه كمُل نضجهم كمُل عقلهم تقريباً إلى حدٍ ما.. قومٌ مُجربون ..قومٌ ذوو كمال ..يكون غالباً ناجحاً في حياته في أموره وما القرآن إلا سنن يُقتبس منه فهذا بعض ما أشار الله إليه في ذكر كاتبه في قولة سبحانه {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ }الإسراء105...
الأستاذ معمر : العبارة الأخيرة التي أشرت لها يا شيخ ..ما يتعلق باختيار الصفوة ممن يُذيع لهم أسراره ..هل يمكن أن نعمّ الحديث بحيث تشمل المجتمعات والدول بالنواحي السياسية الآن ..
الشيخ صالح المغامسي : نعم مُطلقه .. أنا أتكلم كنت عن الأشياء الفردية ..لكن كلما عظُمت المسئولية عظُم المطلب من القوة والأمانة في الشخص ولذلك من الأعراف الدولية قضية وجود القسم ..طبعاً كلٌ يُقسم على ما يعتقده ..وجود القسم ويُذكر في القسم قضية الأمانة والحفاظ على أسرار الدولة وهذا طبعاً موجود في كل بلاد العالم .
الأستاذ معمر : ننتقل يا شيخ إلى سورة الزخرف ..يقول تعالى {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }الزخرف57 {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }الزخرف58 ، إذا أذنت لي أن نقف بعدت محاور مع هذه الآية ، بدايةً يا شيخ المراد بضرب المثل هنا ..من الذي ضرب المثل ، المقصود بمعناه ؟
الشيخ صالح المغامسي : هذه الآية كما ذكرتم أيها الأخُ المبارك في سورة الزخرف {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }الزخرف57 {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }الزخرف58 {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }الزخرف59،(5/5)
نستصحب السيرة ، السيرة تقول إن القرشيين واجهوا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهةً عظيمة ، وكانوا يُكذبون قولة ويردّون عليه قرآنه الذي جاء به من عند الله ، مما جاء به القرآن في سورة الأنبياء وهي مكية كسورة الزخرف أن الله قال {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }الأنبياء98، فهذا الأخبار أن أولئك الذين كفروا بالله يعبدون غيره هم وما يعبدون من دون الله في جهنم ..لكن الله قال (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) و ( مَا ) لغير العاقل ..فلا يدخل العاقل فيها ، هذه الآية لمّا أُنزلت أجتمع الملأ من قريش كان فيهم [ عبد الله أبن الزبعرا ] وعبد الله أبن الزبعرا أسلم مُتأخراً ، لكنه كان في الأول رجلٌ لسناً خصماً ..شديد القوة ، فلما أخبرته قريش بالآية ,,قال.. غُلب محمد .. قالوا ..كيف غُلب ؟؟.. قال: ألم يثني محمد على عيسى ؟.. قالوا بلى ..قال هنا.. يقول محمد {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} فمعناه عنده ..أن النصارى وما تبعد في النار والنصارى تعبد عيسى ، فيقول كيف يمدحه مرةً ويذمه مرة ..كيف يمدحه ويقول أنه كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم ويزعم أن عيسى رسول ثم يقول أن عيسى في النار ؟!!!، وعبد الله أبن الزبعرا يعرف لغة العرب ويعرف أن (مَا) لغير العاقل ..لكنه أراد أن يحاول ولهذا قال الله { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً } إذاً الذي ضرب المثل من ؟ عبد الله أبن الزبعرا والمقصود بالمثل قضية عيسى ..(5/6)
فرد الله عليهم في آيةٍ بعدها أنزلها الله {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }الأنبياء98 {لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ }الأنبياء99 ، هذا الذي ضرب المثل عبد الله أبن الزبعرا وقلنا أنه أسلم بعد ذلك رضي الله عنه لكنه قالها يوم كان على زمن الإشراك .
وهذا عبد الله أبن الزبعرا كما تعلم جاء في سيرته أنه في يوم أُحد كان يقارع حسان الشعر وكان حسان رضي الله عنه قد قال شعراً بعد بدر وحروب الأنبياء كما ثبت في الصحيح سجال ..فلما وقعت الوقعة في أُحد وتضرر المسلمون منها قال أبياته الشهيرة ..
يا غُراب البينِ أسمِعت فقُل ** إنما تنطِقُ شيءً قد فُعِل
التي فيها البيت الشهير ..
ليت أشياعي ببدرٍ علموا ** جزع الخزرجِ من وقعِ الأشِل
الذي يعنينا هذا سيرة تدل على علم وعلى معرفته باللغة وعلى قدرته اللسانية والبيانية في الأخذ والعطاء ،فالذي ضرب المثل هو عبد الله أبن الزبعرا ..والمقصود إلوهية عيسى ..
الأستاذ معمر : لكن يا شيخ صالح صيغة الآية بالجمع { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً } وذكرت أنه شخص واحد الذي ذكر المثل ؟
الشيخ صالح المغامسي : القائل عبد الله أبن الزبعرا اتفاقاً ، والله جل وعلا نسبة إلى الجمع قال { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً } هو يأتي فن قضية أن القرآن يحتاج لمن يتأمله أن يكون قوياً في اللغة ، والقوة في اللغة تعطي القدرة على الفهم في القرآن ، والعرب من أساليبها أنها تقول الكلمة تنسب الفعل لجماعة وتريد به فرداً واحداً .(5/7)
يقولون.. فيه رجل أسمة خالد قتل رجلاً أسمة زُهير ، جاء ورقاء أبن زُهير لينتقم لأبية فضرب ورقاء ثأراً لأبية ضرب خالد بالسيف لكن السيف نبا ..نبا بمعنى لم يُصيب ..العرب تقول لكل سيفٍ نبوةً أي لا يقطع ولكل عالمٍ هفوة ولكل جوادٍ كبوة ، لما نبا السيف جاء رجل يسخر من ورقاء صاحب الضربة وورقاء من بني عبس والآن تأمل كيف نسبة للفرد والجماعة في آنٍ واحد كما جاء في القرآن ..قال :
بسيفِ بني عبسٍ وقد ضربوا به *** نبا بيدي ورقاء عن رأسِ خالدِ
من الذي نبا؟ السيف .. وقال: بيدي ورقاء..وورقاء رجلٌ واحد ..عن رأس خالد أي لم يصب خالداً ، وأول البيت ..بسيف بني عبس وقد ضربوا به .. جاء بها بصيغة الجمع ، وهذا شاهد من العربية على أن العرب تطلق الفعل جماعة وتريد به فرداً وبه جاء القرآن ، والأمر الثاني وقد دل عليه القرآن ..أن من وافق أحداً على قولة أشترك معه ..فقريش فرحت وضجت وهذي قراءة ( يصدون ) ومشاركتهم الفرحة بحجة عبد الله أبن الزبعرا ..تدل على تأييدهم له ، لذلك أشركهم الله فقال : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً }
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : أبو إسحاق يقول : إن بعض طلبة العلم يقولون إن الزواج قد يؤثر على طلب العلم ..
الشيخ صالح المغامسي : لا نستطيع أن نضع قاعدةً عامة في نظري ، لكن الأصل أن الإنسان يبادر للزواج لعموم قولة صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من أستطاع منكم الباءة فا ليتزوج ) فالغالب أن الزواج معين على طلب العلم ،لكن قد تكون هناك أحوال خاصة ..وهذه تقدر بقدرها وربما الأخ الفاضل سمع أحداً يوصي أحداً لعلمه بظرفه الخاص ..وهذه تُقبل ..لكن من حيث الإجمال حصن الفرج يدفع إلى غض البصر وهذا يجمع شتات الذهن ..وهذا بأذنه تعالى يعين على طلب العلم .
الأستاذ معمر : أحياناً يستشهدون يا شيخ ببعض العلماء كبن تيمية وغيره ..(5/8)
الشيخ صالح المغامسي : هؤلاء الله أعلم بقدرهم كبن تيمية وغيره ..والأصل الإقتداء بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر : يطلب لو تفيدونه بكتاب شامل عن الرقائق ..
الشيخ صالح المغامسي : لا أحفظ شيء ولا أؤيد جمع الرقائق في كتاب واحد ..لأنه يدفع للسآمة والملل ، وإنما الذي يريد أن يصل إلى الرقائق المؤثرة يقرأ في التفسير ..الذي تأتيك منثورة تكون غالباً أشد أثراً في نظري الشخصي ، وأنا لا أحب أن أوطن نفسي على قضية وأقول هذا لغيري ..قضية أن يأخذ الرقائق كاملة ..الرقائق لا تأتي بالصورة هذي ..ولذلك الذين يعظون ينبغي إذا كان الدرس رقائق أن لا يكثر لا يطيل ..الموعظة تكون قليلة ..الدرس العلمي ممكن يطول لأنه يخاطب العقول ..ويتضمن رقائق ، لكن لا تكون الرقائق طويلة لأن الناس إلى حد ما تنجذب إليك وتذرف دموعها وتوجل قلوبها ..هذا يأخذ وقتاً يسيراً ، ولا يحتاج إلى صراخ ولا يحتاج إلى رفع صوت ولا الزيادة في الأمر ولا أعتقد أنه يحسن جمعها في شيء واحد .
طبعاً حتى لمّا جمع البخاري كتاب الرقائق في الصحيح ..هي جزئية ضمن كتاب كامل .
الأستاذ معمر : الأخت أمل تقول : ما الحكمة من ختم آيات الصدقة في سورة البقرة بآية الحكمة ؟
الشيخ صالح المغامسي : الله قال في آخرها {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269، ماذا الصدقة ؟ .. أنفاق إعطاء ، عندما يُعطي الإنسان حسن ظنٍ بربه يؤتيه الله، والذي يعطي في الغالب مقتدر ..فهو لا يريد مالاً في الغالب ..يريد شيءً آخر ..فيعطيه الله جل وعلا الحكمة جزاءً وفاقاً على إنفاقه ..ولذلك أكثر من عُرف بالسخاء عُرف بالحكمة ، وأنا أجيب باقتضاب مراعاةً لوضع البرنامج ..وهذا المقصود ..
الأستاذ معمر : أم أسراء يا شيخ تسأل عن إجابة الحلقة الماضية ..كنتم سألتم عن الجمع بين آيتين ..(5/9)
الشيخ صالح المغامسي : هي لم تكن آيتين ..أذكر أنني قلت ..الله يقول {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ}الفرقان26 وقال { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }الانفطار19، قلنا كيف الجمع بينهما ..وبين أن الله تبارك وتعالى ..نعلم أن الملك له ..والجواب على هذا ..أن نقول ..المعنى وقد حرره الأخوة ..بطرائق مختلفة ..لكن الذي يعنينا المعنى ..
التحرير .. أن الملك قسمان ..ملك حقيقي وملك صوري ..فالذي في الدنيا ما نملكه نحنُ ملك صوري ..فإذا كان يوم القيامة حتى الملك الصوري ينتفي ..فلا يبقى إلا الملك الحقيقي ..لأن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا بهماً ..بهماً يعني غير ممولين ..ليس معهم شيء من ملكهم الصوري..فإذا قدموا القيامة على هذا النحو انتفا الملك الصوري ..فيبقى الملك الحقيقي ..والملك الحقيقي من قبل ومن بعد لله ..
الأستاذ معمر : إبراهيم يسأل عن السحر وانتشاره في القنوات الفضائية ، إذا أذنت لي أن يكون حديثكم عن هذا الموضوع مقتبس من آية السحر في سورة البقرة ..(5/10)
الشيخ صالح المغامسي : حتى لا نطنب ..الله نفى الفلاح عن أهل السحر بالكلية فقال {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى }طه69، ومن نفى الله عنه الفلاح بالكلية بدهي لا يجوز إتيانه بأي حال من الأحوال ..لماذا ؟ لأن إتيانه فيه شاهدة له بأنه يملك شيءً من الفلاح والله نفى عنه الفلاح بالكلية ..قال الله فقال {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى }طه69، إضافة إلى أنه كُفرٌ بواح بنص القرآن ..قال الله جل وعلا {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}البقرة102، ومردة إلى سفال ..قال الله جل وعلا {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }يونس81 ، قبلها قال موسى {فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }يونس81، على هذا يتحرر ..على أنه ينجم الآن من أولئك الذين لا يعرفون ذلة الوقوف بين يدي الله ..فيعمد الرجل أو تعمد المرأة إلى الذهاب أحد السحرة فيقع بقدر الله الذي آذن به قدراً لا شرعاً أن يكون هناك سحرٌ فينجم عنه التفريق بين زوج وزوجة في الغالب ..فيلحق بالزوج والزوجة من الضرر ما لا يعلمه إلا الله ..والله ما رفع هذان أو أحدهما دعوةً إلى السماء على من تسبب في سحرهما إلا وظاهر القرآن والسنة أن الله قد قبلها ، ولأن عُذبت امرأة في هرة لم تدعها تأكل من خشاش الأرض .فكيف فيمن تسببت أو تسبب في فراق أسرة أو حرمان زوج من إتيان زوجته أو حرمان زوجة من التنعم مع زوجها ..وفرق بينهما لمصلحة دنيويه ورغبة شخصية ..هؤلاء وأمثالهم عياذاً بالله أتوا كُفراً بواحاً ..فينبغي للمؤمن والمؤمنة ومن يعرف ذلة الوقوف بين يدي الله أن يتقي الله في ذلك ، وأما أولئك الفضلاء الذين يقومون على بيان خطر السحر من الوعاظ والدعاة وخطباء المساجد وبعض المكاتب الدعوية من جهد مشكور ..(5/11)
فهؤلاء على خير عظيم وبالأمس كنت في المكتب التعاوني للدعوة بحي النسيم في الرياض وأطلعني الفضلاء هناك على جهودهم في حملة قاموا بها في شهر صفر تتحدث عن خطر السحر وقد من الله عليهم باستجابة كثير من الأُسر التي كانت في بعض البيوت سحرٌ معقود لا يعرفون ما هو ..وتوبة بعض التائبين والقبض على بعض السحرة بتعاون مع الأخوة الفضلاء في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا التكاتف ما بين المؤسسات الدينية في ظل دولة مباركة رعاها الله ينجم عنه ردع الباطل ورد أهله ، ومن أعظم الباطل والنكر والكفر البواح السحر .. أعاذنا الله وإياكم من ذلك .
الأستاذ معمر : من المسائل المُستجدة يا شيخ الآن انتشار القنوات المهتمة بأمور السحر ، السؤال الذي قد يطرأ على بال بعض المشاهدين أنه عندما يتنقل بين القنوات يقع على هذه القناة وبتالي يبقى بعض الدقائق لمعرفة حقيقتها لمعرفة ما تبث ، فهل نقول في هذا الوقت ينطلي عليه الوعيد المُترتب على ( من أتى كاهنٍ أو عرافاً ) ؟
الشيخ صالح المغامسي : إذا كان أتى للتصديق قد ينطبق عليه وإذا كان أراد أن يعرف خبثهم ويستطيع أن يرد عليهم بعد ذلك فلا حرج لكن لا يطيل ، وما ذكرناه من نفثه قبل قليل ..نفثت مصدور ..هؤلاء أئمة ضلال يدعون إلى النار عياناً بياناً ، لا يجوز لأحد أن يقرهم ولا يجوز للمسئولين في أي مكان أن يسهموا ولو بمثقال ذرة في تمكين هؤلاء ، وكل من له سلطان أو قدرة على منعهم أو إقفال قنواتهم فيجب أن يبادر ويفعل ..لأن هذا من أعظم النكر الذي يصرف الأمة عن عبادة ربها ومعرفة طريقها القويم .
الأستاذ معمر : أعود يا شيخ إلى آية الزخرف ..إن كان بقي بعض الإقتباسات التي يمكن أن نقتبسها من الآية .(5/12)
الشيخ صالح المغامسي : باقي الاقتباس في قضية الجدل .. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }الزخرف58 ، أنت ربما تلاحظ أخانا الحبيب ..أحياناً تُبتلى ببعض الفُضلاء يحاول فيما لا جدال فيه ..أما لأمر ليس ذي بال ..بدهي لكل أحد يتكلم بالساعات أو يلقي محاضرة بين المغرب والعشاء ..قد يقع في زلة لسان أو يقول كلمة أخرى غير مقصودة لم تُحرر اللفظة ..فبعض الفضلاء يشغل نفسه بها ..وحتى إذا أخبر المحاضر أنه لم يكن يقصدها حرفياً ولم يعتذر ..لكنه يبقى يأخذ ويعطي معك ، وبعض الناس ربما أشغلك بقضايا إما برسائل جوال أو رسائل بريدية حول قضايا أمرها واضح لو قرأها قراءة متأنية تأتي ..لكنه لا يبحث عن إجابة ..بعضهم يبحث عن قضية جدل ، والإنسان العاقل إذا رأى أن الذي يخاطبه ليس هناك مستوى متوافق بين العقل والعلم فلا يحسن الاستمرار لأنك قد أحياناً تأثم فتقول فيه كلمة تضره بها أو تستخف به فيقع في نفسك أنك أفضل منه تقواً وبراً وورعاً ، وأنت قد لا تكون كذلك ، وأني أرى في مثل هذا الترك .
وإن سفاهاً منك أن تُعلم جاهلاً *** فيحسبُ جهلاً أنهُ منك أعلمُ
متى يبلغ البنيانُ يوماً تمامهُ *** إن كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
والله يقول لنبيه {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً}الكهف22، من نظر إليك نظرة من يجلك ويريد أن يأخذ منك أعطه .. ومن كان تعلم أن عقله وعلمه ممكن أن تأخذ وأن تستفيد من خلال المحاور تحاور معه ، أما من كان لا يملك أبجديات العلم وفي نفس الوقت لا يعترف أنه لا يملك يريد أن ينازعك ويجادلك فلا هو بالذي شخصيته تؤهله للأخذ ولا هو بالذي أنت تستفيد منه ، فلا تقعان إلا في أثم ..فدعة ونصرف إلى غيرة وفي الترك إبدال.(5/13)
الأستاذ معمر : ننتقل إلى السنة ونقتبس من رحيقها شيءً ثم نعود إلى الآيات الكريمة، إذا أذنت لي أن نقف وقفتنا الأولى مع خطبة الوداع ..ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمّن هذه الخطبة كثير من العبارات ومن التوجيهات ..العبارة الأولى أقف مع قولة صلى الله عليه وسلم ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ؟) هذه العبارة كما تعلم لها مدلولات كثيرة وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى شيء من هذه المدلولات أو كل المدلولات ..أيضاً تكررت لمن تتبع التاريخ لبعض علمائنا المعاصرين ..تكرر مثل هذه العبارة ..الآن نورد بعض النماذج ..(5/14)
الشيخ صالح المغامسي : النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه حج في الإسلام إلا حجة الوداع وأختلف هل حج قبل البعثة أولم يحج وهل حج وهو في مكة أو لا ، فهو صلوات الله وسلامة عليه لم علم الناس أنه سيحج قدموا على المدينة زرافات ووحدانا ..لينالوا شرف الحج معه ، وفي حجته أنزل الله عليه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}المائدة3، فلما نزلت عليه هذه الآية شعر عليه الصلاة والسلام بدنو أجله وقرب رحيله وفراقه للدنيا لملاقاة ربه ، ولما مولئ قلبه شفقةً ورحمة أراد أن يودع الناس فكان يقول بين المقطع والمقطع في الخطبة ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) ولهذا سميت تلك الخطبة بحجة الوداع وسميت هذه الخطبة عند بعض العلماء بخطبة الوداع ..لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع الناس فيها ، وقد كان ما وقع ، وقع ما أخبر عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج من بعدها ..فقد مات عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع ، هذه الخطبة قال فيها صلى الله عليه وسلم ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) ..قلنا أنه فقه أن سيموت من خلال ما أنزل عليه ..اليوم أكملت لكم دينكم ..لان الأنبياء ما بعثوا إلا لتبليغ الدين فإذا كمُل فلا حاجة لبقاء النبي .. لأنهم أعدوا لشيء عظيم وقد فرغوا منه ..بلغوا عن الله رسالاته ونصحوا له في برياته ..(5/15)
أحياناً بعض الناس وطبعاً ليست بلازمة وهذي قضية مهمة ..وهي قضية أنه يشعر الإنسان بدنو الأجل وهي ليست بلازمة ..قد مات بعض الصحابة فجئه ، لكن بعض الناس قد يشعر بدنو أجله وسأذكر نماذج منها ما يكون الأمر ظاهر جداً مثلاً شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين .غفر الله له ورحمة معلوم أنه توفي في شهر شوال أضنه في عام ..1420أو 1421 لا أذكر الآن .. لكن الشاهد أن الشيخ رحمة الله تعالى عليه انتفعت الأمة كثيراً من علمه خاصة دروسه في الحرم المكي في العشر الأواخر ، وقد كان درسه الذي في عنيزه ربما لطلاب العلم ..ولمن يسكن عنيزه ، لكن في الحرم المكي يستفيد منه أكثر في الحرم المكي .. أعتاد الناس على دروس الشيخ سنين طويلة قرابة عشرين عام .فالذي أعرفه أن الشيخ بدأ من عام 1400هـ . بأمر من الشيخ أبن باز رحمة الله تعالى عليهما، في ذلك العام قد بلغ الشيخ من المرض مبلغاً في العام الذي توفي فيه في رمضان فكان يدرس من غرفه خاصة عن طريق الميكرفون فكان يقول لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا .. فقد وقع ما قال الشيخ رحمة الله تماماً في شهر شوال ..تغمده الله بواسع رحمته ..هذه قصة علم من أعلام الأمة في عصرنا.
ثمة قصص تقع لآخرين ..أنا أعرف رجلاً في المدينة ..كان له طلاب ..طلابه هؤلاء قليلون جداً .. الشيخ هذا عالم جليل لكنه غير مشهور ..الذي يعنينا من القصة ..أن أحد الطلاب الخاصين له أستأذنه للسفر لمدة أسبوع ..فقال الشيخ ما يصلح أن تذهب أسبوع ، قال الطالب لماذا ؟ قال أنا أضمرت أو كتبت أنك ستقوم بتغسيلي وتكفيني ودفني وأنا بعد أسبوع غير موجود !!.. فقال الطالب إذاً أذهب أربعة أيام .. فكأنه قال ..يومان .. طبعاً الطالب هذا رجل فاضل وأعرفه مدرسة ..وهو الذي أخبرني بالخبر .. فالسند متصل ...(5/16)
فأخبرني بالخبر وأنا أعرف الشيخ رحمة الله تعالى عليه فذهب الطالب الفاضل يومان ، فلما عاد أظنه في اليوم الثالث مات الشيخ !.. وفعلاً قام هذا الرجل الفاضل بتغسيله وتكفينه ،.
أحد المشائخ هنا في الرياض يعمل قاضياً.. أخبرني بنفسه .انه ذات مره جاءه رجل من أحد الدول العربية ..وكان هذا الرجل شاهد لقضية شخصية بنزاع بين أثنين وهو أحد الشهود لكن أحد الخصمين لم يأتي ... فاعتذر الشيخ .. وأنه جرت العادة في الإجراءات النظامية أن ترفع القضية حتى يأتي طرفي القضية ، فالرجل قال : دون شهادتي الآن فأنا أريد أن أسافر ، سأموت بعد ثلاثة أيام وأريد أن أموت عندي أهلي في بلادي .. طبعاً الشيخ لبيب وعاقل وله فراسته ..هون على الرجل ..لكن الرجل أخبرة ربما رأى رؤيا لكن لم يخبره بالسبب .. مع يقيننا بأن الموت غيب المهم الرجل القاضي الفاضل قبل أن يدون الشهادة ..وذكر في الحجة الذي دفعة ليدونها أن الرجل مسافر ويصعب بعد ذلك الإتيان به ..طبعاً لن يكتب أن الرجل سيموت ، ذهب الرجل ..مجمل القضية أن الرجل تحقق القاضي وفقه الله بأن الرجل فعلاً مات بعد ثلاثة أيام ، ذهب إلى بلادة ورجع صلا صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم ، تعب بعد صلاة العصر أدخل المستشفى ..صلاة العشاء كما قال توفي .رحمة الله تعالى عليه وغفر الله لنا وله ولأموات المسلمين .(5/17)
موضع الشاهد ..أنه أحياناً قد يقع في القلب ..فيكون هناك إشارات يراها المرء وهذا يعينه على تجديد التوبة وينفعه لكن الإنسان يكون لبيب عاقل .. بمعنى أن الإنسان يكثر من عمل الخيرات والطاعات لأن الإنسان لا يدري وهذه الإشارات لتعني أن الميت عرف بتحديد يبقى الموت غيب {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }لقمان34 ، وكم من أحد توقع أن يموت قريباً ولم يمت .. الذي يعنينا من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم فقه قرب الأجل ودنو الرحيل من قول الله تعالى له {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3 ، لكن أنبه أحياناً يتلقى الإنسان خبر مفجع وهو في حالة مرضية يعني يصل الإنسان إلى ذروة النشوة الحياتية الاجتماعية ..يعني يكون في مجلس سعيداً راضياً خالي البال ..فيأتيه خبر مفجع ..هذا قد يُحدث ردة فعل عكسية يصيب الإنسان خوف ورهبة فينجم عنها الخوف من الموت ..وكلاما قرأ شيئاً أو سمع آية ظن أنها إشارة بقرب الرحيل وهذا يحدث كثيراً وقد وقع لناس أعرفهم .. فلما يأتي يستشير ننبهه وندله على طبيب نفسي ..لأنها زي الزكام ..علاج يؤخذ ..حلاً ..
أحياناً يدخل المسجد يقرأ الإمام قدراً ..( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) .قال هذا إشعار واضح ..ثم يجلس يعيش شهر شهرين ثلاثة ثم يدخل المسجد ويقرأ الإمام ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }الزمر30 ) فيقع في نفس القضية طبعاً هذا مرض ..غير الإشعار الأول ..الإنسان يكون عاقل لبيب لا يظلم نفسه .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخ عبد الله ..يسأل عن الدعائم التي تعين على حفظ كتاب الله عز وجل .(5/18)
الشيخ صالح المغامسي : حفظ القرآن منقبةٌ عظيمة لأنه جاء في وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن أناجيلهم في صدورهم ..والله جل وعلا قال {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } العنكبوت49، قد أدركت بعض الأكابر وقد سئل عن أعظم أسباب حفظ القرآن . فقال .جواباً ترتعد له الفرائص ..قال لمن سأله قم به في الليل تحفظه في النهار ، فقيام الإنسان بالليل بتلاوة القرآن أعظم معين على حفظه ..تدعمه آية المزمل ..
ثم إن الإنسان يرى في نفسه الأوقات يكون فيها قادراً على أن يستقبل أكثر ذهنياً وقلبياً ..فيتوخى هذا .. الأنفس تختلف في حفظ القرآن ..الانصراف إلية إلى كلام الله لان كثرة الصوارف والاشتغال بالدنيا أكثر من اللازم لابد أن يصرف عن حفظ القرآن ، هذا ما يمكن أن يقال عن حفظ القرآن ..مع سؤال الله جل وعلا أن يمن علينا بحفظ كتابة .
الأستاذ معمر : محمد يسأل عن الجمع بين قولة تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً..).الآية البقرة) وآية النازعات ({وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }النازعات30) ؟
الشيخ صالح المغامسي : المستقر في تفسير هذه الآية عند العلماء أن الله جل وعلا خلق الأرض أولاً في يومين ..ثم أبقى شيئاً من خلقها ..ثم قال ربنا في سورة البقرة (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ) أستوى إلى بحرف الجر إلى ..أي قصد ..فاستوى إلى السماء فسواها في يومين وأكمل خلقها ، ثم إنه جل وعلا أكمل خلق الأرض ..ولهذا قال في النازعات ({وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }النازعات30) ولم يقل خلقها وإنما أكمل خلقها جل جلالة ..فهذا الذي عليه أهل العلم من المفسرين وهو المنقول عن حبر الأئمة أبن عباس رضي الله عنه ، وقد سأله معاوية هن هذه المسألة ..ضربتني أمواج القرآن الليلة ..معاوية يقول .. وسأله أسأله منها .. أيهما أسبق خلقاً ..فقال أبن عباس ما نقلناه عنه آنفاً .(5/19)
الأستاذ معمر : راشد يسأل عن تدبر القرآن.
الشيخ صالح المغامسي : هذه منقبة عظيمة والله جل وعلا يقول .. {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24 ، تدبر القرآن منزلةً جليلة تؤدي بالعبد إلى أرفع الدرجات ..والله لن يسود أحد لم يتدبر القرآن وإنما الرقي في درجات المجد الديني والدنيوي ..لن يكون إلا بتدبر كلام الرب تبارك وتعالى ، وهذا مسألة تطول ولو أضمرنا أنا وأنت أيها المبارك عن تخصيص حلقة عن تدبر القرآن ..ونذكر نماذج كيف تدبر الناس القرآن ..أفضل ..لأنني أُجل كتاب الله أن أجيب عنه عوضاً عن هذه الآية .
الأستاذ معمر : ما دام الحديث عن التدبر يا شيخ أعود إلى مسألة سابقة وهي أن بعض الناس يحمل الآيات على وصفة الشخصي ..كما قلنا في دنو الأجل ، من وجهة نظر أخرى ..ألا يمكن أن يكون في ذلك تدبر للقرآن ..بمعنى.. عندما يسمع في قراءة الإمام عندما يقرأ قولة تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }الحديد16 ، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ )..الآية }الزمر53 ، ألا يحسن به أن ينزل هذه الآيات على وصفه وعلى ما هو فيه ؟
الشيخ صالح المغامسي : هذا جيدٌ حسن ، لكن نلحظ مسألة مهمة .. إذا أنزلها على نفسه فنجم عن ذلك عمل فقد فعل خيرا ، لكنه إذا أنزلها على نفسه وقد نجم عن ذلك خوف أو اعتقاد بحصول شيء فقد أخطئ خطأً عظيماً .(5/20)
يعني يأتي يكون مرتب مثلاً رجل رتب أن زواج أبنه غداً ..وأصابته الرهبة والخوف ، فدخل المسجد قدراً قرأ الإمام (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) فقال ما فيه زواج والإنسان يستعد لأخرته فأطاعه أهل البي ،.لم يمت !... هذا ليس بمقبول ، لكن لو أخذ (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) وحملها على العمل للآخرة ..إن كان قد بيت أن في الفرح غناء ومزامير وأمور محرمة تركها إن كان قد بيت أمر سوء في حفلته تركها ..إن كان أسرف في طعام أو غيره تركهُ ..
هذا الذي ينبغي أن ينعكس عملاً .. وهذا لا خلاف أنه لابد أن يقع في كل آنٍ وحين .
الأستاذ معمر : جيد .. إن أذنتم يا شيخ نستمر قليل فيما يتعلق بالسنة قصة المسيح الدجال وردت بها الأحاديث الصحيحة أشرنا إليها إجمالاً في بعض الحلقات .. الذي أريد أن أعرضه على فضيلتك في هذه الحلقة مسألتين :- الأولى : أن تعلم يا شيخ أن الفتن كثيرة سواءً قديماً أو حديثاً وردت النصوص أن فتنه المسيح الدجال هي أعظم فتنه السبب أو التعليل لكونه أعظم فتنه.(5/21)
الشيخ صالح المغامسي : كانت فتنه المسيح الدجال أعظم فتنه لعظيم ما صدفت عنه نحن نعلم جميعاً أنه لا توجد غاية خلق الإنسان من أجلها أعظم من عبادة الله ({وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56) فما بعث الله الرسل وأنزل الكتب ونصبت الموازين وأقيمت الدواوين وقام سوق الجنة والنار إلا ليعبد الله وحده دون سواه فمن نازع الله في هذا الأمر العظيم هلك وتعظم الفتنه كلما أنصرف الناس عن عبادة الله نحن ندرك جميعاً أن هناك فتن عظيمه مرت على البشرية وفتن أخذت ألوان وأضرب عدة , لكن الدجال أتى بأشياء أعطاه الله إياه الله قدراً فتنه الناس يصد الناس عن ربهم جل وعلا وفرق تصدهم عن دينهم قد يقع لكن هذا يزعم أنه إله ومما أوتي أنه يأمر السماء تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت ويمر على القوم المؤمنين لا زرع عندهم ولا ضرع فتنبت أرضهم وتنتج أغنامهم وهذه كل من رآها فتنه ويمر على القرية لا يكلف على أحد ممن معه أ يحفر عن كنوزها والناس اليوم كم يتكلفون سفراً وغدواً ورواحاً عن كنوز الأرض وتقرأ وتسمع من يجوب الديار وهذا يمر على القرية الخربة فتتبعه كنوزها تطير طيرناً في الفضاء كعسيب النحل أي كذكور النحل فلما يراها الناس يذهلون فعندما يزعم أنه اله يقع في قلوب المرضى أنه اله فيكون ذلك صارفاً عن تعظيم الله حتى توحيد الربوبية يخرج الناس عنه لأنهم يظنون أن هذا هو الله عياذاً بالله هذا الأمر جعله فتنه حتى إنه لما يأتي إلى العشاب عندما يخرج إليه من أهل المدينة فيفرقه فرقتين يقول صلى الله عليه وسلم ( إنما بينهما رمية الفرض ) رمية الفرض الإنسان يتخذ عرضاً مرمى فيرميه بسهم فيكون هناك مسافة مابين وقوفك وما بين ما ترميه فهو يأتي بذلك الشاب فيقطعه قطعتين قطعه هنا وقطعه هناك ويمشي بينهما ثم يحييه ثم يقوم ينتصب قائماً فيزداد الناس فتنة فيه ولهذا عد الدجال من أعظم الفتن ولهذا لما فقه الأنبياء(5/22)
ذلك عليهم السلام قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من نبي إلا وحذر قومه من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين )
الأستاذ معمر : يا شيخ قبل أن نغادر مسألة المسيح الدجال هناك من الأشياء التي تشكل على الناس ما يتعلق أنه ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه لا يدخل مكة والمدينة ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ( رأيته في المنام عند الكعبة ) .. كيف نجمع بين هذين الخبرين ..
الشيخ صالح المغامسي : الخبران صحيحان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( وأرني عند الكعبة فأريت رجل أدم أي يميل للسحرة قليلاً كأحسن ما يكون من أدم الرجال له لمه تضرب إلى منكبيه وهو يضع يديه على منكبي رجلين قلت :- من هذا ؟؟ قالوا :- المسيح أبن مريم . ورأيت رجلاً يطوف جعداً قططا أي أنه يكثر تجاعيد شعره أشبه ما يكون ابن قطر رجل من خزاعة مات في الجاهلية فقلت :- من هذا ؟؟ قالوا :- المسيح الدجال ) هذا خبر ثابت رواه ابن عمر في الصحيحين أشكل على العلماء هذا الحديث مع ما ثبت في صحيح الأخيار أن الله حرم على الدجال أن يدخل مكة والمدينة . الإجابة عن هذا قال العلماء فيها ثلاثة أقوال سأذكرها سرداً ثم أرجحها قال قوم أن كون النبي صلى الله عليه وسلم يراها في الرؤيا لا يلزم من الرؤيا في المنام أن تكون في عينيها في الظاهر واستدلوا على ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه أعطى قدحاً من لبن فشرب فخرج الري من أظافره ثم أعطي فضلته إلى عمر قيل يا رسول الله بما أولتها قال بالعلم واخبر صلى الله عليه وسلم أنه رأى من الرجال قمص منهم من قميصه إلى ثدييه ومنهم من قميصه من أدنى ورأيت عمر قميصه طوال فقال :- يا رسول الله ما أولته ؟ قال :- الدين من هنا هذه الأمور لم تقع على ظاهرها , هذا التخريج الأول .(5/23)
التخريج الثاني أنهم قالوا كون الدجال يُرى عند الكعبة هذا قبل خروجه وإنما حرمت عليه مكة والمدينة باعتبار رؤيا الأنبياء حق بعد خروجه وهذا القول مال إليه الحافظ ابن حجر .
القول الثالث احتجوا برواية مالك عن نافع عن ابن عمر ليس فيها ذكر انه يطوف بالكعبة فإذا نظرنا في هذه الأمور الثلاثة أما الأخيرة رواية مالك عن نافع عن ابن عمر انه ليس فيها هذه لا تنفي رواية الصحيحة الأخرى لأنه ثبت في رواية صحيحة وهذا يكفي مثلاً في رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر انه يطوف على الكعبة مادام ثبت في الرواية الصحيحة الزيادة هنا مقبولة .
الأمر الثاني الذي ذهب إليه الحافظ ابن حجر محتمل لكن أرجحها هذا والعلم عند الله القول الأول وهو أن رؤيا المنام لا يلزم أن تقع بعينها في الظاهر يعني لها تفسير غير ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء ..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح نعود إلى قبسات من القران الكريم نقف مع أيه في سورة النساء (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) إن أذنت كالمعتاد نقف وقفات لغوية وفقهيه وإيمانيه الوقفة الأولى مع لفظة الأم وان كنت أود أن تكون كل حلقاتنا في الأم ولن نفيها حقها لكن وقفة يسيره وسريعة الفرق بين لفظه أم ولفظه والدة البعض يقول أمي والبعض يقول والدة هل هناك فرق لغوي ؟؟(5/24)
الشيخ صالح المغامسي : كلمة أم في أصلها تقع في إزاء الأب يعني أب أمي واصلها تطلق على الوالدة المباشرة وغير المباشرة الوالدة المباشرة من ولدتنا والوالدة الغير مباشرة هي من ولدت من ولدتنا كالجدة ولو قال لجده أمنا لأنها كلنا منها أم هذا الأصل قال الخليل فيها ضابطاً جيداً في معناها التوسعي المجازي يقول ( كل شيء ضم إليه ما حوله يسمى أم ) على هذا المعنى الذي قاله الخليل جاءت كلمة أم في القران على معاني عدة على الوجه التالي جاءت بمعنى الأم الوالدة كأيه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ) وجاءت بالأم المرضعة وفيها وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم هذه ليس المقصود فيها الأم الوالدة المقصود بها الضئر المرضعة تسمى ضئر وجاءت بمعنى مكة (أُمَّ الْقُرَى) وجاءت بمعنى أصل الشيء (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) وجاءت بمعنى المال والمنقلب قال الله جل وعلا ({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }القارعة9) وجاءت بمعنى أمهات المؤمنين وهن غير والدات لنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما أذكره الآن في قضية مجيبي كلمة أم في القران وجاءت بمعنى الفاتحة (أُمُّ الْكِتَابِ) هذه معاني كلمة أم في القرآن كما قلت أم الشيء ضابط الخليل ( كل شيء ضم إليه سائر ما حوله يسمى أم )
منها قول الله تعالى (لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
الوالدة هي التي ولدتنا مباشرة فقط ولا يقال للأم المرضع أنها والده
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : سؤال بندر يسأل عن حديث أبي هريرة عندما أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يوتر قبل أن ينام ؟(5/25)
الشيخ صالح المغامسي : هذا من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي تناسب حال أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه والمسألة فيها عزيمة وفيها غير ذلك أما العزيمة فإن الإنسان إذا كان يغلب على ظنه أمنه لا يستطيع أن يقوم فيوتر قبل أن ينام وهذا ما يتوخاه النبي صلى الله عليه وسلم في أبي هريرة فكان أبو هريرة يأخذ بها ويوتر قبل أن ينام تكتب له قيام بحسب ما قام ...
ونقول للأخ الكريم ما فعلته حسن وخير منه أن تتخذ لنفسك وقت أن تقوم فيه آخر الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ( صلاة الرجل في جوف الليل الآخر ) أما إن غلب على ظنك أنه يصعب عليك أن تقوم في آخر الليل فبقى على ما أنت عليه فأنت على خير عظيم ..
الأستاذ معمر : أبو محمد يسأل عن سورة النور (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ) لم يرد فيها أو زوجاتكم ..
الشيخ صالح المغامسي : هو ورد فيها بيت الرجل نفسه والزوجة تبع لزوجها لكن يجب أن تحرر مسألة في قضية زواج المسيار ،، زواج المسيار عندما نقول بجوازه يقوم على ما يلي : لله جل وعلا أعطى الزوجة حقوقاً فمن حقها أن تسكن كما يسكن زوجها كما دلت عليه سورة الطلاق فالسكنى باعتبار سكنى زوجها كل بحسب حاله إن كان فقيراً بحسب حاله وقبلت به وإن كان غنيا بحسب حاله ..هذا الحق إذا أردت المرأة أن تتنازل عنه برضاها وقبلت تبقى مع أبويها في حسب ما يتفقان عليه فكل الناس على قائمة إن كانت تملك حقاً فتنازلت عنه فمن هنا قال من يقول بجواز المسيار ليس له علاقة بأركان العقد فأركان العقد قام على إيجاب وقبول وشاهدين وولي وتم الأمر وهذا حق لها تدرأ مفسدة أكبر وهي أن تبقى بلا زواج فقبلت به أما كونه يشاع ويذاع هذه تختلف الظروف الاجتماعية من حال إلى حال ولا أحب أن أخوض فيه ..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح كأني أفهم من كلامك أنك تبيح زواج المسيار لكن مسالة الإشهار ...(5/26)
الشيخ صالح المغامسي : أنا أقول من يقول بجوازه يقول كذا ..بنفس الشيء أنا لا أقول بتحريم زواج المسيار( لكن في المسالة الأولى رجحت )أحب أن أتجنب الخوض في القضية ..
الأستاذ معمر : طيب يا شيخ مسالة الإشهار يكثر فيها الخلاف هل يشهر في أسرة الزوجة من باب الإعلان أو يكتفي بتوفير الأركان الولي والشاهدان فقط ..
الشيخ صالح المغامسي : الشاهدين يتم بهما العقد أنهم سمعوا فلان زوج ابنته الإيجاب والقبول والولي والزوج هذا يكفي لإكمال العقد لكن الإشهار لا يكفي لكن لا نستطيع إن نقول إنه ركن لكن الشاهدان كافيان للركنية لكن الإشهار لابد أن يعلم من حولهم من الناس .
الأستاذ معمر : الأخ سلمان يسأل عن حديث وصف الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت والنبي صلى الله عليه وسلم رآها في ليلة الإسراء والمعراج ..
الشيخ صالح المغامسي : الجمع بينهما .. لله جل وعلا أخبر عن أشياء في الجنة وكونه أخبر عنها ولله جل وعلا لا يقول كل ما في الجنة مالا عين رأت يعني مثلاً جاء إنسان وقال في الجنة رمان ..والله قال في الجنة رمان فيقول كيف الله يقول ولا خطر على قلب بشر ..فيه أشياء أخر لا تخطر على قلب بشر .
لكن ما أخبر لله عنه أو رآه النبي صلى الله عليه وسلم ..بقيت أمور أخر في الجنة لم تراها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على قلب بشر يعي قول فيها لا يعني قول كل ما فيها هذه نقطة مهمة يعني فيها مالا عين رأت نعم ..ولا حتى النبي صلى الله عليه وسلم رآها والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرى الجنة كاملة لكن رأى أشياء وأخبرنا عنها وأشياء اخبرنا لله من قبل عنها يعني لا يوجد تناقض لكن السؤال يدل على ذكاء السائل بصراحة مؤهل بان يطلب علم التفسير..
الأستاذ معمر : أطلاق لفظ الأم على الأمة الإسلامية ؟(5/27)
الشيخ صالح المغامسي : لا ..هذه معاني كلمة امة ليس له علاقة بكلمة أم كلمة امة في اللغة جاءت بمعنى المدة الزمنية (إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ) وغير ذلك من المعاني ..
الأستاذ معمر : شذا تسأل عن قوله تعالى (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) والآية الأخرى (إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ) ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : المعنى هنا إن من كتب الله عليه أن يموت كافر فاسق بأنه لا يمكن أن يهدى لأن كما قالت هي أجابت بنفسها بعض الناس يكون كافر ويسلم كأكثر الصحابة ..
(وحديث بحسب أبن آدم لقيمات ..)
هذا في باب القناعة لكن العلماء يحتجون بحديث أبي هريرة لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اللبن قال والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً وهذا معناه أنه شبع وارتوى لكن الأحوال تختلف فالإنسان قدر الإمكان يوطن نفسه أن لا يصل إلى مرحلة الشبع التام .
الأستاذ معمر : أيضا يا شيخ طرحت مسالة مهمة وهي تقول أن الطائفة المنصورة التي ذكرت في الحديث أنها في بيت المقدس .
الشيخ صالح المغامسي : سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أين هم قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أجيب بجواب أن من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو من الطائفة المنصورة أما قول النبي صلى الله عليه وسلم هم من البيت المقدس وأكناف بيت المقدس يتكلم عن حقبة تاريخية سيكونون هم فيها وأظن هذه الحقبة حقبة خروج الدجال في آخر الزمان . مع أن يجب أن أثني خيراً على إخواننا الموجودين الآن في بيت المقدس المرابطين في الثغور القائمين بمجاهدة العدو والقائمين بالبقاء في الأرض حتى تبقى ولهم جهود عظيمة نصرهم لله حيثما كانوا ..(5/28)
الأستاذ معمر : نعود إلى آية النساء (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ) المتتبع يا شيخ لتعليلات الفقهاء في مسائل الرضاع أحيانا يقول لأنه صاحب اللبن ..المراد بهذه العبارة ؟ أيضا نحاول أن نربط العبارة بين الأم والأب في مسألة التحريم ؟
الشيخ صالح المغامسي : أيها المبارك تأمل التالي لن يكون رضاع حتى يكون ولادة ولن يكون ولادة حتى يكون حمل ولن يكون حمل حتى يكون ولوج والزوج هو المتسبب بقدر الله في الحمل والحمل نتج عنه الولادة والولادة نتج عنها در اللبن إذاً من الذي تسبب في در اللبن ؟؟الزوج هذا الزوج الذي تسبب في هذا اللبن الذي ولد من هذا الحمل هو أبوه قطعا والذي رضع من هذا اللبن من غير من ولد آخرون رضعوا من منهم يعتبرون أبناء لهذا الرجل لأن المتسبب في اللبن نشأ عنه الحمل الذي نشأ من الجماع ..فهذا الرجل يصبح أباً لأنه المتسبب في ذلك اللبن حتى لو شربت منه قبيلة كاملة طبعا لا يقع هذا لكن هذا يصبح والد لهم لكن الآن ما الإشكال الذي يأتي ..
يأتي مثلا رجل أسمه سالم ورجل اسمه احمد فأحد أبناء أحمد رضع من زوجة سالم هذا الذي رضع نفرض أن أسمه زياد هذا زياد أخو لكل أحد رضع من زوجة سالم ويصبح سالم هذا أبوهم لأنه المتسبب في اللبن لو كان لسالم أبناء من زوجة أخرى فهم إخوان له لأن الأبوة واحده أما أبناء أحمد الآخرين الذين لم يرضعوا من زوجة سالم لا علاقة لهم بالموضوع لأن ما أحد منهم يرضع من الأخت .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح نعود إلى مسألة السيرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم معلوم إن النبي صلى الله عليه وسلم رضع من أم ورع من غيرها لعل نشير لهذه المسألة ..
الشيخ صالح المغامسي : بما أننا في الرضاع ..فالنبي صلى الله عليه وسلم رضع من أمه آمنة بيت وهب وأرضعته ثويبه مولاة أبي لهب وأرضعت معه أبا سلمة عبد لله بن الأسد إذاً النبي صلى الله عليه وسلم من أخوته من الرضاع ؟؟(5/29)
أبو سلمة أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع لأن كلاهما رضع من ثويبه من لبن أبنها مسروح أي اللبن الذي كانت تدره على ابنها مسروح ..هذه رضاعه
ورضع من حليمة السعدية وأرضعت معه أبا سفيان أبن الحارث فأصبح أبو سفيان ابن الحارث من أخوة النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة من حليمة ..في نفس الوقت حمزة رضي الله عنه أخو للنبي صلى الله عليه وسلم من جهتين كيف ؟! حمزة رضع من ثويبة ورضع من أمراه سعدية جارة لحليمة هذه الجارة ذات يوم رضع النبي صلى الله عليه وسلم منها فأصبح حمزة أخ للنبي صلى الله عليه وسلم بلبن هذه المرأة ولبن ثويبة التي أرضعته مع أبنها مسروح هذا ما يتعلق برضاعته صلى لله عليه وسلم..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح بحدود دقيقة قبل أن انتقل للمحور الأخير بما يتعلق في الآيات لمتتبع لها غلظت حق الرضاعة وبينت أهميته على أن الناس يتساهلون فيه ..
الشيخ صالح المغامسي : هذا منهج الإسلام العظيم بأن هناك حقوق يجب أن تغلظ كون الإنسان يرضع من امرأة هذا يضاعف لها الحق ويكفي بأن الإسلام جاء بأن تقوم به الحرمة ويصبح يستطيع أن يدخل عليها ويصبح محرمة لها صحيح أنها لا ترثه ولا يرثها لكنه هذا من دلائل أن هناك أمور جاء بها الإسلام تعظم الحقوق التي بني عليها كحق الجوار وحق الصداقة حق المعروف الصحبة في السفر هذه كلها حقوق جاء بها الإسلام المؤمن الحق الذي يعرف الين وما جاء به يعرف تلك الذمم وتلك الحقائق ويقوم بها على الوجه الأكمل والنحو الأتم ..
الأستاذ معمر : إذاً نختم يا شيخ بقول لله تعالى (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ }النور40 ) نعلق عليها من النواحي الإيمانية وتكون هي بإذن الله ختامنا ..(5/30)
الشيخ صالح المغامسي : هذه أيه عظيمه نختم بها (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) هذا نور بصيرة يعطيه الله جل وعلا من يشاء من عباده يقذفه في قلبه فيوفق للخيرات فيباعد عن المعاصي والسيئات هذا النور سأله الرسول صلى الله عليه وسلم ربه كما جاء في دعاءه صلى الله عليه وسلم . والمؤمن الحق يسأل ربه دائماً وأبدا أن يهبه نوراً من عنده لأن أسباب التوفيق مقاليدها وشأنها بيد الرب تبارك وتعالى فإذا انتفى ذلك النور الذي يؤتاه العبد من الله انتفى بأكمله لأن الله يقول (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) وكم من الناس درسوا في ارقي الجامعات ويحفظون العديد من الكتب ويتقنون العديد من اللغات ومع ذلك إذا رأيت طريقهم وسلوكهم رأيت شيئاً يغبنك لأن لله تعالى حرمهم نوراً من عنده وكم من أقوام ربما أحدهم لا يستطيع أن يكتب أسمه وترى معالم التوفيق والهداية إلى أكمل طريق قائمة إلى نفسه لأن لله تعالى خصه بالنور والسرائر إذا صلحت والنوايا إذا صفت والإنسان إذا برئ من انه ظلم العباد وفق لكثير من الخير ولعل الوقت لا يسمح بأكثر من هذا لكن نقول نسأل الله نور وسلطانا من عنده إن ربي لسميع الدعاء
.
الأستاذ معمر : أحسن الله لكم معالي الشيخ وشكر الله لكم في نهاية الحلقة أتقدم باسمك وباسم فريق العمل بالشكر للإخوة والأخوات الذين تابعوا على البث الإسلامي أيضاً على موقع المسك وهذه الحلقة أتت صوت وصورة كما ذكر الإخوان أيضاً نشكر جميع المواقع التي أعلنت عن الحلقة وأيضا بعض الكليات أعلنت عنها ..
الشكر الجزيل للمشرف عبد الرحمن سالم ولجنة الاختيار أيضا الأعضاء والعضوات الذين أسهموا كثيراً في رقي البرنامج حتى أصبح له الصدارة بين منتديات الصفوة أسال الله عز وجل أن يرزقنا جميعاً الإخلاص أبارك جائزة التميز لهذا الشهر لأختنا الكريمة) أسرة الرميصاء((5/31)
بالنسبة لسؤال الشيخ كانت من نصيب :: صافي النية ....والواكي ...والمحبة للخير ، أترك ختام الحلقة لضيفنا ثم أعود إليكم.
الشيخ صالح المغامسي : أبارك للأخت أسرة الرميصاء وأظن هذه مرة أخرى ..أظن أنها فازت قبل ذلك على تميزها أبارك لها وأسال لله جل وعلا أن يوفقها لكل خير كما أبارك للإخوة الفائزين بجائزة الشهر أما بالنسبة للجوائز حتى لا يكون هناك لبس نحن سنوقف الجائزة لهذا الشهر يعني لا يكون هناك سؤال الحلقة لكننا نقول إن الإخوة هؤلاء الفائزين الثلاثة والذين سبقوا سنحاول قدر الإمكان أن نقيم حفلاً يسيراً نكرمهم من خلاله فإن تعذر هذا نتعهد بأننا سنوصل جوائزهم إليهم شاكرين لهم تجاوبهم ..شاكرين للإخوة في المنتدى القطوف الدانية جهودهم شاكراً لك أستاذ معمر والإخوة الأجلاء في منتدى وعلى رأسهم أخينا المبارك الشيخ عبد الرحمن سالم والإخوة أعضاء اللجنة وأسأل الله أن يوفق الجميع وأنا أقدر كثيراً هؤلاء الفضلاء الذين يقومون على منتدى القطوف الدانية وعلى منتدى محاسن التأويل الأخ الأسيف ومن معه الذين يقومون بهذا الأمر ولساني قاصر عن شكرهم فأسال الله أن يثيبهم .
الأستاذ معمر : شكر الله لكم شيخنا ..الشكر موصولاً لكم أيها الأحبة على طيب متابعتكم لهذه الحلقة يتجدد اللقاء بكم في حلقة الشهر القادم إلى ذلكم الحين أبقوا في حفظ لله ورعايته أستودعكم الله ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...........
تم بحمد الله وتوفيقه وعونه
***(5/32)
حلقة القطوف الدانية لشهر محرم 1427 هـ
الأستاذ معمر : بسم الله الرحمن الرحيم
لقد كانت الهجرة تاج على رؤوس الأعوام وشامة في جبين الأيام غيرت مجرى التاريخ وأسست مجتمع جديد كُتب له أن يقود العالم بعد ذلك.الهجرة لفظ ذو أحرف معدودات. وكلمة ذات معاني شامخات.أتفق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على جعلها الحدث الذي به يؤرخون وإليه يفيئون.و به على سائر الأمم يفخرون.صاحب الهجرة هو محمد صلى الله عليه وسلم.والمكان المهاجر إليه هو المدينة النبوية ..وضيفنا في هذا البرنامج هو أحد أبناء هذه المدينة المباركة.فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كلية المعلمين بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ...قبسات من الهجرة هو موضوع هذه الحلقة وهو موضوع حوارنا بإذن الله تعالى ...
وأستأذنكم وأستأذن المشاهد الكريم أن تكون هذه الحلقة لها طبيعة خاصة وهي لا تحتمل أن تجزأ إلى محاور لكونها حدث تاريخي جعلها الله عز وجل سبب لتغيير مجرى التأريخ إذا أذنتم لي يا شيخ في البداية أن نتتبع كتب السيرة ..كتب التأريخ ..كتب الحديث لنعرض هذه السيرة مجملة ثم بعد ذلك أستأذنكم بإدخال بعض المحاور وإضفاء ما يمكن أن نضيفه في هذا الموضوع ..
الشيخ صالح : بسم الله والحمد الله والصلاة على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه أولاً :أسأل الله لنا ولكم ومن يشاهدنا بالتوفيق ...(5/1)
نقول أصلاً الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث محبب إلى قلب كل مؤمن ومؤمنة والسيرة العطرة والأيام النظرة له صلوات الله وسلامه عليه فيها من البلسم الشافي العذب لكل مؤمن عرف الدين وعرف مكانة هذا النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه ، وما الهجرة إلا حلقة ضمن حلقات عديدة من حلقات جهاده وبذله صلوات الله وسلامه عليه في التعريف بربه جل وعلا فالأنبياء جملة إنما قضوا أيام حياتهم ..وأفنوا أعمارهم ..في التعريف بربهم جل جلاله ..وهو النبي الأعظم كان أعظم من عرّف بالله ودعا إليه صلوات الله وسلامه عليه ....(5/2)
نقول الهجرة منظومة أو حلقة من حلقات عدة ...هذا النبي الكريم ولد وقد مات أبوه وهو حمل مرتهن في بطن أمه ثم تعلق بأمه كأي طفل ..مضت الأم قبل أن يتم ذلك التعلق ..ثم آل الأمر إلى الجد ثم مات الجد قبل أن يألف الحفيد جده ألفاً كاملا ..ذلك خطوات حتى لا يتعلق إلا بالله تعلقاً كاملاً ..ثم تكون البعثة وتكون النصرة من أبي طالب فما أن يشتد تكالب الأعداء عليه يموت أبو طالب ..تبقى خديجة رضي الله عنها تنافح وتكافح كحصن داخلي ...تموت خديجة ..ثم تتوالى الأحداث ..تكون رحلة الإسراء والمعراج ..قبلها كان الذهاب إلى الطائف ..كل هذا يكرمه الله جل وعلا بأنه يملي أو يعطي دعوته عليه الصلاة والسلام للوفود التي كانت تقدم للحج ..يكتب الله لأهل المدينة أن يأخذوا عن نبي الإسلام يؤسسون داراً في المدينة وهذا التأصيل العلمي الآن ...مهم جداً فيما سيأتي .. يؤسسون مجتمعاً في المدينة لكن هذا المجتمع يفتقد إلى القائد وهو النبي صلى الله عليه وسلم ..يأتي الإذن لسائر المسلمين القادرين أما هو عليه الصلاة والسلام لم يأتي بعد الوضع بنسبة له كان معلقاً...من جملة من يريد الهجرة أبو بكر رضي الله عنه مادام الأمر مأذون به لسائر الصحابة فأبو بكر من باب أولى ..فيأتي أبو بكر رضي الله عنه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم يطرح عليه فكرة أنه يريد أن يهاجر , فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد أخذ أمراً بيناً من ربه أن أبا بكر سيكون صاحبه فهو يطمع أن يكون أبو بكر هو صاحبه في الهجرة .. وفي نفس الوقت لا يريد أن يعلق أبا بكر بأمل عظيم ثم يعتذر إليه , وفي نفس الوقت لا يريد أن يحرم أبا بكر من هذا الشرف لأنه أعظم الناس قدراً من الصحابة .. فما بين هذين قال له : على رسلك لعل الله أن يجد لك صاحباً . ففهمها أبو بكر , فاستأجر واشترى راحلتين وأخذ يعلفهما في داره .. ثم مكث ينتظر ..(5/3)
على النطاق القرشي كان القرشيون يتسامعون أن المدينة أضحت معقلاً ينتظر المسلمين الذين في مكة .. فلما تكاثر عليهم خبر انتقال المسلمين إلى المدينة اجتمع في دار الندوة التي يجتمع فيها عقلائهم وقرروا طرح الآراء .. ومن جملة الآراء التي طرحت واتفق عليها أن يقتل هذا النبي وينتهي الموضوع , وحتى لا تجتمع بنو هاشم عليه ويتفرق دمه اخذوا من كل قبيلة شاب جلد وأعطوه سيفاً .. أتوا تلك الدار .. عندما أتوا تلك الدار كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أتاه الإذن من السماء بالهجرة فخرج إلى بيت أبا بكر وقد جرت العادة أنه صلى الله عليه وسلم يأتي بيت أبي بكر أحدى طرفي النهار بكرة أو عشية فإتيانه بكرة وعشية أمر مألوف لديهم ولكنه أتى في وقت لم يكن يأتي فيه وقت الظهيرة فلما خرج أبو بكر قال:بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أتى بك الساعة إلا أمر عظيم ..دخلا الدار تنحى أبو بكر رضي الله عنه عن سريره أجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:يا أبا بكر إن الله قد أذن لي بالهجرة فقال أبو بكر رضي الله عنه :الصحبة يا رسول الله قال :نعم ..فاغرورقت عينا أبا بكر بالدمع تقول عائشة :فما ظننت قبلها أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي من الفرح لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالموافقة على الصحبة له وعائشة رضي الله عنها كان في مبلغ علمها لأنها كانت صغيرة السن وإلا الذين يبكون من الفرح كثير من الناس قبل أبي بكر ثم قبل ذلك طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر قبل أن يخبره بهذا الخبر العظيم أن يخرج من في البيت قال:يا رسول الله إنما هما ابنتاي عائشة وأسماء أو أسماء وعائشة ..أسماء هي الكبرى فأخبره الخبر فاتفقا على أن يأتيه في موعد يخرجا فيه ..رجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى داره ليكمل الأخذ بالأسباب وهو متوكلٌ على الملك الغّلاب ...(5/4)
أمر علياً رضي الله عنه و أرضاه أن ينام على فراشه وأن يلتحف بالبرد الأخضر التي جرت عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام فيه ملتحفاً..أمتثل علياً رضي الله عنه وقد طمأنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لن يصيبك ما تكره ..نام علي وجاء القوم قبل أن ينام علي وأحاطوا بالدار على ما أتمروا عليه ومن تحفظه عناية الله لن يصل إلية أحد ومع ذلك جعل الله لكل شيء سببا ..فخرج عليه الصلاة والسلام من الدار بعد أن أمتثل عليٌ ونام ..أطبق الله جل وعلا النوم على أعينهم ..خرج وهو يتلوا في المشهور من كتب السيرة خواتيم سورة ياسين حتى وصل إلى قوله تعالى ({وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }يس9) وقيل أنه وضع التراب على رؤوسهم ثم خرج صلوات الله وسلامه عليه ..خرج إلى أين ؟ إلى بيت أبي بكر ..دخل دار أبي بكر وخرجا من خلف الدار إلى حيث استأجر عبد الله بن عريقد كافر خريت يعرف الطرق اتفقا معه إلى جبل ثور _الجبل جنوب مكة والمدينة شمالاً_وهذا من باب التوهيم ولكن قريش فطنوا لها ...أولئك النفر الذين هم مجتمعون جاءهم رجلاً قال :ماذا تصنعون قالوا :ننتظر محمد فأخبرهم أن محمد قد خرج فدخلوا الدار فإذا عليٌ نائم فتفرقوا وقد خاب مقصدهم ووضعوا مائة ناقة لمن يأتي به ..مائة ناقة آنذاك تستفز الهمم والناس غالبهم ذوي حاجات ..خرج النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى جبل ثور جبل أسفل مكة ودخلا الغار قبل أن يدخل الغار تحسسه الصديق رضي الله عنه خوفاً وشفقةً على نبي الأمة ورسول الملة صلوات الله وسلامه عليه وما هذه إلا واحده من مناقب الصديق رضي الله عنه ثم أطمأن الصديق أن ليس في الغار ما يؤذي نبينا عليه الصلاة والسلام دخلا في الغار سوياً..زاد الطلب أخذت قريش تبحث الطلب ..كل الناس لهم أمل .. والجائزة مغرية ..والبحث مستمر ..(5/5)
بعضهم تقصى الأثر ووصل إلى الغار مسألة الحمامتين والعنكبوت وردت في مسند سنن البزار في أسانيد ضعيفة لكن نقول لا يوجد عقلا ًولا شرعا ًما يمنع ثبوتها لكن لا نستطيع ثبوتها إلا بخبر صحيح ، دخل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الغار وجلسا في الغار ..وصل الطلب إلى فم الغار أصبح لو أن أحداً من أولئك الطالبين ينظر إلى أسفل قدميه لأبصر النبي وصاحبه ..هنا قال الصديق رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام (لو أن أحدهم نظر إلى أسفل قدمه لرآنا )ما جاء الجواب دنيوياً إنه لا يبصر.. إنه ضعيف البصر.. إنه الليل ..جملة من الأجوبة الدنيوية لكنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في منقبةٍ عظيمة..(يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) فطمأنت نفس الصديق رضي الله عنه ثم لما هدأ الطلب مكثا في الغار ثلاث أيام خلال هذه الأيام الثلاثة لابد أن يطعما فكان عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه يتحسس الأخبار في قريش ثم إذا أمسى أتى فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بها ..وكان عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر رضي الله عنه كان يرعى مع رعيان قريش ثم إذا أمسى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ثم أحتلبا وذبحا وأكلا..أسماء أتتهم في اليوم الثالث ثم عدت لهم الزاد الذي سيأخذونه بالطريق فنسيت أن تأخذ عصام (عصام أي تقيد به صرة الطعام )فاضطرت إلى أن تنزع نطاقها –النطاق شيء تصنعه النساء في الوسط – يعني يشد ثيابها فنزعت حزامها والعاقل لا يضيع شيء فقسمته قسمين قسم لصرة النبي صلى الله عليه وسلم وقسم ردته إلى نفسها حتى لا تضيع نفسها فبقيت في حزامها ثم أعطت ما بقي من الحزام وقيدت بها السفرة ثم جاء عبد الله بن عريقد وكان قد ضرب لهم موعدا ..قد كان هذا الموعد عن طريق عبد الله بن أبي بكر ثم أرتحل ..(5/6)
أخذ بهم أسفل مكة ثم أخذ طريق الساحل أسفل عسفان حتى أتى قديد بعد قديد بقليل مر صلى الله عليه وسلم وصاحبه بخيمتين لأم معبد أم معبد امرأة أسمها عاتكة من خزاعة ..امرأة برزة ..جلدة لها قوة على إطعام الناس ..لها خيمتين تجعلهما للمارة من الطريق ..تكرم بها الأضياف ..فآتها عليه الصلاة والسلام ومن معه كان الركب أربعه ..نبي الأمة والصديق الأكبر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وعبد الله بن عريقد الخريت ..لما نزل عندها سألها النبي صلى الله عليه وسلم :هل من لبن ؟ فاعتذرت لهم أن لا شيء في البيت ..والسنة سنة جدب لا ماء لا أمطار.. قحط ..فإذا بشاة في كسر البيت قد أجهدها هزلها أن تذهب مع الشياه الأواخر ..فسألها النبي صلى الله عليه وسلم هل فيها لبن ؟قالت :هي أجهد من ذلك فستأذنها فقالت :بأبي أنت وأمي - هذه الكلمة تقولها العرب – لا تعرف أنه نبي الأمة لكن بأبي أنت وأمي أن وجدت بها شيء فحلبها فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على ضرع الشاة وسمى الله ودعا دعاء الناس بالوضع يناسب أن يدر الضرع فإذا بالضرع يدر فملء الإناء فأعطاه أولاً أم معبد فشربت ثم سقى الركب وكان صلى الله عليه وسلم آخر من شرب فشرب ثم أدباً معها حلب مرة أخرى ومليء الإناء وتركه في الدار..ثم رحل هو وركبه ثم في الجانب الأخر سمعت قريش رجل ينادي يسمعون صوته ولا يرونه يقول:
جزا الله رب الناس خير *** رفيقين حلا خيمة أم معبدِ
هما نزلا بالبر وارتحلا به *** وأفلح من أمسى رفيق محمدِ
سلوا أختكم عن شاتها وإناءها *** فإنكم أن تسألوا الشاة تشهدِ(5/7)
هذا كله ذكر تاريخياً،ثم مضى صلى الله عليه وسلم في طريقه ..في الطريق حدثت له أموراً عده منها أن الله جل وعلا أخرج لهم ظلاً من صخرة ليس لها ظل في الغالب في ذلك الوقت فاستظل به الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مروا بالطريق على راعي غنم يأكلون ويشربون منه حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ...قبل أن يصل إلى المدينة كان سراقة بن مالك في قومه يسمع الأخبار فجاءه رجل يعرف عنفوان سراقه وحرصه على المال فقال له :إني رأيت ركباً أظنه محمد وأصحابه الذي تطلبهم قريش فأول الأمر دفع هذا الشيء عن صاحبه وقال:ما أظنهم إلا قوماً من بني فلان ذهبوا يطلبون إبلاً ضالة لهم أو كلمه قريبه من ذلك ثم أخذ الأقداح طبعاً جاهلي والأقداح باطل وضلال ولكن كلها خرجت بضد ما يريد سراقة لا تخرج ..لا تخرج ..لا تخرج ..فخرج وهو يأتي بخلافها الطمع غلب على الدين الذي كان يعتقده بالجاهلية حتى قرب من النبي تعثر مرة ..مرتين ..شك في الأمر حتى قرب ساخت الفرس فما أن ساخت الفرس نادى أني لن أضركما فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر :قل له ماذا يريد ؟ فأخبرهما أنه لا يريد شيئاً لكن يريد كتاب أمان فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً أمر أبا بكر أن يكتب كتاب أمان له ..احتفظ به وعاد يرد الناس عنهما ..وانظر سبحان مقلب القلوب خرج يطلبهما فجعله الله جل وعلا حارس لهما ليلاً ونهاراً حتى قرب من المدينة في طريق الهجرة فيه وادي أسمه وادي رّيم قبل المدينة بخمسين كيلو ..عبد الله بن عريقد أخترق بهم وادي رّيم إذا خرجت من وادي رّيم على خط الهجرة المعاصر موجود الآن يخرجك على قباء ..في قباء كان بنى عمر بن عوف ..كانوا سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وكانوا يخرجون كل يوم بعد صلاة الصبح ينتظرون قدومه فإذا اشتدت الظهيرة رجعوا ..ذات يوم يوم الاثنين خرجوا أشتد حر الظهيرة رجعوا ..(5/8)
خرج رجل من اليهود من أهل الكتاب فرأى النبي صلى الله عليه وسلم من بُعد وأصحابه وكان عنده خبر فنادى يا بني قيله – أسم جده يجتمع فيه الأوس والخزرج – هذا جدكم – أي حظكم – الذي تنتظرون فارتجت المدينة بالتكبير بالذات بني عمر بن عوف وخرجوا يستقبلون النبي صلى الله عليه وسلم ،كان هذا على الصحيح يوم الاثنين الثامن من الشهر ربيع الأول وليس الثاني عشر ،الثامن يكون قد تم بالتمام والكمال له صلى الله عليه وسلم ثلاث وخمسون عاما يوم تسعة دخل في الرابعة والخمسين ولكن لما دخل قباء يوم الاثنين كان قد مضى صلى الله عليه وسلم 53عاما وأنا قلت في شرح الدرة المضيئة أنه قد مضى له خمسون لكن هذا سبق لسان لكن الصحيح ثلاث وخمسون ثم أنه مكث في قباء الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة يوم الجمعة قبل الزوال خرج ..أتى بطن وادي غانوناء على وزن عاشوراء أدركته الجمعة صلى الجمعة على المشهور هذا كان يوم الثاني عشر من ربيع الأول خرج الناس يستقبلونه أرسل إلى أخواله من بني النجار ..طبعا بني النجار أخوال النبي صلى الله عليه وسلم والإنسان لابد أن يكون إذا أراد أن يكرم يبدأ بقرابته بذوي قرابته ،والإنسان الذي ليس فيه خير للذي هو أدنى منه ليس فيه خير للأبعد عنه فأرسل إلى بني النجار أخواله حتى يبين اعتزازهم بهم فأتوا متقلدين السيوف ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يقول أنس رضي الله عنه :أنه يوم أنار فيه كل شيء صلوات الله وسلامه عليه يوم دخوله ..فدخل والناس يتسابقون كلما مر على ساعده على بني حرف على بني الخزرج بني كذا وبني كذا يقولون :هلّم يا رسول الله إلى العز والمنعة هلّم إلى العدد والعدة وهو يقول : ((خلوا سبيلها فإنها مأمورة )) فانظر إذا كانت ناقته صلى الله عليه وسلم تسير بهدي من الله فكيف به صلوات الله وسلامه عليه ..(5/9)
حتى بركت الناقة عند باب المسجد وقيل مكان المنبر اليوم ولم ينزل ثم قامت وجالت جولة كأنها تتأكد من موقعها ثم عادت إلى نفس الموقع فلما بركت بروك كلياً ..بادر خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري وأخذ متاع الرسول صلى الله عليه وسلم وأدخله داره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :المرء مع رحله ،كان هذا المبرك في مربد ليتيمين من الأنصار أصبح بعد ذلك هواء مسجده الشريف صلوات الله وسلامه عليه هذا أيها الأخ الكريم على وجه الإجمال الهجرة كتأريخ وهو أمر مشتهر معروف لا يحتاج إلى كثير علم لكننا قلنا حتى يكون مفتاح للدخول على هذه الحلقة المباركة التي عنوانها: قبسات من الهجرة .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح وأنا حقيقة توقفت لأنني لا أريد أن أقطع هذا السرد الجميل ...أول الاتصالات من الأخ محمد ذكر بعض فوائد الهجرة أو بعض الحوادث ثم ختم أن النبي لا يبتسم إلا في المصائب ..(5/10)
الشيخ صالح :ربط المؤمن قلبه في الله هذا أمرٌٌ مقرر ٌشرعاً هو أعظم مقاصد القرآن وهو النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله دوماً ولكن قضية كيف فعلوها هذه تختلف في مواطن والمواقع تختلف فالأصل أن يربط المؤمن قلبه في الله وهذا لا نزاع فيه لكن كيفية الربط تختلف أما قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يبتسم إلا في المصائب لا أعلم نص بهذا فلا أحفظ نص بهذا الوضع لكن جملة يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه أمر أو حزيه أمر لجأ إلى الصلاة فالله يقول (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) ثم إن الأمور تختلف فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أضله الغمام خشي أن يكون عذاباً ويتغير وجهه حتى ينجلي فإذا حزبه أمر ذهني هم لجأ إلى الصلاة في مواطن الحرب والقتال يدعو لصحابه ويثبتهم بذكر الله في تلك المواضع فالمواضع تختلف فلا يكون أن يأتي بالناس في موضع فرح ويذكرهم بالموت لكن ينبغي إذا رأينا بالناس غفلة وانشغال بالدنيا أن تذكرهم بالموت والمهم أن يكون لتذكير بالموت وهذا أصل شرعي ولكن يقول الأخ محمد وفقه الله ولكن كيف نذكر الناس في الموت هذا يختلف من حال إلى حال .
تلخيص مجموعة من الاتصالات ..
الأستاذ معمر : الأخت إيمان أنه بعد هذا السرد منكم في السيرة أتت ببعض الفوائد تقول في مداخلتها أذكرها لكم وتعلقون عليها ( تقول أن الهجرة ماضية وأن فيها تأمين للدعوة ومعية الله للنبي صلى الله عليه وسلم ...و الأخذ بالأسباب .....و محبة الصحابة .. والتضحية والفداء.. أيضاً ما يتعلق بمسألة الإصلاح .
الشيخ صالح: أكثر ما قالته صحيح لكن قضية تأمين المسألة هذه فيها نظر لعله يأتي في ثنايا حديثنا عن الهجرة إن شاء الله ..
الأستاذ معمر : الأخ محمود يسأل عن بعض مميزات المدينة وقد وعدته بحلقة .
الشيخ صالح : ممكن تكون الحلقة القادمة عن المدينة إن شاء الله .(5/11)
الأستاذ معمر : الأخت ليان تسأل عن سبب هجرة المسلمين إلى الحبشة .
الشيخ صالح : كان حاصلاً و هو سبب هجرة المسلمين إلى الحبشة.
الأستاذ معمر : يا شيخ نعود إلى السيرة إلى كتب السنن والآثار التي تمر في كتب التفسير وآية الأنفال التي نقف معها أولاً (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ) ثم ننتقل إلى آية التوبة إذا رأيتم ذلك ..
آية الأنفال هي الآية الثلاثون من السورة ({وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }الأنفال30)
هذا أخبار بما حدث في دار الندوة الآية تتكلم عما حصل في دار الندوة فالمكر أصلاً إيقاع الضرر بالغير على وجه الإخفاء يسمى مكر ولا يلجأ إليه إلا الضعيف فقول الله (وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) هذا من باب المشاكله في أسلوب العرب في كلامهم ... واضح . ولذلك لا يقال الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ولكن خير من يجازي الماكرين ويتعامل معهم ويعاقبهم هو الله جل وعلا , فلا يطلق بقيد ثم قرره أهل السنة فنعود ونقول فيثبتوك تثبيت تقيده بمعنى يوثقوك فلا تصبح قادراً على نشر دينك ودعوتك أو يقتلوك وهو الذي اتفقوا عليه وهو ما بيناه سلفاً أنهم اختاروا من كل قبيلة أكثر القبائل شاباً جلداً حتى يتفرق دم الرسول صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر : يا شيخ ذكرتم أن الضمير في (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ) يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه بينما الضمير في العبارة بعدها يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم الأشكال يا شيخ كيف نجمع بين الأمرين أيضاً هل هذا يكون قدحاً في أبي بكر رضي الله عنه .(5/12)
الشيخ صالح : طبعاً القدح هنا كونه خائف ! طبعا تفصيل الأمر كما سيأتي تفصيل هذه الآية تكلم عنها كثير من المفسرين ولكننا نقول الآن التحرير العلمي فيما نعتقده ونعلمه عنها يعني كيف تبين بوضوح تام لله جل وعلا يقول قبلها ({إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التوبة39) هذه الآية التاسع والثلاثون في التوبة0 والتوبة من آخر ما نزل وسوره التوبة كانت عنايتها التامة بقضية حرب جيش العسرة والآيات جاءت لاستنفار المسلمين لنصره الرسول صلى الله عليه وسلم فلما دعاهم الله جل وعلا إلى نصره نبيه اخبرهم أن هذا النبي منصور بهم وبدونهم ثم ذكر لله جل وعلا الأدلة على ذلك فقال (إِلاَّ تَنصُرُوهُ) وهنا إدغام أي ألا تنصروه وليست استثنائية يعني أن شرطيه بعدها لا النافية إلا تنصروه لم يقع منكم هذا النصر أيها المسلمون المؤمنون في لمدينه فلا يضره ذلك شيئاً لماذا ؟ قال الله (فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ) في موضع لم يكن معه احد إلا شخص واحد فان كان نصره الله في موضع وليس معه إلا شخص واحد من باب أولى أن ينصره ومعه موجه أكثر كما هو في المدينة الآن (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) ؟ هنا نتوقف ونضع علامة استفهام لنفهم الصورة جيداً لآن في غير القرآن عندما نتكلم عن أحدٍ تعدد شيئاً سابقًا لا يلزم في تعدد المآثر وذكر الأحداث أن تكون تلك المآثر والأحداث أن تكون قد وقعت في يوم واحد ، مثلاً نضرب عندما نتحدث عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وفقه الله نقول مثلاً لو أن إنسان جاء وقال : لو أن(5/13)
الملك عفا عن بعض المذنبين وزاد في الرواتب ورعى القمة الإسلامية 0لو ذكرنا هذه فلا يلزم أن يكون الملك قد عفا عن المذنبين وزاد في الرواتب ورعى القمة الإسلامية في يوم واحد هذا مهم جداً في فهم الآية 0والان نعود للأيه يقول الله (فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ) أي نصر نبيه في موضعيين الموضع الأول (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) وهذا الموضع موضع فني ؟ يوم أن كان النبي وصاحبه في الغار (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) هذا ولم يكن يوم الغار لا علاقة له بالغار لا من قريب ولا من بعيد ,لا يوجد يوم الغار جنود أصلا فان قال قائل إن المقصود الحمامة والعنكبوت على فرض وجودها وصحة القول بها فهي أشياء مرئية وليست جنود مخفية .. ولكن الله يقول وأيده بجنود .. والجنود إذا صرفت في اللغة أول ما يفهم منها الحرب والقتال ولم يكن يوم الهجرة حرب ولا قتال وإنما (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) .. متى ؟ يوم بدر , فالله يذكر الآية لهؤلاء الصحابة نصرة لنبيه في موضعين : موضع الغار و موضع بدر (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى) .. متى هذا ؟ .. يوم بدر ..وذكر الله موطنين نصر الله فيهما نبيه ..(5/14)
الآن بدأنا ندخل في الموضوع ونعود للآية ونقول (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) أي دفعوه للإخراج , (ثَانِيَ اثْنَيْنِ) الصديق والنبي صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين .. (إِذْ هُمَا) أي النبي وصاحبه (فِي الْغَارِ) غار جبل ثور . والله لم يقل هنا أي غار لأنه معروف (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) أي للصديق (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن خائفاً أما الصديق كان خائفاً وكان خوفه على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذهابه ذهاب للدين الذي كان في قلب الصديق والخوف سببه صحيح شرعياً وهذا الخوف على النبي صلى الله عليه وسلم أذهبه الله وجعل محله السكينة بأن الله تعالى جعل نبيه يقول لهذا الصديق (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) يقول الله (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) على من ؟ على الصديق فأصبح مطمئناً مثل اطمئنان النبي صلى الله عليه وسلم ... هذا موضع الغار ..(5/15)
ثم قال تعالى (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) قلت أن الله يعدد نصرته لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى يبين لهؤلاء الصحابة أن نبيه منصور ,, منصور .. فقال (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) .. أي في نصرته له في بدر ودليل أن الملائكة نزلت في بدر بصريح القرآن ودافعت عن المسلمين وعن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن المسلمون يرون ذلك بأعينهم فأيده بجنود لم يروها يوم بدر ونصره وصاحبه يوم الغار .. (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) وقلنا على أبو بكر لأمرين : أولاً : من قواعد اللغة أن الضمير يعود على أقرب مذكور , وأقرب مذكور هو الصديق لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن خائفاً إنما الخوف كان في أبو بكر وهو الذي قال والسنة تؤيده ( يا رسول الله لو أن أحدهم نظر أسفل قدميه لرآنا ) فقال صلى الله عليه وسلم ( ما بالك باثنين الله ثالثهما ) . وهذا معنى (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) , ولا يكون هذا قدحاً لماذا ؟ لأن بعض من يخالفون أهل السنة يقولون أن هذا فيه قدح لأبي بكر .. هنا أتكلم كلاماً علمياً لا كلاماً إنشائياً .. يقولون إن الخوف له وجهين إما أن يكون طاعة وإما أن يكون معصية .. هذا كلامهم .. فإن كان طاعة فلا وجه لقول الله جل وعلا أن الله يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه لا تحزن فردتم القرآن ..(5/16)
وإن قلتم غير طاعة يجب أن يكون معصية فأبو بكر عصى لخوفه فليست له منقبة فنقول هذا باطل بصريح القران أين كونه باطل في صريح القران ؟ إن الله خاطب بلا تحزن ولا تخف من هو أفضل من أبو بكر قال الله جل وعلا (لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ }العنكبوت33) وقال الله تعالى في حق إبراهيم إن الملائكة قالت له( لاَ تَخَفْ ) وقال الله لموسى ({قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى }طه68) فخوطِب بلا تخف من هو أفضل منه لا تسمى معصية ولا تسمى طاعة إنما تسمى حاله نفسيه بعضهم إذا خلفوا هؤلاء الطائفة وحق خمسه سادسهم جبريل يقصدون الخمسة النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين الذين جللهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكساء فيقولون إن سادسهم جبريل ولا شك قبل أن ذهب إلى أبو بكر ونقول أن علياً وفاطمة والحسن والحسين منازل في سويداء قلوبنا وحدقات عيوننا وهم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..(5/17)
حبهم دين وملة وقربة ,, وهم من أعظم خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحبتهم عند أهل السنة دين وملة وقربة ولكن خمسه طبعاً الرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحالتين موجود أربعة خامسهم جبريل وليس كاثنين ثالثهما الله , محال , وعلى هذه قالوا هذا ما فيها منقبة , قال إن الله يقول (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ }المجادلة7) , قلنا هذه المعية معية عامة تكون للمؤمن والكافر , أما هذه المعية خاصة (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) بل فيها معية لأبي بكر وأنا أقول على علم والعلم عند الله بأن القرآن الكريم لا يوجد منقبة في القرآن لأحد من غير الأنبياء والمرسلين كمنقبة قول الله في هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصديق (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) لأن موسى عليه السلامة في يوم خروجه من أرض مصر قال لقومه (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي) ولم يشرك قومه في المعية الخاصة .. أما نبينا عليه الصلاة والسلام قال للصديق (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) فارتقى أبو بكر في ذلك الموضع إلى معية الله التي أعطاها لنبيه عليه الصلاة والسلام ..
الأستاذ معمر : جميل يا شيخ صالح , وأنا أخرج من هذا الكلام الماتع للب الموضوع ما يتعلق بالقبسات , لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه تصرف كنبي , تصرف كقائد و مصلح فحبذا يا شيخ في البداية بين التصرف
كنبي ...(5/18)
الشيخ صالح : طبعاً أولى القبسات نقول أنه يجب أن ينظر إلى الهجرة إلى أنه تصرفَ تصرف نبياً يوحى إليه وهو ليس تصرف مصلح أو قائد سياسي أو تاريخي مجرد من الوحي وشتان ما بين الأمرين الله جل وعلا نسب الملك إلى ذاته ونسب النبوة إلى ذاته وقال (اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء)وقال أن النبوة (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) على هذا يفهم أن الفرق بين النبوة والملك أن الملك يعطيه جل وعلا للكافر والمؤمن وللذكر والأنثى أما النبوة لا تعطى إلا للمؤمن الذكر
فما كانت نبياً قط أنثى * * * ولا عبداً قبيحا ًفي الفعالِ
({وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم) هو عليه الصلاة والسلام بالهجرة وأمر أصحابه بالهجرة وأرتحل على أنه نبي يوحى إليه يسير بهدي الله وقد بينا أنه صلى الله عليه وسلم قال عن ناقته (خلوا سبيلها فإنها مأمورة )نقول إذا كانت ناقته تسير بهدياً من الله فكيف به صلوات الله وسلامه عليه .
الله قسم بين الخلق رزقهمُ * * * وأنت خيرت في الأرزاق والقسمِ
إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم * * * فخيرة الله في لا منك أو نعمِِ
صلوات الله وسلامه عليه .
الأستاذ معمر : صلى الله عليه وسلم ..جميل يا شيخ صالح أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى المدينة وأسس فيها دولة جديدة قادة البشرية كاملة نريد أن نفرق يا شيخ بين دار الهجرة ودار المنفى .(5/19)
الشيخ صالح : هذا ثاني القبسات وهو أنه يفرق ما بين هذا ،ولذلك أنا أجلت كلمة(أَوْ يُخْرِجُوكَ) قد يقول قائل أنت تقول والقرآن يقول أو يخرجوك فيتحقق ما أراده الكفار أنهم أخرجوه فأين دفاع الله عن نبيه وقد تحقق بعض مراد الكفار وهو أن يخرجوه ،الله تعالى أخرجه لدار إقامة لا إلى دار منفى وهذه مسألة سياسية ،فالقضية أين الاهتمام بها الاهتمام بها أن الذين يخرجون إلى دار المنفى لا يستطيعون أن يقيموا دولة إنما يخرجوا ليحافظوا على أنفسهم لجوء إذا عادوا أقاموا دولة بالمكان الذي عادوا إليه فمثلاً الملك عبد العزيز رحمة الله تعالى خرج مع والده الإمام عبد الرحمن آل سعود إلى الكويت لم يكن قصد الإمام عبد الرحمن إقامة دولة في الكويت لكن عارض ما أخرجه من الجزيرة فلما زال ذلك العارض قام الإمام عبد العزيز وأسس هذه الدولة بعد إن عاد لكنه لم يؤسس دولة في المكان الذي خرج إليه ..واضح
وهذا لو تتبعت كثير من السياسيين الآن يصنعون هذا..
أما النبي صلى الله عليه ما خرج إلى دار منفى لو خرج إلى دار منفى لتحقق ما أرادته قريش لكنه خرج إلى دارٍ أعدها الله جل وعلا ليست بعيدة كثيراً عن قداسة مكة وإنما كسبت القداسة من انتقاله صلوات الله وسلامه عليه فاكتسبت هذا الشرف العظيم بانتقاله صلى الله عليه وسلم إليها .(5/20)
لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج إلى دار منفى والهجرة وليست أمرا ًملحاً يعني ينبغي أن نفرق في قضايا سياسية لا أريد أن أطيل فيها ،المهم أنه عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة لم يمت فيها ولم يستقر فيها وإنما رجع إلى المدينة حتى بعدما فتحت ،من قدر الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوفى بعد فتح مكة مباشرة حتى لا يقول أحد ربما عاش في مكة ...لا عاش عامين وأكثر صلوات الله وسلامه عليه فتحت في رمضان من العام الثامن وعليه الصلاة والسلام مات في أوائل سنة الحادية عشر للهجرة فالمقصود أن المدينة لم تكن دار منفاه وإنما في هذا المجتمع دولة الإسلام .
الأستاذ معمر : نعود فضيلة الشيخ إلى القبسات ..(5/21)
الشيخ صالح : القبسة الثالثة قضية أن هناك مناقب وهناك مثالب مر معنا في الهجرة ونحن نسردها أن أسماء رضي الله عنها وأرضاها نزعت النطاق وقسمته إلى قسمين قسمٌٌ لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وشيئاً أعادته إلى وسطها ...سميت من ذلك الوقت بذات النطاقين ..مرت الأيام ..توالت الأعوام ..أسماء ممن عُمّر ..عُمّرت كثيراً عاشت فوق التسعين وتزوجت الزبير بن العوام ..عبد الله بن الزبير أبنها أول مولود ولد بعد الهجرة في المدينة وكانت اليهود تزعم أن سيأتي أبناء المهاجرين فيهم كذا وكذا ذكروا صفات تعيبهم فكان أول مولود ولد سليماًً معافى... فرح المسلمون به رضي الله عنه فرحاً كبيراً ورد أنه شرب من دم النبي صلى الله عليه وسلم وقال له صلى الله عليه وسلم (ويل للناس منك وويل لك من الناس )وقع هذا الأمر في حرب الحجاج لأهل مكة لما حارب الحجاج كأمير لبني أمية أهل مكة ،كان عبد الله بن الزبير على مكة ..ذكر حديث ذات النطاقين ..أهل الشام آنذاك ممن حضر مع الحجاج كان أكثرهم جهلة ..فكانوا يعيرون عبد الله بن الزبير بابن ذات النطاقين بأمه ..يظهر أن عبد الله بن الزبير لم يسمع عن هذه الحادثة ..ويظهر أن أسماء من أخلاصها لم يتحدث بها الناس...وهم أيضاً لم يعلموا وهم جهله ..لو كان ليس فيهم جهل ما جاءوا ليحاربوا أهل مكة والمدينة ..قدموا على مكة وأخذوا يعيرون عبد الله بن الزبير بابن ذات النطاقين فذهب إلى أمه وقال إن أهل الشام يعيرونني بابن ذات النطاقين قالت يا بني وذكرت له القصة ...(5/22)
تأتي هنا مسألة الناس يقل فيهم الإنصاف فأتوا أحياناً لمنقبة فيك فيجعلوها مثلبة فيرون أن الرجل إذا كان كثير البكاء والخشوع على أنة ضعيف الشخصية ..وإذا كان كريم على أنه ساذج يطعم الناس ..وإذا كان خلوقاً على أنه ضعيف وما إلى ذلك ..لكن ينبغي لشخص الواثق من نفسه أن لا يغير من طبعه من أجل نظره الناس ..لكن لا ضير عليه أن يوجه رسائل لمن حوله يبين له موقفه والأصل أن الإنسان إذا أراد أن يقتدي قبل أن يتصرف لابد أن يكون على بينه من الأمر..الأحوال هي التي تفرض علينا كيف نتصرف ..فالنبي صلى الله عليه وسلم سمل بالحديد عين العرنيين وهو الذي قال (( والشاة إن ترحمها يرحمك الله)) ..هذا موضع وهذا موضع ..
نحن معشر المسلمين نخفي السكين عن الشاة نرحمها حتى لا يكون قتلنا لها تعذيباً، في نفس الوقت نرفع السيوف في ساحات المعركة لا في غيره في وجه أعداءنا ...والقادم من العطوف الرحيم بقتل المؤمن حقاً ..وولي أمر المسلمين يأمر بتنفيذ ذلك القصاص فليس تنفيذ ذلك القصاص وحشية وإنما هو إنفاذ لأمر الله .
المقصود ينبغي أن يفرق بين المناقب والمثالب وأن يعرف الناس كيف يحكمون على بعضهم البعض لذلك أحببت أن أُكد عليه في القبسات من الهجرة .
فالناس يجب أن يتفكروا أن الصديق الذي كان لا يملك دمعه في المحراب هو الذي وقف تلك الوقفة البطولية يوم أن ارتدت العرب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فالرجل الباكي في المحراب هو الرجل القائد في الحروب وهو الذي أبقى هيبة الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن قد يأتي إنسان يرى بكاء أبو بكر أو لا يقرأ إلا عن بكاء أبو بكر فينقدح في ذهنه أنه رجل ضعيف الشخصية لا يصح قائداً لكن لو نظر نظرة كاملة لأبي بكر لفهم وفرق مابين ما هو مناقب على الدوام ولا يمكن أن ينقلب إلى مثالب وهذا أمر يحتاج الناس إلى فقهه وفهمه عند الحكم عن الآخرين .(5/23)
الأستاذ معمر : يا شيخ سؤال أم أنس عن كيفيه المعايشة مع هذه الأحداث التي نعيش في خضمها هذه الأيام .
الشيخ صالح : نحن نقول انظروا إلى الجانب الحسن من الأحداث ولا تجعلوا الأنظار موجهه إلى الجانب السيئ وهؤلاء أشباه البقر لا يمكن أن يصلوا إلى القدح في نبي الأمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنني عند الله لخاتم النبيين وان آدم لمجندل في طينته) ({وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ }الأنفال33) ({وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }الشرح4) يواصل في الصيام ويقول (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) بعد هذا ما سيفعل أشباه البقر به, نعود ونقول عن الجانب الحسن هذه المقاطعة وهذه المشاعر المؤمنة في جميع أصقاع الأرض, إتيان سولانا و السعودية ومصر وبعض الدول الإسلامية كالممثل للاتحاد الأوروبي يحاول أن يقدم شيئاً من الاعتذار يحاول أن يغلف الموضوع كل ذلك أمر يدل على رسوخ محبة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه...متى تعرف أن العدو تمكن منك ؟ إذا غير نظرتنا إلى النبي لكن هذا الأحمق بتلك الصور إنما ولله الحمد اظهر لنا مدى تعلق هذه ألامه بعد الله بنبيها صلى الله عليه وسلم ..الآن انتشرت الكلام عن السيرة واخذ الناس يقبلون على كتب السيرة الأحداث المتعلقة بسيره الندرة ....
*هناك نقطة أساسية عن المقاطعة ،أن المنتجات الدنمركية ذاتاً ليست محرمة هذا أمر يجب فهمه .
الأستاذ معمر : نعود يا شيخ إلى موضوع الهجرة ..عن الصلاة في مسجد قباء كأجر عمرة هل هناك علاقة يا شيخ بين هذا الأجر وبين كون النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل نزل في مكان المسجد ..
لا أعلم أحداً ربط بينهما وقد يكون موجوداً،وعدم العلم لا يلزمه العدم لكني أقول أنا الذي أفهمه أن ثمة ترابط بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من توضأ في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه ركعتين كتب له أجر عمره )(5/24)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة والذي استقبله من المدينة منطقة قباء فكأن الذهاب إلى قباء أضحى كالذهاب إلى مكة وإن كان لا يغني عن عمرة الإسلام بعد ذلك مما يستأنس به أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سنة ماشياً ويصلى فيها ركعتين طبعاً ..كل سبت أختلف العلماء فيه أي كل أسبوع ،هنا فيه فائدة الذهاب من الحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساكن بجوار الحرم والذهاب إلى قباء ماشياً سنة ثابتة من أعظم التوفيق أن يعان الإنسان على إحياء سنه ..طبعاً لآن المعالم تغيرت ..والسيارات ويصعب الذهاب ماشياً إلى قباء لإيجاد كثير من الطرق والسيارات ،الآن هناك مشروع لإيجاد طريق مشاه من الحرم إلى مسجد قباء بحيث يطرقه المشاة ليحيون سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا المشروع تبنته أمانة المدينة بتوجيه من سمو الأمير ،وحتى يثبت المشروع فقد ظفرت بلقاء مع سمو الأمير يوم الأحد الماضي وسألته وقلت سأقول هذا وأكد وقال أنه صحيح وسمو الأمير وفقه الله يمتاز بصبغه علمية ظاهرة وثرية ولديه شغف بإحياء السنة وإظهار علم السلف الصالح والرعاية العلمية والأدبية للمدينة وقد فرحت كثيراً بخبر هذا المشروع ونرجو من الله أن يعيننا نحن أهل المدينة على هذا المشروع وغيرها ممن يأتيها غدواً ورواحاً إلى مسجد قباء لأحياء سنه النبي صلى الله عليه وسلم ..(5/25)
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أشتد عليه الأذى قال ((اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس وأنت رب المستضعفين ،ربي إلى من تكلني إلى قريب يتجهمني أم إلى عدوٍ ملكته أمري أن لم يكن علي سخطك فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا )والمعنى في الألفاظ الحديث تفويض الأمر إلى الله وهو أعظم ما يرزقه العبد أن يفوض أمره إلى الله كما قال الله على لسان صالح (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }غافر44) فمن فوّض أمره إلى الله كفاه الله هم الدنيا وهم الآخرة ..
الأستاذ معمر : ختاماً أشكركم على طيب متابعتكم ..يتجدد اللقاء بكم في الحلقة القادمة ..وبما أن وصلنا في هذه الحلقة إلى مدينه الرسول ..حديثنا القادم سيكون عن المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ..إلى ذلكم الحين أقول لكم في حفظ الله ورعايته ...في أمان الله ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ........
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/26)
أ.العمري :الحمد لله رب العالمين ..والصلاة والسلام وعلى أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .. مشاهدي قناة المجد الفضائية في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أسعد الله مساءكم بالخير والمسرات أهلا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم القطوف الدانية .. يأتكم هذا البرنامج ثاني اثنين من كل شهر يسرني ويشرفني أن أرحب بضيفه الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ صالح ابن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء، باسمكم جميعا أرحب بضيفنا حياكم الله شيخ صالح .
الشيخ صالح: حياك الله أستاذ معمر.. . وحيا الله الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات .(5/1)
أ.العمري: الترحيب موصول لكم أنتم أيها الأحبة أرحب بهذه المتابعة الكريمة ، أرحب أيضا بتواصلكم مع هذه الحلقة التي نتحدث فيها مع ضيفنا الكريم عن " قصار السور " المراد بقصار السور، وما السورة التي تندرج تحت هذا اللفظ ؟؟ ولماذا سُميت بهذا الاسم ؟ وهل يمكن أن نحدد ها في القرآن الكريم ؟؟ مع وقفات كثيرة لبعض هذه السور بما يأذن به الله عزوجل ، ويتسع له وقت البرنامج ، يسرني أن تشاركوا معنا عبر أرقام الهاتف أيضا لا يفوتني أن أرحب بالإخوة والأخوات على المنتدى ، أرحب بالإخوة والأخوات أيضا على المنتديات التي تم الإعلان فيها عن هذا البرنامج وأخص بالترحيب كل من يتابعنا الآن على الهواء مباشرة خاصة على الموقع البث الإسلامي وحامل المسك ، لا يفوتني في بداية اللقاء أن أشكر جميع الإخوة الذين أعلنوا عن هذه الحلقة وفي مقدمتكم الأخوان الكريمان : الأخ غيووور ، والأخ عبد الرحمن سالم ، كان لهم جهد كبير في الإعلان عن هذه الحلقة ، رحبوا معي هذه حلقة جديدة تنطلق بقيادة المبدع الأستاذ :ياسر شعبان ، والذي يسرنا كثيرا أن نتتلمذ على يديه من خلال هذا البرنامج ، لا يفوتني أيضا أن أتقدم بجزيل الشكر والثناء العاطر للأستاذ وليد الطيب على ما مضى من حلقات والذي ارتقى بهذا البرنامج بحرفية عالية ، أسأل الله عزوجل أن يوفق الجميع وأن يجعل عملنا جميعا خالصا لوجهه الكريم ، أحبتي الأكارم "قصار السور" هو موضوع حوارنا لهذه الحلقة أسعد بمتابعتكم وأكرر ترحيبي بشيخنا الكريم ، حياكم الله أبا هاشم .
الشيخ صالح : حياكم الله .
أ.العمري : شيخنا الفاضل قبل أن نبدأ في محاوري ، قبل أن تعرض بعض هذه السورة ، عندما نقول قصار السور أو نقول المفصل في القرآن الكريم ، مباشرة يتبادر إلى الذهن ولا سيما من المشاهد الكريم أن هناك بعض المسميات في القرآن الكريم و بعض الألقاب هل يمكن أن يعطي نظرة سريعة كتوطأة لهذه الحلقة .(5/2)
الشيخ صالح: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فالذي يمكن أن يقال كتوطئة، تهميد لهذا اللقاء المبارك ، الله جل وعلا أنزل كُتبا قبل القرآن :
التوراة والإنجيل و الزبور ، هذا محفوظ أنه أنزل ،جاء في مسند الإمام أحمد من حديث واصلة ابن الصقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ، ومكان الإنجيل المئين ، ومكان الزبور المثاني ، وفُضلت بالمفصل " .
1. سبع طوال .
2. وسور مئون،ونطقتها قبل قليل مئين لأنها نائب فاعل .
3. و المثاني ، كثيرا .
4. والمفصل .
أ.العمري: سبب التسمية يا شيخ ..
الشيخ صالح : أما الطوال : فلطولها إذا ما قيست بغيرها ، وهذه السبع الطوال تبدأ (من البقرة تنتهي بالأعراف ست والخلاف في السابعة ) هل هي الأنفال والتوبة أو هي يونس ؟؟ بكل قال العلماء ، و المقام هنا مقام مدارسة ليس فتوى قطعية وليس مجلس تحديد، إنما نريد أن يعرف الناس كيف يتناولون دراسة كلام ربهم جل وعلا .
المئين: ما قارب المائة ، زاد أو نقص قليلا .
أ . العمري: من غير تحديد معين ؟
الشيخ صالح : من غير تحديد معينة ، لكن التحديد قد يأتي أحيانا لكن لا نستطيع أن نقول عند هذه تقف وعند هذه تقف ولو قال به البعض ، لكن الأفضل الإجمال كما جاء في الحديث مجملا .
و المثاني : قيل لأنها تُثنى في القرآن كثيرا ، مثل آل حم" من غافر إلى الأحقاف " .(5/3)
أما المفصل : فقد قيل في سبب تسميته مفصل: لكثرت ما فصل فيه بين السور بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، ما يخفى عليكم أستاذ معمر كلمة قصار ضد طوال ، فكما بدأ القرآن بالسبع الطوال انتهى بقصار المفصل .
وهذا الترتيب الموجود الآن الصواب أنه توقيفي ، فإن القرآن كان ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم يقول اكتبوا فيكتبون كتبت الوحي ،ويقول صلى الله عليه وسلم ضعوا الآية في مكان كذا ، ويقول ضعوا السورة في مكان كذا ، والصحابة رضي الله عنهم كان القرآن في صدورهم ولما أُمر زيد بكتابته كتبه ، ومن معه ثم أضحى كما هو ووصل إلينا ما بين دفتي المصحف على هذا الترتيب الوقفي ، من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إذا المفصل قيل : يبدأ من سورة محمد .
قيل من الحجرات .
قيل من غير ذلك يعني الحجرات وق محمد بدأ منها المفصل ، أنا قلت : نحن لا نريد أن نقول إن هذا القول هو الصواب وهذا القول هو الخطأ تحيدا إنما المقصود هذه بعض ما يتدارسه المعنيون في علوم القرآن .
أ.العمري: تقسيمات المفصل في القرآن الكريم يقسم إلى .
الشيخ صالح : يقسم إلى قصار وطوال المفصل ، لكن يقولون أكثرهم من الضحى إلى الناس يُعتبر قصار ، لكن كما قلت قبل قليل لا نستطيع أن نقول بالتحديد لأن المسألة مسألة نسبية ، فلو عدت إلى سور قبل الضحى يعني جزء عم كله مفصل لكن إذا بدأت بعد التكوير والانفطار قد يكن يقبل بعض سوره أن تسمى قصار المفصل .
أ.العمري: من يجعل أواسط المفصل يا شيخ من سورة عم إلى سورة الضحى .
الشيخ صالح : معقول ، ممكن لكن كما قلت أنا لا أريد أن نقول جوابا لا يُقال غيره ، لكن في دراسة القرآن كله مقبول وكما يقال لا مشاحة في الاصطلاح .
أ.العمري: اللؤلؤ المنثور و وصرخة الضمير على الموقع يسألون أو يتساءلان يا شيخ عن السبب في جعل قصار المصحف في آخر المصحف ، هل هناك حكمة معينة ؟(5/4)
الشيخ صالح : لا استطيع أن أتقدم بين يدي الله ورسوله ، لكن الذي لا أعلم أحد نص عليه ، على حفظ الحال ، لكن هذا ترتيب وقفي فكما أن القرآن بدأ بالبقرة ، طبعا الفاتحة أمر مستثنى ، بدأ بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة وكذلك انتهى بالطريقة التي هو عليها وقفي من لدُن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توجد سور أقصر من ليس المقصود واضح جلي في الترتيب ـ ليس المقصود العدد الحرفي ، ويعني سورة الكوثر أقصر من سورة الناس ، ومع ذلك جاءت سورة الناس في الأخير، فلا أستطيع أن أقول أنني أربطها بالعدد عدد الآيات ولا أستطيع أن أقول أن أربطها بالمواضيع لأن المواضيع متفرقة ، ولا استطيع أن أقول أن أربطها بالترتيب المكي والمدني ، لأن الفلق والناس مدنيتان ، وبعض السور في المفصل مكية فلا يوجد رابط يمكن أن ننص عليه ، وهذه عظمة القرآن أنه يبقى كتابا مفتوحا يُفهم ويُتدبر ويُؤثر في القلوب .
أ.العمري: حتى عند القائلين بالترتيب ترتيب اجتهادي هل يوجد ؟
الشيخ صالح : لا يوجد ، لا يستطيعون لأننا إذا نقضنا أن يكون مسألة مكي أو مدني ، ونقضنا مسألة أن يكون عدديا ، ونقضنا مسألة أن يكون موضوعيا ، فلم يبقى شيء ، يمكن أن يعول عليه .
أ.العمري: شيخ يدرج بين الناس الآن يسمونها صغار السور ، الأخت رموز التفاؤل تقول هل يصح هذه التسمية؟؟
الشيخ صالح : لا.. صغار هو إذا قالها الإنسان لا يُنسب للعلم ولم يقلها تعليماً ، وإنما قالها بحكم بيئته وثقافته أنه يسميها صغار ، كما تقوله امرأة كبيرة في البيت أو جدة وتقول : أنا ما أحفظ إلا السور الصغار ، هي لا تعرف شيء هي ما تعرف قصار المفصل فهذه ثقافتها هذه بيئتها ، يُقبل .
لكن من طلب العلم وغيرهم لا يقال :أن يُقبل منهم أن يقال صغار ، لأن القصر غير الصغر .(5/5)
أ.العمري: تحديد القصار المفصل ، ياشيخ قد يقرب قليلا من سورة البلد وإن كان العض قد يدخله ، دعني بعد إذنك نقف مع سورة البلد وإن كان البعض يعدها من قصار المفصل ، يقول عز من قائل : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) المعلوم عند الناس وعند كثير من طلبت العلم أن المقصود بالنجدين : طريق الخير والشر ، هل تحتمل هذه اللفظة معاني غيرها يمكن أن ترد تحتها ؟
الشيخ صالح : طبعاً نحدد ونتفق على أن لا يمكن أن نقول بقول لم يقل به أحد ،وإن كان ليس شرطا ، لكن هنا قال سعيد ابن المسيب والضحاك ويُروى عن علي رضي الله عنه أن المقصود بالنجدين: " الثديان " .
وقيل : إنه طريق الخير والشر وعليه أكثر العلماء .
طبعا ليس من المعقول أن صالحاً ومعمراً جاءا ليقولا هذه المعلومة كمعلومة ، هذا قد يقرؤها الناس في أي مكان ، لكن الذي أُريد أن أنفع الناس به ، هو أنك عندما ترى هذين الجوابين لابد أن تفقه لما قيل هذا ؟ لأنه لو كان هذا القول مبني على نص نبوي ما استطاع الآخرون أن يقولوا الآخر ، لأن الإنسان يقف عند كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكن هؤلاء الذين قالوا : بأن النجدين هما طريقا الخير والشر، لابد وأن هناك شيء عولوا عليه ، والذين قالوا: إن النجدين هما الثديان ،لا بد أن يكون هناك شيء عولوا عليه ، هذا هو المقصود من هذا اللقاء ، وإثراء المعرفة في الناس ، كيفية حتى لا يتهم أحد فيرد قوله .
الله يقول : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) الذين قالوا : إن النجدين هما طريقا الخير والشر، قالوا تعالوا معنا في لفظ "هَدَى" ،(5/6)
في ماذا استخدم في القرآن ؟ والله يقول : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) فالله يتكلم عن طرق الهداية ، وقال جل وعلا في سورة الإنسان : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) إذا لفظ "هدى " يصحبنا في كلام الله جل وعلا في بيان قضية الخير والشر .
لكن يمكن أن يجيب القائلون بأن النجدين هنا : هما الثديان بأن يقولا: أنظروا إلى ما قبل الآية ، الله يقول : (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) الله يتكلم عن أعضاء في الإنسان عن الخلق وهذه غالبا عند قضية شق البصر وقضية ترتبط بالطفولة أكثر ، والإنسان إذا خرج طفلا يخرج أحوج ما يكون إلى شيء يغذيه ، ولا سبيل له في التغذية غير الماء إلا ثدي أمه ، والله يقول : (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) وهذا عام هَدًى ، هدى كل شيء لما ينفعه ، فليست القضية قضية لا خير ولا شر ، ثم قالوا : نحن نسألكم ما النجدان ؟ ما النجد في اللغة ؟ المرتفع من الأرض ودون الجبل ، فما كان دون الجبل وهو مرتفع من الأرض يسمى نجد ، ومنه قولهم :
ألا يا صبا نجد متى هُجت بالنجد ***
نجد الإقليم المعروف ، المرتفع ، فقالوا: إن كلمة نجد المرتفع ولا خلاف أن الثديين مرتفعان عن صدر المرأة .
إذا الذين قالوا: بأن الثديين هما الثديان يعينهم أو تساعدهم اللغة وهو الارتفاع ، ويساعدهم كذلك الآيات التي قبل قوله جل وعلا : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ).
أما الذين قالا : طريق الخير والشر فقالوا هذا الأصل في الكلام في القرآن والله يقول : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) .(5/7)
ثم إن السلف رحمهم الله اختلفوا فيها على هذين القولين ، و قلنا إنه ينسب والمشهور عن سعيد ابن المسيب والضحاك وقيل هذا كذلك عن عكرمة أنهم يقولون : إنهما الثديان ، والآخرون والذي عليه أكثر العلماء: أنهما طريق الخير والشر . في التلقي ، تلقي المفسرين يختلفون فبعض علماء التفسير عنده القدرة أن يبسط القولين ، وبعضهم لا، يكتفي بما اختاره ، لعلمه و في ظنه أن هذا مرجوح جدا ، مثلا المحفوظ لدي الآن ابن سعدي لم يتطرق إلى القول بأنهما الثديان لأنه لا يرى أبدا ذلك ، لأن إهمال القول بالكلية دليل على أن الإمام لا يراه القائل به لا يراه أبدا القائل بالقول آخر
لا يرى القول الأول شيئا ، هذا الذي أنا أريد أن يصل للمشاهد .
لأن الإنسان إذا أخذ يتدارس القرآن لا يعنف على من قال الثديان ولا يعنف على من قال طريق الخير والشر ، وإنما يحاول أن يتلمس ، فما قلته قبل قليل من قضية لماذا قال هؤلاء كذا وهؤلاء كذا، هذا ليس موجودا في الكتب لكن هذا الذي تفهمه أنت من السبيل الذي يعني عندما يكون للإنسان دربة في القرآن دربة في التفسير لا بد أن يصل إلى قضية لما قالوا كذا ولما قالوا كذا وهذا أمر يوفق له من كان له كثير الاطلاع على كتب المفسرين .
أ.العمري : يعني يا شيخ الأدلة التي ذكرتها قول اجتهادي لم تذكر في كتب التفسير ؟
الشيخ صالح : لا ، أنا أقصد مثلا عندما قالوا "هدى " تحليل هذا شخصي، لكن القول قالوا : طريق الخير والشر ، هذا قول وقالوا النجدين : الثديين ، واضح لكن ما قالوا ، ما فصلنا هذا غير مذكور اللهم إلا في زوائد الشيخ عطية تكلم شيئاً يسيراً عنها في تفسير .
أ.العمري: شيخ صالح أقف مع مسألة إحداث قول جديد في المسألة لكن أستأذنك في هذين الاتصالين ، معنا أبو حمزة من عرعر ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : الأخ معمر .
أ.العمري: حياك الله يا طويل العمر .
المتصل : نسلم على الشيخ صالح .
الشيخ صالح : حياك الله يا أخي .(5/8)
المتصل: السلام عليكم يا شيخ صالح .
الشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المتصل: نحبكم في الله يا شيخ .
الشيخ صالح : أحبك الله وأجلك .
المتصل: عندي سؤالين الله حفظك ، ثلاثة أسئلة .
الشيخ صالح : عندي سؤالان .
المتصل :طيب ، السؤال الأول : قول الله : (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) ما المقصود بتفسير هذه الآية يا شيخ .
الشيخ صالح : أبشر .
السؤال الثاني : ما الوسيلة يا شيخ لفهم القرآن لتدبر القرآن وحفظه .السؤال الثالث : سؤال خارجي كيف يستطيع الإنسان أن يقرأ كتاب ويفهم ما فيه .
أ.العمري: في القراءة عموما ، أبا حمزة شكرا .
المتصل: ودعواتكم يا شيخ الله يحفظكم .
الشيخ صالح : الله يوفقنا وإياك .
أ.العمري: معنا منال من الرياض ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل: ممكن أكلم الشيخ .
أ.العمري : نعم الشيخ يسمعك .
المتصل: عندي سؤالين .
أ.العمري: سؤالان .
المتصل: السؤال الأول: في سورة يسوف ما الحكمة من قول امرأة العزيز ليوسف (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) .
والسؤال الثاني : كيف وسوس إبليس لآدم وهو مطرود من الجنة ؟؟.
أ.العمري: تسمعين الإجابة إن شاء الله ، ننتقل من السعودية إلى الأحبة في الجزائر سمير السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل: السلام عليكم .
أ.العمري: وعليكم السلام تفضل يا سمير ، أنت على الهواء يا غالي .
المتصل: بودي نحيي الشيخ صالح .
الشيخ صالح : حياكم الله أخ سمير .
المتصل : نريد تفسير سورة الكوثر .
أ.العمري: ابشر يا سمير ، سؤال آخر .
المتصلة: لا ما في .
أ.العمري: جزاك الله شكرا لك .
المتصل: السلام عليكم .(5/9)
أ.العمري: وعليكم السلام شكرا لك وللإخوة المتصلين كالعادة نقف مع المتصلين ثم نعود لمحاورنا ، قبل أن نأخذ الاتصال بعد إذنك ، قلت في بداية بيان المراد بالنجدين ما تقول في هذه الحلقة أو ما تقول في هذه الأقوال تكون على أقوال سابقة ، سؤال يتبادر يا شيخ هل يجوز للعالم أن يحدث قول آخر ، سواء في التفسير أو في غير التفسير .
الشيخ صالح : يعني ينظر في الفن الذي يُراد أن يقال فيه ، مثلا الأحكام التكليفية خمسة فلو أن مسألة ما، قال فيها بعض العلماء : إنه حرام ، وقال آخرون : إنه مباح ، نفرض المسألة فيها قولين ، فيها قولان خطأنا الناس فأردنا الله سبحان العلي الكبير كيف يؤدب خلقه ، الشاهد لما يكون في المسألة قولان وتمضي الأمة أربعة عشر قرنا عليها لا يقبل أن يأتي بقول جديد ، لأنه يلزم من هذا القول الجديد أن الناس كانوا يعبدون الله خطأ .
أ. معمر : ولا تجتمع أمتي على ضلالة .
الشيخ صالح : ولا تجتمع أمتي على ضلالة، هذا إذا كان في موضوع حكم تكليفي ، أما في غير الأحكام التكليفية : فَهْم في الآية لا يرتبط بعمل ، فالباب مفتوح لمن كان أهلا وقذف الله في قلبه النور ، قال علي رضي الله عنه : "إلا فهما يؤتيه الله من يشاء في كلامه ".
أ.العمري: أبو حمزة من عرعر يسأل عن قوله : (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) تفسير هذه الآية .
الشيخ صالح : تفسير هذه الآية هذه جاءت في سورة محمد (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) قال بعض العلماء وهذا عليه الكثيرون :أن عرفها : من العُرف وهو الطيب، فتصبح عرفها لهم طيبها لهم ، والذي أدين الله به أن عرفها لهم : أي أخبرهم عن شيء عنها .
أ.العمري: في الدنيا يعني .(5/10)
الشيخ صالح: في الدنيا ، في القرآن يعني تكلم في القرآن عن الجنة ، فيصبح هذا نوع من التعريف حتى تشتاق إليها القلوب ، وهذا قال به جمع من المفسرين ليس جديدا ، فيصبح ما جاء في القرآن كما هو معلوم من تعريف بالجنة أحدث في قلوب هؤلاء المجاهدين الشوق إليها ، فلما اشتاقوا إليها تقدموا الصفوف فقتلوا ، فلما قتلوا أدخلهم الله الجنة التي سبق أن عرفها لهم ، ومحمولة قضية طيبها لهم مع قول .
أ.العمري: الوصول إلى هذه المعنى يحتاج في تدبر القرآن ، هو يسأل كيف نتدبر ؟
الشيخ صالح: سؤال طويل ، يحتاج إلى حلقات ، لكن أنا أقول للأخ :
? الأمر الأول : يعني اعتني بنفسك من ناحية سلامة الصدر ، العلم مكانه الصدر فإذا وجد في قلب المؤمن أي أحد يطلب علم حسد وبغض وتصنيف للناس ووو يُحال بينه وبين العلم .
? الأمر الثاني : أن تأخذ بعلم الآلة ، وأن تقرأ في اللغة ، وأن تقرأ للأكابر من أئمة التفسير من قبل ومن بعد .،، ثم بعد ذلك إذا مضت لك في هذا سنون تحصل خيرا إن شاء الله .
أ.العمري: يسأل عن قراءة كتب كيف يمكن يتعود ؟؟
الشيخ صالح: يتعود أن الإنسان يكون:
? له ملزمة يكتب فيها مهمات في كل كتاب يقرؤه .
? ثم يعاود قراءة الكتاب كثيرا ، هذا كذلك يثبت المعلومة .
أ.العمري: قراءة الملزمة
الشيخ صالح: قراءة هذه الكتب والملزمة تكون دائم الإطلاع عليها ، لكن الكتب تكون بين الحين والآخر ، جوابها طويل .
أ.العمري: منال تسأل : عن قوله (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) امرأة العزيز.(5/11)
الشيخ صالح : المشكلة أن منال امرأة وإلا لو كان رجل لقلنا له هذا من كيد النساء ، هذه المرأة لاكت الألسُن حولها التي هي امرأة العزيز ، فلما لاكت الألسن حولها ، وعلمت بذلك وقالت : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) أرادت أن تصدمهم به ، فأعدت متكأ ومقاما طيبا لهم وأعطتهم من فاكهة إذا كان في ذلك الزمان في ذلك الوقت ما يناسبهم ، وأعطتهم سكاكين علمت أنهم سينشغلون ، يعني بتقشير الفاكهة إن صح التعبير ، في غمرة انشغالهم أدخلته ، والإنسان إذا رأى شيء أعظم من ما هو فيه ، ذُهل عما هو فيه ، فقطعن أيديهن ، وهذا من كيدها أي امرأة العزيز ، ولهذا إذا أراد الله برجل خيرا حماه من كيد النساء .
أ.العمري: يقال يا شيخ أنه تزوجها في آخر حياته .
الشيخ صالح: لا أعلم في ذلك نصا ، والعلم عند الله ،وإن كنت أستبعده ، لكن لا أعلم نقول إسرائيلية نعم ، لكنها سند صحيح يمكن رفعه غير موجود .
أ.العمري: تسأل عن كيفية وسوسة إبليس لآدم مع أنه أخرج من الجنة .
الشيخ صالح : سؤال في محله ، وما زال العلماء يناقشون القضية ، منهم من قال المشهور في كتب التفسير أن إبليس دخل الجنة في خياشيم الحية ، ويُقال على هذا القول على هذا الخبر أن الحية كانت لها قوائم ، فدخل في خياشيمها ، لكن الثابت قرآننا أنه هناك كانت وسوسة ، هل وسوسة وهو خارج الجنة ؟ ربما يكون لا استطيع أن أنفي ولا استطيع أن أثبت ، ولا استطيع أن أعطي معلومة غيبية ليس فيها سند صحيح ، لكن يا أختي العلماء قالوا أكثرهم الذين ينقلون من كتب التفسير قالوا أصحاب العناية بالإسرائيليات إن المشهور أنه دخل في خياشيم الحية حتى دخل الجنة ، والعلم عند الله .(5/12)
أ. معمر : أخونا سمير من الجزائر يسأل عن تفسير سورة الكوثر لعلي أستأذنك في أن نؤجلها قليلا لتكون متسلسلة .نعود إلى القول الذي قال به بعض العلماء النجدين الثديان ،يعني نقف في هذه الحلقة بشيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ترتبط بالموضوع نتكلم عن رضاعته صلى الله عليه وسلم ، وعن بركة هذه الرضاعة على بني سعد .
الشيخ صالح : طبعا النبي صلى الله عليه وسلم رضع في بني سعد ابن بكر ، عليه الصلاة والسلام وقصته شهيرة لكن نأخذ الذي سألت عنه في قضية البركة ، نحن نقرأ في السيرة أنه في صلاة العيد يدخل من طريق ويعود من طريق ، حتى تعم بركته الطريقين صلوات الله وسلامه عليه ، فهو بركة منذ أن كان في بطن أمه ، بركة على أمه ، وولدت نورا ، أضاءت له بصرا من أرض الشام ، يقول شوقي :
لقد ولدته وهاجا منيرا *** كما تلد السماوات الشهابَ
و أهدت للبرية بنت وهب *** يدا بيضاء طوقت الرقابَ(5/13)
الذي يعنينا لما وضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد ابن بكر ، كان أولاً بركة على حليمة ، ألصق الناس به منذ أن غادرت مكة وهي تشعر بالبركة ، فالدابة غير الدابة ، والسير غير السير ، وهدوء الرضيع الذي معها غير هدوئه في الأول ، ثم يستوطنون المكان تذهب الأغنام والأرض جدباء ، ومع ذلك أغنام حليمة غير أغنام سائر القوم ، فكان بعضهم يقول لبعض : " ويلكم انظروا أين يرعى رُعيان حليمة فرعوا معه " من أجل ما يرون من البركة على بيت حليمة منذ من رضاعة حليمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، هذا أيها المبارك في مرحلة متقدمة ، مضت سنون مر أعوام تعاقبت أيام جاءت معركة حنين ، هوازن منهم بني سعد ابن بكر ، حصل في الأسر أمم خلق ، قال بعض العلماء وصلوا ستة ألاف من الصبيان والنساء والغلمان ، في الحظائر سبي ، هذا السبي فطن له رجل يقال له زهير، كنيته أبو صرد فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إن اللواتي في الحظائر خالاتك عماتك وحاضناتك ، ثم قال له : لو أننا ملحنا – ملحنا بالتعبير القديم أرضعنا - الحارث ابن أبي شمر – والحارث ابن أبي شمر و النعمان ابن المنذر ملوك في العرب سابقين – ورأوا حالنا لحنوا علينا ، وأنت خير المكفولين."– صلوات الله وسلامه عليه – العاقل هذا من فقه السيرة يعرف كيف يتعامل مع الأكابر ، والأكابر الأحرار حقاً ينافسون في الخيرات و يسابقون في المجد .
إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمينِ
رأيت عرابة الأوسي يسعى *** إلى الخيرات منقطع القرينِ(5/14)
ذكره بالملوك بالجاهلين لو أن هذا الرضاع تم لهم لعفو ، فتنازل صلى الله عليه وسلم وعلمه كيف يسكب غيره ، وهذا من أدبه ، فبني عبد المطلب النبي صلى الله عليه وسلم يحكمهم فأمرهم أن يطلقوا ما في أيديهم ،قال : "ثم إذا صليت فقم في الناس فقل إن محمدا أنعم على من أسرهم هو ومن معهم من بني عبد المطلب بالمن " ، فإن الناس سيستحيون وينعمون عليكم بالمن ، فوقع كما قال صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا كما تعلم الإنسان في حياته علاقته وأخذه وعطاؤه يعني تجعله يتعامل مع أُناس مختلفين ، قدراتهم مشاربهم أموالهم ، فلابد أن يكون هناك من الإطلاع في السيرة وتأملها جيدا ولا نصبح كما عُلمنا خطأ في بعض المراحل الدراسية أن السيرة صارت محصورة في أرقام ، وهذا بيناه في لقاءات سبقت مات هكذا استشهد كذا ، عددهم هكذا ، ويصبح هذا المكان في الناحية الشمالية والناحية الجنوبية... لكن في السيرة خبايا يجب أن يفقهها الإنسان ، ومن العبر ، وهناك علماء عبر التاريخ ربانيون معهم مثل المنقاش يأخذون من السيرة ومن القرآن أمور قلّما يفطن لها أحد ، نحن قد لا نصل إليهم لكن عندما نأتي نرى هؤلاء الأكابر فنقرأ في كتبهم فنأتي بمنقاش آخر ، نأخذ من هذه الكتب كما نجده عند السُهيلي في الروض ألوف ، مليء جدا بمثل هذه العبر.
أ.العمري: شيخ صالح مسألة التعامل مع الأكابر ، التفاؤل بإذن الله في مستقبل الأيام شيء من السبي ولي الأمر الآن عندما يكون بين يديه هؤلاء الأسرى ، لو نبين يا شيخ الطريقة الشرعية في التعامل مع هؤلاء الأسرى .
الشيخ صالح: الله قال أيها الأخ المبارك : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) طبعا (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وين ؟؟ مستحيل في الطرق والشوارع .(5/15)
أ.العمري: في المعركة .
الشيخ صالح: في المعركة ، فالمسلم يحارب بشرف ، في أرض المعركة ، (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في ميدان الحرب (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) طبعا أنت مخير تقتله بأي طريقة شئت ، لكن ضرب الرقاب لا يقدر عليه إلا الأكمل شجاعة ، لأنه يعني المواجهة وإلا فيه الطعن بالرماح ، والرشق بالسهام ، (فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل ، (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)كناية عن الأسرى ، هنا قال الله أيها المبارك : (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء) فذكر الله طريقتين:
? إما المن بأن يُتركوا .
? أو الفداء بأن يُعوضوا .
لكن ليس محصورا بهذين على الصحيح من أقوال العلماء ، وإنما لولي الأمر المسلمين أربعة أحوال :
1. إما أن يمُن ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أسرى هوازن قبل قليل ، وكما فعل مع ثمامة ابن أثال سيد بني حنيفة .
2. وإما أن يفدي ، كما فعل صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر .
3. وإما أن يقتل ، إذا رأى أن ذلك الأسير حقه أن يقتل لغلبت شره ، كما فعل صلى الله عليه وسلم بني قريظة ومثل ما فعل مع عقبة ابن أبي معيط والنظر ابن الحارث في يوم بدر .
4. أن يسترقْهم ، يعني لا يفديهم لما يكونوا نساء يسترقْهم ، أو يكونوا أطفال يسبيهم يصبحون مملوكين لمن أسرهم ، واضح ،، فإذا معنا أربع خيارات : الاسترقاق .
أ.العمري: الخيار الرابع غير موجود الآن .
الشيخ صالح: الاسترقاق ؟
العمري: في وقت منع الاسترقاق .(5/16)
الشيخ صالح :هنا إذا وقع جهاد ، إن شاء الله ، شوف لكي لا نخرج عن الموضوع في نقطة الناس ما مشكلتهم ؟؟ مشكلتهم يريدون الشيء من الأخير خطأ يعني لا أدري كيف أشرح لكن لن يكون أو قلما يكون هناك جهاد منضبط شرعا حتى يكون هناك أصلا جماعة إسلامية حقيقية ، فلا تأتي أنت من دون جماعة إسلامية ـ أقصد دولة إسلامية ـ تريد أن تهدم جماعة إسلامية لتقيم جهاد ، لكن الصواب عون ولي الأمر المسلم على ما هو فيه والإبقاء على البيعة الشرعية ، والوصول من خلالها إلى الجهاد ، لكن إذا في هناك غرفة والغرفة فيها كنز واضح، الطريق الأول إيجاد المفتاح ، إذا كان الكنز يتضرر بعدم المفتاح لكن اجعل المسألة إن نلت المفتاح ظفرت بالكنز ، فإذا أبقينا على لحمة المسلمين ونخرج على ولاة أمرنا وتكونت الدولة ، وتلاحمت وأسست اقتصاديا وعسكريا مرتقى صعبا سيأتي الجهاد ، لكن لا تأتيني وتقول : طيب إذا ما في دولة ماذا أفعل ؟؟ هو طبعا حتى يدلل لك هذا يريد أن يُلغي الدولة بقضية الجهاد فيرتب شيئا على غير سلمه الذي وضعه الشارع .
العمري: وما بُني على باطل فهو باطل .
الشيخ صالح: بني على باطل ما أقدر أقول باطلا أخاف يعني شرعا ، لكني أقول يأتي بطلانه من أوجه أخرى يعني إذا نحكم على قضية نحكم عليها من كل جوانبها ، لكن يعني الذي أريد أن أقوله عموما : "أن الجهاد في سبيل الله عزوجل ذروة سنام الإسلام ، لا ينكر هذا أحد والشهداء من أعلى رفع والمنازل ، لكن الوصول إلى أي مقصود شرعي لابد أن يكون بطريق شرعي" هذا أهم شيء .
العمري: أستأذنك في هذه الاتصالات : منال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(5/17)
متصل: وعليكم السلام ، في البداية نشكركم على هذا البرنامج الناجح الله يجزاكم خير ، ويجزي عنا الشيخ خير الجزاء ، أسألكم عن قول الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) كيف نجمع بين قول الله تعالى وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حديث الصحابي الذي رقي على أحد القوم حينما لدغته العقرب ، وقرأ عليه سورة الفاتحة وشفي من هذا المرض .
العمري: وش الإشكال والتعارض بينهما ؟
متصل: يعني هذا الله جل وعلا يقول :( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) .
الشيخ صالح: واضح السؤال .
العمري: واضح السؤال ، سؤال آخر .
متصل: جزاكم الله خير .
العمري: أم حذيفة السلام عليكم ورحمة الله .
متصل: الله يجزاك خير . أسأل عن آية (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) هل إذا أفتانا شيخ بفتوى وأخطأ فيها ، وأخذنا بالفتوى وهي غلط وهو اجتهاد منه ،هل ينطبق علينا آية (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) ، بالنسبة لشقير الحواجب إذا حددت بالتشقير ، بعض المشايخ أفتى بجوازها ، هل إذا أخذت بها أأثم و الشيخ أخطأ فيها اجتهادا منه أو أنه حلال .
العمري: طيب تسمعين الإجابة . معنا أيضا العنود ، السلام عليكم ورحمة الله .
متصل: وعليكم السلام ، عندي سؤالين لو سمحت . السؤال الأول :هل يوصف الله عز وجل بالمنتقم في قوله تعالى : (وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) ، السؤال الثاني : ما هي الأشياء الثلاثة التي خلقها الله بيده . ومشكورين على هذا البرنامج والسلام عليكم .
أ.العمري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .فضيلة الشيخ والإخوة المشاهدين أستأذنكم أن تكون الإجابة بعد هذا الفاصل تابعونا سويا وابقوا معنا لنواصل حلقتنا ، انتظركم فابقوا معنا .
فاصل
أ.العمري: أهلا ومرحبا بكم مشاهدين الكرام مرة أخرى بعد أن تابعنا هذا الفاصل باسمكم جميعا نرحب بضيفنا ، حياك الله شيخ صالح .(5/18)
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ معمر .
أ.العمري: شيخنا الفاضل قبل الفاصل استقبلنا مجموعة من الاتصالات ، الأخت منال كان عندها إشكالية في قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) تقول كيف يكون القرآن شفاء لغير المؤمن واستشهدت بقصة اللديغ .
الشيخ صالح:نعم ، الله يقول : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) قوله جل شأنه بالمؤمنين متعلق برحمة ، وليس متعلق حصرا بالشفاء .
العمري: الواو استأنافية إذاً ..
الشيخ صالح: هي واو عاطفة ، الواو عاطفة لكن التي بين رحمة وشفاء عاطفة ، لكن بالمؤمنين الجار والمجرور بالمؤمنين متعلق برحمة ، ليس متعلق بالاثنين بالشفاء والرحمة ، بدليل الخبر الذي ذكرته الأخت ثابت وهو أنه قرأ الفاتحة على سيد أولئك القوم فبرأ فقال صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك أنها رقية " فلما برء دل ذلك بوضوح على أنه يُقرأ على غير المؤمن ، لكن كونه رحمة لا يكون رحمة إلا للمؤمنين ، الرحمة بمعناها الخاص ، لأن الرحمة لها معنيين :
? رحمة عامة :هذا يشترك بها البر والفاجر ، فإن الله جل وعلا يغيث الكفار بالمطر، والمطر رحمة.
? لكن الرحمة الخاصة التي ينجم عنها صلاح القلب وعلو المنزلة و زكاوة النفس وطهارة القلب هذا للمؤمنين ، واضح .
أ.العمري: إذاً يعني القرآن يكون شفاء للجميع .
الشيخ صالح : نعم شفاء للجميع ، لكنه لاشك أنه في حق أهل الإيمان أكمل وأولى .
أ.العمري: أم حذيفة تسأل عن قول الله تعالى : (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) وربطها بالفتوى .(5/19)
الشيخ صالح: سؤال فيه يعني نوع من المداخلات لا منطقية ، جزاها الله خير لكن أنا بين لها لها الحق أن تسأل وعلينا نجيب ، يجب أن تعرفي أيتها الأخت المباركة أن إذا أفتى أحد بفتوى وكنت على يقين أنها غير صحيحة لا يجوز لك أن تأخذي بالفتوى .
العمري: ولو لم تكون طالبة علم .
الشيخ صالح :طبعا اليقين هذا عاد كيف يأتي يختلف المتلقي ، لكن إذا كنت مجرد مُقلدة ، لا تدرين قال معمر شيء وقال صالح شيء ، وأخذت بأحد الرأيين ومن سألتيه أهلٌ لأن يسأل وأنت لا تملكين إلا ربقة التقليد فأنت لا تأثمين ولو كانت الفتوى خطأ، فأنت لا تأثمين لأن الله منتهى التكليف : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فإذا سألت من هو من أهل الذكر حتى لو أخطأ في فتواه لا تتحملين أنت الإثم إذا كنت عندما سمعتيها منه تظنين أنها صحيحة .
أ.العمري: البعض يا شيخ يغلب مسألة الأحوط هل يعتبر منهج صحيح ..؟
الشيخ صالح: لا ليس على كل حال .
أ.العمري: الأخت العنود تقول في قوله تعالى : (وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) هل يصح أن يوصف الله جل وعلا بأنه منتقم ؟
الشيخ صالح: الله جل وعلا سمى نفسه بها ، قال الله جل وعلا : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ) فالله جل وعلا منتقم .
العمري: تسأل عن الأشياء الثلاث التي خلقها الله بيده ؟
الشيخ صالح : قال العلماء : " خلق الله جنة عدن بيده ، وكتب التوراة بيده ، والثابت قرآنا خلق آدم بيده ".
? فخلق الله جل وعلا آدم بيده هذا بنص القرآن .
? وخلق جنة عدن بيده فيها أثر اختلف في رفعه وصحته .
? وكتب التوراة لموسى بيده هذا ظاهر القرآن ، (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْء) كتب التوراة لموسى بيده هذا ظاهر القرآن .
أ.العمري: قريبا من هذا كنت قبل قليل في المحاضرة أشرت إلى ثمانية أشياء لا يشملها العدل لعلنا نفيد بها المشاهد الكريم .(5/20)
الشيخ صالح: نعم ، ثمانية لا يلحقها العدم :
1.العرش 2. والكرسي . 3. والقلم ،4. اللوح ، 5. والجنة . 6. والنار . 7. والروح . 8. وعجب الذنب .
فهذه الثمانية لا تبلى لا تعدم .
أ.العمري: أحسن الله إليكم نعود إلى محاورنا ، انتقلنا من سورة البلد إلى سورة العاديات ، استهل الله عز وجل بكثير من الأشياء التي أقسم بها ، المتأمل لكتب التفسير يجد أن المفسرين اختلفوا في تفسير المراد هنا نبين هذه الآراء ، ثم إن أمكن يا شيخ أن ترجح ، بعد أن ترجح إذا ما في شيء من المشقة شيخ لو نصل إلى منهج في الترجيح كيف يمكن لطالب العلم أن يرجح بين هذه الأقوال .
الشيخ صالح : الله يقول : (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * ) السلف –رحمة الله تعالى عليهم – وما أجل السلف صالح السلف ، هؤلاء السلف فريق منهم من قال :
? إن "العاديات" الخيل . من أنها تعدو تسرع .
(ضَبْحاً) صوتا تصدره الخيل إذا عدت غير الصهيل ، الصهيل: صوت الخيل العادي ، والمتنبي يقول :
والخيل تصهل والفوارس والقنى *** وبنات أعوج كل شيء يجمع
على هذا القول وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، يصبح الكلم عن الجهاد ، فالعاديات أيها المبارك هي الخيل، والله أقسم بها حال كونها تعدو وتُظهر ذلك الصوت .
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً) حوافرها إذا التصقت بالحجارة الصلداء تقدح.
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً) دلت السنة على أكثر إغارته صلى الله عليه وسلم في الصباح .
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) النقع: الغبار ، ولا ريب أن جريها وعدوها ، في القتال يثير غبارا ، قال بشار :
كأن مثار النقع حول رؤوسنا *** وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أن الخيل تجعل من فارسها يتوسط بها جمع العدو ، هذا واضح سياقه واضح .(5/21)
الثاني : قول علي رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين المعروف، قال : إن العاديات: الإبل ، ورأى أن جمع هنا ـ نأتي من الأخير ـ (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أنها جمع مزدلفة ،والسنة جاءت أن الجمع مزدلفة ، "وقفت هاهنا وجمع كلها موقف " أي مزدلفة ، وأنه قال وكان في يعاتب ابن عباس، أي عاديات هذه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ما كان معنا إلا فرسان ، فرس لابن الزبير وفرس للمقدام ، هذا ما ينقل عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه .
أ.العمري: لكن لما يا شيخ ربطها بمعركة بدر ؟
الشيخ صالح: هذا الإشكال قائم ،لماذا لم يكون لما بعد ذلك من معارك ، هل وقت نزول السورة ؟ نحن نجهل الآن بالضبط وقت نزول السورة، لكن نقول هذه حكاية القولين ، إذا رأيناهما نحن نعلم أن ابن عباس وعليً رضي الله عنهم جميعا – ابن عباس وأبوه وعلي – خيار خيار الناس بل جميعهم من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما نرحج أحد القولين لا يعني أبدا ولا يجوز نقص الآخر هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين لكن نتكلم كلام علمي بالنظر في القولين ، فنقول إذا تأملنا قول الله جل وعلا (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) نجده يقبل أن يُحمل على الخيل ولا يُقبل أن يحمل على الإبل ، لما؟؟ لأن الخيل تثير النقع والعرب لا تعرف النقع في مدلول كلامها إلا في الحروب ، كما قال بشار :
كأن مثار النقع حول رؤوسنا ** وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه
لكن النقع إنزال غبار ، ويسمى إثارة نقع في الحج والرسول يقول : "السكينة السكنية " لا يتفق ، وكلمة " جمع " صحيح أنها وردت في مزدلفة لكن يصح أن يقال لأي جمع جاءت نكرة ، فيصح أن تقال في أي جمع ، ثم إن "الضبح" المشهور في لغة العرب أنه للخيل لكن هذا تجوزه اللغة أحيانا أن ننقله إلى أصوات الإبل ، يجوز يعني تجوز اللغة كما قال بعض أئمتها أن يقال في أصوات الإبل تجوزاً .(5/22)
أ.العمري: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً) تحتمل في الإبل ؟
الشيخ صالح : موريات تحتمل الإبل ، لكن (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً) طبعا السنة قلنا لكن علي أجاب بأنه الصباح من مزدلفة إلى منى ، لكن ترى هذا القول في ظني أضعف ، فعليّ أعلى ، القول أضعف لكن علي أعلى في المسألة منا ، لكن قلت مرجحات قول ابن عباس من حيث قواعد اللغة أقوى لقوله جل ذكره: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) .
أ.العمري: شيخنا خلني نعمم حديث نوعا ما كأنك في مسألة الترجيح ركزت كثيرا على مدلولات اللغة في مسألة الترجيح .
الشيخ صالح: لأن القرآن بلسان عربي مبين ، ما الذي العرب تستخدمه ؟ هذا مهم إلا إذا كان هناك نص شرعي ظاهر في الآية عن النبي صلى الله عليه سلم أو أجمع الصحابة عليه ، نطرح أرآءنا ونأخذ رأيهم .
أ.العمري: هل هناك من طرائق أخرى ممكن نستخدمها في الترجيح ؟
الشيخ صالح: *هي القضية اللغوية .
? معرفة الحدث .
? معرفة أقوال الصحابة والجمع طبعاً هناك قضية في قضية أن القرآن يفسر القرآن بالقرآن والقرآن بالسنة ثم التفسير بأقوال الصحابة ثم التفسير بإجماع أقوال الصحابة ، ثم بمشاهير المفسرين من التابعين ، وهناك طرائق متعددة .
أ.العمري: شيخنا أنت معجب بالمتنبي ؟
الشيخ صالح: والله أنا ضدهُ ، لكن شعره أحيانا لكن كشخصية لا والله .
أ.العمري: إذن نقف مع البيت الذي ذكرته .
الشيخ صالح: المتنبي لسانه بالعامية بين قوسين " متبرئ منه " وهو يقول هذه الأبيات قالها في رجل اسمه أبو فاتك قال يرثيه :
الحزن يقلق والتجمل يردع ** والجمع بينهما عطي طيع
أيموت مثل أبي شجاعة فاتكٍ ** ويعيش ( ويذكر كلمات بذيئة لا أقولها ) إلى أن قال:
تصفوا الحياة لجاهل أو غافل ** عما مضى فيها وما يتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسه ** فيسومها طلب المحال فتطمعُ
منها البيت :
والخيل تصهل والفوارس والقنى ** وبنات أعوج كل شيء يجمع(5/23)
طبعا أي واحد يسأل إيش "بنات أعوج " ؟ ما بنات أعوج ( بالفصحى ) ؟
بنات أعوج العرب تقول إن أعوج هذا خيل فحل عندما كان مهرا أصحابه كانوا ظنين به فجاءتهم غارة فوضعوا أشبه بالدولاب أشبه بالصندوق عليه وحملوه، وهو يومئذ مهر صغير، ووضعوه طبعا كأن الصندوق أو المكان الذي أخفوه فيه ضيق ، فأعوج ظهره ، وأسهم هذا في أن يكون ضربه يعني إتيانه للإناث من الخيل أقوى ، فصار النسل من تلك الأفراس التي لقحها جاء قويا فأي خيل أجادت بعد ذلك نسبوها إلى أعوج ، هذا المهر الأعوج الذي كان يوما ما مهرا أعوج قال المتنبي :
وبنات أعوج كل شيء يجمع .
أ.العمري: قبل أن نترك المتنبي شيخ ،المتتبع قصائده أحيانا كان يثير بعض النعرات ،في عصرنا الحديث وبعض القبائل التي الآن يجد أن الشعر بدأ يستغل في إثارة بعض هذه النعرات سواء كانت على المستوى السياسي أو حتى على مستوى القبائل الاجتماعي ، موقف الشرع من مثل هذا .
الشيخ صالح: طبعا ولي أمر المسلمين أيده الله خادم الحرمين ، قال في كلمته أمام مجلس الشورى : " لن نلتفت إلى هذه الجاهلية " وهذا أمر عظيم جليل يعني ، نسأل الله أن يزيده توفيقا ، نعود إلى ما نحن فيه لا يجوز لأحد أن ينتقص أحدا ، الناس كلهم سواسية ، طبعا المال إذا وضع نصب العين بعدها من يريد جمعه كثير من الأشياء الشرعية لا يبالي بها ، لأن طُغيان المال فتنة طاغية ، إلا من ألجمه الله بلجام التقوى ، فأكثر الناس يقولونها تكسبا ، ويقول أعرف أنها حرام وما يجوز والله يقول ـ قد يحفظ من الأدلة ما لا تحفظ أنت ـ لكن حبه للمال جعله يسوف يقول لعل أجمع ثم أتوب .
أ.العمري: رزق عيالي .(5/24)
الشيخ صالح: الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي رحمه لله علامة القصيم وما أجل علم ذلك الرجل وأنا أقول لطلاب العلم أكثروا من قراءة كتبه والله فيها نفع جم جم جم، ومن دلائل علمه تلميذه العظيم شيخنا العلامة محمد ابن صالح ابن عثيمين غفر الله له ورحمه واسكنه فسيح جنته وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء ، الشيخ ابن سعدي قال هو عن سيرته التي كتبت قال الشيخ ابن عقيل قال : قرأت الشعر ذات مرة فوقع في يدي شعر المتنبي ، فأخذت أقرأه فقرأت قصائد للمتنبي في الهجاء يقول ثم نمت ، فرأيت في المنام كأني أنبش قبرا ، فتقززت نفسي ـ هو في المنام ـ رأيت كأني أنبش قبرا وتقززت نفسي ، يقول :ولما أصبحت علمت أنها بما قرأته من الهجاء ، فأصبحت لا أقرأ شعر الهجاء ، فإذا كان مجرد أنه قرأ شعر الهجاء رأى هذه الرؤيا هذا على ما يدل ؟ الآن نخرج عن الدرس كلهِ ، يدل على أن لله عباد هؤلاء ندروا في زماننا إذا أخطؤا سرعان ما يؤدبهم ربهم ويدلهم على خطأهم ،لما ؟ لقلة خطأهم .(5/25)
لكن أحوالنا نسأل الله العافية لكثرة الأخطاء لا نؤدب بمثل هذا الأدب ، لكن الأكابر أمثال ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه مجرد أنه قرأ أبيات في الهجاء رأى رؤيا تجعله يرتدع عن السير على هذا المضمار ، وهذا من رحمة الله به وذكرني بمحمد ابن سيرين رحمة الله تعالى عليه تعرف تقواه وورعه ، هذا آخر حياته سُجن أفلس فحجر عليه ومات في السجن هو من كرام الناس ، حتى إن أنس أوصى أن يصلي عليه محمد ابن سيرين ، ماذا يقول محمد ابن سيرين ؟ قال وهو في السجن : "والله إنني لأعلم من أين جاء هذا السجن ،إنني قبل أربعين عاماً قلت لرجل يا مفلس" ، وهذا من رحمة الله به أن جاء العقاب في الدنيا قبل الآخرة . هذا باب طويل لكن عموما لا يجوز لأحد أن ينتقص أحدا ولا أن يُحي النعرات المذمومة القبلية أو المذهبية أو غيرها فيجب الحفاظ على لحمت الناس أو لحمة المجتمع إذا أخطأ أحدنا ينصح بالطريقة المثلى أما التشهير والإعلان فهذا غالبا غالبا قد لا يكون القصد منه النصح وإخلاص العمل لله .
العمري : أحسن الله إليكم أبا هاشم ،ننتقل إلى سورة التكاثر ، نقف وقفة سريعة مع بداية السورة ثم ندخل إلى بعض المحاور.
الشيخ صالح : الله يقول : (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) ألهاكم : أشغلكم. والتكاثر : لم يحدد هنا ، وقد قال العلماء بعض العلماء : "أطلق حتى يشمل التكاثر في الأولاد التكاثر في الأموال التفاخر بالآباء ، التكاثر في البنيان ،يبقى شاملا" .
والقرآن يدل أيها المبارك ، والله يقول: ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) الآن انظر أيها المبارك بلاغة القرآن ، يقول : لعب ، ولهو ، وزينة ، وتفاخر .
اللعب أين يكون ؟ عند الصبيان ، اللعب غير اللهو الأطفال الصغار يبنون بيوت من طين إذا جاء المغرب هدموه ، يأتون بأشياء خرافية ما تعقل هذا لعب .(5/26)
اللعب ليس له قانون ، ليس له نظام يضبطه يسمى لعب ، فهي في الأطفال أكثر أو في الصبيان . خلينا في الألف والنون هذه نحتاجها .
اللعب في الصبيان ،
اللهو : منزلة أعلى في السن يكون في الفتيان ، مثلا الذين يلهون بالكرة ، الكرة لها نظام فيها قانون الذين يلعبون ورق مثلا الورق له قانون له نظام طبعا محرم لكن لا أتكلم الآن عن الحلال والحرام نتكلم عن وصف الحياة الدنيا ، اللهو يكون بين الفتيان ، طبعا أنا أتكلم في الغالب .
الزينة أين تكون ؟ في النسوان ، وأنت الآن ترى امرأة تستنفر عشيرتها كلهم حتى تعين فتعين فإذا عُينت ضرب بها أقاصي البلاد فقبلت ،فتكلفت أن تتيقظ قبل الدوام بساعتين وتعود بعد خروج الناس بساعتين ، لتسلم مرتبا يذهب جله إن لم يكن كله في الزينة ، فالزينة أين ؟ في النسوان .
والتفاخر يكون في التجار بتعبير أوضح في الأقران ، فالأنداد يكون بينهم التفاخر ، تفاخر ملوك ، تفاخر أمراء ، تفاخر تجار ، تفاخر علماء ، تفاخر سمي ما شئت يعني جميع الطبقات ، يقع بينهم التفاخر قال تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) التكاثر ينجم عنه التفاخر، ألهاكم : أشغلكم هذا التكاثر ، (حَتَّى) وصل بكم الأمر ،(زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) على خلاف في المعنى والأظهر عندي يعني حتى الموت .
وإنما سميت الوفاة هنا بالزيارة : لأن مقام الميت في القبر محدد ، قال الله : (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .
أ.العمري: أكتفي بهذا ما يتعلق بسورة التكاثر ، وإن كانت هناك محاور حفاظا على الوقت ، ننتقل يا شيخ لسورة قريش (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) الإخوة على الموقع لديهم بعض التساؤلات حول هذه السورة ، بداية يا شيخ هل هناك من علاقة بين هذه السورة وبين سورة الفيل ؟(5/27)
الشيخ صالح : قيل به بعض المفسرين ،الله يقول : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ * لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) لمن يقرأ بينهما بغير تسمية ، ما معنى لإيلاف قريش ؟ أي كأن الله يقول معنى الآية القرآن يريد أن يخبرنا بأن الله جل وعلا أهلك أبرهة ومن معه فسلط عليهم الطير إكراما لقريش حتى يألفُها الناس ،يعني بتعبير تاريخي قريش عندما أهلكت جيوش أبرهة زاد تعظيم الناس لها ، هذا قول .
القول الآخر : أن الإيلاف لفعل مقدر أي اعجبوا لإيلاف قريش ، لكن ربطها بالأول قوي جدا وعليه كثير من أهل الصناعة في التفسير .
أ.العمري: قبل أن نقف وقفة تاريخية استقبل هذه الاتصالات ، ولعلها تكون الختام ، أخونا زايد السلام عليكم ورحمة الله .
متصل: الله يمسيك بالخير إنت وضيفك الكريم .
الشيخ صالح: حياكم الله .
متصل: أسأل الله أن يمتعك بالصحة والعافية، سؤالي ماذا لو قرأ الإمام بأول السورة إلى ما شاء الله له أن يقرأ ولم يكملها ثم قرأ في الركعة الثانية بسورة أخرى من أولها أو من آخرها حسب قراءته وهل لا بد أن تكون القراءة حسب ترتيب السور كما ورد في القرآن .
أ.العمري: سؤال آخر يا زايد ؟
متصل: شكرا .. شكرا .
العمري: شكرا لك ، أبو أسامة السلام عليكم ورحمة الله .
متصل: وعليكم السلام ورحمة الله .الله يجزاك خير إنت والشيخ ، أنا أول شيء أقترح ودي يعطى وقت أطول للبرنامج ، هذا شيء ، والشيء الثاني عندي بعض الأسئلة الله يبارك فيك ، قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ) الشيخ يعرف أن تميز المائة مفرد وهنا جاء جمع هذا واحد ، الثاني : في قوله تعالى : (وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ) قال "مريضاً" يعني(5/28)
أ.العمري: شكرا يا أبو أسامة ، أختم بجمعان ، السلام عليكم ورحمة الله ، تفضل يا غالي حياك الله .
متصل:تفسير الآية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ).
أ.العمري: تريد تفسير الآية ؟
متصل: نعم .
أ.متصل: أبشر . شكرا لجميع الإخوة المتصلين ، والمتصلات ، زايد يا شيخ طرح مسألة فقهية كما لو قرأ الإمام بسورة ولم يكملها هل يصح في الركعة الأخرى أن يقرأ بسورة أخرى؟
الشيخ صالح: طبعاً هو قصد أمرين : إذا قرأ الإمام مثلا (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ)افتتح البقرة ثم بعد فترة بعد قراءة ركع وبعد ذلك لو شاء أكمل ، ولو شاء قرأ من خواتيم البقرة أومن سورة آل عمران أو غيرها من السور لأن هذا مندرج في عموم قوله جل شأنه : (فاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وهذا يسمى ما تيسر .
الشق الثاني : فيما لو قرأ الإمام مثلا من النساء ثم عاد وقرأ من آل عمران ترجيع ، فعل خلاف الأولى لكن الصلاة صحيحة .
أ.العمري: ولا يأثم ؟
الشيخ صالح : لا يأثم لكنه الأفضل أن يقرأ وفق ترتيب المصحف .
أ.العمري: أبو أسامة ذكر الآية (ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ).
الشيخ صالح: شيخنا الكريم الآن لا أذكر تخريج النحاة لها ، لكن راجعها في الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي .
أ.العمري: جمعان يقول (وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ) لماذا قال(أَوْ عَلَى سَفَرٍ)؟
الشيخ صالح : مريضاً جاءت خبر لكان ، يقال (عَلَى سَفَرٍ ) إخبار أنه على ظهر الطريق أقوى ، لأن على تأتي على قضية العلو والارتفاع .
أ.العمري: أشار إلى آية مهمة بقي معي عشرين دقيقة أترك لك الوقت كامل لتفسير قوله تعالى :(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) .(5/29)
الشيخ صالح : نرجع لمحاورنا ، لأن هذه كما يجب أن يعلم أنا فسرتها في شريط أهل الله وخاصته ، وهذه مسألة إيمانية جليلة القدر ، وقد يكون أجواء البرنامج الشعري والأدبي فيما سلف لا تساعد على الجواب الإيماني ، لكننا على العموم نقول : الله نور ، ورسوله نور ، وكتابه ونور ، ودينهُ نور ، والطريق الذي أرشد إليه نور ، هذا مجمل ما قاله العلماء وقد نص عليه ابن القيم ، في بيان أوفى في قول الرب تبارك وتعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) سأنقلك أيها المبارك إلى مسألة خارج النص ، تفهم منه القضية إن شاء الله ، كان شوقي رحمه الله قد أعطي قدرة شعرية ، فيقول الشعر ، فإذا قال الشعر يأتي طه حسين كان من المعجبين بشوقي ، فيأتي عند أبيات ويقول : " إن تحليل هذه الأبيات وفرزها يُذهب هيبتها فالأحسن أن أيدي النقاد تكف عنها ـ معنى كلامه ـ وإبقائها على ما هي عليه ، كذلك كلام الله في كثير من آياته ولأمر ما قال السلف : " أمروها كما جاءت " فليس كل شيء في القرآن يفصل ، فإنما بعض القرآن تفسيره إمراره كما جاء ، ما يتعلق في أسماء الله وصفاته ،فالله من أسمائه " النور " ومنه هذه الآية فإن ما تبعثه في القلوب آية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ) يختم الله الأمر بأن كل شيء بيده فقال جل وعلا : (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وأنت ترى من يسكن على مقربة من الحرمين كم أعاقته نفسه السيئة(5/30)
على يذهب إليهما ، ومن يسكن في أقاصي الدنيا لو رأى الحرمين على شاشة التلفاز لم يستطع أن يمنع دمعته ، وهذا هو حقا من دلائل قول الله : (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ)، يخرج من بلاد الحرمين رجل يبحث عن الفسحة في دين الغرب ، حتى يقع فيما يقع ، ويأتي رجل يترك كل تلك الحضارة كلها وراء ظهره ليدخل في الحرمين ليأتم بالزهاد والعباد ، ومن يصوم وغير ذلك ، فتتذكر قول الله: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) ، وهذا كما قلت باب طويل جدا .
أ.العمري: طيب نعود إلى محاورنا .
الشيخ صالح: بعد إذنك .ونحن أقل شانا من أن نتكلم بمثل هذه .
أ.العمري: فيكم الخير شيخ صالح ، قريبا من سؤال الأخ زايد الإخوة سألوا في الموقع يقولون بالنسب لقصار السور الآن بدأ من بعض أئمة المساجد يحافظون عليها في صلاة المغرب ، هل فعلهم يعتبر إقتداء بالسنة ؟
الشيخ صالح: السنة ورد فيها قراءة المرسلات ، وورد فيها قراءة الأعراف ، لكن الترتيب النبوي عموما أن صلاة المغرب أقصر الصلوات إطالة إقامة، وهذا ينجم عنه الحديث بدهي جدا أن يكون القراءة فيها تكون قراءة قصيرة ، وبعض العلماء الفقهاء يقول : إن هذا كان في زمن بني أمية ،أيام خلافة عبد الملك ابن مروان .(5/31)
لكن نحن تجاوزنا قضية لإيلاف قريش ، تكلمنا فقط عن قضية ربطها بالأول لكن قضية رحلة الشتاء والصيف قد يمكن يفاد الناس تاريخيا ، طبعا والذي نجم ماذا ؟ لما أهلك الله أيها المبارك جيش أبرهة ، العرب كانت إلى حد ما تعظم قريش لوجود البيت ، لكن لما تسلط عليهم الأعداء ورد الله الأعداء زاد التعظيم فأصبح العرب يقولون هؤلاء أهل الله ،وسكان حرمه لا نستطيع أن نقربهم ، لكنهم هم القرشيون لم يفطنوا إلى هذا فكانوا يجوعون، فوقع في قلبي هاشم الذي هو عمرو ابن مناف وقع في قلبه انتهاز هذه الفرصة ، فسن لهم رحلة الشتاء والصيف ، رحلة الشتاء إلى اليمن تهامة أسفل أشد حرا ، ورحلة الصيف إلى الشام ومكة حارة فيذهبون إلى الشتاء ، في هذه الفترات كانوا يتاجرون ، من يذهب غيرهم من التجار يتخطف ، ويُغلب ويُهلك ، أما هم معظمون ، كلما دخلوا سوقا كلما مروا على ديار ، كلما أتوا قوما قالوا: هؤلاء أهل حرم الله ، هؤلاء الذين سد الله عنهم أبرهة وجيشه ، فهذا الموقف استغل سياسيا جدا ، الموقف السياسي استغل اقتصاديا فكان سبب في رخائهم ، فذّكرهم الله جل وعلا وقلنا هذا الربط بين السورتين فذكرهم الله جل وعلا بقوله : (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ)فإذا كنت قد أنعمت عليكم لأنكم في دياركم يتخطف الناس من حولكم وأنتم آمنون ، وفي أسفاركم أنتم معظمون وجب عليكم أن تعبدوني دون سواي ولهذا قال الله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)، وفي هاشم هذا الذي قلنا اسمه عمرو قال مادحه :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه *** قوم لمكة مستنين عجافِ
ضمت إليه الرحلتان كلاهما *** سفر الشتاء ورحلة الأصياف(5/32)
من أجل هذين البيتين سميت ابني هاشما ، وإن كان لا علاقة للناس به ، لكن ينبغي على قراءة التاريخ استنباط العبر معرفتها حتى يستطيع الإنسان أن يتأمل كلام الله ، قال الله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) وتلحظ أستاذ معمر ، قضية أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لم يقل الله عن جوع لأن "مِن " هنا تفيد أن النفع الإلهي لهم أنه يصل إلى مرحلة متقدمة جدا بأنهم يستمروا في أنهم محبوبون لأن الله جل وعلا منع غيرهم من أن يتسلط عليهم وأطعهم بأي شيء بأن الله جل وعلا ساق إليهم ما أعطاهم ، وهذا طبعا مرده أصلاً لدُعاء الخليل (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ).
أ.العمري: أقف يا شيخ مع آخر آية الله جل وعلا يمتن على قريش بالأمن من الخوف والأمن الغذائي المتتبع لأحوال الأمة الإسلامية الآن يجد أنها تفقد هذين الأمرين في كثير من هذه البلدان حاجة الناس إليهما يا شيخ .
الشيخ صالح: الحاجة تبقى ملحة ، ولا يحفظ إلا رب العباد ، ومن أسباب حفظ رب العباد لعباده إقامة شرعه ولا ريب أن إقامت شرع الله أعظم ما يمكن أن يتعبد الله جل وعلا به ، (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) فتعبد الله جل وعلا بإقامة شرعه من أعظم أسباب حصول الأمن في النفوس ، في البلدان والأوطان ، فمن أعظم أسباب درّ الرزق على العباد ، وأنت تلحظ أن البلدان التي فقدت هذين الأمنيين يقع بينهما الاقتتال لماذا ؟ لأن الناس تقاتل على المطعوم هذا واحد ، ثم إنه إذا انسل قضية الطاعة لولي الأمر فإن الإنسان أصبح الناس كل يطالب بحقه وكل يريد أن يقيم الحد بنفسه ، كل يريد أن يذود عن حوضه بسلاحه ، فينجم من ذلك الاقتتال والتحارب والفرقة والاختلاف ومن هنا جاء الدين بأن الله تبارك وتعالى على لسان نبيه أمر عباده بالسمع والطاعة لمن ولاه الله الأمر(5/33)
أ.العمري: أخونا من الجزائر كان طلب تفسير سورة الكوثر ، ولعل لها مناسبة مع ما حدث في الآونة الأخيرة .
الشيخ صالح: الشاعر يقول :
يا هابطا أرض الجزيرة مرحبا *** أرض الجزائر مهبط الشجعان
الجزائر بلد المليون شهيد ، كما يقال عن موريتانيا اليوم أنها بلد المليون شاعر ، نحن نشهد الله أنا نحب المسلمين في كل قطر بما فيها الجزائر ، أما تفسير سورة الكوثر أيها المبارك ، فإليك هو مجملا بما يناسب الحلقة الرب تبارك وتعالى عظم هذا النبي الكريم تعظيما تعبدنا به ، تعظيما شرعيا لا يرتقي به إلى مقام الإلوهية لأنها هذا حق محض لله ، لا ينازعه جل وعلا فيه أحد ، كان من حوله من الأعداء عليه الصلاة والسلام يحاولون أن ينتقصون من قدره بشتى الطرائق فجاء القرآن يثبت لنبينا صلى الله عليه وسلم العلو الدنيوي ، والعلو الأخروي ، فبدأ القرآن بالعلو الأخروي ، فقال الله : (إِنَّا) وهذا أسلوب تعظيم . (أَعْطَيْنَاكَ) يعني و ما دمنا نحن أعطيناك فلا سبيل لأحد أن يمنع عطايانا ، فنحن أعلم من نعطي ، والله يقول : (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) .
(الْكَوْثَرَ) هو شامل لكل خير ، لكن الصواب :أنه نهر في الجنة ، هذا النهر له ميزابان ، يصب أين ؟؟ يصب خارج الجنة ، في أي حوض ؟ في الحوض المورد الذي تسقى منه أمة محمد صلى الله عليه وسلم .(5/34)
فـ(الْكَوْثَرَ) نهر في الجنة له ميزابان يصب في حوضه صلى الله عليه وسلم في ساحة العرض التي عليها الحساب قبل دخول الجنة ، وقد نشأ فئام من الناس في عصر الصحابة بعد وفاة الرسول ينكرون الحوض فقال أنس أو أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه : " والله لقد خلفت ورائي في المدينة عجائز ما صلين صلاة إلا سألن الله أن يسقيهن من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم "، ولا ريب أن الأنبياء عليهم السلام بينهم التنافس في الخير ، والغبطة فيه ولهذا قال عليه لصلاة والسلام : " وإني لأرجوا الله أن أكون أكثرهم تابعا " والصواب أن لكل نبي يوم القيامة حوض لكن حوضه صلى الله عليه وسلم لا يعدله حوض أحد من أحياض الأنبياء وهذا معلوم أن أنبياء الله في الدرجة العليا دينا ودنيا .
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أمره الله جل وعلا بعبادته ، كلاهما يجب تحقيق التوحيد فيهما فلذلك قال : (لِرَبِّكَ) وهذا يفيد الحصر، لأنه (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) لا لغيره ولا معه أحد ، بعض العلماء عفا الله عنهم من المفسرين فهم من الآية (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فهماً غير المشهور ، هو قال: رفع اليدين يكون إلى النحر ، يعني وصل لربك رافعا يديك إلى نحرك ،وهذا بعيد لأن السياق اللغوي من عرف أساليب العرب لا يمكن أن يقول بهذا ، لكن قلت أنه موجود لأنني إذا أردت إثبات حقيقة أنفي أول شيء ما هو مرجوح ، والصواب أن النحر المعروف وهو يكون في الوهدة وهو يقابل الذبح في بهيمة الأنعام الأخرى ، لكن قد يُتَجوز فيُقال في الذبح أنه نحر ، (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) الصلاة أعظم ما يسأل عنه العبد ، وهي صلة بين العبد وربه ، وكونها ركن عظيم أمر متواتر متظافر بين المسلمين ، (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فصلاة لفظها له عليه الصلاة والسلام ولا ريب أن النحر فيه إقامة شعيرة عظيمة وفيه نفع للغير .
((5/35)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ) الشانأ: العدو الخصم ، الأبتر في اللغة : من بتر بمعنى مقطوع ،هل هي مقطوع نسلا ؟ مقطوع ذكرا ؟ وارد ، لكن أكثر من عادى النبي صلى الله عليه وسلم مفتخرا بولده الوليد ابن المغيرة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ـ الآن لاحظ ـ الوليد ابن المغيرة له ذرية ، والنبي صلى الله عليه وسلم له ذرية هؤلاء الذرية الذين للوليد كان نموذج ممن شانأه عليه الصلاة والسلام ، كانوا فريقين:
? فريق آمن ، فلما آمن مثل خالد انقطعت الصلة بينه وبين أبيه ، فأصبح لا ينفعُ أباه .
? ومن كان كافرا من بنيه هو لم ينفع أباه بالكلية لأنه لا يقبل منه عمل، فأصبح أقطع لا انتفع بالابن الكافر ولا انتفع بالمؤمن ، وهو صلى الله عليه وسلم انتفع بأبنائه ،فقد يقول قائل كيف انتفع بأبنائه ؟؟ لما ماتوا مؤمنين رضي الله عنهم أجمعين ماتوا مؤمنين في حياته أصبحوا في ميزانه ، أصبحوا في ميزانه فنفعوه صلوات الله وسلامه عليه ، لأن الميت إذا مات وصبر من كان حبيبا أو والدا أو ولدا له واحتسب كان ذلك الميت ثِقْلًا في ميزان من بقي واحتسب ، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم نفع أبناءه وانتفع هو ، وأما عدوه الوليد في مقام الأول كان أبتر أقطع لم ينتفع بشيء هذا بوجه خاص ، وجه عام أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، وينتهي إليهم كل شرف وفخر كما قال الفرزدق :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم
إلى أن قال :
هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله *** بجده أنبياء الله قد ختموا
إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم(5/36)
والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما جاء في حديث عائشة أنه جلل الحسن والحسين وفاطمة وعلي بكساء وقال : تلا الآية (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الآن ننيخ المطايا هنا عمداً من الذي روى الحديث ؟
عائشة المتهمة ظلما بأنها عدوة لآل البيت ، وهذا الحديث من أعظم الدلائل على أنه لم يكن بين أمنا أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، رضي الله عنها وبين آل البيت شيء ، أما ما وقع بينها وبين علي فوالله نثبته ولا ننكره لكن هي قالت :" ليس بيني وبين علي إلا كما يكون بين الحمأة ومن حولها " لأنه طبيعي يكون دائما في البيوت هؤلاء صحابة شيء بشري ،" وإنني عارفة له قدره" ،وكان ورضي الله عنه يعرف لها قدرها ، فهؤلاء أصحاب أخيار ليسوا بمعصومين لكن من دلائل سلامة قلبنا وحرصها على نقل الخير للأمة وقيامها بأمانة الدين أن هذا الحديث الذي يظهر فيه بجلاء فضل آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أولئك الخمسة أصحاب الكساء رضي الله عنه وأرضاهم الناقلة إلينا إياه هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و أرضاها ، فأي بعد ذلك يقبل قول من يقول : أن هناك شيء بين عائشة وعلي أو أن علي كتم شيء عن عائشة و أبي بكر ، أو أن أبا بكر وعائشة كتما شيء عن علي .
أ.العمري: يا شيخ نعود إلى لفظة الأبتر، كيف يمكن أن نطبقها الآن في الوقت الحاضر من الأشياء التي وقعت ؟
الشيخ صالح: يمكن تطبيقه من وجوه عدة:(5/37)
والله ليس هناك شيء أعظم قطع من دخول الجنة ، لأن الدنيا ما جعلها الله جل وعلا دار جزاء ، فكل من تراه معاديا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما مآله إلى أن يموت فإذا مات ليس له إلا النار ، إن مات على كفره ، وكفى بذلك قطيعة ولهذا لابد أن تربط المسألة أخرويا ، فلا نقول أنها محصورة في الدنيا ، إن الله قدم بقوله : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ثم إن الكوثر عقيدة أخروية فلا بد أن تربط آخر السورة بصدرها ، فعندما تريد أن تفهم الأبتر يجب أن تعرف الكوثر، فإذا عرفت أن العطية جاءت أخروية لا تجعل الأبتر بقطع الدنيا فقط ، وإنما هي قطع الآخرة .
أ. معمر : في دقيقتين يا شيخ أعود إلى مسألة قصار السور ، الأخ عارف على الموقع كان يقول بعض مدرسي حلقات التحفيظ ينتهج منهج يطلب رأيك ، يقول يطالبون الناشئة بأن يحفظوا قصار السور ثم بعد ذلك يبدؤوا من سورة البقرة ، الأخت شذى الأمل أكملت هذا السؤال تقول هل لكم من نصائح توجهونها لمن يتولى أمر هذه الحلقات فيما يتعلق بقصار السور.
الشيخ صالح: هو هناك نقطة ، الإخوة الفضلاء في جمعيات التحافيظ على خير عظيم جدا جدا، ولا يحتاجون مني إلى شهادة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " لكن لهم مرجعيتهم ، وأنا لا استطيع أن أتدخل لكن إن كان من باب رأي فعلهم أن يبدؤوا بقصار السور جيد لأن الإنسان يحتاج أن يكون في قلبه شيء من القرآن ويصلي به و يرغبه في الطاعة ، لكن ثمة سور أرى إرجاء حفظها في السنوات الأول .
أ.العمري: مثل .
الشيخ صالح: مثل سورة التحريم ، سورة الطلاق ، لأن الإنسان مما يساعده على الفظ فهم المعنى وهذه أشياء لا يفقهونها ، فيؤخر ويرجأ قليلا إلى حين ، أمثال هذه السور ، ويرشدون إلى سور ذات صبغة قصصية ، كالكهف ومريم .(5/38)
أ.العمري: أستأذنك في سؤال أخير أستأذن أيضا الأستاذ ياسر،شيخنا يقول أخونا عابر يقول خلال الصلاة السرية خلف الإمام هل يجوز للمأموم أن يقرأ بأكثر من سورة فيما يتعلق بقصار السور .
الشيخ صالح: نعم ، ما لم يركع إمامه في الصلاة السرية ، يقرأ ما شاء أن يقرأ من قصار السور سورتين ثلاث أربع ، إلى أن يركع إمامه ، ليس في الصلاة سكوت .
أ.العمري: أحسن الله إليكم ن شيخ صالح أتقدم لكم بجزيل الشكر ، جزاك الله خير ، وأترك لك ختام الحلقة .
الشيخ صالح: أحمد الله جل وعلا على فضله ونعمه سبحان الله، الله رحيم ، نحن عندما أسسنا سويا مع الإخوة في قناة المجد هذا البرنامج بصراحة ـ نكشف شيء من الغطاء ـ كنا نريد أن نخرج عن ربقة الشرف الذي في محاسن التأويل وأردنا أن نجعله أدبيا ثقافيا شعريا ، لكن الله كان أرحم بنا من أنفسنا ، فعدّل الله نوايانا ، وجعلها حتى هذا اللقاء كثير من اللقاءات التي مضت تدارست القرآن ، لكن نحاول هنا أن الصبغة العلمية تقل ، ويكون في إثراء ثقافي اجتماعي لمن يراه من الناس في مثل هذه الأمسيات ، وبالنسبة لمحاسن التأويل كما تعلم إن شاء الله سيعاد بثه في الدورة القادمة ، وسنعيد بإذن الله تسجيل كثير من الحلقات لكن السفر وكثرة الصوارف والصحة وأمور أخر منعت من الاستمرار بقوة فيه .(5/39)
أشكر لك ، أشكر للأستاذ ياسر ، أشكر للفضلاء في منتدى القطوف الدانية و منتدى محاسن التأويل ، و عبد الرحمن سالم وكذلك الأخ أمين دمدم المكنى والملقب غيووور وله ما شاء الله تبارك وتعالى جهود كبيرة وواضح ، وأشكر لجميع مثل الأستاذ عاصم الغامدي ، يزيد الهريش ، وأشكر اليوم الأستاذ عبد الله السيف وفقه الله محاضرة في الرياض الحمد لله وفقنا الله فيها ،في مسجد الشيخ ياسر الدوسري، مسجد الدخيل ، والمقصود هذا كله بفضل الله ورحمته ثم بهؤلاء الإخوة مشكورون الفضلاء كذلك تصلني كثير من الأسئلة الإخوة عن طريق الحبيب الغالي الأستاذ فهد أبو حسين وفقه الله ، وأتعبته في قضية عدم الرد السريع لكنني سأحاول بإذن الله أن أرد على جميع أسئلتكم واستفساراتكم أشكر لأخي أبي عبد الرحمن الأستاذ عايد في الكويت كذلك قيامه بالإشراف العام هنا وهناك في دولة الكويت المهم أنه ولله الحمد أردنا بالبرنامج أن يكون أدبينا ثقافيا نجنح فيه للشعراء ، فأبى الله إلا أن يكون في أفضل كتاب أنزل على خير الأنبياء .
العمري: جزاك الله خير ، والشكر موصول لكم أيها الأحبة على طيب متابعتكم ، شكر خاص لجميع الأعضاء والعضوات الذين أثروا هذه الحلقة لدي الكثير من التساؤلات طرحت ما استطعت منها في هذا اللقاء ، وما كان بعيدا عن موضوع الحلقة أعتذر منكم ، الشكر للجميع المشاهدين الذين أكرمونا بهذه المتابعة أسأل الله عزوجل كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا في جنات النعيم ، أستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ............(5/40)
حلقة القطوف الدانية لشهر ذو القعدة لعام1428هـ
الأستاذ معمر : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبة أجمعين مشاهدي الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم الشهري القطوف الدانية
مرحباً بكم في بداية السنة الثالثة منذ انطلاقة هذا البرنامج مشاهدينا الأعزاء يصطفي الله من خلقه ثلة من البشر ويختارهم دون سواهم لينالوا شرف التوجه إليه ويركوا خلفهم الأحباب والأصحاب متعبدين له سبحانه وتعالى بعبادة تمثل ركناً من أركان الإسلام يجزل لهم على هذه العبادة الأجر والثواب متى أخلصوا له وحده النيات وأتبعوا منهج سيد البريات عبادة الحج على الأبواب وكل سؤال يحتاج إلى جواب، كيف مهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه العبادة ،ولما دعا الناس ليشهدوا معه أدائها ومن أين سار وما الأماكن التي مر بها
،ثم ما الأحداث العظيمة التي صاحبت حجته صلى الله عليه وسلم
في هذه الحلقة بإذن الله تعالى ستستمتعون بوصف دقيق لحجته صلى الله عليه وسلم يصفها لكم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء تحت عنوان " كيف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أهلاً ومرحباً بكم وباسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ صالح حياكم الله شيخنا الكريم .
الشيخ صالح : حياك الله أستاذ معمر وحيا الله الأخوة المشاهدين والمشاهدات.
الأستاذ معمر : الترحيب موصول لكم أيها الأحبة وأرحب بكم وبتواصلكم مع هذا البرنامج من خلال المنتدى الذي سيظهر بإذن الله في أثناء بث الحلقة أيضاً من خلال تواصلكم معنا عبر أرقام الهواتف التي أيضاً تشاهدونها أثناء بث حلقتنا
اليوم هو التاسع من ذي القعدة والحج يوم التاسع من ذي الحجة بيننا وبين الحج من الآن شهر كامل كثير من الوفود قد وصلت إلى المملكة كثير من الناس يتهيأ الآن لأداء هذه العبادة العظيمة ،،(5/1)
من الأصول المقررة عند كل مسلم أنه لأداء أي عبادة يحتاج لأن يتفقه فيها , دعونا نتفقه في هذه العبادة وأؤكد في بداية هذه الحلقة بأن العرض سيكون بإذن الله عرضاً فقهياً
نتعرض لأهم الأحكام الفقهية بالإضافة إلى عرض تاريخي وعرض إيماني , نحاول أن نمشي مع حجته صلى الله عليه وسلم منذ انطلاقته إلى أن رجع عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كالمعتاد لهذا البرنامج يحرص شيخنا أن يركز على الجوانب التي تفيد الناس والتي ربما لم يسمع إلا القليل .
إذاً كيف حج النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو عنواننا في هذه الحلقة
قبل أن ابدأ في طرح محاوري على ضيفنا الكريم , أهنئك شيخ صالح باستمرار هذا البرنامج والحمد لله لاقى صدى كبير عند الناس ونسأل الله عز وجل قبل كل شيء أن يكتب لنا الإخلاص وأن يتقبل منا
شيخنا الفاضل هذا الموضوع قد يطرح بطرق كثيرة وفعلاً طرح سواء من خلال المؤلفات أو من خلال وسائل الإعلام بأطروحات تختلف من وقت إلى أخر .
قبل أن نبدأ في جزئياتنا إذا أمكن أن نؤسس لهذه الحلقة ونؤسس أيضاً لطريقة عرضكم .
الشيخ صالح : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره وأتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
ونحمد الله جل وعلا على ما كتبه على البرنامج من القبول ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ونسأل الله جل وعلا أن (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ )(5/2)
الذي نريد أن نقوله في هذه الحلقة " هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم " فطواف بالبيت وحج البيت عبادة وأي عبادة وركن وأي ركن , ولما كان لم يطف بالبيت احد ولم يؤدي هذه العبادة أحد أكرم على الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حرياً بالمؤمن أن يعرف كيف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونحن نعلم أن حجه صلى الله عليه وسلم لم يكن بالأمر الخفي فالأمة منذ أن حج صلوات الله وسلامه عليه إلى اليوم وهي تتدارس حجته وتتناقلها وتكتبها كما بينتم , لكننا نحن نسهم بخير في هذا الأمر العظيم قدر الإمكان , وكما بينتم في المقدمة أننا لا نستطيع أن نوفي الموضوع حقه لكننا سنركز على جوانب ثلاث
الجانب الفقهي
والجانبي التاريخي
والجانب الإيماني
ونعلم يقيناً أنه ليس كل من يشاهدنا يريد الحج فقد يكون قد حج من قبل و قد يكون لا - تعيقه الظروف عن حج هذا العام - لكننا نريد كذلك أن يعيش الناس شيئاً من سيرته صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن في خلدهم الحج هذا العام أو قد كانوا حجوا هذه الفريضة من قبل .
الأستاذ معمر : نعم ,, إذاً شيخنا الفاضل دعنا نأخذها بتسلسل تاريخي نبدأ منذ بدايته صلى الله عليه وسلم من المدينة , معلوم أنه صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة ,, ويقول (أتاني آتٍ من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين) ,, يا شيخ نبين المراد من بقوله صلى الله عليه وسلم , أيضاً نبين الوقت الذي أحرم فيه صلى الله عليه وسلم.(5/3)
الشيخ صالح: نعم , أختلف الناس أي العلماء وأهل التاريخ في اليوم الذي خرج فيه النبي صلى الله عليه وسلم , وظاهر الأمر والعلم عند الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في مسجده أربع ركعات ثم بعد أن صلى الظهر لم يحرم بشيء لأن المسجد ليس بميقات , وإنما توجه إلى ذي الحليفة المعروفة اليوم بـ " أبيار علي " لما أتى ذي الحليفة صلى فيها العصر ركعتين ثم مكث فيها فصلى فيها المغرب والعشاء وفجر الأحد ثم قال صلى الله عليه وسلم أتاني آتٍ من ربي فقال : صلي ركعتين في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة
الوادي المبارك هو وادي العقيق وأصل مياهه تأتي من غرب الطائف ثم تمر ما بين فيه جبال في المدينة أسمها جبال قد يقال لها جبال بالعافية أقدس يمر بينها وبين بعض الحرار ثم حتى يأتي إلى بعد جهة يسمى الآن بالعامية الأيتمه .. يمر على النقيع ويلفظه الناس " النقيع " أو كلمة نحوها
با..يوجد اللسان العربي الفصيح .. واللسان الدارج بينهما شيء من الفرق , لكن أنا أحاول أن أقرب المعنى ,
هذا إلى الآن لا يسمى عقيق حتى يأتي إلى مصب إلى هنا في أبيار علي الآن فيسمى عقيقاً , والعق بمعنى الشق لأنه يشق حراء , وادي العقيق النبي صلى الله عليه وسلم سماه وادي مبارك وقال : أتاني آتٍ من ربي فقال : صلي ركعتين في هذا الوادي المبارك
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ظهراً , الظهر صلاه في مسجده يوم السبت ثم صلى العصر والمغرب والعشاء والفجر في ذي الحليفة ثم صلى الظهر , بعد الظهر - صلى الظهر ركعتين , فلما صلى الظهر ركعتين أهل صلى الله عليه وسلم قائلاً : " لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "
أستوى قائماً في مسجده ثم لبى بعد أن ركب بعيره وأستوى به بعيره قائما ثم ظاهر الآيات انه صلى الله عليه وسلم كذلك لبى بعد ان استوت به راحلته على البيداء - والبيداء في اللغة الصحراء - قال المتنبي :(5/4)
عيد بأي حال عدت يا عيد ***بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم *** فليت دونك بيد دونها بيد
والبيداء الآن طريق جدة مكة القديم , الآن أبار علي مسماه أبار علي ، أهل المدينة الآن التي فيها مسجد الميقات كان المسجد يسمى مسجد الشجرة , إذا خرجنا منها وجعلنا مسجد الميقات على يسارنا وتوجهنا هناك فيه أشارة
إذا توجهنا إلى طريق جدة مكة القديم يأتي كلية المعلمين على اليمين ثم تأتي بعد ذلك طريق يؤدي إلى طريق الهجرة يسار
إذا مضيت يعني لم تذهب لا يميناً ولا شمالاً مضيت على وجهتك إلى طريق جدة مكة القديم بعدها بقليل تأتيك البيداء هذه التي قصدت ثم يأتي بعد ذات الجيش منطقة أسمها ذات الجيش وهي المنطقة التي فقدت فيها عائشة رضي الله تعالى عنها قلادتها في القصة المشهورة في حديث الأفك هذا مبدئياً ما وقع في أول أيام خروجه صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة
الأستاذ معمر : شيخ صالح لا زلنا في البداية أنت أتبعت أسلوب جميل جداً وهو أنه سترد أسماء أماكن كثيرة ذكرها أهل العلم بمسميات تختلف عن المسميات الآن , فأنا أطلب منك باسم المشاهدين الآن أن نحاول أن نذكر المصطلحات المعاصرة لتتضح الصورة .
الشيخ صالح : أبشر ...
الأستاذ معمر : مهم جداً يا شيخ في الرحلة مسألة الصحبة النبي صلى الله عليه وسلم أصطحب بعض زوجاته نحدد من كان معه أيضاً نداءه للناس عندما قال : من أراد ان يحج هذا العام .., ومن سار معه في هذه الحجة
الشيخ صالح : نعم ,, لا شك أن الحج معه صلى الله عليه وسلم فوزاً عظيم ولهذا قال : لمن لم تحج معه بعد أن عاد قال لها : (ما منعك أن تحجي معنا ) ـ امرأة من الأنصار - قال: ذكرت له عذرها وأن لم يكن لديهم إلا شارف واح يعني جمل واحد فقال صلى الله عليه وسلم :(إذا كان رمضان فاعتمري فأن عمرة في رمضان تعدل حجة معي ) كما في رواية مسلم(5/5)
هذا يبين فضل وشرف وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان الحج معه صلى الله عليه وسلم
أما زوجاته فأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أحدى عشر امرأة , اثنتان منهن رضوان الله تعالى عليهن أجميع متنا في حياته " خديجة وزينب بنت خزيمة "
وزينب تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم - خديجة معروف خبرها - وزينب بنت خزيمة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ومكثت معه بضعة أشهر ثم ماتت في قرابة السنة الثالثة فبقي معه صلى الله عليه وسلم تسع زوجات هن اللواتي توفي عنهن - أي مات عن تسع - هؤلاء التسع رضوان الله تعالى عليهن أمهات المؤمنين كلهن كنا معه في حجته التسع جميع أمهات المؤمنين كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته عليه الصلاة والسلام ومعه بعض آل بيته كأسامة باعتباره مولاه والفضل بن عباس سيأتي الحديث عنهم , كانت معه أبنته فاطمة , وعلي كان في اليمن ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وأهل وقال أنه أهل بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم
الأستاذ معمر : جميل , قبل أن نخرج من هذا المحور أنت أشرت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فضل العمرة في رمضان , المتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم يجد أنه أعتمر في ذي القعدة , الناس الآن يتسألون يا شيخ هل الأفضل أن يعتمر الشخص في رمضان أو يكون في شهر ذي القعدة ؟!
الشيخ صالح : العمرة في رمضان تعدل حجة ’ لكن أحب إلى , يعني نقول تتأكد أكثر إذا كان الإنسان ما حج في عامه , أما النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوخى ذو القعدة لأنه ذو القعدة , وإنما وافق أنه صلى الله عليه وسلم غزوة حنين كانت في ذي القعدة فأعتمر فيها , ,انه صلى الله عليه وسلم حجته خرج من المدينة في ذي القعدة فاعتمر فيها , لكنه لم يقصد أن يتوخى شهر ذي القعدة للعمرة فيه
الأستاذ معمر : يعني العمرة في ذي القعدة ليس فضيلة ؟(5/6)
الشيخ صالح : ليس لها فضيلة لكنها توافق عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم , أما في رمضان فمنصوص عليها " إذا كان رمضان فاعتمري " لأن الذي قال للمرأة " إذا كان رمضان فاعتمري " هو الذي أعتمر في ذي القعدة .
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : صلى الله عليه وسلم فلو كان لذي القعدة فضل على العمرة في رمضان لبينه عليه الصلاة والسلام .
الأستاذ معمر : جميل , قبل أن نخرج يا شيخ من ذو الحليفة تعلم أنها حدثت بعض الأحداث , رتبت بعض الأحكام الفقهية إذا أمكن نوجدها للمشاهدين.
الشيخ صالح: من أشهرها أسماء بنت عميس أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب فمات عنها في مؤتة , فتزوجها الصديق رضي الله عنه وأرضاه بعد جعفر فحملت منه فنفست في ذي الحليفة في أبار علي , فلما نفست في ذي الحليفة , أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم تساءلت فأمرها أن تبقي على أحرامها ,أن تغتسل , فمعنى ذلك أنه يمكن للحائض ويمكن للنفساء أن تهل بالإحرام , أي أن تدخل في النسك لكنها تمنع من الطواف في البيت حتى تطهر
وأنجبت محمداً بن أبي بكر الذي بعد ذلك مات الصديق رضي الله عنه وأرضاه عن أسماء وتزوجها علي رضي الله عنه وأرضاه فأصبح محمد بن أبي بكر ربيباً لمن ..؟؟!! لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه , ففهمنا من هذا أن الحائض والنفساء لها أن تحرم بحج أو بعمرة لكنها لا تمكن من الطواف في البيت تمنع من الطواف بالبيت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة , ثم , وتغتسل وقت إحرامها , كذلك جاءته ضباعة بنت الزبير ابنة عمه لأن الزبير ابن عبد المطلب ـ ليس الزبير بن العوام ـ الزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم(5/7)
فجاءته وكانت شاكية وتريد أن تحرم بالحج لكن هل هذا وقع في ذي الحليفة , لا أعلم له دليل إنما ورد مطلقاُ , لكن قد يحمل أنه في البداية , ربما يكون في البداية أو قد يكون في غيره لكن الغالب أنه في ذي الحليفة , وليس هذا موضع الشاهد , موضع الشاهد أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لها اشترطي , لك أن تشترطي " فمحلي حيث حبستني "
" أن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " أختلف العلماء هنا في الاشتراط
فقال باستحبابه طائفة بناء على الحديث
وقال آخرون أنه لم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به الصحابة ولم يندب إليه وإنما قاله لضباعه .
وهذا أقرب أن الإنسان إذا خشي الضرر وخاف شيء أن يصده عن البيت أو يمنعه من أتمام نسكه , له أن يشترط وقد يأتي قائل وهو مصيب لو قال أن السيارة اليوم مخيفة , فلو أشترط الإنسان له ذلك , فعلى ذلك لو أشترط الإنسان قال طائفة من العلماء بجوازه على الإطلاق , بل قال بعضهم باستحبابه
الأستاذ معمر : : لكن الاشتراط يا شيخ مترتب على أن يتوقع ؟
الشيخ صالح : لو وقع شيء , يصبح في حل ولا يترتب عليه فدية ولا سواها .
الأستاذ معمر : لكن نقول أليس من الأولى أن يشترط حتى لو كان لا يخشى من شيء في الطريق , من باب الاحتياط .
الشيخ صالح : لا نقول أولى , لأن لو قلنا بالأولى لكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به الناس , وهو عليه الصلاة ولسلام لم يقوله إلا لابنة عمه .
الأستاذ معمر : طيب , خرج صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة مر بديار كثيرة مر بأماكن متعددة , الناس أحياناً يساءلون عن هذه الأماكن , من باب يا شيخ معرفة أسماءها , أيضاً إذا حدثت بعض الأفعال أو السنن من النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة .(5/8)
الشيخ صالح : نعم ,, في طريقه إلى مكة مر صلى الله عليه وسلم على بئر الروحاء وهي موجودة إلى الآن , وتسمى أحياناً بئر الراحة , وكانت عامرة بكثرة أيام الطريق القديم لكن لما جاء ما يسمى المعروف الآن بطريق مكة السريع أو طريق الهجرة يسمى , لا شك خبا بعض الشيء لكن الآن جاء طريق ينبع السريع فأعاد إليه شيئاً من الحيوية
أنا أتكلم عنها بلغة معاصرة
هذه البئر عندها قابل النبي صلى الله عليه وسلم ركباً لما قال من القوم قالوا مسلمون ورفعت المرأة صبياً لها وقالت ألهذا حج وقال صلى الله عليه وسلم (نعم ولك أجر) , هذا حدث في بئر الروحاء
من المواطن التي مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم وادي عسفان وقال عليه الصلاة والسلام هناك ذكر الناس بأن بعض أنبياء الله ذكر شعيب وذكر هوداً وذكر صالحاً وذكر يونس وذكر في بعض الروايات موسى في مواطن متفرقة أنهم كانوا يمرون بهذا الوادي المبارك
بهذا الوادي لم يقل المبارك , بهذا الوادي ملبين , فمر على عسفان صلوات الله وسلامه عليه , مر على ثنية هرشا المشهورة بالتاريخ
إلى جابي هرشا لهن طريق
مر صلى الله عليه وسلم على ما يسمى الآن بخليص , مر عليها حتى أتى مكة صلوات الله وسلامه عليه .
الأستاذ معمر : تنبيه صلى الله عليه وسلم على مرور الأنبياء بهذه الأماكن ....
الشيخ صالح: نعم ربط ... الإجابة ,, المقصود
الأستاذ معمر : توارد أفكار
الشيخ صالح: توارد أفكار يعني شيء لا بد من إظهاره .. العجلة مني .
الأستاذ معمر : تفضل .(5/9)
الشيخ صالح: وهو قضية أن الأنبياء دينهم واحد , وهذه قضية يجب التنبه إليها (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) ،( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ) .. إلى أخر الآية التي تربط أن دين الأنبياء واحد ،، كما أنه صلى الله عليه وسلم يذكر هؤلاء الأخيار والصحابة الأبرار بما يرثونه من أنبياء الله ورسله وأن دين الأنبياء وطريقهم واحد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الأستاذ معمر : أليس يا شيخ يكون فيه تنبيه على مصدر التلقي لهذه العبادات ولاسيما عبادة الحج لأنها أشياء فعليه قد تكون جديدة على الناس , ربط صلى الله عليه وسلم بذكر الأنبياء ألا يكون إشارة إلى أن مصدر التلقي لهذه العبادة لا بد أن يكون ممن هو أهل لذلك ....
الشيخ صالح : هذا ملحظ جيد وعظيم وهو أصلاً الدين كله لا يؤخذ إلا من الأنبياء , يعني سد الله كل الطرائق الموصلة إليه إلا ما كان عن طريق أنبياءه ورسله .. صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
الأستاذ معمر : وصوله صلى الله عليه وسلم إلى مكة , البعض يتبادر إلى ذهنه أنه بمجرد وصوله , كما يفعل الآن يتجه إلى الطواف مباشرة , هل فعلاً هذه السنة أو النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد بات في بعض الأماكن مسميات هذه الأماكن .(5/10)
الشيخ صالح: ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عبد الله من أعظم الصحابة اقتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما أنه كان ينزل بذي طوى , فإذا نزل بذي طوى بات وأغتسل ثم أتى الكعبة .
الأستاذ معمر : مكانه الآن يا شيخ ؟
الشيخ صالح : مكان ذي طوى فيما يظهر في ما يسمى بالزاهر جملة يعني والعتيبية وشمال جرول لأن كان البئر أقرب إلى جرول
حتى قال بعض ممن أدركنا من العلماء لأنه كان موجود إلى حد وقت قريب , البئر الذي كان يغتسل منه ابن عمر , ويقول ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغتسل منه وهو صادق , كما في الصحيحين , لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مكة بات في ذي طوى ثم إذا أصبح أغتسل صلى الله عليه وسلم ثم يأتي صلوات الله وسلامه عليه إلى المسجد , وهذا قد يتعذر الآن ,,
لكن أحياناً الإنسان إذا قدر على مسألة فردية يعني يفعلها , لا يعلق نفسه بالآخرين , لكن الذي في ركب والذي معه عائلة أو هو أصلاً قائد حملة لأن فعل فعل الناس معه أو تعذر , لا ,, وذلك أنا ا ٌقول ينبغي على من يريد أن يُقيم السنة كاملة أن يتوخى في أحد سني حجه , إذا كان ممن يكثر السنة حج ,, حجة لا يرتبط فيها مع أحد .
الأستاذ معمر : لكي لا يكلف عليهم(5/11)
الشيخ صالح : لكي لا يكلف عليهم ولكي لا يحكموه , أي لا يصبح أمره مقيداً بهم , فليحاول أن يصنع أكثر أو كل ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم , عندما يكون الإنسان يملك أمره غير مقيداً بركب ضعفاء أو بركب جماعة , لأن مثلاً ستون شخصاً سبعون شخصاً حملة تقول لهم أنزلوا في الزاهر ما يستطيعون أن ينزلوا , اغتسلوا في الزاهر ما يستطيعون , يعني يتعذر حتى عقلاً ، لا تخفى على مثلك , لكن الإنسان لو كان فرداً يستطيع يرتب مع أحد أصدقائه في مكة يأخذ شقة مفروشة بالزاهر ثم يأتي يغتسل يبيت تلك الليلة ثم الصباح يأتي إلى الحج قدر الإمكان , أهل الثراء مثلاً , الرسول صلى الله عليه وسلم ساق معه مائة ناقة هدي , إلا يوجد أحد الآن . يوجد كثير من الناس يعني
الأستاذ معمر : يستن بهذه السنة
الشيخ صالح : يستطيع أن يفعلها , هو لا يوجد أحد يفعلها , يعني قد لا يعجز عن ’ يعني أوساط الناس لا يملك قيمة مائة ناقة , لكن كثيرون من الناس يملكون قيمة مائة ناقة , أهل الثراء , الذي يريد الآخرة حقاً يهتدي بهدي الأنبياء , نحن لا نقول أنه يجب لم يقل بهذا أحد , إنما هو الإنسان إذا حج متمتعاً أو قارن عليه هدي واحد , يلزمه هدي واحد , إذا كان متمتعاً أو كان قارن ولا يمكن الجمع بينهما , لكن قد يوجد إنسان يملك مالاً ويأتي بمائة ناقة يبعثها معه إلى الحرم , وينحرها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
الأستاذ معمر : يتقيد بالعدد ......
الشيخ صالح : يتقيد بالعدد تأسياً به صلوات الله وسلامه عليه , لكن عاد يقول الطبري ما , كلمة مفادها في التفسير هو قالها لكن أيش " الله أكبر ماتت الهمم " , يعني الناس أموالهم ,,, نسأل الله العافية.
الأستاذ معمر : هل تنصح الآن في وقت تغيرت الطرق تغيرت بعض الأماكن , هل تنصح أن يحاول الإنسان أن يسير على السنن نفسها .(5/12)
الشيخ صالح: لا بد أنه الإنسان , أنا أخاطب ذوي الهمم العالية وذوي القدرة , لا يكلف الله نفساً إلا وسعها , لكن كما قلت إن الإنسان مثلاً مكلف بزوجته بأمه بأبيه .
الأستاذ معمر : بحملة أحياناً
الشيخ صالح : بحملة , حججت مثلاً أستاذ معمر ها السنة حجج الوالدة السنة التي بعدها حجج الزوجة , فيه قريب مثلاً جداً لاصق بك أختك أو شيء حججت بها السنة هذه , فعلها الأستاذ معمر فعلها صالح , تأتي حجة سنة من السنين ـ أنت أنا أتكلم عنك ـ
الأستاذ معمر : شيخ أخشى أن الوالدة تفهم أنه وعد من السنة هذه .
الشيخ صالح: أيه حججها يا شيخ ,, فتخلوا بنفسك فيقول المرء بنفسه من يتعلق بي قمت بواجبه , أريد حجة تقرب قدر الإمكان مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم لكن الناس الآن ’ أنا لا أريد أن أجرح أحداً انقلبت الموازين الآن الناس تبحث!
الأستاذ معمر : يطلب التيسير
الشيخ صالح : أيه , التيسير محمود , مطلوب , تيسير لغيرك مطلوب أما لنفسك غير مطلوب .
الأستاذ معمر : كيف ..؟!!
الشيخ صالح : يعني مثلاً إنسان قائد ركب قائد حملة ييسر , لأن هذا حقيقة الفقه , لأن المنع كل يستطيع أن يقوله , لكن الشيء الذي أختاره لنفسك نحن لا نقول أنه عسر , محال أن تكون السُنة عسر , لكن الإنسان عندما يملك أمره ليس كغيره عندما لا يملك أمره
الأستاذ معمر : لكن لو كان من غير المدينة , هل نقول يتكلف ويذهب إلى المدينة وبنفس الطريق؟(5/13)
الشيخ صالح : لا ، لا ,, من نفس ميقاته , لا أنا أتكلم من نفس ميقاته ,, لكن أنا أقول توخي السنة وفعلها قُربة و أي قُربة , يجد الإنسان أثرها العظيم في قلبه , ولذلك تتبعنا بعض الصالحين ووجدنا بقولهم أو بإرشادهم أثراً في القلوب , فلما أراد الله أن نقف على بعض ما هم فيه وجدنا أن أكثر ما يتميزون به , وأن كان هم يخفون , أنهم يحاولون أن يتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم , وأنا لا أريد أن أسمي أحداً , لكن أنا أعرف بعض الفضلاء الأحياء ـ حتى لا أفتن الناس في دينهم ـ لم يطف بالبيت إلا ويقبل الحجر في كل شوط
الأستاذ معمر : وهذه سُنة ؟
الشيخ صالح : وهذه سنة .
الأستاذ معمر : التقبيل .!
الشيخ صالح : لو قبل الحجر في كل , والإنسان لو قبله سجد عليه كله ورد , يستلم الحجر في كل شوط , ويوجد آخرون قد يكون حج أو أعتمر عشرات المرات , لم يلمس الحجر قط , طبعاً حجه صحيح ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها , ومحال الوصول للحجر في بعض الأحيان .
الأستاذ معمر : بل في كثير
الشيخ صالح : بل فيه مشقة و الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى عمر إذا وجدت زحام لا تزاحم , هذا كله محفوظ , نحن لا نضرب السنة بعضها ببعض , لكن على الأقل في أيام التي يؤدي فيها العمرة يعني بغير الحج.
الأستاذ معمر : يكون فيها سعة
الشيخ صالح: يكون فيها سعة , قد لا يبالي حتى عندما يرى الناس يستلمون الركن اليماني والرسول صلى الله عليه وسلم في كل طواف كان يستلم الركن اليماني , والنبي قبل الحجر , وتجد بعض الناس ربما يزهد فيه مع أن الركنان يحطان الذنوب حطاً , لكن أحياناً تكون البيئة الفقهية أو التراث الفقهي عند الإنسان غير متوازن , فيشتهر بالناس أولويات لم يعنى بها الشرع , ,إن كانت موجودة بالشرع , وتؤخر أولويات عني بها الشرع وأن كان هو لم يخطئ , لكنه لم يعرف كيف يرتب فقه الأولويات.
مجموعة من الاتصالات(5/14)
الأستاذ معمر : شيخ صالح أستأذنك بهذه الاتصالات , معنا أخونا عيسى عسيري السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله
الأستاذ معمر : تفضل أستاذي
المتصل : الله يحفظك السلام عليكم ورحمة الله
الأستاذ معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل : مساكم الله بالخير الله يحفظك
الأستاذ معمر : حياك الله يا طويل العمر، سؤالك مداخلتك أتفضل
المتصل : الله يحفظك أول شيء نخبركم أننا نحبكم في الله
الشيخ والمقدم : أحبك الله
المتصل : والشيخ صالح جزاه الله خير شكر لكم هذا الجهد يا شيخ تقبل الله منا ومنكم
الشيخ والمقدم : أمين
المتصل : يا شيخ الله يحفظك قبل ما يقارب يمكن ثلاث عشر سنة حجيت مع والدي رحمة الله عليه وموتاكم
الشيخ والمقدم : أمين
المتصل : يا شيخ كنا نمشي من عرفة حتى وصلنا لمزدلفة, ومريت لمزدلفة مرور حتى وصلت لمكان في منى وصلت له قرب الفجر ثم ذهبت ورميت الجمرات , يعني تقريباً أخذت الجمرات بس من المزدلفة ومشيت ما بت فيها , كان المكان زحمة وكنا تعبانين وكذا , ثم ذهبت ما أدري أيش يا شيخ الله يحفظك ويتقبل منا ومنك
الأستاذ معمر : اللهم أمين , سؤال أخر أخوي الكريم
المتصل : أبداً جزاكم الله خير وأبغى الشيخ صالح يراجع شريط " فاجعة الفجر " جزاه الله خير عليها
الأستاذ معمر : اللهم أمين شكراً شيخ عيسى, معنا أيضاً الشيخ نواف السلمي السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله
الأستاذ معمر : حياك الله يا غالي تفضل
المتصل : حياك الله شيخنا السلام عليكم ورحمة الله
الشيخ صالح: وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل : أشهد الله والملائكة والناس أجميعن على حب الشيخ صالح , أحبكم في الله عز وجل
الشيخ صالح : أحبكم الله يا شيخ نواف
المتصل : وأنا اسأل الله المولى عز وجل أن يغفر ذنبكم ويكشف كربكم وأن يستر عيبكم
الأستاذ معمر : أمين(5/15)
المتصل : شيخنا لا يخفى عليكم أن الحج ثروة المتقين ورأس مال العابدين , والحج محاضن للتقوى ومدارس للعبودية , و تتربى فيه النفس البشرية , شيخنا المبارك عندي نقطتين سأعرج عليهما سريعاً ومختصراً وأريد أن تشبعهما شرحاً وتنبيهاً حفظك الله
الأستاذ معمر : طيب تفضل
المتصل : النقطة الأولى هي تحقيق التوحيد والعناية به , امتثالاً لقول الله عز وجل : (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) و الذي ينظر غلى حج النبي صلى الله عليه وسلم وصفان حج النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث التي وردت في حج النبي صلى الله عليه وسلم يجدها مليئة ب التوحيد وأولها التلبية " لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك " ومنها عناية صلى الله عليه وسلم بـ إخلاص العمل لله عز وجل لحديث ابن ماجة : ( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ) ومنها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف سورتي التوحيد الكافرون والإخلاص , وأيضاً بدأ بالصفا بقول صلى الله عليه وسلم : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) و النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي " قال : خير الدعاء دعاء يوم عرفة , ثم قال وخير ما قلت وأنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له " هذه النقطة الأولى يا شيخنا
الأستاذ معمر : والثانية يا شيخنا تفضل .
المتصل : الثانية حفظكم الله وغفر ذنبكم قولوا أمين
الشيخ والمقدم : أمين(5/16)
المتصل : أن الفتن مفسدات القلوب ومزيغات الألباب , وأحياناً تجتمع هذه الجموع العظيمة من الذكور والإناث تكون فرصة مهيأة لحصولها وخاصة فتنة النساء ولا يخفى عليكم ذلك , والشواهد على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص أن يقف في وجه هذا الباب ليه صلى الله عليه وسلم لعنق الفضل بن عباس , وأيضاً إسدال صلى الله عليه وسلم بحضرته الجلابيب على وجوههن وهن محرمات وإذا جاوزهن كشفن وجوههن , وأيضاً توجيه صلى الله عليه وسلم لنسائه بعدم مخالطة الرجال كما في حديث أم سلمة حين اشتكت إليه أنه شاكية قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة , وأيضاً عدم تشريعه صلى الله عليه وسلم لهن الرمل بالبيت لحديث قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها : " يا معشر النساء ليس عليكن رمل بالبيت لكن فينا أسوة " والأحاديث في هذا كثيرة , فنرجو من شيخنا المبارك المسدد الموفق نسأل الله عز وجل أن يسدد لسانه ويثبت جنانه أن يعرج على هاتين النقطتين العظيمتين , والله ولي التوفيق والله اسأل أن يوفقنا وإياكم لأداء حج هذه السنة وغيرها من السنين مخلصين ملبين صادقين والله أعلم وصلى الله عليه وسلم
الأستاذ معمر : شكراً لكم شيخ نواف اللهم صلي عليه وسلم , شكراً لك وشكراً أيضاً للأخ عيسى في انتظار أيضاً مداخلة بعض المتصلين لكن بعد أن نعرض هذين السؤالين
يا شيخ الأخ عيسى عرض مسألة فقهية ، مرَّ بمُزدلفة مرورًا لم يبت فيه ، ومُباشرةً بدأ برمي الجمرات ؟
الشيخ صالح : المبيت في مُزدلفة أكثرُ الليل واجبٌ عند جمهور الفُقهاء ، قال بعضهم برُكنيته ،
وقال بعضهم غير ذلك ، الذي يعنينا هنا إذا كانوا جاءهم من الضيق الوقتي ، بمعنى أنَّ الباصات والسيارات التي كانوا فيها لم تأتي بهم إلى مُزدلفة إلا آخر الليل فمروَّا مرورًا فلا شيء عليهم ، وإن كان بِإمكانهم أن يبقوا وإنما اكتفوا بالمرور ولم يمكثوا شيئاً من الليل فحجهم صحيح بلا خلاف(5/17)
لكن يلزمهم فدية لأنهم لم يبيتوا أكثر الليل في مُزدلفة , بناء ً على القول بالوجوب ، وترك الواجب فيه الفدية ذبحُ شاة واحدة عنه والأخرى عن والده ، وهكذا كل من كان معهُ عليه فديةٌ مستقلة بنفسه .
الأستاذ معمر : الشيخ نواف جزاه الله خيرا ، أضاف إضافات جميلة وداخل مداخلة أعتبرها أكثر من تساؤل ونبه على نقطتين مهمتين وكانت ستأتي خلال المراحل ، لأنها ضرورية في كل مرحلة ، مسألة تحقيق التوحيد وأيضاً الحذر من الفتن.
الشيخ صالح : أولاً أشكر الشيخ نواف جزاه الله خيرًا كثيرًا على هذه المُداخلة المُباركة والتي أراد منها أن يعظ الناس ولقد ووفق وفقه الله تعالى فيما سرده وذكره من آثرٍ صحيحة في الموضوعين اللذين تكلما فيهما ،
أما الأول فإن الله ما بعث الرسل ولا أنزل الكتب إلا ليوحَّد جل وعلا وحده دون سواه ، قال تعالى ({شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }الشورى13) وقال : ({وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }النحل36) وقال جل وعلا : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ }البقرة256) .(5/18)
وما شرع الله العبادات كلها الأركان منها أو الواجبات أو غيرها إلا ليُعظم جل وعلا و يوحد ، ولا يوجد شيء حرص الدين على أن يكون قائمًا في كل أمر مثل توحيده جل وعلا ، لأن هذه هي الغاية الكبرى من خلق الثقلين (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58) الذاريات) والآيات والأحاديث التي ذكرها الشيخ نواف وفقه الله عظيمة المعنى لا تحتاج إلى تعليق من مثلي .
أما قوله في الأمر الثاني قرن معه الإخلاص ، وهذا حقَّ وقد قلنا مرارًا أنهُ ما ارتفعَ شيءٌ إلى السماء أعظم من الإخلاص .
والله غني عن خلقه أجمعين من أخلص منهم ومن لم يخلص ، ثُمَّ ذكر وفقه الله قضية الفتن ولا ريب أن الفتن كثيرةً جدًا وفتنة النساء من أعظم الفتن ، ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أعظم فتن بني إسرائيل وحذَّرنا منها ، فعلى المسلمات أن يتقينَ الله في حجهنَّ وعمرتهنَّ وسائر أحوالهن ، كما على الرجال أن يتقوا الله جل وعلا في النظر ({قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}النور30)
الأستاذ معمر : يا شيخنا الفاضل وصلنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى مكة ، أشرت خلال الإجابات استلامه للحجر ، إذا أذنت لي أن نبين طريقة طوافه الطريقة الصحيحة التي يمكن أن يقتدي بها الحجَّاج.. فيما يتعلق بهذه العبادة بمراحل الطواف المُختلفة.
الشيخ صالح : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ـ إلى المسجد من أعلى ـ من ثنية الحجون عند المقبرة
((5/19)
مقبرة المعلاة ) من أعلى ، والثنية في اللغة : طريق بين جبلين، فدخل صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة وخرج من أسفلها ، وقد قال بعض أهل العلم رحمة الله تعالى عليهم قالوا .. أنه حينما أراد أن يدخل البيت ناسب أن يدخله من علو ليُظهر التعظيم فلمّا خرج .. خرج من أسفله كأنه ( قضية إشعار بحزنه على فراقه ) وهذا قال به بعض الفضلاء ، ولكن لا يلزم أن يكون هو المقصود ، وقال بعض الفقهاء إن هذا كان أيسر لطريقه ، وقيل لتعم بركته صلى الله عليه وسلم الطريقين ، وقيل غير هذا .. لكن هذه أشهر الأقوال في المسألة .
دخله صلى الله عليه وسلم ( المسجد ) من باب ( بني شيبة ) وهذا أقرب الأبواب فيما يغلب على الظن إلى الحجر ، وكان يُسمى آن ذاك باب ( بني عبد مناف ) .
دخله صلى الله عليه وسلم .. لم يُنقل فيما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعاءً عندما رأى الكعبة ، لكن قال سعيد ابن المسيب رحمه الله قال سمعت من عُمر قول لم يبقى أحدٌ سمعه غيري .. وهو أنه قال حينما رأى البيت ( اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيينا ربنا بسلام ) ذهب سعيد إلى أنه سمعه من عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعمر ممن يُقتدى به رضوان الله تعالى عليه ، لكن لا يُحفظ أن شيًء مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا .
بدأ صلى الله عليه وسلم بالحجر فاستلمه ، من أخطائنا الآن أننا نأتي للحجر بزاوية يعني يأتي الإنسان قبل الحجر بقليل ثم إذا حاذا الحجر أشر .. النبي صلى الله عليه وسلم أتى للحجر مُقابلةً ، فيأتي للحجر حتى يُصبح وجه مقابل للحجر مُباشرةً ، هذا إذا قرُبَ منهُ واستطاع أن يستلمه .
أنت تلاحظ في الصور..
أن الإطار الفضي الموجود .. ليس هو الحجر .. إنما إطار فضي .
والذي بداخل الحجر يوجد ثمان قطع بالداخل .. وهذي الثماني قطع أشبه بالتمرات ، بعضهنَّ كبار وبعضهنَّ صغار .. هذي هي الحجر .(5/20)
وإنما تكسَّر بهذه الطريقة لما صنعهُ ( القرامطة ) بالحجر عندما كسروه وأخذوه معهم ثُمَّ رُد ، ثُمّ وضعت هذه الأمور مُجرد جمع بقايا تناثر الحجر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الحجر بوجه و بكامل بدنه صلى الله عليه وسلم ولم يعطهِ جانبهُ ، ثٌمّ قبّله واستلمهُ وفي رواية أنه سجد ( رواية ابن عباس ).
ثُمّ بعد ذلك كبّر صلى الله عليه وسلم ومضى ، وجعل البيت عن يساره .
[ فاصل ]
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح ، دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام ، استقبل الحجر ثُمّ بعد ذلك بدأ في طوافه .
الشيخ صالح : بدأ في طوافهِ صلى الله عليه وسلم فرمل ثلاثًا ومشى أربعا ( رمل بمعنى /أسرعَ في الخُطى مع تقارب الخطوات )، ثُمّ إنه صلى الله عليه وسلم مشى أربعًا كما نصَّ عليه جابرٌ في حديثهِ الشهير .
الأستاذ معمر : والرمل ممكن مع ( الزحمة ) يا شيخ ؟
الشيخ صالح : حتى مع ( الزحمة ) ممكن ، لكنه لو شقَّ عليه .. إذا كان يقترب من البيت ولا يستطيع أن يمشي بطريقة ( الرمل ) فيبتعد عن البيت .. لأن القرب من البيت فضيلة مُتعلقة بالمكان ، الرمل فضيلة مُتعلقة بذات العبادة ، وإذا تنازعت فضيلتان إحداهما مُتعلق بذات العبادة والأخرى بشيء مُنفك عن العبادة ، تُقدم الفضيلة التي تتعلق بذات العبادة ، وإن لم يستطع لزحمة الناس كما هو ظاهر في هذه العصور فـ ( الأمرُ سُنة ).
وبعضهم يفعلها مثل الهرولة وهذه قد لا أجزم بصحتها أو لا أجزم بأنها توافق الرمل أتوقف فيها .
ثُمّ إنه صلى الله عليه وسلم أتى مقام إبراهيم فتلا قول الله جل وعلا
(وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }البقرة125) وصلى ركعتين ، هاتان الركعتان سُنّة لو لم يفعلهما الحاج أو المُعتمر أو الطائف
الطواف يقع سُنّة ما بين حج واعتمار ، طوافهُ صحيح لكنهُ ينبغي على المؤمن أن يحرص عليها .(5/21)
مقام إبراهيم هو الحجر الذي قد ارتقى عليه إبراهيم ليُكمل بناء البيت لمّا ارتفع البناء .
الأستاذ معمر : الإخوة في الكنترول يسألون عن الإضطباع ما أشرنا إليه؟
الشيخ صالح : الإضطباع .. النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ مُضطبِعًا بمعنى أنه أظهر كتفه الأيمن صلوات الله وسلامه عليه .
مقام إبراهيم ... قلنا مرارًا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الآن لله قلبه فالآن الله الصخرة تحت قدميه .
هذه صور أربع مُختلفة عمّا هو عليه الآن ، صورة المقام وعناية الناس به قديمًا وحديثًا .
طبعًا الولاية على البيت سياسيًا تفاوتت عبر السنين ، لكن كُلما كان الناس أقرب إلى السُنّة ، أقرب إلى التوحيد ـ يعني الحاكم ـ ظهرت آثار سياسته وولايته على البيت ، وإذا كان لا سمح الله ذلك جبّارًا ظالمًا .. وأقصد فيه ميل عن السنة إلى البدعة .. يظهر هذا في سياسته للبيت
وعلاقتها بالمقام .. أنه قد يجعل عليه قبابًا ، يندُبَ الناس إلى التمسح بها ، كما كان في بقيع الغرقد في المدينة ، كانت هناك قِباب ما أنزل الله بها من سلطان على قبور بعض الصحابة وعلى قبور آل البيت وغيرهم ، آل البيت لهم حقهم المعروف في الشرع ، وغيرهم من الصحابة لهم حقهم لكن القبور
( تُحترمُ .. لا تُعظّم ! ) واحترامها بأن نمنع وصول الأذى إليها .
المقصود أن هذه صور لمقام إبراهيم ، وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ارتقى على هذا الصخر فأثر في قدميه ، قال أبو طالب في لاميّته :
وموطأ إبراهيم في الصخرةِ رطبةً *** على قدميه حافيًا غيرَ ناعلِ
عند هذا المقام تلا النبي صلى الله عليه وسلم [وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ]وصلى ركعتين قرأ فيهما كما قال أخونا الشيخ نواف قبل قليل .بـ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }الكافرون1) و بـ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }الإخلاص1)إظهارًا للتوحيد . ثُمّ إنه صلى الله عليه وسلم أتى زمزم ...(5/22)
الأستاذ معمر : قبل ذلك يا شيخ الآن المُشاهد عند المقام ..حتى عند زحمة الطواف البعض يضايق فيصلي عند المقام !
الشيخ صالح : هو تنازعت عند هذا الرجل أمران .. قضية حرصه على فعل السُنّة وقضية مضرته للمسلمين ، فينبغي تقديم نفع المسلمين وتأخر السُنّة هنا .. لأن إتيانها بالطريقة هذه لا بد أن نؤصل أن الصلاة خلف المقام سُنّة .. النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ، لكنه إذا كان ينجُم عن أدائها ضررٌ بالناس فلا نفعلها ..لأن السُنن لا تأتي بضرر الناس ..فيؤخر فلو صلى في أي مكانٍ في الحرم أجزأه حتى لو صلى في الساحات الخارجية ، ولو قُدّر أن نسيها فصلاها في فُندقه في سكنه لصحت .
فالأصل في الصحن أنه للطائفين ، وقد نبهنا أنه أحيانًا بعض الفضلاء من الشباب خاصة للأسف وفيهم خيرٌ عظيم وحرص على السُنّة .. لكن يأتون قُبيل الصلوات في غير الحج والعمرة أو في الحج والعمرة أو في رمضان فيُريدون أن يُحافظوا على الصف في الأول الذي يزعمون أنه مُلاصق للكعبة ويجعلون أيديهم في أيدي بعض ، والأصلُ أن الصحن للطائفين .. الله قال للخليل [وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ }الحج26] فبدأ بهم فالأصل أن الصحن للطائفين .
أتى النبي صلى الله عليه وسلم زمزم فشرب منه عليه الصلاة والسلام ثُمّ عاد إلى الحجر ، وهذا يدُلُ على فضيلة الحجر .
واستلمه صلى الله عليه وسلم ثُمّ خرج إلى الصفا من بابهِ .
(( مجموعة من الاتصالات ))
الأستاذ معمر : قبل أن ندخل إلى المسعى استأذنك في هذا الاتصال
الأخ فؤاد موجود في الرياض ويُريد أن يذهب إلى جدة .. هل يُحرم من الرياض أو يُحرم من هناك
الشيخ صالح : هذا يختلف ، هو يقول له أهل في جدة ..كلمة أهل هذه كلمة عامة ..
الأستاذ معمر : لكنه تختلف من مجتمع إلى مُجتمع(5/23)
الشيخ صالح : نعم .. بمعنى له زوجة في جدة وهو يقضي إجازته في جدة عادةً حتى لو لم يحج فهذا له أن يذهب ، فيصبح سفره الأول سفرٌ إلى جدة على جريان عادته أنه يُريد أن يذهب إلى جدة ، ثُمّ إذا عزم على الحج فيُحرم بحسب حاله ..مثلًا إذا كان من جدة يُحرم من جدة وإذا كان مثلًا مُسافر إلى حائل يُحرم من ميقات أهل حائل ..هكذا ..
أما إذا كان هو ليست له عادة أن يذهب إلى جدة في مثل هذه الأوقات ، وإنما أراد أن تكون في طريق حجه وخروجه من الرياض سببهُ الأول الحج فليس لهُ أن يُحرم من جدة ، إنما يُحرم من ميقات أهل الرياض ، أو ميقات يمُر عليه .. آخر يعني ، لكن ليس له أن يُحرم من جدة .
الأستاذ معمر : في الصورة الأول قد يُشكل على البعض ..هو الآن يذهب إلى أهله أو زوجته ... ... ... ...
الشيخ صالح : أنا أأتي بمثال ...
مُدرس من أهل جدة يُدرس في المدينة ، فهو لو فرضنا أنه لن يحُج .. إذا جاءت إجازة الحج سيذهب إلى جدة فهذا نقول له : إذا عزمت ونويت الحج هذا العام ..فنقول له أنت لا يلزمك ميقات أهل المدينة ..لأن سفرك هذا سفر لعودة إلى أهلك ، فإذا جاء اليوم الثامن ..اليوم السابع .. أردت الحج تُحرم من جدة ..
لكن لو أن إنسانًا ليس لهُ علاقة بجدة ـ له أصحاب ، خلطا ـ نعم ، لكن هو في الإجازة لا يذهب إلى جدة ، ليست موئلًا له لكنه أراد أن يحُج عن طريق شركة من جدة ، فقال الشركة من جدة تقوم . يقول أحرم ... نقول له لا ، خروجك من المدينة خروج حج سببه الحج فميقاتك ميقات أهل المدينة .
الأستاذ معمر : فؤاد يا شيخ يقول أنا من الآن أنوي الحج .. ..
الشيخ صالح : الحج كُلًا ينويه ، ومثل هذا ليس دخولًا في الحج ، لكن هو يرجع إلى نفسه لو لم يكن يُريد الحج .. هل سيذهب إلى جدة أو لا ؟! .. هنا تتضح المسألة .
الأستاذ معمر : أبو أسامة المشرف عبد الرحمن سالم يُبارك لك انطلاق جوال المغامسي .. كيفية الاشتراك ؟(5/24)
الشيخ صالح : والله يا شيخ عبد الرحمن تونا نتكلم عن الإخلاص .. ما أدري والله ماذا أقول ! .. ما أقدر أجاوب !
الأستاذ معمر : المادة العلمية يا شيخ كيف تُختار ؟
الشيخ صالح : المادة العلمية .. فيه فريق عمل موكول إليه النظر في أشرطتنا ـ روسنا العلمية ـ ختار منها ما يُناسب في دقيقة ثُمّ تُبث تُعرض على المشتركين ، لا تُعرض علي لأن الشريط أصلًا أنا أ ُجيزه ، فكل ما فيه أنا موافق عليه .
ثُمّ أحيانًا آتي أنا للأخوة المنظمين القائمين على هذه الخدمة الله يجزاهم عني خير الجزاء فأسجل لهم فوائد علمية هم بعد ذلك يبثونها عبر الجوال .
الأستاذ معمر : نكتفي بهذا من أجل الإخلاص ..ونعود إلى المسعى
الشيخ صالح : هي حترجع ..حترجع ! ..يعني اعرف بطريقة الأُخر !!
لكن أنا ما أتكلم بأني مُخلص ! ، لا ـ ذي كمان حنرجع لباب تزكية ثاني ـ كن له رمز .. له طريقة للاشتراك .. لكن الذي... ما أدري ماذا أقول !!
الأخوة الذينا أقنعونا بفائدة الجوال ، وهذا الذي جعلني اقتنع ، قالوا إن مُحاضراتك ودروسك مبثوثة في الانترنت فلا يوجد بينها وبين الناس حاجب ، لكنك لو حصرتها في هذا الجوال فقط ، لا سبيل إليها إلا عن طريق الجوال قد تكون كتمًا للعلم ، لكن هي منشورة ، إنما هذهِ الخصيصة لمن ألهمه الله أن يقتنع برجل اسمه صالح !! .
***
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم أعود انتقل صلى الله عليه وسلم إلى المسعى يعني العبادات في هذا المكان ..
الشيخ صالح : السعي بين الصفا والمروة أحياءٌ لما صنعتهُ هاجر أم إسماعيل والصفا والمروة جبلان وبينهما مسافة معروفة والناس كُلهم أكثرها سعت ، النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصفا من بابه معنى من بابه أن فيه هناك باب الخروج منه يؤدي مباشرة إلى جبل الصفا هذا الصفا ، المسعى
الأستاذ معمر : طيب(5/25)
الشيخ صالح : لم يكن يوم ذاك داخلاً في الحرم بل لم يدخل في الحرم إلا في عهد هذه الدولة المباركة الدولة السعودية ، هذا المسعى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رقى على الصفا يرى البيت لأنهُ لا يوجد
الأستاذ معمر : حواجز
الشيخ صالح : ما بين الصفا والبيت حاجز
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : واضح لكن يوجد بعد الصفا ـ بين الصفا والمروة ـ بين المسعى يوجد بيوت وأمور عادية سكن
الأستاذ معمر : على المسعى
الشيخ صالح : على المسعى
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : طبعاً في صورة إذا الأستاذ وليد عرضها
الأستاذ معمر : نعرضها الآن
الشيخ صالح : هي معي الآن
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : هذه الصورة للمسعى قبل مئة عام 1326 هـ
الآن اللي على الجوانب على المسعى هذه بيوت
طبعاً الآن في حُجاج يسعون وفي تظليل في الأعلى ظاهر
الأستاذ معمر : السقف
الشيخ صالح : السقف
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : في على بالنسبة لصورتي أنا على اليسار لا ادري في الشاشة كيف جاءت في بيوت
الأستاذ معمر : على اليسار نعم
الشيخ صالح : على اليسار هذه البيوت كان تحتها حتى بقالات ودكاكين
الأستاذ معمر : إلى قريب
الشيخ صالح : إلى قريب دكاكين يعني دكاكين بقالات متاجر الناس كانوا يسعون وكانوا أصحاب هذه البقالات يمارسون تجارتهم لأنها ليست داخل الحرم
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : الذي حصل بعد ذلك تاريخياً في ضل عناية هذه الدولة المباركة بالحج عموماً أنهُ أُعيد بناء المسعى بما يليق وأُدخل في الحرم أُدخلا في الحرم يعني أصبح مُلاصق في الحرم فنجمت بنايات أعمده خرسانيه هذه الأعمدة الخراسنة تحول بين من يرتقي على الصفا أن يرى البيت
الأستاذ معمر : صحيح
الشيخ صالح : واضح يحول لكن الإنسان يجتهد بأن الأرض التي يطئوها تصميم ـ ما أدري اش يسمون اللي على الأرض هذا ـ يدلُ على الكعبة يعني يدل على القبلة يعني مُصمم بخطوط تدُل على الكعبة .(5/26)
الأستاذ معمر : لكن هل الرؤية مقصودة يا شيخ ؟
الشيخ صالح : الرؤية يعني طبعاً إذا كان انعدمت حيل بينك وبين رؤيتهِ فلا يُحال بينك وبين التوجه للبيت .
الأستاذ معمر : الرؤية يعلق عليها حكم ؟
الشيخ صالح : لا يتعلق عليها حُكم لكن لو كان يرى البيت أفضل
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : النبي صلى الله عليه وسلم رأى البيت .
الأستاذ معمر : جيد
الشيخ صالح : فكبر الله جل وعلا قال " ألله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له له المُلك ولهُ الحمد وهو على كل شيءٍ قدير ، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ثم دعا .
إذاً يتبين من هذا أن الوقوف على الصفا والدُعاء على الصفا من مظنة إجابة الدُعاء وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أخونا الشيخ نواف وفقه الله بقضية التوحيد لا إله إلا الله وحده ثم دعا صلى الله عليه وسلم فما من وسيلة إلى الله أعظم من الإيمان به وتوحيده .
الأستاذ معمر : جيد
الشيخ صالح : صلوات الله وسلام عليه.
أبدأ بما بدأ به الله تلا {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}ا لبقرة158..) ثم قال" أبدأُ بما بدأ الله به"
جمهور النُحاة على أن الواو لا تقتضي الترتيب لكن فعلهُ صلى الله عليه وسلم هنا حاكمٌ على الآية حاكمٌُ بمعنى لنا مُبين للآية فبدأ صلى الله عليه وسلم بالصفا وانتهى إلى المروة . في ما يُسمى الآن الموضوع إشارتين خضراوين
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : العلمين يُسمى العلمين الأخضرين
الأستاذ معمر : على الجوانب
الشيخ صالح : على الجوانب الخضراء اللمبات ، ما بينهما كان يوم ذاك بطحاء يصعُب تجاوزهُ إلا بالشد لو مشيت هوينا يمكث الإنسان
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : فكان صلى الله عليه وسلم يقول " لا يُقطع الأبطحُ إلا شداً "
الأستاذ معمر : أي نعم(5/27)
الشيخ صالح : فشد في مشيته ونحنُ على ما كان عليه نبيُنا صلى الله عليه وسلم نتقربُ إلى الله وماضون فأصبحت سُنة لهُ لمن معهُ ولمن جاء بعدهُ من أُمتهِ عليه الصلاة والسلام .
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : ثم أتى المروة واستقبل البيت وهذا كذلك تحول الآن
الأستاذ معمر : الحواجز
الشيخ صالح : يجيك باب مكتوب عليه باب مُراد ، باب مُراد تجعلهُ على يمينك قليلاً ويساراً قُلنا في الأرض هذه تُبين لك وجهة البيت ثم إنك تُصلي من الفأل الحسن أن الإنسان إذا جاء يدعو على المروة واستقبل البيت قُلت يأتيك باب مكتوب عليه
الأستاذ معمر : مُراد
الشيخ صالح : مُراد
الأستاذ معمر : صحيح
الشيخ صالح : في شعور بأن الإنسان يتحقق ماذا ؟ مُراده طبعاً أنا أجزم الذين كتبوه يعني ما قصدوا هذا
الأستاذ معمر : لكن هذا تفاؤل يا شيخ
الشيخ صالح : لكن هذا تفاؤل خير وهذا من صنيعهِ صلى الله عليه وسلم كان
الأستاذ معمر : كان يتفاءل بالحسن نعم
الشيخ صالح : كان يتفاءل بالحسن نعم لكن أنا لا أدري مُراد هذه عائدة على من هل هو مثلاً في غالب الظن أنهُ أحد سلاطين آل عثمان إلا أن يكون يعني شيءٌ أجلهُ أنا أقول هذا غالبُ ظني المقصود لا يتعلق به حُكم شرعي فيقف الإنسان على المروة كما فعل النبي صلى اله عليه وسلم ويدعو ثلاثاً ثم عاد صلى الله عليه وسلم ،فعل لما مرّ عائداً على ـ من بين الأخضرين ـ طبعاً الأبطح واحد ، الآن هناك مشروع توسعة الصفا توسعة المسعى الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين أيدهُ الله ونصرة وهو مشروعٌ يعني موفق والذي أفهمهُ أنا أن المسعى الموجود حالياً سيُصبح مجرد إياب
الأستاذ معمر : جهة واحدة
الشيخ صالح : جهة واحدة وهذا فيه نفعٌ كبيرٌ لناس ولا يُنافي هذا الوضع لماذا لأن الصفا امتداد جبل والمروة امتداد جبل فالتوسع بينهما لا يُنافي أن السير أو السعي أصبح بين الصفا والمروة .(5/28)
الأستاذ معمر : بعضهم يخشى أن يكون فيه خروج عن الصفا.
الشيخ صالح : أن يكون فيها خروج لا يوجد في هذا شيءٌ من الخروج وهذه البلاد مؤتمنه على شعائر الله ولله الحمد ، على العموم نحن حتى لا نخرج تاريخياً نبقى إيمانياً فالنبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة لم يُنقل عنهُ دُعاء مخصوص لكن نُقل عن بعض السلف وحررهُ الألباني في منسكهِ رحمة الله تعالى عليه كان يقول [ رب أغفر وارحم وألطف وتكرم وتجاوز عما تعلم إنك تعلم ما لا نعلم إنك أنت الأعزُ الأكرم ] هذا نُقل عن ابن عُمر وغيره من الصحابة . طبعاً صرنا نسرع حتى نأخذ وقت أكثر .
الأستاذ معمر : بعد ذلك
الشيخ صالح : بعد ذلك قال صلى الله عليه وسلم دعا
الأستاذ معمر : من لم يسُق الهدي
الشيخ صالح : من لم يسُق الهدي أن يحل من عُمرتهِ وهو عليه الصلاة والسلام ساق الهدي فبقي رهين إحرامهِ .
الأستاذ معمر : هذه الدعوة بالأمر من النبي صلى الله عليه وسلم هل يُطبق يا شيخ في الوقت الحاضر ؟
الشيخ صالح : هذه فيها خلافٌ طويلٌ بين العُلماء لكن الحقيقة أن الأنساك ثلاثة : تمتعٌ وقرانٌ وإفراد بأيهما أهل المؤمن فلهُ ذلك ولا يُلزم بأن يحل من عُمرتهِ ، أما فعلهُ صلى الله عليه وسلم وحثهُ لصحابه فهذا ردٌ على ما كانت قُريش تزعمهُ أن العُمرةَ في أشهُر الحج من أفجر الفجور .
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : وقد بينا في دروس سابقة أن شيخنا الأمين الشنقيطي رحمةُ الله تعالى عليه حج مرةً مُفرداً فلما وصل إلى المروة وانتهى من سعيه طالبهُ بعضُ طلب العلم بأن يُحل فرفض حتى يُبين أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لعارض ولم يُخالف في هذا بعض الفُقهاء ولكُلٍ رأيهُ والفقهُ أكثرهُ خلاف ، وقد قال الشاطبي :
وواجبٌ عند اختلاف الفهمِ *** إحسانُنا الظن بأهلِ العلم
وأنا لا أُريد أن أُفصل فقهياً أكثر حتى لا نأخُذ وقت يعني لا يُدركنا .(5/29)
الأستاذ معمر : كونا نفصل يا شيخ في المسألة فحسب قد تطول لكن الناس الآن يسألون كثيراً هل الأفضل التمتُع ، القران ، الإفراد ..؟
الشيخ صالح : الذي يظهرُ لي والعلمُ عند الله أن الإنسان إذا ساق الهدي معهُ من دويرة أهلهِ فالقران في حقهِ أفضل لأن هذه هي الحجة التي اختاراها الله لنبيهِ
الأستاذ معمر : لكنهُ يقول " لو
الشيخ صالح : هذا واحد
الأستاذ معمر : استقبلت من أمري
الشيخ صالح : فإن لم يسُوق الهدي معهُ وكان لم يعتمر من قبل في ذلك العام فالتمتُع في حقهِ أفضل وهو الذي دعا إليهِ النبي صلى اله عليه وسلم أصحابه ، و أمّا إن كان قد اعتمر في عامهِ ذاك فالإفراد في حقهِ أفضل .
الأستاذ معمر : إذاً تختلف حسب الحال .
الشيخ صالح : حسب الحالة
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : هذا الذي يتحرر
الأستاذ معمر : وإن كان هذا خلاف المشهور أن التمتعُ هو الأفضل ؟
الشيخ صالح : عند الحنابلة
الأستاذ معمر : عند الحنابلة
الشيخ صالح : قولُ الإمام أحمد لكن المالكية يرون الإفراد والأحناف يرون القران فنقول إذا كان قد ساق الهدي معهُ من حلهِ فهذا القران في حقهِ أفضل لأن هذه الحجة التي أختارها الله لنبيهِ
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : وإذا كان الإنسان لم يسُق الهدي معهُ ولم يكنُ قد اعتمر في عامهِ ذلك فالتمتع في حقهِ أفضل ، وإن كان اعتمر في عامهِ ذاك فأرى أن الأفراد في حقهِ أفضل هو فعلُ الشيخين أبو بكر وعُمر رضوان الله تعالى عليهما أنهما حجا مُفردين .
الأستاذ معمر : شيخ باقي معي ثلاثة عشر دقيقه دعنا ننتقل إلى منى يعني المُلاحظ أن الحاج
الشيخ صالح : بسرعة يعني
الأستاذ معمر : أي نعم
الحاج أكثر ما يمكُث يمكُث في منى لعلنا نتكلم عن المبيت سواءً قبل عرفة أو بعد عرفة ؟
الشيخ صالح : نعم باختصار قبل عرفة يوم التروية اليوم الثامن وهذا المبيت سُنة لا يترتب على تركهِ واجب لأن الحج يُخشى فواتهُ بفوات عرفه.(5/30)
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : فمنىً مشعرٌ عظيم فيهِ يوم التروية حكمهُ سُنة والأيام التي بعد عرفة يعني يوم النحر وأيام التشريق حكمها الوجوب
الأستاذ معمر : اللي هو المبيت
الشيخ صالح : وهو المبيت فيهِ الوجوب نعم.
الأستاذ معمر : طيب قبل أن نتجاوز مسجد الخيف؟
الشيخ صالح : مسجد الخيف ، الخيف في اللُغة ما انحدر من الجبل ولم يصل الوادي
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : أنت تلحظ الآن مسجد الخيف مرتفع وإذا أذن الأستاذ وليد هذه صورة قديمة لمسجد الخيف
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : ظهرت على الشاشة
الأستاذ معمر : أي موجودة
الشيخ صالح : صورة قديمة لمسجد الخيف وتلاحظ أنهُ القباب قريبه منه الخيام أقصد.
الأستاذ معمر : اللي في النص يا شيخ أو اللي في الطرف
الشيخ صالح : أما القُبة التي في الداخل فأظُنها مسجد صغير بناه أحد سلاطين الصورة لها مئة عام لم يتحرر عندي ما معناها .
الأستاذ معمر : اللي في الداخل يا شيخ وش هو ؟
الشيخ صالح : اللي في الداخل قُبة داخله لكن هذا في زمانٍ كثرت فيهِ كثيرٍ من يعني الخروج حيد عن السُنة لكن السور الأبيض هذا
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : هذا سور مسجد الخيف وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الطبراني رواه بسندٍ حسن " أنهُ قال صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً " يوجد من الناس الآن التفريط في الصلاة في مسجد الخيف ""
الأستاذ معمر : كثير
الشيخ صالح : أعود للقاعدة الأولى أن الإنسان إذا كان يستطيع ولو فرضاً واحداً لكن صعب أن الإنسان يأتي منىً ويمكُث فيها ثلاثة أيام ولا يُصلي فيها فرضاً في مسجد الخيف.
الأستاذ معمر : حتى ولو بعد الرجوع من عرفه ؟
الشيخ صالح : أيه بعد الرجوع من عرفة أنا أتكلم قبل وبعد
الأستاذ معمر : يعني ليس لها وقت محدد
الشيخ صالح : يعني الآن أمامه يوم النحر
الأستاذ معمر : أي نعم(5/31)
الشيخ صالح : يوم التشريق الأول ويوم التشريق الثاني ويوم التشريق الثالث يعني أربعة أيام .
الأستاذ معمر : البعض يا شيخ يظنهُ في يوم واحد
الشيخ صالح : لمن لم يتعجل وثلاثة أيام لمن تعجل يوم النحر ويوما التشريق فليس من المعقول خمسة عشر فرضاً لا يُصلي فيها فرضاً واحداً فيهِ لكن لا يتعلق هذا بصحة الحج حتى نحرر المسألة فقهياً لكن يقول صلى اله عليه وسلم
" صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا "
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : صبيحة اليوم التاسع انتقل صلى الله عليه وسلم إلى عرفة.
الأستاذ معمر : إلى عرفة مسيرهُ يا شيخ كان لهُ بعض الأحكام ؟؟
الشيخ صالح : مسيرة ، النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى عرفة بعد طلوع الشمس
الأستاذ معمر : طيب.
الشيخ صالح : يوجد ثلاثة أشياء : يوجد نمرة ويوجد عرنة ويوجد عرفة ـ أُعيد لسامع الأخوة المشاهدين ـ يوجد نمرة ويوجد عرنه ويوجد عرفه
الأستاذ معمر : الفرق بينها؟
الشيخ صالح : النبي صلى الله عليه وسلم نزل في نمرة استراح في نمرة قرية خربه كانت شرق عرفة ..
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : وخطب في عرنه ووقف في عرفة قال جابر { فوجد القُبة قد ضُربت لهُ في بنمرة } ـ هذا مكان نزوله ـ ليس مكان خُطبتهِ
الأستاذ معمر : البعض يفهم أن الخُطبة في نمرة ..
الشيخ صالح : لا الخُطبة لم تكن في نمرة
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : ثم لما زالت الشمس أتى صلى الله عليه وسلم بطن الوادي أي وادي ؟ وادي عُرنه فخطب وصلى بالناس وهو في
الأستاذ معمر : عُرنه
الشيخ صالح : عُرنه خطب في عُرنه ثم أتى الموقف وهو عرفة فأتى الموقف فجعل جبل الصخرات عن يمينه وحبل المُشاة يعني آنذاك يُسمى طريق المشاة طبعاً جبل الصخرات جبل الرحمة الآن بين طريقين سبعة وثمانية هناك استقبل القبلة صلى الله عليه وسلم ووقف يدعو رافعاً يديهِ كاستطعام المسكين وهو يومٌ ـ يعني لا أستطيع أن أتجاوزهُ إيمانياً ـ
الأستاذ معمر : نعم(5/32)
الشيخ صالح : ما وري الشيطان أصغر منهُ ولا أدحر في يوم عرفة
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : تتنزل فيه الرحمات يعفو الله جل وعلا عن السيئات يقبل الله جل وعلا التوبة يومٌ وأي يوم يعني لا يستطيع الإنسان والله يجزي الكلمات فيه يعني يجزل الكلام فيه في دقائق لكن وقت البرنامج يحكمُني لكن أقول لكل مؤمن أو مؤمنه منّ الله عليه بالوقوف في هذا المشعر العظيم أن يتضرع إلى ربه جل وعلا أعظم التضرُع وأعظم ما يُمكن أن يتضرع به أن تسأل الله أن يُحسن وفادتك عليه .
الأستاذ معمر : الله أكبر
الشيخ صالح : أن تسأل الله أن يُحسن وفادتك عليه فلا يوجد شيء يهم المؤمن أعظم من القدوم على الله والوفادة على الله ، فالإنسان إذا قُدر لهُ أن يقف في ذلك الموقف يسأل الله بإلحاح أن يُحسن وفادتهُ على ربهِ أن يُحسن خاتمته أن يسأل أن يكون منقلبهُ مُنقلب خير ويسأل الله من خيري الدُنيا والآخرة وقد قال صلى الله عليه وسلم " خير الدُعاء دُعاء يوم عرفه وخير ما قُلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له لهُ المُلك ولهُ الحمد وهو على كُل شيءٍ قدير " والنبي صلى اله عليه وسلم وقف في عرفه مفطراً غير صائم بعد أن صلى الظُهر والعصر بأذانٍ واحد واقامتين وخطب الناس ثم بقي يدعو صلى الله عليه وسلم راكباً فالدُعاء في الباصات في السيارات سُنة ثم أنهُ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتعلق بعرفة هنا شيء قريب إذا أتينا المشعر ـ
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : ثم أنه صلى الله عليه وسلم بقي يدعو حتى غاب قُرص الشمس تماماً بعد ذاك توجه صلى الله عليه وسلم إلى مُزدلفة
الأستاذ معمر : بعد غروب الشمس
الشيخ صالح : بعد غروب الشمس
الأستاذ معمر : هنا ترد إشكاليه يا شيخ بعد إذنك البعض يعني يفيض من عرفات قبل غروب الشمس والبعض يسأل يقول لو فاتت ليلة العيد ولم أقف في عرفة ؟(5/33)
الشيخ صالح : نعم قال صلى الله عليه وسلم " الحجُ عرفه " من لم يُدرك عرفة فاتهُ الحج تُدرك عرفه إلى قُبيل فجر يوم العيد
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : مثلاً لو أن صلاة الفجر في مزدلفة بالتوقيت المحلي لمزدلفة خمسة وثلاثين دقيقة فجراً
الأستاذ معمر : كمثال
الشيخ صالح : كمثال خمسة وثلاثين دقيقة فجراً
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : لو أن إنساناً وقف بعرفة الساعة الخامسة وتسعة وعشرين دقيقة
الأستاذ معمر : أدرك الحج
الشيخ صالح : ولم يحن أذان الفجر في عرفة ما أذن الفجر طبعاً أهل مزدلفة ميقاتهم واحد
الأستاذ معمر : صحيح
الشيخ صالح : لو أدرك لو دقيقة واحدة ناوياً الحج وأراد بالوقوف أنهُ رُكن أدرك الحج ، فإذا أذن الحج ولم يُدرك الوقوف بعرفة فليس لهُ حج فات حجه يتحلل بعمرة.
الأستاذ معمر : لو خرج قبل الغروب ؟
الشيخ صالح : لو خرج قبل الغروب قال مالكٌ رحمهُ الله {لا حج لهُ }لكن قال ابن عبد البر رحمة الله تعالى عليه الإمام المالكي المعروف قال {ولا أعلم أحداً وافق أبا عبد الله في هذا} لكن الصواب أن جمهور العلماء على أن البقاء إلى الغروب واجب.
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح : وقال بعضهم بأنهُ لو خرج قبل غروب الشمس لا شيء عليه لحديث عروة ابن المضرس والحديث حُجة في الباب هذه أقوال العلماء :
الجمهور على أنهُ يلزمهُ البقاء إلى غروب الشمس فإن خرج من عرفه قبل غروب الشمس إلى مزدلفة حجهُ صحيح ويلزمهُ دم عند جمهور العلماء وقال بعض أهل التحقيق لا شيء عليه لحديث عروة ابن المضرس ، وقال مالك حجة لهُ لكن قول مالك هذا من الأقوال التي تركها أهل العلم في هذه المسألة.
الأستاذ معمر : نعم شيخنا باقي ثلاث دقائق انتقالهُ صلى الله عليه وسلم بعد ذاك إلى مزدلفة ؟
الشيخ صالح : ثم أتى صلى الله عليه وسلم مزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين جمع تقديم وهذه إذا أذنا لي أستاذنا الشيخ الأستاذ وليد(5/34)
هذه صورة للمشعر الحرام قديماً طبعاً هذه الصورة أخذتها من كتاب لمؤلف اسمهُ صلاح حميدان الصادي حتى نحفظ حقوق الناس
الأستاذ معمر : جميع الصور
الشيخ صالح : جميع الصور من كتاب لأخٍ اسمهُ صلاح حميدان الصادي طبعا أنا لا أعرفهُ الأخ الكريم لكن اشتريت الكتاب من المكتبة وهو عليها ختم الأخ صلاح المقصود هذا المشعر الحرام قديماً قبل مئة عام وهذا المشعر الحرام ـ الصورة الثانية يا أستاذ وليد إذا أذنت ـ في بنايته الحالية
الأستاذ معمر : إي نعم
الشيخ صالح : في بنايته الحالية عام 1425 هـ .. الله جل وعلا قال { فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة198..) المشعر الحرام يكون الوقوف عندهُ
الأستاذ معمر : حسب الهدي النبوي
الشيخ صالح : حسب الهدي النبوي النبي صلى الله عليه وسلم أتى مُزدلفة وقال "وقفتُ هاهُنا وجمعٌ كُلها موقف" وهو أحد أسماء مزدلفة ثم انه صلى الله عليه وسلم بات ولم يُنقل أنهُ صلى ثم صلّى الفجر في أول وقته يعني بعد دخول الوقت لكن في أول الوقت ثم أتى المشعر الحرام فوقف عندهُ وذكر الله كثيرا ودعا ثم أفاض إلى منىً قبل طلوع الشمس ، مرّ على وادي محسر ـ أنا أتكلم عاجلاً من أجل الوقت ـ
وادي محسر حُسر فيهِ الفيل وأُعيي وحيل بينهُ وبين البيت فجاوزهُ صلى الله عليه وسلم سريعاً أسرع في سيره حتى أتى منىً فبدأ بجمرة العقبة فرماها بسبع حصيات صلوات الله وسلامهُ عليه ، رمي جمرة العقبة للحجاج بمثابة صلاة العيد لغير الحجاج ، ثم أنهِ صلى الله عليه وسلم أتى المنحر فنحر هديهُ كان قد قدم مئة ناقة نحر ثلاثة وستين بيده وترك لعليٍ الباقي أكمل به المائة ثم أتى الحلاق فحلق لهُ رأسه وقسم شعرهُ بين الناس ثم أفاض على مكة طاف طواف الإفاضة ثم عاد إلى منىٍ .
الأستاذ معمر : الترتيب هنا يا شيخ واجب؟(5/35)
الشيخ صالح : الترتيب هنا غير واجب لقوله صلى الله عليه وسلم " أفعل ولا حرج " ثم إنهُ صلى الله عليه وسلم مكث في منىً الأيام وليالِ التشريق رمى الجمرات الصغرى والوسطى والكُبرى بدأ بالصُغرى التي تلي مسجد الخيف سبع حصيات ثم أخذ يميناً دعا ثم أتى الجمرة الوسطى رماها ثم أخذ يساراً ودعا صلى الله عليه وسلم ثم رمى جمرة العقبة ولم يدعو هذا كلهُ فعلهُ بعد الزوال
الأستاذ معمر : أي نعم
الشيخ صالح : في اليوم الأول أول أيام التشريق يعني يوم أحد عشر و يوم ثاني عشر ولم يتعجل وفعل ذاك في اليوم الثالث عشر ثم أنهُ صلى الله عليه وسلم قال " إنّا نازلون غداً في خيف بني كنانة" يعني في المحصر ثم نام صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة خفيفة ثم نزل إلى المسجد الحرام قبل طلوع الفجر ثم طاف طواف الوداع ثم صلى بالناس الفجر ثم عاد صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة استأذنتهُ عائشة طلبت منه العمرة فأذن الله وأمر أخاها أن يأخُذها إلى التنعيم .
المسجد عائشة الآن الموجود التنعيم هذه صورتهُ قديماً
الشيخ صالح : قبل مئة عام ولك أن تلحظ الفرق
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : طبعاً لم نأتي بصورة المسجد الحاضر معروف هذه إذا أذن الأستاذ وليد صورة مسجد التنعيم قبل مئة عام وعامين يعني مئة سنة وسنتين وهو يلحظ الإنسان الفارق الكبير في البُنيان والوضع المعاصر .
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح : هذه على وجه الإجمال حجتهُ صلى الله عليه وسلم بقي من الفوائد أنهُ صلى الله عليه وسلم وهو عائد قافل بات في ذي الحُليفة
الأستاذ معمر : يكون هنا النهاية يا شيخ نهاية الحج .
الشيخ صالح : أيه بات في ذي الحُليفة يعني لما رجع بات في ذو الحليفة قبل أن يدخل المدينة ثم أنهُ صلى الله عليه وسلم بعدما أصبح دخل المدينة .(5/36)
الأستاذ معمر : أشكرك شيخنا الفاضل بعدما أفدتنا بهِ كانت عندي عبارة يا شيخ أُريد أن تختم بها في نصف دقيقة استأذن الأستاذ وليد في الحلقة الماضية وهي تصدُق على هذه الحلقة كُنت تقول ( من صدق إلى الله فرارهُ صدق مع الله قرارهُ ) متعلقة بالحج في نصف دقيقة كرماً ؟
الشيخ صالح : عموماً الإنسان إذا قُدر لهُ أن يصدُق مع الله كتب لهُ السريرة الحسنة والصدق مع الله جل وعلا في توبتهِ وأوبتهِ إلى الله وعلم الله منه ذاك والله لا يخفى عليه خافيه فإنهُ بقاءهُ في الدين وثباتهُ عليه وبقاءهُ مع شرائع ربهِ يكون ثابتاً لا ينتكس لأن أصل أوبتهِ صادقة ومن كانت أصل توبتهِ غير صادقة فلا يهلك على الله إلا هالك نسأل الله العافية.
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم شيخنا أتقدم لك بجزيل الشُكر شكر الله لكم
شكر الله لكم وجزآكم الله عنا خيراً .
الأستاذ معمر : الشكر موصول لكم أيُها ألأحبة على طيب متابعتكم أشكُر أيضاً الأخوة والأخوات على مواقع الانترنت وخاصةً موقع المسك وموقع البث الإسلامي الشُكر خاص للأعضاء والعضوات على منتدى القطوف الدانية يتجدد اللقاء بكم بإذن الله في الحلقة القادمة وأنتم على خير وفي خير وتصبحون على خير استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...................
تم بحمد الله وتوفيقه
****(5/37)
حلقة القطوف الدانية لشهر ربيع ثاني لعام 1429هـ
أ. معمر العمري : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة جديدة من برنامجكم القطوف الدانية ’ يأتيكم ثاني أثنين من كل شهر يسرني في هذا اللقاء وفي كل لقاء أن أرحب بضيفه الدائم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء باسمكم جميعاً أرحب بضيفينا حياكم الله يا شيخ صالح .
الشيخ صالح المغامسي : حياكم الله يا أستاذ معمر وحيا الله الأخوة والأخوات أسأل الله لنا ولكم التوفيق .(5/1)
معمر العمري : مشاهدي الأعزاء قد بين الله عز وجل في كتابه الكريم الأمور التي من شأنها أن تُزكي النفس البشرية وتجعل العلاقة بين العبد وربه علاقة تقوم على التوحيد والعبودية والتسليم الكامل بالإضافة إلى تربية العبد على أن تكون سلوكياته وتصرفاته مع غيره مبنية على منظومة كبيرة من الأحكام الشرعية والمبادئ والقيم السامية المتأمل لآيات القرآن الكريم يجد أنها غالباً تهدف إلى ترسيخ العقيدة الصحيحة أو بيان الأحكام الشرعية أو التأكيد على الأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة سنُخصص هذه الحلقة للحديث عن آيات الأحكام سواء اشتملت على عبادة من العبادات أو نظمت أحدى المعاملات التي يترتب عليها حقوق فردية أو أسرية أو حتى اجتماعية , لسنا بهذا الطرح إلا متتبعين لجهود علمائنا الذين اهتموا اهتماما بالغاً ببيان آيات الأحكام ودراستها دراسة مستفيضة سواء من خلال مُصنفات خاصة بها أو من خلال تناولها في كتبهم المطولة التي عُنيت بتفسير القرآن الكريم بل أنهم يعدون معرفة آيات الأحكام من أهم شروط الأجتهاد حتى يقول الإمام الشافعي رحمه الله من وفق للعلم بها فقد فاز بالفضيلة في دينه ودنياه وأستوجب في الدين موضع الإمامة , إذاً مشاهدي الكرام "من آيات الحكام " هو موضوع حوارنا في هذا اللقاء أسعد كثيراً بأن تشاركونا بآرائكم ومقترحاتكم وتساؤلاتكم حول هذا الموضوع في بداية اللقاء بإذن الله عز وجل نؤصل له تأصيلاً علمياً ثم نقفُ وقفات مع عدد من الآيات نحاول أن يكون فيها جانب كبير من التنوع ومن تناول كثير من أبواب الفقه , يمكن أن تداخلوا معنا عبر أرقام الهواتف التي تظهر على الشاشة الآن أيضاً يمكن المشاركة بعد الحلقة من خلال المنتدى , لا يفوتني في بداية اللقاء أن أرحب بالأخوة والأخوات الذين يتابعون الآن من خلال مواقع الانترنت , ترحيب خاص بأعضاء وعضوات القطوف الدانية مرحباً بالجميع وعلى بركة الله نستهلُ لقاءنا من آيات الأحكام هو(5/2)
موضوع حوارنا ,
شيخنا الفاضل قبل أن نقف مع العديد من الآيات كما قُلت في المقدمة لعلنا نؤصل للموضوع من بدايته من آيات الأحكام لعلها تتعلق يا شيخ بتفسير الفقهاء , كثير من المشاهدين يحتاج إلى بيان المراد بهذا التفسير والأثر الذي خلفه .
الشيخ صالح المغامسي : بسم الله الرحمن الرحيم ،، إن المحمود هو الله جل جلاله والمصلى والمسلم عليه محمد وآله ،،وبعد : فيدرك الجميع أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم إذا حلت بهم قضية يفيئون إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيسألونه فيُجيبهم , فيكون في إجابته عليه الصلاة والسلام راحة لهم وبيانٌ للحق , ثم أنه عليه الصلاة والسلام لما قبض وجدت الصحابة رضي الله عنهم ذلك الجيل الأمثل والرعيل الأول وجدوا في القرآن ملاذا يلجئون إلى آياته في المسائل التي تتعلق بالأحكام فيقتبسون منها , وقلّما يكون هناك اختلاف اللهم إلا ما ظهر بعضه , مثلاً لما قرؤوا قول الله تبارك وتعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وقال جل ذكره في آيات أخرى { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فاختلفوا لأن التساؤل مطروح , المرأة الحامل إذا توفي عنها زوجها هل تتربص أربعة أشهر وعشرا لآية البقرة أو تتربص إلى أن تضع حملها لقوله جل شأنه { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } أو أنها تتربص لأبعد الأجلين , هذه بعض النزعات الفقهية ـ نزعات كلمة هنا مجازياً ـ النزاعات الفقهية التي حصلت , هذا كله فتح باب الأفاق في آيات الأحكام ، ثم نشأت بعد ذلك المذاهب الأربعة ثم أراد أتباع أصحاب تلك المذاهب من باب أحيانً الاستزادة العلمية أحيانا من باب التعصب للمذهب وأحياناً من باب تفريع الأحكام اللجوء إلى آيات الأحكام وإظهارها في مؤلفات لوحدها , هذا أصل منبع المسألة .(5/3)
معمر العمري : من أخر كلمة قلتها يا شيخ , اهتمام العلماء بهذا التفسير وظهور سواء أن كان للتعصب أو لغيره , يعني أوجد لنا تراثاً كبيراً في هذا المجال , الكتب كثيرة لعل قبل أن ندخل في محاور الموضوع نعرض لبعض الكتب يا شيخ التي انتشرت بين طلبة العلم ابدأ يا شيخ بكتاب " أحكام القرآن " للجصاص , إذا من فكرة حول هذا الكتاب .
الشيخ صالح المغامسي : نعم " أحكام القرآن " للجصاص من اوائلها , الجصاصُ من القرن الرابع وأسمه أحمد بن أبي بكر الرازي وهو من فقهاء المذهب الحنفي , وكتابه " من أحكام القرآن " أستنبط أو أخذ آيات الأحكام فأفردها في مؤلفها لوحدها , وسمي بالجصاص لأنه ,, لقب لأنه كان يعمل بالجص ـ يعني من هذا الباب ـ الشاهد من ذلك أن الكتاب أشبه بالمرجع في المذهب الحنفي , وصاحبه غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه فيه شيء من التعصب غير المقبول , ويريد أن يثبت أحياناً بعض أقوال المذهب بليّ أعناق النصوص من وجهة نظره هو , هذا ما يمكن أن يقدح فيه في الكتاب , وإلا الكتاب جهد مشكور وعمل مؤصل في مجمله , ونحن لسنا بصدد الحكم على الكُتب , لكن من باب النظرة العامة , هذا كتاباً يعد الآن مرجع في الفقه الحنفي , و قلنا صاحبه حنفي المذهب يعاب على صاحبه بعض الشيء أنه كان فيه نوع من التعصب للمذهب .
معمر العمري : هل يعد يا شيخ أول من جمع هذا العلم ؟
الشيخ صالح المغامسي : لا نستطيع أن نجزم به إلى هذا الحد , لكن هناك مؤلفات أخرى ظهرت للبيهقي في المذهب الشافعي , و الكيا الهراس كذلك .
معمر العمري : دور الإمام الشافعي يا شيخ في كتاباته قبل , سواء كانت مبثوثة في كتبه , هل يهتم بمثل هذه ,,,!!
الشيخ صالح المغامسي : لكن ما يسمى إفراد في التفسير , يعني كتاب الرسالة لا يسمى إفراد في كتب التفسير , لأن هذه آيات أحكام , استؤخذت من القرآن ثم عُلق عليها .
معمر العمري : لكن لا نستطيع أن نجزم أن فلان أول من ألف .(5/4)
الشيخ صالح المغامسي : لا ,, لا نستطيع أن نجزم .
معمر العمري : طيب بالنسبة لأحكام القرآن لابن العربي .
الشيخ صالح المغامسي : ابن العربي فقيه مالكي رحمه الله تعالى , وهو أقل في تعصبه من ابن الجصاص في تعصبه للمذهب الحنفي , وربما أحيانا لم ينتصر لمذهبه , لكنه فيه حدة أحيانا على بعض مخالفيه , جمَع آيات الأحكام رحمه الله تعالى رحمة واسعة ثم ذكر أقوال الفقهاء فيها , كان يجنح للبعد عن الإسرائيليات ولا يكترث بها ـ وهذا منهج جيد ـ لأن هذه آيات أحكام ليست آيات أخبار , وفي آيات الأحكام هذه كان يؤصل ويذكر الخلاف في المسألة وغالباً ما يرجح المذهب الذي يتبعه وهو مذهب مالك رحمه الله .
معمر العمري : الجامع لأحكام القرآن .(5/5)
الشيخ صالح المغامسي : الجامع لأحكام القرآن مالكي كذلك , القرطبي مالكي كذلك مثل ابن العربي , إلا أن الفارق بين الكتابين , وهذا هو المهم , نجعل الجامع لأحكام القرآن كتاب تفسير كامل و أن سماه الجامع لأحكام القرآن أما " أحكام القرآن " للجصاص , " أحكام القرآن " لابن العربي فأنها عُنيت فقط بمسألة آيات الأحكام أما القرطبي رحمه الله فسر القرآن كاملا , لكنه عندما يأتي لآيات الأحكام يُطيل النفس فيها ويذكر فيها الأقوال , وكان ذا صاحب عفة وقلم رصين , في الوقت ذاته كان لا يُعنف على المخالفين , وأحيانا يحصل منه عتاب وبعض اللوم اليسير على ابن العربي , رغم أننا قلنا أن ابن العربي أقلُ في هذا الباب حدة من ابن الجصاص , ولعل الإنسان في مثل هذه الأمور يعني إذا نظر إليها نظرة بصير , يجد أن القُرطبي رحمه الله له مشاركة علمية في فنون أُخر منها علوم الآخرة , فلما كتب في علوم الآخرة - هذا الكلام في الآخرة دائماً يجعل من الطبع رقيقا , والإنسان يبقى يخشى غوائل يوم الآخرة , لا نقصد بذلك معاذ الله أن السابقين لم يكونا كذلك , لكن لا شك أن ممارسة بعض العلوم تُهذب الإنسان , ولذلك كنا نوصي أنفسنا وغيرنا أن الإنسان يحاول أن يجمع أشتات العلوم حتى لا يبقى فيه حدة , لأن بعض العلوم يغلب عليها الحدة كالنزاع الفقهيات يغلب عليها الحدة لأنك تناقش خصمك وتحاول أن تثبت قولك ,لكن لو لك قرأت ومشاركات في علوم الآخرة في الوعظ فهذا يرقق طبعك إذا جئت تخالف , إذا جئت تناقش .
معمر العمري : شيخ صالح اهتمام هذه الكتب بأحكام القرآن بمعنى الآيات التي ترد فيها الأحكام الشرعية , يمكن لطالب العلم أن يجعلها مستند له في معرفة المذهب الفلاني أو لا بد أن يرجع لكتب الفقهاء .(5/6)
الشيخ صالح المغامسي : نعم ,, هي تعين كثيراً جداً جداً , لكن لا تصل إلى حد الكمال , لأنها لا تُعد المراجع الأول في المذهب , تعد مرجعاً نعم , لكن لا تُعد مصدراً كبيراً أو مرجعاً أساسياً في المذهب .
معمر العمري : الكتب المعاصرة التي ,,!!
الشيخ صالح المغامسي : الكتب المعاصرة , طبعاً النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الخير في أمتي إلى يوم القيامة " هناك علماء أفذاذ شاركوا في مثل هذا , منهم محمد علي السايس في كتابه " من أحكام القرآن " والحق أنه كتاب موفق جداً جداً , كتاب الشيخ محمد على السايس رحمه الله في هذا الباب قوي جداً من أحكام القرآن جمع فيه حتى بعض المسائل العقدية أحيانا , وبلا شك لأنه جاء متأخرا أستطاع أن يستفيد كثيراً من كتب الأولين , كذلك الشيخ محمد علي الصابوني حفظه الله أستاذ بجامعة أم القرى له كتاب اسمه " روائع البيان في تفسير آيات الأحكام " وهي مجمل محاضرات أستند فيها حفظه الله إلى مراجع كثيرة جداً جداً جداً ويظهر فيها دقةُ علمه وأمانته في إسناد الأقوال إلى أهلها ,, ممن يذكر في هذا المجال بلا شك الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين غفر الله له ورحمه والشيخ عَلم في الفقه خاصة , له مشاركات كثيرة في سائر فنون العلم وله كتاب أسمه " أحكام من القرآن " وهذا الكتاب مطبوع متداول وقد قال في مقدمته قسم الناس فيه إلى أربعة أقسام :
هذا رجل عنده علم وفهم .
ورجل عنده علم وليس لديه فهم.
ورجل ليس لديه علم ولديه فهم.
ورجل لا فهم عنده ولا علم .
وتلحظ أن الشيخ رحمه الله هذا كان كثيراً ما نردده يستند في قضايا القرآن إلى الأثر المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أنه قال في القرآن : ( إلا فهم يؤتيه الله من يشاء في كتابه ) فكان الشيخ ينصح بتدبر القرآن ، ثم أفرغ مؤلفا للحديث عن أحكام القرآن , هذا جملة ما يمكن أن يقال أيها المبارك في التأصيل في الحلقة .(5/7)
معمر العمري : الشيخ صالح قبل ندلف إلى الآيات بالنسبة لبعض الرسائل العلمية تظهر الآن في الوقت المتأخر تهتم مثلاً بتفسير بعض العلماء المؤصلين كتفسير الشيخ ابن باز معظم الآيات التي تكلم عنها الشيخ بن باز متعلقة بفتوى , هل يعتبر هذا من تفسير آيات الأحكام .
الشيخ صالح المغامسي : هذا من آيات الأحكام , لكن حتى لا يُظلم الشيخ , أنه لا بد أن ينظر أن الشيخ قالها كفتوى أو قالها كدراسة , لأن الفتوى الشيخ يخاطب فئة في الغالب العامة ولا يقصد بها طالب العلم , فيأتي طالب العلم يظلم الشيخ إذا ظن أن هذه دراسة علمية وافية - واضح - يعني فيحصل إظهار نقص غير موجود , يعني مثلاً تظهر فتوى لسماحة الوالد الشيخ بن باز يُخرجها أحد طلبة العلم ويقول هذه آيات الأحكام تعليق الشيخ عبد العزيز رحمه الله على آية كذا مثلاً { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } آية أحكام فلو علق عليها الشيخ فتوى يريد بها تلقى في المذياع لعامة المسلمين ولا يريد أن يخوض فيها خوضاً علمياً لا لأنه لا يعرف محال , لكن أراد أن يبين هذا بتقريب للناس , فلما يأتي طالب في الدراسات العليا ويخرج عن الناس أن هذا شرح الشيخ بن باز للآية ثم يقرأ الناس شرحاً لغيره .
معمر العمري : يكون مقتضباً .
الشيخ صالح المغامسي : يكون مقتضب كلام الشيخ وغيره أوسع يظن أن الشيخ قصر به نفسه , وهذا غير صحيح لأن الشيخ لم يقل هذا شرحي للآية , هذا تفسيري العام للآية , لكن هذه فتوى بُنيت على الآية ولهذا طبعاً يجب الحيطة هنا حتى لا يُظلم مشايخنا.
معمر العمري : يكون المَخرج يا شيخ أما أن يبين هذه الفتوى ,,,
الشيخ صالح المغامسي : يكون المَخرج ,, يُبين أن هذه جمع فتاوى لا أكثر ولا أقل .(5/8)
معمر العمري : دعني يا شيخ أنتقل لكي لا يدركنا الوقت , الآن الأوساط الثقافية والإسلامية في جميع أنحاء العالم الإسلامي بدأ يتكلم عن قضية مهمة جداً أنبه بها تعتبر من آيات الأحكام في قوله تعالى { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } الآية ، شيخنا الفاضل قبل أن نتعرض للخلاف الذي حدث في الآونة الأخيرة دعنا نأخذ معنى الآية إجمالاً ثم ندلفُ إلى ذلك .(5/9)
الشيخ صالح المغامسي : الصفا والمروة جبلان باتفاق الناس , هذان الجبلان كانا عليهما في الجاهلية قبل البعثة وبعد البعثة قبل دخول مكة في الفتح الإسلامي صنمان [ إساف ونائلة ] هذان إساف ونائلة وُضعتا بعد أن بدل الناس ملة إبراهيم ، أما في أيام خليل الله إبراهيم فأن هاجر عليها السلام سعت تبحث عن رزق لولدها بين الجبلين ، فالجبلان في قدر الله شعيرتان عظيمتان فلما جاء المشركون وغيروا تلك الملة ملة إبراهيم ووضعوا الصنمين عليهما ثم جاء الإسلام وأسلم المسلمون ودخلوا في دين الله بعضُ المسلمين خاصة من الأنصار تحرج أن يأتي الجبلين , لأنه كان يظن أن مُنتهى الأثر القديم المحكي عن الجبلين ينتهي إلى وضع أساف ونائلة , فأراد الله أن يبين أن وضع إساف ونائلة والتمسح بالأوثان آنذاك من أهل الإشراك لا يغير من الحقيقة التاريخية الشرعية وهي أن الجبلين الصفا والمروة من أعظم شعائر الله , فأنزل الله { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ } أي علمان شعيرتان عظيمتان يُتعبد الله عندهما بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عليهما ودعا طويلا فهما مكان عبادة , وقلنا مراراً أن تعظيم الشعائر يُنظر للسنة كيف عظم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الشعيرة فيقتفى فعظمها بالوقوف عليها واستقبال القبلة والتهليل والتكبير والدعاء والسعي بينهما صلوات الله وسلامه عليه ، المهم جداً أن نريد أن نفقه مسألة مهمة بعض الفقهاء أخذ من الآية حكم السعي هل هو ركن هل هو واجب هل هو سنة ـ بعض طلبة العلم ـ الآية لا يفهم منها شيء , المقصود من الآية رفع ذلك الذي تعلق في الأذهان من أنه حرج ما يقع عند السعي بينهما , لكن الآية لم تبين مسألة هل السعي ركن أو واجب أو سنة وإنما هذا ينذر من أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله , فلهذا قال الله جل وعلا { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ(5/10)
فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } من هنا أختلف الفقهاء هل السعي واجب أو ركن أو سنة .
بكلٍ قالوا ولكلٍ دليل , فمن أخذ بظاهر الآية ـ وقلنا أن هذا منحى غير صحيح ـ قال إنها سنة قال إن الله قال { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ}
ومن قال إنها ركن أخذ بقول عائشة : ( ما أتم الحج من لم يسعى بين الصفا والمروة) , ومن رأى .
معمر العمري : الواجب .
الشيخ صالح المغامسي : الواجب , لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة , وقال لعروة بن المضرس :" من صلى صلاتنا هذه وكان قد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار " فقد تم حجه , وقالوا ما ذكر السعي بين الصفا والمروة .
فهذا الاختلاف بتناول القضية , ليس المقام الآن مقام تفصيل وأن كُنّا نميل إلى الوجوب , لكن قلت المقام ليس مقام تفصيل , والفقهاء في هذا اختلفوا , المذهب في روايتان رواية تقول بالركن ورواية تقول بأنه واجب ـ أن لم أنسى ـ .
الذي يعنينا هنا إن هذا ما دلت عليه الآية , لكن من الخطأ الفقهي في ظننا أن الإنسان يبحث في الآية عن حكم السعي , لأن الآية لم يُقصد من إيرادها في القرآن أكثر من أن تبين أن فعل المشركين لم يغير كون الصفا والمروة شعيرتين عظيمتين من شعائر الله .
معمر العمري : لكن هل من دليل على هذا المُخصص , تخصيصه بهذه الحادثة , هل عليه دليل أو أنه فقط فهم .
الشيخ صالح المغامسي : ما فهمت ,,!
معمر العمري : الآن عندما نخصص الآية نقول أنها نزلت على هذه الحادثة وهي إزالة هذا اللبس , هل من دليل على هذا يا شيخ أو نقول أن الأصل في الآية أنها تعمم, يعني ممكن أن تكون ...(5/11)
الشيخ صالح المغامسي : لا ، الآية ما فيها دلالة وجوب , وليس فيها دلالة عدم !! , لكن عندما تأخذها على ظاهرها على أنها آية حكم لا يُفهم منها أبداً أنه واجب ولا ركن , لأن الله قال :َ{لاَ جُنَاحَ عَلَيْه } مجرد رفع أثم , فهذا الطريق هو الذي جعل من يقول بأنها سنة ، هذا ما يتفق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب عليكم السعي ) فلهذا قلنا إن الآية ليس من مقصودها أكثر من بيان , رفع ما في الأذهان من التعلق بإساف ونائلة .
معمر العمري : طيب أنتقل يا شيخ إلى الخلاف المعاصر , لكن قبله أستقبل هذا الاتصال من أخينا سليمان السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته , مساء الخير ومساكم الله بالخير شيخنا
الشيخ صالح المغامسي : معمر العمري : مساكم الله بالنور الله يحييك , تفضل
المتصل :نفع الله بكم , أنا عندي سؤال طال عمرك من شقين تقريباً , إلي هو دائما نقرأ في التفاسير اختلاف الصحابة يعني أكثر الصحابة يقول نزلت في كذا ,,,وأنا سمعت من رسول صلى الله عليه وسلم كذا , ويختلفون في النزول , فهل الاختلاف كان من حيث السمع أم من حيث وجود الصحابي ؟
السؤال الثاني يا شيخ , وأيضا هو متعلق فيه , {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } كما قال أحد الصحابة قال هذا يختص فيه الإنفاق كنا نحن معشر الأنصار عندما نزلت الآية كنا ,, بدءوا يتشاورون بدأت تنقص أموالهم وكذا .. فرد الله حثه فيها وسائل الإنفاق { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أي أنكم لا تلقون أموالكم فبالتالي تهلكون أنفسكم بتجميع الأموال(5/12)
والسؤال الآخر يا شيخ , أنا صراحة فوت حلقة شرح سورة التحريم , لكن فيه مسألة مهمة , أرجو أن الشيخ تطرق لها وهي مسألة خطأ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وحاشاه ـ لكن فيه بعضهم اختلفوا وأكثر العلماء اختلفوا في مسألة الخطأ أنه لا يخطئ الوحي ولكن قد يخطئ خطأ بشري , وما ردكم على من يقول أنه حتى لو أخطأ خطأ بشري يُعتبر إنقاص من مقام النبوة , فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بالخطأ كافة لا بشري ولا من ناحية الوحي , وجزاكم الله خير وبارك الله فيكم
معمر العمري : شكراً سليمان يعطيك العافية , شكراً يا غالي. ،، شيخنا نبدأ بأسئلته ثم نعود إلى المحاور , سأل عن أسباب خلاف الصحابة .
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً هو يعني الصحابة رضي الله عنهم قلما يحصل هذا الخلاف , لكن الاختلاف أين يقع ؟
يقع في النقل إلينا , فمثلاً تأتي عدة روايات تكون بعضها ضعيفة غير صحيحة أصلاً - واضح - فتورد إلينا فيظن الناس أن هناك تعارض بآراء الصحابة في سبب نزول الآية مع أنه , لم يكن إلا سبب نزول واحد , أحياناً قد يتعدد سبب النزول , لكن لم ينقل إلينا على وجه صحيح إلا واحد , فتكون سائر الروايات ضعيفة , فالروايات الضعيفة لا تصادم الروايات الصحيحة , ما دام ضعّفناها ولم نقبلها فلا نقول أن هناك اختلاف بين الصحابة , الاختلاف في النقل أحياناً يكون ضعف , فلما يكون ضعف في السند قد يكون السند مثلاً غير صحيح البتة و موضوع قد يكون أقل فيصبح , إسناد الأمر للصحابي أصلاً لم يصح , فيُصبح عندما ننفي إسناد الأمر للصحابي إذاً لا خلاف في هذا التكييف للمسألة , لكن قد يكون أحياناً ـ يعني ـ للآية أكثر من سبب نزول , تجي عاد قضية اختلاف الافهام .
معمر العمري : جيد , لكن هذا الحل يا شيخ للإشكال يكون في ما يتعلق باختلاف الصحابة في أسباب النزول , لكن اختلافهم في مسائل أخرى قد يكون مسألة أخرى .(5/13)
الشيخ صالح المغامسي : إيه ,, هذا وارد , فهم الآية مسألة أخرى , سبب النزول شيء وفهم الآية شيئاً آخر .
معمر العمري : طيب قوله تعالى : {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }
الشيخ صالح المغامسي : إيه ,, هذه نفس الشيء , مما اختلفوا فيه , وهو عام الأصل أنه عام , هذا لأن القرآن عربي وكلمة {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } تُفهم بفهمها الإجمالي العام , فكل ما أدى إلى هلاك المرء إما من تضييع مال أو من محاولة انتحار أو من عدم القيام بواجب الدين كله ذلك مهلكة
معمر العمري : يسأل عن بداية سورة التحريم , أو نسبة الخطأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً في التحريم , هو يتكلم ,,,,!!!؟ يقول حلقة يقصد الإذاعة , الله جل وعلا يقول : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هنا لا يوجد خطأ بمعنى الخطأ , وأنما يوجد تصرف من النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن المعالجة تكون بالطريقة هذه , وهو أنه أختلف في السبب أصلاً فقيل أنه حرم على نفسه العسل , وقيل أنه حرم على نفسه الجارية , والقول بأنه حرم الجارية أقرب للصواب ولا أجزم به،(5/14)
على هذا الله تبارك وتعالى يقول له مُعاتباً لأنه فعل خلاف الأولى لا لأنه وقع في خطأ , لكنه عليه الصلاة السلام لما يملكه من مشاعر عظيمة نبيلة جليلة أراد أن يُرضي زوجاته , وألا يدفع ببيته إلى الغيرة , مع أنه على الحق عليه الصلاة والسلام , وهذا أمر كون الإنسان يحرم ما أحل الله له جائز من حيث العموم , يعني كون الإنسان يمتنع عن شيء لا يسمى تحريماً من باب المجاز , يعني مثلاً إنسان لا يحب أن يأكل نوع من الطعام لا يرغبه , فهذا لا يُسمى تحريما على الغير , لكن من حقه أن لا يأكل , هذا أمر , فالنبي صلى الله عليه وسلم على القول بأنه العسل أو القول بأنه أتى الجارية هذه كلها مما أباحه الله جل وعلا له , فعاتبه ربه { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ } فعلى العموم يعني هو قال بعضهم أثبت النقص بالنبي صلى الله عليه وسلم , النبي صلى الله عليه وسلم أكمل خلق الله , لكن كماله البشري لا يرقى به أبداً ولو مثقال ذرة إلى مقام الإلوهية , فهو عبدُ الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه .
معمر العمري : نعود يا شيخ إلى مسألة المسعى ، هل تجيز السعي في المسعى الجديد ؟!
الشيخ صالح المغامسي : دعنا نفهم القضية إذا أذنت من أساسها , قلنا إنهما جبلان الصفا والمروة ، الآن أعطينا الكاسات .
معمر العمري : إيه تفضل .
الشيخ صالح المغامسي : هذان الجبلان , على قول إن هذا الصفا وهذا المروة والحرم هنا , يمتدان , ـ الإشكال واقع هل يمتدان من الغرب إلى الشرق ـ يعني هذا الإشكال , نفرض أن هذا الشرق , الإشكال هل يمتدان من الغرب إلى الشرق , هل المسعى الذي كنا نسعى فيه قبل التوسعة أستوفى .
معمر العمري : الحدود للجبلين .(5/15)
الشيخ صالح المغامسي : للجبل أو لم يستوفي , هذا هو السؤال , هذا الإشكال , لا يوجد شيء قطعي يحدد عرض المسعى , هذه أهم قضية , لو وجد شيء قطعي يحدد عرض المسعى لما أختلف الناس .
معمر العمري : عرض المسعى أو عرض الصفا .
الشيخ صالح المغامسي : عرض الجبلين , إلي هو طبعاً ما بين الجبلين يسمى مسعى فلما نقول عرض المسعى , نقصد ما بين الجبلين .
معمر العمري : أقصد يفهم الناس إلى المسعى القديم .
الشيخ صالح المغامسي : أيه ,, نعم ,, المسعى القديم ، فلا يوجد شيء قطعي عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد عرض المسعى , لو وجد هذا التحديد لما أختلف الناس , إذاً هذه مسألة من المسائل الظنية , هذا أهم شيء قضية .
معمر العمري : تقصد التحديد بالنص .
الشيخ صالح المغامسي : التحديد بالنص ,, نعم .
معمر العمري : بالواقع .
الشيخ صالح المغامسي : بالواقع الآن ,, نأتيه خطوة خطوة , لا يوجد دليل نص شرعي لا في القرآن ولا في السنة يحدد كم عرض المسعى , وإلا لو وجد هذا التحديد لما أختلف الناس , يعني لا يجرؤ احد على أن يعارض يرد الكتاب والسنة ولو فعلها أحد لما قبل منه , هذه أهم قضية .
ولي أمر المسلمين رأي أن المسعى بوضعه الحالي لا يكفي الناس , ويحسن توسعة المسعى ثم أراد أن يتبين هل الجبل يمتد أو لا يمتد , يعني من جهة الغرب إلى الشرق , هذا السؤال ؟
فإذا ثبت عنده أنه يمتد نفّذ ما يرغبه , وهو من التوسعة على الناس , وإذا لم يثبت عنده فولي أمر المسلمين الملك عبد الله وفقه الله أتقى لله من أن يجعل الناس يسعون في مكان لا سعي فيه .
أعيد : إذا كان يوجد مكان فيكون الإمام , إمام المسلمين حقق ما يرغبه من نفع المسلمين , وأن كان ثبت عنده أن المسعى ينتهي هنا فولي أمر المسلمين نقول أتقى لله ـ ولا أزكي على أحداً ـ من أن يحمل ذمته ما لا تحتمل - واضح- ويوسع المسعى
كيف يعرف حدود الجبل , قلنا لا ويوجد نص قطعي علشان نقوله حتى نحكيه(5/16)
معمر العمري : لتصل المسألة ظنية وتكون محل الإشكال .
الشيخ صالح المغامسي : محل الإشكال.
معمر العمري : طيب ممتاز .
الشيخ صالح المغامسي : فلا يوجد أمامنا شيء قطعي , الآن أمامنا من كان يعيشون قبل بناء السور الجدار الذي كان يحدد المسعى القديم , هل الجبل كان يمتد شرقا أو كان لا يمتد و هذا هوا لسؤال الآن المطروح فجيء بقوم شهود رجال عدول شهود , شهدوا أن المسعى كان يمتد من جهة الغرب إلى جهة الشرق , يعني الصفا يمتد والمروة تمتد , فإذا أثبتنا أن الصفا كان ممتداً شرقاً والمروة كانت ممتدة شرقاً , فقطعاً إن الساعي بينهما سعى بين الصفا والمروة بل جاء في مذهب الشافعي رحمه الله أنه قال : ولو مال عنهما يسيراً لجاز , حتى لو لم يكن بالسعي , كقول يعني الإمام الشافعي رحمه الله .
موضوع الشاهد صارت القضية قضية إثبات , فقلنا جاء سبعة شهود من كبار السن ممن يقطنون مكة ممن لهم دراية قديمة بحدود الجبل قبل بناء السور , واثبتوا شرعاً بما حكوه للقاضي أن جبل الصفا يمتد شرقاً وكذلك جبل المروة يمتد شرقاً , فلمّا ثبت عند ولي أمر المسلمين أن الجبل يمتد شرقا أخذ بهذه الشهادة الشرعية التي أثبتت له أن الجبل يمتد شرقاً وكذلك المروة فأمر بتوسعة المسعى
إذاً هذه أهم نقطة ..
معمر العمري : ,,!؟ النقطة الأخرى يا شيخ .
الشيخ صالح المغامسي : المقاول الذي أستلم المشروع , مشروع التوسعة لم يبدأ بالتوسعة إلا بعد ثبت لدى ولي أمر المسلمين المؤتمن على الناس على مصالح المسلمين أن الجبل يمتد ، ما دام أنه يمتد , حتى لو وجد قول معارض فأن ولي أمر المسلمين لم يبني حكمه على مصادمة نص أو إجماع , وإنما بناه على شهادة شرعية , إذا أذنت .
معمر العمري : ولا يعد هذا البناء على الشهادة يعد شرعياً , يعني مسنوداً بناء على شهادة الشهود .(5/17)
الشيخ صالح المغامسي : إيه شهادة شرعية , طبعاً إذا أذن المخرج أنا جايب أوراقي معاي , هذا هو الصك الذي فيه أسماء سبعة من الشهود يثبتون بشهادتهم شرعاً في محكمة مكة المكرمة
معمر العمري : معليش يا شيخ خليه ثابت .
الشيخ صالح المغامسي : في الشهود هذا , سبعة شهود يشهدون أن الصفا والمروة كان ممتدين من الغرب إلى الشرق على أن الشهود كما تعلم , اختلفوا في مسألة تحديد البعد , يعني اتفقوا على أنه كان ممتداً .
معمر العمري : أكثر من الموجود .
الشيخ صالح المغامسي : لكن الذاكرة عند كل احد منهم تختلف , لأنهم لم يكونوا يتوقعوا يوماً أن يسألوا هذا السؤال , فبعضهم قال مثلاً إلى كذا , بعضهم قال غلى أربعين بعضهم قال إلى ثلاثين بعضهم قال لا أذكر لكنه أكثر بعضهم قال كانت لنا بيوت - واضح - وعلى علمي هذا خارج الصك , هناك ثلاثون شاهداً سيشهدون .
معمر العمري : في الطريق .
الشيخ صالح المغامسي : في الطريق سيشهدون , وأنا قابلت ممن رجال كبار في السن قابلتهم بنفسي وأخبروني أن المسعى كان يمتد أكثر مما هو عليه في المسعى القديم .
معمر العمري : طيب شيخ صالح الخلاف في مقدار الامتداد ألا يمكن حله حل علميا بحيث ينظر إلى أصحاب الاختصاص من لهم خبرة بعلوم الأرض , ينظر عن أصل الجبل .
الشيخ صالح المغامسي : أُتي به , جلوجيين وسيثبتون شهادتهم , وسيأتي كما قلت ثلاثون آخرون منهم كما علمت شيخنا الجليل العلامة عبد الله بن جبرين وفقه الله ورعاه , الآن هنا هذا الحراك الثقافي له معطيات عظيمة .(5/18)
أولها : المشايخ الفضلاء العلماء الأجلاء الذين لا يرون صحة التوسعة - تمام- أثبتوا بقولهم وهذا هو المهم , ,إنا نعتقد نحن أن أرائهم غير صحيحة , لكن هم أثبتوا بآرائهم هذا أنهم لا يدينون إلا لله , لأنهم هؤلاء لو كانوا لو أرادوا أن يجاملوا أحد لجاملوا ولي أمر المسلمين , لكن كونهم ـ وفقهم الله ـ لكل خير وزادهم تقوياً وفضلاً وعلما , كونهم مع علمهم أن ولي أمر المسلمين رأى هذا ومع ذلك يتحفظون مع الفتوى به دليل على ورعهم وتقواهم وإنهم في سابق فتاواهم التي كان بعض الضعفاء يُشغب حولها , دليل على أنهم لم يكونوا ـ ولا نزكي على الله أحدا ـ يرقبوا في فتواهم إلا ربهم , هذا أصلاً ,, مثلاً الشيخ اللحيدان!! وفقه الله تعالى ورعاه ,مثلاً أنا كصالح المغامسي أرى مثلاً الصواب أن المسألة صحيحة , التوسعة صحيحة والسعي بينهما صحيحاً , لكن قبل ذلك أنا أنظر بعين الإكبار وإجلال لعالم يجهر برأيه في مسألة كهذه, لأنه معناه أن علمائنا ـ وفقهم الله وقلت لا نزكي على الله أحداً ـ إنما يقولون ويحكون ويفتون بما يدنون الله جل وعلا به تبارك وتعالى , بصرف النظر عن رأي ولي أمر المسلمين , مع أن رأي ولي أمر المسلمين قطعاً بإجماع ,, بإجماع
معمر العمري : بجواز ,,!!؟
الشيخ صالح المغامسي : لا , بإجماع رأيه شرعياً صحيح , كيف يصبح بإجماع ؟(5/19)
لأن الأمة تقول أن المسائل الخلافة رأي الإمام يرفع الخلاف , فليس هناك إجماعاً على صحة التوسعة , لكن اختيار ولي هذه التوسعة فعله صحيح شرعاً لأن الأمة أجمعت على أن المسائل الخلافية يرفع رأي ولي أمر المسلمين الخلاف فيها ،ـ من باب آخر ـ كما حسبنا هذا للعلماء الفضلاء الأجلاء نحسبه لولي أمر المسلمين الذي أذن لهؤلاء الفضلاء أن يجهروا بآرائهم ويتداولها الناس , ولو كنّا في بلدٍ كما يقال عنّا ـ عياذاَ بالله ـ مغلق لما استطاعوا أن يجهروا , لكن سُمح لهؤلاء وسُمح لهؤلاء , على أن أكثر أهل العلم من المسلمين من داخل المملكة وخارجها , نستطيع أن نقول ثمانين في المائة منهم يرون أن هذا العمل عملٌ صحيح شرعاً ويفتون بجواز السعي بين الصفا والمروة على حالهما هذه
قلت نحن لا نريد أن نفصل , يعني نحن أقل شأن من أن نفصل في القضية , لأن المسألة خلافية , لكن بينا إلى أي حد يمكن أن يُستفاد من مثل هذا الحراك الثقافي الذي أحدثته توسعت , طبعاً من رحمة الله بالناس أنه ,, هذا يعني الملك عبد الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ملك موفق , وإلا لو أنه قدر أن هذا الأمر وقع بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة , فانه لا يوجد أحد يشهد .
معمر العمري : بسبب ,,,!!!؟
الشيخ صالح المغامسي : بسبب , الناس ماتت , ,,!!؟ واضح - لأنه لا يوجد أحد يشهد أدرك , يذكر المسعى قبل أن يرى الصورة الأولى ,يعني ما كان المسعى عليه قبل المسعى القديم , ولهذا الشهود يعني مثلاً أول الشهود , يعني خل نأخذ من مواليد ـ يعني ما فيه داعي للأسماء ـ من مواليد 1349 هذا أول الشهود , من مواليد تسع وأربعين معنى أن عمره
معمر العمري : ثمانين .
الشيخ صالح المغامسي : أن عمره ثمانون عاماً , وطبعاً شهادة متزنة , فلا هو صغير فيرد , ويقال له لا تدري ولا هو كبير مخرف فيقال غلبه الكبر , يعني هذا من رحمة الله(5/20)
وهذا مكتوب في أول الصك أن المقصود إثبات ,, يعني نذكر فقد رأت الهيئة إثبات هذه الشهادات في صك شرعي تحتفظ ضمن وثائق هذه المشاعر وتبقى دليلاً قاطعاً للأجيال القادمة على أن أعمار هذه المشاعر إنما قام على بينات شرعية موفقة , هذا في مقدمة الصك .
معمر العمري : جيد , أستأذنك يا شيخ في هذين الاتصالين معنا صلاح من تبوك سلام عليكم ورحمة الله ,, اخوي صلاح تفضل .
المتصل :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
معمر العمري : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل :حياكم الله فضيلة الشيخ .
الشيخ صالح المغامسي : الله يحييكم يا هلا يا هلا والله .
المتصل :كيف صحتكم يا شيخنا .
الشيخ صالح المغامسي : الحمد لله بخير وعافية .
المتصل :اسأل الله أن يوفقك ويحفظك يا شيخ ويجعلك مبارك أينما كنت .
الشيخ صالح المغامسي : كذلك أنتم , أمين .
المتصل :الله يجزاك خير يا شيخ , شيخ الله يحفظك يا شيخ أحياناً في كتب التفسير تذكر أحياناً الله يبارك فيك إيجابيات وسلبيات لتفسير من التفاسير , فهل هذا يا شيخ ذكر الإيجابيات والسلبيات يكون قدحاً في كتاب التفسير المشار إليه مثلاً , كذلك يا شيخ الإشكال الثاني بالنسبة لكتاب السمعاني يا شيح في التفسير في ست مجلدات هل هو يا شيخ اصح كتاب في العقيدة يعني من اصح كتب المفسرين في العقيدة ,, وجزاكم الله خير وبارك فيكم .
معمر العمري : الكتاب يا شيخ , أسم الكتاب .
الشيخ صالح المغامسي : المظفر السمعاني .
معمر العمري : طيب شكراً لك يا صلاح , نجيب عن أسئلته يا شيخ يقول ذكر الإيجابيات والسلبيات بعض الكتب.(5/21)
الشيخ صالح المغامسي : , لا ,, شوف من ألف فقد أُستُهدف , من أخرج كتاباً للناس من حق الناس أن ينقدوا الكتاب نقداً موضوعياً , هذا نقطة أساسية , كتاب المظفر السمعاني كتاب قيم جيد لكن لا نستطيع أن نقول أصح كتاب في العقيدة أصح كتاب , هذه ألفاظ الأحسن أن ينأ عنها ؟؟!! , طبعاً بالمناسبة هذه إذا أذنتم , هذه خارج النص أنا كنت قد وعدت أهل تبوك محاضرة هذا الأسبوع في حقل وفي تبوك يوم الخميس والجمعة كنت أنوي أن أخطبها في تيماء
أولاً أنا أعتذر والله لكل فرد في محافظة حقل في مدينة تبوك وفي محافظة تيماء ويعلم الله , يعني هناك أسباب قد لا يحسن الجهر بها , هذا برنامج للناس ليس لي , يعني لا أستطيع أن أبوح بها لكن غالبها تدور حول الصحة , هذا الذي جعلنا نرجئ ,, طبعاً أنا كنت أشكر الخ الشيخ صلاح العطوي واشكر الشيخ أبو عمر الحويفي والشيخ عواد الجهني و الشيخ فارس الغيثي من تيماء هؤلاء الأفاضل المباركون أصحاب الدعوة والذين كنت أتمنى أن ألتقي بهم كما كنت أنوي أن أزور رئيس محاكم تبوك فضيلة الشيخ عبد العزيز كذلك كنت أتمنى أن ازور موقع ( يا له من دين )للشيخ سلطان العمري وفقه الله , هو موقع مبارك هذا كله كان ضمن برنامج ما كنت أعزم على فعله وشيء آخر غيره , لكن أعاقت بنا بعض الظروف الصحية العارضة فأنا أعتذر لهم فرداً فردا كما قلت , وأعيدهم بإذن الله أني سأعوضهم ذات يوم وارجوا أن يقبل هؤلاء الفضلاء اعتذاري .
وأعتذر كذلك للأخ فيصل الحقباني أحد الطلاب أرسل رسالة رقيقة جداً وأعتذر إليه شخصياً
معمر العمري : شيخنا الفاضل لحراك الثقافة الذي أثارت مسألة الجدل تقول أنه يدل على عدم تأسيس الفتوى واحترام خادم الحرمين للعلماء , لكن يا شيخ ألا يكون فيه دروس كثيرة لطلبة العلم يعني الآن المتأمل للعبارات التي وردت .
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً تقصد تأسيس الفتوى .
معمر العمري : عدم تأسيس الفتوى .(5/22)
الشيخ صالح المغامسي : ايوه أنا فهمتها تأسيس , استغربت يعني .
معمر العمري : لا ,, تأسيس يا شيخ , أقصد يا شيخ الآن بالنسبة للمتتبع للفتاوى الواردة من الفريقين يجد فيها أدب العبارة واحترام للطرف الآخر , كيف يمكن لطالب العلم يستفيد .
الشيخ صالح المغامسي : إيه , هناك بحثان ظهرتا , بحث للدكتور ,, بحثان مصغرة طبعاً ,, للدكتور الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء , وبحث بحث بمعنى كلمة بحث
معمر العمري : وهو من هو .
الشيخ صالح المغامسي : وهو من هو وفقه الله ,, وبحث ظهر للشيخ عصام البشير نشرته جريدة الوطن , كذلك كان بحثاً قيماً جداً فيه علم جم وأدب رفيع وطرح جيد , كذلك من منافع , لأنه إذا حدثت قضايا وفيه علماء يحدث حراك ثقافي طيبٌ جداً والحمد لله أن الإنسان يطمئن أن هذه البلد ـ اللهم لك الحمد ـ بلاد تزخر بالعلماء وولاة أمر ربانيين صالحين يحكم فيها شرع الله ويعلى فيها الدين وتُقام فيها الحدود , ويعني لا يحاول زعزعت أمنها أو النيل من علماءها أو القدح في حكامها أو بعض الاضطراب فيها إلا من في قلبه غل أو في عقله جهل اسأل الله لنا ولكم العافية .
معمر العمري : ننتقل من هذه المسألة يا شيخ إلى مسألة اجتماعية لكن أستأذنكم بعد هذا الفاصل , مشاهدي الكرام فاصل قصير نتابعه سويا ثم كرماً أبقوا معنا بعده لنستكمل الحديث , أبقوا معنا .
فاصل
معمر العمري : أهلاً ومرحباً بكم مشاهدي الكرام مرة أخرى بعد أن تابعنا هذا الفاصل باسمكم جميعاً أرحب بشيخنا حياكم الله شيخ صالح .
الشيخ صالح المغامسي : الله يبقيك حياكم الله .(5/23)
معمر العمري : نعود إلى محاورنا شيخنا الكريم يعني كما هو معلوم آيات الأحكام تعلقت بالعبادات وبغيرها من الأمور الأخرى سواء كانت فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية أو في الأحوال الشخصية أو حتى ما يتعلق بهم جميعاً ,, نقف يا شيخ مع بداية سورة الطلاق يعني نحاول أن نشرح هذه , لكن قبل البداية ننظر نظرة عامة إلى نظرة الإسلام إلى العلاقة الزوجية واحترامه لهذه العلاقة .
الشيخ صالح المغامسي : سمى الله جل وعلا في القرآن النكاح والرباط الزوجي بالميثاق الغليظ قال سبحانه {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } وفي هذا دليل على أنه ينبغي على الزوج والزوجة أن يراعيا هذا الميثاق الغليظ وما أستحل به كل منهما الآخر بكلمة الله تبارك وتعالى وخاصة من قبل الزوج , كما إنه ينبغي على المرأة أن تكون راشدة عاقلة حكيمة لأن بعض النساء إذا رأين من أزواجهن صبرا مرة أو مرتين أو ثلاث ظنت أن ذلك ضعفا , والعاقل لا يدفع غريمة أو خصمه أو مناوئه لأن يتصرف تصرفاً يقدر عليه , تعلم أن الزوجة لم يعطها الله الطلاق بيدها وأعطاهُ الله جل وعلا للرجل , والمرأة إذا وقع طلاق ـ في الأصل ـ هي أكثر خسارة وأشد تضررا فالمرأة أحيانا يبلغ من جهلها ـ بعض النساء ـ أنها تظن أن صمت زوجها أو عدم رده المبالغ فيه صبره عليها أحيانا أنه ضعف تزداد فربما ضيقت عليه الأمر فلفظ بالطلاق غبناً أو رداً أو انفعالا أو عمداً , بتريث فيقع ذلك الطلاق فتخسر أكثر مما يخسر الزوج ’ لأن جرت العادة أن الرجل لو طلق يجد من يزوجه , في حين إن المرأة , الأعراف الاجتماعية تقيد زواج المطلقة إلى حد كبير , لكن إذا كان هناك تواصل وتراحم وعقل وحكمة في التعايش يبقى البيت الأسري .
معمر العمري : استهلال الآية يا شيخ بلفظ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } مدلول هذا النداء .(5/24)
الشيخ صالح المغامسي : نعم ,, النداءات في القرآن تعلم اختلفت , جاء القرآن {يَا أَيُّهَا النَّاسُ } وجاء في القرآن {يَا بَنِي آدَمَ } وجاء في القرآن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } وجاء في القرآن { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } وجاء في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } لكن هنا فيه إشكال { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء } ما قال إذا طلقت !!
معمر العمري : عمم .
الشيخ صالح المغامسي : عمم ,, وكأن الخطاب أنتقل إلى المؤمنين , لكن لأنه عليه الصلاة والسلام قائم بأمور المؤمنين السيد المطاع فيهم عليه الصلاة والسلام فخوطب في أول الأمر لكن يكون مر معنا قضية أن الله جل وعلا قال { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } فجاء الأمر بالاثنين , قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم { فَوَلِّ وَجْهَكَ} وجاء في حق المؤمنين { فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } لعظم الأمر وهو تغير القبلة .
معمر العمري : بما أن الحديث يا شيخ عن آيات الأحكام , كيف يمكن أو ما هي الأحكام التي ممكن لأي فقيه أن يستنبطها من هذه الآية .
الشيخ صالح المغامسي : نعم ,, فلنتدارسها سويا الله يقول { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} هنا إذا , طبعا إذا لها أحوال , هنا أي إذا شارفتم على تطليق النساء , أي قبل الطلاق { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } العدة التي أمر بها هنا المقصود أن تستقبل الاطهار , بمعنى أن لا تطلق في زمن الحيض , هذا دلت عليه الآية , ألحق الفقهاء بالحيض النفاس , وألحقت السنة بالحيض أن لا يطلقها في طهر جامعها فيه .
معمر العمري : الدليل على النفاس يا شيخ .(5/25)
الشيخ صالح المغامسي : الدليل على النفاس هذا الفقهاء قالوا إن المانع واحد هو الدم , أنه ما يمنع الحيض , دم الحيض يمنع المرأة من الصلاة والصيام وكذلك ومن أن يقربها زوجها , وكذلك النفاس يمنعها من الصلاة والصيام ومن أن يقربها زوجها , من اجل هذا ألحق بعض الفقهاء النفاس بالطلاق , إذا علم هذا فيأتي الإشكال فيمن طلق في زمن الحيض , و أنا أتكلم كتأصيل لا كفتوى , لأنه يراد يبنى الناس ,,!!
هل هذا يقتضي الفساد أو لا يقتضيه , بعض الفقهاء يرى أنه يُنظر بالنهي , فأن كان النهي في عبادة فأنه يقتضي الفساد .
وأما أن كان في معاملات مثل حالتنا هذه فأنه ينظر هل النهي خاص بشيءٍ في نفس الأمر المتعامل فيه أو في مُقارن له فإذا كان في نفسه فالنهيُ يقتضي الفساد , وأن كان في مقارن في مصاحب له ليس فيه ذاتاً فلا يقتضي الفساد ومن هنا قالوا إنه إذا طلق زوجته في زمن الحيض - من يقول بهذا الأصل - طلق زوجته في زمن الحيض فهو آثم لعدم انتهائه عما نهى الله عنه , لكن الحكم يقع , أي يقع الطلاق(5/26)
وأهل الظاهر ومن وافقهم من غير أهل الظاهر يرون أن الطلاق لا يقع لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) قال ربنا {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } قول ربنا { وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } أنت تعلم أن الإنسان إذا طلق امرأته طلقة واحدة أصبح له حق المراجعة , فإذا انتهى زمن العدة دون أن يراجعها فأن هناك أمور تتعلق بحق المرأة , بحق الزوج وبحق الزوجة , إن لم يكن هناك إحصاء للعدة لم يكن لنا أن نتأتى ونفتتأ على تلك الحقوق , فمثلاً رجل طلق امرأة يريد أن ينكح عمتها مثلاً وهو لا يجوز له أن يجمع بين المرأة وعمتها , فليس له أن يأتي العمة وينكحها حتى تنتهي عدة الزوجة ولهذا قال الله { وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } الآن ليس هذا وحده ولكن هذا كمثال ، فيتعلق بإحصاء العدة مصالح للزوج ومصالح للزوجة ، لهذا أمر الله بقوله:( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ) هذا تخويف ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) نأتي مثلا : يأتي إنسان يقول : زيد من الناس طلق امرأته ثم اتفقا على أن تخرج من البيت ، يعني تخرج من البيت برضاها ورضاه ويُخرجها برضاه ورضاها ، هل يجوز لها أن تخرج أو لا تخرج ؟
هذا أصل المسألة أن ينظر في قول الرب تبارك وتعالى :( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ)
هل هو حق للزوجين وللشرع ؟ أم هو حق خالص للزوجين ؟
فمن قال إنه حق للزوجين قال لهما أن يفعلا ذلك ، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله ، ومن رأى أن في قوله جل شأنه :( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) أن فيها حق للشرع وحق لله ، لم يُجِزْ أن يخرجا ، وهذا الذي يظهر لي والعلم عند الله .(5/27)
أ.معمر العمري : يا شيخ المنتشر بين الناس مجرد الطلاق تخرج .
الشيخ صالح المغامسي : إذا أخرجها هو فهو آثم ، وإن خرجت هي فهي آثمة ، لكن قُلت إن خرجت بالتراضي إن خرجت المرأة بالتراضي ، يعني قال : الأفضل لي ولك أن لا تبقي في البيت ، فمن يرى أن ليس في الآية حق للشرع يرى جواز الخروج وهو مذهب الشافعي ، ومن يرى أن هناك حق للشرع فلا يرى الخروج وهذا مذهب أبو حنيفة – رحمه الله -ومن وافقه ، قلت و النفس تميل إليه والعلم عند الله .
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) الفاحشة المبينة اختلف فيها لكن غالبا الفاحشة في اللغة : ما قبح من قول أو فعل ، سواء كان زنا لا قدر الله أو دون ذلك أي كان أمرا فيه ضرر ظاهر .
ثم قال الرب تبارك وتعالى :( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً).
أ.معمر العمري : شيخ صالح نقف في هذا المقطع ، استأذنك في هذا الاتصال لكي لا نطيل عليهم ، معنا من الخفجي الشيخ سليمان السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أسعد الله مساءك أستاذ معمر .
أ. معمر العمري : حياك الله تفضل .
المتصل: سلمك الله أسعد الله مساءك شيخي صالح .(5/28)
الشيخ صالح : حياك الله شيخ سلطان ، أشهد الله على محبتكم في الله ، ونسأل الله أن يجمعنا وإياكم في جنته . أستاذ معمر أولا اسمح لي أن أتقدم بالشكر بين يديك على هذا الطرح المميز وهذا البرنامج المفيد ، فالكل يثني عليه خيرا فأسأل الله لي و لك التوفيق ، وبرنامج قطوف دانية ارتبط اسمه بالشيخ المغامسي وهي من تقديمك الكريم ، فأنتما وجهان في عملة واحدة مع البرنامج ولا نرتضي غيركما لتقديمه أنت والشيخ صالح بإذن الله تعالى ، في الحقيقية أحببت في المشاركة حبا وكرامة لشيخي الفاضل ، فقد عجزت في الوصول إليه لعله يعلم ذلك ، ولكن أشكر الله وأحمده أن يسر لي هذا الاتصال فالشكر موصول لكل من ساهم في هذا البرنامج ، والشيخ صالح لعلك تعلم أن والدتي حفظها الله كانت سبب أن تشفعت لي عندك أن تعمل محاضرة الخفجي ، وقد بلغتني الأمانة بأن أبلغك السلام ، وتكرار الزيارة بإذن الله جل وعلا وهذا شرف لنا في محافظة الخفجي ، ولا أطيل حتى لا آخذ من وقت البرنامج وإنما هذه كانت مشاعر فياضة كنت أختنزنها في صدري أردت إيصالها، وأسأل الله لي ولكم التوفيق ، والسداد إنه ولي ذلك وأستودعكم الله .
الشيخ صالح المغامسي : عليك وعليها السلام ، شكر الله لك شيخ سلطان ، وأسأل الله أن يجزي والدتك الكريمة خير الجزاء ، وهي صاحبة فضل علينا بدعائها ، فأعدها بالقدوم إن شاء الله في الخفجي لكن أكون مقيدا بوعد بعد شهر رمضان بإذن الله ، أيتها الوالدة الكريمة .
المتصل : وهو كذلك ونحن في انتظارك ، بعد البرنامج لك مفاجأة إن شاء الله لعلك تراها بعد خروجك بإذن الله .
أ.معمر العمري: شكرا لك يا شيخ سلطان .أخشى أن الشيخ يستعجل على إنهاء الحلقة ، طيب معنا سعود، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله ، مساء الخير أستاذ معمر ،مساء الخير شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياك الله أخ سعود .(5/29)
المتصل : نشهد الله على محبتك فيه ،أسأل الله أن يجمع لك بين الأجر والعافية ويعظم أجرك يا شيخ .سؤالي يا شيخ بالنسبة للمسعى الله يحفظك ما أدري كيف سيصبح نظام المسعى بعد كدا ، النظام القديم هل سيكون الصفا والمروة ذهابا وإيابا أو يكون ذهاب و المسعي الجديد إياب يا شيخ .
أ.معمر العمري : معنا الشيخ حسين الثقفي من الطائف السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، كيف حال شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياك الله شيخ صالح .
المتصل: كيف حالكم طيبون ، مساءكم مبارك إن شاء الله والمشاهدين ، لا أريد أ ن أطيل عليكم أيها الأحبة وخاصة أنني بعيد عن الشاشة ، فلم أسمع الموضوع كامل ولكن أحببت أن أطرح سؤال على الشيخ في موضوع قصة أبو هريرة رضي الله عنه مع الشيطان ، وخاصة في الآية العظيمة آية الكرسي التي فيها من الحكم والعبر ، ما الله به عليم ، وخاصة أن هذه الآية العظيمة نحن بحاجة إليها في هذه الأزمنة المتأخرة ، التي تخبط فيها الناس في كثير من الشعوذة والأمور، بحاجة إلى تعليقات الشيخ في هذه القصة العظيمة ، في صحيح الإمام البخاري ، وكذلك نتمى أن نرى الشيخ حفظه الله في مدينة الطائف مع هذا الصيف المبارك ، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم وشكرا لكم جميعا .
أ. معمر العمري : شكرا للشيخ حسين الثقفي شكرا لجميع الإخوة الذين داخلوا معنا ، الشيخ السلطان لبيت له رغبته ، الأخ سعود يسأل عن طريق المسعى كيف ستكون .(5/30)
الشيخ صالح المغامسي : أنا لا أعلم تحديدا عن هذا الأمر ، لم أطلع عليه جملة لكن الذي ربما قيل أنه قد يقول المسعى الجديد إياب لكن لا أظن ذلك ، لأن التوسعة ليست بمقدار المسعى القديم ، التوسعة ليست بمقدار المسعى القديم وأعتقد أنه سيدخل شيء من الذهاب في الإياب لكن لا يدخل فيه كله ، والذي أعلمه أن تأسيس المسعى سيكون اثني عشر دورا ، سيُبدأ بأربعة أدوار ، يؤجل ثمانية أدوار لحاجة المسلمين في العصور المقبلة، المسعى سيضم بعضه إلى بعض ، و سيؤسس على اثني عشر دورا ، وسيعمل بأربع ثم يؤجل الباقي في العصور القادمة إن شاء الله .
أ.معمر العمري : نقول بما أن في هذه الأوار ألا يكون في هذا جمع بين هذه الخلافات حيث يبقى المسعى القديم ويبنى عموديا .
الشيخ صالح المغامسي : هو قد يفعل هذا وقد يُفصل به وأفضل ، بما أنه من الصفا والمروة ليست رخصة وإنما حقيقة بين الصفا والمروة يجب العمل ، يحسن ولا نقول يجب يحسن العمل بها .
أ.معمر العمري: نرجع إلى آيات الطلاق .
الشيخ صالح المغامسي : بالنسبة للشيخ حسين ، نعده بتفسير آيات ذات أسماء ، آية الكرسي ، آية المباهلة ، آية المجادلة
أ.معمر العمري : نعود إلى آيات الطلاق ، توقفت على المقطع الأخير يا شيخ : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ).(5/31)
الشيخ صالح المغامسي : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) ثم قال الله: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) الآن الرجل طلق وينتظر العدة تنتهي ، فإذا شارفت العدة على الانتهاء فالله يقول :( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) ليس المعنى انتهاء الأجل، ما ينفع بعد ذلك عودة، إذا شارفت قاربت ، (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) فانظر أدب القرآن ، (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الأحرار الشرفاء ، الشيم أهل النخوة من الرجال يعرفون كيف يتعاملون مع النساء ، المرأة ضعيفة مهما مهما مهما بلغت ، ضعيفة " أحرج حق الضعيفين " النبي يقول .
أ.معمر العمري: في الغالب .
الشيخ صالح المغامسي : في الغالب ، ضعيفة حتى في قوتها ، هم أقوياء في لفة لكن حتى في لفتها في مكرها و دهائها ضعيفة ، الرجل الحر واضح بين ، هذا أدب القرآن وتعليمه للناس (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
? إما أن تبقيها وتعطيها حقها من الإكرام والإجلال مما أمر الشرع به .
? وإما أن تفارقها بمعروف بمعنى أنك تطلقها طلاقا ظاهرا ،لا تعلقها في نفس الوقت تمتعها على القول بالمتعة ، يعني تعطيها مبلغ من المال ، وتنصرف إلى أهلها راشدة ذات كرامة .
إذا سئلت عنها أو سئلت عنك كل واحد منكما يقول : لم يكتب الله التوفيق ، بدون إبداء ولا تكلم ، أمور أسرار (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) والحُر مع الرجال أو مع النساء إذا صار انصراف بينه وبين غيره لا يذكر إلا المحاسن :
إن الكريم إذا تغير وده ** ستر القبيح واظهر الإحسان
وإلا كلنا فينا أخطاء .
فالله يقول : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) أشهدوا ذوي عدل على ماذا ؟(5/32)
على ما تختار فإن اخترت الرجعة تُشهد ، وإن اخترت الطلاق تُشهد ، فقال ربنا : (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ) أي ما مضى من أحكام ومن تعليمات وآداب وشرائع علمناكم إياها (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) التقوى مناط العمل بالأحكام ، كم من حافظ للمتون عالم بالأحكام قارئ للقرآن لا يعمل منها بشيء لكن من آمن بالله حقا ، وأدرك أن هناك يوما يلقى الله فيه ، ينفعه أن يتعظ بآيات الأحكام (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ثم قال الله : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) هذه " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ " تعود على من ؟ تعود على الزوج والزوجة .
فالزوج إذا طلق طلاق السنة ، ولم يخرج المرأة من بيتها ، ثم أختار الرجعة أو الفراق ، فهو في كل الأحوال متق ، فيعوضه الله جل وعلا خيرا ويسدد سهمه ، ورأيه .
والمرأة إذا قبلت الطلاق ولم تخرج من البيت ولم تكتم ما في الرحم تقوى لله ، ثقي أيتها الأخت أن الله جل وعلا سيكتب لك الخير ، إما بأن يُصلح لك زوجك الذي طلقك وراجعك ، أو أن يوفقك لزوج خيرا منه .
العبرة مجمل ما تدل عليه الآيات أن هناك رغبات يتمناها كل عبد وعد الله بها والله لا سبيل إليها إلا بتقوى الله ،وإنك لن تغلب من عصى الله فيك بأعظم من أن تطيع الله فيه .
أ.معمر العمري : قبل أن نخرج من مسألة الطلاق ، ذكرت قبل قليل الإشهاد الكثير من الأسر يفرطون في هذه المسألة ، هل هي على الوجوب .(5/33)
الشيخ صالح المغامسي : ليست على الوجوب لكنها سنة ، وخير للجميع أن يأتوا بها هذا قول الله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) لكن قال بعض العلماء حكى الإجماع على عدم الوجوب ، وحال الإجماع صارف عن ظاهر القرآن .
أ.معمر العمري : فيما يتعلق بالطلاق وأختم بهذه الشيخ نحن مقبلون على موسم زواجات ، يلاحظ من الواقع للأسر أن السنة الأولى تكون سنة تجربة ، التعرف على الأخلاق للأسف الشديد بعض الأزواج يكون سريع الانفعال يكون سريعا إلى الطلاق وصيتك لهؤلاء .(5/34)
الشيخ صالح المغامسي : هو شيخنا الكريم ، كل شيء في الدنيا له سياسة له فقه ، له طريقه ، بعض الناس لا يحسنها ، فيأتيك شاب تريد أن تزوجه ابنتك ، أو أختك فيلح وتوافق عليه مقبول ، فيلح على ما يسمونه بالملكة يعني إقامة العقد ، ويقيمون فرح عفى الله عنا وعنهم مبالغ فيه ـ هذا ليس موضوعنا ـ تم الفرح هو يطلب هذا العقد والملكة قبلها بأشهر مثلا بعام ، أو بستة أشهر أو بثلاثة أشهر ، ليست العبرة الآن بسنة أو شهر ما هي مشكلة ، أين المشكلة الآن ؟ أنهما يتكلمان في الهاتف ، طبعا جائز كونها زوجته ، عقد عليها ، لكن بتعبير بلدي جدا " الدراويش من الزوج والزوجة " كل منهم يقول كل مشاعره ، وكل حكاويه ، وهي تقول كل مشاعرها وكل ما عندها فإذا جاء الزواج خلصوا ما في شيء جديد ، فلا يحدث ألفة ، لأن لابد أن يكون في الزواج عنصر مفاجأة لابد أن يكون هناك عالم تكتشفه ، بعد الزواج لكن إذا كان تقول لها كل أخبارك وأمورك ، وهي تقول لك كل شيء ، وعواطفك تخرج كلها وتخرج عواطفها كله ، لم يبقى لبعد الزواج شيء ، لكن اجعل شيء كثيرا في آخر المدة واجعله مع بداية الزواج ، لأن ترى النفس تحب تعرف الشيء المجهول ، تحب تستكشف جبّلة ، فأنت إذا كان كل شيء عرفوه مثل مدرس التربية العملية مادة التربية العملية بعضهم عندما يأتي في مدرسة يقول كل شيء لطلاب ، ظنا منه أنه يتبع بما يسمونه التربوية والعلاقة بين الطالب والمعلم ، فيقول كل شيء ، فعندما يقول كل شيء ، يصبح واضح جدا ، تذهب الهيبة ، فالطلاب يقولون هذا أستاذ اسمه كذا وإخوانه كذا يشجع فريق كذا ساكن في كذا سيارته كذا ذهبت الهيبة لا بد لها شيء من الغموض .
أ.معمر العمري: عندي نقطة مهمة ، لكن بعد الاتصال عندي اتصال دولية ، سمير من الجزائر أخونا سمير السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله .
الشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة الله ، حياك الله أخ سمير . يقولون :(5/35)
يا هابطا أرض الجزائر مرحبا **أرض الجزائر مهبط الشجعان
المتصل : السؤال ممكن يا شيخ صالح أن تعرب لي الآية في سورة الملك :( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) ؟
أ.معمر العمري : شكرا سمير ، معنا عمر من جدة ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام .
أ.معمر العمري : حياك الله أستاذ عمر .
المتصل : الشيخ صالح أحبك في الله عزوجل .
الشيخ صالح المغامسي : أحبك الله .
المتصل : الحمد لله الذي من علي أن أسمع أشرطة الشيخ ، فضلا لا أمرا وأبغى منك محاضرة عن حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم .
الشيخ صالح : ابشر ابشر .
المتصل : لا سيما في هذا الأيام الغزو على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإني أحبك في الله للمرة الثانية .
أ.معمر العمري : معنا من الرياض علي ، السلام عليكم ، تفضل .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله بركاته .
أ.معمر العمري: والشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المتصل : محبكم في الله ، عبد الرحمن من الدلم ، أسأل الله أن يسعدكم ، وأن يشرح صدوركم .
الشيخ صالح : آمين .
المتصل : أقول يا شيخ صالح الله يحسن إليك ، ويغفر لك ووالديك ، ويجعلك مبارك أينما كنت ، أقول يا شيخ في الزمن الأخير كثر ـ الله يحفظك ـ الطلاق ظاهرة ، الطلاق نريد يا شيخ ما هي أسباب هذه الظاهرة ؟ الأمر الثاني يا شيخ صالح الله يحسن إليك ، بعض القبائل إذا علموا يا شيخ أن الزوج أقل نسب والزوجة نسبها رفيع قامت العائلة بأكملها أن يقوموا بتطليق الزوجة ، لأن الزوج نسبه قليل ، وقد يكون هذا الزوج صاحب دين صاحب علاقة قوية مع الله ، أجبروا بأن يطلقها ، لأنه يا شيخ نسبه ضعيف والزوجة نسبها قوي .
أ.معمر العمري : هذه القضية واضحة ، قضية أخرى يا أخ عبد الرحمن ؟
المتصل : قضية أخرى الشيخ يعلمها ، أسأل الله أن يسعدكم بطاعته .
أ.معمر العمري: شكرا أخ عبد الرحمن .
الشيخ صالح المغامسي : ما شاء الله على أدبك وعلمك .(5/36)
أ.معمر العمري : معنا الأخ علي من الرياض ، السلام عليكم .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله .
أ.معمر والشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة الله ، وبركاته .
المتصل : كيف حالكم يا شيخ .
الشيخ صالح : الله يحيك ، حياك الله .
المتصل : نفعكم الله بالعلم يا شيخ ، أريد أسألكم عن العُجب الإنسان أحيانا يعلم بعض جزاء الأعمال مثل الصلوات الخمس والمحافظة عليها ، والصف الأول ، والجمعة إلى الجمعة ، وهكذا ، فيدخل عليه العجب من هذا الباب يعني ، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا ويقول كذا ، جزاء الأعمال ، يعني كيف يعالج الإنسان نفسه إذا رأى من نفسه هذا الشيء؟ بارك الله فيكم .
أ.معمر العمري : شكرا يا علي ، وشكرا لجميع الإخوة الذين داخلوا معنا ، شيخنا أحاول أربط بموضوعي ،ليكون في تسلسل قبل أن ندخل للاتصالات كنت تتكلم عن مسألة بعد العقد الاتصالات الهاتفية قضية مهمة يستفيد منها الشباب والفتيات ، الشخصية مثالية ، البعض يعيش في أحلام يريد زوجة أخلاق فاضلة تعامل حسن .
الشيخ صالح المغامسي: غياب بعض المفاهيم ، لابد أن يعرف أن الدنيا مبنية على المعاوضة ، لا نُغرق في مثاليات ، ولا نبني قصورا على رمال ،الدنيا مبنية على المعاوضة ،بمعنى أن النقص الذي فيك وكلنا ذو نقص تسدده الزوجة ، والنقص الذي في الزوجة يسدده الزوج ، عمدا لا أريد أن نفصل فيها ، لكن العاقل يفقهها ، الحياة مصالح ، أما بالنسب للمودة والرحمة تأتي مع الأيام ، فلا يتعجل إنسان في حسم المسألة طلاقه لكنه إذا بدى له أنه ليس هناك حل إلا الطلاق فالطريق كما قال الله :( حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً) فإن تبين للحكمين أن الطلاق هو الحل يعمل بها ، أول يشاور ويستشير أهل الفضل والعقل، لكن بالذات السنة الأولى لابد من الركود والعقل والتأني عدم العجلة وعدم الأخذ بالظن ، هذا كله من أسباب المهالك .(5/37)
أ.معمر العمري: الأخ عبد الرحمن يسأل عن أساب انتشار الطلاق، ويقول إذا كان الزوج أقل نسبا من الزوجة .
الشيخ صالح المغامسي : أقل نسبا إذا وقع إذا نُظر لها قبل الزواج ، فمن حق الناس أن يزوجوا من يريدون ، لكن إذا وقع الزواج طبعا الفيصل فيها المحاكم يعني نحن لسنا جهة فض نزع ، لسنا جهة قضائية ، لكن من حيث النصح للناس والله أنا أقول لناس و الله لا يرينكم الله تسعون تجلبون بخيل ولا مال أو جاه في تفريق بيت مسلم ، يعني نسأل الله أن لا نلقاه بعمل مثل هذا .
أ.معمر العمري: سمير من الجزائر يقول تفسير قوله تعالى : (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ).
الشيخ صالح المغامسي:هذه سورة الملك الله تعالى يقول في كتابه العظيم : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ* أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * َلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) أصلها بالياء ، يعني فكيف كان نكيري والمعنى كذبت أمم قبلهم فكيف كان إنكاري عليهم ؟ هذا استفهام يُراد به التهديد والوعيد ، والمعنى انظروا كيف عذبتهم ونكلت بهم وأهلكتهم تأملوا فيمن مضى ممن كذبوا رسولي كيف كان نكيري عليهم وإنكاري لصنيعهم ، والله يتكلم ذاته العلية بأنني عذبتهم وأهلكتهم ، وأرجوا أن يكون ظاهرا للأخ سمير .
أ.معمر العمري : عمر من جدة يقول لو تتحدث عن حب آل البيت .
الشيخ صالح المغامسي :سنفعل يا أخ عمر بإذن الله آل البيت لهم حق عظيم للمسلمين جميعا ، حبه إيمان ودين وملة وقربة ،أسأل الله أن يوفقنا لأن نصدر محاضرة أو حلقة عن ألئك الأطهار .
أ.معمر العمري: علي من الرياض ، يقول : كيف يعالج العجب ؟(5/38)
الشيخ صالح : طبعا الشيخ علي وفقه الله ـ لا نزكيه على الله ـ أنا لا أعرفه لكن يظهر من سؤاله الإخلاص ، أنا أقول لك شيء، لك أنت يا شيخ علي ، الإنسان ما دام يخاف فهو آمن إنما الهلاك على من يأمن ، الإنسان ما دام يخاف من شيء فغالبا غالبا هو آمن ، أما الخوف على من يظن من نفسه أنه آمن .
أ.معمر العمري : أحسن الله إليكم ، أعود يا شيخ إلى محاوري ننتقل من ما يتعلق بالمعاملات العلاقات الاجتماعية ، ننتقل إلى كتاب الأطعمة يقول تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ) إلى آخر الآية ، قبل أن نفصل الآية المعنى الإجمالي لها ثم نزدلف .
الشيخ صالح المغامسي : طبعا تعرف يا أستاذي الكريم أن المطعومات تنقسم قسمين :
... ... 1.حيوانات . ... ... ... ... 2. وجمادات .
نبدأ بالجمادات :
1. النجس : مثل الدم ، جماد .
2. المتنجس : يعني الأصل أنه طاهر لكن حلت فيه نجاسة مثل سمن كما يقول الفقهاء وقعت فيه
فأر .
3. الضار : كالسموم ، هي جمادات لكنها محرمة لأنها ضارة . 4. المسكرات : كالخمر والمخدرات ، هذه جوامد.
أ.معمر العمري: ما معنى جوامد ؟
الشيخ صالح المغامسي : جوامد يعني ليست حية ، ليست حيوانات حية ، ليس جامد ضد سائل لا ، جامد هنا بمعنى ضد حي .
4. الرابع منها : المسكر ، ما أسكر قليله أو كثير حرام .
5. ما تعلق به حق الغير : كالمسروق والغصوب هذا لا يجوز أكله .
هذه خمس في الجمادات .(5/39)
بقينا في الحيوانات :الأصل فيها الحل ، الله جل وعلا يقول : (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) جاءت السنة بتحريم كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير . نأتي للآية إجمالا : إنما : تفيد الحصر ، عند النحويين إن : حرف ناسخ إذا دخلت عليها ما كفتها عن العمل وأفادت معنى الحصر ، فالمُحرم : الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ، ما أهل به لغير الله : معروف وعلم أنه لا يراد به وجه الله ، وأما الدم : فمعروف لكنه مقيد بقوله جل وعلا : (أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً)، وأما الميتة : ما مات حتف أنفه من الدواب ، من غير ذكاة شرعية ، وأما المحرم من ذي مخلب من السباع فهذا حتى لو ذكي .
ولحم الخنزير : لحم الخنزير حيوان جاء الشرع بتحريم الأكل منه .
أ.معمر العمري : لكن تحريمه يا شيخ لماذا قال " لحم خنزير " لم يقل تحريم الخنزير ؟
الشيخ صالح المغامسي : هذا إشكال ، فتح بابا لذلك قال بعض العلماء: " الشحم جائز "، يعني قليل لأن الآية قالوا نصت على لحم الخنزير، لكن أُجيب عن هذا : بأن اللغة تقول : إذا قلنا لحم يعني اللحم والشحم ، وإذا قلنا الشحم فلا يراد به إلا الشحم ، لكنني لا أحفظ وفق قراءتي دليل على هذا المعنى اللغوي ، أقرؤها في كتب الفقهاء لكنني لا أعلم أن هناك مصدر يشير إلى أن العرب إذا قالت لحم تريد اللحم والشحم ، وإذا قالت الشحم : لا تريد إلا الشحم ولا تريد اللحم .هذا لا أحفظ فيه شاهدا في كلام العرب ، لكن الفقهاء يقولونه قد يكون لديهم ما يستندون إليه .لكن قال بعض العلماء في قضية لحم الخنزير قال : إن المرغوب المطلوب أصل هو اللحم ، فجاء به النص على التغليب وعلى لأنه المقصود الأسمى الأول لمن يأكلون الخنزير ـ عياذا بالله ـ .(5/40)
أ. معمر العمري: أيضا شيخ فيما يتعلق بالفقهاء أحيانا يذكرون ما يسمى خنزير البحر ، المقصود به وما حكم الشرع .
الشيخ صالح : خنزير البحر حيوان يشبه خنزير البر ، التسمية آتية للمشابه في الهيئة في الصورة ، غالبا ، الأصل في البحر أن دوابه حلال ، (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة) لكن المشكلة أن اسمه خنزير ، وقد قال ابن القاسم في المدونة ما نصه قال : "لم يكن مالك يجيبنا عن خنزير البحر بشيء ويقول :أنتم تقولون خنزير ".
يقول ابن القاسم في المدونة :" لم يكن مالك يجيبنا عن خنزير البحر بشيء ويقول : أنتم تقولون خنزير" ، ثم قال ابن القاسم نفسه قال : "أما أنا فأتقيه لكن من رأيته يأكله فلا أمنعه" . يعني لا أجازف وأقول أنه حرام .
أ.معمر العمري : شيخنا الفاضل يعني لو نقرب خنزير البحر في بعض الحيوانات المعروفة علميا .
الشيخ صالح : الظاهر أنهم يعرفونه الذين في البحر يعرفون خنزير البحر ، أما أنا لست من البحر في شيء لا آكل السمك لا آكله إلا نادرا ، ولا أركب البحر أبدا .
أ.معمر العمري : طيب يا شيخ نتكلم قليلا عن كتاب المدونة ، إطلالة تاريخية على هذا الكتاب .
الشيخ صالح : يعني مالك رحمه الله ألف الموطأ ، ولا يوجد كتاب على الأرض اليوم في الفقه والحديث أقدم من المؤطأ ، فأقدم كتاب مأثور يقرأه الناس اليوم في الفقه والحديث هو الموطأ .
أ.معمر العمري : نعم .(5/41)
الشيخ صالح المغامسي : هذا الموطأ قدمه مع جلالة قدر مالك مع جلالة ما فيه من مرويات ، جعلت له مكانة عظيمة في المكتبة الإسلامية ، الموطأ المرجع الأول لمذهب مالك ، ثم إن الرواية المعتبرة عندهم غالبا أو يكاد يكون إجماعا عندهم ، المدونة ، ما المدونة ؟ مالك رحمه الله ترك طلبة إجمالا ، طبعا مالك يعني فيه خصيصة ـ بس لا يفهمني الناس خطأ ـ مكث في المدينة ما خرج ما تركها إلا للحج ، فبارك الله له في عمره ، فعُمر ستا وثمانين سنة ، والمدينة موطن إتيان المسلمين ، هذا ساهم في نشر علمه وكثرة طلابه رحمه الله .
أ.معمر العمري : من رواد المدينة .
الشيخ صالح : فبقاؤه في مكان واحد وهذا تعرف صنعه الشيخ ابن عثيمين عندما كان أكثر وقته في عنيزة رحمه الله رحمه واسعة ، فهذا أسهم في نشر مذهب مالك ، كان هناك رجل يُقال له أسد ابن الفرات جاء من المغرب إلى مالك ، وأخذ عنه العلم ، ذات مرة أخذ يسأله يسأله، أراد يفرع ، مالك كأنه لا يحب هذا ، لكنه كان كامل النصح قال له : اذهب يا ابن أخي إلى محمد ابن الحسن . محمد ابن الحسن في العراق ، تلميذ أبي حنيفة ، هذا التفريع والفرضيات موجدة في مذهب أبو حنيفة أكثر من مذهب مالك ، وهذا من كمال النصح ، فاذهب إليه ، وخذ عنه ما تريد ، فقال له : أوصني . فأوصاه مالك بوصية والله الآن يسمعني الآن كثير طلبة العلم على الخصوص والله إنها قوام العلم .(5/42)
قال له : "أوصيك بتقوى الله العظيم ، والقرآن، و مناصحة هذه الأمة ".وهي تستحق حلقة كاملة لذلك أنا سأتوقف ما أشرحها ، نعود للكلام ، خرج أسد ابن الفرات ، لما خرج الأسد ابن الفرات رحمة الله تعالى عليه ، دون ما أخذه عن مالك ، كتبه ، وجمع معها مسائل محمد ابن الحسن ، ثم أراد ـ لأنه لم يلازم مالك كثيرا ـ أراد أن يجمع التفريعات التي عند محمد ابن الحسن التي أخذها عن محمد ابن الحسن بناءا على وصية مالك ، أراد أن ينظر أين مالك فيها ،يعني ما يسمى الآن بالفقه المقارن ، لكن مالك مات فلما مات مالك اضطُر أسد ابن الفرات أن يلجأ إلى بعض طلاب مالك حتى يعرض عليه علم محمد ابن الحسن ليقارنه بأقوال مالك من هذه المسائل ، فعمد إلى اثنين لم يرويها أشهب وآخر ، فرجع إلى عبد الرحمن ابن القاسم لازم مالك عشرين سنة ، فعرض عليه أسد ابن الفرات عرض على عبد الرحمن ابن القاسم مدونة ما أخذه عن محمد ابن الحسن ، يريد أن يرى رأي مالك في المسائل المشابة لها ، فكانت إجابة عبد الرحمن ابن القاسم وأنا أطلت على السائل ، أربعة :
1. أحيانا يجيب بقول مالك في المسألة مما تيقن من الرواية عن مالك .
2. وأحيانا يجيب بما غلت على ظنه أن مالك قاله فتراهُ يقول أخال ، أحسب أظن .
3. أحيانا يجيب بما لم يقل فيه مالك ولا يقينا ولا رجحانا ، لكنه قال بمثله ، فيحاكيه .
4. يجيب برأيه هو ، قياسا على أصول مالك .(5/43)
وأعطاها من ؟ أسد ابن الفرات كتبها ، جاء سحنون رحمه الله ، فأخذ هذه المدونة عن أسد ابن الفرات ، ثم بدى له أن يستوثق من المدونة ، فرجع إلى عبد الرحمن ابن القاسم ، يعرضها عليه ، فلما عرضها عليه غير من طريقته ، فما فيه أخال وأحسب وأظن حذفها ، وأبقى المرويات الثابتة عن مالك مع رأيه هو المخرج على أصول مذهب الإمام مالك ، فتغيرت المدونة الآن ، المدونة التي بيد أسد ابن الفرات ، والمدونة التي في يد سحنون ، وكتب عبد الرحمن ابن القاسم إلى الأسد ابن الفرات أن انظر كتابك مع كتاب سحنون فغيره يعني اجعله موافقا له ، كأن بعض الطلاب أثاروا أسد ابن الفرات قالوا : لا تغير . فانصرف الناس عن مدونة أسد إلى مدونة سحنون الموثقة عن طريق عبد الرحمن القاسم ، التي أخذ جلها عن مالك ، هذه مجمل ما يمكن أن يقال عن ما نسمع به المدونة ، وهي رواية معتبرة قوية في المذهب .
أ.معمر العمري : التي بين أيدينا الآن .
الشيخ صالح المغامسي : هي نفسها رواية سحنون عن عبد الرحمن ابن القاسم عن مالك رحمه الله .
أ.معمر العمري : الأولى لم تنشر ؟
الشيخ صالح المغامسي : لم تنشر ، موجودة الظاهر لكن لم أرها .
أ.معمر العمري: ننتقل عن هذه الآية إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) إلى آخر الآية ، قبل أن نقف مع كل صنف نبين يا شيخ الأموال الزكوية التي تجب فيها الزكاة .
الشيخ صالح المغامسي : المال الزكوية ذكرناها قبل في لقاءات عديدة ، 1.النقدان الذهب والفضة ،2. والركاز ، 3.وبهيمة الأنعام ، 4.وعروض التجارة ، 5. والحبوب المدخرة ، الثمار المدخرة ، هذه الخمس هي الأموال الزكوية التي..
أ.معمر العمري :الحصر في الآية : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ) تفيد الحصر .(5/44)
الشيخ صالح المغامسي : تفيد الحصر ، وهي لا يجوز صرف الزكاة الشرعية في غير هؤلاء الثمانية على أنه يأتينا عندما عرضناها هل المقصود التعين حيث تدفع لهم جميعا ، أو بيان أنها لا تدفع لغيرهم في فرق ، فإذا قنا بالتعين معناها يجب على مذهب الإمام الشافعي أن يعطي جميع الثمانية من الزكاة ، يعني عندك ألف ريال تعطيه الثمانية ، توزعه إلا من كان وكيلا لك العاملين عليها ، أما إذا قلنا لبيان من لا تدفع إلا لهم .
أ.معمر العمري:طيب نقف في الآية الفقراء والمساكين والعاملين نُبين هذه الأصناف.
الشيخ صالح المغامسي : أولا الفقراء والمسلكين قال الله : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ) أيهما أشد؟ في كل قال العلماء ، لأن اللغة تحتمله ، فالله قال في المسكين ، قال : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) ، فأثبت لهم الملك ، لكنه قال في سورة لا أقسم قال : (أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) فيظهر شيء، مرة أثبت لهم ومرة لم يثبت لهم ، ولهذا اختلف العلماء ولم يترجح عندي أن الفقير أشد ولهذا قدمه الله ، فالفقير والمسكين هما أحدهما من لا يملك شيئا وأحدهما من يملك شيئا يقل عن حاجته ، وهما المقدمان الأولان في الزكاة ، الفقير والمسكين.(5/45)
ثم قال الله جل وعلا : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) طبعا أين الإشكال العلمي هنا ؟ الإشكال العلمي قول الله والعاملين عليها ـ أيها المبارك ـ يفهم منه أن الزكاة يقوم بجبايتها الإمام ، ما معنى العاملين عليها ؟السُعاة الذي يجبونها ، إذا هل يؤدي الإنسان زكاة ماله بنفسه أم يُعطيها للإمام ؟ بكل قال العلماء لأن الله قال : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) مع أن النبي كان يبعث العاملين عليها ، لكن الصواب والعلم عند الله أن ينظر في الناس فالأموال لظاهرة تسلم للإمام ، الأموال الظاهرة تسلم للإمام المحال التجارية ، أو نخل، التمور في النخل ،الحبوب بهيمة الأنعام هذه تعطى للإمام العاملين عليها ، يعني ما ينوبون عن الإمام ، الأموال الخفية لا حاجة لتسليمها للإمام يزكيها الإنسان بنفسه ، على أرجح الأقوال .
((5/46)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) المؤلفة قلوبهم : إما كافر وإما مؤمن ، إما كافر يرجى في إعطائه أنه يسلم وفي إسلامه إعلاء للدين ، أو مسلم يؤمن ضعيف الإيمان حديث عهد بالإيمان يدور فلك هذه المسألة في قضية أنه ينجم خير ظاهر ومصلحة راجحة في أهل الإسلام في تأليفهم عندما نعطيهم من الزكاة ،و بعض أهل العلم يرى أن هذا كان قديما ، لكنه زال ونسخ بما ظهر من إعزاز الإسلام ، والأظهر أنه باقي ، الله يقول : (وَفِي الرِّقَابِ) يعني المعنى أيها المبارك ، وفي فك الرقاب ، فك الرقاب المعنى منه أن كون المؤمن عبد هذا حالة نقص ، فمن هذا السهم أيها المبارك يؤخذ أنه يجمع من أموال الزكاة ما تحرر به رقبته ، ينجم من هذا رأي وجيه وهو أن بعض أهل العلم يقول : " في فك الرقاب يدخل الأسير " ـ عقلا ـ لماذا يدخل الأسير ؟ أنا عندما أفك رقبة عبد مسلم سيده مسلم مثله وأنا نقلت مسلما من حالة نقص صحيح ، لكن من يد مسلم ، فأولى منه مسلم في يد كافر الذي هو الأسير أولى منه مسلم تحت سلطان كافر أولى منه ، فمثلا لو أن الملاعين المسيطرين على جونتنامو قبلوا فدية ، الذي في جنتنامو مسلمون ، أسارى مسلمون فك الله أسرهم ، هؤلاء دفع الزكاة دفع مال زكوي بغية إخراجهم يدخل في قول الله جل وعلا : (وَفِي الرِّقَابِ) ، ثم قال جل ذكره : (وَالْغَارِمِينَ) ما معنى الغرم ؟ اللزوم الله يقول عن جهنم عياذا بالله : (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) لازما ، لازمة ملتصق بأهلها ، الغارمين : ننظر في هذا الغارم ، إذا كان الدين الذي استدانه لمصلحة نفسه فلا يعطى من الزكاة إلا إذا ثبت فقره ، أما إذا كان المال الذي استدانه استدانه للإصلاح ذات البين شيء منفك عنه فيعطى ولو كان غنيا ، حتى تتضح الصورة : رجل استدان لنفسه يريد أن يبني أوللتجارة ، فقد المال فجاء الدائنون يطالبونه بماله(5/47)
فنقول له لا نعطيك إذا كان عندك أملاك أخر ، حتى يثبت لنا فقرك ، ولو كنت غارما ، أما إذا كان الإنسان استدان لإصلاح ذات البين فك رقبة أو أمور حصلت بين زوجين وما أشبه ذلك صلح قبائل ، فهذا الرجل استدان على أنه وجيه و يستطيع أن يعوضها وتحمل حمالات ودفع الأموال وفض النزاع وتم الصلح بين المسلمين ثم جاءنا وقال أنا علي ديون ، أخذتها بوجهي بجاهي ، مقابل هذا الصلح فلا ننظر في أملاكه ولو عنده تجارة أو عنده ، نعطيه لقول الله تعالى :( وَالْغَارِمِينَ) ، ثم قال أصدق القائلين : (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ).
أ.معمر العمري : قبل هذه يا شيخ إعطاء من يصلح بين القبائل أو الذي يصلح بين الأشخاص حتى لو لم يستدين ، هل يكون من الزكاة أو من الأموال الغير الزكوية ؟
الشيخ صالح المغامسي : إذا استدان يعطى لأنه غارم .
أ.معمر العمري: يعطى على الصلح كمكافأة .
الشيخ صالح المغامسي : مكافأة لا ، لا يعطى .
أ.معمر العمري : ولا من غير الزكاة .
الشيخ صالح المغامسي : لا يعطى إلا إذا رغب وأخذ طبعا ، ذهبت نفعها يعني نعفها الحقيقي أصبحت مقايضة ، لكن لا يعطى من الزكاة إلا إذا كان غارما .
أ.معمر العمري : وفي سبيل الله .
الشيخ صالح : (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) الأظهر عندي أنها لا تخرج عن المجاهدين ، طبعا قال بعض العلماء في سبيل الله دخل فيها طلب العلم ، لكن يعطى طالب العلم من قصرت به حالته لفقر ، لا يعطى على أنه في سبيل الله ، سبيل الله إما أن تكون مقيدة أو تكون مطلقة ، إذا كانت مطلقة كل شيء في سبيل الله هذا الأصل، وإذا كانت مقيدة فإنها تنصرف أول ما تنصرف إلى المجاهدين في سبيل الله ، من غير مكتوبين في الديوان ، يعني غير رسمين .(5/48)
والله يقول : (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) هذه ابن السبيل يمكن تصورها سابقا أما حاليا فظني فيها نظر ، فيعطى لفقره يعني تعطيه لفقره لا لأنه منقطع ، يعني نجيب مثال حي ، يعني قديما رجل من أهل خرسان جاء المدينة وهو تاجر في خرسان تاجر جدا ، وهو تاجر جاء المدينة انقطعت به الأحوال فنعطيه وإن كنا نعلم أنه تاجر في خرسان لأن لا سبيل للانتفاع بماله لبعد فنعطيه، لكن الآن لو جاءنا رجل من أي بلد إسلامي ، من تركيا مثلا بلد إسلامي ، جاءنا شخص تركي أو شخص سوري شخص مصري أي إخواننا الحجاج أو غير الحجاج انقطعت به الأحوال ، نقول هنا أتكلم عن تصور المسألة قال : أنا فقد مالي الكمر ضارع المحفظة ضاعت ، نقول له: في طرائق تحويل ، يستطيع من كان غني بكل يسر وسهولة أن يحول باتصال هاتفي يحول مبلغه ويذهب إلى الصراف ويأخذ حقه ، لا يقال عنه أنه منقطع ، إلا إذا كان يحتاج إلى شيء يحصل به على المال الذي هناك فيعطى حتى يسترد ماله ، لكن إذا كان فقيرا فينعكس الحال أنا ما أعطيناه لأنه ابن السبيل أعطيناه لفقره ، لكن قد مسألة لا أحب أن أتقدم فيها بين يدي كل واحد .
أ.معمر العمري : أحسن الله إليكم شيخ صالح ، يعني الكلام معكم لا يمل ، لكن بقي في وقت حلقتنا قد انتهى ، أتقدم لكم بالشكر .
الشيخ صالح المغامسي : شكر الله لكم و جزاكم الله عني خير الجزاء .
أ.معمر : شكر لكم أنتم مشاهدي الكرام على طيب متابعتكم ،شكرا لفريق العمل الذين تواصلوا معنا في هذا البرنامج الشكر للإخوة والأخوات الذين تابعونا أيضا عبر منتديات الانترنت ، ألتقي بكم بإذن الله تعالى الشهر القادم ، وأنتم على خير وفي كل خير ، وتصبحون على خير ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(5/49)
حلقة القطوف الدانية لشهر رجب 1427 هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم الشهري ..{القطوف الدانية}حلقتنا هذه بإذن الله عز وجل ستكون وقفه كريمه مع أولئك البشر الذين هم صفوة البشر ، الذين هم القدوة الحسنه لكل البشر ، ذكر الله عز وجل منهم جملةً كبيره في سورة الأنعام ثم قال عز من قائل ({أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }الأنعام90 ) .. هذه الآية هي نبراس حلقتنا بأمرها نهتدي وبهديها نقتفي { من هدي الأنبياء } هو موضوع حلقة هذا الشهر من برنامجكم {القطوف الدانية } الذي أتشرف كثيراً وإياكم بأن يكون ضيفه الدائم هو فضيلة الشيخ: صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة ،
على صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليم ،، باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الكريم ... فحياكم الله يا شيخ صالح .....
استأذنكم في بداية هذه الحلقة واستأذن ضيفنا الكريم أن تكون هذه الحلقة مقسمه إلى ثلاثة أقسام ، القسم الأول سيكون بمثابة التأصيل لهذا الموضوع ، ثم ننتقل إلى التعريف وإزالة بعض الإشكالات المتعلقة به ، ثم بعد هذا البيان وبعد هذا التأصيل وبعد هذا التعريف ندخل مباشرةً إلى أهم مظاهر الهدي النبوي والضوابط التي يمكن من خلالها أن نقتفي آثارهم .. فحياكم الله جميعاً ، واسأل الله عز وجل أن يجعل حلقتنا هذه متميزة وان يجعل ليلتنا مباركه بوجودكم وبوجود ضيفنا الكريم .....(5/1)
الشيخ صالح اكرر ترحيبي بك وقبل أن نبدأ في محاورنا استأذنكم أن نقف وقفه جادة مع موضوع الحلقة من هدي الأنبياء ، بعض المشاهدين قد يتبادر إلى ذهنه أن المقصود ببيان الإقتداء بشرائع من قبلنا دون التمحيص ودون الوقوف مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم حول هذه الشرائع ، فإذا أذنتم لي أن تكون الإطلالة وان تكون الانطلاقة بيان المقصود بهذا العنوان
الشيخ صالح المغامسي : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى ، واشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ..أما بعد ..(5/2)
فبهذا الاستدراك الجميل الذي بدأتم به مقدمة هذا اللقاء المبارك أمر حتمي ، ذلك انه قد يُتصور أو يفهم بعض الأخوة الفضلاء أن المقصود بالحديث عن هدي الأنبياء في قضية التشريع ولا ريب أن هذا أمر محسوم بمعنى أن العلماء رحمهم الله تكلموا عن شرع من قبلنا وفصلوا فيه فنحنُ لا نتكلم في هذا اللقاء المبارك عن قضايا فقهيه كيف تؤدى ولاعن أحكام فقهيه هل هي في جانب الحلال أو جانب الحرام كالتصوير مثلاً الذي مباحاً في شرع سليمان ومحرم في شرع نبينا صلى الله عليه وسلم ، ليست هذه قضيتنا لكن قضيتنا في المقام الأول أن الله جل وعلا جعل أنبياءه رسله صفوةً مختارة وأئمة مباركين وعبّاداً صالحين ، وهؤلاء الأخيار أثنى الله جل وعلا عليهم في كتابه ومدحهم أيما مدح وأثنى عليهم الثناء العظيم مما جعل القلوب تهفوا إلى حياتهم العامة وطرائقهم الكاملة ، عبادتهم لربهم إلى غير ذلك مما كانوا متلبسين به جملةً ما لم يختلفوا فيه هذا هو الطريق الأمثل وإلا فلنعلم يقيناً أن الله جل وعلا ختم بنبينا الرسالات وأتم الله به جل وعلا به النبوات وقال وهو خير القائلين ({مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }الأحزاب40 ) ولقد جاء السند بسنٍ صحيح من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن عمر رضي الله تعالى عنه عندما حصل على نسخه من كتاب من بعض أهل الكتاب اصابها فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه عمر على النبي صلى الله عليه وسلم .. فعاتبه النبي بعد أن غضب وقال (اموتهوكون انتم يا ابن الخطاب ؟؟) أي تمشون على غير بينه ، ثم قال (لقد جئتكم بها بيضاء نقيه) ،ثم اقسم صلوات الله وسلامه عليه ليبين عظمة القضية قال (والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً لما وسعه إلا أن يتبعني ) ، فنحنُ مؤمنون انه لا هدي لنا إلا هدي نبينا ولا طريق إلى الله إلا به صلوات الله وسلامه عليه .(5/3)
لكن كما بينتم في مقدمتكم الجليلة أن الحلقة مقتبسه من قول الله جل وعلا (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) فأمر الله نبيه وخليله وحبيبه صلى الله عليه وسلم أن يقتفي اثر الأنبياء فنحنُ سنتكلم عن الهدي الإجمالي عن تلكم الصفات العظيمة الجليلة التي قلدها الله أعناق أولئك الأخيار حتى غدوا كالكواكب المضيئة يتأسى بهم من بعدهم ومن كان معاصراً لهم هذا المقصود الأسمى من حلقة هذه الليلة وهو مطلب عظيم ومؤول كريم يفرح الإنسان أن يدنوا منه وان يقرب ، لأن الله أمر به نبيه ، لكن الفارق أن النبي أخذ من الأنبياء أكمل ما فيهم إضافةً إلى ما أعطاه الله أصلاً ما لم يعطه أنبياءه ، فاجتمع له صلى الله عليه وسلم الفضل من جميع جوانبه فكان أكملهم عليه الصلاة والسلام وإن كان آخرهم عصراً إلا انه ارفعهم قدراً واجلهم ذكراً صلوات الله وسلامه عليه ، وقد قيل
ومما زادني شرفاً وتيهاً *** وكدت بأخمصي أطأ الثري
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وان صيرت احمد لي نبيا
صلوات الله وسلامه عليه .....
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح بعد هذا البيان وبعد أن حددتم أطر هذه الحلقة وأنها في الأنبياء المشتركة بعيداً عن العبادات بعيداً عن الأشياء الفقهية ، دعني يا شيخ صالح ننتقل إلى ما يتعلق ببيان الحاجة الملحة والضرورة القائمة إلى الاهتداء بهؤلاء الصفوة الذين هم فعلاً صفوة البشر ..(5/4)
الشيخ صالح المغامسي : الحاجة الملحة من باب أننا جميعاً سائرون إلى الله ، والسير إلى الله يحتاج إلى زاد ، والزاد يحتاج إيضاح إلى معرفه ما الزاد الذي يبلغنا إلى الله ولا سبيل إلى معرفة هذا الزاد إلا بمعرفة أنبياء الله ورسله ، ذلك أن الطريق إلى الله لا يُعرف بالعقل وإنما يعرف بالوحي ، وليس بين الناس وبين ربهم وحي وإنما الوحي بين الله وبين أنبياءه ، هؤلاء العباد المكرمون اختارهم الله رسلاً وأنبياءًَ وميزهم أعظم تمييز بالوحي ، وقد مر معنا في حلقاتٍ عده ، وأنا أحب الربط بين كل ما يقال حتى تكون هناك فائدة ، القضية الأساسية أن كثيراً من المفكرين والساسة والزعماء والمصلحين إنما كانت تنجم عطاياهم من خبراتهم من تجاربهم فهي قابله لصواب وإلى الخطأ أما أنبياء الله ورسله فأن ما يملونه على الناس آتي عن الوحي كما قال الله جل وعلا في أكثر من آية من كتابه (مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52)
وإن الإنسان ليعجب كيف سيصل الإنسان ربه بزاد عظيم ينجيه وهو لم يرى ولم يقتفي آثار الأنبياء محال ، لأن الله سد الطرائق ، بل قال العلماء أن الحاجة إلى هدي الأنبياء أعظم من حاجة المرء إلى الماء والغذاء ، لأن هذا إنما هو هلاك أبدان ، والأبدان لابد أن تهلك حتى لو مت ، لكن فقد الوحي الذي أتى به الأنبياء إنما هو هلاك أرواح ، ولهذا قال العلماء اسند الله إلى ميكال حياة الناس الجسدية ينزل القطر ، واسند الله إلى جبريل حياة الناس الروحية فهوا الذي ينزل بالوحي ، ولهذا قال ورقه ابن نوفل هذا هو الناموس الأكبر الذي أتى موسى لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأله عن جبريل ...(5/5)
فالحاجةُ إذاً أيها الأخُ المبارك ملحه جداً لمعرفة هدي الله ورسله ، الإنسان قد تعظم عنده الرغبة قد تصدق عنده النية ، لكن هذا وحده لا يكفي لابد أن يصاحبه علم والعلم بالكتاب والسنة ومن خلال الكتاب والسنة يعلم الإنسان أي هدي كان عليه أنبياء الله ورسله فيما زكاهم الله فنقتفيه ، من وقع منهم خلاف الأولى وحذر الله منه كيف لنا أن نتجنبه ، قال الله جل وعلا لنبيه (وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ(48) لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ(49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(50) القلم ) فلابد من معرفة هدي أنبياء الله حتى نصل جميعاً إلى رب العالمين ....
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح بعد أن بينّا هذه الحاجة ، وفعلاً كما ذكرتم أنها حاجه ملحه ، المسلم قد يستشعر عظمة هذا الأمر وضرورة أن يقتدي بهؤلاء الأنبياء لكن من يريد أن يسير في الطريق الصحيح لابد أن يرد عليه سؤال اطرحه بين يدي فضيلتكم وهو يا شيخ ما يتعلق بالضوابط التي يمكن أن تتبع من خلال الإقتداء بالأنبياء عليهم السلام ..(5/6)
الشيخ صالح المغامسي : أحسنتم لابد من ضوابط ، لأنه إن لم تكن هناك ضوابط يختلط الأمر والضوابط من العلم والمعرفة بالضوابط هي عين العلم ، شملت أموراً فقهيه فمثلاً المرأة تهب نفسها هذا قال الله جل وعلا فيه (وامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)الأحزاب 50} فقوله جل وعلا (خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) بيان أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ذكرته نموذجاً للمسألة الفقهية فلابد من معرفةٍ فقهيه فمثلاُ صلى الله عليه وسلم أباح الله جل وعلا له النكاح من أكثر من أربع بخلاف ما شرع لنا وهو ما حده أن يجمع بين أربع وهذه كضابط فقهي وليس التنبيه له ضروري ، بقدر ما نقول أن المرء ينظر في حاله من كمال رحمة الله أن جعل الأنبياء ليسوا على صبغه واحده وليس في الفطرة ، صبغه واحده في الحياة المعيشية ، فمثلاً أيوب عليه السلام ابتلي بالمرض ليتأسى به أهل البلاء إذا أصابهم المرض ، داوود وسليمان عليهما السلام كانا ملكين صالحين ليتأسى بهما الحكام في هديهما في الوصول إلى الرعية ، عيسى عليه السلام عاش عزب فيتأسى به العزاب كيف يقضون حياتهم ، إبراهيم ولوط كانوا آباء مع نبوتهم فيتأسى بهم الآباء ، نبينا صلى الله عليه وسلم كان عبداً جمع الله له الفقر والغنى (عَائِلاً فَأَغْنَى }الضحى8) جمع الله له الفقر والغنى في أطوار عديدة في حياته حتى يتأسى به من كانت حياته قريبه من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمقصود هذا التنوع في حياة أنبياء الله ورسله في اختيار الله لهم مقصود ومع ذلك فقد كانت هناك أشياء تجمعهم فلابد من معرفة عين الحالة قبل أن ينزل الإنسان الإقتداء ولهذا أنا كنت أفكر جدياً بالتشاور معكم على قضية حلقة تسمى كيف نقتدي ، لكن هذا قد نرجئه إلى حين ، لكن مهم جداً أن يفقه الإنسان كيف(5/7)
يقتدي ، أحياناً النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف على انه حاكم وأحياناً يتصرف على انه قاضي وأحياناً يتصرف على انه أب وأحياناً يتصرف على انه مفتي أو زوج أو جد ، فينبغي تنزيل الأمور منزلتها حتى نعرف الوضع العام ، وهذا من أهم الضوابط وهي قضية انه إذا أجاب الإنسان على سؤال كيف نقتدي ؟ عرف الموضوع ، لابد من معرفة حال الحرب حال السلم حال المرض حال الصحة متى يترك متى ينتهي ، معرفة ملابسات الأمور كلها هذا بإذن الله يسوغ للاهتداء بهدي أنبياء الله ، تعرف أن الجواب جمله لأن جوابنا هنا إنما هو جمله من فقرات في برنامج يحمل ساعة أو ساعة ونصف وليس درس مستفيض وإن كان يحتمل درساً كاملاً ....
الأستاذ معمر: يا شيخ صالح بعد هذا البيان دعني انتقل إلى الجانب الآخر وهو ما يتعلق بالتعريفات لكن كما قررتم سابقاً وعلم المشاهدين أن هذا البرنامج بعيد عن الأكاديمية لن نقف كثيراً مع اشتقاقات كلمة نبي وتعريفها سأقف مع أشخاص الأنبياء ، وردة نصوص بنبوة بعضهم وبرسالة بعضهم وقام الخلاف أيضاً في بعض الأنبياء هل هو نبي أو رسول أو هل هو نبي أو ليس نبي ، دعنا يا شيخ نقف وقفه معاً لو سريعة مع نبي الله آدم عليه السلام ومع نبوته أيضاً..
الشيخ صالح المغامسي : ادم عليه السلام أبو البشر نسبنا الله جل وعلا إليه وخاطبنا بأننا أبناءه قال (يَا بَنِي آدَمَ) في أكثر من موضع في القرآن أضنها أربعه ، الذي يعنينا هنا أدم عليه السلام نبي بنص الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام لما سؤل عن ادم قال (( نبي مكلم )) والمكلم هذه إضافة في الجواب أفادت انه نبي رزق التكليم لأنه ليس كل نبي رزق بالتكليم ولو كان كل نبي رزق التكليم لما كان لها جدوى ، هذه واحده .(5/8)
قد يأتي الإشكال في قضية نوح ، نوح هو أول الرسل فهمنا من هذا أن أدم ليس رسول بل نبي ، الله قل ({إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ }النساء163) لكن ادم كان الناس في زمانه على الفطرة ولم تكن هناك حاجه للرسل ليبشروا أو ينذروا ، قال الله ({كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }البقرة213)، ( فَبَعَثَ) هذه تعقيب يعني حصل أن جاءتهم الشياطين كما فسرها ابن عباس ، فوقع بعد ذلك ما حصل من بعث الله لرسل فأدام عليه السلام نبي مكلم متفق على نبوته أو بطريقه اصح يعني قد لا أحفظ إجماعاً لكن مادام صرح النبي صلى الله عليه وسلم بنبوته في حديث صحيح فهو نبي قطعاً صلوات الله وسلامه عليه .اهبطه الله إلى الأرض كما هو معلوم مع زوجه حواء ....
الأستاذ معمر : قبل أن تخرج يا شيخ من نبوة نبينا ادم عليه السلام نقف مع آية البقرة يقول عز من قال ({فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة37) يا شيخ قد يستشكل على البعض أن الله عز وجل لم يذكر توبة حواء في هذه الآية فلو عرجتم على بعض الفوائد وبعض الثمرات من إهباط آدم عليه السلام .(5/9)
الشيخ صالح المغامسي :وقعت من ادم المعصية بقدر الله كما قال ادم في محاجته لموسى أنت كليم الله كيف تحاجني في أمر كتبه الله جل وعلا علي قبل أن يخلقني بكذا عام ، ادم عليه السلام جواباً للإشكال الأول الذي ذكرتموه في آية البقرة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) لم تُذكر حواء لكنها ذكرت (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أجاب العلماء عن هذا ومن أجمل الأجوبة كانت إجابة القرطبي رحمه الله في الجامع قال إن المرأة حرمةٌ مستورة الأصل في المرأة الستر فما ذكرت وكلن أشار إليه إلى أن الله قبل توبتها في الأعراف قال ({قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23) فالمرأة تبعٌ لزوجها ولهذا قال الله (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى }طه121) مع أن حواء عصت فهي أكلت من الشجرة ، الله يقول (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) ولكن المرأة تبعٌ لزوجها والمرأة كما قال العلماء حرمةٌ مستورة كلما قدرنا على سترها كان أولى إلا في مواطن معروفه بلا شك ،أما ما ذكرتموه في قضية الفوائد فآدم عليه السلام اهبط وينقلون وهذا من مليح القول لا من متين العلم ، وهذا القيد أكرره دائماً لكنه عندي مهم أخي الكريم نقل عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى احد أعيان السلف المعروفين الذي قتلهم الحجاج ،قال لما اهبط ادم من السماء إلى الأرض لم يكن على الأرض إلا النسر والحوت فكان يقول إن النسر كان يؤوي في الليل إلى الحوت ليبيت عنده كأنه يريد أن يزيل الوحشة ، فلما اهبط ادم رآه النسر فلما رآه كلا الحوت والنسر لا يستخدم كلن منهم كل أعضاءه فقال النسر للحوت لقد اهبط اليوم شيئاً من السماء يستخدم يديه ورجليه الذي هو ادم فقال له الحوت لأن كان حقاً ما تقول فما بقي لك في الأرض مقر ولا لي في البحر مستقر أي سينازعنا الأمر وهذا(5/10)
قد وقع كما تعلم أن الله جل وعلا سخر الحوت وسخر النسر لبني ادم ، لكن ثمة طرائق أُخر ينقلون عن ابن عباس وغيرهم واضنها من الإسرائيليات والتي لها شواهد من التاريخ الشرعي عموماً وبالنظرة الكلية للشريعة أو للقرآن ، أن ادم عليه السلام لما انزل كأن إبليس أثار السباع حول ادم كان الكلب كاسراً سبعاً وتصدر السباع ضد أدم فجاء جبريل فأوصى ادم أن يمسح على الكلب قد يبدوا هذا غريباً لكن ستجلو الغرابة الآن فمسح عليه فمات قلبه فلما مات قلبه أدركت الكلب صفتان ، وهذه ظاهره في الكلب إلى اليوم إذا غلبت عليه مسحت ادم أصبح أليفاً لأن قلبه ميت لم يعد كاسر فيدنوا من بني ادم ليحرسهم وإذا غلب عليه إغواء الشيطان اضر بني ادم وأصبح سبعاً كاسراً يفترسهم وهي مستمرةٌ فيه ولهذا لما مات قلبه على ما كان عليه من مسحت ادم أصبح يلهث باستمرار وهذا من فرائد العلم ..لماذا من فرائد العلم ؟؟ لأن الله ضرب مثلاً للعالم نسأل الله العافية الذي لا يعمل بعلمه بالكلب قال ( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث اوتتركه يلهث ) لماذا لإن الكلب ميت القلب بمسحت ادم عليه فالعالم الذي لديه علم عياذاً بالله ولايعمل بعلمه هذا اشبه بالكلب الميت القلب ولهذا اختار الله الكلب من بين الحيوانات كلها ليقول ان هذا مثل سوء لعالم السوء قال ربنا (فمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) ثم قال (ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا }الأعراف176) فالمقصود بالتنازع الذي في الكلب الآن ناجم عن مسحت ادم إن صحة الرواية لكن قلت إن لها شواهد ويستأنس بها وهي مما حررت من قبل من مليح القول لا من متين العلم وهذه بعض الفوائد حول هبوط ادم من السماء ....
مجموعه من الاتصالات(5/11)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح ..أعود إلى سؤال الأخت ( ريم ) وإن كان خارج عن موضوعنا لكن لعلكم تشيرون إلى بعض الكتابات ..تسأل عن منهج طالب العلم ولاسيما المبتدأ وأيضاً مشكلة تحدث من كثير من طلبة العلم وهي النسيان والتشتت في طلبه ..
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً أنا أولاً اشكرها على ثقتها ، بالنسبة لمنهج طلبة العلم أول الطرائق أن يعرف الإنسان أسس موقعه في طلب العلم هذا مهم جداً ، كل من أراد السير لابد أن يحدد أولاً موقعه فإذا حدد موقعه احتاج الحاجة إليه ولهذا من الخطأ أن يقع جواب عام لسؤال خاص ، بمعنى انه السائلون يختلفون فأحدهم خارج من الثانوية أو طالب جامعي أو إنسان ليس له تعليم أكاديمي يختلفون في القدرات حتى طلاب المرحلة الواحدة يختلفون في قدراتهم فأنا لا أجيب جواباً عاماً في مثل هذه القضايا ، لكن الأخت تقول الشتات ، الشتات موجود وهو من اكبر ملحوظاتنا على طلاب وطالبات العلم قضية شتاتهم ، أنا أقول لها أبدئي بداية شامله اجعلي القرآن رأساً أحفظيه قدر الإمكان أقرئي فيه كثيراً واجمعي معه كتاباً في التفسير أو كتابين تقرئين فيها ثم كتاب في العقيدة حتى يصبح هناك تفتق ذهن إذا وجد تفتق ذهن يسهل بعد ذلك أخذ الفقه بعد مرحله من قرأت التفسير وكتب العقيدة .. نعطي مثالين ..
((5/12)
تفسير ابن كثير) و( الجواهر الحسان للثعالبي) ... هذان في التفسير و ( شرح العقيدة الواسطية ) لشيخنا العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه ..كتب الشيخ عمر الأشقر حفظه الله في سلسلة العقيدة ، له سلسله متقنه جداً توخا فيها منهج السلف وحرص فيها على صحة الأحاديث ..فهذه مع هذه تقرأ لمده طويلة سنه أقل شيء ثم تلتحق فقهياً بأحد المشايخ أو عن طريق كاست تأخذ منه الفقه .. إذا أخذنا الفقه بعد أرضيه متوسعة في الذهن ، الفقه مسائل فإذا صُدم بمجرد حفظ لا ينجم عنه طالب علم بعد ذلك تواصل إن شاء الله مسيرتها ، أنا أتكلم في التأسيس .. هذا ما ذكرته في الأول ...
قالت النسيان، النسيان له ثلاثة أسباب ، سبب فطري بديهي يعني طبيعي إما ناجم عن توراث يعني شيء وراثي أو شيء عضوي وهذا حله بالعلاج والدعاء ، سبب كثرة الصوارف .. كثرة الصوارف والانشغالات تدعوا إلى النسيان وهذا حله قلت الصوارف يقلل الإنسان من صوارفه ، سبب ثالث عياذاً بالله كثرة الذنوب ..
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي .... فأرشدني إلى ترك المعاصي
واخبرني بأن العلم نورٌ ..... ونور الله لا يؤتاه عاصي
وتوقي المعاصي وتوقي السيئات وتوقي الذنوب يساعد على الحفظ كما قال الشيخ أيوب رحمة الله تعالى عليه .. ذكرت برنامجاً مباشر وهذا أنا أحيله للقائمين على القناة اخرج منها أما أنا مستعد لأي أمر يكون فيه منفعة للناس وهذا يعني وعد وهو ..هل تُدرس فكرت أن يكون محاسن التأويل برنامج مباشر ..والقضية أني لست من سكان الرياض وهذا الذي يمثل عائق لكن ارجوا الله أن هذه القناة المباركة يكون لها استيديو قادر على النقل المباشر من المدينة فيحصل بذلك نفع ،واكرر ثقتي في الأخت ريم ومن كان مثيلاً لها من الرجال والنساء في قضية طلب العلم ...
الأستاذ معمر : مؤقتاً يا شيخ هل يمكن التواصل من خلال المنتدى الخاص بالبرنامج ؟؟؟
نعم هو ممكن وإن كان يأخذ وقتاً ...لكن ممكن ....(5/13)
الأستاذ معمر : الأخت موضي يا شيخ تسأل عن ((من صبر على حر المدينة فله اجر )) في ظل وجود أجهزة التبريد .
الشيخ صالح المغامسي : لا يمنع ،السؤال جيد،والمدينة هذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سكناها مرغب فيه شرعاً (( من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل فإني اشفع لمن مات فيها ))، ((من صبر على حرها وبردها ولأوائها كنت له شفيع يوم القيامة )) هذه كلها نصوص صريحة صحيحة في فضل سكناها ، لكن كون الإنسان يستفيد من تقنية العصر من مكيفات وأمثالها هذا لا ينافي الشرع ولا ينافي الصبر لأن هذا أمر سخره الله جل وعلا وقبول ما سخره الله وتفضل به على عباده أمر محمود شرعاً فلا يمنع ، لكن لا يقع من الإنسان لسانياً تضجر من حرها يدارئ فيها ، شهدت برداُ أو شهدت حراً أو لأوى في المعاملات أو في الدوائر الحكومية أو ما أشبه ذلك لا يحدث تضجر وإنما يسلم ويصبر ويقول كلمات طيبه في حقها احترماً لساكنها الأول صلوات الله وسلامه عليه ..
مجموعه من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخت ( موضي )..قد أشارت يا شيخ إلى كثرة الكتب عن قصص الأنبياء ( أبو بهاء) أيضاً أشار إلى أن بعض هذه الكتب قد تجتمع على الإسرائيليات أيضاً الأخ ( احمد صبر ) قد أشار أيضاً إلى هذا الموضوع ، الكتب التي تنصحون طالب العلم بأن يطالعها من خلال هذا الموضوع ثم كيفية التعامل مع هذه القصص غير الثابتة.
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً أنا استأذنك في الأخت ( أسماء ) طرحت بأن يكون البرنامج نصف شهري طبعاً اشكرها على الاقتراح لكن أنا حيز التنفيذ له فيه بعض الصعوبة فجزاها الله عنا خيرا ..(5/14)
الإسرائيليات موجودة بكثرة يحتاج المرء إلى كتب ذات تحقيق وان يكون المحقق من له باع وشأن مع سلامة العقيدة هذه قضيه .. في أمر ينبغي استصحابه وهو قضية أن أنبياء الله منزهون عن هذا الأمر هؤلاء هم صفوة خيار الخلق فقضية أن يوسف فعل كذا وفعل كذا مما يذكر من الإسرائيليات مما اتهمه به اليهود فاليهود شأنهم الكذب والافتراء على أنبياء الله ورسله (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87) لكن لا يوجد مسلم حصيف عاقل يصدق مثل هذه الأمور كما نسبوا إلى أيوب عليه السلام ما لا يعقل وإنما يقيد بنص القرآن أو بالنص النبوي ، ثمة كتاب للشيخ مشهور بن حسن سلمان اسمه ( قصص لم تثبت ) أظن هذا اسمه ، هذا الكتاب نافع في بابه يعني اقتناءه للتثبت أمر جيد ، فيه بعض الفضلاء مثل ( صلاح عبد الفتاح الخالدي له كتاب اسمه ( القصص القرآني ) تحرى فيه الموضوعية والصدق وصحة الأسانيد والأخبار وذلك جيد أن يقتنى ، هذا الذي ذكره الأخ ( أبو بهاء ) وقد أحسن جداً فيه ...
الأستاذ معمر :الشيخ ( حسين ) اثأر موضوع مهم جداً وهو ما يتعلق بتوجيه الأزمات ولاشك أن الأمة الآن تعيش في أزمة كبيره ..
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً توجيه الأزمات أنا اشكر الشيخ ( حسين ) على مداخلاته ، وهو أمر حتمي يوافق ما نحنُ فيه لكنني أرجئ الإجابة عنه إلى هدي من هدي الأنبياء سيأتي نجيب عنه إن شاء الله ضمن عن سؤاله ..كيف نواجه الأزمات ؟؟
الأستاذ معمر : الأخ ( محمد ) طلب مواقف من صبر النبي صلى الله عليه وسلم وتحمله.(5/15)
الشيخ صالح المغامسي : أعظم موقف أنهم وضعوا سلى الجزور على ظهره الشريف ، هذا خير الخلق وصفوة الرسل ، في موضع لا أحسن منه وهو ساجد في مكان لا أقدس منه وهو عند الكعبة ، فاجتمع جلالة المكان ..جلالة الوضع ..جلالة العابد ، النبي صلى الله عليه وسلم ،السجود ،.الكعبة ، فيأتي هؤلاء السفهاء من قريش فيضعون سلى الجزور بقايا رفث على ظهره وهو يوم ذلك وكل وقت أكرم الخلق على الله ، فيصبر ...عبد الله بن مسعود كان واقفاً لا يملك أن يفعل شيء ، فانطلق رجل إلى فاطمة رضي الله عنها وأرضاها واخبرها فجاءت فحملت سلى الجزور عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، هذا الموقف موقف مؤثر لكل طالب جنه ..لأن الموقف موقف عصيب أن يوضع سلى الجزور على ظهر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، لكن لكن النبي صلى الله عليه وسلم صبر على هذا وأمثاله حتى مكن الله جل وعلا له واظهر الدين على يديه صلوات الله وسلامه عليه ....(5/16)
ذكر(( إنزعاجاً )) من رؤية الله وهذه وجدتها في تفسير ( سير كليم الرحمن ) وهو تفسير ابن السعدي ، مبدئياً نقول العلامة ابن السعدي رحمه الله تعالى جليل في علمه ذُكر عن عبادته الشيء الكثير له من التقوى والورع مع سلامة العقيدة ما لا يزيد عليه في أهل زمانه فهوى علامة القصيم ومفخرتهم ، ولهم مفاخر كثيرة منها العلامة ابن عثيمين وغيره ، لكن إذا وجد هذا عنده رجمه الله فإنه يعتذر له في انه قد أملاها أو كتبها أو قالها على سهو أو أن الكتاب لم يراجع بعد أو أن أمر مثل هذا قد حدث ، فهذا الذي يتشابه القول هنا يرد إلى سيرة الشيخ وعلمه رحمة الله تعالى عليه ، فنقول إن اللفظ قد تكون غير مقبولة لكنها لا يتعلق بها يعني معلوم انه لا يقصد لاسمح الله نسبت إلى شيء إلى لم ينسب إليه محال ، يعني الرجل يعرف في مجموع مؤلفاته في مجموع سيرته هكذا يحكم على الرجل في منزلة الشيخ ابن السعدي رحمه الله ، لكننا نقول اللفظة لا نتكلم في الشيخ نحنُ اقل من ذلك بكثير ، لكن نتكلم في اللفظة أنها إن وجدت انه أراد بها التعبير فلم يوفق لاختيار تعبير حسن في الأمر ، هذا الذي نجيب عنه في سؤال الأخ ( محمد ) وفقه الله لكل خير ....
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح ، أعود إلى بعض الأشخاص يا شيخ الذين أثير خلاف حول نبوتهم ، ذو القرنين يا شيخ لاشك انه عبد صالح أثنى الله عز وجل عليه في سورة الكهف ، تعلمون حفظكم الله أن الخلاف قام هل هو نبي أو لا ، فماذا عن هذه المسألة يا شيخ ؟(5/17)
الشيخ صالح المغامسي : قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ) الخلاف نشأ أن الله جل وعلا اخبر وأمره أن يفعل كذا أو يترك كذا فقالوا هل هذا عن طريق وحي أو عن طريق نبي كان معه ، وكلٌ محتمل ، فقال بنبوته قومٌ من العلماء الأفاضل ولم يقل بنبوته آخرين لكن ورد حديث عند الحاكم في المستدرك وأظنه عند البيهقي في السنن ..أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا ادري أكان ذو القرنين نبيين أم لا ) فقال بعض العلماء تعليقاً على هذا الحديث فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري فحقنا أن نتوقف فأرى التوقف في أمر ذي القرنين مع انه لا حرج أن يقال عليه السلام لكن يتوقف في أن يقال انه نبي ...
الأستاذ معمر: يا شيخ البعض قد يتحرج مادام أن العبارة أن ( عليه السلام ) البعض قد يخص النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) وبقية الأنبياء ( بعليهم السلام ) هل لهذا التخصيص أصل ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : الله قال ({وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ }الصافات181) لكن صلى الله عليه وسلام أصلاً بهذا اللفظ لم ترد ،ورد اللهم صلي على محمد لكن لا اعلم حديث فيه ، لكن هذا مقتبس ومأخوذ من ألفاظ دعت إلى الصلاة وأمر الله بها( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56) فأنت تطبق الآية لقوله صلى الله عليه وسلم ، لكن هذا لا يمتنع قولها لبقية الأنبياء لكن المشهور في حق الأنبياء عليهم السلام لعموم آية( {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ }الصافات181....
الأستاذ معمر : ومن الأشياء أيضاً يا شيخ التي أثيرت هي قصة يوسف عليه السلام ، ذكرت في القرآن الكريم ، البعض يا شيخ قد يُشكل عليه ، هل ورد النص برسالته وإلى من أرسل ؟؟(5/18)
الشيخ صالح المغامسي : ورد في النص برسالته قال الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون في غافر ({وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }غافر34) موضع الشاهد (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ) والأظهر أن يوسف عليه السلام كان رسولاً إلى قبط مصر إلى فرعون مع رسالته إلى بني إسرائيل ، لكن لحكمه ذكر قصته مع أبيه وأخوته ولم يذكر قصة رسالته ، وذكر أنبياء آخرين ذكر قصة رسالتهم ولم يذكر قصتهم مع آبائهم وأمهاتهم ، حتى يستفيد الجميع من خطاب الله لأنبيائه ....
مجموعه من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخ ( احمد ) ربط سؤاله بموضوع حلقتنا فجزاه الله خيرا ، ويمكن أن يُربط أيضاً بأن العلماء هم ورثة الأنبياء ، يسأل يا شيخ عن المنهج النبوي في طلب العلم والحدود في ذلك ؟
الشيخ صالح المغامسي : أشكر الأخ (احمد ) هناك أزمة في طلب العلم لكن مما يخفف الوطء أن العلم فضل لا يعطاه كل أحد ، والعلماء هم سادات الناس ، ولا يمكن أن يسود جميع الناس وهذا يخفف الوطء ، أما المنهج في طلب العلم أمر الله نبيه بالإستزاده منه (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114) فلا يوجد حد أعلى له ، لكن يقال (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }يوسف76) فيطلب إلى أخر رمق ، ومن تأمل سيد السلف والعلماء السابقين ومن تبعهم بإحسان وجدهم بأنهم لم يكونوا يسأموا أن يطلبوا العلم ويتدارسوا حتى في آخر أيام حياتهم وبعضهم حتى في ساعات الاحتضار وهذا أثبته الذهبي في التراجم وغيره من أهل العلم .(5/19)
أما هدي الأنبياء في طلب العلم فكان هدي الأنبياء في طلب العلم يختلف لماذا؟ لأن الأنبياء لم يأخذوا العلم من الناس وهذا يرجعنا إلى قضية الأول كيف نقتدي ، وإنما كان العلم وحي ينزل عليهم من الله تبارك وتعالى ، لكن يقال كيف الصحابة اخذوا العلم من النبي صلى الله عليه وسلم ، أخذوه بالتدرج القرآن ثم السنة هذا الذي أخذه الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما الأنبياء فقد كان العلم وحي لم يكن بطرائقنا نحنُ نثني الركب إنما كان جبريل يملي والنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ عنه أو ينفث في روعه أو يكلمه الله جل وعلا وهذه كلها في طرائق العلم، وأنا شكره على مداخلته وعلى حرصه ، على أن يكون هناك هدي في طلب العلم الهدي الأسمى البدء في الأمور العظام فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه تحقيق العقيدة أولاً ثم الانتقال إلى ما يعنيهم المسائل التي تقع تقدم على المسائل التي لم تقع ، والمسائل التي لم تقع تقدم على المسائل التي يستبعد بوقوعها ..هكذا في طلب العلم ..التدرج النبوي الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ..
الأستاذ معمر: يا شيخ صالح إذا أذنتم لي أن ننطلق من هذه المداخلة لندخل فيما يتعلق بالهدي النبوي ، انتم أشرتم قبل قليل أي بمعنى الضوابط في الحديث عن الهدي النبوي ، لاشك انه حديث طويل عودتمونا وعودتم المشاهدين الكرام أن يكون هذا البرنامج في الأشياء الغير مشتهرة أو غير معروفه لدى الناس ، كما ذكرت الحديث قد يطول عن الهدي النبوي ,لكن المقصود فيما يتعلق بزمننا المعاصر ثم يمكن أن نستفيد منه عملياً في هذه الأثناء أو في هذه الأوقات .(5/20)
الشيخ صالح المغامسي : أعظم هدي للأنبياء حرصهم على القرب من الله ، التقرب إليه بالعبادة المحضة في المقام الأول أعظم هدي قلده الله جل وعلا أنبياءه لا يتصور أن يسوس أحد ويسود ويثني عليه بالخير وليس له حظ من صلاة ليل وليس له حظ من صيام وليس له حظ من نفقه على مسكين وأقارب وليس له حظ من مواساة من يحتاج المواساة هذه كلها كان أنبياء الله ورسله يقدمونها ، قال الله جل وعلا عن بعضهم (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73 ) فقال عليه الصلاة والسلام (( أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود وأحب الصيام إلى الله صيام داوود )) ، ثم فسر وبين صلاة عليه الصلاة والسلام ، والمقصود انه أعظم هدي يتجمل هؤلاء الصالحون هو وجود فعل يصنعونه تقرباً إلى الله ، نحنُ لدينا مطالب عظيمه نريد أن تتحقق ولدينا مخاوف نريد أن تُزال وتُزاح وتُدفع ولن تتحقق المطالب إلا بالله ولن تدفع المخاوف إلا بالله ولا وسيط بيننا وبين الله إلا التقرب بالعمل الصالح ، العمل الصالح كان السمة الأكبر لهدي أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم ، التقرب إلى الله جل وعلا هو الذي تثبت به القدمان في الدنيا ويثبت به اللسان في القبر ويثبت به الجسد كله يوم يقوم الأشهاد ويحشر العباد ، القرب إلى الله أعظم ما حظ الله به جل وعلا أنبياءه ورسله ، هذا هو سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم تراه عائشة تتعجب من وقوفه بين يديه تقول يصوم حتى نقول لا يفطر ثم يفطر حتى نقول لا يصوم ، المقصود من ذلك كله انه كان له هدي عظيم في القرب من الله ، أنا لا أريد أن أتكلم عن التفصيلات والجزئيات لكن لابد أن يستحضر الإنسان انه لا سبيل إلى القرب من هدي الأنبياء إلا أن يعلم أن يكون له حظ من قرأتٍ للقرآن وحظ من الذكر ،لأن كان الناس يتفاوتون في قدرتهم على الصيام يتفاوتون في قدرتهم(5/21)
على قيام الليل لأن بعضهم وظائفه أو جسده لا يحتمل الصيام أو وظيفته لا تحتمل قيام الليل فيقلل منه فلا أقل من ذكر الله جل وعلا قال محمد مولود الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه في مأدبة الآداب ( والذكر كثّر ، والقرآن خيرهُ ، إلا بما شرع فيه غيره ) وأما المعنى إن الإنسان أعظم ما يكون عليه ذكر الله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)) آل عمران ، فذكر الله تبارك وتعالى قوت للقلوب قربةً للرب تبارك وتعالى ، ألا أدلكم ثم ذكر ما ينفعهم وخيرٌ لهم من الذهب والفضة وخيرٌ لهم من مجاهدة العدو ..قال ذكر الله تبارك وتعالى ، أحب الكلم إلى الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لا يضرك بأيها بدأت ، أما قول الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه والذكر كثر والقرآن خيره ..فالقرآن خير الذكر ، لا يُتصور أن يسود إنسان ليس له حظ من تلاوة كلام الرب تبارك وتعالى ثم قال إلا بما شرع منه غيره ، هناك مواطن نص الشرع على انه ليست مواطن قراءة للقرآن في أدبار الصلوات المكتوبة فإن النبي كان يفزع إلى قول استغفر الله والتسبيح والتهليل وذكر آية الكرسي ، أما أمثالها مما جاء في الشرع مقيداً بذكر معين لا يُقرأ فيه القرآن أما ما سوى ذلك فإن أفضل الذكر قراءة القرآن ، والمقصود أن يتجمل المرء بأعظم القربات ألا وهو العبادات المحضة ، لا يقول الإنسان أنا منشغل بالعلم ، أنا من شغل بالوظيفة ، لابد أن يكون هناك حظ من عباده يتقرب بها المرء ..(5/22)
مواساة الناس المسكين وابن السبيل هذه كلها بعضها عبادات يتقرب بها المرء إلى ربه ، هذا أجمل ما جمل الله جل وعلا به أنبياءه ورسله ،( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58) )الذاريات ، ممكن يزاد عليها بعد ذلك من هدي الأنبياء إدراكهم التام انه لا حول ولا قوة لهم إلا بالله ، وهذا والله سر قوتهم ، إن العبد إذا علم عظيم ضعفه وجليل افتقاره إلى ربه تبارك وتعالى فقد أوتي حظ عظيم من القوه ومن أسباب البلاغ والتمكين ، مردها عند أنبياء الله ورسله إلى شعورهم بضعفهم وعجزهم وإنهم ما كان لهم أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بحول من الله جل وعلا وقوته ، البراءة من كل حول من كل طول من كل قوة من كل احد إلا ما كان من الرب تبارك وتعالى وما أفاء الله به جل وعلا على عباده هو الذي يصل بالمرء إلى مقصوده ،هؤلاء القمم الشامخة والصفوة المباركة أورثهم الله علماً إنهم لا حول لهم ولا طول ولا قوة إلا ما كانوا يعلموا منها ({وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ }هود34 ) هذا قول نوح عليه الصلاة والسلام لقومه ، (مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }هود56) هذا قول هود عليه السلام ، وقول محمد وأصحابه (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران173) أين كان المرء لابد أن يعلم كل احد يريد أن يصل إلى مقصود ولا يخلوا احدنا من مقصود أن وصوله وقوته وطريقه في قضية علمه بضعفه وعجزه ، البراءة من الحول والطول والقوه أعظم أسباب التمكين ، إن من المؤسف أن يعتقد الإنسان انه وصل ببلاغته أو بقوة(5/23)
لسانه أو لجمال جسده أو لكثرة ماله أو لعزه أو لعصبته ، نعم يسخر الله لك لكن التسخير الشرعي لا القدري ، التسخير الشرعي القدري مبني في المقام الأول على شعورك بالضعف والعجز في نفسك وإيمانك ويقينك بأن الرب تبارك وتعالى هو القوي العزيز ، يقول عليه الصلاة والسلام ( إن الله أمرني ولن يضيعني ) فعلم الإنسان بقدرة ربه وجلاله وأن الله بيده الحول والطول والقوه ، أعظم هدي أورثه الأنبياء لإتباعهم من بعدهم وهو الذي فقهه الصحابة وعلموه واخذوا به ونالوا به الدرجات العلا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم ، فتحقق الآن اثنان من هدي الأنبياء متصلان بعضهما ببعض ألا وهو العبادة المحضة مع الشعور بالضعف والعجز ، بالعبادة يستدرون رحمة الله وبالضعف يستدفعون نقمة الله جل وعلا ، بهذين الهديين وصل أولئك الأخيار إلى ما وصلوا إليه وسادوا وقد ظهر عنهم عجزهم في دعائهم ({وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنبياء87) يخرُ ساجداً ويقول فيما نقل ( اللهم إني قد سجدت لك في موضعٍ لا أظن أن أحداً من خلقك سجد لك فيه ) هذا نبيينا صلى الله عليه وسلم في سفره على دابته وعلى ظهر راحلته ومع ذلك لما فرغ صلى على أي وجهٍ كانت الدابة ..(5/24)
الهم أن يكون هناك عباده لأن العبادة هديهم الأعظم عليهم الصلاة والسلام ، أما أن يصعد الإنسان المنبر أو يتصدر لمحاضره ولا يكون له حظ عظيم من عباده تصله بربه هذا نسأل الله العافية ونعوذ بالله من حال أهل البوار يجعل المرء ينقطع لا محالة ونحنُ جميعاً نعترف بعجزنا وتقصيرنا في هذا الباب لكن نسأل الله جل وعلا السلامة نسأل الله السداد نسأل الله جل وعلا لمّ شعثنا وجبر كسرنا في هذا الموضوع ونعوذ بالله من أن يزكي المرء نفسه لكن هذه وصية للنفس وللغير أن يحرص الإنسان أن يكون له حظ من عباده وحظ من العلم وبعجزه وضعفه بين يدي الله جل وعلا ....
الأستاذ معمر : أهلاً ومرحبا بكم مشاهدي الكرام مره أخرى .. لازال لقائنا مع ضيفنا الكريم ولازال حديثنا عن بعض مظاهر هدي التي يجب على المسلم أن يقتدي بها ، أشار ضيفنا الكريم قبل الفاصل إلى أهم هذه المظاهر هو التقرب إلى الله عز وجل وإدراك هؤلاء الصفوة أن لا حول ولا قوه لهم إلا بالله عز وجل وان هذا هو سر قوتهم ، لازال الحديث متواصلا بعرض هذه المظاهر اترك المجال إلى ضيفنا الكريم لاستكمال بعض مظاهر هذا الهدي ..
الشيخ صالح المغامسي : ثالثهما أيها الأخ المبارك : البعد عن التكلف هذا أعظم هدي أعطاه الله عز وجل أنبيائه ورسله يقول الله عن نبيه " وما أنا من المتكلفين "فحتى في خطابه عليه الصلاة والسلام القرآني الدعوي نجّاه الله جل وعلا من التكلف لأنهم عليهم الصلاة والسلام واضحون في منهجهم ظاهرون في حججهم بينون في مقصدهم ؛ هذا البعد في التكلف سمه أصلاً من سمه العقلاء والأنبياء في الذروة الكبرى من أهل العقل ..
يقول بعض الناس في قضيه اللباس مثلا يقول : أن العاقل يلبس لبس لا يزدريه عليه الفضلاء ولا يحسده عليه السفهاء .(5/25)
أحياناً الإنسان يكون في وضع اجتماعي طيب فتراه رث الثياب جداً جداً فهذا يزدريه أهل الفضل إلا إذا كانت له مناقب عظيمه تزيل هذا ؛هذا شيء آخر مثل عمر ، أو أن يكون الإنسان على العكس يلبس لبس يجعل الناس تشرئب أعناقهم إليه يلتفتون إليه كأنه الغاية منه مظهره فيتناسون بعلو مظهره ما كان له في المخبر، .
أنبياء الله كانوا لا يتكلفون مفقودا ولا يردون موجودا هذا النبي الخاتم ربط الحجر عاده عند أهل الحجاز يأتون بحجر مستطيل ويضعونه هنا حتى يستقيم الظهر من الجوع ؛ أكل التمر قسّم التمر بينه وبين أصحابه ؛شرب اللبن آخره شربه.
في نفس الوقت لم يمنع أبا الهيثم أن يذبح له جديا فأكله ولم يقل هذا إسراف وهذا وهذا ؛ إنما ذكرهم لتئسلن عن هذا يوم القيامة بأسلوبه الأدبي الجم عليه الصلاة والسلام .
المقصود : البعد عن التكلف أعظم سمه لأنبياء الله ورسله .
في البنيان تلاحظ الآن بعض الفضلاء عفا الله عنا وعنهم من أهل الثراء يبالغون مبالغه شده في البنيان ‘ فيه أمر يقبل مثل بناء الدولة وفقها الله للحرمين ‘ الحرمين مظنة زحام مظنة أن يزدحم الناس على هذا البنيان كثيرا فبدهيا أن يقوّم بنيانه بشده حتى يحتمل ؛ لكن بعض البيوت ترى فيها من الإسراف حتى ترى في زماننا قضيه التحف ، فيه تحف مقبولة أن توضع في المنزل ترد الطرف لكن فيه تحف تشترى بمئات الألوف وتوضع في زوايا وأمكنه والله لا يراها احد ولو رآها لما عرف ثمنها والإنسان يقضي أيام وسنون وشهور يجمع مال من كد عيشه ويقتر بعضهم على أولاده حتى يأتي بتحفه لا يستخدمها احد ؟!!
هذا كله بعيد عن هدى أنبياء الله ورسله .(5/26)
هدي الأنبياء البعد عن الكلفة في كل شيء حتى ونحن نعظ ليس لزاما أن تصرخ ؛ ليس لزاما أن تبكي ؛ ليس لزاما أن تستوعب الوقت كله فليكن الإنسان يتكلم بتلقائية يدعو الناس بعفويه ليس بعفويه علميه ، العلم لابد منه لكن بعفويه خطابيه أحياناً بعض أناس يصرخون وليس أمامه إلا عشره أشخاص وقد بلغهم صوته فلا حاجه للصراخ ويكون الإنسان أحيانا لديه وسائل إيصال صوته قائمه بالواجب لا حاجه للصراخ
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينذر الجيش هذا في طريقه الخطاب العام مع احتياطنا أن آنذاك لم يكن هناك وسائل إيصال صوت ،
لكن المقصود من ذلك جمله أن أنبياء الله لم يكونوا يتكلفون في أي شيء لا باستقبالهم لاضيافهم ،لا في دعوتهم إلى الناس ،،
حتى يقول ابن مسعود : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخللنا بالموعظة مخافة السأمه
حتى وهم يعظون والوعظ أعظم ما كلفوا به ،كانوا يتخللون الناس بعدا عن التكلف .
نحن نرى في الحج مثلا في المخيمات مع احترامنا للأجلاء القائمين عليها لا ينتهي شيخ حتى يبتدئ شيخ آخر وكأن الحج إنما شرع للسماع وليس هذا بصحيح
قد يقول بعض أهل الفضل لنا وهو يحاورنا :يا أخي الناس قلّ ما يجتمعون
يا أخي الناس لن يهتدوا بأعظم من هدي الله ورسله.
النبي عليه الصلاة والسلام حج معه أعراب قلمّا يجتمعون به ؛ ثلاث أو أربع خطب كلها في الحج ،الناس تحتاج إلى الراحة في الحج تتقوى على العبادة حتى تخرج لرمي الجمرات ، بعض النساء والرجال لتوه قادم من طواف الإفاضة الله اعلم كم مكث في الطريق مع الزحام فيريد أن يستريح هو داخل المخيم بماله فله حق على صاحب المخيم فإذا بالشيخ صالح يتكلم ثم الشيخ فلان ثم بالشيخ فلان يتكلم حتى منتصف الليل فمتى ينام هؤلاء ؟!!
لكن يأتي الناس يقول هذا حق أنت ترد الموعظة الله يقول (وَذَكِّرْ ) إيه ما قال الله وحدها "وذكّر " الحديث قيّد قال مخافة السأمه(5/27)
والإنسان من هدي أنبياء الله قلت يندرج هذا كله تحت قولنا البعد عن التكلف
من الخطاء أن نتكلم لمجرد الكلام ،أن نعظ لمجرد الوعظ ،أن نقرأ كتاب لمجرد أن نقرأ هذا خطاء ؛ لابد أن يتوخى الإنسان معرفه أحوال الناس في غدوه و رواحه في بيته ومسكنه في علاقته مع زوجته هذا هو الفقه الحقيقي في هدي أنبياء الله ؛ قبل أن نعرف أن أنبياء الله كانوا يعظون ينبغي أن نعرف متى كانوا يعظون ؟؟
والرسول صلى الله عليه وسلم كانت خطبته هديا قصداً كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه .
أما أن يأتي الآن إنسان في حرارة القيظ في الصيف فيطيل في الخطبة حتى يصيب الناس الملل وينفصلوا عنه روحيا وان بقوا في المسجد جسديا فيخرجون لا يذكرون من الخطبة شيئا لان آخرها أنسى أولها ؛ هذا كله يجب مراعاته والبعد عن التكلف .
لن تصل إلى قلوب الناس إلا بمنهج الله ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم وأنبيائه من قبل فالمقصود من هذا يندرج تحته الويه عديدة وأقوال كثيرة في قضيه البعد عن التكلف.
الأستاذ معمر : نستأذنك يا شيخ صالح معنا اتصالات :
الأخت نوره: قال النبي صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"
يا شيخ هل من توجيه أو طرح للمقبلات على الدعوة إلى الله ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : الجواب :قال صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " قال العلامة ابن باز رحمة الله تعالى عليه :على ذلك من لم يتفقه في الدين بالكلية فما أراد الله به خيرا
تشهد الصحوة المباركة إقبال كبير من أخوات كثيرات ممن منّ الله عليهن بالالتزام بطلب العلم والتفقه في الدين وهن يحمدن على هذا الأمر حمدا كثيرا ويشكرن ونسأل الله لهن التوفيق .(5/28)
لكن أقول لها إن توفق بين حاجتها البيتيه فحق الزوج عظيم وما بين طلبها للعلم أو إلقائها للمحاضرات لابد أن يكون هناك توازن وهذا مندرج تحت قولنا في السياق الذي قبله البعد عن التكلف لان هذه كلمه أرجو الله أن تكون جامعه مانعه
المقصود تقبل على العلم تطلبه تحرص على التدوين تتفقه على قدر وضعها ؛ الفتيات يختلفن كثيرا لكن لابد أن تراعي الحقوق الأخرى إن كان ثمة والدين كبيران يحتاجون إلى رعاية تقوم بحقهم ، الحق أن الفتاه اقدر على رعاية الأم والوالد المهم ...على ما هم فيه ويحمدن ثم تنظيم الوقت تنظيم الوضع يساعد كثيرا إن شاء الله مع أنني اسأل الله جلا وعلا لأخواتنا طالبات العلم التوفيق في الدنيا والآخرة والسداد واطلب من أزواجهن إن كن متزوجات أن يعينوهن على هذا الأمر العظيم ولهم الأجر من الله تبارك وتعالى.
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم معنا الأخ مشاري يسأل .........؟
شيخ صالح بقي معي عشر دقائق فقط لازالت لدينا محاور وبعض الاتصالات إذا أذنتم لي أن نستكمل بعض هذه المظاهر ثم ندلف إلى غيرها بإذن الله .
الشيخ صالح المغامسي : الصدق والسعي ؛السعي مقترن بالصدق في إنقاذ الناس هذا من أعظم ما خص الله به أنبيائه قال الله ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً(7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ) الأحزاب ،
قال جلا وعلا : ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119)
من أراد ان يتأسى بالأنبياء من العلماء فلا حليه أعظم من الصدق مع الرب تبارك وتعالى .
يقدح في أهل العلم أن يختار من يوصل خطابهم وان يشترط شروط حتى كمن يأخذ أجراً على قوله هذا كله من عظيم القدح في سير العلماء .(5/29)
لا ينبغي لعاقل يعرف منهج الأنبياء أن يتحلى بها الأنبياء صادقون واضحون لا يريدون الأجر إلا من الرب تبارك وتعالى .
ثمة أمور تقوم بها الحياة لا بأس لكن الزيادة عليها والاستطالة فيها مخالف لمنهج أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم وهذا باب عظيم ولكن الوقت لا يسمح لي .
الحصافة والكمال العقلي : هذا مهم ؛ لماذا مهم جدا ؟؟
بعض غلاه الصوفية أساء إلى الدين إساءة عظيمه حتى فُهم الدين انه " دروشه " فلما كان أنبياء الله في القمة العلياء من العبادة والتقوى والبكاء فهم البعض أن أنبياء الله لا يحسنون قياده الناس وهذا خطاء عظيم ؛ الناس ارفع من فيهم علمائهم والأنبياء كانوا هم الذين يسوسون أممهم والنبي عليه الصلاة والسلام كان هو المفتى ورئيس الدولة والقاضي والملك وكل هذه الأمور لكنه اختار أن يكون عبدا ورسولاً ، الحصافة والعقل ينجم عنه التصرف .
يوسف عليه الصلاة السلام اختار الله له الطريقة التي يحفظ فيها بنيامين ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ) ولا يضير هذا بمقامه كنبيّ .
النمرود وإبراهيم عليه السلام مرر له واحده ليقع في الأخرى قال إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) قال النمرود (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ، كيف تحيي وتميت ؟؟ قال : آتي باثنين رجل لا عليه شيء فأقتله فأمتّه ، ورجل حكم عليه بالقتل فأطلقه فأحييه .
ومعلوم أن إبراهيم يعلم أن هذه ليس من جنس الحياة والموت التي أرادها إبراهيم لكن قبِِِلها حتى يعطيه الأخرى قالـ إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) ، قال الله (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(5/30)
نبينا صلى الله عليه وسلم في غزوه الحديبية عندما كانت الوفود بينه وبين قريش كانت البعوث والسفراء يتعددون بعثت له قريش سيد الأحابيش ، النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن سيد الأحابيش هذا من قوم يعظمون الهدي والهدي كما وصفه الله (والْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الهدي مع طول الطريق بين مكة والمدينة غضر- ضعف – لا مرعى مع شده النقل فلما قدم سيد الأحابيش من قوم يعظمون الهدي أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الهدي ليراه من ؟؟ ليراه سيد الاحابيش فانقلبت الموازين عنده فعاد إلى قريش ينهاهم عن نهيهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة فانتهز النبي تلك الفرصة وعمل بحصافة عقله ورجاحة رأيه عليه الصلاة والسلام.
المقصود أن لا يفهم أن أنبياء الله ورسله عباد زهاد فقط ؛ نعم عباد زهاد نعم لكنهم ذوي حصافة ذوي عقل ذوي رشد والذي يريد أن يتأسى بهم حقيقةً تأسياً شاملاً في سيرتهم العطرة وأيامهم النظرة ، وقد اختصرت كثيرا مراعاة للوقت
الأستاذ معمر : جميل جدا يا شيخ صالح هذه المظاهر اغلبها في حال حياتهم ....
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً إن أذنت لي مر معنا كيف التعامل في الأزمات وهذا ما وعدنا الشيخ حسين به ، نأخذ موقف :
العاقل الحصيف الرأي الإمام الحق ؛ ما تقوله الدهماء وراء ظهره ؛ ما تطالب به العامة هذا لا يقدم ولا يؤخر هم لو كانوا أهلا لما أصبحوا دهماء
( {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }الأعراف129)
قال موسى ( اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }الأعراف128)(5/31)
فخطاب الأنبياء عليه الروية والسكينة والنظر فيما بعد وخطاب الدهماء قوم يريدون أن ينظروا إلى قرار الأبد أن يصدر أياً كانت تبعات تلك القرار.
فهدي أنبياء الله الروية والسكينة والنظر في العاقبة وعدم الاستعجال في نصر الله والسير بالأمور خطوةً خطوه ولا بأس كما قلت بالحصافة والرأي .
يعني موسى طلب من بني إسرائيل أن يستعيروا حلي !! لماذا يستعيروا حلي من القبط ؟؟
حتى يفهم القبط أن بني إسرائيل قاعدون ماكثون مخلدون في الديار ما عندهم نية رحيل .
ولهذا لما جاءت قضيه العجل قالوا(وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ) يعني أخذنا معنا من زينه القوم لتوهم خرجوا فجأة حتى يوهموا القبط أنهم ماكثون حتى يكون السير ليلا دون أن يترقبهم القبط – هذه زيادة لقضية فهم الناس .
الأستاذ معمر : حال الأنبياء حال الموت باختصار يا شيخ ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : ختم الله لنا ولكم جميعا بخير
الأنبياء يخيرون عند الموت لهم الشوق إلى ربهم (ولكن اشتقت إلى لقاء ربي) يقول النبي صلى الله عليه وسلم
لا تأكل الأرض أجسادهم إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم ، لهم حياة البرزخ الله اعلم بكونها النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( رأى موسى عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره ) ولا نعرف كيفيه الصلاة هذه أو تبعاتها ولكن نوردها كما أوردها النبي عليه الصلاة والسلام هذه أساسيه .
بعد البعث والنشور ـ إذا أذنت لي استطرداً يعني ـ
اخبر النبي أنهم يومئذ يقول الصفوة منهم نفسي نفسي فبالله على كل من يشاهدنا إذا كان أنبياء الله من هول ذلك الموقف يقول كل واحد منهم وقد عُرفوا بالنصح للناس نفسي نفسي ،، فما عسى أن يقول غيرهم ؟؟؟!!(5/32)
نسأل الله الثبات يوم العرض الأكبر عليه لا صلة بين الله وبين خلقه إلا بالإيمان والعمل الصالح ؛ لا يثبت القدم آنذاك إلا الإيمان والعمل الصالح ؛ رحمه الله جلا وعلا يجب أن يطلبها العبد بكل قواه يسألها ربه في ليله ونهاره فيعمل ما يقربه إليها كما قال أبو حازم لسليمان فأين رحمه الله ؟؟ يقول سليمان بن عبد الملك قال : يا أمير المؤمنين رحمة الله كما قال الله (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }الأعراف56 ) الإحسان إلى الخلق الإحسان مع الرب هذا كله مما يزدلف به العبد إلى رحمة الرب تبارك وتعالى ،،، بلغنا الله وإياكم رحمته.
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم شيخ صالح بعد هذا الحديث الماتع عن الهدي النبوي وعن أحوال الأنبياء ولا شك يا شيخ أن مشيئة الله عز وجل شاء أن لا نشرف بصحبتهم في هذه الدنيا ،، لعلنا يا شيخ أن نختم في حدود دقيقتين أو اقل بيان الطريق والسبيل الموصل إن شاء الله إلى مجاورتهم وصحبتهم في الجنة ..
الشيخ صالح المغامسي : نعم هذا من أعظم المطالب ؛ثوبان رضي الله عنه يقول المفسرون كان يأتي عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم انقطع مره فنحل جسمه فقال عليه الصلاة والسلام : ما أصابك ؟؟
قال :يا رسول الله اشتاق إليك في الدنيا فأتيك فكيف السعي في الجنة ؟؟
فأنزل الله قوله جلا وعلا ({وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً }النساء69 )
طاعة الله و طاعة رسوله وكثره الصلوات هن السبب الأعظم إلى جوار أنبياء الله ورسله ،، بلغنا الله وإياكم جوار أنبياء الله ورسله في جنات النعيم .
الأستاذ معمر : اللهم آمين ،، أحسن الله إليكم شيخ صالح وشكر الله سعيكم(5/33)
في نهاية هذه الحلقة أتقدم لكم بالشكر الجزيل نيابة عن جميع المشاهدين ، وأنوب عن فضيلتكم وأنوب عن فريق العمل وأتقدم بالمباركة للأخت @بارقة الخير@ لحصولها على التميز في المنتدى هذا الشهر ،بإذن الله عز وجل ستحصل على بعض البومات الشيخ وإبداعاته أيضاً شهادة شكر وتقدير من فضيلة الشيخ ، اشكر باسم جميع المشاهدين مشرفنا على الموقع الأخ أبا أسامه عبد الرحمن سالم حفظه الله ، اشكر أيضاً لجنه الاختيار الأخ الأسيف ومن شاركهم في ذلك الشكر لجميع الأعضاء الذين تواصلوا مع هذا الموضوع موضوع حلقتنا اخص بالشكر الأخ احمد صبر ، وأريج ،وأم أويس ، ورنين الحق ، وأسره الرميصاء ، وباغية الخير، وعطشانة الكوثر ، وحماس ، والأسيف ، وأمل الأمة ، وراجي عفو ربه ، وجمانه الخبر ، و رموز التفاؤل اشكر الأعضاء الذين شاركوا في الصفحة الثانية .. الشكر والفخر لجميع الجرائد المحلية التي تولت التغطية الإعلامية لهذه الحلقة وحلقات سابقه اخص بالشكر جريدتي عكاظ والمدينة النبوية اسأل الله عز وجل أن يزيدهم تفوقا وتألقا الشكر أيضاً لجميع المواقع الانترنت التي اهتمت بتغطيه هذا البرنامج والتي بعضها يبث الآن مباشرا اشكر موقع البث الإسلامي وموقع طريق الإسلام وموقع مسك اترك مسك الختام لضيفنا الكريم ..(5/34)
الشيخ صالح المغامسي : شكرا أستاذ معمر أبارك للأخت بارقة الخير لفوزها بجائزة التميز لشهر الله المحرم شهر رجب ،، ولاشك أن المنتدى بفضل الله ثم بفضلك أستاذ معمر والأستاذ عبد الرحمن سالم والأستاذ محمد سليمان الاسيف والأستاذ فهد أبو حسين ادرجناه مؤخرا وهو سكرتيرنا الشخصي أنا أردت إقحامه عمدا حتى أكون قريب جدا من الموقع لينقل لنا الصورة الكاملة هؤلاء جميعا اشكر كل من فيه ...... في محاسن التأويل قررنا تكريم أختين كريمتين هما الأول أسره الرميصاء والثاني رموز التفاؤل هاتان الأختان أو الأخوات ... اشكرهم شكرا جميلا عاطرا ثناء وأنا والله ارقب صنيعهم واستفيد بالطباعة مما دونوه فلهم علينا حق عظيم كما اشكر جما غفيرا منهم الأخت حماس -أم انس -أمل الأمة -أم المقدام -شعاع الأفق -أم محمد الظن -تاج الوقار - بارقة الخير-محب الخير- أبو عبد العزيز-أوركيدا- الأبية - العمرية –العلم –حفيده خديجة –إطلاله - صيد الخاطر – طالب الفائدة –نهال ،،هؤلاء جميعا لهم جهد واضح وأنا والله اعترف بعقوقي مع من اعرف في المنتديين (القطوف الدانية- محاسن التأويل )ولكن يعلم الله كثره الصوارف منعتني من بر هؤلاء الأفاضل والأخوات الفضليات لكن اشكرهم جميعا اشكر كل من لم يرد اسمه هنا وأسال الله أن يثيبهم وان يجزيهم عني خير الجزاء وأقول قدما إلى الإمام يعني استمر في التواصل والإخاء والتدوين وسيكتب الله لنا ولهم برحمته الخير العظيم..
الأستاذ معمر : شكرا لكم شيخ صالح الشكر موصول لكم أيها الأحبة على طيب متابعتكم وحسن إصغائكم ،، نسال الله أن يجعل ما قاله ضيفنا الكريم في موازين حسناتنا جميعا شيخا ومقدما وفريق عمل ومشاهدين اسأل الله لكم التوفيق
لقاؤنا في الحلقة القادمة في الشهر القادم إلى ذالكم الحين ابقوا في حفظ الله ورعايته استودعكم الله والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته..................
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/35)
حلقة القطوف الدانية لشهر شوال لعام 1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هذا أول تفريغ لأولى حلقات البرنامج القيم والمفيد ((قطوف دانية))
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يستفيد الجميع مما في هذا الموضوع من حكم وآداب ليتحقق الهدف المنشود من تفريغ هذه الحلقات ...وأن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل....فمع قطوف دانية ............ونعمة العقل........
الأستاذ معمر : قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة وخيرات وفيرة أنعم الله علينا بنعم ظاهرة وباطنه فما حصلنا عليه من نعم فمن الله عز وجل القائل في محكم التنزيل ({وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ }النحل53) وحديثنا في هذه الليلة سيكون عن نعمة من شأنها أن تدل المخلوق على خالقه , من شأنها أن تجعله يُقبل على عبادة الله عز وجل برغبة تدفعه إلى عمارة الأرض ورهبة تحثه على توجيه سلوكه إلى إرضاء ربه , هذه النعمة متى أطرت بالأطر الشرعية الصحيحة كانت سيراً نحو العلا وملاك يُعرف بواسطته الخير والشر والحق والباطل وكانت مقياساً لكل القيم الخيرة,هذه النعمة قد تكون سبباً لسعادة الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية و لاسيما عندما يبلغ الكمال في هذه النعمة , ولذلك أمارات ,
فما أمارات الكمال في هذه النعمة ؟
وكيف يكون الوصول إليها؟
وهل استفدنا من تجاربنا في الحياة لبلوغ هذا الكمال ؟
وإن لم يكن كذلك فماذا عن سير العظماء وأثر تأملها في تحقيق هذه النعمة ؟
هل تكون هذه النعمة نقمة على صاحبها؟(5/1)
كل هذه التساؤلات وغيرها كثير وكثير نحاول أن نعرضها على ضيفنا الكريم الذي يشرفنا في هذا اللقاء وكل لقاء من البرنامج , ضيف هذا اللقاء ونوره وضياءه الشيخ صالح بن عواد المغامسي المحاضرة بكلية المعلمين بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم , يسرني باسم قناة المجد الفضائية إدارة وفريق عمل ومشاهدي قناة المجد أن أرحب بضيفنا الكريم ...حياك الله يا شيخ صالح
إذا أذنتم لي يا شيخ صالح أن أبدأ في هذا اللقاء المبارك بما هو محسوس ومشاهد من خلال النصوص ومن خلال الواقع أن نعمة العقل من أهم النعم وأنها من أهم مظاهر التكريم من الله عز وجل لبني آدم فحبذا يا شيخ لو مهدنا للموضوع بهذه المقدمة.
الشيخ صالح:بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد:
نسأل الله جل وعلا أن يجعل من هذا البرنامج عوناً على طاعته ورفعاً لدرجاتنا أجمعين محاضراً ومقدماً ومشاهدين ومستمعين,كما نسأله تبارك وتعالى أن يسدد أقوالنا وأعمالنا ونقول كما قال الصالحين من قبل (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }الطلاق12)
ونعمة العقل هي موضوع حلقة اليوم و إلا كما هو معلوم سيكون لكل حلقة موضوعها الخاص بها .
نعود لما طرحتموه أستاذنا القدير عن قضية التكريم الإلهي في هذه النعمة(5/2)
قال الله جل وعلا في سورة الإسراء ({وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }الإسراء70) والعلماء رحمهم الله تعالى ذكروا أنواع للتكريم الذي حظي بها بني آدم عن غيرهم من الخلائق, وتكاد تطبق كلمتهم على أن أعظم ما كرم به الله بني آدم نعمة العقل ومن الأدلة على أن التكريم ينصرف أول ما ينصرف إلى العقل, أن الإسلام وهو النور والضياء لا يكلف به إلا العقلاء فالعبد الذي فقد نعمة العقل بالكلية والمسمى اصطلاحا مجنون هذا لا تكليف عليه ولهذا جاء بالآثار أنه يحاج ربه يوم القيامة ( يا رب جاء الإسلام الناس يرموني بالبعر ) يعني يستخفون بعقلي , فلا تكليف عليه.
والعارضان الجزئيان الذي يناطان بالإنسان السوي هما الصغر والنوم هذان إذا وقعا لا تكليف.هذا يدل على أن العقل مناط التكليف ، كذلك مما يدل على تكريم الله للعقل أن الله جل وعلا لما ذكر الأوصياء وذكر أموال اليتامى جعل ذلك مرهون بحقيقتين أو أمرين حتى يسلم لليتامى أموالهم , قوة جسدية وقوة عقلية: عبر عن القوة الجسدية بقوله(حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ) هذا تعبير عن القوة الجسدية
و القوة العقلية عبر عنها جل وعلا بقوله (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) قد يكون الإنسان مستقيم البدن يصل لسنوات لا يكون راشداً ,هذا كله يدل على أهمية العقل.
كذلك إلى غير هذا جاءت ألفاظ نبوية تحث الصحابة على مثل هذا الأمر فالنبي عليه الصلاة والسلام عاتب خالداً رضي الله عنه وأرضاه لما تأخر إسلامه قال ( قد كنت أرى لك عقلاً ) فالعقل مناط التكليف
وقد جاء في تراجم العلماء الكبار لما يترجم لهم القائمون على فن التراجم
يقولون مثلاً فلان عقله أكبر من علمه و فلان عمله أكبر من عقله ,مثل ابن تيمية . هذه الأمور مهمة جداً ،، لكن فيه قضية أساسية قبل أن نشرع معكم في هذا اللقاء المبارك, إن العقل ممكن تقسيمه إلى قسمين :(5/3)
عقل غريزي : وهذا مناط يشترك فيه جميع العقلاء بحسب ما أودعهم الله به ويسمى بالفطري.
عقل مكتسب :وهذا يحتاج إلى تدريب .،، كيف يكتسب؟ لعلنا نجيب عنه في أخر الحلقة.
لكن العقل الغريزي هذا هو الأصل في تكريم الله جل وعلا للعقل عند بني آدم .
الأستاذ معمر: بالنسبة لهذا الأصل يا شيخ يعني المتتبع للتاريخ لازالت نجد أثاره إلى الآن يجد بعض الشوائب التي انتابته , وأثره عليه كانت له أثار سلبية في الواقع فلو سلطتم الضوء يا شيخ على هذه الشوائب.
الشيخ صالح: هذا العقل أخرجه عن هذا الأمر أنه في حقبة ما من تاريخ الأمة في أواخر الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية ظهرت فرقة المعتزلة , معلوم أن المعتزلة أختلف الناس في سببها :: كان هناك رجل يسمى واصل بن عطاء ,والله جل وعلا قد قسم المواهب يعني يفتح على إنسان من باب ويقفل عليه من باب أخر (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) واصل هذا كان ذكياً لكنه كان ألثغ (حرف الراء هذا لا يتمكن منه ) ومع ذلك كان يخطب الخطبة كاملة فلا ينتبه أحد إلى أنه ألثغ لأنه لا يتعرض بكلمه فيها للراء,
معنى هذا أنه يملك ترادف كبير في اللغة
يقول " الحمد لله القديم بلا ابتداء الباقي بلا انتهاء ......... " خطبة طويلة
لكن هذا الرجل إليه نسب تأسيس مبدأ الاعتزال ,لأنه أعتزل حلقة الحسن البصري ,كان أحد تلاميذه ،، قالوا أن الحسن قال اعتزلنا واصل ,هذه أحد الآراء في قضية المعتزلة ، هؤلاء القوم على اختلاف مشاربها هي نفسها تفرقت تشعبت إلا إنها جعلت للعقل سلطة على النقل والمقصود بالنقل الكتاب والسنة , هذه السلطة على العقل جعلت بعد أن ذهب وهج المعتزلة وأميتت هذه البدعة,بعد ذلك الذي حصل أن الناس خافوا من العقل وأصبح الإنسان يخوف بالعقل يعني إذا جاء يقول أنا أريد أن أتأملها عقلياً يخشى من الرقيب يخشى من اتهام الناس, ولكي لا يصنف.(5/4)
طبعاً هذا أثر , جاء التاريخ الإسلامي شهد قامات علمية كبيرة مهمة جداً منها شيخ الإسلام ابن تيمية مما أضطره لتأليف كتاب [درء تعارض العقل والنقل] والذي دفع المعتزلة إلى أنهم جعلوا سلطوية للعقل أسباب كثيرة لكن من أهمها :
الحضارة الإسلامية كانت آنذاك تشارف الحضارة اليونانية يعني تأخذ عنها,فأرادوا أن يدفعوا شيئاً من الحضارة اليونانية فوقعوا في أمرين
1/ الاقتباس من الحضارة اليونانية
2/ أحياناً لا يفقهون النص ويريدون أن يدافعوا عن الدين ,
دفعهم هذا إلى أن ينحوا النص ويجعلوا العقل هو المسيطر ,فجعلوا للعقل سلطة.والمقصود من هذا كله أن هذا أثر كثيراً بصراحة إلى يومنا هذا
التصنيف والاتهامات القائمة لكل من يفكر يخشى من غيره أن يسميه معتزلي
فيه مثل إنجليزي يقول :: من لا يحمل إلا مطرقة يرى الناس كلهم مسامير
فالذي يحضر لأحد أو يقرأ لأحد أن المعتزلة كانوا يحكّمون العقل أي شخص يقابله يقول له نظرة عقلية لهذا النص يأتيه هذا الأول يعني لأنه لا يعرف العقل المنوط فقط في المعتزلة فيُصنف كل إنسان على أنه معتزل ،
فجاء مصطلح ما يسمى بالمعتزلة الجدد فنحن لا نقول أنه لا يوجد معتزلة , و لا نقول إنه نبرئ الساحة كلها لكن نقول لا شك أن هذا الأمر أثر سلبياً على الحضارة الإسلامية إلى يومنا هذا .
بقي أن نحرر المسألة في القضية هذه,ونقول أن العقل كاشف للدليل وليس منشئ له مثل العين كاشفة للنور وليست منشئة للنور
الشمس تضئ فمن يملك عيناً مبصرة يرى ومن لا يملك عين مبصرة لا يرى فالعين تكشف النور لكنها ليست مصدراً له
إذاً العقل ليس مصدر تشريع , التشريع من الله لكن الإنسان العاقل ينظر في الشرع أصلاً وفي سنن الله جل وعلا في خلقه في التأمل في الكواكب, فيوظف هذا إلى ما يصل إليه من غايته .(5/5)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح قبل أن ندلف إلى أمارات العقل ,كيف نميز العاقل من غيره ؟ لا شك أن العاقل أحياناً قد يدفع ضريبة تميزه لو تحدثنا عن هذه.
الشيخ صالح : العقل منطق والناس أصلاً إذا مدحوا أحد يقولون عاقل,
و مثلك لا يخفى عليه أي شيء منقبة فضل لا بد له ضريبة
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود فقر والإقدام قتالُ
أي شيء عظيم له ضريبة .لذلك قال المتنبي وهو نفسه قائل البيت الأول :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
الإنسان العاقل يدفع ضريبة كبيرة جداً على اعتباره عاقل لأنه سيتحمل أكثر مما يتحمله الآخرون ويناط به أكثر مما يناط الآخرون ويكتم في صدره أكثر مما يكتمه الآخرون ويحاسب على أخطاء غيره أكثر مما يحاسب الآخرون ويصبر أكثر مما يصبر الآخرون لكن هذا ضريبة العقل .
لا يمكن لأحد أن يأخذ الغُنم ويترك الغُرم, والعقلاء أي شيء يصلح في الدنيا لك غنمة لا بد أن يكون عليك غرمه,
لا يُعقل أن يمدحك الناس غدواً ورواحاً أنك عاقل وأنك لا تدفع شيئاً من ضريبة ذلك العقل , لا بد من دفع الضريبة في العقل وفي غير العقل, لا بد من دفع ضريبة العقل.
الأستاذ معمر: لعلها تكون دعوة أن نخاف من نعمة العقل .
الشيخ صالح:لا لا , لكن يتكيف العاقل مع هذه النعمة وما يتناسب مع الناس.
الأستاذ معمر:طيب يا شيخ ندلف إلى أمارات العقل ,إذا ذكرتم بعض أمارات العقل لكي تبان للمشاهدين ؟
الشيخ صالح : طبعاً الله لما ذكر الليل والنهار قال (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ }المزمل20) فيه أشياء أمارات تدل على العقل ونحن لا نقول قبل أن نشرع في بيان أمارات العقل ـ أن من لا يحملها مجنون معاذ الله ـ لكن نقول احتمال دلائل براهين عامه , وحتى لا يدرك ويفهمنا أحد خطأ نحرر الكلام(5/6)
يقولون أن المقدمة لكل كلام عقداً ما بين السامع والمتكلم وحتى لا يحاسبنا أحد على ما لم نخطئ فيه.
من أعظم أمارات العقلاء القدرة على التعايش مع الآخرين.
الأستاذ معمر:بما أنكم أشرتم يا شيخ إلى ضرورة تحرير القول , فلو حررنا هذا المصطلح ؟
الشيخ صالح : دائماً نحرر أي خطاب يظهر إذا أتينا بقرائن له { وبضدها تميز الأشياء} هناك تعايش وهناك مصاحبة وهناك مودة..
المودة تكون ما بين المسلم والمسلم.
تعايش مصحوب بمودة هذا بين المسلم والمسلم .
تعايش غير مصحوب بمودة لكنه علاقة فردية هذا يسمى مصاحبة .
تعايش غير مصحوب بمودة وليس بخصيصة فردية يسمى تعايش فقط .
نفصلها بالأمثلة الله جل وعلا ذكر الوالدين في حالة كفرهما وأوصى الأبناء أن لا يطيعوهما في الكفر قال جل وعلا (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا.....) ثم قال جل شأنه (...وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً....) ليست صحبتهما هنا تحمل مودة قلبية كاملة لهما لا ، إذا اعتبرنا أو قلنا إنهما كافران , لا يوجد مودة لأن المودة تكون للمؤمن , لكن فيه نوع من المصاحبة. لماذا؟ هذه المصاحبة أخص في حق الوالدين من غيرهما.
لكن هذه المصاحبة والمودة والتعايش للتعايش ما بين الأمم والشعوب كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعايش مع اليهود الذين كانوا يقطنون ويسكنون مدينته عليه الصلاة والسلام واليهود بقبائلهم الثلاث القينقاع والنضير وقريضة الذين كانوا يسكنون المدينة قبل أن يتم الجلاء وغيره , تلك الحقبة التاريخية في حياته صلى الله عليه وسلم وطريقة تعامله مع أولئك تسمى طريقة تعايش.
من العاقل؟ العاقل من يستطيع أن يكيف نفسه في ذلك التعايش .
الأستاذ معمر: يجب أن نفرق بين هذه المصطلحات ..
الشيخ صالح : نعم لا بد من التفريق بين هذه المصطلحات حتى يكون الكلام على بينة .(5/7)
الأستاذ معمر الأمارة الثانية يا شيخ إذا أذنتم.....
الشيخ صالح: قبل أن ننتقل إلى الأمارة الثانية نكمل الأمارة الأولى قضية أمثلة حتى نحرر الكلام حتى لا يكون الكلام أكاديمياً نظرياً..
أنت وأنا وسائر الناس , الإنسان لا يستطيع أن يغير كل شيء فلا بد أن يتكيف مع الحالة التي فيه سواء كانت مودة أو كانت مصاحبة أو كانت تعايش , أنت ابن مجتمعك ,كإنسان عاقل لا تستطيع أن تتخلص من أشياء , مثلاً نبي الله عليه الصلاة والسلام يعقوب كان يعيش مع عشرة من أبناءه يحيطون به هؤلاء الأبناء تأمروا على أخيهم , ويعقوب يعلم هذا , لكن لا انفكاك أن يعيش الوالد مع ولده ,
أين يذهب أين يروح ؟ بيت في العراء!! محال فيوصل إلى رتم من التعايش ما بينه وبين أبناءه , هذا التعايش هو المطلوب إن كان مقرون بالمودة,لكنه سيصل إلى حد معين من المصالح مثله مثل بعض الدول تكون فيها أعراق كثيرة مثلاً طوائف مذهبية :سنة ، شيعة ، مسيحيين مثل في مصر لا بد أن يصل القوم إلى تعايش هذا لا ينافي الدين لا بد أن يصل إلى مرحلة معينة من التعايش ما دام لا يوجد قتال , أحياناً الاختلاف الثقافي ـ نحن نتكلم مع جمهور عام لا نتكلم فقط مع نظام سياسي ـ إنسان مثلاً طالب جامعي يعيش في سكن هذا السكن أخلاط من كل مدن المملكة ثقافاتهم قدراتهم سنهم يعني منوع فلا بد من الوصول معهم إلى قاسم مشترك لا يعقل أن تعادي هؤلاء جميعاً ومحال أن نطالبك بأن تواريهم جميعاًُ ,لكن لا بد من نوع من التعايش , قدرتك على هذا التعايش هو دلالة على الكمال العقلي وأمارة على عقلك وتميزك وقدرتك أن تعيش مع الآخرين , طبعاً لا يظن الناس أنها مداهنة أو غير ذلك لذلك أنا حررت
طبعاً رابعها المداهنة ،المداهنة : التنازل عن أصل شرعي(5/8)
هذه المداهنة التي نهى الله جل وعلا نبيه عنها , لكن غير ذلك لا , كل الدين قائم على دفع المفاسد وجلب المصالح , ودفع المفاسد وجلب المصالح نوع من التعايش مع الآخرين.فيه أمور أمُرنا فيها بالإتباع ونحن لسنا أتقى لله من نبينا صلى الله عليه وسلم الذي استطاع أن يعيش مع غيره , استطاع أن يوجد جو من التعايش ونوع من الحياة في مجتمع, مثاله :: مثل بلادنا الآن كدولة إسلامية منظور إليها لا تستطيع أن تنفك عن العالم , فلا بد من التعايش مع الأمم الأخرى إلى حد ما دون التفريط بالأصول , وهذا والحمد لله حاصل , وفيه أمور لا بد فيها من التعايش والأخذ والعطاء , وهذا نوع من التعايش الذي يدل على كمال العقل.
الأستاذ معمر: هذا التعايش يا شيخ الذي أنت أشرت إلى إنه لا يودي إلى التنازل هل يعني أن سلبياً في مجتمعي؟
الشيخ صالح :لا .
الأستاذ معمر::أؤدي رسالة أحاول أن أدعو أن أؤثر بالغير.
الشيخ صالح :لا بد أن يقوم بدوره في المجتمع , يتعايش لا يعني الوقوف عند حد معين ,لكني أتكلم عند الحد الأدنى من الخصومة , لكن لا يعني ذلك أن لا يقوم الإنسان بواجبه الدعوي الحياتي أو المعاشي في مجتمعه هذا أمر لا بد منه من دلالة الكمال العقلي.
حتى فيه صورة أبسط, الرجل وسط إخوانه وهذا تأتينا فيه أسئلة كثيرة يعني إنسان يمُنَّ الله عليه بالالتزام قد يكون في بيته منكرات هل يعني أنه لا يوجد إلا حل واحد : إما أن يلتزم جميع أهل البيت وإما أن أخرج أنا من البيت , طبعاً هذا محال وسيأتي تحريرها في أمارة خاصة .
الأستاذ معمر : وكلها سلبيات.
الشيخ صالح :لكن لا بد من الوصول إلى تعايش وأنت بعدما وصلت إلى مرحلة التعايش لا بد من ضوابط هذا التعايش مثلاً أنني لا أجلس في المنكر لا أرضى به لا أقبله لكني أتعايش مع أهله مع القائمين به ليس مع المنكر في غير حالة المنكر .
الأستاذ معمر :وأتوقع يا شيخ أن يكون تأثيرها أكبر عليهم .(5/9)
الشيخ صالح:نعم تأثيرها أكبر لأنه سيكون هناك فرصة تلاقي وما دام هناك فرصة للتلاقي يكون هناك فرصة للتغيير, لكن إذا كنت لا تلقاني ولا ألقاك من أين لك أن تغيرني ومن أين لي أن أغيرك , وهذه مزية العقلاء.
فالدين إذا حُمل بعقل نستطيع نقله للآخرين , إذا لم نحمله بعقل لم نستطيع نقله للآخرين .
الأستاذ معمر: قد يوجد فجوة كبيرة بينهم وبين الدين .
الشيخ صالح: جداً .
الأستاذ معمر :إذا أذنتم لي أن ننتقل يا شيخ من هذه الأمارة إلى أمارة أخرى.
الشيخ صالح :من الأمارات التي تدل على كمال العقلاء ,عدم الإسراف في الأقوال والأفعال , مهم جداً أن لا يكون هناك إسراف في الأقوال والأفعال
معمر:جميل يعني الإسراف في مفهومه الاقتصادي أم أنكم يا شيخ قصدتم القرينة بما أنكم أقرنتموها بالأقوال والأفعال
الشيخ صالح: نعم الإسراف إذا أطلق تنصرف أول ما تنصرف على الطعام (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأنعام141) قرينة تبذير , لكن هنا العلاقة قد يعني إذا دخلنا إلى عالم البلاغة نقول مجازية ، العاقل كلامه منضبط , الكلام المنضبط محرر, العاقل لا يعطي وعود مثلاً مطلقة , إذا زكى تكلم لا يزكي تزكيات مطلقة جداً ,
مثلاً أتيك بصورة رأيتها :: فيه رجل جاء ليخطب من رجل أخر ووالد الفتاة عاقل جداً ـ فيه علاقة قرابة ـ الوالد والد الفتاة يعرف عقل هذا الفتى لكنها خطبة كانت مبكرة يعني بعد سنين سيتم الزواج فقال له أنت أعطيني الآن أعطيني كلمة أنت تعرفني , قال أنا أعرفك اليوم نعم, صح اليوم أنت عاقل لكن اليوم ما حا يكون فيه ملكة ولن يكون فيه زواج , لكن بعد أربع سنوات الذي هو الموعد ما الذي يدريني ما الذي يتغير , أنا أقول لك إن بقيت على هذا الحال أعطيك البنت , حتى إذا تراجع الابن تراجع الفتى عن عقليته وسلوكه والتزامه.
الأستاذ معمر : أوجد له طريق خط رجعة .
الشيخ صالح : وهذا هو العقل ، العقل لا يكون هناك فيه إسراف(5/10)
أبو بكر رضي الله عنه أوصى لعمر من بعده ثم قال في أخر الوصية ـ وهو عمر ـ وقال في وصيته زكى عمر :( فإن بدل أو غير فلا علم لي بالغيب) , هذا من كمال العقل , أنا لا أتحمل شيء لا يقع ,
ولهذا إذا أذن لي طلبة العلم أن أكلم النخبة قليلاً : مالك رحمه الله من أصول مذهبه الذي طال الكلام حوله أصول مذهبه قضية احتجاجه بعمل أهل المدينة , بعض الذين ـ عفا الله عنهم ـ بعض الذين نازعوه في هذه المسألة أخذوا يحملون مالك هذا الأمر على عمل أهل المدينة بعد مالك , مالك لم يقل بهذا كان يتكلم عن عمل أهل المدينة عمن سلف , لذلك بعض العلماء حرم هذه المسألة جداً وقال إن الناس تشنوا على مالك بما لا ذنب لمالك فيه , ومالك لا يتحمل ما عمل أهل المدينة بعد ذلك لم يجعله أصلاً إنما جعل أصل عمل أهل المدينة الاحتجاج به في أحوال معينة يتكلم عن عمل أهل المدينة السابقين ,
هذا الإسراف مثلاً الإسراف في التزكيات ,بعض الناس إذا زكى يبالغ في الكلمات يأتي بكلمات فضفاضة جداً والأصل بالعاقل التقيد, ( أهلك ولا نعلم إلا خيراً) وهذا كلام أسامة رضي الله عنه والمسئول عن عائشة وهنا يزكي عائشة ومع ذلك قال ( اهلك ولا نعلم خيراً)
العبارات كانت منضبطة, (لَيْسُواْ سَوَاء) الله يقول ({مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ }آل عمران113)
إذا كان الوعود لا إسراف فيه والتزكيات لا إطلاق فيها , هذا كله من الدلائل على كمال العقل , والمقصود أن العاقل يضبط كلماته ,لا يعني يسرف فيها إسرافاً شديداً ولا يكون منضبطاً لدرجة تنم عن عقله
بمعنى إذا استطعنا أن نقول أنه يجعل لنفسه خط رجعة , لكن من الناس إذا مدح بالغ في المدح وإذا ذم بالغ في الذم وكل ذلك غير مقبول.(5/11)
الأستاذ معمر: أحسن الله إليكم يا شيخ بالنسبة للتزكيات التي ذكرتم والتزكيات يعني يأذن لي أعضاء التدريس في الجامعات وإن كنا ممن استفاد منهم بالنسبة لأمور التزكيات يا شيخ بعض فقراتها تكون أشياء لا تتطرق لنواحي التعليمية مثلاً تحمل المسؤولية , إجازة اللغات الأخرى, في الحالة تكون التزكية متفوق متفوق ثم فما أدري!!
الشيخ صالح:هذا طبعاً من الكلام الغير منضبط , هو المفروض من التزكيات العلمية أن تكون التزكية على شيء واحد مهم جداً هل هو الذي أنا أزكيه يملك مقومات القدرة على التعلم أولاً , لا يوصف بأنه عالم لكن هل لديه القدرة على القبول أو ليس لديه قدره هذا مناط التزكية العلمية ولهذا ـ يعني لم نخرج كثيراً لكن ـ من أخطائنا حتى عندنا في بعض الجامعات عندما يجرون مقابلة لقبول أحد يسألونه أسئلة معرفية هو أتى بشهادة يحمل فيها أنه امتياز بكذا وكذا وكذا وكذا فيسألونه في مادة معلوماتية وهذا خطأ , إنما الأسئلة ينبغي أن تكون في معرفة عقليته , هل هي قادرة على البحث العلمي أولاً , أنا أقبلك في دراسات عليا , هل أنت قادر على أن تكون طالباً في المرحلة العُليا قادر على البحث العلمي تملك آلية في البحث العلمي , هذا هو الأصل في قضية القبول بالجامعات في مراحل العُليا , ليست القضية قضية معلومات فيه فقط لأن الشهادات في الأصل في هذا الباب كافية للسائل .
الأستاذ معمر: جميل جداً ..يا شيخ صالح نستقبل بعض اتصالات المشاهدين
الأخ حسين تفضل.(5/12)
المتصل : نعمة العقل نعمة جميلة ولفظة رائعة وهو أسم حبيب ولا أعظم ولا أجمل من أن يقال فلان عاقل أو فلانة عاقلة وهو وصف يدعو إلى الإجلال ويحث على الإكبار ويزرع المهابة ويولد الاحترام , المرء بعقله أعظم من صاحب الملك بملكه وأجل من ذي السلطان بسلطانه وأعز من صاحب المال بماله فالعاقل يطاع على غير سلطان ويُكرم على غير مال فهو كالأسد يُهاب حتى وإن كان رابضاً لذلك لما سُئل ابن المبارك ما خير ما أعطي الرجل ؟ قال : غريزة العقل
فمن هو العاقل؟ وما هي أمارات العقل ؟ ومن هم العقلاء ؟ أضعها للشيخ,
أقول أيها الأحبة لقمان عليه السلام من وصياه قال لأبنه :[ يا بني أعقل أعقلََ عن الله عز وجل فإن أعقل الناس عن الله أحسنهم عملاً وإن الشيطان ليفر من العاقل وما يستطيع أن يكابده , يا بني ما عُبد الله بشيء أفضل من العقل ]
كذلك عن مطرف أنه قال ويروى :[ ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل] ولذلك أيها الأحبة يقول بعض العلماء ركب الله الملائكة بعقل بلا شهوة وركب البهائم من شهوة بلا عقل وركب بني آدم بكلتيهما , فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلب شهوته على عقله فهو أشر من البهائم . لا أريد أن أطيل عليكم لكن أختم لأقول العاقل لا يقدم اللذة العاجلة والمتعة الزائلة على حياة دائمة ,العاقل يعلم أن الحياة الدنيا دار مرور وعبور وأنها لهو ولعب العاقل لا يبالي بما فاته من حطام الدنيا وما رزق من الحظ بالعقل أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الأستاذ معمر : الأخ أبو معاذ تفضل.(5/13)
المتصل : حفظك الله يا شيخ كنت اقرأ في كتاب الوحيد المقدمة ولي تساءل الله يحفظك يقول ذكر مقدم الكتاب مقدمة عن العقل وقال: إن الإسلام ولله الحمد جاء بأعظم نعمة وهي احترام العقل حيث إن العقل كما هو معلوم سنة فبعدها لا يستطيع أن يتجاوزها واحترام الإسلام للعقل هو إيمانه بالغيبيات فلا يستطيع العقل أن يتصور هذه الغيبيات ونحن نسمع ونقرأ كثير من هؤلاء الغرب والكفار الذين يحاولون أن يلبسوا علينا ديننا وأن يخوضوا بالعقل حيث أنهم أصبحوا لا يستطيعون التعايش مع من حولهم من بيئتهم فنسمع وصف وفياتهم وحالات وفاتهم كلها بالانتحار لأنه وصل إلى حد معين لا يستطيع أن يتعايش مع البيئة التي من حوله فالإسلام جاء ولله الحمد باحترام العقل حيث أن الأمور الغيبية جميعها جاء الإسلام بالإيمان بها مجملاً وتفصيلاً, فودي يا شيخ الله يحفظك تساءل لكل الساحة المعلومة اللي عندي أو إنك تضيف عليها معلومة وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه.
الأستاذ معمر : الأخ صالح تفضل.
المتصل : أنا عندي سؤالين: أولاً ما حكم زواج الشيعي من مسلمة؟
أنا أبغي أسأل أم زوجتي شيعية طبعاً وأنا أقوم بخدمتها في أي شيء يعني هل يجوز أني أخدمها وإن ادخلها بيتي ؟
الأستاذ معمر : الأخ عبد الرحمن تفضل.
سؤالي يا فضيلة الشيخ نسمع كثيراً {خذ الحكمة من أفواه المجانين} إذا كانت هذه المقولة صحيحة أثبتنا لهم عقلاً وأثبتنا لهم كلاماً صحيحاً وإن كانت نافية أود أن تنبه على هذه المقولة ؟
سؤالي الثاني لو تتحدث عن العلاقة العقل في القرآن وكلام الله سبحانه وتعالى , فإن الله سبحانه وتعالى كثيراً ما يقول (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ .. لَّا يَعْقِلُونَ) ربط الأحكام بالعقل وربط التفكر والتدبر وما يأتي بمعاني العقل ؟(5/14)
الأستاذ معمر:بالنسبة لكلام الأخ حسين يعني تكلم بكلام جميل عن العقل وعن أهميته لكنه أشار يا شيخ أشار إلى عنصر هام إذا رأيتم أن تتحدثون عنه وهو أثر العقل بالجانب التعبدي (وصية لقمان) ؟
الشيخ صالح : العقل فطره يدل على الله لكنه ليس ملزم بذلك من غير وحي هذا خلافنا مع المعتزلة – من رزق عقلاً واستنار بهذا العقل في تأمل نصوص الوحيين دله عقله على الرب تبارك وتعالى ومن أعظم ما يمكن أن يفئ به العقل على صاحبه أن يعرّفه بالله لأن المنعم بهذا العقل هو الله جل جلاله وبديهياً أن العقل لن يدل على شيء أعظم من دلالته على من وهبه لصاحبه أو خلقه تبارك وتعالى وهذا باب طويلاً جداً لكن كما يقال أعقل على الله نصائح لقمان العقل على الله جل وعلا حفظ أوامره حفظ نواهيه إجلاله تبارك وتعالى هذا كله أعظم صفات أهل الفضل قال الله جل وعلا (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }العنكبوت43)أي العارفون بربهم تبارك وتعالى ـ وأنا أجيب إجابات مختصره حتى أستطيع أن أتمكن من إفادة الجميع.ـ
الأستاذ معمر: بالنسبة يا شيخ للأخ معاذ تكلم عن تصور العقل للغيبيات وأثرها في الانقياد والاستسلام ومثّل لبعض المجتمعات الغير مسلمة
الشيخ صالح : هذه نقطة أساسية جداً طبعاً الله جل وعلا يقول(الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2)) ثم جعل أول صفاتهم الذين يؤمنون بالغيب فبقي الإشكال في قضية الإيمان بالغيب
تحرير المسألة أن يقال التالي : الغيب لا يُعرف بالتجربة ولا بالخبرة ولا بالاجتهاد الغيب يُعرف بمسألة النصوص بالكتاب والسنة ولا طريق للغيب إلا في الكتاب والسنة هنا نصل إلى مسألة حساسة جداً ألا وهي أن غير الكتاب والسنة , فيه فِرق يعني لا تعتمد على نصوص الوحي فأتت بأمور تزعم أنها غيبية يجب الإيمان بها على هذا ينشأ , إن قلنا لهم أن هذا لا يصدق قالوا كيف صدقتم ما هو أبعد منها .(5/15)
الجواب عن هذا نحن صدقنا الأول للمصدر مو لذات الخبر,للمصدر وهو عن الله ورسوله, كيف ترتيب العقل لتركيب المسألة ؟
العقل والوحي دلانا على وجود الرب تبارك وتعالى أمنا أن هناك إله يخلق ويفعل ما يشاء جل جلاله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11) هذا الإله جل جلاله على لسان نبيه أخبرنا بأمور وفي كتابه أخبرنا بأمور وكل ما أخبرنا الله به أصبح تبع للإيمان به فإن رددنا على الله قوله أصبح المؤمن غير مؤمن به ولهذا لو تلاحظ أن القرآن كله أقام الكفر على كلمة واحدة الثانية مجرد لازمة له قال الله على لسان الصديقين الأخوين المباركين النبيين الصالحين موسى وهارون لفرعون ({إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى }طه48) الدين قائم على التصديق يعني أصله الأول إخبار الله ورسوله, إذا أمنا بما قال الله ورسوله وعملنا بما قال الله ورسوله هذا الدين .
أين يأتي الكفر ؟ إذا رددنا على الله ورسوله قولهما ,
نحن نصدق بالغيب ونؤمن بالغيب بالجنة والنار والملائكة لأن الله أخبر بهما ورسوله صلى الله عليه وسلم فأبو بكر رضي الله عنه قال له القرشيون إن صاحبك يزعم كذا وكذا وكذا لم ينظر إلى ذات الخبر إنما نظر على قائل الخبر قال إن قالها فقد صدق ولهذا في حديث الذئب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن ذئباً حصل منه كذا كذا أو أن بقرة ركبها صاحبها فقالت ما لهذا خلقنا فتعجب الرجل وقال سبحان الله بقرة تتكلم وذكر قصة الذئب ثم قال صلى الله عليه وسلم ( وأنا أؤمن بهذا وأبو بكر وعمر وليس ثَم), يعني غير موجودين,لأنه يعلم أن الصديق رضي الله عنه والفاروق عظيم إيمانهما لا ينظران إلى ذات الخبر وإنما ينظران إلى القائل وهو النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوجه الأول .(5/16)
الوجه الثاني يأتي أن أولئك الأقوام أتوا لنا بالغيبيات فتنافى مع العقل ولا يوجد لها مصدر من الكتاب والسنة فلما انتفى المصدر الصحيح وهو الكتاب والسنة احتكمنا إلى العقل والعقل يردها ووجب علينا أن نردها لأنها لا تعتمد أصل كقولهم مثلاً أن المهدي المزعوم هذا في جبال رضوا عنده عسل وماء هذا عقلياً لا يقبل فإن قالوا كيف تؤمنون بأن عيسى في السماء الرابعة قلنا لأن الله قال،
كيف تؤمنون بأن عيسى في السماء الثانية وسينزل , الله قال وإنه لعلم للساعة عن عيسى قال (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }النساء157)
ربنا يقول بل رفعه الله إليه ونحن نؤمن بأن عيسى رفعه الله إليه لأن المصدر هو الكتاب والسنة , لا إلى ذات الخبر , واضح لأن الخبر مجرد.
فقولهم عن المهدي مثلاً قول الكيسانية من الأشاعرة يقولون أنه برضوا وعنده عسل وماء كما عبر عنه كثير عزة هذا لا يقبله العقل , أن الخبر لا يُصدق , متى يصدق متى يصبح غيباً مقبولاً ؟ لو كان عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم لأن القاعدة تقول إن الغيب لا يعرف لا بالتجربة ولا بالحس ولا بالعقل ,إنما يُعرف بكلام الله أو بالصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأستاذ معمر :أخونا صالح يا شيخ سأل سؤالين لعل فيهما تداخل , يسأل يا شيخ عن زواج السني بالشيعية وعن التعايش مع أم زوجته؟(5/17)
الشيخ صالح: هذا فيه تفريق إذا الأمر لم يقع ابتداء فلا يقال بزواج رجل سني بامرأة شيعية أو العكس , أما إذا وقع فليذهب إلى أقرب محكمة في دياره لأنه تصبح القضية قضية عين , فإذا أصبحت قضية عين مناطها القضاء ليس الفتوى ,هذا الأول – أما فيقول أن أم زوجته شيعية هذا مفهومه أن زوجته سنية فلا إشكال مع الزوجة ,فنحن نقول : برها وقم بحقها وأدخلها بيتك وأكرمها باعتبارها أماً لزوجتك وهذا من المصاحبة الجائزة شرعاً بلا خلاف.
الأستاذ معمر:جميل جداً يا شيخ صالح أخذنا التعايش وعدم الإسراف كأمارتين من أمارات العقلاء بقي لدي سؤال الأخ عبد الرحمن ,
الشيخ صالح : ما بقي شيء من السؤال .
الأستاذ معمر:أسف نسيت عفواً ((خذ الحكمة من أفواه المجانين .)(5/18)
الشيخ صالح:هذه أصلاً رديفة لمقولة أخرى (رُب رمية من غير رام) والمقصود من خذ الحكمة من أفواه المجانين ليس إن المجانين ينطقون بالحكمة إنما لا تردد في قبول الحكمة ولو كانت من غير العاقل يعني باعتبار أقوى خذ الشيء إذا ثبت عندك أنه صحيح ولو من غير مصدره فالله جل وعلا ذكر شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في تفسيره في قضية بلقيس قال (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) ..) فالهدهد أنكر عليهم عقليتهم وقال (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)) فهم ظُلام ومع ذلك قال الله تبارك وتعالى عنها بعد ذلك يعني قبل منها قوله عندما قالت (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ...) هذا قولها حكاه الله ثم بين الله بقوله (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) ) فصدق الله قولها رغم إنها امرأة تعبد الشمس فكونها امرأة تعبد الشمس لم يمنع من قبول الحق منها وهذا أظنه معنى قول ( خذ الحكمة من أفواه المجانين).
من اللطائف يقولون أن مجنون كان في بغداد عنده مجانين فيه رجل ثري يريد أن يتصدق عليهم , فقال: لأحد المجانين أذهب وأجمع لي مجانين بغداد أريد أن أغذيكم فقال: يا أبو فلان مجانين بغداد كثير لكن أجمع لك العقلاء طبعاً هو يقصد الخمس الستة الذين حوله فقال : كلاٍ يرى الناس بحال طبعه.
الأستاذ معمر:طيب يا شيخ أشار يقول أن القرآن كثيراً ما يعلم بـ(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ _ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ).(5/19)
الشيخ صالح:نعم كلما كمل الإنسان عقله كان أقرب إلى الكمال , فالتفكير يقول بعض العلماء عبادة لا تدخلها النيابة , وهو من أعظم ما يمن الله به على عباده (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)) إلى أخر الآيات التي لها نظائر كثيرة في المصحف الشريف تدل على فضل التفكر في آيات وصفاته .
الأستاذ معمر:نعود إلى الأمارات الأمارة الثالثة ؟
الشيخ صالح : من الأمارات قضية الأسباب إن العاقل يأتي البيوت من أبوابها ويأخذ الأسباب بطرائقها آلياتها ..
فاصل
الأستاذ معمر:نعود إلى الأمارات الأمارة الثالثة ؟
الشيخ صالح : من الأمارات قضية الأسباب إن العاقل يأتي البيوت من أبوابها ويأخذ الأسباب بطرائقها آلياتها ..(5/20)
هذه من أعظم دلائل دل عليها القرآن (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) نعم وأتوا البيوت من أبوابها قال الله عن ذي القرنين : (وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) بتفصيل هذا أن يقال: أن العاقل يعلم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وإن ما من شيء إلا ودلت عليه سنة الله الخلقية على الطرائق الموصلة إليه مثلاً رجل يطلب الولد يطلب الذرية , لا ذرية من غير زواج تأتيني وتقول إن الله على كل شيء قدير , نعلم أن الله على كل شيء قدير ’ لكن هذا جلت قدرته الذي قال عن ذاته العلية أنه على كل شيء قدير ونحن نعلم ذلك يقيناً بل هذا من لوازم إيمانا ,جعل الطريق إلى الذرية عن طريق الزواج قال (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ) وردت في قضية إتيان النساء , فالعاقل يعرف لكل شيء طريقه , في كل مسألة فمثلاً التجارة والوصول للمال يأتي بالاقتصاد, بالبيع والشراء, بمعرفة أوضاع السوق , له طرائق توصل إليه والتوفيق من عند الله , رجل شاب يأتي من قرية – من هجرة – فيسكن المدينة , لماذا سكنت المدينة يا بني يا أخي؟ قال أريد أطلب شهادة بكالوريوس أو ماجستير سكنت هذه القرية , الله جل وعلا – تراه شيء أمر معروف عرفاً إن فيه طرائق للحصول على هذه الشهادة , فهناك تأتي ,أين العاقل وغير العاقل ؟
لماذا نقول أمارات عقلاء؟
العاقل يعرف أن الغاية التي جاء من أجلها من غير العلم تحتاج أي لبذل جهد , يواصل الليل بالنهار يفرغ وقته يعرف هو لماذا أتى,(5/21)
غير العاقل ماذا يصنع؟ يجعل من بيته مركاز , يدخل قوم ويخرج آخرون تدخل شلة وتخرج شلة, يقول سبحان الله ما نجحوني يعتقد أنه - بمجرد بكالوريوس أربع سنوات –بمجرد مرور أربع سنوات كفيل بالشهادة , أربع سنوات هذه مضمار فقط , ليست دليل على وقت الفروغ لذلك إذا أضاع عمره وأجل ترم وأخر ترم وفشل وتأخر قرابته في القرية يقولون فلان كمل أربع سنوات ما تخرج , فيلتمس أعذار , هذا دلالة على عدم العقل , المقصود أن العاقل يعرف أن لكل شيء سببا , سبب طريق لكن هي القضية الأساسية أن الناس عدم أخذهم بالأسباب له أسباب عديدة لكن من مظاهره ,إنه دلالة على عدم القدرة العقلية ولذلك إن الله على كل شيء قدير لكن يقولون –تعرف دقائق الألفاظ يقولها السلف رحمهم الله لما يتكلمون عن هذه الأمور-إذا رأى كذا ورأى كذا فيصيب ثم يقيد نفسه يقول إن كان له أهلاً وهو يقول مال فيقول إن له أهلاً لأنه أحياناً تأتي الرؤيا واحدة ويختلف بها الرجلان , لماذا ؟ لأن فيه شخص ما هو أهلي واضح الأهلية, غير موجودة الأهلية في أي شخص , هذا من باب (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) , ({إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً }الكهف84) ماذا فعل العبد الصالح ؟ أخذ بالأسباب قال الله جل وعلا({فَأَتْبَعَ سَبَباً }الكهف85) .
الأستاذ معمر: إذا كان العاقل هو الذي يأخذ بالأسباب فأتساءل وقد يتساءل الجمهور كيف لي أن أخذ بالأسباب حتى أصل إلى العقل أو أكون عاقلاً أو الكمال العقلي لكن أأذن لي أن أؤخر هذا السؤال إلى أن تنتهي من الأمارات.
الشيخ صالح:الأمارة الرابعة أو الخامسة ::إن من أمارات العقل عدم الركون إلى العدو والاطمئنان إليه , لا يوجد عاقل يطمئن إلى عدوه .
الأستاذ معمر : المصطلح واسع عدو قد يكون على سبيل الفردي أو الجماعي لو خصصنا.
الشيخ صالح :هنا كلمة عدو المصطلح واسع هنا كما ذكرتم , نحاول أن نقسمها :(5/22)
عدو عام- عدو فردي
عدو نقول أمم أو دولي عام يعني أو عقدي
واضح العدو الأكبر الشيطان قال الله جل وعلا: ({إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً }فاطر6) فلا يوجد عاقل يركن إلى وساوس الشيطان وتسويفه وتزيينه لنا , فإن إبليس قاسم _أقسم _ لأبوينا ومع ذلك قال الله (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ) أوقعهما فيما يريد في شراكه , فكيف ونحن لم يقسم لنا يعني مع قسمه وتغليظه وأيمانه وحلفه لآدم وحواء كذب عليهما وغرهما , ونحن أبناء بني آدم لم يقسم لنا ومع ذلك غوايته لنا ستكون أشد وأبلغ , فعلى هذا – هذا العدو الأول-
وهذا رده بالطرائق الشرعية ـ يعني وليس المقام مقامه ـ لكن تلميح من بعيد
العدو الفردي ..
الأستاذ معمر: يا شيخ قبل أن ننتقل إلى العدو الفردي لو إنسان أنساق وراء شهواته لوسوسة الشيطان ؟
الشيخ صالح: تخالف كمال العقل.
الأستاذ معمر: يعني نقول في هذه الحالة بعيد عن الصفة , ترتفع عنه.
الشيخ صالح: بعيد عن العقل , بعيد عن أماراته ترتفع عنه , لأنه لا يوجد عاقل يصدق عدوه , ولا عدو أعظم من الشيطان.
الحالة الثانية ..حالة فردية . قبل أن أنتقل إلى الحالة الفردية – أنا أريد أن أبين بعض الكلمات عندما تقال أرجوا أن لا تفهم خطأ , لكن يوجد في الناس شيء من العدوان , لا تصل إلى العدوان البغيضة والاقتتال لكن يوجد إنسان يحسدك يبغضك , تعرف هذا من لحن قوله ومن أماراته , ما ينبغي لعاقل أن يركن إلى عدوه , يقولون أن عامر رضي الله تعالى عنه وأرضاه قيل له ما بلغ من عقلك قال: لا أثق بأحد , لماذا؟ لأن صاحبك محسود,(5/23)
لكن عموماً العاقل (ما يسلم) ـ بتعبير عامي بعد أذن المشاهدين ـ ما يسلم رقبته لأحد، إلى من لا يرحمه , يقولون أن عبد الملك بن مروان كان له منافس من بيت الأموي أسمه عمرو بن السعيد الأشدق معروف إن عبد الملك جاء بعد أبيه مروان , صار فيه فجوة تاريخية سياسية مروان قتلته زوجته انتقلت به الخلافة من فرع السفياني إلى الفرع المرواني , هذا مروان عندما قتل , لما حصلت الفجوة صار أكثر من شخصية مؤهلة للحكم من بني أمية , الذي حصل أن عمرو بن سعيد أظنه عمرو بن سعيد الأشدق كان نداً لعبد الملك فكلاهما خصم, هذا نستطيع أن نقول أنه عدو ,لأننا جبنا عبارة خصم يمكن أرق , كلاهما خصم للآخر , ما فيه -يعني –عاقل يطمئن لخصمه , صحيح طريق المعالجة تختلف ما بين مخافة الله , وعالم السياسة مغري , لكن الذي يعنينا ما حصل , أنا هنا أتكلم عن حادثة للاعتبار , اجتمعا في مكان على أنهما يصطلحان فانتهز عبد الملك فرصة أنه عمرو بن سعيد فقتله , قبل أن يقتله ويجري على رقبته طلب منه عمرو بن سعيد أن يبقيه وقال له استبقني أنفعك , فقال عبد الملك لو علمت أنني لو تركتك تنفعني لفديتك بماء عيني لكني قد علمت –وهذا موضع الشاهد- إنه ما اجتمع فحلان في ذود إلا وقتل أحدهما الآخر , ما يمكن أن يجتمعا , ما يمكن لعاقل أن يسلم نفسه لعدوه , طبعاً نحن لا نقر قضية القتل وهذا لكن نتكلم على أن العاقل لا يسلم نفسه لعدو , تحصل نتكلم بوضوح في الأسر فيكون فيه إنسان لا سمح الله متسلط على إخوانه الضعفاء , يأتي إنسان آخر من نفس الأخوة قادر على أن يحمي الصغار من تسلط هذا الأخ الجشع الذي يريد المال أو يقسم تركة أبيه بطريقة معينة من حق الأخ أن لا يسلم كل الأوراق ولا يركن ولا يأمن هذا الأخ الجشع , هذا الذي أردته هنا العاقل ما يقبل بكل وعود وكل أمور ويصدق أماني كاذبة { ولا يغرنك منها ثغر مبتسم} هذا من دلالة كمال العقل , هذا لا يعارض كون الإنسان تقي أو نقي لا(5/24)
يعارضه أبداً, لأن العاقل كما قلت إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق قتل أحد القرشيين وقال لا تمسح عارضيك في مكة وتقول خدعت محمد مرتين ( لا يلدغ مؤمن من حجر مرتين) هذا المقصود بالفردي.
الظاهر بقي قضية السياسي والعام ,السياسي والعام هو واحد إذا أذنت لنا أن نجعل السياسي والعام شيء واحد
نأتي من الأخير يعني نعرف مثلاً تركية كدولة ذات صبغة إسلامية في عمومها يعني الشعب التركي مسلم في مجمله ,لها محاولات الآن الدخول إلى الإتحاد الأوروبي هنا , العاقل يعرف أن العدو عدو , لا يمكن أبداً أن يقبل هؤلاء الكفار بدخول أناس مسلمين معهم محال , وصرحوا بهذا فمثلاً دستان فرنسي كان رئيس فرنسي أسبق , يقول إن أوروبا نادي مسيحي لا مكان لتركية فيه , أين الآن مكمن العقدة هنا أن فرنسا هي حاملة لواء الحرية في العالم , ومع ذلك أين جاء الاستنكار جاء من فرنسا الذي كان من المفترض إذا مشينا بالخطوات السياسية المعلنة أن يكون هي التي تتبنى دخول تركيا , لكن العدو عدو ولذلك حتى في عام 1926م كان هناك ضرب شديد من فرنسا لسوريا فشوقي رحمة الله تعالى عليه واسى الأخوة السوريين قال :
سلام من صبا بردى أرق *** ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي *** جلال الرزق عن وصف يدق
إلى أن قال عن نساء سوريا الذين أذاهن الفرنسيون
إذا رمت السلامة من طريق *** أتت من دونه للموت طرق
يفصلها إلى الدنيا بريد *** ويجملها إلى الأفاق برق
إلى أن جاء يعاتب الفرنسيين ويقول كيف تزعمون أنكم دعاة الحرية في العالم والإخاء والمساواة وتصنعون بالنساء المسلمات ما تصنعون فقال في أبيات ضمنها بقوله
وحررت الشعوب على قناها *** فكيف على قناها تسترق(5/25)
يعني فرنسا تزعم أن الشعوب تعرف الحرية من خلالها فكيف بنفس المنعطف بنفس المنظار بنفس المعيار تستعبدون الشعوب المسلمة , الذي فات شوقي ولم يفت الفرنسيون هذه القضية , قضية العدو لا يمكن أن ينقلب صديقاً , في أي حال العدو عقدي ولهذا صلى الله عليه وسلم قال في الحيايا ( ما سالمناهن مذ حاربناهن) ,
وأنا أعطي فائدة هنا للأخوة الحضور ليس شرطاً أن نلتزم بما نحن فيه ’ الحيايا يقولون أن الحية وهذا منقول من الإسرائيليات المقبولة , هي التي عن طريقها دخل إبليس الجنة ليغوي أبانا آدم دخل إبليس في خيشومها , فعاقب الله آدم وحواء والحية وإبليس قال : (اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً) هبطت الحيايا في أرض سجستان وبعض المؤرخين يقول هذه الأرض الآن من أكثر بلاد الله حيايا ,كما ترى نستطرد قليلاً , آدم عليه السلام أهبط في الهند نلاحظ أن العود الآن من أين يأتي ؟ من الهند , ما هو موجود في تلك الأشجار غالب الظن والعلم عند الله ولا أجزم هي بقايا من الريحة الطيبة التي نزل بها آدم تلك البقعة مأخوذ منها كما أن الحيايا – هنا موضوع الشاهد- أن صلى الله عليه وسلم قال ما سلمناهن مذ حاربناهن الحديث صحيح , أنا لا أريد أن أتكلم هنا فقهياً حتى لا يأتي أحد ويقول !! لأنه لا يبنى على هذا حكم , الكلمات التي لا يبنى عليها حكم سهل الكلام فيها, يعني فيه متسع للتحدث-موضوع الشاهد- أن العاقل لا يركن إلى عدوه هذا الباب في حياة الإنسان العامة , هناك أناس طيبون جداً ,والطيب أمر محمود لكن لا يصل الإنسان إلى أنه مستغفل تصبح سبب ضرر, فالعاقل يحتاط لنفسه يغلق الباب دونه ما أستطاع إلي ذلك سبيلا.
الأستاذ معمر: في القصة التي ذكرتموها يا شيخ وهو الخليفة أنتهز الفرصة وقتل عدوه , هل يمكن أن نقول انتهاز الفرص أمارة من أمارات العقل ؟(5/26)
الشيخ صالح : نعم انتهاز الفرص من أمارات العقل , يستدل على هذا بقول الله جل وعلا على لسان الصديق يوسف: ({قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }يوسف55) فانتهاز الفرص دلالة من دلالات العقل لكن العقلاء يأتون للفرص بطريقة عقلية مثلاً يوسف عليه الصلاة والسلام ما طلب شيئاً كثيراً , تصرف بعقل يعني حظوته عند الملك ما قال مثلاً أجعلني ولي عهدك. لأنه يعرف أنه لن تقبل من سجين إلى ولي عهد ما حا يقبل – تدرج- فيه أشياء مطالب ما تليق بالعقلاء فانتهاز الفرص أمر محمود
إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن خافقت سكون
وإن درت نياقك فاحتلبها *** فلا تدري الفصيل متى يكون
لكن يكون بالعقل , مثلاً رجاء بن حيوه رحمه الله تعالى كان وزيراً لسليمان بن عبد الملك لما أدركت الوفاة سليمان , سليمان كان أمير المؤمنين وهو شاب , يقولون أعتمر ذهب إلى الطائف وبعدها بقليل دخل فاستحم فنظر في المرآة فأعجبته نفسه فقال: كان أبو بكر صديقاً وعمر فاروقاً وعثمان حيي سكت عن علي ومعاوية حليماً وعبد الملك الشاب سائساً والوليد شجاعاً وأنا الملك الشاب , بقدر الله التفت ورأى أحد جواريه قال لها : ما ترين ـ قدر الله أن يجري على لسانها أن تقول أنت نعم المتاع لولا أنك فاني ـ , فبعدها بثلاثة ليال مات – أين موضع الشاهد؟ موضع الشاهد- أن رجاء بن حيوه وهو وزيره الخاص أخذ يتشاوران في ولاية العهد كان رجاء بيت أن تكون الخلافة لعمر بن عبد العزيز , عمر بن عبد العزيز بن مروان , وهذا سليمان بن عبد الملك بن مروان يعني أبناء عمومة وهناك أخوة لسليمان وأبناء بالطبع الأخوة والأبناء أحق أولى من أبن العم , هنا العاقل لما أراد أن يمرر هذه الطريقة من طريقين
الطريق الأول: طريقة العرض قال له أبني فلان قال يا أمير المؤمنين هو في الجهاد ولا تدري أيئوب أو لا يئوب ،(5/27)
قال: أبني فلان أيوب الظاهر ذكر قال: هذا صغير , الآن تخلص من الأبناء بقينا في الأخوة عرض عليه عمر بن عبد العزيز قال إن بني عبد الملك لا يقبلون يعني أخوتي لا يقبلون قال اجعلهم بعده فنص الخطاب على عمر بن عبد العزيز ثم تفيء مرة أخرى إلى أبناء عبد الملك تفيء إلى يزيد ثم إلى هشام –موضوع الشاهد- أين العقل هنا ؟هذا رجاء ما جاء وقال أنا أجيب مفتي البلد مثلاً آنذاك عطاء بن رباح , الصالحين أحطهم يا أمير المؤمنين , هذا غير معقول مطلب غير مطلوب , صح انتهاز الفرص لكنه مطلب غير مقبول لن يقبل الناس لكنه جعلها في نفس البيت الأموي لكنه اختار الصالحين من البيت الأموي انتهاز الفرص من العقلاء أمر محمود لكن هذه قد مرت معنا بعض الشيء قليلاً يعني لا يكون هناك مبالغات في المطالب لهذا أنت إذا أردت أن تعرف رجلاً في كمال عقله - جنون عقله- يبان في مطالبه بعض المطالب غير مقبولة جداً في هذا الأمر.
الأستاذ معمر : طيب يا شيخ نرجع للأمارات باقي فيها شيء , الأمارات العليا .
الشيخ صالح: ذكرنا فيها ما هو محمود وكافي .
الأستاذ معمر :بين يدي نقطة لو تطرقتم لها باختصار وهي الحفاظ على المكتسبات كأمارة أساسية .
الشيخ صالح : الحفاظ على المكتسبات من أعظم أمارات العقل فسبحان الذي صرفنا عنها لكن ما المكتسبات؟ تختلف فيه مكتسبات فردية فيه مكتسبات اجتماعية فيه مكتسبات أممية يعني أقصد دولية,(5/28)
النبي صلى الله عليه وسلم في أول دعوته آمن رهط قليل معه عددهم أربعون فلما ذهب إلى الطائف وآب صلوات الله وسلامه عليه منعه أهل مكة أن يدخلها حفاظ على هؤلاء الأربعين وهو ما عبرنا عنه بالحفاظ على المكتسبات لم يدخل صلى الله عليه وسلم في حلف واحد من هؤلاء حتى لا يتعرضوا لأذى ودخل في جوار المطعم بن عدي ليؤصل لأمته أن العقلاء يحافظون على المكتسبات , لا يوجد عاقل من أجل ربح يسير يذهب رأس المال , يقول ابن تيمية رحمه الله ليس العاقل من يبني قصراً ليهدم مصراً , تهدم مدينة كاملة من أجل أن تبني قصراً واحداً , أو تقتل إنسان لتحيي عضواً, الحفاظ على المكتسبات هذا على صيغة الفرد , قد تكون الأمثلة واضحة يعني في حياة الإنسان اليومية مثلاً لا يطلب شيئاً ليذهب شيئاً قد حصل عليه , في حياة الأمم ما تعيشه الآن بلادنا هذه حرسها الله وحفظها فيها من الأمن ونشر العبادة ودور العلم والدور التاريخي في الأمة ما لا ينكره إلا جاحد أو جاهل يجب علينا أجمعين أن نحرص أعظم ما نحرص على هذه المكتسبات وإن لا نصنع صنيع يكون من خلاله أو من عواقبه أو ما ينجم عنه أن نذهب هذه المكتسبات بحجج البداية من جديد أو ما إلى ذلك ,فيه مظنة مفسدة وفيه مظنة مصلحة قائمة,فلا نهدم مصلحة قائمة بناء على مصلحة متوهمة ,هذا تكلم فيه أهل الأصول والفقهاء أن المصلحة المتوهمة لا يمكن من أجل الاستجلاء بها نفرط في مصلحة قائمة , فما نحن فيه من خير وفضل لا نقول إنه كامل لكن ليس من المعقول أن نهدمه من أجل خيالاتنا أو الحرص على القيام بمكتسبات متوهمة .
الأستاذ معمر: ولعله يا شيخ عندما خالفنا هذا الأصل وهذه الأمارة جنينا بعض الثمار المضرة مما حصل في الأيام الماضية اسأل الله عز وجل أن يجنينا منهم.
نأخذ بعض الاتصالات....عبد المجيد.(5/29)
المتصل : مداخلة: لا شك أن الله سبحانه وتعالى قد حبي الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته بنعمة العقل فقال تعالى: (أَفَلَا يَعْقِلُونَ }يس68) فيجب علينا استخدامه بالتفكر والتدبر في مخلوقاته واستخدامه فيما يرضي الله سبحانه وذلك بفعل الطاعات وترك المنكرات وقد أثنى الله سبحانه في محكم آياته على أصحاب العقول السليمة فقال عز من قائل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) والحمد لله رب العالمين.
ماجد :ما مصدر الفهم والإدراك هل هو العقل أم هو القلب وما المقصود من قوله تعالى : (فتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)
عبد المحسن : عندي سؤالين لو سمحت يا شيخ
1/ كيف نحمي عقولنا 2/ ومتى أكون عاقلاً.
الأستاذ معمر: يا شيخ صالح مداخلة الأخ ماجد أنا ما سمعتها يعني واضحة كان يسأل عن الآيات.
الشيخ صالح: نعم عن قضية الآيات نعم واضح سؤاله
أولاً الأستاذ ماجد كان يسأل عن قضية الإشكال الحاصل في قضية الإدراك هل هو بالقلب أو بالعقل اللي هي قضايا الآيات أن الله قال : (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا) وقال ( لا يعقلون بها) والذي يعني يتحرر عندنا في هذه المسألة وإن كان فيها أقوال متعددة لكن الذي يبدوا والله أعلم أن الفهم مناطه العقل , الفهم و الإدراك مناطه العقل ومكانه الدماغ والأشياء المعنوية الإيمانية تترجم بعد ذلك إلى القلب فمناطها القلب , وإن كنت يعني لا أجزم لهذا الأمر نبين أنا كنت متوقف إلى حد بعيد في هذه القضية [ وجهات نظر] لكن يعني قديماً لاضطراب الأقوال فيها , لكن هذا الذي يبدوا إلى الساعة هذه من العلم الشرعي حول هذه المسألة أو دلالات القرآن لأن دلالات القرآن أحياناً قد تكون يحسن التوقف في بعضها , مازلنا في مسائل إلى الآن لم ننهيها .(5/30)
الأستاذ معمر: أخونا عبد المحسن أشار إلى سؤال مهم جداً لعلي أنطلق منه إلى السؤال الذي وجهته لكم بعد معرفة الأمارات يا شيخ أطمح ويطمح المشاهد وكل من يسمع هذا الكلام الجميل منكم إلى كيف السبيل إلى أن أكون عاقلاً؟
كيف الطريق ؟ ما هي الوسائل التي ممكن أن أحقق من خلالها أن أوسم بهذه الصفة الجميلة؟
الشيخ صالح : نعم
لعلك تذكر من أنه قلنا في أول حديثنا أن العقل غريزي ومكتسب,
فمدام قلنا مكتسب , المكتسب من أعظم ما ينميه أمور , لكن من أعظمها أولاً التجارب , التجارب نافعة وإن كان ليس الكل ينتفع بتجاربه ,(5/31)
لكن لماذا يقال مثلاً حكمة الشيوخ , حكمة الكهول , كبار السن, لأن التجارب التي مرت عليهم أكثر من التجارب التي مرت على غيرهم , ولهذا الأنبياء لا يبعثون وهم صغار , والنبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وأكملهم بعث على رأس الأربعين , حتى يكون قد مرت عليه تجارب وأمور, رعى الغنم , سافر في تجارة, خالط قومه , حتى يكون , تحنث لله تعالى في غار حراء , بعد هذا كله أعطاه الله جل وعلا مفاتيح الرسالة العظمى فختم به النبوات وأتم به الرسالات , فالتجارب أمرها مهم , لكن يبقى المسألة الأخرى وهي الأهم , وهي قضية الاستفادة من التجارب ونأتي بمثال بين حتى تتضح الصورة للأخوة , أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه مر معنا في دروس العدة , بعض الأخوة قد يكون مرتبط معنا في دروس علمية ’ إنه رضي الله عنه وأرضاه وجد رجل من المشركين يرفع السيف كثيراً على المسلمين فلما هم أسامة بأن ينتقم منه ويقتله قال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أو قال لا إله إلا الله , غلب على ظن أسامة أن الرجل قالها خوفاً من السيف فقتله ’ لأنه أعتبر أن الكلمة لا تؤدي إيماناً حقيقياً , ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما صنع, فقال عليه الصلاة والسلام معاتباً أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله , قال نعم يا رسول الله إنما فعلها فرقاً من السيف , فقال صلوات الله وسلامه عليه فكيف بلا إله إلا الله إذا جاءتك يوم القيامة , هذا يعني فلنقل هو صحيح خطأ فيه أسامة –أين الاستفادة من التجارب- مرت الأيام , وقعت الفتنة ما بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه لما وقعت الفتنة أسامة أصلاً يعد من أهل البيت لأنه حب النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبه , وهو أثير عند علي , فجاء علي يستنجد بأسامة فتعجب علي من كون أسامة رضي الله عنه أحجم عن المشاركة فقال له : كلمة يعاتبه فيها , يعني ما هو مكان تتخلف عني لم يكن هذا الظن بك , فقال أسامة رضي الله(5/32)
عنه وأرضاه الآن استفاد من التجربة الأخيرة, قال يا أبا الحسن والله لو أخذت بمشفر الأسد لأخذت بمشفره الثاني , حتى ننجو أو نهلك جميعاً, أما هذا الأمر الذي أنت فيه فلا, لماذا؟ خوفاً أن يعيد نفس الخطأ فيرفع السيف على من قال لا إله إلا الله .
الأستاذ معمر: يعني استفاد من تجربته .
الشيخ صالح: استفاد من تجربته هذا هو المهم , المكابرة سيأتي في الآفات هي المعضلة الكبرى لأن الناس أحياناً لا يريدون أن يطأطئون أنفسهم للحق, ولهذا قال عمر رضي الله عنه في كتابه لأبي موسى الأشعري (( وأعلم أن الحق قديم والرجوع إلى الحق أحق –أولى- من التمادي في الباطل )) وهذه لا يصنعها إلا العقلاء فالمقصود من القضية الأولى أن التجارب نافعة جداً والإنسان يتعلم من أخطائه ’
الأمر الثاني : يعني إذا أذنت في قضايا ما ينمى به العقل , العلم في مفهومه الواسع , ومعنى العلم في مفهومه الواسع ليس محصوراً في شيء والعاقل لا يجعل بينه وبين المعرفة حجاب , ورقة تقويم تقرأها فيها معلومة فيها فائدة تنفعك في حياتك , كلمة تسمعها في مذياع فتحته على عجل , مشهد تراه في التلفاز , وصية يقولها والد لولده وأنت تسمع , لا تجعل بينك وبين المعرفة حجاب إنما أستفد من تلك المعارف وظفها توظيفاً حسن , توظيف المعارف من كمال العقل , وقد أخطأنا أن جعلناه من الأمارات , لكن فلنقل إن توظيف المعارف من أعظم دلالات العقل , الكل منا تأتيه معارف, من قضية العلم من مفهومه الواسع , العلم بأخطاء الآخرين
العلم بأخطاء الآخرين إذا وجد عقلاً نافعاً يوظفها أن لا يقع في نفس الخطأ ’ ليس من المعقول أن يأتي إنسان إلى باب زمرة مفاتيح فيجربها أمامك مفتاحاً بعد الآخر ولا تفتح ثم تأتي أنت بنفس المفاتيح تريدها أن تفتح .
الأستاذ معمر: يجربها مرة أخرى(5/33)
الشيخ صالح : هذا محال , محال خلاص الآن مع مفاتيح أخرى , ابدأ من حيث انتهى الآخرون , لابد أن يستفيد الإنسان من تجاربه ولا بد أن يكون العلم بمفهومه الواسع قضية أساسية في قضية تنمية العقل قلنا العلم بمفهومه الواسع قلنا التجارب هناك عقلاء عبر التاريخ قراءة سيرهم وتجاربهم وأحوالهم وكيفية وصنيعهم في كثير من الأزمان التي مرت بهم لأن الأحداث هي الأحداث وإنما الأشخاص يتغيرون هذا ينمي العقل يزيده تبصرة
وهذا قد يكون فيه نوع من التداخل في قضية المعارف لكن الذي يعنينا , أن قضية الإطلاع على تجارب الآخرين سيرهم , فيه كتب كثيرة في هذا [ نزهة الفضلاء ورياض العقلاء] وغيرها , كتب التراجم سير أعلام النبلاء وغيرها من الكتب فيها كثير من دلالة تصرف أهل العقل الذين وفقهم الله جل وعلا إلى كمال العقل , فيه نقطة يعني حتى لا ندخل في قول الله جل وعلا إننا متكلفون ’ الله قال مدحاً لنبيه ربما فاتنا أن نحررها فلعلها جاءت متأخرة لكن سبحان الله جل من لا ينسى ولا يسهو وهي قضية تحرير الفرق بين العقل والذكاء , هذا أرى أنه لزام أن نتكلم فيها بعد أذنك .
الأستاذ معمر: جميل تفضل
الشيخ صالح : الذكاء يختلف تماماً عن العقل ’ بالتمثيل فرجل مثلاً عنده على صياغة خطط لسرقة محل , دخل مجوهرات صيدلية متجر من خلال ذكاءه فطنته عرف كيف يدخل , أي وقت يسرق , كيف لا يترك أثر بعده, كيف يحاول أن يصل إلى ما يسمى بالجريمة الكاملة, وسرق فأفلح ,هذا لا نستطيع أن نقول أنه غبي , لو كان غبياً ما أستطاع , أما أنه ذكي فلا خلاف, لا يمكن أن يقال أنه عاقل ,
الأستاذ معمر:: لماذا يا شيخ؟.(5/34)
الشيخ صالح: لماذا ؟ لأنه جر على نفسه التهمة وقادها على الهلاك , الهلاك بمعصية الله أولاً ثم تسببه بحد شرعي لو قبض عليه ثم بذمه لو عرف ثم بأكله الحرام أمور متتابعة , فهو ذكي من وجه لكنه غير عاقل, فالعاقل ضابطه الحقيقي أمارته الكبرى ما ذلك على النجاة وأعظمها النجاة من النار وأن يقرب إلى الجنة.
الأستاذ معمر:: إذاً لا تلازم بين الذكاء والعقل؟
الشيخ صالح: لا تلازم.
الأستاذ معمر: جميل جداً بعد هذه الوسائل يا شيخ صالح هناك بعض الآفات قد تعتري العاقل أو غير العاقل يعني قد تكون سبباً من منعه للوصول إلى الكمال العقلي, لو تطرقنا إليها في عجل يا شيخ من أجل الوقت.(5/35)
الشيخ صالح: كل شيء عالي يا أُخي ثمة أمور تحول بينك وبينه هذا أمر لا انفكاك منه, من أعظم ما يحول بين الإنسان وبين بلوغه الكمال العقلي ’ الكبر وهذا عرجنا عليه قليلاً , هل لا تعتقد أن فرعون لم يكن حصيفاً داهية, وهو مؤسس ملكه , فرعون يقال أنه حكم أكثر من أربعين سنة , كون إنسان يصل إلى درجة يقنع الناس أنه إله لا يدل على أنه إنسان ساذج , ليس إنساناً ساذجاً من أستطاع أن يقنع الناس , أمة من الأمم أربعين سنة أنه إله , وكان فرعون لا يخفى عليه أن ما جاء به موسى الحق لكن منعه ما وقر في قلبه من الكبر,قال الله جل وعلا عنه وعن أتباعه (وَجَحَدُوا بِهَا)أي بالآيات التي جاء بها موسى(وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ) ثم علل جل وعلا قال (ظُلْماً وَعُلُوّاً) فالكبر من أعظم الموانع من العقل ’ بل من أعظم الموانع عن كل فضيلة, الكبر أين مكمن؟ هذه فائدة من أعظم الفوائد , أين مكمن الخطأ فيه؟ مكمن الضرر فيه الله جل جلاله له صفات لا يجب أن ينازعه فيها أحد , فبقدر بُعد الإنسان عن هذه الصفات يكون قربه من الله , وبقدر محاولته الوصول إلى هذه الصفات يبتعد عن الله ,والمثال الواضح أن الله جل وعلا له الكبرياء , فعندما يأتي المؤمن ويسجد السجود منتهى الذلة لله يكون قريباً من الله ({كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }العلق19) فلما جاء فرعون ومن على شاكلته نازعوا الله في هذا الأمر كانوا بعيدين جداً عن الله لأنهم حالوا أن يقتربوا من الصفة , ينازع الله جل وعلا فيها , وأعيد هذه فائدة , بصرف النظر عن قائلها لكن الاستفادة منها أمر مطلوب جداً فالقرب من الله يكون بهذه الطريقة,
تحرير المسألة الأول الكبر , ثاني أمر الشهوة وأنا أعطي فائدة الآن , الشهوات كلها تحول بين الإنسان وبين صفاء قلبه , إلا شهوة واحدة , ساترك دقيقة صمتاً حتى يحاول من يشاهدني أن يجيب عليها في نفسه.(5/36)
الأستاذ معمر: من شأنها ماذا؟ لكي نقرر.من شأن هذه الشهوة ماذا؟
الشيخ صالح: هذه تدعوا إلى صفاء النفس رغم إنها شهوة لكنها تدعوا إلى صفاء النفس , لا تحول بينك وبين الكمال العقلي , وهي قضية مقاربة الأهل , ولهذا أكثر الأنبياء قربهم من أهلهم(( الجماع يعني)) لأن هذا يدفع إلى صفاء النفس وأنا استثنيتها , لكن حبيت أن أفيد الناس بها, أما غيرها , فكل شهوة أصلاً تحول بين الإنسان وبين الكمال , لكن الذي يعنينا أن الكمال العقلي إذا أفرط الإنسان في الشهوات خاصة إذا كانت شهواته أزدلف إليها بطريق محرم فهي بلا شك دليل على نقص عقله,هنا نخرج من الشهوات قليلاً , نأتي بما يسمى الهوى , ولهذا قالوا مجنون ليلى , لماذا مجنون ليلى؟ لأنه فقد عقله , لماذا فقد عقله؟ للهوى الذي غلب عليه, لماذا غلب عليه؟ لأنه أحب ليلى , لكن أنا أريد أجد عذراً لمجنون ليلى وأمثاله من السابقين مو من المعاصرين , إذا أذنت لي ترى من الأخطاء التاريخية المعرفية الموجودة أن الناس خاصة الوعاظ والخطباء إذا ذكروا قيساً هذا واضرابه من القدماء يعني أؤكد من القدماء أكثروا عليهم من اللوم والحق أن هذه الفئة الذي جعلها هكذا إيمانهم , كيف إيمانهم؟ أنهم رأوا ما جعلهم يعشقون رأوا نساء قومهم , في نفس الوقت منعتهم التقوى وألجمهم خوف جل وعلا من الحرام , أصابهم ما أصابهم.
الأستاذ معمر: قد تكون عدم القدرة يا شيخ.
الشيخ صالح: لا .
الأستاذ معمر: عدم الوصول إليه , القدرة يعني.(5/37)
الشيخ صالح: لا أنا أتكلم عن هؤلاء الأفراد الأعيان , زي مجنون ليلى في المقام الأول , خل نأخذ المجنون مثال , قيس موثق الذي منعهم ليس عدم القدرة , كان يأتي , الحرام له طرق لا تعد ولا تحصى ولا يعجز أحد عن هذا الأمر , لكن الذي منعه الخوف من الله , لكنه فرط الهوى جعله يصل إلى هذا وقد نبه كثير من النقاد إلى هذا ونصوا وأول من قالها عبد القادر القط وغيره من أهل اللغة والأدب إلى أن التفسيرات التي وضحت شيوع الغزل العذري وأنا لا أتكلم هنا حتى لا يجد الناس الآن في زماننا عذراً في كلامهم هذا أنهم كانوا منهم خوف الله ولهذا لا يتكلمون عن تلك النساء كلاماً مبتذل كلاماً جارحاً إنما تكلم عن هواه لكنه اخطأ في كونه حصر نفسه جعل يعني قلبه عاكفاً على حب امرأة ممكن الذي يحدث في عصرنا يعني العصور الثانية أن الرجل يسرف على نفسه في الشهوات في الفضائيات في السفر إلى الخارج في الاتصالات المحرمة, في العلاقات المتعددة وهذا كله باطلاً من كل وجه ولا يبرئه أي أحد لا أحد .
الأستاذ معمر: إذاً لا ينطبق عليه الكلام يا شيخ.
الشيخ صالح: لا أنا قلت .
الأستاذ معمر: ممكن لا يصل إلى
الشيخ صالح: أنا أحب التوضيح والبيان الشافي للناس في أي موضوع أريده.
الأستاذ معمر: جميل جداً بالنسبة للآفات يا شيخ أنا قد طرأ لي آفة لا أدري ممكن أن نقول إنها من الآفات وهي الأمل والتسويف ,يعني سأفعل هذا الفعل غداً أو بعد غد .
الشيخ صالح: الأمل والتسويف يصب في هذا , قد يمكن لا يصب صباً كاملاً , لكن العاقل لا يكون في كلامه تسويف لأنه يعرف إنما الدنيا أنفاس معدودة أيام محدودة ,(يا أبن آدم إذا ذهب يومك إنما ذهب بعضك) المقصود من هذا كله ثمة آفات كثيرة تحول بين العقل لكن أحنا أكدنا بين على أمرين أثنين فقط.
معمر: جميل جداً دكتور بين يدي بعض العبارات لو بيناها بشيء من التفسير .
[(5/38)
الشرع يأتي بمحارات العقول ولا يأتي بحالات العقول] يعني يمكن بأن بمحارات العقول بالراء ولا يأتي بالمحالات , بمعنى أنه قد يأتي بأشياء تحير فيها العقول لكن.. الشرع .
الأستاذ معمر: الشرع نعم .
الشيخ صالح: شوف الشرع فيه مضماران ,
مضمار بينه الله وفصله فلا يستطيع أحد ولا ينقص قال الله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) هذا ما يحتاج لها فرط علم , الميتة محرمة وهذا لا يوجد مثلاً ماذا قال الشافعي في الميتة,لا يوجد
قال الله ({وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى }الإسراء32) الزنى محرم ولهذا لا يوجد ماذا قال فلان وقال فلان في الزنى, وجاء بأمور أخفاها الله عمداً حتى تكون مضماراً للعقل أن يستنبط ويغدوا ويروح ويأتي فيها , ولو أراد الله حسمها لحسمها لكن جعلها مضمار للعلماء مفتاح , نعبر عنها بأنها مفتاح تجري فيها أقدام العلماء ولهذا هنا لا يكون الإجحاف في العلماء والنكير, قال الشاطبي رحمه الله:
وأوجب عند اختلاف الفهم *** إحسان الظن بأهل العلم
والله قال على لسان عيسى (وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ }الزخرف63) طيب لماذا لم يبين كل شيء؟ عمداً حتى يبقى مضمار العلماء , لكن هذا الذي جعله مضمار للعلماء عبرت أنت عنه بأنه الحيرة , جعله الله هذا لا يكون فيه يعني محاسبة كالأول ({وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ }التوبة115) فالله أخذ العهد على نفسه أنه يبين ما يتقون لكل أحد ما يتقيه الناس ما طالبهم بتقواه لأن الجنة والنار دار مكافأة للأشرار والأبرار فعلى هذا لا بد أن تكون الأمور واضحة لكن ثمة أمور سكت الله عنها سكت رسوله صلى الله عليه وسلم بقيت مضماراً وهي أحد الأسباب في اختلاف أراء العلماء وأقوالهم .(5/39)
الأستاذ معمر: جميل جداً شيخ صالح رسالة أخيرة نختم فيها هذا اللقاء , أتمنى أن توجهوا كلمة للعقلاء ودورهم الآن بالنسبة لما يحصل في المجتمع , لا أستطيع أن أقول لغير العقلاء ولكن لمن هم تحت ولايتهم .
الشيخ صالح: نعم ابدأ من حيث انتهيت وهي قضية الضريبة , من يريد أن يكون عظيماً لا بد أن يتحمل ضريبة هذه العظمة وأن يكون صبوراً على الراية التي يحملها , والعظمة تنشأ من ذات الإنسان لا ينتظر الإنسان من الناس أن يعظموه فإذا أدرك العاقل أنه عظيم , ذاته فيقطع اليأس في أنه يستجدي عظمة الناس , فإذا قطع اليأس من أن يمدحه الناس أعطاهم بلا انتظار لردهم , ما يحبط الإنسان ويمنعه من الاستمرار في العطاء إلا مسألة أنه يرى رد العطاء على من يعطيهم ,فإذا رآهم مدحوه أكثر وأن قلوا منع , لكنه لو قطع اليأس مما في أيدي الناس وانصرفت العلائق إلى الخالق لأكسبه الله في قلبه شعوراً بالعظمة وهي اتصاله بربه والانقطاع عن الخلق , والاغتناء بالله , أعظم قرائن العظمة , العقلاء هم الذين يحملون هذه الراية , وهم الذين عليهم مسؤولية إنقاذ المجتمع , وإن كانوا العقلاء ولا شك درجات , بلا شك في مجالاتهم كل بحسبه, ترى يقولون العاقل ما يستغرب شيء , لأنه علمته الحوادث إن كل شيء ممكن يقع, فأي شيء يقع لا يستغربه , يتعامل معهم معاملة كيف يعالجه ,لكن قراءته الكثيرة تجاربه المريرة تجاربه العديدة دلته على إنه كل شيء يحتمل يقع ولذلك تعامله مع الأحداث بروية وسكينة غير تعامل المنهلع الذي لا يصدق أن ثمة أمر قد حدث .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح لم يبقى أمامي الآن إلا أن أشكركم على حضوركم وأشكركم باسمي وأسم المشاهدين فجزاكم الله خيرا.
الشيخ صالح: شكر الله لكم وجزاكم الله خيرا.
تم بحمد الله وتوفيقه
***
سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك اللهم وأتوب إليك(5/40)
تركي الشهري : أهلا ومرحبا بكم في هذه الليلة وفي هذا المكان المقدس وفي هذا المسجد المبارك ، مسجد قباء في المدينة النبوية نرحب بكم أجمل ترحيب في برنامجكم القطوف الدانية ، ويمتد ترحيبنا عاطرا إلى فضيلة الشيخ صالح ابن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء نرحب بشيخنا في مطلع هذا اللقاء بشيخنا في هذا المطلع المبارك فأهلا ومرحبا بكم فضيلة الشيخ .
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ تركي حي الله الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات نسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال وكل عام وعيدهم مبارك وهم بخير وعافية .
تركي الشهري : جزاكم الله خيرا ونحن ضيوف لديكم فضيلة الشيخ في المدينة . ...
الشيخ صالح : في نفس المسجد .
تركي الشهري : الله يبارك فيكم إن شاء الله .مشاهدينا الكرام يمتدد ترحيبنا إليكم مجددا ويسرنا كذلك تلقي مشاركتكم على هاتف البرنامج الذي يظهر أمامكم تباعا بإذن الله تعالى ، مشاهدين الكرام في هذه الحلقة الاستثنائية والتي تبث من هذا المكان المبارك سنتناول بإذن الله تعالى ثلاثة محاور هي كالتالي :
? بالتأكيد لابد أن نتحدث عن فضل ومكانة وقداسة هذا المكان فسنبتدئ بإذن الله تعالى في ذكر بعض فضائل مسجد قباء
وكيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة هذا المسجد المبارك .
? ثم ندلف وإياكم إلى موضوع الحلقة ونتحدث بإذن الله تعالى عن نور القرآن ، والمقصود بذلك كيف نستطع أن نمتلك بعض الآليات التي تساعدنا في فهم وتدبر آيات القرآن الكريم .؟
? ثم بإذن الله تعالى نعرج في القسم الثالث على نماذج تطبيقية من الآيات البيانات في القرآن الكريم ، وكيف نستطيع فهم هذه الآيات وتطبيقها على أرض الواقع .(5/1)
هذا بإذن الله تعالى ما سنتناوله في ثنايا هذه الحلقة من برنامجكم القطوف الدانية ، والتي يسرني أن أقدمها نيابة عن زميلي معمر العمري لارتباطه للسفر خارج المدينة ، شيخنا الفاضل ونحن في بداية هذا اللقاء المبارك يعني بالتأكيد حقيقة النفوس تبتهج و تنشرح حينما تزور المدينة المنورة فضلا عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فضل عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأماكن المباركة أيضا في هذه المدينة النبوية المباركة مسجد قباء ، حدثونا عن هذا المسجد المبارك عن فضله ما ورد فيه من الآيات والأحاديث البيانات ، وكيف يمكن أن نقتبس قبسات مباركة في حياتنا عندما نزور هذا المسجد ؟ الشيخ صالح : بارك الله فيكم ، بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ....
فأولا: من نعم الله علينا جميعا أن الله جل وعلا وفقنا لأن نتدبر بعض آيات كتابه فهذا مطلب عظيم وموئل كريم ومنزلة جليل ، فإذا كان هذا التدبر والتدارس يتم في مسجد مبارك فهذا أعظم منزلة وأرفع درجة فسأل الله أن يخلص النيات ، أما هذا المسجد وهذا مسجد قباء وقباء في الأصل مكان لبئر ، وهذه المنطقة عرفت باسم قباء لأنها كانت بئرا ثم عرفت المنطقة باسم البئر فسميت بقُباء وهذا هو النطق الصحيح لها وليس قِباء ، قُباء ، جرت عادة الناس أنهم ينزلون .
تركي الشهري: عفوا يا شيخ مسجد وهل نقول جامع ؟
الشيخ صالح : يقال مسجد للآية القرآنية (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى) ( مسجد قباء) ، ( مسجدي هذا) ،
(مسجد بني زريق) ، كما ورد في الأحاديث .(5/2)
نقول جرت عادة الناس أنهم يتبعون أوائلهم والنبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه بالهجرة ، فالمهاجرون الأولون قُدر لهم أن ينزلوا ابتداء في هذه المنطقة المعروفة قديما بقباء ،كانت هناك داران في قبلة المسجد الآن ، طبعا قبلة المسجد جنوبية ، في قبلة المسجد كانت هناك داران هذه القبلة الجنوبية دار كلثوم ابن هدم – رضي الله عنه – ودار سعد ابن خيثمة ، سعد هذا كان أعزبا ، كان أعزب ، والديار كانت لبني عمرو ابن عوف ، جهة الشمال جهة مسجد الجمعة كان ديار سالم بني عوف ، هناك عمرو من بني عوف وهناك سالم من بني عوف ، من نزل من أوائل الصحابة نزل هنا فكان بدهي عندما يأتي صلى الله عليه وسلم أن ينزل في نفس المكان الذي نزل به قبله أصحابه - رضوان الله تعالى عليهم - والنبي صلى الله عليه وسلم على المشروع دخل قباء لثمان خلون من شهر ربيع الأول ، على غير رواية ابن إسحاق وإذا قلنا إنه دخل صلى الله عليه وسلم لثمان خلون من شهر ربيع الأول والأظهر عندنا والعلم عند الله أنه صلى الله عليه وسلم ولد لتسع خلون من ربيع الأول ويصبح في هذا دخوله يكون قد تم له صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة ثلاثة وخمسين عاما بالتمام والكمال ، ثلاثة وخمسين عاما يوم دخل المدينة على القول الراجح عندنا أنه ولد في التاسع من ربيع الأول ودخل المدينة في الثامن من ربيع الأول ، لما نزل صلى الله عليه وسلم كان معه أبوبكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه – فاستضافه كثوم ابن الهدم ، ثم كان صلى الله عليه وسلم يستقبل الناس في دار سعد ابن خيثمة من هنا جاء الاضطراب في الروايات التاريخية في هل هو نزل في دار كلثوم أو في دار سعد ابن خيثمة ؟ ثم أسس صلى الله عليه وسلم هذا المسجد المبارك لبني عمرو ابن عوف ، أسس هذا المسجد من هذه المنطقة لبني عمرو ابن عوف .
تركي الشهري: الصحابة لم يؤسسوا مسجدا ؟(5/3)
الشيخ صالح : لم يؤسسوا مسجدا لأنهم ما أرادوا أن يتقدموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأمور تسند للإمام الأعظم ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم من أدبهم معه استقبلوه فلما نزل ونزل معه من كان قبله قد هاجر عليه الصلاة والسلام من قبل أسس هذا المسجد ، هذا المسجد هذا تقريبا إن صح التعبير من هذه السجادة مثلا إلى محراب المسجد توسعة عثمان رضي الله عنه وأرضاه ، فعثمان رضي الله عنه وسع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم توسعة جنوبية، قال بعض أهل التاريخ والسير إنه كذلك وسع في مسجد قباء توسعة جنوبية أي إلى جهة الجنوب، فيكون المسجد النبوي المؤسس تقريبا أنا لا أستطيع أن أحدده فلنقول إلى هذا الطريق إلى هذا العامود الخط أو هذا الخط الآخر ، وكان قبلته جهة الشام لأن القبلة لم تكن قد حولت بعد ، فكانت القبلة جهة الشام ، جهة بيت المقدس ثم لما جاء الأمر (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) جاء التحويل إلى القبلة الجنوبية ، هذا المسجد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن خرج من قباء يوم الجمعة أدركته الجمعة في بني سالم من بني عوف ، وقلنا أن هذه الديار بني عمرو بن عوف ، ديار سالم بني عوف كانت جهة الشمال النبي صلى الله عليه وسلم خرج من هاهنا ومضى فأدركته الجمعة في مسجد الجمعة الآن فصلى بها الجمعة كأول جمعة تقام في الإسلام .
تركي الشهري : بعد ما أسس المسجد .
الشيخ صالح : بعد ما أسس المسجد ، الاثنين والثلاثاء والأربعاء يقول أهل السياق أنه وضع لبنة بدأ فتبعه أبوبكر ثم تبعة عمر ثم تبعه سائر الناس ، حتى بُني المسجد وكان ربما أنشدوا وهذه النقول بعضها ثبت وبعضها فيه نظر لكن معلوم أن النقل التاريخي غير النقل في المنهج المحدثين :
قد أفلح من يعالج مساجد ويذكر قرآن... قائما وقاعدا(5/4)
إلى غير ذلك وينسب هذا إلى علي رضي الله عنه ، وينسب إلى عبد الله ابن رواحة ، وينسب إلى غيرهما ، ويقال أنه من حفظهما أو ، هذا كله أمر واسع ولا تثريب فيه .
هذا المسجد قلنا أسسه النبي صلى الله عليه وسلم من أول يوم والآية جاءت منقطعة الإضافة ، فالله يقول :
(لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ) وجاء القرآن بالآية بكلمة " يوم " منونة ، والتنوين هنا لا خلاف أنه تنوين عوض ، لكن ما اللفظة الأصل الذي أنه يضاف الاسم إليه هذا مختلف فيه ، فإذا قلنا أنه "من أول يوم نزلت فيه" فيصبح مسجد قباء بالاتفاق ، وإن قيل من أول يوم أظهر الله فيه دينه وهذا قال به بعض العلماء وهو الذي اختاره السُهيلي في الروض الأنف ، وعليه يفهم أن عندما أسس مسجد قباء أمن الناس وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقدر أن يؤسس مسجدا في مكة لكنه لما قدر صلى الله عليه وسلم على أن يؤسس مسجدا في المدينة دل ذلك على أن الله أعز الإسلام وأمن الناس فهذا أول يوم أعز الله فيه الدين إعزازا ظاهرا ، ومن هنا يعلم القارئ للتاريخ فقه الصحابة رضوان الله عليهم في أنهم جعلوا التاريخ يبدأ بالهجرة لعلمهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - أن الهجرة كانت تاريخا عظيما و بها ظهر إعزاز الدين وانتصاره وكان ما كان من علو أمر الإسلام .
تركي الشهري : ذكرتم هنا تاريخي هل تريد أن نستطرد فيه فيما يتعلق بهدي النبي صلى الله عليه وسلم حين يأتي المسجد يأتي راكبا وماشيا .(5/5)
الشيخ صالح : أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأسس مسجده لم تكن تقام الجمعة إلا في المسجد النبوي ، على هذا بني عمرو ابن عوف كان منهم من يأتي مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ، ومنهم من لا يقدر ، لما كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما شفيقا بأصحابه كان يأتي قباء وهو يأتي قباء لفضل المجد، لكن يظهر والعلم عند الله أنه توخى يوم السبت حتى يتفقد من لم يأتي معه الجمعة من بني عمرو ابن عوف ، يعني أهل المنطقة هذه من تخلف منهم لم يحضر لم يقدر على الحضور إلى مسجده في يوم الجمعة فيأتي عليه الصلاة والسلام يوم السبت ليتفقدهم ويسأل عنه ويرى أحوالهم مع فضيلة المسجد ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من تطهر في البيت ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين ) وليس المقصود الحصر وإنما المقصود الركعتان هي أقل ما يصليها المصلي وهو مجرد ضرب مثل يعني الصلاة لا تقصد بذاتها فمن أدرك فريضة أو لم تبقى له إلا ركعة واحدة في الوتر وصلاها هنا دخل في عموم الحديث ، أو صلى تحية المسجد وصلى العشاء في بيته لظرفه ثم تطهر وأتى هنا وصلى نافلة العشاء أو المغرب كل ذلك صحيح إذا أتى المسجد وصلى ، الخبر الصحيح أنه كان يأتي يوم الاثنين كان أحيانا يمشي ، يحصل على أجر عمرة بنص كلامه صلى الله عليه وسلم ، لكنها لا تغني عن عمرة الإسلام .
تركي الشهري : أي نعم .
الشيخ صالح : يحصل على أجر عمرة لكن لا تغني عن عمرة الإسلام ، وقد كان الناس وما زالوا يأتون كثيرا من بيوتهم إلى مسجد قباء ، حتى النساء، نساء المدينة قديما كن يأتين من بيوتهم التي تبنى حول الحرم المسجد النبوي ،حتى هناك شعر حول هذا لكن قدسية المكان لا تسمح بإلقائه .
تركي الشهري : يا شيخ لو يصلي شخص خمس مرات يأتي ويذهب .(5/6)
الشيخ صالح : في كل واحدة أجرها ، وفضل الله أكبر وأوسع ، نأتي الآن إذا أذنت البناء لم يكن بهذه الصورة كان كما تيسر في تلك العصر ، ثم مازال ملوك الإسلام خلفاؤه يعتنون بهذا المسجد حتى وسع في عام 1388للهجرة في عهد الملك فيصل رحمة الله تعالى عليه ثم في عام 1405تقريب في عهد الملك فهد –رحمه الله – وسع هذه التوسعة التي ترى وتشرف عليه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وأنا من هذا المنبر المبارك منبر قناة المجد من هذا المسجد أشكرهم شكرا جزيلا على موافقة الوزارة على أن تبث هذه الحلقة من هذا المسجد وهذا معدود في رعاية الوزارة وفقها الله للدعاة والعلماء و نشرهم الذكر ونشر الخير، وأخص بالذكر مقام معالي الوزير معالي الشيخ صالح ، وسعادة الدكتور توفيق السد يري وكيل الوزارة للشؤون المساجد ، كما لا أنسى شكر سعاد مدير عام فرع الوزارة بالمدينة الدكتور محمد الأمين خطري وفقه الله تعالى، فهؤلاء الصفوة المباركة وأمثالهم من الإداريين من نعرف ومن لم نعرف نشكرهم على جهدهم والرعاية لإقامة هذا اللقاء في هذا المسجد .
تركي الشهري : كما في هذا السياق ننوه ونشكر كذلك موقع البث الإسلامي الذي يبث هذه الحلقة صوتا وكذلك موقع مسك الذي يبثها صوتا وصورة فجزاهم الله خيرا على هذا التعاون .
الشيخ صالح : شكر الله لهم .
تركي الشهري : شيخنا الفاضل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي راكبا وماشيا هل هناك حكمة ؟
الشيخ صالح : التنوع في أداء أمر العبادة أمر كمطلوب يبعد السأم ولو أدام صلى الله عليه وسلم القدوم ماشيا لظن الناس أنها واجب ، ولو أدام الإتيان راكبا لظن الناس أنه واجب فعندما نزوع صلى الله عليه وسلم، فيه طرد وبعد للسآمة والملل ، وفيه كذلك رفقا بالناس لأنه ليس كل الناس يستطيعون أن يأتوا راكبين ، وليس كل الناس يستطيع أن يأتوا ما شين ، فلكل أحد منهم يقدر على هذا أو هذا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، .(5/7)
ت: تتمة الآية : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى) في نهايتها (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) هل هناك مناسب لأول الآية وآخرها ؟
ش: هذا نزل في وصف أهل قباء من الأنصار - رضي الله عنهم وأرضاهم - لأن بني عمرو ابن عوف من الأنصار وكان ثمة منافقون صنعوا مسجدا آخر غير بعيد عن هذه .
تركي الشهري : الضرار .
الشيخ صالح : الضرار وأظهروا شيئا وأرادوا شيئا آخر ، لكن ما أضمروه لا يخفى على علام الغيوب ، قال الله : (َّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } أي مسجد الضرار ثم قال : (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى) والأشهر هذا (منْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ) ثم ذكر قرينة تدل على أن الإنسان يتوخى المساجد المعمورة بالعباد المعمورة بالصالحين المعمورة بالركع السجود خاصة إذا كانت قديمة وهذا ذكره الحافظ ابن كثير رحمة الله تعالى عليه في تفسيره قالوا والقرينة قول الله جل وعلا : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) كان حب الطهارة فيهم جبلة يعني يقضون حوائجهم ثم يغسلون بالماء ثم يستجمرون بالحجارة فكان الأمر فيهم جبلة ( والطهور شطر الإيمان ) كما قال صلوات الله وسلامه عليه .
تركي الشهري : اللهم صلي وسلم عليه ، لعل يا شيخ ننتقل إلى القسم الثاني إذا أذنت لي أن نختم هذا القسم الأول بذكر فائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة بدأ بتأسيس المسجد لماذا لم يكون تأسيس شيء آخر في الدولة الإسلامية لكن بدأ بتأسيس المسجد هل هناك حكمة ؟(5/8)
الشيخ صالح : لا حياة للناس إلا بصلتهم بربهم والرمز الأعظم لأن يصل الناس حالهم بربهم الصلاة ، والرمز الأكبر تؤدى فيه الصلاة :
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * ِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) .
تركي الشهري : الله أكبر .. طيب شيخنا الفاضل يعني الآن ندلف إلى القسم الثاني حقيقة ، ياشيخ الجميع حقيقة يرغب أن يتدبر معاني القرآن وأصبح لا أخفيك سرا أصبح ظاهرة في الفضائيات العربية قضية تفسير القرآن والتدبر ما بين مصيب وما بين مجتهد وإلى آخره لكن كيف نستطيع بالفعل أن نمتلك آليات وأدوات فهم القرآن والتدبر وتطبيقه في حيلتنا هذا هو المهم ، لعلنا في بداية هذا القسم أن نأخذ تأصيلا علميا في فهم وتدبر الآيات .
الشيخ صالح : فهم القرآن العظيم تدبر آياته و الاستضاءة بنوره مقصد شرعي عظيم تطمع إليه كل نفس مؤمنة ، وفضل الله واسع لكن لما كان القرآن بهذه العظمة كان لابد أن يكون هناك مرحلة كبرى جدا في الوصول إلى تدبر القرآن وتدبر القرآن مقصود:
(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ومن أعظم تلك المفاتيح يمكن إجمالها في أربع طرائق تعين على تدبر القرآن – أذكرها إجمالا ثم أفصلها - الإجمال :
1. الابتعاد عن حطام الدنيا .
2. العلم بلغة العرب .
3. تتبع والسير على منهج سلف الأمة .
4. فهم مقاصد القرآن .
هذا من حيث الإجمال . من حيث التفصيل :
الأول : قال سفيان الثوري – رحمة الله تعالى عليه - : " لا يجتمع فهم القرآن في قلب ٍ من اشتغل بحطام الدنيا أبدا " .
تركي الشهري : الله أكبر.(5/9)
الشيخ صالح :"لا يجتمع فهم القرآن بقلب من اشتغل بحطام الدنيا أبدا " فلا يمكن أن يجتمع بحطام الدنيا مع فهم القرآن محال ، الاشتغال بحطام الدنيا أمر مهما قال الإنسان فيه إلا أنه ينجم عنه بُعد عن تدبر القرآن ، نحن لا نقول : أن كل من انشغل بحطام الدنيا يحرم بالكلية في فهم القرآن ، لا لأن هذا الكلام كلام عالم يؤخذ منه ويرد، لكن من تدبر حال الناس كلما كان الإنسان منشغل بحطام الدنيا أكثر كان أبعد انصراف عن فهم كلام الله جل وعلا . والله جل وعلا كما مر معنا في لقاءات سبقت ودروس خلت قال لنبيه : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ) فبين الله جل وعلا أن حظك من القرآن أيها النبي الكريم يغنيك عن النظر إلى متاع الدنيا وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه فعلى هذا تدبر القرآن يطلب من عبد أو يوفق له عبد أحجم بنفسه عن جمع حطام الدنيا ، و نحن نرى هذا في أنفسنا كلما شغلنا بشيء من حطام الدنيا نجمعه قل تدبرنا وفَهمنا للآيات .
تركي الشهري : ولو كان على سبيل جمع المعيشة .(5/10)
الشيخ صالح : جمع المعيشة لا يقال له حطام الدنيا لأنها هذا من المطالب الرئيسة ، والتي لابد منها من إطعام النفس و الولد ومن يعول هذا لابد منه لكن الانشغال القلبي ، الانغماس فيها والانشغال القلبي حيث أن الإنسان يبيت ويمسي وهو يحسبها بالدينار ، والدرهم والله جل وعلا قال لنبيه أخبره تبارك وتعالى في سورة طه : (نحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }بعدها أمره بالصلاة قال : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) والله جل وعلا تكفل لعباده بالرزق وأمرهم بالعبادة له ، فمن الخطأ العظيم أن ينشغل الإنسان بالرزق ويترك العبادة فينشغل عن ما أمر به بشيء تكفل الله به والله يقول :
(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) وقال جل وعلا : (وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ) فهذا المقصود أن الإنسان يراوغ نفسه وليس هناك أحد معصوم ، لكن الانشغال بها يحجم بك عن هلاك لا يفهم منه أن هذا الشرط يؤخذ بمعزل فيأتي إنسان لكل أحد زاهد ويقول هذا متدبر للقرآن ، لا ، هذا شرط من جملة شروط لا بد أن تتوافر فيها جميعا .
الشرط الثاني : العلم بلغة العرب قال مجاهد – رحمه الله – وهو أحد أئمة التفسير مجاهد ابن جبر المكي قال : " لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في كلام الله حرفا إلا أن يكون عالما بلغة العرب ".(5/11)
وقال مالك – رحمه الله – وهو مالك وإذا ذكر العلماء فمالك النجم قال : " لا أؤتى بأحد يقول في القرآن وهو غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا " ، فاتفقت أقوال الأئمة وهذا أصلا دل عليه القرآن فإن الله قال : (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) فمن لم يفقه لغة العرب لا يحل له أن يقدم على أن يقول في القرآن وهو يفقد آلة عظيمة في فهم القرآن وهي العلم بلغة العرب ، من الأمثلة الواقعية على هذا ما ذكره الأئمة الكبار من قبل أن الله قال لنبيه نوح في القرآن : " حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ" فاختلفوا في معنى التنور:
? فمن العلماء من قال :" إن التنور من تنور الصبح إذا أضاء"،
? ومنهم من قال : أن التنور إذا انبجس الماء.
? ومنهم من قال : إن التنور أشرف الأرض وأعلاها .
? ومنهم من قال : إن التنور المخبز المعروف ، ومعلوم أن لغة العرب إذا قيل التنور إنه ينصرف إذا المخبز إلى ما يتخبز به
إلى الموقد الذي يخبز فيه ، فعلى هذا قال الطبري – رحمه الله – وهو إمام المفسرين المشهور قال :" فيجب هنا صرف
كلام الله إلى المشهور من لغة العرب" ، ولا نوجه الكلام إلا للأشهر والأعلى والمتعارف عليه من لغة العرب لأنه الله قال :
(بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) إذا هذا ثاني الشرائط .
تركي الشهري : قبل أن ندخل في الشرط الثالث ما هي حدود امتلاك الإنسان لفهم اللغة العربية ؟ هل هناك خطوط عمل إذا استطاع الإنسان أن يسيطر عليها لفهم العربية .(5/12)
الشيخ صالح : السؤال رائع ، يفهم النحو قواعده الإجمالية صحيح أن هناك مسائل اختلف فيها الأئمة الكبار من قبل نحاة البصرة نحاة الكوفة مدرسة البصريين والكوفيين الخوض فيها ليس مطلوبا لكن الإجمال والإحاطة العامة معرفة مظان الاختلاف أمر مطلوب ، العلم بلغة العرب بأساليب العرب في كلامها هذا لا يتأتى إلا إذا كان الإنسان قد اطلع على شعر العرب قال عمر رضي الله عنه أنه قال : ( الشعر ديوان العرب ) فالاطلاع على المعلقات والشعر في صدر الإسلام والشعر في عصر بني أمية في زمن الاحتجاج خاصة أمر مطلوب حتى يعرف الإنسان طرائق العرب في كلامها وعلى ذلك يفسر القرآن، ولذالك كان ابن عباس إذا قال في المسألة بقوله يسأله الناس : أو تعرف العرب هذا ؟ فيقول نعم ثم يأتي بشاهد يدل على أن العرب تعرف هذا المقصد في كلامها.
تركي الشهري : زمن الاحتجاج في عصر بني أمية .
الشيخ صالح : زمن الاحتجاج إلى عام 120 تقريبا ، قبل نهاية الدولة الأمية بعشر سنين تقريبا ،وزال بني أمية في عام 130أو بعدها بقليل ذهبت في زمن مروان ابن محمد ، هذا الشرط الثاني .
تركي الشهري : الاهتداء بمنهج السلف الصالح .
الشيخ صالح : الاهتداء بمنهج السلف الصالح ، السؤال الأول من هم السلف الصالح ؟ السلف الصالح صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأعيان التابعين لهم إحسان والأئمة العدول مِن مَن ساروا على منهجهم إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة وبالنسبة لكل أحد من مضى قبلهم من الأئمة العدول سلف لنا ، لكن ينطبق على أهل القرون المفضلة في المقام الأول ، فمنهج الصحابة وأعيان التابعين لهم بإحسان هو الذي ينصرف إليه قولنا وقول الأئمة السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان من تابع التابعين ، هؤلاء الأئمة – رضوان الله تعلى عليهم - هذا أمر مهم جدا أن الإنسان حتى يتدبر القرآن أن يسير على منهجهم .(5/13)
تركي الشهري : يعني يقرأ ما قاله السلف عن تفسير قول الله تعالى قوله في آية خلافية أو في الأسماء والصفات افتراضا .
الشيخ صالح : هم لهم سمات يعني نزدلف في الحديث هنا إلى سمات منهج السلف الصالح ، من سمات منهج السلف الصالح:
? الأول منها: أنهم يقدمون النقل على العقل في تفسير القرآن عامة وفي تفسير نصوص الأسماء والصفات خاصة .
? الأمر الثاني من سمات منهجهم رحمة الله تعالى عليهم : أنهم يجمعون بين القرآن والسنة ، ( هنا انقطع الشريط بسبب
خلل فني من قبل القناة ) .
مصدران للأدلة النقلية والعقلية هذا الثاني .
? الثالث : من سمات منهج السلف الصالح ربطه ما دونه الفلاسفة والمتكلمين ، في الأسماء والصفات خاصة هذا الثالث .
? الرابع : أنه ينبذون التقليد الأعمى ، ولا يتعصبون لمذهب بعينه ، ينبذون التقليد الأعمى ولا يتعصبون بمذهب بعينه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه – وهو تصف بعض سماتهم قال : " وليس لهم متبوع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم -أي الصحابة- أعلم الناس بأحواله وأقواله وأعرف الناس بأحاديثه صحيحها وسقيمها " رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فالسير على منهجهم وفق هذه الخطوط التي عرفناها من سمات منهجهم من الاستقراء والسبر وغير ذلك من طرائق معرفة النصوص دلت على أن هذه السمات العظمى لمنهج سلف الأمة الصالح .
تركي الشهري : وبالتالي يستخدم هذه السمات في فهم القرآن ، جميل ، يا شيخ ما يتعلق بالإسرائيليات والقصص وبعض الروايات المأثورة إذا كانت غير صحيحة أو يشك في صحتها ، كيف التعامل معها ؟
الشيخ صالح : ما نقل عن بني إسرائيل، أو يعرف بالإسرائيليات له ثلاثة أضرب :
1. الضرب الأول أن يشهد القرآن له أو السنة فنقبله ، لأن القرآن شهد له أو أن السنة شهدت له .
2. الضرب الثاني : أن يشهد القرآن والسنة بمخالفته وبأنه غير صحيح فنرده .(5/14)
3. والحالة الثالثة : أن لا يشهد القرآن أو السنة له بصحة ولا بخطأ ، لا بصدق ولا بكذب فيؤخذ منه ما يغلب على الظن أنه
راجح أو أنه مقبول أو أنه يستأنس به لكن لا يجعل أبدا أصلا يعتمد عليه أبدا .
تركي الشهري : يعتمد من ناحية السنة على الأحاديث الصحيحة الصريحة .
الشيخ صالح : الحديث الصحيح الصريح على فهم كلام الله جل وعلا ،ثم بعد ذلك هناك أمور تحفها قرائن تقال من باب الاستئناس ومن أمثال ذلك هذا كله لا بأس به ، لكن القضية التي حاد الناس فيها مسألة الخوض في الأسماء والصفات ، يعني الخطأ جاء من المتأخرين لأنهم لم يطبقوا منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات ، مع أن منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات ظاهر بين له أسس يقوم عليها .
تركي الشهري : الشرط الرابع : إدراك مقاصد القرآن، ابتداء ما معنى مقاصد القرآن ثم بعد ذلك كيف ندرك هذه المقاصد ؟؟؟
الشيخ صالح : مقاصد القرآن ، القرآن له مقاصد أرادها دل عليها القرآن (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) فإذن دلت الآية صراحة هذه فاتحة سورة إبراهيم على أن إخراج الناس من الظلمات إلى النور أعظم مقاصد الشريعة ، وأعظم المطالب إيجاد مجتمع مسلم له قيمه العظيمة التي يقوم بها ويؤمن بها ويعتمد عليها ويُشِيْعُها في الناس أمر عظيم قال الله تبارك وتعالى: (ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) فتزكية الناس وتعليمهم مقصد شرعي عظيم للقرآن ، نبذ الشرك ودر المظالم والبعد عن تعظيم أحد تعظيما يخرجه عن الحد الشرعي كل ذلك جاء الشرع به ، في مساجد الله يقول : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) في آية أجمع يقول الله :
((5/15)
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ ) في قضايا العقائد القرآن يقول : ({وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) ومن أعظم مقاصد القرآن كذلك تأسيس مجتمع يكون له ولي أمر مسلم يكون له بيعة في الأعناق ، وله طاعة وله سمع (أطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)
(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) فهذه أمور حفظها القرآن وجاء بها ، جاء الخلل في الناس على أمرين :
1. خلل أول في قضية المنهج في باب الأسماء والصفات ولابد أن يعرف أن هناك أسس ثلاثة قام عليها منهج السلف الصالح في فهم نصوص الأسماء والصفات وهذه أجملها الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى عليه – في أضواء البيان على ثلاثة أسس :
? الأساس الأول : أن يعلم أنه يجب أن تنزه صفات الله جل وعلا على أن تشابه شيء من صفات المخلوقين ، ودليل هذا
من القرآن ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقول الله جل وعلا : (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ).
? الثاني الذي قام عليه منهج السلف في فهم الأسماء والصفات : أن نؤمن بما وصف الله به نفسه لأنه لا أحد أعلم بالله من
الله قال الله جل وعلا : (أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) يندرج في الثاني الإيمان بما وصف به النبي صلى الله علي وسلم ربه جل وعلا لأنه لا أحد من الخلق أعلم بصفات الخلق وأسمائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودليله من القرآن : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) .
الأساس الثالث : قطع الطمع في إدراك الكيفية ، لا يبقى في النفس .
تركي الشهري : التسليم(5/16)
الشيخ صالح : التسليم.. قطع الطمع أن لا يبقى في النفس أي طمع في أن يفقه أن يصل إلى كيفية صفة الله هذا محال ، وقطع الطمع مبني على قول الله جل وعلا في حق ذاته العلية : (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) والإنسان إذا قطع الطمع في إدراك الكيفية وآمن بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ونزه صفات ربه جل وعلا أن تشابه أي صفة أحد من الخلق إذا تحققت هذه الثلاث التي دل عليها القرآن العظيم عَرف كيف يأتي وينجو في باب الأسماء والصفات ، بقينا في مسألة عن قضية المقاصد النظرة السطحية .
تركي الشهري : هذا السبب الثاني من حصول الخلل .
الشيخ صالح : نعم ، النظرة السطحية للقرآن ، فالنظرة السطحية ينجم عنها أن الإنسان يأتي بألفاظ وحرفيتها ويعتقد أنها هي المراد والمقصد فهو لا يفقه مقصد القرآن .
تركي الشهري : المعنى الظاهر مثلا .(5/17)
الشيخ صالح : المعنى الظاهر أو أنه لا يملك آلية يراد بها فقه مراد القرآن فيقف عند حدود حتى إن يعني ذكر الأئمة أمثلة على هذا لا تكاد تصدق هذا المنزعان ، المنزع الأول : وقع فيه فرق مثل المعتزلة وغيرهم ، وهو قضية أنهم لم يأخذوا بمنهج السلف الصالح وقضية الأسماء والصفات ، وأما قضية عدم فهم مقاصد القرآن وقع فيه الخوارج ، فالخوارج يأخذون ظاهر القرآن ويقفون عنده ولا يدركون ما وراءه ، ويستدلون بما لم يمكن الاستدلال به ، بما هو بمعزل تام عن القضية ، فالخوارج الأولون كفروا عليا لأنه قبل التحكيم واحتجوا على علي - رضي الله عنه – وأين فقه الخوارج من فقه علي؟؟!! ومع ذلك احتجوا عليه بآية لا علاقة لها بالقضية وهي قول الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) فقالوا أنت حكمت الرجال في دين الله في أمارة المؤمنين فتحكيمك الرجال في دين الله مناف لقول الله جل وعلا : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) فقال لهم ابن عباس -رضي الله عنهما- الحبر المعروف ، قال لهم: ( إن الله قال في الصيد في الأرنب قال : ((يحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) ) فقال : إذا حكم الله جل وعلا هذا في الهدي حَكّم الله هذا في الصيد في الأرنب حكم الرجال في الصيد فكيف بتحكيم الرجال في أمارة المؤمنين ؟؟ !! أوجب وأفضل لكنهم وقفوا عند الحرف والخوارج المعاصرون بعضهم ، لأنه ليس كلهم يعني منزعه أوطريقه واحد بعضهم دفعه الحقد وبعضهم دفعه الحسد وبعضهم دفعه التغرير وبعضهم دفعه الهوى ، لكن بعضهم نجم أفعاله الإجرامية التي تحصل والتي يخططون لها لا مكن الله لهم إنما ينجم عن الفهم القاصر في كتاب الله تعالى ، وإتيانهم بنصوص يريدون تطبيقها وهي بعيده جدا عن مراده ، ليس مراد الله ذلك لكنهم لقلة العلم قلة البصيرة مع الحقد ومع الحسد أو صغر السن مع قلة التجربة أو التغرير أو استخدام من يستخدمهم في أعرضهم نجم عنه ذلك الأمر(5/18)
العظيم .
تركي الشهري : أو يا شيخ استدلالهم بأنفسهم للآية .
الشيخ صالح : هذا مصنف أصلا ضمن عدم فهم مقاصد القرآن وليس الطبيب الحاذق من يهدم مصرا كاملا ليبني قصرا، هذا ليس من دين الله في شي ، فدفع أعظم الشرين وتقديم خير الخيرين من أعظم مقاصد الشريعة .
تركي الشهري : طيب بالتالي : الإدراك أن يبتعد عن هذه المآخذ التي ذكرتموها فيما يتعلق بنقطتين كذلك اتباع منهج السلف فيما يتعلق في فهم الأسماء والصفات ، الأربع الشروط هذه هل يمكن لأي إنسان يعني لم يؤتى نصيبا من العلم والفقه أن يتحصل عليها أم أنها خاصة بالعلماء والراسخين في العلم ؟
الشيخ صالح : هي إذا وجدت يوصف صاحبها بأنه راسخ ، فمن أجرك لغة العرب ، وتفرغ للعلم وعرف مقاصد القرآن أدمن النظر في القرآن وعرف مقاصد القرآن وقرأ ما دونه الأكابر، إذ كيف السبيل إل معرفة منهج السلف إلا بقراءة ما دونوه ، ونظر في ما سطره السابقون الأولون أصحب عالما حقا ، وكذلك لا بد أنا أتكلم عن المفاتيح الإجمالية العامة من أشخاص شخصية أن يكون الإنسان ذكيا فطنا ذا بداهة يملك أصلا جعل الله فيه أصلا قدرة ، ثم أخذ ينمي نفسه وقدراته ويطالع يعني هناك أصول حررها الحافظ ابن عبد البر تكلم في هذه المسألة أصول عظيمة للدين ، يقرأها الإنسان يطلع عليها ، ثم ينظر في كل فن مادونه أهله ما قاله كباره ما سطره أئمته فيستأنس بتلك الأفهام في فهم كلام الله جل وعلا ,(5/19)
تركي الشهري : يتعجل البعض يا شيخ حين يسمع بعض تفسير القرآن من بعض العلماء أو من بعض المهتمين بهذا العلم أو هذا الفن أنهم لم يأتوا بشيء جديد يعني تفسير لآية معينة هو فقط أنه تفسير المعنى العام واللفظي أو بعض الدلالات العامة للآية فبتالي يقول لا إضافة جديدة كيف يمكن أن نعطي نصائح معينة للوصول إلى أشيء غير اعتيادية لم يعتد الناس على سماعها هذا ما نعرفه إن شاء الله تعالى بعد الفاصل نستأذنكم فضيلة الشيخ ونستأذن مشاهدينا الكرام أن نتقل وإياكم إلى فاصل قصير ثم نواصل المسير فبقوا معنا .
تركي الشهري : أهلا ومرحبا بكم مشاهدينا الكرام بعد هذا الفاصل في برنامجكم القطوف الدانية والذي يبث من هنا من مسجد قباء في المدينة النبوية، ونرحب بشيخنا مجددا الشيخ صالح ابن عواد المغامسي حياكم الله شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياكم الله .
تركي الشهري : ربما نلتمس العذر من أحبتنا المشاهدين إلى أن هناك خلل فني في الاتصالات لعل الإخوة يحاولوا معالجة هذا الخلل وبإذن الله تعالى أو تم معالجته نستقبل الأخ حسين ، حسين الثقفي تفضل ، الأخ حسين السلام عليكم ، حسين الثقفي تفضل ، ربما هناك خلل فني لعله يعالج ثم إن شاء الله نستكمل ، شيخنا الفاضل توقفنا إلى فهم مقاصد القرآن وذكرتم الشروط الأربعة ، البعض يقول حين استمع إلى تفسير معين ليس هناك شيء جديد كيف الوصول إلى استنباطات معينة إلى بعض الأفكار التي تنفع الناس في واقعهم ؟(5/20)
الشيخ صالح : طبعا في أصل المسألة فضل الله يؤتيه من يشاء وقضية الدربة واعتماد الصناعة أمر لكل ميدان فرسانه وأحيانا يأتي لهذا الميدان شخص ليس من أهله فلا يصل إلى المرتقى الصعب فيه لكن على العموم لا نستطيع أن نقول فلان منه وفلان ليس منه ، هذا ليس لنا وغير لائق ، لكن نقول على المؤمن أن يتق بالله ، و أن يعلم أن فهم كلام الله جل وعلا مطلب عظيم لكن كذلك لا يكون بالتأتي والتقدم بين يدي الله ورسوله والبعث عنه بطرائق لم يتفق الناس على أنها موصلة إليها ، لإكمال فهم الآلة وإدراك الإنسان هذا في نفسه إذا رأه من نفسه وجده أنه الحجة قائمة له عند الله جل وعلا في أنه أن يبحر في علم التفسير فله ذلك أما أن يأتيه تطفلا أو منازعة أو تشبها فهذا قد ينجم عنه عياذا بالله ضرر كبير على النفس بالآخرة قبل الدنيا .
تركي الشهري : طيب يا شيخنا ، الآن جاء الجانب التطبيقي ، وهذا الحقيقة شيء أنا شخصيا أعجبت به كثيرا في برنامجكم هل هناك أشياء تطبيقية حتى المشاهد يستطيع ربط الأول بالثاني ، نأتي الآن يا شيخ إلى ثلاث آيات يعني تكون كل آية في جانب معين : الآية الأولى ستكون إن شاء الله في الجانب الإيماني ، الآية الثانية في الجانب التشريعي ، الآية الثالثة ستكون إن شاء الله تكون في الجانب القصصي والمتعلقة بالشؤون الاجتماعية ، نبدأ بقوله تعالى قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) كيف نستطيع أن نطبق المعايير التي ذكرتموها في فهم وتدبر القرآن في هذه الآية ؟(5/21)
الشيخ صالح : إبراهيم عليه السلام خليل الله وأعظم الأنبياء قدرا بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ، يستصحب المفسر هذا الأصل قبل أن يَقدم على الآية ، فالآيات لا تتحدث عن رجل يشك في إسلامه ولا عن رجل ضعيف إيمان بل تتحدث عن إمام الحنفاء من نسب الله الملة إليه ، فإذا قال الله عن خليله عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ْ) انقطع إثبات الشك لإبراهيم فمحال أن ينسب الشك إذا استصحبنا الأصل الأول إلى خليل الله عليه السلام ، سلف الأمة الصالح أدركوا فلم يقل أحد أن إبراهيم شك في مسألة إحياء الموتى ، فنفي الشك عن إبراهيم أول مقصود لأنه إذا نسبنا الشك لإبراهيم ماذا سنقول في آحاد الناس اليوم ؟ لكن إبراهيم عليه السلام أعظم الناس قدرا عند ربه بعد نبينا، أما معنى الآية فإن إحياء الموتى من أعظم ما تمدح الله به (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ{79} الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ ُتوقِدُونَ{80} أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) قال جل وعلا : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ) فمن أعظم ما تمدح الله به قدرته جل وعلا على إحياء الموتى (َانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) ،(5/22)
ثم قال ( الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى) من أعظم ما تمدح الله به هذا الوصف العظيم ، فأراد إبراهيم أن يصل إلى عين اليقين في هذه المسألة ، أن ينتقل إلى عين اليقين شيء يراه بعد أن وصل إلى مرحلة حق اليقين .
تركي الشهري : يعني استزادة إيمانية .
الشيخ صالح : استزادة إيمانية ، ليس نابعا عن شك أبدا ، قال : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِيي ) أي ارتقي إلى مرحلة عين اليقين ، فأجابه الله لأن الله لا يجيب شاكا ، إنما إجابة الله لإبراهيم قرينة على أن الله علم من إبراهيم صدق يقينه و عظيم إيمانه فرفع منزلته، ورفعه بأن أطلعه على آية من آياته قال : (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ْ) صرهن إليك : تتضمن جمعهن وذبحهن وتمزيقهن ،(ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ) هذا شيء يراه الناس محسوس
(وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الآية مرادها الأعظم هنا نأتي لمقاصد القرآن ، مقاصد القرآن هنا يريد القرآن أن يقول: " إن إدراك المحسوسات أعظم تأثيرا في النفس من إدراك المنقولات" ، إن إدراك الشيء المحسوس أعظم تأثيرا في النفس من إدراك الشيء المدلول غير محسوس ، البراهين الغير محسوسة لا تؤثر في النفس كما يؤثر الشيء ، بدليل أن هذا المثل ضرب وقدم لخليل الله إبراهيم فإذا كان أثر في إبراهيم فكيف بغير إبراهيم ؟؟ يعني إبراهيم وصل إلى درجة عظيمة في حق اليقين ، فرفعه الله بأن رأى آية من آيات الله إلى منزلة عين اليقين .
بعض أهل العلم هنا يأتي الاستنباط فهموا من الآية أن هذا من دلائل علو درجة نبينا صلى الله عليه وسلم ، يعني هم متفقون على علو درجة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن السؤال أين فهموا هذا من الآية ؟ يعني لا تحتاج علو درجة النبي لأنه إثبات لكن أين هذا من الآية ؟؟
تركي الشهري : وجه الاستنباط .(5/23)
الشيخ صالح : وجه الاستنباط ، قالوا إن إبراهيم طلب أن يرى الآيات : ( َرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) أما محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله أراه الآيات من غير طلب ، (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) فتوقير له وتعظيما صلوات الله وسلامه عليه ، لم يطلب منه أن يسأل هو الرؤية ، رؤية الآيات وإنما أعطيت له هذه الآيات ليراها فيصل إلى الدرجة ، لكن يستدرك على هذا الرأي أن الله قال في سورة الأنعام: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) والذي يتحرر عندي والعلم عند الله أن إبراهيم أعطي أشياء من غير طلب وعليها تحمل آية الأنعام وأمور طلبها وعليها تحمل آية البقرة ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطلب شيئا أعطيها كلها حتى لا يصبح هناك فرق عظيم ما بين خليل الله إبراهيم وخليله محمد صلى الله عليه وسلم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ابن لإبراهيم وكان يوقر أباه ولما دخل الكعبة قال : " قاتلهم الله ما لشيخنا وللأزلام " فسمى النبي صلى الله عليه وسلم نبينا سمى خليل الله إبراهيم شيخا ولا أعلم في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن أحد من الأنبياء أنه شيخه إلا خليل الله إبراهيم عليه السلام .
تركي الشهري : طيب يا شيخ هل نستفيد من هذا الاستنباط أنه يستخدم الاستدلال بالمحسوسات ف ما يتعلق بالعلم التجريبي الحديث في الدعوة إلى الله وما يتعلق بالإعجاز العلمي ، و أنه هذا يعتبر أحد الأساسات التي يقوم الإنسان بإرسال الفكرة والرأي الآخرين عن طريق الأشياء المحسوسة .(5/24)
الشيخ صالح : الأشياء المحسوسة أمرها محمود تأثر في النفوس كثيرا لا خلاف في هذا ولا نزاع لكن ما يسند إلى الله شيء إلا على بينة من الأمر وعلى علم بلغة العرب لكنكم ذكرتم قضية العلم التجريبي ، التجريب في القرآن يأتي في قضايا الطب ، فالطب علم تجريبي ففرق ما بين التعبد المحض وما بين الطب ، فرق ما بين التعبد المحض وما بين الطب فمثلا ذلك الصحابي الذي قرأ الفاتحة سبع مرات على سيد ألئك القوم فبريء ، لا يوجد آية تقول من قرأ الفاتحة سبع مرات على ملدوغ أنه يبرأ ما يوجد واضح ، فهذا شيء تجريبي أثرته السنة فقال صلى الله عليه وسلم له : " وما يدريك أنها رقية " ، واضح تعجبا فثمة آيات ذكرها العلماء من قبل مع التجربة قراءتها على مرض معين تُبرأ ، لكن ما نقول إن الله قال أن قراءتها تبرأ ، ولا نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من قرأها تبرأ .
تركي الشهري : ولا يشترط الإيمان بها .
الشيخ صالح : ولا يشترط أنه يلزم منك أن تؤمن بهذا ، لأن هذا التجربة قد تصح عند تركي ولا تصح عند صالح ،قد تقتنع أنت بها ولا أقتنع أنا بها ، هي تجربة ثم قد تكون في شخص و لا تكون بشخصين وقد تكون في ثلاثة ولا تكون في أربعة ، فمثلا حتى لو قرنت بعدد ، يعني دلت التجربة بأن العدد مقرون فلا يمنع من قبولها ، لكنها ما تنسب إلى أنها دين ، فمثلا يبتلون بالعقم من الرجال يعني لا ينجب يقول الأطباء مثلا أنت لا تنجب هذا أمر واقع في الناس ، أمر يبتلي الله به عباده الله يقول (وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً) بالتجربة عند الكثير ما نستطيع أن نقول أنه واجب أن من قال:
((5/25)
رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) أربعين مرة بقصد الدعاء في سجوده في إحدى سجداته صلى ركعتين نافلة وقال في سجوده( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) أربعين مرة أنه يرزق بنية أنه يدعو فإن قال قائل من أين أتيتم بالأربعين قلنا الأربعين مذكورا فضلا في القرآن قال الله تعالى : (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) هذا واحد ، ثم إن التجربة دلت يعني من جرب هذا وقالها أربعين مرة دلت التجربة على أنه يرزق ، دلت التجربة على أنه يرزق وأنا شخصيا ذكرت هذا لاثنين من مَن أعرف واضح بطريقة خاصة ثم كلاهما اتصل وبشرني أنه رزق ، المقصود هنا التجربة مع ذلك قد يقول هذا آخر ولا يرزق ، لأني أنا لم أنسبها إلى الله ولم أنسبها إلى رسوله ولا يأتي أحد يقول هذه بدعة لأن البدعة في الدين في العبادات ما أتكلم عن عبادة ما أتكلم أن هذه قربة ، إلا بمجملها كونها دعاء لكن ما هو الطب ؟ يأتون بأمصال ويجربونها على مرضى بعد المرضى حتى يحصلوا على نتائج مختلفة حتى ينجحون ثم إذا ثبت النجاح عندهم أثبتوها قالوا هذا ينفع في كذا من خلال
تركي الشهري : من خلال اجتماع قرائن معينة .(5/26)
الشيخ صالح : وقد دلت السنة على العلم التجريبي وهذا استنبطه العلماء من قبل كما في حديث الإسراء والمعراج فإن موسى عليه السلام قال لنبينا صلى الله عليه وسلم ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإني – موسى يقول – بلوت الناس قبلك" وهذا أن موسى جرب خبر الناس جربهم فعرف أنهم لا يمكن أن يطيقوا خمسين صلاة في اليوم والليلة فرجع النبي صلة الله عليه وسلم إلى ربه مستفيدا من علم موسى التجريبي الذي نصحه به واضح فقضية التعبد شيء والعبادات لو جاء إنسان وقال من صلى وقال في سجوده كذا فله كذا هذا نقول باطل ليس لك ({أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) فلا بد أن يُفرق ما بين الأمر التعبدي والأمر التجريبي ، مثل قال بعض العلماء إن قراءة (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ) على ألم الضرس خاصة أنه يخففه قد ينفع مع هذا ولا ينفع مع ها قد يكون اعتقاد هذا أقوى من هذا وقد يخفف عن إنسان بدعاء من غير الآية ، القضية هي كيفية التعامل مع كلام الله جل وعلا ن والعلم عند الله .
تركي الشهري : الله يبارك فيكم يا شيخ ، نتقل الآن إلى الآية الثانية قوله تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) بالتالي نحن سنأخذ الآية على شكل أقسام بداية نريد المعنى العام للآية .(5/27)
الشيخ صالح : أكمل الله للمسلمين الدين فقال قبلها بالآيات : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) كانوا قد سألوا عن الطيات (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ) إلى آخر الآيات ثم بين هنا أن هذا اليوم يوم اكتمال الدين ويوم لم يكن في غالب الظن بعده نسخ وإن كان الأمر لله (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ) يبين الله جل زعلا إكرامه لأهل طاعته وما أفاءه الله على عباده والله يقول والقرآن يؤخذ هكذا جملة (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ) يقال عن أنبياه ورسله أنهم ( لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }) فلا يأتي أحد ويقول إن الجوع مقصود شرعي وعدم الأكل مقصود شرعي ، عدم النكاح مقصود شرعي ، "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني" .
تركي الشهري : جميل ، ندخل الآن إلى مطلع الآية ، الطيبات أحلت لأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم كيف كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الطيبات ، يعني نقرأ في السيرة أنه عليه الصلاة والسلام أكل من الدباء وأيضا هناك دعاء خاص فيما يتعلق بالبن ، وله تعامل صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق الأكل باللحم ، يعني هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذه الطيبات .
الشيخ صالح : الأصل أنه عليه الصلاة والسلام : أنه لا يتكلف مفقودا ولا يَرد موجودا ولا يَعيب طعاما قط ، هذا الأصل لا يتكلف مفقودا ولا يرد موجودا ولا يعيب طعاما قط ، ما عاب طعاما قط صلى الله عليه وسلم .
تركي الشهري : حتى إذا لم يعجبه .(5/28)
الشيخ صالح : إذا لم يعجبه لم يأكله ، لكنه لا يعيبه ، هذا الأصل ، أما الدباء فقد ذكر الإمام البخاري رحمة الله تعالى عليه في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه : أن خياطا – صاحب حرفة – دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام قال أنس فذهبت معه – بوصفه خادم النبي صلى الله عليه وسلم - : فرأيت – وهذا من شغف الصحابة بتتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد هم كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الأمانة ونقل الدين هم رضي الله عنهم نشهد أنهم بلغوا الأمانة أو نقلوا الدين إلينا .
تركي الشهري : بنقل جزئياته .
الشيخ صالح : بنقل جزئياته ، فقال رضي الله عنه وأرضاه : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء في القصعة – قصعة ثريد فيها دباء فيها لحم وفيها غير ذلك يعني مخلوط تقريبا ، فيقول أنس : وما زلت أحب الدباء من يومي إذ ، بل جاءت روايات أنه كان يأمر أهله كلما صنعوا له طعاما أن يجعلوا فيه دباء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
تركي الشهري : طبعا الدباء هو القرع المعروف عند الناس ويطبخ طبخا حتى يكون هناك شيء يفيد الإنسان . طيب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، في ما يتعلق في اللبن أن هناك دعاء يذكره صلى الله عليه وسلم حينما يشرب اللبن وحينما يشرب شيء غير اللبن أو يأكل شيء غير اللبن هناك دعاء يختلف بإضافة معينة .(5/29)
الشيخ صالح : جاء في حديث ابن عباس في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم سُقي لبنا فكان يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أُتي لأحدكم بطعام فليقل اللهم بارك لنا فيه وأعطنا خير منه ، وإذا سقي أحدكم لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) هذا يحدث سؤال لماذا اللبن دون غيره ؟ فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه قال ( فإنه ليس شيء يغني عن الطعام والشراب إلا اللبن ) والله يقول (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِين) قال بعض العلماء إنه ما غص أحد باللبن قط ، لأن الله قال : ( سَآئِغاً ِلشَّارِبِين ) فهذا الهدي الأول في الدباء النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ، وهذا هديه في اللبن صلوا الله وسلامه عليه.(5/30)
أما اللحم فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الدجاج كما في حديث البخاري حديث أبي موسى عند البخاري في الصحيح قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجة " وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الأرنب وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الإبل ، وضحى صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر المقصود بضحى هنا في الهدي ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الشاة ، وكان مقدمة الشاة الذراع الكتف أحب إليه من ما سواه من اللحم ولهذا اليهود لما أهدوا له شاة تعمدوا أن يجعلوا السم في الكتف في الذراع فسألوا عن أكثر ما يحبه فأخبروا فأخبرته الذراع أنها مسمومة صلوا الله وسلامه عليه والله يقول : (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فهذا مجمل علاقة ما جاء في السيرة في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، قد يقول قائل الآن : إنني أعتب على تركي وصالح أنهم أدرجوا السنة ونحن نتكلم عن القرآن ، نحن قلنا في القواعد كما مر معنا أن السلف لم يكونوا يفرقون بين القرآن والسنة ولا يمكن فهم القرآن من غير سنة محال ، من لم يفقه السيرة من لم يطلع على هديه وأيامه وسيرته صلى الله عليه وسلم محال أن يفقه القرآن وهذا كذلك فيما نقل عن الخوارج أنهم يريدون أن يفهموا القرآن بمعزل عن السنة ولا يمكن أن يفهم القرآن بمعزل عن السنة .
تركي الشهري : طيب بعد ما فهمنا يا شيخ (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) لعل في لفة سريعة ما يتعلق بالخبائث إذا الله تعالى أباح للإنسان الطيبان فدائرة المباحات دائرة واسعة دائرة الطيبات دائرة واسعة لماذا يعني يضطر كثير من الناس الدخول في دائر المحرمات والخبائث من الأطعمة ومن غيرها مع أن الله سبحانه وتعالى أباح لهم هذه الطيبات ؟(5/31)
الشيخ صالح : هذا حيدة عن الفطرة ، موجودة في النفس بسبب تراكم الذنوب والبعد عن الله وغلبة الهوى يدفع على هذا وإلا المحرمات محدودة الله يقول : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) أما الطيبات فلم يعددها الله لأنها لا تعد من قبل البشر والله أعلم بها لكن صعب حصرها صعب استقصائها أما المحرمات فالله جل وعلا يقول : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) .
تركي الشهري : طيب نكمل يا شيخ بقية الآية : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) ندخل الآن في قضية أخرى قد تكون معاصرة الحمد لله بانتشار للإسلام والدعوة في الأمصار والأقطار دخل كثير من الناس في دين الله أفواجا يحصل هناك إشكالية في ما يتعلق في زوجة الذي أسلم ، أو بالعكس إذا هي أسلمت في زوجها، التعامل فيما بينهم في الأسرة إذا كان هناك بينهم أبناء أيضا كيف يكون التعامل في مثل هذه القضايا ؟
الشيخ صالح : قال الله تعالى : ({الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )) المحصنات هنا بمعنى: العفيفات ، فلا يجوز الزواج من البغي الزاني لا مسلمة ولا كتابية إلا المسلمة إذا تابت ، نأتي للمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ." أوتوا الكتاب ": إما اليهود وإما النصارى ، خارج اليهود والنصارى فلنصطلح الآن نحرر على أننا نسميهم كفار وإن كانوا كلهم كفار ، لكن نصرح على أن أهل الإشراك كفار ، ونبين حتى يظهر جليا .(5/32)
ما قلتموه قضية الإسلام هذا ظاهر نأتي و أقرب مثال في مستشفى الحرس الوطني في قضية فصل التوأمين الرجل كان كامروني الأصل نصراني سمى نفسه بعد ذلك عبد الله ، هذا أسلم لما رأى حسن المعاملة فلما أسلم ذهب إلى قومه، زوجته كانت معه فرأى ما مَنّ الله على ابني المتصلين كيف فصلا في دوله مسلمة ، وكيف أن ولي أمر المسلمين خادم الحرمين وفقه الله تبنى الأمر ووجد رعاية أثرت فيه أسلم ، زوجته لم تسلم في الأول لكن بلغني بعد ذلك أنها أسلمت .
يأتي إشكال الآن لا بد لطالب العلم أن يفقه المسألة ، المسألة كالتالي :
1. إذا أسلم كافران في لحظة واحدة : كان كلاهما كافر ثم أسلما بين يدي قاضي بين يدي شيخ بين يدي إمام مسجد في
أي مكان أسلما في لحظة واحد فيبقى زواجهما على حاله، هذه الحالة الأولى .
2. الحالة الثانية إذا أسلم رجل أيا كان كتابي وغير كتابي لكن الذي تحته كتابية : مثل حالة الأخ عبد الله ، فهو أسلم
وزوجته لم تسلم ، فماذا نقول ؟ نقول يبقى الأمر على حاله ، لماذا يبقى الأمر على حاله ؟ لأن المسلم الأول الأصلي يجوز له أن يتزوج كتابية ومن باب أولى أن يبقى من تزوج كتابية على حاله ، يعني لو أن صالحا ، تركي أي أحد منا أراد أن يتزوج كتابية له ذلك بنص القرآن فإذا جاز هذا للمسلم الذي قديم أصلي فالذي داخل في الإسلام استمرار زوجاه من كتابية من باب أولى أن يستمر ، فلا حرج أن يستمر الزواج لأن يجوز له أن يتزوج كتابية أصلا ، هذه الحالة الثانية .
3. الحالة الثالثة : لو حصل العكس الزوجة كتابية أو كافرة والزوج كتابي أو كافر لكن الإسلام جاء من قبل الزوجة هنا يجب(5/33)
أن تنفصل عنه إذا انفصلت عنه تبقى في العدة ، فإذا أسلم وهي في العدة يأتي الإشكال هل يستمر الزواج أو يحتاج إلى عقد جديد أو تصبح هي مخيرة ؟؟ يعني يحتاج العقد إلى تجديد لكن تصبح هي مخيرة أو تصبح مخيرة بمعنى أنها لا تقبله حتى لو أسلم ؟ بكل قيل ، بكل قال العلماء والأرجح عندي أنه يبقى الزواج كما كان إذا أسلم في العدة لكن ينفسخ الزواج لقول الله تعالى : ( لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) .
4. الحالة الرابعة : رجل كتابي أو كافر متزوج ذمية متزوج كافرة من غير أهل الكتاب فأسلم هو ، قصة الأخ عبد الله لا كانت
الزوجة كتابية لكن هنا الزوجة غير كتابية فإذا كانت الزوجة غير كتابية انفسخ العقد لقوله تعالى : (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) .
تركي الشهري : ما يتعلق بأهل الكتاب النصارى واليهود البعض يقول أنه حرفت ديانتهم فهل يأخذ بالحكم هذا بناءا على صدر الإسلام أو في وقتنا الحاضر .
الشيخ صالح : وقت نزول الآية كان اليهود والنصارى محرفين لم يكونوا على الحق، يعني وقت نزول الآية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم في زمنه كانوا محرفين اليهود والنصارى لأن الدين الذي جاء به موسى حق والدين الذي جاء به عيسى حق لكن هم انحرفوا عن دين الله الذي جاء به موسى وانحرفوا به عن دين النصارى الذين جاء به عيسى عليه السلام .
تركي الشهري : ذكرتم أن أحد الشروط في الزواج أن الكتابية تكون عفيفة وهذا شيخ يتعذر في زماننا هذا مع كثرت حصول العلاقات الغير شرعية .
الشيخ صالح : لو علم أنها تشتغل ببغي لا يجوز له أن يتزوجها لأن الله قال : (وَالْمُحْصَنَاتُ ) لأن هذه تصبح أم ولده (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) طبعا بعض العلماء يقول : لما نزلت هذه الآية قال بعض نساء أهل الكتاب:(5/34)
" لو لم نكن على حق لما أذن الله لأهل الإسلام أن يتزوجوا منا " فأنزل الله : (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) إن هذه القضية متاع دنيوي ولا علاقة لها بالآخرة والعلم عند الله .
تركي الشهري : طيب يا شيخ نأتي الآن الآية الثالثة ، النموذج الثالث يعني جزاكم الله خير لعلنا نأخذ شيء يناسب يعني نعود كذلك إلى منتهى الحلقة و بدايتها كنا نتحدث عن هذا المسجد المبارك قباء ، هل ثمة آية قرآنية فيها قصة اجتماعية لها ارتباط بمسجد قباء ؟
الشيخ صالح : هي لها ارتباط إذا قارنها بالسنة ، فالسنة جاء فيها في البخاري أ ن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو ابن عوف الذي تكلمنا عنه في الأول ليصلح بينهم وهي القصة التي حصل فيها أن أبى بكر – رضي الله عنه – صلى بالناس ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم و أبوبكر يصلي بالناس فصلى بهم فتأخر أبوبكر ، أما الآية فالله يقول :
(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) نجواهم تعود إلى عموم الناس ، أي أن المساراة بين الناس والأحاديث أكثرها أغاليط وخوض في محرم لا ينبغي لأهل الإسلام أن يتلبسوا بها ، ثم استثنى ربنا فقال : (إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) والصدقة أول ما تنصرف تنصرف إلى إعطاء المال لذوي الحاجات ، وقال بعض العلماء : ربما يندرج فيها التسبيح والتهليل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة ) لكن الأولى صرفها على المعنى اللغوي والشرعي في الأظهر وهو مسألة أنها تنصرف إلى الصدقة المعروفة مصارف الزكاة أو الصدقة العامة وقد جاء فلي فضلها :
( تطفئ غضب الرب ) كما أننا نحن الآن مقبلون على فصل الشتاء .
تركي الشهري : نحن في وسط فصل الشتاء .(5/35)
الشيخ صالح : مقبلون على فصل الشتاء في أول فصل الشتاء يعني في شدته ، وذوي الحاجات من الفقراء والمساكين والأسر يحتاجون إلى أشياء تقوم بها حاجاتهم في هذا الوقت بإلحاح فلو أن الأثرياء وأصحاب الأموال بدل أن تنفق الأموال في ما لا يرضي الله جل وعلا أو حتى في مباحات لا يجوز الإكثار منها ينبغي أن يتوخى الإنسان أن يكون رب الأسرة عاقلا صاحب المال :
? فمال يذهب به بنفسه بينه وبين الله سريرة .
? ومال يعطيه لأولاده لأبنائه لبناته ينفقونه ويجعلهم واسطة بينه وبين الأسر الفقيرة حتى يربي في أبناءه وبناته فضيلة الصدقة وحبها ، وهذا من ما ينبغي أن ينشأ عليه أبناء الأثرياء وأبناء الأغنياء.
والله يبتلي بالفقر ويبتلي بالغنى وسيسأل الله من ملكه الله أمواله ثم لم ينفقها وسيسأل الله أعظم من أنفقها في معصية الله ، فاخر بها فيما لا يرضي الله ، والآن ما يسمى بالبطاطين والسخانات هذه مطالب الشتاء في الغالب والأسر لا يمكن أن تعطى هذا في المسجد يعني السائل في المسجد لكن هناك جمعيات تقوم بهذا ليس الآن غرض تزكيتها ولا غير ذلك ، لكن أنا أرى أحب أن يقوم الإنسان بهذه الأمور بنفسه ويسأل عنها صحيح أن هناك في بلادنا ولله الحمد جمعيات مؤسسات كثيرة مؤتمنة والتواصل معها تواصل محمود وهم أهل ثقة ولا نزكيهم على الله جزاهم الله عنها خير الجزاء، وقد حملوا عنا تبعة عظيمة ، لكن أحب إلي أن يصنع الإنسان هذا بنفسه تطبيق عملي ، و أن يتوخى ويسأل ذوي قرابته في المقام الأول هذا قول الله:
((إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ) .
((5/36)
أَوْ مَعْرُوفٍ) كلمة عامة و الأمر بالمعروف النهي عن المنكر كلمتان تقترن أحيانا ولا تقترن أحيانا، فإذا اقترن الأمر بالمعروف مع النهي عن المنكر يصبح الأمر بالمعروف الأمر بالخير والنهي عن المنكر ترك الشر ، أما إذا لم يقترنا وقيل الأمر بالمعروف كما الآية هنا لوحده أصبح المعنى يحتمل أمرين، فكل أمر بالمعروف هو ترك للمنكر .
بقينا في الإصلاح قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى لابني عمرو ابن عوف ، والإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال كما أن السعي في الإفساد من أبغض الأعمال إلى الله قال الله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) وقال عن أهل معصيته :
(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) ، وقد ذكر العلماء بناءا على أحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن السعي في الإفساد بين الناس من أعظم القربات إلى الله سواء كان ذلك في الأعراض أو في الأموال أو في الدماء هذا كله ينبغي للإنسان أن يسعى فيه ويجاهد فيه فهذا من أقرب ما يتقرب به إلى الله وقد دل إذنه صلى الله عليه وسلم لمن يسعى بين الناس في الإصلاح أن يكذب أن لا يسمى هذا كذبا ، فالإذن بأن هذا لا يسمى كذبا دلالة على فضيلة هذا العمل .
تركي الشهري : يعني هذا من الحالات التي يباح .
الشيخ صالح : يباح فيها مثل الحرب ومحادثة الرجل امرأته ومحادثة المرأة الرجل .
تركي الشهري : طيب ذكرتم أن لها علاقة فيما يتعلق بمسجد قباء .(5/37)
الشيخ صالح : هنا لبني عمرو ابن عوف كان بينهما شيء من النزاع فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، أين وجه الدلالة هنا ؟ كون إمام المسلمين عليه الصلاة والسلام يترك فريضة العصر في مسجده ويخرج بعد الظهر ويأتي بني عمرو ابن عوف ليقوم ويباشر هذا العمل بنفسه فيه دلالة ظاهرة على أنه عمل عظيم وإلا كان بإمكانه عليه الصلاة والسلام وهو المسموع المطاع أن يبعث أحدا يقوم بهذا الصلح لكنه قام به بنفسه ، وأتى بني عمرو ابن عوف وأصلح بينهم ولم يعد إلا وصلاة العصر قد أقيمت وقطعا أن الصحابة – رضي الله عنهم - قطعا أخروها ما استطاعوا ينتظروا النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فلما غلب على ظنهم تأخره قال بلال لأبي بكر: أأقيم وتصلي قال نعم ، فصلى أبو بكر إماما ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى فلما نبه الناس أبابكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم تأخر أبوبكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تركي الشهري : اللهم صلى وسلم ، شيخنا الفاضل بقي بين يدي أربع دقائق لعلنا ننهي الحديث فيما ذكرنا عن فهم وتدبر معاني القرآن الكريم ، كما ذكرنا ما يتعلق بالشروط الأربعة التي ذكرتموها في فهم مقاصد القرآن الكريم أيضا أخذنا ثلاث نماذج تطبيقية في هذا السياق يبقى القضية الأهم يا شيخ يعني ماذا بعد ذلك ماذا يفعل المشاهد حينما يقرأ القرآن ويتدبر هل الفائدة أن يأتي إلى آخره ويختم القرآن هل الفائدة يعني إلى يمكن أن يجعل ضمن الأفكار أن يجعل له وقتا لقراءة تدبرية؟ ، هل هناك أفكار معينة لهذا السياق ؟(5/38)
الشيخ صالح : الأمر الأول : أن يكون انصراف من القلب إلى محبة كلام الله هذه البذرة الأولى، فإذا وجدت أخذ الإنسان بهذه القواعد فهم لغة العرب ، سأل الله بإلحاح أن يرزقه تدبر القرآن ، قرأ في كتب التفسير التي تسير على منهج سلف الأمة الصالح يوجد تفسير ابن كثير تفسير ابن سعدي معالم التنزيل للبغوي ، وفي كل خير حتى بعض الأخطاء تكون هنات يسيرة من بعض الأئمة كالقرطبي رحمه الله وغيره ، هذا الأمر يأخذ الإنسان كتب تفسير يضعها عنده يكثر من القراءة فيها حتى يفقه يحاول قدر الإمكان أن يخلص بنتيجة يقولها لمن حوله يقرأها الأب على أبنائه الوالدة على بناتها المعلمة على طالباتها لا يحاول أن يجعل من القران طريق خصومة ، ليس كمن قال كذا وكذا يعني تقول ما تراه صوابا لم تبلغ من المنزلة أن ترد على غيرك لكن قل ما تراه صوابا قل ما يغلب على ظنك أنه مقصود العناية بالمسائل الإيمانية انتقاء الآيات التي تأثر في النفوس ، تجعل القلوب مفضية إلى ربها مقبلة على الله منيبة هذا المقصد الأسمى للقرآن هذا أمر يجب الانصراف إليه يجعل من المرء إن شاء الله.
إذا كان بقي وقت فأنا أشكر شكرا جزيلا إخواني وأخواتي منتدى القطوف الدانية ، وفي منتدى محاسن التأويل.
أشكر أخي الكريم الأستاذ عبد الرحمن سالم، وأخي الكريم عاصم الغامدي على دورهما الجليل لهذين المنتديين .
كما أشكر الأخوات الكريمات والإخوان الذين ساهموا في تفريغ برنامج آيات الحج في القرآن وأظهروه ودونوه وهذا تطلب وقتا وجهدا لكن نسأل الله أن يجزيهم عني خير الجزاء وأنا أحفظ لهم هذا الجميل كما أحفظ لإخواني وأخوتي الذين شاركوا في تحرير سورة الأنعام وبين الفينة والفينة يفرغون الأشرطة في محاسن التأويل،أشكر الإخوان في البث الإسلامي،
أشكر الإخوان في موقع المسك .(5/39)
أشكرك شخصيا على قدومك من الرياض، أشكر أخي الأستاذ معمر العمري شكرا جزيلا ولو لم تكن أنت البديل لقلت أنني أفتقدت الشيخ معمر لكنك لم تشعرنا بفقدنا للأستاذ معمر نسأل الله أن يبارك فيكما أكرر شكري لمقام وزارة الشؤون الإسلامية شكري الخاص للدكتور توفيق السد يري، شكري لأخي الدكتور محمد الخطري، شكري لمراقب المسجد الأستاذ إسماعيل زكي ، والإخوان في هذا المسجد المبارك جميعا على دورهم والمشرفين والمؤسسة القائمة على صيانة المسجد كل هؤلاء أشكرهم شكرا جما جزاهم الله عنا خيرا .
تركي الشهري : بارك الله فيكم ، كذلك ياشيخ يمتد الشكر لكم على سعة صدركم وتقبلكم أن نأتي ونسجل في هذا المكان المبارك ونسأل الله أن يكتب خطاكم وأن تكون هذه الحلقة لبنة مباركة لنا في برنامج القطوف الدانية .
الشيخ صالح : كذلك لا أنسى الأستاذ وليد الطيب ، دوره معنا قديما ، واليوم من الله علينا بالأستاذ ياسر شعبان وفقه الله تعالى جزاه الله تعالى عنا خير الجزاء رغم ظروفه المعروفة ، لكنه شاركنا، أخي المهندس عبد العظيم جزاه الله خيرا وكل هؤلاء الإخوان في الفريق العملي هنا جزاهم الله عني خير الجزاء قاموا بجهد يعني ظاهر بين فالنقل المباشر له تبعاته لكن الإخوة في فريق العمل في قناة المجد و الأستاذ إسماعيل العمري المشرف على قناة المجد في مكة ، وجميع من حضر معنا أنا لا أستطيع أن اسمي أحدا لأنني لا أحضر الأسماء لكن الشكر عام والعمل يدل على أن وراءه رجالا .
تركي الشهري : في نهاية هذه الحلقة المباركة أشكر فضيلة الشيخ صالح ابن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء على إتاحته الفرصة في أن ننقل ليكم هذه الحلقة المباركة من برنامجكم القطوف الدانية، تحدثنا فيه عن نور القرآن.
في ختام هذا اللقاء نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى الخير وأن يستعملنا وإياكم في طاعته إلى لقاء متجدد نترككم في حفظ الله ورعايته وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .(5/40)
معمر: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين مشاهدي قناة المجد الفضائية في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , أسعد الله مساءكم بالخيرات والمسرات , اسأل الله تعالى أن يوفقني جميعاً في هذا اللقاء الذي أسعد كثيراً بأن أستضيف فيه فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء
حديثنا في هذه الليلة بإذن الله تعالى سيكون عن موضوع له علاقة بهذا الموسم وبهذه الأيام
هذه الأيام في معظم البلدان الإسلامية هي أيام إجازة وأيام اهتمام بطلب العلم من كثير من أبناءنا وبناتنا , لذلك هذه الحلقة ستكون مشتملة على العديد من التوجيهات لشيخنا تتعلق بطلب العلم وبالقراءة في بعض الكتب , أيضاً سنذكر أشياء تتعلق بسياحة لغوية وأدبية تتعلق بالموضوع , اسعد كثيراً في بداية اللقاء أن أرحب بضيفي حياكم الله يا شيخ صالح
الشيخ صالح : حياكم الله وأبقاكم ونسأل الله التوفيق
معمر : الترحيب موصول لكم أنتم أيها الأحبة وأرحب بكم وبتواصلكم مع هذه الحلقة التي ستكون بعنوان أو تحت قوله تعالى { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } إذن تحت هذه الآية سيكون هو حوارنا بإذن الله تعالى يمكن أن تتواصلوا معنا من خلال أرقام الهواتف التي تظهر على الشاشة أثناء بث الحلقة , لا يفوتني في بداية اللقاء أن أنبه إلى عدة أمور
الأمر الأول أن هذه الحلقة ستكون لها طبيعة خاصة زمنية سنقتصر على ساعة واحدة فقط لأنه سيكون هناك لقاء خاص بعد هذا البرنامج , حاول المشرفون أو المسئولون عن البرنامج أن يكون الوقت موزعاً بين هذين البرنامجين(5/1)
أيضاً أنبه إلى أن مسابقة المنتدى أو مسابقة البرنامج قد انطلقت في المنتدى حول شريط للشيخ صالح لمن يريد المشاركة يمكن أن يتواصل معنا على المنتدى لا يفوتني أيضاً أن أرحب بالإخوة والأخوات الذين يتابعون الآن على مواقع الإنترنت ولاسيما موقع البث الإسلامي والمسك
حديثنا عن قوله تعالى { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } أكرر ترحيبي بك شيخ صالح حياك الله وأهلا ومرحباً بك
قبل أن ندخل في تفصيلات الموضوع بداية شيخنا الفاضل هذا الجزء من الآية وهو قوله تعالى { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } علاقته ببقية الآية سواء ما قبله أو ما بعده في الآية نفسها
الشيخ صالح : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد فأما قول الله جل وعلا { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } فهو آخر الآية التي قال الله جل وعلا في أولها { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } وقبل هذه الآية قال الله {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } سورة طه سورة مكية القرآن كان في ذلك الحين أول ما ينزل منه
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في سورة القيامة يعجل في تلقيه حرصاً منه صلى الله عليه وسلم على تلقى هذا الوحي من ربه فأرشده ربه جل وعلا ألا يعجل لأن الله جل وعلا أوكل إلى جبريل أن يلقي هذا القرآن في قلب نبينا صلى الله عليه وسلم على النحو الأتم
ثم قال جل وعلا له { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } وبما أن الآية ختم بها هذا التنزيل قال أكثر العلماء إن المعنى
{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} بمعاني القرآن(5/2)
وذكر الإمام النسفي رحمه الله أنه قيل أن الله لم يأمر نبيه بأن يزداد من شيء إلا العلم لكنهم قالوا كما بينت أكثر المفسرين على أن المراد { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } بمعاني القرآن
لكن من قواعد التفسير أن معنى الآية إذا أحتمل وجهين هذان الوجهان لا تعارض بينهما ,,, على الوجهين
فيصبح من باب أولى أو أول ما ينصرف معنى قول الله { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } العلم بمعاني القرآن
ولا يمنع أن يكون علماً عاماً شاملاً في جوانب العلم الشرعي كله , والعلم عند الله
معمر : على المعنى الآخر يا شيخ وهو المراد به زيادة العلم فنقول خاص بالعلم الشرعي ويشمل جميع العلوم
الشيخ صالح : هو يشمل جميع العلوم إذا قلنا بالتخريج , لأنه في الأصل ,, نكرة
ثم نقول إن العلم الشرعي أولى من غيره , ,أن كان الأنبياء ينصرف حياتهم إلى العلم الشرعي لكن مثلاً العلم بإدارة الحروب والعلم بما ينفع الدين يندرج فيه
لكن العلم بما يسمى الكيمائي والفيزيائي قطعاً لا علاقة للأنبياء به
معمر : في قوله تعالى { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } كثير يا شيخ يخطئ سواء بالمؤلفات أو بمواقع الإنترنت فيضيف الياء على كلمة ( ربي )
الشيخ صالح : هو يجوز , لكن حتى يستريح ليس في القرآن ( ربي ) بالياء على وجه النداء
يعني لم يأتي في القرآن كلمة ( ربي ) بالنداء موصولة بالياء في القرآن كله
لا يوجد بالقرآن ( ربي ) على هيئة دعاء بالياء { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ } بدون ياء هكذا يعني
معمر : شيخنا تذهب مع,,
الشيخ صالح : حتى يستريح فلا يتردد
معمر : جميل , تذهب إلى القول الأول أن العلم في قوله تعالى { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }
الشيخ صالح : ينصرف أول ما ينصرف إلى معاني القرآن
معمر : على هذا المعنى
الشيخ صالح : أيه .(5/3)
معمر : لكن دعني انتقل إلى المعنى الأخر , و أن كنت ترى أنه أقل , الزيادة في العلم , بما أن هذا الموسم هو موسم يهتم فيه الأبناء والبنات بطلب العلم دعني يا شيخ نذكر بعض التوجيهات
وأنا يعني اطلب منك أن تكون هذه التوجيهات ,بعيداً عن التكرار وأن تكون أيضاً بعيداً عن الأسلوب الأكاديمي , يعني طالب العلم يحتاج يا شيخ إلى كثير من الأمور الحسية أيضاً يحتاج إلى بعض المعنويات , لعلنا نشير إليها يا شيخ
الشيخ صالح : من أول هذه الجوانب , يعني سنتبع نصحك سنخلط , يعني نجمل في الحديث ونحاول أن نبتعد عن النصائح أو الإرشادات التي هي ذائعة شائعة
فعدم قولنا لها لا يعني أن ليس لها أهمية محال ما دام قالها الأكابر من قبل , لكن لأنها معروفة لدى المتلقي قدر الإمكان
أعظم ذلك في سبيل المقصود أن يفر الإنسان من أن يكون قلبه متجبراً , لأن التجبر عياذاً بالله من أسبابا أن يطبع الله على القلب , والقلب إذا طبع عليه
طبع الله على قلب عبداً حال بينه وبين كل خير ومن ذلكم العلم قال الله جل وعلا { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } وقال { وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } وقال {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } فهذه كلها تبين أن الله جل وعلا ذم التجبر , وذم التكبر {
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ }(5/4)
فلإنسان لابد أن يجمع بين أمرين , كما أنه يحرص على طلب العلم وحضور حلقات العلم والتردد على المساجد والجامعات ومظان الطلب كالحرمين وأمثالهما فأنه ينبغي عليه أن يحرص على ألا أن يكون منه ظلم على من حوله , خاصة ذلك الظلم المصحوب بالشدة والإسراف في الانتقام سواء مع الوالدين عياذاً بالله أو مع الزوجة أو مع الأولاد أو مع البنات أو مع الجيران أو مع العامل أو مع الخادمة أو مع سائر من يتعلق حياة المرء بهم , فإذا كان الإنسان مجبولاً عياذاً بالله على التجبر والشدة في الخطاب والعنف في التعامل والإسراف في الانتقام ويحرص على أن يأخذ حقه ويكون فيه شيء من القوة يختال بها على غيره هذا من حيث الجملة من أسباب أن يطبع على القلب
لكن معلوم أن الآيات تتكلم عن الكفار , لكن هذا شيء منه , فهذا من أسباب الطبع على القلوب جملة ويحال بين صاحبه والعلم هذا أولى الوصايا
ثاني الوصايا : وهذا جانب عملي , لابد أن يحرص طالب العلم على القراءة والتأمل فيما دونه الأئمة الكبار من قبل
ويركز أيها الأستاذ الجليل على قضية أصول المذاهب
لأن الإنسان إذا علم على أي أصل بنا ذلك العالم وقوله استراح كثيراً في قضية فهمه
وحتى لا يعجل في الرد عليه , حتى يفقه اصلاً أصل القضية عند ذلك الإمام , فإذا مثلاً ذكرنا الأئمة الأربعة وقد جعل الله لم قبولاً ونفوذاً في الناس وكلمات مسموعة ولهم أتباع عبر التاريخ , معرفة ودراسة الأصول التي بنيا عليها المذاهب هذا ينفع الطالب كثيراً لكنا نعلم إن الأئمة رحمة الله تعالى عليهم هم بجلالة قدرهم وعلمهم بربهم وتقواهم لم يبرؤوا أنفسهم من الزلل
فليس معقولاً أن نبرأهم نحن من الزلل وهم لم يبرؤوا أنفسهم منه وفي كتاب " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر رحمة الله تعالى عليه فيه من الفوائد العظام في هذا التأصيل
ومما نصح به الطلاب أن يبدؤوا بحفظ القرآن(5/5)
ثم بالإطلاع على السنن والنظر في أقوال الفقهاء الكبار وتأملها ودراستها ومعرفتها ثم من خلال تلك الكلمات يستسقي
الإنسان لا يمكن أن يكون إماماً في شأن حتى يقرأ ويطلع ويكون ملماً إلماماً على الأقل إجمالياً على ما دونه أصحاب ذلك الشأن
في حياتنا البسيطة الآن الإنسان عندما يريد أن يبني بناءً عمارة فقد يكون أخوك أو جارك أو صديقك أو زميل لك قلما يفارقك ثم أحياناً تفقده أكثر مما كان يصحبك ثم تجد أن له علاقة بمن يبني يحاول أن يخالطهم يجلس معهم فتفقه أنه هو الآن في حال بناء , هو عندما يجلس معهم لا ريب أنه عندما يجلس مع من بنوا قبله كانت لهم أشياء وفقوا فيها ولهم أشياء أخطئوا فيها باعترافهم هم , لو قدر لهم أن يعيدوا البناء لما فعلوه , لا ريب أن مجالستهم والأخذ عنهم والتفقه والسمع في هذا المجال يعينه كثيراً إذا أراد أن يبني , لا ينكر هذا إلا جاهل
على هذا العلم من باب أولى ,و الأشياء تتشابه فالصناعات في أصول قواعدها واحدة
كذلك بصناعة العلم والفتوى لا بد أن يكون هناك تأمل فيما دونه الأئمة الكبار حتى لا يستعجل الإنسان
مثلاً في فقه مالك رحمه الله لا يرى أن فم الكلب نجس لأنه قد جاء في الحديث [ يغسل سبعاً إحداهن بالتراب ] فلو يأتي إنسان غر في العلم ويقرأ هذا الحديث ثم يأتي ويسمع أحد المالكية المقلدين يقول بأنه غير نجس , فيبادر على الأقل بقدحه وسبه وربما بتكفيره
كيف ترد قول النبي صلى الله عليه وسلم , ولو أن هذا المنكر تأمل مسألة القواعد التي بنا الإمام مالك عليها
معمر : أصول ,, مذهبه نعم
الشيخ صالح : أصول ,, مذهبه في بعض نص الإمام على القواعد في بعض الأحوال استقرا طلابه بعد ذلك إلى ما فعل الإمام مالك ذلك(5/6)
فمالك مثلاً في هذه المسألة الله يقول { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } فالآية ظاهرة أن الله أباح ما أمسكته كلاب الصيد
فما أمسكته كلاب الصيد يؤكل من غير غسيل سبعاً مفهومه أنه غير نجس فلما جاء الحديث يعارض ظاهر الآية لم يجد مالك للحديث ما يعضده من مثلاً عملي من أهل المدينة أو الإجماع أو ما أشبه ذلك فلم يأخذ به هو لم يقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ثم رده
لاهو يرى عدم موافقته لظاهر القرآن مع كونه غير مؤيد بأمور أُخر لا يرقى بذلك أنه يخصص ظاهر القرآن , هذه المقصود هنا ليس شرح المسألة ولا بسطها ولا أقوال العلماء فيها ولا الرد حتى الإنسان يتوقع أني صحيحاً , إنما المقصود معرفة الأصل الذي بنا عليه الإمام يريحك في الإنكار , نحن
معمر : شيخنا قبل أن ننتقل عن هذه , بالنسبة لطالب العلم المبتدئ الآن , هل ترى أنه بهذه الأصول قد تكون صعبة عليه أم ترى ......
الشيخ صالح : قد تكون صعبة ,هو الآن , نحن الآن في زمننا هذا في شيء من التسابق في شيء حصول تقريب المعلومة الإنترنت وغيرها وأن كانت الإنترنت ليست مظنة , مكان طلب فيه كتب , يعني وسائل الاتصالات سريعة , لكن أنا أقول هذا سيأتي هذا في العجلة
الإنسان إذا كان يقرأ , طبعاً هو من الذي يقرأ , هو الجواب ماذا تقرأ , لأن الناس تختلف افهامهم ومدركاتهم وسنهم وعمن أخذوا وأين نشئوا وفيما ربوا , يختلفون كثيراً فنحن لا نستطيع أن نجيب جواباً عاماً لكني أقول إن قراءة ما ذكره الأئمة الكبار ومعرفة أصول مذهبهم هذا معين جداً في فقه كلام الرب تبارك وتعالى
على أنه ينبغي أن يعلم أن القرآن أعظم مطلوب أي أن فقه القرآن هو أعظم مطلوب ولهذا قلنا إن الله يقول { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } أي علما؟!بالقرآن كما قال المفسرون(5/7)
لذلك من الأمور , يعني فليعذرني من يسمعني , المضحكات المبكيات أن أحياناً يأتيك من يقول مثلاً ( يا زيد من الناس خل ) بالعامية يقول ( خليك بالقرآن وفهمه لا تتكلم بالفقه لا تتكلم ) طبعاً هذا جهل لماذا جهل ؟
لأنه لا يمكن أن ينهى رجل عن الأدنى وقد وصل للأعلى - واضح - هذا شيء لا يقبله العقل
أنك تنهاني عن شيء أيسر مما أنا فيه وهذا ظاهر جلي
معمر : لكن يا شيخ البعض يقول أن المتخصصون في الفقه غير المتخصصين في علوم القرآن
الشيخ صالح : لا علوم القرآن شيء وفهم كلام الله شيء أخر , يعني الكلام في العلم , في القراءات مثلاً الأمور الأُخر شيء أخر , لكن القضية لا يمكن أن يكون فقه إلا من القرآن , يعني لا مصدر أسبق ولا أول ولا قبل القرآن شيء , فمن أعطاه الله جل وعلا علماً حقيقياً في القرآن فكل علماً بعد ذلك ,, لأن كل العلوم تساعد على فهم كلام الله وهذا الذي دونه الأئمة الكبار وحرروه ودونوه في كتبهم , وهو الحق الذي لا مرية فيه , طبعاُ أنا لا أريد أن يصبح الموضوع موضوع مجادلة مع الغير , لكن حتى يتريث الناس في مسائل الإنكار
معمر : جميل , قبل أن أنتقل إلى توجيهاً أخر أستأذنك في هذه الاتصالات معنا الشيخ محمود الشنقيطي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
معمر : حياك الله أخي الكريم
المتصل : أحيي الشيخ معمر وأحيي فضيلة الشيخ صالح المغامسي
الشيخ صالح : حياك الله يا شيخ محمود(5/8)
المتصل : وحبذا لو أشار الشيخ حفظه الله إلى حكمة ارتباط النبوة بالعلم في قصص الأنباء جميعاً وثناء الله عز وجل عليهم بذلك حيث قال عن آدم { أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ } وبرر لإبراهيم وبرر إبراهيم لأبيه محاجته بقوله { قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } ولوط قال الله عز وجل عنه { آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } قال عن داود {آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا } وأثنى على يوسف بقوله { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } فما هي المعاني والفوائد التي تشير إليها هذه الآيات والتي يمكن لكل من طلبة العلم والدعاة والعالم يستفيدوا منها كل بحسبه
الأمر الأخر الإشارة إلى تلطف الله عز وجل مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية حيث أثنى الله عز وجل نهيه عن العجلة في حفظ القرآن وبيانه للرغبة والأذن له بسؤال الله عز وجل بزيادة من العلم مع أن المؤدى واحد
النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يحرص على ذلك لأجل الزيادة والله عز وجل تلطف معه في النهي وعقبه له بالإذن , جزاكم الله خير
معمر : شكراً يا محمود يعطيك العافية ننتقل لأم لجين السلام عليكم ورحمة الله
المتصلة : السلام عليكم ورحمة الله
معمر : عليكم السلام , تفضلي
المتصلة : على الهواء
معمر : تفضلي أم لجين
المتصلة : ابسأل الشيخ عن في سورة الكهف إجابات الخضر لموسى عليه السلام , الأولى
الشيخ صالح : قال : {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا }
المتصلة { فَأَرَدتُّ } الآية ألي بعدها { فَأَرَدْنَا } ألي بعدها {فَأَرَادَ رَبُّكَ } الفرق بين الثلاثة
في نفس السورة الفرق بين { فَمَا اسْطَاعُوا } و { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ }
معمر : طيب سؤال أخر أم لجين
المتصلة : كيف يحرص الإنسان على أن يواصل طلب العلم ’ لأنه في البداية يكون مجتهد وبعض الناس يعني
معمر : ثم يفتر(5/9)
المتصلة : يمنعه
معمر : طيب شكراً أم لجين , أنتقل إلى عبد الرحمن السلام عليكم ورحمة الله , أخوي عبد الرحمن تفضل
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركته
معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل : كيف حالك يا شيخ
معمر : حياك الله تفضل
المتصل : يا شيخ أسمح لي بسؤال
الشيخ صالح : تفضل
المتصل : يا شيخ الله يرضى عليك
الشيخ صالح : آمين
المتصل : في قراءة التفسير للمبتدئ في قراءة التفاسير ’ هل تنصح أن يقرأ في عدد من الكتب , يقرأ بشكل تدريجي
فهل تنصح بأن يقرأ أكثر من كتاب في آن واحد , لثبات المعنى أم الإقتصار على كتاب واحد وقراءته عدت مرات أو قراءة كتاب ثم كتاب ثم كتاب على هذه الطريقة
الشيخ صالح : طيب إن شاء الله
معمر : سؤال أخر عبد الرحمن
المتصل : يا شيخ أحياناً عند قراءة كتاب الله يفتح الله علي وأفهم وأتدبر , وأحياناً أقرأ , ويقل ذلك أحياناً لا أكاد أنتبه لمعاني الآية , فما الإشكال في ذلك
معمر : طيب شكراً يا عبد الرحمن
المتصل : يعطيكم العافية
معمر : الله يعافيك شكراً عبد الرحمن , شيخنا الفاضل محمود كان يشير إلى مسألة مهمة وهي ارتباط النبوة بالعلم وقد فسرها بمجموعة من الآيات
الشيخ صالح : فيه نقطة أساسية , الشيخ محمود طالب علم ومدرس ما شاء الله , لكن فيه أساسيات يعني , عندما تجلس في مكان ما تنفع الناس , هذا من باب النصح العام , لا يأتي في خلدك أنك تستطيع أن تقول كل شيء محال - واضح - لكن أنت أجعل لك شيء تريد أن توصله إلى الغير على الأقل في هذا اللقاء وفي تلك الليلية أو في تلك الجلسة حسب حالك
فعندما تأتيك أمور أُخر صوارف فالعلم بحر لا ساحل له وعلم القرآن من باب أولى وما يحتاجه الناس كثير وما نعلمه أقل بكثير مما نجهله , ,,,(5/10)
لكن لو أردنا أن نجعل اللقاء هذه الحلقة مثلاً كعلاقة العلم بالأنبياء علاقة العلم بكذا سنستطرد ونحن لا نملك إلا ساعة نريد من خلالها أن نوصل رسالة مع أن الشيخ محمود أسئلته كانت إجابة ما شاء الله ولا قوة إلا بالله
معمر : طيب ننتقل إلى السؤال الأخر الذي يقول تلطف الله عز وجل
الشيخ صالح : هذا ظاهر المعنى لكن كما قلت أنا لم أرد أن أفسر الآية , أنا أردت أن أبين ما علاقة الآية بلقائنا اليوم العلمي , وإلا التلطف كما ذكر الشيخ محمود ظاهر وهذا ذائع في القرآن كله , وقد نبهنا إلى هذا في لقاءت منفصلة
معمر : أم لجين تسأل عن قوله تعالى { فَأَرَدتُّ } , { فَأَرَدْنَا } , {فَأَرَادَ رَبُّكَ }
الشيخ صالح : هذه شرحناها يمكن مراراً وقلنا أنه لما ذكر العيب نسبه إلى نفسه ولما ذكر الخير نسبه إلى ربه , وأما { فَمَا اسْطَاعُوا } و { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ } فقلنا أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى ولأن الظهور على الردم أيسر من نقبه وخرقه, فلما ذكر النقب أثقل قال { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } ولما ذكر الصعود والظهور عليه خفف فقال {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ }
معمر : جيد هنا سألت سؤال مهم يا شيخ تكرر كثيراً على الموقع موقع البرنامج تقول إن الإنسان يبدأ طلب العلم بهمة ونشاط ثم يمر بفترة فتور
الشيخ صالح : هذا ينقصه فقه التدرج وأنه يريد أن يجمع كل شيء وهذا محال لكنه لا تستطيع النفس الإنسانية أن تنفك عن هذا , يعني هذا أمر طبعي
معمر : لكن كونه ينشط ثم يفتر أيضاً طبعي
الشيخ صالح : أمر طبعي لكن هو , الفتور لا يعني الترك بالكلية , لكن على الأقل يعني تلك الاستراحة يكون بعدها دفع أقوى
معمر : أشرت إلى نقطة مسألة التدرج عبد الرحمن أيضاً يقول ما رأيك في التدرج فيمن يقرأ كتب التفسير(5/11)
الشيخ صالح : أيه كتب التفسير , أنا دائماً أقول لا أستطيع أن أجيب جواباً عاماً , لكن من هو الطالب , لكن لو قرأ إلى حد ثلاثة كتب في الأول مع بعضها البعض لا حرج
معمر : لو بدأ بكتاب واحد
الشيخ صالح : لو بدأ بكتاب ينفع لكن لا أنصح بكتاب واحد
معمر : يعني يا شيخ يبدأ في قراءة ثلاث كتب متزامنة
الشيخ صالح : ثلاث كتب متزامنة , متزامنة بمعنى أنه لو خصص ست أشهر لإنهائها تكون من ست أشهر تنتهي مع بعضها البعض
معمر : جيد يقول أحياناً يفتح الله عليه في العلم وفي فهم بعض الآيات
الشيخ صالح : هذا في كل شيء القلوب , الحياة كلها الحياة إقبال وإدبار , لكن الإنسان وقت الإقبال يستمر يمضي , وقت الإدبار يحاول أن لا يصيبه الانفصال التام عما هو فيه
معمر : شيخنا ذكرت قبل قليل توجيهاً لطالب العلم وهو
الشيخ صالح : ,,, الأسئلة أنت تخرجها عن عالم,,,؟!
معمر : تقول يهتم بدراسة أصول المذاهب وأصول
الشيخ صالح : هذا مهم جداً , لأن معرفة أصول المذاهب معرفة العلم يبين لك
أولاً جلال الأئمة , حتى لا يسارع بالإنكار ثم يبين لك أن هذا الطريق ليس بالأمر الهين , لكن إنما يعني , وأنا لا أريد يعني المشكلة أن الناس الآن بزماننا أغلب ما يطلب العلم ينظر إلى كتب الفتاوى , ويرى أن كتب الفتاوى أصل يؤخذ منه
كتب الفتاوى يأخذ منها العامة , لكن في أصلها لا يؤخذ منها(5/12)
يعني يستأنس بها تقرأ تجل لكن لأن غالبها لا يكون مفصلاً للدليل وبعضها وان كان فيه الدليل لا يبين على ماذا بني , على أي أصل بني هذا الدليل , ولا شك أنك عندما تجيب أحداً يعني مثلاً اللجنة الدائمة للإفتاء وفقنا الله وإياهم لكل خير , عندما يجيبون رجلاً من العامة سواء في السعودية أو في خارجها , هذا العامي لا يريد منهم أن يؤصلوا المسألة وو , يريد جوابها , لتبرأ به الذمة أمام الله , فالمشايخ الفضلاء يجيبونه بما يحتاجه , لكن أنت كطالب علم تريد علماً المسألة تختلف خلافاً جذرياً في الطلب
لذلك أين تبتلى ؟!
تبتلى لو أن إنساناً ما سمع فتوى لأحد الناس أياً كان فهو إن لم يكن من طلبة العلم الكبار فلا حاجة له أن يعنف على أخيه وأن ينكر ويتكلم , إنما يذهب , الذي يحسن من طالب العلم , الذي ينتسب للعلم أن يذهب للمكتبة ويأخذ أي كتاب بالفتوى , وقد أغبر لأنه لا يقرأه أصلاً , لكن أثارته هذه الفتوى فيقرأ في الفتوى , في نفس , أياً كان الكتاب الذي يطمئن إليه , أنها مخالفة لما قال فلان , فيتصل يقول أنت تقول بكذا
معمر : والفتوى
الشيخ صالح : والفتوى هكذا , طبعاً هذا ليس بعلم ولا يحق لك أبداً في هذه المنزلة أن تناقش , ليس لك الحق شرعاً
هو يتعجب من جرأتك في الفتوى , والأعجب منها جرأته على العلم وعلى الله , أنه يريد أن يناقش
ومعلوم أن من يناقش أمثال هؤلاء , ضرب من الجنون , لأنك لن تصل معه إلى التقاء , لماذا لا تصل معه إلى التقاء ؟!
لأن الفارق بينك وبينه علمي كبير(5/13)
ومع ذلك أنت تذهب وقتك معه وهو لا يمكن أن يفقه , لأنه لو كان يفقه اصلاً لما سألك وناقشك في هذه القضية , لأنه لو علم أن هذا القول قد قيل أو مبني على أصل لما أستطاع أن يناقش , أو على الأقل طريقة السؤال , يعني عندما يقول لك أحد من الناس مثلاً معمر يقول شيئاً , لا يأتي أحد يقول , لكن كيف تقول بهذا يا معمر صالح يقول كذا , لو أن صالح قال كذا هذا ليس بحجة -واضح- هذا ليس أرضية للنقاش ولذلك يحصل يعني شيء من النفرة بين الناس لأنه لا يوجد طرائق صحيحة للمحاورات والمناظرات العلمية
وإنَّ عناءً منك أنَّ تحاور جاهلاً ... فيحسب جهلاً أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فلا يمكن الوصول إلى حل مع أمثال هؤلاء
معمر : شيخنا بعض طلبة العلم يلاحظ أنه يهتم بهذه الأصول يهتم بالقراءة كثيراً في كتب أهل العلم , لكن جانب الفهم عنده ضعيف قد يصل إلى هذه المرحلة من المناقشات بدون وعي لهذا , اهتمام طالب بفهم ما يقرأ
الشيخ صالح : نعم , هذا أصل ثالث أو فلنقل , نجعله إرشاداً ثالثا
لابد أن يكون للإنسان, أصلاً الإنسان مع تجارب حياته يعرف أين هو من الفهم , الفهم لا بد منه , وقد قال صلى الله عليه وسلم [رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ]
وابن تيمية رحمة الله تعالى عليه شيخ الإسلام له كلام جميل في هذا ذكر أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه حافظ الإسلام الأول ونفع الله جل وعلا به الدين نفعاً عظيماً فجزاه الله عن أمة محمد خير الجزاء , لكن ابن عباس وأن كان أقل منه رواية إلا أنه افقه من أبي هريرة , وكل من أصحاب محمد
لكن فقه ابن عباس لا يقاس بفقه أبي هريرة , مع أن أبا هريرة أحفظ , ولا يعني خلع الفقه عن أبي هريرة , هذا لم يرده ابن تيمية ولم أرده أنا ولم يقل به عاقل
لكن المقصود أن الأفهام تختلف , تتفاوت , فطالب العلم الحق يربي نفسه على الفهم , كيف يربي نفسه على الفهم ؟!(5/14)
يقرأ في كتب المناظرات , والكتب التي يقول ,, سواء كانت شرعية أو عربية لأن العربية لصيقة بالشرع , فيقرأ كيف كان الأئمة يتفاوتون يتجادلون , كيف يسوق هذا أدلته
يرمي ما في كنانته , فينظر كيف يتكلم هذا , كيف يتكلم هذا
هذا سيربي ملكة الفهم عنده وينميها
مثلاً , الترخيم , نخرج عن كلام الله حتى لا نقع في المحظور
الترخيم , هذا في النحو , حذف آخر الأسماء
معمر : أفاطم
الشيخ صالح : أيه أفاطم مهلاً بعض هذا التذلل
يا عائش , النبي صلى الله عليه وسلم يقول حذفت التاء
يا صاحي , يعني يا صاحب - واضح - هذا الكلام ,عندنا قول البصريين الكوفيين فيه
فالبصريون يرون أن الاسم الثلاثي لا يرخم , والكوفيون يرون أن الاسم الثلاثي يجوز أن يرخم إذا كان متحرك الوسط
مثل زفر مثل عمر , أما ساكن الوسط اتفقوا جميعاً على أنه لا يرخم
يرمي كل منهم بحجته الآن , أنت عندما تقرأ تفقه
فالبصريون و الكسائي معهم وهذا من إجلال العلم لأن الكسائي كوفي , لكنه كان معهم رغم أنه إمام أهل الكوفة
والكوفيون تركوا شيخهم وانشئوا مذهباً أخر في هذه القضية
فالبصريون يقولون إن المقصود من الترخيم التخفيف , والاسم الثلاثي أتى على أقل أعداد الأصول ثلاثة فلا حاجة لأن يخفف
رد الكوفيون قالوا إننا وجدنا في اللغة كلمات ثنائية مع اتفاقنا على أن أصلها ثلاثي , لأننا متفقون على أن العدد ثلاثة أقل الأصول التي وجدت في اللغة , فقالوا مثلاً كلمة دم , كلمة يد أصلها يدي بالياء يدي, وفي الدم قال فرق إنها دمو , وقال فريق أنها دمي بالياء , والأشهر والأرجح والأظهر أنها دمي
الذي يعنينا هنا , دمي أو دمو , المهم أنها وجدت كلمة دم وجدت كلمة يد
أحتج بهذه الألفاظ الكوفيون قالوا ما دام موجود دم موجود يد في اللغة , فجاز لنا أن نرخم الثلاثي
فيصبح , نقول في عمر , عم , وفي زفر , زف نحذف الراء – واضح-
مع أن الآخرين قلنا أنهم قالوا أقل الأعداد ولا يحتاج إلى تخفيف(5/15)
إذن هنا تفقه كيف أدلى كل منهم بحجته وكيف كل منهم رمى بسهم من كنانته
المواظبة على قراءة مثل هذا في كتب الأئمة " كالإنصاف" لابن الأنباري وغيره من الكتب التي جمعت كتب المحاورات , هذه تشحذ الهمم تقوي التأمل والفكر في العقل وتأخذ مرحلة من عمر الإنسان لا بد منها , حتى قبل أن يتصدر يخرج للناس يصبح أهلاً أن يتكلم
لكن أن يكون الإنسان منكر قبل أن يقرأ هذا كله , قبل أن يعرف علم الآلة قبل , قبل , قبل , هذا أعان الله من ينكر عليه
معمر : قبل أن ننتقل إلى توجيه أخر أستأذنك في هذا الفاصل , مشاهدي الكرام فاصل قصير نتابعه سويا ثم عودة لضيفنا الكريم أبقوا معنا
أ.معمر العمري :أهلا ومرحبا بكم مشاهدين الكرام باسمكم جميعا نرحب بضيفنا الكريم حياكم الله أبا هاشم ، نبدأ، بالاتصالات معنا الأخ محمد السلام عليكم .
المتصل : السلام عليكم ياشيخ صالح .
الشيخ صالح : الله يحيك .
المتصل : شيخ صالح الله يحفظك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل ما بعثي الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث "
أولا : لماذا شبه العلم بالغيث ؟ ، الأمر الآخر: هل هذه الأمثلة الثلاثة المذكور ممدوحة أو بعضها مذموم وبعضها ممدوح ؟ ،
الأمر الثاني : ما صحت قول من يقول : "ما فسد من علمائنا فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى " .
المسألة الثالثة : هل هناك كرمكم الله حيوانات في القرآن ممدوحة لأنها عالمة ، وأخرى مذمومة لأنها جاهلة ؟.
المسألة الثالثة : أمنية صراحة الناس يطالبون الأخ معمر بتغير الديكور ، لأننا عندما نرى الحلقة قبل سنوات غير ما نراه الآن .
الطلب الأخير أمنية أن يمن الله عزوجل علي بالسفر مع الشيخ صالح ، ففي ميزتان الأولى أنني أحب العلم أهله ، الثاني : أنني أجيد إصلاح القهوة التي يحبها الشيخ صالح .
أ.معمر : شكرا لك أخي محمد ، وجزاك الله خيرا ، ننتقل إلى أخينا سلطان سلام عليكم .
المتصل : وعليكم السلام .(5/16)
أمعمر : تفضل يا سلطان .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أ.معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المتصل : أسعد الله مسائكم .
أ.معمر : أهلا وسهلا تفضل .
المتصل : السؤال الأول أوجهه لك أستاذ معمر ، بالنسبة للمنتدى هل كل أحد يستطيع دخول قطوف دنية على الإنترنت وأن يشارك فيه أيضا ؟
أ.معمر : بكل حب وتقدير ، نرحب بالجميع .والتسجيل سهل والكل يستطيع أن يشارك ، السؤال الآخر .
المتصل : السؤال الآخر لفضيلة الشيخ كيف الجمع بين هذه الآيات قول الله جل وعلا {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً} وقوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} وقوله تعالى في الحديث القدسي [ ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ] إلى غير ذلك من الآيات ، وأسأل الله للشيخ التوفيق والسداد والإعانة إنه ولي ذلك والقادر عليه ، واستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله .
أ.معمر: شكرا يا سلطان ، الله يعطيك العافية شكري لك و لجميع الإخوة والأخوات اللذين داخلوا معنا ، أستأذن الإخوة المشاهدين وأستاذنا المخرج أن تكون هذه نهاية الاتصالات نظرا لضيق الوقت ، حفيدة محمد كان لها مداخلة إذا في تعليق .
الشيخ صالح : القضية هذه مبنية على قواعد علمية المستبين لنا في دين الله جل وعلا أن المرأة إذا لبست إلى ما يغطي أكثر من نصف ساقيها لا حرج عليها إذا كانت بين نساء ثقات مثل خالاتها وعماتها هذا قلناه في الحلقة الماضية .
أ.معمر : تحديد القصير إلى نصف الساقين لأن البعض ترفعه.
الشيخ صالح : ترفعه هي تتحمل وزرها ، أنا مسئولا أمام الله عن فتواي ، ولست مسؤلا عن فهم الناس لفتواي هذه في التأصيل العلمي معروفة .
أ.معمر : تكون بين أقاربها .(5/17)
الشيخ صالح : بين أقاربها بين نساء مضمونات ، يعني لا يلزم أن تكون قريبة ما دامت بين نساء مأمونات لا أعلم في شرع الله ما يمنع ذلك .
أ.معمر : شيخنا الفاضل الأسئلة كثيرة الاتصالات وأرجو منك أن يكون باختصار .
أبو محمد يقول : لماذا شبه العلم بالغيث؟ ، وذكر حديثا .
الشيخ صالح : هذا في الصحيح حديث أبي موسى الأشعري ، الغيث الماء تحيى بها الأبدان ، وكذلك الوحي تحيى به القلوب ، وأما المثل فلم يكن أن العلم يختلف لا ، العلم واحد ، ولا أن الماء يختلف لكن المتلقي يختلف ، ثمة أرض تنبت ، وثمة أرض تمسك وتنفع ، ثمة أرض لا تمسك ماءا ولا تنبت كلأ، وهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل من لم يرفع بما أوحى إليه رأسا .
أ.معمر : الأمثلة الثلاثة يقول هل كلها ممدوحة .
الشيخ صالح : العلماء اختلفوا وهي مثالين أو ثلاث ، لكن على الإجمال اثنان يصح أن نقول واحد في باب الخير ، والآخر في باب السوء .
أ.معمر : يقول : تشبيه باليهود والنصارى بالنسبة .
الشيخ صالح : قالها بعض العلماء ، يعني صعب جدا أن يشبه مسلم يوحد الله باليهود والنصارى ، وإن كان قوله فيه شبه منه ، لكن كذلك صعب جدا .
أ.معمر : يسأل هل ورد في القرآن حيوانات ممدوحة ؟
الشيخ صالح : ورد حيوانات ممدوحة ناقة الله ، أضاف الله له إضافة تشريف ، ووردت أشياء مذمومة لكن الذم في القرآن إما أن يكون على الجنس {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} أو المدح على العين ، ليس على الجنس كقول الله جل وعلا {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
أ . معمر : الأخ سلطان أورد بشرى ويتساءل عن قوله {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً} وقوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}
الشيخ صالح : هذه تحمل كلها على معنى أن المقصود منها تعظيم هذا الأمر ، وإجراء الوعيد فيه ، حتى لا يكون بينهن تعارض .(5/18)
أ معمر : أعود إلى محاوري ، المتأمل في هذا البرنامج في حلقات مضت كنت كثير تستشهد بالأحداث بالتاريخ هل توصي طالب العلم أن يهتم بالاستمداد من التاريخ ؟ .
الشيخ صالح : نعم حتى لا نؤخر الإخوة ، بقيت من أعظم الوصايا العلم بالتاريخ والأحداث ، هذا يساعد الإنسان على السير بتؤدة ، مثلا الأحداث التي مر بها عثمان وعلي تساعد الإنسان في أحداثنا المعاصرة ، علم الإنسان أن الدنيا دول فلا يركن إلى الدنيا ، ثمة وصية لو حررت يكون طيب ، أوصى أحد الصالحين ابنه من السلف في قضية لا أحب أن أقولها الذي يعنينا الوصية ، الوصية قال له فيها :
" يا بني إن الدين لم يبني شيئا فهدمته الدنيا ، وإن الدنيا لم تبني شيئا إلا وعاودت إليه فهدمته " التأمل في التاريخ والأحداث يساعدك على التريث على التؤدة في السير، قراءة تراجم العلماء يعنى
الاستيعاب لابن عبد البر
في سير الصحابة رضوان الله عليهم الآن طبع في مجلد واحد ، لو أن الإنسان اقتناه وأكثر من النظر فيه على أني لا أسلم في كل ما قاله ابن عبد البر ، لكن تنفع كثيرا طالب العلم في هذه المسألة .
أ .معمر : أشرت إلى مسألة التدرج والصبر وعدم ..
الشيخ صالح: الصبر مندرج في الأول ، لكن الإنسان يحاول يمكث مراحل من حياته يجمع ، ويتأمل ، حتى يشب عن الطوق ويتقن علم الآلة ، ويختبر نفسه في الفهم ، حتى يرى هل هو أهل لأن يعطي أن ينفع الناس بما أتاه الله جل وعلا من العلم هذا مهم جدا ، أنا لا أريد أن أطوي هذه الصفحة قبل أن أقول وقد وقع بين يدي كتاب للشيخ عبد العزيز ابن ابر هيم بن قاسم ، القاضي بالمحكمة الكبرى في الرياض ، اسمه
" الدليل إلى المتون العلمية "(5/19)
قرأت هذا الكتاب أنا أوصي طلبه العلم باقتنائه ، وقراءته .. قسمه حفظه الله إلى ثلاثة أقسام باب تمهيد وفصول ، باب تمهيد وبيان فرائد في العلم فوائد في العلم ، وباب في العلوم الشرعية وباب في العلوم العربية ، الكتاب يفصح عن أهم الكتب التي في المذاهب الأربعة في فقه المذاهب الأربعة ،أصول المذاهب الأربعة وعلم التفسير ، كتاب يصعب شرح محتواه لكنني قد وقفت عليه جيدا فيه فوائد ووضع تصور جميل جدا كيف يأتي الإنسان لكتب العلماء ويستفيد منها .
أ .معمر : من ميزة الكتاب كان الشيخ حفظه الله كان يتكلم من واقع تجربة .
الشيخ صالح : هو أصلا ما شاء الله لا قوة إلا بالله هو روح العلم وروح الأدب الكتاب هذا مهم ، روح الأدب والإنصاف لما تقرأها في كتاب تستريح لمؤلفه في الكتاب نفسه ، كما تجدها في السلف عند الذهبي في الأعلام .
أ . معمر : شيخنا ذكرت خمسة أصول وخمس توجيهات ، وإن شاء الله أنها تفرغ على الموقع ، دعنا ننتقل يا شيخ إلى الجانب العملي ، وهو المهم ، كنت في البداية تشير وتذهب إلى ترجيح أن قوله تعالى : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} تنصرف إلى العلم بمعاني القرآن ، خلال قراءتك لكتب التفسير كثيرا ومباركة بإذن الله هل اطلعت على بعض أقوال الأئمة المتعلقة بهذا والتي من الممكن أن تحفز من همم طلبة العلم.(5/20)
الشيخ صالح : إذا أنت لي على ما طلبت سنذكر فوائد سريعة ما يتناسب مع الوقت تبين لنا كيف أن الله وفق هذا الشيخ لأن يقوله ، مثلا الإمام مالك ، نقل عنه أنه كان يحب الموز ، الموز الفاكهة المعروفة فسأل عن هذا لم هذا يا أباعبد الله؟ قال : إنه أشبه الفاكهة بثمار الجنة ، قيل كيف عرفت ؟ ، قال : إن الله يقول {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} يعني أكل الجنة دائم ، قال : والموز فاكهة لا تكاد تفقدها ، لا في الصيف ولا في الشتاء ، ليست موسمية ، فهذا ربط جميل جدا موفق مع أن القضية يسيرة لا يتعلق بها حلال ولا حرام ، لذلك لا نتعرض للأحكام هنا ، لكن نتكلم قضية كيف أن الإنسان حتى لما تمر عليه آية مثل هذا كيف يربطها بالواقع ، الله جل وعلا قال : أظن هذه قالها البقاعي في الدرر أو غيره أنا لا أنسب القول إلى قائله لأن هذا لا يعنيني باهتمام الذي أريد أن أقوله لما ذكروا قصة الفتى الذي كان ساقيا للملك وأراد أن يعرض الرؤيا على يوسف ، قال : {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} لما قال " لَّعَلِّي " ؟ جعل لنفسه خط رجعة لأنه قد يكون تأويل الرؤيا من يوسف أمر غير مقبول عند الملك ، الآن الناس ما تدري ما تأويلها فربما قال يوسف تأويلا لا يرتضيه ذلك الملك ، ملك مصر ، فلا يمكن ذلك الفتى أن يغامر بروحه ويخبر الملك بتعبير الرؤيا ، وهو ينتظر أولا ما التعبير قبل أن أحمله إلى الملك ، {لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} هنا قد تقول تعبير لا يمكن أن أواجه الملك به فلا داعي لأن أقوله ، فجعل لنفسه مخرجا .(5/21)
التسبيح في القرآن : فمعلوم أن التسبيح ألفاظه كلمة استأثر الله بها نقل السيوطي رحمة الله تعالى عليه في معترك الأقران عن الكرماني في متشابه القرآن نقل كلاما جيدا :
"قال إن التسبيح كلمة استأثر الله بعلمها فجاء ترتيبها في فواتح السور في المصحف على التالي :
•جاء الله بالمصدر في الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} لأن المصدر هو الأصل .
•ثم جاء تبارك وتعالى في سورة الحديد وما بعدها بالفعل الماضي {سَبَّحَ لِلَّهِ} لأن الماضي أسبق الفعلين .
•ثم جاء تبارك وتعالى في التغابن والجمعة جاء بها بالفعل المضارع بعد أن جاء في الحديد بالفعل الماضي .
•ثم ختم بالفعل الأمر في سورة سبح {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}
نحن نقرأ القرآن لكننا لم نصل إلى مرحلة أن نفقه كما فقه هؤلاء الأكابر ، هذه بعض ما قاله المفسرون يعني تناسب الوقت الذي نحن فيه .
أ.معمر : جميل جدا شيخنا قبل أن نختم الحلقة بقي معي ثلاث دقائق ، والآن موسم سياحة أترك لك سياحة لغوية وأدبية تختم بها اللقاء .
الشيخ صالح : أولا الإخوة السائلون أخرجوا الموضوع خرج عن يدنا ، ما كنت أود أن يكون اللقاء بهذه الصورة ، لكن بقي أن نذكر مثلا قضية القراءة في الأوائل حتى في الأدب قال الفرزدق :
وهب القصائد للنوابغ إذ مضوا** وأبو يزيد وذو القروح و جرولُ
ويقصد أن اطلاعه على ما دونه الأكابر أورثه علما ، فالنوابغ قصد النابغة الذبياني ، والنابغة الجعدي والنابغة الشيباني، وهؤلاء الأول منهم صاحب المعلقة المشهورة :
يا دار مية بالعلياء في السند **
والثاني أبو ليلى الصحابي المعروف ، والثالث أقل منها شهرة .
وأبو يزيد قصد المخبل السعدي ، وذو القروح هو امرؤ القيس حامل لواء الشعر في جهنم ، يقولون عنه أنه أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى وسمي بذي القروح لأنه لبس حلة يقال أن ملك قيصر أهداه إياها وهي مسمومة فنشأة الجراح فيه .(5/22)
وجرول هو الحطئية ، فهذا يفيد في الأمر .
قلنا قبل ذلك أن كلمة دم أصلها دمي ، لورد ذلك عن ابن بدال أحد شعراء الجهلية ، يقولون إنه قال :
لعمرك إنني وأبا رباح *// * على حال من التكاشر منذ حين
فيبغضني وأبغضه وأيضا * // * يراني دونه وأراه دوني
فلو أنا على حجر ذبحن * // * في كلمة أضعتها سال الدميان بالخبر اليقين
الدميان هو موضوع الشاهد : لأن مثناها جاء بالياء فدل على أن أصلها ياء ، لأنه شاعر جاهلي هذا كانت تزعم العرب في الجاهلية أن الاثنين المتباغضان إذا ذبحا سويا فإن دم كل أحد منهما يأخذ جهة ، فيأخذ أحدهما ميمنة ويأخذ أحدهما ميسرة ، هو يريد أن يثبت هذا ، يثبت بغضه لأبي رباح قال :
فلو أنا على جحر ذبحن // الدميان بالخبر اليقين .
يعني ينطق الدميان بالخبر اليقين يذهب دمي ميمنة ودمه ميسرة ، وهذا مالا نقبله عقلا ولا نقلا ، ولكن العرب قالته فنقلته .
أ.معمر : أحسن الله إليكم شيخ صالح نختم بهذه السياحة الأدبية واللغوية أتقدم لك بجزيل الشكر .
الشيخ صالح : شكر الله لكم ، وأسأل الله جل وعلا أن يبارك فيما قلناه ، ونعد الفضلاء بلقاء مطول أجمل مما قلنا لأنني لست راضي عن الحلقة .
أ . معمر : أحسن الله لكم مشاهدي الكرام و جزاكم الله خيرا على هذه المتابعة الكريمة ، لا يفوتني في ختام اللقاء أن أشكر الإخوة والأخوات على الموقع ، أشكركم على هذه المتابعة وأطلب منكم أن تبقوا معنا لنتابع سويا البرنامج التالي لهذا البرنامج ولقاء خاص موضعه يهم كثير من المشاهدين ابقوا معنا بعد هذا البرنامج ، ألتقيكم بإذن الله الشهر القادم وأنتم على خير وفي خير وتصبحون على خير ، استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(5/23)
لطائف المعارف [سليمان وجنوده]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
و الصلاة و السلام على خير خلقه و أفضل رسله
أما بعد :
أيها الإخوة المباركون و الأخوات المباركات
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
و حياكم الله في لقاء جديد من برنامجكم [لطائف المعارف] و عنوان حلقة هذا اليوم يحمل عنوان :
*سليمان و جنوده*
و هو مقتبس من قول الله جل و علا :{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }
سليمان عليه الصلاة و السلام أحد أنبياء بني إسرائيل و هذا النبي الكريم هو أصلا ابن لنبي هو داود عليه الصلاة و السلام و كان الله جل و علا قد آتى داود الملك و الكتاب و الحُكم و النبوة
و هو من أعظم أنبياء بني إسرائيل صلوات الله و سلامه عليهم
هذا النبي الكريم أي داود آتاه الله جل و علا الرغبة في العبادة و القدرة عليها فهو من أعبد خلق الله , و لهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود و أحب الصيام إلى الله صيام داود (
نحن قلنا إن عنوان الحلقة :<< سليمان و جنوده >>
الله جل و علا ذكر خبر سليمان في مواطن متفرقة أشهرها في سورة النمل , قال الله جل و علا:{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} هذا خبر نبي الله {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ } ذكر الله جل و علا ذلك الخبر أنهم أتوا على واد النمل{ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }و هذا من أدبها لأنها أشفقت على قومها و تأدبت مع نبي الله سليمان بقولها :{ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } لكن الحدث الجلل في خبر سليمان هو قصته مع الهدهد و قوم بلقيس أي قوم سبأ(6/1)
سليمان عليه الصلاة و السلام بدا له ذات يوم أن يتفقد جيشه قال الله جل و علا :{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ }
المرء إذا أوكل إليه عمل إما أن يأخذه بقوة أو أن يتركه , فالأمور لا يحسن للعاقل أن يتولاها ثم يضعف في كيفية الأخذ بها قال الله جل و علا :{ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} و قال الله جل و علا :{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فسليمان عليه السلام , رغم ما أورثه الله جل و علا من العصمة و النبوة و الملك إلا أنه كان حريصا على أن يتفقد ملكه فقال الله :{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ } أي موقع الطير من الجن{ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} ثم توعّده حتى لا يضعف غيره{ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} يقال : إنه قيل له يا نبي الله و أي عذاب هذا الذي يوازي الذبح ؟قال : أضعه مع قوم لا يعرفون قدره .
و أنت تدرك أيها المبارك أن الأحرار لا يقتلهم شيء مثل أن يوضعوا في موضع لا يعرف من حولهم فيه قدرهم .و لهذا إخوة يوسف , و أولئك الذين وجدوا يوسف في البئر و هو نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله ,مع ذلك مع ذلك لم يأبهوا له و بيع و هو يوسف { بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(6/2)
هنا قال نبي الله { لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} لكن العاقل يضع لنفسه خط رجعة , لهذا قال سليمان {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي أن يأتي بعذر فلا ذبح و لا عذاب , قال الله جل و علا:{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي لم تمضي مدة زمنية كافية , فمكث غير بعيد فإذا بالهدهد بين يدي سليمان , ماذا قال الهدهد لسليمان ؟ العلم ينطق صاحبه قال:{ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} الغيب يا أُخَيّ لا يعرفه إلا الله .(6/3)
فهذا نبي الله ابن نبي الله و لديه مُلك و جن يخدمونه و غابت عنه مملكة بأكملها , عرفها طائر من الطيور قال :{ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} ثم قال :{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } {مِن كُلِّ شَيْءٍ} : أي مما يؤتاه الملوك عادة , فـ " كل " و إن كانت من ألفاظ العموم , لكن السياق يدل على المعنى المراد منها , فلا يُعقل أن بلقيس لا يوجد شيء في الدنيا إلا و هو عندَها , هذا محال , فإن ملك سليمان أعظم من ملكها , لكن مما جرى أن يكون في أصول الملوك موجود عندها{ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } إلا أن الهدهد كل هذا لم ينكره , هذا إخبار , لكن أنكر عليهم أنهم عبدوا الشمس من دون الله و تعجب و هو على فطرته أي الهدهد كيف يتأتى لقوم أن يعبدوا و يشركوا مع الله جل و علا غيره , و لهذا قال :{ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } و هنا يقول بعض العلماء من لطائف التفسير : إن الإنسان يخبر عادة بالشيء الذي يعرفه , فالهدهد له علاقة بالحَب لأنه يأكله يطعمه , فلما أراد أن يعرّف بربه قال : {يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } لأنه هذا الذي يناسب البيئة التي يعرفها الهدهد { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }
كيف تلقى سليمان هذا الخبر من الهدهد ؟(6/4)
تلقاه بحكمة قال:{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } قابل قولك للتصديق و قابل قولك للتكذيب قال :{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ** اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا} كتب كتابا{ فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } خرج الهدهد بكتاب سليمان ,دخل قصر بلقيس , وضعه في ناحية بطريقة مؤدبة..و أهل الصناعة العقلية يقولون : إن العاقل يُعرَف أو الرجل يُعرَف بثلاثة أمور : [بكتابه , بهديته , برسوله الذي يبعثه] .
فقامت هذه المرأة بلقيس فقالت في قومها :{ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } ما الكتاب الكريم؟{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
قدم سليمان هنا اسمه على اسم الله لأنه يخاطب قوما وثنيين عباد شمس ليسوا أهل كتاب يعرفون الله , فحتى يلقي فيهم الهيبة , و ينظرون إلى رسالته و لا يهملونها و لا يطَّرحونها , فتكون هناك مصلحة دعوية أكبر قال:{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ** أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }
و المرأة كانت عاقلة{قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ}(6/5)
أصابتهم عزة , أرادوا أن يظهروا لها أنهم معها في السراء و الضراء و البأس { قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ** قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً } فصدَّقها الله و إن كانت عابدة شمس قال ربنا:{ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } لأن أي إنسان يُحكَّم في قرية أو يحتل بلدا أو ينال منصبا , فإن غالب أمره أن يغير حال من سبقه , يغير حال من سبقه و هذا معنى قولها كما حكا الله{ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }
رأت أن تبعث بهدية فترى ردة فعل سليمان{ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} منها :أنها تهدئ من غضبه , و منها أن هؤلاء الرسل الذين يحملون الهدايا يطلعون على ملك سليمان , و يقدمون لها تصورا كاملا قبل أن تتخذ قرارها .
أخذوا الهدايا قال الله :{ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ } أي جاء الرسل سليمان { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم }أي الإسلام{ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ** ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }(6/6)
ثم بدا لسليمان أن يرى مزيد فضل الله عليه فقال لمن حوله :{ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } عرش من ؟ عرش بلقيس{ قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } فاختصم عنده اثنان قال الله :{ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ } لديه قوة لكن ليس لديه علم{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي لا تكاد تنتهي من هذا المجلس الذي أنت فيه إلا و عرش بلقيس عندك { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ** قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } و هذا أسرع ، لكنه هذا في غالب الظن عندي و العلم عند الله : أنه جني أوتي علما , فجمع بين القوة العلمية و القوة الجسدية , و العلم عند الله.
{ فَلَمَّا رَآهُ}أي رأى سليمان العرش{ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } نسب الفضل إلى الله , كذلك المؤمن النقي التقي إذا رأى النعمة في نفسه , في ماله , في ولده , في أهله , في أي شيء حوله نسبها إلى ربه جل و علا { قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي}لأي شيء ؟ { لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } فأنت الذي تدخل الجنة إذا شكرت
{ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } فالله جل و علا لا تنفعه طاعة طائع و لا تضره معصية عاص و لا يبلغ مبعته قول قائل , تنزه عن الصاحبة و الولد , تقدس فلم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد.(6/7)
المقصود أن سليمان أراد أن يختبر بعد ذلك بعد أن حمد الله و شكره أن يختبر ذكاء بلقيس{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا }غيروا في العرش ,قدموا أخروا .فلما جاءت بلقيس سألها سليمان: { أَهَكَذَا عَرْشُكِ }هي تركته وراءها في صنعاء,و كانت ذكية{ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } و هذا جواب بتعبيرنا اليوم "دبلوماسي"لأنها لو قالت:( ليس بعرشي) لقالوا لها: كيف لا تعرفين عرشك؟ و لو قالت :(هو عرشي) لقالوا لها كيف كان عرشك ؟لم يكن على هذه الحالة { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } و لهذا السياق بعده يدل على أنها كانت فطنة,قال الله جل و علا :{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا }أي سليمان { وَكُنَّا مُسْلِمِينَ }و هذا أعظم فخرا و أشد موئلا و أعظم اتكاء
{ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ** وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ }
أراد أن يدعوها, و هذه غاية و مهمة و وظيفة الأنبياء العظمى : "الدعوة إلى الله ", لكن كيف يدعوها ؟
هذه ملكة ,تدعى بما يناسب حالها ,فأمر الجن أن يبنوا له صرحا من قوارير ممرد من قوارير .ثم لما أُحكِم البنيان و الصرح الممرد بني على البحر ,قال الله جل و علا:{قيل لها ادخلي الصرح}فلما دخلت الصرح قال الله:{ فلما رأته حسبته لجة}أي حسبت هذا الصرح بحر "لجة" ,فاضطرت إلى أن تتعامل مع اللجة بأن تكشف عن ساقيها حتى لا تتضرر ثيابها و كشفت عن ساقيها ,هنا أخبرها سليمان{إنه صرح ممرد من قوارير} هي ملكة و تعرف إلى أي حد و مدى يصنع الخدم و العبيد و القادة القصور لملوكهم ,ليست جاهلة بهذا الوضع,لكن ما تراه الآن ليس أمر مألوفا ,لابد أن هناك من يعين سليمان و ينصره و يؤيده(6/8)
وهو الله ,فكان وقع هذه الطريقة عليها عظيم, فكان ذلك سببا في إسلامها{ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } و هذا من أعظم أسباب الدعاء..من أعظم طرائق الدعاء{ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
هنا أيها المبارك أنخ مطاياك,لماذا ننيخ المطايا هنا ؟
لنعرف عظيم فضل الله ,هذه المرأة ما الذي أخرجها من أرض اليمن ؟
أخرجها من أرض اليمن أن تحافظ على مُلكها و عرشها ,فأورثها الله جل و علا الهداية في قلبها و أن تموت على الإسلام,فانظر الدافع في الخروج, و إلى ما تخرج, و الغاية التي كانت تريدها ,ثم انظر ما النوال الذي أعطيت , و ما الفوز الذي عادت به { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
فأصبحت مؤمنة بعد أن كانت كافرة.
و أنت ترى فضل الله الواسع في بلادنا كنموذج: كثير من العمال و المهندسين و غيرهما ,يأتون إلى بلادنا طلبا لِلُقمة العيش ممن ليسوا على دين الإسلام من شتى أقطار الأرض , و يمن الله جل و علا على كثير منهم بالإسلام فيؤمنون,فانظر : لماذا أتوا ؟ و ماذا كسبوا ؟ و بماذا سيعودوا ؟
فمن من الله عليهم بالهداية و ماتوا بعد ذلك عليها ,فهذه نعمة عظيمة و اصطفاء و اجتباء ,ربما لو مكث في بلاده لما عرفه..لما عَرف الدين و لمََا آمن ,لكن لم قُدّر له أن يأتي هنا طلبا للرزق,منّ الله عليه بالهداية إليه.
هذا ما تيسر إيراده و تهيأ إعداده و أعان الله على قوله حول قول الله جل و علا{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }
و صلى الله على محمد و على آله
و الحمد لله رب العالمين(6/9)
لطائف المعارف \\أصحاب الكهف//
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يبلغ مدحته قول قائل ولا يجزي بآلائه أحد وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبياً عن أمته ،،،،أما بعد(6/1)
أيها الإخوة المباركون ا لقاء متجدد من برنامجكم (لطائف المعارف) وعنوان حلقة هذا اليوم {أصحاب الكهف} ونحن نعلم أن ثمة سورة عظيمة من سور القرآن الكريم هي سورة (الكهف) وهذه السورة هي السورة الوسطى التي افتتحها الله جل وعلا بحمده فقد افتتح الله جل وعلا بحمده سورة [ الفاتحة والأنعام وبعد ذلك بعد سورة الكهف فتح الله جل وعلا بحمده سورتي سبأ وفاطر] لكننا سننيخ المطايا هنا عند خبر واحد من تلك السورة ألا وهو قصة أصحاب الكهف ونحن هنا نحاول أن نعرج على لطائف كثيرة معرفية ,إيمانية ,تاريخية ،اجتماعية تربوية من قول الله تبارك وتعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} إن التفصيل بعد الإجمال أسلوب ظاهر في كلام الله جل وعلا فالله جل وعلا يخبر هنا جملة أن مجمل خبر أصحاب الكهف أنهم فتية أي أنهم في سن تحمل في طياتها القوة والفتوة رُزقوا إيمانا وزادهم الله جل وعلا هدى على الإيمان الفطري الذي كانوا قد رزقوه من قبل ، نشؤوا في قوم كفار اجتمع أمرهم على معارضة قومهم في عبادتهم لغير الله جل وعلا لكن المرء في مسيرته إلى ربه تبارك وتعالى في سيرورته إلى أخراه ما أفقره إلى أن يعينه ربه جل وعلا على طاعته ولهذا قال الله جل وعلا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهنا يقول ربنا : {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا} فهم وإن كانوا مؤمنين بالله جل وعلا حقاً إلا أنهم ما أفقرهم إلى رحمة ربهم ، والربط على القلب أسلوب قرآني ذكره الله حتى في خبر أم موسى يقول الله: {لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فالإنسان إذا افتقر إلى ربه جل وعلا وازدلف إليه وتضرع إليه تبارك وتعالى أن يربط على قلبه في أمور عديدة خاصة عندما يخشى الإنسان على نفسه الضعف أو أنه يُعرض لفتنة أو يُعرّض لمحنة أو لهلكة يكون بذلك قد(6/2)
ازدلف إلى الله تبارك وتعالى يزدلف إليه بأحب أسمائه إليه وأقربها لديه جل وعلا فيكون بعد ذلك إذا قَبِل الله جل وعلا دعاءه النفع العظيم من الرب الكريم جل جلاله ، هنا يقول الله :{ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً..} أي إن دعونا إلهاً غيره {لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} ثم نظروا إلى حال قومهم قالوا:{ هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} جملة الأمر أجمعوا أمرهم إلى أن يعتزلوا الناس راجين رحمة ربهم سائلين الله جل وعلا الرشد البيِّن والطريق الخيِّر فآواهم الله جل وعلا إلى فضله وآووا إلى غار في الطريق إلى الغار مروا على راعٍ معه كلب كما يقول جمهرة أهل التفسير صحبوهم ، ثم ذكر الله جل وعلا ما كان من خبرهم في ذلك الكهف قال ربنا وهو أصدق القائلين: {وَتَرَى الشَّمْسَ } أيها السامع لكلامنا المتأمل في قولنا لو قُدِّر لك أن ترى حال هؤلاء القوم لرأيت عجباً ماذا سترى؟ {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} أي تميل ومنه قول عنترة:
فازورّ من وقع القنا بلبانه *** وشكا إلي بعبرة وتحمحم(6/3)
هنا يقول الله:{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ } أي أهل الكهف {فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} هل وقع هذا ؟ أي عدم إصابة الضرر لهم من الشمس وقع لأن الهيئة الجغرافية للكهف تحول من وقوع ذلك ، أو أن الرب تبارك وتعالى والشمس مأمورة مخلوقة من مخلوقاته بقدره جل وعلا لم يجعل لها ضرراً عليهم الثاني هو الأرجح لأن القرينة تدل عليه قال الله جل وعلا بعدها :{ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشداً} فجعل الله جل وعلا من ازورار الشمس عنهم حال طلوعها وأنها {تَّقْرِضُهُمْ} أي تقطع عنهم حال غروبها رحمة بهم حتى لا يصيبهم ضرر وحتى يُبقي الله جل وعلا على نومهم مدة أطول وقد قال الله جل وعلا: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} والضرب في اللغة من معانيه : اللزوم والالتصاق ، ومنه قول الفرزدق:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها *** وقضى عليك به الكتاب المنزل(6/4)
الذي يعنينا هنا هذا معنى قول الله جل وعلا:{ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً} والضرب على الآذان حتى يُبقي الله جلا وعلا آماداً طويلة عليهم أن يبقوا نائمين لأن الإنسان إذا رُزق انه لا يسمع في منامه كان ذلك ادعى إلى أن يبقى في نومه ولهذا من بدهيات الطرائق في إيقاظ النائم أنه يُنادى فإذا وصل إليه الصوت استيقظ من نومه فقال الله جل وعلا هنا:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ** ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً } ذكر الله جل وعلا فيما كنا فيه أن { الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} ثم ذكر الله جل وعلا كيف أن {كَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} والكلب ليس حيواناً محمودا لكنه هنا لما صحب الأخيار ارتقى إليهم ، ومن هنا يفقه العاقل ويعرف المنصف أنه ينبغي عليه أن يتأسى بالأخيار وأن يكون قريباً منهم علّه أن يصيبه شيء مما تحلوا به ، قال ربنا جل وعلا:{ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} يكثر السؤال هنا السامع للآية يرى بادي الرأي أن المفترض أن يكون الخطاب أو أن يكون النسق القرآني أن يُملأ الإنسان منهم رعب ثم يولي الفرار لكن الله قال :{ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} وكأن الآية تروم أن تصل إلى معنى أعظم وهو أن الإنسان إذا رآهم { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} أن الإنسان إذا رآهم لا يلبث أن يفر قبل أن يتخذ أية ردة فعل من مرآهم فتسبق قدماه طرائق تفكيره قبل أن يدب الرعب إلى القلب تكون القدمان قد اتخذت قراراً بالفرار(6/5)
لهول ما رأى ، وقول الله جل وعلا :{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} ظاهره والعلم عند الله أنهم كانوا ينامون مفتوحي الأعين وهذا لفظ كانت العرب تلصقه بالذئب فالعرب تزعم أن الذئب ينام وإحدى عينيه مفتوحة يقول قائلهم:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي *** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
ومما يدل على هذا أن الله قال: { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} وهذا من رحمة الله بهم ولهذا أسند الله التقليب إلى ذاته العلية حتى لا تأكلهم الأرَضة وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} يقول الله في سورة القمر:{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} كل شيء يا أخي له نهاية كل شيء يا أُخي له أمد ينتهي إليه وهنا قال الله جل وعلا:{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} فبعثهم نهاية وانقضاء لما كتبه الله جل وعلا عليهم من السنين الطوال أن يناموها فقال الله جل وعلا:{ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ} هم كلهم قد لا يتجاوزون الثمانية {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} هذه (كم)استفهامية هنا تحتاج إلى جواب وقد تأتي في القرآن خبرية لا تحتاج إلى جواب كقول الله جل وعلا:{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ} فالمقصود الإنباء والإخبار عن الكثرة عن كثرة القرون التي أهلكها الله جل وعلا هنا يقول ربنا:{ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} فلما كان لا بد من جواب أجابوا {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} الناس يتداولون فيما بينهم أن أصحاب الكهف طالت أظافرهم أشعارهم احدودب ظهرهم تغيرت هيآتهم ولهذا قالوا هذا(6/6)
معنى قول الله:{ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} وهذا غير صحيح ؛لأن الآية التي بين أيدينا ناطقة أنهم لم يتغير فيهم شيء بدليل أن الله قال أنهم لما عرضوا ذلك السؤال{كَمْ لَبِثْتُمْ} كان الجواب منهم وهم قوم زادهم الله هدى كما أنبأ من قبل {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ومحال أن يقول احد منهم {لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وهم يرون أنفسهم قد طالت أظفارهم أو أشعارهم أو احدودب ظهرهم وخطهم الشيب فلما انتفى كل ذلك كان بدهياً أن يُقبل أن يُقال { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ثميبين الله جل وعلا لنا أن الإنسان ينبغي أن يكون ابن يومه وألا يتكلف أحداثاً لم تقع وألا يخف ويخشى الغيب أكثر مما هو مطلوب {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} دعونا من هذا السؤال الذي لا طائل من ورائه ولنحيا قضيتنا وكذلك ينبغي على كل امرئٍ وعلى أهل الساسة والقادة وأهل الفكر والرأي في الأمة أن يعيشوا واقع الأمة المعاصر وأن يحاولوا أن يجدوا لها من واقعها ما تلتئم بها جراحها ، أما الإكثار في غيبيات لم تأت بعد ولم يأذن الله بوقوعها بعد أو الإغراق في قراءة التاريخ السابق والأيام الماضية دون أن نصنع شيئاً لحاضرنا ليس من العقل بمكان
مضى السلف الأبرار يعبق ذكرهم *** فسيروا كما ساروا على الدرب واصنعوا
ولا خير في الماضي إذا لم يكن له *** من الحاضر الزاهي بناء مرفّع(6/7)
فهؤلاء الفتية الموسومون قرآنياً بزيادة الهدى { قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} إذن..ما قضيتنا اليوم قضيتنا نحن الجوع الذي نحن فيه-أي أصحاب الكهف- { فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً} أحياناً يمر معك أيها المبارك أن المفسرين يختلفون في المعنى ؛ وذلك لأن النظرة المفتاح الذي ينظرون إليه يختلف فإذا اختلف الباب الذي ولجوا منه لا بد أن يختلف المشهد الذي يرونه فبعض العلماء نظر إلى أن كلمة (أزكى) هنا بمعنى الطهر والنقاء فذهبوا إلى وصف أولئك الفتية بالورع والخوف على أنفسهم في الدين ، وآخرون نظروا إلى أن معنى (أزكى) هنا بمعنى النماء والزيادة والترف ففهموا أن هؤلاء الفتية أبناء ملوك أبناء أثرياء أبناء أغنياء ليسوا بقليلي الحظ في مجتمعهم وهذا المفتاح يهون عليك أن تتقبل خلافات المفسرين في كثير من القضايا { أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً} حصل لهم ذلك ثم تبين للناس بعد أمور وأمور نجم منها معرفة أن هؤلاء القوم كانوا قد ضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عددا فنجم عن ذلك تقديس الذوات وهو المنهي عنه شرعا {قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً} وهو ما أراد القرآن أن يحذرنا منه لأن السنة حاكمة ومبينة للقرآن فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعن من جعلوا قبور أنبيائهم مساجد..
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وإلا في قصة أصحاب الكهف معان زاخرة لم يعن الوقت على أكثر من هذا ،، نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى وصلى الله على محمد وعلى آله...
والحمد لله رب العالمين.........(6/8)
لطائف المعارف (أصول الخطايا)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعل آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد....(6/1)
أيها الإخوة المؤمنون هذا لقاء متجدد مع برنامجنا(لطائف المعارف) وعنوان لقاء هذا اليوم (أصول الخطايا) ونحن نعلم يقيناً أن الإنسان ما حمل على كاهله شيئا أعظم من ذنبه لأن الذنوب أسباب الهلاك قال الله جل وعلا:(مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً)وقال قتادة رحمه الله: (وبلغنا أنه ما من خدشة عود ولا تعصر قدم ولا خلجان عرق إلا بذنب وما يعفو الله أكثر)لذلك فإن البحث في أصول الخطايا من أعظم ما يعين العبد على تجنبها والعلماء استقصوا الأدلة والآثار الثابتة في الكتاب والثابتة في السنة فوجدوا أن هناك أصولاً للخطايا يمكن جمعها في ثلاث: [الكبر-الحرص-الحسد]وقالوا في بيان هذا إجمالا: إن الكبر به عصى إبليس ربه فكان أول ذنب عًصي الله جل وعلا به يوم أن امتنع إبليس من السجود لآدم كان بسبب الكبر قال الله جل وعلا يحكي هذا الأمر: (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)فإبليس هنا يُخبر بكبره وعلوِّه وأنه يترفع بعنصره على السجود لآدم، كما أن الحرص بعد ذلك كان سبباً في إخراج أبينا آدم من الجنة فإن إبليس جاء لآدم من هذا الأمر أو من هذه الزاوية (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)مع أن الله جل وعلا أباح لآدم الجنة كلها لكن الله جل وعلا استثنى تلك الشجرة أن يأكل منها آدم فجاء إبليس يقسم لأبينا(وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)قال الله:
( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)وحرص آدم عليه السلام على أن يجمع كل ما في الجنة كان سبباً بقدر الله ولحكمته جل وعلا في إخراج أبينا - عليه السلام - من الجنة ثم تاب الله عليه وهدا كما بين الله ذلك صريحاً في كتابه.(6/2)
الثالث أيها المباركون: الحسد والعلماء استنبطوا أن الحسد من أصول الخطايا لأنه يدفع بعد ذلك إلى الآثام القولية والفعلية وجعلوا قتل قابيل لأخيه هابيل دليلاً على ذلك فإن الله جل وعلا أخبر قال:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)قال أهل العلم إن الذي أنبت الغل وأنبت الشحناء في قلب قابيل هو حسده لأخيه لما تقبل الله منه قربانه ولم يتقبل منه ما تقدم به من قربان وما رد الله قربان إلا لسوء سريرةٍ في نفسه فهو قد اختار أردى ما يملك بخلاف هابيل الذي اختار أحسن ما يملك فجاءت النار فأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل هذا الحديث أيها المبارك إجمالاً أما إذا أردنا أن نفصل فنقول: هو أو أصول الخطايا وأهل العلم رحمهم الله يقسمون الكبر إلى ثلاثة أقسام أصله منبته في القلب شعور الإنسان بالزهو بالترفع لكنه على ثلاثة أقسام:
<>القسم الأول منها: الكبر على الله عياذاً بالله ولا ريب أن هذا الكفر المحض بل هو أرفع درجات الكفر وليس في درجات الكفر رفيع لكن من باب التصنيف هذا الكبر ضرب الله له مثلا على لسان النمرود يوم أن قال: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) وعلى لسان فرعون يوم أن قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)فهذان مثالان ذكرهما الله جل وعلا في كتابه الكريم لشخصيتين تاريخيتين كفرتا بالله وكان كفرهما مرده إلى الكبر كما قال فرعون: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) وهذا كما قلنا أعظم أنواع الكبر وهو عين الكفر المحض وأعظم ما عُصي الله جل وعلا به.(6/3)
<>النوع الثاني: كبر على الرسل وهذا كان شائعاً ذائعاً في سائر الأمم وقد تناقلته الأمم ولو من غير أن يشعروا ويقول فيه علماء النفس أن من قضية التفكير الجمعي هذا قد يكون مقبولا لكن حتى لو لم يكن هناك اتصال حضاري بين تلك الأمم فإن القرآن دل على أن ذلك القول كان ديدن كثير من الأمم في ردها لرسلها قال الله جل وعلا مثلاً عن قوم فرعون أنهم قالوا في حق موسى وهارون: (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)ورغم أنه لا يوجد دليل على اتصال حضاري ما بين الحضارة الفرعونية القبطية القديمة وما بين الحضارة في جزيرة العرب إلا أن القرشيين في صدهم لنبينا - صلى الله عليه وسلم - قالوا نفس المقولة قال الله جل وعلا عنهم في الزخرف أنهم قالوا: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فهم ازدروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل لأن يستحق النبوة والرسالة فأخذوا يقولون ما تمليه عليه أفكارهم وآراؤهم المنبثقة من كبر في صدورهم وأبو جهل صور هذا أعظم تصوير يوم أن قال: (كنا وبني هاشم كفرسي رهان، أطعموا فأطعمنا وسقوا فسقينا حتى إذا جثونا على الركب قالوا منا نبي فإن أطعناهم كيف لنا بعد ذلك أن نلحق بهم) فأنت تلحظ أن القضية قضية كبر في قلوبهم والله جل وعلا قال: (إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ) الذي يعنينا من هذا كله أن هذا هو النوع الثاني ويجتمع النوع الأول والنوع الثاني في الكبر على الله أو في الكبر على الرسل أنه كلاهما كفر محض لا يمكن التريث أو التروي في قضية الحكم عليه بالكفر لأن الأمور إذا كانت جليةً واضحةً ذات حقائق بينة فليس هناك مدعاة للتروي وليس هناك مدعاة لقضية أن الإنسان يتورع، التورع في مثل هذه الأحكام غير محمودٍ أبدا، ومما يُروى في هذا قبل أن ننتقل للنوع الثالث أن إياس(6/4)
القاضي الشهير بذكائه عوتب ذات مرة أن فيه شيء من العجلة لكنه كان يعتمد على أمور يراها هو بغير ما يراها الناس فلما أكثر عليه اللائمون قال لأحد من يحضرون مجلسه : كم عدد أصابع يدك؟! فقال الرجل مباشرة وهو يجيب: خمس، فقال له إياس: علام أجبت عاجلاً؟-لماذا لم تتريث؟- قال: سبحان الله، من يجهل أن أصابع يده خمسة، فقال إياس هنا يحتج بهذا الجواب على هذا الرجل قال: فكذلك أنا ثمة أمور واضحة جلية لي لا احتاج فيها إلى تأمل وتروي. الذي يعنينا أن الكبر على الله والكبر على الرسل كفر محض لا محالة. بقي(6/5)
<>الكبر على الناس..الكبر على الناس درجات قد يصل أحياناً إلى الكفر المحض وقد لا يصل وهو الغالب والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الكبر: بطر الحق و غمط الناس) فظلم الناس وازدراؤهم ومنعهم حقهم نوع من الكبر ورد الحق نوع من الكبر والله جل وعلا يقول: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)فلو لم يكن في الكبر من آفة من عواقب وخيمة أعظم من أنه يصرف العبد عن آيات الله و التأمل فيها لكفى بذلك عقوبةً وخسراناً نعوذ بالله من ذلك كله.(6/6)
من طريف ما يُروى في هذا المقام وهو طريف من جهة أن الحجاج قالها وغير طريف في أنها عبارات قاسية جداً تنمّ عن جفاء وكبر عياذاً بالله هذا الخبر مفاده: "أن الحجاج بن يوسف قال قبل أن يدخل الكوفة أو بعد أن دخلها قال: ثمة رجال أربعة لو أدركتهم لقتلتهم للكبر الذي في أنفسهم –وقائل هذا الحجاج- ولهذا قلت أنا أن هذا الموضوع من هذا الجانب طريف يقول الحجاج قيل له من أيها الأمير؟ قال: -سمى الأشخاص- ونحن لا علاقة لنا بالتسمية بقدر أن يهمنا هنا أن نذكر الحدث الذي من أجله بنا الحجاج على أنهم متكبرون قال: إن أحدهم صعد المنبر فخطب خطبة بليغة فقال له أحد الحاضرين: كثّر الله من أمثالك – أي عجباً وفرحاً وإعجاباً بخطبة هذا الرجل- ماذا قال هذا المتكبر عياذا بالله؟!! قال لمن قال له كثر الله من أمثالك قال عياذا بالله –وناقل الكفر ليس بكافر-:لقد كلّفت ربك شططا كأنه يقول محال على الله صعب على الله أن يخلق مثلي وهذا والعياذ بالله كفر واضح كفر محض، آخر جاءته امرأة وهو واقف على قارعة الطريق والمرأة أضلّت طريقا فجاءت تسأله قبل أن تسأله هي لا تعرفه وإن كان وجيها في قومه سيداً في رهطه، قالت له: يا عبد الله أين طريق كذا وكذا؟؟ ماذا قال لها؟! قال: ألمثلي يُقال يا عبدالله ؟! فهو استكبر أن يُنادى بهذا اللفظ مع أن الناس كلهم عبيد مقهورون لله من حيث الجملة والمؤمنون عباد له جل وعلا مع كونهم عبيد والله يقول: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ )وحتى من يستنكف أن يكون عبداً لله هو عبد لله شاء أم أبى قال الله جل وعلا: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً)..(6/7)
آخر ممن ذكرهم الحجاج عياذاً بالله ضاعت له ناقة فأقسم بالله من جفائه وكفره وكبره:لئن لم يرد الله عليه ضالته ألا يصلي ولا يصوم كأن الله محتاج إلى طاعته وعبادته فتنة من الله له رد الله عليه ناقته التي ضلّت ماذا قال هذا الآثم؟!! قال: لقد علم ربي أن يميني كانت عزما عياذا بالله" وهذا كفر محض.وقد تعجب وأنت تسمع تتهول مما تسمع الآن لكن يا أخي إذا علمت أن النفس جُبلت على الكبر وجبلت على التواضع الله يقول: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)فإذا كان المرء المؤمن ملجم بلجام التقوى تمنعه التقوى أن يقول ما يورده المهالك وإن خلا الإنسان من التقوى ولم يبقى القلب يخشى الله ولا يخاف مقامه جل وعلا أطلق لنفسه العنان في أن يقول ويفعل ما يريد والموعد الله فعلى هذا الإنسان كيف يربي نفسه أن يعرف أنه عبد وقد لا يكون هناك داعٍ لأن أقول مثلا رابع لأنني أخشى في مثل هذه الأمثلة أن تضفي على القلوب قسوة ولا ينبغي لنا أن نسعى في أن نكون سببا في قسوة قلوبنا وقلوب غيرنا وكفى بتلك الأمثلة الثلاثة شاهدا..(6/8)
هذا كله أيها المبارك يدور في فلك الكبر ،أما الحرص فإن الإنسان ينبغي عليه أن يعلم أن النبي قال :( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تسكتمل رزقها واجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب )فالإنسان إذا علم يقينا أن ما كتبه الله له سيأتيه على ضعفه وما لم يكتبه الله له لن يناله لقوته إذا علم هذا يقينا اطمأنت نفسه وقلّ الحرص عنده لأن الحرص أحيانا يكون مدعاة للآثام ولهذا عُدّ الحرص أصلاً من أصول الخطايا لأن الإنسان إذا كان حريصاً على قضاء شهوته قد يزني، وإذا كان حريصاً على زيادة ثروته قد يسرق وإذا كان حريصاً على زيادة نفوذه قد يظلم فهذا معنى قولهم إن الحرص أصل من أصول الخطايا فقد أحيانا يصل بنا عياذا بالله الحرص إلى أن نجمع شيئاً أو نطلب شيئا من غير حلّه فنقع في المهالك ولهذا قال العلماء إن الحرص أصل من أصول الخطايا وأبونا آدم كما بينا حرص على أن يأكل من الشجرة لما قال له إبليس: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) فكان ذلك سبباً بعد ذلك بعد أن أكل منها في أن يفقدها بالكلية إلى حين ويخرج منها، لكنه قطعاً سيعود فهو نبي مكلّم كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه. نبقى في الحسد، الحسد:بسببه حسد إخوة يوسف أخاهم يوسف ونالهم ما نالهم حتى جعلهم الله بين يدي يوسف أذلة وهم يقولون له: (ْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)الغاية من هذا الإجمال كله أن نعلم أن الكبر والحرص والحسد أصول الخطايا أعاننا الله وإياكم على البعد عنها والنأي منها..
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين....(6/9)
سلسلة لطائف المعارف (( أعمام النبي صلى الله عله وسلم ))
للشيخ / صالح بن عواد المغامسي
خطيب مسجد قباء .
*********************
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ..والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .....
فهذا لقاء متجدد من لقاءاتنا الموسومة بعنوان " لطائف المعارف " وفي هذا اللقاء سيكون عنوان هذا اللقاء في هذا المساء المبارك (( أعمام النبي صلى الله عليه وسلم )) , لاريب أن من حسن عناية الأمة بسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم أنها عنيت بكثير من حياته عليه الصلاة والسلام وسيرته مع الناس وسيرته الخاصة , ويسمى هذا كله " السيرة العطرة والايام النضرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم ونحن ندرك أن نبينا عليه الصلاة والسلام هاشمي عدناني من ذرية اسماعيل واسماعيل إبن لإبراهيم عليه الصلاة والسلام , عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بالإتفاق فهو عليه الصلاة والسلام : محمد ابن عبدالله ابن عبد المطلب , كان له عليه الصلاة والسلام عشرة أعمام هؤلاء العشرة : ست منهم لم يدركوا النبوة, لم يدركوا بعثته صلى الله عليه وسلم وبما إنهم لم يدركوا بعثته لا يتعلق بهم كفر ولا إيمان , فهم من حيث الجملة داخلون في أهل الفترة , بقينا في أربعة من أعمامه عليه الصلاة والسلام , هؤلاء الأربعة هم : العباس , وحمزة , وأبو طالب , وأبو لهب .
إنقسموا من حيث الجملة إلى قسمين : أثنا آمنا , وأثنان كفرا , فأما الاثنان الذان آمنا : العباس وحمزة .وأما اللذان كفرا : أبو طالب , وأبو لهب , ولكل منهم خبر وله علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم ., تفصيلها وفوائدها كالتالي :(6/1)
أما أبو طالب : فهو أكبر أعمام النبي صلى الله عليه وسلم , وهو الذي تولى كفالته بعد موت جده عبدالمطلب . وأبو طالب يقول بعض العلماء أن في حقه نزل قول الله جل وعلا : " وهم ينهون عنه وينأون عنه" بمعنى ان اباطالب ينهى الناس أن يقربا ابن اخيه أو يؤذوه وينأ بنفسه ان يؤمن ولقد نقل عنه انه قال
ولقد علمت بأن دين محمداً **من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة** لوجدتني سمحاً بذاك يقينا
وأبو طالب هو أول من مدح النبي صلى الله عليه وسلم شعرا وذالك في لاميته الشهيرة والتي منها يمدح أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وابيض يستسقى الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم ** فهم عنده في نعمة وفواضل
ولهذا ثبت ونقل ان النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر للمدينة وشكت المدينة جدب الديار واستسقى النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب الله دعائه وسقي الناس قال صلى الله عليه وسلم ((لوكان ابو طالب حي ورى هذا لسره )) ففهم الصحابة مراده قالوا يارسول الله كأنك تعني قوله
وابيض يستسقى الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل(6/2)
قال صلى الله عليه وسلم نعم، ابوطالب لم يرزق الإيمان لكنه رزق حضاً كبيراً من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورد فيما بلغ من عظيم شفقته على ابن أخيه انه لما حوصر بنو هاشم في الشعب كان ابوطالب اذا امسو ونام النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ويحمل ابن أخيه محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم في مكان ويأتي بأحد ابنائه مكانه لماذا ياابوطالب تفعل هذا؟؟ هو يفعل هذا خوفا من ان احد من أهل قريش بيت أن يغدر ويقتل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا قدر بأن هذا الغادر قد بيت مكان نوم النبي صلى الله عليه وسلم وسط الناس فياتي ابوطالب فيحمل النبي صلى الله عليه وسلم وياتي بولده حتى لوقدر ان هناك احداً بيت النية ان يقتل النبي يقتل ولده ولايقتل النبي وهذا امر عجب!ولهذا تشفع النبي صلى الله عليه وسلم لابي طالب عند ربه ونحن نعلم ان الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم الخاصة به ثلاثة اقسام
1/ شفاعة في دفع مايضر وتكون شفاعة صلى الله عليه وسلم في اهل الموقف
2/ شفاعة في جلب مايسر وهذه شفاعة صلى الله عليه وسلم في اهل الجنة ان يفتح لهم ابوب الجنة
3/ وشفاعة خاصة له في عمه ابي طالب فأبو طالب اهون اهل النار عذابا لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له
ابوطالب ترك من الذريه "طالب" ومات على الشرك وكان يكنى به وهو اكبر ابنائه و"جعفر" اسلم قديماً وهوجعفر بن ابي طالب الصحابي الجليل واحد الخمسه اللذين يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته الخلقيه والنبي عليه الصلوات والسلام بعض قرابته يشبهونه خلقياً منهم(جعفر ،وابوسفيان ابن الحارث ابن عمه واخوه من الرضاعه ، والحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء كم ؟ثلاثة بقي اثنان هما قثم والفضل اخوان ابنى عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقثم والفضل ولدا العباس بن عبدالمطلب رضي الله تعالى عنهم(6/3)
المقصود من هذا ان من ذرية ابي طالب طالب وقدمات بالاشراك مات على الشرك وجعفر وعقيل وهذا اسلم لكنه اسلم متأخرا وعلي رضي الله عنه وارضاه وشهرة علياً تغني عن التعريف به.
هذا ابو طالب احد اعمام النبي صلى الله عليه وسلم واعظم من نصرو نبينا صلى الله عليه وسلم من اعمامه صلى الله عليه وسلم على النقيض تماماً
ـــ ابو لهب ــــ واسمه عبدالعزى وانما كني بابي لهب ولم يكن له ولد اسمه لهب لكنه كني بابي لهب لتورد وجنتيه احمرار وجنتيه ولهذا لما ارادالله جل وعلا ان يذمه قال(تبت يدا ابي لهب وتب) ذكره باسمه الغالب عليه لم يقل تبت عبدالعزى لان عبدالعزى في قريش كثير فلا يدرى من المقصود بالسوره لكن قال الله (تبت يدا ابي لهب)حتى يعرف ان المقصود هذا وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم
وقول الله جل وعلا تبت في الاولى فهذا دعاء وقول الله تعالى في الثانية تبت يدا ابي لهب وتب ليست تاكيداً كما يضنها البعض وانما هو المعنى دعاء وقد فعل فالاولى دعاء والثانيه قدفعل أي هذا الدعاء الذي قيل في الاول قد تحقق وحصل ذلك التباب على ابي لهب
ابو لهب مات موتة شنيعه ذلك انه اصيب بمرض اشتهر عندالعرب انه يعدي فخاف بنوه انهم اذا قربوا منه واقتربوا ودفنوه ان ينتقل اليهم المرض فحملوه باعواد نسأل الله العافيه حتى اتو به الى حائط الى جدار فوضعوه تحت الحائط ثم اتو الحائط من الخلف فهدموه حتى يصبح كالقبر على ابيهم فانظر مآل من يبغض الله ورسوله ويحارب اولياءه ولهذا قال الله (تبت يدا ابي لهب وتب ) مع انه عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
اذاًكل مامضى كنا نتحدث فيه عن اثنين من اعمام النبي صلى الله عليه وسلم اللذين كفرا به(6/4)
بقي اثنان آمنا به وهما حمزة والعباس وحمزة اول اسلاماً وهو اخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع وحمزة رضي الله عنه وارضاه اسلم قبل الهجره ثم هاجر وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان حمزة اسدالله واسد رسوله وقال عليه الصلاة والسلام ((سيد الشهداء حمزة ))وهو رضي الله عنه وارضاه كان له اليد الطولى لانتصار المسلمين يوم بدر واكثر اهل الاشراك ماتوا من القرشيين ماتوااوقتلوا في يوم بدر على يديه فتغيضوا منه فعمدوا الى رجل لاناقة له ولاجمل في قريش واهل الاسلام وهو وحشي فاعطوه حريته كان عبداً رقيقاً واهدوه حريته مقابل ان يقتل حمزه فقبل فاتخذ حربة له وتربص له في احد ولم يكن له شان بأمر الناس فمازال يتربص ميمنة وميسره حتى راى حمزة فوجه إليه حربته فوقعت منه في مقتل فقتل رضي الله عنه وارضاه يوم احد وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة حزناً شديداً ومن دلائل عظيم حزنه عل حمزة إن وحشي هذا اسلم متأخرا ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله النبي كيف قتلت حمزة؟؟
فاخذ يسرد القصة والنبي صلى الله عليه وسلم تذرف عيناه ثم قال له غرّب وجهك عني ،جبلّة بشريه لايستطيع عليه الصلاة والسلام ان يرى قاتل حمزه ، ثم قدّر لحمزه ان يقتل بنفس الحربه مسيلمه الكذاب هذا حمزة ابن عبد المطلب(6/5)
ومن غريب الأخبار الصحيحة الثابتة وكلمة غريب هنا لا تنافي الصحة التي نقلت عنه لنا جاء في الصحيح ان علي رضي الله عنه بعد موقعة بدر عندما خطب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع شيء لزواجه فكانت له ناقتان سمينتان مسنتان نالهما يوم بدر فوضعهما بجوار دار احد الأنصار وخرج ينظر إلى اقتاب وغوائر يضعها على النياق حتى يسافر بها ليجمع اذخراً يبيعها على الصاغة في المدينة فينجم عن ذلك المال فيتزوج ويجهز بيته ، في تلك الأثناء التي كان علياً فرحاً بهاتين الناقتين بنما هو يجمع ما يحتاجه في سفره قدّر لحمزة ان يدخل دار احد المسلمين الأنصار يوم ان كان الخمر مباحاً فشرب حتى ثمل فغنت امرأة من اللواتي كانا حاضرات(6/6)
الاياحمز للشرف النواء شرف النواء يعني النياق الموجوده خارج الدار فقام حمزة فعقرها وجبّ خواصرها واخرج اكبادها وشوى لقومه وشرب جاء علي رضي الله عنه فاذا بالناقتين قدبقرتا وجبت اسنمتهما فبكى وهو علي فيه اشياء ايها الخوة المبارك جبلّة بشريه الانسان يتركها تسير على حالها لا يكابر وعلي الذي له ماله في ساحات المعارك والوقوف امام الشجعان ذرفت عيناه اشبه بغبن الرجال عندما راى الناقتين اللتين كان يعوّل عليهما كثيرا قد جبتا وبقرتا وخرجت اكبادهما فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه علياّ وزيد بن حارثه مولاه ودخل الدار التي فيه حمزة فما زالوا على حالهم وكان حمزة آنذاك ثملاً بلغت به الخمر مبلغاً ،النبي صلى الله عليه وسلم عاتب حمزه على فعله فاخذ حمزه ينظر في قدمي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يصعد ينظر في ركبته ثم في وجهه عليه الصلاة والسلام ثم قال أي حمزة وهل انتم يشير الى النبي وعلي وزيد وهل انتم الا عبيد لابي لما قالها فقه النبي صلى الله عليه وسلم ان حمزة ثمل لايدري ماذا يقول فرجع القهقرى مامعنى رجع القهقرى رجع وهو ينظر الى حمزة يعني خطوات الى الخلف تحسباً من ان حمزة وهو ثمل اذا راى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم ان يغدر به او يحصل له شيء غير متوقع غير مألوف وهذا كله لاعتاب على حمزة به لان الخمر آنذاك كانت مباحه والعبره بتحريم الله جل وعلا والدليل على ذلك ان حمزة رضي الله عنه بعد ذلك رزق الشهادة في سبيل الله والنبي صلى الله عليه وسلم بمقولة سيد الشهداء حمزة فنحن لانقول هذا الكلام ليسمعه ضعيف ايمان ويقول في هذا تعنيف على حمزة معاذ الله فحمزة سيد آل البيت لكننا نتكلم عن خبراً صحيحاً واحداثاً وقعت نقلت الينا والذي نقلها لنا الحسين رضي الله عنه عن ابيه علي ابن ابي طالب وكانت بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الشاهد ان حمزة رضي الله عنه وقع منه هذا الامر(6/7)
بلا تثريب منه لانه كان مخمورا ثم قدّر له ان يموت شهيداً في احد رابع اعمام النبي صلى الله عليه وسلم ــــ العباس ـــــوكان اكبر سناً من النبي عليه الصلاة والسلام وكانت له جلالة عجيبه لذلك احتضى به الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر يجلّه ويقدّيجلّه ويقدّمه على سائر وقد مر معنا انه اول من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
هذا ماتيسر ايراده وتهيء اعداده حول اعمام النبي صلى الله عليه وسلم رزقني الله واياكم العافية والتقوى ووفقني واياكم لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين
**************************
اللهم اغفر لوالدي وارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة
بنت حائل
الاثنين 11/9/1429هـ(6/8)
لطائف المعارف \الإسراء والمعراج/
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حتى ترضى و لك الحمد إذا رضيت و لك الحمد بعد الرضا ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ،،،،أما بعد...
أيها الإخوة المباركون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذا لقاء متجدد من برنامجكم لطائف المعارف وحلقة هذا اليوم من هذا المساء المبارك تحمل عنوان (الإسراء والمعراج) نحن نعلم ما لنبينا - صلى الله عليه وسلم - من مقام جليل ومنزلة عظيمة عند ربه فهو - صلى الله عليه وسلم - أرفع الأنبياء ذكرا وإن كان آخرهم ظهورا صلوات الله وسلامه عليه ، هذا النبي الكريم خصه الله بخصائص أعطاه الله هبات منحه الله جل وعلا عطايا لم تعط لأحد قبله عليه الصلاة والسلام ولن تُعطى لأحد من الناس بعده ولا نبي بعده عليه الصلاة والسلام. مما أكرم الله به نبيه رحلة الإسراء والمعراج وهذه الإسراء والمعراج أنا أُدرك جيداً أنك تفقهها وأنها مرت عليك أيها المبارك مراراً لكن يحسن التنوع في قراءة حادثة الإسراء والمعراج وأظن أن أخذها عن طريق المقارنة يورث رقة في القلب وزيادة في المعرفة ، قبل رحلة الإسراء والمعراج ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف والطائف كما تعلم بلدة مرتفعة عالية عن مكة ، كان معه زيد بن حارثة في حين أن رحلة الإسراء والمعراج بدلاً من الطائف وهي مرتفعة عُرج به - صلى الله عليه وسلم - للسماوات السبع وعوضاً عن زيد –وأنعم بزيد- كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل أهل مكة عندما عاد عليه الصلاة والسلام سبوه، وأهل الطائف من قبل ردوه ففتح الله جل وعلا لنبيه أبواب السماوات السبع كلها
سريت من حرم ليلا إلى حرم *** كما سرى البرق في داج من الظلم(6/1)
صلوات الله وسلامه عليه . هيأه الله جل وعلا فشُق صدره وأُخرج قلبه وغسل بماء زمزم وملئ إيماناً وحكمة ثم أعيد القلب مكانه ولا يقدر على هذا إلا الله ثم قُدمت له دابة يقال لها البراق وذهب - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى أُسري به قال الله: (سُبْحَانَ الَّذِي) لآن هناك خطب عظيم سيقع فقدمها الله بقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) والسُرى لا يكون إلا ليلاً فلماذا ذكر الله كلمة ليلاً والظاهر أنه لا حاجة لها لكن الحاجة العظيمة لها هنا أنها بينت –لأنها نكرة- أن هذا الأمر كله حدث في برهة من الليل
مشيئة الخالق الباري وصنعته *** وقدرة الله فوق الشك والتهم(6/2)
وآخرون من أهل الصناعة البلاغية يقولون( ليل) التنكير هنا للتعظيم والتهويل أي ليل وأي ليل ليل التقى فيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بجبرائيل وأعرج السماوات السبع وكلمه ربه وناجاه وقربه وأدناه ، صلى - صلى الله عليه وسلم - بالنبيين إماماً ليقول الله للأنبياء هذا سيدكم وإمامكم وإن كان مبعثه آخر المبعث وأمته آخر الأمم ، صلى - صلى الله عليه وسلم - بهم إماماً ثم عُرج به إلى السماوت السبع ومعه جبريل ، فتَّح جبريل السماء الدنيا قال له الخازن: من أنت؟ قال: أنا جبريل قال الخادم: أومعك أحد؟ قال: نعم ، معي محمد فقال الخازن: أو قد بُعث قال: نعم. الآن تأمل..(6/3)
يقول العلماء في الاستنباط هنا إن جبريل ومحمداً عليهما الصلاة والسلام أفضل من الخازن من خازن السماء الدنيا أفضل من ذلك الملك لكن الأدب في الاستئذان مهم فالإنسان له حق في ملكه وسلطانه إن يُستأذن عليه ويُطلب إذنه ولو كان الداخل عليه أفضل منه فإن جبريل ومحمد عليهما السلام أفضل من ذلك الخازن لكنهما استأذنا ، لقي - صلى الله عليه وسلم - في السماء الاولى في السماء الدنيا رجل هذا الرجل عن يمينه أسودة وعن شماله أسودة إذا رأى جهة اليمين ضحك وإذا رأى جهة الشمال بكى وهو لا يعرفه فقال - صلى الله عليه وسلم - يسأل جبريل: من هذا يا جبريل؟ قال هذا أبوك آدم فسلّم آدم على نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، ثم عُرج به إلى السماء الثانية فإذا بذوي خاله يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم فرحبا به قائلين: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم عُرج به إلى السماء الثالثة فراى أخاه يوسف وإذا به يوسف قد أُعطي شطر الحُسن عندما نقول شطر الحُسن أي نصف الحُسن أي نصف للحسن؟ الله جل و علا خلق آدم بيديه فلا أحد أبهى منظراً من آدم لأن الله خلقه بيده فيوسف عليه الصلاة والسلام على الشطر على النصف من جمال أبيه آدم هذا الذي نعتقده على التحقيق والعلم عند الله ، ثم عُرج به إلى السماء الرابعة فرأى أخاه إدريس وكلٌ من يوسف وإدريس رحب به قائلاً: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم أتى السماء الخامسة فرأى أخاه هارون فرحب به كإخوته ثم أتى السماء السادسة فإذا أخوه موسى فرحب به قائلا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم لما جاوزه بكى موسى قيل له: ما يُبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي وقد قالها موسى غبطة والتنافس في الخير محمود والله جل وعلا يقول: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) ، ثم أتى السماء السابعة فوجد رجلاً قد أسند ظهره(6/4)
إلى البيت المعمور قال - صلى الله عليه وسلم - : (ما رأيت أحداً أشبه بصاحبكم منه ولا منه بصاحبكم ، قلت: من هذا يا جبريل؟) قال: هذا أبوك إبراهيم فسلّم عليه لكن إبراهيم ما ذا قال؟! قال كما قال آدم: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ؛لأنه - صلى الله عليه وسلم - من ذرية إبراهيم فهو أبو الأنبياء عليهم السلام جميعا ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - تجاوز سدرة المنتهى وقد قال العلماء إن سدرة المنتهى إليها ينتهي ما يصعد من الأرض ما يعرج من الأرض جاوزها - صلى الله عليه وسلم - حتى وصل إلى مستوىً يسمع فيه صرير الأقلام هناك كلمه ربه وناجاه وقربه وأدناه في تلك الرحلة رأى - صلى الله عليه وسلم - جبريل على هيأته التي خلقه الله تعالى عليها قال الله: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) وقد أظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلة المعراج أدباً جما ولهذا قال الله : (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) وأنه - صلى الله عليه وسلم - في تلك الرحلة المباركة لم يلتفت ميمنة ولا ميسرة تأدُّبا مع ربه حيث أقامه الله يقيم عليه الصلاة والسلام فرض الله عليه في ذلك الموضع الجليل والمكان العظيم الصلوات خمسين صلاةً في اليوم والليلة في أوبته قابل موسى كأن الله أراد أن يرحمنا بموسى وأخبره موسى أنه بلى الناس قبله وأن أمته لا تطيق هذا فما زال - صلى الله عليه وسلم - يراجع ربه حتى استحيا فاختصم عنده - صلى الله عليه وسلم - أمران: حياؤه من ربه ، وشفقته على أمته فاختار الحياء مع ربه وقال لأخيه موسى : ( إنني استحييت من كثرة مراجعة ربي ) فإذا بمنادي ينادي جاءه منادي أن أمضيت فريضتي وأنني كتبت لهم أجر خمسين صلاة فهي خمس صلوات في اليوم والليلة بأجر خمسين صلاة رحمةً من الله وفضلاً علينا وإكراماً لنبينا - صلى الله عليه وسلم - عاد - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته على مرقده ، أصبح خرج على الملأ من قريش على غير عادة تنحّى جاءه أبو جهل ((6/5)
عمرو بن هشام) كأنه شعر بشيء قال: يا محمد هل من خطب؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : (نعم ، أُسري بي البارحة إلى المسجد الأقصى) هذا أمر لاتتصوره عقول فوجدها أبو جهل فرصةً للتهكم بنبينا - صلى الله عليه وسلم - وأنى له ذلك- قال: يا محمد أرأيت لو جمعت لك قومك أكنت محدثهم بما حدثتني به قال - صلى الله عليه وسلم - : (نعم) فنادى أبو جهل في أندية قريش يناديهم بأسماء من ينتسبون إليه يا بني عبد مناف ،، يا بني كذا ...(6/6)
فلما اجتمعوا قال: استمعوا إلى أخيكم يقولها طمعاً في أن الناس يكذبون فلما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك صُعقوا –معنوياً- ما بين فاغر فاه وواضع عشره على رأسه أي مشبّك بين أصابعه وهو - صلى الله عليه وسلم - ثابت يخبر بما وقع ، فقال بعضهم: صف لنا بيت المقدس كبرهان كفصل خطاب كحجة بيننا وبينك وهو - صلى الله عليه وسلم - دخله ليلاً ولم يكن مثله من ينظر في البنيان والعمار و إنما دخل وجلاً خائفاً يصلي لكن الله جل وعلا رحمه بأن جبريل قرب له بيت المقدس فأخذ - صلى الله عليه وسلم - ينظر للمسجد ويصفه لقريش فقال من ذهب قبل إلى بيت المقدس ويعرف المسجد قالوا: أما المسجد فكما وصف أما المسجد فكما قال فقال الله جل وعلا : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فأراد الله أن يري نبيه - صلى الله عليه وسلم - كثيرا من الآيات الدالّة على عظمته جل وعلا والتي تزيد نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقينا بربه حتى يبلغ الرسالة على أكمل وجه وأتم نحو (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير) وقال في نجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) إلى أن ذكر الله جل وعلا كيف أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ سدرة المنتهى وأنه تأدب وهذا قد مر معنا (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) فهو - صلى الله عليه وسلم - أشرف الخلق مقاما وأكرمهم أدبا ، وبعض العلماء هنا يقارن وإن كان في تلك(6/7)
المقارنة في نفسي شيء ما بين مقام التكليم الذي أعطيه موسى ومابين مقام المعراج الذي أعطيه نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن موسى عليه السلام عندما أعطي مقام التكليم طمع في مقام الرؤيا فقال: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال إنه لم يطلب من الله شيئا قالوا هذا معنى (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) فهو أكمل أدبا ، ومن من نص على هذا من العلماء (ابن القيم) رحمة الله تعالى عليه ، والذي يعنينا أن الأنبياء عليهم الصلاة جميعاً ذروة من أدب الجم والخلق العظيم وليس هذا محل اختلاف بين المسلمين لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا إجماع من الأمة أفضل أولئك النبيين أدبا وأعظمهم تقوى وأجلهم شرفا وأكرمهم مقاما صلوات الله وسلامه عليه وقد مر معنا في لقاءات سلفت أن الإسراء والمعراج حدث عظيم استشعره شعراء الإسلام وذكروه كثيرا في شعرهم ومما قالوه في ذلك :
يا أيها المسرى به شرفا إلى *** ما لا تنال الشمس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهر هيكل *** بالروح أم بالهيكل الإسراء
بهما سموت مطهرين كلاهما *** روح وروحانية وبهاء
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده حول الحديث عن الإسراء والمعراج ،،، وصلى الله على محمد وعلى آله
والحمد لله رب العالمين.....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(6/8)
لطائف المعارف [القمران]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحكم كل شيئا خلقه وأحسن كل شيئا صنعه وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا شريك معه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد
فهذا لقاء متجدد عبر برنامجكم أو من برنامجكم [لطائف المعارف] وعنوان هذه الحلقة [القمران] .ندرك أن الصناعة العربية يكثر فيها ما يسمى بالتغليب والتغليب أن يؤتى إلى اثنين مثنى فيعمد إلى تسميتهما بأحدهما لاشتراك كثير بينهما ثم إن التغليب له طرائقه يعني يختلف من حال إلى حال في أسبابه فمثلا : يقال للسبطين الكريمين الحسن والحسين يقال لهما: [الحسنان] لأن الحسن اكبر من الحسين ، ويقال لمكة والمدينة [المكتان] لأن مكة عند جمهور العلماء أفضل من المدينة ويقال للشمس والقمر [القمران] لأن القمر مذكر والشمس مؤنث قال المتنبي:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخرا للهلال
ولو كل النساء كمن فقدنا *** لفضلت النساء على الرجال
الذي يعنينا أنهم قالوا [القمران] لأن القمر مذكر والشمس مؤنث وقد يقال غير ذلك يقال [العمران] في حق أبي بكر وعمر ونسب إلى عمر لأن لفظ أبي بكر مركب تركيب إضافي واسم عمر مفرد ، نحن اليوم سنتحدث عن [القمرين] عن الشمس والقمر فما عسانا أن نقول؟.(6/1)
نقول والله الموفق إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله مخلوقتان لله تبارك وتعالى خلقهما الله جل وعلا جعل احدهما آية مبصرة وهي الشمس ، وجعل الآخر منهما آية ممحوة وهي القمر وقال جل وعلا يخبر عن عظيم صنعته وجليل قدرته: ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ? ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ** وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ** لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) الشمس جعلها الله جل وعلا آية للحياة المعيشية، فالذين يزرعون إنما يزرعون نعرف أن هناك غرس وهناك حصاد هذا كله مبني على البروز الشمس فثمة أنواع من الحبوب والثمار لها مواسم معينة تزرع فيها ولها مواسم معينة تحصد فيها
أنا لست أنسى قريتي السمراء في غيد الحصاد *** والسنبل المتجمد الشرقي يحلم بالرقاد
وخطى الكماة الكادحين *** تروح تضرب في اقتياد
هي ذكريات لم تزل محفورة في خاطري
هي ذكريات لم تزل تسقي خريف الشاعر
يا واحة العمر الجديد على الطريق الساحر
أنا عائد يوم إليك مع الربيع الزاخر
في نسمة الشمس المضيئة في النسيم العابر
في لهفة خفقت بها روح المحب الذاكر
الغاية أن هناك مواسم غرس مواسم حصاد مبنية على بروز الشمس أم القمر فقد جعله الله جل وعلا ميقات لحياتنا الدينية ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ? قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ، (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فالقمر جعله الله جل وعلا عنواناً ميزاناً ميقاتاً لحياتنا المتعلقة بالعبادات ، وأن معاشنا وحياتنا المعيشية خاصة عند الزراع فإنها مبنية على بروز الشمس هذا من الفوارق ما بين الشمس والقمر.(6/2)
الشمس حبسها الله جل وعلا لنبي يقال له (يوشع بن نون) ويوشع بن نون هو فتى موسى الذي ورد ذكره في قول الله جل وعلا (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ) وقد حكم بني إسرائيل قبله وأنت تعلم أيه المبارك في خلفيتك الثقافية التاريخية أن الله جل وعلا أمر بني إسرائيل بالدخول على الجبارين فامتنعوا فحكم الله جل وعلا عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض في خلال الأربعين سنة هذه مات هارون أولا ثم مات موسى ثم حكم وساس بني إسرائيل بعد موسى وهارون يوشع بن نون عليه السلام حارب الجبارين واليهود تعظم يوم السبت وتجعله باللغة بين قوسين ( إجازة ) أي لا يقاتلون يوم السبت فلما كان مساء الجمعة وكادت الشمس أن تغيب فإذا غابت لا قتال لأنه لا يوجد آنذاك أشياء يتكئون عليها ويبصرون بها غير الشمس فإذا غابت وهو لم تفتح له البلدة اضطر إلى أن يقاتل يوم السبت ولا قتال عندهم يوم السبت فقال يخاطب الشمس:( إنك مأمورة وإنني مأمور) أي أنت مأمورة أن تغيبي وأنا مأمور أن افتح هذه البلدة وأقود هذه الجيوش (اللهم احبسها عني) فحبس الله عنه الشمس أُخر غروبها تكرمة له هذا من أتاه الله جل وعلا بعض أنبياءه ولهذا قال شوقي
قفي يا أخت يوشع خبرينا *** أحاديث القرون الغابرينا(6/3)
فأخت يوشع في مصطلح شوقي مبني على خلفية ثقافية تاريخية هي الشمس حبسها الله جل وعلا ليوشع بن نون والنبي صلى الله عليه وسلم قال:( يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس؟ ) قال: قلت الله ورسوله أعلم قال:( فإنها تأتي فتسجد تحت العرش ثم تستأذن ربها فيأذن لها حتى يأتي يوم لا يأذن الله لها فيقول ارجعي من حيث غبتي فتخرج على الناس من المغرب فهذا معنى قول الله: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ) القمر لا يتعلق به بشيء من هذا لكن القمر عند جماهير الناس أو عند عموم أهل الأرض مضرب للجمال فإذا أرادوا أن يشبهوا أحدًا أو يذكروا جمال احد من الناس وصفوه بالقمر ليلة البدر وهذا حتى في السنة ، فإن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: (خرجت في ليلة أضحيان) أي ليلة القمر فيها مكتمل (فرأيت القمر ورأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه حلة حمراء فجعلت انظر إلى البدر وانظر إلى وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلهو عندي أجمل من القمر) كما أنه البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قيل له: أكان وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل السيف؟ قال:( لا بل مثل القمر) وهذا أمر لا يحتاج إلى شاهد في أن الناس يضربون المثل في الجمال بالقمر يقول (عمر بن أبي ربيعة) وهو شاعر حاد كثيرا عن الصواب في شعره
قالت الكبرى أتعرف ما الفتى *** قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتها *** قد عرفناه وهل يخفى القمر(6/4)
فعجز هذا البيت الثاني شهير بين الناس يجري مجرى الأمثال والشاهد منه في مقامنا هذا في درسنا المبارك هذا أن الناس يضربون المثل بالقمر في قضية الجمال ، والله تبارك وتعالى جرت سنته انه يظهر النقص في خلقه حتى يستبين للناس الكمال في وجهه جل وعلا ، فالشمس تكسف على أن يفتن الناس بها تكسف والقمر يخسف ولهذا قال الله جل وعلا ذكر في سورة القيامة أن القمر يخسف وذكر في سورة التكوير: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وهذا كله حتى يتأتى للناس أن يعلموا أن الوجه الذي لا يحول ولا يزول ولا يتغير هو وجه ربنا الأكرم جل جلاله ، بل إن وجه نبينا - صلى الله عليه وسلم - ربما هذا مر معنا في درس سابق عليه الصلاة والسلام شج رأسه كسرت رباعيته سال الدم في وجهه وهو - صلى الله عليه وسلم - وجهه أكرم وجوه المخلوقين قاطبة ومع ذلك نحن نرى في كل هذا كمال صفات ربنا جل وعلا وصدق الله القائل (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ** وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )وقال جل ذكره (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ورد الشمس والقمر في خبر خليل الله إبراهيم يوم ناظر قومه الله يقول :(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ** فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً ? قَالَ هَذَا رَبِّي ? فَلَمَّا أَفَلَ) وإبراهيم يعلم أن هذا سيأفل يأفل لا محالة قال ( قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ** فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي) هو يوهم عبدت الكواكب انه يريد الخير وهو فعلا يريد الخير لكنه يتنزل لهم رغبة في دعوتهم فلما أفل اظهر التضرع (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ** فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً ) ونحن نعلم أن إبراهيم رأى الشمس(6/5)
مرارا قبل ذلك اليوم لكنه تعامل معها على قدر عقول من
عقول من يخاطبهم كأنه يراها لأول مرة ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ? فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ** إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً ? وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )(6/6)
الشمس كُسفت في عهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - ووافق يوم كسوفها وفاة (إبراهيم) ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإبراهيم ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - من جارية يقال لها (مارية) مكث مسترضعا في عوالي المدينة ثمانية عشر شهرا فلما أتم ثمانية عشر شهرا توفاه الله ، فلما توفاه الله بكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحديث الشهير ( وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون) لكنه قال - صلى الله عليه وسلم - ( لا نقول إلا ما يرضي ربنا ) فلما كسفت الشمس في ذلك اليوم قال بعض الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس يعلمهم مسألة عقدية ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عبادة لا يكسفان لموت احد ولا لحياته فإذا رأيتم مثل ذلك فافزعوا إلى الصلاة) ثم فزع - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة يجر ردائه وصلى بالناس صلاة بركوعين وسجود كالمعتاد لكن زاد في الركوع ركوعاً آخرا ثم خطب في الناس يعظهم ويذكرهم بالآخرة ويقول لهم أنه (ما من شيء توعدون به إلا وقد رأيت في مقامي هذا ) وحديثه ليس هذا موضع بسط القول فيه ، لكن الغاية منه أن تعلم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تجريان بقدر ربي تبارك وتعالى كما قال الله ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ) وكما قال الله ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) ومع ذلك عُبدا من دون الله ولهذا قال الله ( لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) وقد مر معنا في لقاء ماضٍ أن الهدهد أنكر على قوم بلقيس إنهم يعبدون الشمس ودعته فطرته إلى أن يستنكر ذلك منهم وأن يخاطبهم بقوله ( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الشمس والقمر ذكرهما الله جل وعلا بأنهما آية مبصرة وآية ممحوة في سورة الإسراء ((6/7)
فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ? وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) ولهذا يرد في القرآن كثيرا قضية استخدام (ليلة) خاصة في قصص الأنبياء لأنها تتعلق بشرائع الناس ما يتعلق بمعادهم لا بمعاشهم والأنبياء إنما يعنون أعظم عناية بما يكون من أمور الدين ولهذا قال الله جل وعلا (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة ) ولم يقل جل وعلا (وواعدنا موسى ثلاثين يوما ) والمشهور أن الله جل وعلا واعد موسى ثلاثين ليلة هي ليالي شهر ذي القعدة وأتمها الله بعشر هي ليالي شهر ذي الحجة فيكون بهذا الاعتبار أن الله جل وعلا كلم موسى في يوم النحر ومعلوم أن لموسى ميقاتين ميقات زماني: وهو عاشر ذي الحجة على الأظهر وميقات مكاني على قول واحد وهو جبل الطور الذي كلم الله جل وعلا عنده موسى ، الذي يعنينا كما بينت أن القمر آية جعلها الله جل وعلا لأمور حياتنا الدينية كما جعل الشمس آية لحياتنا المعيشية التي فيها أرزاقنا وفيها معاشنا .
يتحرر من هذا كله أن الشمس والقمر ذُكرا كذلك في الشعر العربي لكن الشمس كانت اقل حظ من ذكر القمر لأن القمر يتعلق بالجمال أما قول المتنبي الذي ذكرناه في الأول :
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخرا للهلال
ولو كل النساء كمن فقدنا *** لفضلت النساء على الرجال
فقد قاله مجاملة في رثاء إحدى قريبات سيف الدولة الحمداني ونحن نعرف أن المتنبي كان له باع طويل في مدح سيف الدولة الحمداني . هذا أيها المباركون ما تيسر إيراده وتهيئ إعداده حول آيتين عظيمتين من آيات الله هما [الشمس والقمر] . وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا
زورق الخير(6/8)
لطائف المعارف/ ( المسجد النبوي )
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ،،،،،، أما بعد
أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات/
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا متجدد لقاء من برنامجكم ( لطائف المعارف) ويحمل في عنوانه هذا المساء [ المسجد النبوي]..
المسجد النبوي: أحد المساجد الثلاثة التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرحال لا تشد إلا إليها (المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى) هذه المساجد نعلم جميعاً أن الله رفع شأنها عظيماً في قوله تعالى:} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ{(6/1)
المسجد النبوي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن ندرك أن الله - عز وجل - اختار البلدة المباركة (طيبة ) ليهاجر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى الاثنين، فأسس في جنوبها مسجد قباء، ثم مكث فيها الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ثم أتى داخل البلدة حتى بركت ناقته القصواء في موضع المنبر اليوم، ثم لم ينزل - صلى الله عليه وسلم - فقامت الناقة فجال جولةً - صلى الله عليه وسلم - ثم عادت الناقة بعد أن جالت جولة إلى مدركها الأول، ثم نزل - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أخذ أبو أيوب الأنصاري متاعه وقال عليه الصلاة والسلام: ( المرء مع رحله ) في تلك البقعة أسس - صلى الله عليه وسلم - و بنا مسجده والصحابة معه وهم يرتجزون:
لئن قعدنا والنبي يعمل *** إن هذا لهو العمل المضلَّل
وهو - صلى الله عليه وسلم - يُجيبهم بقوله:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة
لا نريد أن نتكلّم عن الهجرة ونذكر أحداثاً تاريخية لا يكاد يجهلها مؤمن، لكن الحنين في قلب كل مسلم إلى مسجد سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - متأصل، المسجد النبوي -أيها المبارك- سأتكلم عن واقعه الحالي الموجود حتى إذا كُتب لك أن تزور هذا المسجد تكون على الأقل على علم بكثير مما فيه.
المسجد اليوم فيه ثلاثة محاريب: المحراب الذي يُصلي في الأئمة الآن هو محراب بناه عثمان بن عفان - رضي الله عنهم - يتحرر من هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر لم يصلوا في هذا المحراب؛ لأن المحراب من جهة القبلة من جهة الجنوب في التوسعة التي وسعها عثمان بن عفان الخليفة الراشد - رضي الله عنهم - وأقره الصحابة وصلوا وراءه في ذلك الصف. هذا المحراب الأول.(6/2)
المحراب الثاني –أيها المبارك-: يوجد في الروضة الشريفة وهو محراب أي موضع صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، في ذلك المكان كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس إماماً، وهذا الموطن في الروضة الشريفة إذا استقبلته استقبلت القبلة تكون حجرة (عائشة) التي فيها القبور الثلاثة على شمالك تكون حجرة عائشة على شمالك، ويكون منبره - صلى الله عليه وسلم - عن يمينك المنبر موضعه عن يمينك إذا استقبلت المحراب فحجرة عائشة عن شمالك التي فيها القبور الثلاث قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبر أبي بكر و قبر عمر.
المحراب الثالث: هو المحراب الذي خارج الروضة عن يمينك وأنت مستقبل القبلة أي غرب المسجد وهذا المحراب لا يتعلق به شيء قديم أثري إنما هو محراب بناه أحد سلاطين آل عثمان وهو الآن خارج الروضة على يمينك وأنت مستقبل القبلة أي شرق المسجد النبوي من جهة الشرق. هذه المحاريب،
المكان المفروش الآن باللون الأخضر هو ما يسمى بـ(الروضة الشريفة) قال - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الصحيح أو الحديث الصحيح: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)
هذه الروضة اختلف في سبب تسميتها روضة، الأظهر من أقوال أهل العلم والعلم عند الله أنها قطعة من الجنة هذا الذي يُحمل عليه الحديث لأننا إذا حملنا معنى روضة على أن ما فيها من دروس وعلم عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: ( حِلَق الذكر)، فهذا لا يختص ولا يُحصر ولا يقتصر على ذلك المكان الطاهر، وإنما في كل مكان يُذكر الله - عز وجل - وتقام حِلَق الذكر، فوجب حمل المعنى على شيء مخصوص وعلى هذا نقول إن الأظهر إنها روضة من رياض الجنة أي قطعة من الجنة. الآن تكلمنا عن المحاريب الثلاثة.(6/3)
المنبر: كان في قديمه جذع نخلة يتّكئ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم صُنع له - صلى الله عليه وسلم - منبر مرقاة من خشب كان يرتقي درجها فيخطب الناس وهو موضع المنبر اليوم.
كذلك حجرات أمهات المؤمنين أكثرها كان جهة الشرق –أي عن شمالك وأنت مستقبل القبلة، وهناك عن غربك وأنت جهة خوخة أبي بكر كان هناك بيتان أو أقل أو أكثر يعني بيت بيتان ثلاثة بالأكثر من بيوت أمهات المؤمنين، لكن أكثر البيوت كانت في جهة المشرق بيت عائشة ثم بعض حجرات أمهات المؤمنين، هذه الحجرات كان يتنزل فيها الوحي، يقول حسان وقد مر معنا:
لطيبة رسم للنبي ومعهد *** منير وهل تعفى الرسوم وتهمد؟
بها حجرات كان ينزل وسطها *** من الله نور يُستضاء ويوقد
معالم لم تُطمس على العهد آيها *** أتاها البِلى فالآي منها تجدد(6/4)
الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف، والصلاة في المسجد الأقصى من العلماء من أخذ بحديث أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، لكن هذا الحديث في سنده بعض الضعف، وأصح منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الخبر الصحيح مما رواه الحاكم وصححه وهو صحيح الإسناد "خرج على الصحابة وهم يتذاكرون أي الصلاة أفضل في المسجد النبوي أم في المسجد الأقصى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحدّث عن المسجد الأقصى قال: ( لنعم المصلى هو- أي المسجد الأقصى- وصلاة في مسجدي هذا –أي المسجد النبوي- بأربع صلوات فيه) تدرك – أيها المبارك- أن هذا المسجد المبارك شهد أحداثا عظاماً من أعظمها بلا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه، وخطب الجمعة على منبره، وتلقى الصحابة من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - العظات المحمدية والآيات القرآنية تقول إحدى الصحابيات: [ لم أحفظ سورة (ق) إلا من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثرة ما يرددها على منبره -أي في خطبة الجمعة-] وصلى بهم - صلى الله عليه وسلم - سنيّ عمره التي قضاها في المدينة إماماً في ذلك الموضع الشريف، ثم صلى أبو بكر و رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي بين أظهرهم أيام مرضه عليه الصلاة والسلام، وكانت آخر صلاة صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلاها الصحابة والنبي عليه الصلاة والسلام حي هي صلاة الفجر، وعمر - رضي الله عنهم - تولى الخلافة بعد وفاة أبي بكر فصلى بالناس في نفس البقعة المحمدية التي كان يصلي فيها نبينا - صلى الله عليه وسلم - إماماً وفيها طُعن، كان يقرأ - رضي الله عنهم - بسورة يوسف، فجاء أبو لؤلؤة المجوسي فطعنه، فقيل له يا أمير المؤمنين ألا نحملك إلى دارك؟ فقال:[ لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة] وبقي يصلي يشخجب دماً حتى انتهت الصلاة صلى بهم عبد الرحمن بن عوف ركعتين خفيفتين ثم حُمل - رضي الله عنهم - إلى بيته.(6/5)
موضع الشاهد هذه أحداث عظام وقعت في ذلك المسجد المبارك مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
المسلمون خلفاء وعامة اعتنوا عظيم العناية بهذا المسجد، فوسعه عثمان ووسعه من قبله عمر ووسعه الوليد بن عبد الملك أمر عامله على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يوسعه وهو الذي أدخل فيه حجرات أمهات المؤمنين وفي هذا العهد الميمون دولة ( آل سعود) -أدام الله توفيقهم- عُني بالمسجد عناية عظيمة، إذا جئت المسجد أيها المبارك الآن وخرجت منه من جهة الغرب في الشمال الغربي ستلحظ قطعة أرض بها نخل وزرع غير مبنية مع أن البناء عن يمينها وشمالها وجميع جهاتها -إلا الجهة التي تستقبل بها هذا الموضع الحرم- هذا مكتوب عليه إذا رأيته [سقيفة بني ساعدة]، وبني ساعدة بطن من الخزرج يُنسبون إلى جد لهم يقال له ساعدة لم يسكن المدينة، في هذه السقيفة بويع للصديق - رضي الله عنهم - في الواقعة الشهيرة عندما اجتمع الأوس والخزرج بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحضر الاجتماع بعد ذلك أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ونجم عن ذلك الاجتماع المبارك مبايعة الصديق بالخلافة، المقصود أن موضع سقيفة بني ساعدة باقٍ إلى اليوم لم يتغير في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي الشريف.(6/6)
هذا المسجد كذلك التوسعة أوصلته إلى القبر الشريف وإلا القبر ما وُضع في المسجد، بمعنى أن الصحابة لم يدفنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد حتى يحتج علينا محتج فيقول: يجوز دفن الموتى في المساجد، ولا يحتج علينا محتج أنه يجوز أن نبني مسجداً على قبر كل ذلك باطل، لا يُدفن أحد في مسجد، ولا نبني مسجداً على قبر إنما غاية الأمر في حادثة المسجد النبوي أن المسجد النبوي من جهة الشرق عمد الوليد إلى توسعته فوصلت التوسعة إلى أن بلغت حجرات أمهات المؤمنين لأنها كانت قريبة جداً من المسجد، ونحن نعلم أن الوليد لم يُوفق في هذا لكن هذا قد مضى بقدر الله، لكن ليس فيه حجة لأحد أن يبني مسجداً على قبر أو أن يدفن ميتاً في مسجد فهذا كله لا أصل له شرعاً الموتى يُدفنون في المقابر، والمساجد تُبنى على أرضٍ فضاء ليست مقابر أصلاً بل إن الصلاة في المقبرة لا تجوز اللهم إلا أن تكون صلاة على ميت لم يصلي عليه كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر تلك المرأة العجوز التي كانت تقوم المسجد، هذا المسجد النبوي حررنا أن الصلاة فيه بألف صلاة، لكن كذلك يذهب جمهور العلماء إلى أن الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة في المسجد المحيط بالكعبة وفي أي مكان من مكة فمساجد مكة سواء في الأجر، فمن صلى عند جمهور العلماء في مسجد مثلاً في (جرول) – حي من أحياء مكة- فلو صلى إنسان في مسجد في جرول عند جمهور العلماء مائة ألف صلاة كمن صلى في المسجد الذي محيط بالكعبة المعروف بالمسجد الحرام، في حين أنهم –أي العلماء- متفقون على أن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، أما الصلاة في غير المسجد النبوي فليست إلا بسبع وعشرين درجة شأنها شأن سائر الصلوات وهذا من الفوارق ما بين مسجد المدينة ومسجد مكة، أما الساحات المحيطة بالحرم فلأنها مسورة ولها أبواب فإن الصلاة فيها كالصلاة في المسجد.(6/7)
هذا ما تهيأ إيراده وأعان الله على قوله حول مسجد رسولنا - صلى الله عليه وسلم -
وفقنا الله وإياكم لكل خير
والسلام عيكم ورحمة الله وبركاته....(6/8)
لطائف المعارف(المعلقات)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على فضله والصلاة السلام على خير خلقه ،،،أما بعد
فهذا لقاء متجدد من برنامجكم ولقاءاتكم الموسومة بـ(لطائف المعارف) وعنوان حلقة هذا اليوم أشبه بالسياحة الأدبية عنوانه [المعلقات] والمعلقات أيها المباركون عنوان عام أطلق على قصائد طوال في الجاهلية قالها الشعراء آن ذاك وقبل أن نعرج على بعض منها أو على بعض أبياتها وعلى التعليق على تلكم الأبيات فإننا نقول: إن أهل الصناعة الأدبية الذين يعنون بتاريخ الأدب يقسمونه إلى أطوار فتلك الحقبة التي كانت قبل البعثة اصطلح على تسميتها بـ(الأدب الجاهلي) أو (الأدب في العصر الجاهلي) ثم يقولون الأدب في عصر صدر الإسلام وبني أمية وبعضهم يفصل ما بين صدر الإسلام والأموي وآخرون ينتقلون بعد ذلك اتفاقاً إلى العصر العباسي الذي كان فيه العمالقة الكبار أمثال المتنبي وأبي تمام والبحتري ثم كانت تلك الفترة التي حكم فيها المماليك والعثمانيون وغيرهما وهذه ما يسمى عند أهل الصناعة الأدبية في الغالب بعصر الانحطاط ثم هيأ الله جل وعلا للشعر العربي أن بعثه (محمود سامي البارودي) من مرقده وما كان من البارودي وما بعده إلى عصرنا الحالي يسمى كله بالعصر الحديث ، هذا التقسيم التاريخي للأدب الذي يعنينا هنا أن عنوان المعلقات يُعنى بتلك القصائد الطوال التي كانت تقولها العرب في الجاهلية أو قالها بعض شعراء العرب في الجاهلية ، والحديث عنها ذو شجون لكن نتكلم عن بعضه ، هناك شعراء أُعطوا قدرة على العطاء الشعري ولهم مطولات لكن لماذا سميت بالمعلقات قيل : لأنها علقت في الصدور لأن الناس حفظوها وهذا قول قوي ، وقيل إنها كانت تكتب بماء الذهب وتُعلق على الكعبة وهذا عندي بعيد وإن قال به بعض النقاد لكن كونه أن الأبيات تُكتب بماء الذهب في ذلك الزمن الغابر الذي قلما يجد فيه مثل هذه الآلة يصعب الحكم على هذا بالصحة وإن كان كما قلت قد قيل من(6/1)
قبل ، وقيل غير ذلك أنها تعلق في الأسواق التي كانت تجتمع فيها العرب كسوق عكاظ وسوق المجاز وغيرهما ، هذه المعلقات حفظها أكثر من رووا الشعر ولو خلا بعضها شيء من المحي لكن الذي يعنينا أن هذه المعلقات كانت صورة ناطقة لحياة العرب التاريخية والاجتماعية وكثر مما كان عليه العرب في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم ، و أشهر شعراء المعلقات [امرؤ القيس] وهم يقولون أي أصحاب الأدب أنه يُنسب إليه أنه أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى وهو القائل في معلقته:
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوا بين الدخول فحومل
وقوفاً بها صحبي علي مطيهم *** يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وفيها الأبيات الشهرة:
وليل كموج البحر أرخى سدوله *** علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه *** وأردف أعجازاً وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي *** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
المشهور عن امرئ القيس أنه كان ابن أحد ملوك (كندة) وكان الملوك آن ذاك يأنفون أن يقول أبناؤهم الشعر فكان نوع من الجفوة بينه وبين أبيه فلما مات أبوه قال قولته الشهيرة: (ضيعني صغيراً ، وحملني دمه كبيرا) وقد مات وهو في الطريق إلى بلاد الروم وهو يطلب من يعينه على استرداد ملك أبيه هذا امرؤ القيس وأكثر شعره كان في الغزل وشرب الخمر أو في اللهو و الركب والسير وهذه الأمور تجتمع بعضها إلى بعض في حياة الجاهليين آن ذاك.
من شعراء المعلقات: طَرَفة بن العبد البكري وهو أصغرهم سنا وقد مات صغيراً يقال إنه قد مات وعمره ستة وعشرون سنة ، وهذا له أبيات خلّدها الذكر أو خلّدها التاريخ لأنها جرت مجرى الحكمة هو يقول في معلقته في مطلعها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد *** تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
مما خلده التاريخ العربي من شعر طرفة ما جرى مجرى المثل جرى مجرى الحكمة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود(6/2)
فهذا البيت شائع ذائع ينطبق على حياتنا بلا نكران كذلك قوله:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند
فهذا البيت صورة ناطقة لحياة اجتماعية تتكرر أو حدث اجتماعي يتكرر على مر الدهور وكر العصور والبيت إذا كان يلامس الواقع ويشهد له فإن الواقع والتاريخ والشواهد تُبقي ذلك البيت لأن الناس يستحضرون ذلك البيت عند الأحداث التي تمر بهم فكل من ظُلم من قرابته يردد قول طرفة:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند
من شعراء الجاهليين لبيد بن ربيعة ولبيد بن ربيعة يختلف عن بقية الشعراء الجاهليين أصحاب المعلقات بفارقة عظيمة ألا و أنه أدرك الإسلام فأسلم الأعشى أدرك الإسلام كما سيأتي لكنه لم يُسلم أما لبيد فقد منّ الله عليه بالإسلام وهو القائل:
الحمد لله أنني لم يأتني أجلي *** إلا وقد كسيت من الإسلام سربالا
هذا لبيد من المعمرين ويقال إنه مل من طول حياته وأن الناس كلما قابلوه: كيف أنت؟ كيف حالك؟ ما أخبارك؟ ولهذا قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها *** وسؤال هذا الناس كيف لبيد
نعود إلى معلقته معلقته مطلعها :
عفت الديار محلها فمقامها *** دينا تأبد غولها فلجامها
وله فيها بيت خالد قال بتصوير فني بديع:
وجل السيول عن الطلول كأنها *** زبر تجد متونها أقلامها
" ويزعم أهل الأدب الرواة الإخباريون أن (الفرزدق) الشاعر الأموي الشهير مر ذات يوم على مسجد ل(بني زريق) في البصرة أو في الكوفة فلما مر سمع منشداً يقف يُنشد الشعر والناس حوله فأتى المنشد على قول لبيد:
وجل السيول عن الطلول كأنها *** زبر تجد متونها أقلامها
فخر الفرزدق ساجداً فتعجب الناس فلما رفع رأسه قالوا: يا أبا فراس ما هذا؟ قال: أنتم تسجدون لجيد القرآن –أي بسبب جيد القرآن- وأنا أسجد لجيد الشعر –أي بسبب جيد الشعر"(6/3)
والمعنى أن هذا البيت فيه صورة بديعة تبين على اتصال الجاهليين عموما بالبيئة وأثرها في شعرهم وفي لبيد أكثر وصفا وله في معلقته أبيات جميلة جداً لكن المقام لا يتسع للإطالة في حقه أكثر من غيره.
من شعراء المعلقات (زهير بن أبي سُلمى) وقد عُرف بالحكمة عُرف بـ(الحوليات) يتأنى يتروى في إخراج قصائده للناس وهو القائل في صدر معلقته:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم *** لحومانة الدراج فالمتلثم
هذا زهير ضمّن أبياته ضمّن معلقته أبياتاً جرت مجرى الحكم مجرى الأمثال تُردد إلى اليوم قريب جدا أو أكثر من شعر طرفة :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه *** يهدم ومن لا يظلم الناس يُظلم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله *** عن قومه يُستغن عنه ويُذمم
هذا من روائع ما قاله زهير بن أبي سلمى وقد كان عمر - رضي الله عنهم - فيما يروون عنه يحب شعر زهير جداً لأن زهيراً كان يتمثل الحكمة وواقع الناس في أشعاره.
من شعراء المعلقات (الأعشى) وقد قلنا إن لبيداً أدرك الإسلام وأسلم أما الأعشى فقد أردك الإسلام وهيأ قصيدة يمدح فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لا يقع في الكون إلا ما أراد الله والهداية بيد الله قال في قصيدته التي يمدح فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا *** وبت كما بات السليم مسهّدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما *** تناسيت قبل اليوم خلة مهتدى
إلى أن قال في مدح نبينا - صلى الله عليه وسلم - :
نبي يرى ما لا يرون وذكره *** أغار لعمري في البلاد وأنجدا
متى ما تراحي عند بعض ابن هاشم *** تراحي وتلقى من فواضله ندى
يخاطب ناقته...هذا الأعشى اشتهر بحبه للخمر وكثرة شربه لها ولهذا عني في شعره كثيرا في مسألة الخمر والتلذذ بالنساء ومطلع معلقته الشهيرة:
ودع هريرة إن الركب مرتحل *** وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها *** تمشي الهوين كما يمشي الوجي الوحل(6/4)
كأن مشيتها من بيت جارتها *** مر السحابة لا ريث ولا عجل
من أبياته التي جرت مجرى المثل والحكمة في معلقته قوله:
كناطح صخرة يوما ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فالأعشى ويقال له [أعشى قيس] من أشهر شعراء المعلقات وكانوا يقولون إن الأعشى إذا طرب أبدع كما يقولون في أن امرأ القيس إذا ركب –أي خرج للصيد- يلحقه الإبداع أو يأتيه الإبداع ثم يثلثون بالنابغة إذا خاف فإنه إذا خاف يضطر للاعتذار فإذا اضطر للاعتذار كأن هذه الحالة النفسية تنعكس على أبياته فيبدع ويقول ما لم يقله في فن آخر .
والنابغة أحد شعراء المعلقات الكبار وقد اعتذر من نعمان بن المنذر في جفوة وقعت بينهما نجم عنها أن قال تلكم الأبيات . الأعشى والنابغة وامرؤ القيس كل هؤلاء أكبر رموز شعراء الجاهلية يمكن أن يُضاف إليهم (عنترة) وهم أكثر من ذلك أن يصل عند البعض العشرة وبعضهم يقف عند سبعة ، عنترة عُرف بشجاعته وله قصيدة مشهورة مطلعها
هل غادر الشعراء من متردم *** أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي *** وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
دار منعمة غضيض طرفها *** فوق العناق لذيذة المتنسم(6/5)
هذا عنترة من أكثر الناس ذيوعاً والناس إلى اليوم في تاريخنا العربي ينسبون كل شجاعة إلى عنترة كما ينسبون كل سخاء إلى حاتم وكما ينسبون كل ذكاء إلى إياس وكما ينسبون كل فكاهة إلى أشعب وغير ذلك وهذا شيء بدهي أن الناس تجعل رمزاً من الرموز فتفيء إليه بكل ما يتعلق بالرمز الذي وضع له. عنترة عُرف بشجاعته عبسي ولده أبوه من جارية والإنسان من حيث انتسابه يُنسب إلى أفضل أبويه دوناً ويُنسب إلى أمه حريةً أو عبودية وفي المطعم والمشرب كما في الدواب يُنسب إلى الأخبث ولذلك لحم البغال لا يؤكل لأنه يُنسب إلى الحمار ولا يُنسب إلى الخيل ، الذي يعنينا هنا أن عنترة تعلق بعبلة كما هو مشهور ذائع لا يخفى على أمثالكم لكن الذي يعنينا الأبيات التي قالها والتي كان يبين فيها شجاعته وعفة نفسه في نفس الوقت:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك *** إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني *** أغشى الوغى –أي في الحرب- و أعف عند المغنم
وهذا مدح عظيم للنفس فإذا اقتسم الناس الغنائم وهبوا إلى قتات الدنيا عفت يدي عفت نفسي أحجمت ، أما عندما يكون الموضع ساحة قتال لا يبرز إلا الشجعان ولا يتقدم إلا الفرسان يقول كنت أقرب لم يا عنترة؟ لأنه يجد راحة نفسية في هذا:
ولقد شفى نفسي و أبرأ سقمها *** قيل الفوارس ويك عنتر أقدم(6/6)
لكن ينسبون إلى عنترة حادثة طريفة بصرف النظر عن صحة هذه الحادثة العاقل يزن خطواته لا يضع قدمه اليمنى حتى يعلم قبل أين سيضع قدمه اليسرى ، "يقولون إن عنترة في ديار بني عبس خرج ثور عن طوره ما يسمى بين قوسين (ثور هائج) وكان العبسيون إذا داهمهم العدو يدعون عنترة كما قال في شعره فيفزع إليهم و يفك ما أصابهم لكن عندما خرج الثور تنحى عنترة إلى جبل وابتعد فقيل له: يا عنترة مثلك يفر من الثور قال: ومن يُفهم الثور أني أنا عنترة" هذه القصة الحكاية على طرافتها لها معان عظيمة وهي أن الإنسان يكون عاقلاً ليس كل ميدان يقتحمه وليس كل مقام يصلح لكل مقال..
هذا ما تهيأ إيراده حول المعلقات وتيسر إعداده ..
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضى وألبسني الله وإياكم لباسي العافية والتقوى ،،وصلى الله على محمد وعلى آله
والحمد لله رب العالمين،،،،،،،،(6/7)
لطائف المعارف ( المهدي )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...وبعد
فهذا لقاء متجدد من برنامجكم لطائف المعارف وكنا قد بينا في لقاءات بين الحين والآخر أن هذا البرنامج يُعنى بالنظرة الموسوعية لبعض الأعلام والأحداث التاريخية ولا ينزع من فنأ واحد وإنما هو أقرب إلى ذوات أفنان لقاؤنا اليوم يحمل عنوان ( المهدي ) ونحن نعلم أن الله جل وعلا لم يطلع أحداً من خلقه على الساعة قال الله جل وعلا: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) وسيد الملائكة (جبريل) سأل سيد الرسل - صلى الله عليه وسلم - نبينا: أخبرني عن الساعة فقال عليه الصلاة والسلام وهو يعلم أن السائل جبريل قال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل) والمعنى أن علمي وعلمك فيها سواء، لكن الله جل وعلا قال: (فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا) أي: جاء بعض علاماتها أي أن الله جل وعلا جعل للساعة أعلام ،أمارات، أشراط كما قال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني عن أشراطها أو عن أماراتها والله قال لموسى: (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) وقول الله جل وعلا (أَكَادُ أُخْفِيهَا) يُشعر وفق قوانين اللغة وفق قواعد الإعراب أن الله لم يُخفيها بالكلية لكن وقتها المحدد أخفاه الله بالكلية لكن جعل لها أشراطاً وعلامات وهذا معنى قول الله(أَكَادُ أُخْفِيهَا) هذه العلامات قُسِّمت من قِبل العلماء إلى: صغرى وكبرى، من أشهر العلامات الكبرى خروج المهدي فما المهدي؟أو بتعبير أصح من المهدي؟؟ المهدي: رجل بشر خلق ،خلق الله لكنه(6/1)
ينتسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الخبر الصحيح: ( المهدي مني. أجلا الجبهة أقنى الأنف يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) فقهنا من هذا أن الله جل وعلا قبل قيام الساعة يُخرج رجلاً من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يده يكون خير عظيم ونصر عميم لكننا قبل أن نشرع في قضية تحديد أوصافه الخَلْقية -وقد حُدد بعضها- ينبغي أن نهتم بقضية فكرة الناس عن المهدي الناس المنتسبون للإسلام سواءً المنتسبون حقيقةً والذين يمثلونه حقاً وهم أهل السنة أو غيرهم ممن ينتسب إليه اختلفوا في قضية المهدي مع اتفاقهم على خروج رجل من آل البيت الشيعة يقولون: إن المهدي من ذرية الحسين وهو عند الشيعة الاثني عشرية هو آخر الأئمة الاثنا عشرية عندهم واسمه عندهم محمد بن الحسن العسكري من ذرية الحسين ويقولون إنه حاضر في الأمصار غائب عن الأبصار دخل سرداب [سرّ من رأى] وينتظرون خروجه ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فرقة أخرى ممن يُطلق عليهم شيعة من حيث الجملة لكنهم ليسوا من الاثنى عشرية وهم ما كانوا يسمَّون – ولا أدري إن كان بقي منهم أحد في زماننا- يسمون: الكيسانية وهؤلاء يقولون إنه من ذرية علي - رضي الله عنهم - لكنه رابع الأسباط ويقول (كُثيّر عزة) وهو شاعر أموي معروف وسمي بكثير عزة لتعلقه بامرأة يُقال لها عزة وله فيها قصائد مشهورة ، الذي يعنينا أن هذا الرجل كان يؤمن بهذا المذهب ويؤمن بهذا المبدأ وهو القائل:
ألا إن الأئمة من قريش *** حماة الدين أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه *** هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر –يقصد الحسن- *وسبط غيبته الكربلاء –يقصد الحسين
وسبط لا يذوق الموت حتى *** يقود الخير يقدمها اللواء(6/2)
–يقصد محمد بن الحنفية- محمد بن علي أما ابن الحنفية نسبة إلى أمه أي أن أمه ليست فاطمة الزهراء، الذي يعنينا هذا فكرة أو نظرة تنظر إلى المهدي .
أما أهل السنة –سلك الله بي وبكم سبيلهم-: فيرون أن المهدي رجل من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه من ذرية الحسن فهو فاطمي من جهة أمه ثم إلى جده - صلى الله عليه وسلم - وعلوي من جهة أبيه يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً فيتحقق فيه خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - . ما قلته في الأول من أن الإنسان يجب أن يفهم القضية في سياقها الصحيح، الغيب لا يعني أن نأتي به أو نزدلف إلى إحضاره، فما أخبر الله أو رسوله عنه سيقع لا محالة ولا حاجة إلى أن نستقدمه أو نسعى لاستقدامه-هذا واحد- الأمر الثاني: وهو أنه شخصيات عبر التاريخ الإسلامي تمسكت بهذا الاسم وسمعنا عن بعض خلفاء بني العباس ومن جاء بعدهم يتسمى باسم قريب من هذا كلهم يريد أن يكون هو المهدي ولن يكون إلا من أخبر الله أو من قدّر الله أنه سيكون فهو شخص واحد ، فليست القضية قضية أن يتسمى الإنسان بالمهدي حتى يكون مهدياً هذا محال فالله قد قدّر في الأزل وأخبر جل وعلا على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً من آل بيته سيكون وآل البيت كثيرون لكن..هذا يقع بقدر الله لا يحتاج الإنسان إلى أن يتقمصه فالمهدي شاء أم أبى سيخرج بقدر الله تبارك وتعالى وبما يلهمه الله تعالى إياه وقد قلت إن التاريخ الإسلامي شهد أشخاصاً كثيرين تقمصوا هذا الأمر محاولةً أن يكونوا المهدي وقطعاً لم يكونوا لأن الله جعله في شخص واحد ولم يحن الوقت المحدد لخروجه الذي أنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه جملةً لا تفصيلا هذا أمر ثاني.(6/3)
الأمر الثالث: أن خروج أو نزول عيسى بن مريم - عليه السلام - في الغالب يكون في زمن المهدي فالذي يظهر من سياق النصوص الشرعية أن الدجال يخرج في زمن المهدي فيقاتله المهدي وتكون هناك أشبه بالملحمة في بيت المقدس فينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فيقتل الدجال لكن عيسى في الغالب يصر على أن يتقدم المهدي يصلي بالناس وأنا لا أقول في الغالب على أن عيسى سيصلي أو لا يصلي..لا لكن في الغالب أنه المهدي أما كون عيسى لن يصلي فهذا ثبت في الأحاديث الصحيحة الصريحة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - . الملحظ المهم في هذا الأمر الغيبي...كله أن الناس في زماننا ما بين واقع مشهود يشاهدون الضيم الذي تعانيه الأمة وحالة الانكسار جلية ظاهرة في تاريخ الأمة في عصرنا إلا في بعض المواطن وفي نفس الوقت يسمعون عن غيب موعود أي أن الأمة ما بين خطوتين الواقع المشهود والغيب المنشود ، فالواقع المشهود قد لا يساعد الكثيرين على التفاؤل وهذا خطأٌ فيهم ، والغيب المنشود يُظهر أن الأمة ستعلو وهذا وعد من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته بل وعد من الله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) فانقسم الناس في هذا الأمر إلى ثلاثة أقسام:
* قسم يقول لا حاجة للسعي لا حاجة للبذل لا حاجة للعطاء لا حاجة للتربية؛ لأن الأمة لا محالة ستنتصر هذا وعد فيريدون منا أن نركن إلى الكسل وهذا محال ومطلب غير صحيح و فقه غير مستقيم.
*آخرون يقولون لا نريد أن نؤمن بهذا الغيب كله لا تحدثونا عن المهدي لا تحدثونا عن الوعد لا تحدثونا عن عيسى بن مريم إن هذا يجعلنا لا نعمل لأننا سنتّكل كما اتّكل الأولون ولهذا أرادوا أن يردّوا تلك الأحاديث حتى لا يصيب الناس نوع من التفضيل وهذا خلاف الحق؛ إذن هذه البشارات يجب أن تزرع فينا التفاؤل...إذن ما الحق؟؟(6/4)
*الحق القسم الثالث: وهو أن الإنسان يستبشر بتلك الوعود الإلهية والوعود المحمدية لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى وفي نفس الوقت لا يركن إليها ركوناً كلياً ويكسل عن العمل للدين بل يعمل..
ثم إنه ينبغي أن يُعلم أن المهدي لن يكون أفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعاً بل لا يكون أفضل من أبي بكر وعمر ولا من كبار الصحابة إن لم يكن لن يكون أفضل منهم كلهم على هذا فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - احتاج بقدر الله إلى أن يعينه الأصحاب رضي الله عنهم وأرضاهم وبُني الدين في ثلاثة وعشرين سنة لبنةً لبنة بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - دولة الإسلام فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ما بنا هذا البنيان إلا بمؤازرة الأصحاب مع تأييد الله تعالى له ومن تأييد الله تسخير ذلك الرعيل الأمثل والجيل الأكمل من الصحابة رضي الله عنهم لنصرته صلوات الله وسلامه عليه إذن فما حال المهدي؟ وما المهدي إلا أحد أتباع نبينا - صلى الله عليه وسلم - فالنظرة الموزونة العقلانية التي تعتمد على ضوء ونور النقل من الكتاب والسنة هي التي تعيننا على السير في مثل هذه المنعطفات التي عادةً ما يختصم الناس فيها كما قلنا ما بين واقع مشهود و مابين غيب منشود، بعض مؤرخي الإسلام ممن ليس لهم دراية بالسمعة الحديثية أو بالصناعة الحديثية يردون مثل هذه الأحاديث ويقولون إنها ليست في الصحيحين ومعلوم قطعاً إن الصحيحين لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فمثلاً (ابن خلدون) رحمة الله تعالى عليه أسرف في رد الأحاديث الصحيحة التي تخبر بخروج المهدي وتبعه على ذلك أفراد في الأمة وكلهم –عفا الله عنا وعنهم- لم يوفقوا الصواب في هذا المنحى، لكن الذي عليه حفاظ الأثر وشيخي الصحيح وأهل النظر كلهم يرون صحة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن خروج المهدي بل نُقل أو قال شيخنا العلامة ((6/5)
عبدالعزيز بن باز) رحمة الله تعالى عليه إن هذه الأحاديث تفيد التواتر المعنوي في صحة خروج المهدي وأنه من آل بيت نبينا - صلى الله عليه وسلم - . قلنا إن خروج المهدي من أشراط الساعة الكبرى يتبع ذلك نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ثم يكون بعد ذلك لحين قد يكون بعيداً بعض الشيء خروج أو طلوع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها لم يقبل الله جل وعلا توبة تائب قال الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) ثم تتوالى الأشراط والعلامات و الأمارات الكبار ومن أظهرها أن (ذا السويقتين) من أهل الحبشة يهدم الكعبة وينزعها حجراً حجراً ويستخرج كنوزها ولا يُطاف بالبيت بعد ذلك ويُرفع القرآن ويُطوى .وجه.... الإسلام ثم لا يبقى إلا همج الرعاع عليهم يأمر الله ملكاً يُقال له إسرافيل أن ينفخ في الصور فينفخ قال الله جل وعلا: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) المقصود من هذا كله الذي حررناه آنفا أن المهدي من أعظم علامات الساعة الكبرى وهو في الإجمال كما بينا يواطئ اسمه اسم النبي أي أن اسمه محمد بن عبدالله ، أين يخرج؟ وهذا ما تركنا الحديث عنه في أول المقام، يخرج عند مكة وقد جاءت بعض الأحاديث التي يمكن بجمع بعضها إلى بعض أنه يبايع له ما بين الركن والمقام وهم يقولون أي بعض صناع الأثر أو المعنيين بالدراية في علم الحديث يقولون إنه أصلاً المهدي من أهل المدينة لكنه يبايع له ما بين الركن والمقام لكن ليس المبايعة له بين الركن والمقام هي وحدها الأمارة والعلامة على أنه المهدي..(6/6)
لا وقد قلت إن هذا قد وقع فيه كثير من الخطأ مما ألبس على الناس أمرهم وقد تشبث بهذا الوضع كثيرون لا حاجة لذكرهم لكن الإنسان أحياناً يرى وصفاً واحداً وتغيب عنه أوصاف فيقع في الخطأ من حيث لا يدري ومثاله كمثال بسيط في حياتنا اليومية: لو أن أخاً لك أردت أن تبعثه إلى حي لا يعرفه ودللته على بناية لكنك قلت له إن البناية مكونة من أربعة أدوار بابها جهة الشرق ليس عن يمينها وشمالها بناية -كمثال يعني- ثم إنه بعد ذلك هذا الرجل ذهب إلى ذلك الحي فلما ذهب إلى الحي أول ما رأى عمارة أو بناية لها أربعة أدوار ظنها هي المقصودة ولم يلتفت إلى بقية الأوصاف لا بأن وجهتها شرقية ولا بأن عن يمينها ويسارها خلاء ليس مبني فاستعجل في وصف واحد هذا الذي يقع فيه الخلط كثير عندما يقرأ البعض الأحاديث قراءة مجزوءة فيكون غالب الأمر مبني على الهوى لا مبني على العلم الشرعي المقنن.هذا كل ما أردنا تحريره حول موضوعنا الليلة وهو موضوع المهدي ذلك العلم أو الأمارة من أمارات الساعة.
هذا ما تحرر إيراده وتهيأ إعداده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
والحمد لله رب العالمين(6/7)
لطائف المعارف/ إمام النحاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين و إله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين....... أما بعد
فهذا أيها المباركون بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقاء متجدد من برنامجكم [لطائف المعارف].. وعنوان هذه الحلقة يحمل (إمام النحاة) نحن نعلم أن العرب أنزل الله جل وعلا على لسانهم أو بلسانهم القرآن قال الله جل وعلا: (قُرْآناً عَرَبِيّاً) والحاجة إلى حفظ لغة العرب ضرورة ولزام؛ لأنه ينجم عن ذلك حفظ كلام الله تبارك وتعالى وحديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - والنحو العربي مر –أيها المباركون- بأطوار وشهد أئمة ومشاهير علماء أسهموا بقليل أو بكثير في نشأة ذلك النحو، وأهل الصناعة النحوية يقولونك إن أول واضع له على خلاف بينهم لكن الأكثرين يرون أن أول من وضع أسس علم النحو (أبو الأسود الدؤلي) وكان الناس في أول الأمر لا يكاد يلحن منهم أحد لا يكاد أحد منهم يخرج عن قواعد الإعراب التي سمعوها بعضهم عن بعض جيلاً بعد جيل مما كان يردده الجاهليون ثم أهل الصدر الأول من الإسلام، ثم لما اختلطت العرب بالحضارات الأخر وانتشر والموالي والأعاجم وجاور الناس فارس والروم دخل فيهم اللحن فأصبح بعد أن كانوا يحصون من يلحن أصبحوا لا يكادون يحصون إلا من لا يلحن ، ولهذا قال الأصمعي: أربعة لم يلحنوا في هزل ولا جد وذكر منهم الحجاج بن يوسف وذكر منهم الشعبي وغيرهما ثم قال وكان الحجاج أفصحهم. الذي يعنينا هنا أن يكاد يجمع أهل النحو أهل الصناعة النحوية على أن ( سيبويه) رحمة الله تعالى عليه هو إمام النحاة وإن كان هذا الأمر ليس فصل خطاب إنما شهد النحو علماء كثيرين ، فمن هو (سيبويه)؟(6/1)
سيبويه لقب المقصود منه أو معناه: رائحة التفاح، ويُقال أن أمه كانت ترقصه كما ترقص كل أم ولدها بهذا اللقب ، واسمه و كنيته: أبو بشر، واسمه عَمْر بن عثمان بن قنبر فارسي الأصل مات في ريعان شبابه كما سيأتي. هذا العلَم في علم النحو طلب أول حياته علم الحديث وجلس عند حمّاد فلما جلس عنده كأن حماداً أقرأه حديثاً أي طلب منه أن يقرأ حديثاً فقال سيبويه وهو يقرأ ( ليس كل أصحابي- كذا الحديث- ليس أبو الدرداء) فقالها سيبويه بالرفع ظناً منه أن (أبو) هنا اسما للفعل ليس فخطّأه حماد وقال له: أخطأت يا سيبويه إنما هو استثناء أي أن المعنى ( ليس أبا الدرداء) أي إلا أبا الدرداء فقال: لأطلبنّ علماً لا ينازعني فيه أحد ، فتوجه إلى الأكابر في زمانه في أهل عصره ممن يؤخذ منهم النحو ولحق بالخليل بن أحمد ويونس وغيرهما وأخذ يأخذ عنهما العلم، والخليل بن أحمد أحد أئمة النحو الكبار الذين ألقوا ما آتاهم الله جل وعلا من علم وحكمة وفطنة والنظر في دقائق المسائل أورثها الله جل وعلا من الخليل إلى سيبويه ولن أقطع عليك فكرك أيها المبارك سأتكلم عن سيبويه ثم إذا بقي متسع من الوقت عدت إلى الخليل بن أحمد، فأخذ سيبويه عن الخليل بن أحمد وكان ذلك كله أيها المبارك في البصرة.(6/2)
في البصرة أسس سيبويه علم النحو حقاً وكتب كتاباً في النحو لكنه لم يُخرجه للناس، ثم إنه أصابه ما أصاب أهل زمانه من الاستشراف في الخروج إلى بغداد وكانت بغداد يوم ذاك حاضرة العباسيين وعاصمة دولتهم ويؤمها العلماء والأدباء والمحدثون وغيرهم وينالون من عطاء الأمراء والخلفاء ويكون الإنسان فيها ذائع الصيت، خرج سيبويه رحمة الله عليه إلى البصرة وهو في ذهنه يؤمل أمجاداً عريضة وآمالاً كبيرة حتى وصل فقابل الكسائي والكسائي أشبه بالند له كان إماماً في القراءات وفي النحو وهو من أئمة أهل الكوفة ، فحل ضيفاً عند يحيى بن خالد البرمكي فبدآ يتحاوران وكانت المناظرات آن ذاك شائعة ذائعة بها يميز العلماء بعضهم من بعض فقال الكسائي لسيبويه يطرح عليه مسألة: ما تقول في قولهم: كنت أظن أن العقرب أشد لسعاً من الزنبور فإذا هو هي –يصبح بالرفع- أو إياها -يصبح بالنصب- ؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي بالرفع ولم يُجز أن تقال بالنصب بينما أصر الكسائي على أنها يصح فيها الوجهين الرفع والنصب فلما طال بينهما الاستشهاد والنزاع قال يحيى بن خالد البرمكي الأمير صاحب المجلس قال: من يفصل بينكما وقد تنازعتما وأنتما رئيسا بلديكما؟ فقال الكسائي: وجوه الأعراب بالباب.(6/3)
وجوه الأعراب: أي أن العرب على السليقة لا يخطئون ، ويقال هنا إن إصبع السياسة دخل في هذه القضية فلما حُكِّم الأعراب ليحكموا بين سيبويه و الكسائي الأعراب يقولون كانوا يعرفون منزلة الكسائي عند يحيى بن خالد بخلاف منزلة سيبويه لأن سيبويه لم يكن من أهل بغداد وكان قادماً لتوه من البصرة وهم – أي الأعراب – يظنون أن يحيى لا يعرف سيبويه وهو كذلك فلما حُكِّم هؤلاء الأعراب حكموا بصحة ما قال الكسائي فكأن سيبويه انكسر فأراد أن يشمت به من غيرما قصد أو بقصد الكسائي رحمة الله على الجميع فقال إن صاحبنا – هذا الكسائي يقوله ليحيى بن خالد- إن صاحبنا أي سيبويه أتى ليطلب مالاً ونوالاً من عندك فأرضه وهذا زاده حنقاً وهذا ما عبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بـ( غبن الرجال) فخرج سيبويه يتوارى من سوء ما لحق به خرج من بغداد وتوجه إلى إحدى القرى ونزل ضيفاً على تلميذه (الأخفش) هناك أصابه كمد أراد الله لذلك الكمد أن يعجل بوفاته فمات رحمه الله وهو في ريعان شبابه قيل إنه كان في الرابعة والثلاثين كان سنه آن ذاك في الرابعة الثلاثين وهو ليس معمِّراً قطعاً، ويقال أنه قال قرب احتضاره متمثلاً يتكلم عن حاله وكيف وصل إلى ما وصل إليه وكان قد انتهى به المطاف إلى ما انتهى إليه قال:
يؤمل دنيا لتسعى له *** فوافى المنية دون الأمل
حثيثاً يروِّي أصول الفسيل *** فعاش الفسيل ومات الرجل(6/4)
شبه نفسه برجل عنده فسيل -صغار النخل- وهو يزرعه ويكد في سقيه يريد منه أن يعمر لكن الرجل مات وبقي الفسيل حياً ثم كبر فيصور حاله. بعد أن مات أخرج تلميذه للناس ما ألفه سيبويه وهو كتاب( الكتاب) وهذا الكتاب طاف صناع النحو حوله ولقب – أي الكاتب- (بقرآن النحو) وقد ضمنه سيبوبه درراً حتى إنه لما عُرض على بعض مشايخه لأن سيبويه مات قبل شيوخه لأنه مات صغيراً ونسب كثيراً مما قاله للخليل بن أحمد كما سيأتي. فقال بعض الناس إن سيبويه يكذب على الخليفة فقالوها ليونس – أحد شيوخه- فقال ما أظن هذا الغلام – هذا قد مات سيبويه- إلا قد كذب على الخليفة قالوا له الطلاب – أي قالوا ليونس: وقد نقل عنك قال: أروني ماذا نقل فلما أروه ما كتب سيبويه أقر له بالعلم والمعرفة وأنه حقاً قد أملى عليه ذلك. المقصود من ذلك أن سيبويه أخرج للناس هذا الكتاب الذي بز به سيبويه من سبقه ولم يستطع أحد بعده أن يدركه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.(6/5)
قلنا إننا سنتحدث إذا بقي متسع من الوقت عن الخليل بن أحمد أحد أكبر شيوخ سيبويه الخليل بن أحمد الفراهيدي إمام عظيم من أئمة اللغة وأئمة النحو طاف البوادي والأمصار يجمع اللغة والعلم ثم إن الله جل وعلا رزقه الزهد في الدنيا فلم يكن يحفل بأن يكون له ثروة أو مال أو جاه فكان الناس ينتفعون بكتبه التي ألّفها وهو في بيته بيت ليس فيه من معالم الثراء والجاه شيء حتى إنهم قالوا إن سليمان بن علي عم أبي العباس السفاح – الخليفة العباسي المعروف - ووالي الأهواز في زمانه بعث إليه أي بعث إلى الخليل رسولاً يطلب منه أن يؤدب ولده أي يطلب من الخليل أن يؤدب ولد سليمان بن علي ماذا فعل الخليل وهو يستقبل هذا الرسول؟؟ دخل داره أخرج خبزاً يابساً ثم قال للرسول: ما دام هذا موجوداً أي - ماذا؟ أي الخبز- فأنا في غنىً عن سليمان وخرج فتمثل ببيت شعر الذي يعنينا هنا أن ترى زهد هذا العالم الجليل في الدنيا، هذا العالم هو الذي ألّف وابتكر علم العروض وهو علم أسسه الخليل بن أحمد وضع أصوله لم يسبقه قبله أحد، وهو قائم على نظام الموسيقى العربية ويقال أنه كان يأتي الأسواق التي تباع فيها الأواني فينظر لنغمات صوت من يسمعونها حتى أسس البحور الشعرية المعروفة كالوافر والكامل وغيرهما ثم أخرج للناس علم العروض، من طرائف ما يُروى في هذا المجال " أن أحد أبنائه دخل عليه فلما رأى الابن أباه على هذه الحالة وكان هذا أشبه بالإيقاعات اليوم ظن أن أباه مجنون فخرج فناداه الخليل وقال له:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني *** أو كنت أجهل ما تقول عذلتك
لكن جهلت مقالتي فعذلتني *** وعلمت أنك جاهل فعذرتك(6/6)
والأبيات ظاهرة المعنى وإن كان في ألفاظها نوع من التشابه ومعناها أنك لا تعلم ما أنا فيه فتلومني وأنا أعلم أنك تجهل ما أنا فيه فلا ألومك وأعذرك ولو كنت تعلم ما أنا فيه حقاً لما لمتني ولو كنت أجهل ما أنت فيه لما عذرتك هذا معنى البيتين. الذي يعنينا أن الخليل بن أحمد كان له باع طويل في إثراء شخصية سيبويه وقد كان سيبويه يتأدب مع شيخه الخليل بن أحمد ولذلك كان يقول في الكتاب:قال عفا الله عنه ، فإذا قال: قال من غير أن يذكر الفاعل قال أهل النحو شُرّاح الكتاب ينصرف هذا للخليل بن أحمد، فهو من إجلاله للخليل يذكر الفعل (قال) ولا يذكر فاعله في كثير من المواطن على اعتبار أن هذا ينصرف إلى شيخه الأكبر الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي يعنينا هذا أيها المبارك جملة من حياة سيبويه ، ما الذي نستفيده نحن من هذا كله!! نستفيد أن أقدار الله غالبة وأن الإنسان أحيانا يطلب شيئا فيكون هلاكه فيما يطلبه فلذلك يحسن بالمرء أن يستعين بالله في كل أمره ومع ذلك أقدار الله غالبة وان يسأل الله جل وعلا التوفيق فلا يدري في الخطوات التي يخطوها أو الخطوات التي يفر منها أين مواطن الخير ..
وما أدري إذا يممت أرضا *** أريد الخير أيهما يليني
آلخير الذي أنا أبتغيه *** أم الشر الذي هو يبتغيني
ولذلك أحسن من نصح ابنه فقال:
وسل من ربك التوفيق فيها *** وأخلص في السؤال إذا سألت
وناد إذا سجدت به اعترافاً *** كما ناداه ذي النون بن متّى
فالإنسان في حياته هذه يسأل الله جل وعلا الإخلاص ويسأله التوفيق وقد قلنا مرارا في دروس لنا خلت ومحاضرات لنا سلفت(6/7)
إنه ما ارتفع من الأرض إلى السماء شيء أعظم من الإخلاص ، وما نزل من السماء إلى الأرض شيء أعظم من التوفيق؛ ولهذا قال الله جل وعلا حكاية عن شعيب خطيب الأنبياء أنه قال: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ) فالإنسان مهما جمع من علوم الآلة مهما أوتي من مال مهما أعطي من جاه مهما رُزق من سلطان إن لم يوفقه الله فإنه مخذول، وسيبويه رحمة الله تعالى عليه مات في ريعان شبابه وفيه بركة عظيمة في علمه؛ لأن الناس إلى اليوم ما زالوا ينتفعون بكتابه العظيم، وهذا وإن مات صغيراً إلا أن الله جل وعلا أورث بركة في كتابه إلى اليوم والناس ينتفعون بكتابه كما حررنا.
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله
والحمد لله رب العالمين....(6/8)
لطائف المعارف [آية الكرسي]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الكون بما فيه وجامع الناس ليوم لا ريب فيه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ،،،،،، أما بعد(6/1)
أيها الإخوة المباركون هذا لقاء متجدد من برنامجكم (لطائف المعارف) وعنوان حلقة هذا اليوم (آية الكرسي) وقد مر معنا في لقاءات سبقت ودروس خلت أن بعض آيات القرآن الكريم أخذت اسماً خاصاً بها زيادة على أنها وقعت في سورة لها اسم وقد مر معنا [آية المباهلة] وهي المذكورة في سورة آل عمران ومن آيات القرآن التي وُسمت [آية السيف] وهي الآية الرابعة من سورة براءة أو سورة التوبة و[آية المجادلة] وهي الآية التي افتتح الله جل وعلا بها سورة المجادلة كذلك من آيات الله جل وعلا بل من أعظم آيات القرآن التي سميت باسم خاص بها [آية الكرسي] وهذه الآية المباركة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها في الخبر الصحيح الذي رواه ابن حبان بسند صحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يمت) وآية الكرسي وردت في سورة البقرة قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين: }اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ أما قول ربنا جل وعلا }اللّهُ{ فهذا علم على ربنا تبارك وتعالى لم يسمى ولن يسمى أحد به غيره جل وعلا قال ربنا تبارك وتعالى في سورة مريم } وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { أي ليس له سمي جل وعلا(6/2)
}اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ{ هذه لا النافية للجنس ومعنى الآية: لا إله معبود بحق إلا الله وإلا الآلهة التي تُعبد من غير الله كثيرة في الأرض لكن كما قال القرشيون: } أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً{ لكن لا معبود بحق إلا الله }اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ والحي اسم من أسماء الله جل وعلا الحسنى وحياة ربنا تبارك وتعالى صفة ذاتية لازمة له فهو حي حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال أما قول ربنا جل وعلا } الْقَيُّومُ { فإنه تبارك وتعالى كل أحدٍ غيره مفتقر إليه وهو جل وعلا قائم على كل نفس قائم على كل أحد وهو تبارك وتعالى استغنى بحمده عن كل أحد وافتقر كل أحد إليه جل وعلا }اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ { قال - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام بيده القسط يخفضه ويرفعه حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) }لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ { هذه الام لام الملكية المطلقة والله جل وعلا جعل الملك صوري وملك حقيقي الملك الحقيقي له وحده تبارك وتعالى دون سواه أما ما نملكه اليوم ما ملّكنا الله جل وعلا إياه من أمر عظيم أو أمر حقير فلا يلبث أن يُنزع منا أو ننزع منه فيرد الخلائق على ربهم في ساحة العرض الأكبر وليس معهم شيء وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : (حفاة عراة غرلاً بهماً) بهماً أي غير ممولين ومن هن تفقه القرآن في قول الله جل وعلا : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) وقول الرب تبارك وتعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً * الْمُلْكُ –أي الملك الحقيقي- يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً ) فالذي أفادته(6/3)
اللام هنا أن الملك المطلق له تبارك وتعالى فالخلق كلهم عبيد مقهورون له } لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ { وذُكرت(ما) وإن كانت لغير العاقل من باب التغليب لأن غير العقلاء أكثر من العقلاء في المخلوقات } لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ { ثم قال الله : } مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ{ وهذا أسلوب استفهامي إنكاري أي لا أحد يشفع عنده جل وعلا إلا بإذنه وهذا أحد شرطي الشفاعة } يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء{ يعلم الله جل وعلا ما قد كان ويعلم جل وعلا ما يكون ويعلم جل وعلا ما سيكون ويعلم تبارك وتعالى ما لم يكن لو كان كيف يكون } يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ{ أي خلقه } بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء{ وقد مر معنا في قصة الخضر وموسى أنه لما ركبا في تلك السفينة من غيرمنزل من غير أجرة قبل أن تحدث تلك الحوادث العظام التي رآها موسى مع الخضر جاء طائر فنقر بمنقاره في البحر نقرتين أو ثلاث ثم مضى فقال الخضر لموسى معلماً ومرشداً:(ما بلغ علمي وعلمك من علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر من البحر ) والله ربنا يقول هنا :} وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء{ فلا يمكن لأحد أن يأتي بعلم من جيبه والملائكة قالت بين يدي ربها جل وعلا : } سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{ } وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء{ فعلم الرسل علم الملائكة إنما بما علمهم الله جل وعلا ولهذا العاقل من انتهى إلى حدود علمه وسنقف إن شاء الله تعالى في لقاء منفرد عن قول الله تبارك وتعالى : } وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ{ لكننا هنا ننيخ المطايا عند قول(6/4)
الله جل وعلا : } وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء{ فالإنسان لا سيبل له إلا ما علمه الرب تبارك وتعالى والله يقول : } وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً{ والنبي - صلى الله عليه وسلم - على رفيع قدره وجليل مكانته كان يُسأل فكان لا يعرف الجواب لأن الله لم يأذن بتعليمه بعد في ذلك الموقف فيسأل جبريل فيخبره جبريل فيخبر - صلى الله عليه وسلم - بناءً على تعليم جبريل له أصحابه بما كان قال ربنا بعد ذلك : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ { اختلف في معنى الكرسي فقيل: هو موضع القدمين للرب تبارك وتعالى وهذا منحى المفسرين الذين تغلب عليهم الصناعة الحديثية وبعض العلماء فسر الكرسي بمعنى العلم وهذا اختاره ابن جرير الطبري رحمة الله تعالى عليهم وبعض أهل الفضل من العلماء يتجنب أو يحتاط لنفسه فلا يصل إلى أن يُأوِّل في هذه الآية ، والذي ينقدح في القلب ينقدح في الذهن أن الله جل وعلا يعظم شأنه يخبر عن عظيم ذاته العلية هذا الذي ينقدح في قلب كل مؤمن ابتداءً وهو الغاية المقصودة من القرآن جملة } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ { ثم قال ربنا } وَلاَ يَؤُودُهُ{ أي لا يعجزه تبارك وتعالى } حِفْظُهُمَا{ حفظ ماذا؟ حفظ السماوات الأرض وكل المخلوقات إنما هي بين السماوات والأرض } وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ{ أي جل وعلا } الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ هذان اسمان من أسمائه الحسنى تبارك وتعالى وهو جل وعلا له علو القهر وعلو الذات وله تبارك وتعالى علو المكان وهو العظيم جل وعلا الذي لا يبلغ عظمته أحد كائن من كان ثم قال الله جل وعلا بعد أن ذكر هذه الآية العظيمة التي هي أفضل آيات القرآن فقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب - رضي الله عنهم - : (أي آية في القرآن أعظم؟) قال: قلت: يا رسول الله }اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ(6/5)
الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ فضرب - صلى الله عليه وسلم - براحة يده صدر أبي وقال: ( ليهنك العلم يا أبا المنذر) وهذا من طرائق تقرير الخطاب وتقري صحة الإجابة التي وُفق لها أبي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، بعد أن ذكر الله جل وعلا هذه الآية المباركة التي فيها أصول العقائد وفيها التمجيد والتعظيم والتحميد لرب العزة والجلال جل جلاله قال الله جل وعلا بعدها : } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ بعض العلماء كالشعبي وغيره يأخذون هذه الآية في قضية اليهود والنصارى فيُقصرونها على من طولبوا بالجزية أي لا تكرههم على الدين ما داموا يؤدوا إليك الجزية وأكثر أهل العلم وهو الحق أن هذا منحىً غير صحيح فإن الآية عامة وإنما المقصود منها أن مسائل العقائد لا يمكن فرضها فإنه يمكن لنا أن نجبر الناس على مسألة فعلية أن نطعمهم ما نريد فيأكله قهرا أو أن يخطو خطوات إلى مكان ما أو أن ينزل من علو أو ما أشبه ذلك مما يمكن جبر غيرك عليه لكنه لا يمكن لأحد كائناً من كان أن يجبر أحداً على عقيدة يقرها في قلبه لأنه لا سيبل إلى معرفة ما في قلوب الناس إلا إذا تلفظوا وأفصحوا عما تكنه ضمائرهم وتحويه سرائرهم على ذلك قال الله جل وعلا :} لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ لم يا ربنا لا إكراه في الدين؟ لأن التوحيد دين الفطرة ظاهر لا يحتاج إلى أن تكره الناس عليه ولا سيبل أصلاً إلى إكراه الناس عليه } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ { ثم قال ربنا : }فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ{ فلا بد من الجمع بين هذين الأمرين العظيمين الكفر بالطاغوت والإيمان بالله فإذا تحقق من امرئ أن كفر بالطاغوت ونبذ كل إله يُعبد دون الله وآمن بالله قال الله جل وعلا : } فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ{ أي بصنيعه هذا }اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ{ قال الله : } لاَ انفِصَامَ لَها{(6/6)
هذه (لا) نافية وقد مرت معنا هناك أيها المبارك (فصم) وهناك أيها المبارك (قصم) كلاهما يعني النزع لكن الفصم يقع ثم يبقى تعلق من ذلك المفصوم بأصله ولو خيطاً دقيقاً أو رفيعا ، أما القصم فهو إزالته بالكلية والبينونة التامة ما بين ما ناقص وما بين أصل الشيء ، فلما نفى الله جل وعلا الانفصام كان ذلك من باب أولى للنفي أن يكون الأمر مفصوماً فيصبح من حقق هذا الأمر وهو نبذ الطاغوت والكفر به وتوحيد الله جل وعلا والإيمان به }فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ{ استمساكاً عظيماً لا يشوبه شائبة عبر القرآن عنها بقول الرب تبارك وتعالى : } لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { سميع للأقوال عليم بالأفعال وهو الرب الجليل العظيم الكبير المتعال .(6/7)
نخلص من هذا كله أيها المبارك أن الإنسان ينبغي أن يعلم أن هناك يقينيات كبرى لا سيبل إلى الأمن يوم القيامة إلا باعتقادها والإيمان بها والذود عنها وتمثلها في حياتنا ومن ذلك أنه لا رب يُعبد ولا إله يستحق العبادة إلا الله جل وعلا وأن هذا الرب الكريم والإله العظيم له أسماء حسنى وله صفات عُلى فهو جل وعلا إذا آمنا بهذه الأسماء على مراده وعلى مراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - كم كان الشافعي يقول: ( آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وقر الإيمان في القلب وملئ ذلك القلب خشية و تقى وحُق له برحمة الله وفضله أن ينجو يوم العرض الأكبر والوفادة على الرب جل وعلا وهذه الآية العظيمة الجليلة التي هي أعظم آيات القرآن الموسومة بآية الكرسي تلاوتها تدبرها يورث في القلب خشية وفضلاً كبيراً يشعر به المرء في غدوه ورواحه وإلا لو لم يكن مع ذلك الشأو العظيم لما قال - صلى الله عليه وسلم - : (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) فبهذا يفزع المؤمنون إلى ربهم جل وعلا دبر كل صلاة في أن يتلو تلك الآية فإذا صحبت تلك التلاوة تدبر وفهم وفقه وإدراك لمعان عظيمة حوتها هذه الآية الكريمة كان ذلك أنجع في الطريق وأعظم تأثيراً في القلب ويسلك به المرء الخشية التي يريدها حتى يصل إلى مرقىً عظيم يؤمله في أن يلقى الرب تبارك وتعالى عليه..
هذا ما تيسر إيراده وتحرر إعداده وأعان الله على قوله حول هذه الآية المباركة (آية الكرسي)
وصلى الله على محمد وعلى آله،،،
والحمد لله رب العالمين................(6/8)
لطائف المعارف [آية المباهلة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله نبي ختم الله به الرسالات وأتم به النبوات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،،، أما بعد(6/1)
فهذا لقاء مبارك تحت عنوان عام وهو [لطائف المعارف] ولقاء اليوم يحمل عنوان [آية المباهلة] ،، ندرك جميعاً أن في القرآن الكريم آيات تحمل أسماء بصرف النظر عن السور فكلنا نعرف (آية الكرسي) وما جاء في فضلها ، و (آية المجادلة) {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} ونسمع بـ(آية المداينة) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} ، ونقرأ عن (آية السيف) {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}هذه كلها آيات حملت اسماً أو صفةً معينة ، من تلكم الآيات التي حملت اسماً أو صفةً معينة ((آية المباهلة)) ، ما المباهلة؟ المباهلة في اللغة: الدعاء وهو أمر إذا كان الدعاء للمحاجة وتضمن شيئاً من اللعن انتقل إلى كونه مباهلة لكن لا يلزم أن يكون فيه لعنة ، لكن في الغالب يكون عند المحاجة ، وهذه الآية وردت في سورة "آل عمران" قال الله جل وعلا:{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ** إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ما سر هذه الآية؟ هذا ما نحاول في هذا البرنامج [لطائف المعارف] في هذه الحلقة بالذات الموسومة بـ((آية المباهلة)) أن نميط اللثام عنه ،، النبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه القرآن ، والقرآن من أعظم ما أنزل من أجله دفع شبه المعاندين ورد دعاوي الكافرين قال شوقي:
جاء النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كلما طال المدى جدد *** يزينهن جلال العتق والقدم(6/2)
والله يقول من قبل:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ** نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ** عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ** بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} هناك وفد من النصارى من نجران قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجده في المدينة والنبي خير داعٍ وخير هادٍ بأمر الله ، يحمل في طيات قلبه السكينة والرحمة والعقل صلوات الله وسلامه عليه ، جاء النصارى أناخوا بمطاياهم وفدهم في المدينة صلوا في مسجده صلاتهم ولم ينكر عليهم توجهوا شرقاً قبل ، كل ذلك حتى يصل وإياهم إلى طريق بيّن أتوه يجادلونه في أن (عيسى) ابن الله يزعمون أن عيسى ابن الله والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:(إنما عيسى عبد الله ورسوله) كيف نزل القرآن في محاجتهم؟ نزل القرآن يعلمنا نحن في الأول كيف ندعو إلى ربنا ، نزل القرآن في الأمور المتفق عليها بيننا وبين النصارى قال الله:{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ** ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ** إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فالآيات تتابع تثني على مريم على (آل عمران) والنصارى يعظمون (مريم) يعظمون (آل عمران) إذاً بدأ القرآن بنقاط الاتفاق ، ثم وصل الأمر إلى قضية الخلاف وهي في (عيسى ابن مريم) - عليه السلام - قال الله جل وعلا: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ** إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} كلمة (مثل) هنا ليس المقصود منها المثل المعروف الذي يُضرب ويُقال ضرب مثل لا ، المقصود بكلمة (مثل) هنا حال وصفة والمعنى إن حالة (عيسى) صفة (عيسى) عند الله كصفة (آدم)(6/3)
والمعنى أن النصارى تقول: إن (عيسى) ابن الله بدلالة أنه ولد من غير أب فجاء القرآن وقال: لو كانت المسألة بهذا المفهوم لو كانت القضية بهذا المنطق لكان آدم أولى بالبنوة من عيسى ؛ لأنه إن كان (عيسى) لا أب له فإن (آدم) لا أب له ولا أم ، لكن ليست القضية بهذا المنطق فالله جل وعلا منزه عن الصاحبة والولد مقدس لم يلد ولم يولد قال الله:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} من المخلوق من تراب؟ (آدم) وقد مر آدم بثلاث مراحل: خُلق أولاً من التراب ثم التراب مُزج فأصبح طيناً من المرحلة الترابية إلى المرحلة الطينية ثم الطين تُرك فأصبح فخاراً وهذه المرحلة الثالثة وبكلٍ ورد القرآن قال الله من تراب ، وقال من طين ، وقال من صلصال كالفخار ،، هذا المحاجة التي حاج الله بها النصارى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ** الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} يا محمد {فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ} وصلت الآن القضية إلى فصل خطاب {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ} أي في (عيسى) {مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} أي هذا القرآن {فَقُلْ} أي قل لهم {تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} النبي عليه الصلاة والسلام كان على يقين من ربه على يقين من الحق الذي يدعو له وفاطمة أحب بناته إليه وعلي زوجها فدعا - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وعلياً والحسن والحسين هؤلاء أربعة وهو الخامس عليه الصلاة والسلام وواعد النصارى وأتى بأهل بيته وقال لهم _أي لعلي وفاطمة والحسن والحسين-:(إذا أنا دعوت فأمنوا) فقدموا وقدمت النصارى وكانوا وفداً قرابة خمس أو ست فلما رأى ذلك الوفد وكان عندهم شيء من العلم النبي - صلى الله عليه وسلم - والوجوه(6/4)
الطاهرة التي معه وجه فاطمة وعلي والحسن والحسين قالت النصارى بعضها لبعض: (إن هذه الوجوه لو سألت الله أن يزيل الجبال لأزالها) فامتنعوا عن المباهلة قال الله:{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فخرجوا من عنده من المدينة واتفقوا معه على صلح وعلى أن يبعثوا له بكذا وكذا مما اتفق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع هؤلاء القوم والرهط من النصارى ، هذه الآية أيها المبارك لها فوائد لها دلائل من أعظم ذلك: فضيلة هؤلاء الأربعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه جلّل –أي غطى- الحسن والحسين وفاطمة وعلياً بكساء وقال:(اللهم هؤلاء آل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم مقام عظيم ، وأهل السنة سلك الله بنا وبكم سبيلهم لا يغلون فيهم ولا يجفون عنهم وهذا هو المنهج الحق ، لكن ليس كل الناس من يدعي هذا فمن الناس من يدعي أنه من أهل السنة أو هو من أهل السنة حقا لكن فيه جفاء لآل البيت ، ومن الناس من يغلو فيهم ودين الله بين الجافي عنه والمغالي فيه ، و(أحمد بن حنبل) رحمة الله تعالى عليه الإمام المعروف فقهياً وسنياً رابع الأئمة الأربعة ظهورا جلده المعتصم وآذاه ، والمعتصم من ذرية العباس ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك كان يقول:(عفا الله عني وعن المعتصم وجعلت المعتصم في حل) فيقال له: لمَ تفعل ذلك يا أبا عبد الله؟ قال:(إني لأستحيي من الله أن ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة وبيني وبين أحد أبناء عمومته خصومة) ولا ريب أن أبناء العمومة من آل بيت رسول الله لكنهم ليسو في منزلة علي وفاطمة والحسن والحسين فهؤلاء آل بيت رسول الله - صلى الله عليه(6/5)
وسلم - ، وقد ثبت في المسند أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في الليل فسقى الحسن ثم سقى الحسين –يعني كلاهما يستسقي- وانظر: هذا رأس الملة وإمام الأمة - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك لا يستنكف ولا يستكبر أن يسقي هذين الصغيرين عندما يقوما في الليل عطشى فسقاهما فتنبهت أمهما فاطمة وكانت حجرة علي وفاطمة قريبة من حجرة عائشة فقال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة:(إنك وهذين –وأشار إلى الحسن والحسين- وهذا الراقد –وأشار إلى علي- وأنا –يقصد نفسه- لفي مقام واحد يوم القيامة) وهذا كله أيها المبارك يدل على فضيلة آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما يأتي الحديث هنا عن (عيسى ابن مريم) عليه السلام: عيسى ابن مريم ما اختلف الناس منذ قديم الدهر في أحد كما اختلفوا في (عيسى ابن مريم) اليهود: زعمت أنها قتلته وتخلصت منه ، والنصارى تزعم أنه قُتل وصُلب لكنه ابن الله ، والمسلمون –وهذا الحق- يقولون هذا عبد الله ورسوله قال الله جل وعلا عن اليهود:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ** وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ** بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} إذاً..(6/6)
أخبر الله أن (عيسى) رُفع والنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن (عيسى) ينزل في آخر الزمان كعلم وشرط من أشراط الساعة وقد قال الله في الزخرف:{وَإِنَّهُ} أي (عيسى) {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} أي علم من علامات قرب قيام الساعة فينزل عله الصلاة والسلام واضعاً يديه على أجنحة ملك إذا طأطأ رأسه يظهر كأنه خرج من [ديماس] أي كأنه لتوه متوضئ وبيده حربة فينزل والدجال يوم ذاك يحارب المسلمين فإذا رآه الدجال ساح ماع ذاب لكن (عيسى) يتبعه فيقتله لماذا يقتله وقد مات الدجال أصلا؟ قال بعض أهل العلم في تعليلها: ذلك أنه إذا قتله وعلق دم الدجال بحربة (عيسى) اطمأن الناس على أن هذا الدجال الذي يدّعي الألوهية قد قُتل حقاً وهذا دمه حالق بحربة (عيسى) ،، ينزل (عيسى ابن مريم) والمسلمون يومئذ يريدون أن يصلوا العصر في بيت المقدس فيأبى أن يتقدم فيتقدم إمامهم غالباً ما يكون المهدي قال - صلى الله عليه وسلم - :(إن منكم لمن يصلي عيسى ابن مريم خلفه) تكرمة من الله لهذه الأمة ، من العلل أو الأحكام أو الحكمة التي ذكرها العلماء في قضية لماذا يتقدم المهدي أو هذا الرجل الصالح على (عيسى ابن مريم)؟ على أن في قلبه القرآن و(عيسى) في قلبه الإنجيل والقرآن مقدم على الإنجيل وهذا عندي تعليل حسن لكني لا أجزم به فالعلم الفصل عند الله ..(6/7)
نبقى في (عيسى ابن مريم) عليه الصلاة والسلام: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن(عيسى) يمكث في الأرض يحكم قرابة سبع سنين حتى إذا قربت تلك السبع يخبره الله جل وعلا عن خروج أقوام ليس لك بهم يدان هم قبائل [يأجوج و مأجوج] فيحرز (عيسى) المؤمنين الذين معه إلى جبل الطور في أرض سيناء حتى يهلك يأجوج ومأجوج وسيأتي إن شاء الله تعالى لقاء خاص يتحدث عن يأجوج و مأجوج ،، ثم بعد ذلك ينزل (عيسى ابن مريم) وظاهر الأمر أنه يستوطن المدينة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن (عيسى ابن مريم) سيمر على [فج الروحاء] وفج الروحاء الآن موجود في طريق المدينة-جدة القديم يبعد قرابة سبعين كيلاً عن المدينة ، وأن (عيسى ابن مريم) - عليه السلام - أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيمر عليه حاجاً أو معتمرا وهذا يؤكد الروايات التي تقول إن (عيسى) سيستوطن آخر الزمان في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
هذا تهيأ إيراده وأعان الله جل وعلا على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله ,,
والحمد لله رب العالمين(6/8)
لطائف المعارف \\جرير والفرزدق//
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ،،
((لطائف المعارف)) في هذا اللقاء المبارك يأخذ عنواناً هو \\جرير والفرزدق// وأنت تلحظ من العنوان أننا اليوم ربما نتوجه أدبياً ، و((المعارف)) كلمة لا تحمل منهجاً معيناً أولا تحمل توجهاً معيناً فتخوض في الأدب تخوض في المسائل الدينية تخوض في المسائل الفقهية تخوض في التاريخ تخوض في غيره،، باب واسع والعاقل لا يجعل بينه وبين المعرفة حجاب..
من جرير؟ ومن الفرزدق؟ الشعر –أيها المبارك- ديوان العرب والشعر العربي عبر تاريخه الطويل عرف شعراء أفذاذ يشار إليهم بالبنان كانت لهم بصمات واضحة في تاريخ الأمة الأدبي من هؤلاء [الفرزدق وجرير] وكلاهما شاعر أموي أي أنهما عاشا في عصر واحد وقد كانا قرينين ، الفرزدق وجرير عُرفا بـ[النقائض] والنقائض: طرائق في الشعر يقول الشاعر قصيدة فيأتي الآخر فينقضها على نفس قافيتها وموضوعها وقد اشتد بينهما هذا الأمر كثيراً وذاع وشاع في عصرهما إلا أنني أقول ابتداءً ما يلي:
الفرزدق: عُرف في شعره بانتقاء الألفاظ الغريبة ولهذا قيل:(لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب) كان يتكئ في كلامه على إرث ومجد قديم، ذلك أن آباءه وأجداده كان لهم باع كبير في المجد فأحد أجداده كان يُحي الموءودات يشتريهن حتى لا يُقتلن في زمن الجاهلية ، هذا الأمر جعل الفرزدق يُكثر كثيراً من غرض الفخر والفخر أحد أغراض الشعر فكان الفرزدق يجيد هذا الباب يجيد هذا الغرض لأنه يتكئ على موروث يحق له أن يفتخر فيه
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا *** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
ولا عز إلا عزنا قاهر له *** ويسألنا النصف الذليل فينصف(6/1)
هذا من أقواله وافتخاره –رحمة الله تعالى عليه- والفرزدق مع هذا الفخر كان غليظاً في طبعه ويُقال إنه تزوج امرأة وأسمى بناته عندما رُزق ببنات: سَبَطَة – و رَبَطَة – و خَبَطَة ، فأنت تلحظ من الأسماء أنه غير موفق وفي نفس الوقت كان في بعض شعره فحش كبير ، وطبعاً ننزه أسماعنا عنه ولا حاجة لذكر شواهد عليه لكن يكفيك أن تعلم أنه كان في بعض شعره فحش كبير ، كما أنه وُفق في بعض القصائد ثار بها الركبان "من ذلك أنه كان ذات يوم في صحن المسجد الحرام وكان هشام بن عبد الملك في زمن أبيه عبد الملك بن مروان قد حج فبينما يحج وجد شدة في الزحام فنُصب له كرسياً هو ومن معه من حاشية بني أمية في ظل هذا الموقف جاء [زين العابدين] علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله تعالى عنهم أجمعين- فلما أراد أن يطوف بالبيت عرفه الناس فأفسحوا له الطريق فجاء واستلم الحجر فأراد هشام أن يصرف وجوه الناس عن علي بن الحسين فقال: من هذا؟ من باب الاستنكار من باب أن هذه شخصية غير معروفة فإذا بالفرزدق يصدع بأبياته الشهيرة التي خلدت ذكره لأنه مدح رجلاً من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل وأي رجل هو [نجي كربلاء] كما نقول إن الحسين [شهيد كربلاء] فعلي بن الحسين زين العابدين هذا يسمى [نجي كربلاء] لأنه نجا من مقتلة كربلاء بقدر الله حتى يُبقي الله على ذرية نبيه - صلى الله عليه وسلم - ماذا قال الفرزدق؟ قال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم
وليس قولك (من هذا) بضائله *** فالعرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عم نفعهما *** يستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تُخشى بوادره *** يزينه اثنان حسن الخلق والشيم
ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد كانت لاؤه نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله *** بجده أنبياء الله قد خُتموا(6/2)
يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إلى آخر القصيدة ،،، وأنت تلحظ أن الإنسان إذا مدح من يستحق المدح يجد شيئا يقوله ، لكن عندما يمدح الإنسان أحداً لا يستحق المدح يقع في مأزق كبير لأنه لا يجد أن الألفاظ أو المعاني تساعده على القول هذا ما كان من شأن الفرزدق و اختصرناه حتى يتبقى وقت للحديث عن جرير ، جرير: هو القِرن العنيد للفرزدق وكان بينهما النقائض –وسيأتي الحديث عنها- أما جرير فكما عُرف الفرزدق بأنه يختار الألفاظ الصعبة ويشتقها حتى قيل:(لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب) فإن جريراً كان يعمد إلى المعاني المطروحة في الطريق السهلة فيصوغها لينة يستطيع أن يسمعها ويحفظها كل أحد ولهذا رُزق جرير [سيرورة الشعر] معنى [سيرورة الشعر] أيها المبارك عند الأدباء أن الشعر يذيع يشيع وهذا واضح في جرير ولم تعلم –وقد مر عليك يقيناً- أن جريراً لما هجا [الراعي النميري] بقوله:
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا
أن هذا البيت سار في أحياء العرب كسريان الناهر في الهشيم ، والقصيد مطلعها:
أقلي اللوم عاذل والعتابا *** وقولي إن أصبت لقد أصابا
إلى أن قال فيها:
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وقبلها قال:
دخلن قصور يثرب معلنات *** ولم يتركن من صنعاء بابا
نعود فنقول إن هذا الرجل كان موفقاً في صياغة الألفاظ ولذلك قال بعض النقاد: (إن جريراً سحر الناس بمبانيه لا بمعانيه) ، بمبانيه: أي بقدرته على توظيف المبنى والشعر مبنى ومعنى لا بمعانيه: لأن المعاني التي كان يقولها ذائعة شائعة لكنه أُعطي قدرة في توظيف بعضها إلى بعض وهذا هو ماء الشعر الذي يدل أصلاً على براعة الشاعر ،، يقول:
بان الخليط ولو طُوِّعت ما بانا *** وقطعوا من حبال الوصل ألوانا
حيوا المنازل إذ لا نبتغي بدلاً *** بالدار دار ، ولا الجيران جيرانا
يا أم عمر جزاك الله مكرمة *** ردي عليّ فؤادي كالذي كانا(6/3)
لو تعلمين الذي نلقى أويت لنا *** أو تسمعين إلى الرحمن شكوانا
يا حبذا جبل الريان من جبل *** وحبذا ساكن الريان من كانا
وحبذا نفحات من يمانية *** تأتيك من قبل الريان أحيانا
إن العيون التي في طرفها حور *** قتلننا ثم لم يحيِنَّ قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به *** وهن أضعف خلق الله إنسانا
فهذا من جيد شعره الذي سارت به الركبان ،، وكذلك قوله:
فما وجد كوجدك يوم قلنا *** على ربع بنادية السلام(6/4)
وهو من قصيدة ميمية يظهر فيها كذلك براعة أسلوبه ، نعود ونتكلم كما وعدنا عن [النقائض] ، حدث الصراع بين جرير والفرزدق كلاهما يهجو الآخر ومما يُروى أو من طرائف ما يُروى:" أن جريراً جاءه رجل فقال له: يا أبا حزرة من أشعر الناس؟ ماذا فعل؟! –أحياناً الإجابة العملية تغني عن الإجابة الشفهية- فأخذ الرجل-أي جرير- أخذ الرجل بيده ثم ساقه إلى خباء خيمة وفي خباء الخيمة رجل طاعن في السن ويأتي لضرع الشاة –هذا الرجل الطاعن في السن- يأتي لضرع الشاة فيشرب منها مباشرةً من دون إناء حتى لا يحدث لو حلب يحدث شخيب –صوت اللبن وهو يصدع في الإناء- فهذا الرجل العجوز يخشى أنه لو حلب يحدث شخيباً صوتاً فيستمع الناس فيطلبونه ، أي أنه رجل شحيح بخيل ومثل هذا لا يمكن أن يُصدر أن يكون ذا مجد فلما رأى الرجل هذا المنظر قال له جرير: أتعرف من هذا؟ قال: لا قال هذا أبي ، وأشعر الناس من افتخر بهذا الأب على ثمانين شاعراً فغلبهم ، يعني إذا كان أبي بهذه الحالة واستطعت أن أجعل منه شيئاً بشعري وأغلب به ثمانين شاعراً فأنا حق أستحق أن يُقال لي أنني أشعر الناس" نعود للنقائض: دخل مع الفرزدق يؤيده وينصره شهيران: الأخطل وكان تغلبياً نصرانياً ، والراعي النميري وقد حاول جرير أن يجمعهم كثيراً في بيت شعر واحد يحاول أن يبين براعته الشعرية وانتقامه من خصومه ، ولذلك اشتهر عنه في لاميته خصوصاً الأقوال التي تؤيد أنه يذهب إلى أنه يريد أن يجزهم جميعاً دون استثناء:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي *** وضغى البغيث جدعت أنف الأخطل
أعددت للشعراء سماً ناقعا *** فسقيت آخرهم بكأس الأول
وهذا من جيد شعر جرير الذي قاله في الرد على خصومه على أن هؤلاء لم يكونوا ليسكتوا على قدحه فيهم ، ومن جيد ما قاله الفرزدق في الرد على جرير:
أحلامنا تزن الجبال رزانةً *** وتخالنا جناً إذا ما نجهل
إنا لنضرب رأس كل قبيلة *** وأبوك خلف أتانه يتقمل(6/5)
وهذا الضرب من الشعر-أي النقائض- قد يدعو أحياناً عياذاً بالله للفاحش من القول ويدعو إلى السباب والشتائم التي لم يأمر بها الدين وما جاء بها قط والله تعالى يقول:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وليس المسلم بالسباب ولا الفاحش ولا البذيء لكنها مرحلة تاريخية عاشها الناس كان لهذين الشاعرين دور كبير في إذكاء روح القبلية في العرب آن ذاك ، مات الفرزدق قبل جرير فقال جرير:
... ... مات الفرزدق بعد أن جدعته *** ليت الفرزدق كان عاش طويلا
فعوتب لأنه تحدث عن خصمه بعد وفاته وهذا لا يليق ؛ مما دعاه بعد ذلك لأن يرثيه ويقول فيه ما ينقض بيته هذا ، فالفرزدق يحكون عنه أنه "اجتمع مع [الحسن البصري ، أبو سعيد] في جنازة وهذا من جيد إجابات الفرزدق وهما خارجان قال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد أتدري ماذا يقول الناس؟ قال: ماذا يقولون؟ قال: يقولون: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس خير الناس يقصدونك –أي الحسن البصري ، أبو سعيد- وشر الناس يقصدونني -المتحدث الفرزدق- فقال الحسن: دع عنك أقوالهم وقل لي يا أبا فراس -وهذه كنية الفرزدق- ماذا أعددت لمثل هذا اليوم؟ فقال: أعددت له [لا إله إلا الله] منذ سبعين سنة" وفي رواية أنه قال: خمس نجائد لا يُدركن –يقصد الصلوات الخمس- " وأي كان فهذا جواب موفق مسدد ونرجو الله العفو لنا ولهم. جرير تأخر موته توفيت زوجته قبله فقال يرثيها وهذا من جيد الرثاء المدون في تاريخنا العربي:
لولا الحياء لهاجني استعبار *** ولزرت قبرك والحبيب يُزار
ولقد نظرت وما تُمنّع نظرة *** في اللحد حين تمكن المحفار
ولعتي قلبي إذ علتني عبرة *** و ذوو التمائم من بنيك صغار
صلى الملائكة الذين تُخيروا *** و الصالحون عليك و الأبرار
وعليك من صلوات ربك كلما *** نفض الحجيج ملبدين وغاروا
لا يلبث القرناء أن يتفرقوا *** ليل يكر عليهم ونهار(6/6)
جرير رُزق صبراً على غلب السلطان ، دخل ذات يوم على [عبد الملك بن مروان] وكان عبد الملك يجيد نقد الشعر ولأول مرة يدخل عليه فكأن الهيبة غلبته وقال حائية صدرها بقوله:
أتصحو أم فؤادك غير صاح؟ *** عشية همّ صحبك بالرواح
فغضب عبدالملك وقال: بل فؤادك يا ابن ... وسبه سباً بذيئاً لكن جرير وهو يقف بين يدي خليفة ما كان له أن يفعل أكثر من ذلك صبر وأتم قصيدته وكانت القصيدة في الذروة في المدح:
أتصحو أم فؤادك غير صاح؟ *** عشية هم صحبك بالرواح
تقول العاذلات علاك شيب *** أهذا الشيب يمنعني مراحي
يكلفني فؤادي من هواه *** ظعائن بجتزعن على رماح
عراباً لم يدنّ مع النصارى *** ولم يأكلن من سمك القراح
تعزت أم حزرة ثم قالت *** رأيت الواردين ذوي امتياح
تعلل وهي ساغبة بنيها *** بأنفاس من الشبم القراح
سأمتاح البحور فجنبيني *** أذاة اللوم وانتظري امتياحي
سأشكر إن رددت علي ريشي *** وأنبت القوادم من جناحي
ثم قال بيته الشهير الخالد:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
ويقولون –أي النقاد- إن هذا أمدح بيت قالته العرب لأنه جاء في أسلوب استفهام تقريري
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
حميت حمى تهامة بعد نجد *** وما شيء حميت بمستباح(6/7)
ويقولون –أي الرواة- أن عبدالملك لما سمع هذا البيت قام من مجلسه من عرشه من كرسيه ثم أخذ يحرك عباءته ويمشي ويقول:(بمثل هذا فليأتي المادحون) وكل ذلك لطربه وقناعته بالبيت الذي قاله على جرير وأغدق على جرير العطايا ، لكن جريراً لم يجد لا هو ولا الفرزدق تلك العطايا التي وجدوها عند خلفاء بني أمية من قبل عندما تولى [عمر بن عبد العزيز] ولذلك لما خرج جرير من عند عمر وسأله الشعراء ماذا وجدت؟ قال: وجدت أميراً –يقصد أمير المؤمنين- يعطي الفقراء ويمنع الشعراء ؛ لأن جريراً عندما دخل على عمر بن عبدالعزيز قال له عمر: (يا جرير اتق الله ولا تقل إلا حقا) .. هذان أيها المبارك من أبرز شعراء العصر الأموي تكلمنا حول بعض حياتهما وما كان لهما من أثر في الشعر العربي وبينا كيفية أن الفرزدق رُزق حظاً كبيراً من القدرة اللغوية وبأن جريراً رُزق حظاً كبيراً من القدرة البنائية ، على أنه ينبغي أن يُعلم أنه لم يكن هذان الفارسان فقط هما البارزين في الشعر الأموي فالشعر الأموي عرف شعراء غيرهما لكن للنقائض دور كبير في إبراز هذين الشاعرين على غيرهما ، و .إلا... الأخطل وقد كان نصرانياً كان له شعره وكان يعتبر اللسان الناطق للبلاط الأموي آن ذاك وكان يدخل على عبدالملك بن مروان متى شاء وهو الذي استُخدم استخداماً سيئاً في أنه هجا الأنصار -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- وهو القائل –أي الأخطل-:
ذهبت قريش بالسماحة والندى *** واللؤم تحت عمائم الأنصار
فدعوا المكارم لستمو من أهلها *** وخذوا مساحيكم بني النجار(6/8)
وهذا بيت ظاهره الكفر كما تعلم وأصلاً لم يكن الأخطل على دين المسلمين بل كان نصرانياً من قبيلة [تغلب] وإن كانت قبيلة تغلب أكثرها أو جلها مسلمين . الذي يعنينا أن الشعر العربي عرف أقطاباً كبيرة ورموزاً كثيرة حررنا اليوم الحديث عن علمين من أعلام الشعر الأموي وسيأتي إن شاء الله تعالى في ((لطائف المعارف)) في لقاءات متعددة الحديث مثلاً عن [شوقي وعن حافظ] باعتبارهما علمين بارزين في الشعر العربي الحديث ، كما سيأتي الحديث أيضا إن شاء الله تعالى عن [المتنبي وأبو علاء المعري] –إذا تيسر –باعتبارهما من شعراء الحكمة في أدبنا العربي وإن كانا ليس لهما حظ كبير من الديانة وأحدهما رُمي بالزندقة. نعود فنقول إن جريراً والفرزدق شاعران كبيران وأننا لا نتكلم عن قضية المذهب الديني لهما والتوجه الخُلُقي وإنما نتكلم عن دورهما البارز في الشعر العربي فالنقائض إلى اليوم تُدَرَّس في الجامعات ويُحتفى بها ويقال..
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله،،،
والحمد لله رب العالمين....(6/9)
لطائف المعارف {[حسان شاعر الرسول]}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،،،،،وبعد
فهذا لقاء متجدد من برنامجكم (لطائف المعارف) وفي هذا اللقاء سنقف مع شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت فبرنامجنا لهذا اليوم أو لهذه الليلة يحمل عنوان (شاعر الرسول) ..الشعر كما تعلم أيها المبارك ديوان العرب كما حُكي ذلك عن عمر - رضي الله عنهم - وحسان بن ثابت الظافر بهذا اللقب والحائز على هذا الوصف والنائل لهذا المجد هو صحابي جليل عُمِّر مائة وعشرين عاما ستين منها في الجاهلية وستين منه في الإسلام وهو أنصاري خزرجي كان قبل إسلامه يفد على ملوك الغساسنة في الشام فيمدحهم وينال عطاياهم ومما قاله فيهم:
لله در عصابة نادمتهم *** بجلّق في الزمان الأول
أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل
يغشون حتى ما تجر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم *** شم الأنوف من الطراز الأول(6/1)
في تلك الحقبة من عمره - رضي الله عنهم - أيام زمن الإشراك كان ينال العطايا من ملوك الغساسنة وكأن الله جل وعلا يهيٍّؤه بعد ذلك ليمدح حسان سيد الخلق وأشرفهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة كما هو معلوم ثابت في حياته النضرة وسيرته العطرة عليه الصلاة والسلام احتفى به الأنصار من ضمن من احتفى به حسان - رضي الله عنهم - ذلك الموروث الذي كان يتكئ من القدرة الشعرية والبلاغة البيانية جعله فدىً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسخر شعره للذود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قابله على الوجه الآخر شعراء من قريش كانوا يذمون ويهجون النبي عليه الصلاة والسلام ومن أولئك ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو سفيان بن الحارث قبل أن يسلم لأن أبا سفيان بن الحارث أسلم لكنه أسلم متأخرا قبل ذلك كان أبو سفيان رغم قرابته للنبي - صلى الله عليه وسلم - يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حسان رضي الله تعالى عنه كانت له قصائد درر غرر في مدح نبينا - صلى الله عليه وسلم - نختار منها البعض .. تأثر حسان بأن الإسلام أورث فينا معشر المسلمين الألف الإخاء والمودة والمحبة تلك الأنانية الفردية التي كانت ذائعة في الجاهلية في شعر الحماسة بالذات غابت في شعر حسان وذلك لأثر الإسلام كان عنترة يقول:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها *** قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
فهو يتحدث عن نفسه
يدعون عنتر والرماح كأنها *** أشطان بئر في لبان الأدهم
يخبرك من شهد الوقيعة أنني *** أغشى الوغى وأعف عند المغنم
فأنت تلحظ أن عنترة يتكلم عن نفسه فقط ، لما جاء حسان يقول الشعر في الإسلام تأثر بتلك البلاغة القرآنية أو بذلك المنهج القرآني الدعي إلى الاجتماع فكان يقول يخاطب قريشا:
عدمنا خيلنا إن لم تروها *** تثير النقع موعدها كداء
يبارين الأسنة مصعدات *** على أكتافها الأسل الظماء(6/2)
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا *** وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم *** يعز الله فيه من يشاء
ثم أخذ يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول ويتكلم عن جيش المسلمين:
وجبريل أمين الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء
أتهجوه ولست له بكفء *** وشركما لخيركما الفداء
فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه *** وبحري لا تكدره الدلاء
هذه بعض أبيات حسان لو تأملتها تلحظ ما يلي: تلحظ كما قلنا روح الجماعة تلحظ الاعتزاز بنصرة الله جل وعلا لنبيه فحسان يقول:
وجبريل أمين الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء
وجبريل عليه الصلاة والسلام ورد كذلك في شعر كعب بن مالك فكعب يقول:
وبيوم بدر حين تمحى وجوههم *** جبريل تحت لوائنا ومحمد
وهذا البيت قال النقاد إنه أفخر بيت قالته العرب وقد صدقوا لأن الراية البدرية كانت راية عظيمة تحتها محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - سيد الخلق وتحتها جبريل عليه السلام سيد الملائكة وتحت الراية البدرية أبو بكر وعمر سيدا المهاجرين وتحتها حمزة وعلي سيدا آل البيت وتحتها سعد بن معاذ وسعد بن عبادة سيدا الأوس والخزرج أي سيدا الأنصار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فكان حضور جبريل في معركة بدر طريقا وموطناً للشعراء المسلمين آن ذاك في عصر النبوة أن يتغنوا بهذا المجد ويخلدوه في شعرهم وكان حسان واحد منهم ، يتكلم حسان من باب الإنصاف في قضية مخاطبته لأبي سفيان بن الحارث قبل أن يُسلم فيقول:
أتهجوه ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء
ومن هنا تعلم أن ما نراه اليوم ونسمعه من هجاء بعض من ينعق ههنا وهناك في الشرق أو في الغرب كثيرا أنهم لا يضرون إلا أنفسهم فالنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم بعصمة الله له والله يقول: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) وقد قيل وقد أصاب من قال:(6/3)
والله لن يصلوا إليك ولا إلى *** ذرات رمل من تراب خطاك
هم كالخشاش على الثرى ومقامكم *** مثل السماء فمن يطول سماك
صلوات الله وسلامه عليه.. فنعود فنقول إن حسان كان يذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
في ذات الوقت يخبر أنه يتميز بقدرة شعرية وأنه مهما بلغ من السن وطال به العمر إلا أن قوته الشعرية باقية فيقول:
لساني صارم لا عيب فيه *** وبحري لا تكدره الدلاء
رضي الله عنه وأرضاه...هذا ما كان من بعض شعر حسان في زمن النبوة أي في زمن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويُحفظ له بيتان من أعظم ما قيل في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهما قوله:
وأجمل منك لم تر قط عين *** وأسمح منك لم تلد النساء
خُلقت مبرأً من كل عيب *** كأنك قد خُلقت كما تشاء
هذه العاطفة التي دفعت حسان أن يقول هذه الأبيات دافعها الإيمان بالله المحبة العظيمة لله والمحبة الجليلة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وفق ضوابط الشرع ..
فُجعت الأمة بموت نبيها - صلى الله عليه وسلم - ومات - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاث وستين عاماً وحسان يومها حي يُرزق قد شارف أو جاوز السبعين هناك جاء حسان بأبيات يُرثي فيها أعظم من أُصيبت الأمة بفقده - صلى الله عليه وسلم - لكن حسان لا يغفل وهو يرثي النبي - صلى الله عليه وسلم - المجتمع المدني وتلك المعالم والحجرات والطرائق التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤمها وذلك المنبر الذي كان يصعده صلوات الله وسلامه عليه فكل شيء في المدينة آن ذاك كان يذكر بالأيام النضرة والسيرة العطرة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ولهذا قال بعض العلماء في ذكر المدينة (مشى في طرقاتها جبريل وميكائيل ...وشهدت معالم التنزيل) هذا كله حاول حسان أن يجمعه و يشحن به عاطفته ويقدمه للناس علّ الناس يخلّدوا شعره بحفظه وقد كان ،، قال حسان:(6/4)
لطيبة رسم للنبي ومعهد *** منير وهل تعفى الرسوم وتهمد
بها حجرات كان ينزل وسطها *** من الله نور يُستضاء ويوقد
معالم لم تُطمس على العهد آيها *** أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وصحبه *** وقبر بها واراه في الترب ملحد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت *** بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وهل عدلت يوماً رزية هالك *** رزية يوم مات فيه محمد
وما فقد الماضون مثل محمد *** ولا مثله حتى القيامة يُفقد
صلى الإله ومن يحف بعرشه *** والطيبون على المبارك أحمد
وهذه الدالية المباركة التي قالها حسان في رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أطول من هذا ولكننا مراعاة للوقت اقتطفنا واخترنا منها الأبيات التي سمعتم.. فإذا تأملت الأبيات وجدت حسان يتكلم عن المنبر ويذكر بصعود النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ويذكر كذلك بتلك الحجرات حجرات أمهات المؤمنين التي كان أكثرها في الجهة الشرقية من مسجده - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحجرات كان ينزل الوحي وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل ويدعو ربه ويسهره يناجي خالقه ويدعوه عليه الصلاة والسلام، وفي تلك الحجرات أيضا كان السبطان الجليلان الحسن والحسين يغدوان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفي تلك الحجرات أو بقرب منها جاءه ذلك الوفد الذين قالوا له: (يا محمد اخرج إلينا فإن مدحنا زين و ذمنا شين) فأنزل الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فسورة في القرآن بأكملها مسماة بهذه التسمية ، حاول حسان أن يجمع ذلك كله ويقدمه للمسلمين يبين به العاطفة التي يتحدث بها عن موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:
وما فقد الماضون مثل محمد *** ولا مثله حتى القيامة يُفقد
صلى الإله ومن يحف بعرشه *** والطيبون على المبارك أحمد(6/5)
في تلك الحجرات أيضا أو في إحداها على وجه الخصوص دُفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حجرة عائشة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دُفن وقُبر في الجهة الجنوبية الغربية من حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ، والأنبياء مضت السنة الإلهية أنهم يُدفنون حيث يموتون والنبي عليه الصلاة والسلام توفي في حجرة عائشة فحُفر له في حجرة عائشة لحداً ثم وُضع - صلى الله عليه وسلم - في قبره بعد أن غُِّسل وكفِّن وصلى عليه الناس أرسالا ومعنى صلى عليه الناس أرسالا أن الصحابة استعظموا أن يقدموا أحداً يصلي بهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إماماً ، فصلى عليه أول الأمر عمه العباس ثم بنو هاشم ثم المهاجرون ثم الأنصار ثم سائر الناس ، ثم وُضع - صلى الله عليه وسلم - في لحده ووضع على اللحد –أي نُصب على اللحد- تسع لبنات وممن نال شرف نزول قبره: علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وشقران وقثم والفضل رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ، ثم حُثي التراب على القبر هذا كله أين؟ في حجرة عائشة بقدر الله أن عائشة قد رأت قبل في منامها أن ثلاثة أقمار تسقط في حجرها فزعت إلى أبيها الصديق لتسأله فاعتذر عن الإجابة تأدباً أيامها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حياً فلما مات صلى الله عليه وسلم ودُفن في حجرة عائشة جاء الصديق رضي الله عنه وأرضاه لابنته وقال: (يا بنية..(6/6)
هذا أول أقمارك) فتحققت رؤياها ثم كما تعلم دُفن الصديق رضي الله عنه وأرضاه بعد سنتين وبضعة أشهر في نفس الحجرة بجوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتولى عمر ثم بعد عشر سنين تقريباً توفي عمر طُعن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ثم استأذن عمر عائشة في أن يُدفن مع صاحبيه وكان يخشى أن ترده عائشة فتلطف في الخطاب وقال لابنه عبدالله بن عمر قل لها: (عمر بن الخطاب يستأذن في أن يُدفن مع صاحبيه ولا تقل لها أمير المؤمنين) حتى لا يكون ذلك شيئاً يدفعها إلى الحياء أو الاستعظام وإنما قل لها عمر بن الخطاب هكذا اسم مجرد يستأذن في أن يُدفن مع صاحبيه فقبلت فبُلِّغ هذا عمر وهو يجود بنفسه بعد طعنته فقال: (ما كان شيء أهم علي من ذلك) وشعر بشيء من الراحة ، ثم غُسِّل رضي الله عنه وأرضاه ثم صُلي عليه صلى عليه صهيب - رضي الله عنهم - ثم حُمل واستؤذن مرة أخرى بوصية منه وهو محمول فقال الذين يحملونه لعائشة: (عمر بن الخطاب يستأذن في أن يُدفن مع صاحبيه) فأذنت فقُدم - رضي الله عنهم - ودُفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصديق في حجرة واحدة إلى اليوم قبورهم فيها ..
الذي يعنينا أيها المباركون من هذا كله أن حسان رضي الله تعالى عنه من خير من مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - واستحق لقب أن يكون [شاعر الرسول] و قد كان يتلمس الأمور العاطفية التي يتكئ عليها في تقديم شعره للناس ...
هذا ما تيس إيراده ، وتحقق إعداده ، وأعان الله على قوله ، وصلى الله على محمد وعلى آله..
والحمد لله رب العالمين.(6/7)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد...فهذا لقاء متجدد ـ أيها المباركون ـ من برنامجكم لطائف المعارف وحلقة هذا اليوم تحمل عنوان (خصائص الأنبياء) ونحن ندرك جميعا أن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم هم سادة الخلق والدعاة إلى الحق والله جل وعلا اختارهم واصطفاهم واجتباهم وفضلهم على العالمين والأنبياء المذكورون في القران خمسة وعشرون نبياً ورسولاً قال الله جل وعلا في الأنعام {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ** وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ** وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ** وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} وسبعة آخرون غير الذي ذكرناهم وذكرهم الله في هذه الآيات المباركات من الأنعام ذكروا في مواطن متفرقة الذي .(6/1)
يعنينا هنا في هذا اللقاء المبارك خصائص هؤلاء الأنبياء ، بمَ ميزهم الله؟ لاريب أن الوحي الذي يأتيهم من السماء أعظم ماميز الله به أنبيائه ولقد عرف التاريخ مصلحين لايعدون مصلحين كثار، لكن المصلحين الكثر هؤلاء إنما يستمدون مايعطونه الناس من تجارب وقراءات وتعليم فهم عرضة للصواب والخطأ ، أما أنبياء الله فيتلقون الوحي من السماء { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } ولذلك هم معصمون كل العصمة فيما يبلغون عن الله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ **لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ** ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } فأنبياء الله ورسله يستمدون النور الذي يقولونه للناس هذا النور العظيم الذي هو الدين والتوحيد والشرعة يتلقونه بواسطة الملائكة عن جبريل ، و الوحي الذي ينزل له ثلاث صور: إما أن يأتي يكلم الملك مباشرة ذلك النبي بالوحي، وإما أن ينفث في روع ذلك النبي ما يريد الله تبليغه إليه ، وإما أن يقع وحياً كصلصلة الجرس قال الله جل وعلا {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانا يلقاه جبريل فيعطيه الخبر وأحيانا يتمثل له جبريل كما كان يأتي جبريل كثيراً في صورة (دحية الكلبي) ودحية الكلبي - رضي الله عنهم - كان وسيماً جداً والملائكة موسومون معروفون بالجمال {إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ولهذا اختاروا أقربهم إلى هيئتهم ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في مدح (جرير بن عبد الله البجلي) وكان وسيماً (عليه مسحة ملك) هذا تخريج ، تخريج آخر يقول أن دحية الكلبي كان يكثر الدخول على الملوك فلهذا اختار جبريل أن يأتي في هيئته والعلم الفصل عند الله لا نستطيع أن نجزم لأن هذه معطيات نحكم عليها ، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم عن ذلك الوحي الذي(6/2)
ينفث في روعه فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها) غاية ما نريد تأصيله ههنا أن الوحي أعظم خصائص الأنبياء ولهذا أبو بكر وعمر لما زارا أم أيمن رضي الله عنها وأرضاها قالت –بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إني لأعلم أن ما عند الله لرسوله خير له مما له عندنا لكن أبكي لانقطاع الوحي من السماء) ،لأنه لا وحي إلا على نبي أو رسول فلما مات - صلى الله عليه وسلم - وهو آخر الأنبياء قطعاً لم يكن بعده وحي ينزل من السماء ، فالمقصود أن الوحي أعظم ما خص الله به أنبياءه ورسله.
ثم تأتي خصائص أخرمنها أنه تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم يقول أحد الشعراء المسلمين في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :
الليل تسهره بالوحي تعمره ... ... وشيّبتك بهود آية استقم
إلى أن قال في بيته: ...
تنام عينك أما القلب لم ينم
فهو - صلى الله عليه وسلم - وأخوته من الأنبياء والمرسلين قبله تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
الأمر الثالث:أن الأنبياء أو الرسل يخيرون عند الموت فلا يقبض نبي لا تقبض روحه حتى يخير وكلهم يختار لقاء الله ، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يقول لعائشة دوماً (إن الأنبياء يخيرون عند الموت) وهي لم تستشعر معنى هذا جيدا كما استشعرته يوم وفاة النبي فقد سمعته وهي الصديقة بنت الصديق وهو يقول { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } قالت رضي الله عنها وعن أبويها: فعلمت أنه يخير ، فقد كان يخبرها من قبل أن أنبياء الله ورسله يخيرون عند الموت هذه ثالث الخصائص لأنبياء الله ورسله ،(6/3)
من خصائصهم كذلك وهي الرابع: أنهم يدفنون حيث يموتون ولهذا دفن - صلى الله عليه وسلم - في الجهة الجنوبية الغربية من حجرة عائشة ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مات في الجهة الجنوبية الغربية من حجرة عائشة ، وقد مر معنا أن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها رأت قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ثلاثة أقمار تسقط في حجرها فذهبت إلى أبيها الصديق تخبره فاعتذر عن الإجابة تأدباً ؛ لأن النبي آنذاك كان حيا فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن في حجرة عائشة جاء الصديق لعائشة ليقول لها :(هذا أول وخير أقمارك يا عائشة ) الغاية منه أن تعلم-أيها المبارك – أن من خصائص أنبياء الله ورسله أنهم يدفنون حيث يموتون يعقب ذلك خصيصة لهم وهو أن الأرض لا تأكل أجسادهم لأن الله حرم تحريم منع لا تحريم شرع على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال عليه الصلاة والسلام يوصي أمته( إذا كان يوم الجمعة أو ليلتها فأكثروا من الصلاة والسلام علي) قالوا :يا رسول الله كيف نصلي عليك وقد أرمت قال: ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) فهم عليهم الصلاة والسلام أجسادهم في الأرض وأرواحهم في أعلى عليين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.(6/4)
من هذا المجمل تفقه أيها المبارك أن هذه الخصائص لهم وحدهم ، لكن ثمة أشياء اشتركوا فيها وجعل الله لهم فيها حظ ونصيب لكن لا يمنع أن يكون لغيرهم فيها حظ مثل: أنه - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث يقول الصحابي كنا نجني الكَبَاث* _نوع من الثمر- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (عليكم بالأسودَ- بالأسودِ -كلاهما يصح لأن الاسم ممنوع من الصرف- منه فإنه أطيبه) قالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى الغنم؟-لأن هذه الأمور لا يعرفها إلا شخص مارس الرعي- فقال - صلى الله عليه وسلم - : (وهل من نبي إلا وقد رعاها؟) يعني كل الأنبياء قبلي رعوا الغنم لكن هذه وإن كانت صفة مشتركة في لأنبياء والرسل جميعاً لكنها ليست مقصورة عليهم ولا محصورة فيهم وهذا أمر لايحتاج إلى دليل فكم من الناس من رعى الغنم ولكن الله - عز وجل - أراد برعي أنبيائه للغنم أن يتعلموا السكينة وكيف يسوسوا الناس فإذا ساسوا الغنم وصبروا على نفور هذه ونفور أخرى قدروا بعد ذلك- بتوفيق الله لهم- أن يسوسوا الأمم،كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أمته أن ترعى الأمم بعد أن كانت ترعى الشاء والغنم ، فالمقصود من هذا أن هذه بعض المزايا التي هي لأنبياء الله ورسله و الخصائص التي يمكن أن يشترك غيرهم معهم فيها.(6/5)
على هذا يتحرر أن الله جل وعلا خص هؤلاء الأنبياء والرسل بتلك الخصائص الخمس التي ذكرناها، لكن تلك الخصائص وقف عليهم ولا يمنع أن يكون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد ذلك خصائص متفرقة بمعنى أن تكون مميزات لنبي دون نبي ولهذا قال الله { :تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ثم فصل قال: { مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ } والتكليم إذا أطلق انصرف إلى موسى ؛ لأن الله قال: { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } لكن العلماء يقولون إن الذين ثبت أن الله كلمهم:[محمد وموسى وآدم] فإن آدم قيل:( يارسول الله أكان نبي هو ؟قال: (كان نبي مكلم )أي أن آدم نبي مكلم بخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموسى صرح القرآن به { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } فالتكليم إذا أطلق ينصرف إلى موسى { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } في حين أن عيسى عليه السلام ميزه الله أنه ولد بغير أب ولهذا نُسب إلى أمه { إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }(6/6)
في حين أن أيوب اُبتلي فصبر وسليمان وأبوه داود عليهما السلام اُعطيا ملكاً بخلاف أيوب وصبره وهكذا اختلفت حياة الأنبياء في أنهم جميعا يمثلون نماذج إنسانية في أعلى ذروتها وأكمل رقيها يجمعهم جميعا قول الله { َكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } فكانوا –عليهم صلوات الله وسلامه- أعظم الخلق عبادة لربهم تبارك وتعالى معصومين بعصمة الله - عز وجل - لهم فأنبياء الله ورسله اجتباهم الله يقول الله: { اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } يحكون في هذا:" أن الحسن والحسين سبطي رسول الله شاهدا رجلا طاعناً في السن يريد أن يتوضأ و لا يحسن الوضوء وهو يظن أن يحسن فقدما إليه فقالا له:ياعماه اختصمنا أنا وأخي في أينا أحسن وضوءاً فتوضأ الاثنان أمامه ففقه ذلك العجوز من وضوئهما أنهما أردا أن يعلماه لأنه رأى فرقا وبوناً شاسعاً بين وضوئهما ووضوءه فقال: من أنتما؟ فعرّفاه قالا: الحسن والحسين سبطا رسول الله فما كان من ذلك العجوز إلا أن قبل رأسيهما وقال: صدق الله إذ قال: { اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } " هذان السبطان كان هذا صنيعهما فكيف بأنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه؟! والله قد اختارهم على علم على العالمين وجعلهم سادة للخلق ودعاة للحق عليهم الصلاة والسلام أجمعين (يونس بن متى) ذكره الله في القرآن قائلا لنبيه { وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } لكن قول الله جل وعلا عن هذا النبي الكريم يونس { وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } ليس على إطلاقه ؛ لأن الله قال بعدها { وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ** لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } والمعنى أن يونس عليه الصلاة والسلام دعا قومه فلم يستجيبوا خرج مغاضبا قال الله: { َفَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } { نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } هنا بمعنى نضيق أي: ظن يونس أن الله لن يضيق عليه بسبب صنيعه هذا فركب سفينة(6/7)
فشعر الناس أن فيها عبد آبق ألقي في البحر فالتقمه الحوت أمر الله الحوت ألا يأكل له لحلما ولا يهشم له عظما قذفه الحوت بأمر من الله { فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ **وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ** وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } فالقضية في يونس أنه خالف الأَولى في مقام معين محدد وليس على إطلاقه ولهذا جاء مقيد { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } غاية الأمر أيها المباركون أن نعرف شيئا عن أنبياء الله ورسله وإلا الحديث عنهم لايمله قلب ولا تسأم منه أذن صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..
هذا ما تهيأ إيراده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.............
*ثمر الأراك بعد نضجه(6/8)
لطائف المعارف[زيد بن حارثة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جامع الناس ليوم لا ريب فيه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،، هذا أيها المباركون لقاء متجدد من لقاءاتكم الموسومة بـ[لطائف المعارف] وعنوان حلقة هذا اليوم تحمل اسم صحابي جليل هو (زيد بن حارثة) نحن ندرك جميعاً أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أمثل جيل وأكرم رعيل ذلك أنهم منّ الله تبارك وتعالى عليهم بنصرة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم يذكرهم ويعلمهم الكتاب والحكمة كما هي دعوة خليل الله إبراهيم والصحابة كما تعلم أيها المبارك جمع غفير لكن القرآن وهو مائة وأربعة عشر سورة لم يرد فيه ذكر اسم صحابي واحد باسمه الصريح جاءت آيات في مدح الصحابة عموماً (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) لكن لم يرد في القرآن اسم صحابي باسمه الصريح إلا زيداً بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه زيد هذا له أخبار قبل الإسلام وله أخبار بعد البعثة وله أخبار قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مات قبل النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الأخبار تعرف المكانة الجليلة لهذا الرجل رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، أصله أن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين طلبت من ابن أخيها (حكيم بن حزام) طلبت منه أن يشتري لها غلاماً وهو ذاهب إلى سوق عكاظ -وقبل أن أستطرد- حكيم بن حزام هذا أيها المبارك وُلد في الكعبة حملته أمه وجاءها المخاض وهي في جوف الكعبة فولدت حكيما هذا في جوف الكعبة موضع الشاهد أن حكيماً هذا اشترى زيداً لمن؟ لخديجة ثم إن خديجة أهدته لنبينا - صلى الله عليه وسلم - أعمامه وأبوه من قبل كانوا يسألون عنه حتى عرفوا انه عند محمد بن عبدالله هذا كله والنبي عليه(6/1)
الصلاة والسلام لم يُبعث بعد لكن زيداً بنور الله الذي آتاه تفرّس في أن النبي سيكون له شأن والقصة معروفة في أنه خُيِّر فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ما هو مشتهر لا أحب أن أقف عنده كثيراً العبرة بالعظات ليس بسرد التاريخ فالتاريخ موجود في طيات الكتب المقصود من هذا أن زيداً تمسّك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقدمه على أبيه وأعمامه فانصرفوا ، فلما قدم زيد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وموالاته على أبيه وأعمامه قال عليه الصلاة والسلام في بعض موارد قريش وأنديتها قال: (أُشهدكم أن زيداً ابني يرثني وأرثه) من باب رد الجميل وإلى الآن لم يُبعث نبينا - صلى الله عليه وسلم - فبماذا أصبح يُعرف زيد؟ أصبح يُعرف بزيد بن محمد ، منّ الله على نبيه بالنبوة وكان زيد من السابقين إلى الإسلام فلما كان زيد من السابقين إلى الإسلام ذهب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ورأى تلك المعاناة التي لقيها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطائف ثم عاد معه إلى مكة وبقي بارا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..(6/2)
جاءت الهجرة فانتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ومنهم زيد إلى المدينة في المدينة تغير الوضع كيف تغير الوضع؟ نزلت أحكام شرعية العهد المكي كان يُعنى بالعقائد أكثر الأمر ، جاء العهد المدني يُعنى بالعقائد ثم جاء التنظيم للمجتمع والدولة ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مما أُنزل عليه : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ذلك التاج الذي كان يعلو على مفرق رأس زيد من أنه يُنادى بزيد بن محمد نُزع منه، كيف نُزع منه؟ أصبح يُدعى باسم أبيه زيد بن حارثة ولا يُدعى بزيد بن محمد وليس بخاف عليك أيها المبارك أنه هذا كم وكم أحدث في قلب زيد لماذا؟ لأنه كونه يُنادى بزيد بن محمد وهذا شرف وأي شرف لكنه بأمر من الله وقدره وقضائه وتعليماً للأمة وقول الله جل وعلا: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ) و (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) نُزع منه هذا اللقب قُدِّر لزيد قبلها أن يتزوج (زينب بنت جحش الأسدية) زينب رضي الله عنها وأرضاها قرشية وزيد مولى فكانت تجد في نفسها أنفة عليه ويحدث بينهما نزاع في المنزل كان الله جل وعلا أن اوحى إلى نبيه أن زيداً سيطلق زوجته زينب وأنك ستتزوجها أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيتزوج زينب هذا الوحي نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أُخبر به عرفه لكنه كتمه ، فكان زيد إذا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشكو إليه زوجته يأمره النبي ويرشده أن يصبر عليها وألا يطلقها فأنزل الله جل وعلا قوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) ثم قال الله:( وَإِذْ تَقُولُ) إذ : ظرفية زمانية لما قد سلف تقول:أي يا(6/3)
محمد (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) من؟ زيد (أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بماذا؟ بنعمة الإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أي بالعتق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق زيداً (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) تنصحه ترشده أن يُبقي على زوجته (وَتُخْفِي) أي يا محمد (فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) أي ما الله مظهره وما هو الشيء الذي سيظهره الله؟ أنه سيطلقها وأنك ستتزوج زينب لا محالة (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (لو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يُخفي شيئاً من القرآن لأخفى هذه الآية) لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤتمن على وحي الله (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) قال الله : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً) أي تزوجها وأصابها (زَوَّجْنَاكَهَا) أي بعد انفكاكها عن زيد (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) من هذا تفهم أن الله جل وعلا ذكر اسم زيد هنا لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث زيداً بعد أن طلق زينب يخطبها له ، لك أن تتمثل تتخيل تتصور رجل يخطب امرأته السابقة لرجل آخر هذا صعب جداً على الأنفس لكن أنفس الصحابة في مقدمتهم زيد كانت محبة معظمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قدم إليها أعطاها ظهره هيبة لحرمة امرأة ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعثه ليخطبها عليه ، فتزوجها - صلى الله عليه وسلم - وكانت تفتخر على أمهات المؤمنين بأن الله جل وعلا تولى أمر زواجها أي عقدها واختارها لنبيه من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها ، هذه الأمور التي فقدها زيد(6/4)
فقد زيد بن محمد فقد زوجته لرغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عوضه الله عنها وهو أكرم الأكرمين جل جلاله بأن ذُكر اسمه في القرآن فأصبح اسمه من جملة قرآن يُتلى ويُتعبد الله جل وعلا به في المحاريب وفي صدور المؤمنين إلى يوم القيامة نقرأ (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ) أي زيد هذا؟ زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) فانظر كيف عوض الله زيداً في الدنيا ، أما في الآخرة فورد أن زيداً في الجنة قال - صلى الله عليه وسلم - : (دخلت الجنة فإذا جارية شابة قلت لمن هذه؟ قالت أنا لزيد بن حارثة) زيد بن حارثة كان أحد القادة الذين أمّرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم متوجهون إلى مؤتة لقتال الروم وكانوا [ جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أحب الخلق إليه – وعبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنهم جميعاً وأرضاهم] وكلهم قضوا نحبهم شهداء في تلك المعركة أي أن زيداً مات قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب زيداً ويحب ابنه (أسامة) حتى ورد أن رجلاً ممن لهم في القافية في الفياقة أي قضية معرفة الأنساب ومعرفة الرجل يتبع القبيلة الفلانية أو يتبع غيرها وكان رجلا من بني (مدلج) جاء ذات يوم وأسامة وزيد رضي الله تعالى عنهما وأسامة وزيد نائمان ، زيد كان أبيض وأسامة كان أسود وهذا يثير الريبة عند الناس ، هذا الرجل لا يعرف أن هذا زيداً ولا أن هذا أسامة لأن رؤوسهما قد غُطيت وهما أصلا ليسا من المدينة ولا يعلم مكانتهما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما رأى الأقدام ، فقال وهو صاحب علم في هذا الشأن تُذعن له الناس قال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض فانبلجت أسارير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل على عائشة مستبشراً فرحاً ويقول: ( أما سمعت أن فلاناً(6/5)
المدلجي نظر في قدمي أسامة وزيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) فكان هذا أمام الناس تطميناً له - صلى الله عليه وسلم - وإلا عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن أسامة ابن لزيد ، هؤلاء أي أسامة بن زيد وزيد بن حارثة من أعظم من أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حق أسامة : (اللهم إني أحبه فأحبه) ونحن نعلم وربما بلغك أيها المبارك أنه في حجة الوداع والنبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينفر من عرفة إلى مزدلفة وهو على ناقته وأهل الموقف ينتظرون أن يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتبعوه وأنه لا يمكن أن ينفروا قبل إمامهم عليه الصلاة والسلام وهو عليه الصلاة والسلام كأنه ينتظر فانتظر الناس ماذا ينتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء أسامة بن زيد أسود نحيل خفيف ظريف رضي الله عنه وأرضاه فركب ناقة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وضمه من الخلف ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الدابة أن تمضي فأردفه من عرفة إلى مزدلفة وفي الطريق نزل - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ولم يصلي فذكره أسامة بالصلاة فقال - صلى الله عليه وسلم - : (الصلاة أمامك) أي في مزدلفة جمع تأخير .(6/6)
الذي يعنينا هذا العناية محمدية بهذا النشء والشاب كان عمره ثمانية عشر عاماً تقريباً الذي هو ابن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وارضاه حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هنا تعلم أيها الأخ المبارك أن القلوب أوعية وأحيانا يجد الإنسان في قلبه محبة عظيمة لبعض من حوله تزيد على محبته لغيرهم وهذه اشياء أو أمور –إن صح التعبير- يقذفها الله في قلب من يشاء ، وأحياناً يجد الإنسان أُلفة تجذبه إلى الغير ومحبة تدفعه إلى بعض من حوله قد تكون أكثر من محبته حتى لبعض قرابته ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) والمهم في المؤمن من حيث الجملة من هذه الأخبار عن زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه أن يكون محباً للناس محباً لغيره يحب لهم ما يحب لنفسه وهذا من دلائل صفاء قلبه وسلامة معتقده وهو من دوافع وبراهين الأخوة الإيمانية...
هذا ما تيسر الحديث عنه وتهيأ إعداده عن زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه ... والله اعلم..
وصلى الله على محمد وعلى آله...
والحمد لله رب العالمين،،،،،،(6/7)
لطائف المعارف ( اثبت أحد)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله شعار ودثار ورواء أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين...أما بعد
فهذا لقاء متجدد من برنامجكم (لطائف المعارف) وسبق التنويه في أكثر من لقاء أن هذا البرنامج برنامج موسوعي لا يختص بشخصية معينة ولا بفن بعينه وإنما يطرق جوانب عديدة تاريخية وإيمانية وقصصية وإخبارية وأعلام مكانية وزمانية وأعلام على أشخاص.. هذا المقصود من لطائف المعارف لقاء اليوم يحمل عنوان (اثبت أحد).
اثبت أحد: لفظ نبوي أي أن القائل هو نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، بدايةً نقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيب الذي أخبر عنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
×غيب أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فيما سلف في غابر الأزمان، كإخباره بما قصه الله عليه من نبأ يوسف وإخوته وأهل الكهف وقوم نوح وعاد وغيرهم.(6/1)
×وخبر يخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - وقع في حياته كإخباره - صلى الله عليه وسلم - عن صرعى بدر وإخباره - صلى الله عليه وسلم - عن أمور غير هذه ، من ذلك إخبار وقع بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وهذا يندرج فيه الحديث الذي بين أيدينا قال عليه الصلاة والسلام: (اثبت أحد) وهو عنوان حلقتنا.(6/2)
ما أحد؟ أحد جبل سمي أحداً لتفرده عن الجبال يقع في شمال المدينة المنورة وهو جبل مبارك قال فيه - صلى الله عليه وسلم - : ( أحد جبل يحبنا ونحبه) هذا الجبل صعده النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر وعثمان الثلاثة الخلفاء الراشدون بعده، لما صعدوا الجبل رجف الجبل السؤال: لم رجف الجبل؟؟ قال العلماء في تعليل ذلك إن الجبل رجف فرحاً بمن رقاه من الشرفاء فرحاً بمن علاه من الشرفاء، ولا ريب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرف الخلق وأصحابه أشرف الناس بعد الأنبياء والمرسلين فالجبل فرح؛ فسكّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدمه وقال: (اثبت أحد) ثم قال صلوات الله وسلامه عليه:(فإنما عليك نبي –يعني نفسه عليه السلام- وصدّيق –يقصد أبا بكر- وشهيدان) هذا من الغيب لأن عمر وعثمان آن ذاك لم يُقتلا وإنما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنهما شهيدان دلالة على أنهما سيموتان شهيدين وقد وقع بعد ذلك كما سيأتي، هذا الحديث النبوي فيه دلالات مستفيضة يمكن طرقه من عدة جوانب منها أن الله جل وعلا ألهم بعض الجمادات حب نبيه - صلى الله عليه وسلم - وليس جبل أحد بأولها ولا بآخرها، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب كثيراً متكئا على جذع نخلة في مسجده الشريف صلوات الله وسلامه عليه موضع المنبر اليوم ثم بعد فترة صُنع له منبر له ثلاث درجات فكان - صلى الله عليه وسلم - يرقى هذا المنبر المصنوع من أعواد ليخطب الناس ليكون شارفاً من مكان عالي، فأول يوم ارتقى فيه - صلى الله عليه وسلم - المنبر أحدث الجذع صوت حنين وشوق إلى خبر سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - هذا كله والصحابة ينظرون، فنزل عليه الصلاة والسلام إلى الجذع وسكّنه ثم عاد عليه الصلاة والسلام وخطب؛ ولهذا يُقال [حنّ الجذع إليه] صلوات الله وسلامه عليه، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه سبح الحصى بين يديه وقال في حديث آخر: (إني لأعلم حجراً في مكة كان يسلم علي قبل(6/3)
البعثة) والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام قبل أن يُنبّأ وهو عليه الصلاة والسلام نبّئ بـ(اقرأ) وأرسل بـ(المدثر) كان يمشي في طرقات مكة فيسمع الحجر يسلم عليه (السلام عليك يا نبي الله) فيلتفت ميمنة وشمالا فلا يرى شخصاً ولا خيالا، ثم لما نُبّئ وأُرسل عرف أن ذلك الحجر كان قد أُلهم المعرفة بأن هذا الذي يمشي هو نبي الأمة وسيد الخلق ومن سيختم الله به النبوات ويتم الله به الرسالات صلوات الله وسلامه عليه. نعود إلى (أحد) في أحد(6/4)
الذي قال عنه النبي في هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم (اثبت أحد) وقعت غزوة أحد وغزوة أحد وقعت كما هو معلوم بعد بدر في السنة الثالثة وفيها وقعت أحداث عظام منها أن رأسه الشريف - صلى الله عليه وسلم - شُج وكُسرت رباعيته وسال الدم على وجنتيه وكفى بذلك حدثاً في تلك المعركة، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - قُتل في تلك المعركة عمه (حمزة) وحمزة من سادات آل البيت ومن أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله (وحشي) غلام لبعض آل بني أمية كما وقع في تلك المعركة قتل كثير من الصحابة وصل عددهم إلى [سبعين] قال الله جل وعلا في القرآن: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ) وقال: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا ) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قُتل من أصحابه يوم أحد سبعين وهم –أي الصحابة- والنبي معهم في بدر قتلوا سبعين من أهل الإشراك وأسروا سبعين ولعل هذا قريب من معنى قوله جل وعلا أو أحد المعاني من معنى قول الله جل وعلا: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا) في أحد كذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة أن يدفنوا قتلاهم شهداءهم في أرض المعركة وإلى اليوم القبور باقية بجوار الجبل والنبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت لأنه شعر بدنو أجله وقرب رحيله أتى إلى هؤلاء الشهداء الكرام فسلم عليهم واستغفر لهم ودعا لهم كالمودع ومن باب الوفاء معهم وهذا من دلائل عظيم وفائه - صلى الله عليه وسلم - لمن بذلوا المهج والنفوس والدماء من أجل نصرة دينه صلوات الله وسلامه عليه. يقول حافظ في مثل هذا أو قريب منه:
في فتية لتنال الأرض أدمعهم *** ولا مفارقهم إلا مصلين(6/5)
والمقصود من هذا أن تلك الأنفس كانت عظيمة جليلة بذلت دماءها أرواحها أنفسها من أجل نصرة دين الله جل وعلا فقام نبي الأمة ورأس الملة وسيد الأمة - صلى الله عليه وسلم - وهو يشعر بدنو الرحيل وقرب الأجل و مفارقة الدنيا فيأتي إلى ذلك الموضع ويسلم على أهله ويستغفر لهم ليكون بعد ذلك سنة وإلى اليوم عندنا في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس والزوار لزيارة شهداء أحد إتباعاً لسنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه ونحن نعلم أن أهل تلك القبور لا يملكون لنا ولا لأنفسهم ضرا ولا نفعا لكنها سنة يُستغفر لهم ويؤدّى لهم بعض الواجب رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
نعود إلى قضية الغيب ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اثبت أحد، فإنما عليك نبي –-ويقصد نفسه - وصدّيق –ويقصد أبا بكر- ) أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه لم يمت مقتولاً مات من مرض، والمشهور عند أهل العلم أنه أكل طعاماً مع (الحارث بن كِلبة) طبيب العرب المشهور في وقت واحد فبينما هو يأكل ومضغ قال له الحارث وقد أكل معه أنزل يدك يا خليفة رسول الله فالذي أكلناه سم سنة -هذا طبيب يقول هذا- يعني ما أكلناه أنا وأنت سم عام سم حول، قالوا –أي أهل التاريخ-: إن الحارث بن كلبة طبيب العرب المشهور و أبابكر - رضي الله عنهم - ماتا في يوم واحد على الحول الذي أكلا فيه تلك الأكلة، وهذا إن صح يدل على أن الحارث أعطي حظاً كبيرا من الطب والعلم ومعرفة ما يؤكل وهذه أمور تجريبية إذا أمعن الإنسان فيها النظر وأكثر التأمل وغالب الفنون العلمية تعتمد على كثرة التأمل والمطالعة وإدمان النظر كما قال هذا أو قريباً منه البخاري في تعريفه لطلب العلم ،(6/6)
أما عمر - رضي الله عنهم - فقد صرّح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيموت شهيداً وقد مات شهيدا؛ طعنه (أبو لؤلؤة المجوسي) كما هو معروف و مشهور في محراب نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقد كان عمر يقول قبل أن يُقتل: (اللهم إني أسألك شهادة في سيبلك وميتةً في بلد رسولك) ،يقال إن بعض الصحابة أو بعض من حولهم من التابعين كانوا ينازعون عمر رضي الله عنه في هذه الكلمة ، فيقولون يا أمير المؤمنين: إن الشهادة موطنها .. مظانها ساحات الجهاد ليس في المدينة لأن المدينة ديار إسلام محمية ليس فيها كفار أو على الأقل ليس فيها محاربون من أهل الكفر لكن عمر كان يصر على دعائه وقد أعطاه الله جل وعلا لصدق نيته وعظيم جهاده ما تمناه فمات شهيدا في محراب رسول الله فتحقق له ما أراد ،رضي الله عنه وأرضاه.. أما عثمان رضي الله عنه وأرضاه فقد قُتل في المدينة قتله الخوارج بعد أن تسوروا داره وقتلوه فهو أمير البررة ومن قتله فسقة فجرة يصعب أن أقول بكفرهم وإن كان بعضهم قد يكفر من استحل دمه يكفر لامحالة فعثمان رضي الله عنه مات شهيداً...المقصود من هذا أن هذا بعض الغيب الذي أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم ماتوا شهداء كما اخبر صلوات الله وسلامه عليه.
هذا ما تحرر إيراده وتيسر إعداده حول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان ) وصلى الله على محمد وعلى آله
والحمد لله رب العالمين....(6/7)
لطائف المعارف ((بين شوقي وحافظ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله شعار ودثار ولواء أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام وأفطر الشافع المشفع في عرصات يوم المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين،،،،،أما بعد
أيها المباركون في \\لطائف المعارف// من هذا اليوم نزدلف إلى عالم الأدب والشعر ولئن كان (الفرزدق وجرير) رمزين كبيرين لشعراء العصر الأموي كما كان (أبو تمام والمتنبي والبحتري) رموزاً عظيمة للشعر العباسي فإن (أحمد شوقي وحافظ إبراهيم) رمزان كبيران للشعر العربي المعاصر .. يقول أهل الصناعة الأدبية إن الشعر العربي جملة أصابه مرحلة من الانحطاط ثم إنه بُعث على يد (محمود سامي البارودي) أديب مصري معاصر على يد محمود سامي البارودي بُعث الشعر العربي من جديد ذلك أن البارودي رُزق قدرة على أن يتأسى ويحتذي بالشعراء الكبار في عصر بني العباس وبني أمية فعارضهم في شعره فارتقى الشعر ، نجم عن ذلك مدرسة أدبية تسمى [مدرسة الإحياء] كان من أكبر أعلامها وأشهر شعرائها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ،، في هذا اللقاء سنعقد شيئا من المقارنة ما بين هذين الشاعرين الكبيرين في تاريخ شعرنا وأمتنا العربية.. أحمد شوقي جملة نقول كلمة واحدة : لو قُدر أننا أردنا ان نختار ممن خلقهم الله أناس نالوا أمانيهم شبه كاملة في الدنيا لكان شوقي واحداً منهم شوقي نشأ في فمه ملعقة من ذهب نشأ في بيت (الخديوي إسماعيل) ولذلك قال:
أأخون إسماعيل في أبنائه *** وقد وُلدت بباب إسماعيلا؟(6/1)
نشأ صغيراً عيناه تصعدان إلى أعلى يعني ينظر إلى الأعلى كثير ما الطريقة التي عالجوه بها؟ أتوه بجنيهات ذهب تبرق يلعب بها مما دفعه إلى أن ينظر إلى أسفل فاعتدل بصره هذا الرجل أوتي حظاً كبيراً من الحياة ولذلك لم يستطع يوماً أن يلقي شعره كان يكتب هو وغيره يلقيه أما هو لا يستطيع أن يلقيه ومع ذلك فقد أبدع في كل فن وجال في كل غرض وتحقق في كل غاية وقال شعراً في جميع الفنون أظهر فيه علو كعبه وقدرته الشعرية سواءً كان في غرض الرثاء أو غرض الاجتماعيات أو غرض المدح أو غرض السياسة أو غرض الفخر أو غرض الغزل في جميع أغراض الشعر .. حافظ إبراهيم معاصر لشوقي إلا أن حافظ مات قبل شوقي بعام أو عام ونصف تقريباً وسيأتي هذا إن شاء الله في آخر اللقاء .. نبدأ بشوقي
شوقي ..الشعر فيه نوع من المهلكة ولهذا قال بعض النقاد: (والدين بمعزل عن الشعر) وإن كان هناك خلاف حول صحة هذه المقولة أو الغاية منها ، المقصود أن شوقي رحمة الله تعالى عليه له أبيات هي إلى الكفر أقرب منها للإيمان كقوله في رثاء (مصطفى كامل) زعيم الحزب الوطني المصري وقد مات شاباً وكان مصطفى كامل هذا قريباً جدا من شوقي صديقاً مقرباً له إلا أنه كان مضاد للقصر بينما كان شوقي كما بينا وُلد في القصر ولا يستطيع أن يتمرد على أهله ، فلما مات مصطفى كامل أراد شوقي أن يعوض تلك الجفوة الشعرية ليست في العلاقات كان على علاقة جيدة مع مصطفى كامل أراد أن يعوضها فلجأ إلى الغلو في الشعر فقال –وناقل الكفر ليس بكافر- في قصيدة عنوانها :
المشرقان عليك ينتحبان *** قاصيهما في مأتم والداني
قال:
مصر الأسيفة ريفها وصعيدها *** قبر أبر على عظامك حاني
أقسمت أنك في التراب طهارة *** ملك يهاب سؤاله الملكان
وشوقي هو القائل:
رمضان ولى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق(6/2)
وأنا قدمت بالأسوأ حتى أزدلف إليك بالأحسن لكن شوقي له ثلاث قصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - عز نظيرها وقل مثيلها [الهمزية – والميمية – والبائية] في الهمزية قال:
فإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا ملكت النفس قمت ببرها *** ولو أن ما ملكت يداك الشاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته *** فجميع عهدك ذمة ووفاء
وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما *** جاء الخصوم من السماء قضاء
وإذا بنيت فخير زوج عشرةً *** وإذا ابتنيت فدونك الأبناء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى *** فالكل في دين الإله سواء
لو إن إنساناً تخيّر ملة *** ما اختار إلا دينك الفقراء
يا أيها المسرى به شرفاً إلى *** ما لا تنال الشمس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهر هيكل *** بالروح أم بالهيكل الإسراء
بهما سموت مطهرين كلاهما *** روح وروحانية وبهاء
وهذا من غرر الشعر.. قال في الميمية في قصيدة مطلعها أراد أن يعارض بها ميمية (البوصيري) نهج البردة :
ريم على القاع بين البان والعلم *** أحل سفك دمي في الأشهر الحُرُم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً *** يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
لما رنا حدثتني النفس قائلةً *** يا ويح جنبك بالسهم المصيب رُمي
هذا كله أيها المبارك مقدمات ثم قال يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم -
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له *** وأنت أحييت أجيالاً من الرمم
إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم *** فخيرة الله في لا منك أو نعم
الله قسم بين الخلق رزقهم *** وأنت خُيّرت في الأرزاق والقسم
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه *** والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما رأوك به التفوا بسيدهم *** كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر *** ومن يفز بحبيب الله يأتمم
جبت السماوات أو ما فوقهن دجىً *** على منورة درية اللجم
ركوبة لك من عز ومن شرف *** لا في الجياد ولا في الأينق الرسم(6/3)
مشيئة الخالق الباري وقدرته *** وقدرة الله فوق الشك والتهم
قال في البائية:
سلوا قلبي غداة سلا وثابا *** لعل على الجمال له عتابا
ويُسأل في الحوادث ذو صواب *** فهل ترك الجمال له صوابا
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا
فما عرف البلاغة ذو بيان *** إذا لم يتخذك له كتابا
مدحت المالكين فزدت قدرا *** فلما مدحتك اجتزت السحابا
صلوات الله وسلامه عليه..
وأنت أيها المبارك المنصف تدرك أن هذه الأبيات عز نظيرها وقل مثيلها في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان مدحه عليه الصلاة السلام شرفاً لمادحه شرفاً لشوقي نفسه.. تجري ما بين الشعراء مواقف ، يقولون –إن صحت الرواية- أن شوقي وحافظ اجتمعا يتداعبان شعرا فقال حافظ يورِّي لشوقي:
يقولون إن الشوق لوع وحرقة *** فما لي أرى شوقي اليوم باردا
فشوقي الثانية هذه في البيت يقصد بها حافظ أحمد شوقي وهي في البيت يُفهم منهم أنها الشوق المعروف الحنين على المحبوب ، قرد شوقي على حافظ بقوله:
أودعت إنساناً وكلباً وديعةً *** فضيعها الإنسان والكلب حافظ
تأتي والكلب حافظ لماذا؟ للوديعة للأمانة ولكنه قصد أن يذم حافظ
أودعت إنساناً وكلباً وديعةً *** فضيعها الإنسان والكلب حافظ
شوقي رحمة الله تعالى عليه له لامية شهيرة :
قم للمعلم وفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو اجل من الذي *** يبني ويُنشئ أنفساً وعقولا
سبحانك اللهم خير معلم *** علمت بالقلم القرون الأولى
أرسلت بالتوراة موسى مرشداً *** وابن البتول فعلم الانجيلا
وأخذ يمدح فيها المعلمين هذه اللامية عارضها شاعر آخر يقال له (إبراهيم توقان) وإبراهيم توقان معلم مارس التعليم ويقول عن شوقي لم يفقه التعليم حتى يقول هذه الأبيات فرد توقان على شوقي يقول:يذكر قضية شوقي ومدحه للمعلمين:
شوقي يقول وما درى بمصيبتي *** قم للمعلم وفه التبجيلا(6/4)
لو جرب التعليم شوقي ساعة *** لقضى الحياة جهالة وخمولا
ثم يذكر معاناة المدرسين
لكن أصلح غلطة نحوية *** مثلاً وأتخذ الكتاب دليلا
مستشهداً بالغر من آياته *** أو بالحديث مفصلاً تفصيلا
وأكاد ابعث سيبويه من البلى *** وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حماراً بعد ذلك كله *** رفع المضاف إليه والمفعولا
يا من يريد الانتحار وجدته *** إن المعلم لا يعيش طويلا
جرت لشوقي أبيات مجرى الحكم من أشهر ذلك قوله:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني
يظهر للأخ الكريم المشاهد أنني أغفلت حافظ...
حافظ له (العُمَرية) وكفى لو لم يكن لحافظ إلا العمرية لكفاه والعمرية قصيدة قالها حافظ في مدح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مطلعاها:
حسب القوافي وحسبي حين ألقيها *** أني إلى ساحة الفاروق أهديها
اللهم هب لي بيناً أستعين به *** على قضاء حقوق نام قاضيها
ثم أخذ يذكر قضايا تاريخية يوظفها شعراً ، فيذكر مثلاً خبر يقول أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه مر على بستان لشباب من الأنصار ووجدهم يسكرون صعد الحائط دخل عليهم عاتبهم قالوا يا أمير المؤمنين جئنا بواحدة وهي السكر وجئتنا بثلاث : تسورت وتجسست ولم تستأذن ، قال حافظ يصوغ هذا شعرا:
وفتية أولعوا بالراح وانتبذوا *** لهم مكاناً وجدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم *** والليل معتكر الأرجاء ساجيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة *** وجئتنا بثلاث لا تباليها
فأتي البيوت من الأبواب يا عمر *** فقد يزن من الحيطان آتيها
ولا تجسس فهذي الآي قد نزلت *** بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم وقد أكبرت حجتهم *** لما رأيت كتاب الله يُمليها
وما أنفت وإن كانوا على حرج *** من أن يحجك بالآيات عاصيها
يذكر حافظ قضية رسول كسرى الذي بعثه كسرى إلى عمر صاحب المقولة المشهورة: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر) ماذا قال حافظ فيها؟ذكرها بقوله:(6/5)
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً *** بين الرعية عطلا وهو راعيها
فهان قي عينه ما كان يُكبره *** من الأكاسر والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت مثلا *** وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم *** فنمت نوم قرير العين هانيها
له أبيات كذلك مثل شوقي جرت مجرى الحكم من أشهرها:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق
هذا البيت لحافظ من قصيدة ذكرها في مدح مصر وبيان حبه لمصر ، إذا كان شوقي نال حظوة فحافظ اجتماعياً لم يكن بتلك الصورة لكن قُدِّر أن شوقي تأخر موته عن حافظ مات حافظ قبل شوقي قبل ذلك بويع شوقي بإمرة الشعر وكان حافظ سليم الصدر كان أول المبايعين و قال في قصيدة يمدح فيها أمير الشعراء :
أمير القوافي قد أتيت مبايعاً *** وهذه وفود الشرق قد بايعت معي
قدّر الله مات حافظ قبل شوقي فرثاه شوقي وقال في قصيدة يرثي بها أخاه حافظاً قال:
يا حافظ الفصحى و حارس مجدها *** وإمام من نجبت من البلغاء
هنا شوقي ندم شديداً قدرياً على أن حافظ مات قبله لماذا؟ لأن حافظ وجد من يرثيه تصدر شوقي لرثائه لكن شوقي كان يعلم أنه لا أحد يعقل بعده له صدى في الشعر يمكن أن يرثي شوقي إذا مات فكان يتمنى أنه مات قبل حافظ حتى حافظ يرثيه لكن هذا قدر الله
المقصود... هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده أيها المباركون حول رمزين كبيرين من رموز الشعر العربي هما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ...
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله... وصلى الله على محمد وعلى آله
والحمد لله رب العالمين.....(6/6)
PK _________!_فü•7f __ _______[Content_Types].xml ¢__( __________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________´Tثnآ0_¼Wê?D¾V‰،‡ھھ__ْ8¶H¥ `ىXُKٍِْûn_DU
A*ه_)Yïجىىؤƒرعڑl ... 1iïJض/z, '½زnV² ةK~د²„آ)a¼ƒ’m ±رًْj0ظ_H_u»T²9bxà<ة9X‘
ہQ¥ٍر
O×8مAبO1 ~غëفqé_‚أ_k
6_<A%__³ç5}ق*‰`_ث ·_k®’‰_Œ–_I)_:ُƒ%ك1_شظœIs_زة`ü C]9N°ë{#k¢VگچEؤWaI__ù¨¸ٍrai†¢_و€N_UZBغ_£ ... è%OD[S´_+´غë?ھ#لئ@ْ _[ـ.zز9ژ>$N{9 êح+P9Y_ ¢†vuاG_D²ى_أïگ»ئoR€”wàح³ ¶_جIتٹ~‰‰ک_8ïWٍZè“"V0}؟کûكہ»„´ù“> ءŒ uQw H_oî·ل____ےے _PK _________!_ ‘_·َ___N___
____rels/.rels ¢__( __________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________Œ’غJ A
†ï_كaب}7غ(6/1)
"زظقH،w"ë „™ى w جOع¾½£ ؛Pغ^وôçثOضƒش;<_¯aYص ط`Gكkxm·_PYب[ڑ‚gGخ°inoض/<‘”،<Œ1«¢â³†A$>"f3°£\ ... ب¾T؛گ_I ... S ‘ج_ُŒ«؛¾اôW ڑ™¦عYigï@µاX6_ض ]7_~
fïطث‰_ب_aoظ.b*lIئrچj)ُ,_l0د% ‘b
6ài¢صُDے_ژ ... , ... ، ... ‰دَ|uœ Z^_tظ¢yا¯; !Y,_}{ûCƒ³/h> __ےے _PK _________!_ضd³Qْ___1 _____ word/_rels/document.xml.rels ¢_ ( _ ________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________ ’حjأ0_„ï ... ¾ƒط{-; ،„ب¹”@®û_ٹ½ ،²$´¶~û
CR‡_÷â`Fhو“´يwoؤ'_êœUگ%)_´¥«:غ(x/vwد ˆµ´q__
H°حoo6¯h4اCشv±O eِk)©l±×”8 6îش.ôڑ£
چô؛üذتUڑ>ة0ح€ü"Sى+_a_فƒ(_ ےدvuف•ّâتc –¯Tب/<¼!s¼_إX__d__3‰´ ¯ƒ –_،?_'g ![_پ__?َü
4ê¹ْا%ë9ژ_ ¶ Rژk6اً°$Cي,_ْ`&_gë_!/_=ے __ےے _PK _________!_T¥¨²{1__.*______word/document.xmlى ]o_×ڑïï t¾Co_%[
1_
XƒG_آHg43Qِ>WQ._س_&ئfl“Lr_iŒ_q²چمù_[‰7ط_°†°ح'©¾ Or~ےgUُKu¹\m×j³__wWWZk=ï¯ë ٌ?o U¾NNفڑ_؟شwْT _¥:>:q ضّ×—ْ ïں¯}t،¯25=2~}dlb¼z©ïûêTك? ےïےُ_ك]ں_½{»:>]aˆٌ©،oùُوôô ، ?_½Y½=2ujâNuœ oLLق ™وëن× ك ™üوî F'nك_™¾ُص±[سك |¦؟ °/ fâRكفةٌ،xˆ nك_ œکڑ¸1G†&nـ¸5Zچے$OL_y¯{ٍj<e{ما“ص1و01>uَض ©d´غo;_K¼™
ٍmق"¾½=–ـ÷ف "o»>9ٍ_ً¸=و¦ فؤنُ;“_£ص©)®^u?ضG<فں÷îx 5D ‰"Sh}g2“غ#·ئëأ_;Rً¯ ï_ہûط½ûcصX_{1
.}5q { ½Sùn_\¼ ù¥¾ kçOں;s؛/¹tµzcنîط´~¹:ط îôة/ں5]²A>شں هةoGئ.ُچ‚¥صة¾ uuز 8ymb|zٹ_F.ُ]ژNüùû;صتںoق_»
_يخر‰±‰ةdˆَ×ôںûaê‡ن꙳ة•+_ث^–\»\_”ئھٌغا_ûمx_ü½_O‡mفںپحُُ_/Oك¼5خضŒN_×ـ؟_ڑ ®حE¯£چèQm¦_mشوjَر>_ںَُ/¢كkث؛ 0عŒَë"_ç؟üRkںv;`ےق1€%«oZ{rةC¨ںح€zrmز _'Sڑْ،پœîZ‚ كM} چ¾ -\ê»üO—+—'G¾ھN افھhkôو_طxے ل½ ٍ_dے:2ُM_dz!ƒLمk]_ک_×9=_$_$a94ugd_¦{g²:U ü¶ع7_= -_%Fد إ(6/2)
$9W[ ش_ـw}\âث^´_يCژ
ح_قشf ـّژ عR´[پrEص_¢ ... l_b_ئںLNzLû0\×’_2ُ¥èy%ZgQ3ر ـ`|Xژ ء’¶ّ ... %دغzى7=ئ_,F; ®¾جع
,چ'çل^sع>غ_w¯.é"·è•[رS·أvث_/ع¨ O'ں3_÷e‰·¾ش;41
€4¦ è[²»جô™Mؤ]ضj–k³ةû_لإZسN¼@ l
گ
ئèِfًّ¦_گ]ل‰%÷عWü¹كx-;آ¼™_ï×G~ْحnنûzôٹ9m0|َد{\yؤ>»]ك¨ف¶ط_[ ؤطأ_[¼|كîaيO_€ï__چµsعƒûعü¥ع¼أض_،R©D?»ے´]ہJديG;-¸'‘ظ&2.
\9—¨ ںçŒgد]èï7#_¾o،(_ ے9Tّ _‰e³_ہ¾_ي_#€y_کے*_4ڑ_U_Q"÷ ... ™\ Z_ش_| zgë
_~)_|fc=®ؤ#_yؤX²%ن†ْہس_î_ µ _l(Q_OC\_ى? هھء8Wك;¦-_ àƒLuèأ_Yv² َ¢&0~دm_ي¨¶‰Xںٹù_،F_Cے/oُƒçد \ج\}«Tj•}¦ر-ه_ok²سNWحظëCق–چYE_غ:ƒOدœ»zîrوz¥فےثؤّؤ´´û ¸{م–¸Dë¼Zُüءg_®è¦ilطê_ظ_—ْFFeB
ش/ےéوبu$ï'____»½X[ ç×:قَخVœaح_م*ك{(#جVگ“+pظعJ€u&«>!_چکZAٌZEG{R{_`}¢a ;ـ{¹¶†*´_ }¢! °¶ٹ%´†B+.¾(ْF_¼<[ي>)¼\وù_p~€ـ6طَYگ_(_y؟ي· e‡دڑg66آ ؟Vئ\bgµ»}_ب–mcuèہ_<'ےںs`f£ كہ_ْ ëFرeEôî_ُتµ†.___8[7{Z ،3ُث_[C ¸4 +_œ”q ô7¨oQأ_iv؟_Vu؟رoر¶œQٍب-Jلد ³!rm±€Hِ_êو_گë–يXL||ûٍوâَs.2s°_à#ˆ·ژي”_ $>_ؤ ·X[ھDغ¶iM _¶صy_هںdغëA_9]œںگ±و"œˆŒ ... —Fnک9œ|ص¶ے\Ix‡ّ¦¹9]_r_5¼•¾_Cئr¾ا_K%ك‘_ü=±_(إلع=9²ِàW؟_ز
_)êüg¥ّrعVpb¼4m+_–ے_و¶&غ_9±& -ع(ہپ_œژذgڑ ' ,„„ƒQدxتعضqز)i،W¼_ï_dˆ؛Jْ ࢮُHDل}‚گù و
F ƒ–Pvؤ®َ”;³
ُô¨ ¯m='Y
I C
،ثح`z T@“َغذے__FتنِuMï}Œoi_؟_و ’ًp|'.دl1Nخ0ç_î u`¨O1>کأù[ê®_ثdھش“±”±uB`ـëخص$ظ,پr_dحق«à'y ‘6©4
ôPئKغüO²Tيء,•÷
>=کYٍ^ءç²Aق+è_ëخ¥D؟O;?V|¾;___فپY_•? Qi
«رnًpyèAظءے¸mْف _‡
ط7ï‚چ]تj~¯¸à¾AاEXبb
_*·n ÷†ٌ7 `ˆ*ثpژˆr ¢خ¢ما!،²m@ٍ`dط
pھ2üة[ï ùo-%تھْ9uêTإ__]`O *a`ô_yXھ” _—ë¢jٍ¶ّ jإè‰_c™؟ë_†HB"aˆb±8مK{é¾¥ ف#_
·_µ]®خâ}“Gچ(_éI" ھء¸ًˆ »
I2£¹ىبRRه#?=׃ٍثصë_ُô_خ¼%هBٌ قٌ†±vّR/OŒضyٍ÷ت_)_Iك ... ‰_ںNN‚h*)؛ش7u:6ِé‘ةé¸ہ?_ieHfء™
L-r¾ذ¢>_؟îے’²‰ٌK°زہg>½y¥E¯ù _/Z¾_إµrêض ²ô5أہ×$_.َ£ذ"µO‚z£9EG%†_تJvC‰ژ2&ےç؟ »{S<„w¾ût³a ... ؟ـر}3E _¹___ _¢_ہ‰lBءت_B!_ک-Lضصœھً_®_×/·&.:Vذ(6/3)
Q_ہٹ [پكŒ_ژ گج8W_;_·hو5جF\
_غW1«»]7µg<ع³ـى_Q<CM ھًYx_ے° Wز½ kc#Hين1XزZ ... =ش«k—ظ_وQ،””&_ڑTغـTN؛`x»ƒ_·فگb”lœئQ‰؛¸%kز5ًسˆüO_0—&پقو ٍ!<P™lnm.E<ظëa>xز _ ذ_AX{â!—ن\اdقH³V_rظXہObB[ژ 9¶_µ%uƒïP2;¶بخءAg¢؟ا4^h_{F±YWض؟بڑےس ... ' A ک»0aN‰ّْئê%çî!AگŒ’ ؛|B،\hY½ج¸Ac•KlذB ... _3° 5ô‰b:ك_ّ¨_†_غB|IïM_“ç_^__â
ر–ةûش^µ(±g® 8=p`ç„z_´مê“رئط[fسi¢¥غ±حVِcآ™µٌI؛___™=
<0Ci™أ_ٹqZy3„«ت¥%T“إütƒ_j‰5âت_r@ظعî¢حüدضثس £__™3ًدUcî4h_¯Lô&?é²
+ت°ٌ؛__9ءًپںآ Vj÷
p©V|ï
غ_l iaسئ_\ظج"ه2sہèگ`A £o2ش !$إ
ٹ€¸غ¯پ~|
ه ©_c__‰† _ ن_„_³™·Dٍ ... Bًٌ%چ|کŒq¹!1_œ0R †`ا؛B7µûCy¸vˆà<n ے_ي†nگE4Po ’غگ/S<ئ_³Vذ} ... ]Z_خنaSK+إP{k!™ £Œ ... d(™G_5)B_ْrgK9ٍ`ذً;اخ__`c;ذـ
üLf_lه X¥¼UX‘iWDqةbb__rنX•-L~ -}ہ’_گ‘» ڑOج|¥Dyمـ \2ثiٹتِ_ ن_ï
_ | †£×yL;G_” µaجث´ {û³]؛m~6_ت?kù3)¯ :_ر_Wkôپ_غّ__ہR
؟آUˆƒ 2$_يP×ف,ف «*N#c^قاشہ‰3زîؤ%Œ•طض´‡‡Q_غ³•²w؟WگںµضمAm} ²—ضسˆe —@‚6__ژ¼¶X،%؛X ... ¥5(<4ƒïْiô_¼Tـ__Gص ... م„ع„::O¸âةC__»ل‚پDŒ€(‘Aپ•$“-"Hô 3خ_ثX†é
c`,÷_™¨ؤ_K³± ”_د_S_J€)®/¹{ٹک“مL__@کٹ@“N”°œ_ّ–مsى;oT4ٍ¹خ2ذ ثرV 7³U]„ھqن±!£€ِگ‘“# ”_X_.k_i_ح
Mx¢‘ŒچLM ^_؟^ ^ےlنëê'“ص‘oL_;à__ض·/ê¼اî ¢.mٹ_±}„ْtظR،ـfh
`ئضuƒ م:C<_سw___€Gـبخê ... 1 ت¸H_¥!ٌë+_ˆ
> à&_ى@م¸zP ×حـ_ ؤ{„@[Iآ‘_D،!—"ûX!skظل_يوع _(_'I$رN âh’è¥ح†ù>مh_½ƒ‰_ê&½ً$ë m™}ڑ©ح([ٹ_ùة_9:‚%/ék# ë-„dٹg´`gڑش ھ_DK,¹‡بو âX®=°àéسh_”2V Cù_x¢€j
Pظج½W”_£ض÷NnI! ... WX"vLق /2i©8 ûن÷(p_œ_ـ’¢غpyxع_ىد_قS’ôobٌ)_oلE½a_A«ھ ة_
[R
F*9ٌ$لE*Kœ+»O¶ڑة_ل_
؟¹#ƒک:
@ڑ
r ... uؤt__•ء[so‘6tOïœu/Œ ھ¼ڑ‡‰ط|أ¶oتشb<ٍë$éj2ھى
_q ... ¾à$k _خ__ّô€سWJ1®“¹çح¹7P_ !E¦+ة%أذؤƒü´«_9Zظê!QOT8<أûع•ظ ï_@ُwYح!î»® l_†£~~¹U´ 2)<; ب, _z,_! ... sOy ... _*_BœحQHWz_._xZا)e_髵ه#وخ ._أE*"،_نü
™ƒ¦ O²ü پ·•آغ
6ب5 ں_ى 5زئW My—\&“qMiç_kط¯¹E_Z*ƒ–°îWƒحù¦ ظsا¢gاژ(6/4)
I¥إ eû×ïIZ‚س_‚ôٌMْ sV¨ë_أN}€ژ@'!â‡A_•|Nt{ ... ‡t8`e_! ¥_ذy€ِ&JZ±SٹR’'__سحإ_وA'ml_°X9_e__„ 7 ً¼J
Vبٌh†¢EظW«ءےê#د4ط4غ¾¹ ‰C_¦%_†_„•ب%’£ى%ٌمr _à<ءء| Gبل`ژ»0_طxh’< /cc~U&I€گo_’ٹPف_|t†5_ة«¢ @=قQ آ1vH_ZB؛_Yï%ê ˆ,چ_َع؛تة„ML¢ ==ـ¥ï_Pf”‡ ‡h ا]ژ>\[تml!ùbP ¨’_¹ Qس(ّبLڑW_£J{ب ... _ ثj_وع#ضعم)سïQ؛´ٹzH__آ‚m=eµ’_h
ك9 qàü ... ثقt{ثF^!,QS—Œ«جo:~*IکR_´FP×Vيت”_Xفـ$_شقâ™9¥_اهMm=ٍ¸g7عŒ©ِ ... bql%_S
³ثƒشغdïnِثa‡_VHELو_-Q9~'w»R<فت_™بsf°بRµ^ش0Hضئة ك_عV
%> شّّعثFîüSsZZ_ہ¦lj«_ش ®×´V6پ__½تجZ=m¥2
¨éثھح‰ù |v،غ_7ç=¦بly°اO7(×½³*{‚pہ_ ‡°«_JQ:Gدs -t#T °©£€]ک_ _#_ّں¦„W ى~B ... ض_ س_‚_»،êWXغ =^__âجعU_[_ ï
-•m¯÷3ّژ gV چ£e>ہ؛êMl¸'?،;_ء»ّSژہ59ُ ƒ~;2v©ïtFمِنZ[ط'َ_لف؟meأùAئط°ٍ~_رz 9êے*dچ¼†_s}-] , R.»°_àعع€itblBRح_½[اœر_ –I_مˆ1-ہ¦مtX$–_[ض_d¼َ±ہثPVV£×'_: _â=إôع —ظحnةز ... ¥_ژط9GTزùSèî_‰0ذ وcn2Y€R ... Qëadضj~ظS€K_p،´f_سw%zکكL/@_èH_'96@ب×B_|E:_u•؟‡ôiژ)بïًŒ5o–——Cèنq•»7 ... صèى_üqيچْœo ں6 سكڑ7¹vM6_ 7’:ل4xبهr[ٹ^p³Nہdl_RBم
¹©—u¢Lى†«w{Zçئك «ً%Oم_قه_7ن_vق_dë/ ... o_دbـ «فQ¨هک‡/Y^ #ھ_p½oقaüِ F_Z_Œê¸„s_œم _eé÷ûq_#_Y²[\`_Aئ_† ـ ·™ ZIHّ°FSe’h‡0 < PُگahâïS¹T™«ب8ظُ_‡2@YT`Jل œِژ_حçp]ٌْE_Œ_هWشI,bYnz÷e_ى a {‚(•X_—~__,ٹ,Fأ±Tâثئ²’_„ëaاà:uص8ا:#» ... ہ؟f¢MA<گVoB__–®_¶_R _ئرûH_ZDB_پة_„ ... nˆ(E؟+|d _~ہqt„_‘7±hع£g$ّ$07îن ;ژ_l³ًOS I¸$a5+l¨w`2t_wہbCذ__vحک@¦ŒسWC8©_ %,ح_!وaع_è%W _ôàژُ³z->"ꈱ-8ي:vع__\ƒzVàأ«_ز|zœں:عَ.ˆl_ٍAM?»°ـc‰___ں_ )ه_°ifک½ىàBGW جiï×&ئ_–z0–âf*”\ك_„
œٍي8هBي_¸$_Dگ_خ¦ د|
ڑ—"„ üس_· ™¦~ˆµإع _VZDeه ... ¾ _ّ\ا|خ4ہg”à-„”0_ûéH?_tt¹ï]¸آ±¨م¸¢è/J*’ْ_ىJoˆ6لyئ÷‚قà ق0_„ش)Qے"«°„إ hx¥D¦2üûêل"yـ„“ëpŒQہ،SS_ج[ نv_é‚Uq,t_نسëںûë}{ùن(6/5)
_eاة_گ'F¦ê–_ـ»”µ¼w‘Kإ—“(گه_ ] ... G¾نع£hمش)•حي*ôdاض)èO:¦G*2‚Mآو9ˆJا‡éx*ّ£FS\êƒ_ٌّµîLj“_´ز_e3 ~èB•1os[ë™إè„ئ£چü¨زàµَ _ ×_²© آ « C®فض ... _zd·ua5ا"_Arس\ہةC_o»°¢_ںژيj×ِA1_u_ج“! >¥ّق µ~خ _ذٌح>èآچ_³†_–ï ْ_$6Qث_)ï %
T_e_€_¼ّ_G–
@«_ح9أڑخض ~´´G>& 'ڑ”PŒ _µ-يq_-_فr_حt&ع²ظ_nCأ´v+²,è“ :\÷ëœ خٹ.kIک/£mr~—رSMGUVقvD?_ى{^hF‰ô^eِbï[*_دإj.ذ j†ك”4¥‡_”+<Kخض:oؤ¨رد–¢‰lbOMثْسèic';†|Pè<–d¾ہt¸±°_&f/+;4îظ¢²____Fي‚U m_([ًF¨œ¹¸u‡l،ن_?(]س_@c€(†خ/•éيج_Œھ=²ُ,;س: _تr ... _دè ... £_¶;جMµ-±L¾_5 _.“اى, œجزنc’4
j¾rî+_R½Z@ق-&³#
׉ژ¼oF-(Rï°ç™iE__ظث´زقI3
eر?`‚O
'صœêدkيz9«[Vھھ _l“‰I2!àfٍNح0 ... z-!¯2q«ل>8ّ@ê©ïocجـ MâRكه ؛\¹<9ٍUuê?îVه ½9Buبµ َ_D—¹¾آL ى_Iˆ__zٹuo€4ئœ9{T\S”Aj)_\‡ ‚زJ_کل#H'ن_[÷„:ُ”ùmpV·P ûô
Swشھ-_ZX/³صّlW!ˆ ... ضwuüن_Dk ‰¶.*_ً __²¸
O:9هµ_Y ... 6¸3 ¨5dگ_Nrm_³ج؟´ ôˆط( ^ہب_œGŒƒءùش±َ ... ؟ِj ،ٹ1#z_ق_àز1\Pq“ َمü؛ï_AQت‰لf ... _?™uV J :ذïؤIP’âbU)>o,گٍ«iAـ°#»__شظ±¦dmبôشIK8+oe_
iô(Etrمض™ˆ³[A _±ê»_„z_ؤھے1زل V==_²S±_شc?‚Eھ_^=—o_ٍ ... ¼3ي__¨ —ژbYرےùM(s_®’شسخ•FےJ_ًٌ vV_ùxîأêeٍةئ;L>_•_-ض’ِ/²غhً€¯œ0"a__ ... l¹” ¨ا غˆ)²_غ_`ِ²zع»î.طـ€گ5+®إ·_±دغr#±Lو_ؤ ...
ـ.°س_ ثذGـ_HخqC_ ...
iتر¸__ ©|ء_¯kَ_ٍhسًàگئ~_½âس¾ثؤنqKرTَùe^€UD\E·=%`¨w7&¥–!.ر [¶™س+ ّ‚ylG/¾L!dWüآإء+g_<?ٌB‘K ... @پح.`ùآ6لUm–M$_ت†( U_¢‚ D،,بة–Y|RaK9g_ا¾«_e يk5z“ ،ئگhژ ½}_•xwكEءوظVحQôع6™عaج،
kَبgع ... ص_
O@ #]XY€Sا¾m(êگکC€K)‰® ... # >eہا$QaçH€Q)0êب؛
0*
F„؛”.îٍGr Œ Feہ_سENFُ«zQû¹€•ِ.vDذل:ضل_ h_= »_|¼Iُ¦^7دhچ
{ % س<4ِeہ,îqي7_غّ}0«q=ىمَذرtْ Cغ>ہX~ت¯ُجd*ٌإ j5s»‘ٍ—9 ے_فأuF ف؛.ثa_Xء±ئىًإ¹ْR؛دہ²u_‚ط_ُ پmûVƒ_³>´_n_8C_¨
T¹_ û*7 @_uT¦‚¼âيç _ ... 4YzwTص ھ3ف¼I¢ـ_ْ@?پ~8گُR__:;ô ژhw__Kà„h©;ہ
:آ´ء1Bشًذ‚چ@I¥PRز ... Z}èfپ_:Cذ³}س³e_،+ ،3_+ب»
Fsü؛_B¨_^_4nے`D__|_d CGA£َ_>دج^إس_ي_r__¯ـ±zهذ(6/6)
_üqإ!”هx.)G_ڑWg__Qٍ _¦j±_7 _M:' ... k_@œپژ_ ©zƒ¨•چµ'y¦ ±O_éپد غ‡Fl_(î_¢ض¸& و-N@7”ش_<L«‡JûُF^\RüX9uê”{—قيس„ôِ èï
ًهzad~h"„__/_¸ز_'™¾Y½]½2ٌV†\#O_T3ےؤٹ‚ ... üےزط×sSدdن_ پ ہج‚±م ±“کO÷ l¼ƒچ
ر ... __كà_«g{fà__
ژ_ے U1=Pn¶U“Iدƒ!ê Œ,+V)__ _ںَچد)گP×çV#(بô¸"گٍإ_ح üگF¶LYص_è·¨خ¨t«q_à_êK‰}V’*آbص3ط¯ئLڑغ?آW–uگہ–_غ`ژbتقا_ؤRـL_yˆ}ْىظ«دzS¦Fïh_#÷9غ،„8 è_K¥³ُ[ع_ض¹3~صڑِ_6°îؤfاtgGt2f?ûڑ·êCRص®VG' ü ه_G¦¾¹)“±5 ... ®µRىعy ë³ •© ¸÷غ‘±K}g.$W®èèد–kE3ً\ھ!Kغ_ت[جإءپپ+çü an‰|<Y¶O©ذ:g___tç
lWë
Aˆ2bu ن.fîjgkٍ(ëھ
« ؛کسJ²فq_صE“ڑé\/___ ?bى
گê4û‚ ف(لrٍ®é¼
(
ه_%كش=)مHïچ@A _JhYتî،ةy _ïèFر:إ»ƒنٌ/$aR'ضهpصa_†(_+_ŒX êbھخ$1k4عژ. ... VŒP
tھ'
^ـ_¦X¶q_û9_²ٹ·دç_"3u؟`
µY>_ ‘™û_, ڑ__ْQX_¸©T qHً$ہ¦_»z_¸p_€ظk¯َ ٍ B¥@بêج‚鉗CYaIجم`C{h=·__ظ ‡T_قV_o#P³jz0”_8œw_N¦جïئه~أ’ù¥Hہ1¦#_lµ ژq‡F;°ٌہ„Xک;iَچقڑ8Nة6]اض“Uا–,E¯ ... ¶إ °îê؟ےEپ·ضCَ
àw)»ض8’î]_ë ... طc» (بء)ؤ ں_W%أ™ش{ءy ¸v ±ëج‚<–hŒ¼ارoخê
¼ص?ح_NذIتذI€Œْم¼خ¯ؤ ... °)_6ٍ$صغح_گ¨ï’×_"ث G–“JC¼ْ :¾éَh êD@^†jظً_ن6
_®
ç,b¸\n H€M)°ix“ٹp·R ¹آ_p_ؤ\"چ!>B¢»Dئmٹsg ءqذةظ1jْ²ّaپ‰>_hQظçٹx¶Olں_E´K0wJ}k³ک´OٹïGO °–«Tق&^
ش[¾-“½BïM;êc _ب™قâ_„قœ_ؤ„ھgZîVآ1£êى_û'H<r´، ^تœ¶_·|z$$cj;ےH´kƒاٌrقmاc¸‚b{£_Zوw_ˆw'_3¨ةں Fkھ ~ 32 —ٍ___ٹˆ·_O\ف!_ل]ٍ_"$ک• r3”چUK†=O}Zàhep4ô_ص ... آر¢اµںRZpKإ_ں2à_Iâ_]ہG¾ِ_p ... _اGبXعHp’ùhغ`ُ?@_PBé_‚´ٌ-_€ f_ _\چ ہا_? توœ_KضH—ِث•_ Q_oY:رn ... urf-k7¢أ3_=¢¦>>I÷گٍ
×™ wص rzN¾-×h€qwٌnm"!p£‘êƒ+Œ‘q ،oة‡تd-9(ï|œàê
®.ر×ô ف#fںا’‡dٌ,ë={ؤ« ... رْژ£ُ¸÷__p."آ :¾‰j$ˆه!!Uٹکي> ... ê¥O0²¥پ «‰LNƒS_-²ْ¾D4‡ـ+±V،yOç=:ùœک$LضOâ7ù__‘yçSFS_¦ُI,ذ7_h'c.„8™ éثRë`غkppّ__$Eâگ®پء؟\ٹ ظظؤب $ë__•{_D€Q_0_2:^_Jٹ~%_gz
PٍOWگ~ھ£n àE3خ_’4 “Lب،_1-ةد)#تZر_يخ7يخ¹ _\¼ƒ
_6ز_ذçV t¼ƒNRِ—ت ے¨Nاٌر^ R¾A*طH]°&ژ%H! µBµ
Cّ^(ŒٍOûvyRوGإ>
_ٍ BذچZ„ط ... ,XIE نKذ";_Kتء(6/7)
خ ... èïê_لJOXک2_ق( @ِ ¥2رoت °† ٍµ £;‘m کئ/ITأت[Z‚!ـ–ql î_ ¥•$csڑA}8 ... Iب* ¨†ج_fd)_”ل<çث¢<oJ‡8´×$I_z4'%آVA^أ®تwـغu>_ôDo8lE_حہطO^h_ê' 5ژ"ˆ¯غ_ط¾< ... هت`ے•ثç i⯔’نک_mث>ي @ٹس_ّ؛MM_Y%ر+·i[µe+ھ âِآ ؟ة¶ھJٹ½¹o _lِCk—ک$r¦=lأڑü„‘xسZKقsv²µ%|[Kحlڑ(_¶ض_ّڑ?xhRBو~v¶_ ’_؛°ڑcرإà³_G_؛°¶_©خسG:زڑ Œتˆ, ٌهث)O5__• ،N´و_Bقkح*C×!س
hIغ|P#½X/Œ^£2-ëg4Kiرُ< %ف¸UEï1}_UµI_}ث ê•ègT÷lU¹w4ذ±‘©éد«م׫“صëںچ|] d²:ٍچ‰ rGM-حî8/+`†¶ژ.#Z&پ4{ô×_Qٌرlw__ثب_H¾nQ‡M
_د©»¹ 2عI_T•‡÷_Ma ™ُd€)fë__ ×],F,¸uژkكaŒںج2qvJ
ô|-V أvيge°َ«_4HQ_َّذn èلاظx Aئطœu؛ Hذ³ _;ٍ&8ض;
q[ç Lru»”‰)÷_m;ّدٌgئ س¢G<أoـôœƒ*بة_ ¼â µ÷کK£أ__¸چ_iO©G—jt_ل™_~tضIئ3ت_†کt.ه=·ش¶£ ²_—فQئ³¥_`êƒ-ٍn G/ؤ_Tش2c@ق_²±ں"_à–zâ2_ùقة_Wg_©.ˆك rFو!N
O üLs_oگ«p _ٹ,!QF
u«¹<~}dىîش!‡°^<;08pV7Mك ق®^™_ _ژ3ًدش/ےéوبُ꥾Oژâ´V±_x%*„tùط™_ Œ2nr ~¢fQغH,X‰ZSµ°_ة%kا,?²ة tM¦ôّ_³¹uQ”bءo!†z|7 ”^5yـA¥×©-ê=Fٍ،´ِ%Œ6+m•P~ ... Q-تV³_nRى6`û[µإ",__آ{'’__`´
Lb 8C$1ژ_خم_™.YQ$ظàـنTھ،_
`k+إ–©h_– ... Eً²uY‡h) ‰آل6ظV_”¥ذba¨ءxfج_¼__~¥ ه}م+رCک}Sàك_)_
_ش-س¦"ؤز _lF ‚½8 ش‰ûˆX¾Cç_r:îة¨ں3m-ئ†N_JîOfg®ح:µ(TB—çگ؛خ[_&®
Tاh_w_¾Jن<ثد#¶gد]èï÷'، عجmO0ô†·)wçث\ث{ا_ًق،Fبلç\7rظq*رغ±€\bم_)>„ignلfVم+’؟oˆلTKç—_C–Q>écc مhف__4÷$Uˆ_ ... g$8p_ëآS]ˆ5T
s KA¾‘ْو|ہؤ‘d،ى ... _مq]±-آ'z^_œaسpئG[ٍ “ٍç$³ùâë?4‚1Fc_0_ى+6ى_زŒîطfض5 ... s¹ُز÷ّJ[ è–ث و+sُ4g×™HgGذ@ج.Zr ëYsژأHظٌu_ق7 ’و_xô""Fo(_‡فXjى., ... îX3Am_ں‚ثچN]êَؤر.__Œ؛__ق_nوکh_ٌx3_Fة ³(UCآb v ڑ!ںï
2_ ... ROuu¢£P~²ط&aFl_دXة!ü\J ¶ن„Œ{ô Xb´2uë_ج9ض´ڑض %Xغra_d•ذ’ك†O^–¥`¦/0_ ذ5إl”àCدI‚”÷زڑ ... ×ï% 7´b04O`\¾6ّiے_olؤl·¶t10üïqX_T‡سFٹ×'©ه1½ص·O£=8}¹ےـصïپم>b;"K)YRQqvˆëؤ‡ٹ¸£<unر Kƒqé÷âP8خùء9خwb$ak__ ءi¢’_Xخ†صBؤْs ِ”¹s_ھ_ç_خ†*s__ٹمpô×طzh°a_LَK!âe´__9kë~)Dو
ٌh—‘~
Tَ+NH/€ـûظظj<J°ï_طش»Q´TXG_w€’weقOط_™]C_ً؟___(ùWœ:(6/8)
”ذ,AG”aé_:ٍچژPبگBپz¼lêo6¾ن_
ٌ^!]،”Xp–
I_·y_Y_ق
¼×ëVü€=ً$a_وnu_&^_\_ µ/حو€¢_usہـçط_)÷ˆ¼ف;5K:J
_rîq O‰؛V_´ط.u€ںAِز~²-)»%ص«
z_ذb;._إ%(
c_»ّH__ظë ى ... ~¢_k#ہب;_حv$_)Pگ ِ_-\ _تoW_dP)^.d_®]µھ _بد#‘[%_ضzگ@¾I è<n_O$u ùي½_—+ ... ث=7
™4_dQn ¶_B>Yé3âخ-½ض\èR ... چ__Jm¦jŒô_,
}9•ا!¼Kّف'µپEنحظ3کd_ O :•Dڑكب ¢(*)_ہ†ن F”ژï{
ب‚‡
³rأ² ÷بnOôôh__
چ ... ’چü_¥_؛__ر¦
ً®َaC ]؛ˆگZڑك1®³½ث0م¯ ç?u‰ّnhê__]كژŒ]ê;s!¹rE9;-×ع_¦ےد wدƒ_8¨0)®R²ّْ–\X_ً~_ژ U_ ،E « lù¢µ%ْ_وmآàہàإَ '_X_G¹
×£Gُ àثsگR9d`گ.$ _CAف`7 $iH–yOç·¹K¥yO+تaٹ«_Z ¨‘ٌ©qطh¶yغ K#¹s.ثٹoê•Ck_ث±â >ˆِک‡چHخ©ـ“68 S|è%€Q ؟‘ى{_؟euY^ھ¸)شة ë6Œ_+ص؛ڑHœ%رô–__‘ـ`#_MKK°پہ_M0¹ضX¯__–ہï$[€1´__ Aضٍآ6بZغ_}ثOj£îٌؤL_×´kêR /ذJى=ت_¸oٌAc<ةط•،ٹف†´àحO£=_4¢_l,û0ن¦«ٹ_Fs¯عض_h_ùk™êRM9`ىRغ=ê#ؤDvج I ²_=ˆ6m‰چحx، ... °d†صئ&ہزttص2L`“ْ‘;ٌ:
ءàƒةىx،fe5%ق1؟'\aUZ6E ... v;X$<Hکَ:™ wIض_¨ط]طô² KK™18گïض€CDî }-ص´TSb×IحMf.±ث8¶دڑ.[]__œ Q-£[ ... »U÷_©lçىلوg_|aظ¯´بع ؛S<َء=_
إXئü_ےً‡\Fم _°قَl_0__×a7_ ... !çs!_ïر ٌ³رC_Yکnzœ__üط Uچ ¸MOgu_ _î&´qêTRE ¼S0آ/*bکw -د+EO¹èل—_تéï5ج_ذxئ-غ_SBگ ٍإ±_G|P_ 'ِ_خ`PZ× sEg,خ پŒl>!W´ëzx/ْ ¶] حMتح œ‡³¶؛ع¶´m5 ث/؟َ
7 èً–^_”گ_ OâFp تCˆ<è^__¸0ّ‰çٹڑu÷S ءM_ض°~Q2ھ™OIJ¹$nS_ذـœـu_'ùM_#iچ/ءمڑ“>غ_¥îZآ
__JہءzOم(¥tn¨’[½ ïiGit_ص_\<{لٍ¹¶ئ/_چŒ~َُنؤفٌëmح_.ô'_Nع¼™ْ،ˆةأêmل¦bض÷]ىا$~mQE;°_cG¨}زD_y€ٍپڑه~q_+0ڑXظ^ ¹[aîp~گ?_'r–ذ Tصج_t–ـ ... ´خkT-‡_”:ك d ت_<«#ْJ9ê2< ]™ زéˆWs<pظھ©صہ
ڑ_ءI_چ5_ء ¨|يˆW_`صq2_ü7_è_pٍ2لnك(Iév;ذز!ل°.pً@K س’Nm2ةثp2^پ_Œف5ّف*¦AگD %ج¨\"è ... jAî،® ز_‚üٌ_FXث$شٹس_=غ»T_¼ھœ_.«èEm_ںإü_فƒ_—²أ اruPz__ح
JطB_
ذ’OI3´ (àپKu²(6/9)
ƒأ4" ھ5_ےTW<<أè™*tہ_R_‡‚ ھZù牻7n©_ùqù پچس9_-¥ ü¸_~ŒFسI)u€R_P’7ھh)u€P)_*TJ_`S_lذ؛h—&I„o÷گRê_،2 $ك_–ہ!إؤ 6eہئü؛ ... ‰ Œت€Qتwˆ 7طC¾ùàojµrh1q R(¨`1q€N_ذ1¯nءbâ_،2 ”’@!zهcôھp1q ،2h(ê ک8†گ?q‘< ... َ_Zè(كZ5£ïZ5ْaقd=غظ ²X‰#Yٍ =_Aw”زMy_ظ ُC¥_u‚و °>lتڑO
_‘¨*O„a—_ëµyُê7—b m‘ٹےDq+صأ[q_GCگذOشإ
ً’BaٍَUQج_âZqص?êص
لJ‘u–1‘3;دDظêV×dwéى JظXR£ضI_‰*lهں{_ل،رf،عة=ه¸«Y4î_صxï؛ ... ھط‘A ّMµvغر®hKة ¶I ij”%ؤظً؛Q•O¶¸–P]£*ز ،îڑ·RîءNٌ‘gّثزTP©ئçD_r Tk©<ي¢ïˆVï$A(%،O¸ىصêچ‘»cسي؟|¦KM¥?w>شXے>ت`V =Z_ں®N؛²‚I÷منµ‰ _=بH<|G¢زٍâ÷ْآ‘²é&†¾!Z´_قيپ_d_ھ²Wyںآ Wv؛U#R«“z ‚cTة» ںپ vV_شPQq¯!)÷4_w·°ِ¨µç_Q$e±F__û_b_تè½_ِّU”ت V·ا´¨ëv÷5
=¢-^ءU³‡_ظک¨: Pم+ †m_¶©×8R ~³ك[X__´l9$9Aك|\mb،_مêںnف¾3V|21v½ٍ îNW يî´Cىضْ†î!l²O–u „إ-³ûے____ےے\QQNأ0
½J•
گ[W&:‰ط_¢b'èع چش-UêRء÷__ي ًƒ_ںـ$¹±ث`B‘,û9ïإ~iہ»i€yي¸گ_ˆXZ³“ةY;NU©´Cï’2b£+<]£~8 ً€جêےک†زةœ´c_k”ƒ‰}6¯vkقيخ|xvëخ“g>حGً_F»³/ِرىح ™ذٌ)V¨Q_bœI×2»چ_ç،ï‡ء_‡'(ض_^ِ‡_أَ ¸p$؛:_ُgS†:U¾ہ_عˆُz<ہ ... ثƒذےY¨ت¯_|_Tهًء€“کج
ش
9•K_ ض يR ژ؛ ... H2ل¦_ٌ_¹+¥à¨ج_ ’ےZچ صU’ٹژB?°”™Oؤy9'_U™JçZfژPتچˆ%Onx? -çZg_™¶Tظ=%ژز إ_&ك___ےے _PK _________!_–_v]___Q_______word/theme/theme1.xmlىYOo_E_؟#ٌ_F{oc'v_Guھط± ... ´i£ط-êq¼;ق fvg53Nê_jإ ... ... ... Q__*qC_ •Z‰Kù ه_(‚"ُ+ًffw½_¯IعFPA}Hvg~َ ؟7of/^؛_3t@„O<i{َُ5_‘ؤç Mآ¶w}ط?·و!©p_`ئ_زِ¦Dz—6ق~ë"^W_‰ ... ‚ُ‰\اm/R*]_Z’>
cy$پ¹1_1Vً*آ¥@àC _³¥هZmu)ئ4ٌP‚c ûنلد >ù_]_ ©O¼چœz DI=à31ذ´I¶O„ِë_!²ث_:ہ ي £€ ةmه!†¥‚‰¶W3?oiمâ_^د_1µ`mi]كü²uظ‚` ظً_ل¨`Zï7Z_¶
ْ_ہش<®×ëu{ُ‚ `ك_M,eڑچ Z½“س,پىم<يnYk¸ّ_ •9™[ظتd±Dب>6وًkµصئو²ƒ7 oخل_ حnwصء_گإ¯خلû_Z«_o@_£ة _Z;´كد¨_گ1gغ•ً5€¯ص2ّ(6/10)
_رPD—f1و‰Z_k1¾إE __ب°¢ ... Rس”Œ±_aـإٌHP _àu‚K3vب—sCڑ_’¾ ©j{ï¥_RbFïùمï?~ˆژî<:؛َمرف»Gw~°„œUغ8 ... ث«} ةں÷?@ <üêظ½دھٌ²Œےُû ~ùéسj OدLœں?ّيرƒ_|üû·÷*à_ تً!چ‰DWة!عم1(f âJNFâإV
#Lث+6“Pâ_k._ô{*rذWکeقqنè_ׂ7_” *à;“[ژہƒHL_à|9ٹ_à ç أE¥_.k^%3_'IXح\Lت¸=Œ_ھxwqâّ·7I،nوaé(قچˆ#و.أ‰آ!IˆBzژï_R،فMJ_»îP_pةا
فO¨ƒi¥I†tنDسlر6چء/س* ءكژmvn gUZo‘ _ ... YپY ... ًCآ_3¾ƒ'
اU$‡8feƒ_ء*ھ_r0_~_ד
<__ئQ/ RV¹&@ك’س/c¨X•nكaسطE
E÷«h^ءœ—‘[|؟_ل8آ h_•±ïت}_QŒv¹ھ‚ïp7Cô;ّ '
ف}ƒ_اف'Wƒë4tDڑ_ˆ™_يK(صN_ژiٍwهکQ¨ا6_خ®_C |ْه ٹبz]
ٌ&ىIU™°} ü.آ_/؛]._ْْ×ـ-<Iv ... „ùüئَ¦ن¾)¹ق ¾ن.تçس_عYm ... ²«û_غ__9^ط! )c 5eنٹ4M²„}"èأ ^gژ‡O81¥_<fuفء ... _5Hpُ>Uر آ)4طuO_ ... eF:”(ه_ vf¸’¶ئC“®ى±°©_
¶ H vx`‡Wôp~.(بکف&4‡دœرٹ&pZf+_2¢ ِث0«k،NحnD3¥خلV¨
>œW_
kB ‚ m +¯آ ]³†ƒ ... f$ذv·{oî_م ... ³t‘Œp@2 i½ç}T7Nتcإـ_@ىTّH ٍN°Z‰[K“}_nqR™]c »ـ{¯â¥<‚g^زy{,_YRNN– أ¶×j.7=نم´يچلL
q
^—؛çأ,„!_ ... _ِ'&³ةٍ™7[¹bn_شلڑآع}Na OBھ-,#__f*
–hNV ه&کُ _°‘ _R A0ükR€_]×’ٌکّھىىزˆ¶ }حJ)ں("_QpˆFl"ِ0¸_‡*è_P ... W_¦"è_¸Gسض6Snqخ’®|{epv_³4آY¹ص)ڑg² ... <.d0o%ٌ@·Jظچr/®ٹIù3R¥_ئے3Uô~_7_+پِ€_÷¸_# ¯m
_q¨BiD ¾€ئءش ˆ_¸ ... i_*¸M6ے_9ذےmخY_&لہِhˆ_ ... HE‚گ](K&ْN Vدِ.K’e„LD•ؤ•©_{D __ê_¸ھ÷v_E_ê¦ڑdeہàژاںûذ(شMN9كœ_Rى½6_ éخا&3(هضaسذنِ/D طUيz³<ك{ثٹè‰Yصب³_ک•¶‚V–ِ/)آ
nµ¶bحi¼ـج ... /خk
ƒEC”آ}_ز `ے£آgِث„قP‡|_j+‚_ڑ_„Dُ9غx ] يà__';hƒI“²¦حZ'mµ|³>مN·à{جطZ²سّû_چ]4g.;'_دزط™ ... _[غ± ... ¦_د OQ__ç__م_َM«üص‰ nپ£·à~ آ”4ء_ك”_†ضs`ٍ_’كr4K7 ___ےے _PK _________!_z¸ٍِT __5_______word/settings.xmlœUغnم6_}/ذ _ôîX_K²صU_‰l·[$mQي~_%ر6_ق@زvـ¯ïP_WIث._}_yخج!9_ }ّّتhpءJ_ء«0¾آ_َNô„ «ًثç b__ع ق#*8®آ_ضلاû ّp-56_آt__\—¢
دٹ—؛;a†ô‚‘N ... - fر ... Vٹأپtxْ„S†ھآ“1²\.O;!1_µƒP
_}'شq9fnEwfکe_EùRaٹ
lXںˆشNچ _5XêنD.ك:ؤ ... Q_wچ£oENا½
ص حّيظ_©D‡µ†ت2: —!آ Œ¦ك£3ضَ‰´
©غ_‘{¸¶؟„`ءµ”XuPP¸َ((6/11)
—–€ ... إ،1ب` µؤ” MذQŒّ_رم :Sَ_µچ__¢._¶S$“@wB
u_«F¢ rkءچ_شإُâ7ajءO‚مچ‚ذ__™auèہ^غmطءںB_—_Eغ<تâفکaظ™‰W«m¼ٍ2_Q¶فّکd[OqêcVi¼{ج|Lوآ“_Y×ة÷E´yً©_´Xû™:فùصضi’o÷>µuڑ®َG/“_Iيg6y½ٍ³تض®!ق×z“iيخأ>كEµo_ ëd“xo®خ£ْ،ًهü÷mï’lyë¶د قْشِEœ%±e–ckA ±ز>ù?”_ي،O 66sچX«_
)@_+[ٍُH¸م[
و„ك2ح¹uنb1_ڑ!J÷ً__ ~02=رr_ƒ0}Fê8+_ ˆ•تآثûُ«ڑ}·X ؤYژھW ... ن'ق ى_„‡1é_n_s¸>·چثâào¨3ï ؟(+¸œ
t-ط9¶_zBüè^ و/M_³–ôO
‘Z4س½tT5ِ_€ں‘”à 6و_W!%ا“‰mٹپY شث0i ةؤ% _3ث_شظƒBô4° م_¢¦ءŒ¥ Kglه°صŒe ثf,wXn±س¼_¼ï_œض-~_”ٹ+î q`_
²ه َ<!‰لڑYB؟‰_کـS_—_؟‚ٌâ_ّ¹Jز3ôZ ... iT
N6ESt_gَ.ض*ظ`ù zd_طّpsï’‡ےا^®e ;_ ظـX;{َف¸qJ´i°__7Bء‘_ ےiPے÷÷ __ےے _PK _________!_E cةn___n
______word/fontTable.xmlـ–يn0_†ےOع=X ؟b_Mس¨OJڑeز¦uز–]€CL°_6أ&,w؟c
ù*hAj4©F"ة{àطyü غ_ ز_mY®¸_ vo_FL„rحإ&ہ?—_#Œ”¦bM_)X€wLلاةûw_ه8’B+_ï
5خ _k چ_G ... 1K©؛‘___d?َچ#£ˆ‡l.أ"eB; !C'g ... صذ·ٹy¦p ¼$[)َu–ثگ)_ƒM_/¥\àI=:Tژ_MaشO4ل«œWپŒ
©ک
±-M_L<² ·p7—O_وژ_“!Œi®کق?H _ر”'»FU%Wت_2®أ¸ر·4çt•0_R| پBH€_ڑ÷qپâ_ط7_¹صٹ_ƒھ[
N•°تc ¹¯ٍ€_yِoءً_;?/HLaXI_‡___ K¢¢qU 0 ؤژî _Fےْہ <Xرëوà.zrXٍ”)ôجJô]¦شZو¥3< 2_wّ•C_½œ‘Wy+']èŒےKdخB¹ـe
-م")tـa_·qYَظj’™gهسb، ... –V؟گˆé ¨¸_ ى{µژ8x__® x_fر<س£V>Mر4+¦~_ _ا-qد¯V_نُp____حlشت ... 8ژ
يr_{ƒ<Sُ«غ f5;j<ق„=¾J!µ)ک/²ˆع÷–# ح׫ًٍî ³r_جح|
üلح:سx¨{Iي_.وگP¨ضBٌ LخعUA@_g êق @œ*¯_â_O³„،™Lضès،ر·BwBٌO× ·
ه‰¦p_£_ ج_k7Z³لِ;‚ُكhغ `„ّ×9‚صg15ù
__ےے _PK _________!_(‡q¥د___ ______word/webSettings.xmlŒ ثN 1(6/12)
E÷Hüأ({ڑپE ... F ©„PظP¨ؤcںf<‰_ظپذ~=و±aاٍعWاا«ُGٹح;°_آق\.Zس_z_ zٍَ¼¹¸6چ_‡£„ذ#ˆY_çg«عUط?A)ع”F)(_÷f.%wضٹں!9YP_شفDœ\رب_Kس_<ـ’ K€إ^µيز2DWش@وگإüزê h•xجL DT$إ ^r ح ژ”KHل__â_¦*ہِk ÷ژ ّ؛½ےN.Fھ»‡;ِد[أ'___ےے _PK _________!_#_¦ ْ __ë _____ docProps/app.xml ¢_ ( _ ________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________œSAnغ0_¼_è _فcع†aطئڑAل´ب،mŒZNخ,µ²‰J$A2Bـs_ô'}C~_ے¦K+vè¶ê4»;XچfGpùذشYخ+£çù ×د3شز”Joوù؛ّp1ة3 „.Em4خَ_ْü’؟} Kg,؛ ذg´Bûy¾ءخ_َrچً=_kڑTئ5"Pé6جT•’xeن}ƒ:°a؟?fّ_P—X^طسآ¼غ8kأے.-چŒْüm±³$کCپچE@ 9ت©پ _Pک êB5ب‡£)N%,إ_= _ë_ـ_WR=ٹ´ أb+œگپüم“ل¸_,iہ;kk%E kù'% ٌ¦
ظحء„,._–R€ŒY،¼w*ى8JKّ¨4i_O€uˆؤ9±qآnI_éIJXIQم‚¾ںW¢ِ_ىµ ×(âm—B‘dhأ E_Œث¼ْN×_وظWل1؛6د[ل”ذپـ´®8àعْàَّ¯ ç م '،G`Dê__کٍS FرPâ_8'ئf'†_ç2
_jô7_}dّ‡êAھْ ،سœبIàé_ l]کئ
½مëصû/tا—*_ےح¯ma®b|^
=o&)¸Sa»²Bز¦مéY ’_ (6Xزپ
__pMو»:¾•²O7X 9 _bآn» —_†½>=‡H_{_سOإ __ےے _PK _________!_5
3„z __ك______ docProps/core.xml ¢_ ( _ ________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________Œ’ثNأ0_E÷HüCن}â$-PEI*ٌèٹJ_Rپط_{عڑ&ژe»Mَ÷8 ¦چ`ءخ3sçxوعٌüXنخ ”و¥HPàùب AKئإ&A«lلخگ£_Œن¥€_ص ر<½¾ٹ©Œh©àE•_”ل _K_:¢2A[cd„±¦[(ˆِ Bطâ؛T_16T_, ... ف‘àذ÷oq †0b_n€®_ˆ¨G2: ه^ه-€Q(6/13)
9_ Œئپ_à³ض€*ôںmهBYpSK»S?î%ر®8¨ ڑ_آھھ¼jزژaç_ًاٍù]صه¢ٌٹ_JcF#أM iŒدG{زû¯o ¦K_پ-P_ؤ”*]½=½¶=Dcُ êھTLغ¶Qdû_hھ¸4ِ ;è(aص9رfi_tحپف×=ےw¾¹Fءپ7?! ¶÷
،ف¦5¯__کcيˆ:َN•÷ةأc¶@©uنخB7œfA_فL"كےlض_ُ7ِt‰¢ ى?ؤY_ْQ_Œ‰'@çجّK¦?___ےے _PK _________!_Œ†°S___½9______word/styles.xml´كsس8_اكoو _ ك!؟ پ پé_zt¦p ... ´sدٹش__+g)´ه¯?ie«®_ا»µy¢qO ´«ï؛Eûîأ 6~ٍ\ ... ™-أةثq_ً,’±بn—لحُù7a 4ثb–تŒ/أ_®آ_ïےüمفف‰ز_)Wپ1گ©“|_&ZïNF#_%|ثشK¹م™ùn#َ-سوc~;’چˆّG_ي·<س£éx< ه<eعہU"v*, فa فة<قه2âJ_o·©³·e"
ك_÷b_}ن_¶Oµ² َ«¼ّX|‚ خe¦UpwآT$ؤ2<c©Xç"4O8SْT ... نarڑ©أ"µ
Osءزpd¦,»5“ ²t_ٍىإحê©)ےh-bc‡ه/Vvâ_ü+ےّ¹َ^»QµE™3_¹rپ0KوK_ àٌJ/–، ... &<¼¹¸ت ... ج ... ~X†oك__W|+>8و6îهہ,_1ے7لظچâٌمَoç_إآb$÷™^†سù_6:Uٌûˆïl_/c[ƒ j'Oض ھpہ،½xôئ=¨Qلل %rRىى!Jآ™حش_ü?
‚Uï{ƒ¦vEص_€]’¯³ &^ُ7ٌ؛؟‰y _ &Œ>ُچˆثچJVâƒھeن’¯ڑ_³·GRضخhdQçŒFزtخhنHçŒFJtخhd@çŒFہ;g4âغ9£_خ£3"_آUد¢_ى_ê`_
;ے¨_MzJ]Q_‚+–³غœي’ہض®؛غاؤrµ_kœ« د_ث•خevغ¹#Sw
ةں¶»„)a^_:¶~عsë¯ظ:هءك¹ˆ;Q¯]ٍ5ضن^ •°«”E<‘iجَàڑك»ˆ_و •ءjا"S_; ë_ضKqè`•@ةي„ح[6½}'œ K،`_ژ ¦yثR؛Œ£b8oةثvم_x,ِغrk_o#sç„0×_àâٌ-zeCش<ؤ «° ہ,ء•
ْ_ہ>آ W\èِmŒ1 »RôLû_ے]لz¦}ب مٌ%+حG–ے_PاkA>»g2•ùfں–g S _ن_ى_¸%گ_±· _‰_ù_?‘دà4ٹجonک<%اâQG ... _r8__ _~-ن شdoBX_9@5ض”ہêµ__Yt؟َںآ m‡Z
@¥ »fçqµى€)A¨wèo{©»ك،-ڑ‡¥\dود%ٹ_8ع هنaiE>¹zGˆq؟آG_ُ«€_P؟RH_µنGû; ¯‰xHےâH`‘eظW1H;´2/بتىA´_0PفD¼ µœقِ\hضM_ ... _ fفDPبر©ص2_7_ ءê&‚صR5عcTصTت¢بu³
ٍo_ˆ_#ق_ذ0âچ_#ق_P ٌî†
'ق__Y_¼¦Vإ_ ‚!”_ُ=¨*ق__Y_œع_ 3*ë X9 ثي_âچ گ ش_o_ ... _ ٌF°`_%_j,/u_ض0âچ_#ق_ذ0âچ_#ق_ذ0âچ_ُ_ïnبpâچ`‘µءkjU¼_ ²<xPU¼_ _Bر†ƒâ ·7‚B PS¼__rtj‚ê_R_,r€j,/ق__
،$Cء‚ن¦,j_ٌF h_ٌF€†_o_h_ٌF€ْw7d8ٌF°بعà5µ*ق__Y <¨*ق__Y_ ٹ7_ئك.ق_(6/14)
9@MٌFPبر© ... ھ×9__ _ث7‚_ùز[¼_ _ٍ\_eEأˆ7bEأˆ7_4Œx#@ إ»_2œx#XdmًڑZ_o_ˆ,_ T_o_ˆ _إ_خبo_o_ ... _ ¦x#(نèش_ص7‚E Pچه¥ ء_F¼_ Hجقâچ_ءگg€à_Qآ4Œx#V4Œx#@ إ»_2œx#XdmًڑZ_o_ˆ,_ T_o_ˆ ِ¹/ٹ¾:iI_ى=ƒٍV _8m ... __X,ً;كًـ4
ٌîغ!=په
... ؤ–ôہ.ٌ/) _¸ف³–_A£ؤ:__®t?ہ- J#آlqO“àْں³à³k€iجƒ”zzَئô_Uغ ... l·_tp_?ُأخ´ىىتهضڑi%²SE
_
¼0A
:~l _ ]NE£_ü—m „ںMGY\ژ_ د_“×&يà_سسdل¶_
>+w}ظ
f_حM#™é
³.Oآ6œM_pFي‡ïûش<`{-!³آ’iي‚صü*yوf¹³üëج6wپںîY¥ر
ضشـ ... (1غ__?ژيآ¸±-×َءچاقگز™b' _وـ¸'—Eف_[¼شِJْ1_'_] _¸جî¶é—i s_ç{¶ ;وouء×z ؛_ک .2_uس؟_!t‰_ك3gض| ئسô
ƒxi¹k ڑٍچvكNئPچk¦ضRk¹mںںأeuًنگ “_UgـG»_َSث–gûيڑçإ=û¶م1=°يîخغH ¶چçگ–ط_ ô«üI½ے __ےے _PK _-_________!_فü•7f __ _____________________[Content_Types].xmlPK _-_________!_ ‘_·َ___N___
_____________ں ___rels/.relsPK _-_________!_ضd³Qْ___1 ________________أ___word/_rels/document.xml.relsPK _-_________!_T¥¨²{1__.*________________ے___word/document.xmlPK _-_________!_–_v]___Q_________________©:__word/theme/theme1.xmlPK _-_________!_z¸ٍِT __5_________________zA__word/settings.xmlPK _-_________!_E cةn___n
________________ D__word/fontTable.xmlPK _-_________!_(‡q¥د___ ________________G__word/webSettings.xmlPK _-_________!_#_¦ ْ __ë ________________œH__docProps/app.xmlPK _-_________!_5
3„z __ك_________________جK__docProps/core.xmlPK _-_________!_Œ†°S___½9________________}N__word/styles.xmlPK______
_
_ء___·U____(6/15)
لطائف المعارف/عالم الملائكة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أراد ما العباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلّغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته صلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله وأصحابه ...أما بعد،،،
أيها الإخوة المباركون والأخوات المباركات هذا لقاء متجدد من لقاءاتنا الموسومة بـ[لطائف المعارف] وعنوان حلقة هذا اللقاء: (عالم الملائكة) الله تبارك وتعالى خلق العقلاء ثلاثة أقسام: [الملائكة والجن والإنس] والملائكة خلق من خلق الله ليسوا بناتاً لله ولا أولادا ولا شركاء معه ولا أندادا قال الله جل وعلا: (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الملائكة أيها المباركين تناول الحديث عنهم و علاقتهم بنا من عدة أوجه : أولاً يجب أن تعلم أن الملائكة جند من جند الله لا يعلم عددهم إلا الله قال الله جل وعلا: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) مساكنهم السماء قال الله :( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا –أي أهل الأرض- فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ –أي أهل السماء) ثم ذكر عبادتهم وتسبيحهم لربهم جل وعلا، رؤساء الملائكة أربعة: [جبريل-وإسرافيل-وميكال-وملك الموت] وملك الموت لا يُعلم خبر صحيح في اسمه لكن اشتهر نقلاً عن بعض الإسرائيليات أنه [عزرائيل] ولا يبعد لكن يصعب إثبات ذلك لعدم وجود النقل الصحيح .(6/1)
أما جبريل: فهو سيد الملائكة فيما يظهر وقد أوكل الله جل وعلا له ما يتعلق بحياة القلوب فهو الذي ينزل بالوحي ولذلك لما عرضت خديجة رضي الله عنه وأرضاها نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأخذت بيده إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقص النبي عليه الصلاة والسلام على ورقة ما يراه أو ما رآه من الملك قال: (أبشر هذا الناموس الأكبر الذي يأتي موسى) والمعنى أن جبريل عليه السلام أوكل الله جل وعلا إليه إنزال الوحي على رسله فلهذا ينزل بالوحي ينزل بما فيه حياة القلوب ، ميكال ينزل بالقطر من السماء أوكل الله إليه أرزاق الناس بقطر السماء ، وأما إسرافيل فقد أوكل الله جل وعلا إليه النفخ في الصور ؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : (إن صاحب الصور قد أصغى أذنه وحنا جبهته ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ) قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: (قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل) إذا كان إسرافيل له النفخة العامة فإن الله أوكل إلى ملك الموت قبض الأرواح ملك الموت - عليه السلام - معه أعوان والله جل وعلا ذكره حيناً لوحده وذكره حيناً بأعوانه فقال في سورة(ألم تنزيل..(6/2)
السجدة) قال: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) فهذا ذكر لملك الموت لوحده ، وذُكر مع أعوانه في سورة الأنعام قال الله جل وعلا : (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) هؤلاء الأربعة هم رؤساء الملائكة ، جبريل - عليه السلام - ثبت أنه أول من يسمع وحي الله وفي هذا الخبر ما يُضفي على قلب المؤمن خشوعاً وإذعاناً لعظمة ربه جل جلاله قال - صلى الله عليه وسلم - كما عند جرير بسند صحيح من حديث النواس بن سمعان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة شديدة فإذا سمع بذلك أهل السماوات صُعقوا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيوحي الله إليه ما شاء ثم يمضي جبريل بذلك الأمر على كل سماء كلما مر على سماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟فيقول: قال الحق هو العلي الكبير) قال الله جل وعلا تصديقاً لهذا الخبر في سورة سبأ: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) وقد ثبت أو ذُكر كما ذكر المفسرون عند تفسير أو سبب نزول قول الله جل وعلا : (قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) أن طائفة من اليهود بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة قدموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم إنا سائلوك عن مسائل لا يعلمهن إلا نبي فسألوه فأجابهم فقالوا: بقيت واحدة إن وافقتنا فيها اتبعناك وإلا فارقناك فأخذ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - العهد والمواثيق أخذها عليهم أن يتابعوه فقالوا: من(6/3)
وليُّك من الملائكة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : (جبريل) قالوا هذا الذي ينزل بالحرب والقتال؟لو كان وليك من الملائكة ميكال الذي ينزل بالرحمة والقطر لاتبعناك فأنزل الله جل وعلا رداً عليهم: (قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) من عظماء الملائكة حملة العرش ، والعرش سرير ذو قوائم تحمله الملائكة قال الله جل وعلا: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) وقال في غافر: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) فالله هنا ذكر كم طائفة؟طائفتين: طائفة تحمل العرش ، وطائفة تطوف حول العرش ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) هؤلاء طائفة (وَمَنْ حَوْلَهُ) أي طائفة من الملائكة آخرون يطوفون حلو العرش وكلاهما قال الله في وصفهما: (وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) فهذا بعض وظائف أولئك الملائكة الكرام ، ونحن نعلم أن الملائكة لكل منهم وظائف وهم مؤدبون بين يدي ربهم قال الله جل وعلا عنهم: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) وقال عنهم أنهم يقولون عن أنفسهم : (وَمَا مِنَّا إِلَّا ولَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ) لا يتجاوزه وعمل لا يتعداه ، وهؤلاء الملائكة لا شك أنهم جُبلوا على عبادة الله فطرةً قال الله تبارك وتعالى: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وهؤلاء الملائكة كذلك أعطاهم الله جل وعلا القدرة على التشكل ولهذا جاء جبريل إلى الصديقة مريم في صورة رجل أو شاب حسن الخلقة سويِّها - عليه السلام - وجاءت الملائكة كما مر معنا في مذهب إبراهيم وضيفه(6/4)
أنهم جاؤا إليه في صورة رجال فلم يعرفهم وجاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدرج أو جعل في مدرجة رجل في طريق رجل ذهب إلى أخيه يزوره في الله جعل له في مدرجته ملك والملك جاء بصورة رجل ، والمقصود أن الملائكة أعطاهم الله جل وعلا القدرة على التشكل ، لكن يقول بعض أهل العلم: إن الفرق بين تشكل الملك وتشكل الجني أن الجني تحكمه الصورة أما الملك فلا تحكمه الصورة معنى ذلك لو قدر جدلاً أن الجني وهو متشكل في أي صورة كانت طُعن قُتل يموت لأن الصورة تحكمه أما الملك فلو قدر أن وقع هذا فإنه لا يتأثر لأن الصورة لا تحكمه .(6/5)
رُزق الملائكة الأدب مع الله وجبريل على علو قدره ورفيع منزلته كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يأتيه جبريل كثيراً فقال - صلى الله عليه وسلم - لجبريل: (ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟) فأنزل الله جل وعلا قوله على لسان جبريل: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) من الأمور المتعارف عليها ودل عليها القرآن وتوارثها الناس جيلاً بعد جيل منذ أن كان الخلق هو أن الملائكة رمز للصورة الجميلة الحسنة من دلائل ذلك وقرائنه وبراهينه أن النساء اللواتي طلبت منهن امرأة العزيز أن يحضرن في بيتها تمهد لهن دخول يوسف - عليه السلام - عليهن قال الله جل وعلا عنهن: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ)أي رأين من؟ رأين يوسف (أَكْبَرْنَهُ)أي استعظمن هيأته (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَا لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) ومعلوم أن أولئك النسوة لم يرين الملائكة قط ولكنه استقر في الأذهان في العقول عند العقلاء جميعا بصرف النظر عن أديانهم ومللهم أن الملائكة رمز للجمال وهذا حق ، هؤلاء الملائكة الكرام تأتي لهم وظائف يوكلها الله جل وعلا إليهم من ذلك ما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأحد أصحابه: ( أما رأيت هذا العارض؟ إنه ملك لم ينزل من السماء قط استأذن ربه في أن ينزل ويسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) فأنت ترى أن هذا الملك استأذن ربه في مهمة يحب أن يؤديها لأنه يعلم مكانة الحسن والحسين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هؤلاء الملائكة الكرام عظيموا الخلقة قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) وليس هذا مدار الاستيفاء قال الله بعدها : (يَزِيدُ(6/6)
فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) والنبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الملك جبريل على هيأته التي خلقه الله تعالى عليها مرتين ، المرة الأولى: في أيام الوحي الأولى رآه على كرسي بين السماء والأرض له ستمائة جناح قد سد الأفق وهذه في أول أيام الوحي ، ثم قُدر له - صلى الله عليه وسلم - أن يرى جبريل في رحلة الإسراء والمعراج ولهذا دونها الله ذكرها في كتابه قال الله :( وَلَقَدْ رَآهُ) فالرائي محمد - صلى الله عليه وسلم - والمرئي جبريل (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) فقول الله جل وعلا :( نَزْلَةً أُخْرَى) أي مرة أخرى وهذا يدل على أن هناك مرة سبقتها وهذه المرة التي سبقتها هي التي أثبتها الله في سورة التكوير قال الله جل وعلا: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل على هيأته التي خلقه الله عليها كما بينا قد سد الأفق ، ومسروق - رضي الله عنهم - جاء إلى عائشة أم المؤمنين وقال لها : يا أماه هل رأى محمد ربه؟ - صلى الله عليه وسلم - قالت : لقد قُص شعب رأسي مما تقول فلما جادلها قال لها: ألم يقل الله (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) قالت: أنا أول هذه الأمة من سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية هذا جبريل.(6/7)
فالمعني في الآية هنا (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) هو من ؟هو جبريل عليه الصلاة والسلام ، ذكرنا جبريل وذكرنا إسرافيل وميكال وملك الموت وذكرنا أنهم سادة الملائكة فيما يظهر لنا ومن دلائل أن جبريل سيد الملائكة أنه ثبت في الحديث القدسي كما عند مسلم في الصحيح : ( أن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل ) فتقديم جبريل على غيره فيه ظاهر وقرينة ظاهرة على أنه أعظم الملائكة قدرا وسيد الملائكة (إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يُكتب له القبول في الأرض).
الملائكة عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون ؛ ولهذا لما أتوا أضيافاً على إبراهيم لم يستطيعوا أن يقربوا طعامه (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ) أي إلى الطعام (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) كما حكا الله جل وعلا ، وبذات الوقت كذلك فإن الملائكة لا يتناكحون فبالتالي لا يتناسلون ، هناك بيت معمور في السماء السابعة يُقال إنه لو سقط لسقط على الكعبة أي أنه موازٍ للكعبة هذا البيت يطوف حوله كل يوم سبعون ألف ملك ومن هنا تعلم يا أُخي أن الله جل وعلا غني عن عبادة خلقه وأنه تبارك وتعالى استغنى بحمده ؛ ولهذا أخبر جل وعلا أن الملائكة يعبدونه ويسبحونه وقد قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذكر أعظم قال:( ما اصطفى الله لملائكته "سبحان الله وبحمده")..
بهذا نختم... سبحان الله وبحمده كما أمرنا ربنا وأمر رسولنا وكما كانت الملائكة تصنع بين يدي ربها نسأل الله لنا ولكم التوفيق ...وهذا ما تيسر إيراده وتحرر إعداده حول عالم الملائكة الأبرار..وصلى الله على محمد..
والحمد لله رب العالمين،،،،،،(6/8)
بسم الله الرحمن الرحيم
برنامج محاسن التأويل للشيخ د/ صالح بن عواد المغامسي ( وفقه الله )
((سورة العلق))
* سورة العلق مكية باتفاق العلماء , والخمس الآيات الأولى منها أول ما نزل على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم وهن أول رحمات الله القرآنية لهذه الأمة أمة محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ * أسماء سورة العلق :-
1ـ توقيفية . 2- اجتهادية.
أولاً : التوقيفية ...... وهى اثنان :
1ـ العلق : وهو الموجود في المصاحف التي بين أيدينا الآن .
2ـ { اقرأ باسم ربك الذي خلق } هكذا كاملاً وهذا ورد عن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ولهذا قلنا أنه توقيفي لأننا أسندناه إلى النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ
* قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لمعاذ بن جبل : ( أفتَّان أنت يا معاذ ؟ ) ثم بين له ماذا يقرأ وأرشده إلى جملة من السور قرأ في إحداها {اقرأ باسم ربك الذي خلق} ، فدل على أن أسماء السور توقيفية.
ثانيا : الاجتهادية :
ونعنى بالاجتهادية الأسماء التي لم يرد دليل صريح على تسمية النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بها ، أي ذكرها العلماء فيما بعد في بطون كتب التفسير وإما في بعض المصاحف التي طبعت هنا وهناك وهى أنها سميت سورة (القلم) وهذا بعيد وإن كان قاله بعض الأئمة الأجلاء كابن القيم ـ رحمه الله ـ لكن سورة ( القلم ) إذا انصرفت إنما تنصرف على الصحيح إلى سورة { ن والقلم وما يسطرون }.
- فأول ما نزل من العلق الخمس الأول { اقرأ باسم ربك الذي خلق** خلق الإنسان من علق** اقرأ وربك الأكرم** الذي علم بالقلم** علم الإنسان ما لم يعلم }
وهذه الخمس منفكة عن بقية السورة وهى أول ما رحم به الله نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وليس من المحمود أن نبدأ بتفسير هذه الآيات بالذات دون بيان الأجواء التي نزلت فيها هذه السورة .......(6/1)
عاش النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في مجتمع جاهلي يعبد أهله الأصنام والأوثان وفيه كثير من اللغط والفواحش والمنكرات اصطفاه الله ـ - عز وجل - ـ ليبلغ عن الله رسالاته بل اصطفاه الله ليجعله نموذج للكمال البشرى وانتقل من رجل عادي يعيش في أجواء فيها ما فيها من المعاصي إلى الكمال البشرى أمر ليس بالهين يحتاج إلى تدرج واصطفاء وقد كان نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أصلا في ذاته دعوة أبيه إبراهيم وبشارة أخيه عيسى .
لماذا يقول العلماء ( فجا ور) في حراء ولا يقولوا (اعتكف) في حراء ؟
لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد أما خارج المسجد فيسمى مجاورة ، كمن يأتي المدينة فيسكن في إحدى مبانيها ليحظى بالصلاة في المسجد لا يقال له معتكف وإنما يقال له مجاور فإذا التزم المسجد وبقي به أيام وليالي يسمى معتكفاً إذا نوى الاعتكاف
* تحنث رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الليالي ذوات العدد في حراء ، و معالي الأمور تحتاج إلى من يتصدى لها ويدفع ثمنها .
وقد قيل :-
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم .(6/2)
و صفة تحنث النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أنه كان ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يتخنث ولم يكن يعلم أنه نبي فكان يأتي إلى زوجته خديجة يأخذ ويتزود منها الطعام فيمكث بذلك الزاد ما شاء له أن يمكث ثم يعود فيمضى في الشعاب والأودية ويسلم عليه الحجر والشجر وهذا كله تمهيد لأمر عظيم ورسالة جليلة سيكلف بها ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : { إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا } ، ثم بعد ذلك كان لا يرى الرؤيا إلا وتقع صادقة كفلق الصبح والرؤيا جزء من النبوة ولهذا قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : ( إن في الرؤيا الصالحة أو الصادقة جزء من كذا وأربعين جزء من النبوة( ، فمازال الأمر يتدرج بالنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في رعاية الله له حتى جاءه الملك وهو في غار حراء ، فالله ـ - عز وجل - ـ نقل النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إلى الأمر الحسي العالي قبل أن يعطيه الأمر المعنوي ، فلم يكن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يتخنث في زاوية أو في غرفة أو في داخل بيته أو وسط أودية قريش أو في شعاب مكة وإنما قدر له ـ برحمة الله ـ أن يتخنث في مكان عال وثمة أمور معنوية عظيمة تنجم من هذا :-
القرب المعنوي من السماء والحسي والله رتب العلو قال : { وإلى السماء كيف رفعت } ، ثم قال : { وإلى الجبال كيف نصبت } ، ثم قال :{ إلى الأرض كيف سطحت } فكان ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قريب من السماء حسيا تمهيدا للقرب المعنوي ، ثم أنه كان من علياء ذلك الجبل كان يرى مكة وكأنه يرى حقارة الدنيا بأنه سيأتي عليه يوم يخيِّر ما بين الدنيا والآخرة فيختار الآخرة والله ـ - عز وجل - ـ رأفة بهذا النبي الكريم بل من اصطفاهم الله يظهر لهم الملكوت ، يكشف لهم الأسرار يبين لهم الحقائق حتى إذا طولبوا بأمر ما كانوا على بينه فيما يقولون وفيما يفعلون قال تعالى في حق الخليل إبراهيم : { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين }.(6/3)
والنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عرج به حتى يرى السماوات السبع الطباق فإذا حدَّث عن الله وأخبر عن الغيب يخبر ويحدث بطريقة رجل شاهد وعرف وأدرك الواقع لا برجل تكلم عن أمور قرأها في كتيب أو ورقة تقويم كحال علمنا نحن ، لكنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كان على بينة من ربه فكان جبريل يروح ويغدوا بين الله وبين نبيه ثلاثة وعشرين عاما حتى وافاه الأجل...
والنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لم يكن قارئا ولا كاتبا لئلا يقال بعد علو الوحي وذيوعه أن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أخذ الوحي من فلان أو فلان كما قالوا أساطير الأولين وإنما نحاه الله ـ - عز وجل - ـ عن هذا كله ليكون الفضل المحض والعطية الخالصة من الرب ـ تبارك وتعالى ـ *قال تعالى :{ اقرأ باسم ربك الذي خلق }
المُبلِّغ جبريل ، والرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لا يجيد القراءة وهذه أول مرة يلقى الملك وهو ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في أعلى الجبل فقال له الملك : (اقرأ ) ولم يتم الآية ، فبادره النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مجيبا:( ما أنا بقارئ ) أي ما أحسن أن اقرأ ، فأعادها الملك فأعاد النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ جوابه فأعاد جبريل ، فقال النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : ( ما أنا بقارئ ) هنا أكمل الملك وأعطاه فواتح القرآن كله :{ اقرأ باسم ربك الذي خلق }...
معنى كلمة (الرب) : الرب الله ـ - جل جلاله - ـ إذا وصف بأنه (رب) فإنما يعنى بهذا الذكر: عناية الله بالخلق وإحاطته ورأفته ورحمته ، لأن رب كل شيء صاحبه فهو رءوف رحيم بخلقه رباهم بالنعم وأوجدهم من عدم .(6/4)
و ذكرت كلمة ( رب ) هنا ولم تذكر كلمه (إله) ليشعر النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بالاستئناس وهى نفس الطريقة التي عامل الله ـ - عز وجل - ـ بها موسى ـ - عليه السلام - ـ يوم أن أوحى إليه في الوادي المقدس قال تعالى : { إني أنا ربك } ولم يقل (إني أنا إلهك) لأن كلمه ( إله) تعنى التكليف المقصود به العبد ، أما (الرب) تعنى ما يغدق به الله ـ - عز وجل - ـ على عباده وخيار خلقه من الفضل والإحسان والمعروف والكرامة .
قوله { اقرأ باسم ربك الذي خلق } :
اختلف العلماء في معنى (الباء) في قوله ( باسم) :-
1ـ البعض قال بمعنى( الإلصاق) فيصبح المعنى ( اقرأ مستعينا باسم ربك) .
2ـ والبعض قال بمعنى (على) أي ( على اسم ربك ) أي ( على إذن من ربك ) ، وكقوله تعالى لنوح: { اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها }
ومنه قول القائل :-
كأم موسى على اسم الله تحملنا *** وباسمه أخذت في اليم تلقينا
والمقصود أن هذا أشهر ما قيل في معنى الباء ، ولا يمنع أن يجمع المفسر بينهما لأنه لا يظهر بينهما تعارض كبير .
قوله ( خلق ) فعل ماضي ، ولكن لم يأت بالمفعول أي ماذا خلق ؟ ( كل مخلوق ) ( كل شيء) وهذا دلالة الوجود لما قال ( ربك ) ، و(الخلق) دلالة الربوبية فـ (الرب) وجود ، و ( الخلق) إخبار الله بأنه خالق دلالة الربوبية ، ولهذا لم تكن الخصومة بين الأمم وأقوامهم في قضايا الربوبية لأن أكثر الأمم كانت تقرُّ أن الله هو الخالق .
* قال تعالى : {خلق الإنسان من علق}
قوله) العلق ) ليست مفردة وإنما جمع مفردها (علقة) وقد ذكرت في آيات أخرى منها في سورة المؤمنون .
((6/5)
العلق) : الدم الجامد الرطب في آن واحد ، ( فالجامد) ضد كلمة مسفوح ، و(الرطب) ضد كلمة جاف ، فيصبح هذا دم كالعلقة يعلق يمكن أن تلتصق به الأشياء لأنه رطب وفى نفس الوقت جامد غير مسفوح وهى مرحلة من مراحل خلق بنى أدم ، والمقصود من الآيات بيان عظمة الله تدريجيا وليس المقصود بيان كيفية الخلق وكذلك وضع اللبنات الأولى في الدعوة و طرائق الوحي ، ومن هنا نفهم أنه يجب على الإنسان في سائر حياته أن يأخذ أي شيء عن طريق التدرج وإلا كان بالإمكان الإلهي أن يعلِّم الله النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ القرآن الكريم كله يقذفه الله في قلبه في ليلة وهذا ليس محال على الله ، لكن لله ـ - عز وجل - ـ سنن لا تتبدل ولا تتغير ومن أهمها التدرج في العطايا حتى يصل الإنسان تدريجيا إلى مرحلة الكمال المنشود التي أراده الله ـ - عز وجل - ـ .
قال تعالى : { اقرأ وربك الأكرم } لماذا كُررت كلمة ( اقرأ ) ؟
نقول: بعد أن استقر في عقل النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وقلبه أن الله رب موجود وخالق ذو أفعال عظام قادر على أن يعلمك القراءة لأنه ليس تعليمك القراءة بأصعب على الله من قضية خلق الإنسان ، فمادام أن الله خلق كل شيء وخلق الإنسان خاصة من علق فهو قادر على أن يجعلك قارئا تاليا لكتابه وإن كنت لا تريد القراءة وهذا جواب لقول النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ( ما أنا بقارئ ) وهذا فيه بيان من أن كلمة الربوبية تعني لطف الله ورحمته وقدرته على الخلق والإيجاد لعباده وأنه تبارك وتعالى رءوف رحيم .
((6/6)
الأكرم) : ليس المقصود منها المفاضلة ... ، والعلماء يقولون: بيان أن كرم الله لا منتهى له وهذا لا يجادل فيه أحد ومن كرم الله عليك أيها النبي فإن الله سيرعاك و سيجعلك قادرا على أن تتلو كتابه ، وقد قال الله عن كتابه هذا { فإنما يسرناه بلسانك } ، فكأن القرآن ميسر بلسان نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بعد أن كان النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يراه شاقا عليه ..، ويجيب النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الملك) ما أنا بقارئ) فيجيب الملك :{ اقرأ وربك الأكرم ** الذي علم بالقلم ** علم الإنسان ما لم يعلم} .
قوله تعالى :{ الذي علم بالقلم }
* ( القلم ) أحد أربعة خلقها الله بيده :
1ـ القلم ، 2- جنة عدن ، 3 ـ أدم ـ - عليه السلام - ـ ، 4- كتابة الألواح لموسى ـ - عليه السلام - ـ ومنه قوله تعالى : {وكتبنا له الألواح } ....
و ( القلم ) في حد ذاته آله ليست مهيأة في ذاتها للتعليم ، لكن الله جعلها سبيل لتعلم بنى أدم فقال جل ذكره : {علم الإنسان ما لم يعلم }اختلف في معنى الإنسان هنا .....
1ـ البعض يقول : أدم وحجتهم قول الله ـ - عز وجل - ـ : ( وعلم أدم الأسماء كلها).
2ـ وقال آخرون : أن المقصود بالإنسان هنا النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ دليلهم قوله تعالى : ( وعلمك ما لم تكن تعلم).
3ـ وقال آخرون : جنس الإنسان ... وهو الصحيح فالألف واللام في الإنسان للاستغراق أي لجنس الإنسان .
* إذاً هذه هي الفواتح الخمس أول ما نزلت من العلق وما إن أكملها الملك وتلاها الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إلا وقد نزل من الجبل يرجف فؤاده إلى بيت خديجة . إلاّ أن هناك رأي آخر ، لأن حديث جابر في البخاري : ( أن أول ما نزل المدثر) لكن استقر للعلماء بعد النظر في الأدلة أن أول ما نزل من القرآن الفواتح الخمس للعلق .(6/7)
ولبعض العلماء رأى في صلاه التراويح وهذا من فوائد ما يقال للناس بعض الفضلاء يقول يحسن في التراويح أن يستفتح القرآن في أول ليلة بقراءة هذه الآيات الخمس ثم يشرع في البقرة ويتمها باعتبار أن الخمس أول ما أنزل على النبي وأنزلت في رمضان ، وقد يقول قائل أن هذا من البدع لأن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أصلا لم يصلي التراويح بالطريقة التي تُصلى بها اليوم ؟! وقد يستحسن القول أنها داخلة في عموم قوله ـ - عز وجل - ـ : { فاقرءوا ما تيسر منه } ولكن لو فعلت في بعض الأعوام دون التزام لكان شيئا حسنا ـ والعلم عند الله ـ .
قال تعالى: { كلا إن الإنسان ليطغى ** أن رآه استغنى ** إن إلى ربك الرجعى ** أرأيت الذي ينهى ** عبدا إذا صلى }
(الناهي) قيل أنه أبو جهل والعبد الذي كان يصلى ونهاه أبو جهل هو النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو الذي دلت عليه الآثار ولا خلاف نعلمه في ذلك .
قوله: ( كلا إن الإنسان ليطغى ) ممهدة لما بعدها قبل الحديث عن طغيان أبو جهل وتمرده ذكر الله ـ - عز وجل - ـ عموم طغيان الإنسان .
كلمة ) كلا ) اتفق النحاة على أنه حرف ، لكنهم اختلفوا إلى أي المعاني يمكن القول بها بعد ذلك :
- أنها تأتى بمعنى (حقا) وهذا قول الكسائى .
- أبو حاتم أنها تأتى بمعنى ( ألاَ ) الاستفتاحية .
- النضر بمعنى ( نعم) .
مال ابن هشام إلى القول الثالث بمعنى ( ألا ) الاستفتاحية ولا يمكن أن تأتى بمعنى (حقا) كما قال الكسائى والسبب في ذلك : أن ( حقا ) اسم ، و (كلا ) حرف والحرف أولى أن يفسر بحرف على أن يفسر باسم .
قال تعالى : { كلا إن الإنسان ليطغى ** أن رآه استغنى }
والذي إذا رآه الإنسان يستغنى هو ( نفسه ) ، ولهذا قال الله ( أن رآه ) أي يرى نفسه قد استغنى .
* معنى الطغيان : مجاوزة الحد(6/8)
فالله سبحانه وتعالى يقول : { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } فالماء موجود قبل أن يأتي نوح وقبل أن يأتي الطوفان ولكن لما تجاوز الماء حده احتاج الناس إلى سفينة تحملهم فقال الله : { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية }.
ويكون الطغيان في بنى أدم كلما شعر الإنسان ـ عياذا بالله ـ أنه استغنى عن الله ، ففرعون وصل إلى المرحلة العليا في الطغيان لشعوره أنه المستغني عن الله بالكلية ولهذا زعم بقوله: ( ما علمت لكم من إله غيري) فلهذا قال الله لكليمه موسى ورسوله هارون : { اذهبا إلى فرعون إنه طغى} فالله ـ - عز وجل - ـ هنا ذكر السبب الرئيسي في قضية الطغيان حيث إذا رأى نفسه استغنى .
إسناد الرؤية إلى الإنسان نفسه وهى هنا رؤية قلبية وليست بصرية ، وهذا الإسناد يتفاوت فيه الناس ويختلفون فيه اختلاف كبير فمن الناس من يكون عنده حصيلة علم فما أن يظهر بمتن أو متنين أو يحفظ جزءاً أو جزأين إلا و يحس بالاستغناء فيدخل في نفسه الطغيان ، وقد يكون الإنسان لا مال له فما أن يرث مال يسيرا إلا ويرى في نفسه الاستغناء فيبدأ الطغيان عنده وهكذا كل شيء .
- ولكن الإنسان العبد القريب من الله ذلك العبد الذي رزقه الله الشعور بالفقر إلى الله فكل ما كنا نشعر في أقوالنا وأفعالنا بالفقر إلى الله كان ذلك أبعد لنا من الطغيان لأن الإنسان لا يطغى إلا إذا رأى من نفسه الاستغناء ـ أعاذنا الله وإياكم من ذلك ـ .
* ولما أراد الله أن يلجم بنى أدم ذكرهم بالآخرة فقال تعالى :{ إن إلى ربك الرجعى } الرجعى : أي المآب والمرجع .(6/9)
والعبد إذا علم أن مآبه ومرجعه إلى الله ألجم ذلك طغيانه وتماديه وتجاوزه لما حرم الله تبارك وتعالى وتذكر الآخرة أعظم سمة خص الله بها عباده ، ولا هدى بعد هدى الأنبياء فالله قال عن صفوتهم ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) فبين ـ - عز وجل - ـ أن الخالصة العظيمة التي منَّ الله بها على ( يعقوب – إسحاق – إبراهيم ) وأضرابهم من الأنبياء والمرسلين أنهم كانوا يتذكرون الآخرة ...
( والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
إذ فيه قرينة من الآيات تبين هذه القاعدة قوله تعالى : { أرأيت الذي ينهى ** عبدا إذا صلى }
قوله ( أرأيت ) : بمعنى أخبرني .. ، والصواب يقال أن المخاطب فيها غير معين لأنها لا يقصد منها أن يحصل منها الجواب وإنما سيقت مساق التعجب .
الناهي هنا (أبو جهل ) وهو رجل خفيف نحيل حاد النظر حاد اللسان ، قلَّما يستطيع إنسان أن يثبت أمام عينيه أو يواجهه أعطى شكيمة ، اسمه (عمرو بن هشام) كنيته في الجاهلية (أبو الحكم) سماه النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ( أبا جهل) فرعون هذه الأمة من أعظم من حارب وعادى النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قتل في بدر له مواقف مخزية في الدعوة .
كان النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في أول الأمر يصلي عند الكعبة ، بين الركنين اليماني والحجر الأسود ويستقبل القبلة من جهة الجنوب فإذا استقبلها من جهة الجنوب أصبح مستقبل القبلة وجهه شمالا ليستقبل معها بيت المقدس فيجمع ما بين الكعبة وبيت المقدس ، حتى هاجر النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إلى المدينة وكان قبلته في المسجد النبوي شمالا ستة عشر شهرا أي إلى بيت المقدس أو تزيد أو تنقص قليلا حتى قال الله له :{ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} .(6/10)
وعلى هذا ذلك الأثر الذي نسمعه أن جبريل جاء النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وقت بناء المسجد وجعله على عين الكعبة بعيدا جدا لأن المسجد عندما بنى كانت قبلته شمالا ، لكن قد يمكن أن يقال أن هذا الأثر يصح في حالة تحويل القبلة .
نعود إلى قضية أبى جهل ، ذات مرة لم يكن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ حاضرا أثناء الصلاة فقال أبا جهل لأقرانه من قريش أما زال محمد يعفر وجهه بين أظهركم أي يلصقها بالتراب ثم أقسم أنه لو رأي النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يفعل ذلك ليطأن على عنقه فذات يوم دخل و النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ساجد لربه فلم يفعل شيئا، قال هممت ولكن رأيت بيني وبينه خندق من نار، قال النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : ( لو أضرني ـ أو كلمة نحوها ـ لاختطفته الملائكة عضوا عضوا) .
فالله ـ - عز وجل - ـ يكلم هذا العبد الطاغية فيقول : { أرأيت الذي ينهى ** عبدا إذا صلى } أي أخبرني عن هذا الرجل الذي لم يجد شيئا يسمعه إلا أنه ينهى عن الصلاة .
و ذكر الله ـ - عز وجل - ـ كلمة (عبد) و قد يبدوا بينهما التعارض !! .
* قاعدة :- ( أن أي أمر ظاهره التعارض يدل على كمال بنيانه ) والدليل ..(6/11)
* يقول الله ـ - عز وجل - ـ :{ نبأ عبادي أنى أنا الغفور الرحيم } بعدها مباشرة قال: { وأن عذابي هو العذاب الأليم } قد يظهر تعارض ولكن هذا هو غاية الكمال. فالله هنا يقول : { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى } والله سبحانه وتعالى أتى بقوله (إذا صلى) ذكرت بكلمة( عبد) ، والمراد بها التعظيم عبد وأي عبد، ثم ألحقت بقيد ( إذا صلى ) أي حال صلاته فنحن لا ننكر عليك كونك تنهى النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وإنما تنهى أي مصلي ، فكل من منع مصلي من الصلاة دخل في هذا الوعيد ويدخل بصورة أشد إذا كان النهي حال الصلاة ، والعلماء في مثل هذا الموقف يسوقون أثر علي بن أبى طالب أنه دخل المصلى في يوم عيد فوجد أناس يصلون قبل الصلاة أو بعد الصلاة ومعلوم أن صلاة العيد لا يشرع لهما ركعتان لا قبلها ولا بعدها فلما رأى أولئك يصلون أنكر عليهم قال لمن حوله : (والله ما رأيت النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يفعله ) فقيل له: ( يا أبا الحسن ألا تنهاهم ؟! ) قال (أخاف أن أكون ممن يدخل في قول الله ـ - عز وجل - ـ : ( أرأيت الذي ينهى **عبدا إذا صلى) .
* قال تعالى : { أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى}.
والمعنى أليس خير له مادام أنه على شكيمة أن يأمر بالتقوى ويدعوا بالخير، أي لو كان على هدى ويأمر بالتقوى لكان خيرا له .
- قال تعالى: { أرأيت إن كذب وتولى}(6/12)
وهذه حاله الحقيقية ، واعلم أن الكفر بجميع أنواعه وشتى مذاهبه يدخل في هذه الآية (التكذيب والتولي) كل من كفر بالله في أي ملة فهو مكذب للرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وتابع ذلك التكذيب أنه معرض ومتولي ، ولهذا قال الله ـ - عز وجل - ـ على لسان أنبيائه عليهم السلام : { إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} فجمع الله الكفر كله وسبب عذاب الخلود فقوله :{إنا قد أوحيا إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } أسلوب حصر فلا يخلد في النار إلا من كذب وتولى ومعنى كذب أي كذب الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وتابع ذلك التكذيب الإعراض والتولي عن ذلكم الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال الله ـ - عز وجل - ـ عن أول الرسل نوح عليه السلام عن أمته :{ فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر } والذي صنعته الأمم كلها مع رسلهم أنهم كذبوهم.
و ليس كل من رد حديث نبويا فهو مكذب ، فالأصل في المسلم أنه مسلم حتى يثبت خلاف ذلك فلا نأتي في رجل من العلماء ونطبق عليه الآية فنقول أنه كذب وتولى وأنه مثل أبى جهل فلابد أن نفرق بين:
*إنسان علم أن هذا كلام رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أو كلام الله ـ - عز وجل - ـ ثم قال لا أقبله ، فهذا كافر لا محالة وهذا الذي تنطبق علية الآية.
* وإنسان أخر مسلم يقع في بعض الأحاديث فيضعفها مثلا ، فلو صححه آخر إذا رده للحديث هنا سببه أنه لم يصح عنده وليس لأنه مكذب لكلام الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهذا ينبغي تحريره جيدا لطالب العلم .
*قال تعالى: {ألم يعلم بأن الله يرى } من أعظم آيات الوعيد في القرآن، ووالله إنك لتعجب كل العجب من قلب أحد يقال له هذه الآية فلا يرق ولا ينته عما هو عليه وإذا أردت أن تعظ أحد تمادى في منكر عظه بهذه الآية { ألم يعلم بأن الله يرى }(6/13)
وهذا مكمن التخويف والترغيب في آن واحد ، لأن الإنسان يدفعه إلى الطاعة علمه بأن الله مطلع عليه وأنه سيكافئه على هذا العمل فيسرع في الطاعة ، ويمنعه من المعصية علمه بأن الله ـ - عز وجل - ـ مطلع عليه ويخشى الله ، لكن ينبغي أن نعلم أنه لا يخلوا من المعاصي أحد ، لكن قال نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فمن يجهر بمعصيته تجاوز أثر علمه بأن الله مطلع عليه وهذا يخوف به كل أحد....
* قال تعالى : { كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية }
( لئن ) : ( إن) شرطية سبقتها (اللام) وفي ذلك دلالة على أن هناك قسم ، والمقسم هو الله ـ - عز وجل - ـ ، وهذه (اللام) التي تسبق (إن) الشرطية تسمى عند النحاة اللام الموطئة للقسم أو المؤذنة .
( لنسفعن ) : (اللام) هنا واقعة في جواب القسم ، والمعنى يقول الله لنبيه : لئن لم ينته هذا الطاغية أبى جهل عن جهله الذي هو فيه لنأخذه من ناصيته وهذا منتهى الإذلال ، و(الناصية) مجمع شعر الرأس ، وهذا الأسلوب عربي تقوله العرب في كلامها ، فالعرب تقول في الإذلال (الناصية) إذا أرادت أن تذل أحد . { بالناصية }
فجاء بها معرفة ثم نكرها لئلا تقع فقال :{ ناصية كاذبة خاطئة} (كاذبة) في أقوالها لأن الفعل لا يقال له كذب ، (خاطئة) في أفعالها لأن القول لا يقال له خطأ .(6/14)
هذا أبو جهل كان يتوعد النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فقال يا محمد أتتوعدني والله إني لأكثر أهل هذا الوادي ناديا فعامله الله بالمشاكلة وإلا فالله ـ - عز وجل - ـ ليس في حاجة أن يدعوا ملائكته ، فالملائكة حياتهم قائمة بالله ، وليس الله ـ - عز وجل - ـ حياته قائمة بالملائكة مستوٍ على العرش ومستغنٍ عن العرش ، ومستغنٍ عن حملة العرش ، ومستغنٍ عن كل أحد أمامه فما من أحد ـ رضي أم أبى ـ إلا وهو مفتقر إلى الله وهذا معنى قوله تعالى:{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ولكن لما قال أبو جهل: أنا أكثر أهل الوادي ناديا عامله الله بمثل أسلوبه فقال تبارك وتعالى :{ فليدع نادية سندع الزبانية} .
جاءت العين في( يدع) مضمومة وهذا يتفق مع كلام النحويين ، لأن الفعل مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة لأنه معتل الآخر وهى (الواو) وحذفت ، لكن الإشكال في الآية التي بعدها{ سندع الزبانية } لماذا حذفت (الواو) في(ندع) مع أن الفعل مرفوع، لكن الأوائل الذين رسموا المصحف رسموه بهذه الطريقة ، ومن التخريجات التي قيلت في هذا الفن هو أن الفعل المضارع إذا استقبل (ألف ولام) ساكنه فإن حرف المضارعة يحذف ونظيره قوله ـ - عز وجل - ـ: { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } كتبت( يدع) من غير (واو) لأنها استقبلت اللام الساكنة .
- قوله { الزبانية }أي الملائكة ، ثم قال الله لنبيه :{ كلا } أي اترك هذا الجاهل لما يقول لا تطعه .
{واسجد واقترب} .
الله سبحانه وتعالى له أسماء وصفات ... ، وهذه الصفات مما تفرد بها، فكلما ابتعد الإنسان عنها كان قريبا من الله ...
و( تطبيقها على الآية) : أن وضع السجود موضع ذلة بلا شك ، وقد منع هذا الموضع بعض القرشيين من الإيمان ، والله ـ - عز وجل - ـ له العز الكامل ، فكلما سجدت له وابتعدت كل البعد عن هذه العزة تكون أقرب ما تكون من الله وأنت ساجد(6/15)
ومن صفات الله أيضا (الخلق) فأشد الناس عذابا المصورون ،لأنهم ينازعون الله في صفة من أعظم صفاته وهى (الخلق) .
وهذا هو المعنى الحقيقي لقوله تعالى :{ كلا لا تطعه واسجد واقترب} أي اقترب من العبادة جملة وأعظم العبادة هي ( السجود) .
والإنسان في حياته اليومية يأبه لبعض هذه الصفات ـ وليست جميعها ـ التي يجب ألا ينازع الله فيها أحد ، وإذا أردت جواره والدنو منه فابتعد عنها من أجله ـ - جل جلاله - ـ ..
** لكن هناك صفات فعلية أو ذاتية يحبها الله ـ - عز وجل - ـ وأمرنا أن نفعلها ( كالرحمة ، والغفران) وهذا كله مشروع ...
** هذا ماتيسر إيراده وتهيأ إعداده والله المستعان وعليه البلاغ **
تم بحمد الله وتوفيقه
*****************
(( سورة المدثر ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:-
سورة ( المدثر) سورة مكية باتفاق لا يُعلم لها اسم آخر إلا هذا الاسم وهو موجود في المصاحف التي بين أيدينا ولا يعلم فيه خلاف .
* قال تعالى { يا أيها المدثر** قم فأنذر }
((6/16)
المدثر ) هو نبينا محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهذا مناداة له لوصف حاله ، فقد نزل النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ من الجبل يرجف فؤاده ووصل إلى خديجة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ وقد منَّ الله عليها بالعقل والروية والحكمة ، ولأمر ما جعلها الله زوجة لنبيه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ رغم أن سنها أكبر منه ، ولكن الله ادخرها لفترة ومرحلة عصيبة في عمر الدعوة قامت بها ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ على أكمل وجه فلما قدمت عليه ذكرته بصنيعه عندها ، وخديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت ترى النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ على حقيقته ، ولما جاء يفاجئها أن ملك أنزل عليه ، وألقى عليه وحيا ولما ما تعرفه من خصيصة أحواله واطلاعها على أسراره جعلها تقبل الأمر بكل رضا ، لأنها على علم أن هذا الرجل الذي هو الآن بعلها أهل لأن يكون نبي هذه الأمة فأيدته وقالت: ( إنك لتحمل الكل وتعين على نوائب الحق وتقرى الضيف .... ) وأخذت تعدد مآثره ومناقبه قبل أن يبعث صلوات الله وسلامه عليه.
* بل إنهم قالوا فيما نقلوه ما قاله ابن إسحاق بسند مرسل وهو من أعجب ما نقل: إن من وسائل التثبيت التي ادخرتها خديجة ـ رضي الله عنها ـ للنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في مرحلة ما من مراحل الدعوة تريد أن تثبته ( يا ابن عم إذا جاءك الملك هذا فأخبرني ) فلما رأى النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ جبريل قال لخديجة :( إنني أراه ) قالت : ( يا ابن عم أجلس هاهنا ـ على فخذها الأيمن ـ ، ثم قالت له : ( يا ابن عم أتراه ؟) قال: (نعم) قالت له: ( يا ابن عم تحول على فخذي الأيسر، ثم قالت أتراه ؟) قال : ( نعم) قالت له : ( يا ابن عم تحول في حجري ، فجلس فقالت يا ابن عم أتراه ؟) قال :( نعم) ، فنزعت خمارها وحسرت عن شعر رأسها ثم قالت :(يا ابن عم أتراه ؟ ) قال:( لا ) قالت: ( يا ابن عم اثبت فو الله إنه لملك وليس بشيطان ) .(6/17)
وهذا مما يدل على رجاحة عقلها ، وهى المرأة الوحيدة التي أبلغها الله السلام ووحيه جبريل وأن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال له جبريل : ( هذه خديجة إذا أتتك فأقرئها من ربها ومنى السلام ) ، ورغم أنه في أول الإسلام لم ينتشر الفقه والدعوة والعلم لكنها قالت : ( وعليك وعلى جبريل السلام ) ولم تقل وعلى الله السلام لأن الله هو السلام .
فهذا إذا علمته تلك المرأة في المرحلة الأولى من الدعوة هذا برهان آخر عظيم على عقلها ورفيع قدرها .
( الثياب ) تنقسم إلى قسمين :
* ( الشعار) هو ما يلبس ويكون ملاصق للجسد .
* ( الدثار ) هو ما يلبس فوق الثوب الملامس للجسد .
والنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عندما دخل على خديجة وقال دثروني قطعا كان عليه ثياب ، فدثرته خديجة بأن أعطته ثياب أخر يتغطى بها فأصبح ما أعطته خديجة دثارا وليس شعارا لأنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كان عليه شعار .
فلما أصبح النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ على هذه الحالة ناداه ربه بالحال والوصف الذي هو عليه وهو نداء ملاطفة ....
قال تعالى :{ قم فأنذر }
أي قم من مضجعك وأنذر قومك في المقام الأول .
ولم يقل سبحانه هنا ( فبشِّر) وذلك لأن الناس كانوا على معاصٍ ، فهم في حاجة إلى النذارة أكثر من حاجتهم إلى البشارة ...
* ولكونه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أنه سينذر ، وأن هذه المهمة صعبة أوصاه سبحانه بوصاياً خمس ... وهي في قوله تعالى :{ وربك فكبر ** وثيابك فطهر ** والرجز فاهجر ** ولا تمنن تستكثر ** ولربك فاصبر }(6/18)
قوله تعالى { وربك فكبر } أي تعظيم الله ، وليس المقصود فقط قول كلمة ( الله أكبر) ،لأن الصلاة لم تكن فرضت وإنما الآن تهيئة هذا النذير والبشير ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ، فتعظيم الله ـ سبحانه وتعالى ـ الممهد له أصلا على جبل حراء يترفع عن البلايا وأهلها فجاءه الأمر صريحا { وربك فكبر } أي عظمه وأجله ، وكل ما عَظُم الله في قلبك عرفت قدر المخلوقين، فمن أعظم ما يعين العبد على الطاعة ، ويذهب به عن المعصية ويجعله صبورا على طاعة الله علمه بعظمة الجبار ـ - عز وجل - ـ .
وقد جاءت في أخر الإسراء { وكبره تكبيرا } وتسمى هذه الآية التي في الإسراء ( آية العز ) وهذه هي أول الوصايا .
ثم قال تعالى: { وثيابك فطهر }.
اختلف العلماء في قضية ( الثياب) على قولين :
* فمنهم من قال : هي ( القلب )
*وقال آخرون : هي ( الثياب المعهودة )
*والصواب أن يقال: أن المقصود كل ذلك طهارته ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ حسيا ومعنويا .
وكان نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كذلك فأمره ـ - عز وجل - ـ أن يبتعد عن المعائب والمناقص وهذا الأمر للتأكيد فقط ، و إلاّ فإن الله قد هيأه وأعده لذلك ، ولابد للداعية أن يكون كذلك فيسموا بنفسه عن كل مواطن الرذائل ....
ثم قال تعالى : { والرجز فاهجر } (الرجز) يعنى المعاصي والمقصود في هجرانها توخي الحذر من غضب الله ـ - عز وجل - ـ ، والبعد عن غضبه لا يكون إلا بالبعد عن معاصيه ، لأن المعاصي هي أسباب النقم قال ـ - عز وجل - ـ :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم } في قضية موسى وفرعون .
ثم قال تعالى: { ولا تمنن تستكثر } من طرائق الهبات أن الإنسان أحيانا يعطى عطية رجاء أن يكافأ أعلى منها ، كأن يأت بعض الناس إلى الأمراء أو الوجهاء ويعطيهم هدايا حتى يكافئه الأمير أو الوجيه بأكثر من هذا..
*وإن أراد الإنسان أن يكون عظيماً بحق فلا يجعل لأحد من الخلق عليه منّة
فالناس ثلاثة :
*( رجل أنت أميره أحسنت إليه )(6/19)
*( ورجل أنت أسيره أحسن إليك )
*( ورجل أنت وهو نظراء لم تحسن إليه ولم يحسن إليك ) .
فالنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يعد لشأن عظيم فلا يحسن به أن يكون لأحد من الخلق عليه منّة ، فهذا وإن كان هذا الشأن مباح للأمة إلا أنه لا يجوز بحقه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ.
ومن هنا ندرك لماذا عاش النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يتيم الأبوين ، وذلك حتى لا يكون لهما حق عليه ، فحق الأبوين واجب وإن كانا كافرين ، فلقد مات أبوه وهو حمل ، وماتت أمه وهو ابن ست سنوات فانتفي بذلك إيجاد حق عليه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ، فأصبح ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يمشى على الأرض ليس لأحد عليه فضل إلا ربه سبحانه وتعالى .
فإن وقع عليك فضل الأحرار فإنك تكافئهم بأعظم من ذلك حتى تدفع عن نفسك أن تكون في رقة أحد .
ومن هنا نفهم لماذا كان النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ. يقبل الهدية و يكافئ بأعظم منها.
ومعنى الآية : أي لا تفعل ذلك تستكثر المال .
والآيات الأربع السابقة تحتاج إلى (الصبر) ولهذا قال الله بعدها :
{ ولربك فاصبر} : ولم يجعل الله ( الصبر) مطلقاً ، إنما جعله مقروناً بالله ـ - عز وجل - ـ ، لأن كل من كان يرجوا فرج من الله فلا يمكن أن يدب إليه اليأس أبدا , لأن ما عند الله مضمون موثوق لا يخلف الله وعده , وهذا خلاف ما عليه البشر من إخلاف للوعود ...(6/20)
فالنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وعده جبريل ذات يوم أن يأتيه ، ولما أن جاءت الساعة التي واعده فيها كان بيده ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عصا فمازال يروح ويغدوا في البيت ويلقى عصاه ويقول : ( لا يخلف الله وعده ورسوله لماذا لم يأت جبريل ؟! )، ثم أبصر تحت سريره فإذا جرو ( أي كلب ) ـ قيل للحسن أو الحسين ـ قال: ( منذ متى وهذا الجرو هنا ؟! ) قالوا : ( ما ندرى يا رسول الله ) قال : (أخرجوه) فلما أخرجوه فجاء جبريل فلما سأل جبريل قال : (إننا معشر الملائكة لا ندخل بيت فيه كلب ولا صورة) .
* الشاهد :أن الله لا يخلف وعده ، كما قال ـ - عز وجل - ـ على لسان نبيه يعقوب :{ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } .
لكن في التعامل مع الناس فإنك لا تلبث أن تيأس لأنك تتعامل مع مخلوق لا تتعامل مع خالق .
** هذا ما حكاه الله في وصاياه لنبيه ثم ذكر ـ - عز وجل - ـ بعد ذلك الساعة كنوع من الإشارة
فقال تعالى :{فإذا نقر في الناقور} أي في الصور ، { فذلك يومئذٍ يوم عسير على الكافرين غير يسير} بعض أهل التفسير إذا مروا بهذه الآية يجتنبونها ويقولون أن الله تعالى قال : {يوم عسير} {غير يسير} و المعنى عندهم واحد والثانية مؤكدة للأولى... وهذا يدل على أن بناء أصل الفهم خاطىء .
ونقول : هناك فرق بين (وصف اليوم ) ووصف ( من سيكون في ذلك اليوم) ... والمعنى: أن يوم القيامة عسير بطبعه ، سواء أفلح الإنسان أم لم يفلح ...
و (عسير) وصف لليوم ، وليست وصفاً لأهل ذلك اليوم لا من المؤمنين ولا من الكفار...
أما (غير يسير) فذكر للحساب الواقع على الكافرين... , ولما ذكر الله ـ سبحانه ـ ( عسير ) في الأولى لم يرد تكرارها فعبّر عنها بطريقة أخرى فقال ـ سبحانه ـ :{ غير يسير }...
{ ذرني ومن خلقت وحيداً }(6/21)
ذكر الله هنا رجلاً وهو ( الوليد بن المغيرة )...وهو رجل من كبار قريش سناً ، جاءت البعثة وقد شاخ وهرم ، وكان له نفوذ مستمد من أمرين: كثرة ماله ، وكثرة أولاده...وقد عبّر الله تعالى عن ماله بقوله{مالاً ممدوداً} وهذه الكلمة تعطي مد بصري... بمعنى جنان تتبعها جنان... وزروعا تتبعها زروع ممتدة من مكة إلى الطائف وما بينهما وما جاورهما...وكان رجلاً جريئاً حتى أن قريش لما أرادت هدم الكعبة لتعيد بنائها هابت أن تصل للبيت فأول من تجرأ على أن يهدم الكعبة ويقلع حجرها هو (الوليد بن المغيرة)... وهذا كله جعلت منه رجلاً عظيماً تلجأ إليه الناس بطبيعتها...
قال تعالى :{ ذرني } أي خلِّ بيني وبين من خلقت وحيداً...
و{وحيدا} من حيث اللغة (حال) بالاتفاق ، ولكن حال من (فاعل) أم من(مفعول به)؟
* فإذا قلنا حال من (فاعل): خلقت (وحيداً) عائده على الله...أي خلقته لوحدي ليس معي شريك في خلقه... وهذا بعيد لأنه ـ سبحانه ـ لم ينعت نفسه بأنه وحيد.
* فبذلك تكون حال( من المفعول به)الذي هو (الوليد بن المغيرة )...
** واختلفوا في معناها على قولين:
1ـ ( وحيدا ) أي خلقته منفرداً وحيداً ضعيفاً في أول أمره...
2ـ ( وحيدا ) أي جعلته رجلاً لا نظير له في قومه...
* ولا يمتنع الجمع بين القولين * { وبنين شهوداً } :
أي حاضرين... فمن كثرت أولاده لا يمكن أن يغيبوا مجتمعين... وكان له عشرة أبناء .
{ومهدت له تمهيداً} أي وطأت له في أن يصل إلى الرئاسة والجاه...
{ ثم يطمع أن أزيد} قال الله { كلا } لماذا ( كلا) ؟ لأن النعم سببها الحقيقي في استدامتها رضوان الله... والوليد قد عصى الله لقوله تعالى :{ إنه كان لآياتنا عنيدا} ....
{ سأرهقه صعوداً} أي سأكلفه عذاباً شديداً شاقاً لا يطيقه في الدنيا وفي الآخرة.
* ثمّ علل ـ سبحانه ـ لماذا هذا العذاب بقوله تعالى :
{إنه فكر وقدّر ** فقتل كيف قدر ** ثم قتل كيف قدر} {فقُتل} هذه لعْنَة من الله عليه .
{(6/22)
كيف قدر}
أي أنه رجلاً ليس سهلاً...
{ ثم قُتل} تكررت اللعنة عليه...
{كيف قدر} هذا كله تعجب من قدراته...
قال تعالى :{ ثم نظر} .. (ونظر) تأتي متعدية بحرف الجر (إلى)... نظرت إلى الشيء ـ أي أبصرته ـ ، وتأتي متعدية بحرف الجر ( في ) نظرت في الأمر بمعنى تفكرت وتمعنت فيه ، وتأتي ( بدون حرف جر) بمعنى تمهل وانتظِر وبكلٍ جاء القرآن ، وهنا جاءت بمعنى التدبر والتفكر ، أي نظر في أمر الرسالة
قال تعالى :{ ثم عبس وبسر} وهذه صورة لوجهه تدل على مافي قلبه....
ثم قال تعالى:{ ثم أدبر} أي عن الحق... { واستكبر} أي عن الإيمان...
ثم قال ( الوليد ) وقريش كلها تنتظر حكمه ورده على هذا القرآن ، لأنه اجتمع بهم وقال:(إن وفود العرب تأتيكم فإذا رأوا اختلافكم في محمد قبلوا منه فمنكم من يقول : (ساحر) ، ومنكم من يقول : ( مجنون) .... قالوا : (يا أبا المغيرة احكم أنت) .. فزاده ذلك استكبار ....
فقال ـ - عز وجل - ـ عنه أنه قال :{ إن هذا إلا سحر يؤثر} فكأن القرشيين ما رضوا بهذا الكلام ، فقريش تريد أن يفصل ويقول أنه ليس كلام الله ...
فقال :{ إن هذا إلا قول البشر} فأتى بها صريحة ، وترك السياسة في الكلام حتى يرضي قومه ، فأجلوه وعظموه فزاده ذلك تعظيماً ، وهلك بعد البعثة بقليل...
قال تعالى :{ سأصليه سقر } أي النار...
ثم قال تعالى :{ وما أدراك} بصيغة الماضي وفي القرآن:
( وما أدراك ) , ( وما يدريك )...
* فإذا قال الله :( وما أدراك) يخبر نبيه عن ذلك الشيء...كالآية التي بين أيدينا * وإذا قال :( وما يدريك ) لا يخبر نبيه عن ذلك الشيء...كقوله تعالى :{ وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً} ولم يخبره متى الساعة...
فهنا أخبر تعالى عن ( سقر ) فقال: { لا تبقي ولا تذر** لوّاحة للبشر }
( لوّاحة) أي حرّاقة .. ( للبشر) لا يقصد بها هنا الناس , وإنما جمع بشرة وهي الجلد الظاهر لبني آدم ...
ثم قال تعالى :{ عليها } أي على هذه النار...
{(6/23)
تسعة عشر} مبتدأ مبني على فتح الجزأين مؤخر , والمعنى / أي من الملائكة
فكأن هذا القول استخف به أهل الإشراك...
{ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب} وكيفية إيقان أهل الكتاب : أن العدد تسعة عشر هو العدد الموجود في التوراة والإنجيل...فإذا قرأوها في القرآن وفي التوراة والإنجيل استيقنوا...
{ويزداد الذين آمنوا إيمانا} فالمؤمن أصلا يؤمن أنهم تسعة عشر , فهو يقبل كلام الله...
{ ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون} ينفي الله ـ تعالى ـ عنهم الريبة بالذي أعطاهم وهو اليقين ....
{ وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا}
فهم يتعجبون من قلة العدد ,مع أنهم لو التفتوا يمنة ويسرة في كتاب الله لوجدوا الجواب .. , فالذي يقبض أرواح الخلائق كلهم هو ملَك واحد , فكيف يُعجز أهل النار تسعة عشر ملَكاً؟! ...والله يعطي القدرة من يشاء من عباده , وأنه لو شاء ـ سبحانه ـ واحد قام بهذه المهمة ... لكن مرض القلب مبني أساساً على عدم تعظيم الله , والعلم هو الذي يبعد ما يأتي من شبهات والإيمان يبعد ما يأتي من شهوات...
قال تعالى : {وما يعلم جنود ربك إلا هو } ولا ينبغي حصر كلمة (جنود) هنا في الملائكة... فالله تعالى له جنود لا يعلمها إلا هو كما قال , وقد يكون أولئك الجنود عارضين ... بمعنى أن الله ـ تعالى ـ قد يهلك عباده بالشيء الذي يحاربونه به ....
{ وما هي إلا ذكرى للبشر}
اُختلف في (هي) عائدة على ماذا؟ هل هي على التسعة عشر خزنة النار ؟ أم النار نفسها؟ والأظهر ـ والله أعلم ـ أن ذكرنا لهذا الأمر إنما جعله الله ذكرى (للبشر) أي بني آدم...
قال تعالى :{ كلا والقمر} (كلا) كلمة ردع ...
وقال الكسائي :( كلا) هنا بمعنى حقاً...
وقال بعضهم : بمعنى نعم...
والصواب أن ( كلا) هنا بمعنى ألا الاستفتاحية لأن حقاً لا يصح أن تكسر إن بعدها...
{ كلا والقمر ** والليل إذ أدبر** والصبح إذا أسفر}(6/24)
وهنا قسم من الله تعالى بهذه المخلوقات الثلاث...
{ إنها لإحدى الكبر** نذيراً للبشر} والراجح أنها التذكرة بالآخرة أو جهنم
ـ والعلم عند الله ـ ....
{ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر} من هنا فهم العلماء أنه لا يوجد في طريق السير إلى الله أحد واقف فإما متأخر وإما متقدم...
{ كل نفس بما كسبت رهينة**إلا أصحاب اليمين** في جنات يتساءلون عن المجرمين ** ما سلككم في سقر** قالوا لم نك من المصلين}... الذي عليه الجمهور أن معنى الآيات : أن كل إنسان مرتهنٌ بعمله...لا ينفك إلا إذا كان عمله صالحاً... وأهل اليمين انفكوا لكونهم عملوا الصالحات وأنهم سيمكثون في الجنة يتساءلون عن أهل الكفر الذين يمكثون في النار... و(هذا ما قاله أهل العلم)...
* والحق * أن هذا غير مقنع ..،لأن ( كل ) من ألفاظ العموم فاستثنى الله ـ تعالى ـ هنا منها أصحاب اليمين .... إذاً أين المقربون؟
* فالله ـ تعالى ـ لم يستثن إلا ( أصحاب اليمين ) وهم الذين خلصوا بأعمالهم... و( المقربون ) أولى من ( أصحاب اليمين )...
فلابد أن للآية معنى غير الذي فهمه جمهور أهل العلم...
نقول ـ والعلم عند الله ـ ما نقله القرطبي نقلاً عن علي ابن أبي طالب ـ - رضي الله عنه - ـ : (أنهم أطفال المسلمين)... فيكون معنى الآية :
{كل نفس بما كسبت رهينة} أي كل نفس مرهونة بعملها , والعمل لا يخلص أصلاً إلا (أصحاب اليمين) لأنهم لا عمل لهم فهم ماتوا قبل التكليف...
(فأصحاب اليمين) هنا عام أريد به الخاص...فأريد به من مات على الإسلام من صغار المسلمين , فهؤلاء لا أعمال لهم , فهم مستثنون بأنهم المرهونون بأعمالهم , لأنهم ماتوا قبل سن التكليف ...
فلو قلنا أنهم أصحاب اليمين هم الكبار من المسلمين , فهؤلاء لا حاجة لهم في الأصل أن يتساءلوا فيما بينهم عن أهل النار لماذا دخلوها ؟! ...(6/25)
والرأي الثاني أقرب لأنهم ماتوا صغار لا يعلمون لأي سبب عذب أولئك ، فلذلك يتسائلون عن المجرمين : { ما سلككم في سقر } ...
{ قالوا لم نك من المصلين** ولم نك نطعم المسكين ** وكنا نخوض مع الخائضين ** وكنا نكذب بيوم الدين }
فذكروا أربعة أسباب لدخولهم النار :
1ـ عدم الصلاة لأنها عمود الدين ...
2ـ وعدم إطعام المسكين أي قسوة القلب...
3ـ والخوض مع أهل الباطل...
4ـ ثم ذكروا قاصمة الظهر وهو التكذيب بيوم الدين...
ولابد أن هؤلاء قد ماتوا على الكفر و إلاّ لن يخلدوا في النار... لقوله تعالى : {حتى أتانا اليقين} ..(والعبرة ليست بعثرة البدايات إنما العبرة بكمال النهايات(
وإذا كان هذا حالهم { فما تنفعهم شفعة الشافعين}
{فما لهم} استفهامية { عن التذكرة معرضين}
{ كأنهم} أي أهل النار ...
{ حمر مستنفِرة}
قُرأت ( مستنْفَرة ) ـ بفتح الفاء ـ على أنها ( اسم مفعول به ) ...
وقُرأت( مستنْفِرة ) ـ بكسر الفاء ـ على أنها( اسم فاعل ) ...
{ قسورة }
* قيل الأسد في لغة الحبشة ..
*وقيل مجموعة من الرماة ..
وأياً كان المعنى فهي مجموعة مخيفة للحمر الوحشية إما أسُود تريد أكلها أو رماة يريدون صيدها ...
* فإذا قلنا ( مستنفَرة ) ـ بالفتح ـ أي استنفرت من قبل تلك القسورة...
*وإذا قلنا ( مستنفِرة ) ـ بالكسر ـ معنى ذلك أن الخوف بلغ منها مبلغاً حتى أصبح بعضها يستنفر بعض...
والحمر معذورة في ذلك الفرار ، لأنها تفر مما يهلكها .. , أما هؤلاء السفهاء فيفرون مما فيه صلاحهم ونجاتهم...
{بل يريد كل امرئ منهم أن يعطى صحفاً منشرة}
وهذا هو العتوّ ، فلقد بلغ من طغيانهم أنهم طلبوا بأن ينزل على كل فرد منهم قرآناً خاصا ، ولأن المسألة مسألة كبر قالوا : لا نكتفي بأن يكون الكتاب مطوياً حتى لا نكلف فتحه إنما كتاب منشور مفتوح... وهذا كله رد بالباطل...
والعلة بعدم إيمانهم بالآخرة كما قال الله تعالى :{ كلا بل لا يخافون الآخرة }(6/26)
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه مهما كان قولهم فإن القرآن حق ، وأنه تذكرة فقال تعالى :{ كلا إنه تذكرة ** فمن شاء ذكره } ...
ثم ذكر الله ـ تعالى ـ مشيئته الشرعية والقدرية... فقال سبحانه :{ وما يذكرون إلا أن يشاء الله } فأثبت لهم المشيئة {فمن شاء ذكره} ...
ثم قيدها بمشيئته { وما يذكرون إلا أن يشاء الله}
{ هو أهل التقوى وأهل المغفرة }
* كل مطلوب لا يطلب إلا بحول الله , وكل مرهوب لا يدفع إلا بحول الله .. ولهذا عظمت كلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله )...، لأن بها يعلم العبد أنه لا حول ولا قوة له ولا طور إلا بالله ...
ولقد كررت كلمة ( أهل ) هنا ...
وذلك لأن ( أهل ) الأولى غير ( أهل ) الثانية ...
* ففي الأولى { أهل التقوى } الله ـ - عز وجل - ـ أهل لأن يتقى ... بمعنى أنه لازم على الخلق أن يتقوا ربهم دون سواه ، فلا يوجد معبود بحق إلاّ الله ...
* أما الثانية { أهل المغفرة } فليس لزاما على الله ـ - عز وجل - ـ أن يغفر لكل أحد...
فلذلك فرّق الله ـ - عز وجل - ـ بينهما ولم يعطف مباشرة ...
فـ{ أهل التقوى } يجعلك تجنح إلى ربك فتعبده دون غيره
و{ أهل المغفرة } يجعلك تجنح إلى ربك فتطمع فيه بأن يعينك على تقواه...
** هذا ما تيسر إيراده وتهيأ قوله... بلغنا الله وإياكم من الخير فوق ما نؤمل, وصرف الله عنا وعنكم من السوء فوق ما نخاف ونحذر... هذا والله أعز وأعلى وأعلم , وصلى الله على محمد وآله وصحبه...
تم بحمد الله وتوفيقه
**********************
فوائد من سورة ( القلم )
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ سورة ( ن والقلم ) من أوائل ما أنزل من سور القرآن ....
2ـ قيل إنها نزلت بعد فواتح ( اقرأ ) وقيل إنها نزلت بعد ( المدثر )
* ويميل الشيخ إلى أنها نزلت بعد المدثر ـ والعلم عند الله ـ *
3 ـ في بعض المصاحف تكتب ( ن ) وبعض أهل العلم يسميها ( القلم ) والأكمل تكتب ( ن والقلم ) بهذا ورد الأثر الصحيح ....(6/27)
4ـ سورة ( ن ) أول سورة نزلت بدء بحرف مقطع هو حرف واحد حرف( ن) 5ـ ( ن- ص- ق ) التي تبدأ في أوائل بعض السور تسمى حروف المتقطعة واتفق العلماء على أن هذه الحروف من متشابه القرآن ....
* لكنهم اختلفوا في معناها *
* وأفضل ما يقال في هذه الحروف يجمع في أمرين :
1ـ إن الله أراد بهذه الحروف أن يقول للقرشيين ولمن يقرأ القرآن إن هذا القرآن أحرفه وكلاماته من جنس كلامكم ، فماهية القرآن مأخوذة من هذه الأحرف تأكيداً لقوله تعالى : { إن أنزلناه قرآناً عربياً }
2ـ والأمر الآخر ـ والذي تميل له النفس ـ أنهم قالوا :
إن هذه الأحرف بمثابة حروف التنبيه التي تستخدمها العرب في كلامهم ( ألا وكذا) ( أما والله ... ) يستفتحون بها الكلام ، وتسمى حروف الاستفتاح والتنبيه التي يؤتى بها في مقدم الكلام ، إن هذه الحروف هي نظير هذه الأحرف التنبيهية التي يستخدمها العرب في مقدم كلامهم ...
وهذا الأمر يقبل من جهة ويرد من جهة
* نقبله من وجه لأنه جرى في سنن العرب ـ في كلامها ـ أنها تستخدم أحرف التنبيه والاستفتاح بلا خلاف ....
* والمانع من قبوله أنه لم ينقل لنا ـ فيما نعلم ـ أنهم استفتحوا كلامهم بمثل هذه الحروف يقولون ( أما) ( ألا ) لكنهم لم يقولوا( ص - ن ) لم ينقل عنهم ...
6ـ العلم مضمار تجري فيه أقدام العلماء والكل يدلوا بدلوه ، والعلم الحق عند الله وكان الإمام الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ يكثر من مقولة ( العلم عند الله ) ليبين أن المسألة مسألة أخذ وعطاء واستنباط بمقدار ما يفيء به الله ـ تعالى ـ على عباده...
7ـ القسم يكون ( بالواو ، أو بالباء ، أو بالتاء ) .... 8 ـ حروف القسم تجر ما بعدها ، فكل مقسوم به حالته النحوية مجرور ... 9 ـ ليس ( القلم ) أول ما أقسم به الله ـ تعالى ـ إذا قلنا أن المدثر قبل هذه السورة ، لأن الله تعالى بدأ بالقسم ( بالقمر ، والليل ، والصبح ) وهو مقدم على القسم بالقلم ...(6/28)
10ـ حدث عند العلماء إشكال ما ( القلم ) الذي أقسم الله به ، لأن ( ال ) تأتي إما للجنس ، وإما للعهد ، فإن أتت للجنس تعني جنس الشيء يعني عمومه ،
وإن أتت للعهد فلا يخلو العهد إما لفظياً وإما ذهنياً ....
* ففريق يقول : إن القلم جنس الأقلام التي يكتب بها ، فهو تشريف للكتابة عموماً وليس المقصود قلم بعينه ... ويحتجون أن هذه السورة أنزلت بعد ( إقرأ) بقليل بينهم سورة واحدة ، فسورة إقرأ قال تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق **خلق الإنسان من علق ** اقرأ وربك الأكرم ** الذي علم بالقلم ...) قالوا هذه السورة فيها تشريف للكتابة وهذا امتداد لذلك التشريف ، لهذا قسم من الله ـ - عز وجل - ـ للقلم ...
* وإن كانت ( ال ) للعهد فأي عهد لا يمكن أن يكون لفظياً ، لأنه لا يوجد شيء قبلها حتى نحيل اللفظ عليه ويبقى العهد الذهني وهو هنا هو القلم الذي خط به اللوح ...
11ـ للعلم مزية أن تعطي الأمر ثم ترده بإشكال ، حتى تتعلم قضية كيف تأخذ وتعطي وتتعاطى مع النصوص العلمية ...
12ـ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصه ..
13ـ فائدة قراءة القران وتفسيره من باب أول ما أنزل إن أول تهمة أتهم بها نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ هي الجنون فالنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أتهم في أول وحيه بأنه مجنون من قبل القرشيين.
14ـ ( ما ) عند النحويين تسمى ( ما الحجازية ) وهي تعمل عمل ليس ، فـ( ليس) فعل ، و( ما ) حرف لكن الجامع بينهما أن كلاهما يراد به النفس و( ليس ) عند النحويين من أخوات ( كان ) ويقولن عن ( ما ) أنها تعمل عمل ( ليس ) ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ويكثر في خبرها أن تكون مقترنة بالباء كما في الآية ...
15ـ { غير ممنون } تأتي بمعنى ( غير منقطع )
قول الله ـ عز وجل ـ لنبيه : { غير ممنون } في الدنيا و الآخرة ، وكونه غير منقطع في الآخرة معلوم ، ولكن كيف يستقيم أن يكون له أجر غير منقطع في الدنيا ؟!(6/29)
* الجواب * : أن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في ميزان حسناته كل من آمن من أمته ، فما أدى أحد عبادة إلا وللنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مثلها من الحظ لأنه كان السبب الذي جعله الله في إيمان أمته كلها ، ولأنه لا تخلوا الأمة ساعة من ليل أو نهار ممن يصلى على نبيه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهذا حق ، لأن المؤذن لا ينقطع ولا يعقل أن يخلو ممن يردد مع المؤذن ويصلي على النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ...
* لكن يبقى اعتراض وهو أنه سيأتي على الناس زمان يبقى شرار خلق الله الذين لا يعبدون الله أصلاً ، وبهذا الحالة لا يكون هناك أحد يصلي على النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ولا يوجد أحد يعمل عملاً صالحاً نقول يكتب للنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أجره ؟!
لكن تُحمل الآية عموما التي جاءت في المؤمنين وقضية بقاء الإسلام كلها إلى قرب قيام الساعة وبهذا يتضح المعنى ويستقيم ...
16ـ ما من خُلق ٍ مفرق ومبثوث في الأنبياء إلا ومجموع ٌ عند النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ، لأن الله قال: { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ولا ريب أن النبي اقتدى ، فجمع ما كان عند الأنبياء من خُلق مبثوث وفضائل متنوعة إلى ذاته ، وهذا من رحمة الله به ، ولا ينبغي أن تحمل الآية على ما يسمى بالسجايا الكريمة والأخلاق العظيمة ، وإن كان تحمل بصورة جزئية فلا ينبغي حصرها في التعامل الفردي مع الناس ، وإنما أعظم الخلق هو التأدب مع الله ، والتوحيد أعظم الأخلاق ، لأنه أي خير يرجى في رجل يشرك مع الله ، وإنما الخلق مفهومه الواسع الأدب مع الله والأدب مع الخلق ، والأدب مع الله أسه الأول والذروة منه ألا يشرك مع الله ، وقد قال بعض العلماء كلمة جامعة في هذا ( أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لم يكن في قلبه أحد سوى الله ) والمقصود كما تقول السيدة عائشة لما سئلت عن خُلقة ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قالت : ( كان خلقه القرآن )(6/30)
17ـ كل فضل إنما يطلب من الله وكل مكروب إنما يدفع بالله , ومن خلصت نيته وأختصه الله أزلاً بكرامته سيظهر خُلقه ويفيء الله عليه ويظهره الله على عباده قال الله ـ تعالى ـ : { ما يفتح الله من رحمة فلا ممسك لها }
18ـ القرآن هو مشكاة نور يضيء به الدروب ، وليس هو معاني كلمات ، فليس أن يعرف المفسر ولا المتلقي ولا المتدبر معاني الكلمات فقط ...
19ـ أحياناً تصل مع غيرك في مرحلة نزاع في مرحلة بيان هدي فيأبى ويستنكف ويستكبر أن يقبل منك ، ولكن ما يزيدك اطمئنانا أنك تعلم أن الله يعلم من هو الذي على الحق , فكون ما تقول من الحق وما تحمل من رايات عظمى في سبيل نصرة دين الله لو أحبطك المحبطون وثبطك المثبطون يكفيك قناعة في نفسك واستمرارك على طريق الخير والرشاد علمك أن الله يعلم ، ومدام أن الله يعلم فسيكافئ ويحاسب على ذلك العلم ...
20ـ الكفر كله في كلمتين أو فعلين ( التكذيب ، والتولي )
21ـ هناك أربعة أمور لابد من التفريق بينها :
1ـ مودة ، 2- مصاحبة ، 3 - معايشة ، 4ـ مداهنة
* فالمودة واجبة مع أهل الإيمان تحب أهل الإيمان ويحبونك ...
* والمصاحبة تجوز على الكافر الذي له حق كالوالدين : { وصاحبهما في الدنيا معروفا ...}
* والمعايشة تجوز إذا كان للمسلمين مصلحة حتى مع أهل الكفر، لكنها تتأكد في الأمور العامة مثل أن اليهود إذا كانوا جيران للمسلمين ، ولم يكن هناك مودة لكن كان هناك معايشة ، كذلك الذي يسافر إلى بلاد الكفار يريد الدراسة لعلم غير موجود ويضطر لمعايشة الكفار ...
* والمداهنة لا تجوز بأي حال من الأحوال ، وهي التنازل عن أمر عقدي لأنه لا توجد مفسدة أعظم من مفسدة ترك العقيدة فلهذا المداهنة لا تجوز ....(6/31)
22ـ بعض العلماء قالوا : إن كثرة الحلف غير جائزة ، واحتجوا بأن { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } ، وأن كثرة الحلف غير محمودة .. وهذا القول غير صحيح لأن كثرة الحلف بالله فيها تعظيم لله ، فالحلف محمود ، لأن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كثيراً ما يقول : ( والذي نفسي بيده ) , والله ـ - عز وجل - ـ أمر نبيه أن يحلف بالقرآن في ثلاث مواضع في ( يونس ، وفي سبأ ، وفي التغابن ) .. ولو لم يكن في الحلف تعظيم لله لأجاز أن يحلف بغيره ...
23ـ السعي في الكلام بين الناس على وجه الإصلاح لا يسمى نميمة وإنما يسمى نصيحة ، والدليل قول الله تعالى :{ إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين }......
24ـ الرغبة إلى الله من أعظم أسباب العطايا وبعد ضيق الرزق فبالتجربة التي دل عليها الكتاب كلمة { إنا إلى ربنا راغبون } من أعظم ما يتقى بها ضيق الرزق ......
25ـ القرآن أوله كآخره ، ما نزل بمكة كما نزل بالمدينة يصدق بعضه بعضا ..
26ـ الأفضل أن لا تختم القراءة في الصلاة بآية عذاب إذا كان هناك آية رحمة فأئمة الحرم كانوا يفعلون هذا ...
* مثال *
إذا قُرأت سورة وقُسّمت نصفين وفي نهاية النصف الأول آية عذاب وكان بالإمكان أن لا تقف على آية العذاب فافعله وهذا خير، وهو أمر محمود لأنه يندرج تحت قوله تعالى : { واقرءوا ما تيسر منه }
والحمد لله رب العالمين.....
تم بحمد الله وتوفيقه
*********************
(( سورة الضحى ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل حمده في أول الكتاب رحمته وجعل حمده آخر دعاء أهل جنته , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا رب غيره ولا إله سواه , وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره وأتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .....
أما بعد : سنشرع ـ إن شاء الله تعالى ـ في تفسير سورة (الضحى) ...(6/32)
هذه السورة سورة مكية باتفاق وهي من أوائل ما أنزل ... * نقول بداية : أن الله ـ تبارك وتعالى ـ كان وما زال ـ - عز وجل - ـ حفي بأنبيائه ورسله والصالحين من خلقه , قال الله ـ تعالى ـ على لسان الخليل إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ : { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً}
وممن نال هذه الحفاوة بل نال الذروة فيها نبينا محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ...
( تفسير آيات السورة ) :
* ذكر أهل العلم إنها جاءت في انقطاع من الوحي , بمعنى أن الوحي أنزل أول الأمر على نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ , ثم تتابع قليلا , ثم انفك عنه , أي أتت مرحلة زمنية
ـ أختلف في تقديرها ـ لم ينزل على النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وحي , وكان ذلك سبباً في أن كفار قريش والقريبين منه والمظهرين لعداوته ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عيّروه ولمزوه بانقطاع الوحي عنه , وقالوا له : ( بأن ربك تركك وقلاك ) بمعنى أبغضك ...
*وكانت الحكمة في تأخر الوحي : أن الله ـ - عز وجل - ـ تعهد هذا النبي الأمي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بتربيته , فلما شعر ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في أول الوحي بنزول الوحي عليه كان يجتمع في قلبه أمران :
1ـ لذة الوحي .
2ـ والهيبة والخوف من المَََلك ، لأنه أمر غير معهود له من قبل .
فلما أنقطع الوحي ذهب الخوف و أسبابه , وبقيت لذة الوحي ومناجاة المَلك و استماع القرآن , فلما أصبح ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بقلبه شغوفاً إلى استماع الوحي كرة أخرى عاد الوحي إليه , حتى يكون تلقيه للوحي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أعظم من الأول وأجل وهذا لا ينافي أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في ذروة الكمال في جميع أحواله , لكن التدرج سنة ربانية.
* والمشهور أن هذه السورة نزلت جملة واحدة وليس فيها شيء منسوخ ...
* قال الله ـ تعالى ـ في صدرها :
{والضحى ** والليل إذا سجى}(6/33)
اشتق اسم السورة من صدر ما أقسم الله به وهو ( الضحى ) , والمقصود به : هو ذلك الوقت التي ترتفع فيه الشمس , ويمتد فيه النهار ويكون فيه موطن انبساط الشمس , وهذا الوقت وقت مبارك شرع الله فيه الأضحية التي هي ما يذبح من بهيمة الأنعام , فيسمى بـ (عيد الأضحى ) , لأن الأضحية الأصل أنها تذبح في وقت ارتفاع الشمس , ويقال لمن أضحى للشمس أنه (ضاحي) أي برز لها...
قال الله ـ - عز وجل - ـ في خطابه لآدم ـ - عليه السلام - ـ : { وأن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى **وأنك لا تضمأ فيها ولا تضحى }.
ويقال للمنطقة السكنية الخارجة عن البلدة (ضاحية) , لأنها بارزة ...
( فاضحوا) في اللغة بمفهومة العام : هو البروز ...
{ والليل إذا سجى }
أقسم الله ـ - عز وجل - ـ هنا بـ ( الليل ) بقيد ، بمعنى أن الليل حينما يكون ساكناً وشديد ظلامه .... , وهذا بعكس ( الضحى ) الذي لم يكن القسم فيه بقيد ..
{ سجى }
في اللغة بمعنى (غطى) وهذا يكون في حالة سكون الليل وسكون أهله واشتداد الظلام فيه .
جواب القسم السابق :{ ما ودعك ربك وما قلى } ....
(الوداع) في اللغة يستخدم لمعنيين :
1ـ ( الترك ) فنقول لمن نريد أن نخاطبه ( دع عنك هذا الأمر) آي اتركه.
2ـ ( لتشييع للمسافر) فهو يسمى ( توديع ) و يكون غالباً لمن تحب وترجوا أوبته .... * وكلا المعنيين تحتمله الآية *
* فعلى المعنى الأول : يكون أن مازعمه القرشيون الكفار أن ربك تركك , وهو أمر منفي ..
* وعلى الأمر الثاني : لا يكون رداً على المشركين إنما يكون إن الله ـ - عز وجل - ـ عندما أخر الوحي عنك لم يكن ذلك تخليه ـ سبحانه ـ عن نبيه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أينما كان وفي كل آن وحين ...
* هذا معنى { ما ودعك } على المعنيين بمعنى الترك وبمعنى التشييع .
{ وما قلى } آي ما أبغضك وإنما حذف الضمير هنا والأصل (وما قلاك ) وقيل في ذلك :(6/34)
1ـ للاشتهار والعلم بها. 2ـ وقيل : لتتناسب فواصل الآيات فتكون فواصل وخواتم الآيات متناسبة ..
* والآية في مجملها تبين رفيع المنزلة وجليل المكانة وعظيم القدر لنبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عند ربه , فالنبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مازال في مقام عظيم جليل عند ربه حيا وميتاً ويوم القيامة ..
* أما ( حياً ) : فإن الله ـ - عز وجل - ـ خاطبه بـ ( يا أيها النبي , يا أيها الرسول ) ولم يخاطبه باسمه الصريح كالأنبياء من قبله :{ يا نوح اهبط بسلام منا} و{ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} و { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } وهذا في القرءان كثير....
و لما طلبت قريش العذاب من النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال تعالى لهم مجيباً:{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم }
* أما وهو ( ميت ) ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ :
فهو ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يعيش بجسده حياة برزخية الله أعلم بها , لكن جسده في حجرة عائشة في الجهة الجنوبية الغربية من حجرة عائشة وهو عليه الصلاة والسلام على هذه الحال لا يملك لنفسه ولا لأحد يأتيه يزوره براً ولا نفعاً ولا موت ولا حياة ولا نشورا, لكن رفيع المقام أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو ميت يذكر على المنابر وعلى رؤوس الأذان ينادى {أشهد أن محمد رسول الله } ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ
و كما مر معنا في تفسير سورة ( القلم ) أن كل عمل صالح يعمله المؤمن من هذه الأمة يذهب مثل أجره له ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ...
* أما في ( الآخرة ) فإن الله قال له :
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}
وقال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عن الوسيلة : ( فإنها منزلة في الجنة لا تكون إلا لعبد صالح وأرجو أن أكون أنا هو) ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ...
فهذا بعض من احتفاء الله ـ - عز وجل - ـ بهذا العبد الكريم والنبي الخاتم ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ .
{وللآخرة خير لك من الأولى}(6/35)
وذلك قطعاً ، فإذا أراد الله ـ تعالى ـ بعبد خيراً فآخرته خيراً من دنياه , مهما أعطي من عطايا دنيوية ...
وليس بعد سليمان في العطايا الدنيوية المحضة فقد أعطاه الله ملك لم يعطى أحد من بعده وعلمه منطق الطير ـ - عليه السلام - ـ ومع ذلك فإن الآخرة لسليمان خير من الأولى .
و هذا الوعد الإلهي لهذا النبي الخاتم ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ جعل هذا النبي يرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا ويقول : ( إنما أنا عبد ) , وخُيّر ما بين الخلد في الدنيا ثم الجنة وما بين لقاء الله ثم الجنة في أخريات حياته فاختار لقاء الله ثم الجنة ...
* وقال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لعمر لما دخل عليه وقد أثر الحصير فيه :
(أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟! أولئك أقوام عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)
وإنما كان ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ينشد الآخرة وما فيها , وهذا الذي ينبغي للعبد
مع أن الله ـ - عز وجل - ـ قال : {ولا تنس نصيبك من الدنيا} ...
وفي قوله ـ - عز وجل - ـ :{ وللآخرة خير لك من الأولى }
ما يسمى عند البلاغيين ( طباق تضاد ) لأن كلاً من ( الآخرة ) و ( الأولى ) ضد للأخرى .
* ثم قال الله ـ تعالى ـ :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى}
وعد من الله ـ - عز وجل - ـ لنبيه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بإنه سيرضيه , لكن من الخطأ إطلاق هذا الوعد من غير تقييد... ، بمعنى أن البعض يتجرأ على المعاصي , فإن سألته عن السبب قالوا : إننا من أمة محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ , والله وعد نبيه أنه سيرضيه والرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لا يرضى أن يدخل أحد من أمته النار , وهذا غير صحيح ,لأن رضاه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إنما يصنعه موافق لرضى ربه ...
وقد حكم على أهل الضلال بالنار أياً كانوا , وحكم لأهل الإيمان بالجنة أياً كانوا , فليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب إلا بالإيمان والعمل الصالح .
* ذكر الله في هذه الآية حرفان قبل الفعل{ يعطيك } هما :
((6/36)
اللام ) و ( سوف )
*( سوف ) : حرف تنفيس .... بمعنى أن هذا العطاء سيكون متأخراً بعض الشيء ,ثم أكدها ـ سبحانه ـ ( باللام ) حتى يجبر قضية التأخير , أي أن هذا الوعد الرباني لهذا النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وعد حاصل وإن تأخر , لكن هذا التأخير يتأخر لحكمة وينبغي أن تعلم أن الله ـ - عز وجل - ـ لا يعجل لعجلة أحد من خلقه . فالرضا عن الله , والرضا لله , والرضا بالله هي مقامات الأنبياء ومن تبعهم بإحسان .
* ومما أعطاه الله ـ - عز وجل - ـ لنبيه فرضي:
ما أكرمه الله ـ - عز وجل - ـ به من الفتح في الدين ودخول الناس في دين الله أفواجاً
{إذا جاء نصر الله والفتح ** ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا }
* كذلك هذا القرءان الذي جعله ـ - عز وجل - ـ معجزة له ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وخصه به من دون
غيره من الأنبياء فلا يرقى ولا يصل آي كتاب وإن كان عظيماً من الكتب السابقة التي نزلت على الأنبياء والرسل إلى أن تكون كمثل هذا الكتاب العظيم الذي جعله الله ـ - عز وجل - ـ مهيمن على الكتب كلها....
جاء النبيون بالآيات فانصرمت ** وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كل ما طال المدى جدد ** يزينهن جلال العتق والقدم
وقد تعهد الله ـ - عز وجل - ـ إكراماً لنبيه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بحفظ هذا الكتاب , وهذا من القضايا الربانية والإلهية لهذا النبي الخاتم ...{إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون }
* وأعظم العطايا ما يكون في الآخرة وهو المقام المحمود الذي يغبطه عليه النبيون والمرسلون قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : ( لواء الحمد بيدي ما من نبي آدم فمن سواه إلا وهو تحت لوائي يوم القيامة ) ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ....
* فهذا جملة من العطايا منَّ الله لنبيه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ .. *
* ثم قال الله ـ - عز وجل - ـ : {ألم يجدك يتيماً فآوى}
{ ألم } الهمزة للاستفهام ...
{(6/37)
يتيما ً} ( اليتم ) في اللغة : الانفراد..., يقال بيت يتيم أي لا مثيل له من الشعر.
وفي الاصطلاح :انفكاك الشيء عمن يعهده ويرعاه ...
** لكنه يختلف بعد ذلك اختلافا واسعاً ...
* ففي بني آدم : يطلق اليتم على من فقد أباه لأن مسألة الرعاية والعهد موكولة للأب.
* أما في الحيوانات : فإن النتاج من الحيوانات لا يعرف أباه , فيقال له يتيماً إذا فقد أمه .
* أما الطير: فيشترك الذكر والأنثى في رعاية النتاج بعد خروجه , فلا يقال له يتيم إلا إذا فقد أبويه كلاهما.
ــ والأصل تخريج الآية السابقة على الحقيقة : وهو أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كان يتيماً قطعاً, يتيم لفقده لوالده (عبد الله ) فلقد مات ونبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ حمل أي لم يولد بعد...
فهو يتيم حقيقة ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ , وكان يعرف بيتيم أبي طالب , لأنه انتهت كفالته إلى عمه أبي طالب هذا معنى تحتمله الآية...
ــ وتحتمل المعنى اللغوي اليتيم لا على المعنى الاصطلاحي.أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كان منفرداً عن قريش لا نظير له في قريش , وهذا قول لا نؤيده لكن المعنى مقبول وهو قول جيد , لكن قلنا لا نختاره لأنه يصرفنا عن معنى أهم وأعظم .... **ويؤيد هذا القول الذي ذهبنا إليه لا ما قيل مؤخراً:
) أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال في الحديث الصحيح :إني عند الله لخاتم النبيين وإن أدم لمجندل في طينته)
فيصبح معنى قول الله : { ألم يجدك يتيماً فآوى}أي نشأت يتيماً حقيقة
{ فآوى } آي آواك بأن جعلك تحت كفالة أمك , ثم تحت كفالة جدك , ثم تحت كفالة عمك , وفي كل الأحوال كان الله ـ - عز وجل - ـ يسخر قلوبهم لك , فضلاً عما كان الله ـ - عز وجل - ـ يعهدك به ويحيطك به من عناية , حتى أتم الله لك الفضل ببعثتك أيها النبي الكريم ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ....
{ ووجدك ضالاً فهدى}
{ ضالا } هنا أي متوقفاً ...(6/38)
بمعنى أنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كان يعلم أن قومه على الباطل , لكن لا يدري أين الصواب وأين الدليل , فلم يشاركهم في عبادتهم ولم يعبد ما عبدوا وفي نفس الوقت لم يكن ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يعلم أين الحق , ولا يعلم أين الطريق الحق الذي ينبغي أن يمضي عليه ويؤيد هذا المعنى قول تعالى : {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا}
وتأتي ( ضالاً ) في القرءان على ثلاثة معاني :
1ـ بمعنى ( الكفر ) , فيكون ضد الهداية والإيمان ... وهذا أكثر استعمالاً القرءان ...
2ـ بمعنى ( الاضمحلال والذهاب ) قال الله ـ - عز وجل - ـ :{ألم يجعل كيدهم في تضليل}
3ـ بمعنى ( التوقف وعدم إصابة عين الشيء )
* وهو المقصود هنا في هذه الآية *
( فهدى) أي هداك بعد أن كنت حائراً لا بعد أن كنت كافراً .... .
ثم قال ـ - عز وجل - ـ :{ ووجدك عائلاً فأغنى }
( العائل ) بالاتفاق الفقير .., وفي الحديث ( عائلاً مستكبر) آي فقير مستكبر
( فأغنى) أي جعلك غنياً وليس المقصود بالغني هنا الغنى الفاحش , إنما جعلك غني النفس يعني , عندك من المال ما يكفيك بأن سخر لك خديجة بنت خويلد لما تزوجتها ولهذا قال بعض العلماء: أن هذه المنن الثلاث كلها تتكلم عن حال النبي قبل البعثة , فجمع الله لنبيه خصيصتين عظيمتين بأن جعله ( غني شاكر وفقير صابر)
بعد أن ذكر الله منَّته الثلاث وهي رؤوس المنن على هذا النبي الكريم قال له: { فأمَّا اليتيم فلا تقهر} وهذه الآية مناسبة لقوله تعالى : { ألم يجدك يتيماً فآوى} ولقد ذاق النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ جرعة اليتم فكان ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بعد ذلك أحن الناس على اليتيم , لقد جاء القرءان العظيم بالوصايا باليتيم في مواطن كثيرة سيأتي تفصيلها في حينها ـ إن شاء الله ـ ....
{فأمَّا} وهي تفصيلية ....
{(6/39)
فلا تقهر} ( والقهر) يكون بالقول والعمل , بخلاف) النهر) لا يكون إلابالقول , وهنا قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى) ليبين القرب بينهما , وعلو منزلة كافل اليتيم...
ثم قال ـ - عز وجل - ـ : {وأمَّا السائل فلا تنهر} وهذه الآية مناسبة لقوله تعالى : { ووجدك ضالاً فهدى } ....
والبعض قد فهم أن المقصود بـ (السائل) هنا هو طالب المال , وهو لا ينصرف هنا إلى ذلك , فالسائل هنا السائل عن ( العلم ) المسترشد عنه لكن نقول من حيث اللغة تحتمل المعنيين تحتمل السائل الذي يطلب الصدقة من حيث العموم .. , وتحتمل بصورة أولية السائل عن العلم أو المسترشد عموماً عن ضياعه في طريق أو ما أشبه ذلك أو المسترشد عموماً, لكن كلمة { فلا تنهر} نقول جملة إن الدلالة العامة للآيات تدل على إنه يدخل بصورة أولية السائل عن ( العلم ) , ثم (المسترشد عن شيء فقده) وهذا معنى قوله : { فوجدك ضالاً فهدى} يعني قريب من هذا المعنى , ثم (السائل سؤال شفقة وإحسان) كطالب الأموال وطالب الصدقات وطالب الطعام يدخلون جملة , وهذا من عظمة بلاغة القرءان أن ألفاظه تكون يسيرة لكنها تحوي ضمنها معاني ثم قال ـ - عز وجل - ـ :{وأمَّا بنعمة ربك فحدث }
وهذه توافق قول الله ـ - عز وجل - ـ : {ووجدك عائلاً فأغنى}
فهم بعض العلماء أن (النعمة) المقصود بها هنا (النبوة) , ولا ريب أن) النبوة) أعظم النعم بالاتفاق , لكن القرينة هنا تدل على أنها نعمة (المال) لكن تدخل فيها كل نعمة , والمعنى هو إظهار إنه على يسر حتى لا يزهد فيه الفقير فلا يطلبه, أما التحدث بنعمة (النبوة) بالدعوة إلى الرب ـ - عز وجل - ـ ...
* والضابط في قضية الحديث عن النعمة :
ــ أن يكون وراء ذلك مصلحة شرعية , و يحسن بالمرء أن يحدث بنعم الله(6/40)
ـ تعالى ـ إذا كان ذلك مثيراً للعزائم والهمم في النفوس شريطة أن يكون طلابه والسامعون يرفقون به فلا يفهمونها أنها مدح له , إنما يفهمون منها سنة يمكن أن يحصل المرء عليها , وأنها يسيرة على من يسرها الله عليه
* هذا ما يمكن أن يقال عن هذه السورة المباركة التي منّ الله ـ - عز وجل - ـ علينا بتدبرها وتأملها سائلين الله ـ - عز وجل - ـ لنا ولكم التوفيق .....
تم بحمد الله وتوفيقه(6/41)
لطائف المعارف ((كذبت ثمود بالنذر))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبياً عن أمته...(6/1)
أيها المباركون:: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وهذا لقاء متجدد من برنامجكم ((لطائف المعارف)) ونحن ندرك من دروس سبقت ولقاءات خلت أن هذا البرنامج يحمل في طياته التنوع من عظات إيمانية أو من طرائق معرفية أو من فوائد تاريخية أو غير ذلك مما يأذن الله به ويفتح الله به تبارك وتعالى علينا فيه..(6/2)
اللقاء اليوم يحمل النظر والتأمل في قول الله جل وعلا :{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} ربنا تبارك وتعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقد دل القرآن والسنة على أن أول الرسل نوح وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الله:{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} أما الآية التي نحن في صدد التأمل فيها في هذا اللقاء المبارك وهي قول الله جل وعلا:{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} فإن ثمود قبيلة عربية كانت تسكن شمال جزيرة العرب ، وأهل التاريخ يقسمون العرب إلى ثلاثة أقسام: [عرب بائدة ، وعرب عاربة ، وعرب مستعربة] أما ثمود فإنهم هنا ينضمون حسب التصنيف التاريخي المتأخر إلى العرب البائدة لكن الكلام عنهم هنا قبل أن يبيدوا ، ثمود قبيلة عربية كانت تسكن شمال جزيرة العرب بعث الله فيهم نبياً ورسولاً اسمه صالح ، كان صالح هذا - عليه السلام - وجيهاً في قومه محبوباً لديهم كما قال الله جل وعلا عنهم أنهم قالوا:{ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} أي قبل أن تدعي النبوة قال ربنا:{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} ثمود قبيلة فلذلك أُنث الفعل في قوله جل وعلا:{ كَذَّبَتْ} ومعلوم أن ثمود لم يأتهم إلا نذير واحد هو صالح ، لكن التكذيب برسول تكذيب بالرسل كلهم وهذا من سياقات القرآن وأساليبه المتكررة {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ**فَقَالُوا} أي ثمود {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} هذه النعرة –إن صح التعبير- التي وُجدت في قوم ثمود كأنها أشبه بالموروث التاريخي في الأمم كلها فإن كل الأمم بلا استثناء الذين حكا الله جل وعلا أنهم كذبوا أنبياءهم ورسلهم كانوا يعتمدون في تكذيبهم ويتكئون على مسألة أن من بُعث إليهم بشر مثلهم هذا قاله القرشيون قاله الفراعنة قاله قوم ثمود وقاله غيرهم من(6/3)
الأمم ، قالوا:{ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} إن حصل هذا إن وقع منا هذا الإتباع { إِنَّا إِذاً} فالتنوين في قوله جل وعلا { إِذاً} عوض عن جملة أي إنا إذا اتبعناه { لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} ثم إن الله تبارك وتعالى ذكر أنهم وصفوا نبيهم الكريم الذي أُرسل إليهم والذي يعرفون خصاله وأخلاقه وقد قالوا فيه: { قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} قالوا:{ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} (بل) هنا للإضراب للانتقال (كذاب) صيغة مبالغة من (كَذَبَ) والعرب تأتي بصيغة المبالغة لمن يُكثر منه أي الفعل ، فيأتون بصيغة معينة يُفهم من خلال عرض كلامهم أن هذه الصيغة تحمل الكثرة والترداد فيها فهذا معنى قولهم{بَلْ هُوَ كَذَّابٌ} وهذا ظاهر لا يحتاج إلى مزيد بيان ، لكن الذي يحتاج إلى مزيد بيان معنى قول الله جل وعلا على لسان هؤلاء الكفرة أنهم وصفوا نبيهم بأنه:{ كَذَّابٌ أَشِرٌ} فما الذي أفادته عبارة { أَشِرٌ} في هذا السياق؟؟ الإنسان أحياناً يكذب بصرف النظر عن له دليل أو ليس له دليل ، لكن غالب من يكذب يكذب ليدفع عن نفسه ضرر ، مثال ذلك: رجل سرق أو رأيته في مكان ذا حرمة واخترق تلك الحرمة ووصل إليها فعندما واجهته وسألته لم أنت هنا؟ اضطر إلى أن يذكر عذراً حتى يخرج فيه من ذلك المأزق الذي أوقعته فيه فيصبح كذبه هنا لسبب وهو دفع الضر عن نفسه وإن كان هو قد وقع في الضر بنفسه ومضى إليه بقدميه فهذا يسمى كذاب ولا زيادة عليها ، لكن إذا كان الإنسان لا يحتاج إلى الكذب والمرء ليس في حاجة إلى أن يتصنّع أو أن يقول شيئاً وإنما يريد بذلك الكذب بأن يرتقي ويزداد مقاماً و رفعة أو حصول على أشياء لا حاجة له بها في الأصل لا ليدفع ضرراً قائماً يسمى هذا (أشر) فهذا معنى قولهم ، أي أنهم قالوا إنك أيها المتنبئ الذي تزعم النبوة وتدعيها وتزعم أنك رسول لا حاجة لك وأنت مكرم بيننا ومرجو ولك الجاه والحظ الأكبر بيننا لا حاجة لك في(6/4)
أن تكذب حتى تدعي النبوة وهذا من منطلق زعمهم وظنهم الفاسد أن صالحاً عليه الصلاة والسلام أراد بذلك الكذب أن يصل إلى مقامٍ أرفع بينهم ، فهذا معنى قول الله جل وعلا:{ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } قال ربنا:{ سَـ} (السين)للمستقبل القريب { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} لكن كلمة { غَداً} لا تعني اليوم التالي للحديث بخلاف الغد والعرب تقول في سنن كلامها: إن من الكلام ما إذا عُرِّف نُكِّر وإذا نُكِّر عُرِّف ، فمثلاً كلمة (أمس) فإذا قال الرجل:[رأيت صاحبي أمس] فهو يعني اليوم الذي قبل أن يتحدث فيه فإذا حكا هذا الكلام يوم الخميس فإنه يقصد يوم الأربعاء وإذا حكاه يوم الجمعة فإنه يقصد يوم الخميس مع أن كلمة (أمس) هنا نكرة لم تُعَرَّف لكنها إذا نُكِّرت عُرِّفت فإنه لزاماً على هذا أن الإنسان إذا عرفها أراد بها النكرة قال الله جل وعلا:{ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} أي فيما مضى ولا يُقصد في اليوم الذي قبل أن يحكي الله جل وعلا فيه الآية ، هنا يقول ربنا تباركت أسماؤه وجل ثناؤه: {سَيَعْلَمُونَ} أي قوم ثمود { غَداً} أي في مستقبل أيامهم ومنه قول الله جل وعلا:{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ** إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ** إِنَّا}والله جل وعلا هنا يبين أنه لا عذاب حتى تقوم الحجة { إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} الناقة ليست الآية فيها في أنها ناقة فالنياق في الأرض كثير وقد كانت نياق عديدة في قوم ثمود ، لكن الآية فيها و المعجزة فيها أنها خرجت لهم من صخرة صماء وهذا ينبغي أن يستصحبه المرء وهو يفهم آيات الله التي أيد الله بها رسله قال الله جل وعلا مثلاً حكاية عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام قال:{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ(6/5)
وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} فقول الله جل وعلا {آيَاتٍ} هو الذي يعنينا هنا لماذا؟ لأن [القمل والضفادع والجراد] تكون في كل زمان و في كل مكان تكون في كل عصر و في كل مصر فأين الآية فيها؟ الآية أنها خرجت عليهم على شيء غير مألوف على حال غير معهودة ولهذا أصبحت آية كذلك الناقة هنا قال الله جل وعلا:{ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} وقال في الإسراء:{و َآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} وهذه {مُبْصِرَةً} صفة لموصوف محذوف أي ( وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ آية مُبْصِرَةً) والمقصود قال الله جل وعلا:{ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ} اختبار ابتلاء {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ** وَنَبِّئْهُمْ} نبئ قومك {أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} بين الناقة من وجه وما بين قومك من وجه آخر ، بمعنى أن أهل القرية أهل ثمود كلهم يشربون في يوم واليوم الآخر تكون البئر كلها من نصيب الناقة وكون الناقة تشرب ما تشربه القبيلة كلها في يوم هذا من قرائن وبراهين أنها ناقة معجزة وأنها آية أُيِّد بها رسولهم لكنهم لم يكونوا يلتفتون إلى هذا المعنى لأن الله جل وعلا جعل قلوبهم غلفاً –نعوذ بالله من ذلك- { إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ** وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} ماذا كانت ردة فعلهم؟ دائماً الناس يحاولون أن يتبنوا نظرية ثم إذا –في أول الأمر- اقتنعوا فيها حملوها أحدهم فيختلف الناس هنا على ضربين: فمن الناس من ينظر في ذلك الأمر الذي يُراد أن يُحمّله فإذا رآه عظيماً جليلاً وراءه ما وراءه من العز والرفعة في الدنيا والآخرة تقلده وهو الذي يجب أن تنصرف إليه الهمم
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم(6/6)
لكن أناساً غلبت عليهم الشقوة فسدت الطينة يتقلدون أي أمر لأنهم ينظرون يسارعون إلى الظهور في أي حال كانت ولهذا حذر الله أولياءه بقوله:{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً} فهؤلاء القوم قوم ثمود تبنوا مسألة عقر الناقة لكنهم لم يستطيعوا أن يحملوا ذلك الهم فيقوموا به فما زالوا يتدافعونه حتى مكث في تسعة { تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} ثم انصرف هؤلاء التسعة قلَّ حالهم إلى أن أصبح في شخص لكن التسعة وباقي القبيلة من غير المؤمنين كلهم كانوا بقلوبهم وجوارحهم مع ذلك المعروف بـ[أُحيمر ثمود] عاقر الناقة قال الله جل وعلا:{ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} أي عقر الناقة فحق عليهم العذاب قال الله تبارك وتعالى:{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ** إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ** فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} أي محذراً {فَكَذَّبُوهُ} فيما قال { فَعَقَرُوهَا} أي عقرها ففي سورة القمر هذه التي بين أيدينا نسب الله ذلك إلى واحد منهم وفي سورة الشمس نسبه الله إلى الجماعة فنسبته إلى الفرد وهو [قُبار بن سالف] أُحيمر ثمود عاقر الناقة باعتباره أنه باشر عقر الناقة أما نسبته إلى القبيلة كلها الكافرين من القبيلة فهذا باعتبار أنهم كانوا راضين تمام الرضا يتبنون هذا الأمر وقلدوه صاحبهم ذلك فقال الله جل وعلا:{ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ** وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} أي أن الله جل وعلا أهلكهم وجعلهم حصيداً كأن لم تغن بالأمس جزاءً لهم كذبوا ذلك الرسول الذي بُعث لهم وتلك سنة الله جل وعلا في سائر من كذب رسله إلا فيمن كذب نبينا - صلى الله عليه وسلم - لأن الله قد علم أزلا أن هذا النبي هو خاتم الأنبياء وأن أمته آخر الأمم ولم يكن(6/7)
الله قد أذن بهلاك العالم آن ذاك فلذلك لم تبتل الأمة بآية معجزة ظاهرة أي أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا تهلك وهذا بينه الله جل وعلا في سورة الإسراء وهو محرر في دروس خلفت وأيام سلفت الذي يعنينا أن هذا ما ذكره الله جل وعلا في سورة القمر عن خبر عبده ونبيه صالح عليه السلام بقي شيء يسمى ارتباط ما بين حَذَف وحَذَف سبقنا إليه ودلنا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه:( أشقى الأولين أحيمر ثمود عاقر الناقة) ثم قال:( وأشقى الآخرين..) وأشار إلى رقبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه وقال:(..من يفصل هذه عن هذه) أي: من يكون على يديه قتلك يا علي ، وقد قُتل علي على يد عبدالرحمن بن ملجم المرادي في خبر مشهور مستفيض معروف قتله وهو غادٍ إلى صلاة الفجر ، والعجب أن لأمير المؤمنين ابنة اسمها (أم كلثوم) كان قد تزوجها عمر رضي الله عنه وأرضاه قبل هذه أم كلثوم كانت تقول:( مالي ولصلاة الفجر ) ذلك أن زوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قُتل في صلاة الفجر وأبوها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قُتل في صلاة الفجر وهو غادٍ إلى صلاة الفجر وهذا من باب اللطائف والبرنامج اسمه ((لطائف المعارف)) المتعلق بخبر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :(أشقى الأولين أُحيمر ثمود وأشقى الآخرين من يفصل هذه عن هذه) وأشار إلى علي رضي الله عنه وأرضاه...
هذا ما تحرر إيراده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله،،،
والحمد لله رب العالمين...(6/8)
بسم الله الرحمن الرحيم
لطائف المعارف [ليلة القدر]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين،،،، أما بعد(6/1)
أيها الإخوة المباركون هذا لقاء متجدد من برنامجكم [لطائف المعارف] لقاء هذا اليوم يحمل عنوان [ليلة القدر] نعلم جمعاً أن المسلمين في العشر الآواخر من شهر رمضان من كل عام يرتقبون هذه الليلة بداية نفصل ونؤصل على الوجه التالي الله جل وعلا يقول وقوله الحق:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فهذا ظاهر الدلالة في أن القرآن ابتداء نزوله على الراجح في شهر رمضان ، وعندما نقول على الراجح لا نقصد أنه هناك شهر آخر لا ؛ نقصد أن المفهوم معنى قول الله جل وعلا:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} الراجح من معنى كلمة {أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} أي ابتداء نزوله ؛ لأن قول ربنا جل وعلا :{أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} يحتمل معنيين المعنى الأول وهو ما رجحناه: أن يكون ابتداء نزوله والمعنى الثاني: هو أن يكون نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا إلى بيت العزة في السماء الدنيا والأول هو الأظهر ، نقول: قال الله جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وهنا لم يحدد الله الليلة لكنه قال جل ذكره في سورة الدخان:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} فهذا وصف لتلك الليلة التي ابتدأ فيها نزول القرآن بأنها ليلة مباركة قال جل وعلا في سورة القدر:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فنُعتت هذه الليلة بأنها مباركة في سورة ونُعتت بأنها ليلة القدر في سورة أخرى ، وقال جل ذكره في سورة الأنفال:{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...(6/2)
} وحدد أهل الغنائم إلى أن قال:{إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وهذا كان يوم بدر ؛ لأن يوم بدر هو اليوم الذي التقى فيه الجمعان وهو يوم الفرقان وهذا أمر متفق عليه ، من تحدد أربعة أزمنة كلها تدل على قضية ابتداء نزول القرآن ، لكن تحديد ليلة القدر أمر اختلف العلماء فيه ؛ لأن الأدلة في الباب واسعة وفصل الخطاب أن يقول: إن العلماء رحمة الله تعالى عليهم نظروا إلى هذه الأدلة فمنهم من نظر إليها فأخذ بمنحى يجزم من خلاله أن ليلة القدر ليلة ثابتة لا تتغير فإن قلنا إنها ليلة سبع وعشرين مثلاً فهي في كل عام عند هؤلاء ليلة سبع وعشرين ، وآخرون يقولون إن الأدلة التي بين أيدينا لا تساعد على هذا المنحى فهم يقولون جمعاً بين الأدلة أن هذه الليلة المباركة تتنقل فقد تكون في عام ليلة سبع وعشرين وقد تكون في عام آخر ليلة إحدى وعشرين وهكذا ويقولون إنها في ليال الأوتار أوكد ومع ذلك لا يمنعون أن تكون في ليال الشفع ، على هذا نقول ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الوسطى فاعتكف معه أصحابه فلما كانت صبيحة يوم عشرين قام - صلى الله عليه وسلم - خطيباً في الناس فقال:(إنني كنت قد أريت ليلة القدر فأنسيتها فالتمسوها في الأوتار من العشر الأواخر وإنني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فمن كان معتكفاً فليعتكف معي ) أي من سبق أن اعتكف معي العشر الوسطى فليبقى في معتكفه فعاد - صلى الله عليه وسلم - إلى معتكفه واعتكف ، قال أبو سعيد رضي الله عنه وأرضاه:(لم يكن يومئذ في السحاب قزعة فلما كان الليل أمطرت -أي السماء- وسال السقف وكان السقف من جريد النخل فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه الصبح) قال أبو سعيد رضي الله عنه(6/3)
وأرضاه:(فرأيت أثر الماء والطين في جبهته صلوات الله وسلامه عليه) أنت تلحظ هنا أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :(وإنني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين) يتحقق في هذا المفهوم وهي ليلة إحدى وعشرين ، لكننا نجد أن أبياً بن كعب رضي الله عنه وأرضاه يقسم أنها ليلة سبع وعشرين ، كما ثبت من حديث آخر أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد في ماء وطين ليلة ثلاث وعشرين ؛ هذا كله هو الذي جعل أهل العلم رحمة الله تعالى عليهم يختلفون في تحديد تلك الليلة ، على أن هذه الليلة جاء عند مالك في الموطأ بلاغاً بلغه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقاصر أعمار أمته فعوضه الله جل وعلا بليلة القدر فجعل الله العبادة فيها بألف شهر تعويضاً عن تقاصر أعمار هذه الأمة وهذا البلاغ من مالك قد يُقبل لولا أنه معارض بحديث صحيح رواه النسائي في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي ذر أن أبا ذر رضي الله عنه وأرضاه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القدر (أهي تكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟) فقال - صلى الله عليه وسلم - :(لا ، بل هي باقية) فهذا الحديث الذي رواه النسائي من حديث أبي ذر يجعلنا نتحفظ على قبول ذلك البلاغ الذي عند مالك في الموطأ من أن أصل القضية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقاصر أعمار أمته فعُوِّض عنها بالعبادة في ليلة القدر وأنها تساوي ألف شهر ، الله جل وعلا يقول في سورة القدر:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقلنا إن المعنى: ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} هذا أسلوب يُقصد من هذا الاستفهام التعظيم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} ثم جاء الجواب مجليا قال الله تبارك وتعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ** لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} هنا لم يذكر الله جل وعلا خير في ماذا ، لكن المتفق عليه أن العبادة(6/4)
فيها خير من العبادة في ألف شهر ، هنا ننيخ المطايا الناس –أيها المبارك- إذا وجدوا رجلاً تغيرت حاله من فقر إلى عنى من ذل إلى جاه من وظيفة حقيرة إلى وظيفة مرموقة قالوا: فُتحت له ليلة القدر وهذا يعني أن فئاماً من الناس ما زالوا يربطون ليلة القدر بالمصالح الدنيوية المحضة ، وهذا خلاف المقصود من ليلة القدر ، فمعنى قول الله جل وعلا:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: أن العبادة فيها خير من ألف شهر فتحري ليلة القدر الذي كان يصنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحث الأمة عليه وقال:(تحروها ، التمسوها في العشر الأواخر..) كل ذلك المقصود منه أن يقع من المرء عبادة لربه تبارك وتعالى علّ الله جل وعلا بتلك العبادة يقبلها منه فإذا قبلها الله من ذلك العبد فكأنه كُتب لذلك العبد أنه عبد الله جل وعلا ألف شهر أي أكثر من ثلاثة وثمانين عاماً وهذا في الميزان شيء عظيم ، وفي الكتاب شيء أعظم ؛ ولهذا ينبغي على المؤمن أن يستحضر أو يستصحب هذا الشأن العظيم وهو أنه يرجو الله جل علا بتلك الركعات والدعوات والتلاوات التي يقولها في ليلة القدر ويقوم بها أنها تُكتب له ، فإذا كُتبت له كأنه عبد الله جل وعلا ألف شهر فثقُل بذلك الميزان وحصُل على عفو الرحيم الرحمن.. أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتمثل قول الله جل وعلا:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} فأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن قدموا لنا الكثير من السنة والسيرة التي كانت تقع في طيات تلك الحجر المباركة ، أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها مثلها مثل غيرها من أهل الإسلام ترقب تلك الليلة تسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا ويندبنا أن نتحراها ونلتمسها فتقول:(يا رسول الله أرأيت..) تخاطبه (..(6/5)