وآخرون قال الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ{39} النور ) وإن من يقرأ قول الله (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) ما كان لهُ بعد ذلك إلا أن يُسلم قلبهُ لربه لأن كُل أحد شاء أم أبى سيقف بين يدي الله ،ثم ما مضى من أعمال وما خبر من أيام وما كان من صالحات أردت بها وجه الله تجدُها في موطنٍ أنتَ أو أنتِ أيتُها الأختُ المُباركة أحوج ما نكون إليها ، والله جل وعلا يوم القيامة يأتي للمؤمن الذي يُريد الله أن يُكرمه فيُريهُ عملهُ الصالح وأنهُ تُقبل منه فيفرح ثم يُريه عملهُ السيئ وأنهُ قد غُفر لهُ ـ ماذا يصنع ؟ ـ يزدادُ فرحا ، ويأتي الله بالكافر فيُريهِ عملهُ السيئ فيحزن ثم يًُريه عملهُ الصالح دنيوياً كإطعامٍ وحسن جوار وأمثالهِ فإذا رآه وفرح أحبطهُ الله لهُ لأنهُ كان كافراً بالله فيزدادُ حُزناً على حُزن وكلُ عاقلٍ منكم ـ وكلكم عقُلاء ـ يفهم أن هذا كله الذي ذكرناه وحررناه ما يُمكن أن ينالهُ أحد إلا إذا أراد الله فيقطع المؤمن قلبهُ عن التعلُق بكل أحد لا تقول أنا سأذهب إلى محاضرة فُلان ليرق قلبي إسأل الله أن يُرق قلبك في أي مكان ولا تقُل أنا أسمعُ لشريط فُلان لينكسر قلبي لا تُعلق قلبك بأحد لا بمحاضرة ولا بقراءة زيدٍ ولا بتأمُلات عمر لكن اسألها الله ثم كيف تأتيك هذا أمرٌ بحسب إرادة الله ، لكن ينبغي أن تكون القلوب مُستسلمة مُذعنه لربها جل وعلا لا يُمكن لها أن تعُول على أحدٍ من الخلق وأن الله جل وعلا إذا أراد بك خيراً أمّنك من حيث تخاف كما أن الله إذا أراد بعبدٍ ـ عياذاً بالله ـ خزياً خوفهُ من حيث يُريد الأمان لكن الله قال وهو أصدق القائلين (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ(1/29)
عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63} لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{64} يونس ) اللهم إنا نسألك الفوز العظيم ، اللهم إنا نسألك الفوز العظيم ، اللهم إنا نسألك الفوز العظيم ، سُبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين ..(1/30)
(تأملات في سورة القمر)
الحمد لله الذي خلق آدم من طين وأسيد له ملائكته المقربين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إله الأولين وإله الأخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ...... أما بعد.(1/1)
أيها الأخوة المؤمنون فهذا بحمد الله وعونه اللقاء الرابع وسنقف خلاله مع سورة مكية هي الأخرى هي سورة القمر وعدد آياتها خمس وخمسون آيه وهي سورة مكية تعنى بما تعنى به السور المكيه عادة من الكلام في أصول العقيدة الثلاث . أولا: إثبات الألوهيه للرب جل وعلا . ثانيا: وإثبات الرساله لنبينا صلى الله عليه وسلم . ثالثا:وذكر البعث والنشور. فالقضايا التي تتناولها السور المكيه التي نحن بصدد الوقوف معها في تفسير الجزء السابع والعشرين من كتاب الله الكريم تتشابه تشابها كثيرا لأنها تعنى بقضايا واحده وعلى ذلك سبق الدروس مشابه لها فكما جرت العاده في تدريسنا ما اشتهرت معرفته وكثر الحديث عنه سواء منا أومن غيرنا غالبا لا نذكره لاشتهاره ولعلم الطالب به ونحاول أن نستثمر الوقت فيما ليس بغالب قدر الإمكان ونبقى مقصرين أينما حاولنا لكن الله المستعان أن ينفع بهذا القليل وأن يبارك فيه وأن يكتب لنا ولكم العون والتوفيق والسداد والإخلاص من قبل ومن بعد السورة اسمها سورة القمر وسميت بهذا الاسم لذكر القمر فيها قال الله جل وعلا في صدرها ( اقتربت الساعة وانشق القمر) والقمر آية من آيات الله ويقال له مع الشمس القمران ويقال لهما القمران كما بينا في أكثر من الدرس للتغليب لأن العرب إذا ثنت تختار شيئا أغلب في أحد ماثنته ثم تذكره باسم يجمعهما يقولون القمران على الشمس والقمر لأن القمر مذكر والشمس لفظها مؤنث فلا يقولون الشمسان يقولون القمران ويقولون المكتان على مكه والمدينه لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينه ويقولون العمران في حق الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه وحق أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنهما لأن عمر اسم مفرد يمكن تثنيته وأبوبكر اسم مركب تركيبا إضافي فلا يمكن تثنيته فلذلك قالوا العمران ويقصدون الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما .(1/2)
و هذه السوره أي سورة القمر هي إحدى السور التي يقرن النبي صلى الله عليه وسلم بها مع أخرى في بعض المناسبات . ومما يقرن النبي صلى الله عليه وسلم به واشتهر في الصحيح والسنن ثلاث قرائن قرن عليه الصلاة والسلام بين "سبح والغاشيه" وكان يقرأ بهما في الجمع والأعياد وقد وافق يوم جمعة في حياته صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى بهم العيد" بسبح والغاشيه "ثم لما جاءت صلاة الجمعه صلى بهم صلاة الجمعه في نفس اليوم بسبح والغاشيه ولم يكن بينهما صلاه يعني صلى بهم صلاة العيد فقرأ" سبح والغاشيه" ثم لما جاءت صلاة الجمعه ظهرا صلى بهم الظهر وأعادها عليه الصلاة والسلام وقرن بين "سبح والغاشيه" هذه واحده . الثانيه كان يقرن عليه الصلاة والسلام في صباح الجمعه في فجر الجمعه غالبا مايقرن بين (آلم*تنزيل) السجده وبين سورة الإنسان (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) وهذه الثانيه والثالثه كان يقرن في الجمع والأعياد عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح وأصحاب السنن من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن . مابين سورة (ق*والقرءان المجيد ) وبين سورة (اقتربت الساعة وانشق القمر) فهذه بهذا يتضح أن سورة القمر إحدى القرائن الثلاث لنبينا عليه الصلاة والسلام التي قرن بها في صلواته وقد قال العلماء إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرن بين (ق) و(اقتربت الساعه) في الجمع والأعياد والمحافل الكبار هذه مايتعلق بما تقتضيه في فضيلة السورة أولا أما سبب التسميه فهذا ظاهر لأن القمر ورد ذكره فيها قال الله جل وعلا (اقتربت الساعة وانشق القمر*و إن يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر* ولقد جاءهم من الأنباء مافيه مزدجر* حكمة بالغة فما تغن النذر)الخطاب هنا في الأصل لكفار مكه والقضيه المراد إثباتها هي قضية البعث والنشور ولن يكون بعث ونشور حتى تكون القيامه .(1/3)
ولن تكون قيامة كبرى حتى تكون قيامة صغرى . والقيامة الصغرى بالنسبة للفرد الواحد موته من مات قامت قيامته ثم القيامة الكبرى ثم الساعه وهو هلاك الناس ثم الساعه نفس الشيء تطلق على قيام الناس مرة أخرىهنا الله جل وعلا يخبر بقرب الساعه فقال تبارك وتعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر ) فلنترك (وانشق القمر ) جانبا ولنبدأ باقتربت الساعه الله جل وعلا هو الذي خلق الساعه هوالذي خلق القيامه مادام جل وعلا هو الذي خلقها هو أعلم بها متى تكون فقد أخبر جل وعلا أنها اقتربت فهذامن أعظم أدلة وكفى به دليلا أن الساعة اقتربت ولايرجى لدليل خارج القرآن إلا من باب الإستئناس إذا وجد دليل في القرآن فأعظم الأدله أن الساعة اقتربت قول الله ( اقتربت الساعه) وطالب العلم منظم في أدلته يسرد من القرآن ماهو ظاهر ثم ينتقل إلى سرد السنه ثم ينتقل إلى أقوال الصحابه و إلى إجماع الأمه وهكذا لكن يبدأ بالأصل العظيم وهو القرآن ولذلك نقول إن الساعة اقتربت بدليل أن الله قال (اقتربت ) أما الأدلة غير هذا الدليل فهذا كثير فمن الأدله العقليه أن هذه الأمه هي آخر الأمم ونبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء فليس بعد ذلك إلا أن تقوم الساعه قال صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعه كهاتين وأشار إلى إصبعيه السبابه و الوسطى ) والمقصود من هذا المثال أننا لوفرضنا أن هاذين الإصبعين يشيرين إلى الجدول الزمني فإن الفارق مابين مبعثه صلى الله عليه وسلم ومابين الساعه من زمن كالفارق مابين أعلى السبابه وأعلى الوسطى فهما يكادان يتقاربان في الطول والنبي عليه الصلاة والسلام بعث في هذه المرحله من قيام الساعه وهذا كله يدل على اقتراب الساعه ولذلك عبر عنها القرآن بقوله (اقترب للناس حسابهم ) وقال في ءاية أوضح (أتى أمر الله فلاتستعجلوه ) فعبر الله (بأتى) لتحقق وقوعه هذا شيء ولقرب وقوعه وهذا شيء آخر وقد جعل الله جل وعلا للساعة أشراطا مع أنه أخفى تبارك(1/4)
وتعالى وقتها لكن المقطوع به أنها لاتقوم إلا يوم جمعه لكن جعل الله لها أشراطا قال الله تعالى ( يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات ولأرض لاتأتيكم إلا بغته يسئلونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لايعلمون ) لكن الله جل وعلا جعل لها أشراطا وعلامات وأعلم الناس بهذه الأشراط والعلامات النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل جبريل كما تعلمون نبينا عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعه وجبريل يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام لايعلم متى الساعه لكن هذا من باب تعليم الناس قال أخبرني عن الساعه والرسول يعلم أن جبريل لا يعلم ويعلم أن هذا هو جبريل وإن كان في غير هيئته التي خلقه الله عليها لكن يعلم أنه جبريل فلذلك قال له مالمسئول عنها بأعلم من السائل معنى الكلام أي علمي وعلمك فيها سواء فلا أنا ولا أنت يعلم متى الساعه لكن الله قلنا جعل لها أشراطا وعلامات قال الله في كتابه (فقد جاء أشراطها) أي علاماتها وهذه الأشراط العلماء رحمهم الله تقصوا القرآن تقصوا السنه والآثار الصحيحه فتبين لهم أن هناك أشراطا اصطلح على تسميتها بعلامات صغرى وعلامات اصطلح على تسميتها بعلامات كبرى والعلامات الكبرى أصلا منها ما يأتي منتظما وراء بعضه البعض يبدأ من المهدي حتى قيام الساعه هذه تأتي سريعه ما قبل ذلك قد يأتي ببطء والله جل وعلا أعلم..فمن العلامات التي تدل على قرب الساعه مبعثه صلى الله عليه وسلم كما بينا في الحديث وقد قال عليه الصلاة والسلام أحاديثا تدل على قرب الساعه منها: فتح بيت المقدس وهذا وقع. ومنها مقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأرضاه وفتح باب الفتنه وهذا وقع.(1/5)
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (لاتقوم الساعه حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) بصرى هي الآن محافظة حوران في سوريا غير بعيده عن دمشق هذه هي بصرى في اللفظ النبوي والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقوم الساعه حتى تخرج نار من أرض الحجاز) النار التي أخبر أنها صلى الله عليه وسلم هذه الآيه وقعت عـ 654ــام هجري أي في أواسط القرن السابع خرجت نار من المدينه من جهة الحره الشرقيه عند حرة بني قريظه هذه الحجار السود التي ترونها خرجت هذه النار فرأها من كان في مدينة حوران في سوريا ووقع صدق ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم ولذلك حرص العلماء على تدوين هذه الحادثه لأن فيها دليل على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلماء كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البدايه والنهايه وذكر غيره أن كثيرا من طلبة العلم آنذاك ممن هم في القرى النائيه حول المدينه كانوا يكتبون ويحررون الكتب ويقرؤن على ضوء تلك النار وقد سبقها رجفات وزلزلة شديده قال بعض من شهد تلك النار أن ارتفاعها في أول ظهورها كان كعلوا ثلاث منارات ولا ندري بالضبط كيف كانت المنارة آنذاك لكنها كانت بلا شك فيها شيء من الإرتفاع ثم أخذت تزيد واستمر أياما عديدة الذي نقصده ونعنيه في سياق هذا الخبر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من قرب قيام الساعه وهو عليه الصلاة والسلام عندنا وعند كل مؤمن صادق مصدوق لاشك في ذلك صادق فيما يقول مصدوق فيما يقال له صلوات الله وسلامه عليه.(1/6)
من أشراط الساعه: أخبر عليه الصلاة والسلام أن الساعة لن تقوم حتى تكلم السباع الإنس وهذا أصل الحديث فيما رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بسند صحيح أن أعرابيا يرعى الغنم وبينما يرعاها جاء ذئب فانتزع شاة منها فتبعه الراعي واستطاع أن يأخذ الشاة فأقعى الذئب على ذنبه وقال: اتق الله هذا الذئب يقول للراعي رزق ساقه الله إلي تنزعه مني فتعجب الأعرابي وقال سبحان الله ذئب مقعٍ على ذنبه أي على مؤخرته يكلمني كلام الإنس فقال الذئب: أعجب منه محمد صلى الله عليه وسلم في يثرب يحدث الناس بأخبار من سبق. فقام الأعرابي وأخذ غنمه وقدم على المدينه ثم وضع غنمه في زاوية من زواياها ثم دخل المسجد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس أن الصلاة جامعه فلما اجتمع الناس أمر النبي عليه الصلاة والسلام الأعرابي أن يقول لهم القصة كلها فقالها الأعرابي فقال صلى الله عليه وسلم(صدق والذي نفسي بيده لاتقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه ) وللحديث بقيه. هذا سيقع كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم إن متنا قبله أوشهدناه أيا كان الأمر فنحن نؤمن بكل خبر صح عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه هذه الأشراط كلها قد تكون ممهده للساعه أما أعظم الأشراط الذي يؤذن بقرب الساعه حقا/ خروج المهدي والمهدي قلنا في أكثر من درس رجل من ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان واسمه على اسم رسول الله محمد بن عبد الله وأهل السنة سلك الله بنا وبكم سبيلهم يقولون إن اسمه محمد بن عبدالله الحسني العلوي الفاطمي الهاشمي فهو حسني لأنه من ذرية الحسن وعلوي لأنه من ذرية علي وفاطمي نسبة إلى فاطمه وهاشمي لأن علي من بني هاشم وهو جده النبي صلىالله عليه وسلم لأمه . لأن أبناء الحسن من فاطمه وفاطمه أبوها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه .(1/7)
هذا يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا في زمنه يخرج الدجال فيقتتلان المهدي والدجال وفي قمة الصراع بينهما ينزل عيسى ابن مريم فيصبح ثاني الأشراط الكبرى بعد خروج المهدي خروج الدجال والدجال: شاب قطط أعور العين اليمنى أحمر كأن عينه عنبة طافئه كتب الله له نوع من السلطان فتنة للناس قال عليه الصلاة والسلام ( مامن فتنة من خلق آدم إلى أن تقوم الساعه أعظم من الدجال ) وقال عليه الصلاة والسلام ( إنه لا محاله أنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وإنه لا محاله خارج فيكم فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج وأنا ميت فكل حجيج نفسه) ثم أوصى صلى الله عليه وسلم بقراءة أوائل سورة الكهف لأن الله عصم بما جاء في آية الكهف أخبر أن أولئك الفتيه عصمهم الله من الطاغيه في زمانهم فمن يقرأ هذه السوره ويحفظ أولها يعصم من الطاغيه في زمانه وهو الدجال الذي إذا أدرك الدجال . هذا أنا أتكلم بإجمالا لأن هذا سبق الكلام عنه كثيرا . ثم في حياة الدجال ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إذا طأطأ رأسه يظهر كأنه تنزل منه قطرات ماء وليس فيه قطرات ماء لكن يظهر لمن رأها كأنه لِتَوهِ متوضيء فينزل ومعه حربة فيقتل الدجال فإذا قتل الدجال أسلم الناس. الأمر الأمر لعيسى ابن مريم فيمكث عليه الصلاة والسلام لايقبل الجزيه ولايقبل إلا الإسلام ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ثم يقال عليه الصلاة والسلام أي نبينا طوبى للناس في العيش بعد عيسى ابن مريم فإنه في حياته ينزع الله حمة كل ذات حمه أي شر كل ذي شر .(1/8)
ثم يمكث عيسى ماشاء الله ورد أنها سبع سنين وورد غير ذلك ثم بعد ذلك يبدأ الأمر ينتهي إلى النقصان كما اكتمل في عهد عيسى يبدأ في النقصان حتى تخرج الدابة تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت لايقبل الله جل وعلا توبة أحد كائنا من كان قال الله جل وعلا :( يوم يأتي بعض ءايات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا...(1/9)
) ثم يبدأ الناس يتناقصون دينيا حتى يأتي ذو السويقتين من أرض الحبشه فيهدم الكعبه وينزعها حجرا حجرا ويسلبها كنوزها ثم بعد ذلك يأخذ الإيمان في التلاشي ويرفع القرآن في ليلة ثم يبقى شرار خلق الله أعاذنا الله وإياكم من تلك الحقبه ثم يأمر الله ملكا يقال له إسرافيل أن ينفخ فينفخ فهذه نفخة الصعق الأولى وهي الساعة التي حذرها الله جل وعلا عباده هذا معنى قول الله (اقتربت الساعة) وسيأتي البعث بعد قليل ( وانشق القمر) قلنا إن القمر آيه منءايات الله وهو مسير بأمر الله في غدوه ورواحه وشروقه وغروبه وطلوعه ومغيبه ،هذا القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكه في الفتره المكيه طلب القرشيون منهءاية فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر فانفلق القمر بأمر الله فرقتين حتى رأى الناس حراء الجبل المعروف في مكه رأو الجبل بين الفرقتين فقال صلى الله عليه وسلم وكان بجواره أبي بكر اشهدوا في بعض الروايات أنهم كانوا في منى ومنى من مكه قال: اشهدوا فهذه حجه أقامها الله على القرشيين على قرب قيام الساعه وعلى صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال القرشيون بعضهم لبعض لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشه إنما سحر أعينكم فإذا كان السفار أي المسافرون الذين في غير مكه اسألوهم إن كانوا رأوا القمر فإنه انقدر على سحركم لايقدر على سحر غيركم فلما أقبل السفار من كل وجه سألوهم فقالوا نعم شهدنا القمر قد انفلق فرقتين مع ذلك كله لم يؤمنوا ولن يؤمن إلامن كتب الله له الإيمان ولذلك الله قال (حكمة بالغة فما تغن النذر ) قولهم سحركم ابن أبي كبشه أظهر المعنى هنا أبي كبشه هو زوج حليمه بما أنه زوج حليمه أصبح أبا للنبي عليه الصلاة والسلام من الرضاعه فقول القرشيين لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشه يقصدون النبي عليه الصلاة والسلام لكن هنا نسبوه إلى أبيه من الرضاعه ولم ينسبوه إلى أبيه من النسب هذه الآيه إحدى معجزاته صلوات الله وسلامه عليه ولا شك أن للنبي(1/10)
عليه الصلاة والسلام معجزات كثيره لا تعد ولا تحصى بل قال الشافعي رحمه الله الإمام المعروف إنه ماأعطي نبي نوعا من المعجزات إلا وأعطي النبي صلى الله عليه وسلم مثلها
قال شوقي:ــ
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له .
وأنت أحييت أجيالا من الرمم.
يعني إذا كان عيسى كلم ميتا فإنك أحييت أمة من الموات. والعلماء عند قضية عيسى وإحيائه للموتى يقولون إذا كان عيسى قد أحيا الموتى فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حن له الجذع وموات الجذع في الأصل أعظم من موات الميت وأيا كان هذا لا يحسن التفضيل بين الرسل بهذه الطريقه لكن نقوله على وجه الإجمال ثم قال جل وعلا ( وإن يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) فلما قال لهم السفار: إننا رأينا القمر منفرق قالوا مازاد الأمر شيء هذا سحر محمد مستمر علينا وعليكم ومازالت الأمور عندهم في لبس وظنون لأنهم لايريدون أن يؤمنوا ( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) ثم قال جل وعلا ( وكل أمر مستقر) معنى (وكل أمر مستقر ) أي أمر في الدنيا سيكشف سينتهي إلى جلاء قال طرفه:
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبارملْم تُزَوَدِي .(1/11)
وكل أمر سينجلي مهما حاول الإنسان أن يخفي شيئا سيتضح وكل أمور إذا صبرت عليها ستنتهي بك إلى أحد الأمرين إما إلى خير أو إما إلى الشر هذا إذا أخذت الأيه بعمومها أما إذا أخذت الأية بخصوصها فإن المعنى كما قال العلماء ( وكل أمر مستقر ) أي أن أمر المسلمين إلى الجنه وأمر الكفار إلى النار أمر أهل الخير إلى خير وأمر أهل الشر إلى شر لكن الآيه تحتمل المعنيين وقلنا في قواعد التفسير إن الآية إذا احتملت معنيين ينزل على كلا المعنيين، ننزل المعنى على كلا المعنيين (ولقد جاءهم من الأنباء مافيه مزدجر* حكمة بالغة فماتغن النذر ) قلنا: أن هؤلاء القرشيين جاءتهم الكثير من الآيات لكن الله لم يكتب لهم الهدايه فماتغن الآيات كما قال الله ( وماتغن الآيات والنذرعن قوم لايؤمنون ) وقلنا: مرارا إن عبدالله ابن أبي بن سلول كان يحضر الجمعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول أخلص الناس وأفصح الناس وأعلم الناس فيستمع الخطبة كلها ثم عياذا باالله يخرج من المسجد كما دخل لم يتعظ بكلام سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه فاحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الهدايه ولا توجد نعمة أعظم من نعمة الهداية أبدا لأن النعم قسمان:ـــ
الأولى/خلق وإيجاد.
الثانيه/نعمة هدايه وإرشاد.(1/12)
وهذه سنتكلم عنها إن شاء في تفسير سورة الرحمن إن كتب الله لنا ذلك فنعود إلى ما نحن فيه. ويقول الله (حكمة بالغة فما تغن النذر) ثم قال لنبيه (فتول عنهم) وهنا (تول عنهم) بمعنى أعرض عنهم إعراضا رفيقا وبعض العلماء قلنا : مرت معنا مثل هذه الآيه يقول إن مثل هذه الآيات منسوخه بآية السيف وءاية السيف في سورة التوبة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الذي يعنينا هنا الله يقول لنبيه (فتول عنهم) ثم تقف ويبدأ خطاب جديد (يوم يدع الداعي إلى شيء نكر*خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر) الداع/ هو إسرافيل. (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) فيه نُكُر بضم الكاف وفيه نكْر بسكون الكاف وفيه مُنْكَر بزيادة الميم في الأول كم واحده؟ ثلاث، أما نكُر بضم الكاف فلم ترد في القرآن إلا في هذه السوره (يوم يدع الداع إلى شيء نكُر) وأما نكْر بسكون الكاف فالذي أذكره الآن أنها وردت ثلاث مرات. أما مُنكَر فقد وردت تقريبا ثلاثة عشر مره مالفرق بينهما نُكُر ونكر بالضم والسكون بمعنى واحد ودائما إذا كان التغيير في قلب الكلمه غالبا لا يضير ويضير أحيانا فتنقسم... أصبحت إلى كم قسم؟ إلى قسمين منكر لوحدها ونكْر ونكُر لوحدهما قلنا: إن النكْر بالسكون والنكُر بالضم كلاهما بمعنى واحد .إذا ما معنى نكُر أونكْر؟ وما معنى منكر؟ المنكر ضد المعروف الذي هو باطل الذي هو ضد الحق أي الشيء غير المشروع الذي لم يأذن به الله يسمى منكر. قال الله عن هذه الأمه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) المنكر أي الباطل وقال الله (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) أي باطل.(1/13)
أما النكْر فهو الشيء العظيم الذي تتهول منه الأنفس ولا يلزم أن يكون باطلا قد يكون عين الحق وسنأخذ الآيات التي ورد فيها النكْر أو النكُر أولها الآية التي بين أيدينا (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) أي إلى شيء عظيم وهو الحشر والحشرحق ليس بباطل لكنه أمر يشيب له الغلمان يشيب له الصبيان وتضع كل ذا ت حمل حملها فهو أمر مهول فعبر الله عنه بنكُر ونكُر كأنها أخف إذا جاءت بالسكون. مثاله في القرآن /إن الله ذكر قصة موسى مع الخضر فلما قتل الخضر الصبي الغلام قال له موسى (أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكْرا) هنا نكْر يعني شيء مهول شيء يتعجب منه الإنسان لكن هل كان فعل الخضر باطل أو حق؟حق لأنه قال (وما فعلته عن أمري) فعله بأمر الله وقال الله جل وعلا عن الملك الصالح ذي القرنين أنه قال الله جل وعلا له (ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا*قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكْرا) أي عذابا مهولاً مخوفا وتعذيب الله لأهل الكفر حق(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث) الأجداث هي القبور (كأنهم جراد منتشر) هذه آية القمر لكن الله قال في القارعه (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) يكون الناس كالفراش المبثوث يوم الحشر يوم القيامه فشبهم الله مرة بالجراد ومرة بالفراش والفراش والجراد ضدان.الجراد منتظم أما الفراش طائش يموج بعضه في بعض حول النار حتى يتساقط فيها ليس له وجه ففرق مابين الجراد وفرق ما بين الفراش لكن الله جل وعلا قال عنهم أنهم فراش وقال عنهم أنهم جراد إذا ما وظيفه العالم هنا؟ أن يجمع ما بين الآيتين.. وظيفة العالم هنا الذي يقرأ القرآن أن يجمع بين الآيتين لأنه ينبغي تصديق كلا الآيتين لكن العلم أن تجمع بينهما.(1/14)
يجمع بينهما بأن نقول أن الناس أول ما يخرجون يخرجون كالفراش طائشون لا يدرون أين يذهبون، لأنهم لم يبعثوا من قبل يموج بعضهم في بعض كما قال الله جل وعلا لايدرون أين يذهبون فإذا تكلم إسرافيل ونادى تركوا هذا الموج وانتظموا وتبعوا الداعي الذي هو إسرافيل فانتقلوا من حاله كالفراش إلى حاله كالجراد فحالتهم كالجراد المقصود بها الكثره والإنتظام وحالتهم كالفراش المقصود بها الإضطراب قال الله تعالى في طه ( يومئذ يتبعون الداعي) الذي هو إسرافيل (لاعوج له) أي لاأحد يزوغ لاميمنه ولا ميسره وهذا الجراد يأتي منتظم إلى أرض خضراء مع بعضهم البعض والعرب تسمي مجموعة الجراد يسمونه رجل.(1/15)
رجل جراد يعني مجموعة جراد وقد جاء في الحديث (إن الله أنزل على داوود رجل جراد من ذهب) فالجراد المجتمع يسمى رجل والطير المجتمع يسمى سرب وهكذا لهم في كلامهم أشياء تصنيفيه ليس هذا وقتها لكن من باب الفائده هذا الجمع بين الآيتين (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) و"هذا" هنا يسمى مفهوم الآيه أن على المؤمنين يوم يسيرهل هذا منطوق أو مفهوم؟ مفهوم لأن المنطوق أن الكافرين يقولون هذا يوم عسر لكن مفهوم الآيه غير منطوقها نفهم من الآيه أنه على المؤمنين يوم يسير (يقولوا الكافرون هذا يوم عسر) هذا كله ذكره الله جل وعلا قلنا لإثبات أمر عقدي وهو البعث والنشور والمخاطب به في الأصل كفار مكه ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك ضرب لهم أمثله في أربعة أمم سابقه قوم نوح وقوم عاد وقوم صالح وقوم لوط هؤلاء أمم سبقت وذكر الله جل وعلا بعد ذلك قوم فرعون وأصبحوا خمسه لكنه فصل في الأربعة الأولى، والحق أنه مر معنا في دروس كثيره هؤلاء الأربعه لذلك أنا لاأفصل فيها إنما أتكلم عاجلا قال الله (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا) هذه (عبدنا) مركبه من كلمتين "عبد" و "نا"و"نا" هذه تسمى نا الداله على الفاعلين ويراد بها التعظيم والمقصود بها هنا الله فالإضافه هنا إضافة تشريف؛ وهذه "عبدنا" أرفع مقام إضافه في القرآن لماذا قلنا إنها أرفع مقام إضافه في القرآن؟ لأن العبوديه أعظم مطلوب من العبد.(1/16)
وإذا أضيفت هذه العبوديه إلى الله فقدوصل الإنسان إلى الشرف العظيم وقد نعت بها في صورة الإفراد نوح (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا) وذكر الله بها أيوب (واذكر عبدنا أيوب ) وذكر بها النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان الذى أسرى بعبده ) هؤلاء الثلاثه استحضرهم الآن ولا أدري الساعة إن كان في القرآن غيره لكن جاءت جمعا نعم (عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) الذي يعنينا أنها من أرفع المقامات والمقصود بها نوح (وقالوا مجنون وازدجر) وقد قلت في درس سابق إنك إذا كنت تقرأ القرآن بالعربية الصحيحه تقف على كلمة (مجنون) ثم تقول (وازدجر) لأن كلمة مجنون كلم أما ازدجر بالفعل. يعني الكفار قوم نوح ماقالوا مجنون وازدجرهم قالوا مجنون ماقالوا كلمة (ازدجر) قالوا: عن نوح أنه مجنون وازدجر هذه الواو تعطف على قالوا ماتعطف على مجنون وازدجروه بفعلهم يعني قالوا مجنون بلسانهم وازدجروه أي ازدجروا نوح بفعلهم والذي يتأمل قراءة الشيخ: سعود الشريم وفقه الله في مكه لو أخذت أي شريط لسورة القمر، الشيخ يقرأها هكذا (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون ) ويقف ثم يقول (وازدجر) وهذا من العلم بكلام الله تبارك وتعالى أنا لا أقول إنه لا يجوز أنا لا أتكلم عن ما يجوز وما لا يجوز أنا أتكلم عن مراقي العلم العاليه لا أتكلم عن عما هو جائز أو غير جائز لأن ازدجر بفعله ازدجروه بفعلهم وقالوا مجنون بلسانهم حتى لا يفهم أن ازدجر معطوفه على مجنون. (قالوا مجنون وازدجر) هذا قاله قوم نوح لنوح وقصة نوح مشهوره (فدعا ربه) دعا نوح ربه (أني مغلوب) مضطهد (فانتصر) سأل الله النصره سأله وكانت له دعوه فقالها مرة واحده ولذلك مر معنا في حديث الشفاعه أنه لما يقولون له الناس يوم القيامه استشفع لنا عند ربك.(1/17)
يقول قد كانت لي دعوة فقلتها فعجلت بها على قومي هذه الدعوه ثمرتها: أن تفهم جيدا الله جل وعلا لما خلق آدم خلق آدم وذريته على الفطره بقوا الناس مؤمنين إلى أن جاء قوم نوح فاتخذوا الأصنام جعلوا أقوام صالحين أصنام فبعث الله إليهم نوح فكان نوح أول الرسل إذاً الناس من نوح إلى آدم لم يكونوا كفار ومؤمنين كانوا كلهم مؤمنين. قال الله (كان الناس أمة واحده) أي على دين واحد تقدير الآيه فاختلفوا (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)عندما غلب نوح وآذوه قومه دعا الله فلما دعا الله أنزل الله السماء فأغرق أهل الأرض فلما أغرق أهل الأرض حمل نوح المؤمنين الذين معه في السفينه فمات كل من على ظهر الأرض إلا من كان على ظهر السفينه مع نوح أصبحت الأرض فيها مؤمنين وكفار أصبح فيها ماذا إذا هذا التطهير الثاني، التطهير الأول كان في بداية الخلق والتطهير الثاني كان في دعوة نوح (قال رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا*إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولايلدوا إلافاجراً كفارا) طب لوجاء إنسان الآن وقال: أنا أدعوا إن الله لايذر على الأرض كفارا؟ يجوز أولايجوز؟ لايجوز . لماذا لايجوز ؟ لأن الأحاديث دلت دلت على أن الكفر والإيمان يبقيان إلى قيام الساعه .(1/18)
فأنت تسأل الله مالا يكون لكن الله أخبر نوح (وأحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن) فهو يعلم أنه لن يؤمن أحد فدعا عليهم فأهلك الله الأرض لما أهلك الله الكفار وحمل نوح الذين كانوا مع نوح في السفينه هم المؤمنون كل من على ظهر الأرض اليوم من ذرية نوح ومن معه على السفينة قال الله جل وعلا (وءاية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) هذه ذرية في القرآن مخالفة لذرية في القرآن كله، ذرية هنا بمعنى /الآباء والأجداد لأن الذين حملوا مع نوح ليسوا أبناءنا نحن مخاطبون بالقرآن وإنما آبائنا والله يقول لقريش ويقول لمن يقرأ القرآن (وءاية لهم) أي لكل من يقرأ القرآن (أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) الفلك المشحون: سفينة نوح (ذريتهم) يعني أبائنا وأجدادنا هم الذين كانوا مع نوح في السفينه وهذا قلنا أن الذريه تأتي بمعنى الأبناء وهو الأكثر وتأتي بمعنى الآباء وهذا من دلائلها في القرآن (فدعاربه) فأنزل الله السماء لكن الله جل وعلا نكاية بقوم نوح أمر الأرض أن تخرج مافيها من ماء فانفجرت الأرض أربعين يوما تخرج عيونها والسماء تمطر قال الله (فالتقى الماء) أي جنس الماء . ماء السماء وماء الأرض (فالتقى الماء على أمر قد قدر) أين نوح؟ قال الله (وحملناه على ذات ألواح ودسر) هذه (ذات ألواح ودسر) تحتمل عشرات المعاني لكن لماذا قلنا إنها السفينه لأن الله قال في ءاية أخرى (فأنجيناه وأصحاب السفينه) أيسر شيء تفسر به القرآن أن يفسر القرآن با القرآن (ذات ألواح ودسر) تحتمل أشياء عديده لكن لما قال الله (فأنجيناه وأصحاب السفينه) عرفنا أن ذات الألواح والدسر هي السفينه (تجري بأعيننا) أي على مرأى منا ومنظر ورعايه (جزاء لمن كان كفر) بالبناء يسمى فاعله من الذي كفر؟ نوح والذين كفروا قومه.(1/19)
من الذي كُذب؟ نوح والذين كذبوا قوم نوح فالله قال (جزاء لمن كان كفر) للمكذوب للمغلوب للذي دعا وهو نوح عليه الصلاة والسلام وقد مر معنا أنه مكث في السفينه عليه الصلاة والسلام ثم يقولوا بعض المؤرخين أنه لما نزلت به السفينه على أرض الجودي وهذا لايلزم التصديق به لكن هذا من العلم الذي يستأنس به لما هبطت به السفينه أراد أن يتأكد وأنا قلت هذا في كثير من محاضراتي أراد أن يتأكد من السفينه أرسل حمامة تخبره هل الأرض حية أو ميته؟ فذهبت الحمامه ورجعت ومعها غصن زيتون تثبت له أن الحياه تدب في الأرض فلذلك جميع الأمم الآن اليهود والنصارى وغيرهم يجعلون من الحمام أو غصن الزيتون رمزا للسلام هذا المعنى السياسي لما تراه اليوم من الغصن والزيتون وسواء صح الخبر أو لم يصح هذا لا يتعلق به لا كفر ولا إيمان ولا جنة ولا نار هذا ماكان عن نوح عليه السلام ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك عاد وقال جل وعلا (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر* إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر) هذا اليوم النحس كان يوم أربعاء بالنسبة لهم سماه الله جل وعلا هنا مستمر لكن الله لم يذكر في القمر مدة استمراره أين ذكر مدة استمراره؟ بالحاقه قال(سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) فإذا سئلت (يوم نحس مستمر) إلى كم مده ؟ تقول سبع ليال وثمانية أيام حسوما كل هذا يفسر القرآن بالقرآن (تنزع الناس ) مالذي تنزع الناس؟ الريح (كأنهم أعجاز نخل منقعر) قال هنا(تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) ماذا قال في الحاقه ؟(أعجازنخل خاويه) جاء في الحاقه بالتأنيث وهنا ذكر النخل بالتذكير قال(منقعر) ما قال(منقعره)النخل جمع يذكر ويؤنث هذا تخريج لكن التخريج الأصح أن يقال إن كلمة نخل فيها لفظ ومعنى فلفظها مذكر ومعناها مؤنث فلما قال الله (أعجازنخل منقعر) عمد إلى اللفظ ولما قال في الحاقه (أعجاز نخل خاويه) عمد إلى المعنى وحتى تطمئن نفسك كلمه معاويه في لفظها مؤنث(1/20)
التاء هذه تاء تأنيث ولكنها تطلق على معنى مذكر كحمزه حمزه لفظ مؤنث به تاء لكنه يطلق على رجل فهذا هو حل الإشكال في قول الله( أعجاز نخل خاويه) و(أعجاز نخل منقعر) ثم ذكر الله جل وعلا قوم صالح ،وقوم صالح وقوم عاد يتفقان في أنهم ديار متقاربه أوبتعبير أصح عرب عاد وثمود كانوا عرب من بقي من العرب قوم من؟ قوم شعيب وقوم من آخر شيء/ محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء أربعه ولايوجد نبي عربي غير هؤلاء الأربعه صالح وقد أرسل إلى قوم ثمود وشعيب وقد أرسل إلى أصحاب الأحقاف أصحاب الأيكه إلى مدين وهود وقد أرسل إلى عاد ومحمد صلى الله عليه وسلم وقد أرسل للناس كافه فهؤلاء الأربعه هم الأنبياء والمرسلون العرب فقط أما غيرهم ليسوا من العرب . نعود إلى الآيه ذكر الله بعد ذلك قوم صالح ،قوم صالح كانوا يسكنون الحجر والله يقول(وإنها لبسبيل مقيم) يعني في طريق ظاهره إلى الآن باقيه. قوم صالح طلبوا ءايه فأعطاهم الله الناقه وهذه الناقه قال لهم صالح: إنها لها شرب ولكم شرب يوم معلوم هذه الناقه كانت تظهر وتغب فإذا ظهرت شربت البئركله وإذا غابت يأتوا قوم ثمود فيشربون البئر يأخذون الماء ويذهبون للناقه يحلبونها. واليوم الذي للناقه لا يأتوا الناس ليشربون من البئر(ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) بالضاء أخت الصاد بمعنى كل قوم يحضرون (كل شرب) هنا أي كل حظ قسمة من الماء يحضرها صاحبها إن كانت للناقه وإن كانت لكم قبلها قالوا (أبشرامنا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر) وقالوا عنه أنه (كذاب أشر) مامعنى كذاب أشر؟ فيه كذاب طبيعي وفيه كذاب أشر. وهم يقولون إنه كذاب أشر . مامعنى الكذاب الأشر؟الكذاب الطبيعي الذي يكذب ليفر من معضله هذا كذاب طبيعي والذي يكذب لينشد أمرا عظيما يترفع على الناس هذا يسمى كذاب أشر.(1/21)
فمثلا/ أنت تدخل الدار فتجد في صحن الدار في الفناء رجل غريب فتقبض عليه تسأله ماذا تريد؟ فيكون أراد السرقه فلما رأك يخافك فيقول لك يأتي بأي حيله يقول أنا صديق لابنك يكذب... أو يقول أنا ممن يوزع فواتير الكهرباء جاء يضع فواتير الكهرباء... أو يقول أي شيء يخلص به منك، فهو لماذا كذب؟ حتى يخلص نفسه. ففيه شيء يدعوه للكذب أو لايوجد؟ يوجد حتى يريد أن يخرج من مأزق وقع فيه هم يقولون عن نبي الله صالح يعني ثمود تقول عن صالح تقول أنت نحن نحترمك ونقدرك" قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا" نحترمك ونجلك ونقدرك ولم تكن في معضله ولم تكن في محك حتى تكذب علينا وتزعم أنك رسول فإنك لاتزعم أنك رسول إلاتريد أن تتصدر وتعلوا علينا فأنت بزعمهم كذاب أشر قال الله (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) والسين هنا للمستقبل القريب. (إنا مرسلوا الناقه فتنه لهم) أي اختبار (فرتقبهم واصطبر*ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر*فنادوا صاحبهم....) وهو قدار ابن سالف. وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أشقى الأولين) والحديث صحيح نادوه لكن هل كان عقره للناقه برضا منهم أو بعدم رضى؟ برضى. تجزم أو لا تجزم؟ تجزم. لماذا؟ "فنادوا"هذه قويه . أقوى منها ترى أهم قدرات التفسير أن تستحضر القرآن سورة الشمس (كذبت ثمود بطغواها*إذ انبعث أشقاها*فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) قال الله (فكذبوه فعقروها) فأسند الفعل للجماعه ولم يسنده للفرد. وقال في القمر إن الذي عقرها واحد قال (فنادوا صاحبهم)الجمع بين الآيتين أنه عقرها برضا منهم وبهذا تستقيم الأدله.(1/22)
وأقول استحضار الآيات عند التفسير مهم وأنا قلت لطلابي كثيرا أن الحجاج ابن يوسف على طغيانه كان يقدر على استحضار القرآن جاءته امرأه ذات يوم قالت له: أيها الأمير أعفُ عن ولدي فإنه بريء والذي حدث كلا من النصف الأعلى فمكث دقيقتين أو ثلاث يستحضر القرآن ثم قال: اطلقوا ابنها أين حدث كلا من النصف الأعلى؟ القرآن ثلاثون جزءا ليس في الخمسة عشر الأول كله ما فيها حرف كلا لا يوجد في القرآن كلا هذه للزجر لا يوجد في الخمسة عشر جزءا الأول، والجزء السادس عشر يبدأ في سورة الكهف في قضية الخضر مع موسى (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صيرا) هنا يبدأ الجزء السادس عشر بعدها في مريم (...كفر بئاياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا*أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا*كلا سنكتب ما يقول...) ثم تأتي "كلا" كثيره في الأجزاء الأخيره من القرآن فالحجاج استحضر القرآن كله بفضل من الله هذا من أعظم ما يعينك على تفسير الآيات، أن إذا جاءك معنى إجمع ما يناسبه من القرآن حتى تستطيع الحكم على الآيه فالله هنا عبر بالمفرد وعبر في" الشمس وضحاها" بالجمع والجمع بينهما أن يكون اختاروا هذا الرجل فقام بما يريدون أن يعملوا به (فتعاطى فعقر) كما قال الله جل وعلا وأنا أتكلم على عجاله، ثم ذكرالله جل وعلا قوم لوط والذي يعنينا في قوم لوط أن الله عذبهم بأن جعل عاليها سافلها ما السبب؟ الله غالبا يعذب بجنس العمل فرعون قال:" أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي". كيف مات؟ غرقاً في الأنهار التي يزعم أنه يملكها.(1/23)
قوم لوط مع الشرك بالله جاءوا بالفاحشه العظيمه: وهي إتيان الذكران من العالمين وإتيان الذكران قلب للفطره فعاملهم الله جل وعلا في العذاب بجنس المعصيه فقلب عليهم الديار والأمم التي غيرهم مثل: عاد وثمود عذبت بالصيحه لم تعذب بالتقليب قال الله (فجعلنا عاليها سافلها) فقلب الله عليهم الأرض التي يسكنونها من جنس المعصيه التي كانوا عليها عياذا بالله وهي إتيان الذكران من العالمين وقال الله في قصة لوط (إلا آل لوط نجيناهم بسحر) وقد أخذ العلماء من هذا أن فضيلة السحر وهي واردة كثيراً لكن السحر من أفضل الأوقات ثم قال الله جل وعلا (ولقد جاء آل فرعون النذر*كذبوا بئآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) العرب أحيانا تطلق الجمع وتريد المثنى "النذر" هنا موسى وهارون طيب لو جاء إنسان وقال إن الله يقول(كذبت قوم نوح المرسلين) وما جاءهم إلا رسول فهنا يجاب عنها بأن التكذيب لواحد كالتكذيب للكل وهذا واضح. طيب لو جاء إنسان وقال يا أخ صالح أنت تقول أن الله يقول (ولقد جاء ءآل فرعون النذر) تقول أنه موسى وهارون لماذا لا يكون المقصود الرسل كلهم ؟ كيف يرد عليه؟ الله قال (ولقد جاء آل فرعون النذر) فالذين جاء هم فقط اثنان موسى وهارون.(1/24)
لو قال:"كذبت قوم فرعون النذر"قلنا جميع الرسل،حتى يكون فيه دقه في الخطاب (كذبوا بئآياتنا كلها) هنا "كلها" جاءت مع مجموعه لكن هذه الآيات كم؟ تسع ماهي؟ الله يقول (في تسع آيات إلى فرعون وقومه) وهذه التسع ءايات قال الله (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) هذه واحده (ونقص من الثمرات) هذه اثنان وقال (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) هذه خمس وأول اثنين سبع واليد يد موسى ومن قبل الآية الكبرى: وهي العصا فهذه تسع، قال (كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) ثم قال الله عودا على بدء يخاطب كفار قريش (أكفاركم خير من أولائكم) أصبحت "أولائكم" هذه تعود على جميع الأمم التي ذكرها الله في السوره إذا الله هنا الآن يقول للقرشيين أنتم واحد من ثلاث:ـ إما أن تقولوا إنا نحن الكفار أفضل من أولائك الأقوام فلذلك لا يعذبنا الله هذه واحده. ((1/25)
أكفاركم خير من أولائكم) أو تقولون (أم لكم براءة في الزبر) "الزبر" المقصود به هنا اللوح المحفوظ جمع زبور وهو الكتاب المقصود به هنا أن عندكم شهاده أن الله لن يعذبكم ولن ينكلكم براءه من الله هذه حالتان (أم يقولون نحن جميع منتصر ) وهذه هي التي اتكؤا عليها أنهم كانوا يعتزون بقوتهم فالاثنتين الأولى باطله لم يقولها القرشيون ماقالوا: نحن أفضل ولاقالوا عندنا براءه لكن كانوا يعتزون بجمعهم فقال الله (سيهزم الجمع ويولون الدبر) هذه الآيه لما أنزلت جعل الصحابه يقول بعضهم أي جمع؟ وأي دبر؟ ليسوا عارفين حتى جاء يوم بدر وهذا خطاب لكل من يتعجل من الشباب الدين يحتاج إلى صبر والله لايعجل لعجلة أحد من خلقه ومافيه بناء يقوم بين يوم وليله فجعل الصحابه عندما أنزل الله (سيهزم الجمع ويولون الدبر) في مكه يقولون أي جمع وأي حرب مافيه دلائل على أي شيء ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بدر فخرج عليه الصلاة والسلام في درع يثب فيها ويقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) فقال سعد بن أبي وقاص وعمر وغيرهما من الصحابه... فعرفنا تأويلها يومئذ فهزم الجمع وهزم الدبر كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا يتفرع إلى مسأله أن الغيب الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهذا نختم به المحاضره .أولا: غيب يتعلق بالأمم السابقه وقع من قبل وإنما أخبر عنه كإخباره عن الأقوام وأهل الكهف ويوسف وغيرهم ... ثانيا:وغيب أخبر عنه ووقع في حياته مثل هذه القضيه(سيهزم الجمع ويولون الدبر) وقعت في حياته... ثالثا:وغيب أخبر عنه ووقع بعد وفاته كإخباره عليه الصلاة والسلام عن فتح بيت المقدس وهلاك كسرى وهلاك قيصر إلى غير ذلك .....هذاماتيسر ماقلناه حول كتاب ربنا جل وعلا بسورة القمر أسأل الله جل وعلا لنا ولكم التوفيق والعون والهدايه وصلى الله وسلم على نبينا محمد...(1/26)
"الشريط العاشر"
تأملات في سورة القمر
الحمد لله الذي خلق آدم من طين وأسيد له ملائكته المقربين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
أيها الأخوة المؤمنون فهذا بحمد الله وعونه اللقاء الرابع وسنقف خلاله مع سورة مكية هي الأخرى هي سورة القمر وعدد آياتها خمس وخمسون آية وهي سورة مكية تعنى بما تعنى به السور المكية عادة من الكلام في أصول العقيدة الثلاث :(1/1)
إثبات الألوهية للرب جل وعلا وإثبات الرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم وذكر البعث والنشور. فالقضايا التي تتناولها السور المكية التي نحن بصدد الوقوف معها في تفسير الجزء السابع والعشرين من كتاب الله الكريم تتشابه تشابها كثيرا لأنها تعنى بقضايا واحده وعلى ذلك سبق الدروس مشابه لها فكما جرت العادة في تدريسنا ما اشتهرت معرفته وكثر الحديث عنه سواء منا أومن غيرنا غالبا لا نذكره لاشتهاره ولعلم الطالب به ونحاول أن نستثمر الوقت فيما ليس بغالب قدر الإمكان ونبقى مقصرين أينما حاولنا لكن الله المستعان أن ينفع بهذا القليل وأن يبارك فيه وأن يكتب لنا ولكم العون والتوفيق والسداد والإخلاص من قبل ومن بعد السورة اسمها سورة القمر وسميت بهذا الاسم لذكر القمر فيها قال الله جل وعلا في صدرها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}والقمر آية من آيات الله ويقال له مع الشمس القمران ويقال لهما القمران كما بينا في أكثر من الدرس للتغليب لأن العرب إذا ثنت تختار شيئا أغلب في أحد ماثنته ثم تذكره باسم يجمعهما يقولون القمران على الشمس والقمر لأن القمر مذكر والشمس لفظها مؤنث فلا يقولون الشمسان يقولون القمران ويقولون المكتان على مكة والمدينة لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينة ويقولون العمران في حق الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه وحق أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنهما لأن عمر اسم مفرد يمكن تثنيته وأبو بكر اسم مركب تركيبا إضافي فلا يمكن تثنيته فلذلك قالوا العمران ويقصدون الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما .و هذه السورة أي سورة القمر هي إحدى السور التي يقرن النبي صلى الله عليه وسلم بها مع أخرى في بعض المناسبات،ومما يقرن النبي صلى الله عليه وسلم به واشتهر في الصحيح والسنن ثلاث قرائن:(1/2)
ـ قرن عليه الصلاة والسلام بين "سبح والغاشية" وكان يقرأ بهما في الجمع والأعياد وقد وافق يوم جمعة في حياته صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى بهم العيد" بسبح والغاشية "ثم لما جاءت صلاة الجمعة صلى بهم صلاة الجمعة في نفس اليوم "بسبح والغاشية" ولم يكن بينهما صلاه يعني صلى بهم صلاة العيد فقرأ"سبح والغاشية" ثم لما جاءت صلاة الجمعة ظهرا صلى بهم الظهر وأعادها عليه الصلاة والسلام وقرن بين "سبح والغاشية" هذه واحده .
الثانية: كان يقرن عليه الصلاة والسلام في صباح الجمعة في فجر الجمعة غالبا ما يقرن بين{الم*تَنزِيلُ} السجدة وبين سورة الإنسان{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ}وهذه الثانية. والثالثة: كان يقرن في الجمع والأعياد عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح وأصحاب السنن من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن . مابين سورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وبين سورة{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} بهذا يتضح أن سورة القمر إحدى القرائن الثلاث لنبينا عليه الصلاة والسلام التي قرن بها في صلواته وقد قال العلماء إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرن بين{ق}و{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}في الجمع والأعياد والمحافل الكبار هذا مايتعلق بما تقتضيه في فضيلة السورة أولا أما سبب التسمية فهذا ظاهر لأن القمر ورد ذكره فيها.(1/3)
قال الله جل وعلا{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}الخطاب هنا في الأصل لكفار مكة والقضية المراد إثباتها هي قضية البعث والنشور ولن يكون بعث ونشور حتى تكون ماذا؟ حتى تكون القيامة. ولن تكون قيامة كبرى حتى تكون قيامة صغرى .(1/4)
والقيامة الصغرى بالنسبة للفرد الواحد ماذا؟ موته من مات قامت قيامته ثم القيامة الكبرى ثم الساعة وهو هلاك الناس ثم الساعة نفس الشيء تطلق على قيام الناس مرة أخرى هنا الله جل وعلا يخبر بقرب الساعة فقال تبارك وتعالى{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ }فلنترك{وَانشَقَّ الْقَمَرُ}جانبا ولنبدأ باقتربت الساعة الله جل وعلا هو الذي خلق الساعة هو الذي خلق القيامة مادام جل وعلا هو الذي خلقها هو أعلم بها متى تكون فقد أخبر جل وعلا أنها اقتربت فهذا من أعظم الأدلة وكفى به دليلا أن الساعة اقتربت ولا يلجأ لدليل خارج القرآن إلا من باب الإستئناس إذا وجد دليل في ماذا؟ في القرآن إذا وجد دليل في القرآن فأعظم الأدلة أن الساعة اقتربت قول الله{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}وطالب العلم منظم في أدلته يسرد من القرآن ماهو ظاهر ثم ينتقل إلى سرد السنة ثم ينتقل إلى أقوال الصحابة و إلى إجماع الأمة وهكذا لكن يبدأ بالأصل العظيم وهو القرآن ولذلك نقول إن الساعة اقتربت بدليل أن الله قال{اقْتَرَبَتِ} أما الأدلة غير هذا الدليل فهذا كثير فمن الأدلة العقلية أن هذه الأمة هي آخر الأمم ونبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء فليس بعد ذلك إلا أن تقوم الساعة قال صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار إلى إصبعيه السبابة و الوسطى ) والمقصود من هذا المثال أننا لو فرضنا أن هاذين الإصبعين يشيرين إلى الجدول الزمني فإن الفارق مابين مبعثه صلى الله عليه وسلم ومابين الساعة من زمن كالفارق مابين أعلى السبابة وأعلى الوسطى فهما يكادان يتقاربان في الطول والنبي عليه الصلاة والسلام بعث في هذه المرحلة من قيام الساعة وهذا كله يدل على اقتراب الساعة ولذلك عبر عنها القرآن بقوله{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} وقال في آية أوضح{أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}فعبر الله (بأتى) لتحقق وقوعه هذا شيء ولقرب وقوعه وهذا شيء آخر(1/5)
وقد جعل الله جل وعلا للساعة أشراطا مع أنه أخفى تبارك وتعالى وقتها لكن المقطوع به أنها لا تقوم إلا يوم جمعة لكن جعل الله لها أشراطا قال الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}لكن الله جل وعلا جعل لها أشراطا وعلامات وأعلم الناس بهذه الأشراط والعلامات من؟ النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل جبريل كما تعلمون نبينا عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعة وجبريل يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم متى الساعة لكن هذا من باب تعليم الناس قال أخبرني عن الساعة والرسول يعلم أن جبريل لا يعلم ويعلم أن هذا هو جبريل وإن كان في غير هيئته التي خلقه الله عليها لكن يعلم أنه جبريل فلذلك قال له "مالمسئول عنها بأعلم من السائل" معنى الكلام أي علمي وعلمك فيها سواء فلا أنا ولا أنت يعلم متى الساعة لكن الله قلنا جعل لها أشراطا وعلامات قال الله في كتابه{فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا}أي علاماتها وهذه الأشراط العلماء رحمهم الله تقصوا القرآن تقصوا السنة والآثار الصحيحة فتبين لهم أن هناك أشراطا اصطلح على تسميتها بعلامات صغرى وعلامات اصطلح على تسميتها بعلامات كبرى والعلامات الكبرى أصلا منها ما يأتي منتظما وراء بعضه البعض يبدأ من المهدي حتى قيام الساعة هذه تأتي سريعة ما قبل ذلك قد يأتي ببطء والله جل وعلا أعلم.
فمن العلامات التي تدل على قرب الساعة:(1/6)
مبعثه صلى الله عليه وسلم كما بينا في الحديث وقد قال عليه الصلاة والسلام أحاديثا تدل على قرب الساعة منها: فتح بيت المقدس وهذا وقع.ومنها مقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه وفتح باب الفتنه وهذا وقع. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) أين بصرى؟ بصرى هي الآن محافظة حوران في سوريا غير بعيدة عن دمشق محافظة أو بلدة حوران في سوريا هذه هي بصرى في اللفظ النبوي والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز) النار التي أخبر أنها صلى الله عليه وسلم هذه الآية وقعت. وقعت عـ 654ــام هجري أي في أواسط القرن السابع خرجت نار من هاهنا من المدينة من جهة الحرة الشرقية عند حرة بني قريظة هذه الحجار السود التي ترونها خرجت هذه النار فرآها من كان في مدينة حوران في سوريا ووقع صدق ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم ولذلك حرص العلماء على تدوين هذه الحادثة لأن فيها دليل على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلماء كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية وذكر غيره أن كثيرا من طلبة العلم آنذاك ممن هم في القرى النائية حول المدينة كانوا يكتبون ويحررون الكتب ويقرؤن على ضوء تلك النار وقد سبقها رجفات وزلزلة شديدة قال بعض من شهد تلك النار أن ارتفاعها في أول ظهورها كان كعلو ثلاث منارات كعلو ثلاث منارات ولا ندري بالضبط كيف كانت المنارة آنذاك لكنها كانت بلا شك فيها شيء من الارتفاع ثم أخذت تزيد واستمرت أياما عديدة الذي نقصده ونعنيه في سياق هذا الخبر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من قرب قيام الساعة وهو عليه الصلاة والسلام عندنا وعند كل مؤمن صادق مصدوق لاشك في ذلك صادق فيما يقول مصدوق فيما يقال له صلوات الله وسلامه عليه.(1/7)
من أشراط الساعة: أخبر عليه الصلاة والسلام أن الساعة لن تقوم حتى تكلم السباع الإنس وهذا أصل الحديث فيما رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بسند صحيح:" أن أعرابيا يرعى الغنم وبينما يرعاها جاء ذئب فانتزع شاة منها فتبعه الراعي واستطاع أن يأخذ الشاة فأقعى الذئب على ذنبه وقال: اتق الله هذا الذئب يقول للراعي رزق ساقه الله إلي تنزعه مني فتعجب الأعرابي وقال سبحان الله ذئب مقعٍ على ذنبه أي على مؤخرته يكلمني كلام الإنس فقال الذئب: أعجب منه محمد صلى الله عليه وسلم في يثرب يحدث الناس بأخبار من سبق. فقام الأعرابي وأخذ غنمه وقدم على المدينة ثم وضع غنمه في زاوية من زواياها ثم دخل المسجد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس أن الصلاة جامعه فلما اجتمع الناس أمر النبي عليه الصلاة والسلام الأعرابي أن يقول لهم القصة كلها فقالها الأعرابي فقال صلى الله عليه وسلم"(صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه ) وللحديث بقيه. هذا سيقع كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم إن متنا قبله أوشهدناه أيا كان الأمر فنحن نؤمن بكل خبر صح عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه هذه الأشراط كلها قد تكون ممهده للساعة.(1/8)
أما أعظم الأشراط الذي يؤذن بقرب الساعة حقا: خروج المهدي والمهدي قلنا في أكثر من درس رجل من ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان واسمه على اسم رسول الله محمد بن عبد الله وأهل السنة سلك الله بنا وبكم سبيلهم يقولون إن اسمه محمد بن عبدالله الحسني العلوي الفاطمي الهاشمي فهو حسني لأنه من ذرية الحسن وعلوي لأنه من ذرية علي وفاطمي نسبة إلى فاطمة وهاشمي لأن علي من بني هاشم وهو جده النبي صلى الله عليه وسلم لأمه . لأن أبناء الحسن من فاطمة وفاطمة أبوها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه .هذا يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا في زمنه يخرج الدجال فيقتتلان المهدي والدجال وفي قمة الصراع بينهما ينزل عيسى ابن مريم فيصبح ثاني الأشراط الكبرى بعد خروج المهدي خروج من؟ خروج الدجال والدجال: شاب قطط أعور العين اليمنى أحمر كأن عينه عنبة طافية كتب الله له نوع من السلطان فتنة للناس قال عليه الصلاة والسلام ( مامن فتنة من خلق آدم إلى أن تقوم الساعة أعظم من الدجال ) وقال عليه الصلاة والسلام ( إنه لا محالة أنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وإنه لا محالة خارج فيكم فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج وأنا ميت فكل حجيج نفسه) ثم أوصى صلى الله عليه وسلم بقراءة أوائل سورة الكهف لأن الله عصم بما جاء في آية الكهف أخبر أن أولئك الفتيه عصمهم الله من الطاغية في زمانهم فمن يقرأ هذه السورة ويحفظ أولها يعصم من الطاغية في زمانه وهو الدجال الذي إذا أدرك الدجال . هذا أنا أتكلم بإجمال لأن هذا سبق الكلام عنه كثيرا .(1/9)
ثم في حياة الدجال ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إذا طأطأ رأسه يظهر كأنه تنزل منه قطرات ماء وليس فيه قطرات ماء لكن يظهر لمن رآها كأنه لِتَوهِ متوضئ فينزل ومعه حربة فيقتل الدجال فإذا قتل الدجال أسلم الناس الأمر لعيسى ابن مريم فيمكث عليه الصلاة والسلام لا يقبل الجزية ولا يقبل إلا الإسلام ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ثم يقال عليه الصلاة والسلام أي نبينا "طوبى للناس في العيش بعد عيسى ابن مريم" فإنه في حياته ينزع الله حمة كل ذات حمة أي شر كل ذي شر .(1/10)
ثم يمكث عيسى ماشاء الله ورد أنها سبع سنين وورد غير ذلك ثم بعد ذلك يبدأ الأمر ينتهي إلى النقصان كما اكتمل في عهد عيسى يبدأ في النقصان فيبدأ في النقصان حتى تخرج الدابة تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت لا يقبل الله جل وعلا توبة أحد كائنا من كان قال الله جل وعلا:{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}ثم يبدأ الناس يتناقصون دينيا حتى يأتي ذو السويقتين من أرض الحبشة فيهدم الكعبة وينزعها حجرا حجرا ويسلبها كنوزها ثم بعد ذلك يأخذ الإيمان في التلاشي ويرفع القرآن في ليلة ثم يبقى شرار خلق الله أعاذنا الله وإياكم من تلك الحقبة ثم يأمر الله ملكا يقال له إسرافيل أن ينفخ فينفخ فهذه نفخة الصعق الأولى وهي الساعة التي حذرها الله جل وعلا عباده [ظاهر] هذا معنى قول الله{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}وسيأتي البعث بعد قليل{وَانشَقَّ الْقَمَرُ}قلنا إن القمر آية من آيات الله وهو مسير بأمر الله في غدوه ورواحه وشروقه وغروبه وطلوعه ومغيبه ،هذا القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في الفترة المكية طلب القرشيون منه آية فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر فانفلق القمر بأمر الله فرقتين حتى رأى الناس حراء الجبل المعروف في مكة رأوا الجبل بين الفرقتين فقال صلى الله عليه وسلم وكان بجواره أبي بكر اشهدوا في بعض الروايات أنهم كانوا في منى ومنى من مكة قال: اشهدوا فهذه حجه أقامها الله على القرشيين على قرب قيام الساعة وعلى صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال القرشيون بعضهم لبعض لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشه إنما سحر أعينكم فإذا كان السفار أي المسافرون الذين في غير مكة اسألوهم إن كانوا رأوا القمر فإنه انقدر على سحركم لا يقدر على سحر غيركم فلما أقبل السفار من كل وجه سألوهم فقالوا نعم شهدنا القمر قد انفلق فرقتين مع ذلك(1/11)
كله لم يؤمنوا ولن يؤمن إلا من كتب الله له الإيمان ولذلك الله قال{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}قولهم سحركم ابن أبي كبشه أظهر المعنى هنا أبو كبشه هو زوج من؟ حليمة بما أنه زوج حليمة أصبح أبا للنبي عليه الصلاة والسلام من ماذا؟ من الرضاعة فقول القرشيين لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشه يقصدون النبي عليه الصلاة والسلام لكن هنا نسبوه إلى أبيه من الرضاعة ولم ينسبوه إلى أبيه من النسب هذه الآية إحدى معجزاته صلوات الله وسلامه عليه ولا شك أن للنبي عليه الصلاة والسلام معجزات كثيرة لا تعد ولا تحصى بل قال الشافعي رحمه الله الإمام المعروف إنه ما أعطي نبي نوعا من المعجزات إلا وأعطي النبي صلى الله عليه وسلم مثلها قال شوقي:ــ
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له***وأنت أحييت أجيالا من الرمم.
يعني إذا كان عيسى كلم ميتا فإنك أحييت أمة من الموات. والعلماء عند قضية عيسى وإحيائه للموتى يقولون إذا كان عيسى قد أحيا الموتى فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حن له الجذع وموات الجذع في الأصل أعظم من موات الميت وأيا كان هذا لا يحسن التفضيل بين الرسل بهذه الطريقة لكن نقوله على وجه الإجمال{وَانشَقَّ الْقَمَرُ} ثم قال جل وعلا{وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} فلما قال لهم السفار: إننا رأينا القمر منفلق قالوا مازاد الأمر شيء هذا سحر محمد مستمر علينا وعليكم ومازالت الأمور عندهم في لبس وظنون لأنهم لايريدون أن يؤمنوا{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} ثم قال جل وعلا{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ}معنى{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }أي أمر في الدنيا سيكشف سينتهي إلى جلاء قال طرفة:
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً*** ويأتيك بالأخبار ملْم تُزَوَدِي .(1/12)
وكل أمر سينجلي مهما حاول الإنسان أن يخفي شيئا سيتضح وكل أمور إذا صبرت عليها ستنتهي بك إلى أحد الأمرين إما إلى خير أو إما إلى الشر هذا إذا أخذت الآية بعمومها أما إذا أخذت الآية بخصوصها فإن المعنى كما قال العلماء{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }أي أن أمر المسلمين إلى الجنة وأمر الكفار إلى ماذا؟ إلى النار أمر أهل الخير إلى خير وأمر أهل الشر إلى شر لكن الآية تحتمل المعنيين وقلنا في قواعد التفسير إن الآية إذا احتملت معنيين يُنزل على كلا المعنيين، ننزل المعنى على كلا المعنيين{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }{وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}قلنا: أن هؤلاء القرشيين جاءتهم الكثير من الآيات لكن الله لم يكتب لهم الهدايه فماتغن الآيات كما قال الله{وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}وقلنا: مرارا إن عبدالله ابن أبي بن سلول كان يحضر الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول أخلص الناس وأفصح الناس وأعلم الناس فيستمع الخطبة كلها ثم عياذا بالله يخرج من المسجد كما دخل لم يتعظ بكلام سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه فاحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الهدايه ولا توجد نعمة أعظم من نعمة الهداية أبدا لأن النعم قسمان:ـــ(1/13)
نعمة خلق وإيجاد ونعمة هداية وإرشاد النعم كم قسم ؟ قسمان تفيء إلى قسمين عظيمين :نعمة خلق وإيجاد ونعمة هداية وإرشاد.وهذه سنتكلم عنها إن شاء في تفسير سورة الرحمن إن كتب الله لنا ذلك فنعود إلى ما نحن فيه. فيقول الله{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}ثم قال لنبيه{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}وهنا{تَوَلَّ عَنْهُمْ}بمعنى أعرض عنهم إعراضا رفيقا وبعض العلماء قلنا : مرت معنا مثل هذه الآية يقول إن مثل هذه الآيات منسوخة بماذا؟ بآية السيف قلنا إن هذه الآيات يرى بعض العلماء أنها منسوخة بآية السيف وآية السيف في سورة التوبة{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}الذي يعنينا هنا الله يقول لنبيه{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}ثم تقف ويبدأ خطاب جديد{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} من الداعي؟ إسرافيل.{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ}فيه نُكُر بضم الكاف وفيه نكْر بسكون الكاف وفيه مُنْكَر بزيادة الميم في الأول كم واحده؟ ثلاث، أما نكُر بضم الكاف فلم ترد في القرآن إلا في هذه السورة {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ}وأما نكْر فالذي أذكره الآن أنها وردت ثلاث مرات.نكْر بسكون ماذا؟ بسكون الكاف أما مُنكَر فقد وردت تقريبا ثلاثة عشر مره مالفرق بينها نُكُر ونكر بالضم والسكون بمعنى واحد ودائما إذا كان التغيير في قلب الكلمة غالبا لا يضير ويضير أحيانا لكن نعود فتنقسم أصبحت إلى كم قسم؟ إلى قسمين منكر لوحدها ونكْر ونكُر لوحدهما قلنا: إن النكْر بالسكون والنكُر بالضم كلاهما بمعنى واحد .(1/14)
إذا ما معنى نكُر أو نكْر؟ وما معنى منكر؟ المنكر ـ نبدأ بالأخير ـ المنكر ضد المعروف الذي هو الباطل الذي هو ضد ماذا؟ ضد الحق أي الشيء غير المشروع الذي لم يأذن به الله، الذي لم يأذن به الله يسمى ماذا؟ يسمى منكر. الذي لم يأذن به الله شرعا يسمى ماذا؟ يسمى منكر قال الله عن هذه الأمة{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}المنكر الباطل وقال الله{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً }أي باطل.[واضح] أما النكْر فهو الشيء العظيم الذي تتهول منه الأنفس ولا يلزم أن يكون باطلا قد يكون عين الحق وسنأخذ الآيات التي ورد فيها النكْر أو النكُر أولها الآية التي بين أيدينا{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ}أي إلى شيء عظيم وهو ماذا؟ الحشر والحشر حق ليس بباطل لكنه أمر يشيب له الغلمان يشيب له الصبيان وتضع كل ذا ت حمل حملها فهو أمر مهول فعبر الله عنه بنكُر ونكُر كأنها أخف إذا جاءت بالسكون.(1/15)
مثاله في القرآن:إن الله ذكر قصة موسى مع الخضر فلما قتل الخضر الصبي الغلام قال له موسى{أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً}هنا نكْر يعني شيء مهول شيء يتعجب منه الإنسان لكن هل كان فعل الخضر باطل أو حق؟حق لأنه قال{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}فعله بأمر الله هذه واحدة وقال الله جل وعلا عن الملك الصالح ذي القرنين أنه قال الله جل وعلا له{قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً* قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً}أي عذابا مهولاً مخوفا وتعذيب الله لأهل الكفر باطل أو حق؟ حق [واضح الفرق الآن] طيب{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ}{ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}الأجداث هي القبور{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}هذه آية القمر لكن الله قال في القارعة{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} ومتى يكون الناس كالفراش المبثوث؟ يوم إيش يوم الحشر يوم القيامة فشبهم الله مرة بماذا؟ مرة بالجراد ومرة بالفراش والفراش والجراد متفقان أو ضدان؟ ـ لا تأخذكم العاطفة نريد جواب علمي ـ ضدان.الجراد منتظم أما الفراش طائش يموج بعضه في بعض حول النار حتى يتساقط فيها ليس له وجه ففرق مابين الجراد وفرق ما بين الفراش لكن الله جل وعلا قال عنهم أنهم فراش وقال عنهم أنهم جراد إذا ما وظيفة العالم هنا؟ أن يجمع ما بين الآيتين.[واضح] وظيفة العالم هنا الذي يقرأ القرآن أن يجمع بين الآيتين لأنه ينبغي تصديق كلا الآيتين لكن العلم أن تجمع بينهما.
ـ كيف يجمع بينهما؟(1/16)
يجمع بينهما بأن نقول أن الناس أول ما يخرجون يخرجون كالفراش طائشون لا يدرون أين يذهبون، لأنهم لم يبعثوا من قبل يموج بعضهم في بعض كما قال الله جل وعلا لا يدرون أين يذهبون فإذا تكلم إسرافيل ونادى تركوا هذا الموج وانتظموا وتبعوا من؟ وتبعوا الداعي الذي هو إسرافيل فانتقلوا من حالة كالفراش إلى حالة كالجراد فحالتهم كالجراد المقصود بها الكثرة والانتظام وحالتهم كالفراش المقصود بها الاضطراب قال الله تعالى في طه{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ}الذي هو إسرافيل{لَا عِوَجَ لَهُ} يعني ما أحد يزوغ لاميمنة ولا ميسرة وهذا الجراد يأتي منتظم إلى أرض خضراء مع بعض البعض والعرب تسمي مجموعة الجراد ماذا؟ يسمونه رجل.(1/17)
رجل جراد يعني مجموعة جراد وقد جاء في الحديث (إن الله أنزل على داوود رجل جراد من ذهب) فالجراد المجتمع يسمى رجل والطير المجتمع يسمى سرب وهكذا لهم في كلامهم أشياء تصنيفيه ليس هذا وقتها لكن من باب الفائدة هذا الجمع بين الآيتين{مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} و"هذا" هنا يسمى مفهوم الآية أن على المؤمنين يوم ماذا؟ يسير يوم يسير طيب هل هذا منطوق أو مفهوم؟ مفهوم لأن المنطوق أن الكافرين يقولون هذا يوم عسر لكن مفهوم الآية غير منطوقها نفهم من الآية أنه على المؤمنين يوم يسير{يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}هذا كله ذكره الله جل وعلا قلنا لإثبات أمر عقدي وهو البعث والنشور والمخاطب به في الأصل كفار مكة ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك ضرب لهم أمثله في أربعة أمم سابقه قوم نوح وقوم عاد وقوم صالح وقوم لوط هؤلاء أمم سبقت وذكر الله جل وعلا بعد ذلك قوم فرعون وأصبحوا خمسه لكنه فصل في الأربعة الأولى، والحق أنه مر معنا في دروس كثيرة هؤلاء الأربعة لذلك أنا لا أفصل فيها إنما أتكلم عاجلا قال الله{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا}هذه {عَبْدَنَا} مركبة من كم كلمة؟ كلمتين "عبد" و "نا"و"نا" هذه تسمى نا الدالة على الفاعلين ويراد بها التعظيم والمقصود بها هنا من؟ الله فالإضافة هنا إضافة ماذا؟ تشريف؛ إضافة تشريف وهذه "عبدنا" أرفع مقام إضافة في القرآن كلمة عبدنا أرفع مقام إضافة في القرآن طيب لماذا قلنا إنها أرفع مقام إضافة في القرآن؟ لأن العبودية أعظم مطلوب من العبد.(1/18)
وإذا أضيفت هذه العبودية إلى الله فقد وصل الإنسان إلى الشرف العظيم وقد نعت بها في صورة الإفراد نوح { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} وذكر الله بها أيوب{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ}وذكر بها النبي صلى الله عليه وسلم{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}هؤلاء الثلاثة استحضرهم الآن ولا أدري الساعة إن كان في القرآن غيره لكن جاءت جمعا نعم{عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}الذي يعنينا أنها من أرفع المقامات والمقصود بها نوح{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ}وقد قلت في درس سابق إنك إذا كنت تقرأ القرآن بالعربية الصحيحة تقف على كلمة {مَجْنُونٌ}ثم تقول{وَازْدُجِرَ} لماذا؟ لأن كلمة مجنون كلم أما ازدجر هذا بماذا؟ بالفعل. يعني الكفار قوم نوح ماقالوا مجنون وازدجر هم قالوا ماذا؟ قالوا مجنون ماقالوا كلمة {ازْدُجِرَ} قالوا: عن نوح أنه مجنون وازدجر هذه الواو تعطف على قالوا ماتعطف على مجنون[واضح] تعطف على قالوا لا تعطف على مجنون وازدجروه بفعلهم يعني قالوا مجنون بلسانهم وازدجروه أي ازدجروا نوح بماذا؟ بفعلهم والذي يتأمل قراءة الشيخ:سعود الشريم وفقه الله في مكة لو أخذت أي شريط لسورة القمر، الشيخ يقرأها هكذا{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ } ويقف ثم يقول {وَازْدُجِرَ} وهذا من العلم بكلام الله تبارك وتعالى أنا لا أقول إنه لا يجوز أنا لا أتكلم عن ما يجوز وما لا يجوز أنا أتكلم عن مراقي العلم العالية لا أتكلم عن عما هو جائز أو غير جائز لأن ازدجر بفعله ازدجروه بفعلهم وقالوا مجنون بلسانهم حتى لا يفهم أن ازدجر معطوفه على مجنون. {(1/19)
وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} هذا قاله قوم نوح لنوح وقصة نوح مشهورة {فَدَعَا رَبَّهُ}دعا نوح ربه{ أَنِّي مَغْلُوبٌ}مضطهد{فَانتَصِرْ} سأل الله النصرة سأله وكانت له دعوه فقالها مرة واحده ولذلك مر معنا في حديث الشفاعة بالأمس أنه لما يقولون له الناس يوم القيامة استشفع لنا عند ربك. ماذا يقول؟ يقول قد كانت لي دعوة فقلتها فعجلت بها على قومي هذه الدعوة ما ثمرتها؟ ثمرتها أن تفهم جيدا الله جل وعلا لما خلق آدم خلق آدم وذريته على ماذا؟ على الفطرة بقوا الناس مؤمنين إلى أن جاء قوم نوح فاتخذوا ماذا؟ اتخذوا الأصنام جعلوا أقوام صالحين أصنام فبعث الله إليهم نوح فكان نوح أول ماذا؟ أول الرسل إذاً الناس من نوح إلى آدم لم يكونوا كفار ومؤمنين كانوا كلهم مؤمنين.[واضح] قال الله{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}أي على دين واحد تقدير الآية "فاختلفوا"{فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}[واضح] عندما غلب نوح وآذوه قومه دعا الله فلما دعا الله أنزل الله السماء فأغرق أهل الأرض فلما أغرق أهل الأرض حمل نوح المؤمنين الذين معه أين؟ في السفينة فمات كل من على ظهر الأرض إلا من كان على ظهر السفينة مع نوح أصبحت الأرض فيها مؤمنين وكفار أصبح فيها ماذا؟ إذا هذا التطهير إيش؟ الثاني، التطهير الأول كان في بداية الخلق والتطهير الثاني كان في ماذا؟ في دعوة نوح{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً}طيب لو جاء إنسان الآن وقال: أنا أدعوا إن الله لايذر على الأرض كفارا؟ يجوز أولا يجوز؟ ما يجوز . لماذا لا يجوز ؟ لأن الأحاديث دلت على أن الكفر والإيمان يبقيان إلى قيام الساعة .(1/20)
فأنت تسأل الله مالا يكون لكن الله أخبر نوح {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ}فهو يعرف أنه لن يؤمن أحد فدعا عليهم فأهلك الله الأرض لما أهلك الله الكفار وحمل نوح الذين كانوا مع نوح في السفينة هم المؤمنون كل من على ظهر الأرض اليوم من ذرية من؟ من ذرية نوح ومن معه على السفينة قال الله جل وعلا{وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}هذه ذرية في القرآن مخالفة لذرية في القرآن كله، ذرية هنا بمعنى ليست بمعنى الأبناء وإنما بمعنى الآباء والأجداد لأن الذين حملوا مع نوح ليسوا أبناءنا نحن المخاطبون بالقرآن وإنما من؟ آبائنا والله يقول لقريش ويقول لمن يقرأ القرآن{وَآيَةٌ لَّهُمْ}أي لكل من يقرأ القرآن{أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الفلك المشحون:سفينة نوح{ذُرِّيَّتَهُمْ} يعني أبائنا وأجدادنا هم الذين كانوا مع نوح في السفينة وهذا قلنا أن ذرية تأتي بمعنى الأبناء وهو الأكثر وتأتي بمعنى الآباء وهذا من دلائلها في القرآن {فَدَعَا رَبَّهُ}فأنزل الله السماء لكن الله جل وعلا نكاية بقوم نوح أمر الأرض أن تخرج مافيها من ماء فانفجرت الأرض أربعين يوما تخرج عيونها والسماء تمطر قال الله{فَالْتَقَى الْمَاء}أي جنس الماء .(1/21)
ماء السماء وماء الأرض {فََالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أين نوح؟ قال الله {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }هذه{ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } تحتمل عشرات المعاني لكن لماذا قلنا إنها السفينة؟ لأن الله قال في آية أخرى{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [واضح] أيسر شيء تفسر به القرآن أن يفسر القرآن بماذا؟ بالقرآن{ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } تحتمل أشياء عديدة لكن لما قال الله{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}عرفنا أن ذات الألواح والدسر هي ماذا؟ هي السفينة{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}أي على مرأى منا ومنظر ورعاية{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ }بالبناء لما لم يسمى فاعله من الذي كفر؟ نوح والذين كفروا قومه.(1/22)
من الذي كُذب؟ نوح والذين كذبوا قوم نوح فالله قال{جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ }للمكذوب للمغلوب للذي دعا وهو نوح عليه الصلاة والسلام وقد مر معنا أنه مكث في السفينة عليه الصلاة والسلام ثم يقولوا بعض المؤرخين أنه لما نزلت به السفينة على أرض الجودي وهذا لا يلزم التصديق به لكن هذا من العلم الذي يستأنس به لما هبطت به السفينة أراد أن يتأكد وأنا قلت هذا في كثير من محاضراتي أراد أن يتأكد من السفينة أرسل حمامة تخبره هل الأرض حية أو ميتة؟ فذهبت الحمامة ورجعت ومعها غصن زيتون لتثبت له أن الحياة تدب في الأرض فلذلك جميع الأمم الآن اليهود والنصارى وغيرهم يجعلون من الحمام أو غصن الزيتون رمزا لماذا؟ للسلام هذا المعنى السياسي لما تراه اليوم من الغصن والزيتون وسواء صح الخبر أو لم يصح هذا لا يتعلق به لا كفر ولا إيمان ولا جنة ولا نار هذا ماكان عن نوح عليه السلام ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك عاد وقال جل وعلا{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ*إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}هذا اليوم النحس كان يوم أربعاء بالنسبة لهم سماه الله جل وعلا هنا مستمر لكن الله لم يذكر في القمر مدة استمراره أين ذكر مدة استمراره؟ في الحاقة قال ماذا؟{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً}فإذا سئلت{يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ }إلى كم مده ؟ تقول سبع ليال وثمانية أيام حسوما كل هذا يفسر القرآن بماذا؟ بالقرآن {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}{تَنزِعُ النَّاسَ} مالذي تنزع الناس؟ الريح{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}طيب قال هنا {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}ماذا قال في الحاقة ؟{ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} طيب جاء في الحاقة بالتأنيث وهنا ذكر النخل بإيش؟ بالتذكير قال {مُّنقَعِرٍ} ما قال(منقعره)النخل جمع يذكر(1/23)
ويؤنث هذا تخريج لكن التخريج الأصح أن يقال إن كلمة نخل فيها لفظ ومعنى فلفظها مذكر ومعناها مؤنث فلما قال الله ؟{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} عمد إلى اللفظ ولما قال في الحاقة{أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}عمد إلى ماذا؟ إلى المعنى وحتى تطمئن نفسك كلمة معاوية في لفظها مؤنث ولَّا مذكر؟ مؤنث التاء هذه تاء تأنيث ولكنها تطلق على معنى ماذا؟ على معنى مذكر كحمزة فهي حمزة لفظ مؤنث فيه تاء لكنه يطلق على رجل [واضح] فهذا هو حل الإشكال في قول الله{ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} و{أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}{تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}ثم ذكر الله جل وعلا قوم صالح ،وقوم صالح وقوم عاد يتفقان في أنهم ماذا؟ ديار متقاربة أوبتعبير أصح عرب عاد وثمود كانوا عرب من بقي من العرب قوم من؟ قوم شعيب وقوم من؟ آخر شيء: محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء كم؟ أربعة ولا يوجد نبي عربي غير هؤلاء الأربعة صالح وقد أرسل إلى قوم ثمود وشعيب وقد أرسل إلى أصحاب الأحقاف أصحاب الأيكة إلى مدين وهود وقد أرسل إلى عاد ومحمد صلى الله عليه وسلم وقد أرسل للناس كافه فهؤلاء الأربعة هم الأنبياء والمرسلون العرب فقط أما غيرهم ليسوا من العرب . نعود إلى الآية ذكر الله بعد ذلك قوم صالح ،قوم صالح كانوا يسكنون الحجر والله يقول{ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ}يعني في طريق ظاهره إلى الآن باقية.{ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ}قوم صالح طلبوا آية فأعطاهم الله الناقة وهذه الناقة قال لهم صالح: إنها لها شرب ولكم شرب يوم معلوم هذه الناقة كانت تظهر وتغب فإذا ظهرت شربت البئر كله وإذا غابت يأتوا قوم ثمود فيشربون البئر يأخذون الماء ويذهبون للناقة ماذا يصنعون؟ يحلبونها.(1/24)
يذهبون للناقة يحلبونها واليوم الذي للناقة لا يأتوا الناس ليشربون من ماذا؟ من البئر{ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ}بالضاد أخت الصاد بمعنى كل قوم يحضرون{كُلُّ شِرْبٍ}هنا أي كل حظ قسمة من الماء يحضرها صاحبها إن كانت للناقة وإن كانت لكم قبلها قالوا{أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ}وقالوا عنه أنه{كَذَّابٌ أَشِرٌ} طيب مامعنى كذاب أشر؟ فيه كذاب طبيعي وفيه كذاب أشر. وهم يقولون إنه كذاب أشر .مامعنى الكذاب الأشر؟ الكذاب الطبيعي الذي يكذب ليفر من معضلة هذا كذاب طبيعي والذي يكذب لينشد أمرا عظيما يترفع على الناس هذا يسمى كذاب أشر. فمثلا/ أنت تدخل الدار فتجد في صحن الدار في الفناء رجل غريب فتقبض عليه تسأله ماذا تريد؟ فيكون أراد السرقة فلما رآك يخافك فيقول لك يأتي بأي حيلة يقول أنا صديق لابنك يكذب.أو يقول أنا ممن يوزع فواتير الكهرباء جاء يحط فواتير الكهرباء.أو يقول أي شيء يخلص به منك، فهو لماذا كذب؟ حتى يخلص نفسه.[واضح] ففيه شيء يدعوه للكذب أو لا يوجد؟ يوجد حتى يريد أن يخرج من مأزق وقع فيه هم يقولون عن نبي الله صالح يعني ثمود تقول عن صالح تقول أنت نحن نحترمك ونقدرك{ قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا}نحترمك ونجلك ونقدرك ولم تكن في معضلة ولم تكن في محك حتى تكذب علينا وتزعم أنك رسول فإنك لا تزعم أنك رسول إلا تريد أن تتصدر وتعلوا علينا فأنت بزعمهم ماذا؟ كذاب أشر قال الله{سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}والسين هنا للمستقبل القريب.{سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ} أي اختبار{فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ..(1/25)
} وهو من؟ قدار ابن سالف. وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أشقى الأولين) والحديث صحيح نادوه لكن هل كان عقره للناقة برضا منهم أو بعدم رضى؟ برضى. تجزم أو لا تجزم؟ تجزم. لماذا؟ "فنادوا"هذه قويه . أقوى منها ترى أهم قدرات التفسير أن تستحضر القرآن سورة الشمس{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا* إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا* فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}قال الله{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}فأسند الفعل للجماعة ولم يسنده للفرد. وقال في القمر إن الذي عقرها واحد قال {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ }الجمع بين الآيتين أنه عقرها برضا منهم [واضح] وبهذا تستقيم الأدلة. وأقول استحضار الآيات عند التفسير مهم وأنا قلت لطلابي كثيرا أن الحجاج ابن يوسف على طغيانه كان يقدر على استحضار القرآن جاءته امرأة ذات يوم قالت له: أيها الأمير أعفُ عن ولدي فإنه بريء والذي حدث كلا من النصف الأعلى فمكث دقيقتين أو ثلاث يستحضر القرآن ثم قال: اطلقوا ابنها أين حدث كلا من النصف الأعلى؟ القرآن ثلاثون جزءا ليس في الخمسة عشر الجزء الأول كله ما فيها حرف كلا لا يوجد في القرآن كلا هذه للزجر لا يوجد في الخمسة عشر جزءا الأول، والجزء السادس عشر يبدأ في سورة الكهف في قضية الخضر مع موسى{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}هنا يبدأ الجزء السادس عشر بعدها في مريم {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً* أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ...(1/26)
} ثم تأتي "كلا" كثيرة في الأجزاء الأخيرة من القرآن فالحجاج استحضر القرآن كله طبعا هذا فضل من الله هذا من أعظم ما يعينك على تفسير الآيات، أن إذا جاءك معنى اجمع ما يناسبه من القرآن حتى تستطيع الحكم على الآية فالله هنا عبر بالمفرد وعبر في{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}بالجمع والجمع بينهما أن يكون اختاروا هذا الرجل فقام بما يريدون أن يعملوا به{فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}كما قال الله جل وعلا وأنا أتكلم على عجالة، ثم ذكر الله جل وعلا قوم لوط والذي يعنينا في قوم لوط أن الله عذبهم بأن جعل عاليها سافلها ما السبب؟ الله غالبا يعذب بجنس العمل فرعون قال:{ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي}كيف مات؟ غرقاً في الأنهار التي يزعم أنه يملكها. [واضح] غرقاً في الأنهار التي يزعم أنه يملكها. قوم لوط مع الشرك بالله جاءوا بالفاحشة العظيمة:وهي إتيان الذكران من العالمين وإتيان الذكران قلب لماذا؟ للفطرة قلب للفطرة فعاملهم الله جل وعلا في العذاب بجنس المعصية فقلب عليهم الديار والأمم التي غيرهم زي عاد وثمود عذبت بالصيحة لم تعذب بالتقليب قال الله{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}فقلب الله عليهم الأرض التي يسكنونها من جنس المعصية التي كانوا عليها عياذا بالله وهي إتيان الذكران من العالمين وقال الله في قصة لوط{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}وقد أخذ العلماء من هذا أن فضيلة السحر وهي واردة كثيراً لكن السحر من أفضل الأوقات ثم قال الله جل وعلا{وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ*كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ}العرب أحيانا تطلق الجمع وتريد المثنى "النذر" هنا منهم؟موسى وهارون طيب لو جاء إنسان وقال إن الله يقول{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}وما جاءهم إلا رسول فهنا يجاب عنها بأن التكذيب لواحد كالتكذيب لماذا؟ للكل وهذا واضح.(1/27)
جيد طيب لو جاء إنسان وقال يا أخ صالح أنت تقول أن الله يقول{وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ }تقول أنه ماذا؟ موسى وهارون لماذا لا يكون المقصود الرسل كلهم ؟ كيف يرد عليه؟ الله قال{وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ } فالذين جاءهم فقط اثنان موسى وهارون. لو قال:"كذبت قوم فرعون النذر"قلنا جميع ماذا؟ جميع الرسل،[واضح] حتى يكون فيه دقه في الخطاب{ وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ *كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} هنا "كلها" جاءت مع مجموعه لكن هذه الآيات كم؟ تسع ماهي؟ الله يقول{ ِفي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ}وهذه التسع ءايات قال الله{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ}هذه واحده{وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ}هذه اثنان وقال{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ }هذه خمس وأول اثنين سبع واليد يد موسى ومن قبل الآية الكبرى: وهي العصا فهذه تسع، قال{ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} ثم قال الله عودا على بدء يخاطب من؟ كفار قريش{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ }أصبحت " أُوْلَئِكُمْ " هذه تعود على من؟ على جميع الأمم التي ذكرها الله في السورة إذا الله هنا الآن يقول للقرشيين أنتم واحد من ثلاث:ـ إما أن تقولوا إنا نحن الكفار أفضل من أولائك الأقوام فلذلك لا يعذبنا الله هذه واحده. {(1/28)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } أو تقولون{أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ }"الزبر" اللوح المحفوظ هنا المقصود به اللوح المحفوظ جمع زبور وهو الكتاب المقصود به هنا أن عندكم شهادة أن الله لن يعذبكم ولن ينكلكم براءة من الله هذه كم حالة؟ حالتان{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ }وهذه هي التي اتكؤا عليها أنهم كانوا يعتزون بقوتهم فالاثنتين الأولى باطله لم يقولها القرشيون ماقالوا: احنا أفضل ولا قالوا عندنا براءة لكن كانوا يعتزون بماذا؟ بجمعهم فقال الله{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }هذه الآية لما أنزلت جعل الصحابة يقول بعضهم أي جمع؟ وأي دبر؟ ماهم عارفين حتى جاء يوم بدر وهذا خطاب لكل من يتعجل من الشباب الدين يحتاج إلى صبر والله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه ومافيه بناء يقوم بين يوم وليله فجعل الصحابة عندما أنزل الله {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } في مكة يقولون أي جمع وأي حرب مافيه دلائل على أي شيء ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بدر فخرج عليه الصلاة والسلام في درع يثب فيها ويقول:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }فقال سعد بن أبي وقاص وعمر وغيرهما من الصحابة.فعرفنا تأويلها يومئذ فهزم الجمع وهزم الدبر كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا يتفرع إلى مسألة أن الغيب الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى كم قسم؟ إلى ثلاثة أقسام وهذا نختم به المحاضرة :
ـ غيب يتعلق بالأمم السابقة وقع من قبل وإنما أخبر عنه كإخباره عن الأقوام وأهل الكهف ويوسف وغيرهم .
ـ وغيب أخبر عنه ووقع في حياته مثل ماذا؟ مثل هذه القضية{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}وقعت في حياته.(1/29)
ـ وغيب أخبر عنه ووقع بعد وفاته كإخباره عليه الصلاة والسلام عن فتح بيت المقدس وهلاك كسرى وهلاك قيصر إلى غير ذلك ..هذا ماتيسر ماقلناه حول كتاب ربنا جل وعلا في سورة القمر أسأل الله جل وعلا لنا ولكم التوفيق والعون والهداية ونجيب على أسئلتكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد."
تم بحمد الله
***(1/30)
تأملات في سورة المسد
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذه السورة معدودة الآيات
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5))
قلنا في سورة الضحى أن النبي عليه الصلاة والسلام لُمز لما
أنقطع عنه الوحي ومعنى ذلك أن له خصوم لا نستطيع أن
نقول أنهم خصوم عامة فقط ذنبهم أنهم لم يؤمنوا بل كانوا
يتحرشون به صلى الله عليه وسلم من هؤلاء أبو لهب وهو
الاسم الوحيد الذي جاء بالكنية في القرءان وأبو لهب أسمه
عبد العزى بن عبد المطلب وسمي أبو لهب لإشراق وجنتيه
أي لجماله تشبيهاً له بالجمرتين , ومع ذلك كله قال الله جلا
وعلا :( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)
العلماء رحمهم الله يقولون نقلاً عن الأخبار الصحيحة وأخذ منها أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى في قومه يا صباحه : فاجتمعوا فلما اجتمعوا أخبرهم عليه الصلاة والسلام ويبتليهم أولاً أنه سيحدثهم بحديث فهل هم مصدقوه فأخبروه أنه محل صدق به فلما دعاهم إلى
توحيد الله قال له أبو لهب (هذا الذي هو عمه) ألهذا جمعتنا :
تباً لك سائر اليوم وأنفض ,فكان سبباً ذلك في انفضاض
الناس عنه صلوات الله وسلامه عليه .
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أنه يدعوا في سوق ذي المجاز
(أحد أسواق العرب الثلاثة) فكان يدعوا الناس إلى التوحيد
فإذا فرغ من خطابه ودعوته قام عمه يتبعه ويفند ما قال صلى
الله عليه وسلم ويقول لا تصدقوه إنه صابئ كاذب قال أحد
الرواة فكان الناس يسألون من هذا فيقولون محمد بن عبد الله
ومن هذا الذي يكذبه فيقولون عمه أبو لهب وكان المفترض
على الأقل على سنن الجاهليين أن ينصر ابن أخيه لكنه كان
يتبعه في كل محفل يكذبه
من أجل هذا قال الله (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)يقولون العلماء تبت
الأولي دعاء والثانية أخبار وليست توكيد(1/1)
فدعى الله جل وعلا عليه بلسان الحال وأخبر الله جل
وعلا وتب أي وقع ذلك الدعاء
تبت هذا دعاء وتب أي وقع ذلك الذي حصل وليس تكرار
للدعاء
قلنا إنَّ أبا لهب أحد أعمام النبي وأعمامه عشرة
أدرك الإسلام منهم أربعة أي أدرك البعثة النبوية أربعة من
أعمامه أسلم اثنان العباس وحمزة وكفر اثنان أبو طالب وأبو
لهب إلا أن أبا لهب كان شديد العداوة له صلوات الله وسلامه
عليه , لهذا كناه الله جلا وعلا في القرءان وذكره قال الله
تعالى :( ما أغنى عنه ماله وما كسب) (ما)النافية (عنه ماله)
واضح تجارته (وما كسب) حُملت على الولد يعني ولا ولد
وإن كان قد اسلم اثنان من أولاده ثم قال الله (سيصلى نارا
ذات لهب) ولهذا أجمع العلماء على أن هذه السورة من أعظم
المعجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم ذلك أن أبا لهب لم يؤمن
لا ظاهراً ولا باطناً ولا سراً ولا أعلاناً لا هو ولا زوجته
قال الله ( وامرأته حمالة الحطب) (وامرأته) وأسمها أم
جميل أخت أبي سفيان بن حرب ( حمالة الحطب) كناية عن
سعيها بين الناس بالنميمة ( في جيدها حبل من مسد)
الجيد هو ما يوضع عليه موضع الفخر للنساء موضع لفت الأنظار
فعاملها الله جلا وعلا بجيد يكون موضع ذل وشؤم عليها في
نار جهنم على أختلاف العلماء في ما معنى المسد والأظهر
أنه حبل من ليف يوقد على النار يطوق به عنقها يوم القيامة
الذي نريد أن تصل إليه في هذه السورة المباركة أمور من
أهمها
قلنا في سورة الضحى قبل قليل عناية الله بنبيه, من عناية
الله بنبيه أن الله جلا وعلا يقدمه حيناً لحكمة وينحيه حيناً
لحكمة
نحاه الله جل وعلا هنا,
كيف نحى الله نبيه هنا ؟
قال الله( قل يا أيها الكافرون) وقال الله ( قل أعوذ برب الفلق
) وقال الله ( قل هو الله أحد)
قال الله( قل يا أيها الناس أني رسول الله إليكم جميعا) وقال الله
(قل أني أخاف أن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) وقال الله
جل وعلا ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم )(1/2)
هنا لم يقل الله ( قل تبت يدا أبي لهب وتب) لأن العم صنو
الأب فلأبي لهب حق على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه
عمه , فنحاه الله جلا وعلا هنا وخاطب الله أبا لهب مباشرة
حتى يكون خطاب وبال له , حتى يكون أنكى في حق أبي
لهب ولا يقولن أحد من قريش يوم ذاك أن يقول إن النبي لم
يتأدب مع عمه, وقلنا أن العم له حق ,هذا أعظم ما يمكن أن
يستفاد من قضية السورة عموماًُ
كذلك يستفاد أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب ولو أن
أحد نفعه نسبه لنفع النسب أبا لهب وهو عم النبي صلى الله
عليه وسلم . الخسران والوبال إذا كتبه الله على عبد
هذا يدل على أن العبد طينة شقية وسريرته في الدرجات العليا
من الخبث والدرجات السفلى من النار,
وكذلك كان أ بو لهب, وإلا لله جلَ وعلا أعداء كثيرون
ذكرهم الله في كتابه لكن لم يسمهم ولم يشر إلى كنيتهم ولم
يذكر بعضهم بألقابهم اللهم إلا قليل ,لكن هذا الرجل ذكره
القرءان بكنيته فقال
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)).
عاش أبو لهب حتى بعد معركة بدر, ولم يستطيع أن يخرج
إليها بعث غيره, حتى لا يموت موطن شرف لا موطن شهادة
كافر لا يمكن أن يكون شهيداً , لكن القتل قتل إنسان من أجل
مبدأ يسمى شرفاً من وجه أخر أنه يدافع عن شيء يؤمن به
فأبو جهل مات موته يقول فيها لمن قتله لقد ارتقيت مرتقى
صعب يا رويعي الغنم , فبقيت صورة أبي جهل عند من
يؤمنون بنظريته ومذهبه وقوله وأنفته واستكباره نظرة
عظيمة وإن كان أبو جهل ومن تبعه في الباطل لكنهم كانوا
يعظمون أبا جهل لأن موته كان موتاً بالنسبة لهم عزيزة
أما أبو لهب هذا فما قال الله فيه ما قال
إلا لخبث طينته مات أصابته نوع من المرض كانت العرب(1/3)
تخشاه يقولون إن فيه العدوى والناس تبقى شفيقة على أنفسها يقولون فيما ينقلون إن في زمن نوح لما جاء الطوفان إن
امرأة كانت تحمل وليدها على كتفيها فلما جاء الطوفان خشيت
على أبنها من الغرق وقفت على أمشاط قدميها ثم لما زاد
الطوفان حملته على رأسها حتى ينجو
فلما شعرت بالغرق وضعت أبنها تحتها وأقضت عليه
قدمت نفسها وهذه جبلة في النفس عموماً
إن الإنسان ولو أدعى غير ذلك إذا وصل عند الغرغرة
فهؤلاء أبناء أبي لهب يعرفون العداوة بينه وبين النبي
ومع ذلك لما خشوا على أنفسهم أن يهلكوا بمرض أبيهم
بعدوا عنه فأضحى بعيداً عنهم حتى أخر الأمر مات
فلما مات خافوا أنهم إذا قبروه يمرضوا, فيقال أنهم
حملوه على خشبان أعواد يدفعونه بها حتى أوصلوه إلى
حفرة أسفل جدار ثم أتوا الجدار من الخلف وهدموه على أبيهم
, وما دام قد قال الله ( تبت) آي خسرت وهلكت ,فهذا واحد
من أنواع التباب التي نالها أبو لهب في الدنيا ولعذاب الأخرة
أكبر , وكذلك فرعون كان يقول أليس لي ملك مصر وهذه
الأنهار تجري من تحتي
فيموت غرقاً وياليته لا يشمت به أحد من أهله, وإنما يُنجى
بدنه حتى يراه من كان يعظمه فلا يقع في نفسه شيء من
تعظيمه ,وأحياناً من الحكمة الأنسان إذا مرض وأصابه بعض
الأعراض الجانحة التي تذهب مثلاً قوته وذهنه, يحسن بأهل
ولايته أن لا يطلعوا الناس كلهم عليه .
سأقول فائدة شخصية
كنت أعرف أحد الصالحين غفر الله له ورحمه مات, وكنت
قريب منه لأمور عدة نسب وغير نسب,
لكن في أخر أيامه كنت لا أذن لأحد استأذنت من والده أن
أتولى شيئاً من أمره فكنت لا أذن لكل أحد أن يدخل فيراه
لأنه ليس محمود أن يُرى على كل حال, لأنه مريض وقد
يأتي احياناً ويتصرف تصرفات وتتكشف منه أمور غير
محمودة وهو معذور شرعاً لأنه أصلاً لا يدري لا يعلم, لكن
قد ينطبع في أذهان الناس عند رأي صورته تلك فلا يحسن
أن يراه كل أحد خاصة فيمن وقر في أذهانهم صورة محمودة
له ....أظن هذا واضح(1/4)
على هذا يقال ذلك الأنسان المسؤول عن أحد ينبغي أن
يرعاه جيداً وأن يستفيد من آيات الكتاب البينات الواضحات
في الأمور هذه وأن يعرف خصائص آيات كتاب الله التي
يدل الله جلا وعلا عليها بعض علمه
التي دعى فيها لأبن عباس علمه التأويل فقهه في الدين هذا من الفقه في الحياة المستنبط من كلام ربنا جلا وعلا
هذا ما يمكن أن يقال كما قلت عن سورة المسد التي سميت
بأخر حرف فيها إلا أنه زيد (ال) زيادة في التعريف
الله جل وعلا قال ( في جيدها حبل من مسد) لكنها عرفت
مكتوبة بسورة المسد ,أقول تكراراً هذه السورة لم أشرع في
بيان ألفاظها لأنها واضحة جلية ليس فيها غوامض ألفاظ ,
لكن تكلمت عنها بإطار عام محاولاً قدر الإمكان توصيل
مراد الله جل وعلا من كلامه في هذه السورة المباركة
المختصرة.
والله المستعان وعليه البلاغ و صلى الله على محمداً وعلى
آله والحمد لله رب العالمين.(1/5)
(تأملات في سورة النجم)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اعترافاً بفضله وإذعاناً لأمره وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ماجزى به نبينا عن أمته ، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد... أيها الأخوة المؤمنون . فهذا بعون الله وحمده وتوفيقه اللقاء الثالث وسنشرع إن شاء الله جل وعلا فيه بتفسير سورة النجم وبعبارة أوضح سنقف بعض الوقفات مع هذه السورة الكريمة... هذه السورة في أكثر قول علماء الأمة من المفسرين أنها سورة مكية دل عليها حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وسنشرع في بيانها على ما يأتي صدرها الله جل وعلا بالقسم.(1/1)
فقال تبارك وتعالى:(( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى* إن هوى إلا وحي يوحى ))وختمها الرب تبارك وتعالى بأنه خاطب أهل الكفر بأن كتابه العظيم و قرآنه المتلى والذي نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم أعظم ما يؤثر في القلوب ويرققها ويلينها لما حمل من الوعد والوعيد وصادق الأخبار وبلاغة الخطاب وتعجب الرب تبارك وتعالى من نظرة أولئك الكفرة إلى هذا الكتاب جاعلين مبدأهم به الإستهزاء والسخرية والضحك فقال تبارك وتعالى :(( أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون * وأنتم سامدون * فااسجدوا لله واعبدوا)) أما ما أوردته السورة فجرت على سنن ونسق السور المكية في العناية بأمر العقيدة وإثبات الرسالة وبيان الإشارة إلى رحلة الإسراء والمعراج أو بالتحديد إلى رحلة المعراج بصورة أوضح قال الله جل وعلا :(( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى )) هذا قسم بالنجم وجوابه ما ضل صاحبكم وما غوى إلا أن علماء الأمة رحمهم الله اختلفوا في المراد بالنجم هنا فذهب فريق من العلماء ، ونبدأ بالمرجوح ذهب فريق من العلماء إلى أن المقصود بالنجم هنا نزول القرآن منجماًعلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم فيصبح كلمة النجم هنا تعني الجملة من القرآن وقت نزولها لأن القرآن كما هو معلوم نزل منجماً بمعنى مفرقاً خلال ثلاثة وعشرين سنه نزل به جبريل على قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون معنى قول الرب جل وعلا (والنجم إذا هوى) قسم بشيء وجزء وجملة من القرآن حال كونها ينزل بها جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وهذا القول قال به بعض السلف قديماً واختاره الإمام الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان وقال عفا الله عنا وعنه قال وأصوب الأقوال عندي والذي اختاره أن المراد بالنجم هنا: الجمله من القرآن والمقصود بقول الله(إذاهوى) أي إذا نزل بها جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بل قال رحمه الله أي الإمام(1/2)
الشنقيطي قال وهي نفسها قول الرب تبارك وتعالى في سورة الواقعه ( فلا أقسم بمواقع النجوم) أي بنزول القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وذهب في هذا إلى حجته في هذه الأمور من أشهرها جواب القسم في سورة الواقعه وأن الله قال:(فلا أقسم بمواقع النجوم*وإنه لقسم لوتعلمون عظيم) فقال إن قول الرب تبارك وتعالى( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) أليق بأن يكون المقسم به القرآن والجمل من القرآن أليق من أن يكون بالنجم الذي في السماء أو النجم الذي في الأرض على القول بأن النجم هو نوع من الشجر نظير قول الرب تبارك وتعالى ((والنجم والشجر يسجدان)) فعلى هذا، هذا أحد الأقوال في معنى النجم في قسم ربنا ((والنجم إذا هوى)) وجمهور العلماء من المفسرين وأكثر المفسرين على أن المقصود بالنجم هو النجم الذي في السماء وأن هذا أول ما يتبادر بالذهن عند إطلاقه النجم الذي في السماء لكن هؤلاء كذلك العلماء اختلفوا في أي نجم مقصود فذهبت طائفه إلى أن النجم هنا المراد به كوكب الزهره وأكثر العلماء على أن المراد به النجم هنا الثريا السبعة النجوم المسماه عند العرب بالثريا حال سقوطها أي حال غروبها وهذا القول ينسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واختاره الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره و القول الثالث: أن المقصود بالنجم هنا جنس النجم في السماء فلا يحدد نجم بعينه وإن الله يقسم بالنجوم جمله في السماء وهذا القول اختاره العلامة ابن السعدي رحمه الله. وهو الذي تميل إليه النفس أكثر والله تعالى أعلم . على هذا يتحرر أن العلماء من حيث الأصل اختلفوا في المراد بالنجم إلى قولين .
1ـ النجم المقصود به الجملة من القرآن .
2ـ والآخرون قالوا النجم الذي في السماء وهذا قول الجمهور.(1/3)
ثم قول الجمهور هذا يتشعب إلى ثلاث أقوال في الغالب . قد يوجد أقوال أخر لكن أنا أحرص على أن أذكر لك الأجمل أو الأكثر أو ما ساد بين العلماء . الأكثرون على أن المقصود بالنجم هنا هو الثريا وهذا قلنا إنه محكيُّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واختاره الإمام ابن جرير شيخ المفسرين، وقلنا فريق آخر قال إن النجم المقصود به هنا كوكب الزهرة ، وقال آخرون إن النجم هو المقصود به جنس النجم فلا يصبح هذا القسم منصرفاً إلى نجم بعينه وقلنا إن هذا القول اختيار الإمام ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه ورحمة الله على الجميع . (( إذا هوى )) إذا سقط عند طائفة وعند آخرين إذا تناثر يوم القيامة أما جواب القسم فهو قول الرب تبارك وتعالى (( ما ضل صاحبكم وما غوى )) والمخاطب بالآية في المقام الأول كفار قريش المكذبون للقرآن وللنبي صلى الله عليه وسلم ، فالصاحب المقصود به هنا رسولنا صلوات الله وسلامه عليه وكاف الخطاب في صاحبكم عائدة على كفار قريش ((ما ضل صاحبكم وما غوى )) الضلالة هي عدم العلم بالشيء أي عن الجهل ، والغواية ناجمة عن ترك العمل بالعلم . فالله جل وعلا ينفي وينزه نبيه صلى الله عليه وسلم عن الجهالة فأصبح بذلك أثبت له العلم بالحق ، ونزه النبي صلى الله عليه وسلم نزه ربه عن الغواية فأثبت له العمل بالحق ، أثبت له في الأول العلم بالحق ، لما نفى عنه الجهل، وأثبت له الهداية العمل بالحق لما نفى عنه الغواية ، فقال الرب تبارك وتعالى ((ما ضل صاحبكم وما غوى )) قال بعض العلماء وهم القائلون بأن المقصود بالنجم هنا هو النجم الذي في السماء قالوا مالمناسبة ما بين القسم بالنجم على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إن المناسبة أن النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر والوحي يهتدي به في الأرض .(1/4)
بل إن حاجة الناس إلى الوحي أعظم من حاجتهم إلى النجوم كما أن النجوم زينة في السماء فإن كلام الله جل وعلا زينة في القلوب ونور وزينة في الأرض هذا وجه،المناسبة عند من قال بأن الله جل وعلا أقسم بالنجم الذي هو النجم الذي في السماء ، وزيد عليه أيضاً أنهم قالوا أي بعض العلماء يقولون إن الله جل وعلا علم من العرب أنها كانت تستخدم النجم في الهداية فتطمئن إليه في زرعها وفي أسفارها قال الله :(( وعلامات وبالنجوم هم يهتدون )) فاطمئنانهم للنجم أقسم الله بالنجم على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أي كما ينبغي كما أنكم تطمئنون إلى النجوم وتعرفون أن النجم لا يخرج عن مساره وأنكم ما أضلكم النجم قط لا يتغير هدايته تركنون إليه فإن الله الذي سخر لكم النجم هو الذي بعث لكم محمداً صلى الله عليه وسلم فلئن كانت النجوم تهدي في ظلمات البر والبحر فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الجنة ويجير الله به العباد من النار هذا وجه المناسبة ما بين القسم والمقسم به (( ما ضل صاحبكم وما غوى)) ما سيأتي العلماء رحمهم الله تفاوت فيه واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً في تفسير الآيات التي ستأتي وأنا سأتكلم فقط عن الرأي الراجح ولا يعني ذلك أنه ليس هناك أراء أُخر وإنما سنعرج فيما نعتقده أنه الصواب بيننا وبين الله وما نختاره من أقوال العلماء.قال الله جل وعلا (وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى) هذه الآية إحدى تزكيات الله لنبينا صلى الله عليه وسلم وهي تزكية للسان وسيزكي الله الفؤاد فيقول الله (ماكذب الفؤاد ما رأى) وسيزكي الله البصر فيقول( مازاغ البصر وماطغى) وزكاه الله جملة (وإنك لعلى خلق عظيم ). ((1/5)
وماينطق عن الهوى) أي أن هذا النبي الأمي صلوات الله وسلامه عليه لا يخاطبكم وفق ما تمليه عليه نفسه ورغباته وأهوائه فإن لم يكن الأمر كذلك فما الأمر؟ فجاءت الآية التي بعدها تبينها (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) أي القول الذي يقوله صلى الله عليه وسلم وحي من الله...وحي يقوله يوحى إليه أي من رب العزة جل جلا لة والله جل وعلا قال:( وما كان لنبي أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه مايشاء إنه عليٌ حكيم) هذا الوحي الذي ينزل عليه صلوات الله وسلامه عليه مر معنا في دروسٍ سابقة أن الوحي أول وأعظم خصائص الأنبياء وبه يفرق مابين النبيين وبين المصلحين في الأرض فلا يمكن أن يرقى المصلحون من الساسة والقادة والإجتماعيين وغيرهم إلى مقام النبوة لأن الأنبياء يعتمدون على وحي الرب تبارك وتعالى والله يقول (وماينطق عن الهوى *إنه إلا وحي يوحى) هذا الوحي ينزل به من السماء، جبريل عليه السلام قال الله بعدها ((وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى* علمه شديد القوى)) هناك مُعَلَّم وهناك مُعَلِّم فمن المُعَلِّم نعته الله بأنه شديد القوى والمقصود جبريل والمُعَلَّم في هذا السياق هو نبينا صلى الله عليه وسلم ، وجبريل ظاهر القرآن والسنة على أنه أفضل الملائكة ، وهو أول من يسمع وحي الرب تبارك وتعالى ، قال عليه الصلاة والسلام:(( إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة شديدة فإذا سمع بذلك فأهل السماوات صُعِقوا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فإذا رفع رأسه أوحى الله جل وعلا إليه بما شاء فإذا أوحى الله جل وعلا إليه بما شاء مر جبريل على كل سماء كل ما مر على سماء سألته ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول قال الحق وهو العلى الكبير)) قال الله جل وعلا في سبأ (( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير))(1/6)
وهذا الملك الكريم أوكل الله جل وعلا إليه إنزال الوحي على الأنبياء جميع الأنبياء دلت السنة والقرآن على أن الذي ينزل بالوحي عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام . ولذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنعت من رأى وهو جيريل في أيام الوحي الأولى أخبربها ورقة ابن نوفل عرف ورقه أنه جبريل وقال هذا الناموس الذي ينزل على موسى فهذا مما مَنّ الله به على هذا اللمك الكريم عليه السلام (علمه) وصف الله جبريل هنا بأنه شديد القوى(ذومرة) أي ذو خِلْقَه حسنه تامه وهذا كله نعت لجبريل،وقد جاء نعت آخر لجبريل في سور أخر قال الله جل وعلا (إنه لقول رسول كريم*ذي قوه عند ذي العرش مكين*مطاع ثم أمين) هذا كله نعت لجبريل عليه الصلاة والسلام وقول الله جل وعلا (علمه شديد القوى*ذومرة فاستوى*وهو بالأفق الأعلى* ثم دنا فتدلى*فكان قاب قوسين أو أدنى) أظهر الأقوال والله أعلم أن المقصود بها كل هذا السياق رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في أيام الوحي في الأرض في مكه عند جبل حراء يصبح المعنى(ذو مرة فاستولى) من الذى استوى؟ جبريل (وهو بالأفق الأعلى) أي استوى جبريل في السماء بالأفق الأعلى فسد مابين المشرق والمغرب فرءاه النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على هيئته التي خلقه الله تعالى عليها، له ستمائة جناح قد سد ما بين المشرق والمغرب ثم إن جبريل(دنا فتدلى) وهو إسلوب عربي مقلوب تقوله العرب في كلامها لأن التدلي يكون قبل الدنوا والله قال(ثم دنا فتدلى ) وأصل الكلام على لغة العرب تدلى فدنا لكن هذا إسلوب تستخدمه العرب في كلامها يقول الرجل أحسن إلي فزارني، ويقولون زارني فأحسن إلي وكلا المعنيين واحد تقول فلان أساء إلي فشتمني وتقول شتمني فأساء إلي..(1/7)
وقول الرب تبارك وتعالى (ثم دنا فتدلى ) معناها الحرفي: تدلى جبريل فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم وقلنا مراراً في قواعد العلم، القرآن لايعرف بالمعاجم وإنما يعرف أول الأمر بأساليب العرب في كلامها وقلنا غير مره إن العلامه الشنقيطي رحمه الله تعالى" صاحب أضواء البيان" لما قدم إلى هذه البلاد من بلاد شنقيط مر على السودان وكان الإخوة في السودان يسمعون عن علمه وهو رجل كان يقال له أمير المؤمنين في المعقول والمنقول في العقل والنقل فمر على السودان في طريقه للحجاز للحج قبل أن يمن الله عليه بسكنى هذه البلاد والإقامه فيها فمر عليهم في السودان فلما مر عليهم أقامو له عشاءً ثم سألوه...(1/8)
من جملة أسئلة متعدده، سألوه ما آخِرَ كتاب قرأت فقال لهم آخر كتاب قرأته ديوان عمر ابن أبي ربيعه فتعجب الناس لأن عمر ابن أبي ربيعه شاعر غزل فكيف رجل إمام في تفسير القرآن نسأله آخر كتاب قرأت فيقول: لنا كتاب شعر في الغزل، فلما ارتج المجلس أصابهم حنق قال لهم رحمه الله أقرأه لأعرف به إسلوب العرب فأفهم بأسلوب العرب كلام ربي أقرأه لأعرف بقرائتي له إسلوب العرب فأعرف بمعرفتي لأسلوب العرب كلام ربي لأن عمر ابن أبي ربيعه شاعر عاش في صدر الإسلام في عهد آخر الخلفاء الراشدين وعصر بني أميه عصره متقدم ممن يستشهد بقوله فهو عندما يفسر القرآن سيعرف إذا كان مطلعاً على أساليب العرب في كلامها سيعرف إسلوب القرآن لأن القرآن نزل بأسلوب العرب هذا ماأردنا التنبيه عليه في قول لله جل وعلا (ثم دنا فتدلى ) قلنا إن الذي دنا وتدلى هو جبريل لكن هذا في الأرض فلما دنا وتدلى قرب من النبي صلى الله عليه وسلم ليعطيه الوحي ثم كنى الله عن قرب جبريل من نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله (فكان قاب قوسين أوأدنى ) هذه (أو) تحتمل معنيين تحتمل أن تبقى على بابها بمعنى(أو) وتحتمل أن تكون للضرب يعني للنقل فيصبح المعنى (بل أدنى) وأيا كان الأمر فإن المقصود حكاية قرب جبريل من نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يعلمه الوحي.كون جبريل يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الوحي هذا أمر في الأصل تفزع له القلوب لإن جبريل ملك ومحمد صلى الله عليه وسلم بشر لذلك قال الله بعدها (فأوحى إلى عبده ماأوحى) أي أوحى الله إلى نبيه بواسطة جبريل ما أوحى قال الله بعدها ((ما كذب الفؤاد ما رأى)) معنى ((ما كذب الفؤاد ما رأى )) على أظهر الأقوال: الإنسان إذا رأى شيئاً خارقاً للعادة قد تراه عيناه لكن يكذبه بقلبه .(1/9)
فترى الإنسان جبله يفرك عينه يقرأ المعوذات يقول هذا حلم هذا علم يرتبش يصيبه الإضطراب ولا يصدق ما يراه لكن الوحي أراد الله بهذا النبي أن يكون آخر الأنبياء وخاتم الرسل فثبت قلبه صلى الله عليه وسلم ولم يتزعزع فاتفق وتواطأ البصر والقلب على تلقي الوحي من الله عن طريق جبريل . هذا الذي يظهر لنا والله أعلم في تفسير الآيات . وقال بعض العلماء رحمهم الله تفسيراً آخر قالوا: إن الذى دنا وتدلى على بعض الأقوال هو الجبار جل جلاله وقالو إن هذا حصل في رحله المعراج لكن قلنا إن هذا لايستقيم معنا إذا فسرنا الآيات جمله والقول الذي اخترناه هو ماختاره الإمام ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه في تفسيره. ثم قال الله جل وعلا حتى تستقيم الآيات قال الله جل وعلا (أفتمارونه على مايرى) الأصل أن يقال (أفتمارونه فيما يرى) تمارونه بمعنى/ تجادلونه فيما يرى لكن الإنسان يقال له أجادلك في هذا الشيء إذا كان هذا الشيء يصنعه باختياره أما تعبير الله جل وعلا وتعبير القرآن باستخدام حرف الجر(على) بدلاً من استخدام حرف الجر (في) دلاله على أن هذا الأمرمعطى من الله هبه لنبينا صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء التي يراها كجبريل وكالوحي هذه لاتطلب لابعلم ولابحلقه ولابدراسه هذا فضل من الله والله قال لنبيه (ما كنت تدري ماالكتاب ولا الإيمن ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ). (أفتمارونه على مايرى ) هذا عتاب وتوبيخ لكفار قريش على أنهم يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه أنه لا قى جبريل و جبريل أنزل عليه الوحي الآن تلاحظ أن استقامة التفسير ماشيه . ثم قال جل وعلا ( ولقد رءاه نزلة أخرى ) من الرائي ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم . من المرئي ؟ جبريل . ((1/10)
نزلة أخرى ) أي مرة أخرى أين المرة المتقدمه ؟ التي في الأرض التي تكلمنا عنها ( ولقد رءاه نزلة أخرى ) أين يا ربنا ؟ قال الله جل وعلا ( ولقد رءاه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى ) إذا الرؤيه الثانيه في السماء إذاً المعراج أين في السوره؟ من بعد قول الله تعالى ( ولقد رءاه نزلة أخرى ) هذا يتحدث عن المعراج أما ماقبل ( ولقد رءاه نزلة أخرى ) يتحدث عن أيام الوحي الأولى التي في مكه وبهذا يستقيم الخطاب ويتم المعنى ( ولقد رءاه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ) وهذا القول يؤيده ماثبت عن أم المؤمنين عائشه رضي الله تعالى عنها وأرضاها وعائشة حبيبة رسولنا صلى الله عليه وسلم وهي تعيش معه في بيته ومن أعلم الناس في السنة لأنها قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم . تستطيع أن تسأله متى شاءت جاءها رجل يقال له مسروق هذا مسروق أحد التابعين من الصالحين جلس مسروق عند كعب الأحبار رجل من اليهود أسلم في زمن عمر فقال كعب الأحبار في المجلس إن الله خص إبراهيم بالخلة وقسم الرؤية والتكليم مابين موسى ومحمد فكلم موسى مرتين ورأى محمداً صلى الله عليه وسلم مرتين .هذا من القائل؟ كعب الأحبار . خرج مسروق من عنده وذهب إلى عائشة ـ وإذا جاء سيل الله بطل سيل معقل ـ فجاء مسروق إلى عائشه ، وقال لها ياأم المؤمنين إن كعبا يقول كذا وكذا فكانت متكئه فعدلت من جلستها غاضبه وقالت لقد قُفّ شعر رأسي مما قلت أي وقف.ثلاث من حدثك بهن فقد كذب فقال لاتعجلي علي يا أم المؤمنين ألم يقل الله:"ولقد رءآه بالأفق المبين" ألم يقل الله: "ولقد رءآه نزلة أخرى" فقالت رضي الله عنها وأرضاها وهي عندنا صادقة قالت أنا أول من هذه الأمة من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الأية فقال لي هو جبريل رأيته مرتين على هيئته التي خلقه الله تعالى عليها واحد في أيام الوحي الأولى وواحدة في رحلة المعراج .(1/11)
ثم قالت رضي الله عنها وأرضاها من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب قال الله جل وعلا ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصاروهو اللطيف الخبير) ومن حدثك أن أحداً يعلم مافي غد فقد كذب فقد قال الله (( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا)) ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً من الرسالة فقد كذب ثم تلت ((ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )) لكن نقف هنا وقفه مهمة هذا القول الذي قالته عائشة رضي الله عنها بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرى ربه نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم كأبي ذر وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى ربه ،لكن اختلفوا هل رءاه بقلبه أو رءاه بعينه على قولين وهذا مذهب ابن عباس ومن تبعه من الصحابة لكن هذه القضية لا نريد أن نتعرض لها لكن أنا أفسر قول الله جل وعلا ((ولقد رءاه نزلة أخرى *)) ((عند سدرة المنتهى ))السدر/ شجر النبق . والقرآن فيه إشاره بسيطة يفهم منها أن السدر ليس بشجر عظيم في الدنيا قال الله جل وعلا عن قوم سبأ ((وأبد لناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل)) هذا قال بعض العلماء إن هذا يدل على أن السدر ليس شجراً ذا بال في الدنيا . لكن هذا القول محجوج أو يمكن رده بما روى أبو داود في السنن بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قطع سدرة صوب الله في رأسه النار يوم القيامه ) وهذا الحديث رواه أبو داود في السنن وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع فهذا يعضد هذا يعني الكفتان تتراجح الآن الذي يعنينا أن هناك سدره اسمها سدرة المنتهى هذه السدره اختلف العلماء لماذا سميت بسدرة المنتهى مع اتفاقهم على أنها اسمها سدرة المنتهى لماذا اتفقوا على أن اسمها سدرة المنتهى ؟ هذا ماقلناه بالأمس لايمكن أن تختلف الأمه في شيء واضح الدلاله لأن الله اسماها سدرة المنتهى . لكن الله لم يخبر لماذا اسمها سدرة المنتهى ؟ فلذلك اختلفوا...(1/12)
فلماذا سميت سدرة المنتهى فقيل: وهو قول الأكثرين إنه ينتهي إليها مايعرج من الأرض وقيل: إن حتى جبريل لا يتعداها . والله أعلم بالصواب هذا غيب لا نتكلف فيه لكن نقول إن سدرة المنتهى . سدرة عظيمه بدليل أن الله لما أراد أن يعرف الجنه وصف الجنه بأنها بجوار السدره فقال (عندها) أي عند السدره( جنة المأوى) وهذا دليل على أن الجنة في السماء السابعه ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) النبي عليه الصلاة والسلام لما عرج به ورأى السدره رأى فيها يغشاها من ءالاء الله مالا يمكن أن يصفه بشر مايعجز من رءاه عن الوصف ولذلك أبهم ذلك الوصف فقال الله ( إذيغشى السدرة ما يغشى ) قال الله عندها مدحا لنبيه (مازاغ البصروما طغى ) النبي عليه الصلاة والسلام في رحلة المعراج لم يحد بصره لاميمنه ولا ميسره وإنما كان بصره يرى ماأراه الله وهذا من كمال أدبه صلوات الله وسلامه عليه . وأنت إذا دخلت بيت أحد كضيف فلا تجلس حيث تريد بل اجلس حيث يريد صاحب البيت هذا هو كمال الأدب لأن صاحب البيت أدرى ببيته وأدرى أين يضعك فربما تطلب مكانا تظنه مناسبا وفيه حرج لصاحب البيت فمن الأدب عندما تأتي لأحد كضيف أن تنزل حيث أنزلك وأن تجلس حيث أجلسك فهو أدرى ببيته فلو مثلا إنسان دعاك وهو يرى أنك رأس في الناس وأخبر جيرانه أنك ستكون ضيفه فإذا جئت وجعلك في صدر المجلس وأنت رفضت تواضعا وما إلى ذلك . أي وسلامه عليه . وأنت إذا دخلت بيت أحد كضيف فلا تجلس حيث تريد بل اجلس حيث يريد صاحب البيت هذا هو كمال الأدب .لأن صاحب البيت أدرى ببيته وأدرى أين يضعك فربما تطلب مكانا تظنه مناسبا وفيه حرج لصاحب البيت فمن الأدب عندما تأتي لأحد كضيف أن تنزل حيث أنزلك وأن تجلس حيث أجلسك فهو أدرى ببيته فلو مثلا إنسان دعاك وهو يرى أنك رأس في الناس وأخبر جيرانه أنك ستكون ضيفه فإذا جئت وجعلك في صدرالمجلس وأنت رفضت تواضعا وما إلى ذلك .(1/13)
ماأجلس في الصدر ؛ اجلس في الصدر فجلست في ناحية البيت فإذا جاء الضيوف سيستحيون أن يجلسوا في الصدر لأنهم كانوا يعتقدون أنك أنت الضيف الرئيس . والعكس إذا جئت إلى إنسان ولم يجلسك في الصدر فلا تجلس فقد يكون ينتظر رجلا أكبر منك سنا أو أرفع منك قدرا أوأحق بهذا المكان منك فتجعله في حرج في أنك تجلس في هذا المكان هذا أدب عام . نحن نقوله تعلما والله جل وعلا علمه النبي صلى الله عليه وسلم فطرة فلما رقي به عليه الصلاة والسلام لم يلتفت ميمنة ولا ميسره وأقام بصره حيث أقامه الله ولذلك أثنى الله عليه بقوله ( ما زاغ البصر وما طغى ) ثم أثنى الله على ما رءاه نبينا صلى الله عليه وسلم فقال ( لقد رأى من ءايات ربه الكبرى ) وقول الله جل وعلا (لقد رأى من ءايات ربه الكبرى ) دليل لمن قال إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرى ربه لأن الثناء على النبي بأنه رأى الله أعظم من الثناء عليه بأنه رأى الآيات فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه لكن الثناء عليه برؤية الله أعظم من الثناء عليه والمدح بأنه رأى بعض ءايات ربه . ثم قال الله جل وعلا ( أفرءيتم اللات والعزى * ومنوة الثالثة الأخرى ) قبل أن أصل إلى هذه ( أفرءيتم اللات والعزى ) نتكلم عن الإسراء والمعراج جملة على وجه الإجمال .(1/14)
الإسراء والمعراج لا تفهمه منفكا إنما افهمه بالحدث الذي قبله كان بعد رحلة الطائف خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فرده أهل الطائف فلما رده أهل الطائف رجع إلى مكه فلما رجع إلى مكه منعته قريش من أن يدخلها فدخلها في جوار المطعم ابن عدي كان كافرا ومات على الكفر وكان للمطعم أبناء فتقلدوا سيوفهم ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكه في جوار المطعم وطاف بالبيت في حراسة أبناء المطعم بعد ذلك بعد هذه الحادثه أكرمه الله برحلة الإسراء والمعراج الآن قارن مابين رحلة الطائف وتوابعها ورحلة الإسراء والمعراج وتوابعها، في رحلة الطائف ذهب إلى الطائف مشيا على الأقدام وفي رحلة الإسراء والمعراج ركب صلى الله عليه وسلم البراق ينتهي حافره حيث ينتهي بصره في رحلة الطائف كان معه زيد ابن حارثه أحد مواليه مستضعف رضي الله عنه وأرضاه وفي رحلة الإسراء والمعراج كان معه جبريل في رحلة الطائف صده أهل الطائف وفي رحلة الإسراء استقبله الأنبياء في بيت المقدس في رحلة الطائف وهو راجع رده أهل مكه وفي رحلة المعراج استقبلته الملائكه في السماء في رحلة الطائف رجع يطوف بالبيت معه حراسه وفي رحلة المعراج رأى البيت المعمور في أمن وكرامة وعز من الله فانظرالفرق بين الحالتين حتى تعلم مكانة نبينا صلى الله عليه وسلم عند ربه فلما صبر على الأولى من أجل الله عوضه ربه بالثانيه إكراما له صلوات الله وسلامه عليه .(1/15)
قيل للشافعي رحمه الله أيهما أفضل لرجل يمكن أويبتلى قال سبحان الله لن يمكن حتى يبتلى فهو صلى الله عليه وسلم دميت عقباه وسالت دمه على أرض الطائف ورد وصد ورضي بذلك كله وقال:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون" ونزل من الطائف وهو في الطريق لم ينسى حظه من صلاة الليل فقام يصلي ويتلوا القرءان قبل أن يصل إلى مكه وهو يتلوا القرءان أكرمه الله بأن جنا يأتون إليه فيسمعون قرائته دون أن يدري ولذلك قال الله ( قل أحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) أما أنا ما رأيت شيء، وقال في الأحقاف ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) هذا أهم مايمكن المقارنه به بين رحلة الطائف ورحلة المعراج . أما رحلة المعراج فالذي يعنينا منها أنه صلى الله عليه وسلم قدم له لبن وخمر وجاء في بعض الروايات وعسل فاختار البن فنودي:" هديت وخترت الفطره وهديت أمتك" البن الذي يأخذه الجنين من بطن أمه هو الغذاء الوحيد الذي لاتدخل فيه صنعة بني آدم فليس لبني آدم فضل في البن الذي يخرج من ثدي المرأه ولا الذي يخرج من ضرع الشاة أو ذوات الحليب . فلذلك قيل له صلى الله عليه وسلم اخترت الفطره ثم يعرج به صلى الله عليه وسلم فقد مر معنا في أكثر من درس ما حظي به صلى الله عليه وسلم من الحفاوة من الأنبياء والمرسلين في أكثر من مناسبه. قال شوقي :
يَاأُيهَا المُسْرَى شَرَفاً إِلَى
مَالا تَنالُ الشمسُ والجوزاء
يَتساءَلونَ وأَنت أَطْهرُهَيْكلٍ
بِالروحِ أمْ بِالهَيكَلِ الإسْرَاءُ
بِهِمَا سَمَوْتَ مُطَهِرِينَ كلاهُما
رُوحٌ وريْحانيةُ وبهاءُ
تَغشَى الغُيوبَ مِن العَوَالِمَ كُلْمَا
طُويتْ سَماء قُلدتكَ سماءُ
أَنت الذِي نَظَم البريةَ دِينهُ
مَاذا يُقولُ ويَنظمُ الشعراءُ
المُصْلحونَ أَصابعُ جَمعتْ يداً
هِي أنْتَ بل أنتَ اليدُ البيضاءُ
صلَّى عليكَ الله مَاصَحِبَ الدّّّّّّّّّّّّّّّجى
حَاد وحَنت بالفلاءِ وجْناءُ(1/16)
واسْتقبَلَ الرِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّضَوانَ فِي غُرُفَاتِهم
بجِنان عَدن ءَالك السُّمحاءُ.....
هذه القضية الأولى التي أردت الوقوف عندها في سورة النجم . القضيه الثانيه قول الله جل وعلا( أفرءيتم اللات والعزى * ومنوة الثالثة الأخرى) فاالله هنا يوبخ المشركين على أنهم يجعلون هذه الأصنام التي لا تضر ولاتنفع ندا لله ماالقضية التي تتعلق بهذه الآيه سورة النجم آخرها سجدة فلما وصل إليها صلى الله عليه وسلم سجد وهذا أمر يذكر بمسألة شهيرة عند العلماء وأنت طالب علم أو بتعبير أصح المخاطب بهذا الدرس في المقام الأول طالب علم لاينبغي له أن يجهلها وتسمى قصة الغرانيق ؛والغرانيق جمع غرنوق وهو طائر أبيض ؛ وقصة الغرانيق قصة يذكرها المفسرون عند هذه الآيه ولأهميتها عقديا سنتكلم عنها وهي القضية الثانيه في هذه السورة . القصة تقول:المفسرون يعني ينقلون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه نقلا غير صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السوره وجاء عند قول الله جل وعلا ( أفرءيتم اللات والعزى * ومنوةالثالثة الأخرى ) يزعمون أي الذين يقولون القصة يزعمون أن الشيطان ألبس على النبي صلى الله عليه وسلم فألقى في قلبه أن يقول بعد أن قال ( أفرءيتم اللات والعزى * ومنوة الثالثة الأخرى ) أن يقول تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ؛ تلك أي الأصنام الغرانيق العلى أي تطير تعلو بعبادتهم و إن شفاعتهن لترتجى يزعمون أنهم فهموا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعترف بشفاعة ءالهتهم ؛ وتقول القصه إن النبي صلى الله عليه وسلم لما سجد ؛ سجد معه كفار قريش وذكروا أن الوليد ابن المغيره كان شيخا كبيرا لم يستطع أن يسجد فرفع ترابا فسجد عليه فرحا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعترف بآلهتهم هذه نقل.(1/17)
النقل الثاني يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقلها وإنما الشيطان قلد النبي صلى الله عليه وسلم فقال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فظن المؤمنون والكافرون أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قالها فلما سجد سجدوا معه فرحاً،ويزعمون أنه لما جاء المساء جاء جبريل مرة أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له إقرأ علي ما أقرأتك فيقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها (أفرءيتم اللات والعزى * ومنوة الثالثة الأخرى)" تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهن لترتجى "؛ والله المجنون لايصدق بها . ثم إنه غضب جبريل وقال ماهكذا أقرأتك إياها فأنزل الله جل وعلا على قولهم قوله تعالى في سورة الحج الآية (52) ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولانبي إلاإذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله مايلقي الشيطان ثم يحكم الله ءاياته والله عليم حكيم ) وقول الله تعالى في سورة الإسراء ( لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ) آخر الآيه، هذه قصة الغرانيق الكلام في القصه هذه من حيث المتن ومن حيث السند نقول جملة هذه القصه وردت في أكثر كتب التفسير لكن علماء الأمه من أهل السنه رضي الله عنهم ورحمهم وجزاهم عن السنه خيرا ردوا هذه القصه شكلا وموضوعا كما يقول المعاصرون وردوها سندا ومتنا اللهم إلا من كان من الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فهو يقول إنها من المرسل المقبول لكنه لا يقول رحمه الله إن النبي صلى الله عليه وسلم قالها لكن يقول صحح سندا مرسلا يقول إن الشيطان قالها في سكتات النبي صلى الله عليه وسلم وهو أي الحافظ رحمه الله يقول إن القصه من حيث السند المرسل بهذه الطريقه الذين يحتجون بالمراسيل بهذه الطريقه يحتج بها . وقد عاتب العلماء كثيرا الحافظ ابن حجر رحمه الله على قوله هذا وأما علماء الأمة قاطبه فقد ردوها متنا وسندا وهي لايمكن أن تصح شرعا.(1/18)
لماذ؟ لأن الله يقول عن إبليس ( إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون) فإذا كان إبليس بنص القرآن ليس له سلطان على أهل الإيمان فمن أشرف أهل الإيمان ؟ نبينا صلى الله عليه وسلم فكيف يتسلط على سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ويعجز عن التسلط على غيره ثم كيف يصدق الوحي إذا قلنا إن الشيطان قابل لأن يدخل في سكتات النبي صلى الله عليه وسلم فيقلد أمره وممن اجتهد من العلماء فألف فيها رسالة جامعة نافعه ينبغي لك أن تقرأها العلامه الألباني رحمه الله تعالى في رسالة أسماها (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ) في إسلوب علمي لايحسن تفصيله الآن لكن تطمئن نفسك أن هذا كله قول مزعوم على نبينا صلى الله عليه وسلم لايمكن تصديقه كما أن العلامه الشنقيطي رحمه الله في ( أضواء البيان ) ذكرها في سورة الحج وفندها تفنيدا جيدا وكذلك الشوكاني رحمه الله تعالى ومن أعظم من فندها أبوبكرابن العربي والقرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) وغيرهم من أئمة المسلمين رحمهم الله سلفا وخلفا لكن رسالة الألباني أجمعها كتبها رحمه الله 72 للهجره قبل 53 سنه فلعلهاالآن تنفعه في قبره رحمه الله تعالى رحمة واسعه .وهو قال في المقدمه إنني أسأل الله أن يجعلها ذخرا لي لأنني نصرت نبيه. فانظر الآن بقيت الرساله ومات صاحبها ولعلها تنفعه برحمة الله وفضله في قبره كما نسأل الله أن ينفعنا وإياكم علمنا في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي الآخره . هذه الوقفه الثانيه . طبعا يبقى سؤال مامعنى الآيه قول الله جل وعلا (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولانبي إلا إذا تمنى) (تمنى ) هنا بمعنى تلا وقرأ . طيب حتى أثبت لك أن ( تمنى ) بمعنى تلا وقرأ أحتاج إلى ماذا؟ دليل . قلنا إنه أي حكم يحتاج إلى دليل وأي نقل يحتاج إلى إسناد.كلام العرب حسان يقول في مدح عثمان رضي الله تعالى عنه .
تمنَّى كتابَ الله أول ليلةٍ
وآخره حتى حِمَام المقادِرِ(1/19)
يتكلم عن عثمان إنه كان يقرأ القرآن من أول النهار ومات آخرالنهار وهو يقرأ القرآن فجعل ( تمنى ) هنا بمعنى قرأ وتلا فهذا شاهد من كلام العرب على أنهم يستخدمون ( تمنى ) بمعنى تلا فقول الله جل وعلا ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاإذا تمنى ) أي إلا إذا تلا وقرأ ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) مامعنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله مايلقي الشيطان ؟ أن المؤمن الذي يسمع الكلام من النبي يأتيه الشيطان بوساوس على قلبه تقول له هذا شعر هذا كهانه هذا نثر هذا كلام مسجوع هذا ليس بقرآن وساوس من الشيطان قال الله ( فينسخ الله مايلقي الشيطان ) لإيمان هذا العبد يذهب الله أثر تلك الوسوسه هنا معنى ينسخ معنى يزيل. يزيل الله أثر تلك الوسوسه ( ثم يحكم الله ءاياته ) أي يطمئن المؤمن بأن هذا قرآن. ( والله عليم حكيم )أي عليم بما يصنع ؛ حكيم فيما يصنع . وانتهى هذا بجلاء ما يسمى بقصة الغرانيق .(1/20)
الوقفة الآخيره مع قول الرب تبارك وتعالى ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) لما ذكر الله جل وعلا تعلق أهل الإشراك بإصنامهم أخبر الله جل وعلا أن الشفاعة شيء عظيم حتى الملائكه وهم ملائكه لا يشفعون إلا بشروط فكيف بأصنامكم وهذا درس في العقيده والعقيده تؤخذ أول ماتؤخذ من القرآن وأنا عفوا أكثر من الإستشهاد بالإمام الشنقيطي رحمه الله لأنه رجل كان عالما بحق هذا الرجل كان يعلم كثيرا في اللغه والمنطق والبلاغه والفقه لكن إذا جلس في الحرم لا يدرس إلا تفسير يقول الشيخ عطيه رحمه الله تلميذه يقول سألته لماذا لا تدرس إلا التفسير فقال كل العلوم مردها إلى القرآن على هذا الأسلوب الذي قاله الشنقيطي رحمه الله سنتكلم عقيدة في باب الشفاعه عن قول الله جل وعلا ( وكم من ملك في السماوات لا تغنى شفاعتهم شيئا ) الشفاعه في المعنى الإصطلاحي: طلب الخير للغير إما بدفع مضره أو بجلب منفعه هذه هي الشفاعه. وهي في الآخره قسمان: أولا: شفاعه باطله . ثانيا:شفاعة صحيحه . فأما الشفاعة الباطله فما تزعمه من يعبد الأصنام أن أصنامهم تنفع هذا باطل ؛ والشفاعه الصحيحه مااجتمع فيها شرطان .الأول: إذن الله للشافع مع الرضى . الثاني: ورضاه عن المشفوع له. قال الله تعالى ( وكم من ملك في السماوات لا تغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) فذكر الله الإذن وذكر الرضى هذه (كم) ماذا تسمى ؟ خبريه وأختها (كم) الإستفهاميه .(كم) الإستفهاميه تحتاج إلى جواب أما(كم) الخبريه لا تحتاج إلى جواب إنك تخبر عن كثره. قال الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالةٍ
فدعاء قد حلبت علي عشارِ(1/21)
كنايه عن الكثره فهنا كنايه عن الكثره (كم من ملك في السموات لاتغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) قلنا الشفاعه الباطله ما زعمه الكفار أن أصنامهم تشفع. أما الشفاعه الصحيحه قلنا شروطها الإذن والرضى، وهذه الشفاعه خمس.ثلاثة منها خاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم واثنتان يشترك فيها النبي وغيره ....
سنبينها على وجه التفصيل:ـ(1/22)
الشفاعه الأولى:هي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يشفع لهم. وأن يشفع لهم أي أن يحكم الله جل وعلا بينهم ويفصل قال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري وغيره (أنا سيد ولد آدم يوم القيامه فإن الناس يجتمعون في صعيد واحد فيلجمهم العرق وتدنوا منهم الشمس فيقول بعضهم لبعض ألا تذهبون إلى آدم حتى يشفع لكم عند ربكم أن يقضي بينكم فيأتون إلى آدم فيقولون ياآدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته فيقول آدم إن ربي غضب غضبا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله وإنني نهيت عن الشجره فأكلتها، نفسي ...نفسي... نفسي يقولها ثلاثاً..اذهبوا إلى نوح فيأتون إلى نوح فيقول في الغضب مثل ما يقول ثم يقول عليه السلام إنه قد كانت لي دعوه وقد عجلتها دعوت بها على قومي، اذهبوا إلى إبراهيم،فيأتون إلى إبراهيم فيثنون عليه أنت اتخذك الله خليلا فيقول كما قال غيره ثم يقول إنني كذبت ثلاث كذبات قالها تواضعا ؛ نفسي ؛ نفسي ؛ نفسي ؛ اذهبوا إلى موسى فيأتون إلى موسى فيقولون له أنت صفي الله وكليمه واصطفاك الله على الناس برسالته وبكلامه اشفع لنا إلى ربك فيقول إنني قتلت نفسا لم أمر بقتلها نفسي ؛ نفسي ؛ نفسي . اذهبوا إلى عيسى فيأتون إلى عيسى فيقولون أنت كلمة الله إلى مريم وروح منه فلا يذكر ذنبا عليه السلام وإنما يقول نفسي ؛نفسي... اذهبوا إلى محمد فإنه نبي قد غفر الله له ماتقدم من ذنبه وماتأخر فيأتون إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقولون له ذلك فيقول أنا لها فيأتي عليه الصلاة والسلام فيسجد تحت العرش ويفتح الله عليه بمحامد يثني بها الله لم يفتحها على أحد من قبله ثم ينادى:" يا محمد ارفع رأسك سل تعطى واشفع تشفع" فهذه الشفاعه هي المقام المحمود الذي خص الله به نبينا صلى الله عليه وسلم .(1/23)
الشفاعه الثانيه: له صلى الله عليه وسلم الخاصه به أنه يشفع في أهل الجنه أن يدخلواالجنه بمعنى أن أهل الجنه عندما يحبسون على قنطره بين الجنه والنار فينزع مافي صدورهم قال الله ( ونزعنا مافي صدورهم من غل ) ثم بعد ذلك يجدون أبواب الجنه مغلقه فيأتون آدم فيردهم إلى محمد فيأتي صلى الله عليه وسلم فيطرق باب الجنه فيقول له الخازن من أنت ؟ فيقول أنا محمد فيقول الخازن أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك فيفتحها فيدخل الناس الجنه يدخل كل أحد من الباب الذي فيه أكثر أعماله . يعني من كان أكثر أعماله الصلاه يدخل من باب الصلاة ؛الذي أكثر أعماله الصيام يدخل من باب الريان ؛ الذي أكثر أعماله الجهاد يدخل من باب الجهاد وهكذا .الشفاعه الثالثه الخاصه به صلى الله عليه وسلم شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب فهو في ضحضاحٍ من نار لكن لايخرج من النار وأبو طالب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأعمام النبي صلى الله عليه وسلم عشره .أدرك البعثه أربعه. أعمام النبي صلى الله عليه وسلم عشرة ؛ إذا عبد المطلب له كم ولد ؟ أحد عشر لأن عبد الله مايحسب أبو النبي صلى الله عليه وسلم وله عشرة أعمام صلوات الله وسلامه عليه أربعه منهم كانوا أحياء وقت أن نبىء رسولنا صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعه أسلم منهم اثنان وكفر اثنان أبو طالب وأبولهب واختلف حالهما فأبو لهب كان شديد العداوة مع كفره وأبو طالب كان شديد النصره مع كفره لكن كلاهما في النار إلا أن أبا طالب يخفف عنه لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له إذا من الاثنان المسلمان؟ العباس وحمزة وحمزه أفضل من العباس وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الطبراني بسند صحيح سماه سيد الشهداء فهذه كم شفاعه ثلاث شفاعات وبقيت اثنتان هذه له ولغيره من الملائكه... ولغيره من المجاهدين الشهداء ...ولغيره من الصالحين ...والعلماء...(1/24)
يشفع الرجل في أهل بيته ؛ يشفع الرجل في قرابته ؛ يشفع الرجل في جيرانه ؛ يشفع الرجل في معارفه ؛ هذه شفاعه مشتركه وتنقسم إلى قسمين حتى يصبح خمسه . شفاعه في أقوام استحقوا النار أن لايدخلوها وشفاعه في أقوام دخلوا النار يشفع لهم أن يخرجوا منها . وهذه الشفاعه أنكرها فرقتان من فرق المبتدعه المعتزله والخوارج فالخوارج يرون أن مرتكب الكبيره كافر والمعتزله يرون أنه تجرى عليه في الدنيا أحكام أهل الإيمان وتجرى عليه في الآخره أحكام أهل الكفر وإذا لم يتب من الكبائر ويقولون هو في الدنيا في منزله بين منزلتين . ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين جل جلاله فيقول الله جل وعلا ( شفع النبيون وشفعت الملائكه وشفع المؤمنون فبقيت شفاعة أرحم الراحمين فيضع قبضته في النار جل وعلا فيخرج منها أقواما قد حرقوا بالنارحتى عادوا حمما لم يعملوا خيرا قط ثم توضع على رقابهم الخواتيم ويدخلون الجنه فيقال هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة من غير عمل عملوه ولا خير قدموه ) رواه الشيخان في صحيحهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ؛ وإن ربا هذه سعت رحمته لأهل لأن ترجى رحمته . اللهم إن لم نكن أهلا لئن ترحمنا فإن رحمتك أهل لن تسعنا .(سبحان ربك رب العزة عما يصفون*وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ) تم بهذا تفسير ماتيسر من سورة النجم .(1/25)
(تأملات في سوره الذاريات)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله نبي الأميين ورسول رب العالمين آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأرفعهم وأجلهم يوم القيامه شأنا وذكرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.....
أيها الأخوة المؤمنون...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهذه أولى دروسنا في هذا المسجد المبارك المتعلقه بتأملات وتفسير لبعض سور القرآن الكريم وهذه ثاني تأملات يتم بإذن الله تعالى وعونه وتوفيقه قولها وتسجيلها نسأل الله جل وعلا أن يجعلها خالصه لوجه وأن ينفع بها حيث ما نزلت وأين ما حلت وقبل أن أشرع في التفسير نبين بعضا من الأمور حتى نكون معكم على بينه السور التي سنشرع في تفسيرها الجزء السابع والعشرون من كتاب الله تبارك وتعالى ومعلوم أن الجزء السابع والعشرون يبدأ من سورة الذاريات في آخرها وعلى هذا فإنا سنشرع إن شاء الله في تفسير سورة الذاريات كامله أي بأننا سنبدأ بسورة الذاريات والمنهج أننا سنقف في كل يوم أو في كل ليله إن شاء الله تعالى مع سورة من هذا الجزء نبدأ بالذاريات ثم نثني بالطور وهكذا حسب ترتيب المصحف.
الأمر الثاني:أننا لا نقف عند كل آيه لأن الله جل وعلا أخبر أن كتابه مثاني بمعنى أنه يثنى ويكرر فنقف وقفات معينه كما شرعنا بذلك في تفسيرنا الذي بمسجد حيينا.
الأمر الثالث: الغايه من الدرس كله تأملات في كتاب الله فينصب الكلم على المسائل العلميه وقليل ما يكون الوعظ لأن المخاطب بالدرس أولا طلبة العلم وطالبات العلم وإن كان الوعظ لايستغني عنه أحد لكنه لا يكون هو قوام الدرس في الغالب.(1/1)
الأمر الرابع:أننا لانعذر أنفسنا في أننا لن نترك قضية إلا ونحاول قدر الإمكان الإشباع العلم فيها بمعنى أنه نتكلم في المقام الأول لطلاب العلم فما لايحسن كتمه عنهم وينبغي أن يعرفوه سنعرج عليه ونعرض له بحول الله تبارك وتعالى وقوته. هذا ما أستظهره الآن فيما أريد أن أقوله بين يدي التفسير.ونشرع وإياكم ..سائلين الله جل وعلا أعمالنا خالصه لوجه الكريم إنه سميع مجيب. قلنا إن السوره هي سورة الذاريات وهي سورة مكيه تعنى كغالب السور المكيه بشأن مسائل العقيده وذكر دعائم التوحيد على هذا أكثر سور القرآن المكيه وقد بينا في درس سلفت الفرق ما بين القرآن المكي والقرآن المدني وقلنا إختلاف أهل العلم فيه ونعيده على وجه الإجمال أو نعيد مخترناه على وجه الإجمال أن السور المكيه هي ما نزلت قبل الهجره بصرف النظر عن موطن نزولها والسور المدنيه أو الآيات المدنيه هي التي نزلت بعد الهجره بصرف النظر عن موطن نزولها وقلنا إن قول الله تبارك وتعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكه وهو عليه الصلاة والسلام داخل الكعبه يريد أن يهم بالخروج منها ومع ذلك نقول إن هذه السوره أو هذه الأيه آيه مدنيه لأنها نزلت بعد الهجره.قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
((1/2)
والذاريات ذروا*فالحاملات وقرا*فالجاريات يسرا*فالمقسمات أمرا*إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع*والسماء ذات الحبك*إنكم لفي قول مختلف)..صدر الله جل وعلا هذه السوره بقسمين/أولها:قسم متتابع. ثانيها:قسم منفرد. القسم المتتابع هو قوله تبارك وتعالى(والذاريات ذروا*فالحاملات وقرا*فالجاريات يسرا*فالمقسمات أمرا) فالفاء هنا عاطفه على ما قبلها. وجواب القسم هناهو قوله جل وعلا(إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع)ثم أقسم تبارك وتعالى قسما لوحده أي منفردا عن الأول غير متصل به وهو قوله جل وعلا(والسماء ذات الحبك*إنكم لفي قول مختلف)أما تفسير الآيات فإن العلماء رحمهم الله اختلفوا في معنى قول الله جل وعلا:والذاريات،والحاملات،والجاريات،والمقسمات.لكن جمهور المفسرين والذي عليه أكثر أهل التفسير أن المقصود بالذاريات الريح، ويؤيده من القرآن قول الله جل وعلا (تذروه الرياح)(فا لحاملات وقرا)هي السحب والذي تحمله هو الماء(فالجاريات يسرا)هي السفن تجري بيسروسهوله في البحرويؤيده من القرآن(وله الجوارالمنشآت في البحر كالأعلام)(فالمقسمات أمرا) المقصود بها عند جماهير العلماء الملائكه لكنهم يقولون ليس المقصود جميع الملائكه وإنما المقصود أربعة منهم وهم/أولاً:جبريل للوحي والحرب.
ثانياً:مكائيل للرحمه والغيث والرياح .
ثالثاً:إسرافيل للنفخ في الصور .
رابعاً:ملك الموت لقبض الأرواح .(1/3)
وإن قدمت ملك الموت على إسرافيل يكون أليق في الخطاب.ملك الموت لقبض الأرواح ترتيب زمني تاريخي وإسرافيل للنفخ في الصور.فهذه الأربعه كلها من مخلوقات الله ،وأقسم الله جل وعلا بها،وأداة القسم هنا هي الواو،وقد مر معنا وأنا أضطرللتذكير وقد مر معنا أن الواو هنا معناً للقسم وأما كعمل نحوي فإنها تجر ما بعدها ولذلك قال تعالى:( والذارياتِ ذروا*فالحاملاتِ وقرا*فالجارياتِ يسرا*فالمقسماتِ أمرا*إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع)الجواب هنا جواب القسم هو ما كان القرشيون ينكرونه من قبل وهوأن السورالمكيه نزلت على قوم ينكرون البعث والنشور فأهم قضيه عالجتها.السوره المكيه هي قضية الإيمان بالله واليوم الأخر ومن جملة الأثارالتي تدل على صحة هذا التفسير أي أن الجاريات هي السفن والحاملات هي السحب والذاريات هي الريح والمقسمات هي الملائكه ماروي عن أمير الؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعالى عنه وأرضاه أنه صعد المنبر ثم قال رضي الله عنه في أيام خلافته (أيها الناس،اسألوني قبل أتفقدوني فإنكم لن تسألوابعدي من هو مثلي)رضي الله عنه وأرضاه .فقام إليه رجل يقال له ابن الكواء فقال ياأمير المؤمنين . ماالذريات ذروا؟ فقال الريح .فقال فما الحملات وقرا؟ قال السحب قال ماالجاريات يسرا؟ قال السفن . قال فما المقسمات أمرا؟ قال الملائكه .فهذا الأثر يدل على صحة قول جمهورالمفسرين بماذكرناه. وبعض العلماء يقول(إن الذاريات ذروا ) هي المرأة عندما تحمل .وبعضهم حمله على غير ذلك لكننا نقف هنا بالذات عند ماقاله جماهير العلماء .لأن الأثار تدل عليه وكذلك من قبل يدل عليه كلام الرب جل وعلا كمابينا في ذكرنا لما يدل على الجاريات وعلى مايدل على الذاريات. قلناإن جواب القسم (إنما توعدون لصادق)(وإن الدين لواقع) مايوعدون أي البعث .والدين المقصودبه هنا الجزاء والحساب .وما يوعدون ما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم من البعث.(1/4)
هذا هو القسم الأول في الآيه وكون الرب جل وعلا يقسم بأربع من مخلوقاته هذا شرف لمن أقسم الله بها وفي نفس الوقت دلاله على أهمية القضيه ولذلك جعل الله الإيمان باليوم الآخر أمراً يترتب عليه الكفر والإيمان فمن ءامن بالله بوجود الله ولم يؤمن باليوم الآخر بالبعث والنشور فهذا لا يعتبر مؤمناً لكن ليس كل من ءامن باليوم الآخر يعتبر مؤمنا حتى يؤمن بمنطق الحساب والعقاب الذي أخبر به الرسل.فمثلاً:اليهود والنصارى يؤمنون باليوم الآخر ويؤمنون بأن هناك جنه ونار لكنهم يزعمون أن الجنه لهم والنار لغيرهم.قال الله جل وعلا(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيئ)وقال الله جل وعلا (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)وقالوا (لن ندخل النار إلا أيام معدودات)وهذا كله إخبار منهم بأن هناك بعث ونشور وهم يؤمنون بالبعث والنشور لكنهم يؤمنون بأمور أخر منها أنهم يجعلون مع الله ءالهة أخرى فقد زعمت اليهود أن عزير ابن الله وزعمت النصارى أن المسيح ابن لله .فأركان الإيمان المنصوص عليها في حديث جبريل عليه السلام لابد من الأ تيان بها كلها حتى يحكم على أي رجل بأ نه مؤمن .(1/5)
ثم قال تبارك وتعالى :(والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك) هذا قسم آخر لكنه قسم غير متتا بع جاء لوحده وجملة يقال في معنى قول الرب جل وعلا(والسماء ذات الحبك)والسماء ذات الخلق الحسن أما أقوال المفسرين فإنها تصب في فهم واحد فاختلفوا رحمهم الله في معنى (الحبك)لأن اللغة تحتمل هنا أكثر من معنى فمنهم من قال إنها المقصود بها (والسماء ذات النجوم)من باب قولهم حبكت الشيء بمعنى زينته والنجوم زينة لماذا؟زينة للسماء ومنهم من قال إن الحبك هنا بمعنى الطرائق وهذا يؤيده القرآن (فوقكم سبع طرائق)ومنهم من قال (ذات الحبك)أي الشيء المحفوظ وهذا يؤيده قول الرب تبارك وتعالى عن السماء أنه جعلها سقفا محفوظا وإلى غيرها من الأقوال لكن هذه الأقوال كلها يجمعها أنها السماء ذات الخلق الحسن وهذا اختاره ابن جرير الطبري رحمه الله وكل من قال من المفسرين قولا غير هذا فإنه لايبعد عنه ويصيب فيه.(1/6)
ثم قال جل وعلا(إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك)هذه نقف عندها (إنكم لفي قول مختلف)قال العلماء قال بعضهم في قول مختلف أي مصدق ومكذب إن قلنا بهذا أن المعنى في قول مختلف أي مابين مصدق بالبعث ومابين مكذب له إن قلنا بهذا تصبح الآيه مخاطب بها من؟يصبح جميع الناس لأن لوقلنا الكفار الكفار لايصدقون بالبعث لكن عندما نقول إن المعنى من قول مختلف مصدق ومكذب يصبح المخاطب بالآيه عموم الناس وقال بعضهم وهم الأكثر قالوا في قول مختلف أي اختلفتم في النبي صلى الله عليه وسلم فمنكم من قال إنه شاعر ومنكم من قال إنه كاهن ومنكم من قال إنه ساحر ومنكم من قال إنه مجنون على هذا القول يصبح (إنكم)كاف الخطاب عائده على من؟على الكفار وكفار قريش في المقام الأول إذا قلنا إن المقصود بالإختلاف التصديق والتكذيب فهذا مرد الخطاب يصبح للجميع وإذا قلنا بما قال به الجمهور من أن المقصود بقول مختلف أي قلت شاعر وكاهن وساحر ومجنون فيصبح الخطاب ماذا؟الخطاب لكفار قريش(إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك)المعنى (يؤفك عنه من أوفك)أي يصرف عنه من يصرف ويدفع عنه من يدفع بقدر الله لكن يبقى هنا(عنه)عن جاره والهاء ضمير تعود على من؟تعود على النبوه وتعود على القرآن وتعود على البعث والنشور فالإيمان به يصرف عنه من يصرفه الله جل وعلا عن الإيمان هذا قول علماء التفسير هذه الآيه ونقول غير متجرئين والله تعالى أعلم إن هذا القول في نظرنا لايستقيم وأنا أقول والله تعالى أعلم إن المعنى لقول الرب تبارك وتعالى(إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك)نقول لايمكن أن يقسم الرب على شيء لاينكره أحد مثلا الله قال(والذاريات ذروا)ثم قال(إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع)لماذا أقسم الله؟لأنهم أنكروا البعث والنشور.(1/7)
لكن إذا أخذنا بقول المفسرين (إنكم لفي قول مختلف)معنى الآيه أن هؤلاء القرشيين اختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم هذا لايحتاج إلى قسم لأنهم لم ينكروا إختلافهم في الني صلى الله عليه وسلم ثم إننا إذا أخذنا التي بعدها(يؤفك عنه)وجئنا بالضمير فإن الضميرلايمكن أن يعود على قول مختلف يعود على القرآن يعود علىالنبوه يعود على البعث والنشور كما قال العلماء.وهذا تكلف في الخطاب فيصبح معنى الآيه فيما نظن والله أعلم أن معنى قول ربنا جل وعلا(إنكم لفي قول مختلف)أي هذا القول الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مختلف مغاير لما عدتموه من الأساطير والأقوال وهذا القول الذي هو الإيمان جملة يصرف عنه من يريد الله جل وعلا صرفه عنه فيصبح(إنكم لفي قول مختلف)أي في نبأ جديد مختلف عما عدتموه مما ينقل لكم من أساطير الأولين(يؤفك عنه من أوفك)أي يقبله من يريد الله ويصرف عنه ويدفع عنه من يريد الله تبارك وتعالى أن يصرفه ممن لم يكتب الله جل وعلا له الهدايه ولاأعلم أحدا قال بهذا القول من قبل لكن لايمنع من الجهر به لأنني قلت أننا في مجلس علم وأنت لايلزمك شيء من قبوله وقلت إن العلماء على قولين .1ـ قول الجماهير(إنكم لفي قول مختلف)المقصود أنكم اختلفتم في النبي صلى الله عليه وسلم .2ـ وآخرون قالوا أي مابين مصدق ومكذب فيكون مرد الآيه للناس .وعلى منهاج جماهير العلماء يكون المرد على كفار قريش والله تعالى أعلم أين مكمن الصواب هذه هي الوقفة الأولى في سورة الذاريات .الوقفة الثانيه: في قول الرب تبارك وتعالى (إن المتقين في جنات وعيون*ءاخذين ماءاتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين*كانوا قليلا من الليل مايهجعون*وبلأسحار هم يستغفرون)هذه الأربع ءايات فقط وأنا قلت أختار.(1/8)
ذكر الله قبلها أهل الكفر ثم ذكر الله جل وعلا أهل الإيمان في ءايات ظاهره لاتحتاج إلى تفسير (إن المتقين في جنات وعيون*ءاخذين ماءاتاهم ربهم)هذه (ءاخذين) تحتمل معنيين:ـ الأول:إما أن يكون المقصود ءاخذين وقت دخولهم الجنه فيصبح المعنى ما هم فيه من النعيم.والمعنى الآخر أن يكون حال عند ما كانوا في الدنيا الله يصف أحوالهم عندما كانوا في الدنيا يصف حال المحسنين عندما كانوا في الدنيا فيقول(ءاخذين ما ءاتاهم ربهم)إذا قلنا بهذا وهو أنهم ءاخذين ما ءاتاهم ربهم معناها في الدنيا فيصبح المعنى كانوا راضين عن الله ولأنهم رضوا عن الله أخذوا عنه أخذوا الأمر بتنفيذه والنهي باجتنابه والمصائب بالصبر والنعماء بالشكرهذا معنى ءاخذين ماءاتهم ربهم أخذوا الأمر بامتثاله وإنفاذه،وأخذوا النهي باجتنابه وأخذوا المصائب بالصبر،وأخذوا النعماء بالشكر،هذا إن قلنا إنها حال لهم في الدنيا ،وإن قلنا إنها حال لهم في الآخرة فآخذين ماءاتاهم ربهم هذه ظاهرة لاتحتاج إلى تفسير أي أنهم يتقلبون في نعم الرب تبارك وتعالى {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين}ثم ذكر الله جل وعلا صفة من صفاتهم وهي التي تقف عندها وقفة علمية لا وقفة وعظية {كانوا قليلاًمن الليل ما يهجعون*وبالأسحارهم يستغفرون}الله جل و علا هنا يخبرعن حال أهل النعيم فالأيه في سياق المدح وأنت تفسر لابدأن تستحضر سياق الآيه حتى لاتقع في حواجز اللغه (كانواقليلاً من الليل مايهجعون) هذه (ما) تحتمل معنيين . المعنى الأول:أن تكون نافيه.والمعنى الثاني :أن تكون صله بمعنى الذي . نطبق الأولي:إذا قلنا إنها نا فيه يصبح معنى الآيه (كانوا قليلاً من الليل لايهجعون)فيصبح أيهم أكثر هم مناماً أو قياماً ؟مناماً. فيصبح أن قيامهم في الليل قليل بالنسبه إلى النوم .هذا إذا قلنا إن(ما)هنا نافيه .وإن قلنا إنها صله يصبح المعنى (كانوا قليلاًمن الليل مايهجعون )يصبح أنهم أكثر الليل قائمين.(1/9)
قياماً بين يدي ربهم وقليلاً ماينامون.الآن أنت من حيث اللغة العربيه الأيه تحتمل كم معنى؟ معنيين.لأن(ما) في اللغه تأتي صله وتأتي نافيه.ولايعرف إلامن السياق العام،السياق العام في معرض المدح والثناء،فما دامت في معرض المدح والثناء،لايمكن أن تكون(ما)نافيه.فلا يعقل أن الله يثني على خلقٍ من خلقه وعدهم الجنان وأعطاهم مايشاءون بأنهم كانوا أكثرالليل نياماً. فحواجز اللغه هنا أخرجها السياق القرآني لأنه سياق مدح وثناء على تلك الفئه (كانواقليلاً من الليل مايهجعون* وبالأسحارهم يستغفرون ) والسحر آخر الليل وهو موطن التنزل الإلاهي وهو موطن إجابة الدعاء وقد قال العلماء رحمهم الله إن يعقوب لما قال لبنيه سوف أستغفر لكم ربي إنما كان ينتظر ساعة السحر لأنها أقرب وقد مرمعنا في دروس سابقه أن طاووس ابن كيسان رحمه الله أحد التابعين كان لاينام السحر وذهب ليزور أحدا ًيسأله عن مسأله في السحر فلما طرق الباب ردت عليه الجاريه أوالغلام فقال إن مولاي نائم .قال سبحان الله ماظننت أن مؤمناً ينام السحر .لأنه وقت عظيم فيه يتقرب الصالحون إلى ربهم جل وعلا .والنبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ (وصلاة الرجل في جوف الليل الأخر ثم تلا (تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا و مما رزقناهم ينفقون) الوقفه الثالثه:مع قول الرب تبارك وتعالى (هل أتاك حديث ضيف إبرهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلاًم قوم منكرون)قبل أن أشرع في التفسير نذكر القصة كامله على عجل ثم نبين ما يمكن أن نخوضه فيها تفسيرا.(1/10)
هنا يخبر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم بنبأ ضيف إبراهيم المكرمين وهم ملائكه كرام قيل إنهم جبريل وإسرافيل وميكال نزلوا من السماء في أصل مهمتهم أن يعذبوا قوم لوط ولوط عليه السلام ابن أخ لإبراهيم كانا يسكنان في أرض ببابل في العراق فلما تآمر القوم على إبراهيم وأحرقوه هاجر لوط بزوجته وابنتيه وكذلك إبراهيم تركوا أرض العراق فنزل لوط عليه الصلاة والسلام في أرض سدوم جهة الأردن حاليا في الضفه الشرقيه من الأردن ونزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام في القدس في بيت المقدس في أرض فلسطين فأصبحوا غير بعيدين بعضهما عن بعض.بالنسبه لإبرهيم وبالنسبة للوط.(1/11)
فلما جاءت الملائكه مرسلة لتعذب قوم لوط لأنهم أنكروا نبوة نبيهم وجاؤا بالفاحشة العظيمه مرت الملائكه وهي في طريقها على إبراهيم وكان إبراهيم آنذاك متزوجاً من ساره الحره وليس من هاجر الأمه وكان مع ساره في أرض بيت المقدس فلما جاءها كان إبراهيم يفتح بيته للضيفان فلذلك لم تستأذن الملائكه فدخلت البيت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام في صورة رجال غير معروفين فاستقبلهم وهو منكر لهم لأنه لايعرفهم ولما حيو كأنهم سلموا بطريقه غير معهوده (قالوا سلاما قال سلام قوم منكرون)فدخلوا عليه فبادر عليه الصلاة والسلام وكان عامة النعم التي يملكها البقر فعمد إلى عجل سمين فقربه إليهم وقدمه لهم على أنه طعام لضيفه لكن الملائكه لا تأكل ولا تشرب ولا توصف لا بذكوريه ولا بؤنوثيه ولم تقرب أيديهم الطعام فازداد خوفه قال الله(فأوجس منهم خيفه) فلما شعر بالخوف طمئنته الملائكه وأخبروه أنهم رسل من الله فلما زالوا عنه الخوف بشروه قال الله تعالى(فبشرناه بغلام عليم) وقال في ءاية أخرى (فبشروه بغلام حليم) فلما قال لهم البشاره كان الذي يتولى خدمة الضيوف إبرهيم بنفسه ومعه زوجته ساره فلما قالوا ذلك أحدثت الزوجه كردت فعل متعجبه أحدثت صوت قال الله جل وعلا(فأقبلت امرأته في صرة )هنا(أقبلت)ليست بمعنى مشيت وإنما أخذت في الفعل نظير قول الله (وطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنه ) أي أخذ يخسفان عليهما من ورق الجنه .فأقبلت المرأه في صرة يعني أظهرت صوتاً يقال صريرالباب يعني صوته (وصكت وجهها ) تعجباً (وقالت عجوز عقيم ) فذكرت سببين من أسباب منع الحمل :أولاً:عجوز .(1/12)
ثانياً:وعقيم قالت عجوز عقيم فأخبرت الملائكه إبراهيم وزجه أن هذا أمرالله (قالو كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم) فطمأن إبراهيم وقبل البشاره فلما ذهب عنه الروع والخوف سألهم لماذا قدمتم فأخبروه أنهم قدموا ليعذبوا قوم لوط فأدركته العاطفه والشفقه على ابن أخيه لوط (قال إن فيها لوطا) قالت الملائكه (نحن أعلم بمن فيها لننجيه وأهله) وأخبروه الملائكه بأنهم معهم حجارة مسومه أي معلمه عقاباً لأولئك المجرمين .هذا ماتدل عليه الآيه جمله .أما التفسير فسنعرض لبعض القضايا الهامه حوله.ونبدأ مستعينين بالله قول الرب جل وعلا (هل أتاك حديث ضيف إبرهيم المكرمين )هذا لغوياً يسمي إسلوب تفخيم حتى يتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع الخطاب كلمة (ضيف) تطلق على المذكر وعلى المؤنث وعلى المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع (المكرمين)المعنى أنهم مكرمون أصلاً ومكرمون عارضاً.كيف مكرمون أصلاً؟ لأنهم ملائكه والدليل على أنهم ملائكه مكرمون (كراماً كاتبين) أوبأوضح منها (وقالوااتخذالرحمن ولدا سبحنه بل عباد مكرمون)هذا نعت للملائكة هذا مكرمون أصلاً.كيف مكرمون عارضاً ضيوف على من؟على إبراهيم ومن شدة كرمه عليه السلام باشرإكرامهم بنفسه فهو الذي قدم الطعام وهو الذي أدخلهم وهو الذي حيا بهم (ألاتأكلون) وهذامن عناية الرجل بضيفه أن يباشر هو بنفسه إكرام الضيف .هذا معنى قول ربنا ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين*إذ دخلواعليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون) العامة تقول وأنا قلت هذا مراراً يقولون بينك وبين فلان عيش وملح...فيه شيء في التقاليد الموروثه إنسانياً اسمها حرمة المآكله العامه يقولون عيش وملح لكن بتعبير علمي يقال حرمة المآكله أي إنسان غالباً أنت وإياه جلستما على طعام واحد يصبح بينكما شيء من الحرمه ليس حرمة أنك ترى زوجته ويرى زوجتك ليس المقصود هذا.لكن المقصود أنك تغير تعاملك معه لأن هذا الأمر يغير فيك .(1/13)
هذا جبله إنسانيه موجوده عبر التاريخ وإذا أردنا أن نخوض في هذا إنسانياً نقول موسى عليه الصلاة والسلام كان ذكياً في الصغر فلما أراد فرعون أن يقتله قدمت بأمرآسيا قدم له جمر وتمر فعمد موسى إلى التمر يعرف أنه تمر يريد أن يأكله فجاء جبريل ووضع يد موسى على الجمر حتى يفهم فرعون أن موسى هذا لايفقه فلا يتعمد إلى قتله ولئن تحرق يد موسى قليلاً خير من أن يقتل. هذا كله يساق في العمليه كلها. لكن هذا ماهي علاقته بمحرمة المآكله؟ لما أصابت يد موسى الحرق أصبح غير قادر على أن يأكل في الصبا بنفسه فلا يستطيع أن يأكل مع فرعون يحتاج إلى وقت حتى يأكل فيظطر أن لايأكل مع الملك مع فرعون فلما اظطر موسى أن لا يأكل مع فرعون يصبح ليس هناك حرمة مآكله بين فرعون وبين موسى فإذا قدر الله بعد ذلك أن يزيل ملك فرعون على يد موسى لا يوجد لفرعون أي منقبه له على موسى ولا حتى حرمة المآكله ولا يوجد لفرعون أي مخرج على موسى أو مدخل على موسى ولا حتى حرمة المآكله هنا نبي الله إبراهيم يقول لما رءآهم لا يأكلون خاف. إنسان تريد أن تقدم بينه وبينك نوع من الحرمة فيرفض الأكل يصيبك الخوف فقال الله جل وعلا عنه منكرا لهم (قال قوم منكرون)بعد أن بين الله أنه راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون وقلنا إن الملائكه لا تأكل وهذا مر معنا كثيرا أن الملائكه أصلا لاتأكل ولا تشرب ولا تتناسل ولا تتناكح ولا توصف لابذكوريه ولا بؤنوثيه بل كما نعتهم ربهم وخالقهم (بل عباد مكرمون) ثم قال تبارك وتعالى (وبشروه بغلام عليم*فأقبلت إمرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) قبل أن أت عند البشاره أخرها قليلا وأدخل في قضايا أخرى:(فصكت وجهها) إذا أردت أن تفسر القرآن إجمع الآيات كامله لا تأخذ القرآن مجزء لن يفهم لأنه كله كلام الله فليس بعضه بأولى من بعض.هنا ساره ذكرت سببين لمنع الحمل وهما:
الأول:عجوز. الثاني:عقيم.(1/14)
عجوز على وزن فعول وهي صفة وزن يجتمع فيه المذكر والمؤنث يقال لرجل عجوز و للمرأه عجوز. وعقيم معناها واضح أي أنها امرأه عقيم أي لا تقبل أن تأتي بالولد هذا سببان . بقي سبب ثالث ذكره الله جل وعلا في هود وهو (وهذا بعلي شيخا) إذا كم سبب ذكرت؟ ذكرت ثلاثه. والله جل وعلا هذه الأسباب ذكرها متفرقه لكن ذكرها كلها لأن القرآن كله ينظر إليه منظار واحد فذكرت ساره ثلاثة أسباب أنها عجوز وأنها عقيم وأن بعلها شيخا (وهذا بعلي شيخا*قالوا أتعجبين من أمر الله)كما قال الله في هود (قالوا كذلك قال ربك إنه هوالحكيم العليم*قال فما خطبكم أيهاالمرسلون)قلنا هذه بيناها نعود للبشاره قال الله تعالى (وبشروه بغلام عليم) ساره أم إسحاق، وهاجر أم إسماعيل.هنا نأتي إلى قضيه قلت أنت طالب علم بما أنك طالب علم فيه أشياء ينبغي أن لا تجهلها نحن متفقون كل الملل كفار ومسلمون .اليهود والنصارى والمسلمون متفقون على أن إبراهيم الخليل أمر بذبح ابنه وأن الله جل وعلا فدى ذلك الذبيح.لكن السؤال من هو الإبن الذي أمر إبراهيم بذبحه ثم فداه الله جل وعلا بكبش عظيم؟ اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه السأله على قولين لاثالث لهما :الأول:قول أنه إسماعيل.(1/15)
والقول الثاني:أنه إسحاق.جمهور العلماء على أنه إسحاق. ولأجل ذلك أنا أردت التنبيه على القضيه هذه لأنه لايعقل أن إنسان يقرأ العلم ويجهل هذا. اختار ابن جرير الطبري رحمه الله شيخ المفسرين أنه إسحاق وهو المروي الثابت عن عبد الله ابن مسعود والروايه الصحيحه عن عبد الله ابن عباس وهو قول أمير الؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعن جملة من الصحابه وعن أكثر من عشرة من سادات التابعين على أن الذبيح هو إسحاق وذهب بعض العلماء الروايه الثانيه عن ابن عباس والإمام أحمد وبعض العلماء على أن الذبيح هو إسماعيل.وكل منهم له أدله،وقال الزجاج رحمه الله وهذا القول الثالث الله أعلم أيهما هو الذبيح لكثرة الإختلاف في المسأله وأنا أقول الحق والله إلىساعتي هذه لاأدري أيهما الذبيح فكلما ترجح قول صدم بأخر. قد يقول قائل (النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا ابن الذبيحين) هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك وقال عنه الذهبي أن سنده واه جداً فلا يقبل في مسأله كهذه.أما أقوال العلماء لماذا قالوا إسحاق؟ ولماذا ا قالوا إسماعيل فنحاول إجمالاً حتى تتبين.(1/16)
الله يقول ذكر أن قوم إبرهيم أرادوا أن يحرقوه ثم قال عنه في الصافات (قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) ثم دعا ربه (رب هب لي من الصالحين) قال الله (فبشرناه بغلام حليم*فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) بلغ معه الغلام الذي بشر به عند خروجه من أرض العراق دعا ربه أن يهب له من الصالحين وأن الله بشره هو نفسه الذي قال الله عنه (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك)الذين قالوا إنه إسحاق قالوا ليس في القرآن دليل واحد على أن الله بشر إبراهيم بإسماعيل المبشر في القرآن هو إسحاق (وبشرناه بإسحاق نبيا) فكل القرآن يدل على أن الذي بشر به بشاره هو إسحاق والقرآن يدل قالوا إن الذبيح هو المبشر به لأن الله قال (فبشرناه بغلام حليم*فلما بلغ معه) "بلغ"هذه فاعلها ضمير مستتر تقديره هويعود على المبشر به على الغلام هذا الذي دفع العلماء للقول أنه هو إسحاق ثم قالوا من أدلتهم قالوا إن الله يقول (فلما بلغ معه السعي) أي أنه عايش في كنف أبيه وإسماعيل لم يعش في كنف كان مع أمه في مكه إنما ولد ساره إسحاق هو الذي كان مع أبوه يغدوا ويروح أما إسماعيل كان لوحده مع أمه و إبراهيم جاء مكه ثلاث مرات مرتان لم يجد إسماعيل والمره الثالثه وجده في المرتين كان يقول غير عتبة الباب... ثبت عتبة الباب... والمره الثالثه وجده.(1/17)
هذا حجج من قال إنه إسحاق الذين قالوا إنه إسماعيل من أكثر من انتصر لهذا الرأي العلامه الشنقيطي رحمه الله تعالى صاحب أضواء البيان قال إنه لا يسوغ القول بأنه إسحاق وأن ظاهر القرآن يدل على أنه إسماعيل واحتج بآيتين الآيه الأولى أنه قال إن الله قال في الصافات (وبشرناه بغلام حليم*فلما بلغ معه السعي قال يا بني)وذكر الله الذبح كله ثم قال الله بعد أن ذكر الذبح (قال إن هذا لهو البلاء المبين*وفديناه بذبح عظيم*إن كذلك نجزي المحسنين*وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) يقول الشنقيطي رحمه الله إن قواعد القرآن تقتضي أنه لايمكن أن يعيد الله البشاره مره ثانيه فالمبشربه بالأول غير المبشربه بالثاني لإن الله قال(وبشرناه بغلام حليم)ولم يسمي ثم قال بعد الحدث قال (وبشرناه بإسحاق نبيا) قال لايمكن أن يكون إعاده للقضيه فجعل الواو واو عطف والعطف يقتضي المغايره طبعا يجاب عنه بأنه لايلزم أن تكون الواو واو عطف ممكن أن تكون الواو واو استئناف فتكون الآيه نزلت منفكه عن الأولى وقال رحمه الله تعالى والدليل الثاني أن الذبيح هو إسماعيل أن الله قال "فبشرناه" يخاطب ساره (بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)أين وجه الدلاله. قالوا وجه الدلاله هذا قول الشنقيطي وقاله قبله رحمه الله تعالى أقوام قال إن الله لايعقل أن يبتلي إبراهيم بذبح إسحاق وهو قد أخبره أن ذرية إسحاق يكون يعقوب.فما فيه معنى للإبتلاء لأن إبرهيم قبل أن يذبح سيعرف إنه لن يموت لأن الله قال (فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) فلن يأتي يعقوب حتى يكون إسحاق حي فكيف يموت ولم يأتي يعقوب إذاً هذا ليس إبتلاء إذاً ليس المقصود إسحاق ولكنه من؟ كيف يجاب عن هذا. نحوياً يستحيل المانع.العرب إذا عطفت تكرر حرف الجر تقول مثلاً:.(1/18)
مررت بصالح ثم مررت بعده خالد هذا لايستقيم لابد أن تقول إذا أردت العطف تقول: مررت بصالح ثم مررت من بعده بخالد إذا قلت الباء أعدت الخافض السبب في الخفض، فهذا يستقيم لغة. الله هنا قال:(فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق) لو كان المقصود العطف يعني كلها بشاره واحده كان يصبح الأيه (ومن وراء إسحاق بيعقوب) فلما حذفت الباء دلت على أن الأيه منفكه بمعنى أن البشاره فقط بإسحاق أما (ومن وراء إسحاق يعقوب) هذه غير داخله في البشاره لأنني قلت العرب إذا أرادت أن تعطف بخافض تكرر الخافض فإذ لم تكرر الخافض دل على أن الواو ليست عطفا وإنما هي واو للإستئناف كلام جديد طبعاً قد يأتي قائل يقول هذا لا.لا يلزم منه القاعده ويخرمها هذا الذي جعل الإنسان يتردد في أيهما الذبيحين لكن معلوم أنه لايتعلق بمعرفة أيهما الذبيحين عمل في حياتك اليوميه لكن الذي أردته عمدا من إيثار القضيه أن تعرف أولا أن في المسأله خلاف وأن كثيرين من العلماء قالوا بأنه إسحاق وكثيرين آخرين قالوا بأنه إسماعيل لكن المهم جدا أن تعرف أن لكل قوم دليلا وأشهر من قال من المفسرين أنه إسحاق ابن جرير إمام المفسرين وأشهر من قال من المفسرين أنه إسماعيل الحافظ ابن كثير رحمه الله والعلامه الشنقيطي رحمه الله ورحم الله جميع علماء المسلمين..(1/19)
الوقفة الأخيره من هذه السورة ذكر الله بعد ذلك أخبار الأمم والرسل وهذه مرت معنا كثيرا في تفسيرات سلفت لكن نقف إجمالاً قال الله تعالى ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) الريح العقيم:ـ التي لا تلقح شجرا ولا تثير سحابا (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) قلنا إن هذا لا يعني العموم فليس كل شيء أتت عليه جعلته كالرميم لأن الله قال (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) فأثبت وجود المساكن إلى أن نصل إلى قول الرب تبارك وتعالى (فتولى عنهم فما أنت بملوم*وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) آيه تحمل البشاره لمن أنزلت الآيه وهم أحياء. أين البشاره؟ قلت إذا أردت التفسير انظر لما قبل وما بعد. تأمل يا أخي.الله يقول لنبيه الآن الرسول ذكر الله في الآيه قضيه الإيمان بالبعث الأخر. ثم قال لنبيه (فتول عنهم فما أنت بملوم)فقول الله جل وعلا لنبيه(فما أنت بملوم)تشعر أن الله أعذر نبيه في دعوة أولئك الناس. صحيح أو غير صحيح؟صحيح الله يقول لنبيه(فما أنت بملوم)وقول الله جل وعلا قبلها(فتول عنهم)ماذا يشعر؟ أن الأمورانتهت أنت فعلت ماعليك دعوت... أنذرت... بلغت...(فتول عنهم)اتركهم فالمؤمنون الذين كانوا آنذاك أحياء ونزلت هذه الأيه وهم موجودون أخذوا ينتظرون العذاب على الكفار وأن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي بالنسبة إليه لأن الله اعذره وأمره أن يتولى قال:(فتولى عنهم فما أنت بملوم) وأعذره الله تبارك وتعالى.ثم لما أصابهم هذا الخوف أخبرالله أن الوحي مازال مستمراً فقال بعدها(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)يعنى لاتقطع البلاغ...(1/20)
استمر في تذكيرك فهذا يدل على أن الوحى آنذاك غير منقطع فأصبحت هذه الآيه كما قال علي رضي الله عنه وغيره أصبحت نوع من البشاره للمؤمنين (فتولى عنهم فما أنت بملوم *وذكرفإن الذكرى تنفع المؤمنين)هذا ماتهيأ إراده وتيسر قوله حول هذه السوره وأسال الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم .... ...(1/21)
قال جل وعلا {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (97) سورة آل عمران. اليهود قالت لنبينا عليه الصلاة والسلام إنك كنت تصلي إلى بيت المقدس ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي إلى بيت المقدس ويصلي إلى بيت المقدس وهو في المدينة، أما في مكة فكان عليه الصلاة والسلام يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس يصلي في جهة بحيث تكون الكعبة أمامه وبيت المقدس أمامه، فيصبح استقبل بيت المقدس والكعبة في آن واحد، هذا المشهور عن ابن عباس القول. لما قدم المدينة هذه ما يمكن تجتمع لماذا؟ لأن الكعبة في الجنوب وبيت المقدس في الشمال، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا كما في رواية البراء بن عازب عند البخاري وغيره، ثم أنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (144) سورة البقرة، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام يصلي إلى الكعبة إلى يومنا هذا، اليهود قالوا هذا أكبر دليل أنك أنت مضطرب في عبادتك! فبين الله جل وعلا لهم في بيان قرآني قال الله (قل لله المشرق والمغرب) كل الجهات ملك لله والله جل وعلا يختص منها ما يشاء ويتعبد عباده بما يريد حتى لو تعبدهم كل شهر بجهة هو ربهم وهم عبيده والجهات جهاته والملك ملكه، وليس لليهود ولا لغيرهم قول ولا برهان (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فالله جل وعلا ابتلاء واختبارا وتمحيصا أمر نبيه أن يصلي لبيت المقدس وهو يعلم جل وعلا أزلا أنه سينقلهم إلى الكعبة، في هذه الفترة يمحص الله جل وعلا عباده يبتلي خلقه من يثبت من لا يثبت كما قال الله جل وعلا (وإنها لكبيرة إلا على الذين هدى الله) أي هذا الأمر عظيم إلا على من يسره الله جل وعلا إليه.(1/1)
المقصود أن بيت المقدس كان معظما، مبالغة في تعظيم الكعبة أمر الله جل وعلا في رده على اليهود أن يكون الحج إلى الكعبة، لما كانت الكعبة تفضل بيت المقدس بوجوه كثيرة كان اختياره مكانا للحج أمر لا مناص منه قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت) اللام في (لله) من حيث النحو حرف جر ومن حيث المعنى للإيجاب والإلزام، فأوجب الله وألزم عباده حج البيت ولم يكتف الله بقوله لله، أتى بحرف على، (ولله على الناس حج البيت) فأتى بكم مؤكد؟ مؤكدين اللام وعلى، وكلها تدل على الإيجاب والإلزام تقول لفلان عندي كذا، على فلان عندي كذا، أي يجب علي له، (ولله على الناس من استطاع إليه سبيلا) كلمة الناس عامة ثم جاء التخصيص (من استطاع إليه سبيلا) فمن لم يستطع الوصول إلى البيت سقط عنه فريضة الحج الله جل وعلا لم يحدد كيفية الاستطاعة وهذا بلاغة القرآن، لأنه لا يمكن عقلا تحديد الاستطاعة بشيء واحد في كل الأزمنة ومن قال من العلماء رحمهم الله تعالى أن الزاد والراحلة فهذا قول مرجوح لا يمكن أن يكون صحيحا لأنه قد يقع عارض أشد من الأول ونأتي بعارض عصري: لو أن المرض هذا كفانا الله وإياكم شره المعروف بسارس انتشر في أمة مسلمة في بلاد ما حتى أهلكهم ثم رغب أناس من هذه الدولة أن يحجوا إلى البيت يملكون زادا و يملكون راحلة هل من الحكمة أن يؤذن لهم في الحج؟ قطعا لا، لأنه قد يأتي منهم من يحمل المرض فيفتك بالحجاج كلهم، صحيح، فلذلك من الحكمة منعه، والحج يعتبر ساقط عنه ومعذور شرعا لأنه لا يستطيع الوصول إلى البيت سيمنع هذا المنع لا علاقة له لا بالزاد ولا بالراحلة فتبقى كلمة (من استطاع إليه سبيلا) الأفضل تبقى مفتوحة كل من يستطيع الوصول إلى البيت يلزم عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه.
((1/2)
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) أي طريقا، (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) هذه ومن كفر، للعلماء فيها ثلاثة أوجه: الوجه الأول أن الآية على ظاهرها والمعنى أن من لم يحج وهو قادر فهو كافر، لظاهر الآية، وهذا مذهب الحسن البصري رحمه الله تعالى ووافقه عليه بعض العلماء. المحمل الثاني: أن من أنكر فريضة الحج فهو كافر، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه وعليه جماهير العلماء. الوجه الثالث: أن الآية جرت مجرى التغليظ والتهديد والوعيد والزجر في بيان أهمية الحج إلى بيت الله جل وعلا وأنه كالكافر، وهذا القول اختاره بعض العلماء وهو الذي إليه نميل والله أعلم. وهذا له قرائن في كتاب الله وفي السنة، أما له قرائن في القرآن فإن الله جل وعلا قال {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء. مع اتفاقنا على أن هذه الآية تحمل على أنها مبالغة في التهديد وإلا من قتل نفسا ومات على التوحيد لا يخلد في النار.(1/3)
ومن السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: (عبد بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة وقاتل نفسه في النار) وما إلى ذلك مما جاء في قصة الانتحار والصحيح أن من مات منتحرا ولم يأت بناقض شرعي ومات على لا إله إلا الله فإنه لا يخلد في النار ويحمل هذه الأحاديث {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (29) سورة النساء، الآية وغيرها على المبالغة في التهديد والزجر والوعيد، وإلا قاتل نفسه لا يخلد في النار وإنما يسن لإمام المسلمين أو نائبه ألا يصلي عليه أما أنه يخلد في النار فلا يخلد في النار، لما روى مسلم في الصحيح أن رجلا من الصحابة اشتد عليه مرض ما فعمد إلى عروقه فوجأها قطعها فسال الدم فلما سال الدم أخذ ينزف حتى مات، فرآه ابن عم له في المنام وعليه ثياب بيض وقد غلت يداه أي أحكمت، قال ما صنع بك ربك؟ قال عفا عني، قال ما بال يديك؟ قال إن الله قال لي إننا لا نصلح منك ما أفسدته من نفسك، لأنه قطع يديه.(1/4)
بعد ذلك الرجل لما استيقظ قص الرؤيا على النبي عليه الصلاة والسلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام (اللهم وليديه فاغفر اللهم وليديه فاغفر اللهم ولديه فاغفر) قالها ثلاثا، قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم وغيره من العلماء: في الآية دليل واضح على أن قاتل نفسه لا يخلد في النار، لكن هذا يخاطب به طلبة العلم فقط، ولا يقال للعامة حتى لا يستهينوا بقتل النفس لا قتل غيرهم ولا قتل أنفسهم، وطالب العلم ينبغي أن يفرق ما بين الخطاب إلى العامة والخطاب إلى طلبة العلم، وبيان الحكم الشرعي غير الوعظ ولذلك لما تقرأ في كتب ابن قدامة وغيره من أئمة الدين الفقهاء لا يتكلمون مع بعضهم اتق الله وخاف الله واخش الله، هذا كلام وعظ ليس له علاقة بالأحكام الشرعية وعندما يتكلم في الوعظ لا يتكلم عن تفصيلات اختلافات العلماء، يعني ما يأتي إنسان مثلا في مسألة يخالف فيها آخر يقول له اتق الله كيف تقول بهذا! الكلام العلمي أن تقول هو إذا ما يتقي الله ما يقول هذا الكلام لأنه يعتقد أنه صح، فلأنه يتقي الله يقول هذا الكلام لا علاقة له بتخويف من الآخرة، لأنه هو يتعقد أن هذا صح فهو يقوله لأنه يتقي الله فما في مجال لكلمة اتق الله وخاف الله لكن في إنسان يعلم شيء أنه معصية تقول له اتق الله، لأنه يعلم أنه معصية ويعصي الله جل وعلا. يعني مثلا بسم الله الرحمن الرحيم، قلنا في أول درس في خلاف بين العلماء هل هي آية من الفاتحة أو غيره آية؟ ما تأتي لإنسان يعتقد أنها ليست بآية وتقول له اتق الله خاف الله خاف عذاب النار قل بسم الله الرحمن الرحيم! هو لأنه يخاف الله لم يقلها لأنه لا يعتقد أنها آية، والعكس واضح، هذه أم شيء تفهمها في قضية النزاع العلمي.(1/5)
ولذلك أنت اقرأ مناظرات العلماء كلام ابن قدامة وغيره من أئمة العلم في كتب الفقهاء وغيرهم لا تجد فيها الأسلوب الوعظي ولا ذكر الجنة والنار؛ لأن كل فريق يعتقد صحة ما يقول إنما يبنى الكلام على الأدلة، كل من يحاج الآخر بالأدلة، فلذلك أن يشتهر ما بين صغار طلبة العلم تقول له ما رأيك في فلان؟ يقول هذا ما يخاف الله! لماذا ما يخاف الله، يفتي بكذا وكذا وكذا ويقول بكذا، هذا ليس بكلام رجل عاقل لأنه هو لأنه يخاف الله يقول ما يعتقده فهمتم؟ وهذه أهم ما في الدرس وإلا لو طبقت هذا الكلام الذي يتناقله اليوم البعض لو طبق على الصحابة لهلكنا جميعا لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبادلون الرأي ويقول كل منهم بقول ما يأتي إنسان لآخر يقول اتق الله لأن كل منهم يقول ما يعتقد أنه صواب لكن كل منهم يقارع الآخر بالحجة وبالنظر وبالدليل ثم إذا المسألة استبانت لك لم تكن تستبين لأخيك. والعكس صحيح.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الشيخ / صالح عواد المغامسي ( حفظه الله )
تأملات قرآنية
الجزء الأول / الشريط الخامس .(1/6)
بسم الرحمن الرحيم
تأملات في سورة الشمس
سورة الشمس
(بسم الله الرحمن الرحيم)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا أشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره وأتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
في هذا اللقاء المبارك من محاسن التأويل
سنشرع معكم في تفسير سورة الشمس وضحاها وهذه السورة المباركة سورة مكية باتفاق
وهي من أوائل ما أنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم وهي مصدرة بالقسم على نمط أكثر السور المكية كما مر معنا في سورة الضحى وسيمر معنا إن شاء الله تعالى والليل إذا يغشى والفجر وغيرهما من السور التي صدرهنَّ الله جل وعلا بالقسم قال الله جل ذكره (
لاحظ أن الله قال (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) ) هذا قسم بالشمس والواو عاطفة(1/1)
فقوله جل شأنه وضحاها هذا قسم أخر أي أقسم الله بالشمس حال كونها مشرقة أو غاربة , يعني سواء كانت ظاهرة أو غير ظاهرة أقسم بها كجرم وأقسم بها حال خروجها للناس وقت الضحى الذي مر معنا في سورة الضحى فأصبح في هذه الآية وحدها قسمان
ثم قال الله تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) هذا قسم واحد لكنه مقيد بقوله (إِذَا تَلاهَا) قال سبحانه(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) ثم قال ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ) وقال ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) وهنا نتنبه لما سيأتي ,أقسم الله بالشمس وأقسم الله بالقمر حال كونه تاليلاً للشمس لكن حول كونه تاليا تبينة قرينة (وَضُحَاهَا) والمعنى يكون تالياً للشمس بالمعنى الصحيح إذا كان مضيئاً , ولا يكون كذلك مكتملاً إلا في الليالي الثلاث ليالي البدر البيض وما بعدها وما قبلها بقليل , لكن لا تعد الليالي الأولى ليالي المحاق ولا في الليالي الحالكة التي في الأخير لا تعد داخلة في القسم لهذا قال الله تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) أي خالفها في الضياء, والقمر لا يكون مضيئاً في الليالي الحالكة وإنما هنا الأمر قسم مقيد (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) أي إذا خالفها في الضياء.
(وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا) طبعاً الشمس هي التي تجلي النهار لكن المقصود من هنا إنه وقعت الشمس عليه
فأصبح النهار وهو محل أصبح كأنه قائم بما حل به
وهذا مجاز في لغة العرب على خلاف العلماء هل في القرآن مجاز أو لا (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا)
قال الله (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) هنا قلنا لما قال والشمس هذا قسم بها حال كونها ظاهرة وغير ظاهرة
وقلنا وضحاها حال كونها ظاهرة , حال كونها ظاهرة أناب عنه قوله سبحانه (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)
بقي حال كونها غير ظاهرة وهذا أناب عنه قول الله جل وعلا (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا)(1/2)
فيصبح جاء القسم بالشمس حال ظهورها وحال مغيبها , وبالقمر حال كونه خلفاً للشمس في ضياءه وحال كونه غير خلفاً لها في ضياءه في الليالي الحالكة كالمحاق الذي في أول الشهر وفي الليالي الحالكة في التي آخر الشهر ,
ويظهر هنا الأمر تجلى.
الليل لن نتحدث عنه كثيراً لأنه سيأتي في سورة خاصة به .
لكن الشمس هذه سورتها, الشمس مخلوق من مخلوقات الله , ويقال لها وللقمر تغليباً القمران ومنه قول المتنبي
عدوك مذموماً بكل لسان
ولو كان من أعداءك القمران
والعرب من جنس كلامها ما يسمى بالتغليب
والتغليب أن يذكر اثنان بينهما رابط , فيذكران بأحدهما , يثنى أحدهما ويندرج فيه الأخر تبعاً ,إلا أن أسباب التغليب تختلف من حالة إلى حالة
فيقولون للشمس والقمر القمران , رغم أن الشمس أكبر لأن القمر عندهم لفظ مذكر والشمس لفظ مؤنث فغلبوا جانب التذكير على جانب التأنيث قال المتنبي
وما التأنيث أسم للشمس عيباً
ولا التذكير فخراً للهلال
ولو كل النساء كما فقدن
لفضلت النساء على الرجال
المقصود هذا سبب التغليب
ويقال للشيخين الجليلين الصحابيين المعروفين أبي بكر وعمر , يقال لهما العمران مع أن الاتفاق على أن أبا بكر أفضل من عمر لكن التغليب هنا ليس في ذاتيهما وإنما التغليب لأن أسم أبي بكر مركب وأسم عمر مفرد وأسم أبو بكر مركب تركيب إضافي ,فثنوا الاسم المفرد لأنه أيسر ولم يثنوا الاسم المركب فقالوا العمران يقصدون بهما الشيخين أبا بكر وعمر قالت الخوارج لعثمان أعطنا سنة العمرين يعني أصنع بنا صنيع الشيخين أبي بكر وعمر
ويقولون كذلك الحسنان لسبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن الحسن والحسين كلاهما مذكر كلاهما أسم مفرد فلجاءو إلى سبب أخر للتغليب وهو أن الحسن أكبر من الحسين ولم يكن بينهما إلا طهر واحد لفاطمة , فقالوا الحسنان وعلى هذا يقولون المكتان لمكة والمدينة لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينة , وهذا سياق(1/3)
المقصود أقسم الله هنا بالشمس وأقسم الله بالقمر
عرّض الله جل وعلا للشمس والقمر أن يزولا زوالاً عارض وزوالاً دائم .
فالزوال العارض يسمى باللغة الأفصح للقمر كسوف وللشمس خسوف ويجوز أن يقال لهذا هذا ولذاك الأول.
الزوال النهائي يكون عند قيام الساعة قال الله جل وعلا (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)
وقال جل ذكره (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وقال جل وعلا(وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) هذا كله ظاهر أنهما مخلوقان من مخلوقات الله سيضمحلان ويذهبان مثلهما مثل سائر المخلوقات
إلا أن الشمس تأتي للناس من المشرق وتغيب في المغرب على هذا درجت سنة الله جل وعلا فيها , وسياتي يوم تستأذن تحت العرش فلا يأذن العلي الكبير لها , فيقول لها عودي من حيث طلعتي فتطلع على الناس من المغرب فإذا رآها الناس آمنوا قال الله جل وعلا (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)
هذه الشمس والقمر ,يقولون أو ثبت شرعاً أن الله حبس الشمس ليوشع بن نون , ويوشع بن نون نبي من أنبياء بني إسرائيل ساس بني إسرائيل بعد موت موسى ,وهارون مات قبل موسى ثم ساسهم موسى من قبل لكنه بقي وحيداً ,فلما مات دخل بهم يوشع بن نون الأرض المقدسة , سنعطيك الآن فريدة في العلم , دخل بهم الأرض المقدسة حارب يوم الأحد وخاف أن يأتي يوم السبت ولم ينتهي
وخاف أن تغرب شمس الجمعة ولا حظ .
فخاطب الشمس قائلاً إنك مأمورة وأنا مأمور
أقرأنه عبد وأنه مخلوق ثم دعا الله فقال اللهم أحبسها علي
فحبسها الله عليه بقدرته فتأخر مغيبها فحارب وأنتصر . قلنا الفريدة هنا ! أين الفريدة ؟ أن الحرب استمرت ستة أيام ,(1/4)
في عصرنا هذا حدث ما يسمى بنكسة حزيران عام 76م هذه الحرب أنتصر فيها الصهاينة على بعض دول المحيطة بها , على مصر والأردن وسوريا ,و احتلت الجولان وسيناء من أرض مصر والضفة الغربية وقطاع غزة ودخل في تلك الحرب دخل فيها اليهود المسجد الأقصى.الشاهد منها حرص اليهود على أن الحرب تستمر ستة أيام
الإذاعات العربية إذا تكلمت الآن والإعلام المعاصر إذا تكلم عن الحرب يقول نكسة الخامس من حزيران , لكن اليهود الصهاينة أعلامهم إذا تكلم يقولون حرب الأيام الستة ليلبسوها لباساً عقدياً وليربطوا مع جماهيرهم مع من يستمع إليهم من أتباعهم اليهود أن هؤلاء قادة المعاصرين صنعوا ما صنع يوشع بن نون , وأن ما يقال عن الجبارين الذين هم سكان فلسطين الذين حاربهم يوشع بن نون هم الجبارون الذين هم ينعتون المسلمين بهم بأنهم الجبارين , لذلك كانت بعض الأخطاء السياسية لبعض القادة الفلسطينيين المعاصرين يقولون عن دولة فلسطين أرض الجبارين وهذا خطأ لأن هذا يتمناه اليهود أن يقال أنها أرض العمالقة وأرض الجبارين حتى يصبح الحرب حرب عقدية شرعية بحتة , ولهذا يقولون في إعلامهم حرب الأيام الستة .
طبعاً الدافع لهذا الحديث كله هو حديثنا عن قضية الشمس وقول الله جل وعلا { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }وهذا كله قسم يتبعه قسم لأمر عظيم سيأتي بعده قال الله بعدها { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } والسماء في اللغة كل ما علا وأرتفع .
قال أمية بن الصلت :
وأرضك كل مكرمة بنتها
بني تيم وأنت لها سماء
أي قبة أي عالي أي سقف , عالي السماء , هذه السماء جعل الله لها أبواباً بنص كتابه قال الله جل وعلا { وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا } ولها خزنة يسكنونها قال صلى الله عليه وسلم : (( أطت السماء وحق لها...)) [خبر] [حال](1/5)
هذه السماء لها أبواب يصعد منها عمل العبد , في مواقف يصعد منها عمل العبد , فالصالحون من الخلق ترفع أعمالهم من أبواب معينة , فيصبح هذا الباب وقف على زيد وعمراً من أهل الصلاح , فإذا مات هذا العبد أنقطع العمل , فإذا أنقطع العمل ما أصبح يدخل أو يرفع من هذا الباب شيء , فيبكي عليه موضعه من السماء , وهذا معنى قول الله جل وعلا { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ } فطوبى لعبد إذا مات وأنقطع عمله بكى عليه موضعه من السماء وموضعه من الأرض , وما أشقى عبد عياذاً بالله يموت فلا يفقده موضع بالسماء ولا موضع بالأرض أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله وجعلنا ممن يتلبس بالصالحات أنما حل ونزل , هذه السماء .
قال الله جل وعلا { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } الطحو هو نفسه الدحو في قوله { وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } والمعنى بسطها , والأرض مقدم خلقها على خلق السماء قال الله جل وعلا : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ } وقال جل وعلا { وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } ولم يقل بدأ خلقها , والمقصود من هذا كله أن الأرض والسماء مخلقتان عظيمتان من مخلوقات الله أقسم الحق تبارك وتعالى بهما في هذا الموطن , والذي يعنينا هذا القسم من جنس القسم الأول , القسم بالمخلوقات المتابع , وكل ما أقسم الله به من شمس وقمر وليل ونهار وسماء وارض وما يتعلق بهما كلها غير مكلفة , غير عاقلة , ثم قال {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } والنفس جاءت نكرة , فهل المقصود به نفس آدم أم نفس بني آدم أو جميع الأنفس , الأظهر والله أعلم أنفس المكلفين من الجن والأنس , بدليل أن الله قال بعدها { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } ولا يخاطب بهذا إلا المكلف .(1/6)
ما النفس , النفس هي ذات الروح أو هي الروح ذاتها , لكن الإنسان إذا اتصلت روحه بجسده يقال لها نفس , وإذا انفكت النفس عن الجسد وخرجت يقال لها روح , قال صلى الله عليه وسلم في عثمان بن مظعون لما مات كان عيناه مفتوحتين فأغمضهما صلى الله عليه وسلم وقال : (( إن الروح إذا صعد يتبعه الجسد )) وجاء في القرآن { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } فعلمها غيبي لا يعلمه إلا الله , لكن الله هنا قال { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } ليبين أن هذه النفس عظيمة الخلق وفيها من الأسرار والأمور والعجائب ما لا يعلمها إلا الله , وجاء في ذكرها في القرآن مقسمة إلى ثلاثة أقسام , نفس مطمئنة ونفس أمارة بالسوء ونفس لوامة , وهذه النفس أسند الله لها الكلام والجدال { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } وأسند الله لها الحسرة { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ } إلى غير ذلك مما مر معنا وسيمر معنا ولا حاجة للإستفاض فيه.(1/7)
قال سبحانه { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) } يقولون أن الأصل في الإلهام يكون في الخير , ولا يقال في الشر أنه إلهام , والسؤال المطروح هنا كيف يقال { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا } والجواب أن الإلهام هنا إلهام إعلام حتى تجتنب فجورها , بمعنى أن الله جل وعلا ألهم النفس أن فيها فجوراً ومرجعاً للشر يجب أن تجتنبه حتى تعلم ,فإذا علمت أن هناك مرجعا للشر فيها وحذرت منه تكون أقدر على تركه فيكون الحساب قائم على بينة وعلى علم .{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } قدم الله الفجور على التقوى , والآن سيأتي تسلسل غريب في العرض تسلسل بديع , قدم الله الفجور لأنه لا تحليه إلا بعد التخليه , قدم الله الفجور لأنه لا تحليه للتقوى إلا بعد أن تخلى النفس من الفجور { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا } فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يشرع عيدي الأضحى والفطر منع الأنصار من يوم بعاث , ثم أتى بالبديل عليه الصلاة والسلام وهو عيدا الفطر والأضحى , نقول { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا } بدأ الله بالفجور قبل فضيلة التقوى حتى يكون التخليه قبل التحليه ثم أتى بالتقوى قال { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } ثم قال وهذا جواب القسم { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } فلما جعل التقوى هي الأخير بدأ الآن بالتزكية حتى تكون ملتصقة بماذا ؟
بالتقوى كأنها سلسة , بدأ بالفجور لأنه قلنا التخليه ثم ثنى بالتقوى ثم قال بالتزكية حتى تكون التزكية متصلة بالتقوى لأن التزكية لا تتصل بماذا ؟(1/8)
لا تتصل بالفجور { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }والسلسلة البديعة لم تنتهي بعد سيأتي بعدها ولنستعجل ثم نعود , ثم قال { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } فالطغيان بثمود مناسب لقوله { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } فالدسيسة في قوله { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } ترتبط بالسلسلة الآية التي بعدها { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } فيصبح أول كل آية له وجه بديع في التناسب مع أخر كل آية .
نأتي لمعنى قول الله جل وعلا { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } القرآن نزل أصلاً على أمة عربية , وهذه الأمة العربية لها طباع , البيوت بيوت الكرام تكون في الأماكن العالية , حتى توقد النار فيراها الطارقون , وبيوت اللئام تكون بخبايا حتى لا يراها المنصرفون , عامل الله جل وعلا النفوس البشرية بمثل أوضاعها الحقيقية في حياتها , فالتزكية الارتفاع , زكى بمعنى نمى , والدسيسة أخفيت الشيء بمعنى دسسته , فقال الله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } لا يمكن أن ترى إنسان محرم يريد أن يذهب إلى العمرة يستحي أ يخرج بين الناس بإحرامه بل بالعكس لو رآه الناس لجنحوا إليه يدعون له بالتوفيق ويسألونه الدعاء , فهو في موطن شرف لا يريد أن يخفيه , بينما من يذهب إلى حانات الغرب وبارات الشرق ومواطن الفجور المخصوصة يتوارى عنك , فهو يلبس زي الأعاجم زي الكفر يضع الأساور والسلاسل ومعه أغراضه , لكن إن كان فيه شيء من الفطرة ستجده مطأطئ رأسه لا يريد أن يراه أحد , فيأبى الله إلا أن يذل من عصاه , لا يستحي أحد منكم ولا من غيركم من المؤمنين(1/9)
أن يقال أنه رؤيا في حرم صلى الله عليه وسلم أو رؤيا يطوف حول الكعبة , لكنك تجد أهل المعاصي يدفع أموالاً باهظة لمن وجده في موطن ريبة رجاء أن لا يحدث بها أحد , لأن المعصية تكسره وتذله أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله , هنا الله يقول { قَدْ أَفْلَحَ } فجعل الله جل وعلا الفلاح مرتبطاً بتزكية النفس , وأعظم ما يسمو به الإنسان نفسه
هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
هبطت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات توجهي
والمعنى أن روحك ونفسك لم تختر هي بنفسها هذا الجسد لكنها لما أُحكمت مع هذا الجسد وارتبطت صار بينهما أُلفة وعِشرة , ثم إذا جاء قبض الروح تجد الروح صعبة المخرج كأنها تقول لك إنني قد ألفت هذا الجسد ولا أستطيع الانفكاك عنه , لكن الحق أن الأمر مبني على الإيمان والعمل الصالح , وأعظم ما يزكى به النفوس أمور :: من أهمها
1- أن يُعلم أنه لا انفكاك بين الإيمان والعمل الصالح , سيد الأصحاب الصديق رضي الله عنه وأرضاه ( من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر أنا , من تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر أنا , من أطعم منكم اليوم مسكيناً قال أبو بكر أنا , من عاد منكم اليوم مريضاً قال أبو بكر أنا أعمالاً صالحة متنوعات في قلباً قال عنه صلى الله عليه وسلم لو وضع إيمان أبي بكر في كِفة و إيمان الأمة في كِفة لرجح إيمان أبي بكر رضي الله عنه , والمقصود لا انفكاك بين الإيمان والعمل الصالح .
2- من أسباب تزكية النفوس الرضى بقضاء الله وقدره وهذا من أعظم منازل الإيمان , ويعلو على هذين الأمرين محبة الله جل جلاله , ومحبة الله من أعظم أسباب تزكية النفوس , محبة الله جل وعلا ثم محبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإتباع هدية صلوات الله وسلامه عليه .
{(1/10)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وقال الله { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي خسر { دَسَّاهَا } أي أخفاها وجعلها وضيعة بتركه للعمل الصالح , إن كانت هذه الآيات عند قوله سبحانه { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } والخطاب في الأصل للقرشيين , أمة تحيط بالكعبة , فأراد الله أن يضرب لهم أنموذجاً لمن خاب وخسر فقال لهم{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } من ثمود؟
قبيلة عربية تسكن شمال الجزيرة , أو بالأحرى كانت تسكن شمال الجزيرة العربية ومواطنهم بالحجر , قال الله { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ } أي بطريق واضح ظاهر ما تغير شيء , وإلى اليوم هي لبسبيل مقيم , جهة العلا .
قال الله { كَذَّبَتْ ثَمُودُ } قبيلة عربية عند المؤرخين يسمون عرب بائدة , ويضاف إليهم قوم عاد , هؤلاء عرب بائدة وصالح نبيهم , والله لم يذكره هنا , ذكره في آيات مكية أخرى , لكن هذه الآيات المكية التي بين أيدينا قصار { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } كذبت من ؟
كذبت الرسول الذي بعث إليهم , الخطاب الآن توضيحه لأهل مكة ضرب مثل حتى تنقطع الأعذار { بِطَغْوَاهَا }الباء هنا سببية , أي كذبت ثمود بسبب طغيانها , والطغيان تجاوز الحد , قال الله جل وعلا { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } هذا إجمال , جاء التفصيل { إِذْ انْبَعَثَ } من الذي أنبعث ؟ { أَشْقَاهَا } الهاء في أشقاها عائدة إلى من ؟
عائدة إلى ثمود بحسب تسلسل كلام
لكن الحق أنها عائدة إلى الأولين أجمعين , ومعناها أشقى الأمم السابقة كلها , أين الدليل ؟(1/11)
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أشقى الأولين عاقر الناقة) وأسمه قضار بن سالف ويقال له أُحيمر ثمود , كان رجلاً عزيزاً منيعاً في رهطه , هذا الرجل , كانت كل ثمود الكافرون منهم يحدثون أنفسهم بعقر الناقة , قال الله جل وعلا { إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ } قبل أن ينبعث { رَسُولُ اللَّهِ } الذي هو صالح { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } منصوبة على التحذير , أي أحذركم ناقة الله, وهذه الناقة جعلها الله جل وعلا آية لقوم ثمود قال سبحانه { وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً } هذا على حذف , حذف ماذا ؟(1/12)
أصل الآية ( وأتينا ثمود الناقة آية مبصرة ) يعني آية واضحة, وليس المقصود أن الناقة ليست عمياء , وإنما الناقة إذا أطلقت ورد أنها بصيرة, وإنما المقصود آية مبصرة لهم , هذه الناقة جعل الله لها شرب يوم محدد وجعل لثمود شرب يوم آخر , لها شرب ولكم شرب يوم , استبقوا العذاب قال الله { إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا *فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ } فوقع منهم التكذيب مرتين , التكذيب الأول تكذيب بالرسالة كلها , والتكذيب الثاني بأن هددهم بالعقاب وحذرهم أنهم إذا قتلوا الناقة سيأتيهم الوبال قال الله جل وعلا { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } العقر في اللغة هو جرح البعير في يديه ليبرك حتى ينحر , قطعاً إن أولئك القوم لم يكونوا ينحروا الناقة نحراً شرعياً , لأنهم لا شرع لهم أصلاً لا إيمان لهم أصلاً حتى ينحروها معقولة يدها اليسرى , وإنما عبر الله بالعقر هنا وأراد النحر للتلازم ما بين الفعلين , بمعنى أنه عقر البعير فلما جثى البعير نحره في وعدته , وقلنا عبر الله بالعقر لأنه تلازم كامل بينه وبين النحر , قال الله جل وعلا { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } طبعاً قال الله فعقروها والمقصود ثمود كلها لأنها كانت راضية بفعل الأشقى منهم , لأنهم كانوا أي ثمود راضين بفعل الأشقى منهم , وإن كان الذي تولى كِبر الأمر تسعة , ومن هؤلاء التسعة خرج هذا أُحيمر ثمود فعقروها , قال الله { فَدَمْدَمَ } بمعنى أطبق { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ } تكرار للسبب حتى يُعلم أن الله لا يظلم الناس { بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا } أي سواهم بالأرض كأقوام لا كديار لأن الديار باقية , ثم قال الله قولاً لا يوصف إلا الله به ’ فلا يصنع أحد صنيعاً إلا ويرجوا به أحد أو يخاف به أحد إلا الله جل وعلا لا يرجوا بصنيعه أحد ولا يخاف جل وعلا أحدا فقال الله { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ(1/13)
فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا } أي عقبى وتبعة ذلك الصنيع لا يمكن لله جل وعلا أن يخافه أو يحسب له أمرا لأنه تبارك وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون يجير ولا يجار عليه , وكل نعوت الكمال وأوصاف الجمال له تبارك وتعالى دون سواه والنقص إنما على خلقه أجمعين هذا المعنى العام لقوله { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا }.
إذا عرف أشقى الأولين دلت السنة في نفس الحديث على أشقى الآخرين , قال صلى الله عليه وسلم يسأل علياً ( أتدري من أشقى الآخرين [ في رواية أنه قال الله ورسوله ألعم ] قال : من يضرب هذه عن هذه أو من يفصل هذه عن هذه وأشار إلى رقبة علي والذي حاز على هذا هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي الذي قتل علياً , أشترى سيفاً فيما تقول مجمل الروايات ووضعه في إناء فيه سم حتى أن الحديد لفظ السم , وأحياناً يزين للإنسان سوء عمله , ,اخذ يدعوا الله ويعتقد أنه مجاب وهو مجاب من وجه آخر , قال اللهم أقتل بهذا السيف شر خلقك , ثم عرض لعلي وعلياً ذاهباً غادي إلى صلاة الفجر , فضربه ضربة وكان فاتكاً , ثم حُمل بعد أن أطبق عليه فسأله علي رضي الله عنه عن الذي صنع وكان في علياً بقية من حياة قبل أن يموت , قال أنني اشتريت السيف بكذا وأصلحته بكذا وعرضته على الناس ومازلت أقومه بكذا ثم سالت الله أربعين صباحاً أن يقتل به شر خلقه , ولهذا نفهم أن القضية ما هي قضية أماني ونوايا قضية علم , فلما غاب العلم أتكل على أمانيه ورؤاه وأمثال ذلك مما وقع فيه وجهله التام , فقال علي رضي الله عنه وأرضاه ما أراك إلا مقتول به , ثم قتل بنفس السيف أو قيل أنه قتل بهذا النفس , هذا عبد الرحمن بن ملجم , أختلف الناس فيه , أختلفوا فيه أولاً إلى فريقين , فريق قيل له وهم أتباعه من الخوارج , وهؤلاء كانوا يرون أن هذا الصنيع قربة إلى الله .
يا ضربة مِن تقيٍّ ما أراد بها(1/14)
إلا ليبلغَ مِن ذِي العرش رِضواناً
إني لأذكره يوماً فأحسبُه
أَوفىَ البرية عند الله ميزاناً
هذا قول عمران بن حطان أحد زعماء الخوارج , وعمران هذا كان طالب علم فأراد أن يقنع امرأة من الخوارج أن ترجع عما هي عليه , فأقنعته وغلبته بجماله فتبعها في مذهبها , لا أريد أن أستطرد نعود إلى الفريق الثاني وهم أهل السنة , اتفقوا على أنه في أعظم درجات الباطل لكنهم اختلفوا هل يكفر بهذا العمل أو لا يكفر , والمشهور والله أعلم أنه لا يكفر , لماذا يؤتى بالقضية يعني كيف عرف أنه يكفر أو لا يكفر , المبني عليها مسألة فقهية , وهو أن الحسن والحسين قتلاه مباشرة , وجه الإشكال أين ؟ أنت طالب علم , وجه الإشكال إنه كان لعلياً أبناء صغار لم يبلغوا الرشد , فكونهم قتلوه الحسن والحسين قبل أن يبلغ أبناء علي الصغار , لا يحتمل إلا أحد أمرين , قول فقهي وهو أنه لا ينظر للصغار حتى يرشدوا يسقط حقهم وهذا ليس الجمهور عليه , وقول ثاني تخريج فعل الحسن والحسين أنهم قتلوه باعتباره كافر , لا يلزم منهم أن يستشيروا أخوتهم الصغار , واضح(1/15)
لكن إذا قتلناه باعتباره مؤمن تبقى المسألة أن الصغار لهم حق , وما قتل عبد الرحمن بن ملجم دون أن ينظر في رأي أبناء علي الصغار , قد يقول قائل قطعاً سيقولون لكن هذا أمر لا يبنى عليه مسألة شرعية , والمقصود هذه نوعاً من الثورة المعرفية التي تزداد حول قول الله جل وعلا { إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا } نستفيد من الآية أن الناس منهم أئمة بالخير ومنهم من هو إمام بالشر , لذلك كلمة إمام وحدها لا تدل على فضل حتى تظهر بقرينة قال الله {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } وقال { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا } فكلا الحالين نعت الله المتقدمين منها أنهم أئمة , لكن من القرائن عرفنا أن أولئك في الخير وأن أولئك في الشر , والناس يعني أن تكون ذيلاً في الخير خيراً من ان تكون إماماً في الباطل , والمقصود أن يتبع الإنسان الخير وأهله أينما كانوا وهذا المعنى الحقيقي لقول الله جل وعلا { إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا } كذلك يفهم من الآية أن الإنسان الذي يجنح إلى الشر غالباً لا يكون فيه تؤده , يكون فيه محاولة التخلص من الأمر ولهذا قال الله { انْبَعَثَ } الانبعاث يدل على السرعة لأنه يخشى أن يرجع في الأمر , ما إن يزين له سوء العمل إلا ويبادر به حتى يبقى على تمجيد رهطه له ولا يترجح , لكن بالنسبة لك كأخ مؤمن الأمور عندك تنقسم إلى قسمين , ما ثبت شرعاً هذا لا يحتاج إلى تؤدة قال الله جل وعلا على لسان عبده موسى {} وما لم يكن ثابتاً بنص هذا يحتاج الإنسان فيه أن يتبين وأن يتريث وأن يكون في خطواته على تؤدة وعلى مهل في قضية غدوه ورواحه وأين ذهابه ومشيته , هذا مجمل ما من الله به علينا في سورة الشمس , نعود فنجمل ما أردناه من السورة فنقول , هذه أقسام متتابعة يتبع بعضها بعض ,كلها ذات شأن عظيم ومعناً جليل أقسم الله بها لأمر جليل وعظيم من أجل نُصبت الموازين وأقيمت البراهين(1/16)
إلا وهو سوق الجنة وسوق النار المبني على الفلاح والخسران , لهذا قال الله في جواب القسم { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } ثم ذكر الله أمة بادت وأقوام مضوا بُعث لهم نبي كما بُعث لنا نبي أهلكهم الله جل وعلا بسبب طغيانهم , ردوا الآيات وكان ردهم للآيات بياناً أن الإيمان بيد الله جل وعلا , وأن الآيات لا تغني أصحابها شيئا , ولهذا لما طلب القرشيون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا أراد الله عليه الصلاة والسلام أن يدعوا بذلك فجاءه جبريل وقال له إن الله يخيرك في أنه إذا أظهر لهم الصفا ذهبا ولم يؤمنوا أن يطبق عليهم الأخشبين , وأن شئت أرجأنا أمرهم لعل الله أن يخرج منهم ذرية صالحة , فأختار صلى الله عليه وسلم الأمر الآخر , وهذه سنة كانت ماضية في الأنبياء قبل نبيا صلى الله عليه وسلم قال الله { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا } هذا ما تيسر إراده وما تهيأ إعداده حول سورة الشمس , وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى وألبسنا الله وإياكم لباسي العافية والتقوى وصلى الله محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
تم بحمد الله منته وكرمه ... .
http://www.shazly.net/~freehosting/3x1/xsdxgxvy_tamlat_fi_swrh_alshms.doc
...(1/17)
يحتوي على ....
"خروج المهدي"......................................................2
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم{ المهدي مني }................3،2
أقسام الناس في المهدي على ثلاثة..................................5
ما الذي يعنينا من أشراط الساعة....................................6
سبب غزو التتار للمسلمين .........................................6
خروج الدجال......................................................8
ما السر في أن جميع الأنبياء من قبل يحذرون أممهم من الدجال ؟؟ ...8
عظم فتنة الدجال .................................................10
الدجال يسهل الخلاص منه........................................11
تعقيب بسيط على ما سبق (المهدي والدجال)..........................2
نزول عيسى عليه السلام...............................................3
يأجوج ومأجوج بإيجاز.................................................6
طلوع الشمس من مغربها.................................................7
تعقيب على يأجوج ومأجوج.............................................7
طلوع الشمس من مغربها.................................................9
خروج الدابة..........................................................11
هدم الكعبة .........................................................12
الموت.............................................. 13
حياة البرزخ............................................................2
سبب نزول قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ...}.........................5
عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والجسد.................................7
البعث والنشور ..........................................................9(2/1)
نفخة الصعق...........................................................9
أدلة على ثبوت البعث................................................10
على أي شئ يحشرون ...............................................13
دخول أهل الجنة الجنة ......................................................2
هل الجن يدخلون الجنة ؟؟...................................................4
بعض من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة .........................6
آخر أهل الجنة دخولا إليها .................................................6
دخول أهل النار النار.........................................................7
النيران ثلاثة ................................................................7
محاريب الحرم ثلاثة.....................................................8
(رأيت صاحب المحجن يجر قُصبه في النار)..............................9
الحديث عن أقوام ظاهر القرآن والسنة أنهم مخلدون في النار....................10
أعظم ما يتمناه أهل النار......................................................11
أهل المعاصي من المؤمنين يعذبون إن كتب الله سبحانه لهم النار..........12
تم بحمد الله
***المخبتات***
Al_mokhbtat(2/2)
"خروج المهدي"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .(2/1)
فهذا استمرار لتعليقاتنا العلمية الموجزة على بعض أحاديث نبينا $ صح عنه $ فيما أخرجه أبو داوود في السنن أنه قال { المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملك سبع سنين يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما } هذا نص الحديث عن رسول الله $ أما كلمة المهدي فهي وصف وليست اسم أي وصف لهذا الرجل الذي سيخرج وليست اسما له وجاء في بعض الأحاديث ذكر اسمه قال عليه الصلاة والسلام عنه { يوطئ اسمه اسمي } أي أن اسمه كاسم النبي $ محمد واسم أبيه كاسم أبي النبي $ عبد الله قوله عليه الصلاة والسلام مني أي من ذريتي ومعلوم أن هناك ما يعرف بآل البيت لكن آل البيت كلمة أوسع ووصف أعم من قوله عليه الصلاة والسلام مني لأن آل البيت يدخل فيها كل من يجتمع مع النبي $ في جده هاشم فيدخل فيها آل عقيل وآل جعفر وأبناء علي من غير فاطمة هؤلاء كلهم يجتمعون مع النبي $ في جده هاشم فيسمون آل البيت وتحرم عليهم الصدقة كما يدخل فيهم حلفا آل المطلب والمطلب هذا أخو لهاشم لكن ذريته كانوا مع النبي $ في شعب أبي طالب لما حاصرته قريش فقال $ إن بني هاشم وبني المطلب شئ واحد وشبك بين أصبعيه فأدخل جمهور العلماء بناء على هذا الحديث ولأن النبي $ أعطاهم من الخمس كما أعطا آل البيت أدخلهم في آل بيت النبي $ لكن كما قلت هذا عام أما قوله عليه الصلاة والسلام مني أي من ذريتي أنا أي من ذريته هو عليه الصلاة والسلام ومعلوم أن النبي عليه السلام لم يخلف ذكورا خلف ذكرين لكنهما ماتا في حياته فانقطع بذلك النسب الذي ينتسب إليه من جهة أولاده الذكور بقي لهم من الإناث أربعة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة فأما رقية وأم كلثوم فتزوجهما عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه أم كلثم لم تنجب من عثمان أحدا وأما رقية أنجبت غلاما مكث حوالي ست سنين ثم مات نقره ديك في وجهه فانتفخ ثم مات وأما زينب فولدت أمامه من أبي العاص بن الربيع زوجها ثم ماتت دون أن تخلف فلم يبقى إلا فاطمة رضي الله(2/2)
عنها وأرضاها زوجها النبي عليه الصلاة والسلام بعد منصرفه من بدر من علي رضي الله عنه وأرضاه فولدت له الحسن والحسين ومحسن فأما محسن فتوفي وهو صغير فبقيت الذرية التي تنتسب إليه $ مباشرة محصورة في ذريته عليه الصلاة والسلام من الحسن والحسين رضوان الله تعالى عليهما فقوله عليه الصلاة والسلام { المهدي مني } أي من ذرية الحسن أو من ذرية؟ أو من ذرية الحسين فجمهور أهل السنة على أن الأحاديث تدل على أنه من ذرية الحسن بن علي وإن اسمه محمد بن عبد الله ثم ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي فهو من جهة أبيه ينتهي إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ومن جهة أمه إذا وصلنا إلى عند الحسن يتفرع من جهة أمه ابن فاطمة فاطمة بنت محمد $ هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام { المهدي مني } والشيعة الإمامية الإثنا عشرية الموجودون الآن المذهب الرسمي في إيران وفي المدينة وفي المنطقة الشرقية هؤلاء يرون أن المهدي سيظهر لكن لا يقولون كما يقول أهل السنة أن اسمه محمد بن عبد الله الفاطمي الحسني العلوي كما بينا إنما يقولون إنه من ذرية الحسين لا من ذرية الحسن كما أنهم يقولون إنه موجود الآن حي في سرداب في "سر من رأى" المدينة التي بناها المعتصم واسمه محمد بن الحسن العسكري اسمه عندهم محمد بن الحسن العسكري وهو آخر الأئمة الإثنا عشرية الذين تؤمن بهم الشيعة ومعلوم قطعا أن هؤلاء الأئمة الذين تؤمن الشيعة بعصمتهم الأئمة لا يقترفون ذنبا لتعلق الشيعة خطأ بهم فمثلا النصارى عبدت عيسى بن مريم وقالوا إنه ثالث ثلاثة لكن هذا لا يقدح في عيسى ابن مريم عيسى ابن مريم نبي رسول والله أثنى عليه في القرآن { وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } قال { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } فهو نبي من ألوا العزم من الرسل له مكانه نحن نؤمن به كما يؤمن به النصارى لكن نحن نؤمن به كنبي أما النصارى يؤمنون به كإله أو ابن الله الذين يعنينا أن غلو النصارى في عيسى لا يغير من(2/3)
عيسى شئ كذلك غلو الشيعة في الأئمة الإثنا عشرية لا يغير في الأئمة شئ فأولئك من ذرية النبي $ ولهم مقام جليل في الدين هم يبدؤون بعلي وعلي صحابي ويثنون بالحسن والحسين والحسن والحسين النبي $ يقول {سيدا شباب أهل الجنة } ويربعون بعلي بن زين العابدين مثلاً وهذا من أعظم الصالحين في عصره وهذا الذي قال فيه الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطئته ** والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ** هذا التقي النقي الطاهر العلم(2/4)
ويقولون بجعفر ابنه وجعفر إمام معروف لكن غلو الشيعه فيه حرم الناس من علمه وإلا أبا حنيفه رضي الله عنه أدركه وأخذ عنه علم ويقولون لمحمد الباقر وسمي الباقر لأنه اسم فاعل من بقر أي يبقر العلم يشقه شقا فكان إماما في العلم لكن غلو الشيعه فيه أضاع علمه في أن الناس لا تأخذ عنه شيئا لأنهم حاصروه الذي يعنينا أن الأئمة أئمة حقا أكثرهم صالحون من ذرية رسول الله $ لكن هؤلاء غلو فيهم وقالوا بعصمتهم والعصمة لا تثبت إلا للأنبياء والرسل فقط يقول الخميني في كتاب له معاصر اسمه الحكومة الإسلامية يقول وإن من أصول مذهبنا أن لأئمتنا منزلة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل تخضع له بها ذرات الكون ويعطى هذا لفاطمة بنت محمد $ أحيانا فهذا القول في الأئمة مردود لأنه كون أنه يقال في حق رجل من آل بيت رسول الله أنه تخضع له جميع ذرات الكون وأنه له منزله لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل هذا باطل لكن كما قلت يرد قوله ويبقى إجلالنا لآل بيت رسول الله $ كما هو دون أن نخلط بين الموقفين الله جل وعلا علم أن الأمة ستمر بمراحل ضعف وهذا الرجل لا يخرج عن كونه رجل صالح قال العلامة الألباني رحمة الله تعالى عليه ونعم ما قال قال يغلب على الظن أنه رجل فريد في علمه فريد في أخلاقه فريد في تجربته في الحياة فريد في قيادته وأن الله جل وعلا يصلح الأمة قبله لأنه لا يعقل أن رجلا يحيي الأمة من جديد في سبع سنين والنبي $ بناها في ثلاث وعشرين؟ في ثلاث وعشرين سنه وهو قطعا ليس أفضل من النبي $ ولا أفضل من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا سائر الأصحاب رضي الله عنهم وأرضاهم لكنه رجل يختم به الله الناس قبل خروج الدجال وقبل نزول عيسى ابن مريم فالقول بأن المهدي شخص منقطع النظير يمنع الأمة من العمل ويدفعها إلى التواكل وإلى أنها تنتظر أن يخرج المهدي حتى يقودهم المهم أن النبي $ أخبر أنه سيكون في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا لأن الناس لا يمشون(2/5)
إلا بقائد فمهما صفت الأمة وتربت من دون قائد حق لا يمكن أن تسير فهو يأتي والأمة أحوج ما تكون لقائد فيكون قائد لها يحكم رضي الله عنه سبع سنين نعود فنقول الناس من تولوهم شغفهم بأن يحل أزماتهم تعلقوا بالمهدي تعلقوا بالمهدي إما أنهم ينتظرون خروجه أو يأتي أناس يقولون نحن المهدي وقد حصل عبر التاريخ كثير ممن ادعى أنه المهدي وبعض العلماء له دراسة علمية لقضية أن أكثر من يدعي المهدي في زماننا أو قبله بقليل تجد في نوع حياته اضطراب نفسي تجده إنسان عنده معلومات عنده عقل عند رأي عنده فكر لكنه يعاني من مرض نفسي ثم يدفعه شغفه وحبه للناس حبه للأمة حبه للنصر مع الزاد العلمي الذي يقرأه يشكل عنده نوع من الإزدواج في الشخصية فيزعم أنه المهدي ـ وأنا قابلت كلمني واحد مرة بالهاتف يزعم أنه المهدي جلست ساعة إلا ربع أقنعه أنه ليس المهدي لم يقتنع مع أنه ليس من آل البيت ولا اسمه محمد ولا أبوه عبد الله وهو لا يلزم كم في آل البيت من اسمه محمد اسم أبوه عبد الله وليس مهديا لكن عنده معلومات لكنه مسكين أراد أن يطبقها على الواقع حتى يتخلص ـ هذه معاناة تعانيها الأمة تعاني من قضية الربط بين شيئين مابين واقع مشهود تلحظه بعينك الأمة فيها ذل وهوان ومابين غيب منشود هذا الغيب ثبت في الأخبار أنه سيعلو فهؤلاء يجرون في مضمار لا الأرض تساعد الواقع المشهود ما يساعد والغيب المنشود يعطيك أمل لكنهم ما استطاعوا أن يربطوا ربطا حقيقيا مابين واقعهم وبين الأمل الذي ينتظرونه فجاء في الأمة كثيرون لا داعي لذكر أسمائهم تسموا بالمهدي إما يكون إنسان هادي سمي بالمهدي على أمل ثم حتى يموت كمثل بعض خلفاء بني العباس لكن يأتي أقوام يزعم أنه المهدي فالمهدي قال عليه الصلاة والسلام يبايع له بين الركني والمقام هذه يبايع له بين الركن والمقام هذه واحده من مئات الصفات في المهدي ماهي كل الصفات مثل رجل تبعثه برسالة بمال بأي غرض إلى أخ لك في حي آخر(2/6)
مثلا نبعث رجل إلى العزيزية حي فأنت تأتي له تقول له هذا الذي أنا بعثتك إليه يسكن في عمارة عشرة أدوار ثم أخذت تصف له كل دور ووصفت الباب ووصفت الجهة التي هم منها هذا المسكين عندما ذهب أول عمارة وجدها عشرة أدوار قال هذه العمارة التي يقول عنها فلان الحمد لله ماضيعنا عشرة أدوار قال عشرة أدوار وهذه عشرة أدوار وفي العزيزية مثلا لو فرضنا فيه مئات العماير عشرة أدوار فأخذ بعض الناس يبايع له بين الركن والمقام فتنة الحرم التي حصلت عام "1401" أخذوا من الحديث كله أنه يبايع له بين الركن والمقام فجاء الذي قام بالفتنة وجاء برجل اسمه محمد بن عبد الله وهذا الركن الحجر الأسود وهذا المقام الحمد لله جابوا الميكرفون وأعطاه بيعه اعتقد أن الشرط الوحيد الذي يبحث عنه حصل عليه والأمور ما تفرض فرضا هكذا ولذلك قال بعض السلف قديما المهدي هذا لا تبحث عنه لأن حضوره ووقوعه حق لا ينكر فهو إذا وجد سيأتي لامحاله سيتم أمره حتى لا يبقى أي لبس ولا شبهة أنه المهدي فلا يتعجل الإنسان كونه سيظهر المهدي في أصله شرط من أشراط الساعة.
والناس فيه على ثلاثة أقسام :
ـ إما رجل على علم وهذا علماء أهل السنة من حيث الجملة .
ـ وإما إنسان غال مثبت في غلوه .
ـ إما إنسان منكر جاف في إنكاره .
وبيان هذا على الوجه التالي :(2/7)
الذين غالوا في إثباته هم الذين كلما ظهر حرب أو ظهرت معركة أو ظهر زعيم أو ظهر قائد أو انتصرت الأمة بعد نكسه قالوا هذا هو المهدي وهذا حصل في مصر حصل في السودان حصل في كثير من الدول الإسلامية حصل في جزيرة العرب حصل في القرامطة كلما ظهر رجل وعلا قالوا هذا هو المهدي . والآخرون على العكس قالوا هذا يضيع الأمة ويشتتها ويجعلها تتكل على غيبيات والدين لم يأتي بالغيبيات ما يوجد مهدي لا مهدي عندهم إلا عيسى بن مريم ما يوجد شئ اسمه مهدي فمن نحى هذا ابن خلدون رحمة الله تعالى عليه على علم في المقدمة وتبعه عليه بعض العلماء المعاصرين فأنكروا مسألة المهدي بالكلية وهذا كلا الأسلوب خطأ ماترد السنة لوجود ناس لا يفقهون لكن هذا الذي عليه حفاظ الأثر كشيخي الصحيح مع أهل النظر أن المهدي حق سيقع وأنه من آل بيت رسول الله $ وأنه الله جل وعلا سيصلحه في ليلة وأن الرب تبارك وتعالى سيملأ به الأرض عدلا كما ملئت جورا لكن يظن الناس أن الأمة ستبقى على حالها حتى يظهر المهدي وهذا خطأ في استقراء النصوص فإن النبي $ أخبر أن المهدي في ظاهر الحديث هو الذي يصلي بالناس في بيت المقدس وقت نزول الدجال وهذا يلزم منه أن بيت المقدس سيحرر وتفتح قبل نزول المهدي لأن النبي $ أخبر أن المهدي يريد أن يؤم الناس بالصلاة فينزل عيسى بن مريم صلاة العصر فيتأخر المهدي فيقدمه عيسى ولماذا يقدمه عيسى ؟(2/8)
يصلي المهدي لأن هذا المهدي في صدره القرآن وعيسى في صدره الإنجيل والقرآن مقدم ؟ مقدم على الإنجيل والنبي $ قال إن منكم لمن يصلي عيسى بن مريم خلفه أو وراءه تكرمة من الله لهذه الأمة حتى يعلم علو شأن أتباع محمد $ لكن كونه عليه السلام عيسى يصلى وراء المهدي لا يعني أبدا أن المهدي أفضل منه وهذا حررناه في دروس مضت أنه قد يوجد في المفصول ما هو خير من الفاضل عيسى بن مريم عليه السلام أحد أولو العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليه أفضل من كثير من الأنبياء فضلا عن كونه أفضل من المهدي وأفضل من الصحابة عليه الصلاة والسلام الذي يعنينا في هذا كله أن الله جعل هذه الأشراط والعلامات حتى يستعد الناس للبعث حتى يستعد الناس للتوبة حتى يستعد الناس للنشور لأن ما الأشراط وما خروج المهدي ولا خروج الدجال ولا نزول عيسى ولا طلوع الشمس من مغربها ولا خروج الدابة إلا إرهاصات لقيام الأشهاد وحشر العباد بين يدي الله ثم إنه أحاديثه عليه الصلاة والسلام في الغيب نوع تعليم ليست نوع إخبار محض قال عليه الصلاة والسلام لعثمان بشره بالجنة على بلوى تصيبه وقال له لا تنزع قميصا ألبسك الله إياه فلما جاءه الخوارج يحيطون ببيت عثمان وطلبوا منه أن يترك الخلافة تذكر عثمان وصية النبي عليه الصلاة والسلام فأبى ورفض أن يتنازل عن الخلافة .(2/9)
قال لعمار تقتلك الفئة الباغية فعمار رضي الله عنه وهو في جيش علي كان يعلم أنه على الحق لأن النبي $ قال له تقتلك الفئة الباغية فجعل من الحديث دليل ثبات فهو رضي الله عنه أي عمار عُمِّر كثيرا كان رجلا طويل ترعش يداه في الحرب ومعه حربه والنبي عليه الصلاة والسلام قال له إنك لن تموت آخر عهدك في الدنيا شربة من لبن فكان وهو في الجيش يقولون ستموت الآن يقول لا ما حصل ما شربت لبن بعد حتى عطش وهو في الحرب طلب لبنا ثم شرب لبنا في الحرب ثم قتل رضي الله عنه وأرضاه موضع الشاهد أن النبي أعلمه أنه على الحق فاستثمر الحديث قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر اعتزل الفتن أنت لا تصلح للولاية فاعتزل الناس وبين له أنا أبا ذر فيه ضعف والضعف لا يصلح للإنسان زعيما ولا قائدا مع أن أبا ذر رضي الله عنه يبعث أمه لوحده وأنه أصدق من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء لكنه مع ذلك حذره النبي $ من الدخول في متاهات الناس فاعتزل ومات بالربذة رضي الله عنه وأرضاه النبي عبر عن التتار بأنهم ترك وقال عليه الصلاة والسلام { اتركوا الترك ماتركو كم } هذا حديث {أتركوا الترك ما تركوكم} قال الحافظ ابن كثير رحمة الله تعالى عليه لمن يأتي إنسان ما يعمل بالنص جاء خوارزم شاه هذا خوارزم شاه والي كان من ولاة المسلمين جهة إيران كان جنكيز خان هذا المغولي الذي افترى في المسلمين كان بعيدا ليس له علاقة أبدا بالمسلمين فبعث تجار هؤلاء التجار قدموا على نائب لخوارزم شاه فقتلهم فلما علم جنكيز خان بأنه قتلهم وهو ليس في نيته أن يغزوا بلاد المسلمين بعث إلى خوازرم شاه هذا المسلم وقال له بلغني أن نائبك على بلاد كذا وكذا قتل التجار ولم تجري عادة الملوك في قتل التجار لأنهم رعاة الأقاليم يحيون الناس فإن كنت لا تعلم فاعلم وخذ لنا القصاص من نائبك ماذا فعل هذا غفر الله له ؟!راح قتل حتى الرسول هذا باعث يستطلع قتله معه فلما بلغ جنكيز خان أن هذا قتل الرسول وقتل(2/10)
التجار عمدا هاجم تلك البلاد وفعل ما فعل حتى قال ابن كثير رحمه الله فقتل قتلا لم يعلم ولم ينقل قتلا أبشع منه كله بوجود مخالفه لوصية النبي $ أحيانا البعض يقرأ أحداث الساعة فيقدم رأيه وعقله على قول النبي $ الأمة في مرحلة ضعف الأمة في عجز الأمة حماس إلى متى السكوت يقول لك سبعين قرار وهي ما تساق الأمور هكذا هناك فيه هدي بينه الله وبينه رسوله $ إذا كنت تريد أن تحكم عقلك هذا شيء آخر لكن النبي عليه الصلاة والسلام ما ترك شيئا إلا دل أمته عليه ولا شرا إلا حذر أمته منه وإنما الناس كلهم صادقون في محبتهم للنبي $ لكن الصدق يلزم معه أمر آخر وهو العلم والعلم يلزمه أمر أعظم منه وهو الصبر فقد تجد في الناس علما لكن ليس لديه صبر على أن ينفذ العلم الذي يعلمه فكل الناس تعلم أن الإنسان لن يموت إلا بأجله لكن ماكل الناس يصبر على البلاء رغم اتفاقهم في العلم وكل الناس تعلم أنه إذا ابتلي أنه رفع للدرجات وتكفير للخطايا لكن ليس كل أحد يصبر على هذا العلم الذي يعلمه فكذلك التعامل مع الأحداث التاريخية يحتاج إلى صبر لأننا لا نشكك في أن الناس لا يحبون نبيهم كل المسلمين بارهم وفاجرهم يحبون نبيهم لكنهم يحتاجون إلى علم ثم حتى إذا قللت مجموعة العلم ليس كل من معه علم لديه صبر حتى يصل إلى مراده عن طريق الصبر ولهذا النبي ربى أمته يقتلون أمامه عند الكعبة يضربون يآذون ويمر على عمار على ياسر أبي عمار وعلى سمية تقتل أمامه تقتل من أجله هو قبل قبل بعثته $ كانت سميه هذه مبجلة عند أبي جهل وياسر كان مرفوع المقام عند أبي جهل من أرفع الخدم لكن من أجله قتلوا ثم يمر عليهم وماذا يقول صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة فالمعنى إن الأحداث التاريخية تنزل حسب الواقع حتى يصل الإنسان إلى مراده قال عليه الصلاة والسلام {ولكنكم قوم تستعجلون } يحتاج الإنسان إلى عمل يحتاج إلى يقين يحتاج إلى أناة يحتاج إلى أن يستظل بعلم الشرع الذي علمه الله(2/11)
لرسولنا $ إن الإخبار بالغيبيات لا يعني أن يطلبها المرء لأنها قادمة قادمة وإنما حتى إذا وقعت وهو موجود يتعامل معها على منهاج محمد صلوات الله وسلامه عليه هذا ما تيسر إيراده وإن كان فيه اليوم بعض الإطالة ونكمل غدا في أشراط الساعة والله المستعان وعليه البلاغ وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.
"خروج الدجال"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره و اتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ..(2/12)
يوم أمس بحمد الله جل و علا قد بينا معنى قوله $ {المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف}وذكرنا أن المهدي صفة وليس اسماً و بينا اسمه وذكرنا أنه أحد أشراط الساعة الكبرى واليوم نزدر ف كما قلنا بالأمس إلى ذكر خبر الدجال و إن كان خبره مشهورا لكننا نقف على بعض التعليقات العلمية و الإرشادات النبوية عن رسولنا صلوات الله و سلامه عليه الله جل وعلا منذ أن خلق الخلق و هو يبتليهم لأن الجنة درجة عالية والصعود إلى أعلى يحتاج إلى مشقة و لابد من الفتن و الابتلاءات و الإختبارات قبل الوصول إليها أخبر الله عن ذلك في كتابه وعلى ألسنة رسله صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ولابد أن يميز أهل البر من أهل الفجور أهل الإيمان من أهل الكفر {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون }إلا أن هذه الفتن ترتقي وتعتري وتصعد و تصبح أكبر كلما دنت الساعة وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه والله جل وعلا بعث أنبياء شتى ورسل عديدين إلى أمم شتى وأخبر جل وعلا أن هذه الأمة هي آخر أمة و أن نبيه $ هو آخر الأنبياء هذا التأصيل لا بد منه قبل الشروع و الحديث عن فتنة الدجال فالنبي $ يقول عنه أي عن الدجال ما من نبي ـ أي قبلي ـ لأن كل الأنبياء قبله إلا وحذره أمته وأنا أحذركم إياه فأنا آخر الأنبياء و أنتم آخر الأمم و إنه خارج فيكم لا محالة ـ لأن لم يبقى أمة حتى يخرج فيها الدجال هوخارج فيها هذه الأمة أمة الإجابة التي آمنت أو أمة الدعوة التي بعث إليها النبي$ وهم متلازمان حياة وهو خارج فيكم لا محالة .
ما السر في أن جميع الأنبياء من قبل يحذرون أممهم من الدجال ؟؟(2/13)
لأن الفتن في غير الدجال فتنة تتعلق في الغالب في ادعاء النبوة لكن فتنة الدجال في ادعاء الألوهية فقد يأتي إنسان و يقول كذلك فرعون و النمرود كلاهما زعما أنه إله والجواب عن هذا أن النمرود و فرعون لم يكن بيدهم شئ يثبتون به للناس إنهم قريبين من القدرة الإلهية إلا قضية السيف إلا قضية القتل {قال سنقتل أبناءهم و نستحي نساءهم} و النمرود يقول {قال أنا أحيي و أميت } لكن ليس لديه شئ يخدع به الناس فكشف عواره للناس ظاهر جدا فكان الناس حتى الذين رضخوا للنمرود أو رضخوا لفرعون رضخوا من باب سلطان قوة لا من باب سلطان القناعة فلا يسمى النمرود و لا يسمى فرعون فتنة بالمعنى الحقيقي للخوض في قضية الألوهية أما الدجال فإن الله جل وعلا يعطيه بقدره بأمره تبارك و تعالى فتنة للناس بعض الأمور التي تجعل على الناس يلبس عليهم و هذا اللبس هو الذي خاف منه النبي $ فحذر المؤمنين من الخروج إليه قال { إن الرجل يأتيه يظن أنه مؤمن وأنه لا يلتبس عليه شئ و مع ذلك يقع في فتنته }وقد قال العلماء إن الآثار تدل على أن الدجال يظهر في مرحلة يقل الحديث عنه فيها بين الناس هذا الدجال فتنته كما بينا تتكلم في أنه يزعم أنه هو رب العالمين إنه هو الخالق هو الرازق هو المدبر و له مع ذلك علامات سيأتي الحديث عنها لكنه قبل ظهوره تحدث أمور من أعظمها أن ثمة صلح يقع ما بين المسلمين و الروم و أن طائفة كبرى من الروم تؤمن وأن هذه الفئة النبي $ يقول {سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر قال الصحابة: نعم يا رسول الله قال : فإنه سيدخلها سبعون ألفاً من بني إسحاق } هذا نبينا $ في خبر صحيح يقول .من بنو إسحاق؟ الروم أكثر الأوربيين اليوم لأن إبراهيم عليه الصلاة و السلام ترك إسحاق وترك إسماعيل .(2/14)
من ذرية إسماعيل كان العرب ومن ذرية إسحاق , إسحاق أنجب يعقوب عليه السلام الذي أنجب يعقوب هو إسرائيل في القرآن فبنو إسرائيل هم بنو يعقوب بقي الابن الثاني لإسحاق و هو العيس من ذرية العيس نشأ الروم المعاصرون و الذين قبلهم الذين يعرفون اليوم غالبهم بالأوروبيين فهؤلاء قال عنهم $ {سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر قالوا: نعم يا رسول الله قال : أما وإنه سيدخلها سبعون ألفاً من بني إسحاق بغير سهم ولا سلاح غيره يقولون لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانب منها ثم يقولون في الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانب منها ثم يقولون: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم، ويدخلونها} . فهذا إخبار بأن هؤلاء السبعين مؤمنين لأنهم قالوا لا إله إلا الله و الله أكبر.(2/15)
كان السابقون من العلماء غالبهم يرى أن المدينة هي مدينة القسطنطينية لكن بعض علماء العصر مثل الشيخ عمر سليمان الأشقر هذا أردني الجنسية يعيش في الكويت أحد علماء أهل السنة الكبار اليوم ذهب إلى المدينتين إلى القسطنطينية و إلى البندقية المدينة المعروفة في إيطاليا فقال حفظه الله و الرجل حي قال هي أقرب إلى البندقية منها إلى القسطنطينية يعني وصف النبي $ بأنه جانب منها في البر وجانب منها في البحر ينطبق على البندقية في رأي الشيخ أكثر مما ينطبق على غيره الذي يعنينا سواء كانت القسطنطينية أو كانت البندقية أو كانت غيرهما أن خبر النبي $ سيقع و النبي لم يحدد المدينة اسماً و إنما حددها وصفاً ، و قد قلنا بالأمس في التأصيل العلمي لا يجوز الجزم بشئ لم يجزم النبي $ به و لا ننزل الأوصاف كما يحلو لنا .(2/16)
فهذه إرهاصات تكون قبل خروج الدجال لأن آخر الحديث ثم يسمعون بخروج الدجال فهذا يدل على أن هذا الأمر يقع قبل خروج الدجال يخرج الدجال نعود الآن لما أرجأت الحديث عنه في أنه فتنة في باب ما يعطيه الله جل وعلا وقلنا أن النمرود و فرعون كأمثلة ليس معهما شئ يدل على أنهما يملكان من القدر شيئا يقول $ في أحاديث شتى عن الدجال يقول يأتي للقرية من الناس فيدعوهم فيستجيبون له ـ أي يؤمنون به ـ فيأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت فيخرج عنهم و قد عادت عادت أغنامهم ماشيتهم أسمن ضروعاً و أمد خواصراً و أكثر ذراً ـ أي يصبحون في نعيم مقيم ـ ويأتي القرية فيدعونه فلا يستجيبون له فيتركهم وقد أصبحوا ليس بأيديهم من أموالهم شئ ممحلين ممحلين ـ أي لا يملكون شيئاً ـ و يمر على القرية الخربة فيأمرها أي يأمر الجماد جماد القرية أن تخرج كنوزها فتخرج كنوزها تتبعه كنوزها لأن هذه المدن و القرى في شتى الأرض من قديم الزمان عاش أقوام و جاءت دول و ذهبت أمم وقد يكون أشياء مدفونة في الأرض لا يعلمها أحد تتبعه كنوزها كيعاسيب النحل كيعاسيب النحل إما جماعات النحل و إما ذكور ذكران النحل فتتبعه منتظمة تلك الكنوز تخرج تتبعه و لا ريب أن الناس إذا رأوا هذا دخل في أنفسهم كثير من الشبهات أن هذا يمكن أن يكون إلهاً من ذلك أن الله جل وعلا أعطاه القدرة على الاستعانة بالشياطين فيأتي للإعراب بادية فيقول له أنا ربك فيكذبه الإعرابي فيقول له أرأيت لو أنني أحييت لك أباك أحييت لك أمك أكنت مؤمن بي فيقول نعم فيتمثل الشيطان الذي يعين الدجال في هيئة أب ذلك الإعرابي و يتمثل شيطان آخر في هيئة أمه فيقول الدجال له : هذا أبوك و هذا أمك فيؤمن به فتذليل الشياطين له من أسباب فتنة الناس به ، كذلك سرعته في الأرض فإن النبي $ قال لما سُئل عنه قال {كالغيث استدبرته الريح} كناية عن سرعة تجواله في الأرض حتى يأتي المدينة و لها يومئذ سبعة أبواب(2/17)
فإذا جاء في الباب الذي جهة جبل أحد تضربه الملائكة على وجهه وترده إلى الشام ليهلك فيخرج من المدينة مباشرة إلى الشام و في الشام يهلك على يد عيسى بن مريم كما سيأتي في آخر الخبر معه نهران كما في صحيح مسلم من حديث حذيفة ماء ونار فيقول $: { فالذي معه على أ نه نار يرى رأيا العين ماء أبيض عذب والذي معه على أنه ماء يرى رأيا العين على أنه نار تتأجج } أي العكس ماؤه نار وناره ماء و النبي عليه الصلاة السلام شغوف بالأمة ، و الإنسان إذا كان فيه حدبة وشغفة بالناس لا يبحث عن أشياء عظيمة جداً يبحث الناس عنها في المعاجم حتى يعرفوا مراده إنما يأتي بأمور مبسطة لأنه يريد إنقاذهم لا يريد أن يبين فصاحته و بلاغته فقال $ فإما أدركنه أحد أي إذا أحد منكم أدرك هذا الماء و النار التي مع الدجال و قد قلنا أنه قال أنه يرى رأيا العين ترى الماء على أنه نار و النار ترى على أنها ماء عذب أبيض قال $ فليغمض عينيه يعني يوصي المؤمنين إذا ابتليت بهذا اغمض عينيك و الإنسان إذا أغمض عينيه لن يرى النار على أنه نار لا يراه أبدا ثم قال $ وليطأطأ رأسه و يشرب فإنه ماء بارد الآن أترك هذه الأحاديث اترك صالح وهو يتكلم تعال في بيتك و أنت تعطي ابنك الدواء تريد مصلحته و الابن إذا رآك أنت تخلط الأدوية بعضها في بعض إما تقزز و إما خاف و إما فزع تقول له وأنت تريد منه أن يشرب تقول له غمض ماذا؟ غمض عينيك حتى يسهل عليه الشرب ولا يرى ما يشربه فيمنعه ذلك من الشرب ،فالنبي $ يأتي بشئ يعرفه الناس قال : {وليغمض عينيه}.(2/18)
لأنه لو فتح عينيه سيراه ناراً لكن قال غمض عينيك فإنك لن ترى شيئاً فإذا طأطأ رأسه وشرب سيجد أنه ماء عذب ليس كما يرى على أنه نار بخلاف الأول هذا مما أعطاه الله جل وعلا الدجال وقد قلنا أنه يأتي إلى المدينة الآن يظهر الله جل وعلا كمال قدرته و النقص في هذا الذي يزعم الألوهية فهو الآن تتبعه كنوز الأرض الخربة و يمشي في الناس كالغيث استدبرته الريح و لا يترك بلداً إلا يطأها إلا مكة والمدينة و يستعين بالشياطين و مع هذا كله يعجز أن يمسح العور الذي في عينيه يعجز أن يمسح العور الذي في عينيه فهو لو كان إلهاً حقاً لحفظ سوى نفسه لكنه يعجز أن يمسح العور الذي في عينيه أو يزيله و يعجز أن يمسح ما بين جبينه ما بين عينيه مكتوب ( ك ف ر ) على حقيقتها كما قال الإمام النووي و غيره و يراها كل مؤمن فيقرأها و يغيب عنها كل كافر ومنافق لا يستطيع أن يقرأها فالله يظهر قوته التي أعطاها الله إياها من وجه و يظهر لنا نقصه من جهة أخرى هذا الدجال قال عليه الصلاة و السلام {ما من فتنة منذ أن خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة أعظم من الدجال}.(2/19)
هذا الدجال يسهل الخلاص منه بالتوحيد و بالجانب العملي قراءة فواتح سورة الكهف أو قراءة خواتمها بكل جاءت الأحاديث وحسن للمؤمن أن يحفظ سورة الكهف بأكملها وحسن إن عجز أن يحفظ أولها عشر خمسة عشر آية في الأول و عشر آيات تقريباً في الآخر تبقى حصناً في قلبه قد لا ندرك الدجال نعوذ بالله من ذلك كله لكن يبقى الإنسان آخذاً بالأسباب متبعاً للسنة متوكلا على الملك الغلاب ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام من السماء واضعاً يديه على أجنحة ملك إذا طأطأ رأسه يظهر للرائي كأنه يتحدر منه ماء الوضوء يقول عليه الصلاة و السلام {كأنه خارج لتوه من ديماس} الديماس الحمام وهو لم يكن لتوه خارج من ديماس ولا متوضأ ، فإذا رآه عدو الله أي الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء إلا أن عيسى يتبعه بحربة تكون معه فيقتله حتى يطمئن الناس أن الدجال قد مات لأن كونه قد مكث في الأرض 40 يوما أثر في الخلق أثرت قناعات في الناس فإذا قتل ولصق دمه بالحربة كل تلك القناعات تزول لكن لو جاء عيسى وهو عيسى عليه السلام وقال إنني قتلته قد لا يقع في الناس مجال التصديق وهذه سنة لله ماضية في خلقه فالله جل وعلا لما أهلك فرعون نجاه ببدنه حتى يرى الناس عيانا أن فرعون الذي يزعمون من قبل أنه إله ها هو رأي العين ميت هالك {فاليوم ننجيك ببدنك تكون لمن خلفك آية }لأن لو أن البحر ابتلعه لقال الناس مفقود ذهب سوف يأتي سوف يعود استعان بالملائكة جالت حوله الأساطير ، لكن الله جل وعلا أخرجه بجسده ونجاه حتى يكون لمن خلفه آية و حتى يقتنع الناس أن فرعون قد مات نفس القضية نفس السنة صبغة الله التي لا تتبدل تجري على الدجال فيرى الناس دمه في حربة عيسى فيطمئن الخلق على أنه قتل جاء في الأحاديث الصحيحة أنه عندما يأتي في المدينة حواليها بالطبع لا يدخلها ترجف ليس هناك أحاديث صحيحة أنه يخرج منها سبعون ألف منافق هذا غير موجود أصلاً لكن قال $: {فترجف المدينة ثلاث(2/20)
رجفات فيخرج منها كل كافر ومنافق}
ولم يحدد عدداً هذا واحد قد يكون واحد قد يكون اثنين قد يكون مئات الألوف لكنه $ لم يحدد حاول بعض الناس أن يصف من في المدينة الذين سيخرجون وهذا حذرنا منه بالأمس إن الإنسان لا يتلكب طريقاً ليس له نحن نقول كما قال $ ترجف فيخرج منها كل كافر ومنافق ونعوذ بالله من الكفر و النفاق و الشقاق و نسأل الله الحياة على التوحيد و الموت عليه .
أما غير ذلك فلا نصف أقواماً و نقول قد يكونون من بين فلان أومن بني فلان أو من بين علان هذا كله تجرأ وتقدم بين يدي الله ورسوله صلوات الله و سلامه عليه لكننا نقول يحذر المؤمن أن يخرج للناس يظهر ما لا يبطن يستعيذ المؤمن من الكفر و النفاق خوفاً من أن يقع في المحذور هذا الذي على المؤمن أن يصنعه والغيب لا يعرف لا بعقل ولا بتجربة وإنما يعرف بالخبر الصحيح الصريح عن الله أو عن رسوله $ هذا مجمل ما أفاء الله علينا وبيناه لكم في قضية خبر الدجال سائلين الله لنا ولكم التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
تم بحمد الله
المخبتات الوجه ( أ )
من أجل أمتي الوجه ( ب )(2/21)
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد ، فنستأنف ماكنا قد بدأناها حول الحديث عن أشراط الساعة الكبرى فنقول والله المستعان . أنا قد بينا مسألة المهدي ومسألة خروج الدجال وبقي أن نعقب عليهما بكلام يسير قبل الكلام عن عيسى ابن مريم عليه السلام ، ذكرنا مذهب أهل السنة في قضية المهدي ومذهب الشيعة الإمامية لكن ينبغي أن يعلم أنه ليس الرأي في المهدي محصورا في هذين الرأيين فيوجد آراء أخرى لكنها غير شائعة غير ذائعة يعمل بها لذلك أعرضنا عنها . منها مثلا فرقة في الشيعة تسمى الكيسانية كانوا يقولون بأن المهدي المنتظر هو ثالث أبناء علي محمد بن الحنفية نسبة إلى أن أمه من بني حنيفة وهؤلاء كانوا موجودين أيام بني أمية لكن لا أظن أن أحدا يحمل هذا الرأي بقي اليوم وإن وجد فليس.... ، ومنهم آنذاك كثير عزة الشاعر المعروف والذي يقول :
آلا أن الأئمة من قريش
حماة الدين أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه
هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر
وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى
يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يُرى فيهم زمانا
بر ضوى عنده عسل وماء(2/1)
ورضوى الجبل المعروف قبل ينبع جهة ديار جهينة هذا الجبل الذي يزعم الكيسانيون أنه فيه المهدي الذي ينتظرون خروجه كما بينا في قضية الدجال أنه يقتل على يد عيسى ابن مريم لكن لايعني ذلك أن الدجال لا يقاوم فإنه يخرج له شاب فيزداد الشاب بالدجال كفرا رغم ما يريه الدجال من الآيات ثم إن الدجال في خاتمة المطاف يقتله . قال صلى الله عليه وسلم : { ذاك أعظم الناس شهادة عند رب العالمين } وممن يحاربه ويقاوم الدجال بنو تميم القبيلة المعروفة وما تزال أسرهم موجوده في نجد وحولها والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرهم قال : هم أشد أمتي على الدجال هم أشد أمتي على الدجال وهذا موضع ثناء منه صلوات الله وسلامه عليه على أهل تلك القبيلة إلى هنا انتهينا وانتهينا في اللقاء الماضي إلى نزول رسول الله عيسى ابن مريم واضعا يديه على أجنحة ملك وقلنا إنه يقتل الدجال بحربة تكون في يده .(2/2)
عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام نبي رسول لا يختلف في هذا أحد من المؤمنين والله جل وعلا جعل هذا النبي الكريم أصلا آية قال الله : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } وقال جبريل عليه السلام كما حكى الله جل وعلا في القرآن وهذا كلام الله في كتابه لما خاطب جبريل مريم { قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله ءاية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا }ولهذا الناس ماختلفوا في أحد كما اختلفوا في عيسى ابن مريم هذا في السابقين وفي هذه الأمة اختلف الناس كثيرا في علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه فالنواصب يعادونه والشيعة يتولونه زيادة عن حقه وأهل السنة ينصفونه وهذا هو الحق مثله مثل عيسى ابن مريم فاليهود يريدون قتله والنصارى يتولونه حتى جعلوه إلها والمسلمون قالوا فيه الحق إنه روح من الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم أنه نبي الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه عيسى عليه السلام أعطاه الله جل وعلا معجزات كان يبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل ذلك بإذن الله كما حكاه الله في آل عمران وحكاه الله جل وعلا في المائدة وهذا النبي الكريم أرادت اليهود قتله ثم إن الله جل وعلا رفعه كما هو منصوص القرآن وألقي الشبهة على غيره أيا كان هذا الشبيه من أتباعه أو من غير أتباعه فاليهود من قتلته ظنته أنه عيسى ثم صلبوه والنصارى آمنوا بأنه قتل وبأنه صلب فداء للبشرية ويقولون إن الله حكم عدل لا يترك خطيئة من غير عقوبة وإن آدم عليه السلام أخطأ بأكله للشجرة وأهبط إلى الأرض وإنه لابد أن يدفع أحد ثمن خطيئة آدم فقالوا زورا وبهتانا وكفرا وتطاولا على الله إن الله جل وعلا أراد أن يخلص بني آدم من خطيئة أبيهم فبعث ابنه ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ فألقى عليه بما يسمى بالناسوت أي ما يقارب الإنس حتى يقتل و يصلب فيكونوا في قتله وصلبه كفارة لخطايا بني آدم فمن آمن بعيسى كفرت عنه خطاياه ويسمى عندهم في ملتهم أو في مذهبهم(2/3)
أو في دينهم المحرف بالتعميد أما النصارى الأولون الذين أثنى عليهم الله في القرآن الذين هم أتباع عيسى الحقيقيون فهؤلاء لاريب أنهم كانوا على الدين الحق لأن النصرانية المحرفة هي التي عليها أتباعها اليوم أما النصرانية الحق هي التي كانت في زمن عيسى ابن مريم {و إذ أوحيت للحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون } فهولاء حواريون أتباع عيسى الذين كانوا معه عليه الصلاة والسلام .(2/4)
رفع عيسى عليه السلام اضطهدت اليهودية النصرانية مرحلة من الزمن ثم بعد تقريبا ثلاثة قرون جيء إلى المكان الذي صلب فيه عيسى على حسب زعمهم الفرقتين وإلا عيسى رفع فجاء رجل أظنه راعي أو غيره فوجد خشبة تمسح بها كأنه كان به مرض فبرئ فدل الناس على المكان في وقتها كانت النصارى لهم سلطان فجاء الإمبراطور أو الملك أو السلطان آنذاك فبنى كنيسة على ذلك المكان فالكنيسة إلى اليوم موجوده في أرض فلسطين يسمى كنيسة القيامة لأنهم يزعمون أن عيسى عليه السلام منها سيقوم مرة أخرى على أنه مخلص وتسمى كنيسة القمامة لأن اليهود كانوا يرمون القمائم عندها إهانة لعيسى وكما قلت هذه الكنيسة موجوده إلى اليوم في أرض فلسطين وهي معظمه وفيها تصاوير وغيرها في هذا المكان يزعم النصارى أن عيسى سيعود مرة أخرى الله جل وعلا يقول : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا*بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما } وقال { وإنه } أي عيسى { لعلم لساعة } أي علامة من علامات وأمارات الساعة ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام ، النبي عليه الصلاة والسلام كانت تأتيه النصارى أيام مكثه صلى الله عليه وسلم في المدينة وكانت تأتيه وفود عدة نصارى و غير نصارى هؤلاء الذين يأتونه أخلاط منهم من يؤمن بالنبي إذا لقيه فينتفع وربما انتفع قومه من وراءه ومنهم والعياذ بالله من لا يقبل ومنهم من يقبل لكن لا يقبل الإسلام يقبل الجزية يقبل الهدنة يقبل السلم مثل نصارى نجران وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه الناس يردون على مورد واحد ويختلف الناس من انتفاعهم بالشئ الواحد رغم أن الكلمة أو الموعظة أو المحاضرة أو الكتاب يقرؤه جم غفير لكن استفادة الناس مما يقرأونه يختلفون فمثلا في قرية موجوده إلى الآن أو محافظة ـ لا يغضبون مني ـ اسمها جواثه في الأحساء أنا مررت عليها لكني لم أزرها هذه المنطقة جاء(2/5)
منها وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا وقبلوا الإسلام وأذن لهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلوا جمعة فلما عادوا إلى ديارهم بجوار الهفوف الآن تقريبا لا تبعد كثيرا عنها بنوا مسجدا وأقاموا جمعة فما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جمعة تقام في الأرض إلا جمعتان جمعه في مسجده صلى الله عليه وسلم ولا تقام جمعه في قباء ولافي القبلتين مسجد بني سلمه آنذاك وتقام جمعه أين ؟ في جواثه فهي ثاني جمعه أقيمت في الإسلام ثم يمكن بعد ذلك كثرت الجمع لكن هي ثاني جمعة في محافظة جواثه وأصحابها وأهلها إلى اليوم يفتخرون بها يقولون :
والمسجد الثالث الشرقي كان لنا
والمنبراني وفصل القول في الخطب
أيام لا مسجد لله نعرفه
إلا بطيبة والمحجوج ذو الحجب(2/6)
يعني يقولون ماكان فيه مساجد إلا مسجد مكة يصلي فيه من لم يهاجر خفية ومساجد طيبة لا يوجد إلا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، مسجد قباء ، مسجد القبلتين المساجد التي كان موجود مساجد بني الأشهل لكن غيرها لا يوجد في الأرض غير في طيبة غير مكة إلا عندنا وحق لهم أن يفتخروا هذا استطراد في أنهم انتفعوا بقدومهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، نصارى نجران عندما قدموا صلوا جهة الشرق وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنهم لأن النصارى إلى اليوم يعظمون جهة المشرق لأن مريم عندما خرجت من بيت لحم اتجهت مكانا شرقيا كما أخبر الله ثم إنهم الله جل وعلا حتى يدعوهم أثنى أولا على البيت الذي يعظمونه هم يعظمون مريم وكفيلها زكريا وأبوها عمران قال الله جل وعلا : { إن الله اصطفى آدم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين*ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم * إذ قالت امرأة عمران.... } قص الله الخبر حتى يستدر قلوبهم وليبين أن الدين لم يرد به مواجهة الناس وإنما هداية الناس ثم قال الله بعد ذلك : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون*الحق من ربك فلا تكن من الممترين } فلما قام الله عليهم الحجة قال سبحانه : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم.... } وأتت آية المباهلة. الذي يعنينا لكن النصارى أولئك قبلوا الجزية ولم يدخلوا في الإسلام ثم توالت السنون إلى أيامنا هذا ظهرت النصرانية بقوة في أوروبا سينزل عيسى ابن مريم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام ( سينزل عيسى ابن مريم شرقي المنارة البيضاء شرقي دمشق ) وقال : { فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع كأن فيه بلل فيه قطر وإن لم يتوضأ } وهذا بيناه في الدرس الماضي بعد ذلك بعدما ينتهي الدجال يحكم عيسى بالقرآن لا بالإنجيل لأن الله قال في كتابه
{(2/7)
ومهيمنا عليه } على كل كتاب قبله فيكسر الصليب الذي هو شعار النصرانية المحرفة وقلنا إن الصليب لم يعرف إلا بعد ثلاثة بعد ثلاثة قرون من قتل عيسى فيكسر الصليب الذي هو رمز النصرانية المحرفة ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام ولا يعد هذا الفعل من عيسى نسخا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لأن النبي عليه السلام أخبر أن عيسى سيصنع هذا فالجزية موجوده في ديننا لكن عيسى إنما يعمل بالإسلام لأن النبي أخبر أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب حتى ينزل عيسى فالذي قال إن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب حتى ينزل عيسى هو نبينا صلى الله عليه وسلم فليس صنيع عيسى بناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لأن شريعته عليه السلام آخر الشرائع وناسخه ما قبلها ينزل عيسى .(2/8)
بعد ذلك بفترة يخرج الله يأجوج ومأجوج الناس في زمن عيسى وهذا نؤجل الحديث في يأجوج ومأجوج نتكلم سريعا حتى نتكلم عن الناس في زمن عيسى يخرجون قبائل يأجوج ومأجوج من ردم بناه عليهم ذو القرنين قال الله جل وعلا : { ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا* قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } بنى الردم ثم هؤلاء يخرجون يخرجون بقدر الله في آخر الزمان { حتى إذا فتحت يأجوج مأجوج } وقد تكلمت في هذا المسجد المبارك كثيرا عنهم الذي يعنينا أنهم يخرجون يفروا عيسى والمؤمنون الذين معه إلى جبل الطور يمكث هؤلاء يفسدون في الأرض يشربون بحيرة طبرية يكون منهم ما يكون ثم إن عيسى يدعوا عليهم فيبعث الله عليهم أول الأمر دودا في رقابهم يموتون فرسا جمع فريس مثل قتلى جمع قتيل يموتون كلهم في وقت واحد ثم يبعث الله جل وعلا طيرا تحملهم تلقيهم في البحار ثم ينزل الله مطرا ليس لأهل زرع ولا لأهل ضرع يغسل الأرض من نتنهم ثم ينزل عيسى والمؤمنون الذين معه هنا تطيب الحياة حقا وتمر الأرض كأرض بأفضل أيامها لأن الله يأمر الأرض أن تخرج بركتها كأن فيها ردا والعلم عند الله على ماكان يصنعه الدجال وينزع الله حمة كل ذي حمة أي كل صاحب أذى يخلص منه الأذى يقول عليه الصلاة والسلام : { عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزوا الهند ـ وهذه لا أعلم كيفيتها ـ وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم } لأن هذه الفئة التي تكون مع عيسى ابن مريم يبين لهم عيسى ابن مريم درجاتهم في الجنة مكثوا أربعين يوما يحاربون الدجال عصمهم الله جل وعلا من الدجال فإذا مكن عيسى أخبرهم بدرجاتهم في الجنة ويقول صلى الله عليه وسلم يخبر انصراف الناس عن الدنيا يقول { حتى تكون السجدة للرجل خير من الدنيا ومافيها } لأن المؤمنين آنذاك يرون قرب الساعة لأنهم يعيش بين أظهرهم(2/9)
عيسى ابن مريم وهم على يقين أن الساعة قريبة وأن الأمر حق فهم يرون نبيا من أنبياء الله يمشي بين أظهرهم فيتفرغون للعبادة ولو شغلت أحدهم بالدنيا لم ينشغل لأن الأمور هناك يقينيات وآيات ظاهرة فأحدهم لا يقبل أن يترك السجدة أبدا لأنه يبحث عما يزيد من درجاته في أخراه هؤلاء قلنا ينزع الله حمة كل ذي حمة ثم يمكث عيسى في الأرض أربعون عاما هل هي داخلة فيما مكثه قبل هل هي قبل خروج يأجوج ومأجوج لا أدري لكن قال صلى الله عليه وسلم { أربعون عاما } فيمكث أربعون عاما قال صلى الله عليه وسلم : { طوبى للعيش بعد المسيح } أي بعد أن يؤمن الله جل وعلا للمسيح من يأجوج ومأجوج ثم بعد ذلك يموت عيسى ابن مريم { كل نفس ذائقة الموت } ثم تتوالى بقايا أشراط الساعة سيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى يوم غد تتوالى تباعا حتى تطلع الشمس من مغربها ثم تكون نار تحشر الناس إلى أرض المحشر .
هذا ما تيسر إيراده وأعان الله على قوله بإجمال حول أشراط الساعة الكبرى وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العلمين .
" طلو ع الشمس من مغربها "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .(2/10)
فكنا وما زلنا بحمد الله وتوفيقه نتحدث عن بعض أشراط الساعة الكبرى وانتهينا في لقاء الأمس إلى نزول عيسى ابن مريم ثم خروج يأجوج ومأجوج ونعقب على ذلك قبل الدخول على بعض تلك الأشراط أننا نبين أن يأجوج ومأجوج هم بشر من ذرية آدم هذا هو الأصل والله جل وعلا يقول في القرآن عن نبيه نوح { وجعلنا ذريته هم الباقين } فهم أهل العلم من هذه الآية أن الله جل وعلا حصر ذرية بني آدم بعد الطوفان في أبناء نوح ولهذا يقول بعضهم إن نوحا عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية والمشهور عند أهل الأخبار أن نوحا ترك أربعة كنعان ويافث وسام وحام فيقولون إن كنعان هو الذي غرق ولاريب أن أحد أبناء نوح قد غرق بنص القرآن لكن هل هو كنعان أو غيره هذا علمه عند الله جزما لكن هذا المشهور عند أهل الأخبار والسير أن الذي غرق هو كنعان فبقي ثلاثة هم يافث وسام وحام الخلاصة من هذا أن يأجوج ومأجوج عند أكثر أهل العلم أنهم من ذرية يافث ابن نوح على نوح الصلاة والسلام وأن هؤلاء القوم كانوا متشبعين بقضية الهمجية والمقصود بالهمجية هنا ليست اللفظة العامية الدارج وإن كان قريبا لكن المقصود أنهم غير ذوي بناء حضاري فهم يفعلون الشئ لمجرد الفعل كما وجد في بعض العصور من التتار لما دخلوا بلاد الإسلام بعضهم كان يقتل بمجرد القتل وإلا في الحروب بين الدول كفرعون مثلا عندما أراد أن يبطش كان يبطش بطشا حضاريا فكان يقتل الغلمان ويستبقي النساء للخدمة ولما رأى التضرر الأقباط أهل مصر من قتل الغلمان أبقى على بعض الغلمان فكان يقتل عاما ويترك عاما حتى ينشأ خدم للقبط فهذا أيا كان فيه من الإسراف والعلو والفساد في الأرض إلا أن فيه شيئ من حظوظ النفس يعني أبقى لحظ نفسه أما هؤلاء يأجوج ومأجوج ومن في فكرهم فكانوا يقتلون لمجرد القتل لا يتركون أحدا فنقل عن بعض من داهموا مع جنكيز خان وأمثاله أنهم كانوا يقتلون الطفل الرضيع يقتلون المرأة يقتلون الرجل يقتلون الشاب لا(2/11)
يتركون أحدا يقتلون لمجرد القتل ولو كانوا ذوي عقول لستبقوا النساء على الأقل لتمتع بهم وإن كان حراما لكن يدل على أنه هناك شيئ من حظوظ النفس يبحث عنها المرء لكنهم لعدم فقهم لعدم عقلهم يفعلون سفك الدماء لمجرد سفك الدماء الذي يعنينا أن هؤلاء ما يمكن أن يقال عن أن يأجوج ومأجوج من نسل يافث بن نوح في ردم كما بينا بالأمس بناه عليهم ذي القرنين ملك صالح هل هو نبي أو غير نبي اختلف فيه ولا يوجد نص قاطع بل ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لا أدري أكان ذو القرنين نبيا أم لا } الله جل وعلا إذا أراد شيئا هيأ أسبابه فلو علم الناس بمكان يأجوج ومأجوج ولو من باب التطفل الحضاري لذهبوا إليه لكن الله جل وعلا أخفاه قد يقال إنه قريب من ولاية جورجيا في الإتحاد السوفيتي سابقا هذا أكثر ما قاله أهل العلم بالجغرافيا والنظر في الأبحاث لكن يبقى الأمر ظنا ردم عليهم ذو القرنين حتى لا يخرجوا وهم متشغفون والهون للخروج سيأتي عليهم يوم يخرجوا فيه يحفرون كما قال صلى الله عليه وسلم حتى يأتي اليوم الذي قال الله فيه { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون } وقد بينا بالأمس خروجهم ، عيسى بن مريم قلنا إنه بعد خروج يأجوج ومأجوج يطيب العيش بعد المسيح والذي يظهر والعلم عند الله وقلت هذه أمور غيبيه لا يمكن لأحد أن يجزم فيها بشيئ تفصيلا إلا بما دل عليه خبر صحيح صريح عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم لكن نقول إن ظاهر الأحاديث يدل على أن عيسى عليه السلام يستوطن الحجاز لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :(2/12)
فج الروحاء باق إلى اليوم قبل المسيجيد والذهاب إليه حاجا أو معتمرا غالب الظن أن يكون الخروج من أين ؟ من المدينة يكون الإحرام من الميقات من ميقات المدينة لأن لو أراد أن يحج أو يعتمر ابن مريم عليه السلام إلى البيت العتيق من بلد غير المدينة لن يمر بفج ؟ لن يمر بفج الروحاء فعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده } والحديث صحيح {ليهلن ابن مريم من فج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما } أي يجمع بينهما المقصود من هذا هذا أمر يدل على استقراء الأمر في الحجاز على الأقل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم { طوبى للعيش بعد المسيح }وأي أمر يصل إلى تمامه وكماله فهذا في الغالب مؤذن بنقصانه ويقال تقرب زوالا إذا قيل تم تقرب زوالا إذا قيل تم فحتى البدر إذا اكتمل هذا إذن ببدء تناقصه بعد ذلك فعندما تصل البركة في الأرض إلى أنها تنزع حمة كل ذي حمة وأن الإنسان لو أنبت على الصفا لأنبت لو غرس بذر في الصفا حجر ملساء لأنبتت لأن الله يأمر الأرض أن تخرج بركتها لا يبقى بعد ذلك شئ ينتظره الناس يبقى الناس في الزوال فتأتي أشراط وعلامات أخر يموت عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ثم يبدأ فناء الكون كما قلت تدريجيا سنذكر بعضا من أشراط الساعة الكبرى وأنا لا ألتزم بقضية تقصي مسألة الترتيب لأنني قلت أن العنوان في الدروس بعض أشراط الساعة الكبرى من أهمها طلوع الشمس من مغربها الشمس معلوم أنها خلق من خلق الله الله يقول في القرآن { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } وطلوعها من المشرق وغيابها في المغرب أمر متحقق يراه كل ذي عينين منذ أن كان الناس وقد حبسها الله ليوشع ابن نون كما في الخبر الصحيح يقول شوقي :
قفي يا أختا يوشع أخبرينا
أحاديث القرون الغابرينا(2/13)
هذا شاعر أديب ينظر إليها نظرة أدبية يقول أنتي في علو والأحداث تقع في الأرض وأنت تراقبينها فأنت أعلم بما وقع من أحداث وخطوب وجرى في قصص التاريخ تحت منظرك وعينيك الغاية من هذا أن الشمس خسفت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كسفت في عهد النبي كما في حديث أبي موسى وغيره عند البخاري أبو موسى رضي الله عنه صحابي معروف لما عبر قال كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعا إلى المسجد يظنها الساعة أو خوفا من اقتراب الساعة فصلى بأطول قيام وسجود وركوع يفعله قط الذي هو صلاة الكسوف.
ـ أين الإشكال في الحديث؟
الإشكال أبا موسى رضي الله عنه عبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة وأبو موسى صحابي جليل لايمكن أن يتجرأ أن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة دون أن يرى شيئا في النبي صلى الله عليه وسلم جعله يجزم بهذا القول وهو أن النبي ظنها أن تكون الساعة.
ـ كيف أجاب العلماء عن هذا ؟(2/14)
بعضهم يقول إن النبي يعلم أنها ليست الساعة لكنه قام فزعا خشي أن تكون الساعة لأن الله جل وعلا لم يخبره بعد بعلامات الساعة وهذا التخريج ممكن أن يكون مقبولا لولا إشكال آخر والإشكال الآخر يقول إن خسوف الشمس أو كسوفها التعبير كلاهما صحيح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم وإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم اتفق أهل الأخبار على أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة أي أن هذا الحدث بتعبير موجز وقع متأخرا جدا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فيبعد أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن قد علم بعد بأشراط الساعة ولا أخبر عنها وإنما قال الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه وهو قول نجد أنه الأقرب الأقوال إلى الصواب قال : لعله صلى الله عليه وسلم قام فزعا أن تكون هذه مقدمة لأشراط الساعة كطلوعها من مغربها لأنه إذا ظهر علامة كبرى منها فإن تتابع الباقي يكون على أثرها يعبر عنها العلماء بأنها كالسُبحة إذا انفطرت تتابع خرزها الذي يعنينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعا وهذا مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم عظمة قيام الساعة وقد قلنا فيما مضى أن العبرة من هذا التدريس والخوض في أشراط الساعة ينبغي أن يكون في المقام الأول أن يبعث الإنسان على العمل الله يقول : { والذين ءامنوا مشفقون منها } أي من وقوع الساعة بخلاف الذي لا يؤمن بها أصلا لو أخبرته ما أخبرته عن الساعة لا يبالي ولا يسعى إلى عمل وإنما العبرة بالعمل لأن الذي عليه مدار النجاة هو الإيمان والعمل الصالح بعد رحمة الله تبارك وتعالى.(2/15)
تطلع الشمس من مغربها الله يقول : { يوم يأتي بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} عندها تنقطع مسألة التوبة فلو أن أحدا تاب وندم وفزع ورجع فهذا لا يقبل نسأل الله العافية كما أنه وهذا على وجه العموم لاتقبل التوبة إذا بلغت الروح الحلقوم فإن الله جل وعلا لا يقبلها من صاحبها لأنه قد عاين الموت ورءاه ومن رأى الموت عيانا وغرغرت روحه وبلغت الحلقوم لو تاب لا يقبل الله جل وعلا توبته نعود لقضية الشمس فإذا طلعت من المغرب ورآها الناس من المغرب لم يبقى شئ يمكن أن يخوفوا به أو علامة أو أمارة تدل على قربها أعظم من هذا فربما آمن أقوام فلا يقبل الله جل وعلا إيمانهم يتبع ذلك أو يسبقه لا ندري على التحديد خروج الدابة الله يقول : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } وقوله تبارك اسمه وجل ثناؤه تكلمهم هذا صريح واضح جداً في أن هذه الدابة تخاطب الناس وجاء في حديث صحيح أنها تسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون أي يكبرون طبعا ينقطع أثرها فيأتي الرجل يشترى الثوب فيسأل ممن اشتريته؟ فيقول اشتريته من ذلك الموسوم أي من ذلك الرجل الذي عليه وسلم على خراطيمه أي على أنفه فتسم الناس تسم المؤمن أو تسم الكافر أي تميز أهل الكفر من أهل الإيمان ولاريب أن هذه علامة كبرى جداً تدل على قرب قيام الساعة.
ـ من أين تخرج ؟
لم يرد نص صريح لكن نقل عن ابن عمر إن صح السند أنها تخرج من جبل الصفا وهذا إن صح الإسناد فقول ابن عمر أحب إلينا من قول غيرهم وإن لم يصح الإسناد والعلم عند الله فالله أعلم من حيث تخرج لكن أياً كان الأمر فإن الله أخبر بخروجها ونحن نؤمن بخروجها لأن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك. ـ من علامات الساعة الكبرى هدم الكعبة.(2/16)
والكعبة رفع قواعدها خليل الله إبراهيم كما هو معلوم.وجعل الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا كما جعل توحيده حرزا للناس وحصنا هذه الكعبة تبقى شامخة يحجها الناس تعرضت في القرن الرابع إلى القرامطة لكنهم لم يهدموها إنما سلبوها الحجر الأسود ومكث عندهم عشرين عاما إلا أيام ثم أعيد الحجر على مشهد من الناس والعلماء عرفوه ورد الحجر مكانه وأهل التاريخ يقولون إن الحجر حمل إلى هجر إلى البحرين المقصود بالبحرين شرقي المملكة الآن بالتعبير القديم هذه الحجر حمل على عشرين أو أربعين جملاً حتى وصل به إلى تلك المنطقة وعندما أعيد أعيد فقط على جمل واحد بقى قادرا على السير من تلك المنطقة إلى مكة والآن أنتم تقبلون الحجر وأنا هذا قلت هذا في دروس كثيرة في القنوات وفي غيرها الآن الموجود الحجر مقسم حوالي خمس أو ثمانية قطع مثل التمر تقريبا زي التمرة يكبر ويصغر لو دققت النظر في نفس الحجر تجده قطع أشبه تماما بالتمرات لكنها تقل وتكبر من واحدة إلى أخرى مجموع ما هو فيه على علمي الآن أنها ثمانية قطع هي ما تكسر جمع في إناء واحد في غلاف واحد في إطار واحد ثم وضع في جوف الكعبة أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الكعبة تهدم يهدمها ذو السويقتين من أرض الحبشة قال عليه الصلاة والسلام { كأني أنظر إليه أصيلعا أفيدعا يستخرج كنوزها ويسلبها حليها يهدمها حجرا حجرا } وهذا يقع بقدر الله لأن قلنا إن الأمور إلى زوال فتهدم فلا يحج إلى البيت بعد ذلك ولا يعتمر فلا يبقى إلا شرار خلق الله عبادة الله مرتبطة بالعلم الناس إذا كانوا في جهل لا يمكن أن يعبدوا الله فإذا وجد علم عبد الله هذه الأحداث يكون بسببها بلا شك موت العلماء فقد العلم لا يوجد تدريس إذا الكعبة تهدم فلا يوجد تدريس لا يوجد علم فإذا لا يوجد تدريس لا يوجد علم لا يوجد شيء يعبد الله به لأن الله جل وعلا يعبد على بينه وإنما يبقى أشياء بسيطة من الدين فيبقى أناس لا يعرفون من الدين إلا(2/17)
كلمة لا إله إلا الله فقيل لحذيفة رضي الله عنه تنفعهم هذه ؟ قال نعم تنفعهم لماذا تنفعهم ؟ لأنهم أصلا لم يبلغهم من الدين إلا لا إله إلا الله وهم يقولون لا إله إلا الله لكن حتى الصلاة لا يصلون ليس معنى أنهم لا يصلون يعرفون الصلاة ولا يصلون هذا لا يعقل بل يعتبر كفرا عند بعض العلماء لكنهم لم يبلغهم شيء أن هناك شيئا اسمه صلاة لكن بلغهم من دين الله لا إله إلا الله ثم حتى هؤلاء يموتون تقبض أرواحهم فتعبد الأوثان من جديد يقول عليه الصلاة والسلام " تضطرب إليات نساء دوس عند ذي الخلصة" هذه الخلصة/ صنم كان دوس تعظمه في الجاهلية ودوس الآن أنا كنت فيها في الصيف الذي مضى عامره بالطاعات فيها حلقات تحفيظ وفيها مخيمات وألقيت فيها ولله الحمد دروس وأتاها غيري من الفضلاء من العلماء وغيرهم عامره بالإيمان والطاعات ونشر الدين لكن هذا مثل ضربه النبي $ ليس الوثنية محصورة في دوس وإنما ستعم لكن النبي $ ضربه لشيوع وثنيتهم في آنذاك في الجاهليه قبل بعثه النبي $ الذين منهم عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الصحابي الجليل المعروف الذي يعنينا يعود الناس لعبادة الأوثان ومع ذلك يقول $ { أنهم في خير وعافيه } يعني يرزقون يعجل الله لهم طيباتهم يرزقون ويمطرون ويغاثون وهم في رغد من العيش رغم أنهم يعبدون الأوثان فلا يجري عليهم أحكام من عصى الله يعذب في الدنيا لأن الأمر إلى زوال ثم تحدث أمور وأمور يطوى وش الإسلام كما قلنا ويرفع القرآن في ليلة وتهدم الكعبة هذا قبل أو بعد كل هذا متقارب بعضه من بعض حتى يأمر الله ملكا من ملائكته يقال له إسرافيل وهو الآن قد أصغى أذنه وحنى رقبته والتقم الصور بيده ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ فيأمره الله فينفخ فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم يأمره بعد أربعين يوما أو سنه أو شهرا أن ينفخ فينفخ فيقوم الناس لرب العالمين وهذا إن شاء الله سنتكلم عن الموت والبعث والنشور هذا ما تيسر(2/18)
إراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين ....
( الموت )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فنستأنف ما مكنا قد توقفنا عنده من بعض أشراط الساعة الكبرى وانتهينا إلا أن الله جل وعلا يأمر ملكا يقال له إسرافيل أن ينفخ في الصور فينفخ فتلك نفخة الصعق لكننا لا نستطيع أن نتجاوزها ونتكلم عن البعث والنشور دون أن نتكلم عن الموت لأن من مات فقد قامت قيامته ختم الله لي ولكم بخير على أننا نستصحب أن نحن نتحدث في هذا اللقاء تحدثاً علميا معرفيا لا تحدثا وعظيا في المقام الأول فنقول وبالله التوفيق:
الموت باختصار انقطاع تعلق الروح بالجسد والله جل وعلا خلقنا أجسادا وأرواحا أبونا آدم خلق جسدا قبل أن يخلق روحا فيما هو ظاهر القرآن لأن الله جل وعلا نفخ فيه بعد أن خلقه جسدا وأخرجنا من ظهره أرواحا فكنا في عالم الأرواح الأول أما بنوا آدم الذين ينسبون إليه فإن الله خلقهم أجسادا قبل أن يخلقهم روحا فإن الإنسان يكون جنينا في بطن أمه حتى إذا تم له أربعه أشهر أمر ملك أن ينفخ فيه الروح فما الموت قلنا؟(2/19)
بانقطاع هذه الصلة التي بين الروح والجسد وإلا الروح نفسها يعني لا تذهب ذهابا كليا إنما تخرج من الجسد فإذا خرجت من الجسد خروجا كليا سمي هذا موت فأصبح هذا الجسد لا حراك فيه البته ولا تجري عليه أقلام التكليف التي تجري على من الروح مقترنة به فما كان له من أموال أو عقار أو ما إلى ذلك لن يكون في سلطانه وينقطع بذلك عمله إلا ما استثناه الشرع كما قوله $ { صدقه جاريه و علم ينتفع به وولد صالح يدعو له } وأمثال ذلك قال عليه الصلاة والسلام { إن الروح إذا صعد تبعه البصر } الذي يعنينا أيها المباركون هذا الموت باختصار هذه الساعة لا بد منها تسمى اللحظات التي قبلها تسمى سكره قال الله في القرآن { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } ما كنت منه تحيد: أي ما كنت منه تفر وهذا يدل على أن النفوس جبلت على أنها في الأصل تحاول الفرار من الموت يعني لا يذهب أحد إلى الموت طواعية ولهذا قال الله { ذلك ما كنت منه تحيد } ساعة كنت تحيد عنها لكن لابد من إتيانها هذه الساعة ضرب الله لها موعدا لايمكن أن يؤخر ولايمكن له أن يقدم { فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون } وهذا يعطي الإنسان نوعا من الطمأنينة لأن الموت نفسه هو واق للإنسان لأن الإنسان لايمكن أن يموت قبل حلول أجله أبدا هؤلاء الذين كلفوا بوضع الروح في الجسد قلنا إنه ملك فكذلك الذي ينزعها ويقبضها ملك إلا أن الأول الذي يضع الروح لم يذكر في القرآن أوفي السنة أنه له أعوان أما الآخر وهو ملك الموت فقد جاء في القرآن والسنة ما يدل على أن له أعوانا قال الله جل وعلا : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } { وقال حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } فقوله سبحانه {رسلنا} دلالة جمع وهو ملك له أعوان . يبقى الجسد هذا الجسد إذا قبضت منه الروح قلنا أصبح لاحراك فيه ولذلك لا يضره شيء .(2/20)
قالت أسماء بنت أبي بكر لعبد الله بن الزبير لما ذكر لها في حربه مع الحجاج أنه بلغه أن الحجاج يمثل بقتلاه قالت يابني وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها لأن الجسد إذا خرجت منه الروح لا يضره شئ أيا كان فهذا الجسد له عالم منفك عن عالم الروح ثم تعود الروح تتصل إليه وهو في حياة البرزخ لكن قبل أن تتصل فيه السنة أن تغمض عينا الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض عيني عثمان بن مظعون وقبله وبكى قالت عائشة حتى رأيت الدموع تسيل والصديق رضي الله عنه قدم من موطنه بالسناح لما بلغه موت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل دار ابنته عائشة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم فعرف أنه ميت فقبله وهو يبكي فتقبيل الميت مشروع جائز بل قد يصل إلى أن نقول أنه سنة في بعض الأحوال لفعل النبي $ وفعل أبي بكر .(2/21)
قلنا تغمض عيناه ثم بعد ذلك يجرد من ثيابه التي مات فيها ويغسل وهذا فيه تكريم للميت قال الله {ولقد كرمنا بني آدم } فكرمهم وهم أحياء بما يليق بهم وكرمهم جل وعلا وهم موتى بما يليق بهم وقال الله {ثم أماته فأقبره}وغسل الميت فرض كفاية وأولى الناس بغسل الميت وصيه أي من وصى الميت أن يغسله وقد أوصى الصديق رضي الله عنه وأرضاه عند موته أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وأنس بن مالك رضي الله عنه أوصى عند موته أن يغسله محمد بن سيرين معبر الرؤى المعروف وكان يومها مسجونا محمد هذا ثم أخرج من السجن فغسل أنسا رضي الله عنه ثم أعيد به إلى السجن وإذا خرجنا في استطرادا يعني قلنا الكلام معرفي محمد بن سيرين هذا كان يعبر للناس الرؤى ويقول يحصل كذا ويحصل بقدر الله وإن صدقت رؤياك يحصل كذا فيقع بقدر الله فجاءه رجل ذات يوم قال رأيت أحد الرجال في ساقه نبت شعر فقال محمد بن سيرين وهو لا يدري فيمن رأت الرؤيا يعبر عن الرؤيا أيا كانت المرئية فيه قال هذا رجل يركبه دين فيسجن فيموت في سجنه هذا رجل يركبه دين فيسجن بسبب الدين ثم يموت في سجنه فقال له السائل لقد رأيتها فيك يعني رأيت في المنام أنك أنت محمد بن سيرين نبت على ساقك شعر فوقع الذي عبر به سجن ركبه دين ثم سجن ثم مات رحمه الله تعالى عليه في سجنه في أيام سجنه مات أنس بن مالك وكان أنس يعرف صلاح محمد بن سيرين وأنس ممن عُمِّر من الصحابة يظهر أنه في وقته لم يكن في بلدته أحد كثير من الصحابة فأوصى أن يصلى عليه التابعي الجليل محمد بن سيرين موضع الشاهد أن الميت أولى الناس بغسله من وصى الميت أن يغسله أما إذا رجعنا للشرع يعني إذا لم يكن الميت قد أوصى فلا شك أن عصبته الأب ثم الجد ثم الابن ثم باقي العصبة الأقرب فالأقرب والنبي عليه الصلاة والسلام لم يوصي من يقوم بغسله فغسله أهل بيته علي والعباس وابناه قثم والفضل وأسامه لأنه مولاه وشقران لأنه مولى و أوس بن خولي قلنا أنه أنصاري(2/22)
دخل غسل النبي $ شهد الغسل لكنه لم يباشر ثم بعد ذلك يكفن واستطراد فقهي كذلك الذكر والأنثى لا يجوز لأحدهما أن يغسل الآخر إلا في حالتين في حالة الزوج والزوجة فيجوز للزوجة أن تغسل زوجها كما قلنا أن أسماء غسلت أبا بكر ويجوز للرجل أن يغسل زوجته ولا أعلم أن هذا وقع لكنه جائز شرعا لأن النبي $ أخبر به عائشة كذلك الحالة الثانية إذا كان أحد الميتين ذكرا كان أو أنثى كان دون سبع سنين فيجوز أن تغسله امرأة أو يغسله رجل لأنه مادون سبع سنين لا يعتبر أن له عورة يخشى من نظر الآخر إليها إذا غسل الميت كفن فإذا كفن يستحب أن يكفن في أثواب بيض و أن تكون جديدة إلا شهيد المعركة الذي يموت في أرض المعركة فهذا لا يغسل ولا يصلى عليه و إنما يدفن بثيابه لأن النبي $ دفن شهداء أحد بثيابهم المبرجه بدمائهم وقال أنا شهيد على هؤلاء ولم يصلي عليهم $ ولم يكفنهم قلنا إلا شهيد المعركة كذلك السقط يصلى عليه وسيأتي الوصول إلى الصلاة ثم قلنا يكفن ثم بعد ذلك يدفن إما لحدا وإما شقا واللحد أفضل ومعلوم أن اللحد يكون تجويف في القبر وأيا كان الميت ذكرا كان أو أنثى وأيا كان القبر لحدا كان أو شقا بعد الصلاة عليه يوجه به إلى القبلة لأن النبي $ ذكر البيت الحرام بعد أن ذكر الكبائر قال {واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا }فقوله عليه الصلاة والسلام في البيت الحرام قبلتكم أحياء أي حال الصلاة حال الدعاء وقوله أمواتا لم يتبقى إلا حال الإحتضار وحال الدفن والبراء بن معرور رضي الله عنه وأرضاه لما مات أوصى من حوله أن يوجهوه للقبلة وأوصى بثلث ماله للرسول $ فلما مات وبلغ النبي $ هذا الخبر قال عليه الصلاة والسلام أصاب الفطرة أصاب الفطرة في أنه اختار أن يوجهه إلى القبلة ورددت ثلث ماله عليه أي لم يقبل $ ذلك حتى ينتفع به أهله نعود إلى ما كنا عليه نقول بعد التكفين يصلى على الميت والصلاة على الميت فرض كفاية فالميت إن كان صغيرا لا يدعى له(2/23)
بالمغفرة لا يستغفر له لأنه شافع غير مشفوع فيه لأنه شافع غير مشفوع فيه هو يشفع لأهله ولم يجري عليه قلم التكليف حتى تكون هناك ذنوب فيستغفر له وأما إن كان كبيرا فلا شك أنه حري بأن يستغفر له وما أحوجه إلى ذلك وقد جاءت في ذلك أدعيه المقصود منها جملة الاستغفار للميت وقد قلنا إن الشهيد لا يصلى عليه ويصلى على غير ذلك من موتى المسلمين أيا كان حالهم قبل الوفاة إن كانوا من أهل الإسلام يصلى عليهم ثم يدفنون وقلنا إن اللحد أفضل من الشق والنبي $ وضع في لحد تنصب ألبنة لبن على اللحد والنبي عليه الصلاة والسلام نصبت عليه تسع لبنات في قبره هذا المشهور ثم يحثى التراب على القبر بعد الصلاة عليه في هذا يكون الميت قد وُوري جسدا قال الله جل وعلا { ألم نجعل الأرض كفاتا*أحياء وأمواتا } والكفت في اللغة الضم والجمع هذه رحلة الجسد إلى مثواه الأخير أما رحلة الروح قلنا سيأتي في الحديث عن حياة البرزخ لينجم عن هذا كله الذي قلناه سردا سريعا أن الموت حقا لا مناص منه لكن الإنسان عند لحظات الموت عند الشعور بخروج الروح يصيبه شيء من التشبث بالحياة والتعلق بها لذلك الذين يعنون بالتحقيق في القضايا الجنائية التي يكون فيها انتحار يرون أحيانا إن كان الوضع الأمني يساعد أن الميت يحاول أن يرجع مرة أخرى عن قراره بالانتحار يرى بعض العلامات الدالة أمنيا على أن الميت حاول أن ينثني عن قراره لأنه إذا شعر بخروج الروح يتشبث بالحياة يصيبه شيء من الندم على صنيعه لكنه يكون قد دخل في عالم الموت ولا يسعفه الوقت أن يتراجع نقول الله جل وعلا جعل الدنيا مزرعة للأخرة قال الله تعالى عن عباده { يا ليتني قدمت لحياتي } فحتى لا يصيب الإنسان ندم ما دام في دار عمل يسعى في السعي الحثيث من الإكثار من الحسنات والاستغفار من السيئات حتى يلقى الله والله جل وعلا راض عنه والعرب تقول في كلامها : إن الندامة أربعه أحوال أو أربعه أمور :ـ(2/24)
ندامة يوم وندامة عام وندامة عمر وندامة لا تنقطع أبدا أما ندامة اليوم فيقولون إن الرجل يخرج وبإمكانه أن يتغدى في بيته على سنن العرب قديما يتغدون أكله واحده فيقول أجد من يضيفني أجد صيدا فيخرج ولا يتغدى فإن لم يجد غداء فيصيبه ندم على أنه لم يتغدى في بيته لكن هذا الندم لا يستمر أكثر من يوم إذا عاد غدا إلى بيته طعم وأكل فذهب الشيء الذي كان خائفا منه ثم يقولون ندم سنه ندم سنه تنطبق على المزارعين الزرع له إبان له وقت يزرع فيه فإذا جاء مزارع ولم يزرع الزرع في وقته فإنه يندم لأنه لم يستطيع أن يزرع تلك البذرة إلا في العام القابل في مثل تلك الأيام التي فرط فيها فهذا ندامة سنه يقولون ندامة عمر رجل تزوج امرأة ولم يجدها موافقة له وليس بإمكانه والناس يختلفون تطليقها فيبقى صابرا عليها العمر كله حتى يفرق بينهما الموت يموت أحدهما قبل الآخر ة وهذه الثلاث كلها فيها جبر على قول العامة يبقى الندم الذي لا ينقطع أبدا وهو ندم المرء عياذا بالله يوم القيامة على ما فرط في جنب الله فهذا الذي لا ينفع فيه التحسر ولا ينفع فيه الصبر { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } والله تبارك وتعالى حذر من هذا وقال { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون*إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون } فنقول إن الدنيا مزرعة للآخرة ينبغي للمؤمن أن يحصد العمل في رمضان وفي غيره حتى يلقى الله جل وعلا وقد كثرت حسناته وخفت سيئاته ويصبح أقرب إلى الفلاح منه إلى الخسران كذلك معرفة الإنسان أنه لن يموت قبل أجله هذا يدفعه كذلك لأن يبني إلى نفسه مجدا والمتنبي يقول :
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم(2/25)
الإنسان إذا كان يتوقع الحوادث ويخافها ويهابها لن يصل إلى مقصوده سيموت قبل أوانه إذا كان يتوقع الحوادث يتوقع الموت يصيبه الهلع والفزع هذا يموت قبل أن يموت حقا يموت كل يوم حتى يأتي اليوم الذي يموت فيه .
ودع التوقع للحوادث إنها
في الحي من قبل الممات ممات
يعني من قبل الممات الحقيقي تعد ممات .
واجعل رجائك دون يأسك جنة
حتى تزول بيأسك الأوقات
لولا مغالطة النفوس عقولها
لم تصفوا للمتيقظين حياته
الإنسان أحيانا لابد له من أن يتغافل في أشياء تقع على أنها لم تقع قيل للإمام أحمد أن فلانا يقول : تسعه أعشار العقل في التغافل قال أخطأ بل العقل كله في التغافل فيه ثمة أشياء لو يدقق فيها الإنسان لن يمشي خطوتين في الحياة لكن الإنسان يأخذ بالأسباب الظاهرة ويتوكل على العلي الكبير ويمضي ولن يقع إلا ما قدر الله وما كان لك سيأتيك على ضعفك وما لم يكن لك لن تناله بقوتك نعود لقضية الموت قلنا هذه رحلة الجسد رحلة الروح أرجئ الحديث عنها إن شاء الله تعالى إلى يوم غد لأنها متعلقة بحياة البرزخ لكن الذي يعنينا في هذا المقام قبل فناء تحكمنا في أجسادنا أن مازال الإنسان في دار عمل والله جل وعلا أنسأ له في الأجل فيسعى في كل عمل صالح رشيد يلقى به ربه تبارك وتعالى وفقني الله وإياكم لذالك وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله
سائلين المولى عز وجل الإخلاص في القول والعمل
***المُخبتات***(2/26)
"حياة البرزخ"
إن الحمد الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .(2/1)
فنستأنف ما كنا قد انتهينا إليه من أشراط الساعة وقلنا بعد ذلك إننا سنتكلم عن الروح والجسد لأن الجسد الروح هما اللذان بهما يحيا الإنسان فالله جل وعلا خلقنا أرواحاً وأجساداً فنقول لكل من الجسد والروح اتصال والموت في معناه الحقيقي انفصال الروح عن الجسد فإذا انفصلت الروح عن الجسد انفصالا كلياً هذا الموت الذي يعني الانتقال من دار إلى دار ومن مرحلة إلى مرحلة فالله جل وعلا خلق خلقه أطوار طور وهم أجنه في بطون أمهاتهم وطور في الحياة الدنيا وطور في حياة البرزخ وطور يوم يقوم الأشهاد وهذا هو يوم الخلود الأبدي أما رحلة الجسد فتبدأ بخروج الروح فإذا خرجت الروح أصبح الجسد لاحراك به لا يضره شيء فالسنة عندها أن يغمض عينا الميت فإذا غمضت عينا الميت كذلك يوضع شىء ثقيل على بطنه حتى لا ينتفخ ولو شد لحييه لكانا حسنا حتى لا يتغير هيئته ولا يحسن النظر إلى الميت لأنه ينتقل إلى حالة أخرى من التكوين والتصوير فلا ينطبع في الأذهان شيء ثم بعد ذلك جاء الشرع بفرض الكفاية وهو غسله وتكفينه ويتولى غسله قرابته نبدأ بالعصبة أبوه ثم جده ثم ابنه ثم باقي العصبة إلا إذا كان الميت قد أوصى فإن تغسيل الميت حق للميت فإذا أوصى الميت أن يغسله أحداً سما أحد بعينه فيقدم هذا الأحد الذي أوصى به الميت ولو كان ولو كان بعيدا وقلن إن الصديق رضي الله عنه وأرضاه أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس كما أن أنسا رضي الله عنه خادم رسول الله $ أوصى أن يغسله محمد بن سيرين وقلنا إن محمد بن سيرين هو أحد أئمة التابعين كان مشهورا بتعبير الرؤيا وهذا من الاستطراد وأنه رأى فيما يرى أنه جاءه رجل فقال له أيها الإمام أنني رأيت فيما يرى النائم رجل ما ولم يسمه وهذا الرجل نبت في ساقه شعر فما تأويل الرؤيا فقال محمد بن سيرين هذا رجل يركبه دين ثم يسجن ثم يموت في سجنه فقال له الرجل الرائي قال له رأيتها فيك فوقع الذي حكاه محمد في التعبير والتأويل فركب(2/2)
محمد بن سيرين دين ثم سجن ثم مات في سجنه في فترة سجنه مات أنس فأخرج من السجن وقام بغسله ثم أعيد إلى سجنه والساق وهذا استطراد آخر الله جل وعلا يقول في القرآن : { يوم يكشف عن ساق } وقال : { كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق } والعرب تقول :
كشفت...... عن ساقها أو عن سوقها(2/3)
وأياً كان المعنى من هذا أخذ العلماء أن الساق في الرؤيا في المنام تدل على الكرب والأمر والهول العظيم الذي يعنينا في هذا المقام أن الإنسان وصيه أولى بتغسيله من غيره ثم بعد غسله يكفن ولا يكون هناك إسراف في الكفن لكن يكفن في ثلاث أثواب إن كان رجلا وفي خمسة إن كانت امرأة تكون بيضاء يندب أن تكون بيضاء ونقية إما جديدة وإما مغسولة ثم يصلى عليه والصلاة على الميت من فروض الكفايات يلح الإنسان ويصدق في الدعاء للميت بحاجته إلى ذلك ويصلى على كل مؤمن بار أو فاجر إلا الغال من الحرب الذي يسرق من نائم أو من قتل نفسه فهذا إمام المسلمين أو من ينيبه الإمام كأئمة الحرم هؤلاء لا يصلون على هؤلاء لكن يصلي عليهم قراباتهم وعامةالمسلمين يصلون ومن قتل في حد كمن زاني رجم أو قاتل نفس قتل قصاصا أو ما أشبهه ذلك فهذا يصلى عليه حتى الإمام يصلي عليه لكن من قتل نفسه أو غل من حرب هذا لا يصلي عليه الإمام أو ذوي الهيئات أشراف الناس وكبار العلماء لا يصلون عليه لكن يصلى عليه عامة الناس وقرابته زجرا لغيره أن يصنع صنيعه ثم ينتقل الجسد إلى مرحلة أخرى وهي مواراته التراب الله يقول : { ثم أماته فأقبره } وقال : { ألم نجعل الأرض كفاتا*أحياء و أمواتا } سواء كان لحد أوشقا كل ذلك يصح المهم أن يوجهه إلى القبلة لقوله عليه الصلاة والسلام لما ذكر الكبائر قال {واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء و أمواتا } فيقرب الميت إذا كان القبر لحدا من جدار القبر القبلي ويوضع خلفه شئ من التراب حتى لا يرجع على ظهره يقرب من الجدار القبلي يلصق به قليلا بعد أن تحل أربطة الكفن ولا يكشف عن رأسه ثم تلصق ألبنة على الحد حتى لا يقع التراب عليه مباشرة ثم يحثى التراب على القبر كذلك فعل بنبينا $ ونصب عليه تسع لبنات صلوات الله وسلامه عليه .(2/4)
والقبر كلما كان أشبه برأس الخيمة مسنم أشبه برأس الخيمة أفضل من أن يكون مسطحا ما يصنع في بعض البلدان من إقامة الأضرحة والمشاهد على القبور كل هذا منهي عنه شرعا محرم لا يجوز أبدا فعله لا لعلي من الناس ذوي قدر كالرؤساء وغيرهم ولا من ولا لغيرهم من العامة وإنما يرفع القبر قليلا ليدل أنه قبر ولذلك المسلم إذا مات في بدار حرب لا يرفع قبره حتى لا يعرف أنه قبر حتى لا يتسلط عليه الأعداء فينبش قبره وإنما يسوى قبره بالأرض حتى لايمكن العدو من الوصول إليه غسل الميت مر معنا قلنا المرأة لا يغسلها إلا امرأة واستثنينا حالتين :(2/5)
الحالة الأولى / الزوج والزوجة فإنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها ويجوز للزوج أن يغسل زوجته وحديث أبي بكر الذي مر معنا أنه أو صى أن تغسله أسماء بنت عميس وأبو بكر رضي الله تعالى عنه جاء في وفاته روايتان رواية تقول : أنه حمى اغتسل في يوم بارد ثم أصابته الحمى فمكث مريضا خمسة عشر يوما ثم مات .(2/6)
ورواية أخرى لا تعارض مع الرواية الأولى أنه أكل هو والحارث ابن كلده طبيب العرب المشهور أكلا في يوم واحد من حساء حريره أعدته لهما امرأة يهودية فسم وأبو بكر ليس طبيا لم يدري فقال له الحارث بعد أن فرغ من الأكل كان طبيبا مشهورا والنبي أوصى بعض أصحابه يشتافوا عنده يمرضوا عنده قال له لقد أكلنا أنا وأنت سم سنة كاملة وهذا طب فمات أبو بكر والحارث ابن كلده في يوم واحد على الحول تماماً من نفس اليوم الذي أكلا فيه الطعام سويا وهذا يدل والله يقول : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } يدل على أن الحارث بن كلده كان ذا فراسة قوية في مسألة الطب في فترة مرضه رضي الله عنه وأرضاه أي أبو بكر جاءه الناس ألا ندعوا لك طبيب فقال كلمته المشهورة أتاني الطبيب فقال إني فعال لما أريد فعرف الناس مراده وسكتوا عنه حتى مات رضي الله عنه وأرضاه وهو ابن ثلاث وستين سنة عمر نبينا $ لكن النبي مات ضحى يوم الإثنين وأبو بكر مات بين صلاة المغرب والعشاء ليلة الثلاثاء نعود إلى ماكنا فيه من رحلة الجسد ثم قلنا إن هذا مستقر الأجساد في القبور لكن الميت قبل أن نغسله ننظر أصلا إذا كان الماء يؤثر يضره كمن يجمع أوصال أو حروق بحيث أنه لو غسل يتفتت الجسد هذا لا يغسل يعني نضع له التيمم فيمم الجسد يمسح على وجهه وكفيه كالتيمم المعروف وهذه الحالة كذلك تكون إذا انعدم الماء وتكون إذا امرأة ماتت وسط رجال ليس فيهم زوج لها أو رجل مات وسط نساء ليس فيهن زوجة له نلجأ إلى مسألة التيمم بدلا من غسله لا أعلم دليلا شرعيا يقول إن الجسد لا يبلى قال عليه الصلاة والسلام { كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب } يشتهر عند الناس أن الشهداء لا تأكل الأرض أجسادهم لكن لا أعلم في هذا دليلا شرعيا صحيحا عن النبي $ إنما المحفوظ أن أجساد الأنبياء هي التي لا تبلى قال $ لما ذكر يوم الجمعة قال : { فاكثروا فيه من الصلاة علي قالوا يا رسول الله كيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت(2/7)
قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } فلما سأل الصحابة دليل على أن الصحابة استقر في أذهانهم أن الأجساد جميعها تبلى ولو كانت هناك في ذهن الصحابة أن أجساد الشهداء مستثناة لبدهي جدا أن يقولوا أن لا يستغربوا من كون أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء لأن الأنبياء أرفع مقاما من الشهداء هذه رحلة الجسد الآن نأخذ رحلة الروح الروح أمرها عند الله لا يعلم كنها إلا الله نبينا عليه السلام مر على يهود قال بعضهم لبعض سلوه لا تسألوه يتشاورون ثم سألوه قالوا يا أبا القاسم ما الروح ؟
فاتكأ $ على عسيب نخل كان معه عبد الله ابن مسعود قال عبد الله فعلمت أنه يوحى إليه فأنزل الله جل وعلا عليه { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } ابن سيناء الفيلسوف يقول :
هبطت إليك من المحل الأرفع
وارقاء ذات تعزز وتمنع
هبطت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات توجع
يتكلم عن الروح أن الإنسان لا يختار روحه هذه عارضها شوقي بقوله :
ضمي قناعك يا سعاد أو ارفعي
هذه المحاسن ما خلقنا لبرقع
فمحمد لك والمسيح ترجلا
وترجلت شمس النهار ليوشع
أراد أن يقول ابن سيناء أن الإنسان لا يختار روحه وأراد أن يقول شوقي ضمي قناعك يا سعاد كنايه عن الروح نأتي للبيت الثاني من قول شوقي :
فمحمد لك والمسيح ترجلا(2/8)
الإنسان إذا أراد أن يعظم أحد العرب في طريقة فعلها إذا قابلت شخص وأنت على الدابة تعظيما له تنزل من الدابة فتترك ما تركبه وتقبل إليه وأنت ماش مثل الآن في عالم السيارات ترى إنسان واقف توقف جانبا تنزل من سيارتك تذهب إليه راجلا هذا نوع من التعظيم فعظم نبينا $ الروح بالآية التي مرت لما سئل عن الروح أنزل الله { ويسألونك عن الروح } وأما عيسى فقد نقلوا في انجيل لوقا في الإصحاح الثاني عشر أنه كان يقول للملأ من حوله من الحواريين لا تخافوا من الذين لا يتسلطون على الجسد ولا يستطعون أن يتجاوزوا إلى أكثر من ذلك يقصد أن الأعداء ليس لهم سلطه على الروح فالروح عظيمة والله جل وعلا عظمها بقوله { ويسألونك عن الروح } نعود نقول هذه الروح تلتصق بالبدن من ملك ينفخ في البدن عندما نكون أجنة في بطون أمهاتنا هذه أمانة والناس الآن العامة يقولون كلاما له أصل يقولون إذا مات أحد يقولون الله أخذ أمانته هي القضية أن ملك يضع أمانه في الجسد ثم يأتي ملك آخر يقبض تلك الأمانة ويأخذها وهي وقت تغرغر الروح.(2/9)
ـ يقول العلماء الروح لا تختص بالشئ من الجسد يعني ليس لها موضع لا نقول إنها في الإصبع ولافي القلب ولا في الرجل ولا في الرأس ولا في مكان آخر تسري في الجسد كله كما تسري النار في الهشيم فإذا قبضت تخرج من الجسد كله وجميع الجسد يعاني خروج الروح والله يقول : { فلولا إذا بلغت الحلقوم *وأنتم حينئذ تنظرون } أي إذا وصلت عند الحلقوم هنا الإنسان يبدأ التشبث بالحياة أيا كان ويحاول الإنسان أن يقاوم لكن الله يقول : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } الله يقول إذا بلغت الروح الحلقوم وأنتم أي من حول الميت حينئذ تنظرون أي إلى الميت ونحن وهذا قرب الله للملائكته ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون لأن من حول الميت لا يرون الملائكة وهي تقبض روح الميت تخرج الروح يتبعها البصر كمامر معنا ويسن تغميض العينين فإذا صعدت إما تكون روح مؤمن يشيعها من كل سماء مقربوها تفتح لها أبواب السماء تصل إلى العرش يراها أبونا آدم كما في حديث المعراج أن النبي $ رأى أبانا آدم حوله أسوده عن يمينه وعن شماله إذا رأى جهة اليمين ضحك وإذا رأى جهة الشمال بكى فحتى تصل إلى العرش فيقول الله جل وعلا أن صدق عبدي اكتب كتاب عبدي في عليين ثم أعيدوه فإني قد وعدتهم { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } فتعود إلى بدنه وعلى النقيض من ذلك ـ أعاذنا الله وإياكم ـ إذا كانت روح كافر منافق قال الله { لاتفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة } ثم تعود إلى الجسد لكنها لا تعود كما تعود الأولى تعود طرحا رميا بإلقاء بعنف في جسده قالها $ تطرح في جسده ثم تلا { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } يصبح نوع اتصال الآن بين الروح والجسد قال عليه الصلاة والسلام عن الموتى {إنه ليسمع قرع نعلكم } لكنه يسمع سمعا لا ينتفع به يسمع سمعا لا ينتفع به ونبينا $ وقف في قليب بدر على أجساد قتلى قريش(2/10)
فناداهم بأسمائهم يا أبا جهل بن هشام يا عقبة بن الربيعة يا شيبة عدهم قد وجدت ماوعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فتعجب الصحابة قال عمر يا رسول الله أتخاطب أقواما قد جيفوا قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لايستطعون جوابا قال حسان :
عرفت ديار زينب بالكثيب...قصيدة طويلة لكن الذي يعنينا منها أنه قال :
يناديهم رسول الله لما
قذفناهم كباكب في القليب
ألم تجدوا كلامي كان حقا
وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا
صدقت وكنت ذا رأي مصيب
فحسان يصور الحادثة شعرا من هنا أخذ العلماء بعض العلماء أن الموتى يسمعون لكنهم كما قلنا لا يسمعون سماع انتفاع وهذا مثل ضربه الله في القرآن { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } فالراعي غنمه تسمع ما يقول لكنها لاتسمع سمع انتفاع لا تدري ماذا يقول وإن كانت تسمع المفردات والأقوال والكلمات فمثله أهل الموتى وهذه قضية طويلة بين العلماء لا أحب الخوض فيها إذا اتصلت الروح بالجسد يقع عليها النعيم ويقع عليها العذاب.(2/11)
ـ وابن تيمية غفر الله له ورحمه من أعظم علماء المسلمين يقول: إن عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والجسد وهذا متفق عليه عند أهل السنة ويقع كذلك حينا آخر على الروح منفردة عن البدن يقع عذاب القبر أو نعيمه على الروح والجسد متصلتين ويقع أحيانا على الروح دون الجسد والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن شئ من هذا أخبر أنه رأى الزناة الزواني ـ نسأل الله العافية ـ معلقات من أثدائهن في تنور ضيق من أدناه واسع من أعلاه ورأى أكلة الربا تمر عليهم سابلة آل فرعون ورأى الرجل الذي يزني رأى أقواما يقرب إليهم قدر نضيج طيب فلا يأكلون منه ويأكلون من لحم نتن خبيث قلت من هؤلاء يا جبريل قال هذا الرجل يترك امرأته حلالا طيبا ويذهب يزني يبيت مع امرأة خبيثة حتى يصبح فكما يقع في الحياة الدنيا ما حياة البرزخ إلا صورة لحياة لحياة الدنيا فالإنسان يرى ما الذي يصنعه في الدنيا الجزاء من جنس العمل سيكون نفس الصنيع بك في برزخك والله يقول : { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } ويقول : { يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الأخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } هذا الإتصال بين الروح والجسد ينقطع أحيانا يتصل أحيانا تكون للروح سرعة أكثر من حياتها من سرعتها وهي ملتصقة بالجسد في الحياة الدنيا وعلى هذا حمل العلماء كيف أن النبي $ صلَّى بالنبيين إماما بالمسجد الأقصى وصلوا وراءه ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ورأى إخوانه من النبيين في السماوات السبع.
ـ قالوا كيف قابلهم في الأرض ثم قابلهم في السماء ؟(2/12)
قال بعض العلماء في الإجابة / إن سرعة الروح غير سرعة الجسد فقابلهم في السماوات السبع أرواحا عليهم صلوات الله وسلامه عليه أجمعين الذي يعنينا من كل هذه علاقة الروح بالجسد تدل في المقام الأول على عظمة الخالق جل جلاله وأن هناك رب خالق للخلائق كلها يدبرها تبارك وتعالى كيف يشاء ويفعل فيها ما يريد وأنه جل وعلا حكم بالنجاة لأهل الإيمان والعمل الصالح وحكم بالخسران والخيبة على أهل الكفر والعمل السيئ وأنه جعل الدنيا مزرعة للآخرة زهرة حائله ونعمة زائلة ولا بد من لقائه تبارك وتعالى والإنسان خلق في أطوار كان جنينا لا يدري عن تلك الحياة شئ وكان قبل ذلك في أصلاب آبائه وأرحام أمهاته ثم كان جسدا حيا يغدوا ويروح ثم لا يلبث أن تقضى حياته ويعيش في حياة البرزخ ثم يذكره الناس جيلا بعد جيل حتى يكاد ينسوه .
يسلم المرء أخوه للمنايا وأبوه
وأبو الأبناء لا يبقى ولا يبقى بنوه
رب مذكور لقوم غاب عنهم فنسوه
ابتنى الناس من البنيان مالم يسكنوه
طلب الناس من الآمال مالم يدركوه
جمع الناس من الأموال مالم يأكلوه
عش بما شئت فمن تصغره دنياه تسوه
لكنه بعد ذلك يكون اللقاء بين يدي الرب تبارك وتعالى ويجتمع الخلائق برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم بين يدي الله وهذا مايسمى بالبعث والنشور وسنشرع في بيانه إن شاء الله تعالى . هذا ما تهيأ إيراده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
" البعث والنشور "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :(2/13)
فكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى رحلتي الروح والجسد وقلنا إننا سنتحدث في هذا اللقاء بإذن الله تعالى عن مسألة البعث والنشور في بداية الأمر يجب أن يستقر في قلب كل أحد أن الله جل وعلا تبارك اسمه وجل ثناؤه منزه كل التنزيه عن النقص والعيب واللهو والعبث ولهذا قال الله جل وعلا في خواتيم سورة المؤمنون
{(2/14)
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } فأردف هذه الآية بقوله سبحانه منزه ذاته العلية { فتعالى الله الملك الحق } فالله جل وعلا منزه أن يكون قد خلق هذا الخلق وكلفهم وبعث إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب وأقام عليهم الحجة وأوضح لهم المحجة ثم بعد ذلك لا يكون هناك بعث ولا نشور ولا يكون جنة ولا نار ولا تكون محاسبة ولا جزاء هذا محال ينزه الرب تبارك وتعالى عنه ثم قلنا إننا سنتكلم عن البعث والنشور ووصلنا إلى أن الروح لها مستقر إن كانت مؤمنة في عليين وإن كانت كافرة في سجين وأكرر أنني أتكلم علميا بإيجاز ولا أتكلم وعظيا يمكث الناس ما شاء الله لهم أن يمكثوا في قبورهم وقلنا إن اتصال الروح بالجسد يكون أحيانا وينقطع أحيانا وأن العذاب أو النعيم يقع على الروح والجسد مجتمعتين ويقع أحيانا على الروح دون الجسد ثم تكون نفخة الصعق وهذه النفخة ينتظرها الآن ملك يقال له إسرافيل قد التقم القرن وأحنى الجبهة وأصغى الأذن ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ قال الصحابة يا رسول ماذا نقول ؟ قال : " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " والملائكة يشتركون جميعا في أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون إلا أن المهام التي أسندت إليهم والمقام الذي ينتهي إليه كل أحد منهم هذا يختلف بحسب منازلهم وما أفاءه الله جل وعلا عليهم وما كلفهم الرب تبارك وتعالى به وإسرافيل ملك كريم أسند إليه النفخ في الصور ينفخ إسرافيل في الصور الله يقول : { فصعق من في السماوات و الأرض} ثم استثنى جل جلاله قال : { إلا من شاء الله } وهذه نفخة الصعق الأولى تعقبها نفخة بعث واختلف العلماء هل قبل نفخة الصعق مايسمى بنفخة الفزع التي ذكرها الله جل وعلا في سورة النمل فبعضهم يجعلها هي الثانية المسماة بنفخة الصعق وبعضهم يجعلها ثالثة للإثنتين وظاهر القرآن أنهما اثنتان فقط والعلم عند الله ينفخ إسرافيل فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله.(2/15)
ـ واختلف العلماء في قول الله جل شأنه { إلا من شاء الله } من هم المستثنون في الآية ؟ فذهب بعض العلماء إلى أن المستثنين في الآية هم من يقطن الجنة من أهلها كالحور العين والغلمان الولدان المخلدون ومافي النار من حيايا وعقارب ـ نعوذ بالله من ذلك ـ وهذا القول ينسب للإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه . وقال بعض العلماء أن المستثنين هم إسرافيل وجبريل وميكال رؤساء الملائكة وهذا القول ينسب إلى مقاتل بن سليمان أحد أئمة السلف في التفسير رحمة الله تعالى عليه وعنده في هذا أحاديث لكن ثبوت صحة هذه الأحاديث فيه نظر عند أهل الصناعة الحديثيه والذي يظهر والعلم عند الله أن الاستثناء لبيان القدرة ولكن التوقف في مثل هذا أفضل لعدم وجود مرجحات تجعلنا نقطع بيقين فالنبي $ قال : { فأكون أول من يفيق ـ عندما ذكر النفخة الثانية ـ فأجد موسى آخذا بقوائم العرش ـ ثم قال : $ ـ فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور } أم كان مما استثناه الله فإذا قال النبي $ لا أدري فالمتبعون على علمه عليه الصلاة والسلام من ورثته من العلماء أولى أن لا يدري الذي يعنينا هذا الاستثناء قلنا نتوقف في الجزم فيه لكنه قد يكون له معنى مقصودا بأقوام كما بينا وقد يكون المقصود به بيان القدرة الإلهية ثم تكون النفخة الثانية مابين النفختين أربعون سنة أو شهر أو يوم لم يجزم أبو هريرة في نقله عن النبي $ كان القرشيون الأوائل ينكرون البعث والنشور جملة مع اعترافهم بوجود الله { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } لكنهم ردوا على النبي $ قوله أن الله يحي العظام وهي رميم وأنه يبعث الموتى فأجابهم الله جل وعلا بثلاثة أدلة تدل على أنه يحي الموتى .
الدليل الأول / أنه جل وعلا هو الذي خلقهم ابتداء وهو مايسمى بالنشأة الأولى .
والدليل الثاني / أن الله جل وعلا خلق ماهو أعظم منهم وهو السماوات والأرض .(2/16)
والدليل الثالث / أن الله جل وعلا أمرهم أن ينظروا في النبات كيف يكون وهذا دليل على إنبات الناس من قبورهم هو نفسه إنبات الأرض بعد موتها قال الله جل وعلا { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } وقال جل وعلا بعد أن ذكر الماء وسقيه وإحياء الأرض بعد موتها قال سبحانه { كذلك النشور } وقال جل وعلا { فانظر إلى آثر رحمة الله كيف يحي الله الأرض بعد موتها إن الذي أحياها لمحي الموتى وهو على كل شئ قدير } وهذه الثلاث الأدلة المتفرقة في القرآن جمعها الله في خواتيم " يس " قال الله { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم } فجمع الله إجابة له ثلاثة أدلة قال الله جل وعلا { من يحي العظام وهي رميم * قل يحيها الذي أنشأها أول مرة }هذا الدليل الأول { وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا } هذا قياس على النبات وهو الدليل الثاني ثم قال بعدها { أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم } فهذه الأدلة الثلاثة فرقها الله في القرآن كما قلنا وجمعها في " يس " وهذه الفترة التي قبل البعث قلنا مرارا يكون فيها العذاب أو النعيم وعائشة رضي الله عنها دخل عليها عجوزان من عجز اليهود أي امرأتان عجوزتان فأخبرتاها بأن هذه الأمة تعذب في قبورها فلم ترد عائشة أن تحظى بأن تنعم على هاتين المرأتين بأن تصدقهما فلما قدم النبي $ أخبرته عائشة بما قالت المرأتان اليهوديتان فقال $ صدقتا إن هذه الأمة تعذب في قبورها ولولا أن تدفنوا لسألت الله جل وعلا أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع فيه دليل واضح على عذاب القبر وفيه بعد ذلك وهو الشاهد تقول عائشة فما رأيت النبي $ بعدها إلا وهو يستعيذ من عذاب القبر فكان $ يستعيذ كثيرا من عذاب القبر ويسأل الله جل وعلا نعيمه بعد الأربعين التي قلنا مابين النفختين يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر ماء أبيض ثخين كمني الرجال فينبت الناس كما ينبت البقل إذ أن(2/17)
جسد بني آدم يبلى إلا عجب الذنب العظمة المستقرة في آخر فقراته هذه لا تبلى بقدر الله وقد مر معنا أن أجساد الأنبياء لا تبلى وقلنا لا يوجد دليل صريح صحيح على أن أحد مستثنى غير الأنبياء لا الشهداء ولا حفظة القرآن ولا غيرهم قد يطول أمد أحدهم أنه لا يبلى نعم لكن لا يوجد دليل صريح صحيح على أن أجساد تبقى غير أجساد الأنبياء عندما تمطر السماء هذا الماء تدب الحياة في الجسد ينبت ثم يأمر الله اسرافيل أن ينفخ فإذا نفخ إسرافيل النفخة الثانية خرجت الأرواح من مستقرها ثم ذهبت كل روح إلى الجسد الذي خرجت منه لا تخطئ جسدا خرجت منه فيجتمع الروح والجسد وقد قلنا في الدروس الماضية إن الروح والجسد يلتئمان والإنسان جنين في بطن أمه ثم يلتئمان الآن التئاما آخر فتدب فيه الحياة فتنشق الأرض عن أهلها قال ربنا { إذا السماء انشقت } وقال ربنا { ونفخ في الصور فإذاهم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } قال $ : { أنا أول من ينشق عنه القبر } فهو عليه الصلاة والسلام أول من ينشق عنه القبر ثم قبر بقيع أهل المدينة ثم أهل مكة ثم مابينهما ثم بعد ذلك سائر القبور فيحشر الناس إلى ربهم والحشر ظاهر القرآن وصريح السنة أنه غير مختص بالثقلين الجن والإنس وإن قال بعض العلماء عفا الله عنا وعنهم أنه مختص بالثقلين لكن كما قلت ظاهر القرآن وصريح السنة على أن الجميع يحشر قال الله جل وعلا في صريح كتابه { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون } فهذا صريح لكن من قال طبعا لا يوجد أحد يرد القرآن ويسمى عالما لكن العلماء الذين قالوا أن غير الثقلين لا يحشر قالوا في هذه الآية { ثم إلى ربهم يحشرون } قالوا حشرها هو موتها قالوا حشرها هو موتها والله جل وعلا يقول في التكوير { وإذا الوحوش حشرت } فالوحوش ما توحش من دواب البر وحشرت أي جمعت وقال $ { إن الله يقتص لشاة الجماء من الشاة القرناء }(2/18)
فهذه حملوها على أنها كناية عن العدل ليس على وقوع الأمر لكن ثمة قاعدة في أمور الشرع ما أخبر الله به أو أخبر به رسوله من الغيب ولا يوجد ما يمنع وقوعه شرعا ولا عقلا يجب إمراره على ظاهره وهذا قاعدة تنفع كل من يطلب العلم ما أخبر الله به أو رسوله $ ولا يوجد ما يمنع وقوعه شرعا ولا عقلا يجب إمراره على ظاهره فالله يقول : { وإذا الوحوش حشرت } ويقول : { ثم إلى ربهم يحشرون } والنبي يقول : { يقتص لشاة الجماء من الشاة القرناء } فهذه الأمور لا يوجد شرعا ما يمنع وقوعها ولا يوجد عقلا ما يمنع وقوعها فيجب إمرارها على ظاهرها وأنه يقع يحشر الجميع الحشر / يخرج الناس من قبورهم كما بينا قال $ { حفاة عراة غرلا بهما } حفاة هذه ظاهرة أي غير منتعلين عراة غير مكتسين قال الله { كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا } وهذه كما بدأنا أول خلق نعيده تأتي حتى على التي بعدها غرلا ما قطع من جلدة الذكر عند الختان يعاد قال $ { بهما بهما } أي غير ممولين أي لا يملك أحدهم من متاع الدنيا شئ ويحشر على هذه الهيئة جميع الخلق بما فيهم الأنبياء والصالحون والصديقون والشهداء وغيرهم يحشرون على هذه الطريقة.(2/19)
ـ على أي شئ يحشرون؟ يحشرون على أرض بيضاء نقية لم يعصى الله جل وعلا فيها قط قال الله جل وعلا { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار } وقد سئل النبي $ أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض قال هم في الظلمة دون الجسر والجسر المقصود به الصراط هذه الأرض جاء في الحديث الصحيح ليس فيها معلما لأحد المعلم إما جبل أو هضبة أو رابيه هذا مايسمى معلم طبيعي ومعلم غير طبيعي ما يضعه الناس كعلامات حتى يعرفون به الطرائق والأماكن فهذه الأرض ليس فيها معلم لأحد ليس فيها معلم موجود من عند الله وليس فيها معلما يتخذه إنسان لنفسه قال الله : { لاترى فيها عوجا ولا أمتا} يحشر الناس عليها حفاة عراة غرلا بهما ينتظرون الحساب هذه الأرض قلنا لم يعص الرب تبارك وتعالى فيها لكن نعود إلى أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا بهما كونهم عراة يستوجب وفق مقاييس الدنيا أن ينظر بعضهم إلى بعض لكن مقاييس الدنيا لا تطبق على الآخرة عائشة رضي الله عنها سألت النبي $ بما استقر عندها من مقاييس الدنيا قالت الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض قال $ { يا عائشة الأمر أعظم من ذلك } أي لايمكن أن يكون أحد لديه من فراغ القلب آنذاك أن ينظر إلى ما حوله كل امرئ مشغول بنفسه وهذا يبين لك عظمة أهوال يوم القيامة الناس عندما يخرجون لم يوجد قبل حشر سابق يقيسون عليه فلا يدرون أين يذهبون وقلنا مرارا شبههم الله في القرآن بحالتين:(2/20)
قال في القارعة { كالفراش المبثوث } والفراش غير منتظم فلا يدري أين يذهب يحوم حول بعض فالناس عندما يخرجون ليس لهم سابقة فيخرجون ينتشرون ميمنة وميسرة ثم لا يلبثون أن يستمعوا إلى إسرافيل يقودهم إلى أرض المحشر فعندما يستمعون إلى إسرافيل عليه السلام ويقودهم إلى أرض المحشر ينتظمون فانتقلوا إلى حالة أخرى قال الله { كأنهم جراد منتشر } والجراد يمش على هيئة جماعات منتظمة وبهذا يمكن الجمع بين وصفي القرآن يقودهم إسرافيل عليه السلام إلى أرض المحشر وهذا أخبر الله عنه في " طه " { يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } وأفضل ما فسر به قول الله جل وعلا { إلا همسا } وقع أقدامهم الحافية على تراب المحشر صوت وقع أقدامهم الحافية على تراب المحشر وقيل غير ذلك لكن هذا في ظني أقربها إلى الصواب والعلم عند الله يسوقهم إسرافيل إلى أرض المحشر ولم يسبق لهم أن جمعوا ولم يسبق لهم أن حشروا ينتظرون قدوم الجبار جل جلاله ليفصل ويحكم تبارك وتعالى بين عباده هذا ما يمكن من البعث والنشور الذي أخبر الله جل وعلا عنه علمنا الله وإياكم ما ينفعنا ونفعنا بما علمنا وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
تم بحمد الله
سائلين المولى عز وجل الإخلاص في القول والعمل
***المُخْبتات***
قال الإمام النووي رحمه الله: (مُذاكَرَةُ حاذِقٍ في الفنِّ ساعةً أفضلُ من المطالعةِ ساعاتٍ بل أيامًا).(2/21)
...
" دخول أهل الجنة الجنة "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد
فكنا قد تحدثنا في لقاء يوم أمس عن انصراف أهل الموقف إلى دارين لا ثالث لهما إما الجنة وإما النار وقلنا إننا بحمد الله وتوفيقه سنتحدث عن دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيما سيأتي.(2/1)
ونتحدث اليوم عن الجنة والجنة أسكننا الله وإياكم إياها درجة عالية كتبها الله جل وعلا للصالحين والمؤمنين والمتقين من عباده وجعلها وعدا مسؤولا يسأله عباده إياها والحديث عنها مشهور مستفيض لذلك سنقف وقفات علمية معرفية غير وعظية فيما يغلب على الظن أنه غير معروف أو على الأقل غير مشتهر ،أهل الموقف إذا انصرفوا أهل الطاعات منهم إلى الجنة يحبسون على قنطرة قبل الجنة لأن الله قال على لسان خليله إبراهيم :{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }[الشعراء:88،89 ] فدخول الجنة يستلزم قلبا سليما فلا بد أن يسعى الإنسان في سلامة قلبه يبقى مع،لبعض الناس مع غيره شئ من المظالم في الدنيا قلما يسلم منها أحد هؤلاء الذين كتب الله لهم الجنة من هذا الصنف قبل أن يدخلوا الجنة يحبسون على قنطرة لأن الله حكم عدل فيقتص لمظالم بينهم حتى يُنَقَّوا ويهذبوا ثم بعد أن ينقوا ويهذبوا ولا يبقى في الصدور والقلوب شئ يؤذن لهم بدخول الجنة قال الله جل وعلا:{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }[الأعراف:43] فالله جل وعلا أسند النزع إلى ذاته العلي فهذا لا يقع في الدنيا إنما يقع في الأخرة ولهذا روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال : " إني لأرجوا الله أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }[الأعراف:43] وعثمان رضي الله عنه أحيا هذه الأمة أشدها حياء زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه،وعلي رضي الله عنه زوج فاطمة وأول من أسلم من الفتيان وله مشاهد عظام في الدين، وطلحة رضي الله عنه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وقال يوم أحد:{ أوجب طلحة } أي ثبتت له الجنة ،والزبير رضي الله تعالى عنه ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام :{لكل نبي حواريون وحواريي من أمتي(2/2)
الزبير} ومع ذلك هؤلاء الأربعة وقع بينهم ما وقع رضي الله عنهم وأرضاهم باجتهاد منهم وهم منارات شامخة وقامات سامقه ،ومجنون من يدخل نفسه حكم بين هؤلاء العظام لكن نقول هم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهؤلاء الأربعة بالذات مشهود لهم بالجنة فهم من العشرة المبشرين وإنما يأتي الإنسان يأتيه ما يأتيه من الضرر عندما يقحم عقله أو نفسه فيما ليس فيه مجال فمثلا تسمعون بالمعتزلة فرقة ظهرت قديما ليس هذا مجال توسع في الحديث لكن كان منهم رجل أظنه عمرو بن عبيد سواء كان عمر بن عبيد أو غيره كان مشهور بالصلاح والتقوى والورع ولو خاصمته في ملايين الملايين ترك هلك حتى إن عمرا هذا كان يدخل على هارون أو أبو جعفر المنصور يستدعيه فقال له أبو جعفر وهو الخليفة والناس يتمنون مجالس السلطان لما يكون بعدها من العطايا فقال له أبو جعفر : أطلب حاجتك قال :حاجتي أن لا تستدعيني لا تطلب مني أن أدخل قصرك ولا أتيك فخرج فقال أبو جعفر أبياته الشهيرة :
كلهم يمشي رويد
كلهم خاتل صيد
غير عمرو بن عبيد
يعني كل من يأتيني هنا يتلطف في الكلام ويجامل في الحديث يبحث عن عطايا
كلهم يمشي رويد
كلهم خاتل صيد
غير عمرو بن عبيد(2/3)
إلا هذا مايريد شئ هذا الرجل على هذا الورع وكثرة الصلاة والصيام يقول لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير لما قبلت شهادة أحدهم ولو في قشرة بصلة لأنهم فساق فانظر العقل الذي دعاه إلى أن يعبد كيف دعاه إلى أن يقول بهذه الوصف على هؤلاء يقول لأنهم اقتتلوا والحق لابد أن يكون في أحدهما فالآخر الذي ليس معه الحق ظالم لأخيه مادام ظالم فهو فاسق مادام فاسق لاتقبل؟ لاتقبل شهادته فنسي بحور الفضل العظيمة لهؤلاء الأربعة ولغيرهم من الصحابة وأقحم نفسه حكما في رجال زكاهم الله جل وعلا في القرآن وزكاهم رسوله صلى الله عليه وسلم وكل إنسان يتكلف شيئا ليس له، تظهر عورته وتبين سوءته ويظهر للناس جهله لكن العاقل ثمة أشياء لم يكلفنا الله بها ولا نسأل عنها ولا نطيق لها حملا ـ فنسأل الله لنا ولأنفسنا ولغيرنا العافية منها ـ قلنا يحبسون قبل دخول الجنة ثم إن الخلق ممن كتب الله لهم الجنة يتوجهون إليها ،وهذه الجنة لهم سنون في الدنيا يسألونها الله وعندما يرونها يكادون يطيرون شوقا إليها، لأنهم ما صاموا ولا صلوا ولا عبدوا إلا من أجل دخولها فهي الوعد الذي وعدهم الله جل وعلا إياه لكنهم يجدونها مغلقة الأبواب الثمانية فيفزعون إلى أبيهم آدم يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول عليه السلام: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم.(2/4)
ـ وفي هذا دليل على أن الجنة التي أدخلها آدم وحواء وأخرجا منها هي جنة عدن التي وعد الله جل وعلا إياها عباده وليس كما قال بعض أهل الفضل والعلم من أنها جنة أخرى فيقول لست لها اذهبوا إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه وقد مر معنا أن الناس ينتهي بهم المطاف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود وينتهي بهم المطاف في دخول الجنة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ،وهذا من إكرام الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه وقد مر معنا أن الله أكرم هذا النبي إكراما لم يكرمه الله جل وعلا أحدا من خلقه إلا نبينا صلوات الله وسلامه عليه فإن الله يقول وقد أباح له النساء { تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}[الأحزاب:51] تقدم من تشاء تؤخر من تشاء فالعدل لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وحتى من اعتزلت وابعدتها أردت أن تقربها مرة أخرى هذه كله لك صلوات الله وسلامه عليه ،يستفتح صلى الله عليه وسلم باب الجنة، فيقول له الخازن :من أنت وهذا مر معنا أن الإنسان إذا أراد أن يطرق دارا فإن الحق لصاحب الدار من حق صاحب الدار أن يسأل ولا يعد هذا خذلانا في الضيافة لأن العاقل لا يعقل أن يدخل كل أحد بيته وقلنا إنه مر معنا أن جبريل وهوخير الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق في رحلة المعراج في السماء الدنيا أولا طرق الباب فقال الخازن لجبريل :من أنت؟ فقال :أنا جبريل ،الخازن يستكشف أمعك أحد ؟قال: نعم معي محمد فبعد أن عرف أن هذا جبريل وهذا محمد، أذن لهما بالمرور والعبور، لأنه مالك للمكان ولو كان القادم أفضل من أهل الدار لكن أهل الدار المسئول عنها من حقه أن ؟ من حقه أن يسأل فيفتح باب الجنة فيدخلها نبينا صلوات الله وسلامه عليه ثم يدخلها الصالحون والذي ندين الله به أن أول هذه الأمة دخولا هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه ويقول(2/5)
بعض العلماء إن أبو سلمة رضي الله عنه وأرضاه أول المهاجرين هو أول من يدخل هذه الجنة من هذه الأمة لكن الذي يظهر والعلم عند الله أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه هو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة يدخل أهل الجنة الجنة فيعطون زيادة كبد النون وهذه تحفة تقدم لهم هكذا ورد الحديث تحفة أهل الجنة في أول دخولهم قبل أن ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها .
ـ القضية الثالثة التي أريد أن أتحدث عنها اليوم وهي قضية الجن هل يدخلون الجنة أولا يدخلون الجنة؟
الله يقول : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ}[الأحقاف:29،30،31] فالآية صريحة أن هؤلاء الجن ءامنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعوا قومهم إلى الإيمان { أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ } قال الله بعدها { يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} هذا عند النحويين يسمى جواب جواب الأمر {آمِنُوا } أمر { أَجِيبُوا } أمر جوابه يغفر لكم ولذلك جاءت مجزومة ومعطوفة عليها { وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }.(2/6)
1/قال فريق من العلماء إن الجن يكافؤن على إيمانهم أن الله لا يعذبهم بالنار لكنهم لا يدخلون الجنة ومن أدلتهم هذه الآية قالوا إن الله ذكر إيمانهم والآية في سياق الفضل والامتنان عليهم فلو كان هناك جزاء على إيمانهم أعظم من الإجارة من العذاب الأليم وهو دخول الجنة لذكره الله جل وعلا هنا فقالوا فلما لم يذكر الله أنه يدخلهم الجنة دل على أنه يكفيهم من الثواب أن يجاروا من العذاب الأليم واحتجوا بدليل عقلي قالوا إن الجن من ذرية إبليس وذرية إبليس لا يمكن لها أن تدخل الجنة هذا رأي.
2 /ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه الخليفة الأموي المعروف أنه قال إنهم يكونون حول الجنة في أرجائها وأطرافها ولا يدخلون بحبوحتها.
3/ قال آخرون يدخلون الجنة لكنهم لا يرون بني آدم ويرونهم بنو آدم عكس ما كانت عليه الحالة في الدنيا.
4/ وقال آخرون إنهم يدخلون الجنة لكنهم لا يطمعون ولا يشربون لأنهم قريبوا الخلق من جنس الملائكة فيعاملون معاملة الملائكة في أنهم لا يتلذذون بطعام الجنة ولا شرابها.
والعلم عند الله أن هذه أقوال ليس عليها دليل لكن أنا قلت من منهج العلمي أن أذكر كل شيء ثم أبين ما نعتقد أنه صحيح وقد ساقها جميعاً الحافظ ابن كثير رحمة الله تعالى عليه في تفسيره وجعلها مرجوحة جداً وقال الرأي الذي يراه ونحن مقتنعون تماماً بما دونه الحافظ ابن كثير والحافظ ابن كثير في هذه المسألة بالذات حرر تحريراً علمياً يدل على علو كعبه رحمة الله تعالى في العلم وهو بلا شك كذلك.
قال الحافظ يرد عليهم والآن انظر الصياغة العلمية حتى يعرف الناس ما كان عليه الأوائل الكبار من علم جم.(2/7)
1/ قال إن الله قال في سورة الرحمن { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن : 46،47].فقال إن الآية مخاطب بها الثقلين الجن و الإنس والآية في سياق الامتنان فما كان الله ليمتن على الجن بجزاء لا يحصل لهم ما كان الله ليمن على الجن بجزاء لا يحصل لهم يعني إذا كان الله يقول لهم وللإنس {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن : 46] يعدهم بالجنتين فإذا كان هذا الجزاء لا يحصل لمؤمنهم فلا عبرة ولا داعي لأن يمن الله عليهم بشيء لا يقع لهم وهذا دليل في قوة بمكان.
2/ ثم قال رحمة الله تعالى عليه:إن الله جل وعلا إذا كان يعاقب كافرهم على أن يدخل النار وهو مقام عدل فلأن يعاقب ويكافئ مؤمنهم بدخول الجنة وهو مقام فضل من باب أولى.أعيد هذه قال:إذا كان الله جل وعلا يعاقب كافر الجن بدخول النار وهو مقام عدل يعني عدلاً أن يدخل النار إذا كفروا فمقام الفضل في حق الله أولى بأن يثيب مؤمنهم فيدخل الجنة هذه الثانية.
3/ الثالثة قال رحمة الله تعالى عليه يشملهم قول الله جل وعلا{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف:107] فهم يدخلون في عموم هذه الآية لأنهم مؤمنون وعملوا الصالحات.
4/ ثم قال دليلاً وهذا يسجل له رحمة الله تعالى عليه قال:إنه إذا ثبت أن الله جل وعلا ينشئ للجنة خلقاً لأن الذين كتب الله لهم الجنة لا يملؤنها يبقى زيادة مكان فقال رحمة الله تعالى عليه فإذا كان الله جل وعلا ينشئ للجنة خلقاً لم يكلفوا أصلاً في الدنيا فمن باب أولى أن يدخلها من كلف وءامن وعمل صالحاً وهم الجن. هذه أجوبته وهذا الذي عليه أكثر العلماء في أن الجن يدخلون الجنة وقد حررت هذه المسالة زيادة في المعارف لي ولكم.(2/8)
نعود للحديث عن الجنة شهد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه عينا بدخول الجنة والعاقل إذا سمع أو بلغه خبر نبوي يتأمله حتى يستفيد به عملياً و إلا يصبح هذا العلم حجة عليك قال صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وعد العشرة، والعشرة إنما سموا بالعشرة المبشرين؟ لأنهم سيقوا في حديث واحد لكن غيرهم شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، شهد النبي بالجنة لبلال رضي الله عنه وأرضاه وقال:" ما دخلت الجنة قط أي في الرؤيا إلا ووجدت دف نعليك أمامي- أو- سمعت خشخشتك في الجنة" ثم قال:" يا بلال أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام "الآن ما يوجد رياء أو نفاق لأن هذا مشهود له بالجنة ،الجنة ما يدخلها منافق والنبي صلى الله عليه وسلم هو السائل فحري ببلال أن يجيب بلال لم يتكلم ابتداء ولم يخبر عن عمل لم يسأل عنه فقال: يا نبي الله إنني ماتوضأت وضوءا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ما كتب الله لي أن أصلي، فأنا أكثر من الوضوء وأردف بعد ذلك الوضوء أن أتنفل ركعتين أربع ست يعني مثنى مثنى فظاهر الأمر أن هذا كان سببا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ولم يقل له لا أظنه هذا سبب عظيم من أسباب دخول الجنة، حارثة بن نعمان رضي الله عنه بارا بأمه فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قدم أنموذجا عظيما في الجهاد في سبيل الله فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه قال عليه الصلاة والسلام:{ لمناديل سعد في الجنة أعظم من هذا} إلى حرير أهدي له صلوات الله وسلامه عليه وسعد رضي الله عنه وأرضاه كان قد بذل جاهه وقلبه ونفسه في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى تحرر من هذا الوضوء وبر الوالدة من أعظم أسباب دخول الجنة التي شهد بها النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء أعيانا أما عامة الصحابة فمشهود لهم من حيث العموم لقول(2/9)
الله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح : 18] وقال صلى الله عليه وسلم {لن تمس النار أحدا بايع تحت الشجرة } فمن لم تمسه النار قطعا سيكون سيكون في الجنة لكن لا يشهد لهم عينا إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا إليها قال هذا رجل يخرج فتسفعه النار يحبو مره يكبو مرة فيقول :يا رب أخرجني منها، فيخرجه الله منها فتلوح له شجرة فيسأل الله أن يستظل بظلها ويدنوا منها فيأخذ الله عليه عهدا ومواثيق ألا يسأله غيرها وهو يعلم أنه سيسأله، فيدنوا من الجنة فترفع له شجره أخرى فيقول يارب أدنني منها أستظل بظلها وأشرب من مائها فيأخذ الله عليه عهدا ومواثيق فيأتيها فترفع له شجرة أخرى أعظم من الأولين فيأخذ الله عليه عهدا ومواثيق إذا دنا من الثالثة سمع أصوات أهل الجنة فيسألها الله جل وعلا فيقول الله جل وعلا له يا ابن آدم ما يصيرني منك أي ما يقطع سؤلك ثم يخبره الله جل وعلا أن يدخلها وله كمثل أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله فيقول الرجل أتسخر بي وأنت رب العالمين ؟فضحك صلى الله عليه وسلم لما حدث قالوا يا رسول الله مما تضحك قال أضحك من ضحك رب العالمين إذ قال له عبده :أتسخر بي وأنت رب العالمين؟ فيقول الله له لا أسخر بك ولكني على ما أشاء قادر ،وهذه على ما أشاء قادر نختم بها ونقف عندها يجب أن تعلم وأنت ترفع يديك تسأل الله أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء لنا ذنوب لا يقدر على غفرانها إلا الله ولنا عيوب لا يمكن أن يسترها إلا الله ولنا ديون لا يمكن أن يقضيها إلا الله ولنا آمال لا يمكن أن يحققها إلا الله ولنا مخاوف لا يمكن أن يؤمننا منها إلى الله فإذا استقر في القلب أن الله جل وعلا على كل شيء قدير واستفتح العبد دعائه وهو يدعوا ربه(2/10)
بالثناء على الله ومدحه جل وعلا بما هو أهله ثم صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم لحري بعد ذلك بما وقع في القلب وبما نطق به اللسان أن يستجاب له واعلم أن الله أرحم بك من نفسك فإن لم تعطى العطية في حينها إما أن تؤخر وإما أن يكافئك الله جل وعلا بأعظم مما سألت وخيرة الله لعبده خير من خيرة العبد لنفسه أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين
..:: دخول أهل النار النار ::..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وبعد ،،، فهذا بعون الله وتوفيقه اللقاء الأخير ضمن سلسلتنا في تعليقنا الموجز التعريفي حول أشراط الساعة ثم عرجنا على البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة واليوم نختم الحديث بالحديث معرفيا وإجماليا عن النار ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ النار هي الخزي الأعظم والخسران الأكبر الذي أنبأ الله جل وعلا عنه في كتابه ولا خسران أكبر منها ولا ندامة بعدها ومن حيث الناحية العلمية يقال إن النيران ثلاثة:(2/11)
نار تَحرق ولها نور لها ضوء وهذه نار الدنيا فإننا نرى نار الدنيا تؤذي من يقترب منها وتَحرق بقدر الله وفي نفس الوقت لها منافع كونها تضيء ولها نور ومنافع أخر قال الله جل وعلا:{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ*أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ }[الواقعة :71،72،73] ونار الآخرة نار جهنم ـ أعاذنا الله و إياكم منها ـ تَحرق لكن ليس لها نور ولا ضوء ولا منافع فلا يمكن أن ينتفع بنار جهنم أحد لأن الله جل وعلا خلقها عذابا ولم يخلقها إنتفاعا فهي تحرق كما نار الدنيا في الأصل مع الفارق في الحرق إلا أنه لا نفع من وراءها كما يمكن أن يُنتفع من نار الدنيا بقيت نار واحدة وهذه عارضة وهي النار التي رآها موسى عليه الصلاة والسلام عندما اقترب من الشجرة عند جبل الطور قبل أن يكلمه ربه تبارك وتعالى فهذه نار لها نور ولها ضوء لكنها لا تحرق ولذلك لم تتغير الشجرة التي رآها موسى عليه الصلاة والسلام إنما رآها تزداد خضرة هذا مبدئيا ثم نزدرف إلى أن الله جل وعلا جعل للنار خزنة، والرب تبارك وتعالى ثمة أمور أوكلها إلى بعض ملائكته وهو جل وعلا غني عن هؤلاء الملائكة لكن هذه الأمور عظام يدبرها تبارك وتعالى كيف يشاء والله جل وعلا جعل للنار خزنة عليهم قَيّم يقال له مالك كما أن قَيّم الجنة يقال له رضوان إلا أن الفرق بينهما أن مالك نص الله عليه في كتابه في الزخرف
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }[الزخرف:77] أما رضوان فلم يرد ذكره في القرآن لكن جاء في الآثار يقول شوقي :
كما تلقاك دون الخلد رضوان(2/12)
مالك أحد خمسة من الملائكة نص الله على ذكر اسمهم الصريح في كتابه فالملائكة جم غفير {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ }[المدّثر : 31] لكن المذكورين نصا بأسمائهم الصريحة في القرآن خمسة جبريل وميكال وهاروت وماروت وكلهم ذكروا في البقرة ومالك عليه السلام ذكر في الزخرف لوحده وكرر جبريل عليه السلام في التحريم هذا خزنة النار مسؤولون عنها كما أن كما قلنا خازن الجنة رضوان علي رضي الله عنه كانت له بعض المواقف بعض الحروب وقفت معه قبيلة يقال لها هَمْدان من قبيلة يمنية شهيرة هذه القبيلة كلها آزرت عليا رضي الله عنه وأرضاه كانوا شيبا وشبانا معه فقال يمدحهم :
فلو كنت بوابا على باب جنة
لقلت لهمدان أدخلوا بسلامي
موضوع الشاهد أنه يتكلم عن استقبال خزنة الجنة لأهل الجنة كذلك أهل النار جعل الله لها خزنة يكون استقبالهم غير استقبال خزنة الجنة لأهل الجنة فأولئك يقولون {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }[الزمر:73] أما هؤلاء لا يزالون يسألون أهل النار ويوبخونهم على ما آل بهم إلى هذا الأمر قال الله{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:77] قال العلماء يمكث ألف عام لا يجيبهم ثم بعد ألف عام ـ عياذا بالله ـ يقول { إِنَّكُم مَّاكِثُونَ}[الزخرف:77] النبي صلى الله عليه وسلم دعا أمته لأن تحذر النار بكل وسيلة حتى عبر عن ذلك بقوله :{ اتقوا النار ولو بشق تمرة } ولما كسفت الشمس في عهده خرج صلى الله عليه وسلم فزعا حتى أخطأ في إزاره وردائه ثم صلى بالناس في محرابه المعروف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحاريب ـ أنا استطرد كثيرا عمدا ـ اللتي في الحرم اليوم ثلاثة :(2/13)
ـ المحراب الذي يصلي فيه الأئمة الآن هذا محراب بناه عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه أو بتعبير أصح موضع صلاة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأرضاه ،أما الصديق والفاروق والنبي صلى الله عليه وسلم فما كانوا يصلون فيه لأن هذه التوسعة الجنوبية حدثت في عهد عثمان إنما النبي صلى الله عليه وسلم قلنا هذا محراب بقي اثنان بقي محرابان
ـ المحراب الذي في الروضة موجود الآن هذا مكان صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم وصلاة الصديق والفاروق من بعده إلى زمن عثمان
ـ وأما المحراب الذي خارج الروضة جهة الغرب فهذا محراب بناه سليمان القانوني أحد سلاطين آل عثمان كان المذهب الحنفي هو السائد في دولة آل عثمان وكان الشافعية أكثر الناس حظا في المسجد النبوي آنذاك وكانوا يصلون في محراب النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يوازي أهل مذهبه بالشافعية فبنى محرابا موازٍ لمحراب النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يجعله في الروضة وهو المحراب الموجود الآن كما قلت مبني في غربي الروضة المشرفة هذه المحاريب الثلاثة .(2/14)
النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس ازدلف إلى محرابه وصلى إماما في أثناء صلاته تأخر إلى الوراء قليلا ثم حدّث الناس بعد الفراغ من الصلاة وأخبرهم بأمور عده قال:" كل شئ توعدون به رأيته في صلاتي هذه حتى النار رأيتها أمامي ولأجل ذلك تأخرت خوفا من أن يأتيني لفحها "ثم قال :"وجدت فيها أصحاب المعاصي كلهم حتى رأيت صاحب المحجن يجر قُصبه في النار" حتى رأيت صاحب المحجن يجر قصبه في النار صاحب المحجن طبعا النبي صلى الله عليه وسلم يكلم الناس على معهود ذهني أنت الآن أقول لك صاحب المحجن تقول من صاحب المحجن كل الناس عندهم محاجن لكن النبي صلى الله عليه وسلم يكلم الناس على معهود ذهني صاحب المحجن رجل مشهور كان في الجاهلية اسمه عمرو بن مالك هذا عمرو عنده عصا فيها محجن يعكفها المحجن معروف معكوف والعصا طويلة وفي أعلاها محجن ويجلس للحجاج والمارة في الطريق فإذا مر رجل معه متاع علق محجنه في المتاع فيعلق متاع الرجل المار في المحجن فيصبح عنده فالرجل هذا واحد من اثنين إن فطن وتنبه ورجع يسأل عن متاعه اعتذر له عمرو هذا بأن المتاع علق بالمحجن قدرا صدفة أنا آسف ويعطيه المتاع ويمشي وإن كان الرجل لم يفطن ولم يتنبه أخذ المتاع ومكث دهره كله لايعرف إلا خواصه حتى اشتهر ينجم عن هذا أن من أعظم أسباب دخول النار بعد الكفر كما سيأتي هي قضية ظلم العباد وأخذ حقوقهم من أعظم أسباب دخول النار ـ عياذا من ذلك ـ في الصغير في الأمر الحقير أو في الأمر الكبير ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي يأخذ شبر {يطوق بسبعة أراضين} وهو أخذ شبر وقال في الظلم {ولو عودا من آراك } لأن حقوق الناس لا يجوز شرعا لأحد أن يأخذها ويقتحمها وينالها بأي طريقة علموا ذلك أو لم يعلموا يستغل الإنسان جاه أو غيره يؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم قال : { صنفان من أهل النار لم أراهما ـ ثم قال ـ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات(2/15)
عاريات مائلات مميلات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها } نأتي في الأول قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس قال الإمام القرطبي رحمه الله وهذه السياط موجودة عندنا في المغرب إلى الآن هذا في زمنه قال صديق حسن خان في يقظة أولى الاعتبار رحمة الله تعالى عليه وهو جاء متأخرا عن القرطبي قال بل هذه السياط وهؤلاء الناس موجودون في كل زمان ومكان وهي عند أهل الثراء والجاه والسلاطين أكثر من غيرهم موضوع الشاهد الربط بين الحديثين قضية أن ظلم العباد أيا كان من أعظم أسباب دخول النار ثم قال صلى الله عليه وسلم { ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات } قال في نفس الحديث الذي رأى فيه النار قال بعدها عليه الصلاة والسلام { يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار } طالبن بحقوقهن قلنا لما يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم { إنكن تكفرن العشير وتكثرن اللعن } أو الترتيب { تكثرن اللعن وتكفرن العشير} تكثرن اللعن / يجري على لسانكم اللعن .(2/16)
تكفرن العشير / العشير الزوج أي ربما أسدى لك المعروف تلو المعروف تلو المعروف ثم يأتي منك إنكار لذلك المعروف الذي أسدى إليك الزوج وهذه صفة غالبة في النساء عموما هذا الأمر قلت يدل على أن الإضرار بالناس من حيث الجملة من أعظم أسباب دخول النار على أن السبب الأعظم في دخول النار والخلود فيها هو الكفر فليس بعد الكفر ذنب والكفر والشرك بالرب تبارك وتعالى أعظم أسباب دخول النار بل هو السبب الأعظم ويفرق عن غيره أن الكفر والشرك ـ عياذا بالله ـ ليس فقط سبب في دخول النار بل إنه سبب مقتض تماما للخلود فيها فالكفار والمشركون لا يمكن أن يخرجوا من النار البتة قال الله جل وعلا { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ * ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }[غافر:10،11،12] فأهل الكفر وأهل الشرك خالدون مخلدون في النار أبدا أما أهل الإيمان من مات على التوحيد ولم يأتي بذنب يخرجه من الملة فهذا مهما طال بقائه في النار سيخرج منها لا محاله هذا الذي اقتضته حكمة الله تبارك وتعالى .
ـ تأتي أحاديث عن أقوام ظاهر القرآن أو ظاهر الحديث على أنهم مخلدون ومن أشهرهم طائفتان :(2/17)
ـ الأول : من قتل نفسا عمدا فإن الله يقول : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }[النساء:93] مر معنا في الحساب والجزاء أن أول ما يحاسب عليه الخلق الصلاة وأول ما يقضى بين الناس الدماء وأي مقتول يقتل عمدا يَنجُم عن هذا الأمر ثلاثة أمور ينجم عن هذا الحدث ثلاثة أمور :
ـ حق لله .
ـ وحق للمقتول .
ـ وحق لأولياء الدم .
فأولياء الدم يخيرون مابين القصاص أو الدية أو العفو ولهم أن يختاروا إحداها . وحق الله هذا نؤجل الحديث عنه لأنه يتعلق بالحديث.
ـ وحق للمقتول و هذا لا يمكن أن يسقط حتى لو عفى أولياؤه والد قتل وعفى أبناءه فحق الوالد لا يسقط يوم القيامة يطالب؟ يطالب بحقه لأن الميت لا يستفيد شئ من عفو الناس فعلى ذلك له حق يطالب به يوم القيامة .
ـ بقي حق الله ظاهر الآية { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا }[النساء:93] على أنه مخلد في النار لكن أهل العلم جمهور العلماء يقولون إن الآية تجري مجرى الوعيد وأنه إذا مات على التوحيد على الإيمان ولم يأتي بناقض فإن الخلود هذا خلود مؤقت وإنما ساقه الله بهذا الطريقة للزجر ولبيان حرمة الدماء وإلا إن شاء الله جل وعلا عفا عنه وإن شاء عذبه قال الله جل وعلا {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء:48] هذا الأول .(2/18)
ـ والأمر الثاني : وهو قريب منه قاتل نفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر :{ أن من طعن نفسه فهو خالد في النار مخلدا فيها أبدا ومن حسا سما فهو خالد في النار مخلد فيها أبدا } وفي الحديث الآخر :{ عبد بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة } لكن هذه الأحاديث تحمل على أنها أحاديث وعيد يراد بصياغتها زجر الناس عن هذا العمل لا تحمل على أن صاحبها يخلد خالدا في النار لأن القرآن والسنة مع بعضهما أو كلاهما لايمكن أن يكون بينهما تعارض وقبل أن يحكم الإنسان على حديث ويفقه معناه يجب أن يجمع قرائنه وأمثاله في نفس الباب وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في الصحيح أن رجلين من الصحابة كانا في سفر رجل وابن عمه فأحدهما أصابه مرض فلم يصبر فقطع عروق يده فمات نزف حتى مات ثم إن صاحبه قبل أن يقدم إلى المدينة رآه في المنام وهو في هيئة حسنه إلا يديه مغلولة فقال له يا ابن عم ما فعل الله بك؟ قال:إن الله قد غفر لي كل شئ، قال: فما بال يديك، قال: إن الله قد قال لي إنا لن نصلح منك ما أفسدته من نفسك ،لأنه قتل نفسه بقطع عروقه.(2/19)
كم بينت فأخبر هذا الصاحب و أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبر القتل وبخبر الرؤيا فقال صلى الله عليه وسلم: { اللهم وليديه فاغفر اللهم وليديه فاغفر اللهم وليديه فافغر } موضوع الشاهد من الحديث قال العلماء / إن هذا يدل على أنه لا يخلد في النار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدعوا بالمغفرة لرجل كتب الله له الخلود في النار ذكرنا الطائفتين وذكرنا مسألة الوعيد أعظم ما يتمناه أهل النار ـ عياذا بالله ـ شربة الماء قال الله جل وعلا بعد أن بين في النداءات التي في الأعراف نداءات عدة ختمها الله بقوله {و َنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50] من هنا أخذ العلماء أن الصدقة إذا أطلقت أفضل ما تكون في الماء وثمة أحاديث تؤيد هذا المعنى فأهل النار أعظم ما يطلبون الماء يطلبون أول ما يطلبونه أولا من أهل الجنة كما نصت الآية فيجيبهم أهل الجنة { إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا } أي الماء أو الطعام {عَلَى الْكَافِرِينَ *الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ } [الأعراف:50،51] إلى آخر الآية ثم إنهم يستغيثون في النار نفسها قال الله في الكهف {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا} واقعة في جواب الشرط {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً } [الكهف:29] هنا يغاثون بماء كالمهل أي في منتهى الحر كالزيت فيقرب منهم ليشربوه فقبل أن يشربوه من أن يرفعوه بأيديهم إلى أفواههم تسقط فروة جلودهم من حر هذا النار فكيف إذا شربوه ـ أعاذنا الله وإياكم من هذا ـ {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً } [الكهف:29] أهل(2/20)
المعاصي في الدنيا من المؤمنين يعذبون إن كتب الله جل وعلا لهم النار يعذبون لهم فيها ما شاء الله لهم أن يعذبوا وقد مر معنا أن الله حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أعضاء السجود لكرامة هذا الفعل عند الله جل وعلا فمن عذب كأكلة الربا وأكلة أموال اليتامى ظلما والمصورون ومن ورد في حقهم العذاب والوعيد فإن النار تحرق منهم كل شئ إلا مواضع السجود .(2/21)
النار والجنة مخلوقتان موجودتان الآن ولا تبيدان ولا تفنيان وأهلها لا يرتحلون عنها و لا يبيدون فأما أهل الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم } وقال الله {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود : 108] وكذلك أهل النار خالدين فيها قال الله في الآية التي قبلها{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}[هود : 107] وأيا كان خلاف العلماء في الاستثناء هنا إلا أن أحدا لم يقل أن أهل الجنة يخرجون منها أو أهل النار يخرجون منها إنما اختلفوا في معاني الاستثناء على معان عديدة والله جل وعلا قال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } [فاطر : 36] وأخبر أنهم لا يخرجون منها{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}[فاطر : 37] هذه جملة ما يمكن أن يقال في الحديث عن النار ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ومر معنا مرارا أن النبي أدرك نبوته أربعة أعمام آمن منهم اثنان وكفر اثنان اللذان آمنا حمزة والعباس واللذان كفرا أبو لهب وأبو طالب فأبوا لهب كان عدوا وأمره مقضي أما أبو طالب فناصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذكروا كما مر معنا من شفقته أنه لما كانت قريش قد حاصرت النبي صلى الله عليه وسلم في شعب بني هاشم كان يأتي في الليل فيحمل النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم ويجعله ينام في منطقه ثم يأتي بأحد أبنائه ويجعله ينام في مكان النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا بيت قرشي عرف موقع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه(2/22)
في تلك الأيام لا يوجد ضوء عرف في أول الليل أين بات النبي صلى الله عليه وسلم ويريد أن يقتله ليلا يقتل ابنه ولا يقتل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص : 56] ومحبة الكافر غير جائزة فالله لا يتكلم عن{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص : 56] تحبه توده لكن المفعول به محذوف أي إنك لا تهدي من أحببت هدايته يعني لست قادرا على أن تهدي من تحب له الهداية من تحب له الخير من تحب له أن يدخل صراطك المستقيم وقريش كما مر معنا صنعت كل شئ لآلهتها إلا السجود لم تضع جباهها لما فيها من أنفه وهو أبو طالب يقول : كل مافي دينك حسن إلا أنني أضع جبهتي وأرفع عجيزتي وكان يقول :
ولقد علمت بأن دين محمدا
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة
لو جتني سمحا بذاك يقينا
قصيدة طويلة يثبت فيها أنه مقتنع تماما بكلام النبي صلى الله عليه وسلم لكن الأنفة كانت قريش تأتيه من هذه الأنفة أترغب عن دين آباءك أترغب عن دين عبد المطلب حتى مات وهو يقول بل على دين عبد المطلب هذا تنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الشفاعة لأهل النار الكفار منتفية الله يقول:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدّثر : 48] لكن استثني أبو طالب استثناء جزئي وهو يكون أهون أهل النار عذابا بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له . بقي أن نختم أيها المباركون إن النار مخلوقة خلقها الرب تبارك وتعالى فالسبيل الأعظم للنجاة منها أن نسأل من خلقها أن يجيرنا منها ، نسأل من خلقها أن يجيرنا منها ، وقانا الله وإياكم لفح جهنم . وصلى الله على محمد وعلى آله وهذه آخر الدروس والحمد لله رب العلمين .
بعون الله تعالى وتوفيقه
تم تفريغ ألبوم " أشراط الساعة " كاملا
ولله الحمد والمنة
***المخبتات***(2/23)
أسئلة الشريط الأول:& أكمل ’أكملي العبارات بما يناسبها،،،،س1:
1/ المهدي من أشراط الساعة الكبرى وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفته "............................................................................
2/ الشيعة الإمامية الإثنا عشرية الموجودون الآن يرون أن المهدي سيظهر لكن لا يقولون كما يقول أهل السنة أن اسمه محمد بن عبد الله الفاطمي الحسني العلوي لكنهم يقولون إنه .....................كما أنهم يقولون إنه هو موجود الآن حي في................... المدينة التي بناها ............. واسمه .............................. وهو آخر الأئمة
........... الذين تؤمن بهم ...........،
3/قال العلماء إن الآثار تدل على أن الدجال يظهر في مرحلة................. بين الناس.
4/الناس في المهدي على ثلاثة أقسام إما ......................................وإما..........................................وإما...........................................................،
5/ العصمة لا تثبت إلا...........و.............. فقط.
6/أحاديثه عليه الصلاة والسلام في الغيب نوع .......وليست نوع ........،
& & &
س2/ ما السر في أن جميع الأنبياء من قبل يحذرون أممهم من الدجال ؟
س3/ قال صلى الله عليه وسلم{سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر قالوا: نعم يا رسول الله...الحديث}
*ما هو قول الشيخ عمر بن سليمان الأشقر في هذه المدينة ؟
س4/ أرشد الشيخ حفظه الله إلى كيفية الخلاص من فتنة الدجال ،،،فكيف ذلك؟
****
أسئلة الشريط الثاني:
&&&&
س1/أكمل ،أكملي ،،،،،
1/ فرقة في الشيعة تسمى ............. يقولون بأن المهدي المنتظر هو.................نسبة إلى أن أمه من................ وهؤلاء كانوا موجودين.................. ،
2/ الناس في السابقين ماختلفوا في أحد كما اختلفوا في عيسى ابن مريم فاليهود يريدون
..........(2/1)
والنصارى .................. والمسلمون قالوا فيه ............................،
3/ يحكم عيسى........... لا ............. لأن الله قال في كتابه".................،
4/ ليس صنيع عيسى بناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لأن شريعته عليه السلام .................................،
5/في زمن عيسى يخرجون قبائل ..........و.................من ردم بناه عليهم.................. ،
6/ يمكث عيسى في الأرض .................،
7/يأجوج ومأجوج عند أكثر أهل العلم من ذرية...................،
& & &
س2/في حديث أبي موسى وغيره عند البخاري قال:" كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعا إلى المسجد يظنها الساعة أو خوفا من اقتراب الساعة فصلى بأطول قيام وسجود وركوع يفعله قط "
ـ أين الإشكال في الحديث؟
ـ وكيف أجاب العلماء عن هذا الإشكال ؟
س3/ من أين تخرج الدابة؟
س4/من الذي يهدم الكعبة ؟ وماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفته؟
****
أسئلة الشريط الثالث،،،
&&&&
س1/أكمل ،أكملي،،،،،
1/ الموت في معناه الحقيقي ...............................،
2/أوصى الصديق رضي الله عنه أن تغسله...........................،كما أوصى أنس بن مالك أن يغسله ...............................،وكان مشهورا بـ.......................،
3/يصلى على الميت كل مؤمن بار أو فاجر إلا ...............أو................... فهذان إمام المسلمين أو من ينيبه الإمام كأئمة الحرم لا يصلون عليهما لكن يصلي عليه............ و..................،
4/ يحشر الناس على .......................لم يعصى الله جل وعلا فيها قط قال الله جل وعلا .........................................................."،
س2/ المرأة لا يغسلها إلا امرأة إلا في حالتين،ماهما؟
س3/ماذا قال ابن تيمية غفر الله له ورحمه في عذاب القبر ونعيمه ؟(2/2)
س4/ اختلف العلماء في قول الله جل شأنه { إلا من شاء الله } من هم المستثنون في الآية؟ س5/كان القرشيون الأوائل ينكرون البعث والنشور جملة مع اعترافهم بوجود الله لكنهم ردوا على النبي $ قوله أن الله يحي العظام وهي رميم وأنه يبعث الموتى فأجابهم الله جل وعلا بثلاثة أدلة تدل على أنه يحي الموتى .ماهي هذه الأدلة؟
****
أسئلة الشريط الرابع
&&&&
س1/أكمل،أكملي،،،،،،
1/ دخول الجنة يستلزم .............. فلا بد أن يسعى الإنسان في ................،
2/ أول هذه الأمة دخولا هو....................ويقول بعض العلماء أن.................... أول المهاجرين هو أول من يدخل هذه الجنة.
3/ سموا العشرة بالعشرة المبشرين بالجنة لأنهم.................،
4/ النيران ثلاثة......................و......................و.......................،
5/الملائكة المذكورين نصا بأسمائهم الصريحة في القرآن خمسة وهم .................و.............و...............و................و................،
6/ من أعظم أسباب دخول النار بعد الكفر هي ............................،
س7/ الشفاعة لأهل النار الكفار ...........لقوله تعالى { .........................}،
لكن استثني ............استثناء ...........وهو يكون أهون أهل النار عذابا بـ................................له،
س2/هل الجن يدخلون الجنة أم لا؟
*ماهي الأقوال في ذلك وبما رد عليهم الحافظ ابن كثير؟
س3/هناك أحاديث عن أقوام ظاهر القرآن أو ظاهر الحديث على أنهم مخلدون في النار ومن أشهرها طائفتان ماهما؟
*****
تم بحمد الله
***المخبتات***
almokhbtat
وصلى الله على نبينا محمد $(2/3)
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله خالق الكون بما فيه ، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله ، نبي شرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره ، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فهذا أيها المباركون لقاء متجدد من برنامجنا أسرار التنزيل ، وقد بينا في لقاءات سبقت أن هذا البرنامج يُعني بإماطة اللثام عن أسرار كلام رب العالمين جل جلاله في كتابه العظيم القرآن ، والسورة التي نحن بصدد الحديث عنها هي " سورة النساء " وسنقف وقفة واحدة مع آية واحدة منها هي قول الله تبارك وتعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)، لكننا قبل أن نتحدث عن السر في هذه الآية المباركة نقول : إن سورة النساء هي إحدى السبع الطوال من القرآن ، والسبع الطوال من القرآن هن : ( سورة البقرة ، وسورة آل عمران ، وسورة النساء ، وسورة المائدة ، وسورة الأنعام ، وسورة الأعراف ) هذه ست بقيت السابعة أختلف فيها العلماء قيل هي التوبة والأنفال مجتمعة وقيل هي يونس ، بكل قال العلماء .
وكذلك قبل أن نزدلف إلى السر الذي نحن بصدد إماطة اللثام عنه في الآية ،أننا نقول : إن المرأة كرمها الله جل وعلا في دينه العظيم ، لأنها من جملة من قال الله فيهم :( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) .
ونساء المؤمنات الله تبارك وتعالى آتاهن من العطايا الشيء الكثير ، من ذلك :
? أن أول امرأة دخل قلبها الإسلام هي خديجة رضي الله عنها ، وبتعبير أوضح أن أول من دخل في قلبه الإسلام من هذه الأمة كانت امرأة وهي خديجة رضي الله عنها وأرضاها .
? وأن أول شهيدة في الإسلام وشهيد كانت سمية زوج ياسر أم عمار .(3/1)
? والنبي صلى الله عليه وسلم فاضت روحه وهو مسند رأسه الشريف وظهره إلى صدر امرأة ، هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها .
? وأمهات المؤمنين كرمهن الله جل وعلا بوصفهن أزواجا لنبينا صلوات الله وسلامه عليه .
? والأم كرمها الرب تبارك وتعالى بأن أعطاها من الحق أعظم ما يعطي الأب .
إلى غير ذلك من آيات القرآن ، نقف هنا عند الآية التي نحن بصدد الحديث عنها ، الله يقول : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ) ثم ذكر الله جل وعلا ما يكون أحيانا من النشوز من المرأة ضد زوجها ، أصلا ما النشوز ؟
النشوز في اللغة: الارتفاع ، فأحيانا تكون المرأة إما أن تكون ذات نسب ، أو تكون ذات مال ، أو تكون ذات حسب ، أو تكون ذات وظيفة أعلى من زوجها أوأن يكون في خلقها أصلا الرفعة والكبر هذه الأمور تدفعها لأن ترتفع على زوجها ، ولا يصبح منها طاعة أوجبها الله جل وعلا عليها نحو زوجها ، هذا كله جملة يسمى في عرف الشرع نشوزا .
هذا النشوز عالجه القرآن ، بطرائق ثلاث :
1. قال الله جل وعلا : (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) فذكر الله الطريقة الأولى في قوله جل ذكره : (فَعِظُوهُنَّ)،
ومعنى عظوهن: ذكروهن بحالهن وحال ما ينبغي عليه أن تكون المرأة من حال مع زوجها ، يقول صلى الله عليه وسلم : (لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ) لعظيم حقه عليها ، فحق الزوج على زوجته عظيم والنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا بعد أن جاء معاذ من الشام ووقعت له مع النبي صلى الله عليه وسلم حادثة ، فيعظ الرجل زوجته إذا رأى منها نشوزاً وعظاً ، والوعظ : ما ختم بترغيب أو ترهيب ، فيخبرها بما لها عند الله إن أطاعته ويحذرها بما لهاعند الله من العقاب إن هي عصته ، هذا الوعظ .
2. لو قدر أن ذلك الوعظ لم يؤتي ثمره فينتقل الزوج إلى الهجر في الفراش قال الله جل وعلا :
((3/2)
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) ، وقد يقول قائل إن أكثر الرجال اليوم غير معددين فكما تتضرر المرأة يتضرر هو ، والجواب عن هذا: أن وإن كان الرجل يتضرر والمرأة تتضرر إلا إن في ذلك كسر لأنوثتها ، والمرأة جبلة لا تحب أن تقدح في أنوثتها فهجر الفراش فيه كسر غير يسير لأنوثتها ، وأن الرجل لا يرغب فيها ، وهذا مقتل في حق المرأة ، ولهذا قال الله جل وعلا : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)
3. ثم قال ربنا يبين الطريقة الأخيرة قال : (وَاضْرِبُوهُنَّ) وقد جاءت السنة تدل وتوضح على أن
الضرب هنا يكون ضربا غير مبرح غير مؤلم غير محدث أثرا .
هذه الطرائق ذكرها الله جل وعلا بالترتيب والمراد الترتيب في معالجة نشوز المرأة .
إلى الآن لم نصل إلى ما نريد أن نميط اللثام عنه ، قال الله بعدها : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) ثم قال يختم الآية وهو أصدق القائلين وكلامه معجز قال : (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) لاحظ لم يقل : " إن الله كان غفورا رحيما " مع أن الله غفور رحيم ، ولم يقل "إن الله كان عزيزا حكيما " مع أن الله عزيز حكيم ، لكن قال جل شأنه : (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فإن شعرت في نفسك بكونك زوج لك سلطة لك قدرة على زوجتك فحتى لا تبقي للشيطان مدخلا ، ولا يكون للشيطان سبيل إليك في أن يدفعك في أن تظلم من تحتك وهي زوجتك في المقام الأول ذكرك الله جل وعلا باسمين عظيمين من أسمائه يتضمنان صفتين عظيمتين من صفاته ، فقال جل وعلا : (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فمن تحقق في قلبه ووقر في قلبه أن الله علي كبير مطلع عليه قادر عليه خاف الله جلا وعلا في المرأة التي بين يديه .(3/3)
ولا يمكن أن يفهم القرآن بمعزل عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو عليه الصلاة والسلام يقول : ( لقد طاف بآل محمد نساء يشكين أزواجهن ) ثم قال : ( ليس أولئك بخيراكم ) أي أولئك الرجال الذين شُكوا من قبل النساء ليسوا بالخيار لأن تسلط الرجل على المرأة وظلمها، ضعف فيه ضعف في شخصيته وإن ظن ظان أنه قوة في الشخصية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أكمل الخلق وأجلهم عليه الصلاة والسلام وقد كان يقول : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا – عليه الصلاة والسلام يقول :- خيركم لأهلي ) كما أنه صلى الله عليه وسلم لما حدثته بالحديث الطويل المعروف بحديث أم زرع ، وذكرت فيه مناقب ما حصلت عليه أم زرع من زوجها أبي زرع ،قال صلى الله عليه وسلم : "كنت لك كأبي زرع لأم زرع إلا أني لا أطلقك " لأن أبى زرع طلق زوجته .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم ) وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم " أي كالأسارى.
فالرجل العاقل اللبيب يؤدب ، وأحياناً يخفي الله جل وعلا يقول : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً) ثم قال : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) فشيء يظهر وشيء يضمر ، شيء يقال وشيء لا يقال ،نعم ينبغي أن تكون للرجل طرائق سياسة يتعامل بها مع زوجته ، لكن لا يصل الأمر إلى حد الظلم ، يقبل من الزوج أن يكون حازما والعرب تقول :
فقسى لي الزجر ومن يك حازما ** فليقسوا أحيانا و أحياناً يرحم(3/4)
لكن كما قال ربنا وحذرنا : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) وهذا السر هو الذي من أجله ختم الله جل وعلا هذه الآيات ، بقوله : (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فالعلي : اسم من أسماءه ، وله جل وعلا علو الذات ، وعلو القدر ، وعلو الصفات ، كما أنه تبارك وتعالى من أسمائه الحسنى أنه كبير ، وأنه جل وعلا من صفاته تبارك وتعالى الكِبْر ، فهو جل وعلا بهذا التذييل لهذه الآية يخوف عباده المؤمنين وأوليائه المتقين ،أن لا يتجاوزوا الحدود ، حتى لا يفهم أحد أن الإذن الشرعي بقول الله جل وعلا (وَاضْرِبُوهُنَّ) أنه يطلق يده الزوج على زوجته .
فمن أراد أن ينقل مجد الإسلام إلى الغير يجب أن ينقله كاملا ، لأنه لو قدر أن رجلا غريبا لا يفقه الدين ، ثم تلونا عليه قول الله جل وعلا : (وَاضْرِبُوهُنَّ) دون أن نبين له ما جاء في خاتمة الآية (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فدون أن نبين له سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة وأيامه النظرة مع أزواجه لفهم الدين فهما خاطئا لأننا لم نحسن نقل النص الشرعي إليه ، وأحيانا يقع منا الخطأ من وجهين :
? لا نحسن أحينا كيف ننقل النصوص إلى غير المسلمين فندعوهم .
? وأحيانا لا نحسن عياذا بالله كيف نتعامل مع النصوص ، وكيف نقدم الصورة المثلى والحقيقة للغرب
ولغير الغرب ، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعيشون .
أبيت اللعن ما أدركت ديني ** ولو أدركته لرأيت دينا
فكم يعزى إلى الإسلام ذنب ** وكل الذنب ذنب المسلمين(3/5)
هذا التذيل في قول الله جل وعلا يذكرك والحديث المبارك يربط بعضه بعضا ، لبعض التذيل في القرآن فالله جل وعلا يقول في غير سورة النساء ، قال في المائدة : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ) قال بعدها : (وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ولهذا يقال إن رجلاً من الأعراب على سليقته تُليت عليه آية : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) لكن الذي كان يتلوها عليه التبس عليه وارُتج عليه كما تقول العرب ولم يتبين له حفظه فقرأ " والله غفور رحيم " فقال الأعرابي بداهة ما أظنها كذلك ، فتدارك من يقرأ الآية فقال : (وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، فقال : نعم هي كذلك ، فلما سئل قال : عز فحكم فقطع .ولو غفر ورحم لما قطع .
والقرآن أيها المبارك معجز كله ، قال الله جل وعلا : (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ونحن في هذه اللقاءات المتتابعة الموسومة بأسرار التنزيل سنحاول في كل لقاء أن نُميط اللثام ونكشف بعض الأسرار من كلام ربنا الكبير المتعال ، وفي ذلك قربى عظيمة لله لنا عند ربنا تبارك وتعالى ، قال شوقي يتحدث عن عظمة هذا الكتاب :
جاء النبيون بالآيات فانصرمت ** وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كلما طال المدى جدد ** يزينهن جلال العتق والقدم(3/6)
وإن من أعظم دلائل التوفيق أن الإنسان يوفق إلى أن يفقه ويتدبر هذا الكتاب المبين ، وأرجو الله أن يكون في هذه اللقاءات وتتابعها إماطة لثام عن كثير وكثير من أسرار القرآن مع علمنا أن القرآن أعظم من أن يفقهه شخص واحد ، وإنما العلم نور يقذفه الله جل وعلا في قلب من يشاء من عباده ، وهذا ما تحرر إيراده وأعان الله على قوله حول وقفة مع آية سورة النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) حاولنا جاهدين أن نقرب فيها المعنى وندنيك أيها الأخ المبارك من قطوف القرآن الدانية ، سائلين الله أن يزيدنا وتوفيقا وعملا بما نعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .(3/7)
برنامج" أسرار التنزيل " الحلقة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلن تجد لهُ ولياً مُرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره ، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فهذا لقاءٌ مُباركٌ مُتجدد من برنامجنا(( أسرارُ التنزيل)) وقد مرّ معنا في درُوسٍ خلت ولقاءاتٍ سبقت أن هذا البرنامج نُحاول من خلالهِ إماطة اللثام عن بعض آيات القرآن العظيم نجعل السورة هي الأصل ثُم نُبحرُ في بعضٍ آياتها ، السورة التي نحنُ بصدد الحديث عنها اليوم هي ((سورة المائدة)) وهي سورةٌ مدنية تُعد رابع السور الطوال وقد قُلنا أن السبع الطوال هُن : البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وذكرنا بعد ذلك الأنعام والأعراف وذكرنا الخلاف في تحديد السورة السابعة .
سنقف مع موقفين نُميط اللثام عن أسرارهما في هذه السورة .
الموقف الأول :(3/1)
قال الله لنبيهِ فيها{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ}المائدة27 ) والآيات تذكُر نبأ ابني آدم وهما ابنا آدم لصُلبهِ قابيل وهابيل كما قال جمهرةُ أهل التفسير . حدث بينهما نزاعٌ حول أيهُما أحقُ بالبنت التي يُريد أن يتزوجها وقد مضت سُنة الله في خلقهِ آنذاك أن آدم كان يُزوجُ الحمل الواحد ـ تحمل حواء بالذكر والأُنثى فيزوج الذكر من حمل بالأنُثى من الحمل الثاني وكذلك الأُنثى من ذلك الحمل بالذكر من الحمل الثاني ، إلا أن قابيل لم يقبل ذلك فنجم عن ذلك أنهُ قرّب كلٌ منهما قُرباناً إلى ربهِ ، فهابيل اختار أطيب ما يملك وقابيل أساء الظن بربهِ فلم يختر أطيب ما يملك فبعث الله ناراً فأكلت قُربان هابيل أمارةً على قبولهِ وتركت قُربان قابيل أمارةً على عدم قبولهِ قال الله : {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} دب الحسدُ في قلب قابيل فخطا إلى أخيهِ يُريد أن يقتُله لكن ذلك الأخ لم يكُن أضعف من أخيهِ لكن لجام التقوى عظيم قال:{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }المائدة28 ) لكن ذلك الأخ قابيل لم يتعظ بقول آخيهِ فعزم على قتلهِ فقتلهُ فلما قتلهُ لم يُكن قد جرت سُنةٌ للهِ في الأرض آنذاك كيف يُصنعُ بالموتى فحار قابيل بأخيهِ ماذا يصنعُ به ويظهر ـ والعلمُ عند الله ـ أن آدم كان بعيداً عنهُم آنذاك ، قال الله جل وعلا ـ وهذا الذي نُريد أن نُميط اللثام عنه قال{فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ}المائدة31 ) ـ الآن تأمل ـ قابيل لما عجز لم يدري كيف يصنع بأخيهِ الميت بعث الله غُراباً يختصمُ مع غُراب آخر فقتل(3/2)
الغرابُ الغُراب الآخر ثم حفر لهُ أي يبحث في الأرض ثم واراه فعرف قابيل كيف يصنع بجُثة آخيهِ ـ أُنظُر كيف أهان الله قابيل ـ لم يبعث الله أياً من الدواب غير الغُراب ليُري قابيل كيف يصنعُ بجُثة أخيهِ قال الله :{فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً}والغُراب أحدُ الفواسق المنبوذة في الأُمم كُلها ،
والعربُ تقول :
إذا كان الغرابُ دليل قومٍ *** دلهمُ على جيفِ الكلابِ
فهذا قابيل اضطُر إلى أن يقول:{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي}فنطق بنفسهِ وحكم على صنيعهِ بقولهِ :{ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ }وهذا يدلُك على أن الإنسان كرمهُ الله بالعقل أولاً قبل أن يدخُل في الدين ،ثم كرّمهُ بما هو أعظم من العقل وهو نعمة الإسلام قال ربُنا{وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ {3} فبالإيمان والعمل الصالح يرتقي العبدُ ويرتفع وبالمعصية وانتهاك الحدود وتجاوز المحارم يُهانُ العبدُ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ }التين5) فقابيل لما تخلى عن طاعة ربهِ وتجاوز الحد وانتهك المحارم وقتل أخاه فقطع الرحم وأفسد في الأرض ،
_ واللهُ جل وعلا في شرائعهِ كُلها جاء بثلاثة أمور اتفقت الشرائع كلها على النهي عنها ألا وهي :
الشرك .
وقتل النفس بغير حق .
و الزنا.(3/3)
ولهذا قال اللهُ في آيةٍ مكية{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ }الفرقان68 ) فهذه الثلاث قال العُلماء : "جاءت الشرائعُ كُلها بتحريمها ونبذها ونهي الناس عنها "، فقابيل لما أقترف هذا الإثم وتجاوز الحد بعث اللهُ إليهِ غُراباً لًيريهِ ـ وانظر التلازُم ما بين فسق الغُراب وفسق قابيل لما انتهك الدم وتجاوز الحد ـ و من هُنا يُعلم أن الدماء الأصل فيها أنها معصومة إلا دماء المحاربين من أعداء الملة، والإنسان العاقل يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزال المرء في فسحةٍ من دينهِ ما لم يُصب دماً حراما " فانتهاك الحدود وتجاوزها وقتل النفس التي حرم الله جل وعلا من أعظم الآثام وأشد طرائق الإجرام ، هذا السرُ الأول في السورة الذي وقفنا عندهُ وهو كيف أن الله جل وعلا قال: {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً } ليقول بعدها ذلك القاتل :{أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي } .
الموقف الثاني :(3/4)
الذي نُريد أن نزدلف إليهِ في سورة المائدة في خواتيمها ، ذكر الله جل وعلا ما يكون يوم القيامة :{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }المائدة117 وكل ما مضى ـ أيُها المُبارك ـ ظاهرُ المعنى واضح في أن عيسى عليه السلام يتبرأ مما زعمتهُ النصارى من أنهُ إله وأنهُ بيّن لهُم الدين الحق .
ما الذي نُريدٌ إذاً أن نُميط اللثام عنه ؟ ما بعدها . قال الله جل وعلا ـ أن عيسى يقول ـ :{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ }المائدة118) لم يقُل عيسى فإنك أنت الغفور الرحيم قال{فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }وهذا قد يُظهرُ لبساَ، ولهذا نُريد أن نُميط اللثام عنه :
هناك كلمة ذائعة عند الناس لم تعُد شيئاً مخصوصاً على نُخبة وهو قولهم [ لكُل مقامٍ مقال ] البلاغيون يسمونهُ "مُراعاة مُقتضى الحال" .(3/5)
هذا عيسى عليه السلام العبدُ الصالح والنبي الكريم راعى مُقتضى الحال فإن يوم القيامة يومٌ شديدُ الخطب ، لقد جاء في الأثر أن الأنبياء يقولون : { إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبلهُ ولا بعدهُ مثله } فراعى عيسى هذا الوضع فقال {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } لم يقُل فإنك أنت الغفور الرحيم لأنهُ لو قالها كأنهُ يُظهرُ أنهُ يُملي على الله ما يفعل ـ والأنبياء منزهون عن هذا أن يقولوه ـ ولا أحد يقدر أن يُملي على الله ما يفعل تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }الأنبياء23) لكن تأدب عيسى فقال (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أي الخلقُ خلقُك والمُلكُ مُلكُك والأمر أمرك وأنت اللهُ لا إله أنت تحكمُ ما تشاء وتفعلُ ما تُريد .
فعيسى عليه السلام راعى مُقتضى الحال هُنا تأدُباً مع ربهِ الكريم العظيم الجليل جل جلالهُ واستشعاراً بعظمة الموقف إذ أن الشفاعة نفسها يتدافعهُا الأنبياء كما بلغك من حديث الشفاعة من نوحٍ إلى إبراهيم إلى موسى إلى عيسى حتى تُنيخ مطاياها عند نبينا صلوات الله وسلامهُ عليه ، رزقني الله وإياك شفاعتهُ في موقف الحشر العظيم .(3/6)
من هُنا يتبين أن الإنسان إذا راعى مُقتضى الحال يدلُ ذلك على سمو عقلهِ وعلى كمال نفسهِ وعلى جليل أدبهِ ، فإن ازدلفنا من هذا الخبر القرآني إلى خبرٍ يختصٌ بأحد عُلماء الملة ِ أبو حنيفة النُعمان رحمهُ الله يقولون فيما يروون عن سيرة هذا الإمام العظيم ـ حتى نستشهد بقريب من النص القرآني الذي نحنُ فيهِ ـ : أن أبا حنيفة رحمةُ الله تعالى عليه وهو إمامٌ من أهل السُنة نازعهُ رجُلان من الخوارج في رأي ، والخوارج الأولون كانوا يرون أن مُرتكب الكبيرة كافر فجاءا إليهِ ومعهما السيف ـ كلٌ منهما بسيفهِ ـ فوقفا على رأسهِ وقالا لهُ بالباب ـ أي في باب المسجد ـ جنازتان : جنازةٌ رجُلٍ شرب الخمر فغصّ بها فمات قبل أن يتوب وجنازةُ امرأةٍ حامل من الزنا ماتت قبل أن تتوب ، والسؤال !؟ ما تقول فيهما مُسلمان أم كافران ؟(3/7)
وقُلنا إن الخوارج يرون أن هؤلاء يُطلق عليهما كُفار وهما يُريدان منه أن يقول بكُفرهما أو أن يقتُلاه فقال رحمهُ الله ـ وهذا من دهائهِ وذكاءهِ وفقههِ ـ أيهوديان هُما ؟ قالا : لا ، قال : أنصرانيان هما ؟ قالا : لا ، قال : "سُبحان الله أمجوسيان هُما ؟ قالا : لا ، قال : فمن أي الناسِ هُما ؟! فقالا دونا أن يشعُرا مُسلمان من المُسلمين ،قال أنتُم حكمتُم أنتُم قلتُم أنهم مسلمون ، فقالوا : دعنا من ألاعيبك ـ أرادوا أن يحددوا الجواب حتى يُجبراه على رأيهما والسيوف تلمع وتبرق في أيديهما ـ قالا قُل لنا هما في الجنة أم في النار ؟ ـ وانظر كيف ضيقا الخناق عليهِ ـ هنا قال أبو حنيفة : أقول فيهما ما قالهُ خيرٌ مني فيمن هو شرٌ منهما أقول فيهما ما قال إبراهيم ({رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }إبراهيم36 ) وكما قالهُ عيسى ابن مريم: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .وقع هذا القول منهما موقعاً عظيما فألقيا السيف من أيديهما وأخذا يُقبلان رأسهِ ويشهدان لهُ بالإمامة في الدين والفقهِ فيهِ .
فانظر كيف استطاع هذا الإمام الموفق أن يستشهد بقول عيسى ابن مريم في مُراعاة مقتضى الحال (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .(3/8)
وهنا تقف على أن القرآن ذخرٌ عظيم لمن يُريد أن يستشهد ، ولا يليق بطالب العلم وهو يُريد أن يؤصل مسالة أو أن ينقُل حقيقةً أو أن يُقرب واقعاً للناس شرعياً فقهياً عقدياً دون أن يكون ارتكازهُ الأول على كلام الله جل وعلا ، يقول شيخُنا الأمين الشنقيطي رحمهُ الله في القرآن : يقول السُنة كلها في آيةٍ واحدة هي قول الله جل وعلا (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7)] ، وقد قال الإمام السيوطي رحمهُ الله : [ الوحي وحيان وحيٌ تعبدنا الله بكتابتهِ وتلاوتهِ وهو القرآن و وحيٌ لم يتعبدنا الله بكتابتهِ ولا بتلاوتهِ وهو السُنة ] لكن ذلك لا يعني إغفالُها بل السُنةُ قرينةُ القرآن في كلام الرب جل وعلا ،إلا أن الله لم يتعبدنا بتلاوتها كما تعبدنا بتلاوة القرآن.
_ والمقصود من هذا كُلهِ ـ أيُها المبارك ـ أن تعلم أن القرآن عظيم وأن مقصودنا في مثل هذه اللقاءات إماطة اللثام وبيان أسرار القرآن وكشفها وتقريبها للناس ما استطعنا إلى ذلك سبيلا .
هذا ما أعان اللهُ على قولهِ حول هذه السورة المباركة سورة المائدة وقد رأيت ـ أيها المبارك ـ أننا وقفنا وقفتين معها : وقفة مع قول الله جل وعلا (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ ) وحررنا لما قال الله جل وعلا: (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ) .
والوقفةُ الأُخرى : مع ما حكاهُ الله جل وعلا عن الموقف العظيم يوم القيامة من قول عيسى ابن مريم كما نص الله في كتابهِ (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
والله المستعان أن يزدنا وإياك توقيفا وأن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .
وصلى الله على محمدٍ وعلى آلهِ والحمدُ لله رب العالمين .(3/9)
برنامج " أسرار التنزيل " الحلقة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته قول قائل ولا يجزي بآلائه أحد وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكراً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد
أيها المباركون (( أسرار التنزيل )) هو عنوان لقاءاتنا المتتابعة التي نحاول قدر الإمكان أن نقرب من خلالها بعض معاني آيات الكتاب العظيم.
السورة اليوم هي (( سورة الأعراف )) وهي سورة مكية ذكر الله جل وعلا فيها لفظ الأعراف مرتين وسميت بذلك الاسم والأعراف سور أو تل أو جبال بين الجنة والنار قال الله جل وعلا (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ) (سورة الأعراف: 46)
هذه السورة المباركة سنقف مع آيتين منها:
الآية الأولى : هي قول الله جل وعلا (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ) (سورة الأعراف: 133)
والموقف الثاني مع قول الرب تبارك وتعالى في هذه السورة (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) (سورة الأعراف: 185) فما ترانا عسانا أن نقول في هاتين الآيتين اللتين نريد نميط اللثام عن السر فيهما .
أما الآية الأولى :(3/1)
فإنك تعلم أيها المبارك أن الله جل وعلا أرسل موسى وأخاه هارون إلى فرعون وآله وأن فرعون قابل دعوة الله بالاستكبار (فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (سورة النازعات: 23/ 24) أعطى الله جل وعلا موسى آيات بيّنات هذه الآيات أجملها الله في موقف وموضع وقال تسع وفصلها بعد ذلك في كتابه قال (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) (سورة الأعراف: 130) هاتان آيتان وقال (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ) (سورة الأعراف: 133) هذه خمس مع الاثنين التي سلفت هذه سبع والباقي وهو في الترتيب الأول العصا وإدخال يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء هذا إجمال أردنا به تقريب كلام الكبير المتعال فما أسرار التنزيل هنا .
أسرار التنزيل أن الله قال (وَقَالُوا ) أي آل فرعون ( مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (سورة الأعراف: 132) قال ربنا (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ) ثم قال (آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ) (سورة الأعراف: 133)
نريد في هذا اللقاء أن نميط اللثام لما قال الله( آياتٍ) ولما قال الله (مُفَصَّلاتٍ)؟
فأما الأول :(3/2)
فما الطوفان ؟ ماء يفيض .ما الجراد ؟ حيوان يعرفه كل الناس .ما القمَّل ؟ حيوان يدب في الشعر لا يكاد يجهله أحد. ما الضفادع ؟ حيوانات تسكن الماء لا يكاد أحد يجهلها. ما الدم ؟ لا أحد يجهل الدم. إذاً أين الآيات هنا فالطوفان موجود في كل مكان فيضان الماء والقمَّل موجود في كل مكان والضفادع موجودة في كل مكان لذلك لما قال الله (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ) قال بعدها ربنا ( آياتٍ) علمنا أن كلمة آيات أفادت أن هذه الأشياء خارجة عن المألوف أي أن الماء فاض فيضاناً ليس معهودا هذا الطوفان وأن الجراد كان يأتيهم إتياناً غير معهود فأضحى لا حول لهم به ولا قوة لم يترك لهم أخضر ولا يابس وأما الضفادع كانت تسكن معهم حتى في بيوتهم فلم ينتفعوا بشرابٍ أبدا وأن قول ربنا تبارك وتعالى (وَالْقُمَّلَ) أن القمَّل دبّ في رؤوسهم وآذاهم جميعا من يغتسل منه ومن لا يغتسل خرج عن كونه قملاً معروفا وكذلك الدم كانوا لا يتناولون ماء إلا وجدوه عبيطاً أحمر فأظهر في ذلك نكد عيشهم هذا الذي أفاده قول الله جل وعلا ( آياتٍ) .
فما الذي أفاده قول ربنا (مُفَصَّلاتٍ) مفصلات أي أن هذه الآيات الخمس لم تقع في وقت واحد لم تقع في وقت واحد فيأتيهم الطوفان فلا يتعظون ثم ينتهي وينقضي فيأتيهم الجراد فلا يتعظون فينتهي وينقضي ويأتي القمًّل وهكذا و الضفادع والدم فأفادت كلمة ( آياتٍ) أنه خروج عن المألوف وأفادت كلمة (مُفَصَّلاتٍ) أنه لم يقع في زمن واحد ولا في وقت واحد .
ومن هنا تعلم بلاغة القرآن وأنه حقاً بلا ريب هو كلام الله الكبير المتعال جلّ شأنه هذا الموقف الأول في سورة الأعراف .(3/3)
الذي نريد أن نبحر فيه في سورة الأعراف خلاف ما ذكرناه أن الله قال فيها (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) (سورة الأعراف: 185)
الفعل نظر أيها المبارك جاء في القرآن على ثلاثة أضرب:
(نظر في ) و(نظر إلى) و(نظر من غير تعدٍ بحرف جر) واضح لكل واحد منها معنى الآن تأتي إلى رجل فتخطب منه ابنته فيقول لك دعني أنظر في الأمر ما معنى دعني أنظر في الأمر أي أفكر أتأمل أستشير ومداره على التفكر فقول الله جل وعلا(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ما معناه معناه أولم يتفكروا؟ ويدل عليه قول الله جل وعلا (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (سورة آل عمران: 191) هذا واضح نتجاوز الآن نظر إلى نأتي إلى نظر من غير حرف جر المنافقون يوم القيامة يُعطون نوراً فإذا جاءوا على الصراط يطفئ النور الذي معهم فينادون المؤمنين والمؤمنون قبلهم على الصراط ماذا يقولون قال الله عنهم أنهم يقولون (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) (سورة الحديد: 13) ما معنى انظرونا أي تمهلوا أمهلونا إذاً نظر من غير تعدً بحرف جر تعني تمهل يسموه العامة اليوم احترِِ يعني هذا نظر من غير تعدً بحرف جر بقينا في نظر إلى نظر إلى جاءت في القرآن بمعنى النظر بالبصر النظر إلى البصر (انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ) (سورة الأنعام: 99) الله جل وعلا يقول فالنظر إلى الشيء النظر إليه بعين البصر نظر إلى .
لماذا أتينا (بنظر إلى) في الأخير ؟(3/4)
حتى نلحق فيها مسألة عظيمة وهي مسألة عقدية وهي أن الرب تبارك وتعالى يمن على عباده الصالحين جعلني الله وإياكم منهم بشرف ولذة النظر إلى وجهه الكريم فلما قال ربنا في سورة القيامة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) (سورة القيامة: 22) بالضاد أخت الصاد أي من النضرة والجمال والبهاء بسبب ماذا قال ربنا بعدها (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (سورة القيامة: 23) فتعدى بحرف الجر إلى ففهمنا أن الإنسان المؤمن يشرفه الله بأنه ينظر إلى وجه ربه تبارك وتعالى يوم القيامة وهذا عطاء عظيم وموئل كريم بلغني الله وإياكم إياه، فتأملنا في فعل نظر فوجدناه على هذا الأضرب أقصد العلماء من قبل ففهمنا أن من أعظم العطايا و أسخاها لذة النظر إلى وجهه ،وفي هذا رد على من ذهب كالمعتزلة مثلاً على أن الله جل وعلا لا يرى يوم القيامة بل إن الله جل وعلا من أعظم ما يعذب به أهل الكفر أنه جل وعلا يحرمهم لذة النظر إلى وجهه قال ربنا (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (سورة المطففين: 15) ولا عذاب أشد عليهم من أن يحجبوا عن رؤية وجه الله الكريم العظيم كما أنه لا عطية يعطاها المؤمنون أعظم من لذة النظر إلى وجه الله الكريم جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا ألم يبيض وجهنا ألم يجرنا من النار فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى ) والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح قال ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) التشبيه هنا تشبيه حال الرائين لا تشبيه المرئي فالله جل وعلا خالق والقمر مخلوق لكن كما أن الناس لا يضامون في رؤية القمر لأن القمر عالٍ(3/5)
ولا يزدحمون على رؤيته فكل أحد بإمكانه أن يرى القمر فكذلك لا يضامُ أهل الجنة في رؤية وجه ربهم الكريم جل جلاله رزقني الله وإياكم هذا الحظ العظيم يوم القيامة .
المقصود من هذا بهذا التأمل والتدبر وإماطة اللثام والكشف عن أسرار القرآن اتضح لنا الفرق العظيم بين الفعل نظر متعدٍ بحرف الجر إلى ومتعدٍ بحرف الجر في وعندما لا يتعدى بحرف جر
إن ازدلفنا إلى فعل آخر ولو لم يكن في سورة الأعراف فعل استوى ورد في القرآن متعدياً بحرف الجر إلى وبحرف الجر على ووقع لم يكن متعدياً بحرف جر فمثلاً قال الله جل وعلا (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) (سورة البقرة: 29) أي قصد السماء اتجه إلى أمر السماء جل جلاله ،وقال جل وعلا (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) (سورة الزخرف: 13) العلو و الارتفاع ومنه قول الله جل وعلا (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (سورة طه: 5) فهذا يفيد العلو وإن كنا نؤمن جميعاً معشر أهل السنة أن هذا الاستواء استواءً يليق بجلاله وعظمته فهو كيفيته مجهولة لأن الله يقول عن ذاته العليّة (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (سورة طه: 110) بقي الفعل استوى غير متعدٍ بحرف الجر إلى ولا متعدياً بحرف الجر على فيكون بمعنى التمام والكمال والنضج قال الله جل وعلا عن بعض أنبياءه (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً) (سورة القصص: 14)(3/6)
ومن هنا تفقه أن الإنسان لا يعجل في فهم القرآن وأن عليه أن ينظر في الأشباه والنظائر واستعمال القرآن للحرف أو للفعل أو للاسم حتى لا يكون الحكم جزئياً ولا يكون الحكم ناقصاً قبل أن يمليه على الناس أو يدل الخلق أو العباد إليه وهذا كله من التأدب في فهم كلام الله ولا ريب أن لغة العرب هي الآلة العظمى في فهم كلام الله لأن القرآن عربي وأنزل على نبي عربي والله جل وعلا يقول (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (سورة فصلت: 3) ففهم القرآن يبنى على آلات عظيمة كثيرة من أعظم تلك الآلات أن يكون الإنسان عليماً بصيراً بلغة العرب وقد مر معكم في دروس لنا سلفت أن شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه يحكى أو يروى عنه أنه لما مر على دولة السودان المباركة واستضافه أهل السودان فأرادوا أن يكرموه فأقاموا له مجمعاً يسأله الناس وإكرام العالم سؤلُه أي سؤاله فسألوه عن آخر كتاب قرأ فاشرأبت أعناقهم على أنه سيقول لهم كتاباً شرعياً دينياً فإذا بالشيخ يقول آخر كتاب قرأته كتاب أو ديوان شعر "عمر بن أبي ربيعة "وعمر بن أبي ربيعة شاعر غزل فتعجب الحاضرون وضج المجلس فقال رحمه الله :"إنني أقرأه لأفهم كلام العرب فإذا فهمت كلام العرب استعنت بذلك على فهم كلام ربي تبارك وتعالى" فانظر أي شأنٍ للغة العرب في فهم كلام الله ولذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما له باع كبير في فهم لغة العرب ولهذا كان ذلك أحد أسباب أنه عُدَّ ترجماناً للقرآن وهو الحبر الأول رضي الله عنه وعن أبيه وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يفقهه الله في الدين وأن يعلمه التأويل وتحققت فيه رضي الله عنه وأرضاه دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم .
هذه بعض أسرار التنزيل حول سورة الأعراف قلناها على عجل بما يتسع له المقام وإلا كلام الله جل وعلا أكبر وأجل(3/7)
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وأن يبارك لنا في ما نقول ونفعل والله المستعان وعليه البلاغ والحمد لله رب العالمين.(3/8)
برنامج "أسرار التنزيل" الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حتى ترضى و لك الحمد إذا رضيت و لك الحمد بعد الرضا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الرحمن على العرش استوى . وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد
هذا لقاء متجدد من برنامجكم ((أسرار التنزيل)) وكفانا وإياكم شرفاً أننا نتدارس كلام رب العالمين جل جلاله ، كما حررنا من قبل وتحدثنا فيما سلف.
السورة التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم هي ((سورة الأنفال)) وهذه السورة المباركة عنيت كثيراً بأمر ما كان في موقعة بدر وأحد ، إلا أننا نريد أن نبين أموراً..
الأنفال في اللغة : جمع نفل . و النفل : الزيادة . كل شئ زاد عن ما هو أصل يسمى نفل، ولهذا نحن إذا تقربنا لله جل وعلا بركعتين بعد المغرب زيادة على الفريضة تسمى هذه نافلة ، وعندما يولد للرجل ولد من طريق ابنه أي حفيد أو سبط إذا كان بنتاً يسمى هذا نافلة ولهذا سمى الله جل وعلا يعقوب نافلة بالنسبة لمن ؟ بالنسبة لإبراهيم لأن الله منَّ على إبراهيم بإسحاق فكان يعقوب بالنسبة لإبراهيم نافلة أي زائد.
ما يغنمه المسلمون في المعركة يسمى نفل .. لماذا ؟ لأن الأصل أنهم يريدون النصر فليست الغنائم مقصودة أولاً وإنما هي عطية من الله لهم أباحها لهم . و النبي صلى الله عليه وسلم أحلت له الغنائم .. هذا واضح !(3/1)
إذا وضح هذا فإن الله يقول وهو أصدق القائلين {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} (الأنفال 1) عندما نسمع (يَسْأَلُونَكَ) إذن هناك سائل وهناك مسئول وهناك مسئول عنه .. من السائل هنا؟ الصحابة .. لماذا سألوا؟ لأن يوم بدر كان أول معركة يخوضها أهل الإسلام لم يكن لهم معارك من قبل فيمضوا على سننها وعلى طريقتها ، انتصروا في يوم بدر برحمة من الله وفضله ، غنموا غنائم فلم يعلموا ولم يعرفوا كيف يتصرفوا فيها فالذين كانوا حازوا الغنائم قالوا نحن أولى بها ، والذين تبعوا فلول أهل الإشراك قالوا نحن أولى بها ، والذين بقوا يحمون النبي صلى الله عليه وسلم في العريش قالوا نحن أولى بها وأحق ، تنازعوا فيها . فذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن هذه الأنفال .(3/2)
الذي يأتينا بادي الرأي يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاصنعوا فيها كذا وكذا و كذا ولكن القرآن لم ينزل كذلك قال الله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } (الأنفال 1) تلحظ هنا أنهم لم تأتيهم إجابة فالله جل وعلا وهذا السر الذي أردنا أن نميط اللثام عنه أن الله جل وعلا صرف إجابتهم عن ما يريدونه إلى ما يحتاجونه تبين.. صرف الله إجابتهم عما يريدونه إلى ما يحتاجونه فالأصل فيكم أهل الإسلام أهل بدر أن تكونوا متآلفي القلوب فليس الوقت الآن وقت إجابة عن هذه الغنائم كيف تصنعون بها وإنما الشأن كل الشأن أن تتآلف قلوبكم وأن تجتمع كلمتكم وأن تتقوا الله ربكم فقال الله : { قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } (الأنفال 1) اتقوا الله بطاعته وبإيجاد الرحم بينكم والحسنى في التعامل حتى لا يدب بينكم الشقاق فأنتم خير جيل وأمثل رعيل والناس بعدكم تبع لكم ، يرون ما تصنعون فيصنعون صنيعكم . بعد أربعين آية من هذه الآية جاء قول الله جل وعلا يجيب عن هذا السؤال كيف نصنع بالأنفال قال جل وعلا : { َاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ } (الأنفال 41)هذا الكلام في مصرف الأنفال ..{ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }(الأنفال 41) فانظر كيف أن الله جل وعلا أجابهم بعد تريث ، أراد الله جل وعلا بهذا الإبطاء في الإجابة أن يتأدب أهل الإسلام ، وهذا من تأديب الله للرعيل الأمثل والجيل الأول أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين بلا استثناء . فقال الله جل وعلا : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ }(الأنفال 41)(3/3)
نذكر الآن فوائد:
- أبو بكر رضي الله تعالى عنه لما حضرته الوفاة اختار أن يتصدق بخمس ماله وقال : _وهذا من فقهه_اختار ما أختار الله لنفسي أو رضيت ما رضي الله لنفسه : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ }(الأنفال 41). وأن تعلم أنه لا يجوز للمورث أن يتجاوز الثلث قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد : "الثلث والثلث كثير" هذا واحد من فوائد الآية.(3/4)
- قول ربنا جل وعلا : { وَلِذِي الْقُرْبَى } جماهير العلماء على أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وحتى تتضح الصورة .. و هذا استطراد في بيان الحق لك وبيان العلم إليك ، أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . وعبد مناف هذا ترك أربعة : هاشماً ونوفل والمطلب وعبد شمس ، ترك نوفل وهاشم وعبد شمس والمطلب لما حُصر بنو هاشم في الشعب دخل بنو المطلب مع أبناء عمومتهم في الشعب نصرة لهم مؤمناً وكافراً فبقي أبناء نوفل وأبناء عبد شمس وهم أبناء عمومة جميعاً غير داخلين مع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ، فما ذاقوا ما كان من أمر الحصار لما جاءت موقعة خيبر وغنم المسلمون أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بني المطلب كما أعطى بني هاشم فجاءه وفد من بني عبد شمس وبني نوفل وقالوا له يا نبي الله كونك أعطيت بني هاشم فهذا ظاهر لأنك منهم فأكرمهم الله بأنك منهم لكن مادمت قد أعطيت بني المطلب فنحن وإياهم سواء لأن المطلب أخو نوفل ونوفل أخو عبد شمس فقال صلى الله عليه وسلم : "لا إن بني المطلب وبني هاشم كالشيء الواحد وشبك بين أصابعه"أي أن حادثة الشعب جمعت ما بين بني المطلب وبني هاشم . فجمهور العلماء على أن ذوي القربى في قول الله جل وعلا : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى }(الأنفال 41) أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ، وبعضهم يحصرها في بني هاشم ، وبعضهم يحصرها في أقل من ذلك من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي والحسن والحسين و أضرابهم . الذي يعنينا هنا الفقه الذي أخذه بعض الأئمة وهو قول جمهور العلماء في أن ذوي القربى هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب.(3/5)
قال الله جل وعلا بعدها : { إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(الأنفال 41) فسمى الله جل وعلا يوم الفرقان يوم بدر سماه الله جل وعلا بيوم الفرقان وقال : { إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ }(الأنفال 41) من هنا استلَّ بعض السلف فهم أن ليلة القدر هي ليلة السابع عشر من رمضان ودليلهم واضح هذه الآية التي بين أيدينا لأنهم قالوا إن الله قال : { إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا }(الأنفال 41)فسمى الله جل وعلا يوم بدر بيوم الفرقان وذكر أنه أنزل جل وعلا فيه القرآن ، ففهم أو فهموا أصحاب هذا الرأي من هذا النص أن بالاتفاق يوم بدر كان يوم السابع عشر من رمضان قالوا على هذا تكون ليلة القدر هي ليلة السابع عشر من رمضان وهذا بلا شك رأي وجيه جداً .(3/6)
ينسب إلى بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كما حرره الحافظ ابن حجر في فتح الباري لكنه رأي مرجوح عند الأكثرين عند من لا يقول به والأكثرون من العلماء على أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان و أنها في ليالي الأوتار أرجى منها في ليالي الشفع نحن لا نريد من هذا المقام أن نحدد متى تكون ليلة القدر فهذا غيب. لكننا نريد أن نفقه كيف أن العلماء يستلون من الآيات ويستنبطون منها ما يمكن أن يكون له حظ كبير من الأثر والنظر وهناك مضمار تجري فيه أقدام العلماء بإذن من الله وقدر منه وهو أن الأمر لا يكون ظاهراً بيناً وتكون فيه خفايا فيكون هناك منزع لأهل العلم وكل يدلو بدلوه ، وكل له طريقته في الاستنباط بحسب ما آتاه الله جل وعلا من علم وعلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما كلم هل خصكم _أي آل البيت _ النبي صلى الله عليه وسلم بشئ؟ أي من علم فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة _ثم استدرك_ قال : إلا فهماً يؤتيه الله من يشاء في كتابه إلا فهماً يؤتيه الله من يشاء في كتابه .(3/7)
فالقرآن كتاب عظيم وهو فيه ومنه يستنبط العلماء ، ولا أعظم منة من عبد آتاه الله جل وعلا قدرة على الاستنباط والفهم والتأمل والتدبر في كلام رب العالمين جل جلاله حتى قال بعض العلماء كلاماً يكتب بماء العينين قال : (من أعطاه الله جل وعلا فهم القرآن ثم ظن مع ذلك أن أحداً من أهل الدنيا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيراً وصغر عظيماً فقد عظم صغيراً وصغر عظيماً لأن الله قال : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } (الحجر87) ثم قال : {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} (الحجر88) فمن الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بأن الله آتاه الله القرآن والسبع المثاني وأخبره أن هذا كافي له صلى الله عليه وسلم فلا حاجة له مع ما آتاه الله من القرآن أن يمد صلى الله عليه وسلم نظره إلى متاع الحياة الدنيا وما آتاه الله جل وعلا غيره صلوات الله وسلامه عليه . ومن هنا يفهم أن العلو الذي يعطى لعبد في فهم كلام الله وتدبره وإدراك أسراره ومعانيه هو من أعظم العطايا فما أجمل أن يقرن العبد ذلك بإخلاص النية وصدق السريرة والتقرب إلى الله جل وعلا بذلك كله
لو كان في العلم غير التقى شرف لكان أشرف خلق الله إبليس .(3/8)
هذا أيها المبارك كل ما حررناه آنفاً يدور حول السر في تأخير الإجابة الإلهية للمؤمنين لما سألوا عن الأنفال { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ } (الأنفال 1) لكنك تلحظ إن أردت مزيداً من التدبر أن أسئلة أهل الإيمان وأهل الطاعة إنما يراد بها معرفة الشرع {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ}البقرة219 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ }البقرة189 يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ } (الأنفال 1) فقد كان الصحابة يسألون عن أمر دينهم حتى يعملوا به رضوان الله تعالى عليهم وثمة أسئلة مدارها على التكلف والتنطع و محادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عن سؤال اليهود {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}الإسراء85وكما قول الله جل وعلا {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً}النساء153والمقصود أن هذه الأمة هي أقل الأمم سؤالاً كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من هذا كله نكون قد نرجو الله أننا أوفينا الحديث حقه حول السر في قول الله جل وعلا : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } (الأنفال 1) وكيف أنه بعد أربعين آية جاء الجواب { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى }(الأنفال 41)
هذا ما تحرر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله حول سورة الأنفال وصلى الله على محمد وعلى آله .
و الحمد لله رب العالمين(3/9)
برنامج "أسرار التنزيل " الحلقة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره و اتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد أيها المباركون :هذا لقاء متجدد من برنامجنا (( أسرار التنزيل )) وغير خافٍ أننا في هذه اللقاءات المباركة نقف على بعض أسرار كتاب الله الكريم جل شأنه هذا الكتاب الذي أيد الله به نبينا صلى الله عليه وسلم وقد مضى معنا قول شوقي :
جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرمِ
آياته كلما طال المدى جُددٌ يزينهن جلال العتق والقدم(3/1)
وقد مضى معنا كذلك أننا في كل لقاء نأخذ سورة من القرآن فنقف عند آية أو آيتين أو أكثر من آيات تلك السورة ونسمي ذلك كله وقوف على (( أسرار التنزيل )) السورة التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم هي سورة (( التوبة )) ، وسورة التوبة سورة مدنية وهي من آخر ما أنزل على قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم وقد عنيت هذه السورة بأمور من أعظمها وأجلها بيان حال المنافقين ، والمنافقون إنما ظهرت حالتهم أو شوكتهم أو بدأ يكثرون بعد أن انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر ذلك أنه قبل يوم بدر كان الناس إما مؤمن وإماكافر لكن لما أعلى الله جل وعلا نبيه يوم بدر أصاب الخوف من كان كافراَ فاضطر إلى النفاق فأصبح يظهر ما لا يبطن هؤلاء المنافقون كان لهم رأس يقال له عبد الله بن أبي بن سلول وهذا الرجل كان الأنصار من الأوس و الخزرج قبل أن يسموا أنصارا كانوا يعزمون على أن يتوجوه ملكاً على المدينة لحروب مضت وصراعات كانت بينهما من أشهرها يوم بُعاث لكن الله جل وعلا أكرم الأنصار بخير من عبد الله بن أبي برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي قدم مهاجراً إلى المدينة فوجد ذلك الرجل في نفسه على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ما وجد من هنا كانت سورة التوبة تفضح أحوال المنافقين خاصة بعد ما كان منهم من تثبيط بعد جيش العسرة أي بعد غزوة تبوك هذا كله تمهيد لنقول بعد ذلك أن هذه السورة كذلك من خصائصها قبل أن نقف على الآية التي نريد أن نميط اللثام عن سرها أن هذه السورة بدأت { بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} ولم يكن قبلها بسم الله الرحمن الرحيم كما هو سنن القرآن والعلماء اختلفوا في سبب ذلك اختلافاً كثيراً لكن من أظهر ذلك أن موضع { بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ } قال بعض أهل العلم لا يتفق مع القول قبلها بسم الرحمن الرحيم إذ لا تناسب بين اسم الرحمن و الرحيم والبراءة من أهل الشرك خاصة أن(3/2)
الآية الخامسة من فواتح هذه السورة تعرف عند العلماء بآية السيف وهي قول الله جل وعلا { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } هذا كله يضعك أيها المبارك في مواضيع هذه السورة المباركة .
نزدلف الآن إلى الآية التي نريد أن نميط اللثام عنها الله جل وعلا قال { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} هذه الآية نزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم في حق المنافقين بعد نزولها مات عبد الله بن أبي بن سلول فجاء ابنه واسمه كذلك عبد الله يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ـ أي قميص النبي ـ ليكفن فيه أبوه عبد الله بن أبي الأب هذا الابن واسمه كذلك مثل اسم أبيه كان عبداً تقياً صالحاً وأبوه رأس في النفاق وقدم الولد ـ الابن ـ ليبر أباه بعد موته فيطلب من النبي صلى الله عليه وسلم قميصه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم القميص ننيخ المطايا هنا ونقلب صفحات السيرة ونحاول أن نعرف لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عبد الله الابن قميصه عليه الصلاة والسلام ليكفن فيه عبد الله الأب؟ الجواب عن هذا فيما قاله أهل العلم رحمهم الله إنه لما كان يوم بدر أسر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس رضي الله عنه كان رجلاً جسيماً طوالا وكأنه احتاج ثوباً لأنه خرج من المعركة شبه عار ولا يخفى عليك ما تصنعه الحروب بالناس بأبدانهم فضلاً عن ثيابهم فاحتاج إلى ثوب يستره فلم يجد أحداً قريباً من هيئته إلا عبد الله بن أبي بن سلول فعبد الله بن أبي بن سلول أعطى قميصه للنبي صلى الله عليه وسلم ليعطيه لعمه العباس فأراد النبي أن يرد الجميل ويكافئ عبد الله بن أبي على ما قدمه لعمه العباس ومن هنا تعلم أن من أعظم أخلاق الأنبياء الوفاء ورد المعروف لمن صنعه إلينا ولو كان كافرا ولهذا النبي(3/3)
صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى يوم بدر قال يذكر منقبة المطعم بن عدي الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم في منقلبه من الطائف قال :" لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتناء لتركتهم له " قال حسان :
فلو أن مجداً أخلد الدهر واحداً من الناس يبقى مجده الدهر مطعما
الذي يعنينا في هذه الأجواء كلها أعطى النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله الابن ليكفن به أباه كفن عبد الله بن أبي بن سلول بثوب وقميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كذلك أراد أن ينزل في قبره إكراماً للابن وقف عمر هنا معترضاً وقال ذكره بالآية التي نحن بصدد الحديث عنها { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ـ الله يقول ـ فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } فقال النبي عليه الصلاة والسلام له وهو أعلم من عمر بلغة العرب وأعلم من عمر بالشرع فما عمر إلا تابع ونعم التابعون فقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله خيرني وسأزيد على السبعين " وهذا ينجم عنه فائدتنا .
الفائدة الأولى : عظيم ما كان عليه الصلاة والسلام من رحمة في قلبه للناس .(3/4)
والأمر الثاني : اختياره عليه الصلاة والسلام للأيسر من الأمور ومن هنا قال بعض أهل التحقيق إن أحياناً بعض الفقهاء ـ عفا الله عنا وعنهم ـ يجنح إلى التشديد مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث باليسر ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، فهو لما خير عليه الصلاة والسلام ما بين الاستغفار وعدمه لعبد الله بن أبي والمنافقين اختار أن يستغفر { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } فاستغفر صلى الله عليه وسلم لهم فطرح عمر رأياً بتعبير أوضح فأبى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف على قبر عبد الله بن أبي وكفنه ونزل في قبره بعدها أنزل الله جل وعلا قطعاً لاجتهاد نبيه في مثل هذا لأن الأول فيه مساحة من الاجتهاد فيه مساحة من التخيير فأنزل الله جل وعلا قوله {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } فلما جاء النهي الصريح الواضح الذي ليس فيه تخيير { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ} لم يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على أي رجل علم نفاقه لأنه عليه الصلاة والسلام مأمور وهو عبد لربه تبارك وتعالى فالله هو المشرع والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ الشرع عن ربه { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ }{ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ } من هنا كل هذا الأمر أيها المبارك تعلم حقائق مهمة جدا في علم أسرار التنزيل في التفسير عامة وهو أنه لابد أن نفقه كيف كانت حياة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نفقه الآيات التي أنزلت عليه فهو عليه الصلاة والسلام أنزل عليه الوحي وقام بتحقيق ذلك الوحي على أكمل وجه ولهذا لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها(3/5)
عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :" كان خلقه القرآن " فلا يمكن لأحد أن يكشف أسرار التنزيل ومحاسن التأويل وأن يقف على غوامض القرآن دون أن يكون له علم وإحاطة بالأيام النضرة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم نعود للآية الله يقول { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} وهذا يدل على أن أهل النفاق في أسفل الدرجات ولهذا قال الله تعالى{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } فإذا استطردنا من باب الفوائد ومن حقك علينا ذلك نقول لك أيها المبارك إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاث طوائف المنافقون لقول الله جل وعلا { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } وفرعون وآله قال الله تبارك وتعالى { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب } ومن كفر وبغى من بني إسرائيل بعد نزول المائدة عليهم { قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ } فتجد أن القرآن دل على أن من كفر بعد نزول المائدة وآل فرعون والمنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف الأمر إليهم هؤلاء الثلاثة طوائف هم أشد الناس عذاباً يوم القيامة بنص القرآن ـ عافانا الله وإياك من عذاب النار ـ سورة التوبة التي نحن بصدد الحديث عن هاتين الآيتين منها تسمى عند بعض الناس وهذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما سورة "الفاضحة " معنى الفاضحة أن الله جل وعلا أخبر فيها عن حال أهل النفاق وبين ما كانوا عليه وهتك أسرارهم وفضح ما تبطنه قلوبهم وصدورهم وما انطوت عليه بينه الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم(3/6)
حتى يكون على بينة من أمره وهو يعيش معهم في مجتمع المدينة يقول الله جل وعلا{ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } تبقى فائدة أخيرة بها نختم أن هذه السورة سميت سورة التوبة لأن الله جل وعلا ذكر فيها توبته على الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة وهم ثلاثة من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه و تأمل قول الله { ُثمَ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ } ما معنى { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ } ؟ المعنى أن الله قذف في قلبهم حب التوبة والفيء إلى الله والرجوع إلى ربهم تبارك وتعالى ثم برحمته جل وعلا قبل منهم قبل منهم تلك التوبة فهو الذي هداهم للتوبة وهو الذي برحمته وفضله جل ذكره قبل منهم تلك التوبة وهذا معنى قول الله جل وعلا { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ }. نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم وأن يجعلنا وإياكم ممن يفقه هذا القرآن ويعمل به ويتعبد الله جل وعلا به تلاوة وعملا . هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله حول قول الله جل وعلا { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } وقوله جل شأنه { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } وهما آيتان من سورة التوبة وقد قلنا في أول اللقاء إننا اليوم سنتحدث عن سورة التوبة ، وإن شاء الله تعالى نلتقي في القريب العاجل مع سورة أخرى نقف مع بعض أسرار ها ونكشف محاسن تأويلها والله الموفق وهو المستعان وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.(3/7)
برنامج" أسرار التنزيل " الحلقة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الكون بما فيه ، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد.
هذا لقاء مبارك برحمة الله متجدد من برنامجكم ((أسرار التنزيل)) ، وفي هذا اللقاء نميط اللثام عن بعض آيات (( سورة الحجر )) ، إذا تحرر أن السورة التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا اليوم المبارك هي (( سورة الحجر )) ، وأما الآيات هي قول الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) قال ربنا بعدها : (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ما الذي نريد أن نقوله في هذه الآية ؟ نريد أن نبين سرها هي قول الله جل وعلا : (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) لكننا قبل ذلك نعرض على بعض ما في هذا الخبر والقصص القرآني .
الله يقول : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ) الملائكة أسبق خلقا من بني آدم ، خلقهم الله جل وعلا من نور .
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) هذا بيان لأحد المراحل التي خُلق من خلالها آدم عليه السلام ، فقد دل القرآن على أن آدم عليه السلام مر خلقه بثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى : المرحلة الترابية ، ذلك أن آدم عليه السلام خلق من قبضة أُخذت من الأرض أي تراب ، وهذا ذكره الله جل وعلا في كتابه العظيم : (خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ) .(3/1)
والمرحلة الثانية : المرحلة الطينية : وهي أن التراب هذا الذي قبض من الأرض مزج بالماء ، فأصبح طينا .
والمرحلة الثالثة : من خلق آدم أنه خلق من حمإ كما قال الله جل وعلا : (مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ)، والمعنى أن ذلك الطين بعد أن خلقه الله جل وعلا صور منه جسد أبينا آدم تُرك زمنا فأصبح كالفخار وهو الحمأ المسنون .
إذا مر خلق آدم بثلاثة مراحل ، فالله يقول هنا : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) فآدم عليه السلام خلقه الله جل وعلا بيده ، وهذه خصيصة له عليه السلام لم تعطى لأحد من بنيه غيره ، ذلك أن الله خلقه بيده ، وقد قال بعض العلماء – وهذا من باب الفوائد- :" أن الله كتب التوراة لموسى بيده ، وخلق جنة عدن بيده ". والعلم عند الله وينقل هذا عن ابن عمر رضوان الله تعالى عليه .
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) فإضافة الروح إلى رب العزة هنا إضافة تشريف ، فروح آدم مخلوقة لله ، والإضافة هنا إضافة تشريف .
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) نحن هنا أيها المبارك أمام أمر إلهي ، الله جل وعلا يأمر الملائكة أمرا ليس عرضا ، لماذا قلنا ليس عرضا ؟ حتى لا يقع في صدرك لايقع في قلبك أن هناك إيباء من السموات والأرض والجبال يوم أن عرض الله عليها أن تتحمل الأمانة فالله يقول : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا) فهذا عرض ، أما هنا فرض فالله يقول : (فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) .
ماذا أراد الله من سجود الملائكة لآدم ؟(3/2)
هذا السجود ينبغي أن يعلم أنه سجود تحية لا سجود عبادة ، الملائكة عندما تسجد لآدم سجود تحية تعبد بذلك السجود ربها ، لأن الله جل وعلا هو الذي أمرها أن تسجد سجود تحية لعبده آدم ، وإلا لا يمكن أن يأمر الله أحدا أن يسجد لأحد سجود عبادة ولا ملزم على الله لأن الله جل وعلا أمر أن لا يعبد غيره ، لأن الله أمر وحكم وشرع أن لا يعبد غيره (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
إذا قال الله جل وعلا هنا : (فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) أمام هذا الأمر الإلهي ذكر الله استجابة الملائكة ، فقال أصدق القائلين ربنا جل وعلا قال : (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ ) ثم قال ذكر مؤكدين يسميهما النحاة "توكيد معنوي" ، قال : (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ َ) فما الذي أفاده لفظ "كلهم "، وما الذي أفاده لفظ "أجمعون" ؟ لفظ "كلهم" أفادنا أن الملائكة جميعا سجدوا لآدم دون استثناء أحد من الملائكة ، ولفظ "أجمعون" وهذا من أسرار التنزيل التي نحن بصدد الحديث عنها ، ولفظ أجمعون أفاد أيها المبارك ، أنهم سجدوا أي الملائكة في وقت واحد ، إذا أمام هذا الأمر الإلهي سجدت الملائكة جميعا بدون استثناء وفي وقت واحد استجابة لأمر ربها ،ثم قال الله : (إِلاَّ إِبْلِيسَ) إبليس لم يكن من الملائكة طرفة عين ، وإنما كان حاضرا يوم أن أمر الله جل وعلا الملائكة بالسجود فشمله الأمر.
ومن الأدلة على أن إبليس لم يكن من الملائكة طرفة عين ، أدلة كثيرة منها :
أن الله جل وعلا قال في سورة الكهف : (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) فهذا نص صريح في أن
إبليس كان من الجن ، ولم يكن من الملائكة .
ومن الأدلة وهي ليست في مثل هذا الظهور أن الله جل وعلا أخبر عن ملائكته بقوله : (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ(3/3)
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ولهذا هنا سجدت الملائكة لربها أما إبليس فعصى واستكبر وأبى أن يكون مع الساجدين ، فهذا من القرائن على أن إبليس لم يكن من الساجدين .
قال ربنا : (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) نعود هنا لما حررناه قبل قليل في قضية عرض أمر الأمانة على السموات والأرض ، إبليس لما نوقش (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ففهمنا أن امتناع إبليس لأمر هو فرض كان استكبارا ، لكن تأمل ما قال الله في سورة الأحزاب قال : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إذا ليس هناك أمر ولا فرض هناك عرض ، قال : (فَأَبَيْنَ) قال في إبليس فأبى، لكن قال بعدها : (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) فقوله جل شأنه : (وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) قرينة على أن امتناع الجبال السموات والأرض عن قبول الأمانة كان استشفاقا واحتقارا لأنفسها أنها لا تقدر على حمل تلك الأمانة العظمى ، وشتان ما بين من يعتذر عن الأمر إشفاقا على نفسه واحتقارا لحاله ، وبين من يرفض قبول الأمر ويعصي الله استكبارا وعنادا كما صنع إبليس ، ولهذا لم يذكر الله جل و علا السموات والأرض والجبال بشيء أصلا هي غير مكلفة أما إبليس فإنه حقت عليه لعنة الله .
قال الله جل وعلا : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا) الإنسان المرتبط بالقصص غير المؤصل علميا يفقه أن المقصود فاخرج منها أي من الجنة ، وهذا ربما ذكره بعض الوعاظ وفقنا الله وإياهم لكل خير ،لكنه ليس مقصود القرآن قطعا ، لماذا ليس مقصود القرآن قطعا ؟ لأن إبليس وقتها لم يكن في الجنة ، وآدم لم يدخل الجنة ، فالسجود لآدم أمر به الملائكة ، وإبليس كان حاضرا معهم كان قبل دخول آدم الجنة ، قبل أن يدخل هو وزوجه حواء الجنة ، إذا فاخرج منها(3/4)
من ماذا ؟ (فَاخْرُجْ مِنْهَا) أي من رحمة الله ، هذا قول وهو قوي ، وقول آخر : من المنزلة الرفيعة التي كان عليها يوم أن كان يغدو ويروح مع الملائكة ، فليس المقصود فاخرج منها أي من الجنة .
ثم إن إبليس قال : (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ، وقال كما حكى الله عنه في موضع آخر : (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) هذا الظن من إبليس وقع على بني آدم ولذلك لما ذكر الله جل وعلا قوم سبأ قالوا : (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) قال ربنا : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) أي ظن ؟ يوم أن قال : (وَلاَتَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) .
إذا نحن الآن أمام ثلاث طوائف من المخلوقات العاقلة : الملائكة والجن والإنس ، فالإنس ينسبون إلى أبيهم آدم وقد مر معنا أنه مر بثلاث مراحل .
والجان خلقه الله من نار السموم .
والملائكة قال صلى الله عليه وسلم : (خلقت الملائكة من نور ) .
بالفوارق بين الثلاث كفوائد علمية :
الملائكة والجن نحن لا نراهما حجبا عنا ، إذا اتفقت الملائكة والجن بالنسبة إلينا في هذا الأمر .
والملائكة يختلفون عن الجن والإنس في أنهم غير مكلفين ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،لا يتناكحون وبالتالي لا يتناسلون ولا يأكلون ولا يشربون ، أما الجن والإنس كل منهما مكلف (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هذه الآيات التي في سياق هذا المعنى . إذا الجن والإنس مكلفان والملائكة غير مكلفين ، الملائكة والجن لا نراهما ، والإنس نراه .(3/5)
هذا ظاهر بين أرجو الله جل وعلا أن نكون بهذا العرض قد حررنا كثيرا من أسرار قول الرب تبارك وتعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) وهي الآيات المتتابعات من سورة الحجر . وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى ، وألبسني الله وإياكم لباسي العافية والتقوى ، وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .(3/6)
برنامج "أسرار التنزيل" الحلقة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبيا عن أمته صلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه كما وحد الله وعرف به ودعا إليه.. أما بعد:
أيها المباركون هذا لقاء متجدد من برنامجكم ((أسرار التنزيل ))وقد مر معنا من اللقاءات السابقة وفقهنا أن هذا البرنامج يعنى بآيات كريمات من كلام الله نقف على بعض غوامضها فنحاول أن نميط اللثام عنه السورة التي نحن اصدد الحديث عنها واختيار الآيات منها هي ((سورة النحل)) وهذه السورة سورة مكية ،وتعرف كذلك وصفا بأنها سورة الامتنان لأن الله جل وعلى ذكر فيها كثيراً من مننه على عباده جل وعلى وما أكثر نعم الله التي لا تعد ولا تحصى ،أما الآيات التي نحن بصدد الحديث عنها وهي قول الله تبارك وتعالى:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ(66) وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(1).
__________
(1) سورة النحل : ( 66 ) ، ( 67) .(3/1)
الجزئية التي سنتحدث عن إماطة اللثام عن سرها هي قول الله :{ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً }أما قبل ذلك فنمهد كما جرت العادة في هذا البرنامج لهذه الآيات الله جل وعلا يقول{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } الأنعام : بهيمة الأنعام البقر والغنم والإبل سخرها الله جل وعلا لبني آدم ،{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم } لاحظ هنا قال :
{ نُّسْقِيكُم } في الآية التي بعدها قال: { تَتَّخِذُونَ } فنسقيكم أسندها تبارك وتعالى – أي الفعل – لذاته العلية فليس لليد البشرية أي تدخل في إخراج اللبن { نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } الله قدير هذا الذي تأكله الأغنام من الأعلاف يصبح على ثلاث مراتب : هناك دم وهناك فرث وهناك لبن، في وعاء واحد ولا يمتزج ولا يقدر على هذا إلا الله.
ثم قال جل شأنه تبارك اسمه { نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً } الدم و الفرث واللبن يسلط الله عليه الكبد فيذهب الدم إلى العروق ويذهب اللبن إلى الضروع ويبقى الفرث أسفل الكرش ثم يخرج ولا يقدر على هذا إلا الله.
{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } قال بعض العلماء كما حكا القرطبي في الجامع :" إنه لم يغص باللبن أحد لأن الله قال: { سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } نأتي للآية التي نحن بصدد كشف سرها قال الله { وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ } فالأصل أن هناك عنب هذا أنبته الله وهناك ثمر هذا أنبته الله لكن الله قال بعدها :{ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ } من الذي يتخذ؟ بنو آدم تتخذون منه ماذا؟
{(3/2)
سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } هذا ما نريد إماطة اللثام عنه ، هناك رزق وهناك سكر لكن لاحظ الله جل وعلا قال :
{ سَكَراً }ولم يصف كلمة سكرٍ بشيء وقال:
{ رِزْقاً } ووصفه بأنه { حَسَناً } لمَ لم يصف الله كلمة { سَكَراً } بأنها حسن ؟ هذا تمهيد والسورة مكية لتحريم الخمر، فأنظر إلى المرحلية التي مر بها تحريم الخمر.
أول طرائق تحريم الخمر :
أن الله أشعر المؤمنين الموجودين في مكة بأن أمراً ما سيكون للخمر ، فوصف الرزق بأنه حسن ولم يقل " سكراً حسناً "تركه وأبقاه على حاله ولم يمدحه ولم يثني عليه ولم يأتي بأي قيد يشير إلى كرامته عند الله فلما أطلق وقع في قلوب المؤمنين أن هذا السكر محل نظر ولهذا قال الله :{ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } ثم منَّ الله على المؤمنين بالهجرة إلى المدينة فبدأت آيات الأحكام تأتي تباعاً في البقرة وآل عمران والنساء والمائدة . والسور المدنية الأخرى فقال الله جل وعلا :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى }(1)فلما تكلم عن السكر وتركه إنما بين لهم أنه لا يجوز لهم أن يقربوا الصلاة وهم سكارى ، ما الذي حدث هنا ؟ ضاق الوقت المحدد للسكر، وأصبح يكاد يكون محصوراً بعد صلاة العشاء أو بعد صلاة الفجر ، لأن الفترة ما بين صلاة العشاء إلى الفجر طويلةٌ بعض الشيء ، وكذلك الفترة مابين صلاة الفجر إلى الظهر فأصبح الوقت محدداً ، ثم جاء أمر أخر الصحابة أخذوا يستفهمون أو قبلها قال الله :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }(2).
__________
(1) سورة النساء : ( 43) .
(2) سورة البقرة : ( 219) .(3/3)
وهذه مرحلة قبل الأخرى ، وقد مر معنا السؤال من الصحابة كان لفقه الشرع لا تعنت كما كانت تسأل بنو إسرائيل فقال الله جل وعلا :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } أريد استطرد بك قليلاً في الفوائد العلمية :
الله ذكر هنا أن للخمر منافع وأن للميسر منافع – التجارة – لكنه لما ذكر السحر قال :
{ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ }(1)فليست السحر نفعٌ البتة .
نعود للآية ثم جاءت آية { لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى } وحررنا أن الوقت ضاق بهم فقال عمر وغيره :" اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً " فأنزل الله جل وعلا:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }(2).
__________
(1) سورة البقرة : ( 102 ) .
(2) سورة المائدة : ( 90 ) ، ( 91 ) .(3/4)
أنزلت هذه الآيات على أمثل جيل وأكمل رعيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم المؤمنون بربهم المنفذون لأمره والقائمون على حدوده فقالوا: " انتهينا انتهينا" ، فسكبت الخمر في طرقات المدينة وانتهى الصحابة رضوان الله عليهم عن شربها ، إذاً نعود قليلاً فنقول أنظر كيف الله جل وعلا ربَّى تلك الأنفس وأنظر إلى سماحة الشرع في التعامل مع النفوس الشيء الذي يغرس طويلاً صعب أن تجتزه تجذبه مرة واحدة فكما أنه مراحل حتى ركد واختلط بثقافتك أو بيئتك يحتاج إلى مراحل حتى ينزع ولابد من بديل ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قدم إلى المدينة ولهم أيام يلعبون فيها فقال :" قد أبدلكما الله بخير منهما يوم الفطر ويوم الأضحى "(1)فهو لم ينهى عن تلك الأعياد ويتركهم بلا عيد وإنما جاء بعيدين جديدين عظيمتين شعيرتين جليلتين من شعائر الإسلام ، أخذ ما هو قبيح وأعطى ما هو جميل أما أن تسلب ابنك أو ابنتك أو الشاب الذي حولك أو من تريد أن تربيه تسلبه شيئاً يحبه ثم لا تعطيه بديلاً هذا يترك لديه فراغاً فقد يعود إلى الشيء الذي سلبته منه ، وهذا خلاف منهج القرآن وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) أخرجه أبو داود : كتاب : الصلاة ، باب : صلاة العيدين ، (1134) . والنسائي : كتاب صلاة العيدين ، باب : صلاة العيدين (1556) . وصححه الألباني .(3/5)
نعود ونقول هذه المراحل كذلك تدلنا كما قلنا على أن الإنسان إذا أراد أن يربي ينظر الحلقات كيف بنيت ،عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – لما ولي الخلافة كان قلبه بني أميه أحدثوا مظالم لا تكاد تنتهي ابنه عبد الملك كان باراً بأبيه في نفس الوقت كان تقياً فجاء إلى أبيه يطلب منه بين عشية وضحاها في ليلة توليه الحكم أن يرد المظالم وأن يتخلص مما كان يصنعه قومه بنو أميه فقال – رحمه الله أي عمر لابنه- :" يا بني إن قومك ـ أي بني أمية ـ بنو هذا الأمر حلقات أي عبر سنين وإنني لا أستطيع أن أنزعه ما بين عشية وضحاها فكما بنوه في سنين فأنا أنقضه في سنين تدريجياً " وهذا كله مستنبط مأخوذ من هدي هذا القرآن العظيم الذي قال الله فيه: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(1)من هنا كان هذا البرنامج أن نقف على أسرار التنزيل ونحاول أن نطبقها ما استطعنا سبيلاً على واقعنا على حياتنا القرآن ما أنزل ليوضع فقط في إطار حَسَنٍ مُذَهَّب ثم يهديه بعضنا بعضا، وإنما المقصود أن ينفذ ما فيه وأن نتمثل بما جاء بالقرآن من هدي عظيم ذلك هو السبيل الأوحد لرفعة الأمة مع الأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أيها المباركون هذا جملة ما أردنا أن نحرره حول قول الرب تبارك وتعالى :{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ{66} وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وقد بينا أن هاتين الآيتين من سورة النحل هي في معرض الامتنان من الكبير المتعال جل شأنه على عبادة، وبيان فضله تبارك وتعالى على خلقه وقد صدق الله { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(2)
__________
(1) سورة الإسراء ( 9 ) .
(2) سورة النحل ( 18 ) .(3/6)
نسأل الله أن يلبسنا وإياكم لباسي العافية والتقوى وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى وهذا والعلم عند الله وصلى الله على محمد وعلى آله،والحمد لله رب العالمين.
...(3/7)
برنامج" أسرار التنزيل " الحلقة الثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ..وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له اعترافا بفضله وإذعانا لآمره ،، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبيا عن أمته ..
أيها المباركون : هذا لقاء متجدد من برنامجنا ((أسرار التنزيل)) ،، والسورة التي نشرف اليوم بالحديث عنها هي (( سورة النجم ))وهي سورة مكية ..وقد مر معك وتأكد لديك أننا في هذه اللقاءات نقف مع بعض الآيات فواتح السورة أو غيرها ثم نعرج على سر من أسرار تلكم الآيات ما تدل عليه ما ترشد إليه ما يكون غير ظاهر بادي الرأي للعباد ..
هذه السورة بدأها الله جل وعلا بالقسم وقد مر معنا أن القسم أحد طرائق يستفتح بها الآيات وهو كثير في القرآن ..
أقسم الله بالليل ، بالضحى ، بالفجر ، بالعصر ، بالشمس ، إلى غير ذلك مما أقسم الله به ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، وليس للعبد أن يقسم إلا بربه ..السؤال هنا : الله يقول (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)(1)
اختلف العلماء في تحديد معنى – النجم – والأظهر عندي والعلم عند الله أن النجم هنا جنس النجم الذي في السماء ، النجم المعروف هذا الذي ينصرف إليه المعنى حسب قواعد لغة العرب والأصل أن كلام الله جل وعلا يجرى على ظاهره في معاني كلام لغة العرب إلا بقرينة أو دليل يصرفه عن ذلك الظاهر ..السر هنا الذي نريد أن نميط اللثام عنه في المقام الأول ..س / ما المناسبة بين جواب القسم (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) وما بين القسم ؟
__________
(1) سورة النجم : الآيات (1-2)(3/1)
ندرك أن النجم علامة يهتدي بها من حار في الأرض يقول الله (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(1)
كذلك الوحي الذي أعطاه الله جل وعلا الرسل هو هداية للقلوب إلى معرفة طريق الجنة ..فأنظر إلى التناسب مابين قسم ربنا في افتتاح السورة بالنجم ، وما بين قوله في جواب القسم (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)
فنفى الله عن نبيه الضلالة ونفى الله جل وعلا عن نبيه الغواية ..
س / فما الفرق بين الضلالة والغواية ؟
الضال : من ليس لديه علم فيطلب غير الحق ويسعى في تحصيله وتحقيقه وهو لا يملك الآلة الموصلة إليه ..
فلكونه يطلب الأمر على غير علم لن يصل إلى الحق ..هذا ماذا الضال ،، وهو بالنصارى ألصق ولهذا قال الله (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) إلى أن قال أخبر الله جل وعلا( عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً)(2)فهي تعمل وتنصب وتتعب لكنها على غير هدى فتصلى نارا حامية ..أما الغاوي : فهو الذي يحيد عن طريق الحق قصدا ، يعرف الحق لكنه يحيد عمدا وقصدا عنه ، وهو ألصق باليهود ..ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ورآه كبار اليهود قال بعضهم لبعض : أهو هو ؟قالوا : نعم لأن الله قال (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ)(3)فقال أحدهم لحيي بن أخطب أحد زعماء اليهود : ما في صدرك – ما في قلبك له ؟قال : عداوته ما حييت ..فهم يعرفون الحق لكنهم يحيدون عنه ..
فالله جل وعلا يصف هذا النبي الخاتم وينزه نبيه جل وعلا على أن يكون ضالا أو أن يكون غاويا (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) وبالتالي (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)(4)هناك مُعلِم ، وهناك مُعلَم ..
__________
(1) سورة النحل : آية ( 16 )
(2) سورة الغاشية : الآيات (1-4 )
(3) سورة البقرة : آية (146)
(4) سورة النجم : الآيات (3-4 )(3/2)
فالمُعلِم : جبريل عليه السلام ..والمعلم هنا : نبينا صلى الله عليه وسلم ..فجبريل ظاهر القرآن والسنة سيد الملائكة عليهم السلام ..وسنقف جزئيا قبل أن ننتقل للآية الأخرى أمام تعليم شاع عند الناس لجبريل ..جبريل قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ملأ من أصحابه ،، الحلقة المحمدية من يجلس فيها ؟
أهل المدينة من المهاجرين والأنصار أو أعرابي قادم ..فأهل المدينة والمدينة آنذاك غير كبيرة قليلة العدد من السكان ، الناس يعرفوا بعضهم بعضا ، فلا يعقل أن يوجد في الحلقة أحد لا يعرفه أحد ..اللهم ألا أن يكون أعرابيا قادما من البوادي ..
هذا الذي قادم من البوادي لابد أن هناك دليل يدل على أنه قادم من البوادي مثل :
- أن يُرى عليه أثر السفر ..الناس آنذاك يسيرون على الجمال ويرتحلون على الإبل كما تعلم ،، فيظهر أثر السفر على المسافر ..فقدم جبريل يلبس ثياب بيضاء نقية وشعره أسود – شديد سواد الشعر كما قال عمر ..
أين الإشكال ؟؟
الإشكال أن أحدا لا يعرفه ..ولهذا قال عمر متعجباً ( شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشع).
طيب أين المعضلة يا عمر ؟المعضلة : لا يعرفه منا أحد ..يعني هذا ليس قادما من سفر ،، إذن لابد أن يكون من أهل المدينة ،، لكن كلنا لا نعرفه ..هذا محال ..فأسند ركبته إلى ركبتيه ،، ووضع يديه على فخذيه وقال : أخبرني عن الإيمان ؟
أخبره أخبرني عن الإسلام ؟ أخبره ..وبإجابته صلى الله عليه وسلم يقول جبريل معقبا : صدقت ..قال عمر : فعجبنا له يسأله ويصدقه ..قال : أخبرني عن الساعة ؟قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ..قال : أخبرني عن أماراتها ..(3/3)
فأخبره ..فلما مضى ، قال صلى الله عليه وسلم : هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم .(1).الآن أحيانا تكون أيها المبارك تكون في حلقة ، ويكون في الحلقة رجل لديه علم ..وأنت ليس ببعيد علم عنه ، يعني تقاربه في العلم ..لكن لا يجتمع فحلان في ذود ..يعني واحد يتكلم وتريد أن تنفع الناس ، فتسأل أنت هذا الشيخ أسئلة أنت تعرف جوابها ..
لكنك لا تريد أن تنفع نفسك بأسئلتك ، إنما تريد أن تنفع الناس فتسأل ما يسمى بسؤالات جبريل لأنه كان عليه السلام يسأل وهو يعرف الإجابة ..فمن الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله الإسلام ؟ جبريل ..ومن الذي علمه الإيمان ؟ جبريل ..ومن الذي أخبره بأشراط الساعة ؟ جبريل ..فجبريل يسأل أسئلة هو يعلم جوابها ، لكنه أراد أن يفقه الصحابة ..ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم " ..نقف هنا عند جبريل ومع قول الله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) وننتقل إلى آية أخرى نميط اللثام عن سرها ..
__________
(1) رواه مسلم : كتاب : الإيمان, باب : بيان الإيمان والإسلام والإحسان (843 ) وغيره(3/4)
الله يقول في سورة النجم(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى*وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى * أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى* وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) هناك إشكال ..وهو ما نميط اللثام عنه ..أين الإشكال ؟ الإشكال أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره سعد بن عبادة أن أمه توفيت ..فنصحه في جملة الحديث أن يتصدق عنها(1)،، وشرع الله لنا أن ندعو للموتى ..هو عليه الصلاة والسلام خرج للموتى وقال اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ..(2)وأذن صلى الله عليه وسلم لامرأة أن تحج عن أبيها(3)..هل يعقل : تحج امرأة عن أبيها وأن ندعو لإخواننا المؤمنين ((وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)(4)
__________
(1) رواه البخاري : كتاب : الوصايا , باب : أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز و إن لم يبين لمن ذلك ( 2605 ) وغيره.
(2) صحيح مسلم : كتاب الجنائز , باب : مايقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (974 ) وغيره
(3) رواه البخاري: كتاب : الحج , باب : وجوب الحج وفضله (1442)
رواه البخاري : كتاب : الحج , باب : الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة (1755 )
رواه البخاري : كتاب : الحج , باب : حج المرأة عن الرجل ( 1756 )
رواه البخاري : كتاب المغازي , باب : حجة الوداع (4138 ) وغيره
(4) سورة الحشر آية (10)(3/5)
وأن نتصدق عن موتانا ..وهذا كله لا ينفعهم ؟؟ محال ..إذن كيف نجمع هذا مع قول الله جل وعلا ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )؟اللام في قول الله جل وعلا (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) اللام في قوله للإنسان لام تمليك وليست لام نفع ..لام ماذا ؟ لام تمليك وليست لام نفع ..والمعنى : أن الله نفى أن نملك إلا سعينا ، لكن ربنا لم ينفي أننا لا ننتفع بفعل غيرنا ..وسأضرب لك مثلا من الواقع ..هذا المثال يقول : لو أن هناك بقالا – متجر – وأحد أبناء حيك فقير وعليه دين تراكم ( ألف دينار * ألفا دينار ) لصاحب المتجر من جارك الفقير هذا ..فأخذت أنت ألفي دينار وذهبت بهما إلى صاحب المتجر وسألته : كم على جاري فلان من مال _ من دين _؟قال : ألفا دينار ..فأعطيته الألفين ..الآن السؤال : س / هل انتفع جارك بالألفين ؟ الجواب قطعا : نعم ..لأنه عندما أخذ التاجر المال ، تحرر صاحبك وجارك من الدين ،، فانتفع وسقط الدين عنه ..السؤال الآخر : س/ هل تملك جارك الألفي دينار ؟ الجواب : لا لأنه لو تملكها لتصرف بها هو كيفما شاء ..لكنه لم يتملكها بل لم تمر أصلا على يديه ..هذا معنى قول الله (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) فإن كان لا يملك إلا عملا قام به وسعى فيه ...أما النفع فبابه واسع دل الشرع عليه : الصدقة عن الميت والدعاء للميت والحج أو العمرة للميت ..هذه شبه اتفاق بين علماء المسلمين على أنها تنفع الميت في قبره ،، وإلا لما جاء الشرع بالإذن لنا لنفعلها ..وهذا يدلنا على أن لموتانا حق عظيم علينا ..القبور تحترم ولا تعظم ،، والموتى يُدعى لهم ولا يدعون ،، لأن الإنسان وهو حي لا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا فكيف إّذا قبض من باب أولى ..(3/6)
لكن نحن يمكننا أن ننفعهم بما دل الشرع على أن النفع يصل به إليهم وهو أن ندعو لهم " ولد صالح يدعو له(1)" صدقة جارية هذه من شأنهم هم من نحج عنهم نعتمر عنهم ،، هذا يرجى أن يصل ثوابه إليهم ..وقد قال العلماء أن رجلا كان بينه وبين المسجد مقبرة ،، في طريقه إلى المسجد يمر اضطرارا على مقبرة ..فكان كلما مر على المقبرة يدعو لأهلها ويقول : اللهم آنس وحشتهم ،، وارحم غربتهم ..ذات يوم مضى ونسي أن يدعو فلما أمسى ونام إذا به يرى قوما عليهم ثياب بيض موتى ..ويقولون له : يا أخانا لم نسيتنا الليلة فقد كان الله يفرج عنا بدعوتك لنا ..قد يقول قائل أن دين الله لا يبنى على حكايات أو قصص وهذا حق ،، لكن هذا القصص صح أو لم يكن صحيحا دل الشرع عليه ..دل الشرع على صحة معناه قال الله (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات ليلة من بيته إلى بقيع الغرقد – وهو بقيع مقبرة شرق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فوقف يرفع يديه يدعو لأهل البقيع ..قامت عائشة رضي الله عنها من النوم - وهذا استطراد - فلم ترى النبي صلى الله عليه وسلم ورأته وهو ينسل صلوات الله وسلامه عليه وهذا من كمال أدبه حتى لا تفزع امرأته وتقض فتبعته تخمرت وتبعته ..فرأته يدعو فلما هم بالرجوع سبقته قطعا سأكلمك بلغة معروفة هي تريد أن تصل إلى الفراش قبل أن يصل هو حتى لا ينتبه ..يضطرها هذا إلى ماذا ؟إلى أن تسابق في الخطوات ، تسرع في المشي ، فسابقت في الخطوات ..أي إنسان يسرع في مشيه سيكون حال صدره في ارتفاع وانخفاض ..
__________
(1) رواه مسلم : كتاب : الوصية , باب : مايلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631 ) وغيره(3/7)
فلما وصلت سبقته ودخلت الدار ، أتى صلى الله عليه وسلم ..فرابه أن صدرها نفسه أعلى ،، فقال ما بالك حشي الرابية ؟ يعني صدرك مرتفع فلم تشأ أن تخبره أدبا ( زوجة محبة لزوجها تدلل عليه)قالت : لا شيء ، قال عليه الصلاة والسلام : أتخبريني أو سيخبرني العليم الخبير ..فأخبرته ،، قال : أنتِ السواد الذي رأيته أمامي؟ ،، يعني أنا رابني أن أحدا يمشي أمامي ..
قالت : نعم ..فأخبرها أن جبريل آتاني وأمرني أن آتي أهل بقيع الغرقد وأستغفر لهم(1).الموضوع الشاهد من هذا الخبر أن الدعاء للموتى ينفعهم برحمة الله وهنا تفهم معنى قول الله جل وعلا (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) فالنفي هنا نفي تمليك لا نفي انتفاع والعلم عند الله ..هذا ما تحرر إيراده وتيسر إعداده حول بعض الآيات من سورة النجم وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى ، وألبسني الله وإياكم لباسي العافية والتقوى والحمد لله رب العالمين ..
__________
(1) 12 رواه مسلم : كتاب : الجنائز , باب : مايقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (974) وغيره(3/8)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفالحين للإنتاج الإعلامي والتوزيع تقدم
((أعلام القرآن))
لفضيلة الشيخ /صالح بن عواد المغامسي_حفظه الله_
ومع الشريط الأول
***********************
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين،خلق فسوى وقدّر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله علية وسلم وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبّع منهجه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن هذه اللقاءات المتتابعة بإذن الله تعالى ستخصص إن شاء الله جّل وعلا للحديث عن أعلام القرآن(4/1)
و(العلم) ما يطلق وهو أحد أنواع المعارف الست وأظهرها وأشهرها وينقسم إلى ثلاثة أقسام (اسم،ولقب،وكنية) وبكل جاء القرآن وهذا الكتاب الذي بين أيدينا كلام الله جّل وعلا ضمنه الله جّل وعلا أعلاما ذكرها تبارك وتعالى في ثنايا هذا الكتاب العظيم إمّا مدحاً وإما ذماً إمّا بأسمائها وإمّا بألقابها وإمّا بكناها وهذه اللقاءات ستعرّج إن شاء الله تعالى على التعريف على بعض أعلام القرآن ومعلوم قبل أن أشرع بالبيان أن الرب تبارك وتعالى والله جّل جلاله هو علم الأعلام قال الله تبارك وتعالى على لسان ملائكته { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ? لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ? وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } ثم قال جل شأنه { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } أي لا أحد مثله جّل جلاله هذا كما قال سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ولم يطلق لفظ الجلاله أي الله على أي أحد من الخلق لم يتسمى أحد من الخلق بلفظ الجلاله قال فرعون { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } ولم يقل أنا الله فلفظ الجلاله أي كلمة الله لم تطلق إلا على الرب سبحانه وتعالى لارب غيره ولا إله سواه ولهذا في دروسنا هذه لن نعّرج على التعريف بالرب تبارك وتعالى لأمور:(4/2)
أولها/ مامّن الله به علينا وعليكم من العلم به جّل وعلا وإن كان هذا لا يغني فإن معرفة الله من أعظم ما يقربنا إليه لكن نمط الدرس لا يتكلم عن الله جّل جلاله ولايتكم عن الأنبياء والمرسلين رغم أنهم أعلام صالحون عليهم الصلاة والسلام فنبينا محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وإخوانهم جميعا من النبيين والمرسلين لن نتحدّث عنهم في حديثنا عن أعلام القرآن،لأن الحديث عن الله سندرسه عن طريق العقيدة متون العقدية والحديث عن أنبياء الله ورسله سندرسه عن طريق السيرة أو عن قصص المرسلين وإنما سنعّرج عن الأعلام التي هي من غير أعلام الأنبياء والمرسلين، فنقول إن القرآن العظيم تضمن أعلاما لأقوام صالحين مثل لقمان وعزير وذو القرنين كأمثله وتضمن أعلاماً لأقوام فاسقين مثل قارون وهامان وفرعون على القول أن فرعون اسماً وتضمن أعلاما لأمكنه كالمدينة وعرفات وبكة والبيت العتيق والمشعر الحرام هذه أعلام على أمكنه وتضمن أعلاماً على أزمنه قال الله تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ } فرمضان علم شهر على زمان مخصوص وتضمن أعلاماً على أصنام قال جّل ذكره { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } فاللات والعزى ومناة أعلام على أصنام وتضمن أعلام على أيام على معارك قال الله (يَوْمَ الْفُرْقَانِ) وقال جّل ذكره (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ?) فهذه بعض أنواع الأعلام في القرآن العظيم، وكلاً إن شاء الله سنعرج له عبر دروسنا المتتابعة في هذه الفترة إلى شهر ذي الحجة بعون الله تعالى، قلنا إن العلم في القرآن يأتي اسماً كهامان وقارون وفرعون وعزير ويأتي لقباً كذو القرنين ويأتي كنية كأبي لهب فهذه الثلاثة بكل ورد القرآن
هذا اليوم أوهذا اللقاء أو هذا المساء إن شاء الله سنعّرج على أربعة من الأعلام المذكورة في القرآن
1/ جبريل ? وهو علم على سيد الملائكه
2/و الكوثر?وهو علم على نهر في الجنة(4/3)
3/وعزير?وهو علم على عبدٌ صالح من بني إسرائيل
4/ويوم الفرقان?وهو علم على معركة أو يوم معركة
هذه الأربعة هي محور حديثنا في هذا اللقاء المبارك وبالله نستعين وعليه نتوكل فنقول
نبدأ بجبريل ذكره الله جّل وعلا في القرآن باسمه وذكره بوصفه مما ذكره الله باسمه قال جّل ذكره في سورة البقرة { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } وذكره الله جل وعلا في سورة التحريم ذكرا مشرفا لأنه ذكره خاصا وأتبع بعده العامة قال جل وعلا { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ? وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }(4/4)
ومعلوم أن جبريل يدخل في قول الله والملائكة بعد ذلك ظهير لكن الله جّل شأنه خصّه بالذكر لشرفه عليه السلام وهذا الملك الكريم كما ذكره الله باسمه ذكره الله بنعته ووصفه الله جل وعلا بأنه أمين مؤتمن غير ذي تهمه قال الله تعالى { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي متهم وقال { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } وأضافه الله إلى ذاته العلية إضافة تشريف قال جل شأنه { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } أي جبريل { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } وهو عليه السلام أحد الملائكة ، والملائكة خلق كثير كما مر معنا في أكثر من درس لايعلم عددهم إلا الله قال الله { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } يدخل فيها الملائكة وغير الملائكة لأن كل ذلك جندٌ لله لكنهم يأتون في المقدمة فهو سيد الملائكة فيما يدل عليه ظاهر الكتاب والسنة وإنما قلنا إن جبريل سيد الملائكة لأدلة من أعظمها(4/5)
أن الله جل وعلا أوكل إليه أعظم الأمور ألا وهي حياة القلوب وحياة القلوب لا تكون إلا بالوحي الذي ينزل من السماء والله أوكل إلى هذا الملك الكريم أن ينزل بالوحي من السماء على أنبيائه ورسله فهو الذي نزل بالقرآن على نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى غيره من الأنبياء والمرسلين من قبل ،بمامّن الله عليهم بالكتب أوبالوحي جملة ويدل عليه أنه ورد في الحديث الصحيح(إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة شديدة فيكون أول من يرفع رأسه جبريل) فهذا دليل على فضله وتقدمه وسيادته عليه السلام وأن الله جل وعلا إذا أحب عبداٌ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه ،فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يكتب له القبول في الأرض) فهذان الأثران في كونه عليه السلام أول من يسمع وحي الله وأن الله إذا أحب عبداً كان جبريل أول من يعلم أوأول من يُخبر دلالة على فضله وتقدمه على غيره من الملائكة وإن كنا لانقطع بهذا لعدم وجود النص الصريح الفاصل في الأمر لكن نقول بتعبير دقيق هذا ظاهر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،له علاقة وطيده بنبينا صلى الله عليه وسلم تتمثل في أمور:(4/6)
أولها أنه هو الذي نزل الوحي عليه وقد مر معنا ،نزل عليه أول الأمر في غار حراء وكان يدارس النبي عليه الصلاة والسلام القرآن في كل عام مره ودارسه في العام الذي توفي فيه عليه الصلاة والسلام دارسه جبريل القرآن مرتين إذاناً وإشعاراً بدنو الأجل وقرب الرحيل،كما أنه علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء وعلمه الصلاة وصلى به إماماً عند الكعبة في ظهيرة اليوم الذي كان في ليلته السابقة رحلة الإسراء والمعراج فصلاة الظهر أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كفريضة مقرّرة كان قبلها يصلي ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها وهي أول الفرائض الخمس التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وقلنا أمَّه فيها جبريل بعد أن علّمه جبريل علمه الوضوء لما طلبت قريش من النبي عليه الصلاة والسلام وهو يخبرهم برحلة الإسراء طلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس رفعه جبريل فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام ينظر إلى بيت المقدس ويصفه لقريش ولّما سُئل صلوات الله وسلامه عليه ما أحب الأماكن إلى الله قال: المساجد فلّما سُئل ما أبغضها إلى الله توقف،، فأخبره جبريل أنها الأسواق فأخبر صلى الله عليه وسلم أنها الأسواق ذكر عليه الصلاة والسلام الشهداء وأخبر أن الشهيد يغفر له كل شيء ثم قال مستدركاً إلاّ الدينَ أخبرني به جبريل آنفا لأن جبريل الواسطة بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم في الشرع كما كان عليه السلام أي جبريل مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى في حديثنا عن يوم الفرقان ،كما أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام رفيقاً في رحلة المعراج فكان يُسأل فيجيب من معك؟ فيقول معي محمد وأحياناً النبي صلى الله عليه وسلم يسأل وجبريل يجيب كما مرّوا على تلك الريح الطيبة قلت ماهذه الريح الطيبة ياجبريل؟ قال: هذه ريح ماشطة ابنة فرعون(4/7)
فالسائل هو نبينا صلى الله عليه وسلم والمجيب جبريل عليه السلام كما أنه أوكل الله جل وعلا بطريقة ما تعليم الصحابة ومّر معكم كثيراً حديث عمر رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم( أنه قدم رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ولايرى عليه أثر السفر ولايعرفه منا أحد ) والحديث معروف ومشهور فلما خرج (قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر هذا جبريل يعلّمكم أمر دينكم) فهذا من حرصه عليه السلام أن يعلم الناس ماينفعهم في أمر دينهم عن طريق الأسئلة التي هو يعرف جوابها فكان يقول كلما أجابه النبي عليه الصلاة والسلام يقول جبريل (صدقت) فيقول الصحابة عجبنا له يسأله ويصدّقه كأنه يعرف الإجابة من قبل عليه السلام هذا جبريل على وجه الإجمال
جاء في تاريخنا الإسلامي الحديث عنه فالله جل وعلا نصر نبيه عليه الصلاة والسلام بالأنصار والمهاجرين وهؤلاء كرام من قبل ذادوا عن الدين بسنانهم وذادوا عن الدين بلسانهم فكان منهم شعراء ومن أبرزهم حسان،وكعب بن مالك،رضي الله تعالى عنهما فحسان ذكر جبريل في شعره قال في همزيته
عفت ذات الأباطح فالجواءُ ****** إلى عذراء منزلها خواءُ
إلى أن قال:
عدمنا خيلنا إن لم تروها ****** تثير النقع موعدها كداءُ
يبارين الأسنة مصعدات ****** على أكتافها الأسن الضماءُ
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا ****** وكان الفتح وانكشف الغطاءُ
إلى أن قال:
وجبريلٌ أمين الله فينا ******* وروح القدس ليس له كفاءُ
يفتخر بأن جبريل عليه السلام مع النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في حروبهم وقال حسان وكنت قبل قد نسبت البيت الذي سيأتي إلى حسان وهو لكعب وهو قول كعب رضي الله عنه
وبيوم بدرً حين تمحى وجوههم ****** جبريل تحت لوائنا ومحمدُ(4/8)
هذا أفخر بيت قالته العرب لحقيقته ولصياغته الفنيه الذي يعنينا هذا مايمكن أن يقال عن جبريل من حيث التعريف أما من حيث مايتعلق بنا قلبياً فإن الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان والإيمان بالملائكة الكرام يتمثّل بالإيمان بهم جملة بوجودهم ومحبتهم وموالاتهم وذكر ثناء الله جل وعلا عليهم وبالإيمان تفصيلاً بمن ذكرهم الله جل وعلا تفصيلا وفي مقدمتهم (جبريل، وميكال، ومالك،وهاروت، وماروت، وإسرافيل، ورضوان) إن صحت الأحاديث فيه وغيرهم مما سمى الله وسمى رسوله صلى الله عليه وسلم فالإيمان بالملائكة الكرام الركن الثاني من أركان الإيمان الذي يجب على المؤمن أن يعتقده ومحبة من يحبه الله ورسوله هذا من أعظم براهين الإيمان ودلائل التقوى أن يحب المرء من وما يحبه الله ورسوله وقد ضربنا لها أمثلة كثيرة في دروس عدّة لاحاجة لتكرارها لأن حديثنا عن أعلام القرآن إنما هو حديث تعريفي هذا جبريل عليه السلام(4/9)
العلم الثاني / الكوثروالكوثر ذكره الله في القرآن مرة واحده في سورة سميت باسمه قال الله جل وعلا { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } واختلف العلماء فيما هو الكوثر على ستة عشر قولا يثبت منها اثنان لأن أقوال العلماء لاتعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ماقالوه يدخل فيما أعطاه الله النبي من الخير لكن الكوثر إنما هو نهر في الجنة أعطاه الله لنبينا صلى الله علية وسلم روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب التفسير ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أنس قال :دخلت الجنة فإذا أنا بنهر على حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت فيه لأرى أين مجرى الماء فإذا هو مسك أذفر قلت ماهذا ياجبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله إياه أو أعطاكه الله ) فهذا نص في موضع الخلاف فلاينبغي الإنصراف إلى غيره فالكوثر نهر في الجنة ويؤيده مارواه الإمام مسلم في الصحيح(أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها ثم قال لأصحابه أتدرون ماالكوثر قالوا الله ورسوله أعلم قال:نهر في الجنة وعدني إياه ربي فيه خير كثير وهو حوض ترده أمتي ) ولهذا فصّل العلماء في قضية الارتباط هل هو نهر في الجنة أو هو الحوض الذي ترد إليه هذه الأمه يوم القيامة والإمام البخاري رحمه الله ذكر الحديث أولاً في كتاب التفسير عند قول الله تعالى { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } ثم ذكره مرة أخرى مردفاً بأحاديث أخر في كتاب الرقاق من نفس الصحيح والحافظ ابن حجر أفضل من شرح الصحيح تكلم عن الكوثر كنهر في كتاب التفسير وأرجى الحديث عن التفصيل إلى كتاب الرقاق وجملة مادّل عليه الخبر أن الأصل أن النهر في الجنة ثم له ميزابان يصب بهما في الحوض الذي هو خارج الجنة فيصبح هذا الحوض الذي هو حوض نبينا صلى الله عليه وسلم يستسقي أويصب فيه أو أصل مائه من الكوثر الذي هو نهر في الجنة(4/10)
بهذا تجتمع الأحاديث يجتمع حديث هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ويجتمع حديث وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، الناس يحشرون يوم القيامة عطشى أحوج مايكونون إلى الماء والورود إلى الحوض والسقيا منه من أعظم مايأمله ويتمناه ويرغبه ويرجوه من الله ،عباد الله الصالحين سقانا الله وإياكم منه ، والناس في الكوثر أهل السنه _سلك الله بنا وبكم سبيلهم_ يؤمنون بهذا الأمر ويثبتونه وأنكرت طائفة من الخوارج ومن المعتزلة وجود الحوض وكان عبيدالله بن زياد الأمير الأموي المعروف ينكر وجود الحوض ويرده فكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يخبرونه بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن للنبي الله حوض حتى أنه سأل عبيدالله سأل أبا برزه الأسلمي رضي الله عنه عن هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض فقال أبو برزه رضي الله عنه وأرضاه ماسمعته مرة ولامرتين ولاثلاث ولا أربع ولا خمس بل سمعته أكثر من ذلك لاسقى الله من كّذب به يريد أن يخوّفه لاسقى الله من كّذب به يريد أن يخوف عبيد الله ابن زياد ثم أخبره ابن عمر وبعض الصحابة بهذا ورد أنه قال (أشهد أن الحوض حق) سواء اقرّ عبيدالله بن زياد أولم يقر هذه ليست هي القضية فالحوض ثابت لاشك فيه.(4/11)
أنس رضي الله عنه وأرضاه دخل على عبيدالله بن زياد ومعه أصحابه خلطائه وخلطاء الإنسان دائماً من نفس فكره في الغالب وهم يتمارون في الحوض يعني كأنهم ينكرونه فقال أنس رضي الله عنه وأرضاه والله ماضننت أنني سأعيش إلى يوم أسمع فيه من يتمارون في الحوض ولقد تركت في المدينة خلفي عجائز ماصلينا صلاة إلاسألن الله فيها أن يسقيهن من حوض نبيهن قال الإمام القرطبي رحمه الله( والحوض أركانه أربعة وهم الخلفاء الراشدون فمن سبهم أو أبغضهم أوأبغض واحدا منهم لم يرد الحوض) وهذا القول من القرطبي لم نقف عليه أثر صحيح يعني لا أعلم من أين أتى القرطبي رحمه الله بهذا القول وإن كان الرجل معروف أحد الأئمة الكبار لكن لاعلم فيما أحفظ دليلاً يدل عليه وإن كان قوله رحمه الله تطمئن إليه النفس فأن حب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من أعظم القرب إلى الله تبارك وتعالى ومن أعظم مايدل على تمكن الإيمان في القلب قلنا إجمالاً أن يحب المرء مايحبه الله ورسوله ولا ريب أن الله ورسوله يحبان الصحابة أثنى الله ورسوله عليهم وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الشاهد أن سبّ الصحابة يحول بين المرء وبين ورود الحوض وهذا ذكره أهل السنة رداّ على الرافضة اللذين يقعون في أصحاب محمد صلى الله عيه وسلم وهنا نمرر فائدة(4/12)
الله جل جلاله ينتقم لأوليائه إن عاجلاً أوآجلاً وسأخبركم بما وقفنا عليه من أحداث هذا الزمان سمعتم بما يسمى_ بالسيد الحوثي_ اليمني الشيعي الذي خرج مؤخراً على حكومة اليمن وقتل هذا الرجل ،قابلت قبل أربعة أو خمسة أيام رجلاً يمنياً شارك في المعارك العسكرية والفكرية ضد هذا الشيعي وكان قد ضلّل شباباً كثيراً من أبناء قريته وأتي ببعض أهل القرية يعني الأخوة في اليمن أهل السنة اخذوا الأبناء الصغار يأسوا من كبارهم وأخذوا الصغار وأتو بهم هنا إلى مكة والمدينة ليعتمروا حتى يغيروا المعتقد الخاطئ الذي ربّو عليه هذا السيد الحوثي طبعاً سيد اسمه ليس بسيد قال في إحدى دروسه لأتباعه يذّم الصديق رضي الله عنه وقد ذكر الغار النبي عليه الصلاة والسلام ومعه صاحبه في الغار فقال بلهجته طبعاً لانقول لهجتهم أنا لا أقول طريقته كيف قالها ولكن أقولها بالفصحى قال: إن أبا بكر ليست له أي كرامة إنما كان يبول ويتغوط في الغار ثلاثة أيام طبعاً قلنا قالها بلغة شنيعه ثم مضت أيام شهور سنين على قولته هذه لما حوصر دافع عنه فتيان شباب مغرر بهم أما هو فقد حصره الله جل وعلا في غار فجلس في الغار ثلاثة أشهر لايستطيع أن يخرج يبول ويتبرز في الغار ثم ختم الله له بأن قتل ، فانظر كيف وقع في رجل كالصديق رضي الله عنه أفضل الأمة بعد نبيها وكيف انتقم الله جل وعلا للصديق رغم أن الصديق لم يسمع هذه المقالة ولم يؤذى بها لكن قال الله جل وعلا في كتابه { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ? } ونحن نقول في دروسنا دائما إذا أردت أن تتكلم في أحد تكلم في القضية العلمية من أخرج للناس علماً ينقد إذا أخطأ ينتقد ماذا ؟ ينقد المسألة صواباً أو خطأً لكن لايتعرض له كذات فربما تقع في رجل له عند الله عمل صالح لاتعلمه والدة يبرها فقير يعطيه أرملة قائم عليها أعمال لاتعلمها أنت فتقع فيه ليل نهار بين أقرانك وخلطائك صباح مساء تقلل فيه وتتهمه(4/13)
وتنتقصه فيصل الأمر إلى حد ينتقم الله جل وعلا لذلك الولي منك وقد قال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أما المسألة العلمية الرد عليها لاهذا سجال بين العلماء لك الحق أن تقول اخطأ فلان في كذا وتبين إن كنت أهلاً لهذا القول أن تبين الأدلة التي تجعلك ترفض ذلك القول المقصود من هذا كله أن الحوض لنبينا صلى الله عليه وسلم ميزاباه من نهر الكوثر وأن الكوثر علم على نهر في الجنة أعطاه الله لنبينا صلى الله عليه وسلم وهي خصيصه له صلوات الله وسلامه عليه تدل على رفيع مقامه وجليل مكانته عند ربه وليس الكوثر بالخصيصة الوحيدة التي ميّز الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم بل له عليه الصلاة والسلام من الفضل ورفيع الدرجة وعلو المقام والخصائص التي أعطاه الله إياها مالا يمكن حصره ولا استقصائه في مقام كهذا فالله تبارك وتعالى كان ومازال حفيا بنبيه صلوات الله وسلامه عليه هذا العلم الثاني وهو الكوثر الذي تحدثنا عنه
*****************
العلم الثالث:(4/14)
في لقاء اليوم هو عزير ، وعزير أحد صالحي بني إسرائيل لم تثبت نبوته قال الله جل وعلا عنه في القرآن،ذكره الله جل وعلا في القرآن في سورة التوبة قال الله تبارك وتعالى { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ? ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ? } نحن نعلم جميعاً أن الرب تبارك وتعالى مقّدس عن الصاحبة والولد منزه فلم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد وأعظم الجرم أن يدّعي مدعي أن لله جل وعلا ولدا قال الله { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً } ممن زعم أن لله ولد النصارى واليهود وكل منهما تعلق بشبهة والشبهة لايجلوها إلا العلم فنبدأ بالنصارى وإن كانوا متأخرين لكن حتى نصل إلى عزير ، النصارى وقعوا في هذه الشبهة من باب أنهم رأوا أن عيسى عليه السلام لا والد له فزعموا أنه ابن لله فرد الله جل وعلا عليهم كما مر علينا في تأملاتنا في سورة آل عمران { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } والمعنى لو كان هناك أحد حقيق أن يكون ابناً لله ولا يوجد أحد أن يكون حقيقا ابناً لله لكان آدم أولى ممن ؟؟ أولى من عيسى لأنه إذا كانت الشبهة في عيسى أنه وجد من غير والد فإن آدم وجد من غير والد ولا ولد وإنما هو أمر من الله كن فيكون فرد الله بهذا شبهة النصارى أما اليهود فان اليهود زعموا أن عزير ابن الله وسبب شبهتهم أنهم يعلمون أن التوراة نزلت على موسى ماذا ؟ نزلت على موسى مكتوبة هذا لايمكن إنكاره الله قال { وكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ } فموسى أنزلت عليه التوراة مكتوبة فكان علمائهم يحفظون التوراة ثم سلط الله عليهم بختنصر فأزهق أرواحهم وأفنى علمائهم فقدّر أن هذا عزير(4/15)
ألهمه الله جل وعلا التوراة جعله قادر على استذكارها فأملاها عليهم حفظاً غيباً , فلمّا أملاها عليهم غيباً وقعوا بعد ذلك على التوراة كما سيأتي كيف وقعوا عليها( نتكلم الآن جملة ) فلمّا وقفوا على التوراة وهي مكتوبة وجدوها , أين دفنها العلماء قبل أن يذبحهم بختنصر ؟ , فقارنوا ما أملاه عليهم عزير وماهو بين أيديهم من التوراة فوجدوه لم يخرم عزير حرفاً واحداً قالوا هذه الشبهة , قالوا ماأعطي عزير هذا إلا لأنه ابناً لله , واضح ....؟
هذا سبب قول اليهود وزعمهم أن عزير ابن الله وهذه مشكلة قلة العلم في أي شي فإن الإنسان إذا كان لايعرف إلا جزئية في العلم يتخبط فيه ويقع في أمور لا يعلمها إلا الله فعثمان رضي الله عنه وأرضاه قرّب قرابته وأعطاهم مسؤوليات فجاء الخوارج قالوا هذا ينافي ماأمر الله به من العدل ،هذا لا يصلح أن يكون خليفة هذا لايصلح أن يكون أميراً للمؤمنين ثم قتلوه ثم نهبوا ماله ثم قتلوا لجيح وفليح غلاميه ثم ضربوا زوجته تطور الأمر لأجل شبهة واحده لم يجدوا عذراً لعثمان والخوارج اللذين بعدهم اللذين قتلوا علياً قالوا إن علياً حكّم الرجال في دين الله والله يقول { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ } ولم يفهموا هذه الآية لما نزلت وفيما أنزلت رغم وأن الله حكّم الرجال في الصيد
{(4/16)
َيحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } ومع ذلك تركوا هذا كله ورفعوا سيوفهم على أمير المؤمنين وقتلوه وهذا كله من نقص العلم وأمثال هؤلاء مثل اليهود أوغيرهم ممن يوجد في هذه الأمه قلة العلم صعب أن تحاورهم لأنه يتمسك بجزئية واحدة ولا يوجد جامع بينك وبينهم لايوجد أرضيه علميه متسعة حتى تأخذ وتعطي معه المقصود أن هذه الشبهة هي التي تعلق بها من تعلق من اليهود في زعمهم أن عزير ابن الله أما عزير في نفسه فعزير عبدٌ صالح ورد فيه آثار هذه الآثار لايوجد بين أيدينا نقل صحيح نستطيع أن نجزم أنه صحيح ولكنها نقول منقولة عن وهب بن منبه وعن ابن عباس وأخذها كعب الأحبار وغيرهم من الصحابة و التابعين فمنهم من قال(أن عزير مرّ على امرأة تبكي عند قبر بعد أن قتل بختنصر بني إسرائيل وهي تقول وكاسياه ومعطياه تبكي وتندب على الرجل الميت فقال لها عزير من الذي كان يطعمك ويسقيك ؟ قالت: الله ،قال:فإن الله حي لا يموت فلا داعي للبكاء وهو قبل أن يقول لها ذلك كان يبكي على فقد العلماء فقالت له المرأة :وأنت علاما تبكي ؟ قال أبكي على فقد العلماء، قالت:من الذي علّم علماء بني إسرائيل ؟ قال الله قالت : فأسأل الله فإن الله حي لايموت فسأل الله أن يقذف في قلبه نور التوراة فأعطاه الله نور التوراة) هذا قول ونقل آخر عليه كثير من العلماء أنه هو المقصود بقول الله تعالى { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } فقالوا إن القرية هي بيت المقدس بعد أن عاث بختنصرفيها فساداً فبعد أن هدّم منازلها وأطاح سقوفها وقتل أهليها مرّعليها مر عليها عزير فقال من باب التعجب لامن باب الإنكار { قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } وكان قد خرج وعمره أربعون عاماً وله أمة جارية عمرها عشرون عاماً فأماته الله فمكث ميتاً مائة عام بنص القرآن إن كان هو عزير فبعد مائة عام أحياه الله جل وعلا ورده كما كان فأصبح(4/17)
عمره كم ؟؟ أربعون كما هي فلمّا رجع إذا بالناس قد تغيروا فذهب يحاول أن يصل إلى بيته فوجد الامه التي تركها وعمرها عشرون عاماً قد أصبح عمرها مائة وعشرين فقال لها أين بيت عزير؟ قالت: يرحمك الله أين أنت من عزير لم يعد لا أحد يذكر عزير هذه الأيام فقال لها: أنا عزير قالت: أن عزير كان عبداً صالحاً فإن كنت عزير فادعوا الله لي وكانت قد عميت فدعا الله لها فبرأت وأبصرت فلمّا رأته عرفته لأنه ما تغير به شيء فأخذته للملإ من بني إسرائيل ذكروا له التوراة فسأل الله ودعاه فأملى عليهم التوراة ولم يخرم منه حرفاً ثم قال لهم أن أبي كان قد أخفى التوراة في مكان كذا وكذا عندما خربت بيت المقدس فذهب بهم إلى موضع الذي غلب على ظنه أن أباه وضع التوراة فيه فأخرجها مكتوبة كما قلنا في أول الدرس فلمّا قارنوا بين ماأملاه عزير وبين ما وجدوه مكتوباً وان عزير لم يخرم منه حرفاً واحداً قالوا : ما أعطي عزير هذا إلا لأنه ابن الله ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علو كبيرا ، هذه الايه ذكرها الله كما قلنا في سورة التوبة لكن لماذا ذكرها الله في سورة التوبة ؟؟(4/18)
ذكرها الله ليغري المؤمنين ويحثهم على قتال أهل الكفر فذكرها الله ليبين أعظم ماتحلى به أهل الكفر وهو زعمهم أن لله الولد وأعظم الفرية أن يأتي أحد فيدّعي لله الولد تعالى الله عمّا يقول الظالمون علو كبيرا ، ولذلك كانوا يقولون في سيرة الإمام أحمد رحمه الله انه كان إذا أبصر يهودياً أو نصرانياً في بغداد يغمض عينيه فيقال له ياأبا عبدالله لِما تفعل ذلك؟؟ فيقول: والله إني لاأطيق أن أرى أحدا يزعم أن لله ولدا وهذه أمر تحلى به الإمام احمد رحمه الله لكن لايوجد دليل على وجوب فعله لان النبي صلى الله عليه وسلم أبصر اليهود والنصارى وهم يزعمون أن لله الولد وتعامل معهم ، لكن هذا أمر ورع من الامام نفسه وليس هدياً نبوياً، رحمة الله على الإمام احمد ،موضع الشاهد من هذا انه كم في الأمم من قبلنا وفي أمتنا من الصالحين من غال الناس فيهم حتى عبدوهم من دون الله أو عظموهم من دون الله ولهذا قال الله بعد هذه الآية { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } وأعظم الفرق التي وقعت بهذا بلاشك الرافضة وغلوهم الشركي بعلي رضي الله عنه وبالسبطين الحسن والحسين وهذا أمر مشاهد لايمكن إنكاره كله من باب الغلو بالأشخاص ولاينبغي للمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغلوا في احد من الخلق كائن من كان إنما يحب كل احد بقدر ويبغض بقدر ويتخذ الشرع مناطا ومعيارا في التعامل مع الخلق كله00000000000000(4/19)
رابع الأعلام في لقائنا هذا هو يوم الفرقان وهي التسمية القرآنية ليوم بدر أما قول الله جل وعلا { و َلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } فهذه علم على مكان لكن الله قال في الأنفال { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقول الله جل وعلا(4/20)
" وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا " هذه *ما* ليست نافيه وإنما ما موصولة قطعاً ما نافيه تضيع الآية كلها لكنها ما موصولة " وَمَا أَنزَلْنَا " أي والذي أنزلنا "عَلَى عَبْدِنَا " أي نبينا صلى الله عليه وسلم " يَوْمَ الْفُرْقَانِ " يوم بدر يوم معركة بدر التي فرّق الله فيها بين الحق والباطل والفرقان مصدر من الفعل فرق يفرق فرقاناً، { يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } جمع أهل الكفر وجمع أهل الإيمان قال الله بعدها { وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } مالذي أنزله الله يوم الفرقان؟؟ النصر الذي انزله الله جل وعلا يوم الفرقان النصر والظفر لنبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه معلوم أن يوم بدر مشهور لكنني سأتحدث عنه إجمالا فيم يغلب على الظن أن فيه فائدة لمن يسمع الحالة الاقتصادية في المدينة كانت ضعيفة جداً قبل بدر فكان الشغل الشاغل للصحابة لمّا سمعوا بعير قريش همهم أن ينالوا القافلة حتى يتحسن الوضع الاقتصادي فخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واكبر همهم أن ينالوا القافلة لكن الله أبدلهم من القافلة خيراً منها وهو أن الله أعطاهم النصر ومكّن لهم الأسر واخذوا بعد ذلك الفدية من قريش فأعطاهم الله جل وعلا فوق مايؤملون 0 أبو سفيان حارب النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً لكن لايقع إلا ماقدّر الله حارب في بدر واحد وجمع الأحزاب مع ذلك مات على ؟ مات على الإيمان فسبحان مقلّب القلوب يفعل بعباده مايشاء ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (يامقلّب القلوب ثبت قلبنا على طاعتك) الأمر الثالث عاتكة بنت عبد المطلب هذه أخت العباس عمة النبي قبل يوم بثلاثة أيام رأت رؤيا رأت أن رجل يستغيث بالأبطح ويقول : ياآل غُدر انفروا لمصرعكم في ثلاث ثم تنقل من مكان إلى مكان ثم صعد جبلاً هذا في الرؤيا ثم ألقى صخرة فانفلقت الصخرة ثم لم يبقى بيت من بيوت مكة إلا ودخله شظية من الصخرة فقصت الرؤيا على أخيها العباس فقال لها العباس(4/21)
اكتميها والله إنها لرؤيا قالت أظنها مصيبة ستحل بقومنا فأخبر العباس الوليد بن عتبه صديق له ويقولون كل سر جاوز الاثنين شاع وكل علم ليس في القرطاس ضاع أما الأولى كل سر جاوز الاثنين شاع فهذا صحيح لكن كل علم ليس بالقرطاس ضاع هذا ليس بصحيح لأن الله يقول { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } ما قال الله أنه في كتب نعود فنقول الوليد لمّا قصها عليه العباس قصها على أبيه عتبة وعتبة اخبر بها غيره فانتشرت في قريش فلمّا بلغت أباجهل نادى العباس وتوعده وتهدده وقال يابني عبد المطلب أما كفاكم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نسائكم وكان أبو جهل رجل خفيف نحيل حديد الوجه حديد النظر حديد اللسان ما يستطيع أحد يقاومه واصلاً أُدخل دار الندوة قبل أن يطرّ شاربه رغم أن دار الندوة في قريش لايدخلها رجل إلا بعد الأربعين لكن ادخلوه إياها محكماً من أول أمره لعلو شأنه وهو صغير فنادى أبو جهل العباس واخذ يتوعده ويهدده فلم يجد العباس مفر من أن يجحد وينكر فلما ذهب العباس إلى داره اجتمعن علي نسوة عبدالمطلب يعني آل عبد المطلب وعاتبوه ولاموه كيف تضعف أمام أبي جهل واخذوا يزيدون له الأمر حتى يرد على أبي جهل فأجمع أمره على أن يرد على أبي جهل فلما انصرف بعد ثلاثة أيام قابل العباس أباجهل وناداه ليرد عليه إذا بضمضم الغفاري الذي استأجره أبوسفيان وبعثه يستصرخ في قريش يصرخ مثل ماقالت عاتكة قي الرؤيا فكان أبوجهل ممن سمع الغوث ترك العباس وخرج ثم خرج العباس وخرج الناس ينشدون ماذا يريد ضمضم وانتهى أمر الرؤيا يعني انشغلت قريش عن الرؤيا ثم خرجت قريش بعد أن استنفرهم ضمضم الذي بعثه أبو سفيان0 التقى الجمعان كما قال الله في بدر، وبدر اسم لرجل بدر بن حذافة كان قد حفر بئر في هذا الموضع فسميت المكان باسمه إلى يومنا هذا وهذا يدل على أن فيه أشياء تبقى مع الأيام لاتتغير على اسمها الأول 0 من قبل النبي صلى الله(4/22)
عليه وسلم هذا المكان كان اسمه بدر والنبي عليه الصلاة والسلام وهو في طريقه مّر بالروحاء والروحاء إلى اليوم كما هي بالمنصرف وهي المسيجيد الآن ومر ّبرحقان الجبل المعروف ومرّ بالمضيق حتى وصل إلى بدر وهناك في بدر التقى الجمعان كما أخبر الله جل وعلا استشار النبي أصحابه لان النبي وفيّ وهو يعلم أن العهد الذي بينه وبين الأنصار أن يحموه داخل المدينة وبدر خارج المدينة وأخذ يقول أشيروا عليّ أيها الناس0 يقول أشيروا عليّ أيها الناس ثم سمع من الأنصار ماسمع من دلاله صدقهم ونصرتهم لدين الله فقال امضوا فأن الله قد وعدني إحدى الطائفتين إما النصر وإما القافلة فلما كان يوم بدر كان يعلم أنه المنتصر وإنما كما قلنا في دروسً عدة وقف صلى الله عليه وسلم ليلة بدر يدعوا ويتضرع إلى الله ليقيم التوحيد ويحقق العبودية لله وإلا هو يعلم قطعاً انه المنتصر لأنه قال لأصحابه امضوا فأن الله قد وعدني إحدى الطائفتين فالطائفة الأولى هي القافلة فرّت هربت نجت فلم يبقى إلا الثانية ووعد الله حق وهو النصر فكان يعلم انه منصور لكنه أراد أن يحقق أعظم ما كلّف الله به العبيد ألا وهو تحقيق التوحيد فاخذ صلى الله عليه وسلم يدعوا حتى سقط رداءه فرّق له أبوبكر وكان شفيقاً رفيقاً بالنبي فقال يا نبي الله ......(4/23)
مناشدتك ربك يعني على مهلك فكان صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا) وأهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر وهو عدد جيش طالوت الذي قال الله فيه { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً } دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم كانت موقعة بدر عليه جماهير الناس إلا ماروي عن بعض العلماء لكنه مخالف لما عليه الأكثرون أنها كانت في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة في يوم جمعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على غير صيام ولهذا كان عُمير بن الحمام في يده تمرات وهو في رمضان يأكل ثم ألقاها وجاهد في سبيل الله واستشهد رضي الله عنه وأرضاه 0 نجم عن المعركة كما هو معلوم قتل سبعين من أهل الإشراك واسر سبعين والمسلمون في يوم احد لم يؤسر منهم احد وإنما قتل منهم سبعين(4/24)
ولهذا قال الله { َأوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } أصبتم مثليها أي في أين ؟ في بدر قتلتم سبعين وأسرتم سبعين أما في احد فالذي أصابكم نصف ماحصلتم عليه في الأول قتل منكم سبعين ولم يؤسر منكم احد أظن هذا ظاهر مكث النبي صلى الله عليه وسلم في بدر يتصرف بالقتلى وبعث عبدالله بن رواحه وأسامة بن زيد على ناقته القصواء يبشرون أهل المدينة بانتصار نبي الإسلام في بدر ثم ألقي قتلى قريش في قليب 0 القليب /البئر المهجور المتروك بقليب بدر ومكث صلى الله عليه وسلم ينادي أهل القليب ويقول هل وجدتم ماوعد ربكم حقا لقد وجدت ما وعدني ربي حقا فقال له عمر يارسول الله كيف تدعوا أقواما قد جيفوا فقال ياعمر والله ما انتم بأسمع بما أقول منهم لكنهم لايملكون جواباً هذه المسألة ينجم عنها مسألة خلافيه شهيرة وهي قضية ماذا ؟ هل الأموات يسمعون أو لا؟؟ وينجم عن قضية فقهيه هل الأموات يسمعون أو لا ؟؟ قضية أخرى وهي قضية تلقين الميت 0 وتلقين الميت أن يوقف على القبر فيقال للميت اذكر ماتركت اذكر آخر ماتركت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله ، والحق أن هذا لعمل أي تلقين الميت لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن احد من أصحابه فيما نعلم ،ظهر في الشام قبل الإمام احمد بقليل في أواخر القرن الأول من قوم صالحين فأخذه عنهم البعض واصل المسألة كما قلت هي قضية هؤلاء اللذين في بدر أين الإشكال ؟؟ اللذين يقولون بالتلقين يقولون هذا الحديث إن النبي عليه الصلاة والسلام قال عن قليب بدر أنهم ماذا أنهم يسمعون كيف يرد عليهم؟ يرد عليهم لو كان الأصل أنهم يسمعون لما أنكر من لما أنكر عمر لكن الظاهر أن الأمر خرج عن المعتاد خصيصة للنبي صلى الله علية وسلم وليس أمرا عاديا لكن رد الآخرون بان النبي عليه الصلاة والسلام قال بأنه يسمع قرع نعالهم والمسالة مبسوطة في كتب الفقهاء لكنني أردت تحرير(4/25)
المسالة علمياً لكننا نقول إن الخير كل الخير في إتباع هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا مجلس علم ويوجد علماء فضلاء تبنّوا هذا الرأي لكن كما قلت هذا مجلس علم وحري أن تخرج وقد فهمت المسالة لان الإنسان لايستطيع أن يجادل ويناقش ويأخذ ويعطي إذا كان لايجهل أقوال الطرف الآخر لكنه إذا كان يعلمها يستطيع ويقدّر أن يثبت في مواضع الاستشهاد العلمي ويأخذ ويعطي هذا يوم بدر سمّاه الله فرقاناً لان الله جل وعلا فرّق فيه مابين الحق والباطل وكان يوما عزيزا في الإسلام نصر الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم الأسرى أشار عمر على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلهم واخذ الرسول برأي أبو بكر أن يفدوا ويستفيد المسلمون من الفدية ويستبقون علّ الله أن يهديهم فأنزل الله جل وعلا قوله { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } { لَوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ } المقصود من هذا اخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر فبعثت قريش تفدي أسراها ومر معنا أن كان من الأسرى العاص بن الربيع والعاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو أمامه بنت زينب وزينب كانت في مكة وزوجها مأسور في بدر مقاد للمدينة فبعثت بفدية تفدي به زوجها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( إن زوج المرأة أو بعل المرأة من المرأة ـ بماذا ـ بمكان) فالمرأة إذا احتلكت عليها الخطوب لاتجد أحد تلجاء إليه أكثر من زوجها فهذه المرأة رغم أنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مسلمة لكن لما علمت أن زوجها اسر أخرجت كل ما في يدها فأخرجت قلادة كانت أمها خديجة رضي الله عنها وأرضاها ألبستها إياها في يوم دخولها على زوجها فبعثت بالقلادة وهي اعز ماتملك كله من اجل أن تفدي زوجها فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم القلادة عرفها فتذكر زمن خديجة رضي الله عنها وأرضاها فورد انه اهرقت دمعتاه صلوات الله وسلامه عليه يعني بكى ثم(4/26)
فدى العاص بن الربيع ورجع0 حصل بعد ذلك كما مرّ معنا في دروس عدة إن العاص أسلم بعد ذلك في قصة طويلة ليس هذا موضع بسطها موضع القضية قضية الفداء في الأصل ، على الجانب الآخر قريش قوم أعزة في ذاتهم وان كانوا على الكفر كان فيهم أنفة لايرضيهم شيء ولذلك حتى في الحج مايخرجون إلى عرفات عرفات في الحلّ إنما مزدلفة ومنى في الحرم فلا يخرجون مع الناس يخرجون يقولون نحن أهل الله أهل الحرم مانخرج مع الناس في عرفات فيقفون قبل عرفات ولا يفيضون من منى إلى عرفات ولهذا قال الله لنبيه { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } دعك من قومك وأنفتهم {وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} والمقصود أن قريش كانت فيهم أنفة فمنعوا ـ زي مايصدر مثلاً بيان رسمي بيان داخلي في أوقات الحروب ـ أصدروا بيان انه لا احد يبكي طبعاً الإنسان إذا مابكى يزداد ماذا ؟ في قلبه لأنه لم يخرج فذات يوم كان احدهم قد سمع بكاء هومات له ثلاث أبناء محروق فقال لأحد أبنائه اذهب فأنظر فاني اسمع امرأة تبكي لعل قريش أذنت أن يبكى على القتلى ذهب الولد وجد امرأة تبكي على بكر بكر ،الفتى من الإبل ،تبكي على بكر لها أضلته جاء يعود لأبيه قال ماوراءك قال: لم تأذن قريش هذه امرأة تبكي على بكر أضلته بعير أضلته فقال:
أتبكي أن يضل لها بعيرا ****** ويمنعها من النوم السهودُ
فلا تبكي على بدرً ولكن ****** على بدرً تقاصرت الجدودُ
على بدرً سراة بني هسيسً ****** ومخزوم ورهط أبا الوليدِ
ألا قد ساد بعدهم رجالٌ ****** ولولا يوم بدر لم يسودُ(4/27)
واخذ يذكر نحيبه وشجونه على أبنائه اللذين قتلوا في بدر ، هذا حصيلة ماكان في يوم بدر خص الله جل وعلا تلك الفئة في يوم الفر قان بان الله اطّلع عليهم فقال :" اعملوا ماشئتم فإني قد غفرت لكم " فهؤلاء الفئة الثلاثمائة والأربع عشر هم خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق هؤلاء الثلاثمائة والأربع عشر خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق وقلنا إن جبريل كان في ذلك اللواء و قلنا إن قول كعب :
وبيوم بدرٍ حين تمحى وجوههم ****** جبريل تحت لوائنا ومحمدُ
افخر بيت قالته العرب لأنه لا يوجد راية يمكن أن تقع في التاريخ كله من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة يجتمع تحتها محمد بن عبدالله وجبريل وأبوبكر وعمر وغيرهم من سادة المهاجرين والأنصار هذا أمر لايمكن أن يتكرر فلا أحد في الأنبياء أفضل من محمد ولا أحد في الملائكة أفضل من جبريل ولا أحد في حواري الأنبياء أفضل من أبي بكر ، وهؤلاء الثلاثة الأئمة في كل فريق اجتمعوا تحت راية واحده فلهذا كانت راية بدر لاتعدلها راية 0000 رزقنا الله وإياكم حبهم وجوارهم في جنات النعيم
***************
هذا معشر المؤمنين ماتيسر إيراده وتهيأ قوله وأعان الله جل وعلا على إلقائه في هذا اليوم المبارك وهم أربعة أعلام (وجبريل، الكوثر،وعزير،ويوم الفرقان)
وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنعرّج على أربعة آخرين من أعلام القرآن وفقنا الله وإياكم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين
**************
تم بحمد الله تفريغ الشريط الأول من أعلام القرآن
السبت 1/1/1428هـ
أختكم / بنت حايل
*ملاحظة0000
**** آية قرآنيه
**** حديث نبوي
**** أثر
**** شعر(4/28)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثاني
من ألبوم
(أعلام القرآن)
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين :
أما بعد :ـ
فهذا هو اللقاء الثاني من سلسلة أعلام القرآن وكنا قد تكلمنا في اللقاء الماضي عن أربعة من أعلام القرآن الذين ذكرهم الله جل وعلا في كتابه العزيز وفي هذا اللقاء المبارك سنتدارس معكم إن شاء الله تعالى خمسة تراجم لخمسة أعلام ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه وهم ثلاثة في عصر واحد لأشخاص فرعون ، وهامان ، وقارون ، وعلمين ندرسهما لمكانين مباركين هما عرفات ،والمشعر الحرام وهذه الخمس كلها وردت في القرآن وكنا قد فصلنا في اللقاء الماضي أن الأعلام تكون مكانيه ،تكون زمانية ، تكون لأشخاص تكون لغير ذلك .
نقول والله المستعان قال الله جل وعلا :( ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بآياتنا وسُلْطَان مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَونَ وهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) وقال جل ذكره في العنكبوت (وقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّّّّّّّّّّّّّّّّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) وقال في القصص :( إِنَّّّّّّّّّّّّّّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ) وقال تبارك وتعالى : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوَنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَنَا ًإِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ ) التفصيل كالتالي:(4/1)
هولاء الثلاثة كلهم كذابون فرعون وهامان وقارون لكن ينبغي أن تعلم أن فرعون وهامان من أهل مصر الأصليين أما قارون من قوم موسى من بني إسرائيل هؤلاء الثلاثة أحداثهم لم تكن في مكان واحد فرعون وهامان كانا في مصر أما قضية قارون لم تكن في أرض مصر كانت بعد خروج موسى من أرض مصر في أرض التيه فقصة البقرة وقصة الخضر وقصة قارون كلها تمت بعد خروج موسى عليه الصلاة والسلام من أرض مصر أما فرعون وهامان فكانا زعيمين لأرض مصر يجمعهم التكذيب بموسى لكنهم يختلفون في النسب يختلفون في قرابتهم من موسى يختلفون في الحقبة الزمانيه المخصصة التي وقعت فيها الأحداث فنبدأ بما بدأ الله به طبعا مر معنا كثيرا قضية موسى وهارون وهامان لذلك لن أفصل فيما فصلت فيه سابقا في التأملات ولكن نتكلم هنا من باب تراجم بسيطة جدا عن أعلام القرآن لذلك كان العدد خمسة فرعون لقب على الأظهر لمن يحكم مصر في فترة من الفترات آنذاك هل اسمه فرعون الحقيقي أو هو لقب له ؟ اختلف الناس أي أهل العلم والمشهور أنه لقب لكن هذا اللقب لم يرد له نص في القرآن يعني هذا اللقب لم يرد له اسم يبينه في القرآن ففي كل المواضع التي ذكر الله جل وعلا فيها خبر موسى مع فرعون سماه فرعون ولهذا قال البعض إن اسمه فرعون لكن قلنا إن كلمة اللقب هو أقوى لكن لايعرف له اسم قال بعض العلماء إنه اسمه / أبوالوليد أو قالوا مصعب ابن الوليد أو الوليد بن مصعب لكن هذا بعيد جدا لأن هذه أسماء عربيه لايمكن أن تطلق على فرعون وفرعون كلمة لاوزن لها في العربية لا وزن لها في العربية بخلاف غيره بخلاف هامان مثلا.(4/2)
هذا الرجل لماذا ندرس سيرته ؟!!!لأن الله أخبر أنه أشد أهل النار عذابا قال الله :( أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) فإذا كان هذا مآل أهله فكيف بمآله هو فندرس سيرته لنقف على أعظم الصفات التي تحل بها حتى نبتعد عنها لأن المؤمن يتحلى بطرائق الأخيار ويأنف وينأى بنفسه عن طرائق الأشرار الكبر أعظم المهلكات وهو نبته في الصدر وقد مرمعنا أنه يقسم إلى ثلاث أقسام :ـ
ـ كبر على الله وهذا الصانعون له قليل .
ـ وكبر على الرسل وهذا الصانعون له أكثر من الأول.
ـ وكبر على الناس وهذا قليل من يسلم منه.
أما الكبر على الله فهو عين الكفر وهذا لم يوجد على مر الدهور إلا في قليل من الأفراد منهم النمرود صاحب إبراهيم (قَالَ أَنَاْ أُحْييِ وَأُمِيتُ) ومنهم فرعون لأن فرعون تاريخياً بعد من؟ بعد النمرود ففرعون قال :( مَاعَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيرِْي) وقال لأهل مصر (أَنَا رَبُّّّّّّّّّّكُمُ الأَعْلَى ) وهو قمة الكبر على الله تبارك وتعالى ولهذا كان جبريل كما مر معنا في درس التأملات حانق عليه لأن فرعون نازع الله في كبريائه فلما أدركه الغرق وأخذ يرى الموت عياناً في البحر كما جاء في الحديث الصحيح كان جبريل يأخذ الطين ويضعه في فم فرعون حتى لا يتلفظ فرعون بكلمة يستدر بها رحمة الله جل وعلا فيرحمه الله فكان من حنق جبريل عليه أنه لا يريد أن يرحمه الله لما سلف من أفعاله وأقواله وقوله (ماعلمتم لكم من إله غيري)(أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر َوَهَذِهِ الأَنْهَار ُتَجْرِي مِن تَحْتِي)(أنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)( فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحَاً لِّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) إلى غير ذلك مما تجرأ به على ذات الله جل وعلا ...(4/3)
ـ إذاً أعظم ما يفهم من الدرس :أن الإنسان هذه النبتة التي في القلب يحاول قدر الإمكان أن يجعلها مجرد نزعه في النفس لا يكون منها أي صنيع هي كونها موجودة في الإنسان هذا يعني شيء مجبول عليه الناس لكن لا يكون لها أي صنيع لا يكون لها أي دور ثم الناس في هذا منازل.
ـ الحالة الثانية :الكبر على الرسل وقلنا هذا كثيراً في الأمم .
ـ ثم الكبر على الناس وهذا هو الذي لا يوجد مسلم ولله الحمد ممكن أن يتكبر على الله ورسوله لكن قد يوجد في الناس من يتكبر بعضهم على بعض إما لمال أو لجاه أو لنسب أو لسلطان أو ما إلى ذلك ولهذا أمر الله جل وعلا نبيه بأن يخفض جناحه للمؤمنين عموما وأن يكون أنموذجا في تواضعه ( وَلاَتَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ً* كُلُّّّّّّّّّّّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّّّّئُهُ عِندَرَبِّّّّّّّكَ مَكْرُوهاً ) هذه أعظم ماتصف به فرعون .(4/4)
ـ الأمر الثاني:ـ تكذيبه وهذا ناشئ عن كبره تكذيبه لما يعلم أنه حق ولهذا قال الله جل وعلا عنه ( وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّاً) فهو كان يعلم أن موسى على الحق بالآيات البينات البالغات التي أظهرها موسى له لكنه جحدها وهو يعلم أنها حق فمن أعظم ما يظلم به المرء نفسه أن يرد الحق وهو يعلم أنه حق لكن يرده كبر .... يرده أنفه.... يرده استكبارا لايريد أن يخضع لأحد لا يريد أن يشعر أن زيدا أو عمرا من الناس أفضل منه فيلحق بركب فرعون وإن كان لايصل إلى فرعون ولا يخرجه هذا من الملة لكن يحرمه من خير كثير ويكون وباله بحسب ذلك الشيء الذي رده ،عامل الله فرعون بجنس المعصية التي تعالى بها ،قال لأهل مصر:( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وِهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تحَتِي...) فنسب أنهار مصر إليه وأنها في قبضته يصرفها كيف يشاء فأغرقه الله في البحر الذي كان يدعي أنه ملك له ،أغرقه الله جلا وعلا في البحر الذي كان يدعي أنه ملك له ،كان من سياسته التفريق بين الناس قال الله جلا وعلا :(جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) شيعا :ـ أي فرق يعذب طائفة... يستحي النساء... مجموعة للخدمة ...مجموعه للرفعة...مجموعه مقربة له ففرق بين الناس على تميز عنصري كان يتخذه وجعل بني إسرائيل في أدنى المنازل وجعلهم للخدمة وسامهم سوء العذاب فمنَّ الله على بني إسرائيل ببعثة موسى ثم أهلك فرعون بأنه نجى موسى جل وعلا وأخزى فرعون وآله هذا فرعون على وجه العموم...(4/5)
اتخذ وزيراً والوزير آنذاك ليس كالوزير في هذا العصر الوزير الوزراء في هذا العصر يعطى كل ذي وِجه وزارة سابقا الوزير كان المعاون أو المساعد للرئيس أو للملك أو للسلطان فكان هامان يؤدي هذا الدور مع فرعون ولهذا قال الله:( فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُم عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنِّ فِرْعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) فنسب الجنود أضافهما إلى فرعون وهامان لأنهما كان يملكان القيادة ،والإنسان كان ذا سلطان أوغير ذي سلطان لا بد له من أشخاص حوله يستشيرونه ويعينونه في الأمر هذه سنة لله قلما يوجد أحد لا يتخذ رأيا إلا لوحده وليس معه أحد خاصة ذوي المناصب وذوي الجاه وذوي المشاغل الكبرى وكلما كان وزير الإنسان ومن يرافقه ذا عقل وحلم ومحبة لله فيه كانت قراراته أقرب إلى الهدى والضد بالضد والعكس بالعكس...هامان هذا كان وزيرا لفرعون يعينه على طغيانه ويعينه على جبروته ولهذا قدح الله فيهما سويا ونكل بهما سويا ...(4/6)
ـ من الوزراء في التاريخ الإسلامي الذين عرفوا بالفضيلة رجاء ابن حيوه ورجاء هذا كان وزيرا لعبد الملك ابن مروان ثم للوليد مقرب من عبد الملك ثم الوليد ثم جاءت خلافة سليمان ابن عبد الملك وسليمان لم يكتب له أن يُعمَّر توفي بعد الأربعين بقليل جاء مكة ثم ذهب إلى الطائف ثم دخل يغتسل فلبس ثيابا حسنه فأعجبته نفسه وهو ينظر للمرآة فقال:"كان أبو بكر صديقا ،وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حييا ـ ولم يقل في علي شيء لما بين بني أمية وبين علي ـ وكان معاوية حليما وكان عبد الملك سائسا وكان الوليد جبَّارا وأنا الملك الشاب" بقدر الله التفت قابلته جارية من جواريه أمه قال :ماترين في ؟أعجبته نفسه أمير المؤمنين وهو في الأربعين فقالت له قدرا:أنت نعم المتاع لولا أنك فاني يعني / تموت فاستشاط غضبا من كلامها مكث بعدها ثلاثة أو أربعة أيام ومات الذي يعنينا عندما أدركه الموت بعد أن رجع الظاهر من الطائف كان وزيره رجاء بن حيوه فلما شعر بدنوا الموت ويكتب الكتاب للولاية من بعده هذا سليمان له أخوان يزيد وهشام بالترتيب يزيد وهشام بالترتيب وله ابن عم اسمه عمر بن عبد العزيز فكان رجاء يتمنى أن يلي الخلافة عمر لما يعرف فيه من فضل عمر ولايريدها في يزيد ولا في هشام ولايريدها من باب أولى في أبناء سليمان فقال سليمان لرجاء: أكتب من بعدي كتابا لابني فلان قال يا أمير المؤمنين ابنك هذا في الجهاد ماندري يعود أو لا يعود أخذ يلاطفه قال إذا أكتب لابني أيوب وأظنه هذا الأصغر قال هذا صغير لايتولى ملك قال إذا لمن يارجاء قال أكتب لعمر بن عبدالعزيز قال لن يرضى أبناء عبدالملك يعني يزيد وهشام لن يرضوا قال : ياأمير المؤمنين اجعلهما بعده يعني اكتب في الكتاب إن الخلافة لعمر بن عبدالعزيز ومن بعده ليزيد وهشام فسيرضيان فوافق سليمان بقدر الله وكتب الكتاب وآلت الخلافة لعمر بن عبدالعزيز فكل ماصنعه عمر بن عبدالعزيز سيجعل في ميزان من ؟ في ميزان رجاء(4/7)
بن حيوه الذي أشار على سليمان أن يولي عمربن عبدالعزيز الخلافة هذا استطراد يبين أهمية أن يكون مستشار الإنسان عاقل لكن المستشار لايطالب من يشير عليه بأمور لايمكن أن تتحقق فالإنسان إذا أراد لقوله أن ينفذ ولمشورته أن تقع لابد أن تكون واقعيه فهذا رجاء ماقال لسليمان اجعلها في فلان من الصالحين مايرضون بني أميه لابد أن تكون في رجل من بني أميه لكن ماتلي خطيب جمعه أو إمام أوعالم يقال اجعلها فيه لأن الأمويين لن يرضوا بهذا لكن جعلها فيهم من أبناء عمهم المقصود من هذا كله أن هامان كان وزير سوء لفرعون فأهلكهم الله جل وعلا سويا وقد ناداه فرعون ( يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ) تهكم أي بناء عاليا ( لَّعَلِّي أَبْلُغ ُالأَسْبَابَ ) ( أَسْبَابَ السَّمَواتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّّّّّّّّهُ كَاذِباً ) ماذا قال الله ؟ قال الله (وَكَذَلِكَ زُيِّّّّّّّّّّّنَ لِفِرْعَونَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَاكَيْدُ فِرْعَونَ إِلاَّّّّّّّّّ فِي تَبَابٍ ) وكم من طاغية جبَّار أو جاهل ضال يمشي في طريق يحسب أنه على هدى والله جل وعلا يزين له سوء عمله وهو من الضلالة بمكان بعيد كصنيع أكثر الفجره والكفره في الشرق والغرب اليوم ففرعون جعله الله جل وعلا هو وهامان أئمة في الشر قال الله عياذا بالله ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّارِ ) وقال ( وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ ) وفي هذا دليل على أن كلمة إمام لوحدها ليست مدحا وليست؟ وليست ذما إنما بحسب القرائن لأن الله قال عن فرعون وآله أنهم أئمة يدعون إلى النار وهناك أئمة يدعون إلى الخير ومنه قول الله جل وعلا في الفرقان ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّّّّّّقِينَ إِمَامًا ) فقرينة للمتقين تدل على أنهم أئمة في الخير موضع الشاهد أنه كما يوجد أئمة(4/8)
يدعون عياذا بالله إلى الفجور كما هو في عصرنا يوجد أئمة يدعون إلى الخير كما جعل الله بعض الناس مفاتيح لكل خير جعل الله جل وعلا عياذا بالله بعض الناس مفاتيح لكل شر أعاذنا الله وإياكم من ذلك هذا الذي يعنينا في قضية فرعون وهامان على وجه الإجمال بقينا في قارون قارون اسم بالعبرانية محول للعربية قارون واسمه قورح قال الله : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ) أي من بني إسرائيل وأكثر المفسرين على إنه ابن عم لموسى.
س/لماذا ساق الله خبر قارون في كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم ؟
ـ الأحداث هي الأحداث ولكن الأزمنة تختلف النبي عليه الصلاة والسلام وُوجِه بأعمامه وبعض قرابته من قريش يعاندونه في الدعوة مثل أبي لهب ، وأبوسفيان ابن الحارث ومثل غيرهم من صناديد قريش ذوي الأموال والجاه فالله جل وعلا يعزي نبيه يقول له كما وُوجهت أنت بأبي لهب وغيره فإن أخاك موسى وُوجه بمن ؟ وُوجِه بقارون فصبر تعزيه له
( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) قال الله ( وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّّّّّّ مَفَاتِحَهُ لَتُنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّة ِ) العصبة / الفئام من الرجال من 10 إلى 15 ولم يكن آنذاك أوراق ماليه ورقيه وإنما كانت تحمل بدرات من الذهب والفضة فكان له كنوز تحمل يحملها ثلاثين ، عشرين بغلا وينوء بحمل مفاتيحها العصبة من الرجال ( وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتُنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله َلاَيُحِبُّّّّّّّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتاكَ اللهُ الدَّّّّّّّّّّّّار َالأَخِرة َ) .(4/9)
والمعنى: مارزقك الله إياه من فضل اجعله سببا لأن تنال به رضوان الله كل شئ أعطاك الله إياه من فضل فسخره في مرضات الله ألا ترى الفتى أحيانا يرزق حسن صوت فهذا يسخره في المحاريب يصلي بالناس إماما ويؤثر في خلق الله وهذا يسخره في الغناء والمجون فيضل الله جل وعلا به أقواما والاثنان قد اجتمعا في فضل أعطاهم الله إياه وهو واحد وهو حسن الصوت إلا أن الأول ابتغى به الله والدار الآخرة والثاني لم يراعي في الله جل وعلا حقا في تلك الليلة فقال الله جل وعلا هنا ( وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ اللهُ الْدَّارَ الآخرة وَلاَتَنسَ نَصِيَبكَ مِنَ الدُّّّّّنْيَا ).
ـ بعض العلماء يقول ( وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّّّّّّّّّّّّنْيَا ) أي لاتنسى قيمة الكفن هو الذي يستحق أن تبقيه أما غير ذلك لايهم وفي هذا القول بعض المبالغة لكنه يقال للعظة والذكرى لكن لاتنسى نصيبك من الدنيا لاتصل إلى مرحلة تحتاج فيها الناس (وَلاتَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَيُحِبُّ المُفْسِديِنَ ) الذي قال هذا الكلام علماء وذوي مواعظ من بني إسرائيل يعيظون قارون وهو مع موسى في أرض التيه فاستكبر ورد كل العظة قال الله جل وعلا أنه أجابهم بقوله ( قَالَ إنما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) وقد قالوا إنه كان عليما بالتوراة .
ـ فكلمة " على علم " تحتمل معنيين:
ـ إما على علم بالطرائق التي تكتسب بها الأموال وهذا قوي .
ـ والقول الآخر أي على علم بالشرع أنا أفهم منكم فيما تنصحوني به .(4/10)
كمن تأتيه لتنصحه تراه أمام مدرسة بنات يؤذي فقبل أن تكلمه يقول لك أعرف اللوحة أو تأتي لإنسان يعد جواز السفر ليذهب إلى ديار فجور فقبل أن تنصحه يقول لاحاجه أعلم أنه حرام فهذا الجواب هو جواب قارون من قبل قال ( إنما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ) وقلنا المسألة تحتمل جوابين قال الله جل وعلا ( أولم يعلم ) وهذا يؤيد القول الثاني (أَنَّ اللهَ قَد ْأَهَلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّّّّّ مِنْهُ قُوَّّّّّّّّّةً وَأَكْثُرُ جَمْعَا) قال الله بعدها ( وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُون َ) وقد جاء في آيات أخر أنهم يسألون.
ـ وقلنا إن الجمع بينهما أن يقال :ـ إنهما يُسألون سؤال توبيخ وتقريع لاسؤال استفهام واستخبار لأن الله جل وعلا مطلع عالم بماصنعوا لاتخفى عليه من عباده خافيه قال ( إنما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْم ٍعِندِي ) قال الله :( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّّّّّّّّّّّّّّّّّّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكَثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِم ُالمُجْرِمُونَ) بعد ذلك أعجبته نفسه لما رأى نفسه قد انتصر على هؤلاء الذين وعظوه والإنسان أحيانا إذا تخلص ممن يعظه يزداد رتبة في الشر فيجنح إلى عمل أعظم فلما رأى نفسه أقنع نفسه أنه أقنع الذين وعظوه أراد أن يقنع نفسه أنه على الحق فأمر خدمه وحشمه أن يخرجوا معه قال : ( فَخَرَج َعَلَى قَوْمِهِ ) الآن هم في أرض التيه ضائعون لكن أراد أن يبين قدرته قال الله :( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينِتِهِ ) في زينته يعني في أُبَهتِه وكمال ما آتاه الله فرأه الناس فانقسم الناس فيه إلى فريقين:ـ
ـ فريق أهل علم يعرفون الله والدار الآخرة.(4/11)
ـ وفريق وهو شأن أكثر الناس تعلقوا بالدنيا لما رأوا نموذجا لها قال الله جل وعلا : ( فَخَرَج َعَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُون َالحَيَاةَ الدُّّّّّّّّّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّّّّهُ لَذُو حَظٍّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ عَظِيم ٍ) أي أنه لذوا قسمه ومحظوظ وذو نصيب عظيم ناله بما رأوا فيه وهذا يحدث يوميا لنا جميعا يرى الإنسان من هو أكثر منه مالا أو ولدا أو جاها أو منصبا أو يركب سيارة أفضل من سيارتك أو غير ذلك فيقع في كل نفس ( وَمَآ أُبَرِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارُةٌ بِالسُّوءِ ) أن يكون مثل ذلك مالذي يردعها ؟(4/12)
يردعها أن تتذكر أن النعم والفضل بيد الله وأن الله لم يجعل الدنيا نعيما لأحد ولا يعني ذلك أن من نعمه الله أنه يلزم منه أن الله غاضب عليه محال لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لايحب ولا يعطي الدين إلا لمن يحب ) أعطانا الله وإياكم خيري الدنيا والآخرة المقصود ( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الَّحَيَاةَ الدُّّّّّّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّّّّّّّّّّّّّّّّ عَظِيمٍ ) ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهذا في كلام أمثال توجد لايمكن لأي بليغ أن يزيد عليها شئ من أشهر هذا الكلام كلمة :ـ العلم نور هذه الكلمة على أنها مبتذله كل الناس تقولها لكن لا يمكن الزيادة عليها هذا معنى العلم نور هؤلاء القوم العلم الذي في صدورهم جعل عليهم نورا فيما يقولون قال الله : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابَ اللهِ خَيرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا )أي هذا الذي تبتغونه خير منه ثواب الله وثواب الله لايدرك إلا بالإيمان والعمل الصالح ( وَلا َيُلَقَّّّّاهَآ إِلا َّّالصَّابِرُونَ ) أي هذه المراتب العالية والمنازل الرفيعة والدرجات التي أعدها الله لخيار عباده من أعظم الطرائق عليها والوصول إليها الصبر. والصبر ينقسم إلى قسمين من حيث الصبر لماذا؟ مو من حيث أنواع الصبر صبر لله وصبر لغير الله.(4/13)
ـ أما الثاني فإن الإنسان إذا صبر لغير الله لا بد أن ييئس لأن لايمكن أحد أن يعطيك حتى يرضيك لايوجد أحد قادر على أن يعطيك حتى يرضيك فيدب إليك اليأس فإذا دب إليك اليأس فررت من الشئ الذي أنت صابر من أجله تسمعون بالحُطيئه شاعر هذا جاور أقواما يريد نوالهم عطاءهم تأخروا عليه جاءه أبناء عمومه أبناء عمومه للأولين طلبوه أن يرتحل إليهم لأنه شاعر يريدون أن يشتروا لسانه كان كل مره يتريث يقول لما بعد ... لما بعد آخر الأمر ماوجد خيرا عند هؤلاء ارتحل عندما ارتحل أصبح الأولون يلومون الآخرين على أنهم أخذوه صار بينهم شجار فقال الحطيئه قصيده طويلة أنا يعنيني منها بيتين .
قال :ـ لمَّا بدى ليَ منكم غَيبُ أنفسكُم
ولم أرى لِجِراحِي منكم آسِي
آسي يعني :ـ طبيب
أزْمَعتُ يأْساً مُبيناً من نوالكمُ
ولنْ تَرى طَارِداً للحرِ كَاليأسِ
الحر لايطرده شئ مثل اليأس أنت الآن هذا منزلي لو جئت تسأل سؤال تأتي للشيخ صالح طرقت التلفون ماحد رد اتصلت جوال مقفل طلعت الدرج ضربت الجرس ماحد رد تقول الله الغني عن صالح وعن سؤاله وتذهب إلى واحد آخر مالذي جعلك تذهب ؟ اليأس مما في أيدي الناس فاليأس يجعلك ترتحل من أي أحد تقف بين يديه طلب علم أو طلب مال أو طلب أي شئ هذا صبر لغير الله لابد أن يدب إليك اليأس لأنهم مخلوقون لابد أن يظهر عليهم ضعف.(4/14)
ـ الصبر الثاني صبر لله وهذا مايدب إليك يأس إن كنت مؤمنا لأن الذي عند الله أمر مظمون أعظم مما في أيدي الخلق بل لا مقارنه أصلا ولهذا قال الله لنبيه في أول الدعوة ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر ْ) فإن صبرت من أجلنا يانبينا سُتعان على الدعوة إذا مُنعت لن يدب إليك اليأس ولهذا قال المكلوم يعقوب عليه السلام ( يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَايْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّّّّّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّّّّوْحِ اللهِ إِلا َّالْقَوْمُ الْكَافِرُون َ) من ازداد علما بالله لايمكن أن يدب إليه اليأس مثقال ذره فإذا ضعف العلم بالله تبارك وتعالى يمكن أن يصل بعض اليأس إلى القلوب جعلنا الله وإياكم ممن لا ييأس من رحمته ولا يقنط من روحه.
نقول قال الملأ من أهل العلم ( وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ ) الآن كلا الفرقين قال قولته فبقي الفريقان ينتظران حكم أحكم الحاكمين قال الله جل وعلا: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ) خسفنا بزلزال لكن أنت ترى بعقلك بعينك وعقلك اليوم مايوجد زلزال أمتار مربعه الزلزال عام مدن .. قرى .. هجر .. محافظات .. لكن معجزة لموسى وتكرمة لأهل العلم ونكالا بقارون جعل الله الزلزال على قدر بيت من ؟ على قدر بيت قارون قال الله :( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ)أما الدور المجاورة لم يصلها شئ. من يقدر على هذا ؟ لايقدر عليه إلا الله:(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ)قال الله ( فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَاكَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ) فإن لم ينصره الله لن ينصره أحد ولو حاول أحد نصرته لباء بالفشل الآن كشف الغطاء وظهر الجواب الإلهي و الفصل الرباني فتغيرت الخطاب صار أهل الدنيا كأهل العلم .(4/15)
مالفرق ؟ أن أهل العلم من الأول عرفوا المسألة أما أهل الدنيا احتاجوا إلى قرينه حتى يعرفوا المسألة تأخر علمهم قال الله جل وعلا ( فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دَونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ) ( وَأَصْبحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ ) بالأمس هنا: اليوم ماذا ؟ الأحد لكن إذا قلنا أمس نقصد السبت وإذا قلنا بالأمس أي:أي يوم قبل ايش قبل الأحد ليس أمس المباشر وإنما قبل فالأحداث كانت في فتره زمنيه حتى خسف به فلهذا قال الله تعالى : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبدَِارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دَونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّّّّّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر ُ) هذا بالنسبة لأهل اللغة هذه (وَيْكَأَنَّ) الأظهر أنها معنى التعجب.
ـ وقد اختلف النحويون في أصلها لكن نمرر عليها بسرعة ربما يسمع كلامنا هذا طلبة علم نحوي.
قال بعض علماء النحو أن أصلها مكون من ثلاثة من:ـ وي ـ وكاف الخطاب ـ وأن المصدرية أخت إنَّ .وي وكاف الخطاب وأن المصدرية أخت إن.
وقال بعضهم إنها مكونه من أربع من:ـ وي ـ وكاف الخطاب ـ والفعل أعلم ـ وأن المصدرية أخت إن المكسورة الهمزة ـ واضح ـ ممن قال بالثاني ثعلب ولكسائي وأضرابهما من أئمة أهل الكوفة وممن قال بالأول قال به الأخفش وقال به قطرب(4/16)
نعرج قليلا استطراد: الأخفش هذا يمر عليك أنت طالب علم هم ثلاثة الأخفش الكبير والأخفش الأوسط والأخفش الصغير . الأخفش الكبير أستاذ سيبويه والأخفش هذا الذي قال الكلام هنا إذا أطلق الأخفش يراد به تلميذ من ؟ تلميذ سيبويه . وقد مر معنا أن سيبويه تناظر مع من ؟ مع الكسائي وخرج مغضبا من بغداد إلى الأهواز في إيران الآن ومر على تلميذه هذا الأخفش واسمه سعيد بن مسعده وأخبره بالقصة يظهر هذا الأخفش تلميذ بار بسيبويه فغضب وحنق على أن شيخه غلب فخرج إلى بغداد يريد أن ينتقم من ماذا ؟ من الكسائي لكن :
أحْسِن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ ** فطالما استعبد الإنسان إحسانُ(4/17)
صلى الفجر في المسجد الذي يصلي فيه الكسائي والكسائي إمام في اللغة وفي القرآن وفي القراءات فلما فرغت الصلاة هذا جاي مشحون فلما فرغت الصلاة أخذ يسأله أمام طلابه كان الكسائي معظما أمام طلابه مثل الفراء وغيره... فأخذ يغلظ له في الأسئلة و يرد عليه ويجادله حتى هم طلاب الكسائي أن يضربوه لكن الكسائي هذا العقل شئ من الله كان عاقل طبعا قديما ماكان فيه صور الآن تأتي لأي واحد يعرفك من قبل أن تأتيه يقول رأيتك في جريده رأيتك في التلفاز رأيتك في قناة أما أول مايعرف الناس بعض فقال : الكسائي فهم إن هذا ماهو سهل قال : إن لم يخب ظني فأنت الأخفش سعيد بن مسعده قال : نعم فقام الكسائي من محرابه وأقبل عليه وعانقه وضمه وأخذ يرحب به أهلا بطالب العلم أهلا بالشيخ أهلا بأهل الفضل طبعا هذاك بالعامية بين قوسين ـ ورط ـ هو جاي مشحون لكن هذا قَبَّلهُ وضمه وكف الطلاب عنه وأخذ يلاطفه وأكرمه والكسائي كان إذا جاء حتى استحالت الوحشة إلى؟إلى محبه وجعله معلما لأولاده . فلما تأتي المسائل بين البصريين والكوفيون يكون الأخفش في بعض المسائل يوافق الكوفيين لأن الكسائي إمام أهل الكوفة فيميل معه من باب ما وجده من ملاطفة الكسائي له فأكثر أهل البصرة في آرائه موافقا لأهل الكوفة هو الأخفش للصنيع الذي صنعه معه الكسائي
وفي هذا تعليم لنا جميعا كيف أن الإنسان يحول خصومه إلى أهل محبه .(4/18)
الثاني / قطرب . قطرب هذا قطرب أصلا دويبه تكد في النهار كثيرا تعرفها العرب كان سيبويه رحمه الله مايخرج يروح الفجر يصلي الفجر في السحر يخرج قبل الآذان كل ماخرج يجد هذا محمد بن المستنير عند الباب كم كان سيبويه هذا ؟ في الثلاثين صغير ومع هذا يطلب على يديه النحو يخرج يسهر الليل كله ينتظر متى يخرج سيبوبه يستفيد منه من البيت إلى المسجد يسأله مره ..مرتين.. ثلاث .. أربع لعله يمل لعله يكل كل يوم فقال سيبويه له : إنما أنت قطرب ليل يعني القطرب في النهار لكن أنت قطرب ليل إنما أنت قطرب ليل فلزق به الاسم فأضاع الناس اسمه ولايعرف بأنه أبوالحسن محمد بن المستنير وسمي قطرب للقب هذا اللقب أخذه من قول سيبويه له رحمه الله أنت قطرب ليل المهم أنه أخذ علمه عن سيبويه هذان الرجلان هما اللذان قالا إن" ويكأن" مركبه من ثلاثة البقية مافيه داعي للتفصيل لأنه سيطول الموضوع ويخرج من تفسير إلى نحو لكن هذه فوائد حول قول الله جل وعلا ( وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّّّّّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر ُ) يبسط يعني يعطي ويقدر يعني عكس يبسط يعني يضيق قال الله تبارك وتعالى : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَاابْتَلاَهُ رَبَّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) ـ يعني يضيق ـ ( فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) لكن هذا جنس الإنسان أما المؤمن يرضى
وأنا سأعطيك فائده :ـ إذا ضيق عليك في الرزق قل:" حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون "أعيد إذا ضيق عليك في الرزق قل "حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون " .
ـ إن قال لك أحد هذا الشيخ مبتدع أين الدليل عليها ؟(4/19)
ـ قل إن الله قال في حق المنافقين ( وَلَوْ ْأَنَّهُمْ ....)(وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتيِنَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ) الرسول مات الآن لا نقولها (وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتيِنَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ ) فإذا ضيق عليك قل هذا " حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون "هذا تعليم الله لعباده وأولياءه جعلنا الله وإياكم منهم( وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّّّّّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر ....ُ)(..... وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) قال الله: ( تِلْكَ الدَّّّّّّّّارُ الأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّّّّّّّّّّّّّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْض وَلاَفَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَقِينَ ) وهذه مرت معنا وفصلنا فيها كثيرا هذا مايتعلق بالأعلام الثلاثة فرعون وهامان وقارون قلنا بقي علمان لمكانين وهما عرفات والمشعر الحرام :
ـ عرفات والمشعر الحرام ذكرهما الله جل وعلا في آية واحده قال ربنا ( فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
ـ نتكلم فيها على وجه التفصيل:ـ
هما مكانان مباركان متجاوران لايفصل بينهما شئ ألا أن الفرق بينهما:ـ أن عرفات من الحل والمشعر الحرام من الحرم ولهذا قال الله المشعر الحرام ولم يقل عرفات الحرام يترتب على هذا أن أهل مكة أو من كان في مكة ويريد العمرة يحرم من أين ؟ يحرم من الحل من خارج مكة فلو أحرم من عرفات صح أولم يصح ؟ صح ولو أحرم من مزدلفة لم يصح لو أحرم من أي مكان عرفات أو غيرها من الحل جاز لكنه أحرم من مزدلفة لايصح لأن مزدلفة من الحرم هذا التفريق الأول.
ـ التفريق الثاني:ـ على الوقوف بعرفه ركن بإجماع العلماء أما الوقوف في مزدلفة مختلف فيه والأشهر أنه واجب عند جماهير العلماء المبيت بمزدلفة واجب أما الوقوف بعرفه فركن.(4/20)
ـ عرفه كل ليله تنسب لصبيحتها إلا عشية عرفه تنسب ليومها مثلا هذا نحن اليوم 18 شوال يوم ماذا يوم أحد ليلة الاثنين هذه الليلة التي نحن فيها الله يجعلها ليله مباركه ليلة الاثنين لأن غدا الاثنين ،يوم 30 رمضان بعد الغروب تسمى ليلة عيد مافيه تراويح لكن يوم عرفه يبدأ من الزوال الساعة 10 في الليل تسمى ليلة ماذا ؟ عرفه ماتسمى ..(4/21)
ماتسمى ليله ايش إللي بعدها ماتسمى ليلة العيد لا تسمى صبيحتها عيد لكن ماتسمى ليلة عيد تسمى عشية عرفه تسمى عشية عرفة أعيد كل ليلة تنسب إلى صبيحتها إلا عرفه ليلة عشيتها ينسب إليها ـ واضح ـ لماذا ؟ لأن الوقوف بعرفه يبدأ من زوال الشمس إلى طلوع فجر يوم العيد فلو أن فجر يوم العيد الأضحى في عامنا هذا مثلا يؤذن خمسه وثلاثين دقيقه نفرض فمر إنسان على عرفه محرم يريد الحج الساعه خمسه وتسعة وعشرين دقيقه ووهو في عرفات أدرك الحج ولا ما أدركه ؟ أدرك ولو لحظه لو كان مغمي عليه ومروا عليه بعربية بإسعاف والإسعاف ماوقف بعرفه بدا من أولها وانتهى ولو بشق منها ثم دخل بها على مزدلفة أدرك الحج ، لأن عروة ابن مضرس من أين ؟ من حائل قدم على بغلته وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مزدلفة قال: يانبي الله أتيتك من جبلي طي ـ جبلي طي ماهما؟ أجا وسلمى في حائل ـ اجهدت نفسي وأكللت راحلتي ماتركت جبلاً إلا وقفت عليه ـ زي الحجاج الآن مايخلون مكان مايروحوا فيه عدم العلم الكثير لابد منه ـ فقال صلى الله عليه وسلم يريد أن يحلها حلا جازماً قال : من صلى معنا صلاتنا هذه ـ يعني صلاة الفجر في مزدلفة ـ وكان قد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى نسكه) ـ واضح ـ فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالحج صحة لكل من مر على عرفه ولو ساعة من نهار وهذا لا خلاف فيه قال مالك رحمه الله إن الإنسان إذا خرج من عرفه قبل غروب الشمس إلى مزدلفة فلا حج له قال مالك رحمه الله إن الإنسان إذا نفر من عرفه قبل الغروب وقف بعد الزوال لكنه ذهب إلى مزدلفة قبل الغروب قال لا حج له لكن قال ابن عبدالبر رحمه الله وهو مالكي مشهور قال : لم يوافق أحد من العلماء مالكا في هذا فلا يعتد بهذا القول وإن قاله مالك والجمهور: على أن حجه صحيح لكن اختلفوا هل عليه دم أم عليه غير دم هذا محل سيأتي إن شاء الله في شرحنا لحديث جابر المقصود هذا مايتعلق بأحكام بيوم عرفه .(4/22)
ـ عرفات جاءت في القرآن مجموعه بصيغة الجمع ( فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ) والتنوين في عرفاتٍ يسميه النحويون تنوين المقابلة مقابلة النون في جمع المذكر السالم مقابلة النون في جمع المذكر السالم وجاءت في الحديث مفرده قال صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفه ) وقال ( وقفت هاهنا وعرفه كلها موقف )
ـ لماذا سميت عرفه ؟
ـ بعض العلماء يقول لايوجد دليل والآخرون يقولون من العرف وهوالطيب قال الله جل وعلا عن أهل جنته : ( عَرَّفَهَا لَهُم ) في أحد أوجه التفسير (عَرَّفَهَا لَهُم ) يعني طيبها لهم وقالوا عرفه سميت بعرفه لأن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء أمنا عليه السلام أهبطت في جده فالتقيا في عرفات فتعارفا فسميت عرفه بهذا هذا أحد الآراء وقلنا الرأي الأول وقلنا بعض العلماء يقول لايوجد دليل صريح صحيح على سبب تسميتها بعرفه ،قال بعض العلماء كابن الجوزي في تحريك الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن قال : إن القبضة التي قبضها الله جل وعلا من الأرض ليخلق منها أبانا آدم كانت من أين ؟ من عرفات مخلوطة من عرفات فقال لهذا كل إنسان على الفطرة يجد في قلبه حنينا إلى ماذا ؟ إلى عرفات لأن النفس تنزع إلى ماخلقت منه كل إنسان على الفطرة يجد في نفسه حنين إلى عرفات لأن النفس تحن الجسد يحن إلى الشئ الذي خلق منه هذا لايوجد عليه دليل لكن نقول العقل يقبله ولا يوجد في الشرع مايمنعه العقل يقبله ولا يوجد في الشرع مايمنعه لكن لانستطيع أن نجزم به .
مزدلفة / لها ثلاثة أسماء .
ـ مزدلفة وهو الأشهر
ـ وجمع لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف)
ـ وتسمى المشعر الحرام وهو تسمية القرآن قال الله جل وعلا : ( فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ ) .(4/23)
والمشعر الحرام على وجه الخصوص جبل كان يسمى قزح وهو الذي بني عليه المسجد الموجود الآن في مزدلفة والمكتوب عليه المشعر الحرام هذا هو عين المكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى صلاة الفجر في مزدلفة في أول وقتها حتى يتفرغ لماذا ؟ للقيام ثم وقف مستقبلا القبلة يدعوا تحقيقا للأيه (فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ) وهي سنه عظيمه تركها كثير من الناس اليوم مع الازدحام من كان معه نساء وذوات مرض وأشباه ذلك لابأس لكن من حج مع شباب أو مع غير ذلك فالأفضل بل يحسن جدا من دلالة العبادة والقبول إن شاء الله أن يفرغ الإنسان نفسه للوقوف في أي مكان من مزدلفة يستقبل القبلة ويذكر قول الله جل وعلا : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ) ويحرص على ذكر الله حتى يسفر الصبح جدا أي قبل طلوع الشمس ثم ينفر إلى منى هذان كما بينا عرفات والمشعر الحرام وردت في الشعر العربي وممن وردت في شعره عرفات قصيده لدِعْبِل الخُزاعي نسيت والله أولها لكن الظاهر:
ذكرتُ محلَّ الرَّبعِ مِن عَرفاتِ
ودعبل هذا كان شيعيا يتشيع لآل البيت وله تائيه مشهورة جدا قالها في مدح آل البيت هي التي بدأها:
ذكرتُ محلَّ الرَّبعِ من عرفاتِ
التي فيها :ـ
ديارُ عليٍ والحسينِ وجعفرٍ
وحمزةَ والسجادِ ذي الثثنات
بناتُ زيادٍ في القصورِ مصونةٌ
وآلَ رسولِ اللهِ في الفلواتِ
أرى فَيئهم في غيرهم مُتقسماً
وأيديهمُ مِن فَيئهم صَفراتِ
قصيده طويلة أعطاه أحد آل البيت حله لباس يعني عباءة يلبسها فلما دخل بغداد اقتتل الناس عليه على الحلة التي يلبسها ثم مزقت ولما يبقى الظاهر له منها أي شئ افتتانا بتلك العباءة فالقوم يعني منذ قديم العقل فيهم خفيف هذه المسائل التقرب إلى الله يكون بما شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم نعم آل البيت ظلموا ظلموا لا ينكر هذا عاقل.(4/24)
وقبل أيام كنت في الرياض وجلست مع الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ وفقه الله عضو هيئة كبار العلماء طبعا جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقال الشيخ في المجلس قال لطيفه جدا يعني في قضية علي ومعاوية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليه الذي يتهم بأنه وهابي كان له بنت اسمها فاطمة وله أبناء اسمهم علي والحسن والحسين هو مسمي كذا يرد على من يتهموه لأن الرجل غفر الله له ورحمه إنما كان إماما مجددا على هدي قويم وعلى سنة مستقيمة ابنته فاطمة هذه كانت طالبة علم مثل أبيها فجلست تحدث النساء سألوها عن علي ومعاوية فأجابت جوابا علميا طبعا الحضور باديه يعني آنذاك عاميات لافيه ذيك الأيام مدارس ولاشئ فهموا بطريقتهم. إحدى النساء ذهبت إلى بيتها سألها أبوها ايش قالت بنت الشيخ عن علي ومعاوية قالت: والله إن الحق مع علي ويشرهون على معاوية طبعا كلمة يشرهون على معاوية طبعا بعض الإخوان يمكن مايعرف اللهجة يشرهون يعني يعاتبون ،دائما المعاتبة تكون لمن ؟ للحبيب الشخص الذي تحبه تشره عليه تعاتبه أما الذي ماتتوقع منه خير ماتحبه ماتشره عليه ولا تعاتبه فهذه رحمة الله عليها فاطمه شرحتها شرح علمي فهم الناس أن معاوية وعلي كلاهما حبيب وأن عليا الحق معه وأن معاوية ارتكب بعض الأخطاء لكنه صحابي جليل هذا الذي قالته الابنة الفاضلة للشيخ وهذه المرأة العامية فهمتها فهم صحيح لكن لما ترجمتها ترجمتها بلغتها هي قالت الحق مع علي وصراحة يشرهون على معاوية ففهموا منها الناس إنه ليس هناك بغض لمعاوية رضي الله عنه وأرضاه وإنما بيان الحق بطريقه معينه موضع الشاهد من هذا كله والله أنا مادري ليش ذكرت هذا لكن أظني ذكرته لأني تكلمت عن دعبل وتكلمت عن دعبل لأني تكلمت عن عرفات المقصود أن عرفات ذكرها الشعراء في شعرهم وذكرها شوقي :ـ
إلى عرفاتِ الله ياخير زائرٍ(4/25)
قصيده طويلة المهم أنها مكان عظيم ومجمع عرفات من أعظم مجامع الدنيا وهو مظنة الإجابة فمن قدر له أن يحج إلى البيت فلا يتردد المقصود أن الحج عباده عظيمه وعرفات ركن الحج الأعظم والموقف فيها من أعظم مواقف الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على أن يرغبوا في كثرة الدعاء ولهذا كان صلى الله عليه وسلم غير صائم في يوم عرفه حتى يتمكن من عبادة الله وقف صلى الله عليه وسلم يدعوا يرفع يديه حتى غاب قرص الشمس تماماثم أردف أسامه بن زيد وتوجه إلى مزدلفة في كل من عرفات ومزدلفة تجمع الصلاة إلا أن الصلاة في عرفات تجمع جمع تقديم ليتفرغ الناس للدعاء وتجمع في مزدلفة جمع تأخير ليتفرغ الناس في النفره يعني في الطريق ثم بعد ذلك يستريح الناس وينامون حتى يستعدوا ليوم النحر والذي سماه الله جل وعلا يوم الحج الأكبر هذه عرفه ومزدلفة .
منى لم يذكرها الله جل وعلا باسمها الصريح في القرآن وإنما ذكر الصفا والمروة والصفا والمروة ليس في البال أن أتكلم عنهما لكن بسرعة هما جبلين يبعد بينهما مسافة معروفه وقفت عليهما من قبل أمنا هاجر قال الله جل وعلا : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَآئِر ِاللهِ ) وسيأتي الحديث عنهما تفصيلا في لقاء آخر.....
هذا ماتيسر إراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين .
ملاحظة :
ما تحته خط غير متأكده منه لعدم وضوح الصوت في الشريط.
تم بحمد الله
*** المخبتات***(4/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثالث
من ألبوم
(أعلام القرآن)
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أمابعد:ـ
فهذا بحمد الله وتوفيقه اللقاء الثالث حول أعلام القرآن وقد سبق التأكيد على أن هذه اللقاءات تُعنَي بأعلام قرآنيه ذكرها الله جل وعلا في كتابه إما مدحا وإما ذما ونعرج عليها إلماما تاريخيا ومعرفيا قدر المستطاع ولانطيل في أي من تلكم الأعلام لأن الأعلام كثيرة ونحاول قدر الإمكان أن نأتي على أكثر الأعلام التي أوردها الله جل وعلا في كتابه وقد مر معنا ذكر جبريل عليه السلام والكوثر ويوم الفرقان وقارون وفرعون وهامان وغيرها.... وعرفات والمشعر الحرام وغيرها من الأعلام التي تكلمنا عنها لماما وسراعا ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
ـ أولى الأعلام في هذا اليوم:
يوم الجمعه قال الله جل وعلا (يَآأَيُّّّّّّّّّّّّّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) فيوم الجمعه علم على يوم يوم الجمعه علم على يوم كان يسمى قبل الإسلام بيوم العروبه ثم سمي في الإسلام بيوم الجمعه بنص القرآن كما في الآيه وكما في السورة التي سميت بهذه الآيه وهي سورة الجمعه.(4/1)
ـ أول جمعه أقيمت في الإسلام: أقامها أسعد بن زراره كنيته أبوأمامه رضي الله عنه وأرضاه أقامها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينه بعد أن آمن أهلها بعد بيعتي العقبه الأولى والثانيه وقبل وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينه بفتره أقام أسعد بن زراره رضي الله عنه وأرضاه جمع المسلمين وصلى بهم صلاة الجمعه وغدَّاهم أقام لهم غداء فكان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه ممن حضر تلك الجمعه فلما كبر حسان كان قائده من بنيه ابنه عبدالرحمن هو الذي يقوده لأنه كان قد عمي حسان في آخر عمره فكان حسان إذا دخل المسجد ومعه ابنه يقوده وأذن للصلاة الجمعه بين يدي الإمام يترحم حسان على أبي أمامه ويقول"اللهم صلي على أبي أمامه،اللهم اغفر له ....ويدعوا له" فيسمعه ابنه عبدالرحمن ويتعجب ثم تكرر هذا الموقف مرارا من حسان فقال:عبدالرحمن رضي الله عنه في نفسه إن هذا بي لعجز ـ يعني مالذي يمنعني أن أسأل أبي لماذا يترحم على أبي أمامه كلما أذن لصلاة الجمعه ـ فسأله فقال يابني: إن أول من صلى بنا الجمعه هو أسعد بن زراره أبوأمامة رضي الله عنه وأرضاه.(4/2)
ـ قلنا كان يسمى هذا اليوم في الجاهليه يوم العروبه والله جل وعلا أنبأ الأمم التي قبلنا أن هناك يوما عظيما مفضلا عنده جل جلاله فالأمم سعت في الحصول معرفة ذلك اليوم فظنت اليهود وزعمت أنه السبت فهُم إلى اليوم يعظمون يوم السبت ،وذهبت النصارى إلى أنه يوم الأحد ،فاليهود أخذوها على أنهم يرون أن الله انتهى من خلقه يوم الجمعه واستراح يوم السبت تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وناقل الكفر ليس بكافر نحن نورد الأسباب ،والنصارى تزعم أن الأحد أول أيام الأسبوع فلذلك ترى أنه هو اليوم الذي اختاره الله واصطفاه قال صلى الله عليه وسلم (نحن الآخرون السابقون الأولون يوم القيامه بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)أي أعطوا الكتاب من قبلنا وضلوا عن هذين اليومين فنحن وإن تأخرنا ظهورا كأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلاأننا أعلم بهذا اليوم منهم لما علمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
ـ المشهور عند أهل العلم: أن أول جمعه صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد خروجه من قباء إلى داخل المدينه لأنه عليه الصلاة والسلام نزل قباء في أول الأمر فالمشهور المنقول عن ابن اسحاق أنه صلَّى صلى الله عليه وسلم الجمعه في المسجد المعروف اليوم"مسجد الجمعه" هذا على الأظهر لكن لا يوجد دليل صريح فيما نعلم يدل على هذا لكن هذا المشهور المستفيض ،فهذا هو يوم الجمعه من حيث يومه.قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعه قال:"فيه خلق آدم ــ ولهذا قال العلماء:إنه سمي يوم الجمعه لأنه جمع فيه خلق آدم ــ وفيه تقوم الساعه" أي يوم الجمعه.
ـ وذلك يسن فيه أمور عده:ـ
ـ قرآءة سورة "آلم * تَنزيِلُ..."السجده والإنسان في فجرها.
ـ وقرآءة سورة الكهف في يومها .(4/3)
ـ وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وهذا ولله الحمد الثالثه أمر مستفيض بين المسلمين وكذلك أئمة الحرمين وغيرهم من أئمة المساجد يحرصون على قرآءة "آلم * تَنزيِلُ الْكِتاَبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالمِينَ" سورة السجده المعروفه وسورة الإنسان في فجر يوم الجمعه .
ـ ويقرأ في الصلاة يكثر الإمام من قرآءة " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى" وسورة الغاشية ومن دلالة محافظته صلى الله عليه وسلم على هذا أنه صلى بالناس يوم الجمعه فقرأ فيهما بسبح والغاشيه ثم كان عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم قد وافق عيدا فقرأ في الفجر بسبح والغاشيه مما يدل على أن لسبح والغاشيه حِكمةً لا نعلمها وإلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر في يوم العيد بسبح والغاشيه في الفجر يعني في صلاة العيد بسبح والغاشيه ثم يجتمع مع الناس في نفس اليوم في الجمعه فيصلي بهم صلى الله عليه وسلم ويقرأ بسبح والغاشيه فهذا ينبغي على الأئمه قدر الإمكان أن يحرصوا على عدم تركها نعم يقرأ بغيرها أحيانا ليبين للناس أنها ليست بواجبه لكن لايكثر الفصل بينهما لأن اتباع السنه أولى.
ـ فيها ساعة لايدعوا فيها رجل مسلم إلا استجاب الله جل وعلا له فيها.
ـ واختلف العلماء رحمهم الله في تحديدها لكن نقول جملة :ـ هي ساعة مخفيه لكن قال بعض العلماء : إنها من حين أن يرقى الإمام المنبر إلى آخر صلاة العصر.وقال بعضهم : إلا أن تنتهي الصلاة . وقال آخرون من العلماء : إنها آخر ساعه من يوم الجمعه أي قبل الغروب وبكل قال أهل العلم وكل له دليله وقلت هذا الموطن ليس موطن ترجيحات فقهيه قدر الإمكان وإنما إلمام بأعلام القرآن.
ـ يوم الجمعه صلاة الجمعه واجبه ليست بدلا عن الظهر وإنما الظهر بدل عنها لمن فاتته صلاة الجمعه ـ أعيد ـ صلاة الجمعه ليست بدلا عن الظهر وإنما الظهر بدل عمن فاتته صلاة الجمعه .(4/4)
ـ أهل العلم اختلفوا فيمن أدرك صلاة الجمعه لم يدرك الركوع مع الإمام لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام فمعظم العلماء يقولون إنه إن لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام فاتته الجمعه فيكملها ظهرا يكملها على أنها ظهر هذا عليه أكثر العلماء وإن كنت والحق لانرى دليلا قويا على هذه المسأله وهناك آراء لبعض الأئمه أنه يصليها جمعة ركعتين لأنه دخل بهذه النيه لكن كما قلت أكثر أهل العلم معظم العلماء على أنه يصليها ظهرا .
ـ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبلها خطبتين يجلس بينها كان يخطب قبل أن يتخذ المنبر متكئا على عصا ويروى أنه بعد أن اتخذ المنبر لم يتكئ على شئ وكان إذا خطب احمرت عيناه ووجنتاه صلى الله عليه وسلم كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم.(4/5)
ـ وكانت خطبته كلمات يسيرات قليلات لايطيل فيهن ويجعلها للمواعظ للرقائق لأن الجمعة يحضرها سائر المسلمين ليست محاضره معنون لها يحضرها من يريدها أهل زماننا في هذا العصر خرجت الجمعه عن نطاقها الشرعي تخرج عند إمام بنطاق أكثر ونطاق أقل فأصبحت من خلالها يقول الخطيب أراؤه السياسيه أو أراؤه الفكريه ومعلوم قطعا أن آراء الخطيب الفكريه والسياسية تحتمل الصواب والخطأ على حسب علمه بالسياسه وحسب قدراته الفكريه لكن قال الله قال رسوله هذا لايحتمل صوابا وخطأ والناس الحاضرون لايأخذون ويعطون معاك ويناقشونك هم يريدون شيئا يرققون قلوبهم يحضرها العامل... يحضرها المسلم الأمي... يحضرها الفقير.... يحضرها الغني.... يحضرها العالم....(4/6)
يحضرها سائر الناس كل أهل حييك أهل منطقتك أهل المكان المستوطن فيه فإخراجها عن مراد الله ورسوله هو الذي جعل الناس تكثر فيهم قسوة القلوب لأنهم لايجدون وقتا يسمعون فيه الخطيب إلايوم الجمعه فإذا جاء يوم الجمعه أخرجهم الخطيب عن مايريدون وذكر لهم آراء سياسيه أو فكرية أوقضايا لاتعنيهم أو حتى إذا كانت تعنيهم لايملكون فيها حولا ولا طولا فيذهب الناس أهل الثقافه يناقشون رأي الإمام ورأي الإمام رأي فكري وقد يكون هذا الإمام لايعرف شيئا في السياسه قد يكون رجلا تقيا عالما فقهيا يملك ترقيق القلوب لكنه لايفقهه شيئا في الأمور الفكريه أو السياسه فيتكلم في أمور قد يكون قوله صواب وقد يكون قوله خطأ وليس عامة المسلمين محل تجربه ليس هذا موطن الحديث عن مثل هذه الأمور تقول أم هشام بنت الحارث رضي الله عنها وأرضاها ماحفظت سورة" ق~ " إلا من في النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة مايقرأ بها في صلاة الجمعه فسورة "ق" معروف فيها ذكر بدء الخلق والموت وإتيان الموقف العظيم وإزدلاف الجنه وبعد النار وما إلى ذلك حتى يكون في ذلك ترقيقا لقلوب الناس أما تلك الأمور لها مواطنها يتكلم فيها أهل العلم لايوجد مانع لكن فيه لقاءات فكريه فيه مجالس ثقافيه فيه مواطن فيه محاضرات يعلن عنها بهذا الإسم هذا حق لكن ينبغي أن يكون المقصود الأسمى لكل خطيب أن لايخرج الناس ويذكرون بلاغة الخطيب أو فصاحته أو علمه أو قدراته أو آراءه أو عظمته الفكريه هذا كله غير مقصود شرعا المقصود الأساسي أن يخرج الناس وقد ازدادوا إيمانا بالله وتعلقا به وتعظيما له جل شأنه أكثر من قبل أن يدخلوا الجمعه إذا استطاع الإمام أن يصل بالناس إلى هذا المستوى هذا الذي يقال أنه وفق في خطبته الجمعه قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بكلمات يسيرات.(4/7)
ـ قال الله جل وعلا (يَآأَيُّّّّّّّّّّّّّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) هذه ذروا البيع ....وأنها نزلت خصوصا في قافلة أتت من الشام قادها .....والظاهر أن هذا كان في أول الإسلام يبتعون تلك التجاره فأنزل الله تلك المناسبه هذا أصل المناسبه والأمر الثاني أن يوم الجمعه يوم يجتمع الناس فيه فقال الله جل وعلا (وَذَرُوا الْبَيْعَ ) تذكرة بأمر أعظم وهو أنه سيأتي يوم عظيم يجتمع الناس فيه هو يوم المعاد وهذا اليوم نعته الله جل وعلا بقوله (لاَبَيْعٌ فِيهِ وَلاَخُلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّةٌ وَلاَشَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فيترك الإنسان البيع في الدنيا ويلجأ إلى الله في مثل هذا اليوم العظيم تذكرة لنفسه باليوم الذي يغدوا الناس فيه بين يدي رب العالمين والإنسان لابد أن يكون له باعثا من نفسه.
وَمَا عَاتَبَ الحُر الكَرِيم َكَنفْسِه ِ
وَالمَرءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصَّالِحُ(4/8)
لابد أن يكون في الإنسان باعث ناصح من نفسه هذا الباعث يتذكر يخرج الناس من أي جامع تقام فيه صلاة الجمعه أشتاتا وينصرفون غالب الناس يشتري بعض الأمور ثم ينصرف إلى بيته المقصود أن الناس يصدرون عن مكان واحد هو الجامع وينصرفون إلى أماكن عده سيأتي يوم يوافق الأول ينصرفون من مكان واحد هو أرض المعاد لكنهم لاينصرفون إلى أمكنه متفرقه وإنما ينصرفون إلى دارين قال الله ( فَرِيقٌ فِي الجَنَّّّّّّّّّّّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّّعِيرِ ) فكلما خرجت من الجامع الذي تصلي فيه الجمعه فاتعظ أنك ترجوا الله بهذا العمل أن تنصرف يوم القيامه إلى رياض جنته أدخلكم الله وإيانا إياها هذا هو المؤمل في أن الإنسان يحتسب العمل ويوظف نفسه للطاعة ويحتسب الأجر ويتذكر أيام الله جل وعلا ويربط مابين ماكلفه الله به شرعا في الدنيا وماكلفه الله به تبارك وتعالى في الآخرة.
قال صلى الله عليه وسلم أن يوم القيامه يكون يوم الجمعه قال (وما من دآبة إلا وهي مصيخه ـ أي منتظرة ـ النفخ في الصور يوم الجمعه ) فالخلائق سوى الثقلين تعلم أن يوم الجمعه هو اليوم الذي تقوم فيه الساعه وتدرك أن هذه اليوم يوم جمعه وإلا لاتصيخ آذانها وهي لاتعرف أن هذا اليوم يوم جمعه.(4/9)
ـ منَّ الله على هذه الأمه أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن هداها فالأمم قبلنا حاولوا أن يصلوا لكن لسوء طينتهم وغلبة شقوتهم ضلوا عن طريق الحق فقلنا ذهبت اليهود إلى أنه يوم السبت والنصارى إلى يوم الأحد وأنت ترى عالميا في الغرب اليوم أن يومي الإجازه عندهم هما يوما السبت والأحد وعندنا يوم الجمعه وقد قلت أذكر في قديما في أول الدروس في هذا المسجد قبل سنتين أنه وقفنا على أثر يدل على أن عمر رضي الله عنه وأرضاه هو أول من جعل للناس يوما يستريحون فيه غير يوم؟ غير يوم الجمعه الجمعه وقلنا أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما خرج إلى الشام ترك المدينه يذهب إلى الشام ليأخذ مفاتيح بيت المقدس ويستلم بيت المقدس صلحا فلما عاد استقبله أهل المدينه غلمان أهل المدينه أمير المؤمنين ولم تجري له عادة أنه يكثر السفر عن المدينه وعمر كان يهاب أن يخرج منها ومعلوم لديكم كان يقول (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وميتة في بلد رسولك ) صلى الله عليه وسلم فلما قدم استقبله الغلمان فأحب أن يكافئهم فقال لهم عمر رضي الله عنه وأرضاه إما أن أعطيكم أعطيات حلوى....أودنانير...أودراهم شئ ترضون به وإما أن أعطيكم يوم بدل من الكتاتيب فقالوا الغلمان لانريد الكتاتيب نريد يوم مافيه كتاتيب فالناس منذ أن كانوا يحبون أن يخرجوا عن المألوف يحبون أن يخرجوا من الشئ الذي تعود عليه يحبون أن يجدوا لهم يوم راحه هذا مايمكن أن يقال عن يوم الجمعه وهو العلم الأول وهو علم على يوم في لقائنا هذا.
ـ العلم الثاني :ـ(4/10)
على شخصين أحدهما كافر والآخر مؤمن وهما طالوت وجالوت ذكرهما الله جل وعلا في سورة البقره ولم يكرر ذكرهما في أي سورة أخرى والله تبارك وتعالى أحيانا يريد أن ينبه على الأشخاص وأحيانا يريد أن ينبه على الأحداث فإذا أراد أن ينبه على الأحداث أغفل ذكر الأشخاص ولوكانوا عظماء وإذا أراد أن ينبه على الشخص ذكر الشخص ولو لم يكن عظيما وإذا أراد أن ينبه على الأمرين ذكر الله جل وعلا الشخص والحدث هنا قال الله ( أَلْمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُم ُ) قال لنبي نكره ولم يذكر اسم ذلك النبي لأنه ليس المقصود حوار أولئك القوم مع نبيهم مع ذلك النبي وإنما المقصود الحدث التاريخي بنو إسرائيل مكثوا في أرض التيه أربعين عاما خلال الأربعين هذه مات هارون ثم مات موسى ثم عهد موسى بأمر النبوه من بعده إلى يوشع ابن نون فتاه ثم مكثوا ماشاء الله لهم أن يمكثوا قرابة سنين طويله خلال هذه السنين الطويله كان العماليق يحاربون بني إسرائيل ويتعرضون لهم فكان الإنهاك والقتل في بني إسرائيل أكثر فلما شعر بنو إسرائيل بالضعف لجأوا إلى نبي لهم قيل إن اسمه شمعون وقيل إن اسمه شوميل وقيل إن هذان الإسمان كلاهما لرجل واحد وهو الأظهر فسألوه أن يبعث الله لهم ملكا يقودهم لأن الناس لايمكن أن يجاهدوا أو يحاربوا أو يسوسوا أمرهم بدون شخص يأتمرون به هذا أمر خلاف العقل فهؤلاء من بني إسرائيل أرادوا قبل الجهاد ملك يقودهم في الجهاد (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) وهذا النبي إذا قلنا أنه شوميل أو شمعون كان قد اعتزلهم لما رأى من عصيانهم فأخذ عليهم المواثيق أنه إذا كتب عليهم القتال يقاتلوا قالوا نعم بل استغربوا ( وَمَالَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأبَْنَائِنَا...(4/11)
) فلما كتب الله عليهم القتال نكصوا فأخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا طبعا في القرآن ( إِنَّ اللهَ ) لكن أنا قلت أن الآن هنا جاء في مصدر مؤول مفعول به نقول أخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا هنا اعترضوا بنوا إسرائيل كما مر معك في القرآن أسباط هؤلاء الأسباط منهم سبط جعل الله فيه الملك ومنهم سبط زي مانقول الآن فخذ في قبيله سبط جعل الله فيه النبوه طالوت هذا لم يكن من السبط الذي فيه الملك ولم يكن من السبط الذين فيهم النبوه فرده بني اسرائيل واعترضوا عليه ( قَالُوآ أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّّّّّّّّّّّّّّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) وقد قلت مرارا إنه لايمكن أن يوجد ملك مستحيل بدون عصبه هذه العصبه تختلف.(4/12)
ـ مالعصبه التي مع طالوت ؟ أن الله جل وعلا هو الذي ؟ هو الذي اختاره وكفا بها عصبه لكن في زماننا هذا مايوجد وحي من الله أن الله اختار فلان واختار فلان فلابد من عصبه دنيويا يقوم بها الملك والمقصود أن نبيهم أخبرهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وأخبرهم حتى يلين قلوبهم لأمر الله وطاعته قال وءاته بسطة في العلم والجسم علم عام بالشرع وعلم بالحروب وكانت الحروب آنذاك تعتمد اعتمادا كليا على القوه الجسميه ولهذا قال وءاتاه بسطة في العلم والجسم وقوله جل وعلا ( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) ردا على قولهم (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) بعد أخذ وعطاء أذعنوا بعد أن أخبرهم نبيهم أن ثمة آيات أعطاها الله جل وعلا لطالوت قال الله تعالى ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّهُمْ إِنَّ ءَايةَ مُلْكِهِ ) ملك من ؟ طالوت ( أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّّن رَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّبِّّّّكُمْ وَبَقِيةٌ مِّّّّّّّّّّّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّّّّّّّّّّّّّّّّؤْمِنِينَ).
ـ ماهو التابوت ؟ ماهي السكينه ؟
ـ ضرب العلماء فيها أوديه عديده جدا فوالله لايوجد شئ يعتمد عليه ممكن أن أنقله لكم كلها أقاويل منقوله عن مسلمة أهل الكتاب لايُدْري صحيحها من سقيمها قويها من ضعيفها لكن نقول جملة إن الله جل وعلا أعطى طالوت قرائن لايستطيع معها بنوا إسرائيل أن يردوا ملكه منها تابوت كان ينصرون به كيف هيئة التابوت لانعلم فيه سكينه قد تكون السكينه بمعناها العربي المعروف إن فيها طمأنينه وقد يكون غير ذلك كما قيل إنها ريح وقيل إنها طائر وقيل غير ذلك .
((4/13)
وَبَقِيةٌ مِّّّّّّّّّّّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ) قيل: عصا موسى وعصا هارون ورضاد من الألواح التي كان كتب فيها التوراة لموسى هذا محتمل لكنني لا أجزم به . أخذ طالوت الجيش يعبر بهم نهر الأردن لمقابلة العمالقه الذين يقودهم جالوت.
الدنيا أصلا قائمه على الإمتحان وقلنا مرارا إن الله مع خلقه يعني في ابتلاء الله لخلقه دوائر فأنت كلما نجحت في دائرة ضيقه اتسعت الدائر فإذا نجحت في دائره أوسع تزيد الدائره وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه والله يقول : ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون ) هذا كلام يطول شرحه لكن يعني على الإجمال أنا أتكلم هذا طالوت وهو بالجيش كانوا ثمانين ألفا ذهب ليحارب بهم فمر على نهر قال لهم:( إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) .(4/14)
قسمهم كم صنف ؟ ثلاثة أصناف قوم سيشربون وقوم لن يشربوا أبدا وقوم يطعم هنا بمعنى يذوق لأن يطعم ماتجي في اللغة يطعم بمعنى يشرب وإن قال بها بعض الفضلاء لكنه غير صحيح يطعم بمعنى يذوق (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) . هؤلاء الثلاثة أصناف الذين لم يشربوا بالكليه قطعا سيكونوا في الجيش والذين سيغرفوا غرفة باليد يعني ممكن يقبل وأما الذين شربوا من النهر واغترفوا غرفا كثيرا فهؤلاء لامكان لهم في جند طالوت هذه قيسها على الدنيا فالدنيا مثل النهر مثل ماذا ؟ مثل هذا النهر الذي اعترض بني اسرائيل فمن شرب منه بالكليه لا مكان له في الآخره ومن أخذ شيئا بالمقدار الذي يبلغه إلى الله سيصل في الآخره ومن لم يشرب منه أبدا انتفى عنها سيصل لكن الأوسط أفضل لأنه هدي ماذا ؟ هدي الأنبياء يقولون في الأمثال الدارجه وأنا قلت هذا مو تفسير أنا أتكلم الآن عن أعلام القرآن يقولون إن رجلا فقيرا رأى امرأة حسناء ولا أدري إن كان قلت هذا قبل أولا جميله جدا تفتن فقال لها أريد أن أتزوجك فوافقت وهو غير مصدق أنها تقبل به فأخذها إلى المأذون لما أخذها إلى المأذون فتن بها المأذون فعرض عليها نفسه فأقبلت وتركت الفقير فذهب الفقير فاشتكى المأذون على القاضي فلما أُحضر الثلاث فتن القاضي بها أعظم من فتنة المأذون فطلبها لنفسه فذهب المأذون والفقير يشتكيان القاضي للأمير للوالي فذهب وقال : أين هذا القاضي الذي يراد به الخير فيجبل الناس على الشر فلما رأه الأمير إزداد بها فتنه وطلبها لنفسه فذهب الناس إلى العامه حتى يستعينوا بهم إلى الأمير فكل رجل من العامه أخذ يطلبها لنفسه ففرت من أمامهم وهي تقول " أنا الدنيا الكل يطلبني ولست مكتوبة لأحد " فهمتم المثل الآن مو معقول أنه ودي أحدثكم عن حكاوي الصبيان في مسجد لكن القضيه قضية أن هذه هي الدنيا لايوجد أحد إلا ويتعلق بها وهي أصلا تفر من الجميع(4/15)
فكلما أتعبت نفسك وراءها أكثر تبتعد وإن تركتها ستأتيك وهي راغمه إن تركتها هي تأتيك وهي راغمه وإن أنت جريت ورآءها لن تنال منها إلا ماكتب لك كان رجل من الصالحين معه ناقه فيها خطام مسافر فدخل أدركته الصلاة وقد خرج الناس فأراد أن يصلي في مسجد نفرض أنه مثل مسجدنا خاف على الناقه فنادى غلام قال له اقبض لي الناقه حتى أصلي ركعتين وأعود فدخل يصلي هذه حقيقه مو مثل الاولى دخل يصلي هذا الغلام عرف أن الناقه مايمديه يسرق لأنه مايمديه يدسها هنا ولاهناك إلا خرج فأخذ الخطام وشرد به خرج الرجل وجد الناقه ولم يجد الخطام ولم يجد الغلام فعرف أنه سرقها فذهب إلى السوق ليشتري خطاما جديدا لناقته الذي سرق الخطام قبل أن يخرج الرجل من المسجد أخرج دينارين قال أكافئ بهما الغلام الذي انتظرني حتى أصلي فلما أخرجهم وهو أتى يبحث عن الغلام كما قلنا وجد الناقه بدون خطام بدون غلام رد الدينارين في جيبه ذهب إلى السوق ليشتري خطاما على الجهه الأخرى الغلام أخذ الخطام وأعطاه إلى مايسمى في زماننا هذا من يحرج واختفى قال له بيعه ولوبدينارين فأخذ يبيعه جاء الرجل يشتري خطاما وجد نفس الخطام واشتراه بدينارين وأخذ الخطام إلى أين ذهب الدينارين الآن إلى الغلام فقال الرجل : لاإله إلا الله سبحان الله والله أكبر يأبى ابن آدم إلا أن يستعجل الرزق قال : لو صبر لأخذ الدينارين حلالا . ألآن أخذ ماكتب له نفس الدينارين لكنه لأنه استعجل لم يأخذها حلالا أخذها حلالا أخذا ماذا ؟ حراما ولوصبر قليلا لأخذهما حلالا وهذا هو سؤ الظن برب العلمين جل جلاله.
كان الجيش ثمانين ألف مابقي أحد ماشرب إلا ثلاثمائه وبضعة عشر رجلا كما قلت في الدرس السابق هم عدد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في يوم بدر أقبلوا على جالوت وجنوده قال الله تعالى (وَلَمَّّّّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ).(4/16)
ـ قلنا إن الإبتلاءات لما نجحوا في اختبار النهر كان حريا بهم أن ينجحوا في اختبار جالوت لأن اختبار النهر مقدمه لما قبله كان في الجيش رجل يقال ايبشي ايبشي هذا والد داوود عليه السلام وعنده عشره من الولد جاء بسبعة منهم في المعركه أصغرهم من ؟ أصغرهم داوود داوود عليه الصلاة والسلام كان معه المقلاع تعرفون المقلاع ؟ المقلاع زي الجلد الطويل يوضع فيه حجر خلاص أشبه بالنبيله لكنه يدار دوران اللي دايم يعملها أبناء الإنتفاضه فوضع حجرا يقال في بعض الرويات ولاأجزم أنه كان وهو ذاهب إلى المعركه الحجر يناديه يقول خذني ياداوود تقتل بي عدوا الله فرد الحجر الأول رد الحجر الثاني رد الحجر الثالث الحجر الثالث أو الرابع أخذه معه فلما أخذه معه برز جالوت كالعاده فر الناس منه استأذن داوود جالوت فلم يأذن له لقصر قامته وصغر سنه ثم أذن له بعد الحاحه فضرب داوود جالوت بمقلاعه فقتله قال الله في محكم التنزيل ( وَقَتَلَ دَاوُ,دُ جَالُوتَ ) قلت في السابق أن أسباط بني إسرائيل انقسم فيهم ماذا؟ الملك والنبوه الملك في سبط والنبوه في سبط إكراما من الله لداود جمع الله جل وعلا في داود مافرقه في السبطين قال الله جل وعلا ( وَءَاتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ ) فجمع الله لداود الملك والنبوه عليه الصلاة والسلام من هنا نعلم أن طالوت وجالوت علمان أحدهما لمؤمن وهو طالوت والآخر لكافر وهو جالوت هذا يذكر بالملك.(4/17)
ـ وأول ملوك المسلمين من هو ؟ معاويه أول ملوك المسلمين معاوية من قبل معاويه يسمى ؟ يسمى خليفه قيل للإمام أحمد رحمه الله أكان معاويه خليفه قال لا إنما كان ملكا من ملوك المسلمين وقد اتفق الناس على أن معاويه رضي الله عنه هو أول ملوك المسلمين معاويه رضي الله عنه وأرضاه بصفته أول ملوك المسلمين نقول كيف إن الأمور تجري بقدر الله أمه هند بنت عتبه يهدي الله لنوره من يشاء مكثت مده تحارب الدين ثم هداها الله للإسلام قبل الإسلام كانت متزوجه من رجل قبل أبي سفيان والد معاويه كانت متزوجه من رجل يقال له الفاكه بن المغيره الفاكه بن المغيره هذا كان كريم فكان واضع خباء بجوار بيته يدخله الناس من غير استئذان فذات يوم كان الفاكه مع هند زوجته ثم قام لبعض شأنه فجاء رجل ضيف دخل المجلس لم يجد الفاكه فرأى هندا دون أن تراه فر هاربا خرج قابله الفاكه وهو راجع فظن أنه كان على علاقه مع زوجته هند بنت عتبه فدخل عليها فضربها يسألها عن الرجل وهي تحلف أنها لم ترى شيئا فأوجعها ضربا هذا في مكه هذا قبل الإسلام في مجتمع جاهلي كان يحرص على قضية الشهامه والعرض أبوها عتبه أخذها لوحدها "خَلَصُوا نَجِيًّّّّّّّّّّّّّّا " بتعبير القرآن قال لها : يابنتي والإنسان لابد أن يكون واضح مع أبنائه وبناته لن تحل مشكله وأنت مغمغم على الموضوع ماعاد يفهم شئ ولذلك بعض الفضلاء يأتيك يستشيرك يخفي نص الموضوع ما يمكن أن أعطيك إشاره أو رأي دون أن أفهم الموضوع بالكامل فقال له : يابنتي إن كان هذا الفاكه قدر رماك حقا فيه بينك وبين ذلك الرجل علاقه فأخبريني أنا أدس له من يقتله فينتهي الموضوع وإن كان كاذبا في دعواه فأخبريني فأنا أحتكم إلى كهان العرب فقالت ؟ يا أبتاه حلفت له بما يكون يحلفون به من أصنام الجاهليه أنه ماحصل شئ فصدقها أبوها وهي من بيت يعني فلما صدقها أبوها ذهب إلى الفاكه وقال له إنك رميت ابنتي بأمر سوء فنحتكم أنا وأنت إلى أحد كهان(4/18)
العرب وافقوا أخذوا معهم وفد الفاكه من بني مخزوم وعتبه بن أبي ربيعه من بني عبد مناف أخذت هند معها نسوة يسلينها في الطريق حتى وصلوا إلى أحد كهان اليمن قبل أن يصلوا إلى الكاهن تغير وجه هند فخاف أبوها أن تكون قد تراجعت فسألها قالت يا أبتاه والله إن الأمر كما أخبرتك بالأول لكننا نفد على رجل يكذب أو يصدق يعني هذا الذي نأتيه كذلك مالذي يدريه فاختبر أبوسفيان الكاهن قبل أن يعرض عليه القضيه فنجح في الإختبار طبعا مافيه داعي نخبركم بالإختبار بعد ذلك عرضت عليه النساء وفيهن هند فكان هذا الكاهن يمشي يضرب النساء حتى وصل إلى هند فقال:" انهضي لارسحاء ولازانيه ولتلدن ملكا يقال له معاويه" ففرح الفاكه وتشبث بها فرمته من يدها قالت : والله لن يكون منك يعني يولد معاويه بس مايأتي منك فلما رجعوا إلى مكه تزوجها أبوسفيان ابن الحارث فبقيت هذه في نفسها مقولة الكاهن فكانت إذا لعبت معاويه معاويه كان ضخم ويمشي يراه أبوه أبوسفيان ويقول إن ابني هذا سيصبح ملك فتقول هند ثكلته إن لم يملك العرب والعجم فحكم معاويه حتى ملك العرب والعجم عُمِّر رضي الله عنه وأرضاه بلغ من العمر سبعا وسبعين سنه حتى كان آخر أيامه يخطب وهو قاعد لأنه كثر لحمه واشتهر بحلمه.
ـ والدنيا تتقلب فأحيانا يجي معلم هذه فوائد عامه يشد على الطلاب مايأمل في الطالب أي شئ مايترك كلمه إلا يقولها فيه ترى أنت ماتدري أن هذا الذي أنت اليوم تهينه أربع وعشرين ساعه وتسخر منه ماتدري غدا ماذا يصبح قد تأتي أنت بين يديه.(4/19)
ـ معاويه رضي الله عنه لما أسلم وجاء المدينه جاء أحد ملوك العرب أسلم متأخر جاء المدينه وأسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعامل الناس على قدر منازلهم خاصه حديثي عهد الإسلام فهذا الملك من ملوك العرب زعيم في قبيلته قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاويه خذه إلى بيت فلان يعني يستريح في بيت فلان ومعاويه في تلك الأيام توه من المسلمين المتأخرين وتوه مهاجر ولم يكن له صيت فلما دخل مع هذا قال معاويه : لرجل أردفني كان شمس سأله قال: أنت من أرداف الملوك هذه كلمه عند العرب إن فيه ناس خاصين به قال : لا قال: خليك مكانك قال : طيب أعطيني نعل معاويه يقول له أعطيني نعل قال: لا أعطيك نعل ايش يكفيك أن تستظل على أنفه العرب أول تستظل بظل الناقه يعني الناقه وهي ماشيه لها ظل طبعا الظل يمشي لأن الناقه تمشي قال : خلاص يعني اجعل وطاءك على الظل مافيه داعي تلبس نعال يقول معاويه أخذته حافي والشمس حاره حتى أوصلته كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم مرت الأيام حكم معاويه دخل هذا على أنه واحد من الرعيه على من ؟ على معاويه فأكرمه معاويه وأعطاه أصلا معاويه كان حليما لكن هذا موضع شاهد لاتدري أين يضع الله جل وعلا أمره في الخلق المقصود أن طالوت وجالوت علمان من أعلام القرآن أحدهما لأحد المؤمنين وهو طالوت والآخر لأحد الكفار وهو جالوت .
ـ والعلم الثالث :ـ
أبولهب وهذا مر معنا في بعض الدروس لكني أتكلم عنه إجمالا أبولهب الوحيد الذي كني في القرآن كما قال السيوطي في الإتقان لايوجد أحد ذكر بكنيته في القرآن إلا أبولهب وهو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ وهنا نتكلم فوائد متعدده قبل أن شرع في الكلام عن أبي لهب: النبي عليه الصلاة والسلام كان له عشره أعمام وعدة عمات اختلف الناس في ضبطهم قيل أربعه وقيل غيرها نبدأ بالعمات من العمات :ـ(4/20)
صفيه وصفيه هذه أم من ؟ أم الزبير بن العوام وهي متفق على أنها أسلمت ، وضباعه بنتها ضباعه ، ومن عمات النبي صلى الله عليه وسلم عاتكه وهي التي مرت معنا في يوم الفرقان أنها رأت ماذا؟ رأت الرؤيا وعاتكه اسم تكرر كثيرا في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وقلنا إنه تسع من النساء يدلين في النسب الشريف اسمهم عاتكه منهن ثلاثة من قبيلة سليم فقط ثلاثه لهم دور في أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وجداته اسمهن عاتكه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم يوم حنين مفتخرا أنا ابن العواتك من سليم عواتك جمع عاتكه وهاذان بعض عماته من الثابت ، وقال له عمه يقال لها أروى ولكن اختلف هل ثبتت أم لم تثبت فلا يوجد كثير أخبار عن عماته.
أما أعمامه فعشره أدرك الإسلام منهم أربعة :ـ العباس ، وأبوطالب، وحمزه ، وأبولهب . أسلم حمز وأسلم العباس متأخرا كنية حمزه أبوعمارة وكنية العباس أبوالفضل وعبدالعزى لقبه أوكنيته أبولهب واسمه عبد العزى وإنما كني ولقب بأبي لهب لأنه كان جميلا جدا وكانت وجنتاه تشرقان كاللهب كالضياء فسمي بأبي لهب من هذا الباب والرابع أبوطالب واسمه عبد مناف أبوطالب وأبولهب كلاهما لم يسلما إلا أن أباطالب كان ينصر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول :ـ
وَلَقَد عَلِمتُ بِأنَّ دِينَ مُحمَّدٍ
مِن خَيرِ أَديَانِ البَرِيَّةِ دِينَا(4/21)
ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهره إلا أنه مات على الكفر وبعض الناس في عصرنا يجعل من قضية موت أبي طالب فرصه للقدح في الناس والمعنى بتوضيح أكثر أنه يقول أن أبا طالب مات على الإسلام وإن قلنا إنه يوجد من العلماء من قال بهذا لكنه يقول: إنه الذين لايقولون بأن أباطالب مات على الإسلام هؤلاء يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه تهمه عظيمه للناس لايوجد مؤمن يبغض النبي صلى الله عليه وسلم مايجتمع أصلا إيمان مع بغض النبي صلوات الله وسلامه عليه لكن نقول إن النصوص التي بين أيدينا تدل على أن أباطالب مات على الكفر هذا أمر ظاهر متظافر ونحن لسنا أرحم برسول الله من الله جل وعلا الذي اختار أن يموت أبوطالب على الكفر هذا أبوطالب . بقينا في أبولهب الذي هو موضوع القضيه .(4/22)
ـ أبولهب لما أنزل الله جل وعلا على نبيه ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) وقف صلى الله عليه وسلم على الصفا فنادى في قريش "يا صباحاه " ثم بين لهم ما أنذر كان المفترض أن يكون عمه أول الناس نصرة له على الأقل يسكت كما سكت أبوطالب لكنه قال له والناس حاضرون وهو عمه قال : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا وانصرف فتفرق الناس مع أبي لهب وكانت له زوجه يقال لها أم جميل تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ ) تبت بمعنى :ـ خابت وخسرت وهلكت وقلنا مرارا في درسنا في هذا المسجد المبارك وغيره إن هذه الآيات من أعظم إعجاز القرآن لأن الله أخبر فيها أن أبالهب سيكون مصيره إلى النار ومع ذلك لم يسلم أبولهب لا ظاهرا ولا باطنا ولم يستطع أن يقول ولو كذبا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ومات شر موته أبولهب هذا قبل أن أعرج على فوائد القصه كانت له جاريه اسمها ثويبه لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم جاءته ثويبه تخبره أن آمنه زوجت أخيه عبدالله ولدت غلاما ففرح أبولهب وأعتقها فلما مات رآه العباس ابن عبدالمطلب رأى أخاه أبالهب في المنام فسأله مافعل الله بك قال : لم أرى بعدكم إلاشرا إلا أنه في كل يوم اثنين يخفف عني بأنني أُسْقى من هذا الموضع مابين الإبهام والسبابه لأني أعتقت ثويبه جاريتي لما بشرتني بمولد محمد صلى الله عليه وسلم فانظر كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه على العكس الآن من الصوره تفهم كذلك أن الله جل وعلا عزيز ذو انتقام فهذا عم النبي صلى الله عليه وسلم أخو أبيه ولهذا قبل أن أبين الإنتقام الله جل وعلا قال : ( قُلْ يَآأََيُّّّّّّّّّّّّّّّّهَا الْكَافِرُونَ ) ( قُلء إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) ( قُل يَآ أَيُهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّّّّّّّّّّّّّ مِّن دِينِي ) (قُل....) (قُل....(4/23)
) إلى غير ذلك مما لايخفى عليكم (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّذِينَ أَسْرَفُوا.....) لكن الله جل وعلا يعلم نبيه الأدب فما قال الله لنبيه قل يا أبالهب خاطب الله أبالهب مباشرة ونحى نبيه جانبا حتى لايقال إن محمدا يسئ الأدب مع عمه ـ واضح ـ حتى لايقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يسئ الأدب مع عمه لأن العم صنوا الأب أخو الأب وحق الأب عظيم ولهذا قلت مرارا إن من كرامة الله لنبيه أن أباه مات وهو صغير لأنه لايبقى لأحد يمشي صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أعلى منه له حق أبوه ميت وأمه ميته وهما لهما الحقان ولوقدر أنهما لوعاشا عاشا كافران لوقدر هذا فإنهما يبقى لهما حق كما كان حق والد إبراهيم على إبراهيم لكنه صلى الله عليه وسلم عاش يتيما الأبوين حتى لايبقى لأحد عليه فضل اللهم إلا عمه العباس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم العباس ويجله تعظيما وورث أبوبكر وعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه لعمه العباس وكان عمر رضي الله عنه يستسقي بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وإذا دخل فرش له بجواره وأجلسه لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم فنقول للعم حق كما أن للخاله حق عظيم بالنسبه لقضية الوالده موضع الشاهد قال الله ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ ) تكفل الله بالجواب والرد على أبي لهب ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وسيله في الخطاب.(4/24)
ـ موضع الشاهد: قلت إن أبالهب لما نازع الله وحاربه قال الله جل وعلا له ذلك ولم ينفعه قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفعه ذلك من قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا ينبغي أن يعلم أن الله جل وعلا عزيز فلا ينبغي لأحد أن يقع في قلبه السخريه من آيات الله أو رسله أو محاولة أن ينازع الله جل وعلا في شئ . كان فيه رجل قديم اسمه:ـ محمد بن زكريا الطبيب أعاذنا الله وإياكم منه هذا الرجل تلي عليه قول الله جل وعلا ( قُلْ أرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعَينٍ ) فقال : عياذا بالله مباشره قال :تأتي به الفؤوس والمعاول فأذهب الله جل وعلا في ساعته ماء عينيه فبقي حياته كلها أعمى قال يستهزئ بالقرآن (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعَينٍ ) قال: تأتي به الفؤوس والمعاول يعني : نحفر فما أن أكملها إلا وذهب ماء عينيه فاصبحتا بيضاويتين وبقي أعمى إلى أن مات فالله جل وعلا يقول في ذاته العليه:"إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) والمؤمن الحق يراقب الله جل وعلا في كل شيء حتى لو وقعت منه المعصيه ولا يسلم من المعاصي أحد كلنا خطاء تقع منه وهو منكسر تقع منه وهو خائف تقع منه وهو وجل تقع منه وهو يخشى الله و يخشى عذابه هذا هو المؤمن شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالفرس المعقود في مكان ما. فمهما ذهب يعود إلى نفس مربطه .والمكان الذي فيه حبله هذا المؤمن الحق، أما منازعة الله هذا هو عين الوبال ومحل السفال عياذً بالله ،قيل للإمام أحمد رحمه الله أطلبت هذا العلم لله ؟ قال :الله عزيز لا أستطيع أن اقول هذا إنما أقول هو شيء حببه الله إلي فصنعته هو شيء حببه الله إلي فصنعته ولم يقل وهو أحمد أنني طلبت هذا العلم لله ،هذا مايتعلق بالفائدة من القصة وهي أهم مافي القضية أن الإنسان يراقب الله جلا وعلا ولا يتكل على شيء من أمور الدنيا .
ـ رابع الأعلام وهو الأخير :ـ(4/25)
علم على مكان قال الله جل وعلا : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاَ وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) بكة هنا بمعنى / مكه ،بكة بمعنى / مكه وهي علم على مكان كما هو معلوم .
ـ مكه ذكر الله جل وعلا في القرآن المدينه وسيأتي الخبر عنها وذكر مكه بتعبير الباء بعض العلماء يقول إن جرت لغة العرب أن الباء تحل بدل من الميم يقولون طين لازب بالباء ويقولون طين لازم بالميم وقال بعض العلماء إن بكة اسم للموضع الذي فيه البيت وقال ءاخرون لا بكة اسم للمسجد والصحيح إن شاء الله أن بكة اسم لمكة كلها هذه البلده بإجمال نتكلم لا أتكلم عن البيت العتيق نتكلم عن مكة:ـ
ـ من خصائصها:ـ
ـ أن الله جل وعلا حرمها يوم خلق السموات والأرض وهذا من أعظم دلائل اسصطفاء الله لتلك البقعة قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ) ولم يحلها جل وعلا لأحد من الخلق إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم حلا مؤقتا ساعة من نهار في يوم الفتح لما انتهى الفتح ردها الله جل وعلا حرام ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( قال : فمن أخبركم أن النبي قاتل فيها أخبروه أن الله أحلها لنبيه ساعة من نهار ) هذا الأول.
ـ الأمر الثاني :ـ حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره عن الله أنه لايعضد شوكها ولا ينفر صيدها ولا تأخذ لقطتها إلا لمعرف إلا لمنشد فالإنسان إذا رأيت أي شئ في مكة اتركه على ماهو عليه.(4/26)
ـ من عظمتها عند الله أن الله جل وعلا لم يبحها لأي أحد من الجبابره عبر التاريخ كله حبس عنها الفيل ولهذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم كرامة الله له لما دخلت القصواء مكة قال عليه الصلاة والسلام إن الله حبس الفيل على مكة وسلط عليها محمد وأصحابه ولما بركت القصواء ومر معنا هذا في درس سورة الفتح في يوم الحديبيه وقال الصحابه خلعت القصواء قال صلى الله عليه وسلم :( والله ماخلعت القصواء وماذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل) وأهل الفيل قدموا بالفيل يريدون مكة مع أنه بالعقل الذين أتوا أبرهة وجيشه كانوا على أي مله ؟ كانوا نصارى أهل كتاب وقريش كانت وثنيين كان القرشيون وثنييون ومع ذلك نصر الله الوثنيين على أهل الكتاب هنا لكرامة ماذا ؟ لكرامة مكة وإلا الأصل أن أهل الكتاب أقرب إلى الملة من الوثنيين كما في آية :( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ...) لكن الله جل وعلا حبس الفيل عن مكة أين مايوجهه يوجهه إلا إلى الكعبه فلا يقدر على هذا إلا الله قال : ( أَلَمْ تَر َكَيْفَ فَعَلَ رَبُّّّّّّّّّّّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ )
وكلمة ضل في اللغة / تأتي على ثلاث معان:ـ
ـ تأتي ضل بمعنى ضد الإيمان ضد الهدايه العامه التي هي هدايه الإيمان وهذا أكثر استعمال القرآن ومنه قول الله تعالى : ( غَيْر ِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الْضَّآلِّينَ )
ـ وتأتي ضل بمعنى عدم إصابة هدف محدد ومنه قول أبناء يعقوب عن أبيهم : ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) لايقصدون أن أباهم كان كافرا لأنهم لو قالوا هذا كفروا لكنهم يقصدون أن أباهم ما أصاب الصواب في قوله إن يوسف مازال حيا .(4/27)
ـ وتأتي ضل في القرآن بمعنى اضمحل وأصبح هباء ومنه قول الله جل وعلا هنا: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ) وقوله سبحانه في السجده :( وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي إذا ذبنا واضمحللنا في الأرض وذهبنا هباء منثورا أننا سنعاد المقصود أن الله سلط عليهم الطير وقد قلنا في درس سابق إن الأصل في الطير أنه مصدر أمان فلايوجد أحد يخوف بالطير فلما أرادوا أن إلى أعظم مكان آمن وهو الكعبه أن يهدموه سلط الله عليهم الخوف من حيث لايحتسبون فأضلتهم الطير وهم يعتقدون أنهم في أمن ليست ريح يخوفون بها ولا كواسر وسباع ضواري تأكلهم وإنما طير من الطيور فلما أصابهم الإطمئنان بعث الله جل وعلا عليهم حجارة من سجيل.
ـ جعل الله جل وعلا في مكة بيته الحرام وهو أول بيت وضع للناس ولايوجد في الشرع بيت يطاف حوله إلا البيت العتيق .
ـ وسمي بالعتيق :ـ لأن الله جل وعلا أعتقه من الجبابره أن يصلوا إليه أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا البيت لا يسلط عليه كافر إلى قيام الساعه لا يسلط عليه كافر إلى قيام الساعه ولهذا الحملات الصليبيه دخلت بيت المقدس ووصلت إلى أطراف الجزيره وأفتتحت الشام مع فضل الشام وماجاء فيه لكن لم تستطع أي حمله صليبيه أن تصل إلى مكة ولن تستطيع إلى قيام الساعه لأن مكة بيضة الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ عهدا من ربه ألا يسلط على المسلمين من يستبيح بيضتهم أعطاه الله جل وعلا هذا العهد فلو جبلت أمم الأرض من أقطارها على أن يدخلوها لن يستطيعوا أن يدخلوها هذا خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أن يؤذن بقيام الساعه يأتيها ذو السويقتين من أرض الحبشه يهدمها ويقلعها حجرا حجرا ويستخرج كنوزها أي الكعبه بعد ذلك لا يطاف بالبيت أصلا ولايقال لاإله إلا الله ولايبقى على الأرض أحد مسلم ثم على هؤلاء هم شرار الخلق تقوم الساعه.(4/28)
ـ جعل الله جل وعلا بيته وجعل شعائر عظمى مر معنا منها المشعر الحرام ـ ومنى ـ والصفا والمروه ـ ومقام إبراهيم كما قال الله:( فِيهِ ءَايَاتٌ بَينَاتٍ مَقَامُ إِبَرَاهِيمُ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنا ).
ـ منع الله شرعا أن يدخلها الكفار قال الله جل وعلا :( إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِم هَذا ) فلا يحل لأحد أن يدخل رجلا مشركا أي كان من أهل الكتاب أو وثني أو غيره أن يدخل مكة بخلاف المدينه لايوجد دليل شرعي على أن الكفار يمنعون من دخول المدينه لكنا كما قلنا مرارا هذا رأي رآه ولاة الأمر وفقهم الله أن لايدخلها أحد غير المسلمين والأمر عليه وإلا لايوجد مانع شرعي يمنع دخول أهل الكفر إلى المدينه لأن أبولؤلؤة المجوسي مجوسي من اسمه وعابد نار وقتل عمر رضي الله عنه كان يعمل حدادا داخل المدينه وعمر رضي الله عنه لما بلغه أنا أبا لؤلؤه هو الذي قتله كان يعرف أنه مجوسي قال : الحمد لله الذي لم يجعل موتي أو قتلتي على يد رجل سجد لله فهو يعلم أن أبا لؤلؤه كان كافرا وأنه كان يسكن المدينه قال الله تعالى : (:( إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِم هَذا ) هذا من خصائصها هذا جملة مايمكن أن يقال عن البلد الحرام وتعظيمه من أعظم تعظيم شعائر الله .
ـ جعل الله من خصائصها أن الصلاة في مسجدها بمائة ألف ولايوجد هذا إلا في المسجد الحرام وجمهور العلماء على أن الصلاة في أي موطن في مكة في المسجد أو حتى في البيوت لأهل الأعذار الصلاة فيها بمائة ألف صلاة وأما المدينه فالصلاة في المسجد بألف في المسجد النبوي فقط دون الصلاة في أي مكان خارج المسجد .خارج المسجد لا تحسب الصلاة بألف صلاة واختلف الناس في ساحات المسجد الموجد الآن والصواب أن ساحات المسجد هذه الصلاة فيها بألف .(4/29)
ـ لأن الفقهاء من الحنابله يقولون إن رحبة المسجد أي المحيطه به لا تخلوا من أحد حالين :ـ
ـ إماأن تكون مسورة ولها أبواب فتلحق حكما بالمسجد .
ـ وإن لم تكن مسورة وليس لها أبواب فلا تلحق بالمسجد والساحات التي حول الحرم النبوي مسورة ولها أبواب فالصواب أنها تلحق حكما بالمسجد لكن من أتى إليها يدخل المسجد فإذا ازدحمت كما يصلي الناس التراويح والأعياد في الساحات فهذه إن شاء الله داخله في المسجد حكما .والصلاة فيها بألف صلاة.
قلنا جمهور العلماء على أن مكة الصلاة فيها بمائة ألف صلاة في سائر أنحيتها.
ـ بقينا في السيئه: المشهور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن السيئه في مكة بمائة ألف لكن أكثر أهل العلم على خلاف هذا لأن الله قال في آيات محكمات ( وَجَزَاؤُ سَيِّئَةٌ سَيِّّئَةٌ مِّثْلُهَا ) فلا يرد محكم القرآن برأي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لكن السيئه فيها تغلظ كيفا ولا تغلظ كما أي لايكثر عددها لكن قد تكثر تغلظ كيفية كما بينا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا بإمرأة أخرى وإن كان كل حراما المقصود من هذا هذه مكة بلد الله الحرام الذي عظمه الله جل وعلا يوم خلق السموات والأرض وقلت أنني في هذه الأعلام أعطي إطلالات تاريخيه ماقدر الله لنا أن نقوله فيها...
هذا ماتيسر إراده وتهيأ إعداده والله المستعان وعليه البلاغ وصلى الله على محمد وعلى آله....(4/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الرابع
من ألبوم
(أعلام القرآن)
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فنحن ماضون بإذن الله في قضايا أعلام القرآن: ـ
ـ أولى أعلام القرآن أولى أعلام القرآن في هذا اللقاء المبارك لقمان عليه السلام ولقمان عند أكثر العلماء على أنه غير نبي وذهب عكرمة من السلف فيما يروي عنه إلى أن لقمان كان نبيا والذي عليه أكثر العلماء أنه عبد صالح أحب الله فأحبه الله وأعطاه الله جل وعلا الحكمة والمشهور أنه عاش في زمن داود عليه السلام قال الله جل وعلا :(وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) وهذا قسم من الرب تبارك وتعالى أنه أعطى هذا العبد الصالح الحكمه وهي :ـ
الصواب في الأقوال والأعمال ومعرفة حقائق الأمور هذا مجمل مايمكن أن يقال عن الحكمه والحكمة لها تعريفات عده وإنما تعرف بحسب قرائنها فقول الله جل وعلا : ( وَاذْكُرْنَ مَايُتَلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ....). تفسر الحكمه هنا /(4/1)
ـ بأنها السنة والوحي الذي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا التفسير غير مضطرد في كل معنى للحكمه وإنما بحسب القرائن نعود إلى لقمان فنقول إنه عبد صالح أحب الله فأحبه وأعطاه الله جل وعلا الحكمة بنص القرآن وجاء القرآن العظيم سورة مكية كريمة سميت باسم هذا العبد الصالح لأن الله جل وعلا ذكره في القرآن ذكر قصته فيها وقلنا إن العلماء أكثرهم على أنه غير نبي وقال عكرمة والشعبي من السلف فيما ينقل عنهما أنه نبي وعلى هذا التحرير العلمي للمسأله أن يقال: إن لقمان أحد الشخصيات ذكرها القرآن اختلف الناس في نبوته وهذه الشخصيات منها ذوالقرنين ومنها لقمان ومنها حواء ومنهم مريم ومنهم تبع فهذه أعلام خيره بالإتفاق ذكرها الله جل وعلا في كتابه إلا أن العلماء اختلفوا وأكثر أهل العلم على التوقف وقيل على الترجيح بأنهم غير أنبياء.
ـ قال السيوطي رحمه الله في منظومة له:
واخَتلفَتْ في خِضْر ٍأَهلُ النُقول
قِيل نَبيٌّ أو وَلِيٌّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ أَو رَسُول
لقمانَ ذِي القَرنين حواء مريمِ
والوْقفُ في الجميعِ رَأي المُعْظمِ
معنى الكلام / أن هذه الشخصيات اختلف الناس فيها هل هي أنبياء ؟ أو رسل ؟ أو أولياء ؟ ثم قال السيوطي رحمه الله في آخر في عجز البيت الثاني قال:
والوْقفُ في الجميعِ رَأي المُعْظمِ
أي الوقف التوقف في الحكم هو رأي معظم الأنبياء لكن هذا القول لايسلم للسيوطي عموما لأن التوقف حاصل في ذي القرنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا أدري أكان ذو القرنين نبيا أم لا) أما غيره فلاينبغي التوقف في أن مريم أو حواء أنهم غير أنبياء لأن الله لم يبعث نبيا امرأه ( وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّّّّّّّّّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ) فالمقصود قوله التوقف فيه نظر ورغم جلالة علم السيوطي رحمه الله تعالى .(4/2)
ذكر الله جل وعلا في هذه السوره الكريمه وصايا لقمان لأبنه وليس المقام مقام تفسيرها لكن جملة نقول إن لقمان في وصاياه جمع أصول الشريعة الأربعة . جمع أصول الشريعة الأربعة: ـ
ـ الإعتقادات وهذا في قوله ( لاَتُشْرِكْ بِاللهِ )
ـ والأعمال في قوله ( يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفَ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ )
ـ وأدب المعامله في قوله ( وَلاَتُصَعَّر ْخَدَّكَ لِلنَّاسِ )
ـ والأدب مع النفس في قوله ( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ) وقوله ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) وقوله ( إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصُوتُ الْحَمِيرِ ) وهذه الأربع الإعتقادات والأعمال وأدب المعامله وأدب النفس هن أصول الشريعه التي جاء بها الأنبياء عن ربهم جل وعلا حُفِظ عن لقمان أقوال في غير القرآن فلقمان شخصية حكيمة شهيرة ولهذا خاطب الله القرشيين به لأنهم يعلمون عنه ويسمعون عنه تاريخا فهو شخصية حكيمة شهيرة معروفة لدى الأمم ولهذا نزل القرآن بخبره وقصته مماحُفِظ عنه أنه قال :
ـ ثمانيه حفظتها عن الأنبياء ثمانيه حفظتها عن الأنبياء:ـ
ـ إذاكنت في الصلاة فاحفظ قلبك . إذاكنت في الصلاة فاحفظ قلبك.
ـ وإن كنت في الطعام فاحفظ بطنك .
ـ وإذا كنت في بيت غيرك فاحفظ عينيك .
ـ وإذا كنت في الناس فاحفظ لسانك.(4/3)
ـ واذكر اثنتين وانسى اثنتين أذكر الله ـ لا إله إلا الله ـ واذكر الموت أي لا تغفل عن ذكر الله ولاتغفل عن ذكر الموت وانسى اثنتين إحسانك إلى الغير وإساءة الغير إليك إحسانك إلى الغير وإساءة الغير إليك هذه أمر بنسيانها وقوله رحمه الله نسيان الإساءه إلى الغير ونسيان الإحسان إلى الغير هذا يندرج في باب ممكن يجمل يسمى باب المروءه والمروءه باب طويل جدا لكن لمن ؟ لطلبة العلم لمن أراد أن يستفيد هناك كتاب اسمه " المروءة " وهو قلما يؤلف أحد فيه كان قديما المروءه تأتي في الكتب في عيون الأخبار لابن قتيبه آشار إليها ابن عبد ربه في العقد الفريد وقلما أفردها أحد بكتاب لكن أفردها في هذا العصر الشيخ / مشهور بن حسن سلمان أحد تلامذة العلامه الألباني وهو من كبار المؤلفين في العصر غير كبير في السن لكنه كبير في العلم له كتاب اسمه / المروءه مطبوع مشهور فاقتناؤه لطلبة العلم ينفع كثيرا وللشيخ كذلك مؤلفات أخر لكن هذا الذي يعنينا في مقامنا هذا هذا ما أوصى به لقمان في وصاياه التي نقلت في غير القرآن .
ـ كما من وصاياه التي نقلت في غير القرآن أنه أوصى ابنه فقال : أي بني إياك والتقنع وهو ما يسميه العامه اليوم التلثم إياك والتقنع فإنه مخوفة بالليل مذلة بالنهار مخوفة بالليل مذلة في النهار وفي بعض الرويات ريبة في النهار .(4/4)
ـ وقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: رأى رجلا متلثما مقنعا فقال له أما علمت أن لقمان يقول : إن التقنع ريبة بالنهار مخوفة بالليل فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إن لقمان لم يكن عليه دين . إن لقمان لم يكن عليه دين الذي جعله يتقنع ويتلثم خوفه من مطالبة الدائنين له هذا أمر ظاهر في الحياة الإجتماعيه بين الناس مما يمكن أن يقال عن لقمان أن الله جل وعلا قال عنه :( وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُر ْلِلَّهِ ) فشكر الله تبارك وتعالى من أعظم استزادة النعم بل إن شكر الله جل وعلا دلالة على حصول الإنسان على الحكمه لأنه لايمكن أن يوصف أحد غير شاكر بأنه حكيم وإنما رأس الحكمة مخافة الله ومخافة الله مبناها على شكره تبارك وتعالى وشكر الله جل وعلا تبارك وتعالى قائم على قواعد منها : ـ
ـ الخضوع له .
ـ والإعتراف له بالنعمه.
ـ ومحبته جل وعلا .
ـ والثناء عليه بها .
ـ وعدم استعمالها فيما يكره ويبغضه تبارك وتعالى .
مما ذكره لقمان في وصاياه التي قلنا ليس المقام مقام تفسير إنما نتكلم عن أعلام نتوف تاريخيه... أدبيه حولها مماذكره الله جل وعلا قال أنه قال لإبنه : (يَابُنَيَّ لاَتُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظَيمٌ) وقد مر معنا في دروس عدة أن الظلم وضع شئ في غير موضعه وعبادة غير الله من أعظم الظلم لأنه أعظم وضع لشئ في غير؟ في غير موضعه.(4/5)
ـ وهذه الآيه يدخلها العلماء فيما يسمى تفسير القرآن بالقرآن ؟ لأن الله قال : ( الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّّّّّهْتَدُونَ ) فالصحابه لما نزل الآيه فزعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين وأينا لم يخلط إيمانه بظلم قال : ليس الذي إليه تذهبون أي ظلم الناس أما سمعتم قول العبد الصالح (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظَيمٌ) فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم الذي في سورة الأنعام بالظلم الذي في سورة لقمان وهذا من تفسير القرآن بالقرآن وهو أرقى درجات التفسير ولهذا الشيخ الشنقيطي رحمه الله سمى كتابه "إيضاح القرآن بالقرآن" ولهذا الشيخ لم يفسر القرآن كاملا لأن ليس كل ءايات القرآن مفسرة بالقرآن وهو التزم أن يفسر الآيات بماذا ؟ بالآيات من القرآن نفسه...
هذا ماوصى به أولا ثم قال الله جل وعلا ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) الذي يعنينا في هذه القضية لا حاجة للحديث عن بر الوالدين فهذا معروف لكن قول لقمان ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) هو موضع الشاهد هناك أربعة أمور :ـ
ـ هناك بِر و موده في آن واحد.
ـ وهناك مصاحبه.
ـ وهناك مداهنه.
مصاحبه ومداهنه ومودة: المودة لاتجوز إلا مع المؤمن وأرقى منها البر لمن له حق لكنها مخلوطه بمحبة ولاتجوز إلا مع مؤمن أو مع مؤمنه فإذا كان الطرف الثاني كافرا لكن له حق كالأب أو الأم أو الأخت أو الخاله أو الجار فهذا التعامل معه يسمى مصاحبه.(4/6)
ـ لأن الله قال ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وهذا قيد أغلبي لامفهوم له لأنه لا يوجد شرك فيه علم مثاله في القرآن قول الله جل وعلا في آخر سورة المؤمنون قال الله جل وعلا (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لاَبُرْهَانَ لَهُ بِهِ ) لايوجد إله معه برهان وإنما هذا قيد أغلبي لا مفهوم له المقصود إذا كان الكافر له حق كالجار أو كالوالد أو كالولده عياذاً بالله كمن أمة نصرانية أو أمة يهودية طبعاً لا يمكن أن يكون أبوه لأن المسلمة لا تتزوج يهودياً أو نصرانياً فهو يصاحبها في الدنيا معروف أو كحديث العهد بالإسلام إنسان أسلم من عائلة كافرة فتعامله مع أبويه يسمى مصاحبه ويتأكد في حق الوالدين ثم يقل تدريجياً فيمن له حق ولا يسمى بِرًّا ولا مودة لأن البر والمودة يشترط فيها المحبة وإن كان البر جاء بتعبير القرآن أن لا يشترط فيه لكن إذا أطلق يراد به مايشترط فيه المحبه أما لمداهنة / فهي التنازل عن أصل شرعي التنازل عن أمر عقدي هذا لايجوز بأي حال من الأحوال وهو الذي قال الله فيه ( وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) وهو الممنوع شرعا قال الله جل وعلا في هذه الآيات .
( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) هذا ذكر للرضيع لما ذكر الله جل وعلا قضية الولاده ذكر أن فصاله في عامين .
ـ وقد فهم العلماء منها :ـ
أن مدة الرضاعة أربعا وعشرين شهرا وقد قال الله في آية أخرى (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) فقرنوا مابين الآيتين أو جمعوا بينهما فاتضحا كما هو متضحا طبيا اليوم أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن أعلى الرضاعة سنتين أربعة وعشرين شهرا قال الله جل وعلا (لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) أي أن الأم ليست مجبورة على إتمام السنتين .(4/7)
ـ واختلف فيما بعد السنتين بأقوال عده ليس هذا تفصيلها أنا قلت أتكلم إجمالا ثم ذكر الصلاة هذا كله داخل في الأعمال ( يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفَ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأَمُورِ) ثم بين الأشياء التي تتعلق بأدب المعامله قال ( ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) وهذا كله قد مر معنا في دروس عده .
ثم ذكر أمورا تخصه قال ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصُوتُ الْحَمِيرِ) هذه نقف عندها ينتشر في المجلات الإسلاميه سؤال وقرأته كثيرا يُسأل به الطلاب في المراكز الصيفيه وفي غيرها يسألون:
ـ مالشئ الذي خلقه الله ثم أنكره ثم يجعلون الجواب صوت الحمار وهذا غير صحيح :
ـ لأن معنى أن الله خلقه ثم أنكره أن الله يقول أنه لم يخلقه وهذا محال لأن كل شئ مخلوق إنما خلقه الله إنما الصواب أن يقال مالشئ الذي خلقه الله ووصفه بأنه منكر ؟ وكلمة إن أنكر الأصوات ليست منكر التي هي ضد المعروف ليست منكر التي ضد المعروف وإنما هي ضد الشئ المألوف منكر يعني مستوحش هنا نكر بمعنى مستوحش وليست منكر التي هي ضد المعروف حتى تألفها يعني تتضح لك بصوره أوضح :(4/8)
موسى عليه السلام قال للخضر ( لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ) أي غير مقبول وقال الله جل وعلا على لسان ذي القرنين (.... أَمَّامَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ...) آخر الآيه ( فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْراً ) أي أمرا يستوحش منه النفوس لامعنى أنه ضد المعروف غير جائر ضد المعروف المنكر الذي ضد المعروف هو الأمر الحرام غير الجائز أما النكر هو الشئ غير المألوف الذي تستوحشه النفوس ولا تألفه الطباع هذا هو المراد من هذه الآيه الكريمة هذا مايتعلق بهذا العبد الصالح ومن هنا تفهم أن أفضال الله جل وعلا ليست مخصوصه على أحد ليست وقفا على أنبياءه ورسله إنما هي فضل عام يعطيه الله جل وعلا من شاء متى شاء في كل عصر أو مصر النبوة انتهت ( مَّاكَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ ) أما غير ذلك تبقى أفضال الله جل وعلا على العباد بعطاياه تبارك وتعالى العلميه والماليه وغير ذلك وأفضال الله لاتعد ولاتحصى لكن لايوجد وحي يخبرنا ببعض ممن تفضل الله جل وعلا عليهم هذا الأول في لقاء الليلة.
ـ العلم الثاني في لقاء الليلة كما كان لقمان على عبد صالح نأخذ المسجد الأقصى علم على ماذا ؟ على مكان لكنني سأتكلم عن نقاط لأن المسجد الأقصى معروف قصته وتكلمنا عنه كثيرا في حديث الإسراء والمعراج بداية نقول الله جل وعلا خالق كل شئ وهو يسصطفي ونبينا صلى الله عليه وسلم في المدينة أوديه ومع ذلك لما أتى العقيق قال :"آتاني آت من ربي فأمرني أن أصلي ركعتين في هذا الوادي ـ أجيبوا ؟ـ المبارك " فالنبي صلى الله عليه وسلم سماه واد مبارك فوادي العقيق واد مبارك بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من ؟ عن ربه والمعنى أن تفهم أن الله جل وعلا يقدم من يشاء بفضله يؤخر من يشاء بعدله ولا يسأله مخلوق عن علة فعله ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله.(4/9)
ـ من المساجد التي من الله على الناس باسصطفائها ثلاثة والمساجد قلنا إنها تنسب لله جل وعلا ماذا ؟ من يتذكر؟ تشريفا وتنسب لغير الله تعريفا فهذا المسجد مثلا اسمه مسجد السلام ليُعَرَّف ويفرق مابين مسجد ومسجد لكن كل المساجد يقال لها بيوت الله فتضاف إلى الله جل وعلا تشريفا وتضاف إلى غيره تعريفا فقول الله في كتابه المسجد الأقصى هذا ماذا ؟ هذا تعريف لكن ليس بالإضافه تعريف بماذا ؟ بالوصف تعريف بالوصف لأن كلمة الأقصى وصف لكلمة المسجد كلاهما معرفة معرف بأل .
ـ الذي يعنينا المسجد الأقصى أحد المساجد ثلاثه بداية نقول تشد إليها الرحال بل بتعبير أوضح لا تشد الرحال إلا إليها :
ـ المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الله جل وعلا قال ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) رغم أنه عندما نزلت هذه الآيات وهي مكية لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى؟ إلى المدينه فهذا يشعر أن ثمة مسجد سيكون مابين مكة ومابين المسجد الأقصى في بيت المقدس وهو المسجد النبوي.
ـ العروج به صلى الله عليه وسلم أو بالإسراء به إلى المسجد الأقصى أخذ النبي صلى الله عليه وسلم المجد من أطرافه الثلاثه ورث إبراهيم أين؟ في مكه فولد في مكه وبعث في مكه ليرث إبراهيم وصلى بالمسجد الأقصى إماما ليرث من ؟ جميع الأنبياء وقد صلوا خلفه وجاء في بعض الروايات أنه لما سلَّم رأى إخوانه من النبيين فقال لهم إن الله أمرني أن أسألكم هل أرسلكم الله لتدعوا إلى أحد غيره قالوا: لا إنما أرسلنا الله لندعوا إليه قال الله في الزخرف ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ ) في قراءة و (يَعْبُدُون ) في قراءة أخرى والمعنى واحد .(4/10)
ـ والمقصود : أنه صلى به إماما ليرثهم في الأرض المقدسه كما سيأتي المكان ثم خصه الله جل وعلا بهذه البلده الطاهره فورث المجد من أطرافه الثلاثه صلوات الله وسلامه عليه .
ـ بيت المقدس أرض تختصم فيها الأديان السماويه الثلاثه اليهوديه والنصرانيه والإسلام.
أريحا / هي البلده التي أمر الله جل وعلا بني إسرائيل أن يدخلوها كقريه ويقولوا حطه فحرفوا الكلم وهي عند كثير من المؤرخين أقدم مدينة مأهولة مسكونة في العالم موسى عليه السلام هو الذي خرج أنا أتكلم كنقاط هو الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر إلى بيت المقدس لكنهم امتنعوا من محاربة الجبارين ودخول أريحا فحكم الله عليهم بأن يبقوا في التيه أربعين عاما فمات هارون ومات موسى بعده وبنو إسرائيل في أرض التيه.(4/11)
ـ من الذي دخل ببني إسرائيل الأرض المقدسه؟ يوشع ابن نون دخلها بدأ حربه يوم الأحد وانتهى مساء الجمعه واليهود تجعل أيام عيدها يوم السبت ففي مساء الجمعه خاف أن الشمس تغيب قبل أن ينتهي من حربه فقال لها كما في الخبر الصحيح ( إنك مأموره وإنني مأمور اللهم احبسها علي ) فبقيت الشمس تأخر غروبها حتى فتح يوشع ابن نون الآن من الأحد إلى الجمعه هذا مهم أن تفهمه كم يوم ؟ ستة أيام هذه يعني اعقد عليها قليلا سنأتي لها بعد ذلك دخلت الأرض المقدسه بيت المقدس دخل في ولاية المسلمين في عهد من؟ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم تكن أرض المقدس عندما دخلها عمر بيد اليهود إنما كانت بيد؟ بيد النصارى كانوا هم المسيطرين عليها والحاكمين لها دخلها عمر بعد أن اشترط البطريق الذي كان يفاوض أباعبيده ألا يدخلها أحد قبل عمر فخرج عمر على بعير له ومعه غلام له يتناوبان الطريق عمر يركب حينا ويركب غلامه حينا آخر حتى وصلوا إلى دخول بيت المقدس وافقت النوبه بينهما أن يركب الغلام ولايركب أمير المؤمنين وكان على أرض مخاضه يعني فيها طين فنزل عمر وركب الغلام وعمر يقود الغلام وهو حامل نعليه حتى لا تتسخان بالطين والنصارى على الشرفات والدور يرون أمير المؤمنين الذي هذه الجيوش التي كانت تحاصر البلده تأتمر بأمره وهو في المدينه فلما قدم إليهم ظنوه سيأتي في موكب مهيب فأتاهم عمر ببعير له عليها غلامه وهو يقود البعير ويرفع نعليه حتى لا يخون في الطين في فبالطبع من اعتز بالله أعزه الله فكانت هيبة عمر عند النصارى أعظم من هيبته لو جاءهم على آرائك أو جاءهم على مراكب غير ذلك.
ـ هذا يفهم منه أن قول الله جل وعلا ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ) لاينطبق على من ؟(4/12)
ـ لا ينطبق على عمر لأن عمر دخلها سلما لذلك بعض القصائد الموجوده الآن التي يقولها الأخوه الفلسطينيون يقولون مثلا :
فِي القُدسِ قَد نَطقَ الحَجَر
أَنَا لاَ أُرِيدُ سِوى عُمر
ردا على الصلح وبهذا لايرد على الصلح هذا يضع المسأله في أعظم تعقيدا لأن عمر لم يدخلها حربا وفهم التاريخ يعينك على التصرف في الأحداث .المقصود أن عمر دخلها سلما احتلها الصليبيون في الحمله الصليبيه الأولى عام 492 هجريا دخلها الصليبيون مكثوا فيها إلى عام 583 دخلها صلاح الدين ليلة 27 رجب وقد كان مشهور عند العلماء أن ليلة 27 رجب هي ليلة الإسراء والمعراج عند العلماء قديما فتأكد عند الناس بهذا الحدث أن ليلة 27 من شهر رجب هي ليلة الإسراء والمعراج رغم أن هذا لم يثبت بسند صحيح فيما نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن أحيانا تأتي أحداث تاريخيه تؤكد أشياء موجوده في أذهان الناس دخلها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى فاتحا لها محررا لها من أيدي الصليبين الصلبيون الذين دخلوا بيت المقدس أذلوا المسلمين وأذلوا اليهود يعني تسلطوا على المسلمين وتسلطوا على؟ وتسلطوا على اليهود لأن الصراع مابين اليهوديه والنصرانيه صراع قديم قال الله جل وعلا ( وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ) ولئن تقاطعت مصالحهم في بعض العصور إلا أنها تبقى العداوه أزليه لايمكن جمعها.(4/13)
ـ بعد ذلك حدثت أحداث تاريخيه شهيره ليس هذا موطنها لكن نتكلم عن المسجد الأقصى ماأمكن إلى ذلك سبيلا معلوم للجميع أن البريطانيين هم الذين مكنوا لليهود في بيت المقدس على مايسمى بوعد بلفور المشهور الساسه الصهاينه قرأوا التاريخ جيدا كسياسة مو كدين والله قال حبل من الله وحبل من الناس (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذََِّلَّةُ ) ثم قيد قال ( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) فالحبل الذي مع الله أضاعوه بقتلهم الأنبياء وكفرهم بقي الحبل الذي مع ؟ مع الناس هذا الحبل الذي مع الناس الساسه اليهود قرأو أن قوة بريطانيا إلى(...............) رغم أنها كانت بلدا لاتغرب عن محمياته الشمس وعند دوله وعن استعماراته فاتصلوا بالولايات المتحد الأمريكيه وأقاموا هناك أموالهم وسلطانهم حتى استطاعوا أن يصلوا إلى القدره على التغيير في القرار الأمريكي وجعلوا بريطانيا وراء ظهرهم رغم أن بريطانيا هي التي مكنت لهم لكنهم نقلوا رحالهم إلى أمريكا رغم أنهم كانوا منبوذين في الأول حتى وصلوا إلى ماوصلوا إليه حاليا قلت قبل قليل إن يوشع ابن نون دخلها في كم يوم ؟ في 6 أيام دخلت القدس طبعا عام 1948 أعلنت دولة إسرائيل دخلت القدس في حكم اليهود في ما يسمى في حرب 67 كم مدة الحرب ؟ 6 أيام تعمد اليهود أن تكون الحرب 6 أيام فهي في الإذاعات العربيه يقال نكست الخامس من يونيو حزيران.
ـ لكن في الإعلام الإسرائيل لايقولون حرب 5 حزيران وإنما يقولون حرب الأيام السته(4/14)
ـ ليذكروا الشعوب اليهوديه في إسرائيل وفي غيرها أن دولة إسرائيل قائمة على إرث عقدي يهودي وهي أن المسأله مسألة تذكر بما صنعه يوشع ابن نون من قبل بأنه دخل الأرض المقدسه ووصل إليها في كم يوم ؟ في ست أيام فتعمد الإسرائليون أن تكون الحرب ست أيام بعد ست أيام أغلقوا الباب أغلقوا باب الحرب كانوا قد انتهوا دخلو سيناء والجولان واحتلوا الضفه الغربيه مايسمى الآن بقطاع غزه ودخلت القدس ضمن الحظيره اليهودي هذا إحدى المصطلحات التي ينبغي التنبه لها عند سماع الأحداث .
ـ وقعت حرب 73 حرب العاشر من رمضان لكن كما هو معلوم يعني حصل فيها نوع من التقدم لكن لم يظفر المسلمون فيها بدخول المسجد الأقصى إلى الأحداث التي مرت دالة ولتي لاحاجه للكلام عنها إلى يومنا هذا.
ـ الذي يعنينا من هنا كله أن هذا المسجد مسجد مبارك الصلاة فيه بكم ؟ 250 كررناها مرارا وقلنا إن الدليل على أن الصلاة فيه 250 صلاة مارواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح من حديث أبي ذر( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتذاكرون كم الصلاة في المسجد الأقصى أيهما أفضل الصلاة في المسجد الأقصى أم الصلاة في المسجد النبوي فقال صلى الله عليه وسلم :"ولنعم المصلى هو و صلاة في مسجدي هذا بأربع صلوات فيه ) قال ماذا ؟ نعم المصلى هو وصلاة في مسجدي هذا ـ أي المسجد النبوي ـ بأربع صلوات فيه ـ أي في المسجد الأقصى ـ فتحرر من هذا أن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة يتحرر من هذا أن الصلاة في المسجد الأقصى مائتين وخمسين صلاة.
ـ معلوما جدا وإن كان الإحتلال اليهودي للمسجد الأقصى أمر غير محمود لكن الحق أن احتلال اليهود للمسجد الأقصى هو الخيط الذي يجمع يجمع من ؟(4/15)
ـ يجمع المسلمين الخيط الذي يجمع المسلمين اليوم الرايه التي المسلمين العاطفه التي تجمع المسلمين في كل دولهم عربا وعجما كل من ينتسب للمله لايمكن أن يختلف معك في أن أمنيته أن يصلي في المسجد الأقصى وقد تحرر وهذه نعمة من وجه آخر وإن كان احتلالهم له نقمه إلا أنها نعمه من وجه آخر تبقي على المشاعر والأمور محموده.
ـ على هذا يفهم أن من يحتج بقضية المهدي المنتظر لايقبل احتجاجه لأن لو قلنا للناس إن المسجد الأقصى لن يحرر إلا على يد المهدي المنتظر لثبطت عزائم الناس ولمات الجهاد في الأمه ولما بقي هناك أحد يعمل لإصلاح المجتمع والناس كلهم ينتظرون المهدي المنتظر لكن أضر بالأمه شيئا كررناه مرارا أنهم ينتظرون غيبا منشود وينسون واقعا مشهود ينتظرون غيبا مشهودا وينسون واقعا مشهودا وإنما الغيب لايعني بالضرورة أننا نترك ما نحن فيه فالله جل وعلا أخبر الناس كلهم أنهم ميتون وقال لنبيه ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) هذا غيب لايعني أن تذهب إلىالموت إنما عش حياة طبيعيه عش حياه عاديه كما أمر الله حتى يأتيك الموت فالمسجد الأقصى يفتح على يد المهدي يفتح علىيد عيسى يفتح على غيرهما هذا لا يخصنا نحن مسؤلون شرعا عن هذا المسجد الأقصى أن نأخذ الطرائق الشرعيه نجمع مابين الأسباب الكونيه والأسباب الشرعيه في الوصول إلى غاياتنا اللتي نشدها لأهل الإسلام إن قدر هذا على يد المسلمين المعاصرين اليوم كان خيرا كثيرا إن لم يقدر برئت الذمه ووقعت المعاذير والأمر غيب ولايقع إلا ما أراد الله وكتبه جل وعلا في الأزل هذا العلم الثاني
ـ العلم الثالث ذوالقرنين:(4/16)
وقبل أن نتكلم عن ذي القرنين أقول ثمة كتاب ظهر لدكتور اسمه : حمدي أبو زيد . اسمه " فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج " " فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج "يعني فك أسرار ذي القرنين وفك أسرار يأجوج ومأجوج والكتاب فيه فرضيات وأمور كثيره جدا كبير جدا وحمدي أبوزيد مؤلف سعودي عضو في مجلس الشورى لكن هذا لمن أراد أن يتوسع أما أنا فأبقى على ما أنا عليه من القضيه أني أتناولها من جانب القرآن لامن جانب الفرضيات المعاصره وإن كانت محموده والكتاب قيم لكنني لن أتكلم فيه لامدحا ولاذما ولاسلبا ولاإجابا ومن كان منكم ذو بحث تاريخي يأخذ الكتاب وممكن يستفيد منه كثيرا.
ـ نعود لذي القرنين:
ذوالقرنين عبد صالح قلنا اختلف فيه وهو أحد من اختلف فيهم كما بينا ماذكره السيوطي وغيره قال الله جل وعلا :( وَيَسْئَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ) والسائل : قريش بناء على رأي من اليهود قال الله: (وَيَسْئَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً ) ومن هذه تبعيضيه أي لن أقول لكم كل شئ عن ذي القرنين لأن القرآن ما أنزل لهذافذكر الله جل وعلا ذي القرنين اختلف الناس فيمن هو ذي القرنين ؟ واسمه / ذوالقرنين وذو بمعنى صاحب قال الله جل وعلا:(وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا ) أي وصاحب الحوت وهذا الإسم كونه قيل ذي القرنين جعل بعض المؤرخين يقول إنه من اليمن لأنه اشتهر في ملوكهم التسمية بكلمة ذو .
فَمعذرةُ الإِلَهَ لذو رعين
أحد ملوك اليمن. وقال غيره غير ذلك...(4/17)
ـ واختلف في السبب الذي سمي من أجله ذي القرنين: فقيل لأنه حكم المشرق والمغرب وقيل لأنه حكم فارس والروم وقيل كانت له ظفيرتان والقرآن سكت عن هذا والبحث عنها نوع من التلكف لكنه مضمار تجري فيه أقدام العلماء الذي يعنينا في قضية ذي القرنين كمال عقليته وأنت تعرف كمال عقلية الإنسان من أمور عده من أهمها أنه يختلف تصرفه باختلاف من أمامه فذوالقرنين مر في حربه وغزواته على أمم هذه الأمم تتفاوت في عقلها وقدرتها وعلمها فكانت تعامله معها يختلف من أمه إلى أمه كل بحسب؟ بحسب عقله قال الله جل وعلا :( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) الكتاب وغيره من المؤلفين نظروا من هذا الباب إلى أن ذا القرنين وصل إلى مغرب الشمس وقلت مرارا هذا لايمكن أن يصح يعني لايلزم منه قول الله جل وعلا: ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) لأن الله قال :( وَجَدهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) فأسند الوجد إلى ذي القرنين ولم يسنده الله جل وعلا إلى الشمس والمعنى أنه كل إنسان يرى مغرب الشمس بحسب الحال التي هو فيها فمن مكث في البحر عند جده مثلا شاطئ البحر في جده أين يرى الشمس تغيب؟ في البحر ومن مكث في صحراء نجد مثلا يرى الشمس تغيب في الصحراء ومن مكث في جبال الحجاز وجبال تهامه يراها تغيب في الجبال فكل إنسان بحسب مكانه يرى مغيب الشمس فقول الله جل وعلا :( وَجَدهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) أنه وصل إلى منطقه فيها عين حمئه يجد الشمس تغرب بعدها صحيح يحتمل أنه وصل مغرب الشمس لكن لايلزم فرق مابين الإحتمال ومابين اللزوم:( وَجَدهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ) فيه مثل عند العامه يقولون" لايجوع الذيب ولا تفنى الغنم " والمعنى :(4/18)
يعني أي معلم في الفصل إذا كان الطلاب كلهم يطمعون في أنه ينجحهم غير ناجح معلم غير ناجح وإن كان الطلاب كلهم يآئسون من أنه ينجحهم فهو معلم غير ناجح لكن أين المعلم الموفق ؟ من الطلاب على خوف ورجاء منه لماذا ؟ لأن أنت هب أنك مديرا وأحد موظفيك يآئس منك تماما فهذا لن يكترث بك لأنه يآئس من أي شئ أن تعطيه إياه فهو يقول أنا اشتغلت ولا ما اشتغلت لن يرفعني عملت أو ماعملت لن يعطوني مكافئه إذا لماذا أعمل ويأتي خارج والعكس لوكلهم تكافئهم وكلهم راجين فأصبح الذي يعمل يقول إذا كان يعطون فلان وهو مايشتغل أنا من باب أولى ما اشتغل مو كل آخذينها آخذينها المكافئه زي المدرسين يقولون العلاوة ثابته...(4/19)
ثابته هذا خطأ في السياسه العموميه في أي سياسة حتى الرجل في بيته إذا الزوجه لا تخاف من زوجها على كل حال أو ترجوه على كل حال لم يصب في قضية سياسته لبيته فهنا قال الله جل وعلا عن هذا الملك الموفق ): قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ) الملوك يتركون أثر (قَالَ أَمَّامَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْراً * وَأَمَّامَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) فيظهر أن هذه الأمه التي غلب عليها ذي القرنين تحتاج إلى هذا النوع من السياسه في الحكم ثم قال الله جل وعلا :( بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ) ولم يذكر الله خبره معهم قال :( وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً ) ثم ذكر الله أقواما قال :( وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) يعني ليس لهم عقول فلما كان ليس لهم عقول لم يعذب ولم يكافئ لأن وش تعذب وش تكافئ في قوم ليس لهم عقول أصلا مايفهمون من دلالة أنهم لايفهمون أنهم قالوا :( قَالُواْ يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) .
ـ أين الدليل على أنهم لا يفقهون ؟(4/20)
ـ هم يرون ملكا عظيما وماساد الدنيا وتنقل في الأمصار إلا وحوله جيوش ومعه أموال ووزراء والله يقول مكنا له في الأرض ثم يأتون هاذولي الضعفاء اللي ماهم قادرين ـ أنا أتكلم أحيانا بالعاميه عمدا ـ ليسوا قادرين على يأجوج ومأجوج يقولون لذي القرنين أنت حل مشكلة يأجوج ومأجوج وحنا نعطيك أجر (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) هذا ليس بمعقول زي من ؟ يعني عنده مشكله في البلديه والاّمشكله في أي مكان فيذهب إلى إنسان مسؤول كبير يقول تكفى يالأمير حل مشكلتي هذه وأنا والله أعطيك مثلا ألف ريال ولا خمسمائة ريال سيفهم الأمير إن هذا ليس له عقل لأنه مايعرض هذا العرض رجل له عقل ولهذا قال الله:( لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) ( قَالُواْ يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) ماذا أجابهم ؟
((4/21)
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ) يعني ما أنا فيه ايش تعطوني خرج ولا تعطوني أموال ( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ) لكن أنا ما أبغى منكم أموال لما كانوا ليس لهم عقول ووضفهم في ماذا ؟ في الخدمه لأن القوة البدنيه لاتحتاج إلى عقل قال :( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ) زي هذه عاد مثال سياسي تحملوه يقولون في بعض القطاعات في بعض الدول إذا يبختاروا نوعيه من الحرس الحرس اللي بس بيضرب على طول فيجمعون الناس في فناء يقولون يعلنون أن فيه قسم كذا في الأمن هذا الذي يريد أن يشترك يأتي يأتون الناس كل من ماعنده وظيفه يأتي من قرى تلك البلدان أو محافظاتها أو مدنها يأتون الناس فيقولون لهم انقسموا قسمين الذي يقرأ ويكتب يذهب إلى جهة اليمين والذي لايقرأ ولا يكتب أمي طبعا بلغتهم يقولها اذهب إلى جهة اليسارـ على أذنكم يأهل اليسار ـ يذهب إلى أهل اليسارمن يختاروا ؟ لايختارون لا اليمين ولا اللي يسار يختاروا البُلهه اللي مايدري هذا اللي يتكلم وش يقول لاراحوا يمين ولاراحوا يسار هذولي يختارونهم لأن هذا إذا أخترته أنت لابد(..............(4/22)
) تستخدمه في أي شئ جندي ـ واضح ـ على هذا يبنى شئ أهم منه لأن القرآن مايقرأ لمجرد إنك يعني لابد تفهم مافي القرآن أهم منه أنك لاتقبل أن تكون أداة لأي أحد هذه أهم منها لاتقبل أن تسلم رقبتك لأي أحد يسيرك كيفما يشاء فليس العاقل من لا يملك عقلا هذا الله عذره ليس المجنون من لا يملك عقلا هذا غير مكلف شرعا لكن المجنون الذي لايستخدم؟ لا يستخدم عقله وأنا قد قلت مرارا أن أحد الرجال في عهد بني أميه أيام الصراع مابين عبدالملك بن مروان وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جاء عبدالملك لرجل فأعطاه أموال قال : روح أقتل ابن الزبير قال هذا : هذا عاقل قال طيب قتلنا ابن الزبير مات ابن الزبير ايش حصل حصل أنت تنفرد في الملك وهذا ابن الزبير يموت شهيدا وأنا مالها غير وصف واحد ..أهبل لأني لاحصلت ملك في الدنيا ولا حصلت شهادة ألقى الله وأنا قاتل نفس ماوجدت شئ يعني أنت لو قتلت أنت ياعبدالملك ابن الزبير ابتاخذ ملكه تتمتع فيه لكن أنت ما قتلته وتأخذ ملك وأنا قتلت وآخذ عقاب ولاآخذ ملك
وَلسُتُ بقَاتلٍ رَجُلاً يُصَلَّي
عَلى سُلطانِ آخَر مِن قريشِ
لَه سُلطانُهُ وعليَّ إثمِي
مَعاذا الله مِن جَهلٍ وَطَيشِ
نعود إلى ذي القرنين قال الله جل وعلا عنه ): إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ ) هذا التمكين شئ من الله يعطيه الله جل وعلا من يشاء وإذا أراد الله بعبد خيرا سخرله خلقه قال الله ): وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُو ) وإذا أراد الله بعبد سوء قتله الله جل وعلا بأ قرب أنصاره إليه وإذا أراد الله بعبد سوء قتله الله بأعظم جنده وأقرب خواص أهله إليه يكون سببا في قتله هذا الذي يمكن أن يستفاد من حديث ذي القرنين عموما وقد تكلمنا عن هذه الأمور في مواطن كثيره....
هذا ماتيسر إراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله. سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين .
تم بحمد الله(4/23)
سائلين المولى عز وجل الإخلاص والقبول
في القول والعمل
أخواتكم
الْمُخْبِتَات(4/24)
أسئلة الشريط الأول:ـ
س1/ لماذا نقول بأن جبريل عليه السلام سيد الملائكة ؟
س2/لجبريل عليه السلام مع نبينا علاقة وطيدة تتمثل في أمور.....عددها (عدديها) باختصار؟
س3/ وبيوم بدرٍ حين تمحى وجوههم *** جبريل تحت لوائنا ومحمد
ــ هذا البيت يعد أفخر بيت قالته العرب فلماذا ؟
س4/ روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أنس قال :دخلت الجنة فإذا أنا بنهر على حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت فيه لارى أين مجرى الماء فإذا هو مسك أذفر قلت ماهذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله إياه أو أعطا له الله )
* وروى الإمام مسلم في الصحيح (أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ بسم الله الرحمن الرحيم" إنا أعطيناك الكوثر "حتى ختمها ثم قال لإصحابه أتدرون ما الكوثر قالوا الله ورسوله اعلم قال:نهر بالجنة وعدني إياه ربي فيه خير كثير وهو حوض ترده أمتي )
ـ كيف نجمع بين الحديث الأول والحديث الثاني الذي ورد فيه بأن الكوثر هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي ترده أمته؟؟؟
س5/زعمت اليهود أن عزير بن الله وزعمت النصارى أن عيسى بن الله "تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا" فماهي شبهة اليهود في ذلك وماشبهة النصارى؟
س6/قال الله تعالى(وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) مالذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم؟
س7/ أكمل (أكملي) الفراغات التالية:
*وقف النبي "صلى الله عليه وسلم" ليلة بدر يدعو ويتضرع إلى الله لـ.............و...................
*العَلم أحد أنواع ...............................وأظهرها وأشهرها وينقسم إلى ثلاثة أقسام هي.....................و.............................و.................................
*ذكر الله عز وجل الكوثر في كتابه مره واحده في سورة سميت باسمه هي سورة ................
س8/ اختر (اختاري) الإجابه الصحيحه ؟
* الذي كان ينكر وجود الحوض هو ....(4/1)
أ/عبدالله بن زياد الأموي. ب/ عبيدالله بن زياد الأموي. جـ/ عبيدالله بن زياد العباسي..
*الإمام الذي يغمض عينيه إذا أبصر يهودياً أو نصرانياً في بغداد هو........
أ/الإمام أبو حنيفه ب/الإمام الشافعي. جـ/ الإمام أحمد.
*في شأن أسرى بدر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي...
أ/أبو بكر الصديق. ب/ عمر بن الخطاب. جـ/ عثمان بن عفان.
أسئلة الشريط الثاني:ـ
س1/ ذكر الشيخ "حفظه الله"خمسة تراجم لخمسه أعلام ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه ما هم ؟
س2/ما هو السبب في دراسة سيرة فرعون ؟
س3/بين الشيخ "حفظه الله" أن كلمة إمام لوحدها ليست ذما ولا مدحا...كيف ذلك؟
س4/لماذا ساق الله خبر قارون في كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم؟
س5/أرشد الشيخ "حفظه الله" إلى قول عظيم إذا ضُيِّقَ على أحد في رزقه فما هو وما الدليل على ذلك ؟
س6/ما هو الفرق بين عرفات والمشعر الحرام باختصار ؟ (كما ذكره الشيخ )
س7/أكمل (أكملي) الفراغات التالية؟
*مزدلفه لها ثلاثه أسماء ......................و.........................و.........................
* الصلاة في عرفات تجمع جمع تقديم لـ........................... وتجمع في مزدلفه جمع تأخير لـ ..........................................
س8/إختر (إختاري) الإجابه الصحيحه ؟
*آلت الخلافة بعد سليمان بن عبدالملك إلى
أ/ أيوب ابنه.
ب/ هشام بن عبد الملك.
جـ/ عمر بن عبد العزيز .
*عرفات والمشعر الحرام ذكرهما الله جل وعلا في كتابه في
أ/ آية واحده .
ب/آيتين فقط.
جـ/ثلاث آيات .
أسئلة الشريط الثالث :ـ
س1/أنبأ الله سبحانه وتعالى الأمم التي قبلنا أن هناك يوما عظيما مفضلا عنده جل جلاله وسعت الأمم في معرفة ذلك اليوم ...فإلى ماذا ذهبت وظنت اليهود؟وإلى ماذا زعمت النصارى ولماذا؟
س2/ ما هي الأمور التي تسن في يوم الجمعه باختصار ؟ (كما ذكرها لشيخ)(4/2)
س3/ كانت خطبةالنبي صلى الله عليه وسلم كلمات يسيرات لايطيل فيها ويجعلها صلى الله عليه وسلم للمواعظ فلماذا؟
س4/مالعصبه التي كانت مع طالوت ؟
س5/كم عدد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ومن أدرك الإسلام منهم؟
س6/{تبت يدا أبي لهب وتب...} هذه الآيات من أعظم إعجاز القرآن الكريم..... ما السبب في ذلك ؟
س7/ماهي خصائص مكه المكرمه ؟ (باختصار)
س8/لماذا سمي بيت الله عز وجل بالعتيق ؟
س9/أكمل (أكملي) الفراغات الآتيه ؟
*يوم الجمعه علم على...............وكان يسمى قبل الإسلام بيوم................
وكان يسمى في الإسلام بيوم..................وأول جمعة أقيمت في الإسلام أقامها ................... وكنيته............................
*عهد موسى بأمر النبوة من بعده إلى ..............................
*كان عدد الجيش الذي مع طالوت.............وعدد الذين لم يشربوا من النهر.................عدد أصحاب النبي في يوم..........................
*انقسم في أسباط بني إسرائيل.................و...................وإكراما من الله لـ....................جمع الله جل وعلا ما فرقه في السبطين.
*أول ملوك المسلمين هو........................................
*لا يوجد أحد ذكر بكنيته في القرآن إلا.............وهو أحد..............النبي صلى الله عليه وسلم
*كلمة "ضل" تأتي في اللغه على ثلاث معان هي......................و..................................و.........................
س10/ إختار (إختاري) الإجابه الصحيحه ؟
*لما عاد عمر بن الخطاب من الشام إلى المدينه استقبله:ـ
أ/ الأوس ... ب/ الخزرج. جـ/ غلمان أهل المدينه .
*جارية أبي لهب التي أخبرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم هي :ـ
أ/ أم أيمن ب/ ثويبيه جـ/ ماريه.
أسئلة الشريط الرابع:ـ
س1/في وصايا لقمان لابنه جمع أصول الشريعه الأربعه فما هي ؟(4/3)
س2/قال الله عز وجل"يَابُنَيَّ لاَتُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظَيمٌ"
هذه الآيه يدخلها العلماء فيما يسمى تفسير القرآن بالقرآن فما هو السبب في ذلك ؟
س3/من الذي دخل ببني إسرائيل الأرض المقدسه ؟
س4/دخلت القدس في حكم اليهود عام 1948 وتعمد اليهود أن تكون مده الحرب سته أيام وأصبحت يطلق عليها في الإعلام الإسرائيلي بحرب الأيام السته........ فما السبب في ذلك ؟
س5/من احتج بقضيه المهدي المنتظر لتحرير المسجد الأقصى لا يقبل احتجاجه...لماذا ؟
س6/ قال تعالى:( وَيَسْئَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ... ) من السائل ؟ وبناء على رأي من ؟
س7/ أكمل (أكملي) الفراغات الآتيه ؟
*الشيخ..........................من كبار المؤلفين وهو أحد تلامذة العلامه الألباني له كتاب اسمه ...........................
*الموده لا تجوز إلا مع....................أما....................فهي لا تجوز بأي حال من الأحوال وهي التي قال الله فيها........................................
*تنسب المساجد لله.............................. وتنسب لغير الله .................................
*إذا أراد الله بعبد خيرا .................وإذا أراد بعبد سوء........................
س8/ إختر (إختاري)الإجابه الصحيحه ؟
*الأرض التي تختصم فيها الأديان السماويه الثلاثة اليهوديه والنصرانيه و الإسلام هي....
أ/أريحا. ب/بيت المقدس. جـ/ حيفا .
*الصلاة في المسجد الأقصى بـ.....
أ/ مائتين و خمسين صلاة ب/بألف صلاة جـ/ مائه ألف صلاة .
*دخلت الأرض المقدسه "بيت المقدس" في ولاية المسلمين في عهد.....
أ/عمر بن الخطاب . ب/عثمان بن عفان . جـ/ علي بن أبي طالب .
ختاماً
اللهم اجعلنا من السابقين إلى الخيرات الآمنين في الغرفات مع الذين أنعمت عليهم ووقيتهم السيئات.(4/4)
اللهم نور بكتابك قلوبنا واغفر به ذنوبنا واستر به عيوبنا واشرح به صدورنا ويسر به أمورنا اللهم انفعنا بما صرفت به من الآيات وكفر عنا بتلاوته السيئات،وهون به علينا السكرات عند الموت.
اللهم أخلص به ضمائرنا وأصلح به سرائرنا واشفي به مرضانا وارحم به موتانا واغسل به دنس خطايانا.
اللهم إنك سميته مباركا فارزقنا به من كل بركة وجعلته نجاتا فنجنا به من كل هلكه وجعلته عصمة فاعصمنا به من كل شبهة وبدعة واجعلنا به في حرزك وآمانك وجوارك في غرفات جنانك عز جارك وجلّ ثناؤك ولا إله غيرك......
تم بحمد الله(4/5)
حلقة القطوف الدانية لشهر ذو القعدة 1426 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ معمر :الحمد لله القائل ({ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32) والصلاة والسلام على خير من طاف بالبيت العتيق وسعى محمد بن عبد الله النبي المجتبى .
مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم قطوف دانية, أهلاً ومرحباً لنتحدث عن بقعة أشرقت شمس بدايتها منها , منها يفيض النور الهادي الذي يفيض على المشاعر والجوارح , وينسكب في الحنايا والجوانح , يسبح الكون كله في فيض هذا النور الباهر الذي تعانقه العيون والبصائر والذي يسكب في قلب المؤمن رضاً وثقة ويقيناً ,
وردت إلى البيت وفودنا
رجعنا لها كالطير حنَّ لمأواه(5/1)
فكم من قلب يحن للكعبة الشريفة ويشتاق لرؤية منى ومزدلفة وعرفات تلك البقاع الطاهرة التي قال فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم((والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)) , على عرصاتها تسكب العبرات وتجاب الدعوات وتذهب الحسرات , في هذه الحلقة أيها الأحبة سأكون وإياكم مع ضيفنا الكريم في جولة تاريخية وأدبية نتجول بين هذه المشاعر المقدسة ونتعرف على الأحداث التاريخية التي مرت بها , وعلى أيضاً الحكم والأسرار العظيمة التي أودعها الله عز وجل في هذه المشاعر المقدسة , وفي مشاعرنا أيضاً الجياشة والمتلهفة دائماً إلى هذه الأماكن التي تشكل أساساً من أساسات عزتنا وقيادتنا نحن المسلمين في جميع دول العالم , متى؟ متى ما حققنا مقومات هذه القيادة من تصور اعتقادي ونظام اجتماعي وتقدم علمي وسبق في كل مجالات الحياة , المشاعر المقدسة هو موضوع حلقتنا في هذه الليلة , يسرني أن أستضيف معي في هذه الحلقة وفي كل حلقة من هذا البرنامج فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم , أحبتي في الله باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الكريم , فحياكم الله وأهلاً وسهلاً بكم .
الشيخ صالح المغامسي: حياكم الله وأسعدكم الله بكل خير ومشاهدينا الكرام.
الأستاذ معمر : وأنتم أيضاً , مشاهدينا الكرام الترحيب موصول لكم وأرحب بمشاركاتكم ومداخلاتكم معنا في هذه الموضوع في برنامجكم قطوف دانية ,
شيخ صالح أستأذنكم قبل أن نبدأ في محاور موضوعنا هذه الليلة خلال الشهر المنصرم وردتني كثير من التساؤلات سواء من الموقع أو من عامة الناس عن طبيعة هذا البرنامج فإذا تكرمتم بإعطاء فكرة ولو موجزة عن طبيعة وعن سياسة هذا البرنامج.
الشيخ صالح المغامسي: فإن المحمود هو الله جل جلاله والمصلى والمسلم عليه محمداً وآله, وبعد:(5/2)
طبعاً من حق الناس التساؤل لأن البرنامج مازال وليداً , هذه الحلقة الثانية له ولن يعرف بوجهه الحقيقي إلا بعد مرور عدة حلقات , لكننا نبين ونقول إن البرنامج لتدور فكرته حول مسألة إطلالة تاريخية وتأملات شرعية ورؤى أدبية , حول جملة من القضايا لكن تلك القضايا تأخذ الطابع المحسوس أكثر مما تأخذ الطابع المعنوي فمثلاً حلقة اليوم تتكلم عن المشاعر المقدسة , والمشاعر أشياء , المقدسة أمور محسوسة مرئية بالعين , حلقة الأسبوع القادم سنتكلم عنها في الأخير في أخر اللقاء , ويرجى أن تكون عن الهلال , وسنبين لماذا اخترنا الهلال في حلقة الشهر القادم,كذلك ما سيأتي من قضايا كلها تدور حول أمور محسوسة حولنا , نزيد عن فكرة البرنامج ’ القطوف الدانية أي القريبة فمهمة الضيف مهمة المحاضر مهمة الملقي تقريب تلك الأمور للمشاهد الكريم وللمشاهدة الكريمة , تبيين الإطلالات التاريخية كما يبين التأملات الشرعية ووضعها في إطار قريب من فهم وفكر المستمع أو المشاهد,
الأستاذ معمر: جميل جداً إذاً يا شيخ لا نسير في بوتقة معينة أو مسار معين وإنما يكون برنامج منوع.
الشيخ صالح المغامسي : نعم
الأستاذ معمر: نراعي فيه أحياناً يا شيخ المناسبات.
الشيخ صالح المغامسي : نعم له علاقة بالمناسبات لكنها طردية يعني ليست دائمة يعني إذا وجدت مناسبة ثمة شيء محسوس فيها يحتاج إلى إيضاح وبيان لن نفرط في إدراجه , كما نجد أنفسنا اليوم يعني ملزمين خياراً بقضية المشاعر المقدسة , لقرب موسم الحج.
الأستاذ معمر : إيه صحيح. أحسن الله إليكم يا شيخ صالح المشاعر المقدسة يعني موضوع مهم وفي غاية الأهمية , إذا أذنت لي أن أدخل مدخل أكاديمي نوعاً ما لفترة بسيطة وهو يا شيخ المقصود بلفظة المشاعر .(5/3)
الشيخ صالح المغامسي :نعم , المشاعر هنا ليس لها علاقة بالأحاسيس وإنما المشاعر هنا جمع مشعر ,قال الله جل وعلا (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ }البقرة198), كلمة مشعر أسم مكان على وزن مفعل لأن هذه الأماكن المباركة تؤدى فيها شعائر دينية , فأضحت أهلاً لأن تسمى كل واحدة لوحدها بأنها مشعر وتجمع على مشاعر , فالبيت مشعر والصفا والمروة قال الله : (مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ) أي تؤدى فيهما شعائر الله ’ منىً مشعر مزدلفة مشعر عرفات مشعر , هذه كلها مشاعر وسيأتي من طيات الحديث والأخذ والعطاء فيه والإطلالات التاريخية والشرعية والأدبية تبين كثيراً من هذه الأمور , العرب كانت قديماً تفخر بهذا حتى أن جريراً الأموي المعروف له خصم اسمه الأخطل تغلبي نصراني , والنصراني ليس كالمسلم , كان جرير مما يفتخر به على الأخطل يقول:
هل تملكون من المشاعر مشعراً *** أو تسمعون مع الأذان قطينا
فيفتخر عليه أننا معشر المسلمين لنا مشاعر معينة نفئ إليها بخلاف النصارى ليس لهم ذلك , طبعاً جرير مضرياً فكان القضايا السياسية آنذاك إمامة البيت الأمور في بني أمية وهم من مضر , وجرير يتكئ على هذا الأمر سياسياً وشرعياً .
الأستاذ معمر: شيخ صالح لعل اختصاصنا بهذه المشاعر وان الله عز وجل شرفنا وأكرمنا بها يعني له مغزى سواء من الله عز وجل لكن ..
الشيخ صالح المغامسي: هي منقبة لهذه البلاد بلا شك أن القيام بخدمة الحرمين والاضطلاع بسياسة المسلمين شرعياً في هذه الديار المباركة وتولي زمام الحرمين هذه منقبة عظيمة وفضل كبير وخصلة حميدة, منَّ الله بها على هذه البلاد حكومة وشعبا نسأل الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لكل خير وهو يقود الأمة في هذه المشاعر المباركة.
الأستاذ معمر : اللهم أمين , المشاعر كثيرة يا شيخ صالح لعل أولى ما نبدأ به هو البيت المعمور .(5/4)
الشيخ صالح المغامسي : البيت العتيق
الأستاذ معمر :أو البيت العتيق عفواً لو كانت الإطلالة الأولى على هذا البيت من ناحية متى بني ، والأحداث التاريخية التي مرت به ؟ .
الشيخ صالح المغامسي: طبعاً المساجد كلها بيوت الله ويقول الله جل وعلا {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }النور36 ) لكن البيت إذا أطلق غير مقيد فإنما يقصد به الكعبة {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ }المائدة97) هذه الكعبة البيت الحرام إذا أطلقت يراد بها الكعبة قال الله جل وعلا ({إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }آل عمران96) هذا البيت المشهور عند العلماء أن الذي بناه إبراهيم وهذا ظاهر القرآن قال الله جل وعلا({وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127) وقوله جل شأنه {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ }الحج26) وقد أطنب الحافظ ابن كثير رحمه الله في قصص الأنبياء في تفسيره على أن إبراهيم أول من بنا البيت لكنني أعتقد أن هذا القول مجانب للصواب بعض الشيء ذلك أنه لو قلنا أن البيت أول من بناه إبراهيم فلزم من هذا أن البيت لم يكن يحج قبله , ومعلوم أن إبراهيم ليس أول الأنبياء ولا أول الرسل , لكن قد يخرجون وهم يجيبون عن هذا أن البيت معروف مكانه لكن لم يبنى والذي يظهر عندي والعلم عند الله أن البيت أول من بناه الملائكة أو على الأقل حددته الملائكة وأن آدم عليه السلام طاف حوله كذلك نوح , ثم لما أذهبت معالمه الطوفان .
الأستاذ معمر: في عهد نوح.(5/5)
الشيخ صالح المغامسي : إيه ذهبت المعالم , الطوفان وأذهبت معالمه يعني قد نفر من كلمة هدم قليلاً , لما كان بناء الملائكة بناء تكليفي من الله والملائكة غير مكلفين فلا يقال أن لهم أجر مثلاً أو على بناءهم لأنهم غير مكلفين , هم رفيعو القدر جبلة , فينسب الله الفضل لإبراهيم من هذا الباب , أنه أول مكلف بنا البيت هذا تخريجنا للمسألة والعلم عند الله ,أنه أول مكلف بنا البيت , بوأ الله جل وعلا لإبراهيم مكان البيت , بوأ بمعنى حدد .
الأستاذ معمر: جميل جداً إذا أذنت لي يا شيخ الآية ما يمكن أن يستدل بها على أصحاب القول الأول , بأن في الآية ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ)) يفهم منها أن القواعد موجودة.
الشيخ صالح المغامسي: نعم يفهم منها أن القواعد كانت موجودة والأسس موجودة , طبعاً ثبت في الصحيح الأحاديث الصحيحة أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وضع هاجر وإسماعيل هذا متفق عليه ثم ذهب إلى دياره في الأرض المباركة لما عاد أخذ يبحث عن إسماعيل , إسماعيل كان قد شب ونشئ وتزوج من قبيلة جرهم .
الأستاذ معمر : أي نعم.(5/6)
الشيخ صالح المغامسي:لم يجد الأبُ أبنه وجد الزوجة سألها عن حالهما , سألها عن إسماعيل أخبرته أنه خرج يقتات لهم , يصطاد على حاجة الناس للطعام آنذاك , فسألها عن الحال , فأخبرته أنهما في شر حال , فسكت وقال لها اقرئيه مني السلام وقولي له غير عتبت بابك , عاد إسماعيل ذهب إبراهيم من قبل , أخبرت الزوجة زوجها , سألها كأنه أنس شيئاً , أخبرته الخبر قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك , ففارقها وتزوج أخرى عاد إبراهيم كان إسماعيل بنفس القضية غير موجود , والناس آنذاك يبعدون يعني جداً , سألها عن الحال ذكرت خيراً , كان لسان حالها أطيب من الأولى قال اقرئيه مني السلام وقولي له ثبت عتبت بابك , عاد إسماعيل قبله إبراهيم قد عاد إلى الديار المباركة , سألها أخبرته الخبر قال هذا أبي وأمرني أن أبقي عليك , في الثالثة عاد إبراهيم وجد إسماعيل تعانقا والد وولده أب وابنه كل منهما صنع بالآخر ما يستحقه , ثم قال إبراهيم لأبنه إسماعيل يا بني إن الله أمرني أن أبني بيتا, قال يا أبتي أطع ربك , قال : أوَ تعينني , قال : نعم , فأشار إلى أكمة إلى مكان في الأرض أن يبنيها , ثم أخذا يتعاونان في بناء البيت , إبراهيم يبني وإسماعيل يعطيه الحجارة حتى أرتفع البناء فاضطر إلى شيء يتكئ عليه الذي عُرف بعد ذلك بمقام إبراهيم وسنتكلم عنه بالتفصيل , شيد البيت هذا معنى قول الله وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ولاحظ أن هذين النبيين جمعا ما بين العمل والدعاء , كانا يعملان ويدعوان الله جل وعلا أن يتقبل منهما هذا دأب الصالحين في كل زمان ومكان , هذا المدخل للموضوع في قضية بناء البيت وهذا لا خلاف عليه بين الناس , جعل الله البيت معظم في قلوب الناس في قلوب العباد , سواء ممن كان على ملة إبراهيم , أو بعد تغير الملة بعد ذلك , قريش دانت إليها بعد(5/7)
مراحل تاريخية وأحداث عديدة أمر القيام على مكة, بعد قصي بن كلاب جاء السيل هدم البيت.
الأستاذ معمر : بعد خلاف خزاعة.
الشيخ صالح المغامسي: بعد خلاف خزاعة وأخذ قصي الأمر منهم.
الأستاذ معمر: حكم الله.
الشيخ صالح المغامسي: أرادت قريش أن تبني البيت كانوا يفقهون أن هذا البيت لله وأنه يحتاج لتعظيم, فلذلك امتنعوا على أن يضعوا أموال غير طيبة في بناء البيت , هذا السبب في كون ما يسمى بالحجر طبعاً العامة تقول اليوم حجر إسماعيل , لكنه هو .
الأستاذ معمر: الحطيم
الشيخ صالح المغامسي: يسمى الحجر , ويقال له الحطيم على قول ليس على إطلاقه, المهم أنهم بنو البيت ضاقت بهم الأموال, قلت بهم النفقة فبنوه على الطريقة الآن , أخرجوا الركنان اليمنيان على قواعد إبراهيم , والركنان الشاميان المتجهة شمالاً جهة الشمال على غير قواعد إبراهيم , لأن ما على قواعد إبراهيم الآن دخل في الحجر.
الأستاذ معمر :وسبب عدم الدخول يا شيخ.
الشيخ صالح المغامسي: سبب عدم الدخول أن النفقة ضاقت فاضطروا إلى عدم البناء , ثم بعد ذلك مضى البيت على هذا الحال , في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة قال لعائشة أم المؤمنين (( لولا أن قومك حدثان عهد بكفر لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين )) وأخبرها أن قريش ضاقت بهم النفقة ، هذا الخبر حفظته عائشة لما جاء الأمر إلى ابن الزبير عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما,
الأستاذ معمر: فيما بعد.
الشيخ صالح المغامسي: فيما بعد أيام بني أمية ,
الأستاذ معمر: قبل ذلك يا شيخ لعلها سألت عن الحكمة من رفع الباب أن قريش رفعت الباب.
الشيخ صالح المغامسي: رفعت الباب أخبرها أنه حتى يدخل قومها من شاءوا وتكلم عن تلك العزة والعنصرية الممقوتة التي كانت في قريش ثم بعد ذلك لما جاء ابن الزبير وأخبرته بالأمر أعاد بنيان البيت وأدخل فيه الحجر وجعل له بابين , باب من جهة الشرق وباب من جهة الغرب كما هو في عهد إبراهيم,(5/8)
الأستاذ معمر: كما فهم من الحديث.
الشيخ صالح المغامسي: طبعاً أنا أقصد , كما فهم من الحديث , أقصد كما هو الحال الآن في الباب الشرقي , أما الباب الغربي طبعاً مغلق الآن, لما جاء الحجاج بن يوسف وتسلط على مكة وقتل ابن الزبير بعث إلى عبد الملك بن مروان ,هنا يأتينا تخريجان للقضية هل – طبعاً أمر عبد الملك بن مروان الحجاج بأن يهدم البيت ويعيده كما كان – هل صنع ذلك نوع من السياسة ,أراد أن لا يكون لبن الزبير ذكر هذا وارد .
الأستاذ معمر:أو جهل بالحديث.
الشيخ صالح المغامسي: أو جهلاً بالحديث وهذا التخريج الثاني وعليه يحمل,
الأستاذ معمر:لعله الأقرب.
الشيخ صالح المغامسي: لعله الأقرب وحسن ظن وإن كان شوف السياسة تفعل يعني الأعاجيب , والمقصود يعني تجعل الإنسان أحياناً يصنع أمور غير محمودة , المقصود أن هذا البيت الذي حصل بالطريقة هذه , لما جاءت خلافة أبي جعفر المنصور أراد أن يعيد الأمر على وفق الحديث , قدر له أن يبعث إلى مالك أبي عبد الله إمام دار الهجرة في زمانه , فقال له : لا تفعل إني أخشى أن يكون البيت بعدك ألعوبة للملوك , هذا يهدم وهذا يبني هذا يزيد وهذا ينقص , وكانت كلمة موفقة من مالك أخذ بها أبو جعفر فبقي البيت على حاله في هيئته العامة إلى يومنا هذا , سيبقى إلى أن يخرج ذي السويقتين من أرض الحبشة قال صلى الله عليه وسلم (( وكأني أنظر إليه يهدمها حجراً حجرا ويسلبها كنوزها )), سلب الكنوز هذا يدل على أن الكعبة فيها كنوز عظيمة جداً.
الأستاذ معمر: يا شيخ لعل نعيد قليلاً بما أنكم أوردتم الكنوز وما الكنوز قبل بناء قريش يقال أن هناك مولى سرق بعض الكنوز من الكعبة(5/9)
الشيخ صالح المغامسي: إيه , هذا هو المشهور أن فيها كنوز حتى أن صلى الله عليه وسلم قال في الحديث يسلبها كنوزها ويقولون كان فيه حية تحميها لكنه ظناً بعيد , لكن يسلبها كنوزها دل على أن فيها كنوز , البدوي الشنقيطي أحد العلماء الكبار المؤرخين ذكر هذا في قصيدة له قال:
ومن خباياه غزالا ذهبي
أهدتها الفرس لبيت العربي
غزالا ذهبي طبعاً غزالان لكن حذفت النون للإضافة والمقصود أنهما مما أهدته الفرس قديماً لهذا البيت طبعاً قال البيت العربي اعتبار أن الفرس تهديه لأنه بيت العرب لا يفهمون أنه بيت الله آنذاك طبعاً , المقصود هذا جملة ما يمكن أن يقال عن هذا البيت العتيق من غير التعرض للحجر والمقام وغيرهما.
الأستاذ معمر: جميل جداً الحجر المقام ستأتي كمحاورنا , لكن أأذن لي في سؤالين بما يتعلق بالبيت يا شيخ قد يتساءل البعض عن كيف اهتدى إبراهيم عليه السلام إلى مكان البيت .
الشيخ صالح المغامسي: نعم قيل أن الله جل وعلا أتي بريح وقيل سحابة أظلت الموقع ريح مسحت نوع المكان يعني الأرض جاءت ريح ما كان عليه حتى يبين , لكن هذه النقول يقال عنها جملة بين قوسين من مليح القول لا من متين العلم , من مليح القول يعني يعذب نقله لكنه ليس بمتين القول العلم لأنه لو قلنا به قالوا أين الدليل ولا دليل بين أيدينا , لكن نحن نقطع أن الله حدد لإبراهيم والله أشار إلى هذا قال (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) وقد كافئ الله جل جلاله هذا العبد الصالح بأن جعله مسنداً ظهره إلى البيت المعمور والبيت المعمور في السماء السابعة , قال العلماء لو قدر له أن يسقط من باب ضرب الأمثال لا من باب الواقع لسقط على الكعبة.
الأستاذ معمر: جميل جداً يا شيخ صالح قبل أن نخرج من البيت عنصر أخير لكنني أأجله بعد هذا الفاصل لكن هو يا شيخ قصة أصحاب الفيل لو أخذنا على عجالة إذا أذنت لي الآن أو بعد الفاصل .(5/10)
الشيخ صالح المغامسي: نعم نقول قصة أصحاب الفيل تعلم أنها شهيرة لكن أنا أتي بها ,
الأستاذ معمر:: أنا ...على القصيدة إذا كانت لديكم.
الشيخ صالح المغامسي: لكن نأتي بمجملها , أن أراد أبرهة أن يهدم البيت سار حتى جاء وادي محسر أعيا الفيل وسيأتي لماذا النبي حرك ناقته وعجل في وادي محسر , فلما أعيا الفيل أينما وجه توجه إلا إلى الكعبة وهذا شيء ألهمه الله في الحيوانات أن تعظم ما عظم الله , فأهلكهم الله جل وعلا قال ربك ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) الفيل ) يعني في هباء (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ) الطير مصدر أمان.
الأستاذ معمر::صحيح
الشيخ صالح المغامسي: ما هي مصدر خوف ما فيه أحد يخوف أبنائه بالطير , لكن خوفهم الله من حيث يأمنون , لما أرادوا أن يخوفوا العباد من حيث يأمنون , فالبيت مصدر أمان لقريش فجعلوه مصدر سبباً في التخويف أبرهة وقومه ومع ذلك جعل الله الطير التي هي مصدر أمان جعلها خوفاً لهم , يعني عاقبهم بجنس صنيعهم , أو جنس عملهم , وقف عبد المطلب آنذاك يلوذ بالبيت ويناشد ربه . فمنع لي حالك لا يغلبن محالهم أبداً محالك وغير ذلك مما قاله عبد المطلب وهو يناجي ربه بما نقل إلينا حتى سلط الله على أبرهة وقومه الطير .
الأستاذ معمر: أحسن الله إليكم يا شيخ صالح ولعلكم تأذنون لي في أخذ هذا التقرير, مشاهدي الكرام نخرج وإياكم لمشاهدة هذا التقرير الذي أعدته لكم أسرة البرنامج ثم بعد ذلك نواصل حديثنا مع ضيفنا فابقوا معنا.
التقرير::::::(5/11)
مكة المكرمة مدينة قديمة ولها جذور عميقة في التاريخ , ومن المرجح أن بدأ السكن بها يرجع إلى أيام سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام , وذلك في القرن التاسع عشر قبل الميلاد قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام ({رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37) ولقد استجاب الله عز وجل دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام , وفي أواخر القرن الثالث الميلادي تقريباً استطاعت خزاعة بزعامة ربيعة بن الحارث أن تتولى أمر مكة المكرمة وخلفه عمرو بن لحي الخزاعي والذي يعتبر أوائل من بدل دين إبراهيم عليه السلام بالوثنية ثم أنتقل أمر مكة المكرمة من خزاعة إلى قريش بعد تحكيم يعمر بن عوف بن كعب بن الليث وذلك بسبب كثرة الصراع الذي حدث بين خزاعة حيث حكم يعمر بن عوف بحجابة البيت وأمر مكة المكرمة لقصي دون خزاعة وأن لا تخرج خزاعة من مسكنها من مكة المكرمة , ولعل من أهم الأحداث التي حدثت في هذا العصر هو قدوم أبرهة الأشرم لهدم البيت الحرام سنة 571 م للميلاد والذي سمي بعام الفيل وهي السنة التي ولد فيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا شك أن ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم كان له أكبر الأثر في تغيير الحياة في مكة وفي العالم حيث أمر بطلب العلم وحث عليه وأضحت مكة المكرمة مهداً للعلم كما غير الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأمور الاجتماعية وفي عهد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أصبح المسجد الحرام مزدحماً بحلقات رجال الحديث والقراء وأصحاب الفتوى وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أول توسعة للمسجد الحرام حيث شملت إضافة أسوار وأبواب للحرم وكان ذلك عام سبعة عشر للهجرة ثم قام الخليفة عثمان بن عفان رضي(5/12)
الله عنه بتجديد المسجد الحرام وتوسعته وكسا الكعبة بالقباطي ,وهكذا استمرت العناية بالبيت الحرام عبر العصور الماضية إلى أن جاء الحكم السعودي , هدف مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله لتوسعة المسجد الحرام المبارك أقصى توسعة ممكنة وذلك لرفع طاقته الاستيعابية إلى أكبر حد ممكن وذلك لتوفير مزيداً من الأماكن للصلاة في المسجد أو فيما حوله من الساحات فكان هذا البيت بحق مثابة للناس وأمن, يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطرا بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقا, لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها حتى يعود إليها الطرف مشتاقا...
الأستاذ معمر: أهلاً ومرحباً بكم مرة أخرى أحبتي في الله في برنامجكم قطوف دانية لازلنا مع ضيفنا وشيخنا الشيخ صالح بن عواد المغامسي وموضوعنا المشاعر المقدسة , شيخ صالح قبل أن نترك البيت إذا أذنت لي بما أن البرنامج ليس شرعياً لكن أرى من الضروري أن نشير بعض الأحكام الفقهية ولو بصورة مختصرة .
الشيخ صالح المغامسي :وهو الذي يتعلق بالبيت الأول الطواف حوله , ولا يشرع الطواف بأي بقعة في الأرض إلا بهذا البيت العظيم كما أنه بيت الله الأوحد فلا تؤدى هذه العبادة إلا في هذا المقام , ومن ذلك من الطرائف يعني التي يقولونها في ألغاز الفقهاء , ما هي السُنة التي من أداها لا يكون معه أحد في أي مكان العالم , يعني لا يؤديها إلا شخص واحد في العالم في وقت واحد , ويقولون هي تقبيل الحجر, فالإنسان عندما يقبل الحجر ، الحجر لكن لا يمكن أن يكون أحد في تلك اللحظة يشاركه في تلك اللحظة السُنّة
.
الأستاذ معمر : مهما زاحمه.
الشيخ صالح المغامسي: مهما زاحمه لأنه هو أصلاً حجراً واحد يعني..
الأستاذ معمر :صحيح
.(5/13)
الشيخ صالح المغامسي: المشروع بالكعبة الطواف قال الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }الحج29) والطواف يقع واجباً ويقع سنة ويقع ركناً , يقع ركناً في الحج والعمرة , وطواف الإفاضة ركن وطواف العمرة للعمرة , ويقع واجباً عند جمهور العلماء طواف الوداع ويقع سنة إذا أراد الإنسان أن يطوف بالبيت أينما شاء في أي وقت شاء , هذا مجمل ما يمكن أن يقال بالطواف , ننتقل إذا أذنت في الحجر , فالحجر أسمه طبعاً المعروف الحجر الأسود , لقد جاء عند الترمذي حديث حسنه العلماء: (( نزل الحجر الأسود من السماء أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم))
وهنا أقف وقفة إيمانية أي قال بعض أهل العلم إذا كانت الخطايا قد أثرت في الحجر فكيف تأثيرها في القلوب والإنسان لا يفر من شيء أعظم من ذنبه , الله يقول: ({مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً }نوح25) وقال (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ) فالمقصود إن الإنسان ينظر بعين الاعتبار لما حوله, الحجر قيل إن جبريل نزل به وأعطاه إبراهيم عليه السلام ووضعه إبراهيم ثم تشرف النبي صلى الله عليه وسلم وشرف الحجر به ووضعه صلى الله عليه وسلم بيده عندما أرادت قريش إعادة بناء الكعبة , هذا الحجر تعرض لحادثة في 317 هـ للهجرة...
الأستاذ معمر :من القرامطة.
الشيخ صالح المغامسي: من القرامطة , القرامطة ينتسبون إلى رجل من سواد الكوفة أسمه قرمط من ذريته جاء تكوين سياسي هذا التكوين السياسي نشأ حركة نشأ شبه دولة , جاء مطهر القرمطي..
الأستاذ معمر:تعتبر يا شيخ من الحركات الباطنية.
الشيخ صالح المغامسي: من الحركات الباطنية ’ بلا شك حركة باطنية ظهرت في شرق الجزيرة ثم أتى هؤلاء في يوم التروية فاجئ الحجاج أسرف وليعاذ بالله إسراف كبيراً ’ قيل أنه قتل خلقاً كبيراً ردم بهم ماء زمزم, وركب فرسه وهو يقول : أنا بالله وباله أنا *** يخلق الخلق وأفنيهم أنا(5/14)
نسأل الله العافية , ثم قلع الحجر وأخذ معه إلى البحرين دياره آنذاك , عندما أخذه معه قيل أن الحجر هلك تحته أربعون جملاً في طريق أخذه ثم رد بعد أثنين وعشرين سنة إلا أربعة أيام, في هذه الفترة كان موقع الحجر خالي فكان الناس ,
ماذا يصنعون الحجاج؟
نُقل تاريخياً يضعون أيديهم مكان الحجر من باب لا حيلة لهم من باب التبرك العام , التبرك بالمولي يعني إتيان السنة المحمدية بالمكان ’ الحجر الآن الموجود, طبعاً حصل تكسير , فلما رجع الحجر أقيم في ما أشبه ما يسمى في عالمنا اليوم مَحضر حتى يثبت أنه الحجر , فأُتي بأمير مكة والعلماء ومشاهير كبار السن آنذاك ورأوه بين أعينهم شهدوا أنه الحجر لم يتغير فيه شيء والله لا يجمع أمته على ضلالة , من حضر تلك الواقعة من الأمراء والفضلاء والعلماء والنبلاء وكبار السن شهدوا أن هذا هو الحجر عينه ثم وضع في مكانه, الحجر الذي موجود الآن فيه إطار فضي و الحجر الآن الموجود حقيقته مثل التمرة وهذا هو المناط بالتقبيل , الآن كل منا لو , يعني الحجر لو حاول قبل أن يستلم قبل أن يقبل تمعن سيجد قطع ..
الأستاذ معمر: يا شيخ هذه ..
الشيخ صالح المغامسي: هذه القطع هي عين الحجر منثورة متلاصقة كالحصوات , هي فعلاً حصوات يعني حجارة ثمانية قطع منهن كبار بعضهن صغار , أكبرهن كما قلت حتى هيئتهن كالتمر يعني مجتمع بعضه ببعض .
الأستاذ معمر: هذا الأمر يا شيخ قد يخفى على كثير من العامة.
الشيخ صالح المغامسي: نعم
الأستاذ معمر: فيظن الجرم كاملاً هو الحجر..
الشيخ صالح المغامسي: الجرم كاملاً هو الحجر , أو الإطار الفضي هو الحجر إنما هو حفظ , جرم يحفظ فيه ..
الأستاذ معمر: بينما هم ثمان قطع فقط(5/15)
الشيخ صالح المغامسي: ثمانية قطع الموجود الآن, طبعاً النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحجر بدءً للطواف , جعل البيت عن يساره وبدأ بالحجر , طاف النبي صلى الله عليه وسلم ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم شرب من ماء زمزم ثم رجع إلى الحجر ثم توجه إلى المسعى صلوات الله وسلامه عليه هذا بالنسبة للحجر.
أما المقام , فالمقام أسم مكان , والمقام حجر وضع لإبراهيم ليرقى عليه لما أرتفع البناء , رقى عليه فأثبت الله جل وعلا الآن الصخر لخليله إبراهيم فبقيت أثار إبراهيم رطبة في الصخرة , قال أبو طالب في لاميته المشهورة التي فيها يمدح النبي صلى الله عليه وسلم .
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة و فواضلِ
في القصيدة يقول على قسم قديم , يعني على قسم مسبق في الأبيات قال:
و موطى إبراهيم في الصخر رطبة *** على قدميه حافياً غير ناعلِ
وهنا يفهم منه إن أبا طالب أدرك أثار إبراهيم في الصخرة , لكن بلا شك أن الأمة أصابها شيء من الخلل العقدي عبر الدهور ’ ليس كل من تولى البيت كان سليم المعتقد , فكان الناس يتمسحون بالآثار , فهذا جعل تلك الآثار تمحى قليلاً حتى يكاد لا يبقى منها شيء.
الأستاذ معمر: هل هي موجودة الآن يا شيخ
الشيخ صالح المغامسي: موجودة لكن قضية ليست واضحة المعالم .
الأستاذ معمر : الأصابع(5/16)
الشيخ صالح المغامسي: الأصابع كما كانت في السابق ,الله جل وعلا تعبد الأمة بقوله: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وهنا أصل إلى ملحظ شرعي مهم هو أهم ما في القضية , الله يقول: ({ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32) هذا قاعدة عامة بعض الناس عفا الله عنا وعنهم عندما يريدون يأتون إلى رأي فقهي يقولون مثلاً في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يقولون من تعظيمه إحياء ليلة مولده , ويحتجون مثلاً يقولون الله يقول : {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ }الحج36) فيقولون البُدن أمرنا الله أن نعظمها فكيف لا نعظم نبينا , الجواب عن هذا وهو الملحظ الذي أردته كل شيء يعظم بحسبه فالتعظيم عام...
الأستاذ معمر: لا إفراط ولا تفريط
الشيخ صالح المغامسي: لا ليس هذا المقصود , المقصود أفادك الله , المقصود كل شيء يعظم بحسبه , تعظيم باستسمانها غلا ثمنها ونحرها تقرباً إلى الله كيف يعظم مقام إبراهيم بأن نحرص على الصلاة خلفه (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) كيف نعظم البيت بأن نطوف حوله , كيف نعظم الحجر ؟ بأن نستلمه كما أستلمه النبي صلى الله عليه وسلم , كيف نعظم النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتبع هديه ونحبه ونقتفي أثاره , وكل شيء له تعظيم , تعظيم الوالدين ببرهما وطاعتهما , تعظيم ولي الأمر بالسمع والطاعة له في غير معصية الله, تعظيم الجار بالإحسان إليه , كل شيء بحسبه (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر: أحسن الله إليكم يا شيخ صالح لعلكم تعذروني في استقبال بعض الاتصالات معنا اتصال من أخينا محمد كامل من مكة ..(5/17)
محمد كامل : فضيلة الشيخ معليش أسألك سؤال بمناسبة الحج يعني في فترة الحج أطلع من مكة إلى منطقة المجازر للقيام على أعمال الهدي وكذا فيكون معاي أهلي فيكونوا موجودين في مكة باسيبهم في مكة طبعاً أحنا نكون محتاجين أن نحج وعاوزين نحج فأنا لا أتمكن أن أكون مع أهلي مع زوجتي يعني إلا يوم عرفة فقط أقدر أخذها من الصباح لحد ما ..
الأستاذ معمر: أستاذ محمد يعني أنت تسأل عن قضية وجود المحرم
محمد كامل : عن قضية وجود المحرم هل أبعثها مع أي أحد , يعني مخرجنا الشرعي.
الأستاذ معمر : المتصل الثاني الأخ منصور:
سؤالي يا شيخ ذهب رجل من عندنا من مصر وسعى بين الصفا والمروة أربعة عشر مرة يعني ما الحكم هل يعيد العمرة مرة أخرى أو ماذا يفعل.
الأستاذ معمر : المتصل الآخر محمد السواط:
طلب من الشيخ صالح الله يحسن إليه أنه يعني لا يتكلم في أمور المشاعر المقدسة في المدينة في هذه الحلقة بل يفردها بلقاء أخر لأهميتها ويكون الشيخ مطلع بهذه الأمور أكثر من غيره
الأستاذ معمر : المتصلة إيمان :
الشيخ نبغي بعض المناشط والدروس التي تكون في الحرم نفس حرم المدينة مثلاً تفيد طالب العلم .
الأستاذ معمر: مناشط علمية و دعوية تقصدين .
إيمان : إيه مناشط دراسة كطلب علم يعني.
الأستاذ معمر : المتصل الأخير سلطان:
شيخ بخصوص اللباس اللي على الكعبة هل يشرع مثلاً التمسح به أو كما أحياناً ما نشوف مثلاً أثناء الطواف تمسُح بالباب تمسُح بالكعبة وبعضهم إذا كان ما فيه مراقبة يقص وكذا , حكم هذا يا شيخ أو هل يشرع أحد يعني يأخذ قطعة بعد التلبيس الجديد يا شيخ للكعبة..
الأستاذ معمر: بعد التغيير تقصد.
سلطان : نعم .
الأستاذ معمر :الشيخ صالح ما أدري ابدأ بالأسئلة أو أرجع إلى محاوري .
الشيخ صالح المغامسي: نجيب الأسئلة ثم نعود للمحاور علشان لا نضيع الوقت , لهم حق يعني.
الأستاذ معمر:طيب الأخ محمد كامل يسأل عن قضية المحرمية.(5/18)
الشيخ صالح المغامسي: قضية المحرمية بالنسبة لما سأل عنه يجب أن يفهم أن المحرم يشترط في الطريق , لكن في قضية التنقل بين المشاعر , لو إن المرأة تنقلت مع رفقة مأمونة فحجها صحيح, و لا إثم عليها فالتنقل بين المشاعر لا يشترط له أن يكون له محرم
.
الأستاذ معمر تأمن الفتنة يعني.
الشيخ صالح المغامسي: إيه , لكن قضية إنها تحافظ على نفسها قدر الإمكان , فإذا كانت مع ركب طبعاً ليس من المعقول أن تذهب لوحدها هذا محال , فإذا كانت مع ركب مأمون تتنقل بين المشاعر لكن زوجها هو الذي أتى بها إلى مكة سواء حج معها أو لم يحج وانشغل بعمله وأوكل إلى أحد أقاربها أو أوكل إلى رفقة صالحة يعلمها يتنقل فيها من مشاعر الحج من حيث كونه حج صحيح , لكن النساء يختلفن فما يمكن أن يصنع هذا مع شابة مثلاً فتاة صغيرة صعب يصنع وإن كان الحج صحيح لكن صعب يصنع يخشى عليها , لكن امرأة متزوجة مثلاً تنقلت مع رفقتها ما بين عرفات ومزدلفة وزوجها لم يكن معها في الباص أو شيء زي كذا , الحج صحيح بلا ريب ولا شك.
الأستاذ معمر :جميل الأخ منصور يسأل عن سؤال يتكرر كثيراً يا شيخ..
الشيخ صالح المغامسي: طبعاً هذا الأخ من مصر الذي يقول إنه سعى أربعة عشر مرة طبعاً السعي سبع مرات بالاتفاق إلا ما روي عن ابن حزم الظاهر قال إنه أربعة عشر , لكن الذي اتفقت عليه الفتوى أنه سبعة أشواط , فالعمرة التي أداها هذا الأخ صحيحة اتفاقاً , لكنه لا إثم عليه , إنما هذا التعب يخلفه الله جل وعلا بخير منه لكنه لو قدر إن شاء الله أن يعود للبيت مرة أخرى يسعى سبعة أشواط لكن العمرة صحيحة وهذا يعتبر شيء زائداً نافلاً غير متعمد.
الأستاذ معمر: جميل جداً الأخ محمد يا شيخ كان يعني اختار الموضوع
الشيخ صالح المغامسي: هذا يقترح برنامج عن المدينة سنضع إن شاء الله أو سنفعل إن شاء بس بعد عدة حلقات .
الأستاذ معمر : الحلقة القادمة.انتهت.؟(5/19)
الشيخ صالح المغامسي: ليس الحلقة القادمة لكن في حلقات قادمة.
الأستاذ معمر : طيب , طيب الأخت إيمان تسأل يا شيخ تقول لو بعض المناشط العلمية والدعوية.
الشيخ صالح المغامسي: إيه,, الحرم النبوي زاخر بالعلماء وأنا أؤيد قضية زيادة عدد المناشط وعدد الأمور الدعوية والعلمية في بيت الله المسجد الحرام والمسجد النبوي , والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي جزاهم الله خيرا يبذلون جهداً كثيراً في ذلك , أشكر الأخت إيمان على تفاعلها مع البرنامج , بقينا في الأخ من؟!
الأستاذ معمر:الأخ سلطان لباس الكعبة.
الشيخ صالح المغامسي: الأخ سلطان , طبعاً كسوة الكعبة يقال أن تُبّع أول من كساها , ثم في عهد هذه البلاد المباركة أتخذ مصنع للكسوة, وكانت تأتي أحياناً الكسوة من مصر وتأتي قبل ذلك من عدة مناطق , وكان الخلفاء العباسيون يكسون الكعبة , لكن هذه الكسوة لا يتعلق بها شيء شرعي يعني لا يتمسح بها ولا يتعلق بها قلبياً و لا معتقداً و لا غير ذلك لكن لو قدر إن إنساناً مثلاً لجاهه أو لمنصة أعطى قطعة من الكعبة .
الأستاذ معمر: لكن قبل يا شيخ .
الشيخ صالح : إيه .
الأستاذ معمر : وهي على الكعبة قبل التغيير .
الشيخ صالح المغامسي: قبل الكعبة لا يتعلق بها أي شيء شرعي يعني تبقى كسوة تمسح بها ولا يقص منها ولا يعني إذا كان الحجر هو الحجر لا يضر ولا ينفع فمن باب أولى الكسوة التي صنعت أمام أعيننا , لكنه لو أعطي إنسان زي بعض رؤساء الدول بعض الوجهاء بعض كذا , ولي الأمر يعني يهبهم هدية, أنا أعرف مثلاً مثال يعني أحد العلماء أعطي قطعة من الكعبة تصرف تصرفاً محموداً يعني يقول صنعت منها بيت بالمصحف يعني فصل منها كسوة يعني ثوب أو بيت للمصحف صار يضع فيه المصحف وهو تخريج جيد يعني على مثل هذا تخرج مثل هذه الأمور.
الأستاذ معمر: فيما يتعلق يا شيخ بالملتزم وتركيزهم على هذا المكان.(5/20)
الشيخ صالح المغامسي: الملتزم ,نعم الصحيح أنه مكاناً يستجاب فيه الدعاء أو موطن إجابة الدعاء , فلو ألصق نفسه بالملتزم هذا دأب الكثير من الأخيار على فعله , ثمة أثار تؤيده.
الأستاذ معمر: جميل جداً , يا شيخ
الشيخ صالح المغامسي: الملتزم ما بين الباب والحجر الأسود , ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة .
الحطيم قلنا أُختلف فيه , وقيل أنه الحجر المسمى الآن بحجر إسماعيل هو الحطيم لأنه تحطم ما بنته قريش هذا تخريج , وقيل قولهم هو المثلث الذي بين مقام إبراهيم والباب والحجر على منحرف قليلاً زي كذا,,وقيل لا من الحجر ورأس المثلث المقام والحجر السود الرأس الثاني , قيل هذا الحطيم لكنه مذكور يعني
هذا الذي تعرف البطحاء وطئته *** والبيت يعرفه والحل والحرم
إلى أن قال
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم.
وهذا يؤكد في قضية المثلث وهذا والعلم عند الله
الأستاذ معمر: إيه نعم, شيخنا لعلي أختم إذاً حديثنا عن المقام بفضل إبراهيم عليه السلام وتخليد ذكراه إلى هذه الأيام وإلى قيام الساعة.
الشيخ صالح المغامسي: نعم تخليد ذكراه , ولما ألان إبراهيم قلبه ألان الله الصخرة تحت قدميه, لما رق قلب إبراهيم وألان إبراهيم قلبه لربه ألان الله عز وجل الصخر القاسي إكراماً له, وهذه سنة الله أصلاً جل وعلا في خلقه , ما تراه أحياناً في الناس من أن الله يذلل لهم الصعاب لأنهم أذلوا قلوبهم للرب تبارك وتعالى وعلى قدر قرب العبد من ربه يكون تذلل الله جل وعلا له الأمور.
الأستاذ معمر: ويكتب له القبول.
الشيخ صالح المغامسي: يكتب له القبول أمور عديدة اسأل الله التوفيق.
الأستاذ معمر : جميل جداً نخرج أيضاً إلى مشعر أخر وهو منن نبدأ بسبب التسمية لو يعني.
الشيخ صالح المغامسي: منن تذكر وتؤنث , تصرف ولا تصرف, يقال منى ويقال منن , ويقال إنها مذكر ويقال إنها مؤنث هذا كله قاله اللغويون .لماذا سميت منى؟(5/21)
قيل لأنه تمنى فيها الدماء تراق فيها الدماء طبعاً هي منحر , هذا عليه الأكثرون وقيل أن آدم لقي فيها جبريل عليه السلام فقال جبريل لآدم تمنى قال أتمنى الجنة.
الأستاذ معمر : الله أكبر.
الشيخ صالح المغامسي: هذا قول , وقيل غير ذلك لكن الأول هو الأظهر , منى طبعاً شعب وتراه صغير يعني , وهي الموطن الأكبر للحجاج لأن عرفة ومزدلفة ساعات لكن منن يوم التروية ويوم النحر وثالث أيام التشريق .
الأستاذ معمر : أكبر وقت سيكونون فيها.
الشيخ صالح المغامسي: أكبر وقت خمسة أيام , الحج ستة أيام منه خمسة في منى.
ورد عن ابن عباس أنها تتسع لأهلها كما يتسع الرحم للمولود , يتسع الرحم للجنين فالرحم قطعة لحم في ظاهرها صغيرة لكنها تتسع للمولود حتى يبلغ تسعة أشهر قبل ولادته , وكذلك منى قال ابن عباس هذا قول جيد وإن كان غير محسوس ولا يلزم منه أن يكون أمراً محسوساً ,
يتعلق بمنى مسجد الخيف , الجمرات
مسجد الخيف , الخيف في اللغة من حدر من غلظ الجبل وأرتفع عن مسيل الوادي , والجبل الجنوبي لمنن إذا أنحدر قليلاً يأتي المسجد, ومسجد الخيف ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم , صلى فيه الصبح يوم عرفة قبل أن يتوجه إلى عرفة , هذا المسجد مسجد الخيف جاءت أثار يعضد بعضها بعضا أن كثير من الأنبياء صلوا فيه ,
ووقعت فيه مناظرة بين إسحاق بن راهويه وبين الشافعي كان موطن علماء يأخذون ويعطون فيه , ويقولون أن الشافعي إذا حاور تتساقط أزارير قميصه ويظهر أن هذا التحاور العلمي كان بعد التحلل من الإحرام وإلا ما سقط شيء لأنه كان في إحرام ما كان فيه أزارير .
الأستاذ معمر: ما فيه مخيط.
الشيخ صالح المغامسي: إيه ما فيه مخيط الذي يعنينا هذا مسجد الخيف يحرص الحاج على أن يؤدي الصلوات الخمس قدر الإمكان فيه , يعني لا شك هو لا يتسع للناس جميعاً لكن لا شك إن فعل يكون خير.
الأستاذ معمر: نقول سنة يا شيخ.(5/22)
الشيخ صالح المغامسي: نقول الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيه لكننا لا نستطيع أن نلزم الناس فيه لأن مليون لن يحتملهم أو أكثر لن يحملهم مسجد لكن يسير على من يسره الله عليه.
الجمرات طبعاً, الصغرى أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف ثم الوسطى ثم العقبة,
العقبة : جبل صغير كان متكئ عليه الجمرة ثم أزيلت في العهد السعودي ثم وضعت مكانها , منع أيش, ما كان عقبة منع من الرمي , ولذلك على شكل ثلاثة أرباع القوس, رمي الجمرات من الأسفل , رمي جمرة العقبة لكن من الأعلى القوس مكتمل , هذه الجمرات على وجه الإجمال , طبعاً السنة في رميها أن يستقبل الجمرة ’ يبدأ بالصغرى بالنسبة لأيام التشريق , غير يوم النحر, سيأتي يوم النحر, يبدأ بالصغرى يرميها ثم يأخذ ذات اليمين يدعوا يجعل الجمرة على يساره , يدعوا يقف طويلاً يدعوا ثم يرمي الجمرة الوسطى ثم يعكس يأخذ جهة الشمال , يتقدم طويلاً تكون الجمرة على يمينه يقف يدعوا ثم يرمي جمرة العقبة جاعلاً مكة عن يساره ومنن عن يمينه ثم لا يقف ولا يدعوا, أما جمرة العقبة لوحدها ترمى يوم النحر,
تحية البيت الطواف , تحية أي مسجد صلاة ركعتين , تحية منى رمي جمرة العقبة , الناس يأتون من مزدلفة إلى منى فتحيتها رمي جمرة العقبة ,طبعاً نتكلم على عجالة لأستطيع أن أمر على كثير من المشاعر.
الأستاذ معمر: يا شيخ ما قيل في سبب وجود الجمرات إبليس تعرض لإبراهيم عليه السلام ..
الشيخ صالح المغامسي: قيل تعرض لإبراهيم لكن قضية تعرضه للذبح هذه لم تثبت.
الأستاذ معمر : أي نعم .
الشيخ صالح المغامسي: لكن الظهر أنه تعرض له عندما كان يقيم المشاعر, عندما كان جبريل يعلم أبانا إبراهيم الشعائر تعرض له الشيطان يمنعه من إقامة الشعائر لها كان يرميه,
الشاخص الموجود إنما هو رمز لوجود الحوض وليس مقصوداً بالرمي فلو سقطت الحجارة في الحوض أجزئ لا يلزم أن يصيب الشاخص .(5/23)
الشاخص كأنه يقول الجمرة هنا, الحوض هذا ليس مقصوداً بالرمي , إنما المقصود الأسمى الحوض , وعهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك شاخص .
الأستاذ معمر: جميل جداً أيضاً ننتقل يا شيخ من منى ومن مزدلفة إلى عرفات , بداية يا شيخ لفظ عرفات هل نقول إنه لفظ جمعي لمفرد أم نذكر خلاف هذا.
الشيخ صالح المغامسي: عرفات وردت في القرآن مجموعة قال الله (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ ) وجاءت في السنة مفردة قال صلى الله عليه وسلم(( الحج عرفة)) وقال (( وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف)),
عرفة أعظم مجامع الدنيا على الإطلاق ,(5/24)
وقد ذكر أهل العلم فائدة ولطيفة ندخلها في القول الأول إنها من مليح القول ألا وهي أنهم قالوا: إن آدم عليه السلام خلقه الله جلا وعلا من تربة أو من طينة عرفات وهذا أصبح شيء موروث في أجساد بنيه فمن بقي على الفطرة يجد في نفسه حنيناً إلى هذا الموقع, من بقي على فطرته مسلما على فطرته يجد في نفسه حنين إلى أن يقف على أرض عرفات حتى لو حج أعواماً عديدة يجد في نفسه حنين شوقاً إلى الوقوف بعرفات, إذا كان هذا الشوق إلى عرفات فكيف بالشوق إلى رب الأرض و السماوات , وإن من أعظم ما يعطى المؤمن ويحلى به أهل التقوى أن يكون بالإنسان شوق إلى لقاء الله جلا وعلا , والنبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته خير ما بين الخلد في الدنيا ثم الجنة وما بين لقاء الله ثم الجنة فشوقاً على ربه صلوات الله عليه وسلامه عليه أختار لقاء الله ثم الجنة , وسمعته عائشة وهو يقول (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً }النساء69) فالإنسان إذا منَّ الله جل وعلا عليه الوقوف على تلك المشاعر يستحضر ذنوبه في نفس الوقت يستحضر عظمة ورحمة أكرم الأكرمين جل جلاله , لأن الشيطان ما روي في موقف هو أصغر منه ولا أدحر منه من يوم عرفة إلا ما روي يوم بدر , فإذا كان الله جل وعلا الأصل حُسن الظن به فيتأكد حُسن الظن بالله في ذلك الموقف العظيم, والنبي عليه الصلاة والسلام,نمرة جبل صغير وتوجد عُرنة وتوجد عرفات
ضربت له قبة بنمرة والضرب : معناه اللصوق
إن السماحة والمروءة والندى *** في قبة ضربت على ابن الحشرجي
ضربت عليك العنكبوت بنسيجها *** وقضى عليك به الكتاب المنزل(5/25)
ضربت له القبه يعني أوتادها في الأرض, لما زالت الشمس دخل عُرنة لم يدخل عرفات خطب وصلى ثم بعد ذلك دخل عرفات , أتى الموقف وجعل الصخرات عن يمينه وأستقبل القبلة , هناك موقفه صلى الله عليه وسلم , والمشهور أنه موقف الولاة إلى اليوم.
معمر: عند مسجد الصخرات .
الشيخ صالح المغامسي: مكان الصخرات , مسجد الصخرات فيه مقطعات صغيرة كذا على إنها مسجد لكن ليس له منارة ولا غيرها.
أما المسجد الآن المبني , مبني في عُرنة وجزء منه في نمرة أو عرفات محدد وضعت له أعلام وتاريخ.
هذا الموقف , وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته القصواء رافعاً يديه قال العلماء كاستطعام المسكين , هذا كله بعد زوال الشمس حتى غاب قرص الشمس تماماً ومن أعظم المنن والعطايا الربانية والمنح الإلهية أن يمن الله على عبد بالوقوف في ذلك الموقف , الناس إذا اقبل الحج يتفاوت انصرفاتهم هذا يذهب إلى شركة فتحت جديدة ليريد أن يساهم , هذا ينتهزها فرصة ليخرج إلى بلاد حارة إذا كان في البرد أو إلى بلاد باردة إذا كان في الحر, هذا يذهب إلى كذا كذا شيء محرم , مباح كل بحسب عقليته,
فإذا أخرج الله عبداً من بيته وأوقفه في ذلك المشعر ووفقه بالدعاء المقبول ومنَّ عليه بإخلاص النية فإن الأصل أنه لن تغيب شمس ذلك اليوم إلا وقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه , وأي عطية أكبر من هذا , لأنه ما أثقل الظهر جثم على الصدر شيء أعظم من الذنوب , والنبي عليه الصلاة والسلام وقف يدعوا كما قلنا حتى غاب قرص الشمس تماماً , ثم أردف أسامة خلفه صلوات الله وسلامه عليه, هذا ما يمكن أن يقال عن عرفات ,قالوا في التنوين إنه عوض عن تنوين مذكر السالم لأنه جمع مؤنث سالم , وقد قال عليه الصلاة والسلام (( وقفت ها هنا وعرفات كلها موقف وارفعوا عن بطن عُرنة )) يعني الوادي .
عرفة حل وليست حرم,
الأستاذ معمر: أنا كنت أبسأل عن هذا.(5/26)
الشيخ صالح المغامسي: لكنها مشعر وإن كانت حل , مشعر من المشاعر لذلك أدرجناها , بل من أعظم المشاعر.
الأستاذ معمر : إذاً ليست كل المشاعر في الحرم.
الشيخ صالح المغامسي: ليست كل المشاعر في الحرم , عرفة حل لكنها مشعر , وادي محسر كما سيأتي حرم لكنه ليس بمشعر,
الأستاذ معمر : ليست من المشاعر.
الشيخ صالح المغامسي: برزخ ما بين مزدلفة ومنى.
يتبع...... إن شاء الله في وقت لاحق(5/27)
حلقة القطوف الدانية لشهر جمادى الأول 1427هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين أما بعد :-
أيها المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته مره أخرى نرحب بكم أيها المشاهدين الكرام وأيتها المشاهدات الكريمات في هذه الحلقة الجديدة مع فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة
أيها المشاهدون الكرام مفردات كثيرة في حياتنا يتغنى بها الأكثرون وكل يزعم وصلاً بها .. ولكن إذا ما انتقلنا إلى عالم الواقع وجدنا القليل من الأفذاذ من يعرف لتلك المفردات حقها ويقدم تلك المثل على الوجه الأمثل
صاحب الفضيلة موضوع هذه الحلقة كما ذكرت في مقدمته يتمنى الكثير أو يدعي الكثير من الناس انه يتصف بهذه الصفة لكنه محك التعاملات والضغوطات يتبين هل هذا الإنسان فيه هذه الدرجة الرائعة أو لا الإنصاف مفرده كبيره جداً قد تكون مرادفه أو مقاربه المفرد العدل .. أحيانا يخلط الكثير من الناس بينهما تحليل هذا المصطلح دعنا بين ما المقصود من الإنصاف والفرق بينه وبين المصطلحات الأخرى.(5/1)
الشيخ صالح : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم نقول مستعينين بالله جل وعلا الإنصاف كما ذكرتم مفرده يتغنى بها الأكثرون كل يريد أن يكون رجلاً منصفاً ،، أما تحرير المصطلح في الأول بين الإنصاف والعدل حتى ندخل مباشره في القضية إذا كان الحكم على الأشياء بناء على معايير وقوانين خارجية وإما منا أكثر من واحد هذا عدل وإذا كان الحكم خارج من النفس دون أن يكون أكثر من احد مع شخص واحد هذا يسمى إنصاف تقريباً لهذا التحليل مثلاً الرجل إذا تزوج أكثر من امرأة لديه ضوابط شرعيه في التعامل معهم رخص الله له في قضيه الفراش ورخص الله له في المحبة التي لا يملكها القلبية ، ما سوى ذلك فالعدل .. العدل أن يساوي بينهم في النفقة وفي المبيت وفي غير ذلك مما هو عدا الاثنين التي حررناهما في الأول هذه تسمى عدل لا تسمى إنصاف لكن إنسان تعامل غيره شخصاً لوحده ولا توجد معايير خارجية قوانين تحكمه في التعامل إلا مقدار ما يتحلى به من أخلاق وصفات وخصائص لعله سيأتي بيانها فإما أن يجحف وإما أن يغلو .. فإذا أصاب كبد الحقيقة سمي هذا إنصافا فالفرق بين الإنصاف ما العدل العدل نحن أمام قوانين شرائع سمها ما تشاء خارجية .. نقسمها على أشخاص لا نملك إلا أننا منفذون لتلك القوانين ،، معلم في فصله لديه طلابه ومعايير في دراجات السنة ما العدل ؟ ..(5/2)
العدل أن يطبق تلك المعايير على كل أحد دون تفرقه هذا ليس من الإنصاف يسمى عدل لكنه في تعامله مع طالب واحد يذكي فيه روح الحماس أن رآه جيداً يعاتبه إن كان دون ذلك هذا حُكمة على طالب حكماً عاماً من غير تقييد عندما يسأله والده أو مديره أو أي شخص آخر هنا يحتاج المرء إلى مفردة الإنصاف ويحتاج إلى خصائص عامة يقولون في قضايا الإنصاف الإنسان يحتاج إلى من ينصفه وأكثر الناس حاجة إلى أن ينصفا من كان في رفعه ثم أبتلي فأصبح في أقل منها تقول بنت أحد المناذرة الذين كانوا يحكمون الشام قبل الإسلام ..
فبين نسوس الناس والأمر أمرنا *** أصبحنا فيهم سوقة نتنصف
نتنصف نطلب من الناس أن ينصفونا ونحن انتقلنا من درجة الملوك إلى درجة السُوقة والفرزدق يقول مفتخراً :
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا *** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
إلى أن قال :
فلا عز إلا عزنا قاهر له *** ويسألنا النصف الذليل فينصفوا
طبعاً الذليل فاعل لذل رفعت وما قبلها قدم معمولين فنصب والمعنى أن الذليل من الناس يطلب منا أن ننصفه لقدرتنا على الإنصاف ورد اعتباره فننصفه هذا ليس من العدل أن يتعلق بمفردة واحده هذا تحرير خطاب لما يغلب على الظن من الإنصاف والعدل
الأستاذ معمر : ليس هناك بينهما عموم ولا خصوصاً ....
الشيخ صالح : ممكن أن يكون الإنصاف نوعاً من عموم العدل لكن الإنصاف بخلاف العدل ..
الأستاذ معمر : هناك خصائص وصفات لابد لمن يريد هذه لابد أن يتحلى بها نذكر فضيلة الشيخ أبرز هذه الصفات ..
الشيخ صالح : أبرزها المعرفة من التي ذكرنها إجمالاً والتجرد من الهوى النظرة الشمولية ألتماس الأعذار هذه الأربع إذا وجدت في أحد أصبح قادر على أن يكون منصف هذا من حيث الإجمال المعرفة، التجرد من الهوى ، النظرة الشمولية ، والالتماس الأعذار ..
الأستاذ معمر : أسأل يا شيخ هل بالإمكان تحقيق هذه الخصائص أي ليس بالصعوبة بالإمكان؟(5/3)
الشيخ صالح : نعم الحكم على الشيء فرع من تصوره المعرفة أول الطرائق إلى الأنصاف لأن الإنسان جبلة عدو ما يجهل من جهل شيء أصبح غير قادر على الحكم عليه ولذلك كثير من الأشياء نجهل تعليلها ولا نفقه لماذا وقعت لأننا لا نعرف كل شيء عنها سنبدأ بمثال بسيط من السنة:عبد الله بن مسعود حكا أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار تنزل صلى الله عليه وسلم القرآن ({وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً }المرسلات1) قال : فبينما نحن نأخذها رطبة من فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خرجت حيه فقال صلى الله عليه وسلم :( ابتدروها واقتلوها ) قال أبن مسعود : فابتدرنها فدخلت فقال عليه الصلاة والسلام : (وقاكم الله شرها كما وقاها شركم ) جاء في رواية أخرى حسنها الألباني بسندة لهذا الشاهد ( أمرنا بإدخال نار حتى تخرج ) موضع الشاهد هنا من كان يجهل قضية الحية فيستعجب من هذا الفعل سيأتي إنسان ذا بضاعة مزجاه فيقول : هذا نبي الأمة والصحابة حوله يقرؤون القرآن ستخرج حيه كان المفروض ينشغلون بالذكر ينشغلون بالطاعة ينشغلون في الخشوع لماذا ؟ .. لأن الجهل بالحية ...(5/4)
الحية عدو فلأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أن الحية عدو لم يترك لها مجال أن تبدأ لأنها عدو لن ترحمك ولهذا قال بحديث آخر ( الحية أخت للعقرب قال :لعن الله العقرب لا تدع نبي ولا غيره ) وفي حديث ( لا تدع مصلي ولا غيره )فالمثال البسيط هذا يبين لنا أن المعرفة بالشيء يستطيع الإنسان أن يكون منفذاً لأشياء كثيرة فلهذا يحتاج كل من يريد أن ينصف أحداً أو يحكم على أحد لأن الإنصاف فرع عن الحكم لما يريد أن يحكم الحكم فرع عن المعرفة الإنصاف نوع من الحكم والحكم فرع عن المعرفة لكن من كان جاهلاً لا يمكن أن ينصف والإنسان إذا جهل نفسه جهل قدره وإذا جهل من حوله لم يحسن التعامل عليها فالباعة مثلاً السُوقة لا يعرفون قدر العلماء وهكذا كل أحد يجهل احد يكون تعامله معه بإجحاف لا بإنصاف بخلاف من كان يعرف فهذا أقرب إلى الإنصاف من غيره ولهذا جعلنا المعرفة باب كل شيء الأولى والمعيار الأول فلن يعبد الله إلا من يعرف لله في كل باب في كل طريق المعرفة مدخل عظيم ..
الأستاذ معمر : ذكرتم من هذه الخصائص وثانيها هو التجرد من الهوى ..
الشيخ صالح : الهوى يقول نزار : [ إن الهوى في طبعه غلابُ ] التجرد من الهوى نقطة أساسية في حصولك كإنسان على الإنصاف بأمثلة الأمور كثيراً بلغك كتاب وكثير من الأخوة الذين يشاهدوننا كتاب ( المائة الأوائل ) ما المائة الأوائل كتاب ألفه الدكتور : مايكيل هارت أراد أن يجمع فيه بعد أن أستقصى التاريخ استقصاه معرفياً ولذلك قدمنا المعرفة بعد أن نظر في الأشخاص الذين أثروا في التاريخ ..كان لهم أقدام راسخة شوقي يقول :-
ليس الخلد مرتبه تلقى وتأخذ من شفاه الجاهلينَ
ولكن منتهى همماً كباراً إذا ذهبت مصادرها بقينا
وسر العبقرية حين يسري فينتظم الضائع والفنونَ
وأخذك من فم الدنيا ثناء وتركك في مسامعها طنيناً(5/5)
هذا الرجل تجرد من هواه هو مسيحي لكنه جعل المسيحية وهو يحكم وراء ظهره وبحسب معايير وضعها متجرد من الهوى نظر في الأشخاص المؤثرين في التاريخ كله من ادم إلى أن تقوم الساعة ثم بعد تلك المعايير وضع درجات والمهم انه كان متجرد من هوى ثم من غير حساب وجد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الأول طبعاً حتى يقدم كتاب مثل هذا للعالم المسيحي يقرؤونه وهو يجعل النبي صلى الله عليه وسلم في الأول وإسحاق نيوتن في الثاني والثالث عيسى ابن مريم جعل موسى السادس عشر وسبع وعشرين جورج واشنطن وواحد وخمسين الظاهر عمر بن الخطاب ..(5/6)
المهم مجموعات من الذين تكلموا في الدنيا كان يحتاج إلى دعم بياني لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال انه يعجب كثير من القراء لان القراء هناك مسيحيه لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم لكنني وجدت أن هذا الرجل أكثر الرجال في تاريخ البشرية تأثيرا في التاريخ دينياً ودنيوياً والذين جعلنا ندونه نحن نعلم يقيناً معشر المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم في غنى على أن يصدر فيه كتاب مثل هذا فشرف للكتاب لا له وهو صلى الله عليه وسلم زكاه ربه زكى الله جل وعلا صدره وزكى الله بصره ومر معنا هذا كثيراً يكفيه قول الله تعالى({وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33) فالله جل وعلا جعل هذا النبي الكريم أمنه من العذاب لكن الذي يعيننا هنا مفرده التجرد من الهوى فلهذا تحكم على هذا المؤلف مايكل هارت على انه كان رجلاً منصفاً وقد بدأت به لأنه رجل صدر النبي صلى الله عليه وسلم لكن في تاريخنا الإسلامي مثلاً كلنا يعرف حادثه الإفك فعائشة رضي الله عنها رُميت بصفوان بن معطل ثم برئها الله ثم اتهمها بعد تبرئه الله جل وعلا لها فقد رد على الله جل وعلا كلامه الذي يعنينا من القضية هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر الوحي عنه استشار من حوله ومن حول عائشة كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها التي زوجها الله جل وعلا لنبيه هي المنافسة لعائشة إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم كل أزواجه خيار لكن ثمة تنافس إلى قلبه والمعطيات التي أعطاها الله لزينب وعائشة كانت أرجح فزينب كانت قرشيه مثل عائشة فكانت التي تسامي عائشة زينب وهذا مرحله عُليا في الإنصاف إلى جانب الند لأن الند يغلب عليه إتباع الهوى فلما سال النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها قالت :- يا رسول الله احمي سمعي وبصري ولا أقول إلا خيراً إلى تقول ولا أقول إلا خيراً ..(5/7)
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه :- فعصمها الله بتقوى رغم أنها هي التي كانت تساميني من زوجات محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه مرحله عليا في الإنصاف مع أن أختها حمنه بنت جحش رضي الله عنه وقعت في حادثه الإفك كانت ممن وقع رحمه بأختها تريد أن تنصر أختها والأخت نفسها تجنبت بالتقوى وصدق الله (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ }الأعراف26) هذا يسوقنا إلى ند أخر ليس إلى عالم الأصحاب والتابعين إنما في عالم السياسة فالسياسة يقول الألباني ( إن من السياسة أن لا تتكلم في السياسة ) لكن المعلوم أن الأندلس دخلت في العهد الإسلامي في عهد بني مروان في عهد الأمويين ثم ظهرت دوله بني العباس على يد أبي عباس السفاح ثم آلت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور المؤسس الحقيقي لدوله بني العباس الثاني في تلك الفترة من المعلوم أن عبد الرحمن بن معاوية عبد الملك بن مروان المعروف بالداخل دخل الأندلس وأسس فيها هناك الدولة الأموية دخلها بمفرده في مجال عن مئات بل عن ألوف بل عن أمه دخلها بمفرده فأقام ملكاً استمر هذا الملك ثلاث وثلاثين عاماً كان يكنى بابي المطرف ويعرف بالداخل من الذي لقبه صقر قريش هذا الإنصاف الذي لقبه بصقر قريش عزيمة خصمه أبو جعفر المنصور معنى ذلك أن أبي جعفر المنصور ارتقى إلى مرتقى عالي جداً في قضيه الإنصاف حتى يُقال في بطش عبد الرحمن الداخل – هذا استطراد – إن أبا جعفر المنصور بعث له أناس يقتلونه فلما ظفر بهم عبد الرحمن الداخل قطع رقابهم كان يعرفهم كانوا من أهل الأندلس ثم كتب اسم كل واحد منهم ثم علق الورقة المكتوب عليها اسم كل واحد منهم في أذنه فأصبحت الرأس متعلق بالورقة في أذنه ثم وضعها في جوالق - أشبه بالبراميل – ثم أعطاها تاجر ثقة لديه فقال :- اذهب بها إلى مكة فادخلها التاجر الحجاز على أنها بضائع – تاجر مالي طبعاً ذو المال أي نقطه يتجاوزها بالمال لاشي يعيقه - حتى وصل وفي تلك السنة حج أبي جعفر(5/8)
المنصور ووضعها له عند باب إقامته فلما خرج أبو جعفر وجد تلك الرؤوس وفيها رأس سيده الذي بعثه فلما راءها – يقولون وان صحت الرواية – انه قال :- الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر ـ يعني هذا ما يقدر عليه ـ موضع الشاهد إن أبا جعفر كان منصفاً عندما نعت عبد الرحمن الداخل صقر قريش ، هذا أدخلنا في قضيه التجرد من الهوى هذه الأمثلة ليس المقصود منها الإشباع المعرفي إنما المقصود نحن الآن في تعاملنا مع الناس وحتى نحكم وهذا المهم جداً من البرنامج والغاية من إيراد هذا الموضوع أن نكون منصفين عندما نتحدث عن غيرنا زميل في العمل ، إمام وأنت إمام ، أنت مؤذن وهو مؤذن ، أنت مدير وهو مدير .. الحديث عن الأنداد حدث عن الجيران ينبغي أن يكون حكمنا على الناس بإنصاف متجرد من الهوى لكن مغالبه الهوى أمر صعب جداً لا يوفق له إلا قليل ما ذم الله شيء في كتابه مثل ما ذم الهوى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً(43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً(44) الفرقان )
الأستاذ معمر : بارك الله فيك أنت ذكرت قبل قليل الإنصاف مع الأنداد وهي مرحله هي أعلى ما يكون لكن ينبغي للإنسان أن ينصف كل ما يتعرض له .
الشيخ صالح : كل ما يتعرض معه قطعاً انه إذا أنصف مع الند من باب أولى أن يُعان أن يكون منصفاً مع غيره لكن يبدأ بالإنصاف على الغير ثم يرتقي بنفسه حتى يكون منصفاً مع الأنداد ..(5/9)
الأستاذ معمر : بارك الله فيك يا شيخ ندرك كلما قصرت المعرفة بشيء نريد أن نتعامل معه ونحكم عليه كلما كان هذا النقص أو مضراً بهذا الشيء الذي نريد أن نتعامل معه .. النظرة الشمولية ذكرتم أنها من ضمن المزايا التي يقوم عليها الإنصاف انه لا بد من النظرة الشمولية كيف التعامل معه والمخالفة المعينة نريد أن نلقي نظره شموليه على هذا .(5/10)
الشيخ صالح : النظرة الشمولية ... لا يخفى مهم في سائر الأشياء التي نريد أن نصل إليها من أهم قضايا الإنصاف الإنسان لو كان نظرته نظره متكاملة والحكم على الأشياء منصفاً لأن من يراه عيباً سيجد ومن يراه حسناً سيجد فإذا أراد أن يمدح أغمض عينيه عن المعايب وإذا أراد أن يذم أغمض عينيه عن المحاسن لكن الصواب أن نلتفت إلى الأشياء وننظر إليها نظره كاملة قال ابن رجب في القواعد ( يأبى الله العصمة إلا لكتابه والمنصف من اغتفر قليل خطاء للمرء في كثير صوابه ) هذا الذي ينبغي ، ومالك يقول ( ما منا إلا راد ومردود عليه ) المقصود من هذا النظرة الشمولية دلت عليها أحاديث فمثلاً تعامل الرجل مع زوجته لا توجد زوجه حامله لكل المواصفات التي يبتغيها الرجل لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : تنكح المرأة لكذا ولكذا ثم قال (فظفر بذات الدين تربت يداك ) لكن إذا تجمع الأربع هذه قليل لكن المقصود قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ( لا يفرك مؤمن مؤمنه كره منها خلقاً رضي منها أخر ) فقد تكون المرأة ليست بقدر من الحظ من الجمال لكن لا يمنع من ذلك أن تكون ذات حظ من دين ذات حظ من الرأفة والحنان ذات حظ من القدرة على رعاية أبناءها فقد تكون مقصرة في الطعام لكن تكون فيها حظ من جمال عن أمور أخرى النظرة الشمولية هي التي تخفف ما يجده الرجل أحياناً من عناء فتكون هذه النظرة الشمولية دافعه للإنصاف وبالطبع كما تحتاج المرأة أن ينصفها زوجها يحتاج الزوج إلى أن تنصفه زوجته فإذا وجدت في زوجها خلقاً ذميماً تراه انه يضر بشخصيته ينبغي أن تنظر إليه نظره شامله ثم تقيس المحاسن على المساوي ايجابياته على سلبياته ثم تستطيع بعد ذلك أن تنصفه وتحكم عليه حكماً مميزاً هذا الأمر مهم جداً لكن لعله يأتي إفراد حديث لكن النظرة الشمولية للأشياء هي التي جعلت الكثير من الناس يمشي في طريقه لكن أصحاب النظرات الجزيئة التي يقفون عند كل شعره وعند كل ثغره ولا(5/11)
يقبلون أن يُقيلوا أي عثرة هؤلاء لا يمكن أن يصلوا ، لذا حتى العرب ذكرت الأصحاب وذكرت الخلطاء لا يمكن أن يصفوا على كل حال لا الأخ ولا الصديق ولا الغائب لا يمكن لأحد أن يصفوا لك على كل حال لابد من التفاوت لا بد من التباين :
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى *** ظمئت وأي الناس تصفو مشارب
فعش واحداً ونصر أخاك فانه *** وقافل مره أو مجانب
تراه يُصيب .. تراه يُخطي لكن المهم أن تكون لدينا نظره شموليه في الأشياء من حولنا والذي ينظر إلينا ينظر نظره عامه ومكتملة حتى يعطينا حقنا من الإنصاف ..
الأستاذ معمر : بارك الله فيك فضيلة الشيخ ، شاعر يقول في عجز بيت ( لعل له عذراً وأنت تلوم ) ذكرتم أن الالتماس خصصيه ملحه في الإنصاف كيف يكون ذلك ؟ و الإنسان يعني مثلاً من ضغطه الموقف وأحياناً يعاني الإنسان من رده فعل ليس لديه وقت حتى ينظر هذه النظرة الشمولية ويلتمس عذراً ...(5/12)
الشيخ صالح : هو طبعاً التماس الأعذار ينبأ عن علم الإنسان بواقعه فالإنسان المنصف يعلم انه كما أن في حياته صوارف تعيقه عن الأشياء التي يبتغيها فهذه الصوارف موجودة عند غيرنا كثير ممن حولنا نحبهم ونجلهم ونتمنى أن نواصلهم لكن ثمة صوارف حولنا تمنعنا من أن نبرهم فلأجل ذلك ينبغي على غيرنا كما ينبغي علينا أن نلتمس لبعضنا الأعذار في حال الإحلال بذلك العذر البر والصلة فمن الإنصاف أن يكون ذا عذر للناس لان الإنسان إذا كان يعتذر معناها سلامه قلب معناها رحابه صدر معناها سمو خلق معناها قدره على العيش مع الخلق لكن الإنسان إذا كان يعاتب على كل صغيره وكبيره يؤنب عليها ويجعل منها قباب كبرى هذا لن يستمر معه احد لكن العاقل حتى يكون منصفاً يعنى أنت إذا وثقت بأحد ينبغي أن تسلم بان له عذراً ليس من المعقول أن تصل بخلطائنا وأصدقائنا ومشايخنا إلى الذروة ثم عند أدنى خطاء ننزلهم فكيف رفعناهم في الأصل لكن يمر معنا كثيراً في حديث فلان تجاوز القنطرة خلاص ما عاد يقبل نقد فالعاقل ما يبلغ عنده صاحب إلى منزله التي يريد بها إلى الأول لكن هذا درجات واختبارات مرت وأمور قضت وانتهت ومضت هذه من خلالها إذا حدث زلل أو خلل أو ثغره عبر الطريق العالي تغفر لتلك لعلمنا أن له عذراً وان كنا لا نعرف ذلك عذراً قال مالك رحمه الله :- [ ما كل الناس يستطيع أن يبوح بعذره ] وأحيانا الإنسان يعطي مواعيد – وهذا يقع مني كثيراً للأسف – يعطي مواعيد لا يستطيع أن ينجزها لان الإنسان يعطي الموعد قبل فتره طويلة والغيب غيب لا يعلمه إلا الله ثم تأتي صوارف قاهره كما تأتي على صالح تأتي على العشرات وكما تأتي على الملتقى تأتي على المستمع فالإنسان العاقل يقبل العذر وأنا هنا أسجل كلمه شكر إلى الإخوان في جامع النور في الرياض فانا أعطيتهم موعد الاثنين القادم لكن تبين لي أنني لا استطيع فلما اعتذرت لهم الليلة قبل البرنامج على أن اجله إن شاء الله تعالى في(5/13)
شهر شعبان فانا اشكرهم وهذا من دلائل تحليهم بالإنصاف ....
الأستاذ معمر : كنا قبل قليل نتحدث عن هذه الخصائص الرئيسية للإنصاف هي أربع خصائص كما ذكرت المعرفة التجرد من الهوى النظرة الشمولية وكذلك التماس الأعذار هذه القواعد لابد لها من حواشي أو أشياء تسند هذه الأشياء الأربعة ..
الشيخ صالح : أولى تلك التي يجب مراعاتها من تلك الخصائص أن نعلم انه ليس من الإنصاف أن نجحف في حق من له حق لأن احد غيرنا بالغ فيها ، مثال من القران عيسى بن مريم عليه السلام زعمت النصارى انه ابن الله في بعض أقوالهم انه ثالث ثلاثة هذا الغلو مذموم شرعاً لكن ذلك لا يعني أن ننصف عيسى فلا نأتي لأن طائفة غالت فيه وحادت في الصواب فيه في أن لا نتصف ولا نعرف له المقام الذي أعطاه الله جل وعلا إياه ومن اجل ذلك أثنى الله جل وعلا عليه قال ({وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ }الأحزاب7) فنُعده خامس أولي العزم من الرسل وقال جل وعلا ({شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }الشورى13)فغلو النصارى في عيسى بن مريم لم يمنع القران أن يأتي بالإنصاف بحق عيسى بن مريم هذا التأصيل الأول هذا التأصيل يذهبنا للواقع ثمة أشياء في حياتنا بكل وضوح نشعر بانقباض نحوها خوفاً من أن نُتهم إننا مبالغين فيه فأردنا أن نفر من الباطل فلم نصل إلى الحق فنأخذ أمثله ........(5/14)
مثلاً الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغت الرافضة فيهما وغلوا فيهما غلواً شديداً وفي علي أيضاً ولذلك الناس وجمهره طلاب العلم لا يتحدثون عن الحسن والحسين جمهره الناس لا يتحدثون بالحسن والحسين جمهره الناس لا يسمون بالحسن والحسين جمهره المجالس الخاصة يتحاشى المتصدر أن يتكلم بالحسن والحسين خوفاً من أن يتهم وهذا إجحاف في حق السبطين رضي الله عنهما ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعذر عند الناس في هذا أن طائفة من الناس غلت فيها فنعود لقضية عيسى لا يمنعنا ذلك الغلو أن ننصفهما من الخطاء جداً أن يدفعنا إلى الإجحاف ولهذا إذا رجعنا إلى المعرفة ( العلم نور ) هذه الكلمة من رابع ابتدائي وتكتب على السبورة لكن لا توجد كلمه تعبر عنها أفضل منها يعني فيه كلمات مع حتى استعمالها لا تموت وتبقى حيه فشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الإمام المجدد الذي اعلم أن من أسماء أبناءه الحسن والحسين وفاطمة لماذا ؟ لأنه عالم بكل بساطه ولماذا فعل ذلك وهو عالم لان العلم نور .. ليس من الصواب أن نجحف في حق الناس لأن زيداً أو عمراً غال فيها ، مثلاً ذكر الله تبارك وتعالى قوت للقلوب فلا يأتينا إنسان ونحن نخشى أن نذكر الله عنده خوفاً من أن يتهمنا أننا من أغلاط الصوفية مع أن أغلاط الصوفية لهم طريقه معينه في الذكر تلك تُنكر تُشنع .. تبدع .. إذا كانت على غير طريق سلف الأمة وعلى غير منهج النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا يعني ذلك أبداً أن نسعى في قضيه أن نحرم أنفسنا من الخير بدعوى انه تلبس به أهل الباطل وإنما نقدم للناس الخير في قالبه الصحيح ...
مجموعه من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخت أم تركي تقول حينما تدخل مثل هذه الأمور لمن لا يستحق هذا الأمر..(5/15)
الشيخ صالح: هذا لا علاقة له بالإنصاف له علاقة بالعدل وهذه نقطه أساسيه حررناها في الأول طبعاً أنا كنت معلما في أشياء لا يمكن الفرار منها لكن هذه الزيادة التي طلبت منها المديرة لا تعطى جزافاً فإذا أردنا أن نُحسن إلى طالب المعمول به ثلاث طرائق الذي اعلمه أنا الطريقة الأولى : أن يُكلف الطالب بشيء خارجي أو وسيله يشتريها ثم يأخذها المعلم ويرميها لكن يريد أن يجعلها حجه فهذه أظن الوزارة تمنعه وأنا امنعه بتاتاً لأنه مبنية على الدينار والدرهم يختلف الناس فيها ليست معيار علمي .. الطريقة الثانية : إعطاء طالبات دون طالبات من غير معيار ، الحالة الثالثة : وهي التي ينبغي العمل بها إذا قررنا أن ننفع أحداً ننفعه بطريقه علميه نكلفه بواجب بتمرين حتى لو كان صح أو خطاء أو أكمل الفراغ يسير يعني ({إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }النحل90) قالوا العدل معروف والإحسان الزيادة في بعض التفاسير لكن بالطريقة هذه ممكن أن تحل المشكلة أما الإعطاء المجرد فليس بصواب ..
الأستاذ معمر : سؤالها الثاني تقول إن زوجي مقصر .. أحياناً هل يبادر الإنسان التقصير بتقصير
الشيخ صالح : إذا بادل التقصير جاز له من حيث الأصل ({وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}الشورى40) لكن حق الزوج على زوجته عظيم ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ) فلا يعدل حق الزوج على الزوجة شيء حقه على زوجته أعظم من حق والديها عليها فالمرأة ينبغي عليها أن تُراعي هذا جيداً لكنها إذا أرادت بتقصيرها لفت نظره وتأديبه وردعه وبيان الأمر له فهذا محور إذا اتخذ وسيله ..
الأستاذ معمر : الأخت فاطمة تسال حينما يكون الجار وقريب في ذات الوقت تلقى منه الأذى .(5/16)
الشيخ صالح : الناس في القدرة على تحقيق هذه الأمور يختلفون فإن كانت عاجزة عن الصبر فأنا انصحها بالانتقال [ مروا ذوي القربات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا] يؤثر هذا عن عمر رضي الله عنه لكن إذا ابتليت عليها بالصبر فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( كأنك تسفهم الحل ) أي الرماد الحار وإذا أرادت الأذية تأديب لهم لا حرج لكن الأفضل أن تصبر ...
الأستاذ معمر : الأخ الكريم أبو عبد الله يسال عن الإنصاف حينما يكون الإنسان لديه مجموعه من الأبناء ويتفاوتون في تعاملهم معه والإحسان إليه .
الشيخ صالح : هنا اجتمع في سؤال أبي عبد الله العدل والإنصاف هو مأمور أن يعدل بينهم وهو مأمور أن ينصف لكن ليس العدل كالإنصاف حتى يتحرر الخطاب نفرض أن أبا عبد الله له أربعه أولاد ذكور لا يجوز له أن يهب احد منهم شيء لم يهبه للأخر ولو كان اشد براً هذا عدل .. لكن لو سأل إنسان أي أبناءك ابر بك فقال :- فلان ، هذا جائز هذا إنصاف إخبار بالواقع فالأولى في باب العدل وهو مأمور به شرعاً ومأمور بالإنصاف لكن الإنصاف غير العدل فمن الإنصاف أن تقول إن هذا ابر لكن العدل له ضوابط له قانون .. هو لا يستطيع أن يتجاوزها ولذلك قلنا أن العدل قانون خارجي أما الإنصاف شيء داخلي ..
الأستاذ معمر : ذكرت في محور سابق فضيلة الشيخ أنه ليس من الصعب أن نجحف في حق من له حق أود أن اسأل فضيلتك فيمن يعمل عملاً باطلاً أو يقوم بعمل حق ، كيف نتعامل مع هذا الأمر .(5/17)
الشيخ صالح : من كان ظاهره الحق لابد أن يُقبل لأن الحق لا يرد لأن مصدره باطل ، استدل العلماء على هذا ، فإن بلقيس كانت عابدة لوثن تعبد الشمس ومع ذلك الله جل وعلا قبل منها بعض قولها ({قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً }النمل34) هذا كلام الله حكايةً عنها ثم قال ربنا خاتماً الآية (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) قال شيخنا رحمة الله تعالى عليه ، فهذا قبول من الله جل وعلا لقولها رغم أنها عابده لوثن وفي هذا دليل على أن الحق يُقبل أيّاً كان مصدره ، فمن الإنصاف أن نخبر هذا من الحسن بما قاله عما أثنى الله جل وعلا على بعض اليهود في قضية أتائهم للأمانة (بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) والمقصود من هذا أن الإنسان مهما كان سيئ يقبل منه الحق إذا وجد ولا يمنع قبولنا الحق من كونه على باطل في أكثر أمره .
الأستاذ معمر : هناك أزمة فضيلة الشيخ في مثل هذه الأمور ، كثير من الناس من يصادر جهود كثيرة وهي للأسف سلوك مُشين .
الشيخ صالح : مشين من واقع مرير وحتى أننا لو أردنا أن نطبق هذه القاعدة هم الذين يزعمون بهذا يطبقونها على أنفسهم لما قبل بعضهم من بعض لكناه قاعدة مشوبة بالأهواء تطبق على أقوام دون أقوام ، والعلماء الذين تكلموا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالوا إن الأمر بالمعروف وفعل المنكر لمن يريد المعروف أمران لا يُسقط احدهما بينما الآخر نبه عليه القرطبي وغيره ومعنا لا يُسقط احدهما بالآخر يعني كونه أمر بالمعروف لا يُعفيه من أن يُنكر وكونه ينكر لا يمنعه من أن يعمل المعروف لكل مجراه ولكل طريقه .
الأستاذ معمر : نعود إلى بعض الأمور التي يجب مراعاتها فضيلة الشيخ في هذه القضايا .(5/18)
الشيخ صالح : ثاني الأمور يا أستاذ احمد العاقل لا يُصادم الواقع هذه مهمة جداً في قضية الإنصاف ، الشمس ما ترد بغربان فمن الناس من تجاوز القنطرة أي أصبح خيرهم شائع وفضلهم ذائع فمن السفه أن يأتي إنسان فيسلبهم ذلك كله كمن يسبقه الآراء كلها كمن يقول الآن أو من قبل أن إمامة أبي بكر رضي الله عنه غير صحيحة يعني أمر تمجه عقول الصبيان ، ومن المهاجرين والأنصار إذا كانت إمرة أبي بكر غير صحيحة فمثلاً مع الفارق تأتي أمور في حياتنا ، فيه أناس تجاوزوا الأمور في الأحداث في الوقائع في أخبار في أشخاص في أعلام في مؤسسات في هيئات تجاوزت هذه الأمور ليس هناك عقّال يأتي ويصادرها ويتكلم فيها بغير إنصاف ، نعم قد يقع منها خطأ ، العصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط والأنبياء من قبله لكن ما يعني أن الإنسان يصادر الواقع ويريد أن يرد الشمس يغربان ، من الطرائف في هذا ـ إذا أذنت في هذا وإن كان مخرج غزلي ـ كثير عزه كان مولعٌ بعزه ويحبها وشاع ذكره لها والناس تتغنى بشعر كثير في عزه
أباحة حمى من يرعه الناس قبلها *** وحلت تراعاً لم تكن قبلُ حلتي
وإني متيم بعزة بعدما *** تخليت عما بيننا وتخلتِ
لك المرتجى بالغمامة كلما *** تبؤ منها للمقيلِ اضمحلتِ
ثم بعد هذا كله جاءت نسوه وقالوا عزه هذي لا تنفع فيها وفيها يذكرون أشياء بعد هذا كله ، فقال مجيب لهم وهذا موضع الشاهد
جاءتني بعيوب عزة نسوةٌ *** جعل الإله خدودهن نعالها
لو أن عزة كانت شمس الضحى *** في الليل عند موفقٍ تقضى لها(5/19)
يعني انتم بعد هذا كله تأتون تريدون أن تلغوا كل ما قلت في عزه وان قائلها على علم واختيار هذا غير معقول ، فالعاقل في إنصافه حتى إذا انتقد شخصيه عامه أذعن الناس لها يتكلم في جزئيه بعقل ، إلا أن يسلبها حقها بالكلية بعد أن أرست على الجودي واعترف أهل الفضل لها وتجاوزت القنطرة وقبل الناس منذ دهر أمرها ، هذا الأمر غير محمود وغير مقبول لا يدل على كمال عقل ، والمنصفون أول صفاتهم كمال العقل ورجحانه
الأستاذ معمر : هناك نماذج كثيرة يا شيخ تُسمع وتقال وتكتب أحياناً حول أي أمر ، شاعرية شخص ، خطابة لسان ، سياسة قائد .
الشيخ صالح : هذا كثير ولعله يأتي شيء من هذا في الأخير.
الأستاذ معمر : ذكرت إذا تكرمت فضيلة الشيخ قبل قليل وقد تكرمت مفرده الإجحاف وهي مفرده حفل بها تاريخنا ، ضوء تقريبي حول هذه المفردة .
الشيخ صالح : أنا إذا أذنت اخذ ضوء تاريخي واحد ، أنا ربما أكون قد كررته لكن بقناعتي بأن فيه غبن ، الإجحاف ضد الإنصاف وأعظم من يؤذى حقيقةً إذا أجحف به العالم هذه مضره يقول القرطجني حازم :
والغبن في العلم أقسى محنه عُرفت *** و ادرف الناس شجواً عالم ظلما
ولن يخلوا أمراءٌ من حاسدٍ اظمِ ***لولا التنافس في الدنيا لما اظما
واظم بمعنى ظلم وطغى وتجبر ، هذا الرجل قد يقول الناس أما يمل صالح عن الحديث عنه ، هذا هضم وظلم ظلم شديد لأنه كون الإنسان يؤسس لنحو وتعترف الأمة إلى اليوم بعظمته نحوياً وتأسيسه للنحو وبذله أشياء كثيرة وتأصيله له واغتراف الناس من كتابه ، مع هذا في زمانه يُهضم ويُظلم ، ولو ظلم من سوقه من عامة من قوم ليس لهم علاقة بالعلم لقبلنا لأننا نقول إن غاية الأمر أنهم ما فهموا ما عرفوا قدره ليسوا من أهل تلك الصنعة لكنه هضم وظلم من أئمة والكسائي كان معه من أئمة الكوفة آنذاك فهذا الأمر قمة الإجحاف التاريخي في باب العلماء .(5/20)
في باب أولي الفضل قُتل الحسين ابن علي رضي الله عنهما ، هذه قضيه الحق أنها قضيه دامية لكن كل الذي استطيع أن أقوله أني لا استطيع أن املك شيئاً الآن والكلام في الماضي نقص بالعقل ، قتل الحسين قمة الإجحاف فهذا سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى كتف النبي صلى الله عليه وسلم وتوسد ظهره هذا ريحانتاي من الدنيا ن ماذا أسميتم ولدي أسميناه حرب فقال بل هو الحسن ماذا أسميتم ولدي قالوا أسميناه حرب قال بل هو الحسين قال ماذا سميتم ولدي قالوا سميناه حرب قال بل هو المحسن ثلاثة مات احدهما وبقي اثنان وتعقل بهما النبي صلى الله عليه وسلم وقطع الخطبة من اجلهما ثم يظل في الأمة من بعض أفرادها في زمن من الدهر إلى سفك دمهم وقتلهم وكثير من آل بيته هذا منتهى الإجحاف لكن إذا وجدنا غلوا نتعامل بإنصاف فلا يدفعنا هذا إلى هذا ولا ذك إلى هذا ، ونكون حريصين على أن نعرف كيف نلج إلى كل موضوع نريد أن نقتحم أبوابه .
الأستاذ معمر : بارك الله فيك يا شيخ ، معي مجموعه من المتصلين والمتصلات
الأخت الكريمة منال من اليمن .
المتصل : نحنُ عندنا بعض المجموعات من طلبة العلم يقدحون في بعض العلماء ونحنُ يعز علينا القدح فيهم فهل من الإنصاف أن نرد أو أن نسكت ؟؟
الأستاذ معمر : الأخ الكريم عبد الرحمن سالم من السعودية .
المتصل : لدي مداخله بسيطة وهي عبارة منتشرة وشائعة [ لو أنصف الناس لاستراح القاضي ] فما صحة هذه العبارة وما أمكانية تطبيقها ؟
الأستاذ معمر : الأخت الكريمة لين من السعودية .
المتصلة : أود معرفة شروط الخلع ، وارجوا نصيحة للرجال الذين يضربون زوجاتهم ؟
الأستاذ معمر : الأخت الكريمة منال تسأل حول قيام بعض المجموعات من طلبة العلم بسب بعض العلماء .(5/21)
الشيخ صالح : ربما لتسرعها في العبارة قالت ذكرتم بعضهم ونحنُ نبرئ إلى الله أن نقدح في احد نحنُ نتكلم عن منهج كيف يُطبق وهذا ليس مسوغ من إذا اخطأ احد علينا أن نُخطأ عليه وهذا نتجنبه كثيراً لكن نحنُ ننصح طلبة العلم بتواصي بالحق والبعد عن أسباب الشتات والفرقة وان يكونوا معتصمين بالكتاب والسنة ملتفين حول ولاة أمورهم وحول علمائهم وحول عامتهم وان يكونوا جميعاً على قلبٍ واحد كما كان سلف الأمة كما ننصح بأن لا يشتغل طلاب العلم في قضايا جزئيه في القدح في الناس أو ما إلى ذلك هذا كله يضيع كثيراً في مسألة نيل العلم والحصول عليه 0
والأخ عبد الرحمن يقول [ لو أنصف الناس لاستراح القاضي ] هو هذا مثل أو حكمه ، المعنى صحيح لكنه لا يمكن أن يقع محال ، محال أن يكون الإنصاف موجوداً عند الناس كلهم فمنذ عهد النبوة كانت هناك قضايا ويُحكم بها وهذا لا يمكن أبداً مادام الناس موجودين لابد أن يختلفوا ويتنازعوا في الدماء والأموال والفروج .
الأستاذ معمر : الأخت الكريمة لين من السعودية تسأل عن شروط الخلع وبعض المعاملات السيئة من بعض الأزواج .(5/22)
الشيخ صالح : الخلع باب فتحه الله جل وعلا وجعله طريق للمرأة للتخلص من الزوج بطريقه شرعيه مقرره شرعاً إذا تعذر لها أن تعيش معه ، فهي تفدي نفسها مما اخبر الله جل وعلا تفدي نفسها بمقدار المهر أو دونه أو كثر منه بحسب ما يتفقان عليه هذا الشرط الأساسي في الخلع وهذا مجاله أو بابه القضاء ، ثم ذكرت ارجوا توجيه نصيحة للأزواج الذين يضربون زوجاتهم ، حسبُ الرجال الذين يضربون زوجاتهن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنهم ( ليس أولئك بخياركم ) وليسوا من الأخيار في شيء من يضربون نسائهم قال عليه الصلاة والسلام لقد طاف يسأل محمد نسوةٌ يشتكون ضرب أزواجهم فغضب وخرج وقال( ليس أولئك بخياركم) ، المقصود الرجل الأبي الشهم الحر الذي يعقل حتى لو أراد أن يؤدب وفق منطوق الشرع أي وفق مفردات الشرع وأحياناً يهجر في الفراش حتى ينتقل أخيراً إلى الضرب غير المبرح ، أما أن يكون هناك ضرب مبرح أو تعنيفاً وما شابه ذلك فهذا كله والعياذ بالله ليس من الصواب في شيء ويهدم الأسر المسلمة والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن المرأة خُلقت من ضلع وإن اعوج ما في الضلع أعلاه واخبر انه لا يمكن أن يستمتع بامرأة إلا على ميل وإنك إذا أردت أن تقيمه كسرته وكسرها طلاقها ، فالمقصود ينبغي أن يكون الرجل عاقل ( لا يفرك مؤمن مؤمنه) ، امرأة كاملة لا يوجد أما أن يأتي إنسان الساعات الطوال وهو منعكف على القنوات ثم يخرج يريد أن يرى هذا في زوجته ينظر إلى جزئيه واحده ولا يعلم من هن الأتي رآهن وهذا كله من الباطل ولا ينبغي لعاقل أن يتلبس به وأما بالنسبة للأخت نفسها إذا كانت تشتكي شيء شخصي فإن كل الذي استطيع أن أقوله اسأل الله بعز جلاله وكمال جلاله أن يفرج عنها وأن يلهم زوجها الصواب وان يؤلف بينهما.(5/23)
الأستاذ معمر : أعود وأسأل فضيلة الشيخ ، المنصف ماذا يستفيد من هذا الخلُق الكريم ، حتى أحياناً تفوت عليه أشياء كثيرة بسبب إنصافه قد يتأخر كثيراً في اتخاذ مواقف حتى يرى ما الأصلح وما الأنسب ، باختصار ماذا يستفيد من هذا الإنصاف ؟؟
الشيخ صالح : يستفيد إشباع نفسي عز نظيره وقل مثيله ، المنصفون رجال كبار ونساء عظيمات قليلون في المجتمع ، القمة أستاذ احمد قل ما تقبل القسمة على اثنين والذي يريد أن يكون الذروة في كل شيء ينبغي أن يجاهد نفسه ، العظماء لا يستطيعون أن يعيشوا في الدون ولا يقبلون أن يتلبسوا بكل لباس ، لعل هذا يأتي في مفردات عديدة ، لكن الذي اقصده أعظم ما يستفيد الإنسان المنصف البراءة أمام الله والشعور بالارتياح أمام نفسه ، شعوره بأنه قد أدى ما عليه ، فراره من الظُلم والإجحاف بغيره ، هذه كلها مكاسب لا تقدر بثمن عند الشرفاء من الرجال جعلني الله وإياك منهم 0
الأستاذ معمر : وعدنا الإخوة والأخوات المشاهدين بالوقوف طويلاً وإشباع قضية إنصاف العلماء ، مع انه من المفترض أن يتوجه الجميع لهم بالاحترام البالغ والاعتراف بفضلهم ، هناك للأسف الشديد وخاصة في الآونة الأخيرة هجوم يندى له الجبين لمن هم ورثة الأنبياء .(5/24)
الشيخ صالح : العلماء كما قلت في آخر حديثك هم ورثة الأنبياء لكنهم ليسوا معصومين وهذا أمر مقرر شرعاً قال مالك رحمه الله [ ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ]وكان في جواره ، العلماء رحمة الله تعالى عليهم الأصل أنهم افنوا أعمارهم وقضوا أيامهم في الوصول إلى المقصود الشرعي وإلى معرفة مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ليظهروه للناس ليتعبدوا به ربهم وهم في طريقهم هذا لن يخلوا عملهم من خلل فالمنصف من الناس من يغفر لهم تلك الزلة ويواري ويستر عنهم تلك الخلة ، المقصود من هذا كله أن العاقل اللبيب لا يجعل من أعراض العلماء طريق للوصول إلا غضب الله جل وعلا وسخطه ،وإنما إذا أمرنا بحسن الثناء على الناس عموماً فحق العلماء أكثر ، قال الشاطبي رحمه الله : ووجبنا عند اختلاف الفهمِ *** إحسانُنا الظن بأهل العلمِ(5/25)
والمشكلة الكبرى أن أكثر من يتجرأ على الفتوى في العلماء لا يعني من العلم في شيء إنا والله وإنا إليه راجعون ، قبل فتره اتصل بس رجل فاضل عن شاء الله ، لأنه ما اتصل إلا ليبحث في أمر دينه الأصل أنه ذو فضل ، كان مجتمع مع بعض قرابته وخلانه وأصحابه فتذاكروا شيخاً كان له فتوى معينه فكلٌ أسهم بقوله فكأنهم شعروا بالذنب فلربما قال قائل فلنتصل وهم اتصلوا في الغالب ليجدوا مبرر لهم لهذا الصنيع لعلهم يجدوا أحداً يبارك لتلك الكلمات ، فلما كلموني تحاشوا أن يذكروا اسم الشيخ لكنني قلت لهم انتم تقصدون فلان قالوا نعم قلت دعك الآن من فلان أنا أسألك بالله كم جزء من القران تحفظ ؟ سكت ، قلت هل تحفظ أربع ثلاث فلم يجب وهؤلاء الذين معك فقال بما معناه ، ولا هؤلاء فقلت سبحان الله مثلكم أكثركم لا يكاد يحفظ ثلاث أجزاء سوغ لنفسه بأن يتكلم في عالم ، نحنُ لا نقول أن هذا العالم أصاب لكن الذي يملك من الحق في الرد على العالم من كان مثله أما أنتم فينبغي أن يحفظ المرء منكم لسانه ويسكت وليس ملزم بفتوى زيد ولا عمر فإن كنت ترى أنها خطأ فاسأل غيره من تثق به ، ولا يكلفك الله جل وعلا بأكثر من هذا ، لكن هذه مشكله كبرى نعانيها بأن كثير من الناس يتصدرون بالحكم على العلماء والمفترض أن من يحكم على غيره يكون إما موازي له أو أحسن منه ، لكن الذي يحدث أن الصغار يحكمون على الكبار وقد نبه الأخيار على هذا من قبل
متى ترد العطاش إلى ارتواء *** إذا استقت البحار من الركايا
وإن ترفع الودعاء يأمن *** على الرفعاء من إحدى البلايا
إذا استوت الأسافلُ والأعالي *** فقد طابت منادات المنايا(5/26)
فإذا كان هذا قيل قديماً فما عسى أن يُقال في عصرنا لكن ينبغي على طلبة العلم أن يتقوا الله في إخوانهم العلماء وان يراعوا أن لا يغرسوا في الطلاب ولا في العامة جرئه الحديث والتكلم على العلماء كما انه ينبغي على العلماء الذين لهم بعض الفتاوى التي غالب الظن أنها بعدية النجعة عن الصواب أن يحتفظوا بها قدر الإمكان أو أن تقال في مجالس يمكن معها مناقشة القضية أعان الله كلاً على كل أسأل الله أن يخرجني من القضية سالماً .
الأستاذ معمر : بارك الله فيك يا شيخ وأحسن إليك ، حتى نبتعد عن الإجحاف يا صاحب الفضيلة سأضع أمامك مجموعه مختلفة نوعاً ما من النقاط نريد بإنصاف تام التحدث عنها ، نفس الإنسان كيف يتعامل معها بإنصاف ؟؟
الشيخ صالح : نفس الإنسان أعظم ما يعتني به الإنسان ({قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً }التحريم6) ({رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ }نوح28) هذا أمر مقرر لكن أحب التأصيل في أول الكلام متى ينصف الإنسان نفسه ؟؟!!
أن لا يحرمه من فضل وان لا يرضى لها بالدون وان ينظر إلى قمم المعالي فينافس فيها
إذا غامرة في شرفٍ مرومِ *** فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ *** كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ(5/27)
لكن كذلك من ظلم النفس أن تكلفها ما لا تطيق وان تقتحم بها لجج لم تُخلق لها وان تركب سفن لست ربان لها وان لكل إنسان قيمته فيما يحسنه من العمل ، فإذا جاء إنسان ليس النحو من صنعته وأراد أن يتشدق بكلمات عربيه هذا يظهر عورته وإنسان ليس من بضاعته العلم الشرعي فأراد أن يجادل فيه فسيكشف سوءه أخرى فيه وهكذا، فالعاقل يعرف أن قدراته من مكمن القوه من نفسه ثم يسير على مكمن القوه من نفسه وينميه ويطوره ويسعى ومعه التوفيق والسداد هذا من أعظم إنصاف النفس ، لكن كذلك من ظلم النفس والإجحاف بها أن تعرف أن لديك قدرات ولديك مواهب ثم تقنع بما فيه أقرانك حباً في القرب منهم والركون إليهم وتحرم نفسك من أشياء عظيمه يمكن أن تحققها وآمال جليلة يمكن أن تدركها كل ذلك مراعاة لمن حولك لا تريد أن تفارقهم ولا أن تهجرهم ، وأمثال هؤلاء لا يصلون إلى المعالي لأن أول قضيه قضية الرحيل التنقل عمن هو سبب في تثبيطنا والشاعر يقول :
إن العلاء حدثتني وهي صادقةٌ *** فيما تحدث إن العز في النقلِ
لو أن في شرفٍ مؤا بلوغ مننٌ *** لم تبرح الشمس يوماً دار ة الحمري
وإنما رجل الدنيا واحدها *** من لا يعول في الدنيا على رجلِ
فالمقصود هذا باب الإنصاف في النفس وأعظم إنصاف للنفس وهذه مسألة إيمانيه أن يجعلها الإنسان على صراط الله المستقيم لا تريد إلا وجه ربها ولا تخشى إلا ذنبها ولا ترجوا شيء أعظم من الجنة ولا ترهب شيء اجل من النار.
الأستاذ معمر : الأمور المادية تمثل ضغوط ، كثير من الناس من يقحم نفسه ونحنُ في إجازة فهناك من يستدين ليسافر لرحله معينه .(5/28)
الشيخ صالح : هذا ليس من الإنصاف في شيء ، فهذا يركب لجج ليست له وكل إنسان ينبغي أن يعلم انه ليس كل ما يريده يمكنه أن يحققه ، يعني لا يضر أن يعيش الإنسان وفق إمكانياته ، ليس شرطاً أن نكون جميعاً على مستوى واحد هذه سنه من سنن الله في خلقه ، ومن الرضا بقضاء الله وقدره أن نعلم أن هذه حدودنا وهذه إمكانياتنا ، لا يمكن أن نكون كل شيء بين عشيه أو ضحاها ، فلا من أجل أن يحاكي عمر يقلد زيد أن نتحمل إثقال من الديون ثم نعجز عن سدادها من أجل أمور يمكن الاكتفاء بأقل منها .
الأستاذ معمر : بارك الله فيك يا شيخ ، المؤسسات الشرعية والمؤسسات الخيرية تعاني هجوماً وإجحاف كبير وأنا سأضرب لك أنموذج ، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن النكر.(5/29)
الشيخ صالح : هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلادنا مثلاً برهان عظيم على أن هذه دولة الإسلام هذه أهم قضيه ثم هذه الهيئة من كان منصف ينظر إليها معرفة وشموليه وتجرد من الأهواء وتلمس للأعذار الأربع القواعد التي رأيناها لوجدنا أن الله جل وعلا سد بهم ما الله به عليم من الثغرات فحفظ الله جل وعلا بهم العديد والله من الحرمات ونصر الله جل وعلا بهم الكثير من أهل الصلاح وقطع الله جل وعلا بهم كثيراً من أهل الفساد وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضالها على الناس قائمه لكن الذين عياذاً بالله يبحثون عن النقص سيجده لهذا نقول التماس الأعذار والكمال عزيز كما حرر العلماء في مواضيعهم وهم مجموعة أفراد والأفراد بشر لابد أن يقع من بعضهم خطأ حتى لو عمداً ، قد يقع عمداً من احدهم لكن هذا الواحد إذا وجد مغموس كثيراً في خيرات إخوانه فهي هيئه شرعيه مباركه نفع الله جل وعلا بها وينبغي على من تطاول عليها أن يتقي الله جل وعلا ولو أراد أن يكون منصفاً ، نقول له هل تقبل أن يتعرض احد لحرماتك لزوجتك لبناتك بأذى ، والله إنه لولا الله ثم ما كتب الله جل وعلا لولاة هذا الأمر من وجود هذه الهيئة لحدثت أمور وأمور يندى لها الجبين وتأسى بها قلوب الأحرار ، أخي في أول الأمر وآخره تصادق شرع رب العالمين ، فنسأل الله أن يبارك في جهودهم وان يعينهم ويوفقهم ويسددهم .
الأستاذ معمر : بارك الله فيك فضيلة الشيخ ، أود أن انتقل معك في هذه الحلقة إلى شخصيات تاريخيه ، شخصيات كبيره في تاريخنا يثار حولها جدل كبير وتدور حولها علامة استفهام ، الناس ينظرون إليها نظرات مختلفة من هذه الشخصيات شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي ماذا تقول فيها فضيلة الشيخ ؟؟(5/30)
الشيخ صالح : طبعاً أنت تريد الإنصاف ، من الإنصاف أن ننظر نظره شموليه ، الرجل حقق الله على يديه ما حققه جمع كلمت الناس فجمع الأمة على خلافة عبد الملك بن مروان إلا قليل بسبيل سيف الحجاج من هذه الزاوية نفع الله به الناس وجمع الناس أمر محمود ولو كان له ضريبة كبيره كسفك الدماء لكن الرجل في تجرؤه على دماء المسلمين أخطأ خطئا عظيماً ، ولذلك كرهه الأخيار من السلف وتكلموا فيه كلاماً في بعضه عندي قسوة لكن من حيث الجملة أصابوا لكن الرجل لا يمنع أن يستفيد الإنسان من حزمه ومن بيانه ومن كرمه ، كان كريماً كان يقول للناس إذا طلعت الشمس فحظروا الغدا وإذا غربت فحظروا العشاء ، وكان حافظ للقرآن وهو أحد أربعة ما لحنوا قط إن صحة الرواية ، كان ذكي جداً والذكاء أمر محمود في الناس ، الذين يريدون أن يسوموا الناس لابد أن يكونوا أقوياء ({إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26) ومن القوه أن يكون الإنسان نبيهاً ذكياً فاهماّ محيطاً ، هذه شخصية الحجج ، لكن من حيث الجملة هو إلى الفسق أقرب منه للإيمان.
الأستاذ معمر : بارك الله فيك ، أمير الشعراء أحمد شوقي(5/31)
الشيخ صالح : هذا اخذ حقه لكن المشكلة انه عندما أخذ حقه ظُلم حتى قال بعض المعاصرين قال هذا شاعر الأمراء وليس أمير الشعراء لقربه من السلطان ، طبعاً كل من يقرب من السلطان أعانه الله هذه سنة الله في خلقه ، الناس إذا عجزة عن شيء ذمته ولا كل الناس تتمنى القرب في الأصل من السلطان ، لكن عموماً شوقي رحمه الله تعالى ، الحق والله أنه شاعر بمعنى الكلمة ولو قدرنا أننا سنختار خمس أو عشره أو أقل على مر الدهور قالوا الشعر العربي حقاً أقول قطعاً ومن منظوري شوقي أحدهم إن لم يكن أولهم ، لكن الناس لأنه كان قريباً من بيت الخديوي أحد حكام مصر آن ذك ، فذموه ولم يقبل منه وبعض الناس عندما يجادلوننا في شوقي ينسون المعايير الصحيحة يقولون انظر إلى الناس تحفظ للمتنبي كذا وكذا وكذا وينسون القدم والقدم لمه دور في الأشياء إذا عتقت تصبح نوع من القداسة لأن الناس تبهر من القديم لا تستطيع أن تقربه وهذا من قديم حتى أبو تمام لما ظهر تجنب بعض الناس أن يمدحه خوافاً لأنه محدث لكن الآن في زماننا أبو تمام هذا قديم فالناس تمدحه من غير رويه وكذلك شوقي لما ظهر ، ثم إن الحقبة التي كانت بين المتنبي وشوقي ظهرت في عالم الأدب ولم يجد الناس شاغلاً عن الشعر أما في زماننا انصرف الناس عن الشعر ظهرت قنوات وقنوات وأمور وأخريات لكن المقصود أن شوقي رحمة الله تعالى عليه والشعراء غيره ظُلموا في جفول الناس عن الشعر وعن الرواية وعن الأدب والقصة فضاع سوقهم مع ذلك لا يكاد يجهل وقي أحد فالحق عندي أنه شاعر وأي شاعر .
الأستاذ معمر : بارك الله فيك يا شيخ صالح ، أنت قابلت يا شيخ من خلال تعاملك مع الناس وشيوخك قابلة شخصيات منصفه من المحدثين الآن من ترى له فضل ويتسم بهذه الصفة البارزة أود أن اعرف الشخصية التي تملك من الإنصاف الشيء الكثير .(5/32)
الشيخ صالح : الحق أنهم كثيرون لكن منهم الشيخ [عبد العزيز بن صالح ] رحمة الله تعالى عليه إمام الحرم سابقاً ، هذا الرجل منصف بمعنى الكلمة حتى أنا قلت في أحد اللقاءات هنا في هذا البرنامج أن الشيخ إبراهيم الأخضر كان يقول : [ أن كل جسد مركب من حسد ولو أن جسداً خلا من حسد لكان جسد عبد العزيز بن صالح ] من دلائل إنصافه أنه قرب كثير من العلماء للتدريس في الحرم النبوي بصرف النظر عن أشياء أخرى لم يعتبرها ولا داعي لنشرها ، لكنه كان يتجنبها فمن أحب ذلك من الله تعالى عليه بمحبة الناس له ،ثم إن هؤلاء الذين قدر الله لهم أن يدرسوا في الحرم النبوي الشريف شاع ذكرهم وعم فضلهم وانتشر علمهم وانتفع الناس بهم هذا كله عائد بعد رحمة الله وفضله إلى إنصاف الشيخ رحمة الله تعالى عليه 00
زرت الشيخ سماحة الوالد [ عبد العزيز آل الشيخ ] مفتي عام المملكة حالياً ، مرتين أو ثلاث ، ذكرنا عدت قضايا وذكرنا عدت أشخاص ذوي علم والحق ونحنُ شهود الله في أرضه أن الرجل كان منصف في الحديث عن أشخاص لو ذكروا عند غيره لجلب عليهم بالذنب ، لكن الرجل كان منصف جداً في الحديث عنهم وكان ورعاً في الخوض عنهم وكان يتكلم بكلام علمي وبكلام معرفي ، كلام رجل يريد النصح ويريد الخير، وحتى ما فيه من النقص يريد أن يداريه ويستره ويسعى في حله و والله منذ أن خرجت من عنده آنذاك أكبرته وكنت من قدم وأنا أكبره لكن أزداد إجلالي له حتى أنني حدثت بعض طلبة العلم بما كان بيننا.
الأستاذ معمر : بارك الله فيك يا شيخ ، في نهاية الحلقة أود أن أشير أن الأخت الفائزة في المنتدى هي الأخت أمل الأمة من السعودية ولها مجموعه من الجوائز من أشرطة الشيخ صالح المغامسي وشهادة تقدير موقعه باسمه ،أمل الأمة الآن هي الفائزة في هذه الحلقة وفي برنامجنا القطوف الدانية .(5/33)
الشيخ صالح : وأنا أبارك لها وأرى أن تكون الجائزة عينيه غير ما عندنا نحنُ من أشرطه ومع شهادة عينيه وأرى إذا أذنتم أن يكون في كل شهر اختيار شخصيتين من الرجال والنساء إذا أذن المشرف عبد الرحمن سالم .
الأستاذ معمر : بسمكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات أتقدم بالشكر الجزيل إلى صاحب الفضيلة الشيخ صالح المغامسي ، أسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء وان يجعل ما قاله في ميزان حسناته ، شكراً لكم فضيلة الشيخ .
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/34)
حلقة القطوف الدانية لشهر ربيع ثاني 1427هـ
الأستاذ معمر : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين و على آله وصحبه أجمعين .. مشاهدي الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلاً ومرحباً بكم ..
حديثنا في هذه الليلة سيكون عن أمر عظيم من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وبعث الأنبياء .. ووعظ الواعظون ونصح الناصحون .. حديثنا عن أمر نفيس ..لا يحد عنه إلا تعيس .. عن نور يتلألأ ..وريحانة تهتز.. وقصر مشيد ونهر مطرب .. وفاكهه نضجية .. وزوجة حسناء جميلة .. وحلل كثيرة في مقام أبدا.. في خضرة ونعمه.. في دور عالية ثمينة بهية ..كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ..تترأى لأهلها كما يترأى الكوكب الدري الغائر في الأفق .. أرائكها عالية وأنهارها جارية .. وقطوفها دانية ..
أودعها الخالق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. وجعلها لعبادة الصالحين حتى عاينوها بعين البصيرة ..التي هي أنفذ من عين البصر .. وبشرهم بما اعد فيها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهي خير البُشر .. على لسان خير البشر .. شّمر إليها المشّمرون وتنافس لأجلها المتنافسون .. وتسابق إليها المتسابقون..
الجنة هي موضوع حلقتنا هذه من برنامجكم القطوف الدانية أسعد كثيراً باستضافة ضيفنا الدائم الشيخ : صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين في المدينة النبوية
أرحب فيكم شيخ صالح فحياكم الله
شيخ صالح أكرر ترحيبي بكم ..وكما تعلمون يا شيخ أن هذا الموضوع طويل وقد لا يحصره وقت حلقتنا هناك أمور تتكرر كثيراً الناس قد لا يحتاجون إلى بيانها ..أستأذنكم بداية أن نركز حديثنا عن الأشياء التي قد يستفيد الناس منها ..ولكن قبل أن ندخل إلى المحاور أترك لكم المجال لافتتاح الحلقة ولإعطاء تصور وافي وشافي بإذن الله عن الجنة ..(5/1)
الشيخ صالح : بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وأصحابه ومن ولاه وبعد ..
الجنة والنار في مذهب أهل السنة مخلوقتان موجودتان إلى الآن لا تفنيان أبدا هذا ظاهر كلام ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فهو الحق الذي ندين به والجنة دار أعدها الله جل وعلا ثواب لأهل طاعته وكرامه لأوليائه وخاصته.. من يدخلها ينعم فلا يبأس ويخلد ولا يموت .. أهلها لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم .. جعلها الله جل وعلا مستقر لرحمته كما جعل النار مستقر لغضبه جعل لها الله تبارك وتعالى ثمانية أبواب ورد بذلك أحاديث صحاح كما جعل للنار سبعة أبواب نص على هذا القرآن ((لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }الحجر44)) والجنة دار هي بغية كل مؤمن .. ومن أجلها ترك الصالحون مضاجعهم .. وصاموا هواجرهم .. ومن أجلها يقدم إلى الجمع والجماعات ومن أجلها تطيع المرأة ربها وتحصن فرجها وتبر زوجها ومن أجلها يبر الرجل والديه .. ويقوم بالسعي مع أهله وجيرانه بالخير كل ذلك لا ينبغي بعده إلا أن يدخلهم الله الجنة ... ولرب تبارك وتعالى لا تصفو الدنيا إلا بذكره .. ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه .. ولا تطيب الجنة إلا برؤيته هي الدار التي جعلها الله جل وعلا وعد على ألسنة رسله قال تبارك وتعالى على لسان عباده المؤمنين (({رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ }آل عمران194)) وقال جل وعلا ((كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً }الفرقان16)) فيسأله عباده إياه فهي أعظم دار وأجل مبتغي لم يجعل الله فيها للنقص أي مكان ولا مقام فهي الخير المحصن كما أن النار- عياذاً بالله - هي الشر المحصن أما في الدنيا فما غلب خيره على شره فهو خير .. وما غلب شره على خيره فهو شر ..
نسأل الله أن يجعلنا وإياك ومن يسمعنا من أهلها إن ربي سميع مجيب ...(5/2)
الأستاذ معمر : اللهم آمين .. يا شيخ صالح كما ذكرت في المقدمة أن القضايا كثيرة في هذا الموضوع لكن كما تم الاتفاق بيني وبينك أن نقتصر على القضايا الحيوية والقضايا التي يحتاجها الناس .. أبدأ فضيلة الشيخ بقضية مهمة جداً وهي وردت في حديث صحيح مسلم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا أستشفع لنا الجنة فيقول : هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك .... ) يعني أترك هذا الحديث و أقف مع مدلوله وقفة جادة بإذن الله مع قضية دخول أبينا آدم عليه السلام وخروجه منها كما تعلمون كثرة الحديث عن هذه المسألة لعلها تكون مستعملنا في البداية.(5/3)
الشيخ صالح : آدم عليه السلام أب البشر وعندما نتكلم عن قضية البشرية عام بديهي أن نبدأ بآدم أحسنتم بذكر الحديث كمدخل للموضوع فنقول هذا الحديث يكون يوم القيامة ما أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم فيردنا إلى الأول أي الله جل وعلا خلق ادم بيده بأحسن صوره ولذلك أهل الجنة سيأتي بيان ذلك يدخلون الجنة على هيئه أبيهم ادم . وخلق من ادم زوجه حواء على خلاف بين العلماء هل خلق الله حواء من ادم قبل دخوله الجنة أو بعد دخوله الجنة فالذين قالوا إن الله خلق حواء قبل أن يدخل الجنة أخذوها من قوله تعالى (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) فقال إن الخطاب (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) فمعنى ذلك أن الخلق كان قبل السكنى في الجنة والذين قالوا بان ادم أصلاً ادخل الجنة لوحده فستوحش فخلق الله منه زوجه حواء أخذوها من عموم أيه الأعراف (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) فقالوا إن السكنى لا تكون إلا بعد أيحاش .. فالوحشة كانت في الجنة عند ما كان بمعنى الوحدة فيها .. أباح الله جل وعلا لأدم في الجنة كلها (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى(118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى(119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ) يبقى السؤال كيف دخل الشيطان الجنة ؟؟ وهذا لا نعلم فيه نص صريح نجزم به والغيب لا يمكن لا يتوصل إليهِ لا بعقل تجربة إنما بخبر صحيح لكن لنقول الذي بين أيدينا مما اخذ عن مسلمه أهل الكتاب أو غيرهم أن إبليس دخل الجنة قيل انه في انفه الحية وقيل في غير ذلك .. أياً كان دخل إبليس الجنة ووسوس إلى ادم وهو في الجنة ونتج عن تلك الوسوسة أن أقنعه أن يأكل من تلك الشجرة التي حرمها الله جل وعلا على ادم منعه إياها ..(5/4)
اخذ إبليس يلاطف أبانا ({وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }الأعراف21 ) ولم تعرف هذه الشجرة بل المشهورة تاريخياً ناس يقولون التوت وناس يقولون التفاح ويقول آخرون ذلك ولكن ولو كان هناك كبير فائدة بينه الله .. اكلأ من الشجرة ادم وحواء قال تعالى ( فبدت لهما سوأتهما ) فتكشفت عوراتهما قال الله (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) يحاولان ستر العورة هنا أُخرج ادم من الجنة .. عندما اخرج من الجنة في يوم الجمعة كما خلق عليه السلام في يوم الجمعة عندما كان ذلك هنا السؤال الذي جعل ادم يقول ( وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) لكن الذي عليه أهل السنة أن الجنة التي دخلها ادم هي جنة عدن التي وعد الله عباده إياها وحديث الذي في مسلم لأي ذكرتموه ألان ( وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) ولو كانت الجنة التي خرج منها ادم غير جنه عدن لما استقام هذا القول .(5/5)
لكن آخرين من الناس يقولون أن الجنة التي ادخلها ادم ليست جنه عدن التي وعد الله جل وعلا عباده قال فيها العلماء .. لكن كلمه الناس نستخدم إذا قلنا أهل السنة وغيرهم لكن إذا قلنا علماء الأفضل يكون في الخلاف في داخل جمهور الناس إذا نريد أن نقول اختلف أهل السنة وغيرهم الأفضل أن نقول اختلف الناس حتى يتسع لأكثر المذاهب لكن عندما نريد أن نحرر قول لأهل السنة نقول اختلف العلماء باعتبار أنهم كلهم من مذهب واحد .. الرأي الثاني قالوا ليست جنة عدن قطعاًً بدليل أن الله جل وعلا جعل بها تكليف وجنته ليس فيها تكليف وقالوا من يدخل فيها يخلد وادم اخرج من الجنة فقيل لهم إن الله قال (اهْبِطُواْ ) قالوا :- هذا ليس دليلاً لان الله قال (اهْبِطُواْ مِصْراً) ولا يلزم أن تكون في السماء لكنهم قالوا أن هذه الجنة أما في السماء الدنيا وأما على الأرض هذا الخلاف عن ما هي الجنة التي اخرج منها ادم عليه السلام هذا القول دفع أبانا ادم أن يقول يوم القيامة ( وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) حتى يأتي الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها فيقرع باب الجنة فيقول الخازن من أنت ؟ فيقول أنا محمد . فيقول :- أمرت أن لا افتح لأحد قبلك صلوات الله وسلامه عليه هذا ما يمكن تحضير حول خلق ادم عليه السلام وجنه عدن التي أدخلها ....
الأستاذ معمر : جميل قبل أن نخرج من هذه المسالة كما تعلمون ويعلم المشاهد أن البرنامج برنامج موسوعي وبالتالي إذا أذنتم لي أن نخرج من الثقافة الإسلامية إلى ثقافة لغير المسلمين لاشك أنهم تعرضوا لمسالة خروج ادم عليه السلام أو ذكرت فيه بعض الأقوال فلعل من المناسب تشير إلى بعضها.(5/6)
الشيخ صالح : نعم . إن مما ينبغي تحريره أن اليهود والنصارى مثلاً نموذجاً يؤمنون بالجنة والنار وقد نص القران على هذا قال ({لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى }البقرة111) فاليهود يزعمون أنهم يعذبون في النار أربعين يوماً بحجة أنهم عبدوا العجل في تلك الفترة قال الله جل وعلا يحكي عنهم ({وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة80)فهم يقولون أن هذه الأيام المعدودة أربعون فهي مده عبادتهم للعجل أما غير ذلك فهم في الجنة أم قضيه ادم وأنت قلت ثقافات أخرى . الناس في تعاملها مع الأحداث التاريخية اتفق على أصلها كخروج ادم من الجنة لا احد يعارض فيه من أهل الملل إلا من الذين لا يؤمنون بالجنة أصلا من الملا حدة هؤلاء تعليل في التاريخ البشري مثلاً فيه قصيده لشاعر انجليزي هذه القصيدة اسمها ( الفردوس المفقود ) الفردوس يقصد الجنة مفقودة يعنى فقد .. فقد ممن من عصبه والنصارى يرون أن الخطيئة التي وقع فيها ادم ...(5/7)
الله جل وعلا يرونه انه حكماً عدل وهذا حق قالوا ومن عدله جل وعلا انه لم يترك الناس من دون عقوبة وان ادم اخطأ فبعث بزعمهم الكاذب ابنه الذي هو عيسى في دينهم حتى يحرر الناس من خطيئتهم فمن امن بعيسى على انه ابن الله شمله عفو الله عن تلك الخطيئة ومن لم يؤمن بعيسى على انه ابن الله لا يشمله ذلك العفو هذا دين النصارى بالأصل وهو طبعاً محضٌ كذب قال الله جل وعلا (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً(88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً(89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً(90) مريم ) الشاعر الانجليزي في الفردوس المفقود يأتي على أن هناك صراع مابين الشيطان وعصبته من الجنة ومابين الملائكة هذا الصراع في الاستيلاء على الجنة وان يذكر تدخل عيسى في القضية والشعر الملحمي أصلا في العرف الأدبي عامه في جميع الثقافات يعتمد على الحرب فيصور صراعات تقوم مابين الملائكة والشيطان ويضع الشيطان في قوة شديدة حتى يجعل الحرب نوع من التوازن طبعاً هذه المسالة نحن نقول انه من باب موجود لا من باب انه حق نهر باطل .. طبعاً هذه الثقافات في قضيه الجنة والخروج منها يتسع للمسلمين وغير المسلمين مثلاً الفرزدق الشاعر الأموي المعروف كان تزوج من أمراءه ثم طلقها فندم على طلاقه إياها فقال :-
ندمت ندامة الكُسعي لما *** غدت مني مطلقه نوارُ
وكانت جنتي فخرجت منها *** كآدم حين أخرجه ضرارُ(5/8)
فهو يقول فراقي لهذه الزوجة كفراق ادم للجنة باعتبار أن هذه جنته طبعاً هذه المقاربة التي قالها الفرزدق لا تصلح شرعاً على انه الآن في عصرنا يعرض فيلم في صالات السينما العالمية اسمه الجنة الآن حسب المنظور المسيحي لكن وجهه محدودة والذي اعلمه إلى ساعتي هذه أن الكنيسة الكثولوكيه رافضه الفكرة أصلا ترى انه صورها بصوره غير صحيحة .. ظهرت رواية لكن لم أقف على قراءتها لكنني وقفت على عنوانها لأحد الدواوين المعاصرين السعوديين اسمها( ريح الجنة ) أو رائحة الجنة طبعاً نحن نرى أن الرواية في مجملها في فكرتها وفي ثناياها – وقد يقول قائل كيف حكمت عليها وأنت لم تقرءاها – لكنني علمت عن الفكرة العامة لها سمعت بعض مفردات من أبوابها وان كان لا يكفي حكم لكن ثمة أمور نساعد على الحكم مثل هذا لا ينبغي لماذا ؟ إذا وجد من أخطاء في فهم السبيل إلى الجنة فالذين هم قادرون على حجر ذلك الفهم الخاطئ العلماء الربانيون العالمون بالجنة لكن إذا تدخلت ثقافات أخرى يجعل من الأخطاء التي تقع حولنا وتأمن بضلالها وانحرافها وبعدها عن الصراط لكن لا ينبغي أن تتخذ سيفاً يشهر على الدين .. لا ينبغي أن نتخذ الجنة وغيرها من الغيبيات التي عظمها الشرع وشعائر الله التي من تعظيمها تعظيم الله لا ينبغي أن تُتخذ عناوين لروايات أو قصائد شعرية أو يراد بها تبجيل احد أو مدح احد أو رد على طائفة أو الانتقام من فئة دين الله أعظم من هذا ... إذا أذنت شوقي يقول :-
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** لنازعتني إليه في الخلد نفسي
نحن قلنا مراراً في هذا المنبر وغيره أن حب الوطن لا يتنافى مع الإيمان بل إن الله قدم الأوطان على الأهل والأبناء كما بينا ولكن قول شوقي هذا باطل ولذلك حتى الاستشهاد به من مدرسين الأدب أو حتى الذين يكتبون عن الأوطان خطاء جداً لا يمكن أن تقارن بالجنة بأي وطن من الأوطان بل
وطني لو شغلت بالخلد عني *** لنازعتني إليه في الخلد نفسي(5/9)
هذا محال من دخل إلى الجنة لا يحن إلى شيء مما كان في الدنيا .. هذه بعض المقاربات الثقافية لمن يقولوا في الجنة ..
الأستاذ معمر : جميل جداً .. اخرج عن هذه المقاربات واعرض بعض الأشياء التي الناس يحتاجون إليها .. كنت قد أعددت بعضها وانتم أشرتم إلى بعضها .. وكثره سُأل الناس عنها من القضايا المهمة ورد في الآية في سوره الأعراف قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الأعراف43 ) بينما ورد في الحديث ( لن يدخل احد منكم الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله قال :- ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) الأشكال التي قد يثور لاسيما عند عامه الناس يا شيخ كيف نجمع بين الآية التي علقت على العمل وبين الحديث الذي قال لن يدخل الجنة بعمله ؟
الشيخ صالح : نحن الآن أمام النفي واثبات .. فالآية مثبته (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) والحديث نفي ( لن يدخل احد منكم الجنة بعمله ) فمتفقون على أن هناك نفي واثبات لكننا نقول أن المنفي غير المثبت والباء المثبتة باء السبب والباء المنفية باء العِوض فالمعنى هذا كوب فعندما تسال من اشتراه وبكم اشتريته قال بريالين فالريالان عوض وثمن لهذا واخذ الريالين البائع وأنت أخذت الكوب شراء إذا هذا عِوض أعمالنا ليست الجنة عِوض لها هذا المنفي في الحديث فأعمال بني ادم ولا عمل النبي صلى الله عليه وسلم ليس عِوض عن الجنة .. الجنة اكبر من أعمالنا هذا المنفي ..(5/10)
المثبت السبب (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أي سبب أعمالكم لا على أن أعمالكم عِوض عن الجنة أو الجنة عِوض عن أعمالكم .. ففيه مثبت وهو السبب بلى شك أن الإنسان أعماله الصالحة سبب في دخوله الجنة وإلا لدخلها كل الناس لكن كيف التمييز بالسبب والمنفي أن تكون الجنة عِوض عن العمل أو العمل مقابل الجنة.. لا.. فرق كبير مابين أعمالنا والجنة فالآية أثبتت شيء والحديث نفى شيء أخر .. فالباء سببه والباء عِوض وقد قال بعض الصالحين كلام جميل :- إن المؤمن يحرم على النار بعفو الله ويدخل الجنة برحمه الله ويرث غيره في الجنة بإعماله .. هذا قول جميل ..
الأستاذ معمر : في المقدمة أنا أشرت ما ورد في الحديث القدسي إن الله عز وجل قال :- [ اعد للمؤمنين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر] .. فكيف يا شيخ ممكن نقرب المعنى الوارد في هذا الحديث ..
الشيخ صالح : هذا ما ورد في الحديث وورد في القران جمله ({تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17 ) هذا لمن يكتب معنا من الناس نقول سنتكلم في قضيه فرائد العلم التي قلنا نحتاج إلى بعض التقييد.. نقول الأعمال ثلاثة التي يصنعها العبد حتى تربطها بالحديث ..
• عمل في قلبه فأنت أيها المؤمن تحب الله أو تكره الله هذا شيء في قلبك لا يعلم الناس انك تحب الله أو تكره الله هذا شيء في قلبك ( عمل قلبي ) تتوكل على الله صادق أو كاذب لا يعلمه إلا الله هذا عمل قلبي..(5/11)
• عمل يُسمع .. أنا عندي الأستاذ معمر واسمعه يقول :- سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله ولو كنت أنا مثلاً بجواره في الصف لا أراك أو أنت أمامي أو خلفي وأسمعك تقرءا القران فأنا الآن أسمعك تعبد الله لكني لا أراك .. واضح هذا الحالة الثانية .
• شيء تراه يصلي أمامك دخلت المسجد ورأيت احد إخوانك المسلمين .. أباك .. أخاك .. يصلي .. صائم يفطر أمامك فهذه عباده مرئية .. واضح
هذه العبادات الثلاث انظرا الآن إلى عظمه الرب جل جلاله.. فأعمال القلوب يُثبت عليها ولا خطر على قلب بشر والأعمال التي ترى يُثبت عليها ما لم تسمعه أذن, و الأعمال المرئية يُثبت عليها ما لم تراه عين .. ولا يمكن أن تخرج الأعمال عن هذه الثلاث وعلى هذا الله جل وعلا كما قلنا قال :[ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت مقابل أعمالهم المرئية ولا أذن سمعت مقابل أعمالهم المسموعة ولا خطر علة قلب بشر مقابل أعمالهم القلبية .. إذاً نحن معشر المسلمين نعلم أننا أمام رب عظيم جليل كريم أرحم الراحمين فلا يقصد أحدنا في عمل خوفاً من بخل المعطي هذا محال فنحن نتعامل مع أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين من لا تنفذ خزائنه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11))
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : أخونا فهد أشار إلى(عينان لا تمسهما النار ) يسال عن معنى هذا الحديث ؟
الشيخ صالح : الحديث صحيح (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) فمن وفقه الله جل وعلا فبكى من خشية الله وأراد بذلك وجهه الله تبارك وتعالى فإن الله جل وعلا قد حرمه على النار والموفق من وفقه الله ...
الأستاذ معمر : والشيخ محمود يسأل عن مرافقه النبي صلى الله عليه وسلم ؟(5/12)
الشيخ صالح : الشيخ محمود وفقه الله من خير من يتواصل مع البرنامج .. مرافقه النبي صلى الله عليه وسلم من طاعته ولذلك علق النبي عليه الصلاة والسلام بعض الأعمال الصالحة حتى يحث الأمة علقها بقضية جواره كقوله عليه الصلاة والسلام ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مجلس يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً ...) وربيعة بن كعب الأسلمي كما عند مسلم في الصحيح(قال: يا ربيعة سلني حاجتك قال: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة قال : أو غير ذلك يا ربيعة قال هو ذاك يا رسول الله قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود ) .. ونحن لم تكتحل أعيننا برؤيته صلوات الله وسلامه عليه لكننا نرجو الله جواره عليه الصلاة والسلام وهذا ينبغي أن يكون هناك محبة له في أول الأمر ثم يتبع ذلك أتباع لسنته و اقتفاء بأثره عليه الصلاة والسلام وقد عبر تعبير جد الشيخ محمود قال: ولا يزهد فيه مسلم .. نعم هذا عين الحقيقة لا يوجد عاقل يزهد في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم..
الأستاذ معمر : جميل جدا..أعود إلى محاوري ..يعني معلوم القول الراجح أن الجنة باقية وأنها لا تفني لكن يشكل على البعض الآية التي يقول فيها أعز من القائل ({وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108) الأشكال يرد على بعض العامة على هذا الاستثناء كيف نوجهه ؟(5/13)
الشيخ صالح : هذه الآية في هود (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ(105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ(106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108)) العلماء في هذه الآية اختلفوا تقريباً إلى ثمانية أقوال ::
? فمنهم من قال أن الاستثناء هنا المدة التي قبل أن يدخلوا الجنة ومنهم محلوله على عصاه المؤمنين الذين دخلوا الجنة متأخرين يعني كانوا في النار فتره لكن الحق الذين نعتقده أن المعنى قدره الله ومشيئته المراد به إظهار قدره الله لأنه ليس هناك استثناء لام ونظيره في القران ({قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ }يونس16) فعلقها في المشيئة لبيان القدرة ونظيره في القران قول الله جل وعلا في الإسراء ({وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً }الإسراء86) وهذا أمر لم يقع فعلقه الله جل وعلا بالمشيئة ولم يقع . علقه الله بالمشيئة حتى يثبت الله جل وعلا قدرته وانه جل وعلا رحمهم بالجنة لا أن ضعف وإنما القدرة الكاملة له سبحانه هذا أفضل تخريج فيما اعلم وهذا النص الشرعي ..
الأستاذ معمر : يا شيخ معلوم أن المسلم الجنة وانه إن شاء الله تكون نهايته الجنة ودت بعض الأحاديث إنها تحتاج إلى توجيه لاسيما في هذه الحلقة (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر)(مدمن خمر ) (لا يدخل الجنة عاق) .. كيف نواجهها يا شيخ مع القضية التي تبين للمسلم بقاءه في الجنة ؟(5/14)
الشيخ صالح : لا يدخل الجنة عاق ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر هذه أحاديث صحيحة كيف توجه ؟ يفهم منها أنهم لا يدخلون الجنة ابتداء فمن كان متلبس بها دون توبة ولم يعفو الله جل جلاله عنه من غير توبة فحكم الله جل وعلا عليه بالنار فإنه يدخل النار ثم يكون مآله إلى الجنة فيحمل قوله صلوات الله وسلامه عليه (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) أن المقصود به أنه لا يدخل الجنة ابتداءً (ولا يدخل الجنة عاق ) أي لا يدخل الجنة ابتداءً، ( لا يدخل الجنة مدمن ولو مات على التوحيد مصلى ) معنى لا يدخلها ابتداء هذا أفضل ما قيل في تخريج الحديث .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم..أيضاً من الآيات التي تحتاج إلى بيانكم لها قوله تعالى ({وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً }البقرة25 ) سؤالي يا شيخ عن آخر الآية (هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) ما المراد به وأيضاً معنى قوله تعالى (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً) ؟..(5/15)
الشيخ صالح : الآية يأمر الله نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم جنات من بين ما في الجنات فاكهة وأنعام وخيرات قال الله جل وعلا (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ) أهل الجنة (مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ ) أي أهل الجنة (هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) الإضافة هنا منقطعة ذكر الله من قبل لماذا ؟ فبنيت اللام على الضم بانقطاع الإضافة فأصبحت هذه الإضافة تحتاج إلى تقدير أن تقدر من قبل لماذا فمنهم من قدرها بمعنى منى قبل أن يدخلوا الجنة فيصبح في الدنيا فيصبح أنهم يرون ثمار تشبه ثمار الدنيا قال : ابن عباس ليس بينهما إلا الأسماء ولكن الذي نراه والعلم عند الله أن الذي يحدث وفق ظاهر الآية أنهم يرزقون ثمار ثم بعد ذلك إذا رزقوا منها خلا مكانها فإذا خلا مكان هذه الثمرة جاء غيرها فإذا لجأ إلى غيرها بعد ذلك ليأكلها وطعمها لما يروها أول مرة يحسبونه كالأول يقولون هذا الذي رزقنا من قبل ما تغير شيء لكن إذا طعموه وجدوه يختلف ولهذا قال الله (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً) الآن التشابه في الدنيا يعطيك خيارات لكن الخيارات في الدنيا لابد أن يكون الترجيح بنا على نقص في المرجوح لابد ،يعني عندما تقارن بين شيئين وتختار احدهما ما يدفعك إلى اختيار أحدهما إلا علواً في وجهه ما في المرجوح لكن هذا الخيار الذي في الآخرة قال قتادة :خيار لا رذل فيه ، يعني لا يمكن أن يكون في أي منها نقص أو عيب (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً) أي في ظاهرها واحدة لكنها مختلفة في الطعم وهذا يستمر لأن الله عبر بكلمة (كُلَّمَا) من دلائلها الاستمرار فهذا الحل في الإشكال في قوله تعالى في تقدير الإضافة من قبل والحل في قوله تعالى (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً).(5/16)
الأستاذ معمر : جميل جداً .نقف مع محور مهم للأخوات كثر السؤال عنه في الموقع أن الله عز وجل قال (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) الخطاب هنا للرجال ووعدهم بالحور العين فبنسبة للنساء لم يرد الخطاب لهن بمثل هذا ..أيضاً المرأة تكون قد تزوجت أكثر من رجل أو تكون ماتت وهي عزباء أو يكون زوجها في النار ما هو حال النساء بالنسبة في الجنة إن شاء الله ؟
الشيخ صالح : الله يدخلهن الجنة( اللهم آمين ) نقول يجب أن يفهم أصلا أن الجنة دار كرامة فمن دخلها من رجل أو امرأة أنسي أو جني نبي أو غير نبي يعرف أنه سيكرم فالمكرم في الجنة هو الله فالخوف بعد دخولها أمر منتفي والحزن بعد دخولها أمر منتفي (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }الأعراف49) عندما –والله المثل الأعلى – تقدم على مكان أو تشري قصراً أو يضيفك فلان ومعك رهط واهلك تقول : أنا سأجلس في المجلس وأهلي أين سيجلسون ؟ سيجلس أهلي في البهو لكن أين سيجلس الأبناء ؟ من حقك أن تخشى وتخاف فتتحقق لأن الذي سيستضيفك مخلوق مثلك لكن الجنة باب ضيافة رب العالمين جل جلاله فعلى الرجال والنساء على السواء من باب تحصيل الأجر أن لا يقع في قلبهم شيء من نقص سيصيرون إليه هذا محال،(5/17)
الجنة هي خير محصن دار كرامة ليس فيها من النقص شيء هذا مهم جداً في القضية ثم نأتي بعد ذلك الله جل وعلا وعد الرجال بالحور العين ولا يعلم أن الله جل جلاله وعد النساء بذلك طبعاً قد يقول قائل لماذا الفرق ثق تماماً أن هناك فرق لأنه إذا دخل الجنة لن ترى المرأة حاجة أبداً إلى مثلها أما بالنسبة للأزواج فالجنة ليس فيها عزب هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أما الزوجات فثمة آثار ثلاثة فيهن انقطاع يقول الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله – أن هذه مجموعها يحسن الحكم عليها بأنها حسنة – هذه الأحاديث تدل على أن المرأة إذا كان لها زوج صالح كتب الله له الجنة ومات قبلها ولم تتزوج بعده فإنها تكون زوجته في الجنة ومن هذا قالوا أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام كان شديد عليها فذهبت إلى أبيها أبي بكر تشتكي فقال : [ يا بنيه أصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ومات عنها كانت زوجته في الجنة ] وقالوا : أن معاوية رضي الله عنه وأرضاه خطب أم الدرداء رضي الله عنها فامتنعت وقالت : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول نفس المعنى أنها إذا مات عنها ولم تتزوج بعده انه يتزوجها , فنقل عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قالها لزوجته .. وهذه الأحاديث الثلاثة فيمن انقطاع في الآخرين الاثنين الأول حديث معاوية ليس فيه انقطاع لكن فيه رجل غير معروف العباس بن صالح لكن بمجموعها تعتبر أحاديث يمكن الحكم عليها لأن هي أولى من الرأي .. لكن أعود اكرر إن المرأة أو الرجل .. جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة .. لا يمكن أن يُعاني في الجنة مثقال ذره أو طرفه عين ..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح بعد هذا التحليل لكثير من القضايا والنصوص دعانا يا شيخ ننتقل إلى محور مهم جداً وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الدعاة الذي دعا إلى الجنة تعامل مع هذه القضية بمحاور مختلفة وقضايا متنوعة أتمنى يا شيخ أن نشير إلى هذه القضايا ..(5/18)
الشيخ صالح : كما قلتم ما دعا إلى الجنة احد أكرم من الأنبياء وأكرم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل جعل الله الرسل مبشرين بالجنة منذرين من النار .. الجنة جعلها النبي عليه الصلاة والسلام جمره زاوية في دعوته فلنأخذ عده أطروحات مثلاً الأعمال الصالحة .. العمل الصالح دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأعمال الصالحة ثم ربط هذه الأعمال بالجنة قال عليه الصلاة والسلام ( من بنا لله بيتاً ولو كمفحص قطاه بنا الله له بيتاً في الجنة ) ترغيب في العمل الصالح ( من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنا الله له بيتاً في الجنة ) ( من قراء قل هو الله احد عشر مرات في اليوم والليلة بنا الله له بيتاً في الجنة ) فهذه أعمال ربطها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة إذاً أول معيار تركه النبي صلى الله عليه وسلم في قضيه الجنة أنها جعلها مرداً للعمل الصالح حتى يرغب الناس رغبهم في قضيه ربط الأعمال الصالحة في الجنة لكن هذا غير منفك عن وصف الجنة وهذا المحور الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزهد في الدنيا فلما زهدهم في الدنيا لابد أن يضع بديلاً فوضع البديل الجنة وهذا أسلوب القران ({زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} آل عمران) فجعلها الله جل وعلا الجنة .. أُهدي النبي صلى الله عليه وسلم قطعه من حرير فجعل الصحابة يلمسونها ويتعجبون منها . فقال صلى الله عليه وسلم :- ( أوتعجبون من هذا لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا ..(5/19)
) هو ربط بتحقير الدنيا ونظير الثاني تعظيم الجنة (دخل عليه عمر وقد اثر الحصير في جنبه فكأنه رق لنبينا صلى الله عليه وسلم وقال ما قال فقال صلى الله عليه وسلم :- (أو في شك أنت يا ابن الخطاب أولئك أقوام عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ) أراد أن يقول إن الأمل والقرار المكين والسعد كله في الجنة ورآهم يحملون الحجر فيقول صلى الله عليه وسلم ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فغفر للأنصار والمهاجرة ) ويذكرهم في الجنة هذه الطريقة الثانية .
الطريقة الثالثة جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ذخر للصابرين فإذا رأى احد ممن ابتلى صرف النظر عن نوع الابتلاء علقه بالجنة حتى يكون الطمع في دخولها عون له على البلاء الذي هو فيه فمر صلى الله عليه وسلم على آل ياسر وهم يعذبون في أوائل الدعوة فقال صلى الله عليه وسلم :( صبراً آل ياسر ) كلمه صبر وحدها لا تكفي ، قال بعدها (فان موعدكم الجنة ) فنزلت هذه الكلمة عليهم رضي الله عنهم كالماء البارد المطمئن وفعلاً قضى ياسر وزوجته سميه والموعد الجنة كما اخبر صلى الله عليه وسلم يقول صلى الله عليه وسلم إن الله يقول في الحديث القدسي :[ما لعبدي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم صبر واحتسب جزاء له الجنة ] فقبض الأصفياء وأسال الله لنا ولكم العافية ومن حولنا أمرٌ يحز في القلب ويورث الحسرة لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي يعلق الأمر بالجنة حتى يكون هناك ثمة صبر ويكون هناك نوع من القدرة على تحمل ذلك الابتلاء هذا الأمر الرابع .(5/20)
الأمر الخامس الأخلاق الحميدة ونشره في المجتمع إن كان مثلاً الجدال والمراء يقول صلى الله عليه وسلم ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لم ترك المراء وان كان محقاً ) فلما أراد من الناس أن يتركوا الجدل وكثره القيل والقال علق ذلك صلى الله عليه وسلم بأنه زعيم وكفيل بيت في الجنة .. قال ( أيها الناس اطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) فجعل صلى الله عليه وسلم من الجنة مفرداً .. رمزاً .. طريقاً .. محوراً.. كل دعوته تصب في هذا الباب لأنها اظم العطايا واجل السخايا كما بيّنا في أول اللقاء ...
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح ، أيضاً من المسائل التي تظهر فيها أقوال أهل العلم من خلافات سواءً من أهل السنة والجماعة أو بينهم وبين غيرهم هي مسألة ، هل الجنة مخلوقه الآن أو أنها لم تخلق إلى الآن ؟؟
الشيخ صالح : نعم 00نحنُ قلنا في الأول الجنة مخلوقه ، موجودة الآن وهذا ظاهر كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الحق الذي لا نحيد عنه ومن زاغ عنه من أهل الفرق إنما كان ذلك بسبب تحكيمهم للعقل والقياس وتركهم للنصوص الناطقة ، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث المعراج أنه دخل الجنة فرأى أكثر أهلها المساكين
واطّلع صلى الله عليه وسلم على النار، واخبر تبارك وتعالى في كتابه الكريم إن الجنة مفتحت الأبواب ، وقال عليه الصلاة والسلام ( إذا اقبل رمضان صفّدت الشياطين ) وذكر أن الجنة تفتح 00إلى غير ذلك والحجر الذي
سمِعه عليه الصلاة والسلام وقال : هذا ألقي في النار لتوه أستقر في قعرها 00هذه الآثار وغيرها مما لا يحصى
كلها جعلت أهل السنة يقولون إن الجنة مخلوقه موجودة الآن ، يقول عليه الصلاة والسلام ( يا بلال بما سبقتني إلى الجنة ، فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أو دف نعليك أمامي وبين يدي )
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : نستأذنكم في اتصال / مداخلة الأخ عبد الرحمن(5/21)
المتصل : حقيقة ليس لي ما أضيفه على كلام الشيخ نفع الله به ورفع قدره إلا ما قاله هو بنفسه في وصف الجنة وساكنيها حيث يقول فضيلته ( الجنة نعيم لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، لهم فيها أطيب المساكن ، يدخلونها على أبيهم آدم
ستون ذراعاً في السماء ، أبناء ثلاث وثلاثين ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، يخلد ولا يموت ، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ، لهم فيها أعظم النعيم واجل العطايا من رب كريم ،تجري من تحتهم الأنهار ، وترفرف حولهم
الأطيار ، ويناديهم ربهم كما قال سبحانه ({سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }يس58) ويبقى السؤال مقتضى في دخول الجنة جملة الإيمان والعمل الصالح ، قال الله عز وجل ({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً }الكهف107 خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً }الكهف108) بارك الله فيكم 00
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ حسين
المتصل : أحببت أن أدلي بشيء عن هذه الجنة التي أعدها الله سبحانه وتعالى لعباده الأبرار فهي من الغفور الرحمن وهي سلوة الأحزان وحياة القلوب ،هي حادي النفوس ومُهيجها إلى ابتغاء القرب من رب العالمين سبحانه وتعالى
إنك حين تسمع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يعُد صحابته لا بدنيا ولا بمال ، وإنما وعدهم بجنه عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين ، وحينما تكلم عليه الصلاة والسلام وأحد أصحابه لم يكن في يده إلا تمرات فقال ماذا لنا يا رسول الله ؟؟ قال لكم جنه عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فقال : بخٍ بخ يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة السلام : ما دعاك على أن تقول هذه الكلمات ، قال : إني وجدتها حياتاً طويلة إن جلست حتى آكل هذه التمرات 00(5/22)
أيها الأحبة أولاً أحببت أن أختم كلامي هذا حتى لا أطيل فالشيخ باع طويل في هذا والمشاهدون يرغبون في المزيد ، أقول أيها الأحبة بقيت كلمتي المزيد ، فأقول حينما تسمع قوله تعالى (سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل32) هل ترى نعيماً أيها الحبيب فوق هذا النعيم ؟ نعم بقي بعد هذا الحسن ، حينما تكلم عن هذا الأمر العظيم وعن هذا الأمور فهذا اليوم المزيد ، أستمع يوم ينادي المنادي يأهل الجنة ، إن ربكم تعالى يستزيدكم ( أي يطلب زيارتكم ) فحيّ على الزيارة ،فينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح نُصب لهم منابر من نور ولؤلؤ وزبرجد وجلسوا على كثبان المسك ثم يناديهم المنادي يا أهل الجنة سلامٌ عليكم ({تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ }الأحزاب44) يا أهل الجنة هذا يوم المزيد ، ثم يكشف الرب سبحانه الحجب عنه ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما يغشاهم ، فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى الوجه الكريم في دار الآخرة ،ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ(24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة (25) )
يا سلعة الرحمن لستِ رخيصتاً *** بل أنتي غاليةٌ على الكسلانِ
أيها الأحبة من أراد الجنة فعليه أن يكون من عباد الله الذين يخشونه والذين يشفقون من عذابه ({وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ }الرعد22) في السراء والضراء ، يؤتون ما أُتوا وقلوبهم وجله ، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إذا ذكر الله وحده وجلت قلوبهم ، ّإذا تُليت عليهم آيةً زادتهم إيماناً ، على ربهم هم يتوكلون ، عن اللغو معرضون ، للزكاة فاعلون ، للفروجهم حافظون إلى على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم 0(5/23)
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المشمرين إلى الجنة ، قولوا نعم يا عباد الله كما قال أصحاب رسول الله ، يوم قالوا للنبي نحنُ المشمرون إن شاء الله .
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ يزيد
المتصل : شفاعة الشهيد يا شيخ لسبعين من أهله من دخول الجنة ، هل هو الذي يختار أم أن ذلك مقيد بالأقرب فالأقرب
* المؤمن يا شيخ إذا ودع في قبره وجعل الله له روضة من رياض الجنة ما حقيقة تزاور أرواح المؤمنين بعد الموت ، أخيراً إلى أولائك الذين تهاونوا بالمعاصي كأنهم ضمنوا دخول الجنة وقالوا لن تمسنا النار إلا أيام معودات 0
الأستاذ معمر : مداخلة الأخت أم عمار
المتصل : كيف نربط بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن من صلى اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنا الله له بيتاً في الجنة)
كيف نربط بين قوله عليه الصلاة والسلام ( من كان في قلبه مثقال ذره من كبر حُرم الجنة)
كيف نقنع الذين إذا تكلموا وردوا علينا أننا نحنُ نرجو عفو الله بإدخالنا الجنة وأيضاً حسن ظننا بالله بأن يدخلنا الجنة .
الأستاذ معمر : يا شيخ ، الشيخ حسين كانت مشاركته رائعة ، يا شيخ دار لي محور عند مداخلته فهوا أشار إلى الزيادة ورد يا شيخ في الآية (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) نتمنى لو تعلقوا على هذه الآية.
الشيخ صالح : هذا يتعلق برؤية وجه الله تبارك وتعالى ، ولعل من المناسب أن نختم به بما أنه خاتمة عطايا أهل الجنة
الأستاذ معمر : يا شيخ ، أخونا يزيد يسأل عن شفاعة الشهيد في سبعين من أهله ؟(5/24)
الشيخ صالح : ثبوت الشفاعة للشهيد فهي ثابتة بأحاديث صحيحة وجملة خروج المؤمن من الدنيا تعده الملائكة من قبل أن يخرج كما قال الله ({إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا }فصلت30) لا تحزنوا على ماذا؟ على ما مضى ولا تخافوا مما هوا قادم ، والله لا يخلف الميعاد فما أن يخرج من عنده الملكان بعد أن يسأل فيجيب إلا ويرى مقعده من الجنة وهذا الخصيصة للشهيد ولغيره ، فرؤية المرء أصلاً مقعده من الجنة هذا فضل لا يمكن أن يتصوره عقل فإن الإنسان في مرقده في قبره والناس على الأرض يتشاجرون على أموالها وفناءها
وهو يرى مقعده من الجنة ، عطايا لا توصف ولكنها لا تكون إلا لمن أخلص لله النية وسيأتي هذا ، أما الشهيد فقد ثبت في الحديث أنه يلبس تاج الوقار ، ويغفر له من أول قطرة من دمه وانه يشفع في سبعين من أهل بيته ، والحديث لم يأتي مقيداً فما أبقاه الله ورسوله مطلقاً لا نستطيع نحنُ أن نقيده والظاهر أنه مخير من باب إكرامه
هذه قضية مما يتعلق بالشهيد ، والشهداء من أرفع الناس درجات وتزاور الأرواح قال به بعض العلماء واعتبر أبن القيم رحمه الله في كتاب الروح وفي غيره على إثباته ولا أستطيع أن أجزم به لكن هذه حياة برزخ الله أعلم بكونها
وقلت أن فيه أثار لكنها ليست بتلك القوة ، لكن في مجملها قابله للتصديق أو قابله للأخذ بها .
الأستاذ معمر : يا شيخ ، يزيد طلب توجيهكم للذين يتهاونون في المعاصي ؟
هذا إن شاء الله دارج بعد قليل .
الأستاذ معمر : يا شيخ ، الأخت أم عمار كان لها سؤالان .
الشيخ صالح : تتضح الصورة لأختنا أم عمار كالتالي :(5/25)
لو فرضنا أن رجلاً محافظاً على الاثنتي عشرة ركعة وفي قلبه مثقال ذره من كبر فهذا لا يدخل الجنة ابتداءً تطبيقاً لحديث ( لا يدخل الجنة ) وفي نفس الوقت إذا أخرج من النار وأدخل الجنة بعد ذلك سيجد له بيتاً مبنياً في الجنة
بسبب صلواته التي كان يليها جمعاً بين الحديثين0
لكن نقول نحنُ نتكلم عن قضيه لاعن أحد بعينه ، نتكلم عن نصوص كيما نجليها ، أما فضل الله واسع كريم ، فالله جل وعلا منجز وعده لا محاله ، أما وعيده فإن الله يقول (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)حتى تُرى النصوص بطريقه صحيحة .
الأستاذ معمر : أشارة ( أم عمار ) يا شيخ إلى انه في حالة الوعظ قد يجاب عليها أنا مُتفائلون بحسن ظننا بالله عز وجل بأنه كما يقال التقوى في القلوب وبأن الله غفور رحيم ، ما توجيهكم نحوا ذلك ؟
الشيخ صالح : مر معنا كثيراً قضية بين جناحي طائر رأسه محبة الله أحيناً يغلب جانب الرجاء وأحياناً يغلب جانب الخوف.
فنحنُ نحسن الظن بالله ونرجو عفوه وفي نفس الوقت لا نأمن مكر الله ، فلا يوجد مؤمنٌ تقي يعرف الله حقاً يأمن مكر الله 0
({قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }المؤمنون94) وهذه من أعظم آيات التخويف في القرآن لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لربه إذا جاء أمرك وحكمت عليهم بالعذاب والسخط فلا تجعلني مع القوم الظالمين ، فإذا كان النبي يتوسل لربه بهذا فما يقول من دونه ، في نفس الوقت نحنُ نؤمل كثيراً على ظننا بربنا جل وعلا ونرجو عفو ورحمته لأنه جل وعلا هو الذي قال ({ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }غافر60) ({فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186)(5/26)
الأستاذ معمر : أحسن الله إليك يا شيخ صالح ، في التعبير عن الجنة وردت بصيغ مختلفة وردت بصيغة الأفراد بصيغة التثنية وبصيغة الجمع ، قد يُشكل على البعض يا شيخ ، فهل هي جنه واحده أم هي جنان متعددة .
الشيخ صالح : هي في الأصل جنه واحده والجنة في اللغة أي ما خفي واستتر فيقال للجن جن لأنهم لا يُرون ويُقال للمخلوق في بطن أمه جنين لأنه لا يُرى ، وقال الله (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) يعني أظلم استحالت الرؤيا ، فالجنة من حيث كيان عام واحده ثم في داخل الجنة جنان ، فمن الناس من له جنتان ومنهم من له أكثر من ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام ( بل هي جنان ) وقد قال الله ({وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }الرحمن46) ثم قال بعدها بآيات ({وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ }الرحمن62)
قال في الأولى ({ذَوَاتَا أَفْنَانٍ }الرحمن48) أي مُتنوعة ، وقال في الثانية ({مُدْهَامَّتَانِ }الرحمن64) أي تميلان للخضرة ، وقال ({فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ }الرحمن52) هناك حدد ، وقال فيها ({فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }الرحمن68) وقبلها قال ({فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ }الرحمن50)
وقال بعدها ({فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ }الرحمن66) والنضخ أقل من الجريان .
الأستاذ معمر : جميل جداً يا شيخ ، من الأسئلة الواردة على الموقع هذه السائلة تقول ، أنا أعلم أن الجنة غالية الثمن فكيف اغتنم عمري كله لأجلها وحولي فتن وأعدائي الأربعة : نفسي ، والدنيا، والهوى ، والشيطان .
الشيخ صالح : الجواب الإيماني والعمل الأفضل أن يكون متسلسلاً نورده في آخر الكلام 0
الأستاذ معمر : أورد محور آخر يا شيخ وهو من ( سارجة الأمل ) تقول يا شيخ هل هناك فرق بين أن تعمل لتدخل الجنة أو أن تعمل مخافة من النار أو أن تعمل حُباً وشوقاً وتحصيلاً لرضا الله عز وجل ؟(5/27)
الشيخ صالح : بالثلاثة ، فهذه متلازمة لا انفكاك بينها ( من كان يرجوا لقاء الله فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً) (يدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً }السجدة16) فنحنُ نعمل لرضوان الله الذي بسببه ندخل الجنة ونُجار من النار قال الله تعالى (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ }آل عمران185 )
الأستاذ معمر : يا شيخ أخوانا (سليمان بن صالح العضاض ) على الموقع يقول : منهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب كما ورد في الحديث مع شرحه إن أمكن ويتساءل يا شيخ يقول : هل يرى المرء أهله في الجنة وكيف ذلك إذا اختلفت منازلهم ؟(5/28)
الشيخ صالح : في الجنة يتزاورون تم بذلك الآثار ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن مُعولاً أكثرهم في السبعين ألف على أعمال القلوب ثم قال حثيات من حثيات ربي ، والمقصود أن دخول الجنة بغير حساب من أعظم العطايا نسأل الله أن يرزقنا ذلك ومن يسمعنا ويرانا ، وقضية تزاورهم ثابت والله جل وعلا يقول ({جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ }الرعد23) إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الثابتة ، الذي أريد أن أقوله ما مررناه في الأول أهل النار عياذاً بالله أهونهم عذاباً يرى أنه أشد أهل النار مع أن أهل الجنة أقلهم نعيم وليس فيها قليل يرى أنه أكثرهم عطاءً والتزاور أثبته الله جل وعلا فقال (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ(25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ(26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ(27) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28)الطور ) وقد ثبت في آثار أُخر فمن حيث الجملة حتى الأنبياء والمرسلون يزورهم من آمن معهم وأحبهم في الدنيا ، فالتزاور كائن وأنا أرجع إلى الأصل الأول إذا دخل الإنسان الجنة فليعلم إنه لا خوف ولا حزن وربك يقول ({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }السجدة17) كيف لمثلي أن يحدد عطايا الجنة 0
الأستاذ معمر : الأخت ( حماس ) يا شيخ تقول : من نعم الله على أهل الجنة أن تلحق بهم ذريتهم الذين أتبعوهم بإيمان ، تقول هل إذا كان الابن صالح وكانت درجته أعلى من درجة والديه في الجنة فهل يرفعان إليه ؟
الشيخ صالح : نعم يرفعان إليه ويزورانه فيها.(5/29)
الأستاذ معمر : من القضايا المهمة إن أهل الجنة أكثرهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لعلنا يا شيخ نعرج على هذه القضية
الشيخ صالح : هذه الأمة من حيث الجملة أمة مرحومة ،( فإني لأرجوا الله أن تكونوا ربع أهل الجنة ) ثم قال ( إني لأرجوا الله أن تكونوا ثلثا أهل الجنة ) ثم قال ( إني لأرجوا الله أن تكونوا شطر أهل الجنة فكبروا) ، نقول إن هذه الأمة أمة مرحومة أمة محمد صلى الله عليه وسلم لهم باب خاص يدخلون به وهم شركاء الناس فيما دون ذلك من الأبواب ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصديق رضي الله عنه يدخل من هذه الأبواب كلها رضي الله عنه وأرضاه
هذا ما يمكن أن يتعلق بالأمة وأنا أقول من حيث الجملة اللقاء هنا في قضية الجنة لا نحب أن نعرج فيه على المفردات وإنما نتكلم عن الطرائق العامة وسيأتي الغاية من الدرس وهي قضية السبيل إلى الدخول إلى الجنة
لكن هذه المقاربات التي نسمعها أو نقولها اليوم نحاول أن نضع اُطر فكريه عامه لقضية ما يمكن أن يقال من الكتاب والسنة عن الجنة ولن يخلوا ذلك من النقص
قلل للومِ عاذلٌ والعتابا *** وقولي إن أصبت فقد اصابا
وهاج القلب ليلة أذرعاةٍ *** هون لا تستطيع له طلابا
هذا كله الذي نريده ، أن الرائي للبرنامج لا يعتقد أنا نريد أن نحل مفردات فرديه وإنما نضع الجنة في إطارها العام الذي نريد أن نقربه للمشاهد 0
الأستاذ معمر : هنا السائلة يا شيخ تقول ، ورد في الحديث (لا يسترقون) ، هل هم الذين لا يطلبون أن يُقرأ عليهم أحد لأنها تقول أتحاشى هذا الأمر رغبة فيما عند الله أم انه غير ذلك أوضح لنا هذا الأمر الذي أشكل علينا كثيراً ؟
الشيخ صالح : هو هذا مُشكل لأنه ورد في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم رقته عائشة ورقى نفسه وطلب لبعض أهل بيته الرقيَ فرقته عائشة ومسحت بيديها رجاء البركة ورقاه جبريل وقال استرقوا لها فإن بها النظرة(5/30)
واسترقا لأبناء أخيه جعفر بن أبي طالب هذا الذي يحصل في البيت النبوي ، هي التي حصلت لبعض العلماء فيتحفظون على الزيادة ولا يسترقون وأنا أتوقف في المسألة ولا استطيع أن أجزم بشيء 00
الأستاذ معمر : من الأشياء الثابتة يا شيخ أن قارئ القرآن يتدرج صعوداً في الجنة حسب ما لديه من القرأه .
الشيخ صالح : هذه الأعمال الصالحة لها دور كبير في قضية العلو في الجنة وقارئ القرآن من أعظم أهل الجنة مكانه لأن أهل القران هم أهل الله جل وعلا وخاصته.
الأستاذ معمر : درجات الجنة يا شيخ لاشك أنها مُتفاوتة
الشيخ صالح : الجنة درجات ويقال كذلك لنار درجات لكنها يقال لها دركات ، والجنة درجات متفاوتة تصل إلى مئة درجه ومابين بعضها البعض كما بين السماء والأرض ،هذه مبنية على العمل فقد قلنا مراراً الناس يدخلون الجنة كلهم بفضل الله لكن منازلهم في الجنة مع فضل الله عدله ، فمنازل الأنبياء والمرسلين غير غيرهم وكلن بحسب عمله وما قدمه من عمل صالح تكون درجته في الجنة متفاوتة ،ودرجة الشهداء والصالحين (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً }النساء69) فقسم الله الخلق وجعلهم مراتب إن كان الصالحين عامه حتى الأنبياء يقال لهم صالحون 0
الأستاذ معمر : كثير من التساؤلات يا شيخ وأنتم كثيراً ما أحلتم على هذا المحور ، بعد أن بينته كثيراً من هذه التأملات جزاكم الله خير على ما أفدتمونا به ، نصل إلى الغاية يا شيخ من هذه الحلقة ، بل هي غاية كل إنسان ما هي الأسباب التي يمكن أن يدخل بها الإنسان الجنة ،قبل أن تبدأ يا شيخ لماذا أُخر هذا المحور ؟؟(5/31)
الشيخ صالح : أُخر هذا المحور لأنه من الصعب أن نتكلم عن محور بعده ، الجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها من أعظم الغايات وأجل العطايا وأسخى الهبات ، الجنة دار وعدها الله جل وعلا عباده ، قال ربنا تبارك وتعالى ({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً }الكهف108) وقال عن أوليائه المتقين (عَرَّفَهَا لَهُمْ }محمد6) وأعظم سبيل إلى الجنة توحيد الرب تبارك وتعالى ، وحظ الإنسان من ربه جل وعلا بقدر مال لله تبارك وتعالى من قدر في قلبه 00
قال الله جل وعلا يمن على أهل الإشراك بعدم معرفتهم لربهم ({وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91) وقال جل ذكره ({وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67) الطريق إلى الجنة لا يمكن أن يمر بلا توحيد الله تبارك وتعالى ، التوحيد أمر الله به الملائكة وهم كانوا غير مكلفين ولكن جُبلوا عليه(5/32)
أمر الله به الجن والأنس ({وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56) أمر الله به الأنبياء والرسل ({وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }الزخرف45 ) وقال الله جل وعلا في أكثر من آية يبين لخلقه ولعباده أنه ما أرسل الرسل وما أنزل الكتب ولا أقام الآيات ولا الشواهد ولا البراهين إلا ليوحدوه تبارك وتعالى دون سواه ويدعى من دون غيره ، قال تعالى ({وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }الأحقاف5) فكلما حقق الإنسان توحيد الرب تبارك وتعالى على النهج الأتم والنحو الأكمل كان حقاً على الله جل وعلا أن يدخله الجنة
قال قلت يا رسول الله وهو معاذ القائل ( ماحق الله على العباد ؟؟ قال : ان يعبدوه ولا يُشركوا به شيئا ) فلما أخبره ماحق العباد على الله قال أن يدخلهم الجنة إذا حققوا هذا الأمر ،فالسبيل الأعظم من حيث الجملة توحيد الرب تبارك وتعالى وإجلاله جل وعلا ، والإنسان لن يصل إلى طاعة ولن يفر من معصية إلا إذا كان عالماً بالرب جل وعلا ، العلم بأسماء الله وصفاته وأسماءه الحسنى ، وقدرته تبارك وتعالى من أعظم ما يقرب العبد إلى ربه .(5/33)
الله جل وعلا نثر الآيات أقام البراهين أبان الحجج حتى تدل على كماله جل وعلا وعلى وحدانيته وعلى أنه الخالق وحده دون سواه ، وجعل للناس أبصاراً ليروا هذه الآيات ، يرى بذلك البصر البر والفاجر والمؤمن والكافر كلهم يرون هذه الآيات لكن المؤمنين الصالحين القانتين الراغبين فيما عند الله يرون هذه الآيات ببصيرتهم فإذا رأوها ببصيرتهم دلتهم على الله( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) آل عمران)(5/34)
فإذا حُشر العباد على أرضٍ بيضاء نقيه لم يعصى الله جل وعلا فيها طرفة عين وليس فيها معلماً لأحد ، جاء أولئك الذين رأوا الآيات فدلتهم على ربهم تبارك وتعالى جاءُ فأدخلوا الجنة ثم يكرمهم الله برؤية وجهه الأكرم الذي هو أعظم الغايات ، وهو الذي سألتم عنه (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) فالزيادة رؤية الرب تبارك وتعالى ، في حديث مسلم في الصحيح ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعد يُريد أن ينجزكمُوه ، فيقولون وما هوا؟ الم يثقل موازيننا ألم يبيض وجوهنا ، الم يجرنا من النار ، الم يدخلنا إلى الجنة ،فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم من ولا أجل من نعمة رؤية وجه الله تبارك وتعالى ) والله جل وعلا حتى يربط العباد بهذه النعمة أظهر لهم ضعف المخلوقين أجمعين فشج رأس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يتعلق به الأصحاب ، وكسفت الشمس وخُسف القمر وتمور الأرض وتُكور الشمس وتنسف الجبال وتذوب السماء فتصبح كالمهل ، كل ذلك حتى لا يبقى لناس تعلقاً بأحد إلا الله ، ألا يرى المؤمن أن الله جل وعلا رزق إبراهيم ابنه إسماعيل وعلى قول أنه الذبيح رزقه إسماعيل على الكبر فتعلق قلب إبراهيم بإسماعيل فلما أراد الله جل وعلا أن يخرج حُب إسماعيل من قلب أبيه إبراهيم ليس الخروج الفطري ولكن حتى لا يكون في قلب إبراهيم احد إلا الله ، أمره الله جل وعلا بذبحه فساق الأبُ ابنهُ إلى الموت وضعهُ على الجبين حتى لا تلتقي العينان فيتغير العزم الذي فيهما ، الله يقول فلما أسلما إسماعيل وإبراهيم من قبل قلبيهما الله فلم يبقى في قلبيهما أحد غير الله قال الحق تبارك وتعالى (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ(106)(5/35)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(107) الصافات ) يقول ربنا على لسان الخليل نفسه (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ(87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89) الشعراء ) يدخل الجنة ويفوز برؤية الله من سلم قلبه من الشرك ومُلأ بالتوحيد ، من سلم قلبه من البدعة وملأ بالسنة ، من سلم قلبه من الغل والحقد والحسد وملأ بالإيمان وبحب الخير للناس ، هذا أعظم ما يدخل الناس الجنة ، قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله سيخلص رجُلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر فيقول الرب يا عبدي أظلمك كتبتي الحافظون؟ أتنكر مما ترى شيئا؟ يقول لا يا رب ، فيقول الله جل وعلا له : إن لك عندنا بطاقة ، فيقول يا رب وما تغني هذه البطاقة أمام هذه السجلات ، وفي البطاقة ( أشهد أن لا آله إلا الله ، وأشهد أن محمد رسول الله ، قال عليه الصلاة والسلام فوضعت البطاقة فرجحت البطاقة وطاشت السجلات ، ولا يثقل مع أسم الله شيء )
هو دين رب العالمين وشرعهُ *** وهو الكمال وسيدُ الأديانِ
هو دين آدم والملائكة قبلهُ *** هو دين نوحٍ صاحب الطوفانِ
هو دين إبراهيم وبنيه معاً *** و به نجا من لفحة النيرانِ
و به فدى الله الذبيح من البلاء *** لما فداهُ بأعظم القربانِ
هو دين يحيى مع أبيه وأمهِ *** نعم الصبيُ وحبذا الشيخانِ
وكمال دين الله شرع محمدٍ *** صلى عليه مُنزل القرآنِ(5/36)
والمقصود أن السبب الأعظم في دخول الجنة ، توحيد الله ، حبته ، إجلاله ، تعظيمهُ ، والله جل وعلا نعى أهل الكفر بقوله ({إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ }الصافات35 ) ({أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }ص5) كل ذلك رده الله تبارك وتعالى ، هذا أعظم الأسباب وكل سببٍ بعده تبع وهو قضية توحيد الله وإجلاله ، جعلنا الله ممن يعظمه غيباً وشهادة .
الأستاذ معمر : قبل أن ننتقل يا شيخ إلى الأسباب غير هذا السبب نأخذ هذه المُداخلات مداخلة الأخ محمد .
المتصل : بالنسبة يا شيخ للآية الكريمة ({وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }الطور21) الذرية إذا كان أحد من الصحابة رضي الله عنهم دخل الجنة وتوجد الآن من ذريته في هذا الزمن هل الذرية تكون واصله إلى زمن الصحابة ، يعني إلى أعلى جد أي الجد العشرين أو الثلاثين أو الأربعين أم أن الذرية محصورة بجزء معين ؟
الأستاذ معمر : مداخلة الأخت أم مجاهد
المتصل : يا شيخ بارك الله فيكم ، صحيح نساء الدنيا يصبحن حوراً عين في الجنة أم التي يخلقها الله سبحانه وتعالى في الجنة ليكثر بها نساء الجنة ماذا تسمى يا شيخ ؟؟
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ أحمد
المتصل : بعض الناس إذا افترى له معصية أو ذنب نُذكره بالله وبالجنة فيمني نفسه بطول الأمل وطول العمر وفي الآخرة يأمل الجنة وفي الحديث الشريف الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه ( وعزتي وجلالي لا اجمع لعبدي أمنين ولا خوفين في الدنيا ) بعض الناس يؤمّن في الدنيا وفي الآخرة فكيف نوفق بين هذه؟؟
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أخونا محمد يسأل عن الذرية هل لها حد معين أم أنها ترجع إلى الصحابة وما بعدهم ؟(5/37)
الشيخ صالح : الأصل الشرعي في الذرية الجد الخامس ، وهذا الذي يعلق به الذرية عموماً ولا أجزم به في القضية هذه ولكن مثلاً نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم فهو محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف ، الجد الثالث والبعض يوصلها إلى الجد الخامس ، ويقول لو كان صحابياً ومن ذريته موجودة ،إذا أخذنا الذرية على إطلاقها طبعاً لا أعلم فيه قولاً لأحد يدخلون ولكن الذي يتبادر لأول فهم لكلام الله وكلام رسوله إنهم لا يدخلون إلا إذا كانوا قريبين الجد الثالث أو الجد الخامس والأفضل عندي أن تقرب بالنبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم 0
الأستاذ معمر : حصره في الجد الخامس ثابت بالأدلة ؟؟؟
الشيخ صالح : لا ، الذي عليه أعمال الناس لكن في الشرع الجد الثالث.
الأستاذ معمر : أم مجاهد يا شيخ تسأل عن نساء الدنيا هل يصبحن حوراً أم ماذا ؟؟
الشيخ صالح : هذا فيه خلط ، الحور العين ليسوا من نساء الدنيا ، خلق يخلقهم الله جل وعلا ينشئهم في الجنة ، أما النساء المؤمنات في الدنيا يدخلهن الله الجنة هؤلاء ينشئهم الله على سن أبيهم آدم على هيئة حواء طبعاً نقول في طول آدم ونخرج حواء لأني لا أعلم فيها نص ، فينشئهن كما قال صلى الله عليه وسلم ( لا تدخل الجنة عجوز )( {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء }الواقعة35) الحور العين ، العين جمع عينان أي واسعة العين ، والحور جمع حوراء وهي شديدة سواد العين وشديدة بياض العين ، والعرُب المتحببين المتغنجين لأزواجهن ونظيرة قول جرير: أتصحو أم فؤادك غير صاحٍ *** عشية هم صحبك بالرواحِ
تقول العاذلات علاك شيبُ *** أهذا الشيبُ يمنعني مراحِ
يكلفني فؤادي من هواه *** ضعائن يجتزعن على الرماحِ
عراباً لم يدن مع النصارى *** ولم يأكلن من سمك القراحِ
فالعُرب هي المتقربة لصاحبها على القول في هذا المعنى ، وقال آخرون بمعنى أنهن عربيات .(5/38)
الأستاذ معمر : احمد يسأل عن حديث (لا يجمع الله لعبد أمنين)
الشيخ صالح : هذا القول أثر لا أعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن المعنى الصحيح أن الله لا يجمع أمنين لكن الأمن نسبي والمعنى أنه إذا كان إنسان أمن الله تماماً فهذا كافر فإذا قال أن الله جل وعلا لن يدخلني النار هذا كُفر وهذا الذي زعمته اليهود (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ }البقرة80) لكن المتلبسين بالمعاصي والذي قصدهم الأخ أحمد هؤلاء يُقال له تسويف لا يقصدون قطعاً أنهم لن يدخلون النار وقطعاً أن يدخلون الجنة ، لا أظن أن مؤمناً مسلماً أين كان إيمانه يقول هذا .
الأستاذ معمر : أعود يا شيخ إلى سؤال أم مجاهد واطرح قضية قد تُشكل على بعض الأخوات ،أورد أنهن أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار ، يتساءلن كيف يجمعن بين هذين الأمرين ؟؟
الشيخ صالح : هذا الجمع قال به العلماء كالقرطبي وغيره ، يظهر والله أعلم أن خلق الله للنساء أكثر من خلقه للرجال هذا الأصل الأول ، ينعكس عليه أن الجنة قبل أن يخرج منها عصاة المؤمنين من النار ، تكون النساء قليل فإذا خرج عصاة المؤمنين بما فيهم النساء من النار صرن أكثر من الرجال باعتبار أن خلق النساء أكثر من خلق الرجال هذا تخريج
التخريج الآخر قالوا هذا بالنظر إلى الحور العين لأنه يعطى حوريتان المؤمن ، أول طائفة تدخل الجنة بطبع العدد مضاعف ، من هذا الباب تكون النساء أكثر إذا نظرنا إليها بمجموع النساء الحور وغير الحور وتكون النساء أقل إذا أخرجنا الحور .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح ، أختم بإشارة يسيره وهي توجهونها للأخوات بما يثار الآن من تغريبهن من بعض القرارات التي قد تؤثر في هذا الأمر نختم به ، نسأل الله عز وجل أن يحفظ نساء المسلمين ؟(5/39)
الشيخ صالح : جعل الله البيت جنه للمؤمنة في الدنيا فمن لزمته أرجوا الله أن يكتب لها الجنة ، والمؤمن يتحسر عندما يرى بعض أبناء جلدتنا ممن يُدينون بالإسلام للأسف يسعون إلى أخراجها من ما كتبه الله جل وعلا أن تستقر فيه ، وأنا لن أخاطب غيرها أنا أخاطب المرأة نفسها ، أصلاً لا يحبب الرجل في المرأة أكثر من حياءها هذا من حيث الحظ الدنيوي ومن حيث الأخروي فإن الله جل وعلا جعل المفردات من النساء كخديجة وآسيه ومريم وأشباهها عاكفات في بيوتهن مما يظهر لنا من سيرتهم العطرة رضي الله عليهن أجمعين ، كل ما أريد أن أقوله أنها موضوعه في شراك ينبغي عليها أن تتحرز منه وان تتقي الله في الدنيا حتى يكرمها الله جل وعلا برؤيته ودخول جنته 00
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح ، لم يبقى لي إلا أن أشكركم أصالةً ونيابة عن فريق العمل والمشاهدين جزاكم الله خير ، أختم بما أشار إليه مشرفنا حفظه الله ، أسأل الله عز وجل كما جمعنا في هذه الدنيا الفانية أن يجمعنا في جنه عاليه قطوفها دانيه .
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/40)
حلقة القطوف الدانية لشهر محرم 1428هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله العلي العظيم , العليم الحكيم , والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى اله وصحبه أجمعين .
مشاهدي الكرام :-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وأهلاً ومرحباً بكم في حلقه جديدة من برنامجكم القطوف الدانية والذي يأتيكم ثاني أثنين من كل شهر وفي مستهل هذا اللقاء اسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيام يوم عاشورا .. أيها الأحبة نتحدث في هذه الحلقة عن صفة لها مكانة عظيمة في دين الله وفي نفوس العقلاء من البشر ومتى اتصفت بها الأقوال والأفعال صار لها قدر وقيمه , هذه الصفة ليست مجرد معلومات يختزنها الإنسان في فكرة كأي شيء مما يبني الفكر أو يثيره وليست أسلوب مميزاً لممارسة العملية للأشياء في المجالات الخاصة والعامة , أيضاً هي لا تعد حالة داخلية تطبع شخصية الإنسان فتجعل منه عنصراً فاعلاً في تدبر الحياة وتنميتها على الأساس المتين , بل هي مجموعة من كل هذه العناصر اتصف بها الرب واتصف بها الوحي المنزل منه وأكرم بها بعض خلقه محاسنها كثيرة ولا يمكن أن يبينها مثل قوله تعالى ِ(وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }البقرة269 ) الحكمة هي موضوع حوارنا في هذه الحلقة مع ضيفنا فضيلة الشيخ :-صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء في المدينة المنورة في مستهل هذه الحلقة يشرفني باسمكم جميعاً أن أرحب بضيفنا فحياكم الله ..
يا شيخ قبل أن ابدأ في المحاور التفصيلية لهذا الموضوع .. لا شك أن هذا الموضوع موضوع مهم قبل أن نتكلم فيه كلاماً بشرياً لعلنا نؤصله تأصيل , الآيات كثيرة والأحاديث كثيرة التي نصت على هذه الصفة وشرحتها إن أذنتم لي أن تعرض أهم هذه الآيات وأهم الأحاديث ثم أبين المراد منها ..(5/1)
الشيخ صالح : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له لواء ودثار أهل التقوى , وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته , فجزاه الله بأفضل ما جزا نبيناً عن أمته .. أما بعد :-
نكرر الترحيب بالأخوة المشاهدين ونسال الله أن يوفقنا فيما نقول في هذا اليوم الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً صالحاً فقد نجا الله فيه عبداً صالحاً هم موسى ابن عمران ومن معه من المؤمنين , الحكمة كل عمل ينجم من وراءه فائدة ليس عبثاً في ذاته فهو يدل على حكمة فاعله ومن أظهر الأدلة على هذا أن الله جل وعلا أخبر بأنه خلق الثقلين لحكمة عظيمة قال ({وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56) وقال في سورة أخرى ({أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً }المؤمنون115 ) فلما نزه الله جل وعلا خلقه وصنيعه هذا تبارك وتعالى عن العبث دل على انه صنعه لحكمة , يظهر من هذا أي عمل أو قول يوضع في وضعه الصحيح وينجم عنه ثمرة عاجلة أو أجله دنيويه أو أخروية فهو من الحكمة وهذا شيء نسبي فكلما كانت فعال الإنسان أقرب إلى الثمرة في العاجل أو الأجل دلت على حكمته وكلما كانت فعال الإنسان لا ثمرة لها عاجلة أو أجلة دلت على عبثه وخلوه من الحكمة هذا من حيث المدخل على للموضوع على أن الحكمة تطلب بها غير الذي ذكرناه , الله يقول ({وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }الأحزاب34) والمقصود بها من السنة ليس لهذا المصطلح علاقة بالمصطلح الذي نحن فيه وإن كانت معرفة السنة من الحكمة لكن الله جل وعلا يقول (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وهذا إخبار من الخالق جل جلاله على أن الإنسان إذا وفقه الله جل وعلا للحكمة في قوله وفعله فقد منَ الله عليه بالخير الوفير وما(5/2)
أجمله القران تبينه السنة فالنبي صلى الله عليه وسلم اُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لكن ذلك الإسراء مر بخطوات قبل أن يركب عليه الصلاة والسلام البراق دل عليها ما ثبت في الأحاديث الصحيحة فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم شق صدره وأخرج قلبه وملا إيماناً وحكمة , قال العلماء ممن شرح هذا الحديث من أئمة الدين قالوا : دل ذلك على أن الحكمة أفضل ما يعطاه الإنسان بعد الإيمان ، لأن قلب النبي صلى الله عليه وسلم مُلأ بتلك الحكمة التي هيأ فيها لأمر زائد في الرسالة والرحلة عظيمة في الملكوت الأعلى والمحل الأسمى إنما ملأ قلبه إيماناً وحكمة , وقال أهل العلم : إنه لا يوجد شيء أعظم من الحكمة لملأ مع الإيمان ، لكن لما قرن الله مابين الإيمان والحكمة في قلب نبيه صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أن الحكمة لها منزلتها العظيمة عند الله جل وعلا وهي من الخير العظيم الذي يؤتيه الله جل وعلا من يشاء من عبادة وهي متلبسة في أفعال الصالحين وأخبار المتقين هذا مجمل ما يمكن أن يقال في منطلق الأمر عن حاجة الناس للحكمة .
الأستاذ معمر : بالنسبة يا شيخ أشرت قبل قليل في أثناء حديثك عن مسألة النسبية بالنسبة لموضوع الحكمة هل هذه النسبية ترجع إلى الأفعال بمعنى هذا الفعل يكون حكمة أو ترجع إلى ذوات الأشخاص ؟؟(5/3)
الشيخ صالح : لا .. العمل نفسه فعله يتخلله نسبية الحكمة الشخص يوصف بأنة حكيم إذا كان أكثر فعله موافق للصواب ينجم عنه ثمره ويتقي به مفسده هذا يوصف بأنه حكيم ولذلك مع التجارب كما سيأتي تتفق مع كلماته وقد يقول الإنسان قولاً ينتفع به الناس ولا ينتفع منه فهو حكيم في قوله غير حكيم في فعله .. لكن المهم أن يكون في العمل ثمرة وهذا الذي يدل على حكمته أما يتقي بها شيء أو يجلب بها خير . هنا نقطه أساسيه نحن هنا لم نأتي لنقول للناس الحكمة واحد + اثنين + ثلاثة ويشربونها كالماء هذا محال . أن ينقلب للناس حكماء من لقاء تلفاز لكننا هنا كيف نبني العقل ثقافياً مع الأيام ومع ما ذكرناه ومع طرائق أخر يجمعها الإنسان مع نفسه يصل قدر الإمكان إلى مرحلة الحكمة ..
الأستاذ معمر : فيما تعلق بالتأصيل .. نعود قليلاً إلى الآيات التي ذكرت .. كثير من الآيات ذكرت الحكمة وفسرها المفسرون على أنها سنه .. هل يفهم من ذلك يا شيخ أن الارتباط وثيق بين هذين المصدرين من مصادر الإسلام ؟؟
الشيخ صالح : نعم الكتاب والسنة مهيمنان على كل شيء ( تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ) وهما أعظم المصادر كتاب الله وسنه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قضيه أساسيه وهي قضية التوحيد لأن الله جل وعلا قال ( ذلك مما أوحي إليك ربك من الحكمة ) قال رحمه الله :[ وهذا دليل على أن التوحيد رأس الدين كله والحكمة رأسها توحيد الله جل وعلا ] ..
الأستاذ معمر : نعود يا شيخ استنباط من هذه الأدلة كما قلت إننا لا يمكن أن نصنع الحكمة في هذا اللقاء لكن هل يمكن أن نضع أركان عامة ومن خلالها ممكن أن تتحقق هذه الصفة ؟؟(5/4)
الشيخ صالح : نعم . الحكمة ثلاثة أركان: العلم والحلم والأناة ، ولعلنا نناقش سوياً هذه الثلاث .. العلم ما ضده ؟ ضده الجهل الذي يعني عدم العلم لأن الحلم كذلك ضده الجهل فنبدأ بالعلم الذي ضده الجهل , العلم بالشيء يساعد على حسن التصرف فيه فإذا أحسنا التصرف في الأمر دل ذلك على الحكمة فمثلاً أهل الدعوة يحتاجون إلى العلم الشرعي حتى يدعون إلى الله بالحكمة ولهذا قرن الله جل وعلا بينهما ({قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ }يوسف108) وقال في أية أخرى ({ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }النحل125) أهل السياسة مثلاً من لا يكن له باع علمي معرفة بالأحوال لا يمكن أن يكون هناك سبباً صحيح , فلا بد من العلم حتى يكون الإنسان سياسياً موفقاً حتى يكون تاجراً حكيماً يستطيع أن يجلب الدنيا والدراهم لنفسه لابد أن يكون على علم وبصيرة بالسوق فالعلم مفتاح لكل ما نقصده لكن كلما كان علم الإنسان شمولياً كان اقرب إلى الحكمة , في تعامله مع الناس في تجارته في سياسته بحسب الموضع الذي هو فيه , الحكمة ليست شيئاً أوصفه يحتاج كوادره من الناس الزوج في تعامله مع زوجته يحتاج إلى حكمة , رب الأسرة في سياسته لأبنائه يحتاج إلى حكمة , الداعية في منبره والخطيب في محرابه والسياسي في مكتبه والتاجر في محله , كل احد يحتاج إلى الحكمة حتى لا يحكم على نفسه بالهلاك وحتى يجني الثمار التي يريدها .. المؤمن في مسيرته إلى الله يحتاج إلى الحكمة .. فنقول أنا كلنا نحتاج إليها فمدام الجميع يحتاج إلى الحكمة نبدأ بالعلم الخاص في القضية نفسها وعلم شمولي عام أوسع من ذلك .. لا شك إذا وجد العلم الشمولي مع العلم من جهة الاختصاص نصل جميعاً إلى ما نريد وهذا معنى قول أن العلم أول أركان الحكمة ..
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ محمود ..(5/5)
المتصل : إن شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب على المسلم أن يحمل بين جنبيه اعتقاداً جازماً بان مكارم الأخلاق جميعها لم يستأثر بحيزها بشر كما كان ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبذا لو ذكر شيخنا بعض من مواقف نبينا صلى الله عليه وسلم التي أتت أكلها وان كان الظاهر منها في أول الأمر بعيدة عن ذلك كصلح الحديبية الأمر الأخر يفاجئنا مع إشراقه كل صباح تنكر كثير من فتيات الأمة وشبابها في سبيل العرض والحكمة حين يأذنوا لأعدائنا وغيرهم من أرباب الأعلام الفاسد أن يلعبوا بهم ويصرفهم كالعب الأفعال بالأسماء نساء يترجلن ورجال يتأنثون وبعضهم وللأسف من حملت الشهادات الجامعية واو في وظائف لا يمكن بعدها أن يعذرون على هذا الجهل الفاضح فما توجيه الشيخ حفظه الله ؟
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ سلطان ..
المتصل : أقول الناس في حاجه إلى كنف كريم وبشاشه سمحة بحاجه إلى ود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم بحاجه إلى من يحمل همومهم ولا يثقل عليهم بهمومهم من اجل هذا جاءت الرحمة الربانية بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول القدوة ({فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }آل عمران159 ) فما غضب قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري أعطاهم كل ما ملكت يداه وما نازعهم في شيء من أعراضهم وسعهم حلمهم وبرهم أنا أقول أخيراً حينما يوهب العبد قلباً رحيماً وطبعاً رقيقاً مع العلم والحكمة فإنه لا يستكثر على الصغير والجاهل أن يصدر منهما صدود الناس لكن رحمة بهم وشفقته عليهم لا تنفك نفريه بالكره تلو الكره كما يعاود الوالدان الحريصان على ولدها بالغذاء والدواء في حال الصحة والمرض .(5/6)
الأستاذ معمر : أعود فضيلة الشيخ إلى مداخلة الأخ محمود أشار إلى نقاط مهمة جداً بداية طلب من فضيلتكم ذكر بعض المواقف للرسول صلى الله عليه وسلم التي تدل على حكمته وان كانت كلها تدل على ذلك ؟؟
الشيخ صالح : اشكر فضيلة الشيخ محمود على مداخلته القيمة وعلى سؤاله الذي أراد به نفع لمن يشاهد ويسمع إما ما ذكره من الطلب .. النبي صلى الله عليه وسلم سيد الحكماء بلا شك وقد قلنا أن الله جل وعلا جعل في قلبه الإيمان والحكمة وكل أحواله صلى الله عليه وسلم كانت تتصف بالحكمة هو حدد مقصد معين وهي قضية الثمار العاجلة التي لا يظهر في أولها هذه حدثت في أول الدعوة إلى الله جل وعلا يقول (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }الإسراء59) فطلب منه القرشيون أن يجعل لهم الصفاء ذهباً فجاءه جبريل وقال أن شئت جعلت الصفاء ذهبا على أن يؤمنوا وان لم يؤمنوا أهلكهم الله أو تنتظر حتى يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله فقبل صلى الله عليه وسلم بان يتهموه بالعجز لأنه ما اخرج لهم الصفاء ذهباً على أن يكون من وراء ذلك أمم بعد ذلك تكون تحمل الراية حتى أبو سفيان الذي حمل الراية مراراً عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم حملها بعد ذلك رفعة للدين وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم وقد قلنا في أركان الحكمة .. وأنا قلت أريد أن أُصل . قلنا الأناة والعلم والحلم فالعلم صلى الله عليه وسلم بأنه وحياً وقضية تأجيل الثمرة والأناة في القصة هذا كله أثمر.. كما فهم عمر في بادي الرأي قضية أنها ذلة على المؤمنين ثم نجم منها أن دخل الناس لدين الله أفواجاً في أيام الصلح هذا كله يدل على حكمته صلى الله عليه وسلم ذكرنا مراراً دخوله صلى الله عليه وسلم في المدينة ولم يقبل دعوة الأوس ولا الخزرج بأن يفي إلى أحد القبيلتين ويقول خلوا سبيليها فإنها مأمورة حتى لا يقول أحد أنه بايع الأخر أول يوم هذا كله من دلائل حكمته عليه الصلاة والسلام والسيرة ..(5/7)
الأستاذ معمر : أيضا يشير إلى مسألة وهي ليست من الحكمة وهي انسياق شبابنا وفتياتنا لبعض وسائل الإعلام الهدامة ..
الشيخ صالح : هذا أمر يدمي القلب وما ذكره الشيخ من ترجل النساء وتأنث الرجال هذا واضح وهذا كله من ناجم من الخواء الروحي وعدم معرفة الطريق ولم يعرف الله قدر المعرفة فإنه إذا وجدت قلوب تعرف الله نجم عن ذلك أعمال تجل الله وتعظمه تبارك وتعالى .
الأستاذ معمر : الأخت أمل تشير هل الحكمة خاصة بالمؤمن أو ممكن أن يؤتها للكافر ؟
الشيخ صالح : من حيث العموم نعم قد يؤتى الحكمة لكن ليست الحكمة بمفهومها الكامل وإنما يؤتى حكمة في بعض أفعاله كأن يصيب في بعض أفعاله وهذا نعم يقع لكن لا يقال بأنه حكيم لأن من جهل الله لا يمكن أن يوصف بأنه حكيم لكن يوصف فعله وتصرفه في ذلك الأمر بأنه حكيم.. هذا لا باس به..(5/8)
الشيخ سلطان من أهل الخفجي وأنا زرت الخفجي وأنعم وأكرم بالشيخ سلطان وبأهل الخفجي جميعها بلا أستثناء ...ذكر قضية إذا كان الإنسان كريماً وهو يوجه خطاب للدعاة , هذا أمر مهم جداً نحن نقرأ في السيرة أن أبو بكر رضي الله عنه فرح ودمعت عيناه في يوم الهجرة لم علم أن النبي صلى الله عليه وسلم وافق أن يصحبه تقول عائشة رضي الله عنها : ما كنت أعلم أن احد يبكي من الفرح – وهي تكلم على علمها وإلا فيه من الناس من يبكي من الفرح وعندما قالت ذلك كانت صغيرة – موضع الشاهد نحن الآن أمام الصديق وقبله النبي صلى الله عليه وسلم فنتأسى بالصديق في محبته لنبي صلى الله عليه وسلم فقدوتنا في محبة الرسول أبو بكر لأن أبا بكر أعظم الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم بصفاته التي من أجلها أحبه أبو بكر وأحبه المؤمنين يعني أبو بكر لم يحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما وجد فيه خصالاً يستحق أن يحب وأن يفديه وما فرض الله عليه من الأمر بمحبته لنبي صلى الله عليه وسلم لكن بلا شك كانت فيه صلى الله عليه وسلم صفات كمال وجلال بشري أعطاه الله إياه أمرنا بأن نتأسى فيه رغم علم الله أننا لن نصل إلى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم لكن من باب التأسي بالصالحين والإقتداء بالمتقين بل سيدهم صلى الله عليه وسلم فيكون إقتدائنا بابي بكر بمحبته بالنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الصفات من أعظم الصفات.،، وهذا موضع الربط بين سؤال الشيخ سلطان وبين القصة:
من أعظم الصفات التي جعلت أبو بكر يحب النبي صلى الله عليه وسلم للناس وهو ما أكد عليه الشيخ سلطان البشاشة المودة والمحبة مال لناس بقلوبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوه أن هذا النبي يسهر ليناموا ويعمل ليستريحوا و يفديهم بروحه وماله وبين له الطريق الموصل إلى الله ..يقول أحد الشعراء :
فإذا أحب الله باطن عبده *** ظهرت عليه مواهب الفتاح ِ(5/9)
وإذا صفت الله نية مصلح *** مال العباد إليه بالأرواحِ
فمن رزق الإقتداء مع صلاح النية أحبه الناس ...
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : نايف من الكويت يسال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر28)
الشيخ صالح : كل من عصى الله فهو جاهل كل من خشي الله جل وعلا فهو عالم بمقدار ما عصي العبد ربه يسمى جاهل وبمقدار ما تقي الله يسمى عالم.. قال الحسن رحمه الله :[ أنما العلم خشية ] .. وأعظم الأدلة على العلم بالله الخشية منه تبارك وتعالى .. ولهذا قال جل ذكره (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) والمقصود إعراب الآية إنما أداه حصر يخشى فعل مضارع مرفوع و علامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر ولفظ الجلالة مفعوله به مقدر للحصر .. من جار وعباد اسم مجرور وهي مضاف والهاء مضاف إليه والعلماء فاعل مؤخر .. ويصبح المعنى كل خشي الله فهو عالم ومقدار خشيته وينجم عن هذا كل من عصي الله جل وعلا فهو جاهل بمقدار تلك المعصية والعلم في ذاته ليس فيه شرف إنما الشرف فيما ينجم عن العلم من تقوى الله وخشيته:
لو كان في العلم غير التقى شرفاً *** لكان أشرف خلق الله إبليس
الله جل وعلا يقول ذكر مثل العالم السوء الذي يهمل بما يعلم وهذا بينه الله كما في سورة المائدة : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث َ }الأعراف176) والمقصود أن خشية الله جل وعلا من أجل القرائن والدلائل على العلم بالله تبارك وتعالى ..
الأستاذ معمر : قبل قليل أشرت يا شيخ صالح إلى الأركان التي تقوم عليه الحكمة العلم والحلم والأناة .. لكن نلاحظ بعض العموم في هذه الأركان دعنا نخصص الحديث نوعاً ما ونتحدث عن المدركات التي يحتاج إليها المرء لكي يتحلى بهذه الصفة(5/10)
الشيخ صالح : هذا سؤال جزاكم الله خير في موضعه لعل من أعظم المدركات التي من خلالها يصل الإنسان إلى أن يكون حكيماً ولو قليلاً ..
- معرفة الأشباه والنظائر:: أستاذي الكريم الإنسان لا يفرق ما بين متماثلين هذا لا يعقل ولا يجمع ما بين متناقصين ولهذا الشرع لا يوجد فيه جمع مابين متناقضين ولا تفريق مابين متماثلين الأشباه والنظائر يساق بعضها إلى بعض الإنسان يطلع على أحوال العباد يقرأ في تاريخ سبق فإذا أدلهم به الأمر نزلت به نازله تحتاج إلى تصرف حكيم جمع الأشباه والنظائر وقاس النظير على النظير قد يقول الإنسان أين الدليل من السنة على هذا سنذكر حديثاً قد لا يكون مشهور أخرج الإمام النسائي في السنن أظنه في كتاب الجهاد في حديث صحيح السند صححه الألباني رحمه الله تعالى عليه : أنه يختصم عند الله جل وعلا طائفتان الشهداء المقتولون في المعركة يختصمون مع من؟ مع المتوفون من المؤمنين على فرشهم يختصمون فيمن موتى الطاعون ، لماذا يختصمون القتلى الذين في المعركة يقولون هؤلاء إخواننا يعني أجرهم أجرنا لأن جراحهم تشبه جراحنا ـ الذين توفوا على فرشهم ـ يقولون هؤلاء تبع لنا لأنهم مثلنا ماتوا على الفراش ولم يدخلوا المعركة .. فيقول الله لملائكة أنظروا إلى جراحهم فينظرون إلى جراح موتى الطاعون وتجد الملائكة أن جراح من يموت بالطاعون.. كجراح من يموت بالمعركة فيلحقون بالقتلى .. هذا شاهد على أن النظير يدخل حكم النظير فالذين يتوفون على فرشهم نظروا إلى الظاهر وهو الموت على الفراش والشهداء الذين ماتوا في المعركة نظروا إلى الباطن فلما حكم الرب جل وعلا وهو أصدق الحاكمين بينهم وأمر ملائكته أن ينظروا إلى تلك الجراح وهي ظاهرة وجدوها أقرب إلى القتلى .. هذا دليلنا على أن الإنسان حتى يكون حكيماً ..(5/11)
تصرفه قوله حكمه فعله مقارب للصواب لابد أن يكون هناك أشباه ونظائر منها نفهم لماذا الله قص علينا أخبار الأمم السابقة حتى نكون حكماء فنعلم أن النظير يأخذ حكم نظيره فإذا كانت الأمم التي سلفت أهلكت بذنوبها قطعاً نحن إذا أذنبنا نهلك بذنوبنا وإلا كان لا معنى لوجود ذلك الأصل القرآني والله جل وعلا قال ({فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ}العنكبوت40) وذكر السبب ولهذا أمر الله جل وعلا في السير في الأرض والنظر في الديار والتأمل في الأفاق حتى نأخذ منها العبرة وقد قلنا قبل قليل ..إنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليهم الصفا ذهبا والله جل وعلا قال لنبيه ({وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }الإسراء59) إن قومك ـ والنظير يأخذ حكم نظيره ـ لو جعلنا الصفا ذهبا لكذب بها قومك فالسنة تقضي أن سيهلكهم ..إذاً هذا معنى أن النظير يأخذ حكم نظيره ..
حتى في حياتنا اليومية أحياناً الإنسان في شيء له يطالب به وقد يقع عليه مثل الشيء فيقع عليه واجب فلا يعطيه ..ما دمت طلبته لنفسك من حق الناس أن تعطيهم إياه هذه سنة الله جل وعلا في خلقه وصانعوها ومتأملوها ومتدبروها الذين جمعوا الأشباه والنظائر هم الحكماء حقاً هذه أيها المبارك أول المدركات ..(5/12)
الثاني : معرفة الاختلاف البشري نحن ندرك أستاذ معمر أن الناس لن يكونوا على سجيه واحده ونحن لا نريد أن ننطلق من نظريات غربية أو أقوال أدباء أو مؤرخين أو غير ذلك كما أصلنا الأول بالسنة نؤصل هنا بالسنة فنبينا صلى الله عليه وسلم كفانا مؤنه كل شيء بفضل لله ، نقول النماذج البشرية تختلف ..كان هناك عبد أسمه مغيث وجارية أسمها بريره ـ زوجان ـ كان بمقدار ما يحب مغيثاً بريره بمقدار ما هي تكرهه كاتبت سيدها فكاتبوها عملاً بآية فلما كاتبوها نالت حريتها المرأة إذا نالت حريتها حق لها إن كان زوجها رقيقاً عبداً أن تطلب منه الطلاق ...
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح لو نبين المكاتبة حتى تتضح ..
الشيخ صالح : المكاتبة أن المرء { العبد أو الأمة } يدفع أقساط لسيده يتفقان مثلاً على عشرة ألآلاف ريال فيدفع كل شهر فيجمع المال إما من الناس أو من الصدقات أو يعمل بزيادة فخلال عشره أشهر مثلاً يبقى عبداً حتى يكمل تلك المكاتبة.. بريره اتفقت معه على مبلغ استعانت بعائشة فأعطتها حتى يكون الولاء لها قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الولاء لمن أعتق ) نالت حريتها لما نالت حريتها حق لها شرعاً الانفصال فأخذ مغيث يتبعها يطوف يقول ابن عباس في البخاري [ كأني أراه يطوف حولها وهو يبكي دموعه على لحيته وهي لا تريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس ـ والنبي سيد الحكماء ويعرف معنى اختلاف النماذج البشرية ـ فقال : [ ألا تعجب من حب مغيث بريره وبغض بريره مغيثاً ] .. ثم قال صلى الله عليه وسلم [ إلا تراجعيه قالت : يا رسول الله هل - هذا أمر – قال : أنما أنا شافع قالت : لا حاجة لي به ](5/13)
أين النموذج هنا ؟؟ أنه يوجد رجال لو أن ابنهم أبغضهم تبرءوا منه ويوجد أبناء لو أن أبناءهم أبغضهم تبرءوا منهم وكما يقول [ لو أن يمينه نازعته لقطعها ] لا يقبل أن أحداً يبغضه .. أنا أقصد تفاوت الناس يجعلك وأنت تنظر للناس إذا كنت تعرف أن هناك اختلاف في البشر.. تقبلت ما يصنعه البشر .. الحكيم ينظر للناس كما هم عليه لا كما يريد كشخصيته ، النبي صلى الله عليه وسلم يعرف ولهذا جعل ذلك عنوان للعجب قال لعمه إلا تعجب , رجل يتبع امرأة يكاد يموت ولهاً بها وهي تبغضه فسبحان الذي جعل في قلب مغيث تلك المحبة لبريره وجعل في قلب بريره ذلك البغض لمغيث .. لكنني كرجل ناظر للأحداث من حولي أن الناس يختلفون ثم إذا وجد هذا في مجتمع الصحابة فما بالك في المجتمعات الأخرى إذا ينجم عن هذا زيادة فضل في العلم بالناس أنه توجد مشاكل الحكيم لا يجد لها حل ومن الناس عندما تغيب عنه الحكمة يفرقون في الجزيئات .. فأحياناً تأتينا اتصالات تنص حول شيء معين أخبره بعجزي عن حل القضية يقول : لا ليس هناك قضية ليس لها حل فنريد أن نبين أننا نمسي ونصبح في جزيئات ثمة قضايا تتكفل بها الأيام لا نستطيع أن نفعل لها شيء بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حاول أن يتشفع ولم تقبل بريرة شفاعته إذاً ما الحل ؟ نجبرها ! يفعل بها ماذا ؟ على مغيث أن يصبر بالنسبة له مشكلة يبحث لها عن حل لكن منتهى الأمر أن يتشفع رسول الله إذاً ثمة أشياء نتركها للأيام والسنون للنسيان ولا يغرق فيها إغراق يشغلنا ثم تخيل أنت كحكيم تبتلى بأناس يعني فيه عيوب لا يمكن نزعها ومن الخطأ أن أشغل نفسي فيها قد يوجد بعض الدعاة يشغل نفسه بشاب في الحي ليس عنده قضية إلا أن يهتدي هذا الشاب الليل والنهار وهو يحاول معه وهو يقول ({إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى }الأعلى9) هناك في الحي عشرات الشباب غيره وفي الأمة مئات غير هذه القضية فلا تجعل نفسك في قضية واحده ليل ونهار كأنك تريد أنها قضيتك ..(5/14)
أديباً يقولون أن هارون الرشيد كان له عم أو خال – أحد قرابته – أسمه العباس بن محمد كان هارون يجله وهارون على أسمه رشيد وكان هارون يغدق العطايا على العباس الذي هو خاله وأصبح رجل ذا مال فجاء أحد الشعراء أسمه ربعه الرقي من الرقة منطقة بالعرايق كتب فيه أبيات خالدة في المدح قال في آخرها :
كأن المكارم كانت معقودة *** حتى حللت براحتيك عقالها
البيت طويل لم أتت به صحيحاً لكن المقصود أن الأبيات في ذروة المدح ثم ماذا فعل هذا بعث مع رسول غلام في ذلك الزمن الذي تكثر فيه العطايا بعث بدينارين ! قصيدة من درر القصائد في مدحه يكافئ بها بدينارين .. فلما جاءه الرسول يحمل دينارين للشاعر جُنّ كتب عليها في الخلف أبيات يذم فيها العباس ويتبرأ من ذلك المدح ويقول أنها كذبة وافتراء فهؤلاء يستحقها وإعطاء الغلام الدينارين وأرسلها له فلما وصلت الأبيات التي هجا فيها ربعه خال هارون الرشيد غضب واشتكاه على هارون أقبل هارون وقال خالي وتعلم أنه أجير عندي ومنزلته عالية تهجوه قال يا أمير المؤمنين أسمع لقد مدحته بأبيات ما مدح أحد بها فأصر على أن يسمعها هارون فأسمعها فلما سمعها هارون تعجب من ما فيها من علو كعب بالمدح فقال ** يا أمير المؤمنين كم كافئني عليها فأخذ العباس يحاول أن يضيع القضية ولا يجيب فأستحلفه هارون فحلف بأنها دينارين فكاد يجن هارون ثم قال له أنت ـ يقول لخاله ـ الذي جعلك أن تهدي هذه القصيدة بدينارين إما أوتيت من قبل مالك وأما أوتيت من قبل أصلك وأما أتيت من قبل نفسك،،
فأما من قبل مالك فليس لك عذر عندك مال وأما من قبل أصلك فأنت من آل البيت أصلك لا يدانيه شيء ما بقيت إلا نفسك فتغير هارون عليه وأصبح لا يقربه وأعطى الشاعر ، موضوع الشاهد تبتلى أنت أحياناً بأناس في هذا المجتمع فماذا تفعل بهم ؟ لكن لا يكون قضيتك ليل ونهار من الحكمة أن تتجنبهم .(5/15)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أنت علقت بعض الحلول بمسألة مرور الأيام دعني أنظر لهذا الموضوع من زاوية أخرى هي كثيرة التجارب والخبرات للإنسان ليس تولد عنده شيء من الحكمة ؟
هذه نجعلها ثالث المدركات أيها المبارك كثرة التجارب وأنت أخذتها مما مضى كثرة التجارب يقول عمر رضي الله عنه [ من عرف الأيام معرفتي بها ]
كثرة التجارب تغير من الرأي فيه شيء في الدنيا أسمه بادي الرأي .. الرأي الأول لكن التجارب مع طول الأيام ولذلك يقولون الأمة تحتاج إلى حماس الشباب وخبرة الكهول ـ أي حكمة الكهول ـ كثرة التجارب تغير كثير من القناعات وتبدد كثير من النظريات والإنسان إذا جرب الحياة وخالطها .. في ذلك الحدث عندما ذم الخوارج قال [ حدثاء الأسنان ] ولذلك فهم قليلو تجارب .. إذا كان هناك تجارب في الحياة تجعل الإنسان أكثر حكمة وكلما كان الإنسان كثير الأسفار غني التجارب يخالط الناس بكثرة كان أقرب إلى الحكمة ..
الأستاذ معمر : نختم يا شيخ المدركات أم بقي شيء ؟(5/16)
الشيخ صالح : بقي الاستعداد للأمر قبل وقوعه وهذه قد تكون هي الحكمة في نفسها الاستعداد للأمر قبل وقوعه أمر يدل على الإنسان يسير في خطاه سيراً متأملاً سير حكيم يعرف قبل أن يلام يعرف الأمر حتى لا يقع في اللوم أعظم ذلك ما يحتاجه المرء من حكمة في معرفة الرب تبارك وتعالى ثمة عبادات شرعها الله جل وعلا لعباده .. القائمون بها قبل أن ينتهي زمن التكليف بدل ذلك على معرفتهم وعلو كعبهم في باب الحكمة وعدم قيامهم بذلك يدل ذلك على بعدهم الحكمة يقول الله ({يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ( 42 )خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }القلم43) .. إذاً من الحكيم ؟؟ من إذا أمر بالسجود سجد من إذا علم حي على الصلاة حي على الفلاح بادر إلى السجود لأنه سيأتي يوم يأمر الناس فيه للسجود فمن سجد في الدنيا قصد هذا الموقف يستطيع أن يسجد إذا خلصت نيته ومن لم يقصد هذا الموقف لا يستطيع أن يسجد في الآخرة يقول سعيد ابن الجبرين أهل القبور [ أنهم إذا بعثوا يمسحون الموت عن أعينهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك وهم كفره لأنهم يقولونها يوم لا ينفعهم ذلك ، فالاستعداد للشيء وأنا ضرب مثل في الغايات وهو مثال أخروي يقيس عليه من يسمعني أي شيء دنيوي لكن كلها توضع أمام هذا الأمر .. فالعظيم الحكيم الحق من يفعل الأمر قبل وقوعه ولا شيء يتأكد وقوعه كتأكد الوقوف بين يدي الله فإذا أردنا أن نصف أحد بأنه حكيم حق فلينظر كيف استعد للقاء الله فمن استعد للقاء الله حق بالعمل الصالح التقي النقي دل ذلك على حكمته ومن أوتي حظا في حكمه الدنيا نقول هذه حكمة نسبيه كما أجبنا على الأخت أمل قبل قليل ..
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ حسين .(5/17)
المتصل : يسأل عن صحة الحديث فيما معناه { أن من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً أوتي الحكمة } هذا الحديث أنتشر بين أوساط العامة كثيراً أود أعرف صحة الحديث .. الله يجزاك خير ؟
الأستاذ معمر : مداخلة الأخت سارة .
المتصل : قال الله تعالى ({يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }البقرة269 ) ما المقصود بـ (خَيْراً كَثِيراً)؟ وهل المرأة تستطيع أن تكسب الحكمة ؟ وهل استقبال البلايا والمصائب ويستقبلها وكأنها هدية من الله تعالى هل هذه من الحكمة ؟
الأستاذ معمر : معنا الأخ عبد الرحمن حياك الله أبا أسامة – مشرف المنتدى -
المتصل : حقيقة ليس لدي ما أضيف على ما قاله فضيلة الشيخ حفظه الله أنما أردت الشكر والتقدير لجميع الأخوة والأخوات الأعضاء في منتدى القطوف الدانية على جهودهم المبذولة ومشاركتهم المتميزة للارتقاء في منتدى القطوف الدانية حتى وصلت عدد المشاركات ولله الحمد في المنتدى إلى أكثر من خمسة عشر ألف مشاركة وهي أعلى نسبة مشاركة في جميع برامج قناة المجد أسأل الله عز وجل أن يجزي الجميع خير الجزاء وأن يجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم وأود من الشيخ الإشارة على قول الله عز وجل ({وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ }لقمان12) وشكر لكم .
الأستاذ معمر : مداخلة الأخ عبد الكريم .
المتصل : الحكمة يقولون ما تأتي إلا بعد الأربعين !؟
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح إن أذنتم لي أن أتوقف مع هذه الاتصالات ولعلك تلاحظ ويلاحظ المشاهد الكريم كثرتها في هذه الحلقة ..أشكر جميع الإخوة الذين أثروا الحلقة بمداخلتهم ..
أبو عبير يسأل عن سؤال مهم عن الآثار الجانبية التي تؤثر على عامة الناس عندما يفتقد العلماء والدعاة الحكمة لعلي أجمع بين سؤاله وسؤال الأخت أم محمد عندما ذكرت الآية (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ..(5/18)
الشيخ صالح : الإنسان بقدر تأثيره بالناس يكون لخُطاه أثره فيهم يعني إذا كان الإنسان قدوة أو أسوه ويُتبع و وقع في خطأ فيكون أثر ذلك الخطأ على الناس بقدر إتباعهم ولهذا كل من له صوت مسموع إعلامياً أو وعظياً أو له محراب فليتقي لله فيمن يسمعه وأن لا يعتبر أنه يمشي وحده وأن لا يجازف بالناس وأن ينظر في عواقب الأمور فإن الأمة أحوج ما تكون إلى من يلم شعثها وأن يعطي الصورة الحسنة المثلى عن الدين فالدين أعظم أمانة نحملها في أعناقنا والإنسان لا ينظر إلى مصلحته الشخصية فليتأسى بالحكمة كما فعل الأنبياء وليس المهم ما يقوله الغلمان والشبان والناس عنك بعد خروجك المهم ما الذي يكتبه الملكان فالإنسان ينبغي أن يكون حكيماً وينظر إلى مصلحة الدين قبل أن ينظر إلى مصلحة نفسه الآثار الجانبية التي ذكرها أبو عبير وفقه الله تبقى قاتلة إذا كان الخطأ شائع ذائع أستمع الناس له كثيراً فتأسوا به اقتنعوا به لعلو صوت أو غيره ،،، والأخت أم محمد ذكرت قضية علو الصوت .. علو الصوت لا يُقدم ولا يؤخر كان النبي صلى الله عليه وسلم كأنه منذر جيش وفقنا الله وإياهم لكل خير وهدانا الله وإياهم سواء السبيل يصرخون صريخ وهذا لا يقدم ولا يؤخر ولهذا جاء في وصايا لقمان (إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }لقمان19)
لو كان لعلو الصوت دور لكان صوت الحمار أكمل لكن القضية في المعنى أما ما جاء في الحديث (كأنه منذر جيش ) ثم بعض الخطب يحصل منها رفع الصوت والآن ما يسمى بالمايكات أغنت كثيراً عن رفع الصوت ..
فالمقصود من هذا أن الإنسان يعرض ما عنده بهدوء وخطى واثقة حتى يصل إلى مقصوده .
الأستاذ معمر : الأخ منيف يسأل عن الحكمة هل تختلف معانيها في القرآن ؟؟
الشيخ صالح : هذا المصطلح يختلف ،تأتي أحياناً بما ذكرناه وأحياناً بمعنى السنة وهذا بحسب القارئ.
الأستاذ معمر : الأخت عهود تسأل عن الفرق بين الحكمة والفراسة ؟؟(5/19)
الشيخ صالح : الفراسة أمر ظهرت له دلائل وقرائن فعرفها الرجل لكن الحكمة أوسع من قضية الفراسة يتفرس الإنسان من شخص لا يعرفه فيقع منه قول مثل تفرس عزيز مصر في يوسف عليه السلام أما الحكمة فهي أكمل وأكبر من قضية الفراسة .
الأستاذ معمر : المحافظة على تكبيرة الإحرام أربعين يوما .
الشيخ صالح : لا أعلم أين هذا الحديث بهذا اللفظ لكن المعنى صحيح الإنسان إذا حافظ على تكبيرة الإحرام هذا حكيم لأنه أستعد لأخرته لكن نص هذا الحديث من حافظ على تكبيرة الإحرام رزق الحكمة لا أعلم حديثاً بهذا اللفظ .
الأستاذ معمر : الأخت سارة تسأل عن الخير الكثير في الآية (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)
الشيخ صالح : المقصود أن الحكمة فيها الخير الكثير يعني من أعطاه الله الحكمة فقد أعطاه خيراً كثيرا ,تعبير القرآن بخير كثير بمعنى توفيق عظيم كالصالحات من الأعمال وبخير الدنيا وخير الآخرة .
الأستاذ معمر : أساليب اكتساب المرأة الحكمة.
الشيخ صالح : المرأة مثل الرجل ...وثم قالت استقبال المصائب كأنها هديه من الله !!
هذا يحتاج إلى تأمل يتعامل الإنسان مع المصائب تعامل من يفتقر إلى الله ..لا يوجد أحد يفرح بمصيبة ، النبي صلى الله عليه وسلم أصيب بمقتل حمزة فحزن وأصيب بموت إبراهيم فحزن ودمعت عينه وحزن قلبه لكنه أسلم نفسه لله أما إنسان يضحك إن جاءته مصيبة هذا لا يُعقل وليس هذا من الحكمة وكونه يقول هذه هدية من الله قد يقولها قائل لأحد يسلي عنه لكن الإنسان يتعامل مع ما يأتيه من المصائب باحتساب وإذا كانت المصائب لا تُحزن ولا تُؤثر بالقلب علاما يؤجر ..لكن لما لها اثر بالقلب ثم إن الإنسان رغم الحزن الذي يصيبه وصبر واحتسب ورضي بقضاء الله وقدره والرضا من الإيمان هنا بعد ذلك يؤجر عليها أما أن يأخذها الإنسان كنوع من العبث هذا ليس من الحكمة ولا من العقل في شيء .
الأستاذ معمر : أم غدير تسأل عن أهم الكتب ؟.(5/20)
الشيخ صالح : القرآن والسنة وأما من الكتب الأدبية فلو رجعت إلى الكامل للمبرد ففيه كثير من أقوال الحكماء .
الأستاذ معمر : الأخ عبد الكريم يقول الحكمة لا تأتي إلا بعد الأربعين !!
الشيخ صالح : طبعاً تكتمل يعني من الصعب أن يكون الإنسان حكيم وهو صغير قد يكون فيه شيء من الحكمة لكن التجارب كما قلنا لها أساس والتجارب لابد لها من طول زمان فإذا وجد تجارب وخبرات وكبر سن المرء وكان ذا رأي وإدراك رزق الحكمة بكمالها وتمامها قال الله جل وعلا (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً }الأحقاف15 ).
الأستاذ معمر : لعل أخرج من التساؤلات يا شيخ إلى ما يتعلق إن المتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أسماء كبيرة جداً فيما يتعلق بالحكمة ..نماذج كثيرة ولعل الوقت يسمح بعرض أهمها أبدأ بما ذكره أبو أسامة وهو لقمان عليه السلام ..
الشيخ صالح : طبعاً قبل أبا أسامة ذكره القرآن (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)ولقد أختلف في نبوته ولأشهر أنه عبد صالح وليس من الأنبياء على الأظهر و الأصح ..لقمان ذكر لله جل علا نتف من وصاياه حتى يبين لنا كيف حكم على لقمان بأنه حكيم ..ترتيب الأولويات من دلائل الحكمة كيف يوصي الإنسان ابنه من دلائل الحكمة ..الله جل وعلا ({وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13)(5/21)
فبدأ بأعظم الوصايا وهي النهي عن الشرك لا يوجد مفسده أعظم من الشرك فنهى لقمان أبنه عن أعظم المفاسد وحذره من الشرك بالله ..ولله جل وعلا لما ذكر الحكمة في كتابه العظيم قرنها في البعد عن الشرك وقد قلنا أنه قال رحمه لله : إن التوحيد رأس الدين ورأس الحكمة ، الله جل وعلا في سورة الإسراء تمهيداً لهجرة نبيه حذره من الشرك قال في آيتين بينهما بعض الآيات {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }الإسراء22)(5/22)
القعود في لغة القرآن يتصف بالعجز والله يقول ({وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء}النور60) أي عجائز جمع عجوز .. ويقول({لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ }النساء95) لماذا القاعدون ؟ الذين عجزوا عن الجهاد فالله يقول لنبيه تحذير دنيويا ({لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }الإسراء22) ثم قال ({وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ }الإسراء23) واتى بعده وصايا ثم قال ({ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ }الإسراء39) أي الآداب التي علمناك إياها ثم قال (وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً) .. الآن ذكر العقاب الأخروي مذموماً مخذولاً في الأول والعقاب الدنيوي , ملوماً مدحوراً العقاب الأخروي وكلها ناجمة هذه الأربع عن الشرك بالله الذي جعله لقمان في مقدمة وصاياه يوم قال لأبنه (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .. ثم تدرج لقمان في وصاياه ذكر وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر في الدنيا قال ({وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }لقمان17) دعاه إلى التودد للناس والتحبب إليهم وعدم التعالي عليهم .. ({وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً }لقمان18) بين له كل هذه الطرائق وتلاحظ عدم الإغراق في الجزيئات وإنما بدأ بما يتعلق بالله ثم أتحه منها إلى الأمور التي هي أقل شأن وهي الحديث مع الناس أن لا يكون قبة رفع الصوت المقصود ترتيب تلك الوصايا يدل على ما أوتيه لقمان من الحكمة ...
الأستاذ معمر : قبل أن تنتهي من قصة لقمان فضيلة الشيخ .. ذكر لأبنه عدد من الصفات مذموماً وملوماً ومدحوراً ومخذولاً... نفرق بين هذه الصفات يا شيخ(5/23)
الشيخ صالح : الله جل وعلا يقول (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً) .. المذموم ما يقال له ما فعلته قبيح والمخذول هو الضعيف الذي لا ناصر له وإذا تخلى الله عن أحد فهو المخذول, أما الملوم وهو الذي بقال له لما فعلت هذا وأما المدحور فهو المطرود المبعد..
الأستاذ معمر : ننتقل يا شيخ إلى ما يتعلق بالشعر والأدب والتاريخ مليء بكثير من الحكماء حتى أن بعض الأبيات أصبحت حكم مشهورة بين الناس.. المعّرى والمتنبي أسماء أخرى لعلك تعرضها ؟
المعري والمتنبي قامتان رفيعتان – أدبيا – ليسا قدوة.. التجارب حنكتها المعّري سمي نفسه رهين المحبسن ويقصد في نيته مع العمى أصيب بالجدري على ما يذكرون فعمى ثم رحل إلى مواطن العلم آنذاك حتى وصل إليها وجمع علمه ثم عاد إلى مقره في المعرة وإليه ينسب وهناك أخذ يدرس ويملي ( الزيت و أحمد ... ) .. المتنبي قبله بزمن تاريخاً.. كان طالب سياسة طالب كرسي ولم ينله خاض تجارب عدة صقلت حياته لكن رغم ما أعطاه من أبيات حملت معنى الحكمة إلا أنه لو كان حكيماً موفقاً لنال مقصودة.. نعم قال أبيات جرت مجرى المثل.. له أبيات لا تحصى في الحكمة وكذلك المعّري كان يقول:
خفف الوطء
العجز الذي أشترك بينهما هو الذي أعطاهما الحكمة.. الحسنى... لا يعقل إن أحداً يطلب ملك وجاه وهو رافع الرأس لأن الرأس إذا رفع قطع فهو أراد أن ينافس سيف الدولة ولا ينشد عنده إلا وهو قاعد ولا يقوم كما يقوم الشعراء ويقول بين يديه :
الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وهو نفسه يقول لسيف الدولة ينصح سيف الدولة:
ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده *** تصيده الضرغام فيما تصيداً(5/24)
يعني لا يوجد عاقل يستحمل رجل قوي أقوى منه لأنه سينقلب عليه ، بالله عليك تأتيه بنصيحتك هذه وتريد أن يعطيك أماره هذا لا يعقل ثم لما ذهب إلى كافور وأشفى عليه وأخذ يبجله وكافور كان موفقاً وكان فيه كثير من الصلاح قال هذا وهو شاعر كيف لو أخذ أماره إذاً لم يكن المتنبي يعرف الطريقة المثلى أن يحقق مقصودة أما المقصود الأخروي فما ذكروا عنه شيء إنما ذكروا عنه ولعه بالدنيا ولعه بالدنيا هاهو لم يستطيع أن يحصل عليه بشيء رغم أن الناس حصلوا من تجربة المتنبي على فوائد كثيرة في شعره الذي ضمنها المثل .. أما المعّري أضد به كونه كفيف فنقلب إلى نظرة تشاؤمية وأبي أن يتزوج وهذا ضعف يقولون أنه أوصى أن يكتب على قبره { هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد } يقولون انه تجنب أن يأكل اللحوم وهذه من نظرته التشاؤمية وله أبيات شهيرة بالحكمة ... والتاريخ أدبيا و تاريخياً عرف أناس كثيرة قرأت مرة في سيرة السادات الرئيس المصري رحمه الله عليه يقولون من عاصروه أنه إذا جاءه الريح و الإعصار يطرق رأسه وهذا عقل لأن الإنسان إذا واجه الإعصار كسر لكن إذا أطرق رأسه مّر الإعصار ثم يقوم الإنسان من جديد فيستمر النبي صلى الله عليه وسلم ( لأن تُهدم الكعبة أهون عند الله من قتل مسلم ) .. على أن الكعبة بيت الله لماذا ؟ لأن الكعبة لو هدمت تبنى لكن المسلم إذا قُتل لا سبيل لإعادته جسده فعندما يكون الإعصار أو الشدائد قوية لا بأس أن ننحني مادام لا يكون انحناء عقدي حتى نقوم بعد ذلك ونكمل المسير.. وهو لا يسمى انحناء بمعناه الحرفي لكن الإنسان الحماسي يسميه انحناء ويقول هذا خوف ! هذا جبن !.. هذا ليس خوف ولذلك..
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هي أول والمحل الثاني
سيد الخلق المعصوم بنا خندقاً حتى يتقي فيه شر الكفرة لا يأتي أحد يجازف في الأمة في مهلك ولبس درعين صلى الله عليه وسلم يوم أحد ...(5/25)
الأستاذ معمر : يا شيخ الحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها فهو أحق بها .. تعليقك على ذلك ؟
الشيخ صالح : هذا الأثر من دلائل حكمته التشريع أن الإنسان يربي في أتباعه الوصول إلى الكمال ومن تربية الناس على الوصول إلى الكمال المرء أن يكون يقتني لفائدة من أي أحد ما دام ينجم عن ذلك ضرر في عقيدته ولهذا شرع الله لنا أن نقرأ وننظر في أخبار أوائل الناس وأن نستسقي كل خبر طيب والله جل وعلا يقول على لسان بلقيس : ({قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً }النمل34 ) فصدقها الله في قوله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) وقال الله جل وعلا عن كفار قريش وهو عبده الأصنام ({وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا }الأعراف28 ) رد الله عليهم بقوله (قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء) .. فقبل الله منهم قولهم (وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا) ولأنهم في قولهم وجدوا آباءهم على هذه المعصية كانوا صادقين فقبل الله قولهم .. فالمقصود أن العاقل لا يجعل بينه وبين المعرفة حجاب ويبحث عنها أينما وجدها فهو أحق بها لأنه أقرب من الدنو إلى الكمال.
الأستاذ معمر : الأخ الأسيف أرسل قبل الحلقة يتساءل يقول أن اليمان يماني والحكمة يمانية ..
الشيخ صالح : النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على أهل اليمن وقال
((5/26)
اليمان يمانٍ والحكمة يمانية أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً ) .. الحكمة يمانية يقصد عليه الصلاة والسلام أن الحكمة فيهم ظاهرة وان ثمة أناس منهم عرفوا بالحكمة وحسن التصرف وهذه شهادة نبوية لا تستطيع أن ندفعها ينبغي أن نقرها من الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي يعني أن هذه الدولة باركها الله وسُمي الركنان اليمانيان بهما لتوجهما إلى اليمن والنبي صلى الله عليه وسلم كان له أصحاب من اليمن أرق أفئدة وألين قلوب كأبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه وأستدراك الأخ الأسيف .. جيد في الموضوع وإن كان غاب عني ..
الأستاذ معمر : لعلي أختم يا شيخ بسؤال ورد من فريق العمل سائلة تقول ما هي الحكمة التي تمثلها الشيخ صالح في الحياة ؟
الشيخ صالح : إنا لله وإنا إليه راجعون... نستطيع أن نقول بإيجاز كل خير لا يطلب إلا من الله وكل نقمة لا تدفع إلا بالله.. أسال الله أن يحييني على هذا ويميتني عليه.. آمين .
الأستاذ معمر : اللهم آمين .. أحسن الله إليك شيخ صالح ولعلي أجعل بقية الحلقة للإخوة المشاهدين وأشكر الأخوة والأخوات الذين داخلوا معنا كنت أتمنى أن أزج بمداخلاتهم عبر محاوري أو على الأقل أشكرهم بأسمائهم ولكن لعل الخلل في الموقع منعني من ذلك ... يا شيخ صالح قبل أن أعرض ما بين يدي من المشاركات أو الجوائز أترك لك المجال بالنسبة للجائزة إن أردت أو أذكرها ؟ ..(5/27)
الشيخ صالح : نعم نحن يا شيخنا الكريم استعرضت أسماء الفائزين لكن قرأنا الإجابات وصححناها وجلسنا مع الأخ الشيخ عبد المحسن الرشود إمام مسجد صلاح الدين بحي النهضة بالرياض لإجراء القرعة حتى يكون الأمر على بينة والشيخ أجرى القرعة وقد فاز ثلاثة سنذكرهم لكنني قبل هذا سأقول سؤال الحلقة .. من الحكمة إني أراجع معلوماتي أنا لا أعرف الإجابة لكن بيسر إن شاء الله ستجد الإجابة سأتذكر أشياء لكني حالياً لا أعرف الإجابة فأنا أريد أن يبحثوا مثلي ثمة بيت شعر يقول البيت في عجزه – أي الشطر الثاني منه –
......................................
فكل إناء بالذي فيه ينضح
ما صدر البيت ؟؟؟ .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم بالنسبة لسؤال الحلقة الماضية كانت الإجابات كثيرة جداً جرت القرعة كما ذكر الشيخ وتم بتوفيق الله عز وجل أن كان الفوز كمن نصيب الأخت : الواثقة بنصر ربها و حفيدة الصحابة و التواقة لربها
أيضاً بالنسبة لجائزة التميز للمشاركات في الموقع كان هذا الشهر التميز للأخت :
فتاة السنة نشكر الجميع على مشاركتهم وعلى مداخلاتهم القيمة لا يسعني في نهاية المطاف إلا أن اشكر الله عز وجل أن هيأ لنا هذا اللقاء كما أساله تعالى أن يرزقنا جميعاً الحكمة ثم أشكر فضيلة الشيخ على مشاركته وتكبده عناء السفر فجزاكم الله خير والشكر موصول لكم أيها الأحبة والإخوة الذين تابعونا على موقع البث الإسلامي وموقع المسك أشكركم على طيب متابعتكم تحية طيبة من فريق العمل وأيضاً أشكر الأخوة الذين أعلنوا على صيد الفوائد عن هذه الحلقة الشكر لجميع المشاهدين والمشاهدات على أن أكرمونا بالمتابعة الغالية من وقتهم وأسأل الله أن يحقق لنا جميعاً الفائدة و المتعة من هذا اللقاء .(5/28)
الشيخ صالح: طبعاً أنا أهنئ الأخت فتاة السنة أسأل الله جل وعلا أن يجعلها فتاة صالحة للإسلام وأهله ,اشكرها على جهودها وأهنئ الأخوات الثلاثة اللواتي فزّنا :الواثقة بنصر ربها و حفيدة الصحابة و التواقة لربها
طبعاً جميع الفائزات نساء، الثلاثة أتت بهن القرعة والأخت فتاة السنة أتى بها الفريق المكلف بالاختيار نسأل الله لهن التوفيق والسداد ونسأل الله أن يعين على ذلك ، بصراحة جاءت إجابة للرجال مثالية جداً لكن القرعة نحن الذين صنعناها وجعلنا لكل أسم رقم ثم طلبنا من الشيخ أن يختار أرقاماً فاختار ثلاثة أرقام هي التي وافقت ثلاثة هذه الأسماء وان كان بعضهم فاز قبل كذا ليس حسداً بما أنهم فازوا فهذا يدل على صلاح سريرتهم أسأل الله لهم القبول ..
الأستاذ معمر : مشاهدي الكرام لا يسعني إلا أن أشكركم جزاكم الله خيرا نلتقي بكم في حلقة قادمة إلى ذلكم الحين أبقوا في حفظ الله ورعايته أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..............
تم بحمد الله وتوفيقه ..
***(5/29)
حلقة القطوف الدانية لشهر شوال 1428هـ
الأستاذ معمر العمري : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله مشاهدي الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً ومرحباً بكم في لقاءكم الشهري من برنامجكم القطوف الدانية برنامجٌ يأتيكم ثاني اثنين نستضيف وإياكم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء يسرني ويشرفني في بداية اللقاء باسمكم جميعاً أن أرحب بفضيلته فحياكم الله يا شيخ صالح.
الشيخ صالح المغامسي : حياكم الله أستاذ معمر وكل عام وأنتم بخير ونسأل الله لنا ولكم التوفيق .
الأستاذ معمر : الترحيب موصولٌ لكم أيُها الأحبة كُل عام وأنتم بألف خيرٍ وعافيةٍ وصحة وأسأل الله تعالى أن يتقبل منّا ومنكم صالح الأعمال وأن يتجاوز عن سيئاتنا أحبتي الأكارم ستكون هذه الحلقة رسالة لكل مُسلم ومسلمة بأن هذا الدين العظيم ليس مجرد مظاهر تعبدية نؤديها بل لابُد نمثلُها ونصورها في واقعٍ ملموس مع من نتعامل معه من الخلائق بل قبل ذلك مع الله عز وجل الدين المعاملة هو موضوع حوارنا في هذه الحلقة سنتطرق لكثيرٍ من المحاور التي نحتاجُ إليها ونعرضها بإذن الله عز وجل بعرضٍ جديدٍ ومفيد ،،، يسرني ويشرفني ويسعدني أن أستقبل اتصالاتكم واستفساراتكم على أرقام الهواتف التي تظهر تباعاً على الشاشة داخلوا في هذا الموضوع بما لديكم من محاور ومن عناصر ومن إشكالات تحتاجون إلى بيانها من ضيفنا الكريم .
في البداية أستأذنكم وأستأذن فضيلة الشيخ بما أنّا قريب وحديث عهد بشهر رمضان وبالعيد قبل أن أبدأ في موضوعنا يا شيخ وقفة مع العنوان ثم بعد ذلك مسائل فقهية متعلقة برمضان يعني الفاصل الزمني ما زال قصيراً .(5/1)
بدايةً يا شيخ الدين المعاملة أنا أتوقع أن بعض المشاهدين يعني من خلال سماعهِ لهذه العبارة كثيراً قد يطرق إلى ذهنه أنها حديث نبوي وبعضهم اشتهر عندهُ هذا الشيء نُحرر هذه النُقطة يا شيخ ثُم نبدأ في محاورنا .
الشيخ صالح المغامسي : الحمد لله الذي لا يبلغ مدحتهُ قول قائل ولا يجزي بألاءهِ أحد ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ لا رب غيرهُ ولا إله سواه ، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمد عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وعلى آلهِ و أصحابة وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد ..
أما عنوان حلقة هذا اليوم كما تفضلتم الدين المعاملة وهذا قولٌ ذائعٌ مشهور يحمل في طياته بصيغتهِ هذه الكثير من الصواب لكن نحرر أموراً نجد لزاماً علينا أن نُبينها للغير .
الأستاذ معمر : جميل
الشيخ صالح المغامسي : أولُها : أن هذا القول ليس حديثاً نبوياً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العلامة الأثري عبد العزيز بن عبد الله ابن باز غفر الله له ورحمه الإمام المعروف قال [ ليس لهذا اللفظ أصلٌ في الحديث ] أي هذا الحديث ليس له أصل فهو ليس حديثاً نبوياً لكنهُ قال رحمة الله تعالى عليه [ الأفضل أن يُقال الدين حُسن المعاملة أو أن يُقال حُسن المُعاملة من الدين] ، لكن الذي الشيخ صالح المغامسي : أستطيع أن أقولهُ : أن القرآن والسُنة دلاّ على أن أعظم ما دل الدين عليه حُسن التعامل مع غيرنا من الناس .
الأستاذ معمر : جميل
الشيخ صالح المغامسي : وهذا من ما فرضهُ الله علينا وأمرنا بطرائق عدة : قال ربُنا ({ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} البقرة83... ) وأحاديث في هذا الباب كثيرة سيأتي تباعاً بيانها .
إذاً يتحرر أننا قصدنا من العنوان أن نُغير مفهوماً خطأ عند الناس فنحنُ نُبقي على صحة المعنى إلى حدٍ كبير لكن لا يُمكن رفعهُ أو نسبت هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم .(5/2)
الأستاذ معمر : اللهم صلّ ِ وسلم عليه ، شيخ صالح سنقف وقفتين الأولى ستكون مع شهر رمضان والثانية ستكون مع العيد ، بالنسبة يا شيخ لشهر رمضان نسمع دائماً في وسائل الإعلام من الوعاظ من الدُعاة أن جبريل عليه السلام كان يُدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في شهر رمضان الكثير من المشاهدين يا شيخ يتشوق إلى معرفة طبيعة هذه المُدارسة حقيقتها ..؟
الشيخ صالح المغامسي : نعم طبعاً المُدارسة ثابتة في الخبر الصحيح أن جبريل كان يُدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دارسهُ جبريل القُرآن يكون أجود من الريح المُرسلة ، لكن السؤال كما قُلت ما معنى المُدارسة ؟ المُدارسة لها طريقان أو لها معنايان :
الأستاذ معمر : نعم
الشيخ صالح المغامسي : الطريق الأول: ـ طبعاً أتكلم عن القرآن ـ أن يأتي اثنان أو أكثر فيقرأ أحدهُما حزباً أو رُبعا من القرآن فيأتي الآخر فيقرأ الحزب أو الرُبع الذي بعده
الأستاذ معمر : من غير أن يُعيد .
الشيخ صالح المغامسي : من غير أن يُعيد هذه طريقة .
الأستاذ معمر : طيب.
الشيخ صالح المغامسي : الطريق الثانية : أن يقرأ أحدهما حزباً أو رُبعاً جُزاءً مُعيناً يتفقان عليه سورةً مثلاً ثم الآخر يُعيد قراءة ما قرأهُ الأول .(5/3)
قال المحققون من العلماء وهذه ـ أي الثانية هذه ـ هي مُدارسةُ جبريل لنبي صلى الله عليه وسلم وهي أصحُ الوجهين بتعبير الشيخ ابن باز مثلاً المُدارسة أصحُ الوجهين أن المدارسة التي كانت من جبريل لنبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يقرأ ثم يُعيد النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقرأهُ جبريل وقد فهم منها العُلماء أن الإنسان إذا وجد من يُعينهُ على الطاعة والخير يتشجع ، فقد كان جبريل عليه السلام يُراجع مع النبي صلى الله عليه وسلم يُدارسهُ القرآن فكان فيهِ إذكاءً لهمة نبينا صلوات الله وسلامهُ عليه وهذا الأمر يُعني غالبُ الظنِ أنهُ شبهِ مفقود في زماننا هذا .
الأستاذ معمر : المقدار يا شيخ مُحدد ؟.
الشيخ صالح المغامسي : المقدار غير محدد لم يُنقل فيما أعلم مقدارُ ذلك لكن تجزئة القرآن حصلت مؤخرا يعني بعد عهد النبوة قد تكون حزباً قد تكون رُبعا قد تكون سورةً بحسب ما يتفقان عليهِ .
الأستاذ معمر : المفقود في زماننا يا شيخ المدارسة بالطريقة ؟
الشيخ صالح المغامسي : المُدارسة بالطريقة هذه مفقودة .
الأستاذ معمر : حتى في حلقات التحفيظ ؟
الشيخ صالح المغامسي : حلقات التحفيظ لكنهم يقصدون بها التعلُم فقط يعني لا ينوون بها المُدارسة التي يُعنى بها التعبُد في رمضان وإنما يصنعونها في رمضان وفي غيره من باب الرد على من تعلم.
الأستاذ معمر : وقفة يا شيخ مع العيد السنة هذه اجتمع العيد و الجمعة كثرت التساؤلات والبعض بدأ يُفتي من صلى صلاة العيد يجب عليه أن يُصلي صلاة الجمعة .
الشيخ صالح المغامسي : نعم هذه للعلماء فيها ثلاثة أقوال للفقهاء ثلاثة أقول :
قولٌ يقول : إذا اجتمعا عيدٌ مع الجمعة أي في يومٍ واحد كما حصل في عامنا هذا فإنهُ يبقى العيد عيداً مروضاً على القول بفرضيتهِ فرض عين أو سُنة مؤكدة والجمعة تبقى كما هي واجبة وهذا يُنسب إلى جمهور العلماء وهو قول الشافعية والمالكية والأحناف .(5/4)
القول الآخر : وهو أن من شهد صلاة العيد تسقط عنهُ صلاة الجمعة هذا لا يتحقق فيه وجوب من شهد صلاة العيد لا يتحقق فيه وجوب صلاة الجمعة وهذا القول وهو قول الحنابلة وهو قول بعض السلف ودليلٌ على هذا حديث رواس ابن أبي رومة الشامي أنهُ قال شهدتُ معاويةَ رضي الله عنه وأرضاه في الشام يسألُ زيد ابن أرقم رضي الله عنه وأرضاه عن كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع عيدان ؟ يقصد عيد الفطر ويوم الجمعة أو عيد الأضحى إذا تيسر فأخبرهُ زيد ابنُ أرقم أخبر معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى العيد ورخص في الجمعة صلى العيد ورخص لمن شهد العيد في الجمعة من هنا أخذ الفُقهاء كما هو مذهب الإمام أحمد ومن تبعهُ ومن كان قبلهُ أن الإنسان إذا شهد صلاة العيد لا تُصبح الجُمعة في حقهِ واجبه إلا الإمام لأن الإمام إذا سقطت عنهُ لا يتأتى بعد ذلك لغيرهِ أن يُصليها ولقولهِ صلى الله عليه وسلم كما في حديث .. عند أبي هُريرة أنهُ قال " وإنّا مجمّعون " أي أنهُ صلى الله عليه وسلم صلاها هذا قول .
القول الثالث : وهو ما نُقل كما نقلهُ أبو داوود في سُننهِ عن ابن الزُبير عبد الله ابن الزُبير رضي الله تعالى عنهما أنهُ صلاّها بُكرةً جمع ما بين العيد والجُمعة بُكرةً ركعتين وخطب ثم لم يخرُج لناس إلا مع صلاة العصر أي أنهُ لم يُصلي الظُهر ، فروي أن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنه عنهما أُخبر بفعل ابن الزُبير هذا فقال رضي الله عنه وأرضاه [ أصابت سُنة ] أي أن ابن الزُبير أصاب السُنة ـ هذا الإشكال وهو أنهُ لم يُصلي الظُهر ولا الجُمعة
الأستاذ معمر : والبعض أفتى بهذا يا شيخ.(5/5)
الشيخ صالح المغامسي : نعم وهذا قولٌ لهُ وجهه لهُ قوتهُ هذا الإشكال وجّهُ الخطابي كما نقلهُ ابنُ قدامه في المغني أنهُ محمولٌ على من يرى أن الجُمعة تُؤدى قبل الزوال فيكون صنيعُ ابن الزُبير أنهُ لم يُصلي العيد وإنما قد الجمعة فلما قدم الجمعة سقط الظهر على خلاف قول الحنابلة الأول في أنهُ لابُد أن يُصلي الظهر وكونه لا تجب الجمعة في حقهِ لا يعني ذلك سقوط صلاة الظهر عنه ، على فعل ابن الزبير سقطت الجمعة لكنهُ محمولٌ عند بعض الفقهاء ليس عندهم كلهم جمعاء على أن الذي فعلهُ قدم الجمعة وهذا على القول بأنهُ يجوز فعلُها قبل الزوال ويصبح أنهُ صلى الجمعة متقدمة عن وقتها قبل الزوال باعتبار تُغني عن العيد فأغنت عن العيد لأن فها خُطبة وأغنت عن الظهر لأنهُ إذا صلى الجمعة سقط الظهر لهذا لم يخرج إلى الناس إلا صلاة العصر ، وحلّ الإشكال من جهة الخطاب رحمة الله تعالى عليه بهذه الطريقة قويٌ جداً لكن يبقى بعض الفقهاء يرى الرأي الأول .
من هذا كله هناك تعليق علمي رصين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه اختار ابن تيمية الرأي الثاني وهو أنهُ يُرخص في ترك الجمعة لكن لا يتقدمها ثم عقب على ذلك رحمة الله تعالى عليه بقولهِ [ لأنهما عبادتانِ من جنسٍ واحد اجتمعتا فدخلت إحداهما في الأخرى ] ثم قال وهذا قول عارفٍ بالأثر قال رحمة الله تعالى عليه :[ وأن إيجاب الجمعة على من صلى العيد تضييقٌ لناس في يوم عيدهم تضييقاً على الناس في يومِ عيدهم] . لأن الناس الأصل في العيد السعة و الانبساط والسرور كما قال شيخ الإسلام والعلم عند الله .
الأستاذ معمر : شيخ صالح أنقلك كما ذكرت إذا كان النهي جاء على التوجيه الذي ذكرت وهو أن من صلى الجمعة قبل الزوال تسقط عنه صلاة الظهر مثل هذه الفتوى هل لها وجاهة في هذا الدين من أن نُصلي العيد فتُؤخر صلاة الجمعة يعني لا يبقى له محل في زماننا هذا(5/6)
الشيخ صالح المغامسي : لا هذا القول هو قول الخطابي لكن بعض الفقهاء يقول أنهُ إذا صلى العيد أغنت عن الجمعة وبما أنها أغنت عن الجمعة فلا حاجة لأن يُصلي الظهر لأنه باعتبار كأنهُ صلى الجمعة وإن أخذ بهِ آحاد أو أفراد من العلماء لكن القاعدة العامة أنهُ يُحترم و تُحترم أراء الفقهاء والعلماء وقد قال بهذا من أحاد علماء أجلاء بعضهم يعني سبقنا إلى ربنا رحمة الله تعالى عليه معروفٌ لهم الشهادة بالآثار والعلم بالسُنة والتقيد بها ولهم جلالة في الدين من أهل عصرنا تُصبح هذه الفُتيه لكن كما أقول دائماً كما قال الشاطبي :
وواجبٌ عند اختلافِ الفهم
إحساناُ الظن بأهل العلمِ
الأستاذ معمر : جميل البعض يا شيخ يشكل عليه قول بما انه صلاة العيد سنة مؤكدة وصلاة الجمعة واجبة يضل .يترك صلاة العيد . ويحرص على أداء صلاة الجمعة ؟
الشيخ صالح المغامسي : قول النبي صلى الله عليه وسلم حافظ على صلاة العيد وهذا للفقهاء أنها سُنة مؤكدة وبعض أهل العلم كأحمد ابن تيميه وشيخنا العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه كان يرى أنها فرضٌ عين .
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح المغامسي : أو على الأقل كان يميل كثيراً رحمة الله تعالى عليه إلى أنها فرض عين .
الأستاذ معمر : جميل أدخل يا شيخ في موضوعنا كما تعلم ويعلم مُشاهدي الكريم أن التعامل لهُ أوجه كثيرة ومن باب الأدب أن نبدأ بالتعامل مع الله عز وجل يعني التعامل مع الله عز وجل له معالم كثيرة له ضوابط كثيرة قد لا تكفينا البرنامج كامل لكن نُشير إلى أهمها .
الشيخ صالح المغامسي : نعم التعامل مع الله جل وعلا هو التجارة التي لا تبور قال الله جل وعلا في وصف عباده الأخيار ({يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }فاطر29)
الأستاذ معمر : نعم(5/7)
الشيخ صالح المغامسي : والتعامل مع الله يستصحب المرء فيه أولاً أصلين عظيمين : محبة الله وتعظيمه ، ثم يزدلف بعد ذلك إلى بعض المعالم التي من أظهرها: في التعامل مع الله جل وعلا الصدق معه تبارك وتعالى ، الصدق مع الله جل وعلا أعظم ما يُعين المرء على التعامل الحق مع ربهِ جل وعلا ومن صدق إلى الله فراره صدق مع الله قراره والله يقول وقوله الحق (({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119... ) وفي خاتمة سورة المائدة قال الله ({قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }المائدة119...) فأعظم ما ينبغي على المرء صنيعهُ في تعاملهِ مع ربهِ أن يكون صادقاً في تعاملهِ مع الله .
الإنسان أيُها المبارك قد يقدر على أن يخدع ثلةٌ من الناس بل قد يصل بعضُ الدُهاة إلى خدعة الجماهير كلها
الأستاذ معمر : صحيح
الشيخ صالح المغامسي : وبعضٌ من الناس قد يصل لمرضٍ في نفسهِ إلى أن يخدع نفسه لكن المرء الشيء الذي لا يمكن لأحدٍ أن يقدر عليه لأنهُ كالمعدوم بل معدوما هو أن يُحاول المرء أن يخدع ربه فاللهُ جل وعلا لا يُمكن أن يُخدع ،فإن كان الرب تبارك وتعالى مُحال أن يخدعهُ أحدٌ من خلقهِ ({أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14..) وجب بعد ذلك لزاماً على المنصف العاقل الذي يعرف ما عند الله من الثواب ويعرف ما عند الله من العقاب أن يلجأ إلى الصدق مع الله جل وعلا وقد قُلت قال الله ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119...) .(5/8)
المعلم الثاني : الأدب مع الرب تبارك وتعالى ، والأدب مع الله جل وعلا حررناهُ سلفاً في لقاءاتٍ سابقة لكن نقتبس هنا ما ينفعنا في مقامنا هذا : من الأدب مع الله أن يعلم العبد أن أي مرغوب لا يتحقق إلا بإحسانٍ من الله وفضلهِ وأي مرغوب لا يُدفع إلا بحول من الله جل وعلا وطولهِ ، فبقوتهِ وحولهِ تبارك وتعالى ندفعُ ما نخاف ونتقي ما نخشى وبإحسانهِ جل وعلا وفضله يتحقق لنا ما نُؤمل ويحصل لنا ما نُريد فإذا صدق المرء في توكلهِ مع ربهِ وتأدب مع الله وعلم يقيناً أنهُ لا يُمكن لأحدٍ أن ينفعهُ إلا ربهُ ولا يُمكن لأحدٍ أن يضُرهُ إلا ربهُ صدق مع الله جل وعلا وتأدب معهُ في حياتهِ كُلها ومن الأدب مع الله جل وعلا أن لا يُعطي المرءُ شيئاً لا ينبغي صرفهُ للهِ فيُعطيهِ لغير الله جل وعلا وكما أن الله جل وعلا لهُ ذات لا تُشبه جميعُ الذوات ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }الشورى11..) فكذلك فإن ما نصرفهُ نحنُ من أعمال منها أمورٌ تعبُديةٌ محضة صرفُها إلى غير الله شرك ، وبعضُها قد لا يكون شركاً لكن يكونُ من الأدب مع ربنا تبارك وتعالى أن نحتاط في حياتنا في أن نعرف ما ينبغي صرفهُ للهِ وما لا ينبغي صرفهُ لغير الله .
الأستاذ معمر : جميل.
الشيخ صالح المغامسي : دخل المهدي الخليفة العباسي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى رحلاتهِ للحج أتى مكة ثم أتى المدينة فلما أتى المدينة دخل المسجد فإذا فيهِ الفقيه الأدبي المعروف ابنُ أبي ذئب فقال أحد حاشية أمير المؤمنين لأبن أبي ذئب قُم هذا أميرُ المؤمنين فقال ابن أبي ذئبٍ رحمهُ الله إنما يقوم الناس لرب العالمين ، فأراد بعضُ الحاشية والحرس أن ينهرهُ وكان منهم رجلٌ يُقال لهُ زهير فقال المهدي لزهير اتركهُ فقد وقف والله شعر رأسي مما قال .(5/9)
ابن أبي ذئب وُفق في أن هذا الصنيع في المسجد لأنه بيتٌ من بيوت الله لكن لو كان هذا الأمر خارج المسجد كان ينبغي إجلال السُلطان المُسلم وسيأتي هذا
لكن الذي يعنينا أنظر كيف أن هذا العبد الصالح فرّق وهو في بيتٍ من بيوت الله ما بين ما يُمكن صرفهُ على الإطلاق لله وما يمكن تقييد الأمر بفعلهُ مع غيرهِ تبارك وتعالى .
الأستاذ معمر : تأدُبً مع الله .
الشيخ صالح المغامسي : تأدُبً مع الله ، والإنسانُ إذا تأدب مع الله وعلم أن الأمور قد تروح لهُ بين أحياناً بين الحين و الآخر فربُما ركن لها قلبهِ من حيث لا يدري ، لكن إذا أراد الله بعبدٍ خيرا كان إقدامه أو أحجامة أو إصرارهُ أو تراجعهُ ينبغي أن يكون للهِ وحدهُ دون سواه إن أقدم أو أحجم أو أصر أو تراجع أو غدا أو راح ({قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162..) .
المعلم الثالث : قضية الحياء مع الله تبارك وتعالى ، ثمة أمور يستحي العبدُ أن يراه الله جل وعلا أن يصنعها وهذه كل ما نهى الله جل وعلا عنه لكن ثمة أمور يرتقي الصالحون بأنفُسهم ومن أدمن النظر وتأمل في سير الأخيار من هذه الأمة وجد ثمة خصال وصفات عظيمة تحلى بها السابقون قبلنا ، من ذلك أن أبا موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل كان لا يرفع ولا يُقيم صلبهُ حتى يرتدي ملابسه ، أنت تعلم أن وسائل الاغتسال في ذلك العصر تعتمد على الغرف فكان الإنسان منهم كان أبو موسى يغتسل في الغرفة المظلمة يغتسل ثانياً جذعهُ جسدهُ جذعهُ صُلبهُ مثني حتى يستطيع أن يقف فإذا فرغ من الاغتسال لا يُقيم صلبهُ لا يقف حتى لا تنكشف عورتهُ وإنما يتناول ثيابهُ .(5/10)
قال أهل التراجم في وصفهِ كان حيياً ستيراً حيياً من ربهِ تبارك وتعالى وهذهِ منزلة عالية وإن كان الإنسانُ غير مُطالبٍ بها لزاماً في الصنيع لكن معلوم أن ثمة للهِ عباد أصفياء اجتباهم ربهم تبارك وتعالى واصطفاهم إن ساروا إن تحركوا إن قاموا إن قعدوا فعلوا ذلك كلهُ لربهم تبارك وتعالى واصطفاهم إن ساروا أو قعدوا أو قاموا يفعلون ذلك كلهُ لربهم جل وعلا ({ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63}يونس ...) وهذا من جنس ولايتهم لربهم تبارك وتعالى ومندرجٌ فيهِ .
هذه الثلاث إذا صاحبها بعد ذلك سريرة يصنعها العبد بينه وبين ربهِ يدخرُها العبد ليومٍ يلقى الله جل وعلا فيهِ
الأستاذ معمر : عباده أو..
الشيخ صالح المغامسي : عبادة أنا قُلت سريرة بالإجمال أيُ أمرٍ شرعهُ الله جل وعلا يصنعُه العبد بينهُ وبين ربهِ تبارك وتعالى يدخرها العبد ليومٍ يلقى الله جل وعلا فيهِ ومن صدقُت نيتهُ وخلصت سريرته وكانت لهُ عند الله عملٌ مقبول لن يبلُغ أحدٌ سعادة إذا لقي الله قال الله جل وعلا عن أهل طاعتهِ أنهم يقولون ({ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ }الحاقة19) لأنهُ فرحٌ مسرورٌ بما فيهِ يُحبُ أن يراهُ الناس في حين أنهُ في الدُنيا لا يُحب أن يرى الناس منهُ تلك الطاعة لأنهُ ادخرها ليومٍ يلقى الله فيهِ جل وعلا أحسبُ فيما أعلم أن هذه الأربع تُحدد معالم التعامل مع رب العزة والجلال .
الأستاذ معمر : جزاكم الله يا شيخ صالح أستأذنك في هذه الاتصالات
الأسئلة التي جاءت في الاتصالات(5/11)
أم عبد الله : أحببت أن أُشارك في هذه الحلقة عن معاملتنا مع الخادمات الغير مسلمات ، يعني توجيه فضيلتكم أذكر أني قابلت خادمة على دين النصرانية دعوتها للإسلام فأبت بشدة بحجة أنها تحمل قلب يعني أبيض من قلوب بعض المسلمين وأعتقد أنها استمدت ذلك من معاملة بعض مخدوميها من المسلمين ؟ .
----
معيض : أنا في رمضان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر لهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) أليس هذه مكرمة من ملك الملوك و أبغى الشيخ يشرح لي عن باب الريان ، المجاهد الصلاة الريان هو بس لصائم
أما مداخلتي الله عز وجل يقول ({إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر10..) ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة153...)
أقول لكل من أصيب في زوجته أو في ابنه أو في ولده أن يصبر وأن يتحمل وان يكون هو المعين لهم على المستشفى ولا يجزع وإذا ابتلي بولد مقعد أو ولد أو بنت مقعده ، الله عز وجل روض الإنسان يقول ({الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2..)نذكر الفاتحة والحمد لله 17 مرة و12 مرة 29 مرة في اليوم نحمد الله أنا أقول يا أخي عن قصة إنسان كان والله عندي بنت مقعدة والله إني في خير كثير من يوم جاتني البنت إلا دخلت علي بخير ، وواحد عنده بنت يعتبرها معاقة وهي تسمع ترى تمشي والله قصة صحيح بس الله اخذ منها عين وخلى لها عين يعني بدون عين وأخذها لسوبر ماركت وسابها في السوبر ماركت وراح رجعت أمها وهوطلقها على حساب البنت هذه يقول ما عد أبغاها ،، هل سمعوا إلى حديث المرأة التي جاءت الرسول صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله إني اصرع ادعي لي ، فقال الرسول تصبرين ولك الجنة أو ادعوا لك ،قال أدعو ألا اتكشف حديث سعد ابن أبي وقاص كان أعمى وكان يدعو الله يشفي من يدعو له .(5/12)
الأستاذ معمر : طيب اخوي معيض إذا أذنت لي إذا كنت تتحدث وكلامك مؤثر هل لك تجربة هل لك موقف هل لك حالة محددة ؟
نعم معاق أنا صار علي حادثة سيارة وأصبت بشلل رباعي
الأستاذ معمر : أسأل الله أن يأجرك
آمين،، وأنا أقول لكل من ابتلي بنفسه فليحمد الله، الله عز وجل يقول (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{23}.. )
آخر شيء سورة تبارك ({تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الملك1..) .
---
ضي : يا شيخ أنا وأختي في بداية حياتنا كنا بنات طايشين وأخذنا من هذه الدنيا كلها ضحك بس الحمد لله أن الله يسر لنا بنات من اقرب أرحامنا ونصحونا على هذا الدين ويسرو لنا ودلونا على طريق الخير بس عاد يا شيخ البنات هذولي قلبوا علينا مئة وثمانين درجة تعرف مغريات الحياة من تكنولوجيا من عبايات والحين لما صرنا ننصحهم يقولون انتم بنات معقدات مدري كيف لكن كرهنا نروح لهم وصارت روحاتنا ثقيلة بالمرة .
---
عبد الرحمن : نريد من الشيخ أن يقدم رسالة للمعلمين في التعامل مع الطلاب .
---(5/13)
سعيد: بالنسبة يا شيخ لي مشاركة في الدين المعاملة وان أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة هو حُسن الخلق وفي ملاحظة يا شيخ بالنسبة يرد كثير من محاضراتك بارك الله فيك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أنكر على أهل الغناء وتسور عليهم والقصة سبق أن بُحثت ما وجدت إلا في كتاب واحد هو كتاب الإحياء للغزالي وتكلم عليها بعض المشايخ جزاهم الله خير ومنها الله يحفظك الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمة الله عليه يقول أنها لا تصح وكذلك الشيخ عبد العزيز ابن باز أنها ضعيفة أحببت أن أقول الفائدة هذه اسأل الله جل وعلا إن يكتب الإعانة والتوفيق علماً وعملا .
---
محمد :حبيت اسأل الشيخ هل من خلال قراءته من التاريخ وسير العلماء يعني هل مر عليه انه سبق أن ظهر احد الملائكة لأحد العلماء أو للأحد الصالحين في الماضي يعني هل سبق أن ظهر ملك من الملائكة تجسد بصورة رجل وكذا ، لأنُ في حدث معين فما ادري يعني إذا حدث هذا كرامات لشخص معين هل يحسن للإنسان أن يتكلم فيها للآخرين وكذا أو انه يسكت ويحتفظ بها لنفسه خوفاً من الحسد وكذا ؟
---
الأستاذ معمر : اشكر جميع المتصلين والمتصلات .
أم عبد الله يا شيخ أثارت شيء مهم جداً كذلك على الموقع أشاروا إليه قضية التعامل مع الخادمات ؟؟لكن استأذنك أن يكون بعد هذا الفاصل مشاهدي الكرام فاصل قصير نتابع معكم سوياً المسير ابقوا معنا،
أهلا وسهلا بكم مشاهدي الكرام مرة أخرى بعد أن تابعنا سوياً هذا الفاصل عودةً إلى اتصالاتكم لنجيب عن ما ورد فيها من تساؤلات حياك الله يا شيخ صالح مرة أخرى أعود يا شيح لمحور أم عبد الله جزاه الله خير حديثها في التعامل مع الخادمات وذكرت؟؟
الشيخ صالح المغامسي : هي ذكرت قضية عين استدلت بها على ما يمكن أن يكون من أثر الخادمات لكن أنا استأذنُها أن أرجئ الحديث في قضية الخادمات سيأتي في وقته إن شاء الله .
الأستاذ معمر : والمعلم يعني ..
الشيخ صالح المغامسي : نعم(5/14)
الأستاذ معمر : جزاك الله خير ، الأخ معيض يا شيخ يسأل عن حديث ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ) ؟
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً الأخ معيض نسأل الله جل وعلا أن يرزقه الصبر وأن يمنّ عليه بالشفاء والعافية وهو أحد أخواننا المؤمنين في مدينة الطائف وكنت ألحظهُ كثيراً ما يحضر الدروس والمحاضرات التي نُقيمها في تلك المحافظة المباركة والذي فهمتهُ ممن حولهُ أن يحضر لي ولغيري أي أنهُ رجلٌ ولله الحمد والمنّة على ما ابتلي بهِ كما قال عن نفسه وأنه ابتلي بحادث إلا أن الله جل وعلا أخذ لهُ من اسمه نصيب اسمه معيض فعوضه الله إيماناً في قلبهِ .
الأستاذ معمر : الحمد لله
الشيخ صالح المغامسي : ونحنُ فرحون فخورون بمشاركتهِ هذه الليلة معنا ومعلومٌ أن الإعاقة ليست الإعاقة الحقيقة هي الإعاقة الجسدية وإنما الإعاقة الجدية هي ما يصد عن ذكر الله جل وعلا ويمنعك من أن تعرف ما لربك عليك من الحقوق ، فإعاقة الجسد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يُخبر أهل العافية يتمنون أن كانوا يوم القيامة مبتلون في الدُنيا لما يرون من إكرام الله جل وعلا لأهل البلاء وعلى هذا نحنُ نغبطهُ ونشكرُه .
أما قولهُ الحديث أصلاً ليس فيهِ ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبهِ ) ليس في الحديث نص ( وما تأخر ) إنما سبق لسان قالها الأخ معيض لكن فيها دلالة عظيمة على أن هذا الشهر المبارك كما هو معلوم من أعظم مظان غُفران الذنوب ، نعم .
الأستاذ معمر : الأخت ضي تُشيراً أيضاً إلى قصة واقعة تقول بنات كن ينصحنا أيام كانت بعيدة عن الالتزام ثم بعد ذلك انتكسن ؟(5/15)
الشيخ صالح المغامسي : نحنُ أولاً يعني نُهنئها أولاً أنها عرفة الطريق الحق ونسأل الله جل وعلا لنا ولها الثبات على دينه تبارك وتعالى لكنني أنصُحها بأن الأخوات التي كنّ معها يوم من الدهر قبل أن يمُن الله عليها بالهداية تتجنب نُصحهن لأن النفوس في مثل هذه الحالة قلّما تقبل وقد يُسخر الله لؤلئك الفتيات غير أختنا في نُصحهن فتُقبل وتستمر في القراءة في التثقيف تتقدم في السن قليلاً بإذن الله ورحمة بعد ذلك تنصرف إلى أخوات يعني جديدات ـ إن صح التعبير ـ تعرج عليهن بالموعظة والنصيحة والتذكير لكن ينبغي أن يكون ذلك بطرائق مقبولة قدر الإمكان لدى الناس واتخاذ وسائل معينة ثم نتدرج في ذلك الذي نُريد أن نرتقي بهِ أو نُريد أن نُخرجهُ مما هو فيهِ من بعض الظلمة ، التدرج في الموعظة في الانتقال أمرٌ محمود لأن الشيء الذي حُبك عُقدةً عُقدة لا يمكن حلهُ إلا عُقدةً عُقدة كما قال عمر بن عبد العزيز لأحد أبناءه وهو ينصحهُ .
الأستاذ معمر : عبد الرحمن يطلب رسالة للمعلمين في التعامل مع الطلاب .
الشيخ صالح المغامسي : هذا كذلك إن شاء الله سيأتي في حينهِ .
الأستاذ معمر :....سعيد يا شيخ يسأل عن بعض أقوال أهل العلم عن قصة عُمر وإنكاره على أهل الغناء ؟
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً نحنُ نشكر لهُ مداخلتهُ وقال قبلها كلاماً طيباً قبل أن يعرج على قضية .
الأستاذ معمر : أثقل شيء في الميزان.(5/16)
الشيخ صالح المغامسي : نعم ذكر الحديث وهذا مشاركة تدل على فقه صاحبها لكن ينبغي للأخوة الذين يتلقون خطابنا وخطاب غيرنا أن يكون في إدراك لمسألة أن هناك منهج تاريخي منهج المحدثين لأن تسأل الشيخ وابن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمة الله تعالى عليها فهما هما في فضلهما و علمهما رحمة الله تعالى عليهما أنت تسأله عن صحة القصة هذا شيء وعن صحة القول بالقصة هذا شيء آخر ،وصحة القصة هذا أمرٌ يعني الجزم بصحة القصة يحتاج إلى إثبات سند لكن أحياناً الإنسان أكثرُ ما نقله العلماء كالذهبي في الإعلام وغيره إنما هي نُطبق عليها منهج المؤرخين ثم أن الإنسان يعني ـ أنا لا ادري ماذا أقول أنا أخاف أن أخطئ على غيري لكن يعني لا أريد أن يسبق لساني فكري ـ لكن قضية توظيف القصة هو المهم .(5/17)
مثلاً عندما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بخبرٍ صحيح أنه لوا وجه الفضل ابن عباس لما نظر إلى النساء وجابر رضي الله عنه كان أميناً ونقل أن الفضل كان ينظر وان النبي صلى الله عليه وسلم عدّله وقد يأتي إنسان بهذا المعيار فيقول ما كان لجابر أن يُخبر أن صحابي ينظر لنساء ، لكن ليس مقصود جابر أن يقول إن هذا مسوغاً وأن هذا يفعلهُ أبناء الصحابة أو الصحابة أنفسهم هذا ليس مقصوداً إنما المقصود الأمانة العلمية تقتضي نقل الأمر بكاملهِ ثم أن العقول والآراء والأفكار تتفاوت في تلقي المعلومة وهذه معضلة نجدها بصراحة كما في زماننا ، فمثلاً اختلاف الفقهاء في بعض المسائل فبعض الناس يمنعك من أن تقول الرأي الآخر خوفاً من أن الناس تتكئ عليه وهذا ليس منهجاً علمياً ـ و لا استطيع أن تجاوز هذا الحد يعني في الكلم خوفاً على أن لا اجرح احداً ـ لكن مقصودي ارجوا أن يكون الأمر قد اتضح فان الإنسان يحمل الخبر عن أخيه محملاً حسناً ،وفي نقطة أساسية نحنُ أحياناً نتكلم بناءً على ما نعلم أو بناءً يعني ـ ماذا أقول ـ عقلية علمية فينبغي أن يكون المتلقي أن لم يكن ذو قدرة علمية لا يظلم القائل .
ومثاله بوضوح : السيوطي رحمة الله تعالى عليه يقول في جمع الجوامع ذكر أبياتً مجزوئة اعتماداً على أن هذا الكتاب أُلف لطبقة علمية فإذا لم توجد طبقة علمية تفهم هذا الكتاب فهذا لا يُعاب السيوطي ولا يُلامُ عليه لكن العلم أحياناً ينبغي نشرهُ خاصة عندما نحاول أن نرتقي بالمجتمع فكرياً وعلمياً وقُلت أنا لا أُريد أن أُكثر من تحرير هذه المسألة خوفاً من أجرح أحد .
الأستاذ معمر : يا شيخ الآن عندما يُشعر المفتي أو العالم النظر إلى الوجاهة التي هي تسبب المفاسد يكون على شيء محدد ؟(5/18)
الشيخ صالح المغامسي : هذا يعتني كلٌ بحسبه يعني أحياناً يكون مقبولاً هذا السبب وفعلُ أبي هُريرة أنه كان أخفى رضي الله عنه وأرضاه لكن ليس هذا على إطلاقهِ ليس أصلاً ، الأصل تعليم الناس تثقيفهم ثم القضية قضية التلقي يعني التلقي أمرٌ محمود يعني مرّ معنا يعني إحنا في لقاءٍ سابق في هذا البرنامج المبارك وكنا نتدارسهُ قبل اللقاء أننا مثلاً استشهدنا بأبياتٍ لشاعرٍ غير محمود فتأتيك رسائل كيف تستشهد هذا طبعاً لا يدل على وعي في التلقي
الأستاذ معمر : المقصود البيت
الشيخ صالح المغامسي : لأن المقصود البيت نعم ، وأحياناً نترحم على أحد وإن كان مشهوراً بعدم صلاحهِ مثل الحجاج لكن الترحُم لا يوجد ما يمنعهُ شرعاً فليس المقصود من الحلقة وإقامتها وبث العلم أن يُذكر الحجاج بخير وأن يُترحم عليه هذا غير مقصود لكن يأتي إنسان في سماعهِ للخُطبة في سماعهِ للمُحاضرة سماعهِ للدرس سماعهِ لأيٍ من المشايخ فينتقي هذه الأمور انتقاءً وهي غير مقصودة أصلاً هذا هو سقمٌ في فهمهِ أو أحياناً يكونُ دغلاً في قلبهِ لكن كما قُلت أنا لا أُريدُ أن أجرح أحد لكن أقول كلمة حق أنا وقع في قلبي سلامة صدر الأخ سعيد عندما تكلم وأشعرُ في ثنايا كلامهِ بروح إيمانيه عظيمة وهذا يعلم الله أنهُ وقع في قلبي بصرف النظر عما قال بعدها لكن لا أُوافقهُ في قضية أنهُ قال أنهُ سُئل عنها فلان وعنها فلان وعنها فلان وقال أنها قصة غير صحيحة طبعاً أنا لم أقُل أنها قصةٌ صحيحة لكن أنا أتكلم بالمنهج الذي يتكلم بهِ العلماء في قضية القصص التاريخية تقول مقبولة ولا يُبنى عليها حكمٌ شرعي ثم أحياناً تكون القصة لا يوجد شرعاً ولا قدراً ما يُعارض وقوعها فإذا لم يوجد شرعاً ولا قدراً ما يُعارض وقوعها فلا يمنع هناك شيءٌ من الاستئناس بها .(5/19)
الأستاذ معمر : طيب أنتقل للأخ محمد يا شيخ كان يقول هل يمكن لبشر سواءً كان من الصالحين أو من غيرهم أن تظهر لهم الملائكة في صورة بشر ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : نعم هذا يمكن للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله أرصد في مدرجةٍ في الطريق لذلك الرجُل الذي يُحبهُ في الله ملكاً يسألهُ " وهذا أصلٌ في إثبات القضية لكن إذا وقع له شيء إذا وقع لأحدٍ هذا أو لغيرهِ لا أرى أن يُحدث بهِ أحد ولا أن يُخبر بهِ غيرهُ أحياناً يحصُل للُعقلاء مواقف هم على يقين إنها وقعت لكن لو قيلت لناس لشك الناس في عقولهم وتُسبب لهم ذم والعاقل ينأى بنفسهِ.
الأستاذ معمر : حتى ولو خاصتهِ يا شيخ ؟
الشيخ صالح المغامسي : حتى ولو ، خاصتهِ لا بأس لكن هي الإشكال قد ينقلب هذا الخاصُ يوماً عدوا نسألُ الله العافية .
الأستاذ معمر : طيب دعنا أعود يا شيخ إلى حديثك قبل الاتصالات كنت تتكلم عن التعامل مع الله عز وجل أشرت مسألة الأدب مع الله والحياء ، قصة أبو موسى الأشعري الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهُ " لقد أُوتيت مزماراً من مزامير أل داوود " أبو بكر رضي الله عنه في قولهِ لأُم المؤمنين عائشة يقول : " أمزمار الشيطان في بيت رسول الله" أُريد يا شيخ لفظة المزمار ...
الشيخ صالح المغامسي : نعم كلمة مزمار في اللُغة تأتي على معنيين :
تأتي بمعنى آلة اللهو أو الغناء نفسهِ وهذا هو معنى قول الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما دخل على ابنتهِ عائشة وعندها جاريتان تغنيان في يوم بعاث فقال رضي الله عنه وأرضاه { أمزمارُ الشيطان } أضافهُ للشيطان لأنهُ فيهِ ما يُشغل القلب عن ذكر الله فالعرب تُطلق كلمة مزمار على الغناء وعلى آلة اللهو التي هي الدُف هنا .(5/20)
وتُطلقُها كذلك على الصوت الحسن فإطلاقُها على الصوت الحسن هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله لأبي موسى الأشعري " لقد أُتيت مزماراً من مزامير آل داوود " أي لقد أُعطيت صوتاً حسناً تتلو بهِ القرآن كما أُوتي داوود صوتاً حسناً يتلو بهِ الزبور ({يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }سبأ10..) ({إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ }ص18..) كما هو معروفٌ في الأثر في القرآن والسُنة .
الذي يعنينا كلمة مزمار لكن إذا استطردنا قليلاً الناس يجب أن يفقهوا أن الذي كان مُرخصاً فيما نعلم الدُف في أيام العيد فأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه استصحب أصلاً وهو أن الغناء محرم فلمّا أنكر أبو بكر على ابنتهِ عائشة كان إنكارهُ وقت ذاك في موضعهِ لأنهُ بناءً على علمٍ يعلمهُ أن الغناء مُحرم فأخبرهُ النبي صلى الله عليه وسلم وأنبأهُ أن هذا يُرخص في يوم عيد وقال " يا أبا بكر إن لكُل قومٍ عيداً وهذا عيدُنا " وهذا ترخيصٌ منهُ صلى الله عليه وسلم وهو المُبلغُ عن ربهِ المُشرع للأمة .
الأستاذ معمر : هل هو خاصٌ يا شيخ أو عام ؟
الشيخ صالح المغامسي : عام الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعهُ كان حاضراً لكن هذا الحديث أو هذا الخبر ما تتمسك بهِ بعض القنوات من أنهم يأتون بما يُسمى بالفيديو كلب أو غيرهُ ليل نهار بُحجة أن الغناء مُرخص بهِ هنا نقول
الأستاذ معمر : بحكم أن الدُف.(5/21)
الشيخ صالح المغامسي : بحكم أن الدُف مرخص بهِ في أيام العيد هنا نقول ليست القضية هنا قضية غناء فتحريم ما يُسمى بإتيان النساء يسمونهُ فيديو كليب أو يُسمونهُ غيرهُ يأتون بنساء يرقُصن وامرأةٌ أو رجُل وسطهُن يُغني هذا لا يُقال لهُ غناء هذا فجور هذا خنا لا يدخُل أبداً في باب ما يُسمى بالغناء فهو كبيرةٌ من الكبار ليس لا يُمكن أن يدخلهُ الترخيص ، الترخيص لا يدخل في باب الكبائر لا في عيدٍ ولا في غيرهِ فهم آثمون على كل حال .
الأستاذ معمر : الترخُص في ضرب الدُف ؟
الشيخ صالح المغامسي : أما الترخص في ضرب الدُف في مجمع نسائي أو في مجمع رجالي وإن كان ينبغي لأهل الفضل أن يزهدوا فيهِ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا لا يُمكن لأحدٍ أن يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتقدم بين يدي الله ورسُولهِ سمعهُ النبي صلى الله عليه وسلم أو أقرّ سماعهُ وقال لأبي بكر " دعهما يا أبا بكر " فلا يُمكن لأحدٍ بعد ذلك أن يُظهر تقوى بعد تقوى النبي صلى الله عليه وسلم ونحنُ عبيد نمتثل ونأتمر بما قالهُ النبي صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر : شيخ صالح قبل أن نخرُج من هذا المحور بما أنك أضفتها دعني أسألك عن أمرين الأمر الأول هل يقتصر على أيام العيد أم ينسحب على كُل المناسبات ؟
الشيخ صالح المغامسي : ينسحب على بعض المناسبات ذات الفرع عند بعض مثل العقيقة ممكن .
الأستاذ معمر : في النجاح ؟
الشيخ صالح المغامسي : النجاح يعني لا يتوسع فيهِ كثيراً
الأستاذ معمر : طيب المسألة الأُخرى يا شيخ مسألة ذكرت الفيديو كليب لأشرطة يا شيخ الآن بعض المشاريع أن كل شريط على الدُف يأخُذ نفس الحُكم ؟
الشيخ صالح المغامسي : الفيديو كليب المُسمى الفيديو كليب الإسلامي طبعاً أنا لا أُمن بقضية شيء اسمه إسلامي أو غير إسلامي يعني هذا رأي شخصي وأعتذر لكل مؤمن يرى صحة هذا لكن أنا أقول نشيد مُباح ونشيد محرم .
الأستاذ معمر : كيف ؟(5/22)
الشيخ صالح المغامسي : يعني مثلاً إذا جاءك مجموعة من الشباب في يوم عيد وضربوا بالدُف فأنا أقول هذا النشيد مُباح لحديث عائشة واضح .
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح المغامسي : لكن لا أُسميهِ إسلامي لأن كلمة إسلامي تجعل كأن الإسلام أمر بهِ والنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجاريتين ظهره ففرق ما بين الموافقة وبين نسبة كلمة إسلامي كأننا نقول أن الإسلام أمر بهِ نحنُ نُسميهِ مُباح ونقول في غيرهِ أنهُ مُحرم ثم هذا المُحرم يرتقي بعضهُ إلى كبائر الذنوب كما يحدُث في بعض القنوات .
الأستاذ معمر : شيخ صالح إذا أذنت لي أُحقق رغبة لبعض أعضاء القطوف كانوا دائماً يطالبون على المنتدى إذا ذكرنا مثلاً سيرة عالم أو خليفة أو شاعر أن نذكُر شيئاً من أخباره ولطائفهِ قبل قليل ذكرت خبر أبي ذئب على المهدي نُعرج على المهدي سيرته نذكر أهمها ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : نعم المهدي خليفة عباسي اُشتهر بكثرة توليتهِ فبالطبع مادام يُكثر من التوليه يُكثر من العزل لأنهُ لن يكون توليه إلا بعد عزل وهذا يدل على قوة الشخصية وكان موسوماً بالشجاعة وقيل له يتعجب الناس من شجاعتهِ فقال لما لا أكون شُجاعاً وأنا لا أخافُ إلا الله .(5/23)
الإنسان أستاذي الكريم أحياناً يُسهم في خير وشر كان غارق بعض الشيء في اللذات والصيد واللهو بحكم أنه ملك لكنهُ كان قصاباً على الزنادقة قصاب واضحة من تقطيع لحم كان يقول المهدي في ترجمتهِ أنهُ كان مُحبباً إلى الرعية قصاباً على الزنادقة وهذا ظاهر في سيرتهِ كثيرٌ من الزنادقة أهلكهم الله على يديهِ وهذا نعمة كذلك جاء عنهُ أنهُ في أحد أيام خلافتهِ هبت ريح شديدة عاصفة سوداء حتى ظن بعضُ الناس أن القيامة قد قامت فسلمٌ أحد حاشيته حرسه ذهب يبحث عن أمير المؤمنين فذهب إلى الإيوان يعني إلى مدهات القصر فلم يجده فوجدهُ في أحد بيوت القصر وهو ساجدٌ على التُراب رحمة الله تعالى عليه وهو خليفة وهو يُنادي ربهُ يقول [ اللهم لا تُشمت بنا أعداءنا من الأمم ولا تفجع بنا نبينا ، اللهم إن كان هلاكُ الناس بسبب ذنبٍ فعلتهُ فهذه ناصيتي بين يديك ] وهذا تسليمٌ عظيم ودلالة على وجود حس إسلامي في قلب هذا الخليفةِ رحمة الله تعالى عليه ، كما أن قولهُ لزُهيرٍ حارسهُ عندما دخل المدينة وقال ابنُ أبي ذئب { إنما يقومُ الناسُ لرب العالمين } لو كان الخليفة لا يُمكن حساً إسلامياً لقال اضرب عُنقه لكنهُ قال " لقد وقف شعرُ رأسي مما قال " أي أن كلمة ابن أبي ذئب وقعت منهُ موقعاً استشعرها وأنا أحسبُ والعلمُ عند الله أن ابن أبي ذئب قالها من قلبهِ قالها صادقاً لم يقولها متاجراً ، يقع كثيراً من الناس يلمز في السلاطين يلمز في الأُمراء
الأستاذ معمر : لأغراض أُخرى(5/24)
الشيخ صالح المغامسي : يلمز لأغراضٍ أُخرى وهو يُريد أن يُؤلب العامة يُريد أن يُحرك أشياء مكنونة يُريد أن يُصفي حسابات هذا والعياذُ بالله ليس لهُ في الآخرة إلا النار إذا قصد بهذا ، لكن المُسلم الحق ـ لأن صعب أن تُتاجر بدين الله صعبٌ جداً ـ يعني هذا لا يقدم عليهِ إلا إنسانٌ لا يعرف من هو الله لكن الله جل وعلا أجل وأعظم من أن يُتاجر بهِ ، فإذا كان الإنسان يقول القول يُتاجر بهِ حتى يُرفع مقامهُ أو حتى يُقال ويُقال ويُقال ثم بعد ذلك هو لا يُريد إلا هذا القول من الناس وجناهُ في الدُنيا قال الله جل وعلا ( {لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ }هود16.. ) والنبي صلى الله عليه وسلم ليس بعد تقديم الروح و النفس شيء لما قيل لهُ أن الرجُل يُقاتل كذا يُقاتل كذا يُقاتل كذا أخبر أن العبرة بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا .
أحسن الله إليكم يا شيخ ننتقل إلى ما يتعلق بما أن الحديث يتكلم عن الدين المعاملة إلى التعامل بين الخلق يا شيخ المُتتبع لما كُتب في هذا الموضوع ولما عُرض عبر وسائل الإعلام أنهُ يُصنف حسب الذوات مثلاً حقوق الوالدين حقوق الجار حقوق الأبناء فإذا أذنت يا شيخ أن نوضحها بطريقة أُخرى أن يُصنفهم حسب الحقوق ونتكلم عنها ؟؟
يظهر لي أُستاذ معمر أن الناس الذين تتعامل معهم قضية التعامل يُمكن تقسيمهم إلى أقسام :
قومٌ لهم حقوق عليك .
وقومٌ عليهم حقٌ لك ـ ضد الأول ـ.
وقومٌ مكافئون لا حق لك عليهم ـ الأستاذ معمر : متساوون ـ مكافئون .
وقومٌ التعامل معهم تعامل منفعي كالتجارة مثلاً البيع والشراء والوظيفة .
وقومٌ ذوو فضل أعطاهم الله جل وعلا فضلٌ بطريقةٍ شرعيه .
فيُمكن تقسيم الناس غالباً إلى خمس قد تزيد في التعامل معهم
الأستاذ معمر : خلنا نرجع للقسم الأول ؟؟(5/25)
الشيخ صالح المغامسي : نبدأ بالقسم الأول : من لهم حق يجب إعطاءهم حقهم ولو لم يعطوك حقك فحقُ الوالدين مثلاً حقٌ عظيم أقرهُ الله جل وعلا في كتابهِ سواءً كان هذان الوالدان على برّ أو على فجور قاما بحقك أو لم يقوما بحقك يجب إعطاءهما حقهما ، حقُ الإنفاق على الزوجة فهذا حقٌ لها لا يُلغى إلا إذا نشزت وخرجت من الدار وفق تفصيل الفقهاء ، فمن كان لهُ حق جُملةً ـ حتى لا نُعيد نفس الخطأ ـ كلُ من لهُ حق يجبُ أن نستشعر ما دام أن الله جل وعلا أوجب علينا هذا الحق فنحنُ نُؤديهِ بصرف النظر عن تلقيهِ هو لهذا الحق قبلهُ أنكرهُ جحدهُ مدحنا ذمنا أنا أُعطيهِ هذا الحق لأن الله جل وعلا أمرني بهِ أن أُعطيهُ هذا الحق هذا القسم الأول .
الأستاذ معمر : يا شيخ ما دام أن الله أمرنا بهذا الأخت مشرقة على الموقع تسأل بالنسبة للحقوق يا شيخ يعني من كانت عادتهُ حُسن الخلُق وأداء الحقوق هل يُؤجر عليها أم لابُد أن يستحضر النية ؟؟
الشيخ صالح المغامسي : إذا كانت هذه العادة جاءت مع الأيام مُنبثقة عن أصلٍ شرعي يُؤجر عليه لكن ينقلون عن المأمون أنهُ كان يقول أخاف أن لا أُجر على العفو لأنهُ كان يُحب العفو ، هذا من لهُ حق .
من لنا عليه حق فهذا يجب أن نقبل تقصيره بمعنى ضد الأول يعني أن نُعطيهُ حقهُ وأن نرفق بهِ وهنا يأتي ما قالته الأُخت أم عبد الله وفقها الله في قضية الخدم ، الخدم في الغالب لنا حقٌ عليهم لأننا نُعطيهم أجرهم هم أُجراء .
الأستاذ معمر : حق الخدمة(5/26)
الشيخ صالح المغامسي : لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخوانكم خولكم " وأمرنا أن لا نُكلفهم ما نطيق وبعضُ الناس عياذاً بالله يتصرف وكأنهُ لن يلقى الله جل وعلا فهو عندهُ من الظلم للأُجراء سواءً كانوا موظفين تحت يديهِ أو عُمال في مكتبهِ أو خادمة أو سائق أو عامل نظافة أو غير ذلك فهو يجدُ في نفسهِ قوة سُلطان جبروت ملّكهُ الله جل وعلا إياه فيُريد أن يستخدم ذلك السُلطان والجبروت والقوة والحق في تكليفهم ما لا يطيقون ..(5/27)
الشيخ صالح المغامسي : مثلاً ترى أحياناً في بعض المطارات وأظُني قُلتُ هذا مراراً ـ طبعاً بيئتي بيئة مطارات لكثرة الأسفار ـ ترى أحياناً في بعض المطارات أن العائلة معها أبناءها يطلبون من الخادمة ـ هي امرأة عورة ـ أن تأخُذ الحقائب من السير الذي يمُر فترى هذه الخادمة تتثنى طبيعة الأمر لابُد أن تتثنى فينظُرها الناس وينظُرها الرجل وليس في عقدهم بينهم وبينها إلا أن تخدمهم في البيت ليس للخادمة علاقة بأن تحمل حقائبكم من السير وتضعها ، يعني لو دفعوا مبلغاً زهيداً لذلك العامل المُخصص خيرٌ لهم من أن يلقوا الله جل وعلا وقد أذلوا امرأةً بين الناس ، فالخادم والخادمة لا يغُرنك منها أنها تعجز عن المُطالبة بحقها وبعضهُن تستطيع أن تأخُذ حقها بطريقةٍ أو بأُخرى لا تخفى على ذوي الألباب لكن نحنُ لا نرقب ردة فعلها هذا لا ينبغي أن يكون هو الباعث على صنيعنا إنما صنيعُنا الخوف من الله جل وعلا وأن الله جل وعلا سيسألُنا عنها ، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن لديهِِ عُمال وانهُ يصنعون لهُ أعمالً كثيرة وأنهم أحياناً يبخسونهُ وهو يردُ عليهم فأخبرهُ النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ سيُؤتى بك وبهم يوم القيامة فإذا كان ما أخذتهُ منهم بمقدار ما أخذوا منك لا لك ولا عليك وإلا اقُتص لك أو اُقتص منهم فبكى الرجُل فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سُبحان الله ألم يقرأ قول الله جل وعلا ({وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47...(5/28)
) كل من استظهر في قلبهِ وتيقن أنهُ سيلقى الله تردد كثيراً قبل أن يظلم أحداً دونه ، ومن لم يرقب يوماً يلقى الله فيهِ هذا الذي يُسرف ففرعون كان جبروتهُ منطلق من أنهُ لم يرقب يوماً لقاء الله ، لكن الصالحين من العباد المُتقين من أهل الفضل هم الذين يرقبون لقاء الله قبل أن يقدموا على العمل يخشون لقاء الله .
يأتي منهم ما قالهُ أخونا أحد الفُضلاء من المُتصلين في قضية الطُلاب المعلمون مؤتمنون على هؤلاء الطُلاب فالإنسانُ إذا قصّر ولم يُعالج تقصيرهُ فالتقصير الذي يأتي عرضاً لسفرٍ طارئ أو مرضٍ مُقعد أو ما أشبه ذلك فهذا يُعذر فيه المرء لكن عندما يكون ديدن المُعلم أن يدخُل قاعة الدراسة وهو لا يعبأ بإفهامهم ولا يعبأ بتعليمهم ثم يُعاقبهم على أدنى خطأ دون أن يُحاول يوماً إصلاحهم ويتشفى منهم إذا وضع الأسئلة أو يُريد أن ينتقصهم أو يجعل المسألة تصفيه حسابات مع عائلتهم أو اُسرهم أو إذا كانوا جيراناً نقول لهُ كما قُلنا في الأول هذا كلهُ من غياب مسألة أنك تلقى الله جل وعلا ، وقد قُلت أنهُ لابُد أن يكون الباعث في كُل عملٍ يأتي خوفك من لقاء الله فإن الله جل وعلا أخبر أن يوم لقاءه يوم عظيم وقد قال عمر رضي الله عنه لابن عباس لما أثنى عليه قال [ وإنني مع ما قُلت لو كان لي مثلُ الأرضِ ذهباً لافتديتُ بهِ من هول المطلع ] فليس لقاء الله بالأمر الهين ، والإنسان إذا اُخبر أن وزيراُ سوف يزور تلك الدائرة أو مُديراً عاماً سيأتيها وبينهُ وبين زيارة المُدير ساعات أو أيام يتغير حالهُ يتغير وضعهُ يتغير تعاملهُ مع من حولهُ خوفاً من أن يُبلغ ذلك المسئول فكيف بلقاء الله ثُم إن الله جل وعلا لا يحتاجُ أحدٍ أن يُبلغه فالله جل وعلا أقربُ شهيد وأدنى حفيظ فاستحضارُ هذا هو الذي يُعين على أن يقوم الإنسان بالواجب الأكمل فإذا غاب من باب أولى أن ترى الجبروت في القلوب والقسوة فيها .(5/29)
الأستاذ معمر : نعم شيخ صالح قبل أن نخرُج إلى محور آخر أو إلى القسم الآخر أستأذنك في هذه الاتصالات ؟
الأسئلة التي جاءت في الاتصالات
أبي البراء : يا شيخ من تاب في رمضان ورجع إلى الله وبعد رمضان كان يعني أكثر عبادة وأكثر قُرب إلى الله من رمضان هل هذا فيهِ يعني دليل قبوله عند الله سبحانه وتعالى .
عبد الله : نبغا يا شيخ تدعي لنا بخيري الدُنيا والآخرة .
أشواق : أبغى أسأل سؤالين الأول استخدام الدُف في الزواجات أحياناً يجي طقاقات يجيبون معهم دُف وزير ومرواز أحياناً إذا جيت تقول لهم المرواز والزير محرم يقولون مفتوح من جهة فتشبه الدُف فهل هذا يجوز ؟
السؤال الثاني في بعض الزواجات ما يحضر الطقاقات لكن مثلاً يُشغل شريط طقاقات بمُوسيقى فأنا أجلب معي أشرطة طق بدون موسيقى فهل يجوز لي عمل هذا الشيء يعني أعطيهم إياه بدل من هذه التي بمُوسيقى وأحياناً ما أكون متأكدة من الشريط أنه يكون خالي من الطبل يكون دُف فقط فهل هذا جائز ؟
الأستاذ معمر : شكر الله لجميع المتصلين ..
أبو البراء يا شيخ يقول من تابع الأعمال الصالحة بعد رمضان هل يكون دليل قبول أعمالهِ وتوبتهِ السابق ؟
الشيخ صالح المغامسي : نعم هذا إن شاء الله تعالى أنهُ من أمارات وعلامات القبول ولا نجزمُ بهِ لكنهُ الحسنة تقول أختي أُختي فإذا اتبع الإنسان الحسنةً الحسنة دلّ ذلك إن شاء الله على قبول عملهِ عند الرب تبارك وتعالى وأنا أسأل الله لأخي أبي البراء التوفيق في الدُنيا والآخرة وهو ونحنُ في المقام الأول في قضية أن الإنسان يزداد في فعل الخيرات بعد رمضان لأن رمضان أشبه بالنور الذي يُبث في القلب فكلما كان العمل الصالح في رمضان كثيراً كان بقاءُ ذلك النور إلى العام القادم أكثر .
الأستاذ معمر : عبد الله يا شيخ طلب منكم الدُعاء ، أتجاوزه ؟(5/30)
الشيخ صالح المغامسي : سندعو لكن يعني في نُقطة ، والله لا أدري ماذا أقول لكن الناس يكثرون من هذا الطلب ولو رفقوا بنا لكان أفضل .
الأستاذ معمر : طيب خلنا نسأل يا شيخ عن مشروعية هذا الطلب هل يجوز للإنسان أن يُطلب الدُعاء من الغير أم الأولى بالإنسان أن يدعو هو ؟
الشيخ صالح المغامسي : هو الأفضل أن يدعو الإنسان لنفسهِ وجاء في الشرع ما يدلُ على أن الإنسان يطلبُ الدُعاء من غيرهِ لكن إذا خشي الفتنة والفتنةُ لا يُؤمن منها أحد خاصةً هكذا على الهواء يعني نسأل الله العافية ..
الأستاذ معمر : طيب للأخت أشواق تقول يا شيخ في الزواجات يأتون بالدُف والزير والمرواز خلنا نتكلم عن الأشرطة ؟ ...
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً الأصل ضربُ الدُف في النكاح فصلُ ما بين الحرام والحلال ضربُ الدُف في النكاح وهذا يدلُ وهذا يدلُ على أن الأصل تحريمهُ فنحنُ نقول لها وللأخوات المؤمنات هي تُجزى خير على أنها تأتي بأشرطة ما فيهن إلا الدُف هذا فعلٌ محمود جيد حسن ، أما توسع من يصنع هذا الصنيع في غير الدُف فلا أُحبذهُ ولا أراه وهو إلى الحُرمةِ أقرب بل بعضُ أهل العلم نص على تحريمه فالمقصود من ضرب الدُف هو إعلان النكاح والخروج بهِ عمّا كانت عليهِ العربُ في جاهليتها من السفاح فيُضرب الدُف بًرهةً من الليل لا تكون طويلة يُعلنُ فيها النكاح ويُنشد فيها أناشيد تُلاءم ذلك الوضع ويُظهر فيها الفرح هذا مما أباحهُ الله جل وعلا لعبادهِ قال صلى الله عليه وسلم ( هل كان معكم من لهو فإن الأنصار يُعجبهم اللهو ) لكن لا ينبغي للإنسان بعد ذلك أن يزيد على الشرع ما ليس فيهِ .
الأستاذ معمر : الدين المعاملة يا شيخ أنت تكلمت عن مالهم حقوق علينا ومالنا عليهم حقوق دعنا يا شيخ نتكلم عن التعامل مع المكافئين ؟؟(5/31)
الشيخ صالح المغامسي : المكافئين نعم يوجد في الناس من هو مكافئ بمعنى أنهُ لا يُوجد لهُم حقٌ عليك ولا حقٌ لك عليهم لكن هنا يأتي الأدب في أن الإنسان يكونُ مُتأدباً مع من يسمعهُ يقولون عن الخليفة ابن أحمد رحمة الله تعالى عليه أنهُ كان إذا أفاد أحداً شيئاً لم يُرهِ انهُ أفادهُ وإذا استفاد من لأحدٍ شيئاً أراهُ أنهُ استفاد منه وهذا نموذج عالٍ على نهج سلف الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المُكافئ الإنسانُ إذا كان سليم الصدر لين الطبع يقول صلى الله عليه وسلم " المؤمن مُنقاد " يعني يقبل الأخذ والعطاء ويألف ويُؤلف هذا في التعامل مع المُكافئين لا يرى الإنسانُ في نفسهِ علوً ولا ظهوراً على الغير يقول الله ({تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83..) فالتعامل مع المُكافئين يعني يمكن أن يكون مُنضبط بطرائق محمودة جداً في أن الإنسان يكون ذا قلبٍ سليمٍ يعرفُ قدر أخيهِ ولا يُحاول أن يستنقصهُ كما سيأتي بيانهُ .
الأستاذ معمر : جميل أعود يا شيخ إلى مسالة قبل أن نخرُج من مسألة التعامل مع المكافئين الأخت حنين جذع يا شيخ أرسلت على الموقع تقول قامت بالنصيحة لبعض قريباتها يعني من باب الحرص عليها في الله عز وجل صارت عدم قبول و قطيعة تقول لو وجهتم نصيحة في هذا الموضوع ؟(5/32)
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً أياً كان الأمر ينبغي على من يتلقى النصيحة أن يتقبلها بقبولٍ حسن ويعلم أن الباعث من أخيهِ أو من أُختهِ على النُصح هو أرادة الخير لهم ولا يكُن فينا سوء ظنٍ ببعضنا البعض لأنهُ لا يأنف من النُصح أحد كُلنا ننصح وكُلنا يُنصح كلٌ بحسب ما أفاء الله جل وعلا عليهِ من العلم وقد وقف هدهد بين يدي سُليمان وقال ({ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ }النمل22.. ) فليس معنى أنني أنصحُك أنني خيرٌ منك ولو كنتُ يغلبُ على ظنك ـ وإن كان هذا صعب ـ أنك خيرٌ من فُلان لا يعني ذلك أنك لا تقبل منهُ شيئاً فإن الإنسانُ مرآةُ أخيه والمؤمن الحق بأخوانهِ وهذا من الولاية التي قال الله جل وعلا ({وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }التوبة71..)
الأستاذ معمر : التعامل مع ذوي الفضل(5/33)
الشيخ صالح المغامسي : التعامل مع ذوي الفضل يقول صلى الله عليه وسلم كما رواهُ بإسناد الحسن ابن علي من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه " إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المُسلم " فمن بلغُ في السن مبلغاً وشابوا لهم حق يعرفهُ من يعرف الفضل والنبي عليه الصلاة والسلام يقول "إنما يعرفُ الفضل لأولِ الفضل أُولو الفضل " كما قال صلى الله عليه وسلم في الإكرام " من الإكرام إجلال الله حامل القرآن غير المُغالي فيهِ والمجافي فيهِ ، وإكرام ذي السُلطان المُقسط " ولاة أمر المُسلمين لهم حق فإكرامهم من إجلال الله جل وعلا ، من منّ الله جل وعلا عليه بالقرآن كأئمتنا في الحرمين وأمثالهم ممن حفظوا القرآن ونفع الله بهم البلاد والعباد إكرامهم من إجلال الله ، الرجُل الكبير كما قُلت ذي الشيبة المُسلم ينبغي إكرامهُ ، كما أن الضُعفاء كذلك لهم حق الإكرام مثلاً ـ أنا أعود لبيئة المطارات ـ فيهِ أحياناً في الباصات التي تنقُل الناس من الصالات إلى المطار فمثلاً اليوم ـ أنا رأيتُها للأسف ـ يوجد نساء كبيرات في السن أو شابات صغيرات في الباص فبعض الرجال عفا الله عنا وعنهم المقاعد تكون محدودة لأن الأصل في مثل تلك الباصات الوقوف فيأتون يجلسون مع أن الشركات المُتبنية لهذه الباصات كتبت ألوحاً مكتوبٌ عليها أن هذا خاص لنساء وخاص لكبار السن لكن البعض يغلبُ عليه حُب الذات من غير أن يشعُر فعندما يأتي إلى هذه الأماكن لا يُفكر في شيء إلا في نفسهِ كيف يستريح مع أنهُ كان جالس فيأتي ليجلس وهو يرى ـ المرأة عورة ـ يراها واقفة ورافعة يديها تخاف أن تسقط وهذا لا ينبغي لمُنصف لرجُل لشهم يفعلهُ لكن عندما تغيب بعضُ آداب الدين ويغلب على الإنسان النظرة الذاتية بمن حولهُ يكون هذا النوع من التعامل نسأل الله العافية .
الأستاذ معمر : التعامل يا شيخ مع العلماء مع المشايخ مع المعلمين ؟(5/34)
الشيخ صالح المغامسي : إجلالهم حق لكن لا يُبالغ فيهِ لأن الإنسان إذا اتخذ طرائق الوسطية سلم لكن المُبالغة لا تُؤدي كما كنا نقول دائماً إن من أعظم أودية الباطل الغلو في الأفاضل .
الأستاذ معمر : المقصود يا شيخ بالتعامل المنفعي موقف منه ؟
الشيخ صالح المغامسي : التعامل المنفعي الإنسان مالهُ يقول الله تعالى ({ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ{1} الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ{2} وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{3}المطففين ..) ولذلك المنفعيون لو سألتهم ما رأيُك في سيارة قيمتُها ، مثلاً تقول لهُ سيارة كابرس موديل ألفين كم تبلغ إذا كان ذكياً كيف يُجيبُك ؟ يقول أنت بائع أو مُشتري ! لأن تفرق إذا كُنت تشتريها لا تشتريها بأكثر من كذا وإذا كنت تبيعها يكون جوابهُ جواب منفعي يعرف ما وضعُك .
المؤمن الحق الذي يرقُب الله جل وعلا يضع نفسهُ في تعاملهِ محل الطرف الآخر فإذا وضع نفسهُ محل الطرف الآخر انطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم " يُحبُ لأخيهِ ما يحبُ لنفسهِ " وهذا هو النموذج الأمثل في التعامل مع الناس أن يُحب المرء لأخيهِ ما يحبُ لنفسهِ ، لكن يحصُل في أسواقنا في طرائق التعامل معنا يظهر الخداع لغياب مراقبة الله جل وعلا في التعامل المنفعي كلٌ يُريد أن يفوز هو وبعضٌ من الناس عياذ بالله لا يُفكر إلا في البيئة التي يعيش فيها يعني من كثرة شعورهِ بالنقص يُحب أن يريد أن يسمع كلمة مدح .
فمثلاً وهذه وقعت لي في رمضان رغم أنني والله خرجتُ متجرداً أن لا أحتك بأحد وأنا أخرُج قليلاً خرجت إلى سوق التمر أبحث عن تمر .
الأستاذ معمر : في المدينة يا شيخ ؟(5/35)
الشيخ صالح المغامسي : في المدينة أبحث عن شيء ففي سوق فيه السيارات واقفة تبيع التمر يعني مصطفة الطريق لا يحمل إلا سيارتين يعني سيارة تذهب وسيارة تغدوا فنحن ماضون فيما يسميه العامة بالسرى أنا مضطر أقول بالعامية حتى يصل المفهوم فأحد الناس عفا الله عنا وعنهم مرآهم طيب يعني في سيارة أربع أو خمسة رجال فلما جاء عند أحدى السيارات هاذي التي تقف وتبيع توقف فنزل أحدهم ليشتري هذا الذي في السيارة يقودها يُريد أن يقف ونحنُ جميعاً في منظومة ورائهم ننتظر حتى ينتهي صاحبهم من الأخذ والبيع والعطاء ويسوم السوق و يرى ما هو غير أحسن لماذا ؟ لأنهُ يريد أن يقول أن فُلاناً شهماً يعني يقول هذا الذي خرج ما شاء الله فلان ما خلاني أمشي والله وقف بالسيارة عن باب السائق حتى انتهيت ـ هو يبحث عن هذه الكلمة ـ هذا السائق لكن لو كان يحملُ أدباً إسلامياً جماً لما صنع هذا ، فأنا مع أنهُ كنا في نهار رمضان لكن في المُنكر لا تأتي وتقول أنا زاهد أنا ورع فأحياناً يكون الورع فقه من لا فقه له الورع أحياناً أحياناً ليس على إطلاقهِ فقه من لا فقه له فأنا أذكُر أنني يعني لمتهُ عنفتهُ بطريقتي لكن خطأ عظيم هذا الذي يقع منك لأن÷ الإنسان عندا نحنُ مسلمون ينبغي أن يُقدم الصورة المُثلى لأهل الإسلام ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يجلس حيث ينتهي بهِ المجلس ونهانا ربُنا أن نُقيم أحداً من مجلسهِ ونجلس أحداً من مكانه ولو كان قال الله جاءت الآيات بالأمر والتفسح في المجالس .
والمقصود أن الإنسان ينبغي أن يحمل في تعاملهِ مع الناس آداباً عظيمةً جليلةً مًستقاةً من كتاب الله وسُنة نبيهِ صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر : شيخ صالح مثل هذه الأخطاء قد تحصُل من الجميع لكن يا شيخ يُلاحظ من عليهم سيما الصلاح والتُقى يُحملون أكثر من ذلك لأنه تُنسب إلى دين الله أصلاً ؟
الشيخ صالح المغامسي : نعم أن تُنسب إلى الدين خطأ فكُل إنسان مسؤلٌ عن نفسهِ.(5/36)
الأستاذ معمر : هذا ملحظ.
الشيخ صالح المغامسي : لكن ينبغي للإنسان أن يُقدم الصورة المُثلى لأهل الإسلام إذاً هو الله يقول ({ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ{1} الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ{2} وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{3}المطففين ..) والعاقل الذي يعرف الله حقاً يكيلُ لناس بما يكيلُ بهِ لنفسهِ .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح نحنُ في الدقائق الأخيرة فصلنا في التعامل مع الله عز وجل فصلنا في التعامل مع الخلق سواء كان التقسيم الذي ذكرتهُ أو التقسيم السائد بين الناس شيخ صالح هناك أمور بين الناس يجب على الإنسان أن يُراعيها مهما حاول أن يكون حُسن الخُلق مع الغير سواءً في حديثه في تعاملهِ إلا أن هناك ضوابط ينبغي أن يستحضرها دائماً لعلنا نُذكر المشاهدين الكريم يا شيخ بأهمها ؟(5/37)
الشيخ صالح المغامسي : أهمها : العلم أن الله ذو حكمةٍ بالغة ، إذا علم العبد أن الله ذو حكمةٍ بالغة أرعوا ساقهُ هذا العلم إلى أن يتأمل في التعامل في الناس أحياناً يظنُ الإنسان يغلبُ علينا نسأل الله العافية أن نعتقد أننا سنبقى هكذا دائماً مُحال كل قوة إلى ضعف وحتى الغنى لا يلزم أن يؤل إلى فقر لكن يؤل إلى أنك تترُك مالك تموت حتى لو لم تفتقر تموت عنه تتركُهُ يُصبح بعد لحظةٍ من وفاتك مُلكاً شرعياً لغيرك واستصحاب هذه المعاني أن الله ذو حكمة بالغة ،، قبل أيام نشرت الصحُف أن بوب دنر هذا مرتزق فرنسي كانت تستخدمه الحكومات الفرنسية السابقة في انقلابات دول تغيير حكومات وتنقل كثيراً في دول أفريقية وبعض الدول الآسيوية وكان لهُ دور كبير في كثير من الانقلابات التي حصلت فهو مرتزق معروف مشهور عالمياً توفي مؤخراً ، هذا الرجل استخدمته الحكومات الفرنسية في تغيير عروش وإزالتها مع ذلك أصابهُ الله جل وعلا قبل أن يموت بمرض الزراير هذا الذي يفقد الذاكرة فصار الناس يحدثونهُ أنت دولة كذا أنت يضحك ما هو مصدق أنهُ يسمع هذه المعلومة كأول مرة وهو كان يتبناها ويقوم بها فأنظُر إلى صنيع الله جل وعلا في خلقهِ هذا كافر لا يفقه من حولهُ عائلة كافرة قد لا تفقه لكن أنت كمسلم عندما تقرأ هذا الخبر بطريقةٍ ما بطريقةٍ أُخرى تقرأه ليس كمن يقرأه من لا يرقب وجود الله من لا يرقب لقاء الله فإن الإنسان يعلم أنهُ أي قوةٍ هذه التي ستبقى لك أيُ نفوذٍ هذا الذي سيستديم أيُ فصاحة هذه التي ستبقى لك .
كل شيءٍ مصيرهُ للزوال
غير ربي وصالح الأعمال
فإذا علم الإنسان أن الله ذو حكمة بالغة أرعوا الله يقول ({وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }النساء9..) .(5/38)
تأتي أحياناً عند رجُل يُعاني من الموت وعندهُ أطفال فيأتيهِ إنسان أحياناً يقول لهُ لو وصيت لفُلان لو وصيت لفُلان لو وصيت يُريد أن يُذهب ماله فالله جل وعلا يقول لهُ أنت أرقُب قبل أن تتلفظ بالكلمة بالمشورة بالرأي لهذا الرجُل تذكر أبناءك كيف لو تركتهم ذُريةً ضُعفاء كيف سيُصبح حالهم واضح ، هذا المعنى المقصود من قول أن الله ذو حكمةٍ بالغة .
الأمر الثاني : حفظ اللسان لأن اللسان العاقل يرى وصف النبي صلى الله عليه وسلم أو وصف القرآن من قبل في أهل الفسق والفجور فيحاول بل يجبُ عليهِ أن يسعى في البُعد عنهم فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في المنافقين " إذا خاصم فجر " فيأتي المُسلم في تعاملهِ أن يحفظ لسانهُ قبل أن يتكلم نحنُ نغضب كُلنا نغضب يقع منّا الخطأ لسنا معصومين فإنّا لم نوق النقص حتى نطالب بالكمال للآخرين لكن يُبقي الإنسان على أنهُ لا يستمر في كلامهِ فإذا وجد في نفسهِ غضب في مجلسهِ مع أصدقاءه مع أقرانهِ مع أولادهِ مع أبناءهِ مع بناتهِ يخرُج حتى لا يتلفظ بكلمات يبقى لها أثرٌ سيء في القلب ويحاول قدر الإمكان أن يحفظ لسانهُ ما أستطاع لأن الكلمة إذا خرجت حكمتك أما إذا لم تخرُج كُنت أنت الحاكم لها .(5/39)
هذا كذلك يعني يُمكن أن يُضاف إليهِ أن الإنسان يعني غير حفظ اللسان يسعى أن لا يحتقر أخاهُ المُسلم لأنها من الضوابط المهمة قال صلى الله عليه وسلم"بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاهُ المُسلم " طرائق الاحتقار يعني قد لا يقول الإنسان أنت كذا لكن يُحاول أن يُبين نقصهُ أمام الناس وأسوأ ذلك أن يقع بين الزوجين فليس ذلك رجُلاً شهماً الذي يأتي ويحاول أن يُعيب امرأتهُ أمام أبناءها وبناتها وليست تلك امرأة تصلُح أن تكون زوجة تلك التي تحاول أن تنتقص زوجها أمام أبناءهِ وبناتهِ فإذا رأت أن الأبناء والبنات يُجلّون أباهم تحاول أن تنتقصهُ أمامهُ وقد يكون هناك زوج إذا رأى أن أبناء والبنات يحبون أمهم ويتعلقون بها يريد أن ينتقصها أمامهم ، أو يحصُل هذا مع بعض القرابة ومع بعض المعارف ومع هذا كلهُ قال صلى الله عليه وسلم في كلمةٍ جامعة مانعة " بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاهُ المُسلم " .
الأستاذ معمر : أحسن الله غليكم يا شيخ صالح وحسبُنا أننا قدمنا شيءً في هذه الحلقة وإن لم نُغطي جميع جوانب الموضوع ، نخرج إلى الأخوة في الموقع كان لهم تواجد كبير علماً أنّا لم نعلن عن الحلقة إلا متأخرين ؟ هل لك من كلمة يعني ؟
الشيخ صالح المغامسي : وجود فإن تواجد
الأستاذ معمر : صوفية
الشيخ صالح المغامسي : لا كلمة تواجد معناها الطرب وليس لها أصلٌ في اللُغة بمعنى الجمع ، ذلك أني أذكُر أحد أولياء الأمور في المدارس عالم وإن كان لا يعرفهُ أحد فدخل المدرسة وأنا كنتُ موجوداً كنت مشرف تربوي آنذاك فقال له مدير المدرسة قبلنا ابنك تعرف يقدمون لطلاب الصفوف الأول قبل نهاية الدراسة وعليه التواجد يوم كذا كذا قال أعوذُ بالله أبني لا يتواجد ـ يعني لا يرقُص ـ إنما سيحضُر يوم كذا وكذا .
الأستاذ معمر : طيب
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً ربما أنت وضعتها مزلق حتى أتكلم ، نعود إلى ماذا كنت تقول .
الأستاذ معمر : إذا لك من كلمة للأعضاء القطوف؟(5/40)
الشيخ صالح المغامسي : أما أعضاء منتدى القطوف الدانية وأخوتي وأخواتي في أعضاء منتدى محاسن التأويل فأنا أولاً أسأل الله أن يوفق أخي الكريم الشيخ عبد الرحمن سالم وأخي الكريم الشيخ عاصم الغامدي الرجلين الفاضلين القائمين على المنتديين ونشكُر لهما شكراً جميلاً جزيلاً ما يقُومان به كما أشكُر الأخوة والأخوات على جهودهم المباركة الواضحة الظاهرة في هذا المنتدى منتدى القطوف الدانية ومنتدى محاسن التأويل وحسبُنا أننا كلفناهم بتحرير أو تفريغ ما منّ الله به علينا من التدريس في محاسن التأويل ولهم كذلك جهود مباركة في قضية القطوف الدانية ولا أُريد أن أخُص أحد بالذكر للجميع كلهم ذو فضل طبعاً يتفاوتون في فضلهِم لكن تقييمهم في هذا يرجع إلى الجهات الإدارية المعنية وأشكُر أخي الأستاذ أمين المُشرف العام وأشكُر هؤلاء الفُضلاء جميعاً كما أشكُر يعني كُل من لهُ دور أعرفهُ أو لا اعرفهُ في محاسن التأويل .
الأستاذ معمر : ونحنُ أيضاً نشكُرك شيخ صالح
الشيخ صالح المغامسي : الله يعافيك
الأستاذ معمر : الشُكر موصولٌ لكم أيُها الأحبة على طيب متابعتكم سواءٌ تابعتمونا من خلال هذه الشاشة المُباركة أو من خلال مواقع الانترنت أخُص الأخوة والأخوات على موقع المسك الشُكر لأعضاء القطوف الدانية لازلنا نأمل في المزيد من إبداعاتكم وتواصلكم من خلال هذا المنتدى أسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالنا خالصةً لوجههِ الكريم حلقتنا القادمة بإذن الله في عامنا الثالث نسأل الله أن يتقبلنا جميعاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...........................
تم بحمد الله وتوفيقه وعونه
***(5/41)
حلقة القطوف الدانية لشهر صفر لعام 1429 هـ
الأستاذ معمر : بسم الله الرحمن الرحيم...
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلا ومرحبا بكم إلي حلقة جديدة من برنامجكم الشهري " القطوف الدانية " يسرني ويشرفني أن التقي بكم مجددا في هذا البرنامج ثاني اثنين من كل شهر ، وأسعد معكم أن نرحب معكم مع ضيفي الدائم فضيلة الشيخ صالح ابن عواد المغامسي ، إما وخطيب مسجد قباء ، حياكم الله شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ معمر ، وحيا الله الإخوة والأخوات المشاهدين ، والأخوات المشاهدات .
الأستاذ معمر : مشاهدي الأعزاء حديثنا في هذا الليلة المباركة سيكون عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، عن ألئك النفر الذين قضوا سني عمرهم في الحفاظ على إرث الأنبياء ، وجعل الله كتابه آيات بينات في صدورهم ، و استشهدهم على أعظم مشهود وهو توحيده جل وعلا ، إذ يقول تعالى : (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فالعلماء هم نور الله في أرضه ، وأمناؤه على خلقه ، منهم يتعلم الجاهل ، وبهم يسترشد الحائر ، وهم فعلا الكنز الحقيقي الذي تتباهى بهم أمم ، ولئن كانت مكانة العلماء في نفوس المسلمين الصادقين عظيمة ، وأهميتهم في حياتهم كبيرة ، إلا أن هذه المكانة تتأكد وتزيد في حق الراسخين من هؤلاء العلماء ، والذين سنخصهم بحوارنا في هذا اللقاء ،
نتحدث عن :(5/1)
المقصود بالراسخين في العلم ،و نبين الصفات التي يتأهل بها الإنسان ليصل إلى هذه المكانة العظيمة . أذا "الراسخون في العلم" هو موضوع حوارنا ونرحب بكم ، وأرحب بتواصلكم ، مع هذه الحلقة من خلال أرقام الهواتف التي تظهر الآن على الشاشة ، و خلال بث حلقتنا أيضا لا يفوتني في بداية اللقاء أن أرحب بالإخوة والأخوات على مواقع الإنترنت ولاسيما ، موقعي البث الإسلامي ، وموقع المسك ، أهلا بالجميع وباسمكم جميعا أكرر ترحيبي بضيفنا الكريم ، وعلى بركة الله نستهل اللقاء عن الراسخين في العلم ، قبل أن يبين فضيلة الشيخ الراسخين في العلم المقصود بهم ، ونبين الصفات التي لابد أن تتوافر فيهم ، كما ذكرت في المقدمة العلماء هم ورثة الأنبياء ، ومن المصائب التي آلمت كل مسلم في هذه الأيام ما عرضته الصحف الدنمركية من تجديد في الإساءة وللحماقة التي نشرتها كثير من صحفهم ، واجب علي وعليك وعلى كل المشاهدين أن يستهل هذا اللقاء بالحديث حول هذا الأمر .
الشيخ صالح : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ...(5/2)
خيرا فعلت أخي أستاذ معمر ، بأن نبدأ اللقاء بالحديث عن تجدد نشر الرسوم المسيئة لرسولنا صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن نذكرها نبين أصلا عظيما ، الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين زكى نبيه صلى الله عليه وسلم وعصمه وأكرم مثواه ، وسيحسن برحمة الله منقلبه ، وسيكون صلى الله عليه وسلم كما أخبر يوم القيامة صاحب المقام المحمود ، وصاحب الوسيلة وهي درجة في الجنة ، لا يجتمع عليها اثنان ، قال صلى الله عليه وسلم : "لا ينبغي أن تكون إلا لعبد وأرجوا أن أكون أنا هو " صلوات الله وسلامه عليه ، فنحن عندما نتحدث عن تجدد نشر الصور المسيئة له صلى الله عليه وسلم نتحدث لنتقرب إلى الله جل وعلا أجرا بالحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم حديثا حسنا ، ولنبين عوار ألئك القوم ، أما هو صلى الله عليه وسلم فمحفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى له حيا وميتا ، صلوات الله وسلامه عليه :
والله لن يصلوا إليك ولا إلى *** ذرات رملٍ من تراب خطاك
هم كالخشاش على الثرى ومقامكم *** مثل السماء فمن يطول سماك
صلوات الله وسلامه عليه .
هذا التجديد يفرز أمورا كثيرة ، من أهمها أن طريق معالجتنا الأولى لم تكن في الغالب صائبة ، لأن هذا الحدث تجديد ، وقد كان من قبل كان من قبل على هيئة مختصرة في صحيفتين أو ثلاثة ، والآن وصل العدد إلى سبعة عشرة صحيفة منها صحف مدعومة من الدولة ، التأيد الحكومي الدنمركي في التجديد أكثر من أول ، في الأول كانوا يلتزمون الصمت ، لكن الآن بعض الصحف تحظى بتأيد من الحكومة ، الكنيسة صمتت إلى الآن الكاثوليكية صمتت إلى الآن عما حصل ، إذا هنا ثلاث أمور :
1. تجد عدد الصحف وكثرتها .
2. تأيد الحكومة بالدعم الرسمي
3. والصمت الكنسي ( نسبة إلى كنيسة ) .(5/3)
والمعالجة السابقة الإخوة الفضلاء يعني لا نريد أن نقدح في أحد ، لكن بعض الفضلاء اجتهد وقد لا يكون موفقا في قضية اللين ، وبعض الفضلاء اجتهد ولم يكن له أن يجتهد ، لماذا ؟ لأن التحدث باسم الأمة والدفاع عن نبيها يحتاج أولا إلى ما يشبه بالتوكيل ، والتفويض من الأمة ، ليست القضية قضية أن إنسانا فرديا يسعى حل المعضلة بيننا وبينهم ، يعني ليست مناط اجتهاد فردي ، وأن الإنسان يأتي بمفرده يأتي يتحدث باسم المسلمين ، هذا غير مقبول ، لابد أن يكون التفويض ناجم عن جهة لها حق التخويل رسميا أو شعبيا ، مثل رابطة العالم الإسلامي أو منظمة المؤتمر الإسلامي ، منظمة المؤتمر الإسلامي تمثل الحكومات ، ورابطة العالم الإسلامي تمثل الشعوب ، وينبغي على منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي الاثنتان ينبغي عليهما الاثنتين أن يتخذ موقفا موحدا ،وهما يتخذا القرار المناسب في مثل هذه الحالة ، بعض الكتاب الكبار ، الذين لهم دراية بالصناعة القانونية لماذا نقول الصناعة القانونية ؟ لأن قضية أن سب النبي صلى الله عليه وسلم هل يخول حربا ؟ نعم لأنه جريمة عظمى ، لكن الأمة ليست بمقدورها حرب ، وهذا لا يختلف عليه اثنان ، لكن هناك طرائق خفية ، وقلت بعض أهل الصناعة القانونية ، المعاصرين كتب في هذا المجال ، وآخرهم اليوم أنا قرأته في جريدة الحياة لأستاذ أسمه محمود المبارك ، ذكر طرائق قانونية ونبه على أن الميثاق الأوربية بنص على أن حرية التعبير عن الأديان في المادة 29 من نفس الميثاق تنص على أن هذا مقيد أو هذه الحرية مقيدة ، بأن لا تضر حرية الآخرين ، وهذا في دول تحكم القانون في الغرب ينبغي الاتكاء على مثل هذه في محاكمتهم ، ليست قضية محاكمة الفرد ، لكن قضية الضغط على الحكومات من باب القوانين التي هم يؤمنون بها ويبثونها في الناس ، هذا من جهة العمل الرسمي ، للأسف الموقف الرسمي إلى الآن من دول العالم الإسلامي لا يرقى إلى أدنى(5/4)
ما هو مطلوب في حق تجدد نشر الصور الرسمية ، أما ما يتلق بعامة المسلمين فيظهر أن الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية على الأقل وإن لم تكسر لهم شوكة في الغالب فإنها تشفي فينا غلا ، فالتجديد لها أمر محمود مطلوب في ظني .
الأستاذ معمر : أنت تنادي بالمقاطعة .
الشيخ صالح: أنادي بالمقاطعة .
والأمر الثاني : قضية عملية وهو أننا نعمل جاهدين على نصرته صلى الله عليه وسلم بنشر هديه ، وبعث سنته للناس في الغرب أولا ، ونبدأ بالعمل الفردي والجماعي ، في نشر سننه صلى الله عليه وسلم ، وهديه والدين الذي جاء به ، وهنا كلمة قالها العالمة الشيخ : عبد الله ابن عبد الرحمن الجبرين- وفقه الله وحفظه – في اللقاء في ما حاصل في الحادث الأول قال :
" إن الدنمركيين أساؤا إلى نبيهم ، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم نبين لنا ونبي لهم" ، وهذا لا يتنبه له إلا عالم فذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كل من جاء بعده من بعثته إلى يوم القيامة هؤلاء كلهم أمة دعوة ، فالدنمركيون وغيرهم ليس لهم نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم ، هم مأمورون شرعا بالإيمان به و إتباعه ، صلوات الله وسلامه عليه ، فهم أساؤا إلى نبيهم ونبينا في آن واحد ، لكن الفرق بيننا وبينهم أننا من أمة الإجابة ولله الحمد ، وهم من أمة الدعوة ، . هذا أمر يحب أن ينشر في أبنائنا في بناتنا ، على مستوى المؤسسات على مستوى عديد جدا ، وقلت لابد أن يرتقي الموقف الرسمي من منظم المؤتمر الإسلامي ، والغريب أنهم يدعون أحيانا للقاءات أو لقمم في أمور هي أدنى من هذا بكثير للأسف .
الأستاذ معمر : شيخ صالح نفهم من كلامك تقرير الجهود الفردية ، أنت الآن عندما لمن تتخلى الجهات الرسمية ، عندما تتخلى أيضا العمل المؤسسي لا يبقى أمامنا إلا جهات الفردية .(5/5)
الشيخ صالح : الجهات الفردية تنقسم إلى قسمين : زي العمل التعبدي ، الشرع لم يأتيك أن تستأذن أحدا في نافلة ، أو تستأذن أحد في صلاة تراويح لكن كإقامة جمعة كإقامة عيد لابد فيه من إذن رسمي ، لابد فيها من إذن إمام ، مثلها النصرة عندما تريد أن تقاطع قاطع ، لا يستلزم أن يوافق أحد ، واضح لا يستلزم أن يوافقك الناس على أنك تشتري منتجا دنمركيا ، عندما تريد أن تحي سنة هذا واجب ، حتى لو لم يسيؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن عندما تريد أن تذهب إليهم تتحدث باسم المسلمين وتناقشهم وتتفق معهم على خطوات لا ، ليس من حقك ، وهذا خطأ كبير وقع فيه كثير من المعاصرين في عدة جهات ، في جهات النبي صلى الله عليه وسلم ، في أحيانا في القتال ، في أمور كثيرة لا تخفى . أن القضية الأساسية الخلاف الأساسي فيه أنه لا يحق لأحد أن يتصرف باسم الأمة على أمر يهم الأمة كلها ، محال إما أن يأخذ إذناً شعبيا أو إذناً رسميا بل لابد منهما معا ، حتى يمكن له أن يتحدث ، أما أن يأتي صالح ونأخذ الأستاذ معمر ونأخذ أخ كريم معنا ثلاثة ونقول لهم نحن نخاطبكم باسم المسلمين ماذا تريدون ؟ وماذا نرد ؟؟ ، هذا ليس من حقي ولا من حقك .
أسأل الله أن يخزيهم ، وهؤلاء يظهر أنه يعني أشباه عجول ليس لهم عقول ، يعني حتى دينيا وسياسيا ليس هذا تصرف حميد ، بصرف النظر عن دينيا .
الأستاذ معمر : أعود يا شيخ إلى موضوعنا ، وهو" الراسخون في العلم " ، وأبدأ بقوله : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) وما دام أنها في سورة آل عمران افتتحت بها هذه السورة قبل أن ندخل في تفصيلات الآية ، قبل أن نبين المراد بالراسخين الصفات التي لابد أن تتحقق فيهم ، دعنا شيخ نقف مع فواتح السور في القرآن الكريم إذا كان من كلمة إجمالية ، تبين طبيعة هذه الفاتح .(5/6)
الشيخ صالح : نعم ، الأمر كما قلت : الآيات من سورة آل عمران ، (الم{1} اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ثم ذكر الله جل وعلا بعدها بآيات الراسخون في العلم ، إذا هي من فواتح آل عمران ، فواتح السور في القرآن ، لا تخرج كما حررها أئمة هذا الشأن عن عشر طرائق – قد يكون هناك متابعون وطلبة علم ومسلمون يريدون أن يستفيدوا من هذا نقول : تبدأ فواتح القرآن لا تخرج :
? إما أن تكون حروف متقطعة ، مثل أل عمران ، والبقرة قبلها (الم) ومثل مريم (كهيعص) .
? أو أن تكون قسما (وَالطُّورِ) ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ( وَالْفَجْرِ) فاقسم هو النوع الثاني .
? أو أن تكون جملة خبرية : (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ) هذه كله
جملة خبرية .
? أو أن يكون دعاءا الله يقول : (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) ويقول جل ذكره : (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ).
? أو أن يكون نداءا قال جل ذكره : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) .
? أو أن يكون شرطا (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) هذه ست .
? وأن يكون استفهاما ، مثل قول الله تعالى : ({هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) .
? أو يكون تعليلا وهذا لم يرد إلا في موضع واحد قال الله جل وعلا : (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ).
? أو أن يكون ثناء على الله. والثناء على الله ينقسم إلى قسمين :
1. ثناء بتمجيده وحمده وهذا ورد في الفاتحة ، والأنعام والكهف وسبأ و فاطر.
2. وإما أن يكون تنزيه الله عن ما لا يليق به وهي الآيات التي وردت مبدوءة بسبح ، مثل : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)
((5/7)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) في الحشر والحديد و أضرابها في القرآن، هذه جملة فواتح سور القرآن .
الأستاذ معمر : في بداية اللقاء يا شيخ أنادي الإخوة والأخوات على الموقع بأن مثل هذه الفوائد ممكن أن تحصى وتدون بحيث يستفيد منها المشاهد الكريم ، من خلال الرجوع إلى المنتدى .
شيخنا الفاضل نقف في البداية وقفة أخرى أن الله عز وجل في هذه الآية قبل أن يثني على الراسخين في العلم ابتدأ بذاته العلية ، ابتدأ بالثناء على نفسه ثم تفرق إلى ثناء على الراسخين في العلم ، نحرر معنى الآية إجمالا ونبين المراد .
الشيخ صالح : قال الله (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) هذه طريقة ، (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) إنزال الكتاب من أعظم ما تمجد الله به ، وامتن به على خلقه ، " فالكتاب" هنا القرآن ،
(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) هذا الكتاب (مِنْهُ) الآن تبعيضية بيانية ، (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ) ربنا يقول (وَأُخَرُ) أي غير المحكمات متشابهات ، إذا في القرآن :
? محكم .
? و متشابه .
المحكم : ما لا يمكن صرفه إلى غيره ، يعني واضح الدلالة ، مع خلاف العلماء في معنى المحكم ، لكن يفيء كله إلى أربعة .(5/8)
والمتشابه : هو أن لفظه أو تركيبه ، قد يحتمل معنى يوافق المحكم ، ويحتمل معنى لا يوافق المحكم . لكن هذا الاحتمال ناجم من اللفظ والتركيب لا من المراد ، وهذا القيد مهم جدا في فهم القضية ، مراد أن هذا المتشابه لفظه وتركيبه يختلف عن المحكم ، لأن لفظه وتركيبه يختلف عن المحكم فلا يظهر المراد لك جليلا كما يظهر في المحكم ، المراد واحد من الحكم ومن المتشابه ، لكن لفظ المتشابه ، يختلف عن لفظ المحكم ، أما المتشابه يحتمل معاني أخر لكنها غير مراده وهذا مهم جدا ، كيف يتضح ؟ بمثال : مثلا قال الله تبارك وتعالى نطق القرآن بأن عيسى روح من الله ،( وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) هذا كلام الله ، جاء النصارى قالوا : الله يقول أن عيسى روح من الله ، علام تعارضون أن عيسى ابن الله ؟؟ والله يقول " وكلمة منه" علام تعارضون أن المسيح ابن مريم ابن الله ؟؟؟ هذا متشابه المراد منه واحد إثبات شرف عيسى ، هو المقصود في المحكم ، فالذي فهموه غير مراد أبدا لكن الفظ يساعد عليه ، اللفظ يساعد على فهمهم ، لكن من أين أتوا ؟ أتوا من أنهم لم يردوا المتشابه إلى المحكم ، لهذا قال الله : (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) هذه نسيت أذكرها في الأول (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) ما معنى (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)؟ أي أصل الكتاب ، ما معنى أصل ؟ أي يرجع إليه ، فعندما نأتي بهؤلاء النصارى نقول هذا المتشابه ردوه إلى المحكم ، إذا ردوه للمحكم لاتضحت الصورة الله يقول عن عيسى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ) فهذه الآيات محكمة تبين أن عيسى عبد ، (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) تبين محكما ، تبين أن عيسى عبد ، (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ(5/9)
الطَّعَامَ ) فهذه كلها محكمات على أن عيسى ابن مريم عبد ورسول وبشر ، وابن لآدم ، ترد إليها المتشابه ، لهذا قال الله : (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ) ، هنا قبل أن نتجاوز هذه النقطة مهم جدا نحن نعرف من يسمع بعض محاضرات بعض العلماء و بعض الدعاة فيأخذ المتشابه منها ، ويجعلها أصل ، وينسى أن للشيخ كلام محكم لو التبس عليك فهم بعضه لوجب عليك أن ترجه إلى محكم كلامه ، حتى يكون حقا أنت تريد الحق ، أما أن يقف الإنسان عند هذا الأمر لأن الإنسان الملقي المحاضر المدرس نحن في برنامجنا هذا عرضة لأن يخطأ عرضه لأن اللفظ يخونه ، عرضة لأن لا يحسن التركيب ، وإن كان مراده قصدا ، سأقول لك قصة يعني خبر حصل لي شخصيا : أن كنت أتكلم مرة في مسجدي وأتكلم عن قضية إن كيدهن عظيم ،إن كيدهن عظيم ورد ت في القرآن حكاية عن عزيز مصر ، ولم ترد في القرآن على أنها مسندة إلى الله ، وهي من كلام الله ، فأنا أشرح ، أنا لم أتكلم عن أسماء الله ولا صفاته ، أنا أتكلم عن (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم) لا يحق أن نقول إن الله وصف كيهن بأنه عظيم ، لأن هذا جاء حكاية عن العزيز نفسه ، قال :( قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) فسبق لسان ما أحسنت اللفظ والتركيب قلت : هذه جاءت على لسان امرأة العزيز ، ليست على لسان الله . طبعا أنا أخطأت في التركيب في اللفظ لمن قلت : على لسان الله ، لكن ليس المراد من كلامي قطعا أن أثبت أن لله لسان ، لأن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فعندما يأتي إنسان في قلبه دغل أو ربيب لكلمات يسمعها من غيره فيأتي يقول هذا لا عقيدة له ، هذا يؤول في الصفات ويحتج بها .
الأستاذ معمر : أحيانا المفسر يريد الإيضاح .(5/10)
الشيخ صالح : طبعا أنا أخطأت في اللفظ و التركيب قطعا لكن الفرق ما بين ما قلته الآن وبين كلم اله فرق كبير ، أنا أخطأت في اللفظ والتركيب لكن لا يقال أن القرآن فيه خطأ في اللفظ والتركيب لا هذا موجود عمدا لأمر ستأتي إن شاء الله .
الأستاذ معمر : أستأذنك يا شيخ معنا اتصالات . ،، أحمد من القصيم ، السلام عليكم ,
أحمد : وعليكم السلام ، كيف حالك يا فضيلة الشيخ ؟
الشيخ صالح : حياك الله أخي الكريم الله يجزيك .
المتصل : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ، أولا في الحقيقة أقول أن مشاركتي في هذا البرنامج تعتبر شرف لي ، وتتكون مشاركتي من عدت أسئلة واقتراح ،
سؤال الأول : كلنا يعلم فضيلة شيخ أن الآيات المتشابهات إنما يستخدمها من في قلبه زيغ كما وصف القرآن ، فهل هناك أمثلة ممن يستشهد بها منافقو هذا العصر حتى لا ينخدع الناس ويكونوا على بصيرة من أمرهم ؟
السؤال الثاني : ما الصفات التي تظهر على الراسخون في العلم حتى يعرفهم عامة الناس ؟
السؤال الثالث : في غير موضوع الحلقة : كثرة في الآونة الأخيرة استخدام الناس الرسائل النصية التي تحتوي على ذكر معين ثم يقول أرسلها لعدة أشخاص، ثم يقول في الرسالة أنها طرية مجربة كيف نتعامل معها بالطريقة الصحيحة ؟
أما الاقتراح : فنحمد الله عز وجل على هذا البرنامج بدأ ينتشر بشكل مشهود والشكر له وحده سبحانه ، ولاشك أن التجديد سيكون مساند له في مواصلته بشكل رائع ، فيشكر القائمين على تغير شارة البرنامج ، كما يقترح لهم يغير ديكور البرنامج ، ومحاولة إضافة مشاركين داخل الاستديو، ختاما أشكر لكم إتاحة هذه الفرصة للمشاركة في هذه الحلقة وأتقدم للشكر والتقدير لفضيلة الشيخ والأخ معمر ، وكذلك لجميع أعضاء القطوف الدانية بارك الله فيكم .(5/11)
الأستاذ معمر : شكرا.. شكرا.. أخي أحمد جزاك الله خيرا ، وأنا أضم صوتي إلى صوتك بالنسبة لتغير بعض الأشياء وإن كنت تعذرني في تغير الشارة لأن كثير من المشاهدين متمسكون بهذه الشارة .
معنا أبو عبد الملك السلام عليكم وحمة الله .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أشكر الشيخ صالح على ما قدم في هذا البرنامج ،
السؤال الأول :هل المقاطعة تكون فترة الاستهزاء فقط ، أم يستمر إلى الأبد ؟
السؤال الثاني: ما موقفنا ممن قال في مؤتمر البحرين : قاطعوا الدنمرك ثم يعود إلى رفع المقاطعة .
السؤال الثالث: لو سمحتم لي : نريد تعليق من الشيخ صالح على وفاة العالم نحسبه والله حسيبه الشيخ بكر أبو زيد . و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ معمر : الأخ أبو عبد الملك : أنا أعتذر منك ومن الإخوة المشاهدين يعني كنت بداخل الحلقة بتوصية خاصة من الشيخ أن يكون محور خاص للشيخ بكر أبو زيد ، لعله إن شاء الله يكون أثناء الحوار . ،، اتصال من الأخت بدرية السلام عليكم ورحمة الله .
المتصلة : لو سمحت بغى أكلم الشيخ صالح ؟ السلام عليكم يا شيخ صالح .
الشيخ صالح : وعليكم السلام ورحمة اله وبركاته .
المتصلة : لو سمحت يا شيخ يعني حنا نقدر نرد على الدنمركيين بنفس الرسم الصحفي ، أقول نخاطب الدنمركيين نفس اللي يرسمونه نرسم لهم .
الأستاذ معمر : بدرية تقولين : نستطيع أن نخاطبهم بنفس الطريقة بالرسم مثلا ؟
المتصلة : أيه .
الأستاذ معمر : تسمعين من الشيخ ، سؤال آخر ؟
المتصلة : أبغى الشيخ يدعي لي .
الأستاذ معمر : طيب ، جزاك الله خيرا ، و جزا الله المتصلين خير الجزاء ، شيخ صالح قبل أن نعود لمحاورنا ، وإن كان لي بعض الجزئيات من الكلام السابق ، أحمد من القصيم : يسأل عن قوله لله تعالى لا يتتبع المتشابه إلا من في قلبه زيغ .(5/12)
الشيخ صالح : كما ذكر الله : (فأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء) وقد بينا مثال في قضية عيسى ابن مريم عليه السلام ، وقلنا إن من في قلبه زيغ من النصارى أنهم تمسكوا بقوله : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) وتركوا الآيات التي تقول: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ) وهذا ممكن استطراده والأخذ فيه في أكثر من موضع في كلام الله جل وعلا يجب التنبه إليها ، وهذا مداره على البحث والاستقصاء ، وهو من أعظم ما تجول فيه أقدام العلماء ، وسيأتي تحريره في قضية لماذا يوجد في القرآن متشابه ؟
الأستاذ معمر : يسأل عن صفات الراسخين ، ستأتي أيضا .
الشيخ صالح : إن شاء الله .
الأستاذ معمر : يقول يا شيخ في الآونة الأخيرة انتشر الرسائل النصية وطريقة مجربة وكذا .
الشيخ صالح : نعم ، توسع الناس في هذا وبعضهن لا أصل لها ، وقد يقول قائل أنا قلت في نفس البرنامج هذا قضية (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) لكن قلنا أن (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) قلناها لأن مبنية على نفس المسألة ، يعني زكريا عليه السلام ابتلي بأنه لا ينجب ، فنحن لم نأتي بشيء من عندنا ، يعني الله قال :( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ) ذكرت في آل عمران وذكرت في الأنبياء ، المقصود الآية في نفس السياق لكن في توسع عددي في توسع رقمي ، و توسع كذا ما أنزل الله بها من سلطان بدء ينتشر .
الأستاذ معمر : تحديد يا شيخ بأربعين .
الشيخ صالح : التحديد بأربعين القضية هذه قلت أنا طبعا نازعني فيها كثير من الفضلاء وحق لهم وقولهم قوي ، لكن لفظ أربعين،(5/13)
الله يقول : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) والأنبياء بعثوا على رأس الأربعين ، والله جل وعلا واعد موسى أربعين ، ثم التجربة التي حصلت أولا كانت أربعين ، ومع ذلك أنا أقول لا يجوز التقيد بأربعين قد تأتي أكثر قد تأتي أقل قد تأتي مرة واحدة ، يعني ليس نفعها ملتصقا بالعدد أربعين .
الأستاذ معمر : إذاً يدعو الإنسان ولا يحدد .
الشيخ صالح : يدع الإنسان ولا يحدد ، ولكن لو حدد أربعين لا أجد فيها حرج ، لأن هذا مبني على التجربة .
الأستاذ معمر : يا يشخ أخشى أن يقاس عليها في مسائل أخرى .
الشيخ صالح : لا .. أنا قلت تحرير مسألة : لابد أن يفرق بين المسألة التعبدية ، والمسألة الطبية ، في فرق كبير بين القضيتين .
الأستاذ معمر : أعود إلى الإخوة أبو عبد الملك يقول : هل المقاطعة تكون مؤقتة كلما جددوا الإساءة جددنا المقاطعة ؟
الشيخ صالح : أنا أرى أن تبقى إلى الأبد .مثل هؤلاء لا يتركوا يُقاطعوا حتى يعتذروا جميعا وهم صاغرون .
الأستاذ معمر : الأخت بدرية تقول هل يمكن ممارسة نفس الأسلوب لهم رسوم .
الشيخ صالح : طرحه بعض الكتاب المعاصرون الأقوياء وأظنه جيد ولكن السؤال ماذا ينشر ؟ يعني ما يمكن أن ينشر صورة عيسى لأنه كفر ، لكن في نقاط لا يحسن عرضها في البرنامج ، لكن في طرائق لكن لا أريد أن أفصح .
الأستاذ معمر : لكنها تكون من الحلول لو تعرض الآن تكون أفضل .
الشيخ صالح : لا لا ، ما يمكن يعني تغيظهم لكن لا يحسن التصريح .
الأستاذ معمر : بالنسب للرسوم يا شيخ بعض الغيورين عندما أرادوا أن يهاجموا هؤلاء ويردوا عليهم ، حاول أن ينشر هذه المسألة بين المسلمين بأن يوعي المسلمين هناك إساءة من الدنمرك لكن هذه التوعية كانت مصحوبة بإعادة الرسوم .
الشيخ صالح: لا لا أبدا ، يكفي المسلم ، يكفيه مجرد إخبار النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للإساءة، أما يعيد الرسوم لا .(5/14)
الأستاذ معمر : كانت تطلب الدعاء نؤجله لآخر الحلقة ،، قبلها يا شيخ عندما تكلمنا عن الآية السابقة ، كنت تربط يا شيخ بين المتشابه ، تقول يجب على المرء أن يرد الأمر إلى المحكم ، لكن هل لكل متشابه محكم في القرآن الكريم ؟
الشيخ صالح : في بعض المحكمات لوحدها ليس لها متشابهات .
الأستاذ معمر : العمل في مل هذه الحالات .
الشيخ صالح : كل متشابه له محكم ، لكن ليس كل محكم لا بدله متشابه ، لكن كل متشابه له محكم، وإلا لما أصبح للمحكم مزية لكن الله قال : (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي أصل الكتاب ، وهذا أصل حتى في الطلب في العلم وأنا اذكر قبل عام 1410 إن لم أنسى حججت في مزدلفة قابلت قدرا العلامة ابن عثيمين غفر الله له ورحمه وأكرم الله مثواه ، فكان في مسألة مشكلة علي في الحج فقابلته قدرا فسألته عنها ، فقال لي كلمة نافعة مستنبطة من الآية ، قال :"رد كل شيء إلى حديث جابر" ، اجعل حديث جابر أصلا ، ورد إليه الأخبار ، فارتحت ، وأظن الشيخ -رحمه الله- اقتبسها من الآية .
الأستاذ معمر : السؤال الآن الحكمة من ورود هذه المتشابهات ، لعنا نفسر أولا كيفية التعامل مع هذه الآيات والحكمة منها ؟؟
الشيخ صالح : الحكمة منها : أولا : النبي صلى الله عليه وسلم عندما يضرب أمثلة ، يركز على قضية القلب ، عندما يوجد متشابه المتشابه هذا لو كان القرآن كله محكم لصار الناس في التسليم واحد ، لكن المتشابه يقصد منه في المقام الأول :(5/15)
أن المؤمن يؤمن به فيعلن بذلك استسلامه لربه تبارك وتعالى وخضوع قلبه لخالقه ، قال الله :(اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) أي المحكم والمتشابه ، فأول حكمة من إيجاب المتشابه: أن تخضع القلوب لعلام الغيوب جل جلاله. الأمر الثاني : الله جل وعلا كرم الإنسان بالعقل ، والعقل إذا لم يعمل مات ، فحتى يكون في القرآن متشابه يكون مضمار تجري فيه أقدار العلماء فيبحثون ، ولهذا القرآن إلى اليوم وسيبقى كذلك والعلماء يستنبطون منه ، و يأخذون ويردون وينهلون ، ويقتبس من سناه ، فهذا المتشابه تدارسه أخذه ، كيفية رده للمحكم ، مجال عظيم لأهل العلم ، وهذا المجال العظيم إذكاء لعقولهم ، فعندما يكون إذكاء لعقولهم يكون أن الرب جل وعلا كرم العقل المؤمن بها .
الأمر الثالث : أن كلام العرب جاء على ضربين ، والقرآن عربي:
? كلامه موجز يفهمه كل أحد .
? وكلام يحمل كنايات وإشارات وتلميحات لهم طرائقهم وفيها ، لا تدل على المعنى المراد مباشرة .
فالقرآن جاء بطريقتهم بأسلوبهم ، جاء بالمحكم وجاء بالمتشابه .
فالمحكم وافق كلامهم الموجز الذي لا يختلف عليه اثنان ، والمتشابه يوافق كلامهم الذي يحمل عدة معاني ، فكأن الله جل وعلا يتحداهم بجنس كلامهم ، أي أن الله يقول لهم ، المعنى يصبح كأن الله يقول لهم : جئتكم بقرآن يحمل الضربين اللذين تتفوقان فيهما ، فتحدوه بأي شيء شئتم لا يقدرون ، لا على مجارات محكمه ، ولا على مجارات متشابهه ، فتحداهم الله .
الأستاذ معمر: معاني في التحدي ومعاني في الإعجاز ،، كل متشابه يا شيخ هل يصل إليه العلماء ولو بعد حين ؟
الشيخ صالح :هذه مسألة لا استطيع الجزم فيها ، يعني قد يصل ، هذه مبنية على قضية هل في القرآن شيء ، معنى كلمة وأظنه سيأتي إذا حررنا كلمة "الراسخون في العلم" .(5/16)
الأستاذ معمر: هل نقف على قوله : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) أم نقف (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ؟
الشيخ صالح : هذه مسألة اختلف الناس فيها ، أي أعني أهل العلم و الأئمة -رحمة الله تعالى عليهم أحياء وأمواتا- القضية تقول : الله جل وعلا يقول:
(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) السؤال هنا : أنا أقول يجب أن يحرر أولا ما معنى كلمة تأويله ؟ لا سبيل إلى معرفة الوقف أين يكون حتى نعرف معنى كلمة تأويله ، أنا سأسرد أولا أقوال العلماء :
? قال بعض من العلماء وهم قول ينسب إلى الجمهور : أن الوقوف على لفظ الجلالة (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) و"الواو" بعد
ذلك عندهم استأنافية ويصبح (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) جملة جديدة .
? وقال مجاهد وبعض أئمة التفسير : إن "الواو" عاطفة فيصبح الوقف (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ويصبح
(يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) جملة حالية بالنسب للراسخين ، هذا اختيار . طبعا هذه الأشياء الموجودة .
الصواب عندي والعلم عند الله أن يعرف ما معنى كلمة تأويل ؟ فإذا قلنا أن التأويل هنا ، طبعا كلمة "تأويل " في القرآن وردت بمعنيين :
? وردت بمعنى تفسير .
? ووردت بمعنى حقيقة الشيء وكنهه ومآله .(5/17)
فإذا عبرنا بأنها حقيقة الشيء كنهه ومآله وجب لوقف على لفظ الجلالة ، لأن هذا لا يمكن أن يعلمه إلا الله ، ومنه قول الله جل وعلا : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) أي يأتي مآله وهذا لا يمكن يعلمه إلا الله ، هل هو المقصود هنا؟ قلنا إذا كان المقصود مآل الشيء فنقف على لفظ الجلالة (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) متى يكون حقيقته ؟؟ هذا غيب ، أما إذا قلنا "تأويل" هنا بمعنى: التفسير وبيانه للناس ، بيانا لا يصل إلى معرفة حقيقته وكنهه فهنا الصواب عندي أن يوقف على الراسخين في العلم ، ويقال: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يصبح الراسخون في العلم يعلمون تفسيره للناس ، هنا قال الفخر الرازي -رحمه الله وعفا عنه- ، قال : "إنه لو كان الراسخون في العلم" – هو لا يرى الوقف على الراسخون في العلم يرى الوقف على لفظ الجلالة – يقول:" لو كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله لما بقيت لهم مزية ، لأن المحكم والمتشابه صار عندهم في شيء واحد ، فانتفى أمر قلبي لأنه أصبح عرفوها بالعلم " هذا رأيه ، وعندي أن هذا القول حجة عليه لا حجة له ، لأن الله لو أراد القضية قلبيه لقال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْدين في الإيمان في اليقين يقولون آمنا به ) لكن الله قال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، لأن الإيمان القلبي الثناء بالإيمان القلبي: يأتي في الأمور التي الإنسان يسلم فيها ، ولا يعرف حكمتها ، أما الإيمان العلمي: يأتي في الأشياء التي يعرف الإنسان المراد منها فأقول على هذا إذا كان المقصود بالتأويل هو حقيقة الشيء وكنهه فهذا لا يعلمه إلا الله ونقف على لفظ الجلاله ، وإذا كان تفسيره وبيانه للناس فهذا يوقف على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، وأظن(5/18)
أن الآية إلى الثاني أقرب والعلم عند الله .
الأستاذ معمر: لكن نقول يا شيخ نقول بهذا القول الذي ذكرت بالجمع بين القولين ، وهذا منهج معتبر في الشريعة ؟ بالنسب للقارئ هل يختار يحمل ما يريد وفي الموقف الذي يراه ؟
الشيخ صالح: نعم بالنسب للقارئ حسب ما يعتقده ، لكن كما قلت ممكن أن يقف (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) ثم يقول : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) يصير كأنه جمع القولين .
الأستاذ معمر : استأذنك في هذه الاتصالات معنا محمد : السلام عليكم ورحمة الله ,أخي محمد تفضل واعتذر ع التأخير .
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله ، كيف حالك شيخ معمر ، كيف حالك يا شيخ صالح ؟
الشيخ صالح : حياك الله أخ محمد .
المتصل : أحبك في الله .
الشيخ صالح : أحبكم الله .
متصل: يا شيخ ودي أسأل عن صفة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني إنه ورد أذكار عديدة كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع ، وأيضا أذكار متنوعة في السجود ، هل الإنسان إذا كان إماما يقول جميع هذه الأذكار ، التي خصت للركوع وجميع الأذكار التي في السجود ، أم يقتصر على البعض منها ، ودي توضيح الأحاديث بعض الأحاديث يعني قرأت وأريد أفهم معناه يعني ، النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع بمقدار وقوفه هل يعني هذا في الفرض إذا كان يصلي بالناس أو خاص له ، أرجو توضيح هذا يا شيخ الله يجزاك خير .
الشيخ صالح : ابشر .. ابشر
الأستاذ معمر: سؤال آخر .
المتصل : شكرا و جزاكم الله خير ، ونفع الله بكم .
الأستاذ معمر : شكرا لك ، معنا الأخت أم خالد ، السلام عليكم ورحمة الله .
متصلة : السلام عليكم ، ممكن أقول مشاركة عن العلماء .
الأستاذ معمر : تفضلي باختصار .(5/19)
متصلة : نظرت إلى نجوم المتناثرة في السماء في ليلة ظلماء.. وإذا بالنجمة الأولى أشد ضوءا من الثانية ، والثانية أشد ضوء من الثالثة.. وهكذا فأعجبني منظرها كأنها الآلاء المتناثرة في قطعة سوداء لا شوب سوادها سوى هذه الآلاء ، وقلت في نفسي هل يوجد منظر في هذه الأرض كمنظر النجوم في السماء ،وقلت في البداية لا.. لا أظن ذلك ، وإذا بستر يدور حول موقف عشته من زمن وإذا بي أحاول وأعاود السؤال أخرى وقلت: نعم يوجد كهذا المنظر يروعنه وزينته على هذه الأرض الخضراء .. سبحان الله إنها النجوم بضوئها ولمعانها وبريقها ، كل مواصفاتها ولكن نجوم السماء تختفي ونجوم الأرض لا تختفي ، إنها ضوء لجميع الأرض كلها في مشارقها و مغاربها ، ونجوم السماء يهتدي به المسافرون فقط ، لكن هذه النجوم يهتدي بها جميع من على هذه الأرض بعد هداية رب الأرض والسماء، لا بل أزيد على ذلك أنه يهتدي بهم من عرفهم ومن لم يعرفهم ، فقد بمنقولاتهم المعرفة عنهم، ونجوم السماء زينة للسماء في ظلمة الليل الدامس و لكن نجوم الأرض زينة لها ليل نهار ، أحياء أم أموات يا هل ترى ما هذه النجوم ؟ وأن نجوم السماء ترجم الشياطين ، والمسترقين للسمع ونجوم الأرض ترجم كل معتد على هذا الدين والإسلام الباقي إلى قيام الساعة ، وأنهم هم الراسخون في هذا الزمان ، بعد رفعة الله تعالى سبحانه وتعالى بدينه ولرسالة نبيه الكريم الصادق الأمين ، محمد صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر : اللهم صلي وسلم عليه ، أم خالد إذا أذنت لي أم خالد نتوقف عند هذا الحد من أجل وقت البرنامج لازال لدي الكثير من المحاور ، أشكرك على هذا المداخلة .،، انتقل من أم خالد إلى أخينا عبد الرحمن ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله ،الشيخ صالح.
الشيخ صالح : حياك لله .
متصل: أحسن الله إليك وغفر الله لك ولوالديك ، أكرمك ربي بالفردوس ، سؤال وطلب .(5/20)
أما السؤال أريد معنى مع قوله تعالى : (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) . وأما الطلب فنحن نطلب الشيخ مرارا وتكرارا أن يزورنا في الدِّلَم ، فأسأل الله أن يوفق الشيخ يحقق لنا هذه الأمنية ، أن يزورنا في الدِّلّم .
الأستاذ معر: طيب شكر يا عبد الرحمن ، وأخلص من هذه المداخلات إلى هذا الفاصل مشاهدي الكرام وصلنا إلى محور مهم جدا وهو معرفة الصفات التي تتحقق في الراسخين في العلم تابعنا بعد هذا الفاصل، نتعرف جميع لهذه الصفات فابقوا معنا .
فاصل
الأستاذ معمر : أهلا ومرحبا بكم مشاهدين الكرام مرة أخرى ، وعودة إلى ضيفنا الكريم مرحبين به حياكم الله شيخ صالح .
الشيخ صالح : حياكم الله أستاذ معمر .
الأستاذ معمر : شيخ صالح الأفاضل وقفنا على بعض الاتصالات من الإخوة الكرام ، الأخ محمد جزاه اله خير يسأل يا شيخ عن صفة النبي صلى عليه وسلم ، صفة صلاته سواء في الركوع أو في السجود في الأذكار ، هل يجب على الإمام أن يقف عند هذه الكيفية ؟
الشيخ صالح: النبي صلى الله عليه وسلم خير من صلى وصام وأفطر الشافع المشفع في عرصات يوم المحشر ، وقد نقلت عنه صلى الله عليه وسلم أذكار ، هذه الأذكار تنقسم إلى قسمين :
أذكار في الركوع والسجود هذا الذي يعنينا :
? فأذكار لا بد من الإتيان بها ، وهي قول : سبحان ربي العظيم في الركوع ، سبحان ربي الأعلى في السجود ،
? فما زاد على ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم في الركوع" خشع سمعي وبصري وعظمي وما استقل به قدمي لله رب العالمين" "سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" ، و أضرابها فهذا يقال حينا ويترك أحيانا .(5/21)
ويفرق الإنسان ما بين حاله وهو إمام مابين حاله وهو منفرد ، فإن كان مأموما فلا شك أنه تبع لإمامه لكنه إن كان إماما يتحرى عدم الإطالة ، لكن كذلك لا يتوخى التقصير المخل وإنما لابد أن يكون هناك طمأنينة في الركوع والسجود ويُعلم الناس بهذا ولكن لا تكون هناك إطالة تجعل الناس منفرين ، ومعلوم حديث معاذ في القضية ، إلا أنني أريد آتي بفائدة في هذا ورد في السؤال حديث معاذ كان يصلي بقومه ، فكان يصلي وراءه شاب ، فالشاب عندما كان معاذ يطيل ترك الصلاة وانصرف ، فغضب معاذ وتفرس فيه أنه منافق ، فذهب مجمل الحديث الاثنان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلاهما قال ما عنده هذا يشتكي معاذا أنه يطيل ، ومعاذ يشتكي أن هذا يترك الصلاة ويخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أفتان أنت يا معاذ ؟؟ " وعلمه ما يقرأ ، قال هذا الشاب : " وسيعلم معاذ إذا أقبل العدو من الذي يثبت ؟؟ " ثم انتهى الأمر ، فحدثت غزوة بعدها ، فتقدم الشاب الصفوف ومات شهيدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ومعاذ معاذ -رضي الله عنه وأرضاه - أكبر أجلاء الصحابة ، قال له صلى الله عليه وسلم : " ما ذا فعل صاحبك أو ما فعل خصمك ؟ " قال : "يا رسول الله صدق الله ، وكذبت ". معاذ يقول : صدق الله – أي الرجل - وكذبت . كذبت هنا بمعنى أخطأت ليس قلت خلاف ما أتكلم ، كذبت بمعنى أخطأت ، وهذا وارد ، يعني هذا الرجل صدق الله في نيته فصدقه الله ، أي عندما قالها كان صداقا ،عندما قال : سيعلم معاذا إذا أقبل العدو من الذي يثبت أو من الرجل أو من الشهم ؟ فالرجل كان صادقا في دعواه ، فهنا انظر رجل فقهه لم يتحمل الإطالة مع ذلك ثبت في مواقف جليلة عظيمة ، المقصود من هذا هذا استطراد كما قلت لأخي السائل الأخ محمد الله يحفظه ، أن القضية قضية أن الإنسان يفرق بين كونه إمام أو كونه منفرد ، وكونه تابعا .
الأستاذ معمر: أم خالد كانت لها مداخلة جميلة .(5/22)
الشيخ صالح : المداخلة كانت جيدة ، وهي متكئة على أصل شرعي الله يقول : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) والشافعي لما سؤل عن مالك قال :" إذا ذكر العلماء فمالك النجم " أنا أثني في المداخلة على مسألة مهمة تتعلق بالنساء وهي أن الأخت وفقها الله لم يكن في طرحها خضع بالقول وهذا مهم جدا لأخواتنا المشاركات في أي برنامج علني ، أن المرأة إن كان ولابد أن تشارك أن لا يكون في مشاركتها خضع بالقول فالتزام الحياء ، كما فعلت الأخت في اللقاء مهم جدا في قضية إذا كان لابد أن تشارك المرأة في برنامج علني ، وهذا أدب القرآن .
الأستاذ معمر : عبد الرحمن يطلب منك تعليق في قوله : (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) هذا من محاورة نبي الله لقومه ، والمقصود من كلامه جملة من كلام الله هنا جملة تسفيه آراء القوم كيف أنهم يعظمون أصناما ويعبدون أوثانا، ثم يغفلون عن تعظيم رب العالمين جل جلاله .
الشيخ صالح : طلب زيارة الدلم، والله يا شيخ عبد الرحمن أنا أشرف بأن أدخل محافظة الدِّلم ، لكن يعلم الله الوقت والصحة ،لا يساعدان كثيرا على تحقيق رغبات المسلمين ، لكنني أرجو الله وأعدك أن سآتي في الدلِّم قريبا بإذن الله .
الأستاذ معمر : نعود إلى لب الموضوع ، كثير من الأخوة يسألون عن الصفات التي لابد أن تتحقق في الراسخين في العلم يعني الآن طلبة العلم العلماء كثر لكن من هو الذي نقول من هذا راسخ في العلم .
الشيخ صالح : هذا يقولون عن مالك رحمه الله كان إذا حدث بالحديث يتوضأ ويعتدل في جلسته ، إذا تكلم عن كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا مدخل ، وإذا تكلم في الفقه -رحمه الله- قعد كيفما اتفق ، وإذا تكلم في الفقه قعد كيفما اتفق ، الكلام في الراسخين في العلم كلام مهيب مخيف وأرجوا أن أكون أهلا لأن أتكلم فيه ، وأنقله للناس .
يُعرف الراسخ في العلم بأربعة أشياء سلوكية :(5/23)
1. من وجد في علمه التقوى بينه وبين الله .
2. والتواضع بينه وبين الناس .
3. والزهد في تعامله بينه وبين الدنيا .
4. والمجاهد بينه وبين نفسه .
أعيد : التقوى بينه وبين الله ، والتواضع بينه الناس،والزهد بينه وبين الدنيا ، والمجاهدة بينه وبين نفسه .
تحرير ذلك : أنه لا يمكن أن نصف أحدا بأنه عالم راسخ في العلم وقلبه خلى من التقوى ، لا في السر ولا في العلانية ،
و لا يمكن أن يوصف هذا بأنه عالم أصلا، لكن التقوى درجاته ، فينبغي أن يكون الراسخ في العلم في أعلا درجات التقوى ، بامتثال أوامر الله ، واجتناب نواهيه ، أن ينظر الناس فيه ، وهم يراقبون حاله ، هو يعمل لله لكن من حق الناس ينظرون له كقدوة ، فإذا نظروا إليه كقدوا لن يجدوا فيه إلا تقوى الله ، وليس الأمر بالتمني ولا بالتحلي لكنه تطبيق عملي ، وهذا مضمار أو شرف كل يدّعيه والناجون فيه قليل ، و الحاصلون عليه أقل ، فينبغي للعالم الحق الراسخ في العلم أن يكون تقيا وهو أشرف المواطن ، ما بعده مندرج فيه .(5/24)
فإذا قلنا التواضع بينه وبين الناس من أخطاءنا أن الشيطان يغلبنا أحيانا فيجعل تلقينا للعلم لينظر الناس إلينا لنتصدر في المجالس وهذه أمور تبقى في النفس سيأتي الحديث عنها ، هذا الأمر عندما يشاهد الإنسان عالم مبجلا إذا وجد هذا التبجيل تبعا عرضا فلا يمكن لإنسان أن يمنع الناس منه ، إلا إذا رأوهم أنهم غالوا فيه ، لكنه لا يكون مطلوب له ، وكيف يعرف أنه غير مطلوب له ؟ أنه لا يبقى في قلبه شيء على من لم يبجله ، ولا يسعى لمكان يرى أنه يبجل فيه ، ويترك مكانه لا يبجل فيه اللهم إلا مكان لا يريد منه الناس أن يتكلم الناس فيه ، فهذه مسألة أخرى ، فهذا الأمر الفاصل في قضية أن الإنسان يكون فيه تواضع مع المسلمين ،والنبي صلى الله عليه وسلم سيد العلماء كما هو سيد الأنبياء ، والقدوة في تواضعهم أما إذا كان العالم يترفع على الناس بعلمه ، ويطلب من الناس ثمن علمه اجتماعيا بأن يتكبر عليهم وأن له الحق عليهم التقدير والتبجيل فهذا قد يقال إنه أخذ حقه في الدنيا ، فلا يأتي يوم القيامة يؤمل أن يجد شيئا عند الله ، والله جل وعلا كلما عظمت محبته لعبدٍ عظم مدخره له ، ولهذا أقول والعلم عند الله ، إن الله لأمر ما قال عن خليله إبراهيم : (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) فالله جل وعلا حسب ما أفهمه من القرآن قال: (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) حتى لا يفهم أحد أن إبراهيم عندما أخذ أجره في الدنيا ، ليس له شيء يوم القيامة ، لأن هذا الأصل ، أن من أخذ أجره وافيا في الدنيا ليس له شيء يوم القيامة ، ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) لكن لأن إبراهيم كان لا يريد بذلك بعلمه ودعوته إلا الله وفاه الله أجره في الدنيا ، وقال : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). فالمقصود أن التواضع للناس هو السمة العظمى للعلماء .(5/25)
الأستاذ معمر : شيخ صالح بالنسب للتواضع بعض الناس قد يبني على أهوائه وعلى مواقف شخصية، عندما يعامل مع عالم معين ، فيجد أنه في لحظة من اللحظات أنه مشغول ، أو ينصرف لا يحكم عليه مباشرة .
الشيخ صالح : سيأتي هذا إن شاء الله .
الحالة الثالثة : الزهد في الدنيا ، في تعامله ، والدنيا ليس الزهد فيها ، في قضية ملبس أو هيئة ، الإنسان العاقل لو لبس أنا مثلا لو أتيت إلى هذا البرنامج مثلا جدلا بشماغ مخرق ، ولا ألبس عباءة ماذا سيقول الناس ؟ سيقول الناس ما شاء الله الشيخ زاهد والشيخ متواضع ، الشيخ لا يملك شماغا ، فأصبح أنا حصلت على الدنيا من وجه آخر ، فثناء الناس من متاع الدنيا ، ولو أتيت أرفل بالحرير وبالدمقس ، وبأمور عظام لكان كِبرا على الناس ، لكن الإنسان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله : لما رزق النبوة ، منع الحرير وقصر الإزار وبقي على لباس قومه يلبس كما يلبس قومه ، فلم يأتي بجديد ، الإنسان ولهذا جاء النهي عن لباس الشهرة يعيش كما يعيشون في حياتهم العادية ، فعندما يأتي إنسان سأتكلم بلغة بسيطة عندما يركب سيارة مثلا كابرس وراتبه عشرة آلاف أو اثنى عشر ، فهناك توافق ما بين مركوبه وما بين راتبه ، فهذا أمر يجري على الناس كلهم هذا نوع من الزهد في الدنيا ، الزهد في الدنيا أحيانا يأتي أناس لا سبيل لهم إلى جمع المال فيظنون أن هذا زهدا وهو متشوف في قلبه أمور عظيمة ، للوصول إلى تلك الأمور لكن أقعده أن لا يستطيع الوصول إليها ، إنما الشأن كل الشأن من يستطيع أن يصل إليها ثم لا يأخذ منها إلا الكفاف والقناعة ، هذا هو الزاهد في الدنيا حقا ، من كانت الدنيا في يده ، ولم تكن الدنيا في قلبه ، وهذا أمر يقع فيه خطر عظيم ، أول فتنة وقعت في الأمة فتنة المال ، فتنة الدنيا ، فالخوارج أول الفرق ظهورا رأسهم الذي خرج من ضأضأ الخوارج ذو الخويصرة ، لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين قال اعدل ، فقال صلى(5/26)
الله عليه وسلم : "ويلك إن لم أعدل فمن يعدل " ، ثم قال : "سيخرج من ضأضأ هذا أقوام " ولهذا قال العلماء إن أول فتنة كانت بسبب الدنيا .
فالدنيا لما ذكر الله زينتها قسمها قال : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء) فأعظم ما يمكن أن يُبتلى به طالب العلم قضية النساء ، فقد يسرف الإنسان في الدخول في أمور نسويه تقوده عياذا بالله من حيث لا يشعر وسط فتنة النساء ، فلا يستطيع الانفكاك منها لأن المرأة غاية مرغوبة زينة في دماء الرجل ، فيجب للإنسان العاقل أنا أتكلم عن الراسخين في العلم ، أن يجتنب هذا العالم قدر الإمكان وأن يحاول أن تكون الأمور على بينة واضحة وأن لا يغرق ولو تحت مسمى الدين ،أو مسمى العلم أو مسمى الدعوة ، أو مسمى التعليم أو ما إلى ذلك ، يكون الأمور بحد وهذا ليس فيه نقص من النساء لكن من حق الرجل أن يحافظ على دينه .
الزهد في الدنيا بمالها ، المال بعد النساء قال الله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) فيكون الإنسان في بنيه يحب أن يرى الناس أبناءه لأنهم أبناء الشيخ فلان في أبهى حلة ، فيبحث عن المال بأي طريقة ليُظهر أبنائه منعمين ، وهذا يخالف قلنا الرسوخ في العلم ، كذلك بعد ذلك جمع المال ، جاء في زماننا هذا الانفتاح الإعلامي ، والانفتاح الإعلامي الحق أنه شهرة لأن الإنسان يقايضه الناس على شهرته ، فيمجد و يبجل و يوسع له الطريق ، و يحفى و فلا يجوز لمؤمن ينتسب إلى العلم أن يشتري بعلمه ثمنا قليلا من الدنيا ، ما جاء عرضا كما قلت يحاول رده قدر الإمكان ، و يقبله إن لم يكن فيه كبر في نفسه ، ولا ضرر على غيره ، أما غير ذلك يقف ولا يجوز لعاقل أن يأخذ حقه قبل أن يلقى الله .
الأستاذ معمر : يعني يا شيخ مشاركة العلماء في البرامج الإعلامية ترى أنها تكون مجانية ، والأخذ ينافي الزهد ؟(5/27)
الشيخ صالح : الأخذ لا أقول أنه ممنوع لكن الإنسان يفرق ما بين الأمور المشترطة ، وغير المشترطة ، هذا أمر أنا لا أريد أن أفصل بين الناس ، لكن أنا أتكلم كلاما عاما ، فكل عاد متلقيه .
الحالة الرابعة - بعد الزهد في الدنيا- مجاهدة النفس : فنحن بشر ضعفاء ، مركب فينا النقص مركب فينا الحسد ، مركب فينا حب المال ، مركب فينا حب النساء مركب فينا حب الظهور ، هذه أمور لا يمكن أن نسلم منها فيسعى المؤمن حقا الراسخ في العلم حقا إلى مجاهدة نفسه ، مرة يغلب مرة يغلب ، فإذا غلب استغفر الله وآب وتاب وإذا غلب حمد الله جل علا وأثنى على ربه ، حتى تبقى النعمة.
هذه الأربع سلوكية عظيمة في كل من يدعي رسوخا في العلم ، والناس لا يمكن أن يحددوا الراسخ في العلم يعني الناس الآن المشكلة أنه جعلت الشهرة هي الدليل على الرسوخ في العلم ، وهذا غير صحيح الشهرة مرتبطة بأمور أخر ليس لها علاقة في الرسوخ في العلم وأظن وراك اتصالات .
الأستاذ معمر : معنا أبو عبد الملك السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بالنسب للمحلات التجارية بدأت المقاطعة فترة محدودة المرة الأولى ، الفترة الماضية بدأت المقاطعة فترة محدودة ثم عادوا مرة ثانية ونسألهم نناصحهم كلامهم عن المؤتمر أنه حصل إيش ذنب الشركة الفلانية والشركة الفلانية .
الأستاذ معمر : ما ذنب التجارة المسلم الذي يتعامل مع هذه الشركة ؟
المتصل : أي نعم ، الآن الرسومات التي أتت مرة أخرى كانت أكثر من سبعة عشر صحيفة ، وأردنا المداخلة بهذا لشيء و الله يجزاك الله خير يا شيخ .
الأستاذ معمر : شكر أبو عبد الملك ، معنا أم عبد الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المتصلة : السلام عليكم .
الأستاذ معمر : وعليكم السلام ، سؤالك .(5/28)
متصلة: لو سمحت ممكن أسأل الشيخ ، لو كان هناك شخص يا شيخ لديه علم لكن لا يستطيع إخراجه إلا لبعض الأفراد ، لسبب خجل أو عدم ثقة أو كذا ، هل يدخل في كتمان العلم ، أو أنه يلجم بلجام ؟
السؤال الثاني : لو كان لدي أبوين وهم أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ، فكيف يتم تعليمهم علوم العقيدة ، سواء إن كانوا هم يعرفون الوضوء والصلاة ولكن لا يعرفون علوم العقيدة ، فنعلمهم بالبسيط أم نعمقهم في العلوم الأساسية للعقيدة ؟ جزاكم الله خير .
الأستاذ معمر : شكرا أم عبد الله ، معنا أيضا أبو منصور ، السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله ، على الهواء .
الأستاذ معمر : على الهواء تفضل .
المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ معمر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، جزاكم الله خير على هذا البرنامج الناجح ، جزاك الله عنا خير يا شيخ صالح ونحبك في الله .
الشيخ صالح : أحبكم الله ، الله يحيك .
المتصل: كما أن لك إخوان في الدلم يحبونك كذلك لك إخوة في المنطقة الجنوبية يحبونك في الله ، وكذلك ننشادك كما ناشدوك الله يحفظك ، بزيارتنا إن أمكنك ذلك ولا نشق عليك .
الشيخ صالح : أبشر ابشر ، شرف لي والله .
المتصل : الله يرفع قدرك .
الأستاذ معمر : شكرا أبو منصور ، الأخت سلمى السلام عليكم ورحمة الله .(5/29)
المتصلة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، " الله جميل يحب الجمال " الأخوات الداعيات في الدور الأخت تأتي متبذلة لباسها ليس بالراقي متواضع جداً جداً ، وتكون جافة في طبعها ، جافة في كلماتها ، أنا أرى لا يؤخذ منها أما التي تأتي هناك من تأتي المحاضرات وهن في عمر صغير مراهقات أو تزيد أو تنقص من هذا فتكون هؤلاء الفتيات يحضرن للداعيات التي تواكب ما يجذبها من مجتمع ، فإنها تأخذ منها بالقدر الأكبر ، تقول هذه الداعية إذا كانت متحضرة وكانت لا أريد أن مثل هذه الداعية .
الأستاذ معمر : ويكون لها تأثير ، الرسالة واضحة . سؤال آخر يا أخت سلمى ؟
المتصلة : في المقابل في بعض الدور تأتي أول ما تحضر تكون ملتزمة وتكون إذا بعد مضي أيام فإنها تشتهر قليلا ، وتبدأ في الشهرة فتنتكس انتكاسة ربما غير مناسبة لصاحبات الدين والدور ، وتأتي بمظهر حب الدنيا والشهرة . (السؤال غير واضح )
الأستاذ معمر : سؤالك واضح تسمعين تعليق الشيخ جزاك الله خيرا .، و كل الإخوة خير الجزاء .
شيخ صالح أبو عبد الملك كان ينبه إلى أن المقاطعة كانت وقتية ثم عادوا مرة أخرى يعني عادوا بعد المقاطعة للتواصل مع هذه الشركات .
الشيخ صالح : نعم ، نحن بينا أننا نرى أن الإنسان يبقي على المقاطعة ، وقد يكون لبعض الفضلاء رأي آخر ، هذا شيء يعود لهم .
الأستاذ معمر : طيب أم عبد الله تقول : الشخص إذا كان عنده علم و لا يستطيع إخراجه إلا لبعض الإخوان إما لحياء أو تهيب من الجمهور تقول :فهل يعتبر هذا من كتمان العلم ؟
الشيخ صالح : أرجوا الله أن لا يكون من كتمان العلم لكن تحاول أن تعود نفسها على أن تُذهب الهيبة من قلبها ، والحياء أمر محمود في النساء خاصة لكن تجتهد قدر الإمكان فيمن تستطيع توصيل العلم إليه .
الأستاذ معمر : من له أبوان أميان هل أعلمهم أمور العقيدة ؟(5/30)
الشيخ صالح : الاختلافات المعروفة ، هذه صعبة اختلافات العلماء وما إلى ذلك ، وإنما قضية معرفة الله وتبجيله وإجلاله ، وذكر بعض الأذكار التي تبين ، ويظهر فيها بجلاء العقيدة الصحيحة ، كالاستعانة بالله ، ولا حول و لا قوة إلا بالله ، وأذكار الصباح والمساء ، و أضراب ذلك .
الأستاذ معمر : أضم صوتي لأبي منصور ، يدعوك للزيارة للمنطقة الجنوبية .
الشيخ صالح : والله شرف لي وأعدكم إن شاء الله تعالى أنني سآتي المنطقة الجنوبية ، سآتي إلى أبها، سآتي إلى الباحة ، بإذن الله ، سآتي إلى جيزان، سآتي إلى نجران ، ومن لم اذكرها من المدن والمحافظات نسيانا أو للبرنامج سآتيها بإذن الله ، لكن صبرا كما قلت في الأول .
الأستاذ معمر : الأخت سلمى تتكلم عن وضع الدور ، تقول بعضها تهتم بالمنظر سواء من الداعية أو من المتلقية ، والبعض تهمل هذا الجانب .
الشيخ صالح : ما الدور ؟
الأستاذ معمر : دور تحفيظ القرآن الداعيات اللاتي يلقين المحاضرات أحيانا تكون في هيئة .
الشيخ صالح : هذا يعني تلبس ما يلبسه النساء إذا كانت في الدور ، وما جرت العادة فيه ، العبرة بما يقال للنساء ، لا يحملن التشديد والغلظة في الإلقاء ،و لا يكون هناك نوع من التساهل ،الدين مضمونه واحد لكن كيف نبلغه؟ هذا الذي يختلف فيه الناس فلا بد أن نراعي حاجة من نخاطبه ، فمن كان محسننا نحاول أن يزداد ومن كان مسيئا نحاول أن نترفق به ، ونصل به إلى درجة أعلى .
الأستاذ معمر : أعود شيخ صالح إلى الأمور الأربعة التي تقول يجب أن تتوافر فيمن كان راسخا في العلم ، لعلك تلاحظ يا شيخ أن كلها أمور سلوكية .
الشيخ صالح : أي نعم ، كلها سلوكية لكنها فيصل عظيم ، صحيح لابد من أمور مصاحبة أخر ، لكن هذه الأربع ، هي التي تكون فيصلا في معرفة العالم الحق .
الأستاذ معمر: ولكن يضاف إليها غيرها ؟
الشيخ صالح : يضاف إليها غيرها .
الأستاذ معمر : مثل يا شيخ .(5/31)
الشيخ صالح : مثل أول ذلك: أن يعلم – هذا مهم جدا لمن يسمعنا – أن العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده ، فضل وفهم يؤتيه الله من يشاء ، مالك رحمه الله ، قال :" ليس العلم بكثرة الرواية ، ولكنه فهم ونور يؤتيه الله من يشاء" . هذا القول منه تلاقه أهل العلم بالقبول ، لأن السنة دلت عليه ، دل عليه حديث علي رضي الله عنه وأرضاه كما في البخاري : أنه سؤل هل خصكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال : "لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يؤتيه الله من يشاء" .
قال الحافظ ابن حجر – رحمة الله عليه –في الفتح معلقا على هذا : ( وهذا القول يؤيد قول مالك رحمه الله إمام دار الهجرة : "أن العلم نور وفهم يؤتيه الله جل وعلا من يشاء" . ) قال بعض المالكية يمدح مالكا على قوله هذا :
ومن قوله المفيد غاية *** ليس العلم بكثرة الرواية
لكنه نور في القلوب يضعه *** رب السماوات لمن يشاء رحمة
والبيت قريب من هذا لم أقله صحيحا .
المقصود أن العلم نور ، يقذفه الله جل وعلا في قلب من يشاء ، وهذا أمر يجب أن يتنبه الناس إليه ، عندما يريدون أن يتعاملوا مع العلماء أو يريدوا أن يسلكوا طريق طلب العلم ، وهذا أمر ملحوظ فكم من إنسان ثنى ركبه ، وقرأ أوراقه ولم يبلغ فيه مبلغا ، وكم من إنسان لم يكن له زاد لا يعني ذلك أنه لم يطلب.
لأنه لابد الحقيقة الثانية: وهو كثرة الطلب، فلابد من الطلب ، لكن متى يكون الطلب ؟ كان بعض العلماء يقول :(5/32)
"الطلب دون الأربعين ، وبعد الأربعين يتفرغ للعبادة"، لكن رد عرف في الأمة علماء بعد الأربعين طلبوا العلم ، الحسن أبو زياد اللؤلئي أحد علماء الحنفية طلب العلم بعد السبعين وفاق فيه وأصبح مفتيا وهو لم يبدأ الطلب إلا بعد السبعين ، وكان أول ذلك كله عابدا ، فكثرة الطلب ، والعناية الهامة جدا بأمور بعلم الآلة ، لأن الإنسان إذا فقد علم الآلة لا يمكن أن يصل ، وقد يكون وقت البرنامج داهمنا لكن حتى يستفيد الناس ، أنصح نصائح عامة ، من خلال التجربة :
? العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء لابد أن تستصحب ذلك وتسأل الله من فضله .
? لا تبدأ حياتك العلمية بنقد الكبار ، ولا بالرد على مسائل بلغوا فيها ، لأنك تكشف بذلك عورتك ، لا تطير قبل أن تُرَيِش ، فليكن قبل الأربعين جمع ، ثم بعد الأربعين غربلة لذلك الجمع ، و لا تبدأ بنقاش الكبار ، وحتى لو كانوا أخطئوا فعلا ، لا تبدأ بنقاشهم لأنك لا تملك الآلة إلى مناقشتهم .
الحالة الثالثة : لابد من الصبر، وتقصي الحق في مسائل العلمية ، الأمين الشنقيطي مثال لما جاء يناقش قضية هل الطلاق ثلاثا يقع واحد أو لا يقع ، الطلاق في مجلس واحد على ضوء تفسيره في القرآن ، ذكر بحثا مجملا ، ثم قال حتى يبين أنه يلم بشتات القضية قال : " والقضية من حيث المنهج العلمي تفيء إلى ثلاثة أوجه ، ثلاثة محاور أو يمكن التأويل :
? النص الصريح القولي أو الفعلي .
? من حيث صناعة الحديث والأصول.
? من حيث أقوال العلماء .(5/33)
ثم بعد هذا أخذ يبين رأيه وترجيحه ، والمقصود من هذا وترجيحه المقصود من هذا انظر كيف صنع القضية ، النظر في صناعة الحديث وعلم الأصول والنظر في النص الصريح ، والنص الفعلي والنظر في أقوال العلماء وهذا كله مكفول ، ويأتيك أحيانا من بعض الناس ومن طلبة العلم لا يعرف إلا النتيجة ويظن أن الوصول إلى النتيجة هو العلم ، والنتيجة ينالها الإنسان من فتوى ولو كان هذا المسلك صحيحا لكان آباؤنا وأمهاتنا علماء لأنهم يقابلون المذياع ويسمعون فتاوى العلماء ، لكنهم لا يعلمون على أي أساس ركبت تلك الفتوى ، وهذا لا يمكن أن يسموا بعلماء و لا يمكن أن يسموا بأنهم مفتون وأنت تريد أن تكون عالم مفتيا ، واضح وهذا أمر جداتنا في البيوت تسمع قول فلان من العلماء هذا حرام فعلمها أنه حرام ينفعها في أمر دينها، لكن ما يدل على أنها عالمة لكنها لا تعلم ،لأنها لا تعلم لماذا حرم ؟ ولا تدري الآلة التي توصل بها الشيخ إلى العلم ، الطريقة العلمية التي توصل بها الشيخ والفتوى صحيحة أو غير صحيحة ، وهنا بعض الناشئة يبدأ بأخذ فتاوى العلماء ثم يأتيك يناقشك بناء على النتيجة وهو لا يدري كيف الشيخ وصل إلى هذه النتيجة وهذا كله قصور في الفهم وقصور في الطلب ، لا يمكن أن يكون به الإنسان راسخا في العلم .(5/34)
الحالة الرابعة : ثم لابد أن يجمع الإنسان إلى هذا النصح لدين الله ، ولرسوله ، النصح هو الذي منّ الله به على أنبيائه ورسوله (وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) ، من أراد أن يطلب العلم ، ليظهر جماعة أو حزبا أو ينال مالا أو يحي أمر شخصيا ، أو ما إلى ذلك فليترك العلم لأهله ، وحتى لو وصل لا يمكن أن يكون في دين الله ذا شأن ، و لا يمكن أن يعطى إمامة دينية ، وفق المنظور الشرعي ، المنظور الشرعي يعطي الإمامة في الدين لمن يستحقها ، لمن لا يريد بتعليمه للناس إلا وجه الله ، لا يريد بعلمه ولا بفتواه أن ينتصر قول زيد أو قول عمرو ، أو الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية ، أو السلطان أو العامة ، كل هؤلاء يتجرد منهم ، ثم مما ابتلينا به في زماننا يأتيك النشء ويقول :" أنا أدين الله بهذا" ، هو صادق بكلمة "أنا أدبن الله " ، لكن السؤال:
هل أنت تملك الأهلية لأن أن تصل إلى هذا الحكم قبل أن تدين الله فيه ؟
الآن لابد من "آلية "ثم الوصول إلى الحكم ثم "الديانة" بهذا الحكم .
لا تأتيني في الأخير ، فهو يقرأ كتب فإذا وصل إلى قول عالم من العلماء : "هذا ما أدين الله به" أو يأتي عالم نحرير ويقول بعد كلام طويل : " هذا ما أدين الله به " ، يأتي هذا الغر هذا النشء ، في مجلس تعجبه هذه الكلمة ، فيضع رجلا على رجل ويقول في مسألة لا يعرف ما الأقوال فيها ، ولا يعرف الصناعة النحوية ، ولا الصناعة الحديثية ولا الصناعة الأصولية ثم يقول لك: "هذا ما أدين الله به " ، أنت صادق في قولك ، لكن يا بني ارفق بنفسك ليس هذا هو العلم ، اعلم هؤلاء الأكابر كيف وصلوا حتى قالوا هذه الكلمة ، ثم قالوا ديانة : هذا ما أدين الله به ، وهذا عندما نقول وإن كان في قولنا بعض القسوة لكن :
فقسى ليزدجروا ومن يك حازما *** فليقس أحيانا على من يرحمُ(5/35)
فإننا لأن يبغضنا الناس خير لنا من أن يجبنا الناس ونحن ننشأ جيلا غير صحيح ، هذه أمة محمد صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( الدين النصيحة ) وقال : ( لله ولكتابة ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) فمن حق عامة المسلمين علينا أن يبين لهم الدين ، ولذلك أنت ترى الآن القنوات للأسف أفرزت أقوام تصدروا للفتوى والله ليسوا أهلا بعلم ، قد يقول إنسان إن هذه غيبة ، هي ليست غيبة لأن الحفاظ على الدين ، أهم على الحفاظ على الأشخاص ، وحرمت الدين أعظم من حرمة الأفراد ، ثم إن القضية تتضح في ماذا؟؟ أنه يأتي أحيانا شيخ يتكلم بالعامية ، الكلام بالعامية لا نمنعه حسب حال المخاطب لأن المقصود نشل الناس من الضياع ، لكن فرق كبير ما بين رجل يدرك المسألة حقا ذا علم جم ، ثم يريد أن يقرب الأمر للعوام ، فينزل لهم بلغتهم ، هذا لا ضير فيه ، لكن يأتينا من لا يدرك المسألة، فيقولها بالعامية ويظهر من كلامه أنه أصلا لا يفقه المسألة .
الأستاذ معمر : مصيبة على مصيبة .(5/36)
الشيخ صالح : مصيبة على مصيبة ، العامية ليست عيبا ، لكن يظهر من كلامه أنه لا يفقه المسألة ، فينجم عنه أن العوام يحبوه لأن لغته قريبه من لغتهم لكن حب العوام ليست شهادة على أنه عالم ، واضح الفرق ، وأنا كنت في القاهرة قبل أيام ، فوضع لي أحد الإخوة في السيارة شريطا لعالم لا داعي للأسماء لكنه عالم بمعنى كلمة عالم يعني رجل لا نزكي على الله أحدا ، كان يتكلم باللهجة المصرية واضح لكن أنا أعرف هذا الرجل ، و من لغته من كلامه من محاضرته يظهر لك أنه متمكن علميا إلى حد كبير، واضح مع أنه كان وقتها يتكلم باللغة العامية لكن فرق هذا الرجل الآن عالم وهو أبو إسحاق العويني وفقه الله محدث كلامه كلام علمي ، وإن كان يقوله باللهجة المصرية لينفع الناس ، لكن الرجل يتكلم كلام علمي ، واضح ؟ لكن قد يأتي إنسان أحيانا من أي بلد كان من بلادنا أو من غيرها ، فيتكلم بالعامية ، ويسمع فتوى ثم يردد هذه الفتوى متكئا عليها لأن هذه الفتوى قالها عالم مشهور ، وهو ليس له مستند إلا هذه الفتوى ، ثم يدخل مع هذه الفتوى أمور يريد أن يوصلها للناس ، و لا يجوز شرعا أن يتصدر مثل هؤلاء ، وينبغي الاعتناء بحرمة الدين ، وأعظم الدين العلم .
الأستاذ معمر : مم ينجم هذا .
:(5/37)
طبعا هو ناجم، كما قلنا في الأول لا يوجد تقوى ، ويوجد حب للدنيا ، وهذان كفى بهما هلاكا ، فحب الدنيا مهلكة ، لكن الناس يفهمون حب الدنيا أن لا تمشي مع السلطان ، والله يأتي إنسان يمشي مع الأمراء والملوك و الرؤساء وهو ليس في قلبه من دنياهم شيء ، إنما يريد النصح لله ولرسوله ، ويأتي إنسان ويمشي مع الضعفاء والبسطاء وهو لا يريد إلا أن يسلط الأضواء عليه ثم إذا سلطت الأضواء عليه نال من وراء ذلك من الدنيا ما الله به عليم ، فالله جل وعلا أجل من أن يخادع ، ويحب الإبقاء على حرمة العلم وحرمت الدين ، والنظر الحق في كتب الأئمة من قبل ، وإذا كان العلم بهذه الدرجة أن الإنسان يأتي إلى الشبكة ما تسمى بالشبكة العنكبوتية ثم يضع اسما ثم يفرز الأوراق التي جاءت على هذا الاسم ثم يحفظها ثم يقولها للناس هذا علم ، لم يبقى في الناس جاهل ، كل الناس علماء . أنا أغلظت كما قلت، لكن والله هذا رحمة بنفسي وبمن يسمعني .
الأستاذ معمر : شيخنا جزاك الله خير ، كنت تتكلم بحرقة دعوة لصغار العلم أن يتمكنوا في العلم ، ودعوى لمن تصدر بالفتيا في وسيما في وسائل الإعلام أن يكون أهلا لذلك ، دعني أعود إلى قو الله تعالى بالنسب للراسخين في العلم قال تعلى : (وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا )إلى أن قال : (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ) نقف يا شيخ مع هذه الآية وقفة إيمانية ، في حدود دقيقتين إلى ثلاث دقائق .(5/38)
الشيخ صالح : الله يقول : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ * رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) لا حظ الله وصفهم بأنهم راسخين لأنهم راسخون في العلم ، هم هنا يعلمهم الأدب كيف يدعوه، من هذه الدعوة من طرائق القرآن في تعليم أوليائه فقال الله إنهم يقولون : (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) كأن هذا العلم الذي أصبحوا راسخين فيه ليس هو سبب هدايتهم ، وأنهم مسلمون أمرهم إلى الله ، وأن الهداية بيد الله ، ولهذا يقولون : (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) الإنسان إذا كان جائعا و يملك رغيفا واحدا ويعلم أنه محال أن يصل إلا بشق الأنفس إلى رغيف بعده ، تراه متشبثا بهذا الرغيف حتى عن زوجته وبنيه ، فالرغيف لاشيء أمام الهداية التي في القلب ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( اللهم يا مقلب القلوب صرف قلبي إلى طاعتك ) ولا يوجد شيء نسعى للحفاظ عليه أعظم من الهداية (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا رَحْمَةً ) هذه الرحمة تنفعنا في حياتنا تنفعنا في ظلمة القبر ، تنفعنا إذا قام الأشهاد ، وحشر العباد ، ووقف الناس بين يدي رب العالمين ، ( لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ثم جاء التخويف بيوم الميعاد الذي تذكره هو الذي ينبت في القلب الخشية من الله : (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ) وقد قلنا مرارا في دروس سلفت وأيام خلت ليس الشأن والفضيحة أن تفضح بين زوجتك وأبنائك وأولادك ، ومحبيك وجيرانك ، لكن البلاء كل البلاء أن يفضح الإنسان بين يدي رب(5/39)
العالمين ، ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ) فلو أن من طلب العلم وسلكه كان همه الأول أن لا يفضح بين يدي الله ، ماذا سيقول عالم إذا وقف بين يدي رب العالمين جل جلاله وفضح بأنه كان يطلب العلم وينشده ويتنقل في القنوات ويأتي في الإذاعات وهو يريد ما عند الناس كيف سيكون حاله عياذا بالله؟ ، إذا قام الأشهاد وحشر العباد ؟ محال أن ونعوذ بالله أن نزكي أنفسنا لكن على الأقل الإنسان يستحضر هذا، على الأقل يستغفر إذا وقع منه هذا القول ، يستغفر لكن من جعله وراء ظهره لا يمكن أن يصل إلى مقصوده لا يمكن أن يصل إلى مراده (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) وهذا من أعظم الدعاء ، وأجله الذي علمه الله جل وعلا لعباده ،. ( وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) والله المستعان .
الأستاذ معمر : شيخ صالح فقد العلماء الراسخين ثلمه في الدين ، و مصيبة كبيرة ،في الأيام الماضية فقدنا الشيخ الراسخ في العلم عليه رحمة الله الشيخ بكر أبو زيد ، نختم لقائنا بكلمة حول هذا الموضوع .
الشيخ صالح : نسأل الله أولا أن يغفر له وأن يرحمه وأن ينور له في قبره ، ويكتب له الأجر والمثوبة .
سأقول خصيصتين في هذا الرجل العظيم : طبعا هذا استدركا من أخطائنا أحينا حتى عندما نتكلم عن علمائنا إذا ماتوا حب الدنيا يجري في دمنا نمدح أنفسنا نقول قابلته في مكان كذا ، زارني في بيتي ، واتصلت به كأنه الإنسان يريد أن يقول أنا أعرف الشيخ ، هذا ليس بتزكية علماء.
هذا الرجل -رحمه الله – من تتبع حاله يجد فيه خصيصتان عظيمتان :(5/40)
الأولى : البحوث العلمية الجادة التي لايراد لها الدرجة العلمية ، مشكلتنا أن جميع بحوثنا درجات علمية ، فلذلك حتى صاحبه من أن يفعلها و يترقى بها من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك ، تركها ورماها ، وما عنى بتخريجها لأنه أصلا حصل بها المقصود ، ثم ينقل إلى درجة، أخرى الرجل رحمة الله عليه – العلامة بكر أبو زيد ، كان يخرج بحوث علمية جادة رصينة ، في فقه النوازل بعضها ، وبعضها في الأجزاء الحديثية ، فينتفع بها الناس ، ولبس المقصود من وراءها الدنيا ، فلذلك انتشرت .
والأمر الثاني : أن الله جل وعلا كان قد آتاه تمكنا لغويا ، ولئن قال الناس عن الفرزدق : "أنه لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب" ، فإنني أقول: " لولا الله ثم بكر أبو زيد في عصرنا لذهب لغة العلم" ، فلغة العلم القوية الرصينة والمتينة حافظ عليها الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله -، في بحوثه العلمية التي تدل على علو كعبه في شأن اللغة ، هذا خصيصتان عظيمتان وأنا قلت سينشر في مجلة نون – إن شاء الله - في العدد القادم .
الأستاذ معمر : شيخ صالح أتقدم لك بجزيل الشكر.. جزاك الله خيرا .
الشيخ صالح : شكر الله لكم في باقي شيء من وقت .
الأستاذ معمر : تفضل في نصف دقيقة .
الشيخ صالح : قضية الشكر في منتدى القطوف الدانية للأخت سراج الليل ، والأخوات الأختان الكريمتان المخبتات، كما شكر وأهني أخي الأستاذ أمين دمدم بتعينه مشرفا عاما على منتديات الصفوة ( غيوووووور) وأنبه كذلك ولله الحمد خطبنا في قباء خرجت في ألبوم اسمه بريق المواعظ قد يقول الإنسان أنت تتكلم في الدنيا الآن يقول ولكن أرجوا الله أن ينفع بها وكثير من المحبين كان يسألني عنها ، وقد تم إخراجها من قبل مؤسسة الفالحين وفقنا الله وإياهم لكل خير ، وهي تحمل ست خطب أسأل الله أن ينفع بها . هذا ما تيسر إعداده والعلم عند الله .(5/41)
الأستاذ معمر : شكرا لكم شيخ صالح ، الشكر موصول لكم أيها الأحبة على طيب متابعتكم ، أشكر الإخوة والأخوات على موقع منتدى خاص للبرنامج على تفاعلهم مع هذا البرنامج إثراء له بصورة مستمرة ما بين الحلقة والأخرى ، آمل أن نلتقي في مناقشة هذه الحلقة وإبداء محاسنها وإذا كان هناك من ملاحظات فيمكن أن ترسلوا بها من خلال الموقع ، الشكر لجميع الإخوة والأخوات الذين تابعونا على مواقع الإنترنت شكرا لكم جميعا ألتقي بكم بإذن الله وأنتم على خير وفي خير وتصبحون على خير . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ......................
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/42)
حلقة القطوف الدانية لشهر صفر لعام 1427 هـ
الأستاذ معمر : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى اله أفضل الصلاة وأتم التسليم ...
مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ...
أهلاً ومرحباً بكم في حلقه جديدة ولقاء متجدد بكم ومن أجلكم بعد أن كنت وإياكم مع ضيفينا الكريم في اللقاء الماضي في رحله ماتعه كانت قطوفها دانيه 00 وثمارها يانعة 000 كنا مع هجره المصطفى صلى الله عليه وسلم بدا من مكة المكرمة سيده الأوطان00 وتاج البلدان .. نسير مع الحبيب صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه 00 فكانت لنا وقفات وقبسات 00 وعبر وعظات 00 إلى أن وصلنا إلى مأرز الإيمان 00ومصدر الاطمئنان 00الى بلده في عرصات روضه من الجنان 00 في جوفها أفضل الجثمان 00 في حشاشتها ثوى محبوب كل حشاشة وعلى ثراها مشت أقدامه 00هي داره ومهاجرة 00فيها نصب محرابه ورفع منبره 000 هي درعه المنيع وحصنه الرفيع يقول صلى الله عليه وسلم ((رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ))هي محور العلوم ومركز الفهوم 00بها الجامعة الكبرى مسجد رسول الهداية للدنيا والآخرة 00 لمسلم يعشق سكناها وان ابتعد عنها اشتاق للقياها 00 وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أقدم من سفر ونظر إلى جدارتها ولوحاتها ودرجاتها أوضع راحلته وحركها واستحثها وأسرع بها لحبه لها صلى الله عليه وسلم 000ماهي ؟ هي المدينة المنورة مدينه الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف ويشرف ضيفنا أن يكون حديثنا في هذا اللقاء من المدينة المنورة استضفت وإياكم احد أبنائها البررة وهو فضيلة الشيخ (( صالح بن عواد المغامسي )) عضو هيئه التدريس بكلية المعلمين في المدينة المنورة فحياكم الله 000(5/1)
الأستاذ معمر العمري: يا شيخ صالح قبل أن ندلف بيان بعض المحاور في المدينة المنورة دعنا ننتقل تاريخياً إلى العهد النبوي فلا شك أن هذه المدينة كانت تشكل أساسا كبيراً فنتكلم عن الحياة وعن طبيعتها في تلك الفترة النبوية ..
الشيخ صالح المغامسي : الحمد الله والله المستعان فمن استعان بغيره لا يعان 00 والصلاة والسلام على سيدن ولد عدنان 00وصلى الله عليه وعلى أصحابه على سائر من اقتفى أثرهم 00 وتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين00 أما بعد :-
فمن نعمه الله علينا جميعاً فريق هذا العمل في القناة المباركة أن يكون حديثنا هذه الليلة عن مدينه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المدينة التي اختارها الله مهجراً لخير خلقه صفوة رسله فلم يكتفي جل وعلا بجعلها دار هجره أنما جعلها جل وعلا مثوى نبيه صلى الله عليه وسلم فكما نشر الإسلام منها أوى جسده الشريف إليها صلوات الله وسلامه عليه 00وقد ذكرتم وفقكم الله أن الحديث عن الأيام المعيشية أيام النبي صلى الله عليه وسلم وبمعنى ارق سنتكلم عن أهل المدينة مع النبي عليه الصلاة والسلام تلك الألفة التي جعلها الله عز وجل بين ذلك الحبيب وصاحبيه رضوان الله تعالى عليهم 00(5/2)
منذ أن دخلها عليه والصلاة والسلام وهم متلهفون لرؤيته كانوا يسمعون عنه فإذا هو بين أظهرهم ارتقوا الدور00 وأسطح المنازل 00يفرحون بهم بالنظر إليهم ويقول :- أتحبونني 0 فيقول :- نعم ,, ويقول :0انا و الله أحبكم 00 فمنذ وان بركت ناقته القصواء ونزل عنها ودخل دار أبي أيوب الأنصاري إلى أن قُبض صلى الله عليه وسلم دخلها وأنار منها كل شيء ولما دفنوه وراود التراب يعبر منه اظلم منها كل شيء ولها أُخذ منها كلمه المنورة من هذا الباب لأنه عليه الصلاة والسلام لما دخلها أنار منها كل شيء 00 هذه الألفة من صدرها عديدة النخل كان حياتهم الزراعة كانت مقومات عيشتهم وأنا أتكلم عن الأنصار فكانوا منذ وان يظهر التمر يأخذون منه يقتطفونه ثم يؤتون صلى الله عليه وسلم ثم يعطونه حتى الثمر أربا معه لا يبدءون يقطعنها قبل أن يعطوه أولها فإذا أعطوه إياها هو الحبيب هو العاقل هو العالم بأحوال الناس في مسجد فيأتي إلى اصغر القوم فيعطيه تلك الثمرة ثم يقول :- " اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا , اللهم إن إبراهيم خليلك ونبيك وعبدك وقد حرم مكة وإنا عبدك ونبيك فاني ادعوك بمثل ما دعا لمكة ومثله معه" ,, فالبركة في المد والصاع قائمه والبركة في المدينة قائمه لكن الموازين الحالية مللت من هذا والحديث جاء في المد والصاع ولهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما زار تركته في مكة وسال المرأة في المرة الثانية قال لها :0 ما طعامكم ؟ فاثنت على ابنه إسماعيل وقالت :- اللحم والماء فدعي لها بالبركة في اللحم والماء ولذا فصلى الله عليه وسلم نبينا معقباً على دعوه إبراهيم وقال :- لا يخلو بهما احد في غير مكة إلا اشتكى ، معنى ذلك أن الإنسان إذا اقتصر على اللحم والماء في أي موضع في غير مكة يتضرر لكن مكة لا يتضرر لدعوه خليل الله إبراهيم أن يبارك الله لنا في اللحم والماء إلى اليوم هذا وهذا كلام نبينا صلى الله عليه وسلم المدينة دعا الرسول صلى الله عليه(5/3)
وسلم لها في البركة في المد والصاع ونحن لا نرى المد والصاع إلا في أشياء محدودة في زكاه الفطر ,, المد يستخدم عندما نشتري الحب المطحون (( الدقيق )) أننا نجد في الأسواق الحديثة يكال بالمد والصاع وفي جميع أسواق المملكة 00
هذه صوره من الصور كانت عائشة رضي الله عنها تعود إلى المنزل فيسألها :- أين كنت ؟ فتقول في فرحبني فلان من الأنصار فيقول عليه الصلاة والسلام وهو علم ببيعتهم هل كان معكم شيء من اللهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو هل قلتم ...يعلمها ما نقول فكان صلى الله عليه وسلم يبادلهم الحب وهم يعرفون مواطن رضاه وينتهزونها إذا كان في بيت عائشة خصصوا تلك الليلة بالهدايا ومحبته لعائشة عليه الصلاة والسلام معروفة ويأتي أولئك الأخيار بالهدايا في بيت عائشة يعرفون نبيهم أين يقع مواطن رضاه وغير رضاه ..أنس رضي الله عنه كان يغدو ويروح في تلك المدينة المباركة بحوائج النبي صلى الله عليه وسلم وحوائج أمهات المؤمنين يغدو ويروح عل تلك الحجرات وفي أزقتها وفي أحيائها إبراهيم عليه السلام الابن يقال عليه الصلاة والسلام ويقال رضي الله عنه ابن نبينا صلى الله عليه وسلم كان في عالية ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومع رفقه من الأنصار فيتوجه إلى العالية فيشمه ويقبله ولذلك قال أنس :ماريت أحدا أرحم من العيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...يموت إبراهيم ويدفن في بقيع أهل المدينة في عهد نبينا صلى الله عليه وسلم ، تموت المرأة التي تقم المسجد فيعاتب أصحابه لماذا لم تخبروني وهي امرأة عجوز سوداء ومع ذلك كان تشكل نوع من الألفة التي كان يعيشها الناس في حياته صلى الله عليه وسلم ، يصلي بهم الفجر وهم يصلون خلفه يلتفت إليهم هل رأى من أحد من رؤيا ثم يعبر لهم الرؤى هذه جملة عن الحياة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .(5/4)
الأستاذ معمر : ( أحسن الله إليكم يا شيخ وأنتم أشرتم خلال حديثكم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة فهل نقول هذه البركة خاصة بالمد والصاع لأن الناس يحسون فعلاً بالبركة )
الشيخ صالح المغامسي : هي أخص بالمد والصاع ولكنه قال في الحديث وبارك لنا في مدينتنا فهي مدينة مباركة والحياة جملة ليس كالحياة بغيرها.
الأستاذ معمر : (ننتقل يا شيخ من بعد العرض التاريخي الجميل إلى صورة واقعية يمكن أن تلامس واقعنا الآن فنتحدث عن بعض الأماكن ولعل أول ما نبدأ به هو المسجد النبوي وكنا في الحلقة الماضية قد عرضنا قصة بناءه وقصة شراء النبي صلى الله عليه وسلم للأرض ولكن إن أذنتم لي أن ندخل إلى داخل المسجد نتكلم عن بعض المعالم بداخلة ولعل نبدأ بالمحاريب إن أذنتم )
الشيخ صالح المغامسي : المحاريب صدور المساجد وموطن الأئمة ...ومحرابه صلى الله عليه وسلم لم يكن مجوفا بالطريقة الموجودة الآن وينسب تاريخيا إلى عمر بن عبد العزيز والي المدينة في عهد بني أمية ولأنه أول من جوف المحراب .(5/5)
والمسجد النبوي الآن فيه ثلاثة محاريب المحراب الذي يصلي فيه الأئمة الآن وتؤدى فيه الفروض الخمس هذا المحراب الذي أقامه عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه .. وعثمان وسع المسجد من جهة الجنوب فصلى أماماً هناك ثم سمي المحراب باسمه محراب عثماني وهذا المحراب ينسب إلى عثمان رضي الله عنه وأرضاه فهذا لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو في جهة المسجد القبلية الجنوبية،، المحراب الذي في الروضة هو المحراب الذي يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وقضية أنه جاء بهذه الصورة ينسب إلى سلطان من سلاطين المماليك هذا المحراب النبوي يبقى محراب غربي الروضة ليس في الروضة هذا المحراب بناه السلطان سليم الأول بناه وكان على الشافعية آنذاك لهم الدور الأكبر وما كان الناس يصلون إلى إمام واحد ..للأسف آنذاك فكان الشافعية يصلون في المحراب الرئيسي محراب النبي صلى الله عليه وسلم والدولة العثمانية على مذهب أبي حنيفة رحمة الله فأراد السلطان من أن يجعل مكان لمذهب أبي حنيفة فبني ذلك المحراب يصلي فيه الإمام الحنفي وجعله موازي من جهة الغرب لمحراب النبي صلى الله عليه وسلم فهما إن صح التعبير على درجة واحدة .
الأستاذ معمر :(ننتقل فضيلة الشيخ بما أنكم ذكرتم الروضة وإلى ما يتعلق بالروضة وفضائل الصلاة فيها والآداب التي ينبغي أن يكون داخل هذه الروضة )(5/6)
الشيخ صالح المغامسي : الروضة جاء هذا الاسم في الحديث النبوي الصحيح : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة " إذ تحديد الروضة من جهة الشرق والغرب فما بين المنبر والبيت النبوي والمقصود من البيت النبوي بيت عائشة ، هذه الروضة أختلف العلماء في معنى كلمة روضة وقال بعض العلماء لأن ما فيها من عبادة تؤدي إلى الجنة وقال بعضهم لأنها حلق ذكر لكن هذين مرفوضين يمكن كل مكان تعميمهما فالعبادة في أي مكان تؤدي إلى الجنة وكل حلق الذكر تسمى روضة والصواب عندنا والعلم عند الله أنها قطعة من الجنة وقد قال بعض المعاصرين أن سر تعلق الناس بالمدينة ناجم من قوله تعالى عن أهل جنته (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً }الكهف108 )فقال إن المدينة فيها قطعة من الجنة لأجل ذلك يجد الإنسان من أهل المدينة وغيرها يحب أن يحيى كثيراً في المدينة ويبقى فيها وهذه الروضة فصلاة جملة أما أن تكون فرضاً أو نفلاً فصلاة الفريضة في مقدمة المسجد والحرص على الصف الأول في الفريضة أفضل من الصلاة في الروضة لكن الإنسان إذا أراد أن يتنفل تنفلاً مطلقاً لا شك أن فضل الصلاة فيها من حيث الجملة أفضل الصلاة في أي مكان لأنها أفضل بقعة في المسجد لكن لا نملك نصاً يحدد لنا قضية الصلاة في الروضة ولكن يؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) على أنها أفضل بقعة في المسجد .
الأستاذ معمر : (إذاً ننتقل إلى حجرة عائشة )(5/7)
الشيخ صالح المغامسي : الشيخ صالح المغامسي : واحدة من الحجرات المهم أن نعرف أن هذه الحجرات أصلاً هي موطناً لتنزل القرآن ولذلك قال الله لأمهات المؤمنين {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }الأحزاب34) فهذه الأماكن هي موطن التنزيل الأول من المسجد مع بقية المدينة من مواطن التنزيل وحجراته صلى الله عليه وسلم منهن حجرة عائشة لكن حجرة عائشة أخذت نوعاً من التخصيص لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن فيها وقد ورد (أن عائشة رأت ثلاث أقمار تسقط في حجرها )فأخبرت أباها أبا بكر فاعتذر عن الإجابة ..فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة وهذه أحدى خصائص الأنبياء ومنها أنهم يدفنون حيث يموتون وأن الأرض لا تأكل أجسادهم وهذه الخاصية لهم أنهم يدفنون حيث يموتون دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة لأنه مات فيها ثم بعد ذلك توفي الصديق رضي الله عنه ودفن خلف النبي صلى الله عليه وسلم ووضع رأس الصديق موازي لكتفي النبي صلى الله عليه وسلم ثم دفن عمر ولم يكن عمر يحمل هم شيء أكثر من هم أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه فلما طعن وحمل إلى بيته بعث أبنه عبد الله بن عمر إلى أم المؤمنين يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فقبلت فبشر بهذا ومع ذلك أوصى أنه إذا حُمل أن يقال عمر بن الخطاب ولا يقال أمير المؤمنين ثم حمل ودفن ..(5/8)
كيف يزار النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل الإنسان القبر ثم يسلم عليه ويقول (السلام عليك يا رسول الله وإن زاد أشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ) ثم يمضي جهة اليمين إذا كان داخلاً من باب السلام فيأتي يسلم على الصديق ويقول (السلام عليك يا أبا بكر وإن قال أشهد أنك كنت وزير صدق ) ثم يتنحى قليلا ثم يسلم على الفاروق ويقول (السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب )وإن قال كلمتان في حقه فلا بأس بهذا الأمر وتنتهي الزيارة وهذا هو السلام على الموتى عموما ًلكن الزيادة هذه لا باس لأنها أوصاف صدق فيه ثم بعد هذه الزيارة انتهت...وهو بلا شك عملٌ صالح فإذا أراد الإنسان أن يصلي بعد ويدعو ويتعامل مع المسجد على أنه مسجد لأن هذه الحجرات أصلا ًلم تكن ملحقة بالمسجد ولم تكن ملصقة بالمسجد فلما جاءت ولاية الوليد بن عبد الملك الخليفة المعروف أمر وليه على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يوسع المسجد فأدرج حجرات أمهات المؤمنين في المسجد فدخلت حجرة عائشة تبعاً وليس أمراً مقصوداً وإنما صلوا تسعين عاماً و الحجرة خارج المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والأربعة الراشدين وإلى عهد بني أمة لكن حصل الأمر تاريخياً قدره الله ووقع لكن لا حجة فيه لأن النصوص حاكمة ومحكمة في هذا الشأن ودلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد )
الأستاذ معمر : ( جميل جداً يا شيخ ولا شك أن المسجد النبوي هو أول المساجد التي أقيمت فيها هذه الصلاة وإن أذنتم إلى أن نفصل الحديث بدأ من العهد النبوي إلى يومنا هذا والحديث طويل لعله يكون بصورة موجزة )(5/9)
الشيخ صالح المغامسي : صلاة التراويح أصلاً عين العبادة في رمضان ندب الله جل وعلا إليها وندب رسوله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) والنبي صلى الله عليه وسلم أول من صلى بالناس صلاه التراويح خرج للدين ثلاث أربع ركعات ثم غلبت عليه شفقته على أمته فخاف أن تفرض عليهم فلم يخرج فأصبح الناس بعد يصلون جماعات قليله وأنها صلاه نافلة مكث هذا الأمر في عهد الصديق على ما هو عليه حتى كانت خلافه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ,, في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على تميم بن أوس وأبي بن كعب وفي هذه دلاله خارج النص أن صلاه التراويح تختلف عن الفرائض فالفرائض يقدم لها من يقرأ القران مع الفقه مع الوجاهة الدينية أن يكون إمام رسمي أو أمير أو ما أشبه ذلك لكن قراءه التراويح أقدم لها الأعذب صوتاً والأشد حفظاً ...(5/10)
لا بأس وهذا ما فعله عمر الصلوات الخمس كان عمر هو الذي يصليها لكن التراويح قدم تميم بن أوس وأبي بن كعب رضي الله عنهما كانوا يصلون بالناس نقل في أيام مالك رحمه الله أن الناس كانوا يصلون على أيامه تسع وثلاثين ركعة بخلاف أهل مكة كانوا يصلون اقل منها آنذاك ثم تنتقل حسب الإمرة السياسية آنذاك حتى في عهد بني العثمان حتى كانت التراويح توزع قبل أن نصل للعهد السعودي 00 لم يكن في عهد بني عثمان أمام واحد إلا في الختمه لكن الرغوات كان لهم إمام يصلون في الدكه والنساء لهم إمام يصلون في شرق المسجد العواقل كان لهم إمام يصلون في مؤخره المسجد أسير البلدة كان لهم إمام يصلي به في مقدمه المسجد القاضي وأعوانه كان لهم إمام المفتي كان له إمام ورئيس المعسكر كان له إمام ست أو سبع الأئمة في وقت وواحد طبعاً هذا وان جاز من باب أنها نوافل لكن إن ما نحن فيه اليوم لاشك انه فضيلة وخير وهذا يدل على كيف أن الناس اجتمعوا على إمام واحد ولي أمركم ينجم من الخير العظيم زمان نحن فيه ولله الحمد في هذه البلاد ثم جاء في الدولة السعودية في عام 1344 دخلت المدينة في الدولة السعودية في دوله آل سعود فتح الملك عبد العزيز رحمه الله المدينة في عام 1344 وعين إمام على الحرم من أهل هذه البلاد اسمه الشيخ الحميدي مكث إمام سنتين ثم حضر بعض الأئمة حتى ولّى الشيخ صالح الزغيبي وأعانه الشيخ عبد العزيز الصالح ,,
الأستاذ معمر :(نعود إلى الشيخ عبد العزيز بن صالح الذي بقي في إمامه الحرم 50 عاماً وانتم ممن اشتهر بملازمه الشيخ وعرفتم ذلك واترك الحديث لكم بكل أريحيه )(5/11)
الشيخ صالح المغامسي : الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله عليه قلنا بعد الشيخ صالح الزغيبي عام 1367 في شعبان صلى الشيخ عبد العزيز إماما وتوفي رحمه الله عليه في 17-2-1415هـ أي انه مكث تقريباً 50 عاماً أماماً للمسجد النبوي وقد التصق تاريخه رحمه الله بتاريخ المدينة خمسين عاماً أجيال وكم زوار يأتون المدينة وكان يصلي بالناس وكان له في التراويح في رمضان يختم مرتين يصلي على ما يفعله الناس اليوم ثلاثين جزء في التراويح في العشر الأواخر يصلي ثلاثة أجزاء معه الشيخ عبد المجيد حسن رحمه الله تعالى عليه كان معه الشيخ عبد الله الزاحم رحمه الله تعالى عليه كان هناك الشيخ عبد الله الخربوش أماماً رحمه الله والشيخ محمد تاني متع الله بحياته موجود وائمه في الحرم النبوي أدركناهم فضلاء أخيار ...(5/12)
الشيخ عبد العزيز كان يصلي في التراويح على ما عمل الناس اليوم يختم في الليلة 29 أو الليلة 21 في صلاة التهجد صلينا ثلاثة أجزاء وصلينا قرابة ثمان عشر سنه أو عشرين سنه على هذه الطريقة يعني القضية انه يختم مرتين ثم إذا جاء يوم الختم كان رحمه الله رحمه واسعة يصلي التراويح واحد و عشرين ركعة ويختم ثم يأخذ تسليمتين من صلاه التهجد ثم يختم فيختم هو بنفسه مرتين في كل شهر من كل عام ويقرأ التراويح كاملة عشرون ركعة ينفرد بها ويأخذ تسليمتين يختم فيها حتى اتفق أهل العلم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد العزيز بن صالح على إبقاءها ختمه واحده رفقاً بالناس وهذا أدركه الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله إلا كان يصلي التهجد في المحراب العثماني الذي يصلون فيه التراويح بتأخر إلى الروضة فيصلي في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم فيصبح فرصه للزائرين الذين يتلون على عجله قد يصلي صلاه التهجد ثم يريدون يسافر فيمكن لهم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم والخروج دون مشقه لأنه يبقى مفتوحاً ربما الوضع الحالي الأخوة الأفاضل القائمين على الرئاسة رأوا في ذلك ازدحام الناس وكثره العدد لهم رأيهم وهم أبصر منا بالواقع لأنه أدرى بهم فاجتمع فضيلتا الصف الأول والصلاة في لروضه ...
ثم بعد ذلك توفي الشيخ وطبعاً الشيخ على الحذيفي من الأئمة الفضلاء في الحرم من عام 1399 متع الله به كان إماما لمسجد قباء ثم اختير من قبل الشيخ عبد العزيز بن صالح إماما للحرم النبوي ومن الأئمة الشيخ حسين الشيخ والشيخ عبد الباري الثبيتي والشيخ عبد المحسن القاسم والشيخ صلاح البد ير نفع الله بهم ، السنة هذه صلى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي كان معين في صلاه التراويح ......
الأستاذ معمر : ( ننتقل يا شيخ إلى الحياة العلمية في المدينة الحياة العلمية في الدينية كان لها اثر ان أذنتم ان نقف معها بدا من الفقهاء السبعة أو قبلهم تركز على الحياة العلمية )(5/13)
الشيخ صالح المغامسي : العلم به تجلى الأمور والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع )) وسيأتي التأكيد على هذا المعلم الأول نبينا صلى الله عليه وسلم عهد كان زاهر أيام حياته كان صحابته تحلقون حوله ويهابون أن يسالوا ويفرحون إذا جاء احد من الأعراب حتى يسالوا في تلك المدرسة تخرج خير جيل رعيه على يديه صلى الله عليه وسلم كان جبريل يسال اسأله متعمدا يعرف إجابتها لكن يعلم الناس دينهم وينهى ويقول هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم الحقيقة هذه كانت حقبه ثرية بعلمه صلى الله عليه وسلم ثم لما توفى كان الصديق يفتي ثم الفاروق وعرف المسلمون بمدرسه معاذ أعلمكم بالحلال والحرام ثم انتقل معاذ إلى الشام وما زال الناس يفدون إلى هذه البلدة المباركة يأخذ منها العلم في نفس الوقت ذهب أهل المدينة يجاهدون ويعلمون الناس أمر دينهم وهذه سنه سنها النبي صلى الله عليه وسلم لهم لما بعث معاذ وأبا موسى على اليمن معلمين هذا الأصل الأول... ثم جاء مدرسة الفقهاء السبع أن الناس في تلك الحقبة تاريخيا ًالعلماء كثر يقال أن الفتوى انتهت إليهم
إذا قيل من في العلم سبع أبحرٌ * * * رواية في العلم ليست بخارجه
ثم يأتي ذكرهم خارجه بن زيد وسليمان بن يسار وأبو بكر ابن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب و القاسم بن محمد وعبد الله بن عبيد الله بن مسعود وعروة بن الزبير هؤلاء هم الفقهاء السبع .(5/14)
نعود على الإمام مالك رحمة الله ..مالك علم من أعلام المدينة فمالك كان مشهور بالهيبة في الحلقة العلمية عنده كان ما يكثر فيها المراجعات أخذ العلم عن ربيعة بن عبد الرحمن وألف الموطأ قال له أبو جعفر وضع للناس كتابا تجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وهذا مهم جداً كلمة أبو جعفر شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس فالاختلافات الفقهية في الفروع قائمة منذ الصدر الأول منذ عصر السلف وقد نقول آراء لا يراها البعض صحيحة لكن ينبغي للإنسان على أن القضية تحتمل عدة آراء وليس الحق محصورا عند أحدا ًبعينه ولا يقول فلان معه دليل حتى الأخ الأخر عنده دليل والإنسان يترفق بغيره من العلماء ويحسن الظن بهم قال الشاطبي رحمة الله
وواجب عند اختلاف العلم * * * إحساننا الظن بأهل العلم
نعود إلى مالك رحمة الله ...مالك في الموطئ يقول كثيراً هذا الذي أدركت عليه الناس في بلدي
.
الأستاذ معمر : (ننتقل يا شيخ إلى العلماء المعاصرين )
الشيخ صالح المغامسي : نعم بعد الإمام مالك حصلت مدارس عديدة .. لكن تأتي إلى العلماء المعاصرين من أشهرهم نبدأ بالشيخ عبد الرحمن الإفريقي من مالي والله يقول (({وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً }النساء100 ))(5/15)
ويقول صلى الله عليه وسلم :( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) خرج من قريته ثم آله لأمر إلى أن يسكن إلى المدينة وأصبح مدرس فيها يقول الشيخ عطية دخلت الحرم وحوله طلاب والشيخ عطية نفسه قدم ممرضاً أصلاً ثم كان يقوم ببعض الشؤون المرضية مع الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله فوجد فيه الشيخ الأمين نباهه وعلم وقابليه للعلم فلزمه فاخذ عنه علم جم وكانت بداية مرضه لديه قضيه علميه لكن قدم لبلاد السعودية – المدينة – من اجل ان يكون طبيباً والشيخ عبد الرحمن الإفريقي من تلاميذه الشيخ عمر فلاته رحمه الله وكان يشرح الموطأ في الروضة وأدركته وحججت معه رحمه الله وكان ذا علم جم وأدب فاضل وخلق حسن كان له اثر كبير في المدينة الشيخ عمر رحمه الله رحمه واسعة والشيخ عبد الله الخربوش كان له دروس في الحرم وكان إماما والشيخ عبد العزيز بن صالح كان له دروس والآن فيه شيخنا الجليل الشيخ أبو بكر الجزائري متع الله به وهو علم معروف وله درس في التفسير والشيخ صالح العبود مدير الجامعة الإسلامية والشيخ الدكتور صالح السحيمي له درس مبارك في الحرم والشيخ محمد مختار الشنقيطي والشيخ محمد المختار حفظه الله ابن الشيخ المختار الوالد المتوفى عام 1405 كان يدرس في الحرم فالولد محمد الشنقيطي ورث عن أبيه في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله (({ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ }آل عمران34)) الشيخ الأمين الشنقيطي اكبر الأعلام المعاصرين وقد جعل المسجد النبوي إمام كان الشيخ الشنقيطي والألباني وبن باز رحمه الله عليهم يدرسون في وقت واحد وهذا مما يدل على أن الحرم النبوي وفيه الآن الشيخ أحمد السحيباني كذلك يدرس والشيخ صالح العبود وربما نسيت البعض والشيخ عمر فلاته الأول عمر محمد والآن عمر حسن فلاته يدرس وهو درست علي يديه الحديث في كليه التربية وفقه الله تعالى وأعانه ويسر أمره .(5/16)
الأستاذ معمر : (إذاً نخرج من الناحية العلمية إلى جبل احد و إذا كان قبل ذلك وقفه يسيره مع مسجد قباء )
الشيخ صالح المغامسي : مسجد قباء أول مسجد أسس بالتقوى في الإسلام ذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى قباء أسس ذلك المسجد وأهل قباء إن ذلك عمرو بن عوف هذا المسجد قال في حقه صلى الله عليه وسلم (( من توضأ في بيته ثم خرج وصلى في مسجد قباء ركعتين كان له كأجر عمره )) وقد قلنا في اللقاء الماضي ربما نوع من التعوذ كونه أول مسجد صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبناه وهو قادم من مكة وأصبح ذلك اجر عمره هذا المسجد وسعه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله توسعه الأخيرة أظهرت مهابته 00 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه كل سبت يصلى فيه وان كان اختلف العلماء ما لمقصود من كل سبت هل هو كل أسبوع أو السبت بعينه ... .
الأستاذ معمر : ( أحسن الله إليكم يا شيخ صالح لا نستطيع أن نغادر المدينة ولم نتكلم عن جيل أُحد أحد المعالم البارزة في المدينة وله تاريخ وله محبه عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند المسلمين)(5/17)
الشيخ صالح المغامسي : أحد 00وماادراك ما أحد 00 من رحمه الله بنا أننا نسكنها وأكثر ( مشاويرنا من جهة الشمال ) وكلما خرجت من البيت و إذا بأحد أمامي يقول صلى الله عليه وسلم ((أحد جبل يحينا ونحبه )) الله أعطى داوود بان الطير تسبح معه وأعطى نبيه أسوه بالجبال التي أعطاها داوود إن هذا الجبل يحب نبينا صلى الله عليه وسلم لقد سمى احد لتفرده عن الجبال وفي تحت ظلاله الوارفة كانت وقعت احد التي فيها شج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته المعركة المشهورة والتي قال النبي صلى الله عليه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل هذا الجبل صعد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبي بكر وعمر وعثمان فرجف فرحاً بهم فقال صلى الله عليه وسلم (( اثبت احد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )) قال القاضي عياض أو غيره (( فرح الجبل بما حازه من الشرف وبمن عليه من الشرفاء )) وكان صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول (( آيبون تائبون عابدو ولربنا حامدون )) هذا الجبل من أعظم الدلائل على أن الله عز وجل فطر كثيراً من المخلوقات على محبه نبيه صلى الله عليه وسلم فالجبل والنياق يوم النحر والجذع والحصى عندما سبح والماء عندما نبع والشجر عندما شهد هذه كلها يدل على الرفيع والمقام العظيم لنبينا صلى الله عليه وسلم ....
الأستاذ معمر : (أحسن الله إليكم يا شيخ ننتقل إلى ما يتعلق بالبقيع وزيارة القبور وأول زيارة لهذه المقبرة وأول من دفن فيها)(5/18)
الشيخ صالح المغامسي : النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي اختار هذه الأرض بان تكون مقبرة بقيع الفرق نوع من الشجر كان موجود في هذه الأرض وهي ارض رخوة ومازالت طبعاً وليس فيها حجارة لان المقابر أصلا لا يكون فيها حجارة لأنها يصعب حفرها من أول من دفن بها من المهاجرين عثمان بن مظعون ومن الأنصار اسعد بن زرارة ثم مازال الناس يدفنون موتاهم هناك بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر من دفن فيها من المسلمين عثمان رضي الله عنه وعثمان قتل في جو سياسي مضطرب قتله الخوارج فصعب على أهل بيته أن يدفنوه في بقيع الفر قد ودفنوه في حش لأبن عثمان قريب من البقيع فلما كانت ولاية أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه أدخل هذا الحش في البقيع ثم أمر الناس أن يدفنوا موتاهم بجواره حتى يدخل قبر عثمان في البقيع ومن أشهر من دفن أمهات المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأيضاً فاطمة رضي الله عنه وابنه الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص وممن دفن أهل الحرة وفتنة أهل الحرة فتنه عظيمة وقعت على يد يزيد بن مسرف وهو يزيد بن مسرف وأهل المدينة يسمونه المسرف لأنه أسرف في سفك الدماء ..يوجد قليب في البقيع دفن فيه أهل الحرة ..وهناك قبر ابن مالك رحمه الله وبجواره قبور العلماء الذي اعلم ان قبر الشيخ عبد العزيز بن صال واحمد الغزالي هذه القبور كلها ليست بعيده عن بعض زيارة البقيع سنه باتفاق ألائمه والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين )) ويتنحى بعض الليالي يخرج من عند عائشة ويسلم عليهم وورد انه دعا وقال (( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد )) وأرجو الله أن تكون الدعوة عامه لكل من دفن بعد ذلك ...(5/19)
المسلمون لا يخلون من الصالحين ومنهم من تقبل دعوتهم ولهذا قال الناس هذا البقيع بما أن في زيارته سنه يزوره كل واحد جاء للمدينة لزيارة المسجد فيزور البقيع ولم تخلو أمه في كل عصر من رجال صالحين لهم عند الله كرامه ولهم أجابه دعوه وان كان لا يعينون فهؤلاء لا يدعون لهؤلاء الموتى فربما رحم الله أولئك الموتى ببعض دعاء الصالحين وان كان الأصل الإنسان ينفعه عمله ولكن ينتفع الإنسان بدعوة أخيه وإلا لما شرع لنا أن ندعو لإخواننا ..
أيضا فيه قبر صفيه بنت عبد المطلب رضي الله عنها عمه النبي صلى الله عليه وسلم وقبور بعض آل البيت لكن لا ينبغي أن يعلم أن الميت أحوج من الحي وان الميت لو يستطيع أن يخرج ويصلي ركعتين لفعل وانه مهما بلغت منزلته فانه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا حياه ولا نشورا وانه ليس من شرع لله إقامة قباب على تلك القبور وليس من الشرع أن يخصص لها وإنما الأصل أن تكون القبور مستوية إنما أين يقع الاختلاف يقع الاختلاف داخلها هذا ينعم وهذا يعذب فهو أحوج إليك منك إليه بل انه لا يستطيع نفعك البتة أما أنت تستطيع أن ينفعه وتدعو له ومن هنا شرعت زيارة الموتى ومن حكمها أن الإنسان يتعظ ويرى هذه القبور المستوية ظاهرا داخلها من الاختلاف والتباين فالله جل وعلا به عليم وقد يحفظ بيته
الهي نجنا من كل سوء * * * فأنت إلهنا مولى الجميع
وهب لنا في المدينة مستقراً * * * ورزقا وموتا في البقيع
فانا دفنت بيدي هاتين كثير من الأحبة في البقيع الغرقد غفر الله لهم .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أثناء حديثكم أشرتم الى بعض الأحداث العظيمة التي مرت على المدينة لعلنا نعرض بعضها.(5/20)
الشيخ صالح المغامسي : حصار الشركيين سماه الله زلزالا ليس زلزال تحريك المكان وإنما زلزلاً قلبي خوف ({هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً }الأحزاب11) لكن لما رجعوا قال صلى الله عليه وسلم (( اليوم نغزهم ولا يغزونا )) فانقطع الغزو عنهم ثم امن النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه المدينة لا يستباح حرمتها 00
من الأحداث العظام اقتصادياً حدث عام الرمادة جوع شديد في عهد عمر000 ومن الأحداث العظام تسير يزيد بن معاوية جيشه إلى المدينة وهو ما يسمى بمعركة الحرة واستباحت كثير من دماء أبناء الأنصار والمهاجرين 00 والنبي صلى الله عليه وسلم قال ((من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذاب الملح بالماء )) ويقال إن مسلم أراد أن يتوجه إلى مكة ويجمع الحرمين تحت سلطته لكنه مات في الطريق صدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم هذه بعض الأحداث التي مرت على المدينة 000
ختاما أقول بعد أن فاتنا ونحن نتكلم عن الحجرات أن هذه الحجرات شهدت عباده النبي صلى الله عليه وسلم أعظم ما يمكن أن يستنبطه المسلم من حياته عليه الصلاة والسلام .... في تلك الحجرات كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ... ويعلم الناس وينزل عليه القران ..في تلك الحجرات كان يتلألأ عليه نور في وقوفه بين يدي ربه صلى الله عليه وسلم وأي رفعه لأي احد لا تنجم إلا من إتباع سنته والعمل بها والكف عن البدع والأخذ بالكتاب العزيز والاعتصام بالسنة 000
فمن أبو بكر قبل الوحي من عمر * * * ومن علي ومن عثمان ذو الرحم
من خالد من صلاح الدين قبلك من * * * أنت الإمام لأهل الفضل كلهم
لما أتتك قم الليل استجبت لها * * * تنام عينك أما القلب لم ينم
الليل تسهره بالوحي تعمره * * * وشيبتك بهود أيه استقم
يا ليتني كنت فرد من صحابته * * * أو خادم عنده من اصغر الخدم(5/21)
نختم اسأل الله جل وعلا أن يرزقنا حسن الجوار فيها وان يرزقنا التوفيق بالدنيا والآخرة والله تعالى الموفق والمستعان وصلى الله على نبينا محمد .
الأستاذ معمر : مشاهدي الكرام بهذا أصل وإياكم الى نهاية هذه الحلقة الماتعة التي كنت وإياكم بصحبه ضيفنا فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي كان حديثنا عن المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم 0
ختاما أقول هنيئاً لقاطنيها وبشرى لكل من سكنها ومات فيها اسأل الله عز وجل أن يحقق لها ولأهلها كل خير وسعادة ومحبه على مر التاريخ كما ثبتت بذلك النصوص أشكركم على طيب المتابعة واسأل الله عز وجل أن ييسر لنا لقاء قريب في الأربعاء الثالث من كل شهر بإذنه عز وجل إلى ذلك الحين وفي كل حين استودعكم الله
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..................
تم بحمد الله وتوفيقه وعونه
***(5/22)
حلقة القطوف الدانية لشهر شعبان لعام 1428هـ
الأستاذ معمر : بسم الرحمن الرحيم ..
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، مشاهديّ الكرام ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..وحياكم الله إلى حلقةٍ جديدة من برنامجكم الشهري القطوف الدانية
..تأتيكم هذه الحلقة مجدداً من إستديوهاتنا بمدينة الرياض ..يسرني ويشرفني في بداية اللقاء أن أرحب بضيفه الدائم فضيلة
الشيخ صالح ابن عواد المغامسي خطيب مسجد قُباء ..فحياكم الله يا شيخ صالح ..
مشاهدي الأعزاء شاهدتم في هذا البرنامج الكثير من الحلقات التي تناولت بعض الآيات القرآنية وبيان ما فيها من الأحكام والآداب والمعاني السامية التي يكون بها الصلاح في الدارين في هذه الحلقة بأذن الله تعالى سنعرض شيئاً من أحاديث المُصطفى صلى الله عليه وسلم ..الذي جاء كلامه جامعاً للكلم ِ الطيب فما من خير إلا وبيّنَ منارة وسُبُله ..وما من شرٍ إلا وأوصدَ أبوابهُ وطُرُقه .. وقد كان صلى الله عليه وسلم فصيح المنطق سلسَ الأسلوب رائع الحكمة قوي الحُجة بليغ التأثيرِ في النفوس ، يحُسُ المرءُ لكلامه حلاوة ..ويستشعرُ اللذة الفنية التي تهزُ النفوس وتثيرُ الأحاسيسَ وتأخذُ بمجامع القلوب ..إذا تكلم خشعت القلوب من جلالة العظة وإذا خطب انقطعت الشُبهُ لبلاغة الحُجة ..امتلأت النفوس اقتناعاً بحقيقةِ كلامهِ ورضاً برأيه وامتثالاً بأمره ويكفينا في هذا قولهُ تعالى ( إن هو إلا وحيٌ يوحى )
صلى عليك الله يا علمَ الهُدى *** واستبشرت بقدومكَ الأيامُ
هتفت لك الأرواحُ من أشواقها *** وازيّنت بحديثكَ الأقلامُ
.. تزدان هذه الحلقة من برنامجكم القطوف الدانية بأن يكون عنوانها أحاديث نبوية
نسعد كثيراً مع ضيفنا الكريم أن نختار جملةً من الأحاديث ..ويُعلقُ عليها ضيفنا بأسلوبهِ الماتع ..نسأل الله عز وجل أن يُسددهُ ..وفي بداية اللقاء أرحب بكم وأرحب بالأخوة والأخوات ..(5/1)
شيخ صالح أكرر ترحيبي بك وقبل أن أبدأ حفظك الله ..أكرر أيضاً حمداً لله على سلامتك وعودتك لنا في الأستديو هنا ..الحلقة الماضية كانت كما تعلم من المدينة النبوية وكان لها وقعها الخاص على المشاهد الكريم ، الحلقة الماضية يا شيخ صالح كنت قد عرضت لغزاً على المشاهدين وانتهت الحلقة قبل أن تُجيب لعلك تستهل بالإجابة ..
الشيخ صالح :أولاً الحمد لله الذي أحسن كل شيءٍ خلقه وأحكمَ كل شيءٍ صنعه ، وأشهدُ أن لا آله إلى الله وحده لا شريك له ..لا آله غيره ولا شريك معه ، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ..بلّغَ عن الله رسالاته ونصح له في برياته.. فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبيناً عن أمته ..صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ..أم بعد ..
قبل أن نشرع نحمدُ الله جل وعلا على السلامة ، ونشكرُ لكم معشرَ الفضلاء في قناة المجد على تواصلكم معنا وعلى قدومكم وزيارتكم لنا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أشكرُ كل مؤمنٍ ومؤمنه وقفَ معنا بتعاطفه وقد سبقَ أن شكرت إلا أنني أخص في هذه الحلقة أخي الدكتور آدم جرّاح القلب الشهير ..الذي أجرى العملية الجراحية لنا وهو رجلٌ وأخٌ مُسلمٌ من دولةِ السودان ..منّ الله جل وعلا عليه بكثيرٍ من الأمور العلمية التجريبية للطب .. كما منّ عليه ولله الحمد والمنة فيما لمسناه منه من سمتٍ تعبّديٍ يدل على أنه يحمل إيماناً عظيماً وعبادةً كبيرة ..نسأل الله أن يزيده توفيقاً وأن يجزيه عني خير الجزاء ..(5/2)
أما ما كنّا قد ذكرناه في اللقاء الماضي فقد قلنا إن هارون الرشيد صحبَ في إحدى رحلاته معه إلى بلاد فارس [ محمد ابن الحسن الشيباني ..تلميذ أبي حنيفة ] وصحبَ معه الكسائي رحمة الله تعالى عليهما ، وأنه قُدّرَ لهما أن يموتا في يومٍ واحد في رمباويه فدفنهما الرشيد ..وكنّا قد قلنا إن الرشيد لمَا دفنهما قال : ( دفنتُ اليوم في ربماويه..... ) وسكت وقلت أنني سأقول الجواب في آخر الحلقة ..ولكن لا أدري هل قلت إن شاء الله أو لم أقل ..!
أياًّ كان لم أتمكن من الإجابة .. انشغلت بغيرها ..
قال هارون رحمة الله تعالى عليه ( دفنت اليوم الفقه والنحو في رمباويه ) يقصد أن الفقه كله قطبه ..إمامه آنذاك محمد ابن الحسن ، ويقصد أن الكسائي رحمة الله تعالى عليه كان إمام النُحاةِ في عصره .
..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح لعلنا نبدأ بقولهِ صلى الله عليه وسلم بحديثه الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافعٍ وأول مُشفّع ) مروي هذا الحديث في صحيح مسلم وتعلم حفظك الله ويعلم المشاهد الكريم أنه معدودٌ في مناقبه صلى الله عليه وسلم ، بداية يا شيخ صالح نبدأ مع أول عبارة قوله صلى الله عليه وسلم ( أنا سيدُ ولدِ آدم ) نبين مراد هذه الكلمة في لغة العرب ..كلمة السيّد ..أيضاً الحكمة في إضافتها ليوم القيامة ؟
.(5/3)
الشيخ صالح : النبي صلى الله عليه وسلم آتاه الله جل وعلا عطايا ومزايا في الدنيا والآخرة ، وتارةً يذكر ما من الله به عليه في الدنيا وتارةً يذكر ما من الله به عليه في الآخرة ، وتارةً يذكرهما سوياً ، هنا يتكلم صلى الله عليه وسلم عن ما أكرمه الله به في الآخرة ..فقال عليه الصلاة والسلام ( أنا سيد ولد آدم ) السيد في اللغة هو الذي يُفزع إليه في الشدائد ، وهو أمرٌ تعرفه العرب .. ذلك أن الناس لا بد لهم من رؤوس ..إذا ارتابت كلمتهم واقتحمتهم لجج وكوارث ..وحلت بهم الدواهي ..لجئوا إلى سادتهم ، وعُرف في العرب وفي الجاهلية وفي الإسلام وفي كل الأمم ساده ..مثلاً في الإسلام عُرف أن الأحنف أبن قيس سيد بني تميم ، وعُرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لسعد أبن معاذ ..قوموا لسيدكم ، وسأل الأنصار يوماً من سيدكم قالوا الجد أبن قيس ، مسألة كلمة سيد تحكمها الأعراف والتقاليد وحاجة الناس في كل عصرٍ ومصر فالسيد هو الذي يُفزع إليه في الشدائد .
أما لماذا أضافها النبي صلى الله عليه وسلم وقيّدها بقوله يوم القيامة .. فإن السيادة في الدنيا هناك من نازعه فيها صلى الله عليه وسلم ولو إدعاءً كرؤساء أهل الإشراك وأئمة الكفر وأهل الثراء في زمانه فكلٌ كان يُنظر إليه على أنه سيد ..لكن يوم القيامة فهو عليه الصلاة والسلام أول من يؤذن له ..هو أول من يتكلم ..لواء الحمد تحت يده ..ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولدِ آدم ، وقوله عليه الصلاة والسلام أنا سيد ولد آدم ..هذا تعميم لأن الناس كلهم أولاد لآدم ..وكلمة أولاد ذكور وإناث يدخل فيها كل أحد ..حتى آدم نفسه ودخول آدم جاء في أحاديث أُخر ودخول إبراهيم عليه السلام جاء في أحاديث مفصلة ، فهو صلى الله عليه وسلم سيد الناس في الدنيا والآخرة ,لكنه قال وقيد وأضاف سيد ولدِ آدم يوم القيامة ..ففي يوم القيامة أفادت أنه لا أحد ينازعه السيادة صلوات الله وسلامة عليه .(5/4)
الأستاذ معمر : في بعض الروايات يا شيخ * أنا سيد ولد آدم ولا فخر * البعض قد يتساءل عن العبارة الأخيرة ولا فخر ..المراد بها ؟
الشيخ صالح : كلمة ولا فخر ..أما من حيث المعنى فمعناها ولا أقول ذلك مباهاةً ولا أدعاءً ..لأن الفخر يكون بالجاه أو المال في الأشياء المنفكة عن الإنسان .
وهي من حيث الصناعة النحوية ..ولا فخر .. أتت حالاً مؤكدة ..
قوله عليه الصلاة والسلام (ولا فخر) ..
هنا يظهر أستاذنا الكريم أشكال هو أن الناس يقولون أنه لا يحسن بالمرء أن يتحدث عن نفسه فكيف النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن نفسه ..أجاب العلماء رحمهم الله عن ذلك ..قالوا أنه حُقَ لهُ أن يقول أنا سيد ولد آدم .. ويتحدث لسببين ، فالسبب الأول أن الله أمره أن يتحدث بنعمة الله عليه فقوله عليه الصلاة والسلام ولا فخر أي أنه أراد أن يقول أن هذه المزية هي فضيلة وكرامة خصني الله بها فأنا أحدثكم بها لأمرين أولاً لأن الله أمرني وأنا عبدٌ ممتثلٌ لربي أن أتحدث بنعم الله علي ..قال له ربه ({وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }الضحى11) وهو عليه الصلاة والسلام يمتثلُ أمر الله ويخبر عن نعمة عظيمة أخبره الله بها وفضله الله بها وهو أنه سيد ولد آدم يوم القيامة
أما السبب الثاني فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أمته بهذا حتى تتعبد الأمة ربها بتوقيره صلى الله عليه وسلم ، وتعرف مقامه عند ربه فتعلم هذا وتؤمن به وتحفظ له مقامة ومكانته صلوات الله وسلامة عليه .
هذان السببان اللذانِ قال العلماء من أجلهما ... أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيد ولد آدم ، أما ما بعدها فهو تبيين له.
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : الشيخ محمود الشنقيطي حفظه الله ..كان يشير إلى مسألة تواضع النبي صلى عليه وسلم رغم ما تعرض له ..لعلك تعلق عليها .(5/5)
الشيخ صالح : الشيخ محمود جزاه الله خيرا يريد أن يوجه رسالة للناس لمن تصدر في المقام الأول لعلمٍ أو جاه أو مال .. وهو أنه يُعطى من عند الله وأن الله جل وعلا يبتلي عبادة الذين يُعطون بكيف يتعاملون مع تلك النعمة فإذا كان ينظرون إلى أن النعمة بسببهم أو بجهدهم ..ترفعوا عن عباد الله ، وإذا تيقنوا أن النعمة من عند الله لم يترفعوا على عبادة خوفاً من أن يسلبهم الله النعمة .
النبي صلى الله عليه وسلم في الذروة من الكمال البشري ومن كمال بشريته عليه الصلاة والسلام أنه يسهلُ الوصول إليه وأنه عليه الصلاة والسلام قريب من الناس متواضعٌ لكل أحد ويقول ( إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله ) حتى في جلسته عليه الصلاة والسلام في الطعام لما رآه الأعرابي وكأنهُ تغيرَ حاله من قعدته وجلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا ما يقتضيه مقام العبودية لله جل وعلا ، وقد حررنا في لقاءات سابقة أن الإنسان إذا كانت تنبعث عظمته من نفسه لا حاجة له لأن يترفع على الناس .. لأنه لا يحتاج لأن تلقى عليه أضواء ويُجعل بيه وبين الناس حجّاب إلا ما كان مثار خوف عليه أمنياً كما يحدث للأمراء والسلاطين والمسئولين ..هذه قضية حماية أمنية لا علاقة لها بالموضوع ..لكن الذي يعنينا العلماء في المقام الأول يجب لهم أن يخرجوا للعامة ، يجب لهم أن يقابلوا الناس ما استطاعوا ..
فبادر وخذ بالجد فيه فإن *** أتاكه الله انتفعتَ
فإن أوتيت فيه طويل باعٍ *** وقال الناس أنك قد رئُستَ
فلا تأمن سؤال الله عنه *** بتوبيخٍ علمت فهل عملتَ
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قدوةً حسنةً لأمته في كل خير ومن أعظم ذلك قربه صلى الله عليه وسلم من سائر الناس .(5/6)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح إذا أذنت لي ..من خلال كلامك جزاك الله خير ومن خلال التعامل سواءً في هذه القناة أو في غيرها مع بعض المشايخ ..يلاحظ قربهم من الناس ولكن أيضاً في المقابل التعامل معهم التواصل الناس ..لابد أن تكون في أطور محدده و آداب لابد أن تراعى .
الشيخ صالح : يُفترض على الناس شيء معين ..لكن ينبغي لمن تصدر أن يتحمل ، وأن يسعى قدر الإمكان إلى التواصل ، كلنا يقع منّا التقصير ..لكن فيه أمور مقبول التقصير فيها وثمة أمور غير مقبولٍ التقصير من العالم فيها .
الأستاذ معمر : محمد كان يسأل يا شيخ عن قوله صلى الله عليه وسلم ( خذوا القرآن عن أربعة )
الشيخ صالح : هذا لا يعني الحصر , لكن هؤلاء أئمة القراء ، النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خذوا القرآن عن أربعة ) ثم عدد ( أبي رضي الله عنه وأرضاه وسالم مولى أبي حذيفة وعبد الله أبن مسعود الذي هو عبد الله أبن أمي عبد ورابعهم معاذ رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ،
عبد الله أبن مسعود مهاجر وأبي ومعاذ من الأنصار وسالم مهاجر ..اثنان مهاجران واثنان من الأنصار ..
لكن لا يُفهم منه الحصر ، لكن من أعظمهم قراءةً عبد الله أبن مسعود لأنه كان يأخذ القرآن رطباً من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وقد قال أخذت ثلاثين سورة من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وهو من السابقين الأولين من المهاجرين رضي الله عنه وأرضاه وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في أول دعوته ومنها أنه كان معه في غارٍ في منى وأخذ عنه في ذلك الغار نزول سورة المُرسلات .
الأستاذ معمر : لذلك قال صلى الله عليه وسلم من كان قارئً فليقرأ على قرأت أبن أم عبد .
الشيخ صالح : لأنه لا بد للناس من قدوة ..لكن ليس حصرها فيهم ، وأبي أبن كعب كذلك رضي الله عنه من أعلى الصحابة مسألةً في القراءة .(5/7)
الأستاذ معمر : يسأل يا شيخ عن قول الشخص .. تأثرت بوفاة والدتي أكثر من والدي أو بوفاة شيخي .. عل يُعتبر عقوق
الشيخ صالح : ليس فيه عقوق ..من إخبار بما وقع ، لكن يتجنب أن يقولها عند قومٍ تجرحهم هذه الكلمة ، يعني لا يقولها مثلاً عند أبناء شيخه الذي تأثر به أقل حتى لا يجرحهم ، أما الكلمة في عمومها لا حرج فيها .
الأستاذ معمر : حديث الشخص عن نفسه في المقابلات الشخصية
الشيخ صالح : ليس حرجاً ..داخل في قول الله تعالى على لسان نبيه يوسف ( {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }يوسف55) ويؤيده من الآثار إضافة إلى القرآن .. أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه لم أكثر عليه الخوارج قال .. [أشهدكم الله أنكم تعلمون أني حفرت بئر رومه واني جهزت جيش العسرة ...] وأخذ يعدد مناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه للحاجة ، فالمقابلات الشخصية هي مجرد كشف اللثام وأماطته عن شخصيتك فمن حقك أن تبين حالك .
الأستاذ معمر : الشيخ صالح بما أنه ورد ذكر المدينة ..البعض لا سيمَ من خارج البلاد قد يُشكل عليه وجود قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد كيف نجيب على هذا ؟(5/8)
الشيخ صالح : النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته ولم يدفن في المسجد ، فالحجرة موجودة قبل أن يموت صلى الله عليه وسلم ، إنما الصحابة امتثلوا أمره في أنه قال إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون ..يقبرون حيث يموتون ، قبر صلى الله عليه وسلم في بيته فالجدار والحجرة مبنية قبله صلى الله عليه وسلم ، أما القبر نفسه موجود في الحجرة لكن ليس مبنياً عليه شيء إنما السور والجدار كان موجود من قديم ..كان خارج المسجد ، فالوليد بن عبد الملك واصل بالتوسعة الشرقية إلى أن وصل الحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم والآن ولله الحمد التوسعة الموجودة لم تتجاوز الحجرة إلى ما بعدها ..يعني التوسعة جاءت من شمال الحجرة من جهة الشرق إلى ما فوق ولم تأتي من جهة الحجرة من جهة الشرق لأنه لو توسعنا لوجدنا أن القبر سيصبح داخل المسجد وقد احتاط ولاة أمر هذه البلاد في هذا الأمر ولله الحمد والمنة .
الأستاذ معمر : قوله صلى الله عليه وسلم ( هو أول شافع وأول مشفع ) الكل يدرك أن الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم ..تكون لغيرة من الأنبياء والصالحين .. دعنا نعدد يا شيخ الشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم
الشيخ صالح : الشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث .. شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف في أن يفرج عنهم الكرب وأنهُ يُقضى بينهم وهذه الشفاعة هي التي تدافعها الأنبياء من قبله ..يأتون آدم يأتون نوح يأتون إبراهيم يأتون موسى يأتون عيسى ..حتى تصل إليه صلى الله عليه وسلم .. هذه واحده
والثانية شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة واستفتاح باب الجنة ، عندما يقولون لآدم استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ..أذهبوا .. إلى أن يأتون إليه صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها ..
فهذه شفاعتان خاصتان بالنبي صلى الله عليه وسلم .(5/9)
الثالثة شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب ..هذه الشفاعات الثلاث خاصة به صلوات الله وسلامة عليه .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح في اللقاء الماضي كُنّا قد تحدثنا عن بعض الشخصيات الأدبية ، الإخوة على الموضوع كان لهم رأي أيضاً أن تكون الحلقة تشتمل على بعض الشخصيات ، بما أنك ذكرت أبا طالب ..نذكر شيء من شخصيته من النواحي التاريخية ..
الشيخ صالح : أبو طالب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد حررنا مراراً أن النبي صلى الله عليه وسلم له عشرة أعمام ستة منهم لم يدركوا بعثته وأربعة أدركوا بعثته عليه الصلاة والسلام ..آمنَ منهم اثنان العباس وحمزة ..وكفرَ اثنان لم يؤمنا أبو لهب وأبو طالب ، أبو طالب ينفرد عن أبي لهب أنه ناصر النبي صلى الله عليه وسلم نصرة عظيمة وهو من حيث الشعر .. أول من مدح النبي عليه الصلاة والسلام ..قبل الصحابة .. أول من مدح النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب :
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجه *** ِثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ
وهذا البيت .. النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر للمدينة وجاءها في عام الماء جدبٌ فستسقى فنزل المطر ، فلما ذهب الناس إلى دورهم قال عليه الصلاة والسلام لو رأى أبو طالب هذا المنظر لسره .. ففقه أحد الصحابة مراده فقال يا رسول الله كأنك تشير إلى قوله :
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهِ *** ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ
يلوذُ بهِ الهلاك من آل هاشمٍ ****فهم عندهُ في نعمةٍ وفواضل
قال صلى الله عليه وسلم نعم ..(5/10)
أبو طالب له أربعة أبناء .. طالب وهذا مات وهو كافر و به يُكنى ، وله عقيل وجعفر وعلي وكلهم آمنوا وعقيل كان على خلافٍ يسير مع علي فلم يقاتل معه وعلي معروف أمير المؤمنين .. وجعفر أبن أبي طالب هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقي وخُلقي ..وهو أحد خمسة يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم وهم : [ جعفر ، وقثم ، والفضل ، وأبو سفيان أبن الحارث ، والحسن أبن علي ] رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
فأبو طالب كان عظيم النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه مع ذلك أبا إلا أن يموت على دين قومه وكان يقول :
لولا الملامة أو حذارُ مسبةٍ *** لوجدتني سمحاً لذاك يقينُ
ويذهب الشيعة الأمامية وبعض المعتزلة إلى أنه مات على الإسلام لكن الشواهد التي عندنا تقول إلى أنه مات كافراً وهو أهون أهل النار عذاباً ، فإن قال قائل ما وجه خصوصية أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له ..الأصل في الكفار أن لا يُشفع لهم ..يقول الله { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } لكنه لمقامه ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم .. أستأذن النبي عليه الصلاة والسلام ربه في أن يشفع له فشفعه ..وهو أهون أهل النار عذابا بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخت مريم تسأل عن حديث إذا أنتصف شعبان بالنسبة للصيام ..وهذه مهمة جداً مسألة أن البعض يعتقد في هذه الليلة أن لها أفضليه ، أيضاً مسألة الصيام بعد نصف شعبان ..لعلك تحرر هذه المسألة ..(5/11)
الشيخ صالح : نحنُ الليلة في ليلة النصف من شعبان أما فضل قيامها فلا أعلم فيه شيئاً يثبت ، أما أنه فيها فضل ..أن الله يطلع على أهل الدنيا فيغفر فهذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم صححه الألباني كما هو في الجامع الصحيح ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان أطلع الله على أهل الأرض فيغفر لكل أحد إلا مشرك أو مشاحن ) وفيها دلالة على تهذيب النفوس وأن الإنسان يبتعد عن الغل والحقد والحسد فهي مظنة غفران ..لكلام النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح ، وهذه الليلة لا تُحيى بأي نوع من العبادة ، الإنسان يقومها كما جرت عادته ، النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن قيامها ..لم يقل مثلاً كما قال في ليلة القدر ( من قام ليلة القدر..الحديث ) وقال ( أحيوها ..الحديث ) إنما انتهى كلامه صلى الله عليم وسلم إلى أنها ليلة يطلع الله فيها على عبادة فيغفر .. يعني مظنة قبول توبة ومظنة غفران ..هذا الذي يمكن أن نستنبطه من الحديث .(5/12)
أما الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أصحاب السنن ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) أختلف العلماء أولاً في تصحيح الحديث ثم في فقه الحديث ، في تصحيح الحديث صححه ابن حبان رحمة الله تعالى عليه ..واستنكره الإمام أحمد ، وقد قال بعض الشرّاح إن الإمام أحمد استنكره لأن فيه العلاء أبن عبد الرحمن والعلاء أبن عبد الرحمن من رجال مسلم لكن قال فيه بعض العلماء إنه صدوق ويهم أحياناً ، من رأى صحة الحديث وهو الإمام الشافعي رحمة الله فيرى كراهة صيام ما بعد النصف من شعبان هذا مذهب الشافعي رحمة الله لمن لم يكن له عادة من قبل ، فإذا قرب رمضان بيوم أو يومين يرى الشافعي رحمة الله حرمة الصيام ..وهذا عندي أقرب الأقوال للجمع بين الأدلة والأحاديث الواردة في الباب ، وبعض العلماء كما قلت مثل مذهب الإمام أحمد استنكار الحديث عملاً بعموم ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأوه يصوم في شهرٍ أكثر منه في شعبان ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم هديه صيام الاثنين والخميس صيام ثلاثة أيام من كل شهر ..فقول الشافعي فيما يبدوا لي أقرب الأقوال إلى الجمع بين الأحاديث وهذا قد يناسب قضية الشهر ، لأن شهر رمضان التعبد فيه بالصيام.. فالذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه لا يُستقبل بصيام ..حتى يُصبح للشهر خصيصته ،وينتهي الصيام إلى النصف منه عملاً بالحديث الذي صححه أبن حبان ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) لكن هذا رأي كما قلت .. ليس أوحدا وقد قال بعض العلماء بخلافه ولهم أدلتهم والإنسان من عامة المسلمين مُستفتي على دين مفتي ..فلا ينكر على من صام أكثر من نصف لأنه قال بهذا علماء أجلاء ، ومن أحتاط ورأى أنه لا يصوم عملاً بالحديث فعلى خير .
الأستاذ معمر : البعض يا شيخ يعلل صيام شعبان أن الكثرة منه استقبال لهذه العبادة ..(5/13)
الشيخ صالح : العبرة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام شعبان يقول أنه شهرٌ يغفلُ الناسُ عنه ..هذه حق ..لكن يمكن الجواب عنه بأنه هذا في الخمسة عشر الأول منه عملاً بحديث ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) لكن قلت إن الشافعية أخذوه على الكراهة وجعلوا التحريم قبل صوم رمضان ، لكن قال بعض العلماء من اعتاد الصيام ..لا يدخل في هذا النهي .. والأمر واسعٌ إن شاء الله .
الأستاذ معمر : الشيخ حسين الثقفي جزاه الله خير قد تكلم عن أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ..قال أنها تشتمل على كثير من الأساليب اللغوية والبلاغية ..
الشيخ صالح : النبي صلى الله عليه وسلم أوتيَ جوامع الكلم ..
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبةً *** حديثك الشهد عند الذائق الفحمِ
وهو عليه الصلاة والسلام يقرب المعنى بالإشارة أحياناً وبالحركة أحياناً .. قال أنا وكافل اليتيم كهاتين وقال التقوى هاهنا وأشار إلى صدره وقال عليه الصلاة والسلام اللهم فشهد ونكتها إلى الأرض ..فهذه كلها وسائل وقال الشهر هكذا وأشار بيديه ..
وهذه كلها دلالة على حرصه عليه الصلاة والسلام وشفقته وحدبه على أمته أن يصل الأمر إليها .
الأستاذ معمر : أعود إلى سؤال الأخ عبد الله ..من ترك اللباس تواضعاً ..هل هذا الحديث صحيح ؟
الشيخ صالح : لا أعلمُ درجتهُ .
الأستاذ معمر : قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }يوسف24 } ما المقصود بالبرهان هنا ؟(5/14)
الشيخ صالح : من قواعد التفسير أن الأمور الغيبية لا يُتكلم فيها ، لأن الغيب لا يُعرف لا بتجربة ولا بعقل ولا بجهد ، ليست قواعد نحوية ..فهو عز وجل يقول { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ثم لم يخبرنا الله بما هو البرهان ..فعلى هذا اتفق الناس من أئمة التفسير الذين لا يتكلفون على أنه لا يُدرى ما هو البرهان الذي أظهره الله ليوسف ، طبعاً من جاء من الذين يتكلفون قالوا رأى أباه يعقوب عظاً على إصبعه وكلام لا يعقل ولا ينسب إلى أنبياء الله وكلها إسرائيليات لا تقوم عليها حجة والأصل في الغيب أن يبقى غيباً ولا يُعرف إلا بنصٍ أو خبرٍ صحيحاً عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح ملحظ سريع لعلنا ننتقل بعده للحديث الآخر .. قوله صلى الله عليه وسلم ( أنا أول من ينشق عنه القبر ) ..كلمة " أول " الملاحظ ممن يطلع على كتب التاريخ والسيرة أنها تتكرر كثيراً .. أول من فعل كذا أول من قال.(5/15)
الشيخ صالح : هي تنقسم إلى ثلاث أقسام ..منها ما ثبت شرعاً في خبرٍ صحيح ..فالله جل وعلا يقول مثلاً في قضية يحيى عليه الصلاة والسلام { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }مريم7 } فلو جاء إنسان وقال إن يحيى أول من تسمى بهذا الاسم لقنا صواب لأن الله قاله في كتابه ، لو جاء إنسان وقال إن هاجر أم إسماعيل هي أول من أتخذ المنطق الذي يضعه النساء في الوسط ..هذا ثابت في حديث عند البخاري ، فيه أمور ليست قابلة للرد ..شاعت ذاعت بين المؤرخين لا يمكن ردها لكن نقول نكاد نجزم أو نقبلها في الأولية ، فيه أمور لا ما زالت محل خلاف بين الناس ..مثلاً من أول من يأخذ كتابه بيمينه ..وأول من يأخذ كتابه بشماله ..هذه فيها خلاف طويل ..فما هو شائعٌ عند أهل السير أن أول من يأخذ كتابه من هذه الأمة بيمينه " أبو سلمه أبن عبد الأسد " رضي الله عنه فهذا أول من هاجر و أستوطن قباء ..فهذا قيل أنه أول من يأخذ كتابه بيمينه ، على النقيض أخوه " الأسود أبن عبد الأسد " قيل أنه أول من يأخذ كتابه بشماله ، والأسود هذا يمر مع طالب العلم في السيرة لما يقرأ غزوة بدر يرى أن الأسود هذا أقسم على أن يصل إلى الآبار التي فيها المسلمين ويشرب ..الذي قطعت رجله قبل ان يصل إلى البئر قطعها حمزة أو أحد المسلمين .، مع أنهما أخوان واحد أول من يأخذ بيمينه والآخر أول من يأخذ بشماله ، ولهذا قال الله جل وعلا ({إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }الليل4) .
الأستاذ معمر : أنتقل إلى الحديث الثاني .. أستأذنك وأستأذن المشاهد الكريم .. الحديث طويل والمُتأمل لا يحصل له أن يشقق في محاورة ..لذلك سأقرئه كاملاً .. ثم أترك لك التعليق عليه
عن علي بن حسين أن حسين بن علي أخبره أن عليا قال(5/16)
كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار حتى جمعت ما جمعت فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتها وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت المنظر قلت من فعل هذا قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار عنده قينة وأصحابه فقالت في غنائها :
ألا يا حمز للشرف النواء
فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت فقال ما لك قلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة وهل أنتم إلا عبيد لأبي فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه ]** ( متفقٌ عليه )(5/17)
الأستاذ معمر : الحديث كما هو واضح متفق عليه وارد في الصحيحين وقد يكون بعض المشاهدين لم يسمع به إلا هذه المرة أو سماعة كان قليل ، يا شيخ الحديث في وقفات كثيرة وفيه أشياء تحتاج إلى بيان معانيها ، إذا أذنت لي بما يتناسب مع الوقت وبقي معنا محاور أخرى أن نبين للمشاهد الكريم المعنى الإجمالي لهذا الحديث(5/18)
الشيخ صالح : علي رضي الله تعالى عنه وحمزة كلاهما شهد بدر وكلاهما من آل البيت ، علي رضي الله عنه خطب فاطمة وأراد أن يعقد عليها ويدخل عليها بعد بدر ، في بدرٍ أصابه هو نفسه مغناً " شارف " والشارف هي الناقة المسنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لكون علياً من آل البيت منحه شارف آخر ..يعني أعطاه من الخمس ..فأصبح لدى علي شارفان ..هذان الشارفان ..الناقتان المسنان أي المتقدمات في العمر ، كان في ذلك الوقت يعتبران غنيمة كبيرة جداً ..خاصةً لفتى كعلياً ..لم يكن تاجراً فعمد إلى أن يذهب بالشارفين إلى ديارٍ فيها إذخر ..نبات معروف ..حتى يأتي به إلى المدينة ويبيعه على الصاغة .. والصاغة آن ذاك يحتاجون إلى الإذخر ، فتفق مع يهودي من بني قينقاع أن يذهبا سوياً ..لأن هذا اليهودي له علم بما يحتاجه الصاغة من الإذخر ، في تلك الفترة الناقة هذي تحتاج إلى أقتاب إلى غرائر ..إلى أشياء توضع عليها ليذهب بها في رحلته ، فأناخ الناقتين بجوار دار لرجل أنصاري وعقلهما وذهب يبحث ، فلمّا اكتملت فرحته ووجد ما أراد أن يحتاجه من الأقتاب والغرائر والحبال وجاء ووعد الرجل اليهودي صاحبه ليذهبا سوياً وجد الناقتين قد جب من سنامهما ..يعني الذي نحرهما لم ينحرهما ليأكلهما .. ذكاء شرعياً ..وإنما جب أسنمتهما من أعلى على عادة العرب في الجاهلية ، ثم بقر الخواصر حتى يأخذ الأكباد وترك باقي اللحم ، فرجل فرحٌ بشارفين أحده غنمه والآخر جاءه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يعتبران ثروة في ذلك الزمان ..فيراهما لا ينتفع منهما في شيء !.. يقول دمعة عيناي ، ثم أنه عاد للنبي صلى الله عليه وسلم ..سأل أولاً من فعل قالوا حمزة وهو في الشرب ..والشرب مجموعة القوم إذا جلسوا على شراب .. قال الأعشى :
فقلت لشرب في درنا وقد ثملوا(5/19)
قلت للشرب يعني مجموعة أصحابي الذين يشربون معي ، فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فالنبي عليه الصلاة والسلام أخذ رداءه وذهب ومعه علي وزيد ..فستأذن وهو سيد الخلق.. قبل أن يدخل على قومٍ سُكارى أستأذن .. فدخل وعلم من مُجمل القضية أن حمزة رضي الله عنه كان قد شرب فأحدى القينا إلي تغني ذهبت إلى أبياتِ شعرٍ قالها عبد الله أبن أبي السعد كما حررها المرزباني في معجم الشعراء
ألا يا حمزُ للشرفِ النواء *** فإن هنّ معقلاتٌ بالفناء
النواء بمعنى السمينة وقلنا الشارف بمعنى المسنة ..فرق طبعاً بين الُمسنة والسمينة .. لكنها مُسنة وسمينة في وقتٍ واحد .
فحمزة أستثير فبقر الخواصر وفعل ما فعل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ يلوم حمزة ، فحمزة رضي الله عنه وأرضاه كان قد بلغ به السُكرُ مبلغه ..فنظر في قدمي النبي صلى الله عليه وسلم في الأول ثم صعّد النظر إلى الركبتين ثم لا زال يصعد بنظره كأنه يريد أن يتعرف لكن السُكرَ غلبه حتى وصل إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال يخاطب النبي وعلي وزيداً ..( وهل أنتم إلا عبيدٌ لأبي ) فهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل ( فرجع القهقرى ) ..
الآن قلنا الحديث كإعادة ..الآن نقف عنده ..(5/20)
الوقفات التي تأتينا في الحديث .. أن الخمر كانت تضيع عقل أكمل الرجال فحمزة رضي الله تعالى عنه من أكمل سادة أهل البيت وشهدا بدراً وأحداً ، لكن في ذلك الزمن كانت مباحة ..فلا تثريب شرعي عليه لأن الله جل وعلا لم يكن بعدُ قد أنزل تحريمها ، فلا يأتي إنسان يقول هذا صحابي ويسكر .. سكر قبل أن تكون حراماً ، وإلا حمزة سيد الناس .. قال عليه الصلاة والسلام ، سيد الشهداء حمزة وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة والنبي عليه الصلاة والسلام أصابه كمدٌ شديد وحزنٌ شديد على موت حمزة رضي الله عنه وأرضاه ، وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وإن كان المشهور أنه لم يصلي عليه لكنه ورد أنه صلى عليه سبعين صلاة .
الشاهد ..أن مقام حمزة مقام رفيع ، فحمزة في شربٍ له ومعه قينه .وعلي رضي الله تعالى عنه دل على أنه يعرف شيء أسمه المُعايشة .. ما معنى المعايشة ..المعايشة أنه قد يكون إنسان على غير ملتك ..على غير دينك لكنه ابتليت به كجار أو كصاحب أو كمعرفه ..أو زملاء في العمل ..فلا يعني هذا ظلمة ولا اضطهاده وعدم الاستفادة منه ، فعلي رضي الله تعالى عنه في ذلك الزمن في الجيل الأمثل والرعيل الأول يختار رجلاً يهودياً من قبيلة قينقاع ويذهب معه ويتفقان ومن هنا قال الله جل وعلا ({وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ }آل عمران75) فالناس يختلفون ، فإذا أمنت الرجل ممكن أن تتعايش معه وهذا لا يتنافى مع عقيدة الولاء والبراء ، ويكون بحدود معينه جاء الشرع بضوابطها ..لكن لا يأتي إلى غلق الباب تماماً ، لأنه لا بد للناس أن يتعايشوا .(5/21)
الأمر الثاني أنه قد يأتي الرجل الكمال الذي يقارع الأبطال مثل علي ..وكل مؤمن قرأ التاريخ يعرف شجاعة علي ومع ذلك الإنسان أحياناً يُغلب ..فهذا علي رابع الخلفاء وحاتم الحنفاء رضي الله عنه وأرضاه ..يرضى ناقتيه قد بقرتا وجبت خواصرهم ..ويقول لأبنه وراوي الحديث ابنه ..والابن يقول لأبنه ، يقول فلم أملك أن دمعة عيناي ..فالإنسان الذي يريد أن يربي من تحته لا يأتي ويمنع الناس من أشيئا جبلّيه ، الآن بعض الرجال لو رأى أبنه بكى ..عيّره وشتمه ويقول أغسل يدك منه ,,وهذا كله كلام مُتكلف ..لا يمكن لأحد أن يخرج عن بشريته ، فعلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه فعل الأفاعيل في أهل الكفر ومع ذلك لمّا رأى شيئاً عزيزاً عليه قد بُقر ..وقد قال بعض الشراح إن الذي ضر به أن عمه هو الذي بقر الشارفين ..لكن هذا غير صحيح ..لماذا ؟ ..لأن علياً قال في الحديث أنه بكى ودمعة عيناه قبل أن يعرف ( قال فسألت من فعل هذا .. قالوا حمزة ) بعد ما ذكر أن عيناه قد دمعتا .
الأستاذ معمر : لكن يا شيخ ألا يلاحظ الحكمة في تصرفه ؟(5/22)
الشيخ صالح : نعم ..لأن الإنسان إذا عجز عن الشيء يذهب إلى من يقدر عليه ، فعلي رضي الله عنه لمّا عرف أن الذي صنع هذا عمه .. توقف .. لكنه سأل أين ..قالوا في شربٍ لهُ في دور الأنصار ، حرر المكان وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره ، النبي عليه الصلاة والسلام ..سيدخل على قومٍ سُكارى ومع ذلك أخذ رداءه ..فالإنسان المنظور إليه يتجمّل في اللباس ودخوله للمسجد أعظم مكان يمكنه أن يدخله ..قال الله { {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }الأعراف31 } أي عند كل صلاة ، فالإنسان لا يحسن به أن يذهب إلى الصلاة بلباس النوم ..وإذا جيت تنصح بعض الناس قال يا أخي أحمد الله أني أصلي !! ، الحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل النار ولكن هذا ليس حقاً ..ينبغي للإنسان أن يأتي للصلاة بأجمل شيء ، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام طلب رداءً وأخذ الرداء وهو نبي الأمة ليس مظنة تهمة وذاهبٌ إلى قومٍ شرب .. سُكارى .. ليلومهم ويثرب عليهم ..ومع ذلك تجمّل نسبياً عليه الصلاة والسلام ..لكل حالٍ لبوسه ، فخرج ..يقول علي رضي الله عنه وأرضاه فتبعته أنا زيد ..وزيد هو أبن حارثة ..وهذا كله في أول الدعوة قبل أحد ..بعد بدرٍ مباشرةً ..يعني في أول السنة الثانية ..في شوال ..(5/23)
دخل على حمزة فستأذن فأذن له ..فلما دخل على حمزة أخذ يعاتب حمزة ويلومه ، فلما أخذ يعاتبه ويلومه ..حمزة ثمل ..وثمل بمعنى أن الخمر بلغت به مبلغاً عظيماً ، فأخذ ينظر في الأول في الأسفل ثم صعد النظر حتى وصل إلى رؤية وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مما يدل على أن الخمر بلغت منه ..يخاطبهم الثلاثة (وهل أنتم إلا عبيدٌ لأبي ) هذه العبارة فهم منها النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة قد ثمل فلما قالها ..ماذا فعل عليه الصلاة والسلام ؟ .. أراد أن يُعلم الأمة بالفعل لا بالقول ( رجع القهقرى ) ما معنى رجع القهقرى ؟؟ .. رجع يمشي على وراء ..وبصرة باقي في حمزة ..لأنه يخشى لو أنه أعطى ظهره لحمزة ..يطمع فيه حمزة وهو ثمل أن يضربه أن يطعنه ..أن يقع منه شيء ، فالعاقل لا يمكن خصمه من نفسه ، طبعاً مع اختلاف الوضع حمزة ليس عدواً ..لكنه وقتها لا يدري ما يفعل ، فالإنسان العاقل خاصة من تحته أسرة ..تحته عائلة .. أو من يقود دولة ..أو من هو مسئول عن طلاب أو مسئول عن مدرسة ..مسألة المغامرات ..هذه عندما تكون فرداً وأنت تحسبها حساباً دقيقاً ، أما أن يأتي إنسان يوكل إليه أمر جماعة أو أمر مدرسة أو غيرهم أو أمر دولة . أو أمر إمرة ..ثم يأتي يمكن عدوه منه نفسه هذا ليس من الحكمة .
فالنبي صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ الله له ..{ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }المائدة67 } ومع ذلك رجع القهقرى حتى لا يجعل لحمزة طريق إليه ،ولو وقع من حمزة شيء وهو ثمل لستطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يرده ، وأحياناً لا يكون هناك نفع من الخطاب .. فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام أن حمزة ثمل ..فلا وقت للمعالجة ..ماذا تفعل برجلٍ ثمل ! ، فخرج هو وزيدٌ وعلي رضي الله تعالى عليهم .(5/24)
والمقصود أن الإنسان يتوخى متى ينصح ..متى يُعالج ,وليس شرطاً أن تعالج المشكلة في وقتها ..المهم أن تعالج المشكلة في وقت يغلب على الظن أنه ينفع ، فكم من أمور إذا أرجئت ..كان الحل في إرجاءها .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح إذا أذنت لي أن أقف وقفتين ثم أنتقل إلى الحديث الثالث ، تصرف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأشرت إلى شجاعته .. عندما علم أن خصمه إنما هو أحد أعمامه تصرف بحكمة ، إلا يُفهم من ذلك يا شيخ مراعاة الإنسان لصلة الأرحام ..أحياناً تكون مشاكل بين الأسرة ، بين الشخص وأعمامه وأخواله ..
الشيخ صالح : لا شك القرابة لهم حق والإنسان الذي يُضيرك قدحه لا تصنع القدح به ، تُطالب من ..تطالب أخاك تُطالب أباك تُطالب أبنك .. فأحياناً الإنسان يغض طرفاً عن ذلك ، لكن إذا بلغت مبلغ أصبح الظلم فيه ظاهر وسلب الحق فيه كامل وأنك لو سكت ازداد في ظلمه لك الحق أن تطالب بحقك ولو كان ذا قرابة ، وقد نُقل هذا عن صالح الأسلاف .
الأستاذ معمر : ورد ذكر السيدة فاطمة رضي الله عنها ، لعلنا نبين يا شيخ أفضليتها بين النساء .
الشيخ صالح : فاطمة هي أبنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أختلف العلماء رحمهم الله في من هي سيدة نساء العالمين على أربعة أقوال ..أشهرها أربعة وإلا هي أكثر ، قيل أنها فاطمة وقيل إنه خديجة وقيل إنها عائشة وقيل بالتوقف في المسألة ..هذه أظهر الأقوال الأربعة .. والذي يترجح عندي والعلم عند الله أن فاطمة أفضل نساء العالمين قاطبة ..والأدلة على هذه ثلاثة ..
الدليل الأول .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ( أنتي سيدة نساء أهل الجنة ) قال لها ذلك في مرض موته(5/25)
والدليل الثاني .. أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي أبناءه وبناته جميعاً وهو حي ..وفيه قاعدة ..الإنسان إذا فقد عزيزاً وهذا العزيز إذا صبرت على فقده فهو في ميزانك وإذا صبر هو على فقدك فأنت في ميزانه ، يعني أب صالح وأبن صالح .. إذا مات الأب قبل فالأب في ميزان الابن إذا صبر والابن إذا مات قبل أبيه فالابن الصالح يكون في ميزان أبيه ..لأن أباه صبر ..
فجميع أبناء وبنات النبي صلى الله عليه وسلم في ميزانه صلوات الله وسلامة عليه وهو ميزانٌ ثقيل بهم وبغيرهم ، لكن فاطمة الواحدة من أبناء وبنات النبي عليه الصلاة والسلام في ميزانها لأن هؤلاء مات النبي عليه الصلاة والسلام بعدهم ، أما هي فقد رأت وفاته صلى الله عليه وسلم فصبرت ، ولا ريب أن فقدها لأبيها ..مجرد فقد أي فتاة لأبيها مُثقل ..فكيف لفقدها لأبيها وأبوها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم في ميزان أبنته عليه الصلاة والسلام ..ولا يحتاج هذا إلى تعليق في أنه ميزان ثقيل جداً ..
الدليل الثالث .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقها ( أنها بضعة مني ) ولهذا لما ذكر الذهبي رحمة الله تعالى عليه ترجمتها في الأعلام قال [ هي البضعة النبوية والجهة المصطفوية ] فهذه الثلاث في أنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي عليه الصلاة والسلام في ميزانها وأن النبي عليه الصلاة والسلام قالها ( أنتي سيدة نساء أهل الجنة ) هذه الثلاث تجعلني أرجح بأنها سيدة نساء العالمين .. رضي الله عنها وعن أمها وصلى الله على أبيها .
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح هل أفهم من كلامك أن من أراد أن يبر بوالدته بوالده أن يتمنى موته قبلهما ..أو أن هذا قد يكون سبباً للحزن ..
الشيخ صالح : هذا أمرٌ قدري لا يدخل فيه ولا يتمناه ..لا لنفسه ولا لأهله ، يرضى بقضاء الله وقدره .(5/26)
الأستاذ معمر : أنتقل للحديث الثالث ..قوله صلى الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) لعلكم يا شيخ تبينون هذه الأصناف السبعة ..يعني بحديث إيماني نبين أفضلية كل صنف من هذه الأصناف
الشيخ صالح : قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ( سبعةٌ يُظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشئ في طاعة الله ورجلٌ قلبه مُعلقٌ بالمساجد ورجلانِ تحابا عليه اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)
كُلما عظم الموئل والمنزل والدرجة والمكانة والعطية عظُمَ الطريق إليها ، والناس يخرجون يوم القيامة تدنوا منهم الشمس أحوج ما يكونون إلى الظل ، والظل هنا نُسب إلى الله ..أُضيف إلى الله " تشريفاً " وإلا فهو ظل العرش .كما يُقال " بيت الله " وهو إضافة تشريف ، يوم لا ظل إلا ظله يعني يوم لا ظل هناك إلا ظل العرش .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبعة ، ولمّا كان الإمام العادل عظيم النفع جليل الأثر على الناس قُدم على غيره باعتبار أن نفعه مُتعدٍ ..فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الإمام العادل وهو نادر قليل في الأمم .. قدمه على غيره وألحق به العلماء وكل من ولي ولاية ..خاصةً القُضاة والأمراء ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم "وشابٌ نشئ في طاعة الله .. " يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة " فإذا وجد شابٌ في زمنٍ غلب في الفتن وكثرة فيه المحن وكثر فيه الطاعنون في الدين أو النازحون إلى الشهوات ومع ذلك بقي معتصماً بالله مُتمسكاً بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا إن خلصت نيته وصلحت سريرته من الذين يُظلهم الله تحت ظل عرشه ..(5/27)
المساجد بيوت الله فيها أمر الله جل وعلا أن ترفع ويُذكر فيها اسمه ، فمن تعود وأحب الصلاة فيها وسابق إليها في الصف الأول غدواً ورواحا ..أول من يقدم وآخر من يخرج في الغالب ..فرحٌ بمقامه فيها ..هذا من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ..
الناس تجمعهم المصالح يختلفون عليها ويفترقون عليها ، لكن لله جل وعلا عباد يجتمعون على محبته ..ويفترقون إذا افترقوا قد أحب كلٌ منهم الآخر في ربه ..فهذا من السبعة ..
رجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال بمنصبها تحميه وبجمالها تغريه ..لكن خوفه من الله منعه أن يقع في هذه الفاحشة التي هي مما زُين للناس
والسادس رجل تصدق بصدقة فأخفاها ..لو قُدر أن شماله ..إنسان حيٌ يرى ويبصر لخفي عليه صنيعه ذلك لأنه يتعامل مع ربه ويعلم أن صنيعه يدونه الملكان ويُحصيه الرقيبان ..
ورجلٌ خلا بنفسه فذكر عظمة الله وجلاله ..وما لله جل وعلا من صفات الجبروت وما لله جل وعلا من عظمة الملكوت وما لله جل وعلا من نعوت الجلال وصفات الكمال ..ففاضت عيناه شوقاً إلى الله على حال أو فرقاً من الله على حالٍ أخرى ..أو بهما معاً ..
فهؤلاء السبعة حُق لهم أن ينالوا المنصب العالي والعطاء الأعظم ..قال صلى الله عليه وسلم ( سبعةٌ يُظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ) جعلني الله وإياك منهم ..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح إذا أذنت لي كثير من الأخوة على الموقع طالبوا بالحديث عن رمضان ..وأنا أحيلهم وأحيل المشاهد الكريم إلى حلقة كاملة عن رمضان بعنوان " رمضان بين الفقه والإيمان " ، كانت من حلقات هذا البرنامج .
الشيخ صالح : إن جاز لنا أن نفعل دعاية ..لنا شريط سيخرج أسمه ( دنت بشائره ) وهو أول خطبتين خطبتهما العام عن رمضان ، وأظن أن الأخوة في مؤسسة الفالحين سيصدرانه قريباً ..
الأستاذ معمر : تختم يا شيخ بحديث عن رمضان ؟
..(5/28)
الشيخ صالح : لا أدري ماذا أقول .. لكن ما رمضان إلا شهر ومطية لبلوغ مرضاة الله ، لن تستطيع أن تصوم رمضان على الوجه الأكمل والنحو الأتم إذا كنت تعتمد على قراءتك الفقهية ، لكن ينبغي أن تعلم أن الله جل وعلا وحده هو الموفق وأن تُعظم الله تبارك وتعالى في قلبك ، وأن تعلم أن الله رحمةً بك أفاء عليك ببلوغ شهرٍ كريم ، إذا بلغته فاقتصد في أوله وزد في وسطه ..ثم أجتهد كل الاجتهاد في آخره ..سُنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، لا تبدأ بالاجتهاد الكامل في أوله ثم يُصيبك الفتور ..فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقط ، تقول عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الوسطى ما لا يجتهد في العشر الأول ويجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في الشهر كله ، الإنسان إذا قبل رمضان أظهر لله نية ورغبة وسريرة ترغب فيما عند الله وهو على يقين أن الموفق والمسدد الله والمعين الله والميسر الله ..واستدر رحمة الله ربه في أن يوفقه وفق ، أما من أوكل نفسه لنفسه وظن انه إذا قرأ المتون أو فعل غيرها أو ما إلى ذلك بلغ مقصودة ..! لن يبلغ أحدٌ مقصوده إلا بعطاء الله ، كما قال العز أبن عبد السلام [ والله لن يصلوا إلى غير الله إلا بالله فكيف يصلون إلى الله بغير الله ..! ] ..
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ صالح نختم بهذه العبارة الجميلة جزاك الله خيرا وكتب أجرك ..حقيقة أفدتنا في هذه الحلقة ، أشكر الأخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات ، محدثكم معمر العمري وفريق العمل يتقدم لكم بخالص التحيات .. أستودعكم الله ..نلتقي في الحلقة القادمة وانتم على خير ..في آمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..................... ..
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/29)
حلقة القطوف الدانية لشهر ذو الحجة لعام 1426 هـ
الأستاذ معمر العمري : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال مشاهدي الأعزاء اقتضت حكمة الله تعالى وتيسيره على عباده أن يرتبط كثير من العبادات بأمور محسوسة يسهل على البشر إدراكها سواء في ذلك المتعلم وغير المتعلم فالزكاة مثلاً والصوم والحج والكفارات وغيرها كثير من أمور العبادات أو المعاملات ارتبطت بأمر محسوس يبدأ جرماً صغيرا ثم لا يلبث أن يكبر شيئاً فشيئاً حتى يصبح في منزلة يكون معها رمزاً للجمال والبهاء فيتغنى به الشعراء ويصفه الأدباء الهلال تلك الآية الإلهية العظيمة هو موضوع حوارانا في هذه الليلة من برنامجكم القطوف الدانية ضيفنا في هذا البرنامج كالمعتاد هو فضيلة الشيخ صالح ابن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم بسمكم جميعاً أنقل لشيخنا أجمل التهاني وأجمل التبريكات والترحيبات فمرحباً بكم شيخ .
الشيخ صالح المغامسي : حياكم الله أنتم والإخوة المشاهدين والمشاهدات وكل عام وأنتم بخير وأسأل الله أن يجعله عيداً مباركاً على الجميع .
الأستاذ معمر : اللهم أمين ،، الترحيب موصول لكم أيها الأحبة أينما كنتم عودة إليكم من خلال هذا البرنامج ومن خلاله نسعد باستقبال واتصالاتكم على أرقام الهواتف التي ستعرض على الشاشة تباعاً بين الفينة والأخرى في ثنايا هذه الحلقة الهلال هو موضوع حلقتنا شيخ صالح بداية أتساءل وقد يتساءل بعض المشاهدين يعني الهلال مع أنه آية من آيات الله عز وجل إلا أنه لا يعدو أن يكون منزلة من منازل القمر فلماذا خصينا هذه الحلقة بأن تكون عن الهلال بحد ذاته ولم نتكلم عن القمر بجميع منازله .(5/1)
الشيخ صالح المغامسي : نعم بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد كما قلتم الهلال مجرد منزلة من منازل القمر ولا يعني هذا الحديث أننا لن نتحدث عن القمر سنتحدث عنهما جميعاً لكننا لم نقل أن عنوان الحلقة هو القمر لأن القمر إذا أطلق إنما يلقي في النفس أمور غير التي نقصدها فالقمر آية عامة ليس لها علاقة خاصية بالمسلمين أكثر بخلاف الهلال فقد ورد في الكتاب والسنة ذكره كثيراً فلهذا عندما يقال الهلال يرتبط بنا روحياً بنا معشر المسلمين أكثر مما نقول القمر فالخلفية الثقافية التراثية عندنا القمر نحن شركاء في الأمم غير الإسلامية لكن في الهلال بالذات نحن لنا خصيصة لوحدها وهذا لا يعني أننا لن نتكلم عن القمر لكن كما قلتم الهلال مجرد منزلة من منازل القمر والهلال يكون في الأول ويكون في الأخير في الليالي الأولى وفي الليالي الأخرى بعد أن يكتمل القمر ويصبح بدراً بمسماه العربي المعروف لكن الليالي الأخيرة هذه تسمى محاق تسمى محاق وهي ليالي مظلمة ومنها يعني فتح باب الحديث يعني من الطرائف العربية هنا يقولون أن رجلاً تزوج امرأة كان يظنها حسناء وهي كبيرة في السن فيقول :
تزوجتها قبل المحاق بليلة *** فكان محاقاً كله ذلك الشهر
عجوز ترجى أن تكون فتية *** وقد لحد الجنبان واحدودب الظهر
تبيع إلى العطار سلعة بيتها *** وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
طبعاً هذا قول الأعرابي يعني المتكلم والسامع بمنأى عن الحديث يعني مثل نظرته للقضية الذي يعنيني أنا من القضية هنا كشاهد قوله فكان محاقاً كله ذلك الشهر أي كان مظلماً حسب تعبيره وللتفريق ما بين القضايا أن الهلال قدره الله القمر قدره الله جل وعلا ومنازل وما الهلال إلا إحدى تلك المنازل .(5/2)
الأستاذ معمر : جميل جداً يا شيخ صالح عندما نقف مع الهلال نجد أن الوقفات كثيرة سواء شرعية أو تاريخية أو أدبية لعل من بركة هذا البرنامج أن نبدأ بالناحية الشرعية وأقف وقفة مع قوله تعالى ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ ? البقرة (آية:189) يعني شيخ في بيان سبب نزول هذه الآية لعلنا من خلاله نبين المراد بالأهلة ثم الحكمة من إيجاد الهلال وتنقله بين هذه المنازل .(5/3)
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً الأهلة جمع هلال واختلف لماذا سمي هلالاً لكن قيل لأنهم كانوا يقولون بالصوت يرفعونه إذا رؤوا الهلال الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يسألوا عن الشمس لأن الشمس بدايتها كنهايتها لا يتغير منها شيء بخلاف القمر فإن له منازل هذه المنازل تثير تساؤلات فقالوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنها قال الله جل وعلا في كتابه ? (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ )? البقرة (آية:189) وجاء الجواب القرآني ?( قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ ِ) ? البقرة (آية:189) ومواقيت للناس آية ظاهرة لا يمكن أن يكون الشيء ميقاتاً وهو مخفي وللحج هذا تخصيص وإلا كلمة مواقيت يعني تكفي لكن للحج تخصيص فمن أشهر العبادات المرتبطة بالأهلة الحج ورمضان ولهذا قال صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فالأهلة لما سأل عنها الصحابة كان الوجه الأول قضية آية كونية لكن الجواب القرآني جاء لما هو أعظم وهذا ما يسمى عند البلاغيين أحياناً بجواب الحكيم وهو أن تجيب سائلك بأعظم مما وبخلاف ما يريده هو لنفسه تبعث له عن مصلحة أكبر وأجمل فسأل الصحابة عن الأهلة فجاء الجواب القرآني ?( قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ?) البقرة (آية:189) وقول الله جل وعلا (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) أن الحج قال الله في آية أخرى ?( أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ?) البقرة (آية:179) وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وجزء من ذي الحجة وهذا الجزء من ذي الحجة فيه خلاف بين العلماء هل إلى العشر هل يمتد إلى أخره دون ذلك إلى غير ذلك ليس هذا موضع تفصيله لكن المقصود هذا المدخل لقول الله تعالى ? (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ )? البقرة (آية:189) وهذا ما ذكرناه في الأول لأن الهلال له ارتباط في دمائنا نحن معشر المسلمين .(5/4)
الأستاذ معمر : شيخ الآية البعض قد يعمم وإن كان الرأي الفقهي ضعيف أو يقول أن الأشهر الحرم قد تكون جميع الأشهر (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ ? قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) فعمم أيضاً أشهر الحج على جميع الأشهر فما رأيكم يا شيخ .
الشيخ صالح المغامسي : هذا غير صحيح قلنا الاتفاق الفقهي الذي استقرت عليه كلمة الفتوى أن أشهر الحج شوال وذي القعدة ونصف من ذي الحجة .
الأستاذ معمر : جميل هذا بالنسبة للنصوص القرآنية .
الشيخ صالح المغامسي : بالنسبة لنصوص القرآن لأنه قال الحج أشهر معلومات ولم يقل جميع الأشهر وأنها للحج .
الأستاذ معمر : يعني يا شيخ وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية لو نستعرض بعضها في بداية هذه الحلقة .
الشيخ صالح المغامسي : هذا ذكرناه نأتي لآية أخرى ذكر الله جل وعلا الليل والنهار ثم قال ?( فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ?) الإسراء (آية:12) بروج الشمس لا يعرفها إلا الفلكيون أما منازل القمر ظاهرة لكل أحد والشهر العربي هو الأيام الواقعة بين هلالين .
الأستاذ معمر : ويكون دائم الشهور القمرية .(5/5)
الشيخ صالح المغامسي : الشهور القمرية معروفة معهودة ولهذا قال الله ?( عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )? الإسراء (آية:12) شيء ظاهر بيّن يمكن ضبطه في السنة كذلك ارتبطت هذه الأمور في حياتنا في رمضان قال عليه الصلاة والسلام (( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته )) في أشهر الحج إذا تحدد هلال ذي الحجة عرف الناس متى يقفون في عرفة ومتى يطوفون طواف الإفاضة وعرفوا يوم النحر بوجه أخص ، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة عندما تنقلها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الأربعة تقول أنه كان يمر الهلال تلو الهلال تلو الهلال ولم توقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نارا بصرف النظر عن غفر الحديث في قضية زهده وتقشفه صلوات الله وسلامه عليه ورضا أم المؤمنين به عليه الصلاة والسلام وكفى لهم بذلك شرفا لكن عبرت بالهلال فالهلال كما سيأتي الآن في الأعداد التاريخية والأدبية له ارتباط عميق جداً بنا معشر المسلمين على أن من يسمعنا الآن أو يشاهدنا يجب أن نصل معه إلى نقطة مهمة جداً أتي بمثال نقرب من أمر الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأنبياء ذكر مثال بيت ناقص اللبنات قال (( فجعل الناس يطوفون حوله ويقولون هلاّ موضع هذه اللبنة فقال عليه الصلاة والسلام فأنا واضع تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين )) بمعنى أن الأمر لا يتضح إلا إذا تم فالبداية كما ذكرتم بداية شرعية عن الهلال قد لا يكون في أول الطرح شيئاً جديداً يترقبه المشاهد لكن البنيان لا يتم إلا عند نهايته ولا ينبغي للعاقل أن يستعجل في أمر له فيه عناء .
الأستاذ معمر : إذاً إن شاء الله يكتمل البنيان من خلال حلقة كاملة .
الشيخ صالح المغامسي : إن شاء الله تعالى وبمشاركة الإخوة .(5/6)
الأستاذ معمر : الشيخ صالح يعني أنا لا أستطيع أن أغادر الناحية الشرعية قبل أن أثير مسألة وهي مهمة جداً لاسيما في بداية شهر رمضان وفي شهر ذي الحجة وهي مسألة الرؤية يا شيخ والاختلاف الذي يقع بين الدول الإسلامية فما هو الرأي الشرعي في هذه المسألة .
الشيخ صالح المغامسي : نعم هو طبيعي الخضر قال لموسى ({وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }الكهف68)
الإنسان إذا عرف القضايا تأصيلها يهون عليه فهمها وإدراكها أو الصبر عليها ، مشكلة الناس الآن والذين يكتبون بعض الكتاب يعني لا نعمم في قضية اختلاف الأهلة وأن المسلمين لم يتفقوا على الهلال فكيف يتفقون على حرب عدوهم وهذا كله خلط للأوراق وجمع ما بين أشياء لا علاقة بينها ، الأصل الشرعي في هذه القضية أول ما ظهرت ظهرت في زمن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وأرضاه بعثت إحدى أمهات المؤمنين رجلاً تابعياً يقال له قريب بعثته إلى الشام هو أصلاً من المدينة لأن أمهات المؤمنين موطنهم المدينة فلما بعثته أخر شعبان فرأى الناس في الشام الهلال ليلة الجمعة وممن رآه ومعهم قريب فصام الناس لأنهم رؤوا الهلال وبالطبع لم يكن هناك وسائل اتصال ومعاوية أمير المؤمنين فلما رجع قريب من الشام قبل أن ينقضي الشهر رجع إلى المدينة لما رجع إلى المدينة جلس مع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يتدارسان أموراً وذكروا الصيام فقال كريب إن أهل الشام راؤه ليلة الجمعة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لكننا لم نره إلا ليلة السبت أي صاموا بعدهم بيوم فقال له كريب ألا تذهب إلى ما ذهب إليه معاوية قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى صوموا لرؤيته من هنا اختلف الفقهاء هل إذا اختلفت المطالع يلزم كلا الناس بمن رآه أحداً على قولين :(5/7)
قول يقول أن الأمة الإسلامية لا يضيرها لو اختلفت مطالعها أن يصوم الناس على رؤية أي بلد كل بمطلعه يعني سواء رآه أي إنسان في الشرق أو في الغرب يصوم الجميع وهذا ليس عليه جمهور فقهاء المعاصرين .
وآخرون هو الذي عليه عمل الناس اليوم أنهم يقولون كل أناس بحسب مطلعهم إذا اتحدوا في قضية المرجع السياسي يعني بلادنا لكل دولة بلادنا وفقها الله كبيرة مترامية الأطراف لكن يكفي بمعنى متحدة سياسياً ترجع إلى إمام واحد يكفي الرؤية فيها ولذلك نرى أن كثيراً من إخواننا في دول الخليج رغم اختلاف الولاية السياسية لكن أصبح دون التعامل كالجسد الواحد تقريباً فتتفق أمورهم هذه على العموم الذي يعنينا بكل بساطة أن الأمة منذ عهد معاوية إلى اليوم لا يعلم فيما نعلم أنها اتفقت على أنها صامت كلها في يوم واحد إذاً لو كان هذا الأمر فيه ضيق لما كتبه الله قدراً على هذه الأمة مجتمعة عليه لأنها أمة مرحومة لا تجتمع أمتي على ضلالة إذاً لا يضير الناس أن تختلف أيام صيامهم لأنها مطالع مختلفة وقد وقع هذا في الصدر الأول كما بينا في زمن ابن عباس ومعاوية وأجلاء الصحابة كما نقل عنهم كريب إذاً لا يضير الناس أن يقع هذا في زماننا هذا ، هذا كله يا أستاذي الكريم في قضية هلال رمضان أما في الحج فإن بتعبير الشيخ محمد عطية سالم رحمه الله فإن معقولية المعنى تنص على أن الناس ينبغي أن يفيئوا إلى مطلع هذا البلد لأنه الحج له مكان مخصوص ألا وهو الوقوف بعرفة عرفة تحت سلطان هذه الدولة المباركة فلأجل ذلك ينبغي أن تتفق الكلمة هنا لماذا لأن الاختلاف هنا غير معقول المعنى الاختلاف هنا في قضية عرفة وعيد الأضحى غير معقولة المعنى وإنما الناس تبع للحجاج والحجاج تبع للولاية الشرعية الموجودة على مكة في بلادنا المباركة بهذا يتحرر الأمر لكن لا يحتاج الأمر إلى كثير من اللغط والخوف وتحميل الأمة ما لا تحتمل بما يسمى بجلد الذات في هذه القضية وكأن الأمة ليس لها(5/8)
قضية إلا قضية اتفاق المطالع هناك أمور عظائم أولى أن يلتفت إليها المفكرون والمثقفون وأهل الفقه وأهل الرأي أما هذه القضية قضية دارجة قديمة ولا تقدم ولا تؤخر شيئاً في صيام الناس
الأستاذ معمر : للأسف يا شيخ أن الخلاف يعني تكرر فيها كثيراً في كل موسم لكن إذا أذنت لي يعني ننظر لها من زاوية أخرى وهي من الناحية الشرعية يا شيخ هل نحن مكلفون بداية العبادة سواء الصوم أو الحج بمولد الهلال أو بإمكانية الرؤية بمعنى لو ولد اليوم ولم ير إلا الغد فالتكليف الشرعي أنها تبدأ العبادة من الرؤية .
الشيخ صالح المغامسي : هو طبعاً لن تكون الرؤية حتى تكون الولادة وإذا لم تكون ولادة لن تكون رؤية وهذا هو موطن الإشكال فالذين يقولون يعني يجب أن نلتمس لهم عذراً الذين يقولون إذا استحالت ولادة الهلال فيستحيل رؤيته فيقولون أن من رأى الهلال آنذاك لا شك أنه واهم عندهم طبعاً لأنهم يقولون أن الهلال لم يولد فكيف يرى وطبعاً يعني ليس من العقل أن أحسم قضية اختلف فيها العلماء .
الأستاذ معمر : ولا يستطيعون أن يقطعون يا شيخ بعدم الولادة .
الشيخ صالح المغامسي : يعني هم حساباتهم فلكية ولكن شرعاً نحن ملزمون بالرؤية إذا رأيناه ألزمنا لكن هم يعني يجب أن نكون منصفين هم لا يقولون بهذا هم يقولون أن الرائي واهم لأنه لم يولد لكن هل نتفق معهم أن الولادة تثبت بالحساب أو لا تثبت هذه مسألة أخرى فمن باب الإنصاف
فإن لم نوق النقص حتى *** نطالب بالكمال الآخرين .
الأستاذ معمر : وهم أيضاً يا شيخ بعضهم قال يعني غير قطعيين يعني معتمدين على القمر .
الشيخ صالح المغامسي: هذه إشكالية كبيرة جداً لكن نعلم جيداً أن ثمة علماء أجلاء ندين لهم بالفضل ثقتات على موائدهم نعرف أن لهم رأي في هذا الأمر فما يحسن يعني قضية أنني أجازف بنفسي فيها إذاً نبقى على الأصل الشرعي صومكم يوم تصومون وحجكم يوم تحجون .(5/9)
الأستاذ معمر :جميل جداً إذاً يا شيخ لعلي أكتفي بهذا من الناحية الشرعية وأنظر للمسألة من الناحية الأدبية يا شيخ لا شك أن تراثنا الأدبي مليء ولاسيما عندما يكون الهلال بدرا تغنى به الشعراء كثيراً فلعلنا يا شيخ نلطف الجو بشيء من القصائد وبعض الأبيات .
الشيخ صالح المغامسي : قبل أن نتجاوزها إذا تكرمتم طبعاً جاء الشرع في بعض الأحاديث بقضية صيام الأيام البيض وهي الأيام التي يكتمل فيها البدر وقد ربطها بعضهم بقضية المد والجزر وأحوال جسد الإنسان لكنني لا أحب أن أربط هذه الأمور بما يستجد علمياً حتى تبقى للعبادة حقيقتها ولذتها وهي الإذعان في قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم فصيام الأيام البيض يعني أمر دلت السنة على مشروعيته لكن مما يخلط فيه البعض من الفضلاء أنهم يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على صيامها وهذا لم يحدث وإنما تقول عائشة وهي أعلم الناس به وبحياته الخاصة لأنها هي تعد طعامه إحدى زوجاته تقول كان يصوم يعني يسرد الصيام حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم ففرق ما بين ما أجازه الشارع ورغب فيه وحث عليه وبين ما نسرده من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذاتاً ،، هذه نقطة يجب تحريرها في هذه القضية لكن صيام الأيام البيض دلت عليها سنة الشرع السنة الشرعية الصحيحة كما بينا .(5/10)
نعود لما طلبتموه من قضية الأدب أصل الجملة أستاذ معمر قضية القمر متفق عليه فيما أظن بين الناس كثيراً بصرف النظر عن مللهم على أنه رمز للجمال وحتى يعني البسطاء أصحاب المشاغل تسمع أحياناً يقولون المشغل قمر أربعة عشر والقمر الذي يقصدونه هو البدر ليالي اكتماله هذا ما يقصدونه عندما يقصدون منتصف الجمال طبعاً في سواد بالنسبة للقمر تسمى كلفة القمر فبعضهم يقول أن هذا السواد هذا أشبه بالخال في وجه الحسناء يعني هذه الجهة المسودة بالقمر أشبه بالخال في وجه الحسناء وينقل هذا عن ابن عباس وأظنه لا يثبت وإن كان المعنى صحيح لكن هذا قضية البدر أولاً ،، طبعاً إذا أذنت لي قبل أن ندخل في أي شخص يعني نتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بعض منهم لما نعت النبي صلى الله عليه وسلم نعته بقضية القمر قال براء ابن حازم رضي الله عنه وأرضاه أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل القمر هذه واحدة .
جابر ابن سمرة هذا من صغار الصحابة يقول (خرجت في ليلة أضحيان ـ ليلة أضحيان يعني ليلة القمر فيها مكتمل أي بدراً ـ ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء قال فجعلت أنظر إلى القمر ـ يقصد البدر ـ وأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهو عندي أحسن من القمر ) طبعاً هو ليس عند جابر فقط أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن من القمر عندنا كلنا معشر المسلمين لكن أراد جابر بكلمة عندي هنا أن يذكر شيء يخصه يترجم شيء من عاطفته أعبر عن نفسي عن عاطفته نحو نبي الأمة ورسول الملة صلوات الله وسلامه عليه .(5/11)
الخبر الثالث الحسن ابن علي الحسن ابن علي طبعاً سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدرك النبي عليه الصلاة والسلام وهو صغير والإنسان إذا أدرك جده وهو صغير بعد سنين يعني بشر قد لا يتذكر الصورة كاملة فكان حريصاً على أن يسأل من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو كبير فسأل هند ابن أبي هالة من هند ابن أبي هالة ـ هذا خارج النص طبعاً كان الإخوة المشاهدين يقولون لي أخرج عن النص كثيراً حتى نغير طبيعة البرنامج ـ هند ابن أبي هالة طبعاً هند اسم أنثوي لكن سمت العرب به الذكور منهم هند هذا هند هذا رضي الله عنه وأرضاه ابن لخديجة من أبي هالة فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كان لها هنداً فهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخ لفاطمة ورقية وأم كلثوم وزينب وعبد الله والقاسم أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وبناته من أبناء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته فيقول الحسن سألت خالي هند ابن أبي هالة خاله لأنه أخ لفاطمة فاطمة أم الحسن فقال في وصفه كان النبي صلى الله عليه وسلم فخماً مفخما يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر الآن هند كفاني أني أشرح القمر ليثبت هو قالها يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر فهذا الذي نبدأ به الحديث عن قضية البدر وقضية وصف النبي صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ معمر :جميل جداً لعلكم أنكم أحسنتم وجزاكم الله خيرا أن نبدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم لكن أيضاً عندما يرد لفظة الجمال لاسيما الجمال البشري تنصرف الأذهان مباشرة إلى يوسف عليه السلام لو خصينا أيضاً شيئاً من الحديث عنه.(5/12)
الشيخ صالح المغامسي :يوسف عليه الصلاة والسلام معلوم أنه أحد أنبياء بني إسرائيل وهو ابن ليعقوب وكان ظاهر الوضاءة والجمال ومما دل على جماله القرآن والسنة القرآن ذكر الله جل وعلا النسوة أنهن قلن ?( مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ )? يوسف (آية:31) طبعاً فيها قراءتان أن هذا بشر أو هذا بشراً على احتمال إعمال جازمه أو عدم إعمالها لكن المقصود هذا ما دل عليه القرآن أنه كان وضياً جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أخاه يوسف ليلة المعراج فقال عليه الصلاة والسلام (( فإذا يوسف قد أعطي شطر الحسن )) طبعاً الشطر أستاذي الكريم النصف شطر ماذا الحسن حسن من سؤال يقع في الأذهان قال الإمام السهيلي وغيره من الأئمة إن الجمال البشري غايته ومنتهاه في وجه آدم عليه السلام لماذا لأن آدم عليه السلام خلقه الله جل وعلا بيده فغاية الحسن البشري في وجه آدم ويدل على صحة هذا الرأي أن أهل الجنة يدخلون الجنة على هيئة أبيهم آدم وطوله ستون ذراعاً في السماء فكون أهل الجنة يدخلون الجنة على هيئة أبيهم آدم كما جاءت في ذلك الأخبار يؤكد أو شاهد على صحة من قال أن قوله عليه الصلاة والسلام شطر الحسن ينصرف إلى حسن آدم فيصبح الأمر كما قال السهيلي رحمه الله وغيره أن قوله فشطر الحسن أي أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أعطيه آدم عليه الصلاة والسلام هذا ما يمكن يقال عن قضية نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام .
الأستاذ معمر :جميل يا شيخ نعود إلى الجانب الشرعي .(5/13)
الشيخ صالح المغامسي : ولكن قبل يعني ثمة استدراك هنا إذا أذنت قبل يعني قضية الآن لما تذكر الوضاءة والحسن يأتي قضية التعلق بالصورة التعلق بالصور شاع في زماننا هذا ولعل من المناسبة الحديث عنه يسيراً الإنسان كلما قل تعلقه بالله تعلق بالخلق في تعبير غير إيمان يعني غير مصطلح لكني أضطر إلى سوقه هنا فيما يسمى الآن في عالم السياسة بالاكتفاء الذاتي الاكتفاء الذاتي في عالم الاقتصاد يجعلك لا تأخذ من الغير لأنك مكتفي ذاتياً أنت ترد المدينة أستاذنا الكريم لا يمكن أن تأتي إلى أهل المدينة بنعناع لكن ولا تأتي بأهل خيبر بتمر فكل منطقة فيها أمور مكتفية فيها ذاتياً ما تأخذ من غيرها فالقلب إذا كان غير متعلق بالله تعلقاً كاملاً يضطر إلى أن يتعلق بغيره نسأل الله العافية فمن أجل هذا إن التعلق بالصور برهان على عدم اكتمال التعلق بالله جل وعلا ثم أن هذا ورائه من المهالك والأمور العظام ما الله جل وعلا به عليم والإنسان أصلاً إذا أطلق العنان لنظره أن ينظر كان بعد ذلك صعباً عليه أن يرجع
إن السلامة من سلمى وجارتها *** أن لا تمر على سلمى وواديها
هذا أمر يعني ثابت حقيقة هذه القضية زادت في عصرنا لما تبثه القنوات وأكثر الناس وهنا قد يقول الناس ما دخل الهلال هنا نحن نتكلم عن الوضاءة والقمر رمز للوضاءة أكثر الناس يتعلق بما يشاهده من الفضائيات من صور حسان إما لفتيات أو لغيرهن هذه الصور هي قد تكون الإنسان ظاهر الوضاءة لكن ما يدرك الإنسان ما خبايا ذلك الطبع فلرب وجه كصافي النمير تشابه حامله والنمر والعاقل يعلم أن قضية النظر وما إلى ذلك ليست قضية ينبغي أن تسيطر على اهتماماتي وإنما كما قلت في الأول وأعيد كلما امتلئ قلب الإنسان رضاً بالله وتعلقاً به قل من التعلق بمن حوله من الخلق .
مجموعة من الاتصالات(5/14)
الأستاذ معمر : أحسنت يا شيخ لعل هذا الأمر أصبح منتشر بين شبابنا وبين فتياتنا في المدارس وأكبر دليل ما نراه الآن من مقاطع البلوتوث للأسف أصبحت تركز على هذه الناحية يا شيخ أنا طالبتك مراراً بالتراث وبالشعر لكن بعد هذا الاتصال إذا أذنت لي طيب معنا أخونا أبو محمد السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أولاً أحب أن أهنئكم بعيد الأضحى المبارك وكذلك شيخنا الشيخ صالح حفظه الله والحقيقة شيخ صالح نحن نحبك في الله يا شيخ الحقيقة يا شيخ في عندي سؤال كثراً في آيات القرآن الكريم ما نسمع أو نعرف أن كفار قريش يطالبون النبي صلى الله عليه وسلم بآية وبعلامة على صدق نبوته فيرد الله عليهم بمواضع كثيرة أنه ما منعه الله سبحان وتعالى أن يرسل في الآيات إلا أنه يكفر بها وتعرف يا شيخ أن في ذات مرة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشق لهم القمر فانشق القمر فكانت هذه معجزة ومع ذلك لم يؤمنوا فما نزل عليهم من العذاب رؤيتكم يا شيخ حول هذه الآية وجوابكم على هذا السؤال وجزاكم الله خير الجزاء .
الأستاذ معمر :شكراً أبو محمد معنا أيضاً الأخت إيمان السلام عليكم ورحمة الله
المتصلة : السلام عليكم أولاً ألخص مداخلتي في إضائتان سريعتان هما اتصال اكتمال القمر بالحكمة المشروعية في صيام الأيام البيض .
الأستاذ معمر : أخت إيمان يعني لو تتكلمين على مهل عشان ندرك السؤال .
المتصلة : ذكرت أن مشاركتي اقتصرتها على إضاءاتان هما اتصال اكتمال القمر بالحكمة من مشروعية صيام الأيام البيض وجاء في ذلك أمران هما إما أنه شكر لله تعالى على ما أنعم به من اكتمال نور القمر الذي ينتفع الناس به في الليل في تحصيل مصالحهم أو أن ذلك لما يترتب على اكتمال القمر من دورة الدم التي تندفع بمجاري العروق في شرع حكم تضييقها على الشيطان لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .(5/15)
الإضاءة الثانية الآثار المترتبة على ترك التقويم بالسنة الهجرية منها عزل أبناء الأمة الإسلامية عن تاريخهم ومسح محاضراتهم ثانياً ضياع كثير من الشعائر التعظيمية والمعالم الشرعية ثالثاً الوقوع في الإثم العظيم والذنب الكبير وهو التشبه بالكفار وتقليدهم ومن لم يكن له أثر على الأمة الإسلامية يسعى على الأولين والآخرين من أعداء الأمة الإسلامية إلى إلغاء التقويم الهجري عملاً بالتقاويم الأخرى هذا ما أردت المشاركة به وهناك سؤال لفضيلة الشيخ نأمل من فضيلة الشيخ إحاطتنا بمدى صحة ما قيل من أن الآية التي وردت في سورة الإسراء ? ( وَجَعَلْنَا الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً )? الإسراء (آية:12) احتوت على إعجاز علمي نرجو من فضيلة الشيخ إفادتنا في هذه المعلومة .
الأستاذ معمر : طيب تسمعين الإجابة إن شاء الله وأشكر لك مداخلتك واتصالك على البرنامج معنا أيضاً الأخ نايف السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : السلام علكم ورحمة الله وبركاته عندي سؤال يا شيخ لو سمحت ما صحة يا شيخ قول يوسف عليه السلام أن نصف حسنه من جمال الرب سبحانه وشكراً .
الأستاذ معمر : طيب أشكرك يا نايف شيخ صالح لعلي أقف مع هذه الاتصالات قليلاً ثم نعود إن شاء الله لمحاورنا أبو محمد كان يسأل شيخ يقول أن كفار قريش طالبوا النبي صلى الله عليه وسلم مراراً بمعجزات وأنه كان المانع من إيرادها كفر به ثم أورد قصة انشقاق القمر تعليقكم يا شيخ على هذا .(5/16)
الشيخ صالح المغامسي : طبعاً ما ذكره الأخ أبو محمد إشكالية علمية ظاهرة إن الله قال في الإسراء ?( وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً )? الإسراء (آية:59) موضع الإشكال هنا الذي طرحه الأخ أبو محمد وهي قضية أنهم طالبوا بانشقاق القمر فانشق القمر ومع ذلك لم يؤمنوا ولم يحصل العذاب والجواب عن هذا له تفصيل بعض العلماء يقول إن ({اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ }القمر1) لم يقع إنما سيقع مؤخراً هذا ذكره بعض أهل التفسير لكنه السنة ترده وثبوت انشقاق القمر ثابت بحديث ابن مسعود ومسلم وغيره فعلى هذا نتعامل مع الطرف الأخر مع القول الثاني وهو قضية أن القمر انشق فتبقى الإشكالية قائمة لكن يجاب عنها بأن الآيات تختلف فإذا كانت الآية كبرى تماماً بطلب ملح وأخذ عهد ومواثيق ثم ردت تحمل عليها آيات القوم السابقين التي هي مناطة بقضية الهلال وإذا كانت الآية لم تصل إلى حد كونها معجزة جداً يعني في نسق الناس ولا بالنسبة لله جل وعلا كل شيء عليه هين فلا تصل إلى حد قضية أن يهلك القوم بها هلاكاً عاماً هذا واحد الأمر الثاني مما يجاب على الإشكالية أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم أمنة لأهل الأرض من أن يعذبوا قال الله جل وعلا ? ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) ? الأنفال (آية:33) يعني الهلال العام أمر محال بنص آية التوبة لكن نقول إن الإشكال العلمي هنا قائم واصلاً العلم دائماً يقوم على الإشكالات يعني وجود الإشكالات العلمية هو الذي يفتح المضمار للناس في الإجابة عنه هذا ما يتعلق الأخ أبو محمد .
الأستاذ معمر : الأخت إيمان أوردت يعني مشاركتين وسؤال أي نعم بالنسبة للأيام البيض والحكمة من صيامها .(5/17)
الشيخ صالح المغامسي : هي ذكرت الحكمة وقلنا نحن وعرضنا عنها في الأول لأنني قلت أنا أحب أن يربط الناس في التعبد في القضية المحضة بمعنى الإذعان المحض قلنا أنهم يقولون أنه يحصل مد وجزر أي يحصل اكتمال الأمر لكني كما قلت إن هذا الحديث جاء ضمن وصايا للنبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة والأصل في صيام النافلة المشروع للأمة ثلاثة في كل شهر ثلاثة أيام من كل شهر من غير تقييد وجاءت السنة في حديث أبي هريرة بتخصيص الأيام البيض لكني لا أحب أن ينصاع لها أحد كل باستمرار حتى يمزج ما بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وبين حثه للصحابة لأننا أحياناً وهذا الحق يعني يجب المصير إليه من فقه السنة أن الوصية تكون لخاصية الصحابي نفسه لأن الحديث نفسه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبي هريرة أن يوتر قبل أن ينام مع الاتفاق على أن الوتر أخر الليل أفضل لكن هذه خصيصة بأبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقال عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة أظنه أبو ذر (( لا تحكم بين اثنين )) لأنه كان فيه شيء من الضعف أو غيره المهم في بعض الوصايا النبوية تأتي لخصيصة في الشخص نفسه لا تأتي عامة وهذا أمر يجب أن يلحظه الناس في فقه السنة ،، ثم ذكرت قضية التاريخ الهجري أود أن نؤخره في قضية الإطلالة التاريخية ثم سألت عن الإعجاز العلمي في قول الله جل وعلا ?( فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلَّيْلِ )? الإسراء (آية:12) قال بعض المتأخرين من العلماء أن الإعجاز العلمي الحديث يدل على أن القمر كان مضيئاً ثم محي طمس لأنه محا في اللغوي بمعنى طمس وهي الأصل تقال في الكتابة لكن تخريج الأوائل للآية أن فمحونا آية الليل أي جعلنا آية الليل ممحية بمعنى لا ضوء لها أصلاً وإن قال بهذا الرأي أقوام يعني أنه كان لها نور ثم أطفئ لكن نقول لو ثبت علمياً نظرياً علمياً أن القمر كان مضيئاً ثم وقع منه هذا الأمر وقع فيه هذا الأمر فهذا لا يعارض القرآن بل نقول دل ظاهر(5/18)
القرآن عليه أو بتعبير أصح يؤيده ظاهر القرآن لأن الكلام عن القرآن ليس بالأمر الهين فما يقحم في كل شيء .
الأستاذ معمر : صحيح جزاك الله خير الأخ نايف يا شيخ يسأل عن قول من يقول أن يوسف عليه السلام كان نصف جمال الله .
الشيخ صالح المغامسي : لا يمكن أن يقال هذا ولم يرد لأن فيه قضية أساسية عندما تقبل أي شيء المقارنات لا تكون إلا ما بين الأنداد ما يمكن المقارنة ما بين اثنين ليس بينهما مشترك خالق مخلوق لا يمكن أن يقاس جمال الرب بجمال يوسف ما يوسف إلا عبد خلقه الله وما جماله إلا أمر مخلوق لله أما جمال الرب هذا شيء أخر (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11) ولا يمكن أن يقبل يعني نقول للأخ نايف من أخبره بهذا ومن قرأه في الكتاب كان يعني قد وقع في خطأ كبير لذلك أحياناً تأتي تساؤلات عجيبة من الناس طبعاً الناس من حقهم أن يطرحوا أسئلة لا نستطيع أن نمنعهم .
الأستاذ معمر : رغبة في الخير إن شاء الله .
الشيخ صالح المغامسي : أي نعم تأتينا مثلاً أحياناً يقول لك وهذا موجود في بعض الكتب يقولون أيهما أفضل الكعبة أم النبي صلى الله عليه وسلم حتى عندما يفاضلون بين مكة والمدينة الكعبة جرم غير مكلف والنبي صلى الله عليه وسلم إنسان مكلف أصلاً ما في مقياس بين العرش والنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل ولا يوجد مقارنة العرش يقاس بغيره من المخلوقات غير المكلفة الأجرام التي تكون بينها مشتركة عرش السماوات الكعبة ممكن يقاس بينها لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما تقارنه بجرم غير مكلف أو بمخلوق غير مكلف في أشياء كثيرة في حياتنا كمن يقول أيهما أفضل فلان أو السيارة الكزسس مثلاً هذا غير مستقيم عقلاً فأحياناً تكون المقارنات غير مستقيمة فلذلك لا ينبغي لمن يجيب أن يتكلف إجابة إنما يرد السؤال فأحياناً يكون السؤال خطأً في غير محله .(5/19)
الأستاذ معمر : ممكن يرد هذا يا شيخ على بقية بني آدم اعتماداً على الآية( ? وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )? الإسراء (آية:70) وخاص بالنبي .
الشيخ صالح المغامسي : خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم كمان المقارنة المهم أن يكون فيه شيء مشترك بين المخلوقات التي يراد التفاضل بينها نحن نفاضل مثلاً ما بين جبل أحد وغيره من الجبال .
الأستاذ معمر : أنا أقصد يا شيخ لو يفاضلوا ما بين فلان من الناس وبين الكعبة .
الشيخ صالح المغامسي : تجد نفس الإشكالية ما نقول هذا يعني ما نقول أو نسأل سؤالاً خطأ لكن الحرمة غير حرمة الكعبة غير حرمة المؤمن لأنهما مشتركان في الحرمة .
الأستاذ معمر : شيخ صالح الاستدراكات لعلها انتهت ونرجع إلى الجانب الشرعي لأننا نعرف أن لك باع في هذا المجال .(5/20)
الشيخ صالح المغامسي : نحاول أن نقلل في الجانب الأدبي قدر الإمكان يعني هيبة القرآن تلازمنا نسأل الله أن يثبتنا ، العرب فيهم عنصر العاطفة هذا التغزل يعني الغزل وتسمع بالشعر العذري وأظني تكلمت عنه سابقاً في موقف الشعر العذري نشأ بين رجال غلبت عليهم العاطفة سأحرره بسرعة يعني المدينة ومكة كانتا حاضرتا الإسلام واضح ثم لما جاءت دولة بني أمية انتقلت الخلافة من حاضرتها المعروفة مكة والمدينة والحجاز إلى الشام فسلب أهل الحجاز بادية الحجاز وما حولها من بادية نجد سلبوا المكانة السياسية الحل والربط والأمر والأخذ والعطاء ذهب هذا إلى الشام فبقوا الناس الفتيان خوالي ما في شيء يسوقهم ما يتكلمون في أمور لا يحلون ولا يربطون بعيدين عن صنع القرار الأمويون أغدقوا الحاضرتين مكة والمدينة بالأموال حتى يلهوا شبابها عن الخوض بالقضايا السياسية لما دخل الآن هذا الثراء موجود في مكة والمدينة غطى الفراغ الموجود من قضية صنع القرار الذي ذهب سياسياً إلى الشام من الذي دفع الثمن الذي دفع الثمن الذين في البوادي لا هم الذين يشاركون بالقرار مثل أهل الشام ولا هم الذين لهم أموال مثل أهل الحاضرة مكة والمدينة فبقيت العاطفة موجودة هذه العاطفة انصرفت للنساء ابتلوا بنساء جميلات وحتى غير جميلات لأن هذه قضية الجمال قضية نسبية أصلاً أي إنسان يحب شخصاً سيرى كل ما فيه حسن وأي إنسان يبغض شخصاً سيرى كل ما فيه سيء حسن في كل عين من تود فمثلاً ليست ليلى العامرية بأجمل الخلق التي تعلق بها قيس لكنها كانت جميلة في نظر قيس فافتتن بها هذا هو الشاهد هذا أصل القضية العاطفية في الغزل لكن دائماً يعني الحق يعني الأحرار من الرجال أو حتى نقول في عصرنا هذا بلاش نقول كلمات الأحرار من الرجال الناس عشان لا نظلم أحد ، الناس في الحياة اليومية الإنسان إذا كثرت سوالفه ذهنياً لن يبني مجداً هؤلاء كثير عزة جميل بثينة انصرفوا في أشياء طبعاً أنا أقول هم(5/21)
العذريون هؤلاء يعني ترى ليس كما يفهم الناس وأنا قلت هذا في الحلقة الماضية ليس كما يفهم الناس أنه قضية أنهم أهل فجور بل أن التقوى منعتهم من الوصول للفجور فلما منعتهم التقوى من الوصول إلى الفجور جعلوها شعراً .
الأستاذ معمر : وأحياناً تكون العادة شيخ قبل الإسلام .
الشيخ صالح المغامسي : نعم العادات نعم لها دور لكن التقوى منعتهم من الفجور هذه التقوى التي منعتهم من الفجور والمحبة موجودة في القلب ترجموها على هيئة شعر فجاء قول كثير عزة وغيره الذي يعنينا قضية القمر يعني .
الأستاذ معمر : طيب يا شيخ صالح لعلك تأذن لي بوقفة بسيطة مع القصة التي ذكرتم وهي أن أهل الشام أغدقوا على أهل مكة لإشغالهم دعنا نقف يا شيخ وقفة مع وضعنا الحالي لأن البرنامج كما ذكرت يمزج بين الماضي والحاضر الآن يا شيخ ما نراه في مجتمعاتنا الإسلامية للأسف الشديد من إغداق بالأموال بالمساهمات بالمضاربات ألا يكون فيها انصراف عن قضايا الأمة التي هي الأهم .(5/22)
الشيخ صالح المغامسي : أي نعم هذا شيء موجود لكن وجدت رجال يستثمر ماله فيه خير يكون محموداً لكن هو طبعاَ شوف الناس لا يمكن أن يكونوا يعني العامة عامة لا يمكن جمعها على شيء واحد لكن هو أهم شيء لا تصدروا لأمر إلا من خلصت نيته وهناك منهج حقيقي يسير عليه ورأي يملكه يفصل في قضايا الأمة إنما يعني مشكلة شبابنا اليوم منهم والعياذ بالله من ينسلخ من هموم أمته وفي نفس الوقت وهذا أعظم أنسلخ من تقواه لربه فمقاطع البلوتوث التي تبث أحياناَ عبر الصور الخليعة إنما تبرز صور لأقوام خرجوا أصلاَ من تقوى الله يعني فكوا ارتباطهم بربهم جلا وعلا فانصرفوا إلى مواطن الرذيلة في نفس الوقت يعني في ناس عصمهم الله من هذا بلا شك لكنهم ليس تكوينهم تكويناَ علمياَ أو رأياَ أو فكرياً صحيحاَ ففي الجانب الأخر شطحوا أو أضلوا أو وقع منهم أخطاء في حق أمتهم في حق بلادهم في حق مواطنيهم لا تغتفر من سفك دماء وغيره ، الشاهد الصواب من هذا أن كل إنسان يوجه إلى الشيء الذي يقدر عليه ويبني فيه نفسه وينفع فيه أمته نعود نتلكم نقول عبر عمر كبر يقول هذا رجل فارس له امرأة يعشقها اسمها لميس وكانوا في الحروب يعني مما يعينهم على الحرب والقتال حفظهم لعرضهم فيقول في دارية له :
وبدت لميس كأنها بدر السماء
يعني لما رأى لميس تصعد الجبال هرباَ وانكشف شيء من جسدها أضر هذا به الأمر في أول القصيدة قال فيها عاد:
وبدت لميس وكأنها بدر السماء كما تبدى
نازلت كبشهم ـ أي سيدهم ـ ولم أرى من نزال الكبش بدا
ولم أرى من نزال الكبش بدا ذكر عاد قتله
وكمن من أخ صالح بوأته بيدي ولا هلعت ولا يرد بكائي زندا
ألبسته أثوابه وخلقت يوم خلقت جلدا
يغني غناء الذاهبين وعدوا للأعداء عدة
ذهب الذين أحبهم وبقيت مثل السيف فردا
فغالب الشعر كان يدور على قضية اكتمال البدر في أوج النهار حتى الشمس إذا أدخلناها هذه خارج النص أدخلوها في شعرهم وكانوا يضربون بها المثل يقول أحدهم:(5/23)
قامت تظللني من الشمس نفس أعز عليا من نفسي
قامت تظللني فعجباَ شمس تظللني من الشمس
أو كلمة نحوها يتكلم ويقول كثيا العزا
لو أن عزا حاكمت شمس الضحى *** بالليل عند موقف لقضى لها
وهذا يقولون حسدوه على كلمة عندما وفق لأنه أي قاضي لا يجدي لكن انتقاءه لكلمة موفق كان انتقاء جميلاَ هذا بعض ما يحضرني وكما قلت لك يعني أنا لا أريد أن أخرج عن عباءة القرآن كثيراَ .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم أنا يا شيخ خشيت أنك تسترسل فلا أستطيع أني أقطعك بجمال حديثكم لكن أذن لي في هذا الاتصال من الأخ حيدر من العراق السلام عليكم ورحمة الله ..
مجموعة من الاتصالات
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله يا شيخ سؤال يقول اله جلا وعلا في سورة ياسين والقمر ? ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ )? يس (آية:39) ما هنا كلمة العرجون وما هو وجه التشابه يعني بين المعنى المقصود وبين الآية الكريمة جزاكم الله عنا خيراَ
الأستاذ معمر : شكراَ لك جزاك الله خير معنا أيضا ميساء من الرياض السلام عليكم ورحمة الله
المتصلة :عليكم السلام ورحمة الله أنا أسأل عن يعني اختلاف لرؤية الهلال في بعض الأحيان قبل يعني شفنا الهلال قبل مصر يعني صعبة أن نحن نعيد قبلهم يعني بما أن يكون بعد أشهر الحج يأتي يوم عرفة لازم نحن كلنا يعني في يوم عرفة يصير في يعني نقص الشهر أو زيادة يعني يكون فيها اختلاف
الأستاذ معمر : : ميساء تابعت البرنامج من بدايته
المتصلة : أي تابعته بس أحس في ما ودي يكون في الاختلاف بين أعياد المسلمين
الأستاذ معمر : : جزاك الله خير معنا أيضاَ علي السلام عليكم
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله عندي سؤال بالنسبة لمطالع القمر سألني أحد الأجانب بالنسبة لليلة القدر إذا اختلفت المطالع؟(5/24)
الأستاذ معمر : : يعني كيف تحدد لليلة القدر طيب شكراَ لك على هذا الاتصال شكراَ لك معنا أيضاَ اتصال أخر مشهور السلام عليكم
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله مساك الله بالخير يا شيخ نشهد الله على محبتكم يا شيخ صالح في سؤال يا شيخ الله يعافيك بالنسبة الآن مسألة
الأستاذ معمر : أخوي مشهور نأسف للانقطاع لكن لعلك تعود للاتصال نحن في انتظار الاتصال جزاك الله خير ،، شيخ صالح الأخ حيدر يسأل عن الآية ? وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ ? يس (آية:39)
الشيخ صالح المغامسي : العرجون القن الذي تكون فيه التمر أو النخل هو يأتي معكوفاً كالهلال ثم يعني مع استمرار الأيام يبدأ يبلى ولذلك قال الله (كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ ) يعني مرت عليه أيام متتابعات وهذا يعني العراق الأخ حيدر من العراق وأنا أحيي أهل العراق جميعاَ بلاد نخل وأظنه لا يعجز لأن في أشياء لا توضح نظرياَ لو ذهب لأي أحد من أهل العراق نخل العراق الشامخ ورأى العرجون القديم الملقى تمام ثم يرقب الهلال سواء في أيام الأسرار أو أيام المحق سيرى التصوير القرآني ماثلاَ أمام عينيه والقرآن خاطب بصوره العرب أولاَ هم المخاطبون الأولون بالقرآن ولما كانت جزيرة العرب بالمدينة بالذات أرض نخل ومكة يعرفون هذا خاطبهم الله جلا وعلا بالشيء الذي اعتادوا على الصور الموجودة حسياَ كما قال جلا وعلا (? أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )? الغاشية (آية:17) هذا القضية قضية العرجون القديم .
الأستاذ معمر :: الأخت ميساء .(5/25)
الشيخ صالح المغامسي : الأخت ميساء نعيد ما قلناه بس بعاجل يا أختي الكريمة من عرف أن الاختلاف الشرعي في بعض مواقف مأذون به شرعاَ هان عليه الأمر لا يضر أن تختلف أعياد المسلمين أياماَ لكن لماذا وجد في القلب شيء من هذا عند الناس اليوم لأنهم يرون أعياد الكفر ثابتة لكن أعياد الكفر قائمة على البروج الشمسية وهي لا تتغير وأعياد المسلمين بأمر من الله قائمة على الليالي القمرية معلقة المواقيت للناس والحج والمطالع تختلف بما أنها تختلف فلا بد أنه تختلف الأيام بين أعياد المسلمين وهذا لا يضر وهذا نعود إلى لليلة القدر .
الأستاذ معمر :طيب قبل لليلة القدر يا شيخ الأخت أسماء على الموقع تقول يا شيخ إذا حدث اختلاف بين طائفتين كبيرتين في الثبوت سواء لهلال شهر رمضان المبارك أو شهر شوال فتقول كلا الطائفتين ثقات فما العمل بالنسبة للمسلمين .
الشيخ صالح المغامسي : كيف كلا الطائفتين يعني في بلد واحد تقصد إذا كانوا في بلدين مختلفين مطالعهم مختلفة فالأمر كل منهم بحسب ما مطالعه كما حديث كريب حديث ابن عباس وأهل الشام وأهل المدينة آنذاك وأما لما كانوا في طائفة واحدة فولي الأمر يرفع الخلاف المسائل الخلافية قول ولي الأمر فيها يرفع الاختلاف هذا بالاتفاق .
الأستاذ معمر : أنا كنت يا شيخ نريد نخرج من هذه المسألة الآن يا شيخ أثيرت قضية قبل أيام ولا زالت مستمرة وأثارها أحد الأخوة أبو نوف على الموقع يقول يا شيخ أنهم سيطلقون قمر صناعي يوحد الرأي في جميع البلاد الإسلامية فنقول الاقتداء بهذا القمر أو لا أو نكتفي بالرؤية الشرعية .(5/26)
الشيخ صالح المغامسي : لا ، يبقى الرؤية الشرعية وهذا حتى الإطلاق أصلاَ ما أظنه يعني يعتمد حتى يعتمده علماء المسلمين فإذا اعتمده علماء المسلمين فما أنا إلا تابع لهم فنأتي لليلة القدر أنا سأخرج عن لليلة القدر سآتي بمثال أخر نحن أهل السنة نؤمن أن الله جلا وعلا ينزل في الثلث الأخير من كل لليلة فيقول [ هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه] قدر الثقات عن خير الملأ بأنه ينزل جلا وعلا في ثلث الليل الأخير ينزل يقول هل من تائب فيقبل نقول الآن أنا مثلا من المدينة ثلث الليل الأخر عندي في المدينة غير الثلث الليل في الرياض ونحن نؤمن يقوم الشيخ معمر إذا وفقت وقمت أخر الليل فأنت تؤمن بأن هذا وقت التنزل الإلهي أنا بعدك بساعتين أقوم إذا وفقني الله وأنا أؤمن أن هذا وقت التنزل الإلهي طبعاَ مع اختلاف يعني المدينة والرياض قد تكون متقاربة يعني لكن تقول دولة إلى دولة مثلها لليلة القدر فلا يضر إذا اختلف المطالع تقيسها على لليلة القدر تقيس المثال أما التنزل الإلهي غير ليلة القدر فليلة القدر قد تكون عندنا ليلة القدر وهم باعتبار مطالعهم غداَ ليلة القدر عندهم لا يغير هذا من الأمر شيئاَ لماذا لأن الله تعبدنا بأن نحي ليالي العشر الأواخر من رمضان وترجوا فيها في ليالي الأوتار لليلة القدر فإذا جاء إنسان تحقق من رؤية شرعية وقام الليالي العشر الأواخر ثم تحقق من لليالي الأوتار فقد اتبع سبيل الشرع ما دام اتبع سبيل الشرع فإن سبيل الشرع يقوده إلى المطلوب يبقى بعد ذلك قضية النوايا في القلوب .
الأستاذ معمر : ولم نكلف شرعياَ بهذه التفصيلات والاختلافات
الشيخ صالح المغامسي : بس من حق الناس يعني أن تحدد لهم ، بقي أحد .(5/27)
الأستاذ معمر : لا مشهور انقطع لك لعله يتصل يا شيخ لعلي أقف هنا بالنسبة للإطلالة الأدبية وأنتقل إلى الإطلالة التاريخية يعني بما أن الحديث عن الهلال فمعلوم أن التاريخ الهجري مربوط بالأهلة فكان لازماَ أن نعرضه في هذه الحلقة إذا أذنت لي يا شيخ أن أقف معها وقفات بداية متى استخدمت الأمة الإسلامية هذا التاريخ .
الشيخ صالح المغامسي : نعم النصارى كانوا يستخدمون مولد المسيح قديماَ فجعل من مولد المسيح بداية للتاريخ طبعاًَ هنا نهمز نقول للتأريخ يعني نضع الهمزة لكن لما نتلكم عموماَ لا أما المسلمون فالعرب قبل الإسلام في جاهليتهم كانوا يؤرخون بالحوادث العظام وهذه الحوادث العظماء تتجدد كتأريخهم لحادثة الفيل .
الأستاذ معمر : كآخر تاريخ قبل الإسلام .(5/28)
الشيخ صالح المغامسي : قبل الإسلام ثم لم يرجع لم يأتي تغير على هذه الحالة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر فلما اتسعت رقعة الخلافة في زمن الفاروق رضي الله عنه وأرضاه كان يكتب لعماله فكتب إليه عماله أنه تأتينا منك كتب تقول فيها من شعبان من رمضان من شوال من كذا ولا ندري أي شعبان من أي عام هذا الذي تذكر فلو حددنا شيئاَ يعني لاحظ في تحديد لبداية التاريخ وفي تحديد لبداية العام وبينهما فرق بداية العام أن تنتقي من أثني عشر شهر أما التحديد التاريخ أنت تنتقي حدث من أحداث عظام وتؤرخ عليه بقية السنوات فالصحابة رضي الله عنهم وضعوا طبعاَ تشاور وضعوا خيارات خيار المولد يوم مولده صلى الله عليه وسلم يوم مبعثه يوم وفاته يوم هجرته ثم اتفقت كلمتهم في زمن الفاروق على أن الهجرة أكثر هذه الأحداث تأثيراَ فاتخذوا الهجرة كبداية للتاريخ وإلا الإسلام موجود قبل الهجرة لكنهم اتخذوا الهجرة كبداية للتاريخ ثم الهجرة كانت في ربيع فجاءوا القضية الثانية وهي قضية العام من أثني عشر شهر فلما اتفقت رؤيتهم على أنهم يبدؤون في محرم على اعتبار أن الناس قد فرغوا من أعمال الحج الذي هو خامس الأركان وانصرف أهل الأنصار إلى أنصارهم فجعلوا من شهر محرم بداية لهم هنا مسألة مهمة جداَ في كل عام تأتي مسألة وقفة حساب أخر العام هذه نقبلها مجازياً لكن لا نقبلها على وجه الحقيقة .
الأستاذ معمر : لماذا يا شيخ ؟(5/29)
الشيخ صالح المغامسي : لماذا لأن ليس بين أيدينا نص من كتاب ولا سنة يدل على أن الله يوم أن خلق السماوات والأرض بدأ بمحرم فليست محرم في تقدير الله جلا وعلا بداية أول عام ولا يستطيع أن يجزم بهذا أحد وإنما التقدير تقدير عام هذا في اللوح المحفوظ وتقدير سنوي هذا في ليلة القدر وتقدير عمري وهذا في الجنين عندما ينفخ في بطن أمه يقول له الملك كذا وكذا كما جاء في حديث ابن مسعود فلا علاقة لهذه الأشياء هذه أشياء تنظيمية إدارية تاريخية لكن قلت أنا نقبلها مجازاَ على لغة البلاغيين لكن لو أن إنسان قال أنا أحتاج أني أحاسب نفسي فما دام المسلمون يبدؤون بهذا اليوم عامهم ليس عام في تقدير الله يعني يبدؤون به عامهم فأنا أحاسب نفسي كالزكاة يعني الزكاة الآن الحول هذا الحول يختلف من شخص إلى شخص حسب بداية رأس المال معه فمثلها اتفق الناس على أن يكون هذا بداية العام فلا بأس أن يحاسب الإنسان نفسه يوميا في كل لحظة أن يحاسب نفسه في العام لكن لا يربط هذا بأن هذا انتهت أعماله والعام الماضي انتهى ورفعت الصحف وطويت وبدأ عام جديد عند الله لا .
الأستاذ معمر : بس لو كان الشخص يا شيخ يحاسب نفسه في نهاية اليوم في نهاية الأسبوع في نهاية الشهر .
الشيخ صالح المغامسي : هذا حسن نحن نتلكم عن جوازها أو عدم جوازها لكن لا يفهم أن أمور إنسان تمت عام ورفعت يقول لك أخر عمل في عامي هذا يكون مثلاَ صيام أو يكون زكاة أو يكون صدقة لا هذا يحتاج إلى دليل والكلام عن الرسول ليس بالأمر الهين .
الأستاذ معمر : يا شيخ البعض بالنسبة للتاريخ الهجري قد يستدل بقوله تعالى ? (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ )? التوبة (آية:108) قالوا معنى ليس أول يوم وإنما أول يوم يعني كأنهم يقولون بالآية التقدير أعز الله فيه الإسلام وأن الله يعني كان في عزة للإسلام فقال الصحابة استندوا إلى هذه الآية وهذه المقولة وردت .(5/30)
الشيخ صالح المغامسي : وهي جيدة ومعنى الآية طبعاَ من أول يومٍ جئت فيه ينبغي أن يكون هذا محمل الآية حين المضاف محذوف التنوين في يومٍ تنوين عوض المحذوف وهنا كلمة عن أول يوم جملة حضرت فيه أو قدمت فيه المدينة لكن نقول إن الهجرة كحدث عظيم وأرجوا الله أن يهيئ لنا ولك أن نتكلم عنها في درس سابق وإحدى الأخوات الظاهر لم تضع أسمها لكن ذكرت قضية أنها التاريخ الهجري التاريخ الهجري بعض الفضلاء من العلماء أظن نبه إليه أحمد محمد شاكر إن لم أنسى ونبه عليه الشيخ العلامة بكر أو زيد شفاه الله وعافاه نقلاَ عن أحمد محمد شاكر في كتابه المفصل في قضية الإمام أحمد رحمه الله مذهب الإمام أحمد ابن حنبل ، الشاهد ذكروا فيه أن المستحب والأفضل أن لا يقال نحن عام مثلاً الآن اليوم ثمانية عشر ما نقول ثمانية عشر ألف وأربعة مئة وستة وعشرين هجرية وإنما نقول ثمانية أثني عشر ألف وأربعة وستة وعشرين ونسكت لماذا نسكت لأنه معروف نتكلم بالهجرة لا نحتاج أن نبين .
الأستاذ معمر : هذا الأصل .
الشيخ صالح المغامسي: هذا الأصل إذا تكلمنا عن الميلاد من باب الموافقة من باب التعامل معهم ما هو الإذعان الشرعي المداهنة لا ماذا التعامل معهم فنقول ميلادي لكن عنا نتلكم عن تاريخنا ليس في هناك حاجة أن نضع حرف لها كرمز لأن هذا أصل عندنا هذا قول جيد .
الأستاذ معمر :: شيخ صالح نقف قليلاَ مع هذا استخدام التاريخ الميلادي للأسف مع أن التاريخ الهجري يمثل لنا حادثة وقصة فيها نوع من العزة .(5/31)
الشيخ صالح المغامسي : طبعاَ هذا مرده يسعني الإنسان الأمة بما أنها الآن في فترة يعني انهزام عسكرياَ من انتصار بديهي جداَ أن يكون في بعض الأشياء المثقلة وهذا راجع للقوة السياسية والاقتصادية لأي أمة الله يقول (? قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً )? الكهف (آية:21) هذا شيء محال فقبل أن يرفع الناس قضية التاريخ الميلادي لا بد أن يرفعوا الضعف الذي في الأمة فإذا رفع الضعف الذي في الأمة اقتصاديا وسياسياَ وعسكرياَ سيرفع كل توابعه بعد ذلك فلا بد من حذف الملزوم قبل حذف اللازم .
الأستاذ معمر : لكن يا شيخ يعني عندما أجبر على التعامل بالتاريخ الميلادي أقصد في النواحي المالية يا شيخ في النواحي الإعلامية ألا نجعله تبعاَ يا شيخ .
الشيخ صالح المغامسي : هو يجعل تبعاَ ولذلك حتى في ديوان الملكي هنا الحمد الله يقال الموافق لكذا نصدر الهجري ثم يقال الموافق والظاهر لعل الوقت يسعفنا فيما تبقى من الأشياء التاريخية .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : طيب لعلي أخذ هذا الاتصال ثم أعود معنا أبو عبد الرحمن السلام عليكم ورحمة الله
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله القناة هذه الحقيقة سراج في ظلمات الفضائيات الله يسلمك يا أخي في حديث أنا سمعته ما أدري مدى صحته في ذنوب ما تغفر إلا في عرفة ، عرفة المكان ما هو يوم عرفة ؟ عرفة المكان هل هذا الحديث صحيح ؟
الأستاذ معمر : حتى ولو في غير يوم عرفة طيب شكراَ لك أبو عبد الرحمن معنا أيضاَ أبو عبد الملك السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الطاعات سؤال يا شيخ ما حكم قول الرجل لزوجته أو لابنه يا قمر يا قلبي يا روحي هل صحيح أن فيها قذف للعقيدة السؤال الأخر ما حكم التصفيق باليد يا شيخ ؟(5/32)
الأستاذ معمر : طبعاَ هذا خارج لكن سأعرضه طيب شكراَ أبو عبد الملك أبو عبد الرحمن يا شيخ يسأل يقول ذنوب لا تغفر إلا في مكان عرفة وليس اليوم .
الشيخ صالح المغامسي : إلى ساعتي هذه لا أعلم أن هناك نصاَ يدل على أنه هناك ذنوب لا تغفر إلا في عرفة بل أكاد أجزم أنه لا يوجد لكن ينبغي أن يعلم أن الله جلا وعلا قال ?( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) ? الشورى (آية:25) وقال (? إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ?) النساء (آية:48) فمن صدقت نيته وصلحت سريرته وعظمت رغبة توبته في التوبة تاب الله جلا وعلا عليه قال الله تعالى ?( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ )? طه (آية:82) وهذا وعد والله يقول ( ? إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَاد) ? آل عمران (آية:9) وعد من الله أن من تاب تاب الله عليه ولم يقيد الرب جلا وعلا التوبة بمكان مخصوص يوم عرفة مظنة إجابة الدعاء وغفران الذنوب وستر العيوب وهذا متفق عليه بين المسلمين لكن ليس محصوراَ الغفران في يوم عرفة ولا في مكان عرفة بل هذا أمر ذائع شائع في كل آن وحين فالرب جلا وعلا في السماء عرشه وفي كل مكان رحمته وسلطانه .
الأستاذ معمر : جميل جداَ أبو عبد الملك يا شيخ نسأل الله عز وجل أن يصلح له زوجه وولده يقول لو عبر بكلمة القمر أو نحوها .(5/33)
الشيخ صالح المغامسي :هذا مما يقوله الناس ويجري على ألسنتهم ولا يوجد حرج شرعياَ فيه يعني لا يوجد يا قلبي يا روحي هو يقصد إظهار المودة والمحبة والتلطف بالخطاب وهذا مما أذن الشرع به ولا يفهم أحد من خطاب إنسان يا قلبي أنه يقصد أن قلبه مكتمل عليه أنا نعم أقول دائماَ في محاضراتي أن الإنسان لا يتعلق بماله ولا بولده كثيراَ لكن مع ذلك مثل هذه العبارات التلطفية ولا ضير منها أنا أتى هنا ساقاَ الأخ أبو عبد الملك إلى فائدة يعني قال بعض العلماء هذه خارج النص خارج سؤاله ترى لا يفهمني خطأ لو أن إنسان قال لزوجته أنت طالق إن لم تكوني أحسن من القمر لا تطلق لأن الله قال ?( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?) التين (آية:4) وهذه كفائدة أخرى سأل عفا الله عنه عن التصفيق التصفيق قال الله جلا وعلا ?( وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً) ? الأنفال (آية:35) هذا إذا حمل على أنه عبادة يحرم أما في غير العبادة يعني غير النساء إذا لم يقصد به العبادة فإن الأولى تركه لكن لا يقال أنه حرام لكن لا يليق بأهل المروءات لكن عموماَ من الصعب القول أنه محرم لا يعلم نص صريح في تحريمه .
الأستاذ معمر : جميل جداَ ، شيخ صالح يعني في الإطلالة التاريخية يعني سبحان الله يعني تاريخ الأمة مر علينا فترة ارتبط الصليب بالهلال يقولون جمعية الصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر فلو تحدثنا عن هذه النقطة بكلام بسيط .(5/34)
الشيخ صالح المغامسي : طبعاَ نحن قلنا للناس في الأول في أول المحاضرة أن في أول اللقاء لا تتعجلون سنكمل هذا يعني جعل الحمل ثقيل والناس يقولون ماذا سيقول الشيخ نسأل أن يعين الشيخ نقول الهلال في تراثنا الإسلامي ورد كثيراَ ودولة آل عثمان بني عثمان الدولة العثمانية اتخذت الهلال شعاراَ لها ولا أعلم على ماذا استندوا نصاَ لكن تساعدهم أمور كثيرة على أنه يتخذون الهلال شعاراَ لهم فما في بلادنا المباركة اتخذت السيف والنبي صلى الله عليه وسلم كانت حروبه وجهاده قائم على السيف فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم شوقي يقول هذا الهلال الذي جعل شعاراَ للمسلمين كان ينافس الصليب السؤال الآن متى بدأ النصارى يستخدمون الصليب ؟(5/35)
تأصيل المسألة أن يقال عيسى عليه السلام من بني إسرائيل وليس من الروم والله يقول ?( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) ? آل عمران (آية:49) الروم لم يدخلوا في دين المسيح على الصحيح إلا بعد ثلاثة مئة سنة عندما دخلوا فيه كانت اليهود قد زعمت أنها قد صلبت عيسى واليهود صلبت ولكن لم تصلب عيسى قال الله( ? وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ )? النساء (آية:157) هذا الصلب حصل على أحدهم ورفع عيسى إلى ربه جلا وعلا حصل من هذا ، هذا المكان جعله اليهود مكان لصلب مرمى للقمامة وأنا أضطر أن أقول القمامة هنا لأنه سيأتي جعلوه مرمى للمقامة هذه المرأة أحد أم الملوك الرومان اسمها هيلانة أو ما أشبه ذلك جاء رجل بحث عن هذه القمامة يريد أن يخرج الخشبة طبعاَ الخشبة موجودة الذي فيه الصليب لن الصليب تم على شخص غير عيسى لما حصل هذا ، هذا الرجل يقول أن هذه الخشبة التي هي على هيئة صليب من تمسح فيها تذهب عاهته كأن الله جعلها فتنة إن صحت الرواية بعضهم توهم أنه عوفي تعلق النصارى بالصليب جاءت هذه المرأة إلى هذا المكان القمامة وبنت عليه كنيسة المسماة الآن كنيسة القيامة والموجودة في فلسطين كنيسة القيامة هذه الكنيسة الآن دخل الرومان الروم دخلوا في قضية المسيحية في دين المسيحية والمسيحية أصلاَ دين بني إسرائيل بعد ذلك بعد عيسى بثلاثة مئة سنة بعد رفعه بثلاثة مئة سنة بدأ النصارى يتخذون الصلبان يتبركون بها ودخل في دينهم الصور وبنيت الكنائس على قيام تعظيم الصور وكثرتها صورة مريم العذراء مع المسيح صورة الصلبان وجعلت للصليب أنماط متعددة هذا الأصل في المسألة ،، لما جاء العثمان دولة بني عثمان وأقاموا الهلال رمزاً لهم واستمدوه قلنا من التاريخ الإسلامي جملة لكن لا نملك نصاَ اعتمدوا عليه وهذا من أمور السياسة والإدارة المأذون به شرعاَ كما حرره شيخنا الشيخ(5/36)
الشنقيطي في أخبار البيان .
الأستاذ معمر : طيب يا شيخ مما اتضح السبب .
الشيخ صالح المغامسي :لكن لا أعلم سبباَ نصاَ لكن يعني يسألونك عن العلة ما ذكرناه في الأول لكن لا أدري قد يكون لهم علم لكن أنا لا أدري لم أقف على شيئاَ يعني يشبع الظمأ يروي الظمأ في هذا القضية صار الهلال كأنه مرادف للصليب لما حدثت الحروب حصل أن رجلاَ سويسرياَ أسس جمعية الصليب الأحمر وآل عثمان قلنا كانوا متخذين الهلال حصلت بعد ذلك موقعة الدرنة في عام ألف وتسعة مئة وأثني عشر ما بين المتحالفين رومانية واليونان والبلغار ولصرب ضد آل عثمان أي الدولة العثمانية لما حصل هذا الحرب أنزل العلم العثماني الذي عليه الهلال من أدرن وكانت دولة مدينة إسلامية في إقليم مقدونيا تقام فيها الصلاة فشق على المسلمين نزول الهلال لأنه يرمز للإسلام وسيرتفع مكانه الصليب قال شوقي :
يا أخت أندلس عليك سلام*** هوت الخلافة عنك والإسلام
نزل الهلال من السماء فليتها *** طويت وعم العالمين ظلام
بكما أصيب المسلمون وفيكما *** دفن اليراع وغيب الصمصام
مقدونيا والمسلمون عشيرة *** كيف الأخوال فيك والأعمام
خفت الأذان فما عليك موحد *** يسعى ولو جمع الحصان تقام
وخبت مساجدكن نوراِ جامعاَ *** تمشي عليه الأسد والأرام
يدرجن في حرم الصلاة قوانت *** بيض الإزار كأنهن حمام
ظنوا بعرضك أن يباع ويشترى *** عرض الحرائر ليس فيه صوامُ(5/37)
فذكر جهاد المسلمين آنذاك للدفاع عن مقدونيا وتضحية أهلها خوفاَ على تسلط الناس على أعراضها لما أنشأت جمعية الصليب الأحمر بعد أن جاء الاستعمار الدول الإسلامية ما زال في الدول الإسلامية تمسك وانقشع عن بعض في بعض مظاهر الحكم العثماني القديم يعني الأمور الإسلامية المتفق عليها بصرف النظر عن من هو ولي الأمر ، فمما تركه آل عثمان قضية الهلال فأنشأت الهلال الأحمر في القاهرة وفي غيرها ثم أنشأت في بلادنا عام ألف وثلاثة مئة وخمسة وأربعين هجرية جمعية الإسعاف الخيري ثم حولت اسماَ عام ألف وثمانية مئة وثمانين إن لم أنسى تحت مسمى جمعية الهلال الأحمر السعودي فالأحمر مرادفة للأحمر يعني اتفاق يعني على قضية الدم الظاهر وما شابه ذلك والهلال رمزاَ للمسلمين أضحى والصليب رمزاَِ للنصارى هذا ما يتعلق بالصراع هنا نأتي يعني فائدة معلوماتية للأخ المشاهد الآن من الأطعمة التي تباع معجنات هذه ما يسمى طبعاَ أنا طبعاَ لا أحسن نطق الكلمات المعربة يعذرني المشاهدون قضية الكورسان أو المعجنات يأتي في الأصل شكل مقوس هذا أصله لما حصلت الحرب التي قلناها ما بين العثمانيين والبلغار كان خبازون البلغاريون من نقمتهم على المسلمين إذا خبزوا الخبز يجعلوه على شكل هلال الذي هو الكورسان ومما تذكير لهم تنكيل يعني أعتقد فضوا ما في نفسهم فيضعه في الفرن ويخرجه فيروج بيعه ثم انتقلت هذا الأمر تلاقي الحضارات بعد ذلك إلى فرنسا أدخل الفرنسيون فيه الجبن وأسموه هذا الاسم فرنس فيما أعلم ثم انتقل إلينا كما هو معلوم طبعاَ لا يقال أن هذا محرماَ أكله لكن المقصود أصل القضية أحياناَ كثير مما حولنا مؤصل ايدولوجيا يعني قضايا صراع عقدي أكثر من أي شيء أخر هذا تفصيل فيما أذكر أو فيما تيسر عن قضية الهلال والصليب .(5/38)
الأستاذ معمر : شيخ صالح أنا أخشى أن المبيعات في هذه الأيام لكن تساؤل يا شيخ إن شاء الله ما في نوع مشابهة عندما نقول الهلال الأحمر الصليب الأحمر .
الشيخ صالح المغامسي : لا إن شاء الله الهلال رمز لنا والصليب رمز لهم ولا يضر في ذلك شيئاَ.
الأستاذ معمر : طيب كوننا نستخدم يا شيخ كثيراَ على المنابر وعلى المآذن الأصل .
الشيخ صالح المغامسي :طبعاَ انتشر هذا في بلاد المسلمين اليوم من غير نكير قضية الهلال في المنابر في القباب الفن المعماري الإسلامي ولا يعني صحيح أنه لا نستطيع أن نقول أنها سنة صعب لكن نقول كذلك لا يوجد شيئاَ يدفع إلى نكرانها لكن هذه الأحداث قضية ما حصل ما بين قضية دولة آل عثمان ودولة الصليبية تبين لنا أن في أشياء في حياتنا ينبغي فهمها فهم هذه الأشياء يساعد الناس في التعامل معها عدم فهم الحقائق هو الذي يجعل الناس في تعاملهم مع الأشياء يعني تضعف عزائمهم أن تكون لهم أراء غير موفقة لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره والقراءة التاريخية الجيدة الواعية المؤصلة شرعياَ تساعد الناس على التعامل الخصم أو مع الصديق .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : جميل جداَ شيخ صالح لعلي أيضاَ أقف وقفة مع الأخوة المتصلين أخونا خالد السلام عليكم ورحمة .
المتصل : عليكم السلام حياك الله بس سؤال الله يحزاك خير الشيخ الحديث حديث بما معناه كل الذباب في النار أو في هذا المعنى الله يجزاك خير
الأستاذ معمر : طيب أبو أسامة السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله طيب يا شيخ في سورة التوبة الله يقول ? (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ) ? التوبة (آية:109) يقال أنه في هذه الآية يعني في هذه الآية إعجاز عددي ما صحة هذا الكلام وكذلك عندي سؤال أخر يقال أن أبونا آدم نزل في جدة وأمنا حواء نزلت في الهند والتقيا في عرفة فما صحة هذا الكلام؟(5/39)
الأستاذ معمر : طيب تسمع إن شاء الله أخونا محمود السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أحيك أخي الكريم واحي ضيفك الذي يبدوا بليغاَ تتزين به المساء قناة المجد إن شاء الله يجزيه خيراَ على ما قدم وأود من الشيخ لو أشار إلى قضية مسارعة بعض الباحثين إلى إيجاد الدلائل القرآنية من الكتاب أو السنة على بعض الظواهر العلمية وربما تحملت الآية يعني فوق ما تشير إليه وما تتحمله من المعاني أو ربما حصل ارتباك في هذه الظاهرة مما سيجعل الباحث في موقف حرج وجزاكم الله خيراَ .
الأستاذ معمر : طيب شكراَ محمود معنا أيضاَ محمد السلام عليكم ورحمة الله .
المتصل : عليكم السلام ورحمة الله أولاَ يا شيخ نشكر هذه القناة المباركة نسأل الله جلا وعلا أن يوفقها إلى كل خير ونخبر الشيخ أننا نحبه في الله وعندي سؤال واحد يا شيخ بالنسبة الحلف بغير الله كمن يقول بالصلاة بالطلاق بعيالي وهكذا يا شيخ ؟
الأستاذ معمر : طيب شكراَ يا محمد ، شيخ صالح لعلي نخصص بقية الوقت لأن الأسئلة في الحقيقة طويلة جداَ الأخ خالد يسال عن حديث الذباب كله في النار أو كذا ؟
الشيخ صالح المغامسي : نعم الذباب في أصل تسميته يقال أنه سميه ذباباَ لأنه كلما ذب دفع رجع يقال له ذباب من هذا الباب ذكره الله جلا وعلا في القرآن في سورة الحج (? وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ) ? الحج (آية:73) الشاهد لكن لا أعلم قضية الذباب كله في النار يعني لا أعلم نصاًً يؤيد هذا لكن هو عموماَ سائر المخلوقات غير المكلفة هي مردها فيما يبدوا إلى النار هذا يتعلق بالذباب لكن جاء حديث أن إحدى جناحيه داء ودواء هذا ثابت ومعمول به ولله الحمد .
الأستاذ معمر : أبو أسامة يسأل عن آية التوبة .(5/40)
الشيخ صالح المغامسي :أبو أسامة الإعجاز عادي طبعاَ هو يتكلم عن الأحداث الأخيرة قضية الأحداث إحدى عشر سبتمبر مما حصل طبعاَ هذا غير صحيح لا علاقة لآية بما حصل ولا يعمم ولا يمكن تحمل آية على هذا ومن قال بهذا فأنا أجزم بأنه لا يعرف شيئاَ في كلام الله في هذه الآية يعني ليس مؤهلاَ الكلام عن كلام الرب جلا وعلا ترى كلام الرب أعظم من ذلك ولا يجوز لأحد أن يخوض فيه حتى يملك آلته ومن لم يملك ألته لا يحق له أن يتجرا على الله جلا وعلا فيقول على الله تبارك وتعالى ما لم يقله أو كما قال الشيخ محمود يحمل الآية ما لا تحتمل وإن كان يشكر المسلمين عاطفتهم ثم قال .
الأستاذ معمر : طيب الكلام عام إن كان في آية التوبة أو في غيرها .
الشيخ صالح المغامسي : هذه قضية ربطك إحدى عشر بتسعة وما إلى ذلك هذا كله كلام لا يقوله إلا من قلت بضاعته تماماَ في كلام رب العالمين .
الأستاذ معمر : ونقول في جميع الآيات يا شيخ .
الشيخ صالح المغامسي : كل الآيات كقاعدة عامة يعني ذكر قضية آدم هذه مذكورة في كتب التفسير هو قال أن آدم في جدة وحواء في الهند هي العكس عند العلماء المشهور أن آدم في الهند وحواء في جدة هذا قال به بعض العلماء والتقي في عرفة كذلك قيل أن عرفها لما التقيا في جدة سميت عرفة بهذا قول موجود يعني له أصل لكن لا يعلم له سند ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قول بعض المؤرخين والمفسرين .
الأستاذ معمر : شيخ سؤال الأخ محمود أنا أتمنى لو تعطي شيء من التفصيل .(5/41)
الشيخ صالح المغامسي : الشيخ محمود باين من كلامه حفظه الله وهذه أظن ثاني مداخلة له مصارعة بعض الباحثين يجب أن تتوقف وهذا هي مشكلة الناس عدم إحسان الآلة في الأول وهذا أمر يجب تأصيل الكلام عن الله ورسوله ليس بالأمر الهين وهذه الإعجازات العلمية والظواهر العلمية التي تحصل قابلة للنفي أحياناَ وقابلة لخطأ من قال بها فلا يأتي الناس بعد ذلك فيقولون عن القرآن أنه غير موافق وإنما الأصل أن القرآن جاء بأمور عظام وهي تعريف الناس بربهم وبيان أحكام الشرع وذكر أيام المعاد ({وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام115) فلا يجوز صرفها إلى أمور كثيرة وهذا تكلم فيه كثير من العلماء مما أصلوا في هذا من أخرهم الدكتور سعود الفلسان له كتاب في هذا أضعت الآن اسم العنوان لكنه تكلم كلاماَ جيداَ في قضية فهم كلام أو مراد الله جلا وعلا وأنا أوافق الشيخ محمود على ما قال ،، جاء الشيخ محمد سلامة يقول طبعا الحلف بغير الله لا يجوز لكن الإشكالية تقع إذا قال برقبتي أو غير ذلك هذا كلام عبث لو كان بالطلاق هذه هي الإشكالية فالاتفاق على أنه آثم نعم آثم لكن هل يقع الطلاق أو لا يقع هذه مسألة اختلف الفقهاء فيها فإذا وقعت من أحد بعينه يذهب إلى أقرب قاضي وأنا أختار عدم وقوع الطلاق وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من قبل .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم شيخ صالح يعني بقي معي خمس دقائق وتلكمنا عن التاريخ الهجري وأرى يا شيخ بطلب باسمي واسم المشاهدين أن الحديث عن الهجرة حديث مشوق ويطول واستلهام العبر منها فإذا أذنتم لي أن تكون الحلقة القادمة عن الهجرة .(5/42)
الشيخ صالح المغامسي :إذا اتفقنا مع الأستاذ كما أمرت يعني موافقوا إخواننا من يشاهدنا ويرانا يعني أخوة هذا البرنامج وأخواته وأقول سيكون اللقاء بعنوان قبسات من الهجرة وأنبه إلى أن قبسات من الهجرة كلام عن الهجرة كلام طويل مكرور وتكلم عنه كثير من الفضلاء لذلك نحاول قدر الإمكان أن نأتي بشيء جديد ولو في أسلوب الطرح لا يراني الله أرعى روضة سهلة الأكناف من رعاها وهذا لا يكون بحول منا ولا أستاذ معمر ولا حول القائمين على القناة إنما الأمر كله بحول الله وفضله وإحسانه وقوته نسأل الله أن يرزقنا التوفيق والإخلاص والسداد إنه السميع المجيب وأنا أشكر الأخوة جميعاً المتابعين لهذا البرنامج والذين يدعمونه بآرائهم ويشاركون فيه سألاً الله جلا وعلا للجميع التوفيق والسداد .
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم شيخ صالح من باب المجاز الذي ذكرتموه أنتم في أثناء الحلقة يا شيخ ترد مسألة الآن ونحن داخلون على التاريخ الهجري أو العام الجديد الهجري مسألة التهنئة بالعام الهجري هل هي جائزة .
الشيخ صالح المغامسي : هذا من باب العادات وهي جائزة شرعاَ لا حرج فيها.
الأستاذ معمر : طيب أحسن الله لكم شيخ صالح وجزاكم الله خيرا باسم جميع المشاهدين أتقدم لكم بالشكر فشكر الله سعيكم وجزيتم خيرا ،، مشاهدي الكرام بهذا أصل وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة وأتمنى أن يتجدد اللقاء بكم في العام القادم بإذن الله تعالى تحضرني في هذه الخاتمة أبيات شعرية جميلة لعلي أختم بها بعد أن تأذنوا لي وهي قول الشاعر :
قطعت شهور العمر لهواَ وغفلة *** ولم تحترم فيما أتيت المحرم َ
فلا رجب وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم صوماَ متمماَ
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي مضى*** فلا كنت قواماَ ولا كنت محرما
فهل لك أن تمحوا الذنوب بعبرة *** وتبكي عليها حسرة وتندمَ(5/43)
أسأل الله عز وجل أن تستقبل العام الجديد بتوبة لعلك أن تمحوا بها ما تقدم أسأل الله عز وجل أن يجعل عامنا المنصرم عام توبة وغفران كما أساله تعالى أن يجعل العام القادم عام عزة وطاعة ومحبة في الله لقاءنا يتجدد بكم بإذن الله تعالى في عنوان قبسات من الهجرة إلى ذلكم الحين وفي كل حين أبقوا في حفظ الله ورعايته أستودعكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....................(5/44)
حلقة القطوف الدانية لشهر ربيع الأول 1427هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين .. مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم إلى حلقه جديدة من برنامج{القطوف الدانية }
حديثاً في هذه الحلقة بإذن الله تعالى عن سمه من سمات الخلق الكريم وصفه من صفات النفوس الأبية .... صفه اتصف بها الباري عز وجل .. ومدح بها خليله إبراهيم وسائر أنبياء عليهم السلام كما مدح بها عباده الصالحين ..وإذا انتشرت بين الناس ملأت حياتهم صفاء ونقاء ... وظللتهم بروح المودة والإخاء والمحبة والألفة ... الوفاء كلمة نعد أحرفها وتمتد معانيها لتشمل كل العلاقات والمعاملات مهما تنوعت مشاربها أو اختلفت مآربها .... كلمة لها دلالاتها العميقة على كرم نفوس أصحابها ونبل مشاعرهم ... فما المراد بالوفاء ؟ لمن يكون ؟ وما أساليبه وطرقه؟ وهل يمكن أن يكتسب كغيره من الصفات الحميدة ؟
تساؤلات كثيرة أطرحها بين يدي ضيفنا الكريم في هذه الحلقة التي أسعد بها باستضافة فضيلة الشيخ : صالح بن عواد المغامسي ، باسمكم جميعاً أرحب بشيخنا فحياكم الله يا شيخ صالح ..
يا شيخ صالح بعد أن أكرر ترحيبي بكم لعلي كما قررت مع فضيلتكم وأقررت مع المشاهدين أن هذه الحلقة سيكون لها طابع خاص بإذن الله عز وجل .. نظراً لأن الوفاء كما تعلمون ــ حفظكم الله ــ قريب من النفس البشرية ... كل النفوس الأبية والنفوس التي تنطوي على شيمة من الشيم تحرص دائماً أن تحقق هذه الصفة إذا أذنتم لي أن ننتحي بهذه الحلقة منحى معيناً تغلب فيه الرؤية الأدبية والرؤية الشعرية ولا نغفل ما سيرد من مقاطع من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أو من سيرة صحابته أو السلف في التاريخ الإسلامي ... بداية شيخ صالح ماذا نقصد بالوفاء ، وتمهد لهذه الحلقة نتكلم خلق الوفاء .(5/1)
الشيخ صالح : بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه ...
نسأل الله التوفيق والإعانة ثم نقول ابتدأً كما قررتم في أول الإلقاء المنحى اليوم سيأخذ منحى غير الذي نحوناه فيما سلف وقد تكون المواضيع السابقة مصبوغة بالشرع أكثر لكن الوفاء قضية إنسانية أحياناً لا تكون محكومة بالشرع .، بمعنى لا نقصد أنه غير محكوم بالشرع أن الإنسان يغفل ما يشاء لكن نقصد أنه لا ينظر إلى غبن الأخر فيها ... بمعنى أنها تقع بين المؤمن والكافر تقع بين البر والفاجر وتقع أيضاً بين الإنسان والحيوان هذا يحسن التنبيه له في أول الأمر أما ما ذكرتموه من طلب تعريف الوفاء
فالوفاء خلق متشعب بمعنى أن له علاقة بأكثر الصفات الحميدة في الإنسان فيغلب أحياناً قضية تعامل الإنسان مع والديه تعامل الإنسان في بيعه وشراءه وتعامل الإنسان مع أصدقاءه وقرناء عمله وتعامل الإنسان مع كل من حوله حتى مع الجبال الصماء والديار البكماء تتعلق قضية الوفاء .
فالوفاء إجمالاً لا يمكن حصر أوديته لكن كما قلتم في المقدمة كلمة معدودة الحروف لكنها متشعبة المعاني تشعباً كبيراً لذلك في هذا اللقاء سنحاول أن نؤصل ثم نحاول أن نذكر مجالات ثم نحاول أن نذكر غير ذلك فيما يغلب على الظن أننا نخدم به من يسمعنا ويشاهدنا لكنه غنيٌ بالأدب أكثر ما هو غنيٌ بالنصوص الدينية .
الأستاذ معمر : كما يقال شيخ صالح وبضده يتميز الأشياء ....يعني لا زلنا في بيان حقيقة الوفاء وبيان هذه الصفة الحميدة دعنا قليلاً نعرج على ضد هذه الصفة لكي تتضح بإذن الله عز وجل .(5/2)
الشيخ صالح : نعم .. ضد هذه الصفة الغدر ، الله جل وعلا جعل الأنفس هذه مختلفة الطبائع مختلفة المشارب كما أن القبضة التي قبضها الملك الذي رفع القبضة إلى السماء قبضها من الأرض كلها سهلها وحزنها طيبها وخبثها كذلك جاء الناس مختلفي المشارب مختلفي الطبائع كما قدره الله جل وعلا قدراً وسيق يعلمه أن يكون الناس كذلك ... ضد الوفاء ... الغدر ...
فهناك نفوس شريفة عفيفة أبية تحب العطاء تقابله بما هو أحسن ، وهناك نفوس غلب عليها الغدر ولهذا من طُبع على الغدر من كانت سيرته أصلاً خبيثة يصعب تغيره ومما يستطرف في هذا الجانب ما تحكيه العرب على السنة بعضها : أن رجل وجد ذئباً ـ جرو ذئب صغير جداً ليس له إلا يوم أو يومان ـ فأخذه فألحقه بمعزه وبأنعامه هذا الذئب رضع من شاته وهو له يوم أو يومان فهو الذئب الصغير الجرو لم يبصر ذئاب أُخر فنشاء وكبر مابين تلك الضأن والأنعام وهذا الرجل يتعاهده بالطعام كما يتعاهد شياهه ... الشياه أليفة لصحابها بطبعها لا لأن صاحبها قائمٌ بها فلما كبر هذا الذئب بقر الشاة وأخذ يفني في الغنم فقال : ذلك الرجل يصور هذه الحالة في آخر أبياته التي قالها :ـ
فمن أنباءك أن أباك ذنب
هذا التساؤل ينبغي أن لا يطرح إلا اللهم من باب البلاغة الشعرية والمقصود أن الذئب في أصله طبعه الغدر فلا يستغرب منه ، وعلى هذا يقال أن من كانت هذه سريرته لا يطمر معه معروف ولا يكون متحلياً بالوفاء ... ونحن نجيب هنا ما ضد للوفاء والعرب تقول أن الإنسان حتى في الصحبة يفر قدر الإمكان ممن في سريرته الغدر ولا يكون معه المعروف وكلنا يسمع بصدر البيت الشهير
وعند جهينة الخبر اليقين ٍ(5/3)
وهذا يقولون أن رجلاً يقال له الأخنس من جهينة خرج ووجد رجلاً يقال له الحصين كلاهما فارٌ من قبيلته وكان العرب قديماً في جاهليتهم فئة تسمى فئة الصعاريف هذه الفئة تخرج للفتك و لجمع المال بأي طريقة كانت فتلاقيا وكلاهما فاتك وكلاهما غادر.اجتمعا فأخذ كل منهما يخاف من أخيه يتوجس خيفة من أخيه ثم اتفقا أن يكون فتكهما سوياً فمرا على رجل كان للتو عائد من أحد الملوك يملك غنيمة فهذا الرجل لما سلما عليه رحب بهما وأكرمهما ثم الغدر سجيه بهما فلما أكرمهما ذهب الأخنس لبعض شأنه فلما عاد وجد صاحبه الحصين قتل الرجل وأخذ ماله فتعجب وقال رجل أكرمنا ـ وكان الأخنس فيه شيء من الوفاء ـ قال: أسكت وإنما لهذا ومثله خرجنا لكن أجلس فتغدي فاخذ يتناولا الطعام سوياً وكل منهما يحذر صاحبه لأن السريرة والطينة طبعت على الغدر فبينما هما يأكلان أراد هذا الحصين أن يغدر بصاحبه لكن الأخنس كأنه فطن له فقال له في جملة حديثهما يريد أن يغدره قال: الحصين للأخنس هل أنت زاجر ، وكلمه زاجر _ العرب إذا رأت ذا ذنب مقطوع أو طائر يتفاءلون أو يتشاءمون به فقال : و ما ذاك فقال في هذا العقاب الكاسر قال: وأين هو فرفع ذلك المسكين الحصين رقبته يريد أن يشير إلى ذلك العقاب فلما أراد أن يشير إليه ارتفع نحره وكان جاهز للطعن و الأخنس فاتك فأخرج خنجره , وضعه في نحر صاحبه فمات فأخذ الغنائم كلها وقدم بهما على ديار جهينة وهو في الطريق مر على بطنين من قيس يقال لهما مراح و أنمار فلما مر عليهما قابل امرأة تساءل عن الحصين قال لها ومن أنت منه قالت : أنا أخته أنا صخرة ـ أسمها ـ قال: أنا قتلته لكنها احتقرته قال: ما مثلك يقتل مثله فتركها ومضى على دياره ثم وزع الغنائم على قومه ثم وقف يقول :
و صخرة إذا تساءل في مراح *** و انبار وعلمهما ظنون
تساءل عن حصين كل ركب *** وعند جهينة الخبر اليقين(5/4)
والمقصود من هذا أن الغدر لا يكون في طبع الأوفياء وقدر قرر أبو تمام رحمه الله هذا إذا قال :
إذا جاريت في خلق دنيئاً *** فأنت ومن تجاريه سواءً
رأيت الحر يتجنب المخازي *** ويحميه عن الغدر الوفاء
فيجعل الغدر ضداً للوفاء و الوفاء ضداً الغدر .
الأستاذ معمر : جميل جداً ... شيخ صالح كما تعلمون أن مجالات الوفاء كثيرة جداً قبل أن ندخل في هذه المجالات يا شيخ هنا تساءل طرحه الأخوة على الموقع وتساءل ضمنته محاوري يا شيخ ... صفة الوفاء هل هي صفة جبليه طبع عليها النفس البشرية أما أنها صفة مكتسبة إذا كانت صفة مكتسبة فما هي الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى اكتساب هذه الصفة ؟(5/5)
الشيخ صالح : هي صفة جبليه مكتسبة يجتمع فيها الأمران جبلية مكتسبة تكون أصلاً نبته هذه النبتة لها أسباب نبته ربانية نبته من العرق أو الأسرة التي ينتمي إليها الرجل من الديار التي ينشئ فيها ثم تكتسب من خلال التربية خلال الأيام من خلال التجارب من خلال التعلم مثلها مثل غيرها يعنى جبلية مكتسبة في آن واحد أما الأسباب قد نسميها أسباب أو نقول مدركات أو نقول بتعبير أوضح الإنسان ثمة أشياء حوله لابد أن يحتاط بها أي يعرفها إذا عرفها يصل بذلك إلى الغايات حتى يكون هناك خلق وفاء فينا ينبغي أن يعلم أولاً وهذه أعظم المدركات أن الله جل وعلا يحب معالي الأمور والنبي صلى الله عليه وسلم (( إنما بعثت لأمم مكارم الأخلاق )) فلما قدم صلى الله عليه وسلم كان للعرب خلق كريم وكان ذا خلق لئيم الخلق الكريم لم يزحه النبي عليه الصلاة والسلام وانظر إلى التعبير النبوي أتم أزيد فيه ولا ينقصه يعني كان موجود من قبل اعترف شرعي انه كان موجوداً والله جل وعلا يقول في سورة النور (({وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ }النور22)) فعبارة أولوا الفضل تبين أن هناك قوم ذوي مزايا وذوى عطايا وقوم ذوي خلق نبيل وشرف ومميزون عن غيرهم هذه النصوص الشرعية تبين بجلاء أن الله تبارك وتعالى يحب معالي الأمور ما الوفاء إلا أحد أعظم معالي الأمور ، فإن الإنسان هذا أصبح في طريقه إلى بناء نفسه لابد أن ينطلق من أصلٍ شرعي فالأفعال والصفات التي يحبها الله جل وعلا ينبغي للمرء أن يتحلى بها فإذا كان الإنسان رفيعاً شريفاً يحب تلك الأمور وهي تحتاج بالطبع إلى التضحيات يهون عليه الأمران الله تعالى يحبها وهو يقول (({لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ)) إن قضيتم الأنفاق مما تحب هو البر والعلماء يقولون (من صبر على ما يكره وانفق مما يحب فنال البر) ولا ريب أن الوفاء من أعظم خصائص البر هذه الأولى .(5/6)
الثانية : الإنسان وهذا يمر معنا كثيراً في روحنا ينبغي أن يعلم أن الأيام دول قد يقول ما علاقة الوفاء بالأيام الدول ، أن الإنسان يكون وفياً لمن تغير عليه الأمر:
وقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا
ولو خلد الكرام إذاً خلدنا *** ولو يبقى الملوك إذاً بقينا
فالمقصود أن الإنسان يعلم أن الأيام دول ،، فلنكن قريبين فالإمام عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله نزح إلى الكويت بعد أن سُلب المُلك الملك عبد العزيز رحمه الله فأسس هذه البلاد انطلق من الكويت والكويت أميرها آنذاك آوى الأسرة فانطلق منها الملك عبد العزيز فتح الله على يده المدائن وأعاد الله على يده البلاد وجمع الله على يده الشمل إمام هذه البلاد المباركة المشهودة ثم دارت الأيام تعرضت الكويت ما تعرضت له مما لا يمكن أن يغفل عنه احد وهو الغزو العراقي ثم قدر أن يقوم الملك فهد رحمه الله رحمه واسعة برد الجميل لأهل الكويت وتؤوى الأسرة المالكة من الكويت في ديارنا ويدخل أهلها شرفاء أحرار إلى ديارنا ثم عادوا ولله الحمد والمنة ومن الله عليهم بما من عليهم .(5/7)
والمقصود من هذه الأيام دول ومن عرف الأيام دول يحاول أن يصطنع المعروف ثم يبعد تماما يا أخي عن الشماتة لماذا ؟ لان سنه الله في خلقه الدنيا عموما ككرسي الحلاق إن صح التعبير كتعبير شعبي لكن جرت منه الله في الأمثال تكون الأمثال تكون شيئا محسوسا لا تكون موغلة..الله يقول (({يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً }الحج73)) فالذبابة شيء وضيع لكن كل الناس تعرفه...فعندما نقول كرسي الحلاق حتى الأمر يكون معروف فالدنيا كرسي الحلاق هذا يصعد وهذا يهبط وظهر ذلك عيانا في سوق الأسهم في الدول أمسوا ولم يصبحوا وناس أصبحوا فغدوا في الإمساء فالمقصود البرامكة وما كان لهم من علو وشان في دوله بني العباس لكن ينبغي أن يُعلم أن الأيام دول مع الأولى وهي أن الله يحب تعالى الأمور..
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح عن هذه الفقرة إن الأيام دول .. لاشك أن الإنسان يقدم في حاله السراء وحال الرخاء عندما يقدم الوفاء والمعروف لغيره بإذن الله سيجد نتيجته عندما تنقلب الأيام .. لكن بداية يا شيخ هل استحضر مثل هذه النية.
الشيخ صالح : لا يلزم ، لكن بعض الأمور يجوز الخلط فيها بالنوايا يعني لا تكون حرام يجوز الجمع فيها الله تعالى يقول (({وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ }الروم39)) هذا ليس بحرام لأنه ليس الربا المحرم وإنما هو العطايا التي يعطيها الإنسان رجاء ردها فهذا معروف لكن نزه عنه الأنبياء قال تعالى (({وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ }المدثر6)) معنى لا تعطى تريد ما يصنعه الناس لكن لو جاء إنسان وأعطى إنسان أغنى منه هديه رجاء أن يهدي إليه هذا ليس مأجور لكنه ليس حرام ..أي ليس مذموما لكن الإنسان يصنع الحيل ومن حقه أن يسترق الأحرار كما سيأتي(5/8)
نقول الأمر الثالث الأخير إن الحياة مراحل ما علاقة الحياة مراحل بالوفاء ؟ لا يوجد مثل عامي شهير يعرفه الناس بين عشيه وضحاها ولا يوجد ملك مشهود له بالقوة السياسية وصل إلى الملك بعشيه وضحاها ولا يوجد غني أغناه الله في عشيه وضحاها لكن القضية أن الإنسان يمر بحياته بمراحل خلال مراحل حياتنا يكون هناك أناس صفوه إذا خذلنا الغير يكون هناك دعم ،أُم تعكف على ولدها تربيه تتعاهده ترفض أن تتزوج من اجله.أخوه يساعدون أخاهم يتلون عنده قدره على العلم .. أصحاب يعنون صديقهم على نوائب الدهر حتى يصل .. طلاب يعينون شيخهم حتى يبلغ هكذا في سائر الحياة ...الحياة مراحل خلال هذه المراحل يأتي إذا وصل الإنسان إلى الغاية يجب عليه حينها أن يبر من كان سبقت له النعمة واليد في هذه المراحل يأتي أصحاب هذا الإنسان يعني يكون عاقل وهو يسير في الحياة لا يكون وقتها يفعل الأمر فجأة لكن الإنسان يغدو تدريجيا في الحياة يعرف حاله وما عليه حتى يصل لأن الحياة مراحل يوطن النفس على قضيه الوفاء كذلك ينبغي أن يعلم أن الإحسان مما يسترق به رقاب الأحرار المتنبي يقول :
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا(5/9)
وقد جاء في السيرة العطرة والأيام النظرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان صلح الحديبية كانت قريش تبعث الرجال ليناوبون في قضيه المحادثات مع النبي صلى الله عليه وسلم احد الرجال الذين قدموا كان بذيء اللسان من قريش فلما وقف عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أراد أن يقترب أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم بيده فجاء المغيرة بن شعبه رضي الله عنه وكان واقفا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفه نحى الرجل فلما نحى الرجل قال:- من أنت يقول للمغيرة . قال :-أنا المغيرة .قال له :- لو أن يد لك عندي لأجبتك . فعبر باليد عن النعمة ـ فمن باب الفوائد هنا ـ العرب تعبر باللسان عن الثناء مثل قوله تعالى (({وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }الشعراء84)) وتعبر بالقدم عن السعي ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ }يونس2)) أي سعى وعمل صالح وتعبر باليد عن النعمة فالمقصود كما قال الأول :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** لطالما استعبد الإنسان إحسانا(5/10)
الإنسان لا يسترق قلوب الأحرار بأعظم من اليد لان الحر يحفظ اليد فحتى لو تبدلت الأيام أظهره الله أو غيره يستحي ومن هذا جاء وفاء النبي صلى الله عليه وسلم للمطعم بن عدي ولذلك أنا قلت في الأول غير محكومه في الدين ولا اقصد انه غير محكومه بالشرع فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في جوار مطعم بن عدي بعد عودته من الطائف بعد أن رده أهلها وهو كافر ومات مطعم دون أن يسلم ومات على الكفر في غزوة بدر اظهر الله نبيه فنظر صلى الله عليه وسلم للأسرى فقال صلى الله عليه وسلم :- وهو المشرع للامه والقدوة قال :- لو أن المطعم بن عدي كان حياً وكلمني في هؤلاء الأنتنة لتركتهم له تركتهم لماذا؟ لمطعم دون سائر قريش لا لقرابه وإنما ليد كانت لمطعم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت وفاء له فهذا يدل على ما حررناه من قبل والمقصود من هذا أن الإنسان إذا أحسن يستجلب رحمه الله ويسرق قلوب الأحرار .....
يقولون إن رجلاً خرج على الحجاج بن يوسف على ظلم الحجاج فلما خرج على الحجاج كان الحجاج عرف فيه الشرف فاعتقه وتركه كان بإمكانه أن يقتله فلما تركه ومضت الأيام ذهب الخارجي إلى قومه قالوا :- هلم بنا نحارب هذا الخبيث مره أخرى قال :- هيهات لا يمكن أن يقع اسر يدا معتقها ملك رقبة مطلقها المقصود أنه من ّ عليه الحجاج أن يخرج جعل تلك المسألة مانعة له في حرب الحجاج مرة أخرى ..
ختاماً نقول إن الأنفس الشريفة لا يمكن أن يحل بها الغدر ولا الحقد والأنفس الأبية تعلم ما معنى الإحسان ولا يمكن أن يكون الوفاء إلا في أقوام شرفاء عظماء أجلا وإن كان الأمر نسبي يتفاوت الناس فيه درجات كسائر أمور الفضل هذا يعلو وهذا ينزل لكن المقصود أن هذه الخمس تقريباً أعظم المدركات التي يحتاجها المرء في الوصول إلى غاية الوفاء .(5/11)
الأستاذ معمر : أحسن الله إليكم يا شيخ بعد التأصيل الذي أصلتموه حفظكم الله قبل التقرير دعنا إذا أذنتم لي يا شيخ أن ندخل إلى مجالات الوفاء بداية نعد هذه المجالات ثم نجعل كل مجال على حده ؟
مجالات واسعة فلنحصرها في الوفاء في التعامل والوفاء للوطن والحنين للديار والوفاء لذوي الحقوق وهو يشمل الوالدين والزوجة وغيرهما والوفاء لذوي الأيدي أي الوفاء لأهل النعم هي تكون شاملة وسندخل في تفصيلات كثيرة سيجلي ما يريده المشاهد بداية يا شيخ دعنا نقف مع الوفاء في التعامل؟
الشيخ صالح : بدأنا به لأنه هو الأصل في الوفاء في القرآن قال الله تعالى (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ) لذلك بدأنا به ، الإنسان يعيش وسط مجتمع سواء مجتمع كافر أو مجتمع مسلم سواء في مجتمع مدني أو قروي هذه الخلطة بين الناس تجعل الحاجة أن يتأصل فيهم الوفاء بالتعامل وأحياناً يأخذ خصائص متفرقة يعني ما نستطيع أن نقول أن له تعريف واحد كما يصنع الفقهاء ولكن نقول مثلاً الوفاء في التعامل فيمن أستودعك وديعة ثم جاء من هو أقدر منه وأقدر منك على أن يطلبها وبهذا القدر نضرب مثلاً شهيراً يقولون أن امرؤ القيس كان شاعر وأبوه ملك والعرب آنذاك تأنف الملوك أن يكون من أبناءها لهم باع في الشعر لا يريدون هذا يرون أن هذا يخل بالملك في عُرفهم القديم فانتقل امرؤ القيس عن أبيه بعد عنه قُتل والد امرؤ القيس لما قُتل جاء الخبر امرؤ القيس قال ضيعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً :
اليوم خمر وغداً أمر لا صحو اليوم ولا سكر غداً(5/12)
وأخذ يصنع ما يصنع لاسترداد ملك أبيه دل على قيصر وقيصر في أنقرة في تركيا فتوجه إليه ،ودل على السموئل الذي كان يملك قصراً في تيما البلدة المعروفة في بلادنا لما دل عليه أخذ أسلحته و أدرعه وسائر أمواله وأستودعها السموئل هذه قضية تعامل الآن مات امرؤ القيس كما هو معروف في تركيا ،جاء ملوك كندا يطالبون بالأدرع والأسلحة التي وضعت عند السموئل لكن السموئل أشترط أن لا يستلمها إلا ورثة امرؤ القيس فطوق القصر ولم يجدوا سبيلاً للوصول السموئل لكنهم وجدوا أبن السموئل خارج القصر أخذوا وأبوه ينظر يهددونه سنقتله ـ وفي ذلك الوقت لم يكن هناك دين ولذلك أنا قلت الوفاء قضية أنسانيه في المقام الأول ـ لكن وافق على أن ينحر أبنه أمام عينيه فضلاً على أن يسلم الأدرع والأسلحة لهم فنحر فضربت به العرب المثل في الوفاء هذه قضية التعامل ، الله تعالى يقول ({وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ }النحل91 ) النبي صلى الله عليه وسلم كان مضرب المثل في وفاءه عليه الصلاة والسلام في بيعه وشراءه وتعامله مع من كان يقرضه مالاً وقد أحتاج عليه الصلاة والسلام وأقترض ووفى وزاد وكان إذا مثلاً أخذ بعير وفى بأكرم منه وهو ليس ربا إن لم يكن شرطاً في الأول لا يدخل في الأثر المشهور (كل قرضاً جر نفعاً فهو ربا )نهاية الأمر أن التعامل بين الناس ضابط في قضايا الوفاء فالوفاء هنا بمعنى الكمال لكنهم يقولون (ماستنفقت كريم ) بمعنى ماستنفقت كريم الكريم هنا لا يأخذ حقه كاملاً وهذا مما قلته وكررته مرراً أن ينبغي أن نفرق في الوفاء الذي تعطيه لغيرك والوفاء الذي تطلبه من غيرك والله تعالى يقول (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ(1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3) المطففين ) يستوفون بالذين هم فيه يخسرون وهذا لا يندرج تحت مضمون الوفاء ولذلك نحذر ولا يعرف الوفاء تعريف واحداً(5/13)
حتى لا يضبط المسائل كلها الغاية من هذا التعامل ينبغي في خلق الوفاء ... مستأجر مع صاحب عمارة عامل عنده أجير معنى الوفاء في التعامل أن هذا يؤدي الذي عليه وهذا يؤدي الذي عليه فصاحب العمل يعطي الأجرة كاملة ( أعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) وعلى الأجير أن يعمل مخلصاً لصاحبه بإخلاص وإتقان هذه قضية الوفاء بالتعامل وارجوا الله إن تكون الصورة اتضحت جلية قبل الانتقال إلى غيرها ...
الأستاذ معمر : من صور الوفاء يا شيخ الوفاء للأهل الوفاء للأوطان ولديار كما قيل لأحد الحكماء كيف تعرف وفاء الرجل قال : [بحنينه إلى لأهل] لاشك يا شيخ أنكم ستتحدثون عن الوفاء للأوطان ولديار وأتمنى منكم أيضاً أن تعرضوا لما تعرضت له بلادنا من الخيانة والغدر لهذه البلاد المباركة التي مديد العون بعد الله عز وجل .
الشيخ صالح : نعم ... يحرر المسالة الوطن قد تنشأ أحياناً ثقافات الغير شرعية وغير صحيحة أن الناس أحياناً ـ وهذا قليل لكن يوجد ـ يعتقدون أن حب الوطن ليس من الإيمان وإذا قلت حب الوطن من الإيمان قال حديث ضعيف لم يصح هو لفظاً لم يصح لكن معنى صحيح قال الله جل وعلا ((مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا)) قدم الله الديار على الأبناء ثم قال الله تعالى (({وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم }النساء66 )) فجعل الخروج من الديار كقتل النفس ، على هذا يُقال ينبغي أن يؤصل أن حب الأوطان شيء مغروس في قلوب كل إنسان :
وحبب أوطان الديار إليهمُ *** مآرب قضاها الشباب هنالك
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمُ *** عهود الصبا فحنو لذلك(5/14)
لكن السؤال قطعاً متى يحن الإنسان لوطنه ؟ .. متى يجب عليه الوفاء ؟ .. يجب عليه الوفاء متى ما كان قادراً ، لكن الحنين إلى الوطن يكون إذا أبتعد الإنسان عنه فالحنين شيء والوفاء شيء آخر والوفاء أن يسعى الإنسان في أثراء بلدة في تعريف الناس ببلدة فيما إلى ذلك من أمور عدة لكن الوفاء لا يكون إلا إذا حن إليها يقولون أن الصحة هذا أحد شعراء بني أميه أراد أن يتزوج أبنه عمه فوقع بين خذلان أبيه وطمع عمه هذا الأخذ الآن اضطر الشاعر الصحة أن يخرج من أرض نجد من خذلان أبيه وطمع عمه لما ذهب إلى ديار الشام حّن إلى محبوتبه ريّا وحّن إلى تلك الديار وتذكر طفولته تذكر المصطاف تذكر المتربع هكذا الوفاء فقال:
حننت إلى ريا ونفسك باعدت *** مزالك من ريا وشعباء بكما معا
تلفت نحو الحي حتى وجدتني *** تعبت من الإصغاء بيتاً و أخدعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها *** عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
قفا ودعا نجد ومن حل بالحمى *** وقل لنجد عندنا أن يودعا
فليست عشيات الحمى برواجع *** عليكٍ ولكن خل عينيك تدمعا
هذا ما ذكر في حب الأوطان ...
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر : الأخ عبد الرحمن سالم ــ يسأل عن أعظم قصيدة في الوفاء ؟
الشيخ صالح : لا أعلم أن هناك قصيدة بعينها تقال في الوفاء لكنه يكثر في الرثاء يقولون المتمم أخو مالك لما قتل مالك على يد خالد بن الوليد قتل خطأ يعني اختلاف في فهم المقصود قدم متمم هذا إلى المدينة أيام الصيف رضي الله عنه فلما صلى الصديق العصر قام متمم واتكأ على قوسه وكان أعور إحدى عينيه فقال : يرثي أخاه ..
نعم القتيل إذا الرياح تناوعت *** خلف البيوت قتلت يا ابن الأزورِ
ثم قال لأبي بكر :
أدعوته بالله ثم غررته *** لو هو دعاك بذمه لم يغدرِ(5/15)
فدمعت عينه العوراء ميتة لكنها دمعت بما في قلبه من الوفاء والحنين لأخيه هذا بيت وثمة قصائد كثيرة لكني لا أعلم قصيدة جبلت كاملة على أنها قيلت في الوفاء هذا حد علمي وقد يوجد وعدم العلم بالشيء لا يعني علم بالعدم ...
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح أنتقل إلى الوفاء لذوي الحقوق إن أذنتم لي كما هو المعلوم أن الوالدين هم أولى الناس لكن استأذنكم بأن نبدأ بالوالدة لتجربة شخصية نتكلم عن الوفاء للوالدة كيف يكون في حال حياتها وأيضا في حال الممات ؟(5/16)
الشيخ صالح : ليس لأحد منه على أحد أكثر من منه الوالدة على ولدها فإذا ذكرتم وفقكم الله عن تجربة شخصية وجهد الوالدة معكم فهذا أمرٌ محمود يدل على الوفاء في شخصكم ويدل ذلك عموماً أن الوالدة أحق ما أقام الإنسان الوفاء معها فنسأل الله أن يجزي عني والداي خير الجزاء ،، الوالدان يملكان من الشفقة ويحملان من الخير لأبنائهم مالا يمكن أن يدركه الأبناء إلا إذا أصبحوا آباء ومن وورث الحقوق الوالدين والله لا ينجم عنه خير لغيرهما أبدا ولهذا جعل الله جل وعلا على لسان نبيه أن الحقوق مما يعجل به الأمر والعقوبة في الدنيا والتاريخ فيه شواهد على من وفى مع والديه كيف أكرمهم الله ومن عق كيف أهانهم الله والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لعمر و الصحابة عن أويس القرني يقول ( سلوه أن يدعوا لكم ) ما الخصيصة التي في أويس لم يكن صحابياً ولم يشهد بدر ولا الحديبه ولم يبايع تحت الشجرة لكن أويس كان باراً بوالدته وبره بوالدته ووفاءه معها جعله مستجاب الدعوة حتى يتبعه رجل في مقام عمر يطلب من أويس لأن يدعو له المقصود من هذا أن الوالدة أحق الناس بالوفاء .. ثم الوالد ولا شك أنه لا يجب أن يكون أحسن منه يقولون إلا الوالد لا يمنع أن يكون ولده الأفضل منه المقصود من هذا أن الوالدين لهما حقهما العظيم لا حاجة للأطناب لأنه من جهل هذا الأمر وأظنه يعرف شيئاً فحقوق الوالدين والوفاء معهما من أعظم خصائص البر الدالة على كريم النفس وأنت الإنسان بالتجربة والمعاشرة بالمعاصرة إذا رأى أحد فيه جفاء وحقوق والديه والله لا يأمنه على شيء لأنه يقول لو كان فيه خير لكان خيره لوالديه هذا حق الوالدين جعلنا الله وإياكم من البارين ...(5/17)
وليس هذا مقصور في حال حياتهم أطلاق إلى أن ينفد عمر الشخص نفسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هل بقي من حق والدي شيء أبرهما به ) قال ( نعم الاستغفار لهما والصلاة عليهما وصلة الرحم التي لا تصل إلا بهما وإنفاذ عهدهما ) فذكر صلى الله عليه وسلم جملة من الأمور التي يبر بهما الوالدين وذكر عليه الصلاة والسلام قضية الاستغفار والحج عنهما والاعتمار والصدقة كما قال صلى الله عليه وسلم لعد كل ذلك من وسائل البر والوفاء للوالدين ...
الأستاذ معمر : أيضاً يا شيخ من صور الوفاء الوفاء بين الزوجين البعض ينصرف ذهنه مباشرة إلى الوفاء بالشروط الموجودة في العقد هل نقول هذا صحيح أم نتجاوز ذلك ؟(5/18)
الشيخ صالح : العقد هذا يلجأ إليه إذا لجأ الناس إلى المحاكم لكن العاقل لا يلجأ ببيته إلى المحاكم نقول الشيخ حسين تكلم عن قضية وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة هذا الوفاء أخذه عنه الصحابة فأسماء بنت عميس لما كانت وفية مع الصديق رضي الله عنه قلدها وسام عظيم فهو أنه أوصى أن تغسله أن تقوم بغسله أسماء بنت عميس دون قرابته دون أبناءه وهذه فضيلة وخصيصة لها رضي الله عنها وأرضاها تقوم بغسل الصديق رضي الله عنه وأرضاه فالزوجة تشارك الإنسان مراحل عمره ، الآن أنا معكم عندما قدمت في الأول عندما قلت أن الحياة مراحل فلا يعقل أن تأتي مدرسة تنفق على زوجها وتساعده كثيراً لكثره مالها سواء كان موروث أو كانت ذات عمل أو كانت على غير ذلك فتعطيه حتى يقوم على سوقه فإذا اشتد على سوقه قام بمالها تزوج عليها , نقول هذا حرام لكن هذا ليس من خصائص أقوام يشار لهم بالبنان إذا كان هذا من مالها هذا غير محمود غير مستحسن وطالب علم في بداية حياته زوجته صبرت على كثره أسفاره على كثره وجوده بالمكتبة وتحريره للمحاضرات وعلى ذلك حتى إذا عرفه القاصي والداني وعلمه الغائب والشاهد أعطاها ظهره وقلب لها ظهر المجن وتزوج عليها لا أقول هذا حرام لكن ليس أمرا مستحسناً لكن قد يقول قائلا أنت ضيقت واسع صحيح هذه مسألة رأي وليست حقيقة ينبغي أن يُفرق بين الرأي والحقيقة قد يجانب الصواب فيما قلت ثم تأتي الزوجة إذا كانت وفيه في آخر أيام حياته فسبقت زوجها إلى ربها هنا يكون الوفاء أعظم ليس الوفاء بان لا يتزوج بعدها ليس شرطاً لكن بالذكر الجميل بالدعاء لها بالاستغفار لها وأنا هنا اذكر تجربه رايتها , أنا لي خال اسمه الشيخ أحمد فالح المغامسي وهو رجل ذو علم وفضل هذا الرجل المبارك كانت له زوجه صالحه ولها أبناء وبنات وهو ابنها الآن دكتور تُكنى أم الأمين في جامعه طيبه الدكتور أمين احمد هذه المرأة كانت بره بزوجها وفيةً معه وكان من دأب خالي(5/19)
هذا وفقه الله انه يذهب في العشر الأواخر إلى مكة فكانت تعد له طعامه وشرابه وتذهب معه وتقوم برعايته حتى يتمكن من عباده ربه سنين طويلة ثم انه قدر الله عز وجل ابتليت بمرض ثم ماتت
الأستاذ معمر : قريب يا شيخ .
الشيخ صالح : قريب جداً يمكن 8 سنوات تقريباً ثم انه بعد ذلك طال هذا مع العلم الشرعي أعطي قدره بلاغيه فكتب فيها قصيده تسمى أم الأمين وأنا استأذنكم واستأذن الأخوة في قراءتها ووفاء لخالي سأقرئها :-( وهنا كاملة ولم تُقال كاملة في البرنامج )
خليليّ قوما بالبقيع وسلما *** وخصا به قبرا هناك مُعلما
ولا تبخلا بالدمع إن سال منكما *** فعيناي قبل اليوم سالت به دما
وإن تتحفا أم الأمين الأمين بدعوة *** فإني لأرجو أن تثابا وتُرحما
وإن تدعوَا لي بالتصبر بعدها *** فإني لأرجو أن يجاب دعاكما
و ما الناس إلا قادمٌ ومودعٌ *** نُسر به طفلا ونبكيه قيّما
وما المرء مهما عاش إلا كقادم *** على قومه ضيفا وراح مُكرما
ونبني على الأوهام صرحا مهلهلا *** إذا مسه اليوم العصيب تهدما
ولو يعلم الإنسان مقدار عمره *** لأضرب عن جل الأمور وأحجما
ولكن جهل المرء بالغيب آية *** بها يستمر المرء في السعي مُقدما
وما كان إيماني ضعيفا وإنني*** لأعلم أن الموت كان مُحتما
ولكنني والحزن يعصر مهجتي *** تمنيت لو كنت الفقيد المُقدما
كأني وإياها بقلب تقدمت *** به حيث أبقتني من القلب مُعدما
فقدت بها ليلى وعبلة قبلها *** وعزة والبثنات بل صرت أعظما
ولو أن أقطاب الهواة تجمعوا *** لأنساهم ما حل عما تقدما
ولما رأيت الدار أحلك ليلها *** وأعيت من الأكدار أن تتبسما
توجهت للبيت العتيق لعلني ***إذا زرته أسقيت للجرح زمزما
وألهو مع العُمار إذ كان جمعهم كبيرا *** وأنسى الهم مهما تجهما
ولكنها كانت رفيقة رحلتي *** وما فارقت جسمي حلالا ومُحرِما
فلما دنت من ذي الحليفة أحرمت *** ولبت كما كنا زمانا تصرما(5/20)
وسرت بها طول الطريق وكلما *** نزلنا أعدت لي شرابا ومطعما
وإن طفت حول البيت طافت بجانبي*** وإن قمت أدعو رددته مُترجما
وإن كنت فوق المروتين توجهت *** إلى البيت مثلي تسأل الله مغنما
لقد زادني الطيف المرافق حسرة *** ولم يشهد الجرح العميق تقدما
فكنت كإسماعيل في ظل دوحة *** وحيدا, ولما تبصر العين جرهما
وقد عدت يوم العيد والعيد فرحة *** إلى الدار مهموما حزينا مُكلما
فأنكرتها والدمع يملأ مقلتي *** فلا مصعداً ترقى ولم ترى سُلما
كأني إلى السجن أساق بقسوة *** ورجلاي أبدت في الدخول تبرما
ولما دخلت الدار كادت رحابها *** وحيطانها بالحزن أن تتكلما
وأخلدت للذكرى وكانت أليمة *** فقد عشت فيها العمر عيشا مُنعما
وكانت بها بالأمس شمسا مضيئة *** فلما توارت أصبح الحي مُظلما
وأظهرت للأطفال مني تجلدا *** وكانوا من الشيخ المتيم أحلما
وأخفيت صوتي بالبكاء فخانني *** فأيقظت أطفالا عن الهم نوّما
كأني وإياهم بمركب لُجة *** أحاطت به الأمواج حتى تحطما
أطالع للبر البعيد فلم أجد *** سوى ليل أشباح أناخ وخيما
فأصبحت والدنيا كأن شموسها *** عن الكون غابت فادلهم وأعتما
وأوجزت في التعبير رفقا بأهلها *** وأبنائها, يبكي به من ترنما
ولو أنني أودعت فيه مشاعري *** لأرسلته غضا طريا منغما
وأدميت قلبا قاسيا متحجرا *** وأبكيت عصما بالحبال وحوما
ولكنني أخفيت في الصدر حسرتي *** وأبديت عنوانا لما كان مبهما
عليها سلام الله ما قام ذاكرٌ *** وصلى على خير الأنام وسلما(5/21)
والمقصود من هذا أن هذه القصيدة تنبي عن خلق جميل ووفاء للزوجة والمقصود من تقديمها نموذج واقعي معاصر للرجال أفضل قدموا النموذج الوفاء للزوجة قد تكون في العكس بمعنى الوفاء من الزوجة للزوج وتكون بإكرام أولاده والوقوف عليهم وتربيتهم وذكر ذلك الزوج بخير والثناء عليه وان تزوجت بعده هذا حق شرعي لكن المقصود الذكر الجميل الطيب وذكر المحاسن كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة مع خديجة.
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح حفظكم الله انتم أشرتم أن هذه الحياة مراحل هذه المراحل على الإنسان شخصيات كثيرة يكون لها تأثير كبير لاسيما من الناحية التعليمية من بداية تعليمه إلى أن ينتهي كل منا قد مر بتجارب كثيرة مع معلميه فالمعلم يا شيخ ألا يستحق منا الوفاء بالدعاء له بالتواصل معه أيضا بخدمته بشتى الطرق التي يمكن للإنسان أن يخدمه من خلالها
الشيخ صالح : المعلم شخص ما، مر علينا في حياتنا أعاننا على الوصول إلى ما قد وصلنا إليه هذه ممكن تقال السلف رحمه الله تعالى عليهم ذكر نماذج عظيمه أبو حنيفة يقول كان شيخه حماد يقول ما مددت قدمي تجاه بيت حماد وان بيني وبينه سبعه سكك إجلالا له وقال :- والله ما صليت صلاه منذُ أن مات حماد إلا ودعوت له مع والدي براً بشيخي هذه طريقه أيضاً الإمام احمد مع الشافعي هذه طريقه وهي الدعاء .(5/22)
فيه طرائق أُخر وهذه أتى بها سيبويه له كتاب مشهور واخذ سيبويه من اشد مشايخه الخليل بن احمد الفرهيدي كان سيبويه يقول في الكتاب يقول قال وزعم ولا يذكر فاعلاً في بعض المواطن إذا قال وزعم وجد بالاستقصاء أن يقصد الخليل بن احمد ،إجلالا له لا يذكر اسمه يقول زعم يونس قال فلان ويذكر اسم مشايخه الذين اخذ منهم لكنه إذا قال وذكر القول دون أن يذكر القائل فإنما يقصد الخليل بن احمد شيخه وهذا من وفائه بشيخه ،، في الكتاب المعاصر وجدتها عند من ؟ عند الشيخ محمد المختار ابن محمد الامين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ابنه متع الله به شيخ فاضل بالجامعة الإسلامية أُصولي معروف يعني في علم الأصول في كتب ورسائله الدكتوراه التي حققها في الأصول فيتعرض لما ذكر الشيخ محمد الأمين ما ذكر أبيه فالعلاقة بينهما والد وولد والنقطة الثانية نتعلق أنها من المؤلف اخذ منه فالشيخ في كل الكتاب لا يقول قال محمد الأمين إذا ذكر أي مؤلف يذكره مباشره يقول قال ابن تيميه , قال ابن القيم , قال فلان , ذكر صاحب الكتاب كذا لكن إذا ذكر والده يقول قال الشيخ حتى في كتابه اسمه يقول محمد المختار ابن الشيخ محمد الأمين وهذه تجمع بين البر وبين الوفاء للوالد وهذه طريقه مكافئه المعلم صور الوفاء للمعلم ذكر تمجيده في المحافل ومواصله زيارته تقبيل رأسه إذا رأيناه بين الناس حتى ولو وصلنا نحن إلى مستوى أعلى منه لدرجه أكاديمية أو بشهره أو ما شابهه ذلك ومن لم يكن خيره في معلميه لا خير له مع غيره على انه في الناس يدخل أحيانا الحسد أحيانا الإنسان يطلب علماً عند احد ثم يتعلم فيصيبه حسد على من علمه وهذا لؤم نسال الله العافية ..
الأستاذ معمر : من صور الوفاء يا شيخ الوفاء مع الأصحاب والإخوان.(5/23)
الشيخ صالح : نستطيع أن نقول أستاذي الكريم ذوي العشرة الذين نعاشرهم الأصدقاء الأصحاب الزملاء قرناء العمل الجيران كلهم يحتاجون إلى الوفاء بالذات من كان بيننا وبينهم مطعم يقولون أن موسى عليه السلام لما التقط التمرة جاء جبريل وجعلها جمره كان أصاب يد موسى شيء من التشويه تشويه جزئي وصار فرعون لا يريد أن يأكل مع موسى فيقال إن الله حفظ موسى أن يأكل مع فرعون حتى لا تبقى مابين موسى وفرعون حرمه مؤاكله فيصبح بعد ذلك زوال ملك فرعون على يد موسى أمر لا غرابه فيه شرعاً ولا يتنافي مع خلق الوفاء الذي جعله الله في أنبياءه نقول الأصدقاء والخلطاء الجيران لهم حق الوفاء وتذكر أيام العشرة وان وسائل البر تختلف في بر ذوي الصحبة في الذكر الحميد ومواصلتهم ومواساتهم في أيام حزنهم نأخذ طرائق متعددة لكن نسميهم ذوي الحقوق هذا ما يتعلق بذوي الحقوق الذين ذكرنا منهم الوالدين والزوجة ...
الأستاذ معمر : يا شيخ نعود الوفاء ما يتعلق لذوي الأيادي البيضاء علينا .
الشيخ صالح : هذا قد يكون عنصر الوفاء الأول لماذا ؟ لان الوالد عندما يكرمنا لأنه والدنا والوالدة عندما تكرمنا لأنها والدتنا والزوجة لأنها زحتنا والصديق لأنه صديقنا لكن إذا كانت من شخص ليس بيننا وبينه قرابة أو بتعبير اصح ليس بيننا وبينه ما يدفعه إلى أن يكون له يد علينا هذا الذي يتأكد الوفاء معه لأنه بتعبير العامة صاحب يد أولى وهذا أمر يستحسن أن نكافئه لان الذي يضع القلادة العظيمة في عنقك ويسترقك معروفاً هو من ليس له عندك حق ثم ابتداء بهذا المعروف مثلاُ طالب علم جاء شيخا تبناه ويعلمه يأخذه يعطيه يفقه وهو ليس طالبا رسميا في مدرسه أو في جامعه وهذا كله يدل على فضله وإحسانه له بالذات قضيه المكافئة بالمئون هؤلاء هم أصحاب الأيدي كذلك على العاقل أن يعرف أين يضع معروفاً وكما قال المتنبي :-
ووضع الندي في موضع السيف بالعلا مُدرٌ *** كما وضع السيف في موضع الندى(5/24)
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم *** ومن لك بالحر الذي يحفظ اليداَ
لكن ينبغي أن يُفرق الإنسان في الوفاء المعروف , المعروف إذا أردت أن تفعله لأي احد أما ما يرجى وفاءه شخص تصطنعه لأيامك لابد أن تختار أناس أحرار شرفاء قادرون على أن يعرفوا قدرك إذا مكن الله جل وعلا لهم لا يكونون كما قال الأول
اعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني
الأستاذ معمر : جميل جداً لعلكم لاحظتم ولاحظ المشاهد الكريم أن هذه المحاور كما كانت بيني وبينك قبل اللقاء يعني اندرجت بما هو شائع بين الناس الوفاء للوالدة والوالد وللزوجة هناك عنصر مهم وانتم قصدتم ذلك أن يؤخر إلى آخر الحلقة لأهميته وهو الوفاء مع الله عز وجل البعض قد يستغرب من المحور يقول كيف أكون وفياً مع الله عز وجل ؟
الشيخ صالح : الله جل وعلا يقول وهو أصدق القائلين
({وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ }يونس12)
إن أعظم الأدب ما كان مع الله ، وأعظم الوفاء ما كان مع الله ، وقد جاء في الآثار أن الله قرر في كتابه الكريم ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173)الأعراف )(5/25)
** جاء في الآثار أن الله جل وعلا ألقم هذا العهد الحجر ، كتبهُ وألقمه الحجر ، فلهذا أورد في حديث عبد الله بن الساعد وإن كان الحديث في سنده ضعف إن الإنسان إذا طاف في بيته يقول :( اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك )) فقال سبحانه (({إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72))
لا يحمل الإنسان فوق ظهره ثقلاً أعظم من أنه يُنط به عبادة الله تبارك وتعالى والله قال عن أهل الحسرة (({أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }الزمر56))
فمن أدى الشرع على الوجه الأكمل والنحو الأتم قد عرف الوفاء من ربه تبارك وتعالى الذي أوجده من العدم ورباه بالنعم وأكرمه بما أكرمهُ به ، وتعبده بأن يعبدهُ وحدهُ دون سواه قال الله جل وعلا مثنياً على خليله إبراهيم عليه السلام (({وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى }النجم37)وقال قبلها (({وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }البقرة124)) فقام بهِن على الوجه الأكمل والنحو الأتم 00
قال أحد الفضلاء في مداخلته 00قضية العمل الصالح فالإنسان قلباً يعتقد والجوارح تأمن على ذلك الاعتقاد.
فإذا خُليَ بين الإنسان وقبره جاء الذين أودعوه القبر فحلو عنه أربطة الكفن فإذا حُلة أربطة الكفن ووضع التراب على ذلك القبر رأى الإنسان بعد أن يسأله الملكان، يرى عمله فإن كان ذلك العمل عملاً صالحاً رآه في هيئهٍ حسنه ويبشره برحمةٍ من الله ورضوان ، وإن كان غير ذلك رآه عياذاً بالله في هيئهٍ سيئة يبشره بعذاب من الله جل وعلا وخذلان(5/26)
ثم إن تلك الجوارح تقوم بين يدي الله فإذا قال أهل الإشراك يوم القيامة ((وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }الأنعام23)) فيقسمون بالله في ذلك الموطن أنهم ما كانوا أهل إشراك 00هنا يختم الله على ألسنتهم
ولأنهم يقولون كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم
( إن الرجل منهم يقول يا رب لا أقبل شاهداً على نفسي إلا من نفسي فإذا قال كذلك ختم على لسانه )) 00وتلك الجوارح كانت تعينه في الدنيا على معصية الله
فإذا رأت جلال الموقف وهيبته 00والوقوف بين يدي رب العلمين جل جلاله أول من يستنكر له ويتخلى عنه جوارحه 00فتنطق جوارحه بما كانت تعمل
قال الله جل وعلا (({الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }يس65))
وفي هذا كله ينبغي للمرء أن لا يحسن الوفاء مع أحد كوفاءه مع ربه تبارك وتعالى
الله خلق الخلق وهو غني عنهم وفي الحديث القدسي (( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلتهُ بينكم محرماً ، فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم و جِنكم كانوا على أتقى قلب رجلاً واحداً منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم و أخركم وإنسكم وجِنكم كانوا على أفجر قلب رجلاً واحداً منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا))
فالله جل وعلا غني عن طاعة الطائعين ولا تضرهُ جل وعلا معصية العاصين ،، فا أعظم ما يقوم به العبد الوفاء لربه 000
كيف يكون الوفاء ؟؟؟(5/27)
*/ أن يمتلأ القلب محبةً لله جل وعلا وإجلالاً وتعظيماً له (({وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }البقرة165)) محبة الله جل وعلا ثم الطمع في رحمته وهذا من حسن الوفاء برب العالمين جل جلاله
ثم الخوف من عقابه تبارك وتعالى قال الله عن الصالحين من عباده (({تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }السجدة16)) ذكر صنيعهم ثم ذكر مآلهم (({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17))
ثم محبة نبينا صلى الله عليه وسلم والشهادة بأنه رسولٌ حق أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وقام بواجب الدين على أكمل وجه وشهد له أصحابه وستشهد له أمته عليه الصلاة والسلام على أنه أدى الأمر على أكمل وجه
ثم محبته والتأسي به في خُلُقه والاقتداء بسيرته والإستناره بما كان عليه ،عليه الصلاة والسلام من خُلُق جيم وهدياً قويم .
ثم بعد ذلك تأتي الأعمال تلجمها بتلك المعتقدات فمن صلح قلبه صلحت جوارحه واستقامته
ومن ثم الغدو والرواح إلى المساجد وحضور الجُمع والجماعات وفاءً بأمر الله تبارك وتعالى وتلبيةً لندائه الذي شرعه لعباده{ حي على الصلاة حي على الفلاح }
وصيام الهواجر والتقرب إلى الله جل وعلى بذلك الصيام سواءً في رمضان وهو فرض أو في غيره من النوافل 00
الحج و العمره ، أداء زكاة المال ، بر الوالدين ، القيام بحقوق الجيران ، كثرة ذكره تبارك وتعالى و التسبيح بحمده ، وغاية كل تلك الشريعة السمحاء بما أنزله تبارك وتعالى على رسوله أو ما جاءت به السنة الصريحة الأداء بها وكل ذلك من الوفاء لرب العالمين .(5/28)
والإنسان في سيره إلى الله يعلم أنه لابد في عمله من تقصير وكلنا ذوي خطاء وكلنا ذوي تقصير لا ندعي كمالاً بل نرجوه ونقول كما قال الصالحين من قبلنا
[ اللهم لسنا بُرءا فتعتذر ولا أقوياء فننتصر ولكن لا حول ولا قوة إلا بك ]
نسأل الله في قلوبنا وخلواتنا وفي سراءنا أن يعيننا على أنفسنا وأن يعيننا على أن نقوم بالحق على الوجه الأكمل والنحو الأتم ،،وهذا كله يندرج جملةً في الوفاء لله
الأستاذ معمر : مشاهدي الكرام كنت وإياكم بصحبه شيخنا صالح بن عواد المغامسي طيلة فتره هذه الحلقة كان حديثنا عن الوفاء اسأل الله أن يجعل ما قاله وما قدمه في موازيين حسناته وأشكركم على طيب متابعتكم تقبلوا تحيه عاطرة من فريق العمل مع لقاءنا يتجدد في الشهر القادم مع موضوع جديد يحدد بإذن الله على المنتدى إلى ذلكم الحين وفي كل حين أبقوا في حفظ الله ورعايته أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته ...........................
تم بحمد الله وتوفيقه
***(5/29)
حلقة القطوف الدانية لشهر شوال 1427هـ
الأستاذ معمر : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين ..
مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته إلى حلقه جديدة وعام جديد لبرنامجكم الشهري القطوف الدانية والذي يأتيكم ثاني اثنين من كل شهر ..
كان هذا البرنامج قد انطلق في شهر شوال لعام 1426من هجره المصطفى صلى الله عليه وسلم تحدثنا مع ضيفنا الكريم عن موضوعات متنوعة بأسلوب متعدد وأسلوب شمولي ... تحدثنا بفضل الله عن
- نعمه العقل .
- المشاعر المقدسة .
- الهلال .
- قبسات من الهجرة .
- المدينة النبوية .
- الوفاء .
- الجنة .
- الإنصاف .
- من هدي الأنبياء .
- رمضان بين الفقه والإيمان .
من فضل الله علينا في هذا البرنامج أن ختمنا عامه الأول بموضوع يتعلق بكتاب الله عز وجل هذا الكتاب العظيم التي لا تنقضي عجائبه كان حديثنا في الحلقة الماضية عن التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير ..أيضاً من فضل الله عز وجل أن يجعله عاماً مليئاً بالتوفيق والنجاح حديثنا أيضاً في هذه الحلقة سيكون متعلقة بكتاب الله عز وجل سنتكلم عن { آيات السؤال في القران الكريم } .
بداية أرحب بكم وباسمكم جميعاً أرحب بفضيلة الشيخ :- صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة..
وكما ذكرت أنفاً حديثنا سيكون عن السؤال في القران الكريم تعلمون حفظكم الله انه قد وردت صيغات متعددة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ) نحاول في هذه الحلقة أن نقف وقفات مع هذه الأسئلة نسبر أغوارها نتكلم عن الموضوعات التي وردت فيها ..(5/1)
*أخونا الكريم ( الراجي عفو ربه ) على الموقع ذكر بعض الإحصائيات في كتاب الله عز وجل يقول ( وردت التساؤل بكلمه ألن ( 77) مره بكتاب الله أيضاً وردت كلمه هل ( 67 ) موضعا . إما ( 10 ) مواضع وبعبارة يسألونك ( 9 ) مواضع ويسألك في موضعين ويسألونك ( 6 ) وعم مره واحده في سوره النباء ...
شيخ صالح عنواننا آيات السؤال في القران الكريم قبل أن نبدأ في تفصيلاته وجزئياته دعنا نبدأ من قول ابن عباس رضي الله عنه عندما اخبر أن هذه الأمة اقل الأمم سؤالاً بنسبه للأمم السابقة .. سألوه أربعه عشر مره فأجاب بثمان في سوره البقرة .. لو بصوره علميه موجزه نحاول أن نقارن اسأله هذه الأمة وأسئلة الأمم الماضية ؟؟
الشيخ صالح : الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وأحكم كل شيء صنعه وأشهد أن لا اله إلا الله لا رب غيره ولا شريك معه وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله وأخر الأنبياء في الدنيا وأرفعهم يوم القيامة شانا وذكرا صلى الله عليه وسلم وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ..
قال أهل العلم من أراد أن يعرف مقامه عند الله فلينظر فيما أقامه الله وإننا نسأل الله أن يرزقنا أجمعين محاضراً ومقدماً ومشاهدين ومشاهدات الإخلاص وستر العيوب وغفران الذنوب ونفرح كثيراً برحمه الله وفضله أن جعلنا ممن يقرب القران إلى الخلق وان يجعلنا كمستمعين ومشاهدين ممن يستمع إلى ما يتعلق بكلام رب العزة جل جلاله وهذا شرف وأي شرف إذا أخلصت فيه النيات وصلحت فيه السرائر ولو كان الإنسان قعيداً في بيته أو في منتزه أو بين أسرته أين كان حاله إذا أراد بذلك وجه الله فهو على خير عظيم وعلى طريقاً مستقيم ..(5/2)
أما ما ذكرتموه أيها المبارك من قول بن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القران وحبر هذه الأمة منذ أن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ) في قوله أن هذه الأمة أقلها سؤالاً أنما كان ينصرف سؤاله رضي الله عنه وأرضاه وعن أبيه إلى مسالة السؤال في التشريع .. الأسئلة التي وجهتها هذه الأمة المحمدية أمه الإجابة لا أمه الدعوة إلي نبيها صلى الله عليه وسلم وقد طلبتم المقارنة تتضح المقارنة القران اخبر عن تساؤلات بعض السابقين واخبر عن تساؤلات القرشين فمن تساؤلات السابقين قال الله جل وعلا عن نبي إسرائيل ({وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً }البقرة55) فهذا طلب وقد قال الله معزياً نبيه ({يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً }النساء153) وهذا سؤال تعنت وبعض العلماء يلحق بهذا السؤال الموسوم بالتعنت قول الحواريين ({إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ }المائدة112) إلا أنني أتحفظ بذكره مع سؤال التعنت لان الحواريين في الأصل مثنى عليهم في القران ( أمنتم بي وبرسلي ) نقول هذا بعض من التعنت ..(5/3)
كذلك من التعنت سؤال اليهود (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) هذا سؤال تعنت لأنهم سألوا عن ما لا طائل من ورائهم ولا سبيل لهم إلى معرفته ولهذا جاء الجواب مختصر (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ولعل الأمر يأتي بتفصيل ثم من الأسئلة كذلك سؤال بمعنى الطلب بمعنى التعنت الذي كان عليه القرشيون إذا قلنا أننا من أمة الدعوة لا من أمة الإجابة قال الله جل وعلا عنهم (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً(93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً(94) الإسراء )
أياً كان الأمر وردت في الزخرف ووردت في الإسراء وأرجوا أن أكون جمعت بينهما المقصود من هذا .. هذا سؤال القرشين سؤال تنعت لكن هنا السؤال بمعنى الطلب أما السؤال الذي قصده ابن عباس وهو السؤال بمعنى ما ينفع بمعنى الأحكام الفقهية سؤال عن أمور عديدة جاء الجواب عنها ..(5/4)
ومع ذلك أيها المبارك نلاحظ أن هذه المادة مادة سأل حتى في الإجابة تتباين والله جل وعلا يقول ({وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) البقرة186 ) ولم يقل قل ، حتى ينسجم القرب المعني مع تقارب الألفاظ . فاللفظ هنا كأنه يزحف ليساعد ويقوي كما يقول البلاغيون في مسألة تقريب المعنى للأذهان .. الله جل وعلا يشعر الناس أنه ليس بينه وبين الله واسطة بدعائه ولهذا ينعي على كثير أو على جميع بدون استثناء من يدعو غير الله أنه لم يعرف الله حقاً لأن الله قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) فعلام يضع الإنسان وسائط ووسائل ما أنزل الله بها من سلطان تلقى بصاحبها في مغبة الإشراك .. فنقول مع أن الله تعالى قال ... ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي }طه105) فجاء في ( الفاء) .. نقل عن الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه : أنه كان يقول للتعقيب لأن هذا لن يحصل إلا يوم القيامة .. وبما أن التساؤل في القرآن ورد بطرائق عديدة كما ذكرتم في أول الحلقة أن بعض الفضلاء في الموقع لكن هذا بحر خضم وأمرٌ طويلٌ جداً ومحاولة إدراكه في موقع أو لقاء كهذا مختصر قد يذهب ثمرته والمقصود الذي ينجم عنه فأرجوا أن يكون فيما بيناه كفاية ..(5/5)
الأستاذ معمر : يا شيخ صالح نستأذنكم أن نكتفي ببعض الآيات لأننا لا نستطيع أن نعرض جميع الآيات المتعلقة بالسؤال وبقية الآيات نحاول أن ندخلها بمجمل الكلام عن هذه المسائل والتأصيل لها . نبدأ بقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة220) .. اليتم قصة طويلة والبعض عايش ماسي في هذه القصة نحاول أن نخصص جزء من الحلقة بداية تحرر مصطلح اليتيم سواء من الناحية اللغوية أو من ناحية الاصطلاح ...
الشيخ صالح : من الناحية اللغوية اليتم الإنفراد فيقال بيت اليتيم في القصيدة أي بيت لا مثيل له فالشيء إذا كان منفرداً يسمى يتم ولذلك يقال درة يتيمة ..
في الاصطلاح :- انفصال الشيء عمن يرعاه يقول المعنيون باللغة يتم الإنسان من فقد أباه ويتيم الحيوان من فقد أمه ويتيم الطير من فقد أبويه .. هذا من ناحية الاصطلاح العام ... لماذا قلنا لانفكاك عمن يرعاه ؟ حاجة الإنسان إلى من يرعاه حاجة ملحة ولذلك مضى أن الله لما أراد أن يكلم موسى قال : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) الذي يعنينا انفكاك الإنسان عمن يرعاه أو أي شيء عمن يرعاه ولذلك الدرة إذا خرجت عن صدفها الذي يحويها تسمى درة يتيمة مادامت في صدفها لا تسمى درة يتيمة لعدم انفكاكها عمن يرعاها ..
الأستاذ معمر من الأمور المهمة فضيلة الشيخ وننبه عليها في هذه الأزمة ما يتعلق بأموال اليتامى .. يعني وسبحان الله .. الله تكفل برعاية اليتيم لكن أحياناً يتسلط بعض الأولياء على الاعتداء على هذه الأموال .. نصيحتكم لهؤلاء الأولياء على الأيتام وأيضاً المسألة المتعلقة بالوقت المناسب بدفع هذه الأموال إلى أصحابها ..(5/6)
الشيخ صالح : الله يقول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ) أي جواباً لهم (إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) نحرر كلمة إصلاح .. أيها المبارك يقصد بها إصلاح مالي ونجعله في الأخير وإصلاح اجتماعي وإصلاح إنساني الإصلاح الإنساني يكون بملاحظة بالشعور ومراعاة شعوره لأنه قد حرم ممن قد يرعاه أصلاً .. أما الإصلاح الاجتماعي فيكون بالإيواء وأما الإصلاح المالي فاتقاء الله جل وعلا في ماله والله جل وعلا حذر الأوصياء المعنيين بأموال اليتامى حذرهم من ذلك فقال الله في سورة مكية ومن أوائل ما أنزل ({وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }الأنعام152) وهذه الآية جاءت منصوصة هذه الفقرة في الأنعام وفي الإسراء (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) وقال محذراً في النساء بعد أن ذكر أن الله هو الخالق وهو الرازق ({اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ }النساء1)(5/7)
ومهد بتعظيم الله وقال بعدها بآيات قريب منها ({إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }النساء10 ) الدنيا تأسر صاحبها ومن نظر إليها نظرة أنها باقية ألهته عن الآخرة وجعلته ينكب عليها وينسى أنه سيُسأل .. وقد مر معنا في اللقاء الماضي أن الإنسان إذا مات يخسر ماله كله في نفس الوقت يسأل يوم القيامة عن ماله كله ومع مجرد انفكاك روحه يخسر ماله لكنه يوم القيامة يسأل عن ماله كله أما متى يعطي فإن الله قال (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى) أي اختبروهم (حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ) يقصد به القوة البدنية (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً) أي القوة العقلية فالرشد معرفة كيفية التصرف في المال وعدم وجود أن يكون الإنسان سفيهاً مناط تحقيق إعطاء المال له ثم قال الله بعدها (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وأمر بعدها بالشهادة وتقوى الله وحذر بأن الله تعالى على كل شيء مثيب ...
أما المقصود من هذا كل من أو كل الله جل وعلا إلية حق لأحد يتيماً أو غيره ... فليتقي الله في هذا المال ولأن كنا نقدر أحياناً على أن نخدع من يراقبنا أو أن نخدع القضاة أو أن نخدع غيرنا ممن أعطي حكماً علينا فإننا نحاول لنا أو لغيرنا أن نخدع ربنا جل جلاله والدنيا زهرة حائلة .. ونعمة زائلة ولابد من الوقوف بين يدي الله جل وعلا عند من لا تخفى عليه خافية .. والسر عنده علانية ... فتقوى الله في كل شيء أمر مطلوب وتقوى الله في مال اليتامى أمر منصوص عليه شرعاً أخبر الله جل وعلا عنه (وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ) ثم قال (إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }النساء2) ...(5/8)
الأستاذ معمر قبل أن نخرج عن أموال اليتامى الآن نقرب من موسم الأضحية سؤال الذي يتبادر إلى أذهان الناس هل يضحي من مال اليتيم أم يضحي من مال وليه ؟
الشيخ صالح : أحسنتم .. هذا يدخل مع الزمن قريب من الأضاحي ... نعرف أن الأضحية عبادة محضة يتقرب بها إلى الله جل وعلا هناك خلاف في قضية وجوبها من عدمها وإن كانت سنة من أعظم السنين .. أما أن يضحي الإنسان من مال اليتيم فإننا نفضل إذا ضحى الإنسان من ماله عن اليتيم فلا حرج لكن إذا كان هناك رجل ولي على يتيم ولديه أموال لهذا اليتيم وهذا سؤالكم هل يضحي عن اليتيم أم لا ؟
في المسألة خلاف بين الفقهاء لكنني أقول ما ذكره بعض أهل العلم والأقرب في الصواب إن شاء الله يقال له ينظر في حال اليتيم هل ينكسر قلبه إن كان له مال ولم يضحي عنه أم لا ؟ طبعاً إن لم يكن له مال فلا يضحي أصلاً لكن نتكلم عن يتيم له مال فما معنى ينكسر قلبه ؟ و ينجبر إذا ضحينا عنه بمعنى أن يكون دون الأربع أو الخمس لا يفقه معنى الأضحية أو رضيع هذا لا يضحى عنه بماله لأنه أصلاً لن يفرح بتلك الأضحية ولن يراها مجدية ولا يدري أصلاً أن أحداً ضحى عنه لأنه صبي لا يميز ولا يفقه معنى الأضحية ...
الأستاذ معمر لكن لو يحتسب الأجر بالنسبة للوالي
الشيخ صالح : ما يكتب أجر لأنه مأمور شرعاً أن يحافظ عليه
الأستاذ معمر أقصد من مال الولي .
..(5/9)
الشيخ صالح : نعم من مال الولي هذا الأصل لكن من ناحية أن يكون من مال اليتيم لا .. لكن إذا كان اليتيم عشر سنوات أثنى عشر سنة هذا يسمى يتيم في نفس الوقت أيها المبارك له أقران رأى أن أبائهم يضحون فيجب أن يضحي من ماله هنا لا تجب قطعاً لكن لو ضحى الوصي من مال اليتيم عن اليتيم فهنا ينجبر قلبه ويفرح بين أقرانه ويجد فيها شعوراً حسناً وهذا مقصود شرعاً داخل في قول الله جل وعلا (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) داخل في الإصلاح الذي حررناه من قبل .. هنا أيها المبارك نقول يضحي عنه لكن يجب أننا إذا ضحينا عنه وذبحنا الأضحية ..حصلت القربة وحصل جبر قلبه وحصل فرحه لكن لا نتصدق باللحم عنه لأن مال اليتيم لا يتصدق به تطوعاً وإنما يحصل أنه يأكل منه ومن جرت العادة أن يأكل معه ..يطعم منها هو وأهل بيته كأقرانه أو أمه أو جده أو وصيه وما أشبه ذلك ..المهم أنه لا يتصدق منها لأنه لا تجوز الصدقة من مال اليتيم ..غالب الظن أن هذا أرجح أقوال العلماء .
الأستاذ معمر :يا شيخ صالح قبل أن نخرج عن اليتيم لا نُعمم أن بعض الأولياء قد يتسلط .. أيضاً هناك في المقابل أناس فيهم خير كثير وأيادي بيضاء مدت لهؤلاء الأيتام – محدثكم ممن مدت له هذه الأيادي من بعض الأقارب – كيف يمكن لهؤلاء الأيتام أن يردوا هذا الجميل لمن لهم الفضل ؟؟
الشيخ صالح : هذا أولاً يدل على أنك حر وأي حر ..نعود لهذا ..اليتامى كفاهم شرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتيما يقول شوقي :
ذكرت باليتم في القرآن تكرمهً * * * وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتمِ(5/10)
وهذا أمر قد يحصل قدرياً ليس لأحد قدره في دفعه أو جلبه ..هؤلاء اليتامى من نشأ يتيماً وقد أحسن إليه وليه أو وصيه فإن مكافئتهما أعظم مكافأة بالدعاء ثم إذا مكّن الإنسان لهذا اليتيم بعد أن خرج من اليتم وشب وأصبح ذا شأن فإنه من حقه أن يكافئهم بالهدايا والإحسان إليهم وتفقد أبنائهم ورد البر لهم معنوياً أو مادياً بجاه أو بمال كل ذلك أمر محمود مندوب إليه شرعاً ..
الأستاذ معمر إذاً... فضيلة الشيخ من هذه الآية إلى آية المائدة قوله تعالى ({يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ }المائدة4) قبل أن ندخل في تفصيلات هذه الآية نقف مع هذا المصطلح (وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ ) ونحررها للمشاهد الكريم ...
الشيخ صالح : هنا آية المائدة طبعاً مدنية والقضاء قضاء تشريع وهؤلاء الناس يسألون ـالمسلمون ـ يسألون نبيهم (مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) فيخبر لله كل ما دعا الله فهو طيب قطعاً..ثم أخبر الله جل وعلا (وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ)
الذي يعنينا هنا..هناك سباع طوعها لله لبني آم فتصبح تصيد هي بذاتها لا تأكل وإنما تصيده هو الذي يأكل لأنها لو كانت غير ذات مخلب لأُكلت لكن المعلم هذا يصيد إما بنابه كالكلاب أو يصيد كالطير فالناب والمخلب عند الجمهور يمنعان أنها تأكل لكن ما الذي يأكل ؟؟
صيدها لكن قول الله جل وعلا التعليل مشترط والتعليل له ضوابط أن ينزجر أن يتوقف أن يرسل يعني له ضوابط معروفة في قضية أن تفقه وأن يعرف وينظر إليها إن كان سبعاً أو طيراً أن يعرف إن كان معلم أو غير معلم... (مُكَلِّبِينَ)أختلف في معناها لكن لمعنى كواسب تكسب لصاحبها ..
الأستاذ معمر يا شيخ صالح ..تعلم ويعلم المشاهد الكريم ..الخلاف الفقهي في الضبع هل يؤكل أو لا ؟(5/11)
الشيخ صالح : الضبع السؤال عنه فيه خلاف كما قلتم لأنه يتبادر في الذهن أنه محرم ، يقال لغوياً الضبع تطلق على الأنثى أما الذكر يقال له ضبعان .. ولا يوجد فيها كلمة ضبعه والمعنيين بعلم الحيوان ولا أحمّل ذمتي شيئا يقولون أنه يتبدل معنى يتبدل يعني يكون سنةٌ ذكراً فيُلقح وسنةٌ أنثى فيحمل ويلد ، نفس الحيوان ، وهو مغرم بنهش القبور له شهوة للحوم بني آدم وأكثر الحيوانات رغبةً في لحوم بني آدم الضباع .. هذا الضبع أختلف فيه ولكلٍ دليلهُ ، لكن الراجح والعلم عند الله جواز أكله ..لما في الحديث الصحيح أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة سأل جابر رضي الله عنه عن الضبع أصيدٌ هو ؟؟ قال نعم .. قال أقالهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟ ..هذا عبد الرحمن يقول لجابر ..قال نعم
وقد قال الشافعي رحمة الله تعالى عليه وهو ممن يرى حل أكل الضبع ، قال معلقاً ..قال مازال الناس يأكلونه ويبيعونه بين الصفا والمروة من غير نكير ، يعني كان موجود على أيامهم طبعاً قد يتبادر الآن سؤال ..كيف أن الناس كانوا يبيعونه في الصفا والمروة لكن كما تعلم أيها المبارك الصفا والمروة كانت خارج الحرم وما أُدخلت إلا في العهد السعودي المبارك .. أما قديماً كانت خارج الحرم ، مسألة البيع والشراء وأمور الأكل كانت واسعة في قضية الحرم(5/12)
وإن كان الصيد كما تعلم بابه واسع والفقهاء يقسمون الحيوان أصلاً ـ إذا أذنت لي ـ يقسمون الحيوان المباح إلى حيوان مقدور عليه وحيوان غير مقدور عليه ..، فيقولون في الحيوان المقدور عليه أنه لا يحل إلا بتذكيته ، فيشترطون التذكية للحيوان المقدور عليه كالظعن ..الإبل .. البقر ..فهذه كلها تذكى ذكى شرعي ، أما الصيد فهو داخل في الحيوان الغير مقدور عليه والأصل في الصيد الإباحة إلا إذا كان الإنسان في الحرم أو مُتلبس بالإحرام ، إذا كان الإنسان في الحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ولا يُنفر صيده ) مادام لا يجوز تنفير صيده فمن باب أولى أن لا يجوز قتلة ، وأما إذا كان مُتلبساً بالإحرام فا الله يقول ({وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً }المائدة96)
الذي يعنينا هنا أنه لا يقوم الاصطياد مكان الذكاه ، ثم إنه إذا تم الصيد سواءً أكان بآلة أو بمعلم سبعٍ أو طير فإن هذا المصاد لا يخلوا من أحد حالتين أن ندركه حياً حياةً مستقرة ..فإذا أدركناه حياً حياةً مستقرة وكان هناك وقتاً لأن نذكية فيذكى جبراً ولا خيار لنا فيه لأنه لم يمت بعد فيعامل معاملة الحيوان المقدور عليه ، أما إذا أدركناه وهو حي حياة غير مستقرة أو حياة مستقرة لكن لا تكفي زمناً بأن نجلب السكين ونذكيه فإن صيده يقوم مقام تذكيته ، لكن قالوا عند الصيد أصلاً يشترط للصائد أن يكون من أهل الصيد عقلاً وديناً ، قصدوا بالعقل التمييز أي لا يكون صغيراً لا يكون مجنوناً ..لا يكون سكران ، وقصدوا بالدين ولم يقولوا الإسلام !!؟لاحظ ! ..
أن يكون مسلماً أو أهل كتاب ..لماذا قالوا أهل كتاب ؟؟(5/13)
لأن أهل الكتاب تجوز أضحيتهم فما دام تجوز أضحيتاهم فينبغي أن يجوز صيدهم ، فلهذا قالوا العقل والدين .. هذا الشرط الأول ..الشرط الثاني أن تكون آلة الاصطياد أما كلباً معلماً أو آلة يجوز شرعاً الصيد بها ..الحالة الثالثة للصيد المعلم أن لا يأكل المُعلم من الصيد ، بمعنى مثلاً رجل عنده كلب فبعثه ثم أن الكلب صاد لكنه أكل من الصيد ..هنا فيها خلاف بين العلماء والراجح أنه لا يجوز الأكل منه من غير أثر مسكته الأولى .لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح من حديث عدي بن حاتم ..قال إذا أرسلت كلبك المُعلم فأمسك فكل إلا أن يكون الكلب أكل منه ..ليبين عليه الصلاة والسلام قائلاً فإنك لا تدري أمسكه على نفسه أو أمسكه لك،، ..فهذا تحرير مسألة الصيد في قضية التذكية ...
الأستاذ معمر مسألة الضبع يا شيخ تنقلنا إلى مسار أخر، في بداية الحديث ذكرتم بعض الاطلاقات اللغوية ..دعني أنتقل من هذه المباحث الفقهية إلى ما يتعلق بالأدب في الصيد ..لا شك أنه ورد في أكثر من موضوع ..يعني لو نشير ونطعّم الحلقة ببعض الفوائد .
الشيخ صالح : الصيد يقولون أنه من شأن الملوك ، وينقل كثيراً عن الملوك والأمراء السابقين إلى الآن محبة الصيد وكان هذا شائع في الجاهلية ، وطرفة بن العبد لما ذكر قضية اللهو والفتيان ذكر أنه الصيد ، كذلك كان امرؤ القيس يبدع في هذا الباب في قضية الصيد ، الذي يعنينا أنه يمكن أن يقال ..في الحديث ( من اتبع الصيد غفل ) فالإنسان يأخذ من بقدر ، والمباحات لا ينبغي المبالغات فيها .
من الأبيات الشهيرة هنا قول المتنبي .. المتنبي له داليّه شهيرة :
لكلِ أمريءٍ من دهره ما تعودا *** وعادةُ سيف الدولةِ الطعنُ في العِدا
هو الجدُ حتى تفضلُ العينُ أختها *** وحتى يكونُ اليومُ لليومِ سيدا
إلى أن قال ..
ومن يجعلُ الضرغام بازاً لصيدهِ *** تصيّدهُ الضرغامُ فيما تصيّدا(5/14)
هذا فقه اجتماعي أو أن نقول فقه أداري ، الإنسان لا يجعل من تحته أقوى منه ، المتنبي أراد أن يقول أن الإنسان إذا أخذ صقراً فسيصيد الصقر له ..إن أخذ كلباً فسيصيد الكلب له ..لكن !! لو جاء جاهل ـ حاشى من يسمعنا ويشاهدنا ـ ..وأخذ سبعاً ..أسداً يريد بهذا الأسد أن يصيد له فإن الأسد سيصيده قبل أن يصيد الناس ..سيأكله جملة ، الإنسان في إدارته ـ ولا أدري إن كان هذا محموداً نشره أولا ـ وفي حياته كلها يمشي خطوات متّزنة في علاقته مع الآخرين وهذا فقه إداري كما قلت ـ ولا أحب الاسترسال فيه حتى لا تُفهم خطأ ـ لكن أعني أن البيت مليء بالحكمة ، أصلاً هي مندرجة في قوله ..
ووضعُ الندى في موضع السيفِ بالعلا *** مُضرٌ كوضع السيف في موضع الندى
وما قتل الأحرار كالعفوِ عنهمُ *** ومن لك بالحرِ الذي يحفظُ اليدَ
إذا أنت أكرمت الكريم ملكتهُ *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فالصيد كان عالماً واسعاً ،وإلى اليوم هو مظنة لهوٍ للكبار ..
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر الأخ ( خالد ) يسأل عن طريقة قراءة كُتب التفسير ؟(5/15)
الشيخ صالح : علم التفسير علمٌ جم ، والعلماء رحمة الله تعالى عليهم بذلوا فيه جهداً واسعاً أجزل الله مثوبتهم ، نقول له : الناس تختلف قدراتها ، لكن حبذا أن تقرأ بطريقتين قراءة عامة بمعنى أن تأخذ كتاب مثل تفسير أبن كثير أو مختصر من المختصرات تفسير أبن كثير ..تقرأ فيه قراءة سرديه بمعنى أنك تقرأ مُتسلسلاً ثم طريقة أخرى أن تختار آيات غالباً ما تكون آيات أحكام لأن الفقه يحتاج إلى كثير من الفنون حتى يقوى الإنسان فيه ،فيأخذ هذه الآيات يقررها مبدئيا ثم يقرأ في عدة تفاسير فما لم يوسعه زيد فاض فيه عمرو ..بهذه الطريقة ، إذا حصل الإنسان على لب المعلومة يقولها لغيرة..يذهب إلى أخوانه إلى أخواته فيخبرهم بما أفاء الله عليه تثبيتاً له ..هذا ينفع كثيراً في علم التفسير لكن يحتاج إلى طول زمان لأنا نتكلم عن 114سورة لا يمكن الإلمام بها بين عشيةٍ أو ضحاها ، هذه مسألة تُفنى فيها أعمار ..لهذا يُقال أن أبن جرير الطبري فيما يُنقل أنه لما أراد أن يؤلف تفسيره هذا رحمة الله تعالى عليه دعا الطلاب فقالوا في كم ورقة ؟ فقال في ثلاثين ألف ورقة ..قالوا تفنى في هذا الأعمار فقال رحمة الله تعالى عليه ..الله المستعان ذهبت الهمم أو كلمةً نحوها ، ثم جعله في ثلاثة ألاف ورقة وهو الذي بين أيدينا وهو الآن يُنظر إليه على أنه من المطولات ..فهذه بعض الطرائق ونسأل الله التوفيق ...
الأستاذ معمر عبد الرحمن يطلب منكم الطريقة المُثلى لحفظ القرآن الكريم .
الشيخ صالح : فيه جواب ..يقوله الأكابر وهو ..قم به في الليل تحفظه في النهار والأمر الثاني المراجعات مع الأقران وأمثالهم ..هذه لتثبيت القرآن في قلبه ..
الأستاذ معمر الأخت ( شيخه )تسأل ..هل لك مؤلفات أو أشرطة ؟(5/16)
الشيخ صالح : مؤلفات ليس لنا نسأل الله العافية ، كان السلف يتحرجون من التأليف دون الأربعين ، أمر صعب أن يؤلف الإنسان وهو مُبكر صعب جداً ، لكن لنا أشرطة ( تأملات قرآنيه ) في مُجلدين سيظهر الثالث في مُحرم إن شاء الله تعالى ولنا بعض الدروس العلمية المنثورة ..وترجع أختي إلى المنتدى ..
الأستاذ معمر الأخ ( أحمد ) يسأل عن قناة المجد ؟
الشيخ صالح : يظهر لي أن الأخ أحمد لا يسأل عن قضية جائزة أو غير جائزة ، لكن قضية إدخال شيء في البيت لا يوجد عندهم صبيه ولا صغار ويرون اكتفاء ذاتياً في أنفسهم أنهم ليسوا في حاجة إلى تلفاز فيقبل أنهم لا يدخلون على أنفسهم شيء ، أما إذا كان في البيت صبية ولا بد من تثقيفهم وتعليمهم فإنا لا نزكي على الله أحد لكن هذه القناة قناةٌ مباركة وقد نفع الله بها خلقاً جماً كثيراً ونحنُ نتكلم عن اليتيم وهي قناةٌ يتيمة في القنوات .
الأستاذ معمر: ننتقل يا شيخ إلى موضوعنا ..يقول عز من قائل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً }طه105، ظاهر الآية يا شيخ يدل على أنه في المراحل الأخيرة ..لأنه قال بعد ذلك { {فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً }طه106 } هل ذُكرت المراحل قبل هذا في القرآن الكريم ؟
الشيخ صالح : آية ( طه ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً) مر معنا في الأول أستاذ معمر قضية ( الفاء ) والشنقيطي رحمة الله قال لتعقيب لأن هذا يكون يوم القيامة ..(5/17)
فطبعاً استنباطكم صحيح لأن الله قال (قَاعاً صَفْصَفاً) فلا بد من مراحل ودائماً نقول أن الله لا يُحيل إلى مجهول ..الله يقول ({يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ }المزمل14) فإذاً أول خطواتها فيما يبدوا الرجفة ويمكن التسيير على القول بأن التسيير يكون يوم القيامة({وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً }النمل88) و ({وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ }التكوير3) ثم الرجفة ثم فيما يبدوا والعلم عند الله أنها تُحمل ( وحُمِلت الأرضُ والجبال ) ثم الدك (فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً }الحاقة14) ثم تكون كالعهن المنفوش ..هكذا كلها مراحل حتى تصل إلى قول الله جل وعلا (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً(105) فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً(106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً(107) طه)
الأستاذ معمر على الموقع ( محمود الشنقيطي ) جزاه الله خيرا ..أشار إلى موضوع مهم جداً استفاد من قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) ..يسألونك فقل ..في معظم الآيات ..يقول يا شيخ أليس فيه إشارة على أنه يجب على من يتلكم في دين الله عز وجل أن يكون على قدر كبير من العلم ..عدم التجرؤ مثلاً على الفتوى ..التقول على الله بغير علم ؟(5/18)
الشيخ صالح : الأخ محمود معروف لدينا ، طالب علم جيد ما شاء الله لا قوة إلا بالله زادنا الله وإياه علماً وهدى ، استنباطه صحيح ، وهذه مسألة حسنة منكم يا أستاذ معمر التنبيه إليها ، وقضية الكلام عن الله توقيعاً عن رب العالمين ، والإنسان إذا خشي من كلمة ( لا أدري ) كما قال العلماء أصابت مقاتله ، وكان الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله كثيراً ما يتحرز من مسألة الجواب دائماً ، وكان بعض السلف يتعجب بمن يجيب على كل سؤال ، وإذا كان نبي الأمة كما مر معنا في دروس مضت يُسأل عن أبغض الأماكن إلى الله فيقول دعوني أسأل جبريل فيسأل جبريل فيخبره بأنها الأسواق وهذا كله منهج رباني نبوي في قضية أن الإنسان يتوقف كثيراً فيما لا يعلم وأي إنسان مهما بلغ علمه فأين سيصل؟ ..إذا كان موسى عليه السلام وهو مكلم وصفي مع الخضر ({عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65 ) فلما ركبا في السفينة كما جاء في البخاري ..جاء عصفور فنقر من البحر نقرتين ..فقال الخضر لموسى ما بلغ علمي وعلمك من علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من البحر ، فإن نقرتي العصفور من البحار ليروى ليست شيئاً مذكورا ، فإذا كان هذا علم الصفي الكريم موسى وعلم الخضر فما علم غيرهم ؟؟ ..المقصود من هذا أن السير في العلم يكن بتؤدة والناس لا تُقتل ولا تهلك إلا إذا سارعت إلى الفتوى سارعت إلى التصدر وأحب الإنسان التصدر دون أن يملك آلته هذا نسأل الله العافية مواطن الهلاك ..
الأستاذ معمر أنتقل يا شيخ إلى الجوانب التاريخية ، تحدثنا في الأشياء الفقهية ..الأدبية ، الأن دعنا نتكلم قليلاً عن الأشياء التاريخية ، يعني الجبال أعلام في جزيرة العرب وغيرها ، بدايةً نتكلم عن جبل ( الجودي ) قصته – أهم الأحداث التي مرة به.(5/19)
الشيخ صالح : الجودي ، ورد ذكره في القرآن مرةً واحدة في سورة ( هود ) قال الله تعالى ({وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }هود44) هو جبلٌ الأظهر أنه في العراق في الجنوب الشرقي من دجلة وقيل أنه في تركيا ولكن الأظهر أنه في العراق ، لكن بعض العلماء أخذوا يتكلمون عن أصل الكلمة فقالوا أنها مشتقة من الجود كما حرره الراغب الأصفهاني في المفردات وتبعه عليه الحلبي رحمة الله عليهما في عمدة الحفاظ .وهذا خطأٌ ظاهر ..لماذا؟ لأنه لا يتكلم عن جبلٍ رست عليه سفينة نوح وأيام نوح عليه السلام لم يكن أحد يتكلم العربية ، فأول من نطق العربية جاء بعدهم بكثير جاءُ بعد إبراهيم أو مقارب لإبراهيم ، فلم يكن هناك عربية أصلاً حتى يقال أن الجودي مشتقة أصلاً من الجود ، الآن المنطقة الكردية في العراق هي التي فيها جبل الجودي لكن غُير أسمه ، الآن لا يقال له في العراق جبل الجودي ، الذي يعنينا أن هذا الجبل رست عليه سفينة نوح عليه الصلاة والسلام .
الأستاذ معمر جبل أحد تعرضنا له في حلقات ماضية ، نشير إليه أشارة سريعة(5/20)
الشيخ صالح : جبل أحد ..طبعاً أنا مدني ما أستطيع أن أتركة ، أحد جبل تعرضنا له ، يقع في شمال المدينة ، لكن لندع الناس في فائدة قريبة من ذلك ، أحد يبين لها المنهاج النبوي في تربية الناس ، أحد أيها المبارك جبل يقع في شمال المدينة ، ماذا حصل عنده ؟ .. معركة ..ما نتيجتها ؟ قرح، أسى،شهداء، موتى والله يقول ({إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ }آل عمران140) قتلى ..سبعون رضي الله عنهم وأرضاهم ، أراد أهلهم أن يحملوهم إلى داخل المدينة ..هكذا أراد الأنصار أول ..فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ..ادفنوهم ..أين؟..قال في مصرعهم في مكان قتلهم ..أين قتلهم ؟..تحت أحد ..ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ويقف عليهم؟؟ .. أنا شهيدٌ على هؤلاء ، بعض الناس يريد أن يأمر وكل أمرة ينفذ، غالباً لا ينفذ شيء ، لكن الإنسان عندما يسوس من دونه لا بد أن يراعي حوائجهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا ينقلوا قتلاهم ..إذاً أين سيدفنون؟ سيدفنون عند الجبل ، القتلى سبعون والناس في أسى في حزن في قرح لا يستطيعون حفر سبعين قبراً ، لا يوجد دافع نفسي معنوي ..لا يوجد ..صلوا قعوداً حلف نبيهم ، النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر قاعداً وصلوا خلفه قعوداً من الأسى والحزن ، هنا ماذا قال؟ قال أحفروا وعمقوا ,لماذا احفروا وعمقوا ؟ حتى القبر يحتمل أكثر من شخص ، فعندما القبر الواحد يحمل أثنين أو ثلاثة ستقل القبور فيقل الجهد البدني الذي به الحفر ، وهذا كله مراعاة لهم صلى الله عليه وسلم ، جمع بين الأمرين ، هذا كله وتمر الأيام وتطوى الليالي ..يمر صلى الله عليه وسلم على أحد فيقول هذا أحد ..وهو لا يشير إلى مجهول كل الصحابة يعرفون أن هذا أحد ..ماذا يتوقع الإنسان أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ..عندما يقول هذا يتذكر الأسى ، لكنه قال جبلٌ يحبنا ونحبه ، لأمور ..أولها تركيز العقيدة..(5/21)
والمعنى أن الأماكن لا تقدم ولا تأخر ولا تنفع ولا تضر فأن أصابكم الأسى والحزن تحت سطح أحد ..لكن أحد لا يعني ذلك التطير منه والتشاؤم به ..فأحد جبل بل هذا الجبل الذي قتلتم عنده يحبنا ونحبه ، ثم فائدة أخرى وهو أنه بعد ذلك أنقلب الحال ..فإذا كان يحبنا ونحبه من نتذكر عنده ؟ شهداءنا رضي الله عنهم وأرضاهم وهذا دلالة عظيمة على كرامة الشهيد عند الله تبارك وتعالى .
الأستاذ معمر أيضا من الجبال التي لا يمكن أن تغفل في مثل هذه الحلقة ..جبل طي نتحدث عنه وعن قصته .
الشيخ صالح : جبلا طي أجا وسلمى في حائل، هناك نشأ حاتم و به ضرب العرب المثل في الجود ، والحق أنه يظهر أن السر ليس في حاتم نفسه بل في المنطقة كلها ، مازال أهل حائل أدام الله فضلهم في كرماً وجود ، فنقول جبلا طي وردة في حديث عروة أبن مدرس قال يا رسول الله أتيتك من جبلي طي فأجهدت نفسي وأكللت راحلتي ..ما تركت جبلاً في عرفات وغيرة إلا وقفت عليه ، حاتم كان أبنه عدي في تلك المنطقة التاريخية ..شهدت أحداث عظام جليلة ..من أشهرها ما كان حاتم يصفه ..
أماوي أن المال غاديٍ ورائحُ *** ويبقى من المال الأحاديثُ والذكرُ
أماوي إني لا أقول لسائلٍ *** إذا جاء في يومٍ حال في مال النزرُ
إلى غير ذلك مما يبين الكرم الحاتمي الذي كان موجوداً عند جبلي طي في حائل ، وفيه حق جميع محافظات ومدن بلادنا الكريمة ..أنا زرتها ولا أغبط أحداً حقه كلما قلت هؤلاء أشد كرماً ظهر الآخرون بمثله ويزيد.
الأستاذ معمر ننتقل يا شيخ إلى ما يتعلق بجبل عير .(5/22)
الشيخ صالح : جبل عير في المدينة ، عدت بنا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحد أين قلنا ؟ في الشمال ..أين عير ؟ في الجنوب ..حد الحرم الجنوبي عير وقيل أنه سمي عيراً ـ طبعاً أنا أعرفه جيداً ـ لأن سقفه واحد يعني متساوي في أغلب سقفه في أغلب قمته ..فشبة بظهر الحمار أكرمكم الله ..لذلك سمي عير ، وقد ورد في الحديث ( المدينة حرمٌ من عير إلى ثور ) على خلاف أين يقع ثور في ثلاثة أقوال ..ليس هذا موضوع تفصيل فقد فصلناها في قضية المدينة ، لكن وردت أحاديث ..قضية أنه جبل من جبال النار ..لكن لم يثبت عندي في صحتها شيء ..
الأستاذ معمر ننتقل إلى جبل الطور ، قصته مع موسى عليه السلام(5/23)
الشيخ صالح : جبل الطور..يقول العلماء يُطلق على كل جبل ، التحرير والتنوير صاحبة رحمة الله تعالى عليه يقول أنه أسم بالسريانية ..وهذا بعيد ، الذي أفقهه أنا في العربية والعلم عند الله أن الطور يُطلق على الجبل في الشجر ، فكل جبل ينبت فيه شجر فهو طور ، ينبغي تحرير المسألة ..الله جل وعلا كلم موسى مرتين ..مره عند قدومه من أرض مدين ومره عندما ترك قومه في أرض التيه وذهب لميعاد ربه ، يوجد أيها المبارك شبة جزيرة سيناء ({وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ }المؤمنون20 ) ويوجد وادي ويوجد جبل ..الجزيرة أسمها سيناء والوادي أسمه طوى والجبل أسمة الطور ..فالله جل وعلا كلم موسى عند الجانب الأيمن من جبل الطور الذي في وادي طوى المبارك الذي في شبة جزيرة سيناء ..إذاً تلازم ..جمع بين الآيات كما تقول مثلاً ..النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين عند مسجد الشجرة في قضية الميقات في مسجد الحليفة ، فنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عند الشجرة في الوادي المبارك الذي هو وادي العقيق في المدينة المنورة ..مثلها شبة جزيرة سيناء ,,وادي طوى ..جبل الطور ، طبعاً كلم الله موسى مرتين وهذا نص الله عليه في كتابة (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }النساء164)( { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي }الأعراف144)
الأستاذ معمر نختم حديثنا يا شيخ عن الجبال بما يتعلق بجبل رضوا .
الشيخ صالح : جبل رضوا جبلٌ يقع على تقريباً ينبع النخل ..هذه في الجهة الغربية الساحلية من بلادنا وأنت ذاهب إلى العيس ،وأنا كنت مرةً مع أحد الفضلاء تخصص لغة عربية الأستاذ ( عواد السناني ) فكنا ماضين وأنا لم أرى رضوا من قبل وأنا ذاهبٌ إلى العيس المباركة والقينا فيها محاضرة ، فلما مررنا ..قال: انظر ..فنظرت ..والله لا تذكر إلا بيت حسان :
شماريخ رضوا عزةً وتكرما
،(5/24)
فكان أسند المجد إلى شماريخ رضوا الذي صنعة حسان كان أمرٌ يصور الواقع تماماً ، ومهما قلت فليس الرائي كمن سمع لو رأيت لعلمت يقيناً ما قاله حسان ، وعلى العموم أيها المبارك العرب تجعل من الجبل مثال للعلو للمجد للكبرياء للأنفة لمعالي الأمور، يقول الفرزدق في هجاءة لجرير ..
فدفع بكفك أن أردت بناءُنا *** ثهلان ذا الهضبات فاليتحلحلُ
يحيله إلى جبل مشهور عندهم ، فيبين مجد بني تميم الذي منه الفرزدق وكلهم من تميم لكن يختلفون بيوتاً ، وأنه لا يمكن أن يقارن بيتكم عندما تريد أن تهدم بنياننا بقصائدك كمن يريد أن يزحزح ذلك الجبل العظيم ثهلان من مكانه .
مجموعة من الاتصالات
الأستاذ معمر يا شيخ نأخذ الاتصالات على عجل ، السؤال الأول ..كان يسأل يا شيخ عن قول الله تعالى ({لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }الحشر21) تعليقكم على هذه الآية .(5/25)
الشيخ صالح : هذه من أعظم آيات القرآن تأثيراً في النفوس وقد لا يكون المقام مناسباً للكلام عنها ، لكن قلنا الله جل وعلا ذكر الحديد وألانه لداوود وذكر الحجارة ولم يخبر أنه ألانها لأحد لكنه ذكر جل وعلا أن قسوة القلب تجعل من القلب أعظم من الحجارة ({ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }البقرة74) ثم ذكر جل وعلا أن هذا القرآن لو أنزل على حجارةٍ صلدا و صخورٍ صماء لتزلزلت (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) وقال جل وعلا ({وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى }الرعد31 ) إلى غير ذلك من الآيات التي يخبر الله جل وعلا فيها على أن هذا القرآن كلامه جل وعلا نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو معجزة نبينا الخالدة ، أنصح الأخت وغيرها ممن يسمعنا أن يرجع إلى كتب التفسير وينظر ماذا حرره العلماء في الآية .
الأستاذ معمر: طيب ..تسأل يا شيخ عن الكتب التي اهتمت بآيات العقيدة .
الشيخ صالح : هذا يرجع إلى شأن المفسر نفسه مثلاً الإمام الشنقيطي رحمة الله ..له عناية والحافظ ابن كثير وابن السعدي ،هذه الثلاثة أكثرها ، وأحياناً تكون هناك رسائل مستقلة يأخذها العلماء المعاصرون تتم دراسات عليا في مثلاً كتاب أسمه ( مسائل العقيدة في سورة الزمر ) أظنها رسالة ماجستير وإن كنت لا أحفظ أسم صاحبها ، وتجدها إن شاء الله في المكتبات .
الأستاذ معمر تسأل يا شيخ عن علم المناسبات بين الآيات والسور .(5/26)
الشيخ صالح : هذا صُنف فيه ، لكن بعضه تكلف واضح وبعضة مقبول ، كقول الله تعالى في خاتمة سورة طه ({فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى }طه135) فقد يقال متى ؟ (قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا) متى ؟ يأتي بعدها سورة الأنبياء فاتحتها ({اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ }الأنبياء1) هذا مقبول جداً وبعض العلماء أفرط فيه إفراط غير مقبول .
الأستاذ معمر تسأل تقول أنها تشعر بالغربة عندنا زيارتها للمدينة المنورة.
الشيخ صالح : هي قالت أنها تشعر بالغربة أتأثم أو لا ؟. لا تأثم لأن هذه الغربة لعدم وجود أهل وهذا شيء حقيقي طبيعي بدهي ، فهي لا تأثم ، نسأل الله أن يكتب لها الأنس في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
الأستاذ معمر أبو محمد يسأل يا شيخ يقول أن قاتل علي رضي الله عنه معلماً للقرآن؟
الشيخ صالح : قاتل علي هو عبد الرحمن ابن ملجم المرادي ، وكان في ظاهرة كثير الصلاة كثير الصيام ، لكن عبد الرحمن بن ملجم لم يؤتى من كثرة عبادته من قلت علمه ..، واعتقاده الباطل ، وهذا ننبه عليه كثيراً ، إن الإنسان لا ينظر إلى عبادة المرء فقط بل ينظر إلى علمه ،وهذا الرجل أدخل نفسه فيما لا قدرة له به ، فكثرة عبادته لم تنفعه ، لما كان مبنياً ضلالاً على فكر وضلال، وهو أحد زعماء الخوارج الأولين ..نسأل الله العافية .
الأستاذ معمر يسأل عن الآيات المتشابهات .(5/27)
الشيخ صالح : المتشابهات السبب الأكبر فيها بيان قضية الرسوخ في العلم وقضية الإيمان بأنه من عند الله ({اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }الزمر23) قال جل وعلا في فاتحت آل عمران ذكر آيات متشابهات ومحكمات ثم ذكر (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) ثم قال (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7 )
الأستاذ معمر الأخ محمد يسأل عن قولة تعالى ({وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ }الضحى10) المراد بالسائل هنا ؟
الشيخ صالح : الصواب عندنا أن أول ما ينصرف إلى المسترشد ، للذي يطلب مالاً وطعاماً ،لكنه يندرج ضمناً ، إما بصورة أولية إلى المسترشد الذي يطلب الهداية ويسأل سؤالاً علمياً .
الأستاذ معمر ليلى تسأل يا شيخ عن التوراة والإنجيل هل أنزلت بوحي كالقرآن ؟
الشيخ صالح : التوراة نزلت مكتوبة قال الله جل وعلا ({وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ }الأعراف145) أما الإنجيل فالأصل أنه أنزل عن طريق جبريل عليه السلام .
الأستاذ معمر سؤال آمال يا شيخ عن قوله تعالى ({وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ }مريم25) سؤالها تقول كيف تهز وهي في حال ضعف ؟ سؤال آخر يا شيخ هل هذه النخلة رطبها كان موجود ؟(5/28)