وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ , قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا }(3)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ ابن عمر - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) النساء/78]
(2) الأعراف/188]
(3) الإسراء/58](3/416)
بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)"( إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ(2)يَمْشِي )(3)( شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ )(4)( كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ )(5)( شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ )(6)( أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا )(7)( لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ , وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ )(8)( فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ(9)
__________
(1) حم ) 367 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(2) أَيْ : مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل . ( فتح - ح48)
(3) خ ) 4499
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991
(6) م ) 8 , ( ت ) 2610
(7) س ) 4991
(8) م ) 8 , ( ت ) 2610
(9) أَيْ : الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 216)(3/417)
)(1)( فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ " )(2)( قَالَ : أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " ادْنُهْ " ، فَمَا زَالَ يَقُولُ : أَدْنُو مِرَارًا ، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ " ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(4) ( فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ(5)وَمَلَائِكَتِهِ(6)
__________
(1) د ) 4698
(2) س ) 4991 , ( د ) 4698
(3) س ) 4991
(4) م ) 8 , ( س ) 4990
(5) قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ،
وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . ( فتح الباري - ح48)
(6) قَوْله : ( وَمَلَائِكَته ) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ( عِبَاد مُكْرَمُونَ )
وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَة عَلَى الْكُتُب وَالرُّسُل نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَك بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُول وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّك لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَك عَلَى الرَّسُول . ( فتح - ح48)(3/418)
وَكُتُبِهِ , وَبِلِقَائِهِ(1)وَرُسُلِهِ [ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ](2)وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ ,
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ،
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ , وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ،
فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح - ح48)
(2) حم ) 184 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) أَمَّا الْبَعْث الْآخِر , فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِر تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْس الذَّاهِب ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَعْث وَقَعَ مَرَّتَيْنِ :
الْأُولَى : الْإِخْرَاج مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات بَعْد النُّطْفَة وَالْعَلَقَة إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ،
وَالثَّانِيَة : الْبَعْث مِنْ بُطُونِ الْقُبُور إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار ,
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِر أَيَّام الدُّنْيَا أَوْ آخِر الْأَزْمِنَة الْمَحْدُودَة ،
وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْحِسَاب وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . ( فتح - ح48)(3/419)
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ(1))(2)( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ )(3)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(4)" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " ، قَالَ : صَدَقْتَ )(5)
( حم ) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ(6)حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ , بَعَثَنِي بِالْحَقِّ , وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ(7)"(8)
( ت ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 184
(2) خ ) 50 , ( م ) 9
(3) م ) 10 , ( س ) 4990
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991 , ( حم ) 2926
(6) الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ أَصْلِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيُ الْكَمَالِ , أَيْ : لَا يُعْتَبَرُ مَا عِنْدَهُ مِنْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 434)
(7) أَيْ : يُؤْمِنُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَمِ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 434)
(8) حم ) 758 , ( ت ) 2145 , ( جة ) 81(3/420)
" لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ(1)حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ(2)لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ , وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ(3)لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ "(4)
( حم صم ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : بِأَنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا حُلْوَهَا وَمُرَّهَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَمْرِهِ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ الْكَسْبِ وَمُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 433)
(2) أَيْ : مِنْ النِّعْمَةِ وَالْبَلِيَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ , مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ وَعَلَيْهِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 433)
(3) أَيْ : مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 433)
(4) ت ) 2144 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7585 ، الصَّحِيحَة : 2439(3/421)
" لَا يَجِدُ عَبْدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ(1)لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ(2)حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ "(3)
( ت د صم ) , وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ :
(
__________
(1) " حَلَاوَة الْإِيمَان " اِسْتِعَارَة تَخْيِيلِيَّةٌ ، شَبَّهَ رَغْبَة الْمُؤْمِن فِي الْإِيمَان بِشَيْءٍ حُلْو ، وَفِيهِ تَلْمِيح إِلَى قِصَّة الْمَرِيض وَالصَّحِيح , لِأَنَّ الْمَرِيض الصَّفْرَاوِيّ يَجِد طَعْم الْعَسَل مُرًّا , وَالصَّحِيح يَذُوقُ حَلَاوَته عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَكُلَّمَا نَقَصَتْ الصِّحَّة شَيْئًا مَا نَقَصَ ذَوْقه بِقَدْرِ ذَلِكَ ، فَكَانَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَة مِنْ أَوْضَحِ مَا يُقَوِّي اِسْتِدْلَال الْمُصَنِّف عَلَى الزِّيَادَة وَالنَّقْص , وإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْحَلَاوَةِ لِأَنَّ اللَّه شَبَّهَ الْإِيمَان بِالشَّجَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ( مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة ) فَالْكَلِمَة هِيَ كَلِمَة الْإِخْلَاص ، وَالشَّجَرَة أَصْل الْإِيمَان ، وَأَغْصَانهَا اِتِّبَاع الْأَمْر وَاجْتِنَاب النَّهْي ، وَوَرَقهَا مَا يَهْتَمّ بِهِ الْمُؤْمِن مِنْ الْخَيْر ، وَثَمَرهَا عَمَل الطَّاعَات ، وَحَلَاوَة الثَّمَر جَنْي الثَّمَرَة ، وَغَايَة كَمَالِهِ تَنَاهِي نُضْج الثَّمَرَة , وَبِهِ تَظْهَر حَلَاوَتهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 25)
(2) حم ) 27530
(3) صم ) 247 , ( حم ) 27530 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2150 , الصَّحِيحَة : 2471 , 3019(3/422)
قَدِمْتُ مَكَّةَ , فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ(1)فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ(2)فَقَالَ : يَا بُنَيَّ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ(3)؟ , قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : فَاقْرَأْ الزُّخْرُفَ فَقَرَأْتُ : { حم , وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(4)إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ , وَإِنَّهُ(5)فِي أُمِّ الْكِتَابِ(6)لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ(7)حَكِيمٌ(8)} , فَقَالَ : أَتَدْرِي مَا أُمُّ الْكِتَابِ ؟ , قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ : فَإِنَّهُ(9)كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَرْضَ , فِيهِ(10)
__________
(1) هو الْإِمَامُ , شَيْخُ الْإِسْلَامِ، مُفْتِي الْحَرَمِ ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ , مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيُّ ، يُقَالُ: وَلَاؤُهُ لِبَنِي جُمَحٍ ، كَانَ مِنْ مُوَلَّدِي الْجَنَدِ وَنَشَأَ بِمَكَّةَ ، وُلِدَ فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ . سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء
(2) أَيْ : بِنَفْيِ الْقَدَرِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(3) أَيْ : هل تحفظ القرآن عن ظهر قلب .
(4) أَيْ : الْمُظْهِرِ طَرِيقَ الْهُدَى وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الشَّرِيعَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(5) أَيْ : مُثْبَتٌ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(6) أَيْ : اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(7) أَيْ : الْكُتُبَ قَبْلَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(8) أَيْ : ذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(9) أَيْ : أُمَّ الْكِتَابِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(10) أَيْ : فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)(3/423)
إِنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ , وَفِيهِ : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ , قَالَ عَطَاءٌ : وَلَقِيتُ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَسَأَلْتُهُ : مَا كَانَ وَصِيَّةُ أَبِيكَ عِنْدَ الْمَوْتِ ؟ , قَالَ : دَعَانِي أَبِي فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ , وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِ اللَّهَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ )(1)( وَلَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ , وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ )(2)( فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا(3)دَخَلْتَ النَّارَ , إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ(4)فَقَالَ : اكْتُبْ , فَقَالَ : رَبِّ مَا أَكْتُبُ ؟ , قَالَ : اكْتُبْ الْقَدَرَ(5)
__________
(1) ت ) 2155
(2) د ) 4700
(3) أَيْ : مُتَّ عَلَى اِعْتِقَادٍ غَيْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(4) أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ يَعْنِي بَعْدَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ وَالرِّيحِ ، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) قَالَ : " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ , وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ ؟ , قَالَ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(5) أَيْ : الْمُقَدَّرَ الْمَقْضِيَّ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)(3/424)
مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ(1)إِلَى الْأَبَدِ )(2)اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ(3)( قَالَ : فَجَرَى الْقَلَمُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ " )(4)( يَا بُنَيَّ , إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا(5)فَلَيْسَ مِنِّي )(6)"(7)
( طب ) , وَعَنْ زُرَارَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) قَالَ الطِّيبِيُّ : ( مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ ) لَيْسَ حِكَايَةً عَمَّا أَمَرَ بِهِ الْقَلَمَ , وَإِلَّا لَقِيلَ : فَكَتَبَ مَا يَكُونُ , وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ - صلى الله عليه وسلم - , أَيْ : قَبْلَ تَكَلُّمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ ، لَا قَبْلَ الْقَلَمِ , لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ , نَعَمْ إِذَا كَانَتْ الْأَوَّلِيَّةُ نِسْبِيَّةً صَحَّ أَنْ يُرَادَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَلَمِ , وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ : ( مَا كَانَ ) يَعْنِي الْعَرْشَ وَالْمَاءَ وَالرِّيحَ وَذَاتَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(2) ت ) 2155
(3) د ) 4700
(4) صم ) 104 وصححه الألباني .
(5) أَيْ : عَلَى اِعْتِقَاد غَيْر هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِيمَان بِالْقَدَرِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 218)
(6) د ) 4700
(7) صَحِيح الْجَامِع : 2018 , والصحيحة : 133(3/425)
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ , إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } , قَالَ : نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللَّهِ(1)
__________
(1) قال النووي في شرح مسلم - (ج 1 / ص 70) : اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ إِثْبَات الْقَدَر , وَمَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّرَ الْأَشْيَاء فِي الْقِدَم ، وَعَلِمَ سُبْحَانه أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَات مَعْلُومَة عِنْده سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَعَلَى صِفَات مَخْصُوصَة , فَهِيَ تَقَع عَلَى حَسْب مَا قَدَّرَهَا سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَأَنْكَرَتْ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا وَزَعَمْت أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يُقَدِّرهَا , وَلَمْ يَتَقَدَّم عِلْمه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِهَا , وَأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةُ الْعِلْمِ , أَيْ : إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا , وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالهمْ الْبَاطِلَة عُلُوًّا كَبِيرًا , وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لِإِنْكَارِهِمْ الْقَدَرَ , قَالَ أَصْحَاب الْمَقَالَات مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ : وَقَدْ اِنْقَرَضَتْ الْقَدَرِيَّة الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْل الشَّنِيع الْبَاطِل ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِنْ أَهْل الْقِبْلَة عَلَيْهِ ، وَصَارَتْ الْقَدَرِيَّة فِي الْأَزْمَان الْمُتَأَخِّرَة تَعْتَقِد إِثْبَات الْقَدَر ؛
وَلَكِنَّهُم يَقُولُونَ : الْخَيْرُ مِنْ اللَّهِ , وَالشَّرُّ مِنْ غَيْره ، تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ , وَقَدْ حَكَى أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابه ( الْإِرْشَاد فِي أُصُول الدِّين ) أَنَّ بَعْض الْقَدَرِيَّة قَالَ : لَسْنَا بِقَدَرِيَّةٍ , بَلْ أَنْتُمْ الْقَدَرِيَّة لِاعْتِقَادِكُمْ إِثْبَاتَ الْقَدَر , قَالَ الْإِمَام : هَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة وَمُبَاهَتَة ؛ فَإِنَّ أَهْل الْحَقّ يُفَوِّضُونَ أُمُورهُمْ إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَيُضِيفُونَ الْقَدَر وَالْأَفْعَال إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى ، وَهَؤُلَاءِ الْجَهَلَة يُضِيفُونَهُ إِلَى أَنْفُسهمْ ، وَمُدَّعِي الشَّيْء لِنَفْسِهِ وَمُضِيفُهُ إِلَيْهَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَعْتَقِدهُ لِغَيْرِهِ ، وَيَنْفِيه عَنْ نَفْسه , قَالَ الْإِمَام : وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " الْقَدَرِيَّة مَجُوس هَذِهِ الْأُمَّةِ " شَبَّهَهُمْ بِهِمْ لِتَقْسِيمِهِمْ الْخَيْر وَالشَّرّ فِي حُكْم الْإِرَادَة كَمَا قَسَّمَتْ الْمَجُوس , فَصَرَفَتْ الْخَيْر إِلَى ( يزدان ) وَالشَّرَّ إِلَى ( أهرمن ) وَلَا خَفَاء بِاخْتِصَاصِ هَذَا الْحَدِيث بِالْقَدَرِيَّةِ . أ . هـ كَلَام الْإِمَام , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا جَعَلَهُمْ - صلى الله عليه وسلم - مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبهمْ مَذْهَب الْمَجُوس فِي قَوْلهمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّور وَالظُّلْمَة , يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْر مِنْ فِعْل النُّور ، وَالشَّرّ مِنْ فِعْل الظُّلْمَة ، وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّة يُضِيفُونَ الْخَيْر إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالشَّرّ إِلَى غَيْره ، وَاللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى خَالِق الْخَيْر وَالشَّرّ جَمِيعًا , لَا يَكُون شَيْء مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ , فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى خَلْقًا وَإِيجَادًا , وَإِلَى الْفَاعِلَيْنِ لَهُمَا مِنْ عِبَاده فِعْلًا وَاكْتِسَابًا وَاَللَّه أَعْلَمُ , وقال الحافظ في الفتح : وَالْقَدَرِيَّة الْيَوْم مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد قَبْل وُقُوعهَا ، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَف فِي زَعْمهمْ بِأَنَّ أَفْعَال الْعِبَاد مَقْدُورَة لَهُمْ وَوَاقِعَة مِنْهُمْ عَلَى جِهَة الِاسْتِقْلَال ، وَهُوَ - مَعَ كَوْنه مَذْهَبًا بَاطِلًا - أَخَفّ مِنْ الْمَذْهَب الْأَوَّل , وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ فَأَنْكَرُوا تَعَلُّق الْإِرَادَة بِأَفْعَالِ الْعِبَاد فِرَارًا مِنْ تَعَلُّق الْقَدِيم بِالْمُحْدَثِ ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيّ الْعِلْم خُصِمَ , يَعْنِي يُقَال لَهُ : أَيَجُوزُ أَنْ يَقَع فِي الْوُجُود خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم ؟ , فَإِنْ مَنَعَ وَافَقَ قَوْل أَهْل السُّنَّة ، وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ نِسْبَة الْجَهْل ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . ( فتح - ح50)(3/426)
"(1)
( م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقَدَرِ(2)فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ(3)إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(4)}(5).(6)
( خ م ت ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) طب ) 5316 , انظر الصَّحِيحَة : 1539
(2) أَيْ : فِي إِثْبَات الْقَدَر . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 74)
(3) أَيْ : عَلَى إِنْكَارِكُمْ الْقَدَرَ . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 74)
(4) القمر/48، 49]
(5) الْمُرَاد بِالْقَدَرِ هُنَا الْقَدَر الْمَعْرُوف , وَهُوَ مَا قَدَّر اللَّه وَقَضَاهُ وَسَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ , وَفِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَالْحَدِيث , تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر ، وَأَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ شَيْء ، فَكُلّ ذَلِكَ مُقَدَّر فِي الْأَزَل ، مَعْلُوم لِلَّهِ ، مُرَاد لَهُ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 6)
(6) م ) 2656 , ( ت ) 2157(3/427)
" ( لَا عَدْوَى(1)وَلَا طِيَرَةَ(2)
__________
(1) الْعَدْوَى هُنَا مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إِلَى غَيْرِهِ ، يُقَالُ : أَعْدَى فُلَانٌ فُلَانًا ، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُتَطَبِّبَةُ فِي عِلَلٍ سَبْعٍ : الْجُذَامِ وَالْجَرَبِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ وَالْبَخْرِ وَالرَّمَدِ وَالْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّأْوِيلِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْقَرَائِنُ الْمَسُوقَةُ عَلَى الْعَدْوَى وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَهَا ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ " , وَقَالَ : " لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ " ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعِلَلَ الْمُعْدِيَةَ مُؤَثِّرَةً لَا مَحَالَةَ ، فَأَعْلَمَهُمْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُونَ ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 288)
(2) الطِّيرَة وَالشُّؤْم بِمَعْنَى وَاحِدٍ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 484)(3/428)
وَلَا صَفَرَ(1)وَلَا هَامَةَ(2)
__________
(1) الصَّفَرَ ) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ : هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ , قَالَ الْحَافِظُ : كَذَا جَزَمَ بِتَفْسِيرِ الصَّفَرِ , وَقال أَبُو عُبَيْدَةَ : هِيَ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الْمَاشِيَةَ وَالنَّاسَ , وَهِيَ أَعْدَى مِنْ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ ، فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الصَّفَرِ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِ مِنْ الْعَدْوَى , وَرَجَحَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْقَوْلُ لِكَوْنِهِ قُرِنَ فِي الْحَدِيثِ بِالْعَدْوَى ، فَرَدَّ ذَلِكَ الشَّارِعُ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا فَرَغَ الْأَجَلُ , وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ قَوْلٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَهْرُ صَفَرَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُ صَفَرَ وَتَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَ ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِرَدِّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : ( لَا صَفَرَ ) . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 432)
(2) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : الْهَامَةُ الرَّأْسُ , وَاسْمُ طَائِرٍ , وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا , وَهِيَ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ , وَقِيلَ : هِيَ الْبُومَةُ , وَقِيلَ : كَانَتْ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَقُولُ : اِسْقُونِي , فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ , وَقِيلَ : كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ - وَقِيلَ : رُوحُهُ - تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَيُسَمُّونَهُ الصَّدَى ، فَنَفَاهُ الْإِسْلَامُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 431)(3/429)
" )(1)( فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ(2)كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ ,
فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا )(3)( كُلَّهَا ؟ )(4)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ(5)؟
__________
(1) خ ) 5425 , ( م ) 2220
(2) المقصود بالرَّمْل هنا : العدْوُ ، من رَمَل يَرْمِل .
(3) خ ) 5437
(4) م ) 2220
(5) أَيْ : إِنْ كَانَ جَرَبُهَا حَصَلَ بِالْإِعْدَاءِ , فَمَنْ أَجْرَبَ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ ؟ , أَيْ : مَنْ أَوْصَلَ الْجَرَبَ إِلَيْهِ لِيُبْنَى بِنَاءُ الْإِعْدَاءِ عَلَيْهِ ، وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ : " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ " ، وَبِقَوْلِهِ : " لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ " ، أَنَّ مُدَانَاةَ ذَلِكَ سَبَبٌ الْعِلَّةِ , فَلْيَتَّقِهِ اِتِّقَاءَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَالسَّفِينَةِ الْمَعْيُوبَةِ , وَقَدْ رَدَّت الْفِرْقَةُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي اِسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِمَا إِنَّمَا جَاءَ شَفَقًا عَلَى مُبَاشَرَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ , فَتُصِيبُهُ عِلَّةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ عَاهَةٌ فِي إِبِلِهِ , فَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَدْوَى حَقٌّ , قُلْت : وَقَدْ اِخْتَارَهُ الْحَافِظَ اِبْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ ، وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ اِجْتِنَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الْمَجْذُومِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُبَايَعَةِ مَعَ أَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ بَعِيدٌ مِنْ أَنْ يُورَدَ لِحَسْمِ مَادَّةِ ظَنِّ الْعَدْوَى كَلَامًا يَكُونُ مَادَّةً لِظَنِّهَا أَيْضًا ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّجَنُّبِ أَظْهَرُ مِنْ فَتْحِ مَادَّةِ ظَنِّ أَنَّ الْعَدْوَى لَهَا تَأْثِيرٌ بِالطَّبْعِ , وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ , فَلَا دَلَالَةَ أَصْلًا عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى مُبَيَّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , قَالَ الشَّيْخُ التُّورْبَشْتِيُّ : وَأَرَى الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ ، ثُمَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَعْطِيلِهَا , بَلْ وَرَدَ بِإِثْبَاتِهَا , وَالْعِبْرَةُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 288)(3/430)
)(1)( خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ , وَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا وَمَصَائِبَهَا وَرِزْقَهَا )(2)"
( ت حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( أَرْبَعٌ )(3)( مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُهُنَّ أَهْلُ الْإِسْلَامِ : النِّيَاحَةُ(4)وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ(5))(6)( مُطِرْنَا بِنَوْءٍ كَذَا وَكَذَا , وَالْعَدْوَى , أَجْرَبَ بَعِيرٌ فَأَجْرَبَ مِائَةَ بَعِيرٍ ، مَنْ أَجْرَبَ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ(7)؟ ،
__________
(1) خ ) 5387
(2) ت ) 2143 , ( حم ) 8325
(3) ت ) 1001 , انظر الصَّحِيحَة : 735
(4) النِّيَاحَةُ ) : قَوْلُ وَاوَيْلَاه , وَاحَسْرَتَاه ، وَالنُّدْبَةُ , عَدُّ شَمَائِلِ الْمَيِّتِ , مِثْلُ وَاشُجَاعَاه , وَاأَسَدَاهُ , وَاجَبَلَاه . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 57)
(5) قال الألباني في الصَّحِيحَة : 1799 : ( الأنواء ) : جمع نَوْء ، وهو النجم إذا سقط في المغرب مع الفجر ، مع طلوع آخر يقابله في المشرق , والمراد بالاستسقاء بها : طلب السقيا , قال في " النهاية " : " وإنما غَلَّظَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ الأنواء لأن العرب كانت تَنسِب المطر إليها ، فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى ، وأراد بقوله : " مطرنا بنوء كذا " : في وقت كذا ، وهو هذا النوء الفلاني ، فإن ذلك جائز ، أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات " .
(6) حم ) 7550 , ( ت ) 1001 , انظر الصَّحِيحَة : 1801
(7) هَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ , أَيْ : مِنْ أَيْنَ صَارَ فِيهِ الْجَرَبُ ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 57)(3/431)
وَالطَّعْنُ فِي الْأَحْسَابِ )(1)( التَّعْيِيرُ فِي الْأَحْسَابِ(2)وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ(3)دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ(4)"
( خ ) , وَعَنْ عَمْرِو بن دينار قَالَ :
__________
(1) ت ) 1001 , انظر الصَّحِيحَة : 735
(2) حم ) 7895 , قال الشيخ الأرناؤوط : حديث صحيح , و( الْأَحْسَابِ ) : جَمْعُ الْحَسَبِ وَهو مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ الْخِصَالِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ كَالشُّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ , قَالَ اِبْنُ السِّكِّيتِ : الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ شَرَفٌ ، وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 57)
(3) حم ) 10821 , وقال الشيخ الأرناؤوط : حديث صحيح , و( الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ ) : الْقَدْح مِنْ بَعْض النَّاس فِي نَسَب بَعْض بِغَيْرِ عِلْم . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 167)
(4) حم ) 7550 , قَالَ سعيد المقبري : دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ : يَا آلَ فُلَانٍ ، يَا آلَ فُلَانٍ , انظر الصَّحِيحَة : 1801(3/432)
كَانَ هَهُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ : نَوَّاسٌ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ(1)فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَبفَاشْتَرَى تِلْكَ الْإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ فَقَالَ : بِعْنَا تِلْكَ الْإِبِلَ ، فَقَالَ : مِمَّنْ بِعْتَهَا ؟ , قَالَ : مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : وَيْحَكَ , ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ ، فَجَاءَهُ فَقَالَ : إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلًا هِيمًا وَلَمْ يَعْرِفْكَ ، قَالَ : فَاسْتَقْهَا(2) فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا قَالَ : دَعْهَا , رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا عَدْوَى "(3)
( م ت جة حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ :
(
__________
(1) الهِيمُ : الإِبلُ التي يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء , واحدُها أَهْيَمُ , والأُنثى هَيْماء . لسان العرب - (ج 12 / ص 626)
(2) أَيْ : إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ فَارْتَجِعْهَا , وَالْقَائِلُ اِبْنُ عُمَر وَالْمَقُولُ لَهُ نَوَّاسٌ , وفِي الْحَدِيث جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْءِ الْمَعِيبِ إِذَا بَيَّنَهُ الْبَائِعُ وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي ، سَوَاءٌ بَيَّنَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ، لَكِنْ إِذَا أَخَّرَ بَيَانَهُ عَنْ الْعَقْدِ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي . فتح الباري (ج 6 / ص 417)
(3) خ ) 1993(3/433)
هَجَّرْتُ(1))(2)( أَنَا وَأَخِي )(3)( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا )(4)( وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ , فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ فَجَلَسْنَا حَجْرَةً(5)فَذَكَرُوا آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ )(6)( فِي الْقَدَرِ )(7)( فَتَمَارَوْا فِيهَا(8))(9)( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا ؟ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا(10)؟ )(11)(
__________
(1) التَّهجير إِلى الجمعة وغيرها : التبكير والمبادرة . لسان العرب - (ج 5 / ص 250)
(2) م ) 2666
(3) حم ) 6702 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(4) م ) 2666
(5) أَيْ : جلسنا في مكان غير مكان جلوسهم .
(6) حم ) 6702
(7) حم ) 6846 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن , ( جة ) 85
(8) أَيْ : تجادلوا .
(9) حم ) 6702
(10) أَيْ : يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِذَا كَانَ الْكُلُّ بِالْقَدَرِ فَلِمَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ؟ - كَمَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ - وَالبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُ : فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ بَعْضٍ لِلْجَنَّةِ وَبَعْضٍ لِلنَّارِ ، فَيَقُولُ الْآخَرُون : لِأَنَّ لَهُمْ فِيهِ نَوْعَ اِخْتِيَارٍ كَسْبِيٍّ , فَيَقُولُ الْآخَرُون : مَنْ أَوْجَدَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارَ وَالْكَسْبَ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ ؟ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . تحفة الأحوذي (ج5ص421)
(11) حم ) 6845 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(3/434)
حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ )(1)( " فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ )(2)( فَخَرَجَ عَلَيْنَا يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ (3))(4)( فَقَالَ : أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ(5)؟ )(6)( أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ؟ )(7)( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ , عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ(8)أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ )(9) وفي رواية : ( إِنَّمَا ضَلَّتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ )(10)( بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , وَضَرْبِهِمْ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ , إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا , بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا )(11)
(
__________
(1) حم ) 6702
(2) حم ) 6845
(3) إِنَّمَا غَضِبَ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى , وَطَلَبُ سِرِّهِ مَنْهِيٌّ ، وَلِأَنَّ مَنْ يَبْحَثُ فِيهِ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِيرَ قَدَرِيًّا أَوْ جَبْرِيًّا ، وَالْعِبَادُ مَأْمُورُونَ بِقَبُولِ مَا أَمَرَهُمْ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبُوا سِرَّ مَا لَا يَجُوزُ طَلَبُ سِرِّهِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 421)
(4) م ) 2666
(5) أَيْ : هَذَا الْبَحْث عَلَى الْقَدَر وَالِاخْتِصَام فِيهِ , هَلْ هُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّكْلِيف بِهِ حَتَّى اِجْتَرَأْتُمْ عَلَيْهِ ؟ , يُرِيد أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ , فَأَيُّ حَاجَة إِلَيْهِ ؟ . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 76)
(6) ت ) 2133 , ( جة ) 85
(7) حم ) 6845
(8) أَيْ : أَقْسَمْت أَوْ أَوْجَبْت . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 421)
(9) ت ) 2133 , ( م ) 2666
(10) حم ) 6845
(11) حم ) 6702(3/435)
فلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ )(1)( فَانْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ فَاعْمَلُوا بِهِ , وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(2) وفي رواية : ( فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ(3)وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ )(4)( فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا هَهُنَا فِي شَيْءٍ " )(5)( قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي(6)بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ )(7).(8)
( طب ) , وَعَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا , وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا , وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا "(9)
( حب ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُوَاتِيًا أَوْ مُقَارِبًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْوِلْدَانِ(10)وَالْقَدَرِ "(11)
( جة ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ :
__________
(1) حم ) 6741
(2) حم ) 6845
(3) الصَّحِيحَة تحت حديث : 1522
(4) حم ) 6702
(5) حم ) 6845
(6) أَيْ : مَا اِسْتَحْسَنْت فِعْل نَفْسِي .
(7) جة ) 85 , ( حم ) 6668
(8) تخريج الطحاوية ص218
(9) طب ) 10448 , صَحِيح الْجَامِع : 545 , الصَّحِيحَة : 34
(10) قال ابن حبان : الولدان أراد به أطفال المشركين .
(11) حب ) 6724 , ( ك ) 93 , صَحِيح الْجَامِع : 2003 , الصَّحِيحَة : 1515(3/436)
وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ(1)فَخَشِيتُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ دِينِي وَأَمْرِي , فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رضي الله عنه - فَقُلْتُ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ , إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ فَخَشِيتُ عَلَى دِينِي وَأَمْرِي , فَحَدِّثْنِي مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ , فَقَالَ : لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ(2)وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ(3)وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ , فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ(4)
__________
(1) أَيْ : مِنْ بَعْض شُبَه الْقَدَر الَّتِي رُبَّمَا تُؤَدِّي إِلَى الشَّكّ فِيهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 217)
(2) لِأَنَّهُ مَالِك الْجَمِيع , فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّف كَيْف شَاءَ , وَلَا ظُلْم أَصْلًا . عون المعبود - (ج 10 / ص 217)
(3) أَيْ : خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَة , وفي هذا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَحْمَته لَيْسَتْ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَعْمَال ، كَيْف وَهِيَ مِنْ جُمْلَة رَحْمَته بِهِمْ ؟ ، فَرَحْمَته إِيَّاهُمْ مَحْض فَضْل مِنْهُ تَعَالَى ، فَلَوْ رَحِمَ الْجَمِيع فَلَهُ ذَلِكَ . عون المعبود(ج10ص217)
(4) أَيْ : مَا أَصَابَك مِنْ النِّعْمَة وَالْبَلِيَّة , أَوْ الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة , مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَك أَوْ عَلَيْك ..عون المعبود(ج10ص 217)(3/437)
لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ , وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ , وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا(1)دَخَلْتَ النَّارَ , وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - فَتَسْأَلَهُ , قَالَ : فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا قَالَ أُبَيٌّ , وَقَالَ لِي : وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - , فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا ,
وَقَالَ : ائْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - فَاسْأَلْهُ , فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - فَسَأَلْتُهُ , فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَوْ إِنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ , وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ , وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ , فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ , وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ,
وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ "(2)
( ت حم ) , وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : عَلَى اِعْتِقَاد غَيْر هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِيمَان بِالْقَدَرِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 217)
(2) جة ) 77 ، ( د ) 4699 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5244 ، وهداية الرواة : 111 , وظلال الجنة : 245 ، وصحيح موارد الظمآن : 1526(3/438)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَبفَقَالَ : إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا(1)فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فلَا تُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ (2))(3)( وَذَلِكَ فِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ )(4)"(5)
( صم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - :
" الرَّجْمُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فلَا تُخْدَعُوا عَنْهُ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجَمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - رَجَمَ ، وَرَجَمْتُ أَنَا بَعْدُ ، وَسَيَجِيءُ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْحَوْضِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ "(6)
( صم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أُخِّرَ الْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ لَشِرَارِ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ "(7)
( د ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : بَلَغَنِي أَنَّهُ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ .
(2) أي : رمي بالحجارة من جهة السماء .
(3) حم ) 6208 , ( ت ) 2152
(4) ت ) 2153 , ( جة ) 4061
(5) حسنه الألباني في المشكاة : 106 , وفي الصحيحة تحت حديث : 1787
(6) صححه الألباني في ظلال الجنة : 697
(7) صم ) 350 , ( ك ) ( 2 / 473 ) , صَحِيح الْجَامِع : 226 , والصحيحة : 1124(3/439)
" سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ "(1)
( د جة صم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسًا ، وَإِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ )(2)( الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّه(3))(4)( فَإِنْ مَرِضُوا فلَا تَعُودُوهُمْ )(5)( وَإِنْ مَاتُوا فلَا تُصَلُّوا عَلَى جَنَائِزِهِمْ )(6)فلَا تَشْهَدُوهُمْ(7)"(8)
( صم ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) د ) السنة ( 4613) , ( حم ) 5639 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3669
(2) صم ) 342 , ( د ) 4691
(3) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم : إِنَّمَا جَعَلَهُمْ مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبهمْ مَذَاهِب الْمَجُوس فِي قَوْلهمْ بِالْأَصْلَيْنِ : وَهُمَا النُّور وَالظُّلْمَة , يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْر مِنْ فِعْل النُّور , وَالشَّرّ مِنْ فِعْل الظُّلْمَة ، وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّة , يُضِيفُونَ الْخَيْر إِلَى اللَّه , وَالشَّرّ إِلَى غَيْره ، وَاَللَّه سُبْحَانه خَالِق الْخَيْر وَالشَّرّ , لَا يَكُون شَيْء مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ , وَخَلْقه الشَّرّ شَرًّا فِي الْحِكْمَة , كَخَلْقِهِ الْخَيْر خَيْرًا ، فَإِنَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مُضَافَانِ إِلَيْهِ خَلْقًا وَإِيجَادًا ، وَإِلَى الْفَاعِلِينَ لَهُمَا فِعْلًا وَاكْتِسَابًا . عون المعبود - (ج 10 / ص 211)
(4) جة ) 92
(5) د ) 4691 , ( جة ) 92
(6) صم ) 342
(7) د ) 4691 , ( جة ) 92 , ( وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ ) أَيْ : لَا تَحْضُرُوا جِنَازَتهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 211)
(8) صححه الألباني في ظلال الجنة :342 , وصَحِيح الْجَامِع : 5163(3/440)
" صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا يَرِدَانِ عَلَيَّ الْحَوْضَ : الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةِ(1)"(2)
( طب ) , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ثَلَاثةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا : عَاقٌّ ، وَمَنَّانٌ ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ "(3)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ ، وَلَا مُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ "(4)
( حب ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَوْ أَنَّ اللَّهَ يُؤَاخِذُنِي وَابْنَ مَرْيَمَ بِذُنُوبِنَا لَعَذَّبَنَا وَلَا يَظْلِمُنَا شَيْئًا "(5)
(
__________
(1) الْمُرْجِئَة : نُسِبُوا إِلَى الْإِرْجَاء وَهُوَ التَّأْخِير ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَّرُوا الْأَعْمَال عَنْ الْإِيمَان , فَقَالُوا : الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ فَقَطْ , وَلَمْ يَشْتَرِط جُمْهُورهمْ النُّطْق ، وَجَعَلُوا لِلْعُصَاةِ اِسْم الْإِيمَان عَلَى الْكَمَال وَقَالُوا : لَا يَضُرّ مَعَ الْإِيمَان ذَنْب أَصْلًا ، وَمَقَالَاتهمْ مَشْهُورَة فِي كُتُب الْأُصُول . ( فتح - ح48)
(2) صم ) 949 , انظر الصَّحِيحَة : 2748
(3) طب ) 7547 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3065 , والصحيحة : 1785
(4) حم ) 27524 , انظر الصَّحِيحَة : 675 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 2362
(5) حب ) 659 , انظر الصَّحِيحَة : 3200 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 2475 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .(3/441)
م حم ) , وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ(1)قَالَ :
(
__________
(1) هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ , وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ , الْبَصْرِيُّ ، اِسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ ، وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُخَضْرَمٌ , وَلِيَ قَضَاء الْبَصْرَة لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّه وَجْهه , وَهُوَ الَّذِي ابْتَكَرَ النَّحْو .شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 155)(3/442)
قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ - رضي الله عنه - : أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ(1)أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرِ قَدْ سَبَقَ , أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَثَبَتَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ؟ , فَقُلْتُ : بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا ؟ , قَالَ : فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا وَقُلْتُ : كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ , فلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ , فَقَالَ لِي : يَرْحَمُكَ اللَّهُ , إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ(2)
__________
(1) أَيْ : مَا يَسْعَوْنَ ، وَالْكَدْح هُوَ السَّعْي فِي الْعَمَل سَوَاء كَانَ لِلْآخِرَةِ أَمْ لِلدُّنْيَا .شرح النووي (ج 8 / ص 498)
(2) أَيْ : لِأَمْتَحِن عَقْلك وَفَهْمك وَمَعْرِفَتك ..(3/443)
إِنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ , أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ , أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَثَبَتَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ؟ , فَقَالَ : " لَا , بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ " )(1)( قَالَ : فَلِمَ يَعْمَلُونَ إِذًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ - عز وجل - لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْزِلَتَيْنِ [ وَفَّقَهُ ](2)لِعَمَلِهَا , وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عز وجل - : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا , فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(3)}(4))(5)"
أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ فِي الْقَدَر
( م ت ) , وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ :
(
__________
(1) م ) 2650
(2) طب ) (ج 18 / ص 223ح 557 )
(3) الشمس : 7
(4) أَوْرَدَ عِمْرَان عَلَى أَبِي الْأَسْوَد شُبْهَة الْقَدَرِيَّة مِنْ تَحَكُّمِهِمْ عَلَى اللَّه وَدُخُولِهِمْ بِآرَائِهِمْ فِي حُكْمِهِ ، فَلَمَّا أَجَابَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى ثَبَاتِهِ فِي الدِّين , قَوَّاهُ بِذِكْرِ الْآيَة , وَهِيَ حَدٌّ لِأَهْلِ السُّنَّة ، وَقَوْله ( كُلٌّ خَلْقُ اللَّهِ وَمُلْكُه ) يُشِير إِلَى أَنَّ الْمَالِك الْأَعْلَى الْخَالِق الْآمِر لَا يُعْتَرَض عَلَيْهِ إِذَا تَصَرَّفَ فِي مُلْكه بِمَا يَشَاء ، وَإِنَّمَا يُعْتَرَض عَلَى الْمَخْلُوقِ الْمَأْمُورِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 440)
(5) حم ) 19950 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 6230 , الصَّحِيحَة : 2336(3/444)
كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ(1)مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ(2)فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ , فَقُلْنَا : لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ , فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِبدَاخِلًا الْمَسْجِدَ , فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي(3)
__________
(1) أَيْ : أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِنَفْيِ الْقَدَرِ , فَابْتَدَعَ وَخَالَفَ الصَّوَابَ الَّذِي عَلِمَهُ أَهْلُ الْحَقِّ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 407)
(2) مَعْبَدٌ هَذَا هُوَ اِبْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ , كَانَ يُجَالِسُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَصْرَةِ بِالْقَدَرِ , فَسَلَكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ لَمَّا رَأَوْا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَنْتَحِلُهُ ، قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ صَبْرًا . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 407)
(3) أَيْ : صِرْنَا فِي نَاحِيَتَيْهِ , ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ : أَحَدنَا عَنْ يَمِينه وَالْآخَر عَنْ شِمَاله , وَفِي هَذَا تَنْبِيه عَلَى أَدَب الْجَمَاعَة فِي مَشْيهمْ مَعَ فَاضِلهمْ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ . (.النووي - ج 1 / ص 70)(3/445)
أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ , فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ(1)وَذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ , وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ(2)
__________
(1) أَيْ : يَبْحَثُونَ عَنْ غَامِضه وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَرَأَيْت بَعْضهمْ قَالَ فِيهِ : ( يَتَقَعَّرُونَ ) , وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ قَعْرَهُ , أَيْ غَامِضَهُ وَخَفِيَّهُ , وَمِنْهُ تَقَعَّرَ فِي كَلَامه إِذَا جَاءَ بِالْغَرِيبِ مِنْهُ . ( النووي ج 1 / ص 70)
(2) أَيْ : الْأَمْرُ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ , وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ غُلَاتِهِمْ وَلَيْسَ قَوْلَ جَمِيعِ الْقَدَرِيَّةِ ، وَكَذَبَ قَائِلُهُ وَضَلَّ وَافْتَرَى , عَافَانَا اللَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ . (.النووي - ج 1 / ص 70)(3/446)
قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي , وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ , مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ(1))(2)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(3)"
( د ) , وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ :
__________
(1) هَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن عُمَرَ رضي الله عنهما ظَاهِرٌ فِي تَكْفِيرِهِ الْقَدَرِيَّةَ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هَذَا فِي الْقَدَرِيَّةِ الْأُوَلِ الَّذِينَ نَفَوْا تَقَدُّمَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَائِنَاتِ ، قَالَ : وَالْقَائِل بِهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَاف ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْقَدَر هُمْ الْفَلَاسِفَة فِي الْحَقِيقَة , وقَالَ غَيْره : وَيَجُوز أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَلَام التَّكْفِيرَ الْمُخْرِجَ مِنْ الْمِلَّة , فَيَكُون مِنْ قَبِيل كُفْرَان النِّعَم , إِلَّا أَنَّ قَوْله : ( مَا قَبِلَهُ اللَّه مِنْهُ ) ، ظَاهِرٌ فِي التَّكْفِير ؛ فَإِنَّ إِحْبَاط الْأَعْمَال إِنَّمَا يَكُون بِالْكُفْرِ , إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال فِي الْمُسْلِم : لَا يُقْبَل عَمَله لِمَعْصِيَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة صَحِيحَة غَيْر مُحْوِجَة إِلَى الْقَضَاء عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء بَلْ بِإِجْمَاعِ السَّلَف وَهِيَ غَيْر مَقْبُولَة , فَلَا ثَوَاب فِيهَا عَلَى الْمُخْتَار عِنْد أَصْحَابنَا وَاَللَّه أَعْلَمُ , وَقَوْله : ( فَأَنْفَقَهُ ) ، يَعْنِي فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى وَطَاعَته . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 70)
(2) م ) 8 , ( ت ) 2610
(3) ت ) 2610(3/447)
كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ الْقَدَرِ , فَكَتَبَ إلَيْهِ : أَمَّا بَعْدُ , كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ , فَعَلَى الْخَبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ , مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلَا ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هِيَ أَبْيَنُ أَثَرًا وَلَا أَثْبَتُ أَمْرًا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ , لَقَدْ ذَكَرَهُ(1)فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلَاءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَفِي شِعْرِهِمْ , يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ , ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ بَعْدُ إِلَّا شِدَّةً , وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلَا حَدِيثَيْنِ , وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ , فَتَكَلَّمُوا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ , يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ , وَتَضْعِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ(2)وَلَمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ , وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ(3)وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ(4)
__________
(1) أَيْ : الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(2) أَيْ : عِلْم اللَّه تَعَالَى . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(3) أَيْ أَنَّ الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - أَقَرُّوا بِالْقَدَرِ وَتَيَقَّنُوا بِهِ , وَسَلَّمُوا ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ وَضَعَّفُوا أَنْفُسهمْ , أَيْ : اِسْتَحَالُوا أَنْ يَكُون شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء مِمَّا عَزَبَ وَغَابَ عَنْ عِلْمه تَعَالَى لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمه تَعَالَى وَلَمْ يَضْبِطهُ كِتَابه وَلَمْ يَنْفُذ فِيهِ أَمْره .
عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(4) أَيْ : لَمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْمَجِيد . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)(3/448)
مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ , وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهُ(1)وَلَئِنْ قُلْتُمْ : لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذَا(2)؟ , لِمَ قَالَ كَذَا ؟ , لَقَدْ قَرَءُوا(3)مِنْهُ مَا قَرَأْتُمْ , وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا جَهِلْتُمْ , وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ(4)بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ(5)وَكُتِبَتِ الشَّقَاوَةُ , وَمَا يُقْدَرْ يَكُنْ , وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ , وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا , ثُمَّ رَغِبُوا(6)بَعْدَ ذَلِكَ(7)وَرَهِبُوا(8).(9)
( مالك ) , وَعَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ :
__________
(1) أَيْ : تَعَلَّمُوا الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(2) أَيْ : فِي شَأْن الْآيَات الَّتِي ظَاهِرهَا يُخَالِف الْقَدَر . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(3) أَيْ : السَّلَف . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(4) أَيْ : بَعْدَمَا قَرَءُوا مِنْ مُحْكَم كِتَابه مَا قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيله مَا جَهِلْتُمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(5) أَيْ : أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَتَبَ كُلّ شَيْء وَقَدَّرَهُ قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِمُدَّةٍ طَوِيلَة . عون المعبود
(6) أَيْ : السَّلَف الصَّالِحُونَ . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(7) أَيْ : بَعْد الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلَمْ يَمْنَعهُمْ هَذَا الْإِقْرَار عَنْ الرَّغْبَة فِيهَا . عون المعبود(ج10ص132)
(8) أَيْ : خَافُوا الْأَعْمَال السَّيِّئَة وَاتَّقَوْهَا . عون المعبود - (ج 10 / ص 132)
(9) قال الشيخ الألباني في ( د ) 4612 : صحيح الإسناد مقطوع .(3/449)
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِبيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَالْفَاتِنُ .(1)
( د ) , وَعَنْ الْحَسَنِ أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً(2)وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ(3)وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ }(4)قَالَ : خَلَقَ هَؤُلَاءِ لِهَذِهِ(5)وَهَؤُلَاءِ لِهَذِهِ(6).
( صم ) , وَعَنْ مروان ابن معاوية قال :
سألت مالك بن أنس عن تزويج القدري فقال : لَا ، قال اللَّه تعالى : { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ }(7).(8)
تَقْدِيرُ الْمَقَادِيرِ قَبْلَ الْخَلْق
( ت د صم ) , وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ :
(
__________
(1) مالك ) 2642 , إسناده صحيح : مالك , عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ .ع
(2) أَيْ : أَهْل دِين وَاحِد . عون المعبود - (ج 10 / ص 135)
(3) أَيْ : مَنْ أَرَادَ لَهُمْ الْخَيْر فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 135)
(4) هود/118، 119]
(5) أَيْ : لِلْجَنَّةِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 135)
(6) أَيْ : لِلنَّارِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 135)
(7) سورة البقرة آية رقم : 221
(8) صححه الألباني في ظلال الجنة : 198(3/450)
قَدِمْتُ مَكَّةَ , فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ(1)فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ(2)فَقَالَ : يَا بُنَيَّ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ(3)؟ , قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : فَاقْرَأْ الزُّخْرُفَ فَقَرَأْتُ : { حم , وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(4)إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ , وَإِنَّهُ(5)فِي أُمِّ الْكِتَابِ(6)لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ(7)حَكِيمٌ(8)} , فَقَالَ : أَتَدْرِي مَا أُمُّ الْكِتَابِ ؟ , قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ : فَإِنَّهُ(9)كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَرْضَ , فِيهِ(10)
__________
(1) هو الْإِمَامُ , شَيْخُ الْإِسْلَامِ، مُفْتِي الْحَرَمِ ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ , مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيُّ ، يُقَالُ: وَلَاؤُهُ لِبَنِي جُمَحٍ ، كَانَ مِنْ مُوَلَّدِي الْجَنَدِ وَنَشَأَ بِمَكَّةَ ، وُلِدَ فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ . سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء
(2) أَيْ : بِنَفْيِ الْقَدَرِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(3) أَيْ : هل تحفظ القرآن عن ظهر قلب .
(4) أَيْ : الْمُظْهِرِ طَرِيقَ الْهُدَى وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الشَّرِيعَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(5) أَيْ : مُثْبَتٌ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(6) أَيْ : اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(7) أَيْ : الْكُتُبَ قَبْلَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(8) أَيْ : ذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(9) أَيْ : أُمَّ الْكِتَابِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(10) أَيْ : فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)(3/451)
إِنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ , وَفِيهِ : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ , قَالَ عَطَاءٌ : وَلَقِيتُ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَسَأَلْتُهُ : مَا كَانَ وَصِيَّةُ أَبِيكَ عِنْدَ الْمَوْتِ ؟ , قَالَ : دَعَانِي أَبِي فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ , وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِ اللَّهَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ )(1)( وَلَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ , وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ )(2)( فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا(3)دَخَلْتَ النَّارَ , إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ(4)فَقَالَ : اكْتُبْ , فَقَالَ : رَبِّ مَا أَكْتُبُ ؟ , قَالَ : اكْتُبْ الْقَدَرَ(5)
__________
(1) ت ) 2155
(2) د ) 4700
(3) أَيْ : مُتَّ عَلَى اِعْتِقَادٍ غَيْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(4) أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ يَعْنِي بَعْدَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ وَالرِّيحِ ، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) قَالَ : " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ , وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ ؟ , قَالَ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(5) أَيْ : الْمُقَدَّرَ الْمَقْضِيَّ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)(3/452)
مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ(1)إِلَى الْأَبَدِ )(2)اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ(3)( قَالَ : فَجَرَى الْقَلَمُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ " )(4)( يَا بُنَيَّ , إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا(5)فَلَيْسَ مِنِّي )(6)"(7)
( صم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَالَ الطِّيبِيُّ : ( مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ ) لَيْسَ حِكَايَةً عَمَّا أَمَرَ بِهِ الْقَلَمَ , وَإِلَّا لَقِيلَ : فَكَتَبَ مَا يَكُونُ , وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ - صلى الله عليه وسلم - , أَيْ : قَبْلَ تَكَلُّمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ ، لَا قَبْلَ الْقَلَمِ , لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ , نَعَمْ إِذَا كَانَتْ الْأَوَّلِيَّةُ نِسْبِيَّةً صَحَّ أَنْ يُرَادَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَلَمِ , وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ : ( مَا كَانَ ) يَعْنِي الْعَرْشَ وَالْمَاءَ وَالرِّيحَ وَذَاتَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 443)
(2) ت ) 2155
(3) د ) 4700
(4) صم ) 104 وصححه الألباني .
(5) أَيْ : عَلَى اِعْتِقَاد غَيْر هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِيمَان بِالْقَدَرِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 218)
(6) د ) 4700
(7) صَحِيح الْجَامِع : 2018 , والصحيحة : 133(3/453)
" إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمُ ، فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ - قَالَ : فَكَتَبَ الدُّنْيَا وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ عَمَلٍ مَعْمُولٍ ، بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ ، رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ فَأَحْصَاهُ عِنْدَهُ فِي الذِّكْرِ , اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } , فَهَلْ تَكُونُ النُّسْخَةُ إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ؟ "(1)
( م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" كَتَبَ رَبُّكُمْ تَعَالَى مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ(2)بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ(3)"(4)
( ت ) , وَعَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) صم ) 106 , انظر الصَّحِيحَة : 3136
(2) أَيْ : أَمَرَ اللَّهُ الْقَلَمَ أَنْ يُثْبِتَ فِي اللَّوْحِ مَا سَيُوجَدُ مِنْ الْخَلَائِقِ ذَاتًا وَصِفَةً وَفِعْلًا وَخَيْرًا وَشَرًّا عَلَى مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُرَادُ تَحْدِيدُ وَقْتِ الْكِتَابَةِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ , لَا أَصْلُ التَّقْدِيرِ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 444)
(3) أَيْ : قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 444)
(4) م ) 2653 , ( ت ) 2156(3/454)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى [ كُتِبْتَ ](1)لَكَ النُّبُوَّةُ ؟ , قَالَ : " وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ(2)"(3)
( ت حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 20615 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(2) أَيْ : وَجَبَتْ لِي النُّبُوَّةُ وَآدَمُ مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ , صُورَةٌ بِلَا رُوحٍ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 16)
(3) ت ) 3609 , ( حم ) 16674 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4581 , والصحيحة : 1856(3/455)
" ( إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - خَلَقَ خَلْقَهُ(1)فِي ظُلْمَةٍ(2)ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ )(3)( فَأَصَابَ النُّورُ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصِيبَهُ , وَأَخْطَأَ مَنْ شَاءَ , فَمَنْ أَصَابَهُ النُّورُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ اهْتَدَى(4)وَمَنْ أَخْطَأَهُ يَوْمَئِذٍ ضَلَّ(5)" )(6)( قال عَبْدُ اللَّهِ : فَلِذَلِكَ(7)أَقُولُ : جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ(8))(9)( بِمَا هُوَ كَائِنٌ(10))(11)"(12)
( خ ) ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) أَيْ : الثَّقَلَيْنِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَا خُلِقُوا إِلَّا مِنْ نُورٍ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 441)
(2) أَيْ : فِي ظُلْمَةِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ , الْمَجْبُولَةِ بِالشَّهَوَاتِ الْمُرْدِيَةِ , وَالْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ . تحفة الأحوذي
(3) ت ) 2642
(4) أَيْ : إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 441)
(5) أَيْ : خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 441)
(6) حم ) 6854 , 6644 , ( ت ) 2642
(7) أَيْ : مِنْ أَجْلِ أَنَّ الِاهْتِدَاءَ وَالضَّلَالَ قَدْ جَرَى . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 441)
(8) أَيْ : عَلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِهِ فِي الْأَزَلِ , لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 441)
(9) ت ) 2642
(10) أَيْ : مِنْ أَجْلِ عَدَمِ تَغَيُّرِ مَا جَرَى فِي الْأَزَلِ تَقْدِيرُهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ أَقُولُ : جَفَّ الْقَلَمُ .تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 441)
(11) حم ) 6854
(12) صَحِيح الْجَامِع : 1764 , الصَّحِيحَة : 1076(3/456)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ(1)وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ [ أَفَأَخْتَصِي ؟ ](2)" فَسَكَتَ عَنِّي " ، ثُمَّ قُلْتُ : مِثْلَ ذَلِكَ " فَسَكَتَ عَنِّي " ثُمَّ قُلْتُ : مِثْلَ ذَلِكَ " فَسَكَتَ عَنِّي " ، ثُمَّ قُلْتُ : مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ , فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ(3)"(4)
(
__________
(1) الْعَنَت ) هُنَا هُوَ الزِّنَا ، وَيُطْلَق عَلى الْإِثْم وَالْفُجُور , وَالْأَمْر الشَّاقّ وَالْمَكْرُوه ، وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : أَصْل الْعَنَت الشِّدَّة . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 308)
(2) س ) 3215
(3) أَيْ : اترك , والْمَعْنَى إِنْ فَعَلْت أَوْ لَمْ تَفْعَل فَلَا بُدّ مِنْ نُفُوذ الْقَدَر ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُكْمِ الْخِصَاء , وَمُحَصِّلُ الْجَوَاب أَنَّ جَمِيع الْأُمُور بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فِي الْأَزَل ، فَالْخِصَاء وَتَرْكه سَوَاء ، فَإِنَّ الَّذِي قُدِّرَ لَا بُدّ أَنْ يَقَع , وَقَوْله ( عَلَى ذَلِكَ ) هِيَ مُتَعَلِّقَة بِمُقَدَّرٍ , أَيْ اُخْتُصَّ حَال اِسْتِعْلَائِك عَلَى الْعِلْم بِأَنَّ كُلّ شَيْء بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَرِهِ ، وَلَيْسَ إِذْنًا فِي الْخِصَاء ، بَلْ فِيهِ إِشَارَة إِلَى النَّهْي عَنْ ذَلِكَ ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِذَا عَلِمْت أَنَّ كُلّ شَيْء بِقَضَاءِ اللَّهِ فَلَا فَائِدَة فِي الِاخْتِصَاء وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُون لَمَّا اِسْتَأْذَنَهُ فِي ذَلِكَ , وَكَانَتْ وَفَاته قَبْل هِجْرَة أَبِي هُرَيْرَة بِمُدَّةٍ . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 308)
(4) خ ) 4788(3/457)
ت ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ :
" خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ ؟ " فَقُلْنَا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا , " فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى : هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ , فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ , ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا , ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ : هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ , ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ , فلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا " فَقَالَ أَصْحَابُهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ , فَقَالَ : " سَدِّدُوا(1)وَقَارِبُوا(2)فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ(3)وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ(4)
__________
(1) أَيْ : اُطْلُبُوا بِأَعْمَالِكُمْ السَّدَادَ وَالِاسْتِقَامَةَ ، وَهُوَ الْقَصْدُ فِي الْأَمْرِ وَالْعَدْلُ فِيهِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 429)
(2) أَيْ : اِقْتَصِدُوا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا , وَاتْرُكُوا الْغُلُوَّ فِيهَا وَالتَّقْصِيرَ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 429)
(3) أَيْ : وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 429)
(4) أَيْ : وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 429)(3/458)
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا(1)ثُمَّ قَالَ : فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَادِ , فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ "(2)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" فَرَغَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ خَمْسٍ : مِنْ أَجَلِهِ وَرِزْقِهِ وَأَثَرِهِ وَمَضْجَعِهِ وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ "(3)
( الأسماء والصفات ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَو أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ "(4)
( د ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) أَيْ : طَرَحَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْكِتَابَيْنِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 429)
(2) ت ) : 2141 , ( ن ) 11473 , و( حم ) 6563 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 88 , والصَّحِيحَة : 848
(3) حم ) 21771 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4201 , هداية الرواة : 109 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .
(4) صَحِيح الْجَامِع : 2693 , الصَّحِيحَة : 1642 , وقال : رواه اللالكائي في " السنة " ج1ص141 , والبيهقي في " الأسماء ص 157 )(3/459)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ(1)وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ , قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا , أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا(2)غَافِلِينَ(3)}(4)فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - خَلَقَ آدَمَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ : خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ , وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ(5)يَعْمَلُونَ(6)ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ : خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ , وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ " , فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ(7)؟
__________
(1) أَيْ : أَخْرَجَ بَعْضَهُمْ مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ مِنْ صُلْبِ آدَمَ ، نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ , كَالذَّرِّ ، وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رِبَوِبِيَّتِهِ , وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(2) أَيْ : التَّوْحِيدِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(3) فَإنِ احْتَجَّ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُم عِلْمُ الضَّرُورَةِ وَوُكِلُوا إِلَى آرَائِهِمْ , فَيُقَالُ لَهُمْ : كَذَبْتُمْ , بَلْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى يُوقِظُونَكُمْ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(4) الأعراف/172]
(5) أَيْ : مِنْ الطَّاعَاتِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(6) إِمَّا فِي جَمِيعِ عُمْرِهِمْ , أَوْ فِي خَاتِمَةِ أَمْرِهِمْ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(7) أَيْ : إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ سَبْقِ الْقَدَرِ ، فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يُفِيدُ الْعَمَلُ ؟ , وَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرْنَا بِالْعَمَلِ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)(3/460)
, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ(1)حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ , فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ , وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ , حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ , فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ "(2)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ , فَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُمْنَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ كَأَنَّهُمْ الذَّرُّ(3)وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَأَنَّهُمْ الْحُمَمُ(4)فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَمِينِهِ : إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي , وَقَالَ لِلَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى : إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي "(5)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ :
__________
(1) أَيْ : جَعَلَهُ عَامِلًا بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ بِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(2) د ) 4703 , ( ت ) 3075 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1702 , ظلال الجنة : 168 ، صحيح موارد الظمآن : 1514
(3) الذَّرّ : صِغار النمل .
(4) الحُمَم : جمع الحُمَمَة , وهي الفحمة .
(5) حم ) 27528 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3234 , الصحيحة : 49 ، وهداية الرواة : 115(3/461)
مَرِضَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ فَبَكَى , فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ , أَلَمْ يَقُلْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خُذْ مِنْ شَارِبِكَ ثُمَّ أَقِرَّهُ حَتَّى تَلْقَانِي ؟ " , فَقَالَ : بَلَى , وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَبَضَ قَبْضَةً بِيَمِينِهِ وَقَالَ : هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِي , وَقَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَى بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَقَالَ : هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِي " , فلَا أَدْرِي فِي أَيِّ الْقَبْضَتَيْنِ أَنَا .(1)
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - خَلَقَ آدَمَ , ثُمَّ أَخَذَ الْخَلْقَ مِنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ : هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي " , فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلَى مَاذَا نَعْمَلُ ؟ , قَالَ : " عَلَى مَوَاقِعِ الْقَدَرِ "(2)
( صم ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 17629 , انظر الصَّحِيحَة : 50 ، وهداية الرواة : 116
(2) حم ) 17696 , ( حب ) 338 , انظر الصَّحِيحَة : 48(3/462)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ عَمَلَنَا هَذَا عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ عَلَى أَمْرٍ نَسْتَقْبِلُهُ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَلْ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ " ، قُلْتُ : فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يُدْرَكُ ذَلِكَ إِلَّا بِعَمَلٍ " ، فَقَالَ عُمَرُ : إِذًا نَجْتَهِدَ .(1)
( ت ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ :
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآية : { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ(2)شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ(3)}(4)سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَعَلَى مَاذَا نَعْمَلُ ؟ , عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ(5)؟ , قَالَ : " بَلْ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَجَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ يَا عُمَرُ , وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ(6)"(7)
(
__________
(1) صم ) 161 , ( حب ) 108 , صححه الألباني في ظلال الجنة : 161 ، صحيح موارد الظمآن : 1517
(2) أَيْ : مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 436)
(3) الشَّقِيُّ : مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ فِي الْأَزَلِ ، وَالسَّعِيدُ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي الْأَزَلِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 436)
(4) هود/105]
(5) أَيْ : أَنَعْمَلُ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَجَرَى بِهِ الْقَلَمُ ، أَوْ نَعْمَلُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَفْرُغْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 436)
(6) أَيْ : مُوَفَّقٌ وَمُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 436)
(7) ت ) 3111(3/463)
م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ , فِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ ؟ , أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ(1)وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ ؟ , قَالَ : " لَا , بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ " , قَالَ : فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ , قَالَ : " اعْمَلُوا , فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ "(2)
( خ م ) , وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) قَالَ الْعُلَمَاء : كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَلَوْحه وَقَلَمه وَالصُّحُف الْمَذْكُورَة فِي الْأَحَادِيث , كُلّ ذَلِكَ مِمَّا يَجِب الْإِيمَان بِهِ , وَأَمَّا كَيْفِيَّة ذَلِكَ وَصِفَته فَعِلْمهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إِلَّا بِمَا شَاءَ } وَاللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 496)
(2) م ) 2648 , ( جة ) 91(3/464)
قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُعْرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ : فَلِمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ(1)؟ , قَالَ : " كُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ(2)"(3)
( خ م ) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : إِذَا سَبَقَ الْقَلَم بِذَلِكَ فَلَا يَحْتَاج الْعَامِل إِلَى الْعَمَل , لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إِلَى مَا قُدِّرَ لَهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 440)
(2) فِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَآل مَحْجُوب عَنْ الْمُكَلَّف , فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِد فِي عَمَل مَا أُمِرَ بِهِ , فَإِنَّ عَمَله أَمَارَةٌ إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْره غَالِبًا , وَإِنْ كَانَ بَعْضهمْ قَدْ يُخْتَم لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَغَيْره , لَكِنْ لَا اِطِّلَاع لَهُ عَلَى ذَلِكَ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْذُل جَهْده وَيُجَاهِد نَفْسه فِي عَمَل الطَّاعَة , لَا يَتْرُك العَمَل وُكُولًا إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْره , فَيُلَام عَلَى تَرْك الْمَأْمُور , وَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 440)
(3) خ ) 6223 , ( م ) 2649(3/465)
كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ(1)" فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ , وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ(2)فَنَكَّسَ(3)فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ(4)ثُمَّ قَالَ : مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ )(5)( إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ " )(6)( فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ ؟ )(7)( فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى السَّعَادَةِ , وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى الشَّقَاوَةِ(8)فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَلْ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ(9)
__________
(1) الْبَقِيع : مَقْبَرَة الْمُسْلِمِينَ بالمدينة .
(2) المِخْصَرَة : عَصًا أَوْ قَضِيب يُمْسِكهُ الرَّئِيس لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ وَيَدْفَع بِهِ عَنْهُ , وَيُشِيرَ بِهِ لِمَا يُرِيد ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْمَل تَحْتَ الْخِصْرِ غَالِبًا لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا . ( فتح ) - (ج 18 / ص 449)
(3) أَيْ : خَفَضَ رَأْسه وَطَأْطَأَ إِلَى الْأَرْض عَلَى هَيْئَة الْمَهْمُوم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 494)
(4) أَيْ : يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِطَرَفِهِ , فِعْلَ الْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ مُهِمٍّ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(5) خ ) 1296
(6) خ ) 4661
(7) خ ) 1296
(8) أَيْ : أَلَّا نَتْرُك مَشَقَّة الْعَمَل فَإِنَّا سَنُصَيَّرُ إِلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا . عون المعبود - (ج 10 / ص 214)
(9) أَيْ : لِمَا خُلِقَ لَهُ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 214)(3/466)
أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ , وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ(1)ثُمَّ قَرَأَ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى(2)وَاتَّقَى(3)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(4)فَسَنُيَسِّرُهُ(5)لِلْيُسْرَى(6)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ(7)وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)
__________
(1) قَالَ الطِّيبِيُّ : الْجَوَاب مِنْ الْأُسْلُوب الْحَكِيم , فَمَنَعَهُمْ عَنْ تَرْك الْعَمَل وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِب عَلَى الْعَبْد مِنْ الْعُبُودِيَّة , وَزَجَرَهُمْ عَنْ التَّصَرُّف فِي الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ , فَلَا يَجْعَلُوا الْعِبَادَة وَتَرْكهَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِدُخُولِ الْجَنَّة وَالنَّار , بَلْ هِيَ عَلَامَات فَقَطْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 214)
(2) أَيْ : حَقَّ اللَّهِ وَبَذْلَ مَالَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(3) أَيْ : اتقَى اللَّهَ فَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(4) أَيْ : صَدَّقَ بِالْجَنَّةِ ، وَقِيلَ : صَدَّقَ بِمَوْعِدِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَهُ أَنْ يُثِيبَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(5) أَيْ : نُهَيِّئُهُ فِي الدُّنْيَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(6) أَيْ : لِلْخَلَّةِ الْيُسْرَى , وَهِيَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ رَبُّهُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(7) أَيْ : بِحَقِّ اللَّهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(8) أَيْ : بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَرْغَبْ فِيهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(9) أَيْ : كَذَّبَ بِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)(3/467)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(1)
__________
(1) أَيْ : لِلْخَلَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى النَّارِ , فَتَكُونُ الطَّاعَةُ أَعْسَرَ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَأَشَدَّ , وَسَمَّى طَرِيقَةَ الْخَيْرِ بِالْيُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهَا الْيُسْرُ , وَطَرِيقَةَ الشَّرِّ بِالْعُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهَا الْعُسْرُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا دَلَالَات ظَاهِرَة لِمَذْهَبِ أَهْل السُّنَّة فِي إِثْبَات الْقَدَر ، وَأَنَّ جَمِيع الْوَاقِعَات بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى وَقَدَرِه ؛ خَيْرهَا وَشَرّهَا ، وَنَفْعهَا وَضَرّهَا ، قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } فَهُوَ مُلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَل مَا يَشَاء ، وَلَا اِعْتِرَاض عَلَى الْمَالِك فِي مُلْكه ، وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا عِلَّة لِأَفْعَالِهِ , قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمُظَفَّر السَّمْعَانِيّ : سَبِيل مَعْرِفَة هَذَا الْبَاب , التَّوْقِيف مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة دُون مَحْض الْقِيَاس وَمُجَرَّد الْعُقُول ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ التَّوْقِيف فِيهِ ضَلَّ , وَتَاهَ فِي بِحَار الْحَيْرَة ، وَلَمْ يَبْلُغ شِفَاء النَّفْس ، وَلَا يَصِل إِلَى مَا يَطْمَئِنّ بِهِ الْقَلْب ؛ لِأَنَّ الْقَدَر سِرّ مِنْ أَسْرَار اللَّه تَعَالَى الَّتِي ضُرِبَتْ مِنْ دُونهَا الْأَسْتَار ، وَاخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ ، وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُول الْخَلْق وَمَعَارِفِهِمْ ؛ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْحِكْمَة , وَوَاجِبنَا أَنْ نَقِف حَيْثُ حَدَّ لَنَا ، وَلَا نَتَجَاوَزهُ ، وَقَدْ طَوَى اللَّهُ تَعَالَى عِلْم الْقَدَر عَلَى الْعَالَم ، فَلَمْ يَعْلَمْهُ نَبِيّ مُرْسَل ، وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّب , وَقِيلَ : إِنَّ سِرّ الْقَدَر يَنْكَشِف لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّة ، وَلَا يَنْكَشِف قَبْل دُخُولهَا , وَاللَّه أَعْلَم , وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث النَّهْي عَنْ تَرْك الْعَمَل وَالِاتِّكَال عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَر ، بَلْ تَجِب الْأَعْمَال وَالتَّكَالِيف الَّتِي وَرَدَ الشَّرْع بِهَا ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ , لَا يَقْدِر عَلَى غَيْره ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل السَّعَادَة يَسَّرَهُ اللَّه لِعَمَلِ السَّعَادَة ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الشَّقَاوَة يَسَّرَهُ اللَّه لِعَمَلِهِمْ كَمَا قَالَ : ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَلِلْعُسْرَى ) ، وَكَمَا صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيث . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 494)(3/468)
}(1))(2)"
( خ م ) , وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( الْتَقَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُشْرِكُونَ [ يَوْمَ خَيْبَرَ ](3)فَاقْتَتَلُوا , فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَسْكَرِهِ(4)وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ - وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً(5)إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ - فَقَالَ رَجُلٌ : مَا أَجْزَأَ(6)
__________
(1) الليل/5-10]
(2) حم ) 1067 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( خ ) 1296 , ( م ) 2647
(3) خ ) 3967
(4) أَيْ : رَجَعَ بَعْد فَرَاغِ الْقِتَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْم . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 23)
(5) الشَّاذَّة : مَا اِنْفَرَدَ عَنْ الْجَمَاعَةِ ، وَالفاذَّة : مِثْلُهُ مَا لَمْ يَخْتَلِط بِهِمْ ، ثُمَّ هُمَا صِفَة لِمَحْذُوفٍ أَيْ : نَسَمَة ، وَالْهَاء فِيهِمَا لِلْمُبَالَغَةِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْقَى شَيْئًا إِلَّا قَتَلَهُ ، وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالشَّاذِّ وَالْفَاذِّ مَا كَبُرَ وَصَغُرَ ، وَقِيلَ : الشَّاذُّ الْخَارِجُ , وَالْفَاذُّ الْمُنْفَرِدُ ، وَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 23)
(6) أَيْ : مَا أَغْنَى ..فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 23)(3/469)
مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ(1)" )(2)( فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : لَأَتَّبِعَنَّهُ(3)
__________
(1) قَالَ الْمُهَلَّبُ : هَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ أَعْلَمَنَا النَّبِيُّ > أَنَّهُ نَفَذَ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ مِنْ الْفُسَّاقِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ , وَقَالَ اِبْنُ التِّينِ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : " هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " أَيْ : إِنْ لَمْ يَغْفِر اللَّهُ لَهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 24)
(2) خ ) 2742 , ( م ) 112
(3) أَيْ : أَنَا أَصْحَبهُ فِي خُفْيَة وَأُلَازِمهُ لِأَنْظُر السَّبَب الَّذِي بِهِ يَصِير مِنْ أَهْل النَّارِ ؛ فَإِنَّ فِعْله فِي الظَّاهِر جَمِيل , وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ > أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار ، فَلَا بُدّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ عَجِيبٍ ..شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 226)(3/470)
)(1)( فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ )(2)( خَرَجَ مَعَهُ , فَكَانَ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ , وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ , فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا )(3)( فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي قُلْتَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ , فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِلَى النَّارِ " قَالَ : فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ , فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ , وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى )(4)( أَلَمِ الْجِرَاحِ )(5)( فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ , فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ(6)
__________
(1) خ ) 3970
(2) خ ) 2897 , ( حم ) 17257
(3) خ ) 2742 , ( م ) 112
(4) خ ) 2897 , ( م ) 111
(5) خ ) 6232
(6) أَيْ : رأس سيفه ..(3/471)
بَيْنَ ثَدْيَيْهِ , ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ )(1)( حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ )(2)( فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ , انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ )(3)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّه أَكْبَرُ , أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ )(4)( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ(5)وَإنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ , وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ , وَإنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ(6)
__________
(1) خ ) 2742 , ( م ) 112
(2) خ ) 6128
(3) خ ) 3967 , ( حم ) 8077
(4) خ ) 2897 , ( م ) 111
(5) قوله : ( فيما يبدو للناس ) إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمر يكونُ بخلافِ ذلك ، وإنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت ، وكذلك قد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ وفي باطنه خصلةٌ خفيةٌ من خصال الخير ، فتغلب عليه تلكَ الخصلةُ في آخر عمره ، فتوجب له حسنَ الخاتمة . جامع العلوم والحكم - (ج 6 / ص 30)
(6) فِيهِ التَّحْذِير مِنْ الِاغْتِرَار بِالْأَعْمَالِ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَتَّكِل عَلَيْهَا ، وَلَا يَرْكَن إِلَيْهَا مَخَافَةً مِنْ اِنْقِلَاب الْحَال لِلْقَدَرِ السَّابِق مِنَ اللَّهِ , وَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاصِي أَنْ لَا يَقْنَط , وَيَنْبَغِي لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُقَنِّطهُ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى ..شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 226)(3/472)
)(1)( وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ )(2)( ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ : إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ(3)وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ(4))(5)"
( م حم يع ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 2742 , ( م ) 112
(2) خ ) 6233 , ( حم ) 22886
(3) خ ) 3970 , وقوله ( لا يدخل الجنة إلا مؤمن ) أي : مؤمن خالص , احترازا عن المنافق , أو مؤمن كامل , فالمراد دخولها مع الفائزين دخولا أَوَّلِيًّا غير مسبوق بعذاب . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 17 / ص 148)
(4) المراد بالفاجر الفاسق إن كان الرجل مسلما حقيقة , أو الكافر إن كان منافقا . فيض القدير - (ج 2 / ص 329)
ومن نظائره من يصنف أو يدرس أو يعلم أو يتعلم أو يؤذن أو يؤم أو يأتم وأمثال ذلك , كمن يبني مسجدا أو مدرسة أو زاوية لغرض فاسد وقصد كاسد , مما يكون سببا لنظام الدين وقوام المسلمين , وصاحبه من جملة المحرومين , جعلنا الله تعالى من المُخْلِصين بل من المُخْلَصين . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 17 / ص 148)
(5) خ ) 2897 , ( م ) 111(3/473)
" ( لَا تُعْجَبُوا بِعَمَلِ أَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ )(1)( فَإِنَّ الْرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ )(2)( مِنْ عُمْرِهِ بِعَمَلِ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ )(3)( وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ )(4)( عِنْدَ اللَّهِ - عز وجل - )(5)( مِنْ أَهْلِ النَّارِ )(6)( فَإِذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ )(7)( عَمَلًا سَيِّئًا )(8)( حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهِ )(9)( فَيُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ )(10)( فَيَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ )(11)(
__________
(1) يع ) 3756 , ( حم ) 12235 , انظر الصَّحِيحَة : 1334 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(2) م ) 2651
(3) يع ) 3840 , وإسناده صحيح , ( حم ) 13720
(4) حم ) 24806 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) حم ) 24811 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح .
(6) حم ) 24806
(7) حم ) 13720 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(8) حم ) 12235
(9) صم ) 119 , وصححه الألباني في ظلال الجنة .
(10) م ) 2651
(11) حم ) 10291 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(3/474)
وَذَلِكَ مَا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ )(1)( وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ )(2)( مِنْ عُمْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ )(3)( وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ )(4)( عِنْدَ اللَّهِ - عز وجل - )(5)( مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ )(6)( فَإِذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ )(7)( عَمَلًا صَالِحًا )(8)( حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهِ )(9)( فَيُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ )(10)( فَيَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ )(11)( وَذَلِكَ مَا كَتَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ )(12)( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ " , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ ؟ )(13)( قَالَ : " يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ )(14)( ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ )(15)( يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ(16)"
( طب ) , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صم ) 119
(2) م ) 2651
(3) حم ) 12235
(4) حم ) 24806
(5) حم ) 24811
(6) حم ) 24806
(7) حم ) 13720
(8) حم ) 12235
(9) صم ) 119
(10) م ) 2651
(11) حم ) 10291
(12) صم ) 119
(13) حم ) 12235 , ( ت ) 2142
(14) حم ) 13432 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(15) حم ) 12235
(16) حم ) 21999 , وصححها الألباني في الصَّحِيحَة : 1114 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .(3/475)
" إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ " ، قَالُوا : وَمَا طَهُورُ الْعَبْدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " عَمَلٌ صَالِحٌ يُلْهِمُهُ إِيَّاهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ "(1)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنّهُ كَانَ يَقُولُ :
__________
(1) طب ) 7900 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 306(3/476)
حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ ؟ , فَلَمَّا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هو ؟ فَقَالَ : أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ , عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ , قَالَ الْحُصَيْنُ : فَقُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ : كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟ , قَالَ : كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ , فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ , بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمَ , فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَغَدَا حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ , فَدَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ , فَبَيْنَمَا رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إِذَا هُمْ بِهِ , فَقَالُوا : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ وَمَا جَاءَ , لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ هَذَا الْحَدِيثَ , فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو ؟ , أَحَرْبًا عَلَى قَوْمِكَ أَوْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ؟ , فَقَالَ : بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ , آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ , ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي , ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ , فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ : " إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "(1)
( خ ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حم ) 23684 : إسناده حسن .(3/477)
" الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ(1)وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ(2)"(3)
( خ م ت حب ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ :
(
__________
(1) الشِّرَاكُ : سَيْرُ النَّعْلِ الذي يُمسك بالنعل عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ .
(2) قال الحافظ في الفتح : فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، وَلَا فِي قَلِيلٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَجْتَنِبَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْحَسَنَةَ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللَّهُ بِهَا , وَلَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَسْخَطُ عَلَيْهِ بِهَا . ( فتح ) - (ج 18 / ص 319)
(3) خ ) 6123 , ( حم ) 3667(3/478)
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - , فَذَكَرَ الْقَوْمُ رَجُلًا فَذَكَرُوا مِنْ خُلُقِهِ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ قَطَعْتُمْ رَأْسَهُ أَكُنْتُمْ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تُعِيدُوهُ ؟ , قَالُوا : لَا : قَالَ : فَيَدَهُ ؟ , قَالُوا : لَا , قَالَ : فَرِجْلَهُ ؟ , قَالُوا : لَا , قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُغَيِّرُوا خُلُقَهُ حَتَّى تُغَيِّرُوا خَلْقَهُ )(1)( فَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ , وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ , فَقِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ ؟ )(2)( قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ(3)- قَالَ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ(4)فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً(5)مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً(6)
__________
(1) خد ) 283 , انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 215
(2) م ) 2645
(3) الصَّادِق فِي قَوْله ، الْمَصْدُوق فِيمَا يَأْتِي مِنْ الْوَحْي الْكَرِيم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 489)
(4) قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : يَجُوز أَنْ يُرِيد بِالْجَمْعِ مُكْث النُّطْفَة فِي الرَّحِم ، أَيْ : تَمْكُث النُّطْفَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا تُخَمَّر فِيهِ حَتَّى تَتَهَيَّأ لِلتَّصْوِيرِ , ثُمَّ تُخْلَق بَعْد ذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(5) العَلَقة : الدَّم الْجَامِد الْغَلِيظ , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلرُّطُوبَةِ الَّتِي فِيهِ , وَتَعَلُّقِهِ بِمَا مَرَّ بِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(6) المُضْغَة : قِطْعَة اللَّحْم , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)(3/479)
مِثْلَ ذَلِكَ(1))(2)( ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَصَوَّرَهُ , وَخَلَقَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَجِلْدَهُ وَشَعْرَهُ وَلَحْمَهُ وَعِظَامَهُ(3)
__________
(1) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد تَصَيُّرَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا ، فَيُخَالِطُ الدَّم النُّطْفَة فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى بَعْد اِنْعِقَادهَا وَامْتِدَادهَا ، وَتَجْرِي فِي أَجْزَائِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَتَكَامَلَ عَلَقَةً فِي أَثْنَاء الْأَرْبَعِينَ ، ثُمَّ يُخَالِطهَا اللَّحْم شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ فَتَصِير مُضْغَة , وَلَا تُسَمَّى عَلَقَة قَبْل ذَلِكَ مَا دَامَتْ نُطْفَة ، وَكَذَا مَا بَعْد ذَلِكَ مِنْ زَمَان الْعَلَقَة وَالْمُضْغَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(2) خ ) 1226
(3) حَدِيث اِبْنِ مَسْعُود بِجَمِيعِ طُرُقه يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ يَتَقَلَّب فِي مِائَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي ثَلَاثَة أَطْوَار , كُلّ طَوْرٍ مِنْهَا فِي أَرْبَعِينَ , ثُمَّ بَعْد تَكْمِلَتِهَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأَطْوَار الثَّلَاثَة مِنْ غَيْر تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ ، مِنْهَا فِي الْحَجّ , وَدَلَّتْ الْآيَة الْمَذْكُور عَلَى أَنَّ التَّخْلِيق يَكُونُ لِلْمُضْغَةِ ، وَبَيَّنَ الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهَا إِذَا تَكَامَلَتْ الْأَرْبَعِينَ , وَهِيَ الْمُدَّة الَّتِي إِذَا اِنْتَهَتْ سُمِّيَتْ مُضْغَة ، وَذَكَرَ اللَّه النُّطْفَة ثُمَّ الْعَلَقَةَ ثُمَّ الْمُضْغَةَ فِي سُوَرٍ أُخْرَى وَزَادَ فِي سُورَةِ ( المؤمنون ) بَعْد الْمُضْغَة ( فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ) الْآيَةَ ، وَيُؤْخَذ مِنْهَا وَمِنْ حَدِيث الْبَاب أَنْ تَصِيرَ الْمُضْغَة عِظَامًا بَعْد نَفْخ الرُّوح ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)(3/480)
)(1)( وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ كَلِمَاتٍ(2): فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ , وَأَجَلَهُ , وَعَمَلَهُ , وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ )(3)( يَقُولُ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَسَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ مَا رِزْقُهُ ؟ , فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ مَا أَجَلُهُ ؟ , فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ مَا خُلُقُهُ ؟ , أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ(4))(5)( فَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَمْرَهُ ، فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا(6)
__________
(1) م ) 2645
(2) الْمُرَاد بِالْكَلِمَاتِ الْقَضَايَا الْمُقَدَّرَة ، وَكُلّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(3) خ ) 7016
(4) الْمُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّزْق وَالْأَجَل وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة وَالْعَمَل وَالذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة أَنَّهُ يَظْهَر ذَلِكَ لِلْمَلَكِ ، وَيَأْمُرهُ اللَّهُ بِإِنْفَاذِهِ وَكِتَابَته ، وَإِلَّا فَقَضَاء اللَّه تَعَالَى سَابِق عَلَى ذَلِكَ ، وَعِلْمُهُ وَإِرَادَته لِكُلِّ ذَلِكَ مَوْجُود فِي الْأَزَل وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 493)
(5) م ) 2645
(6) النَّكْبَةِ ) : مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْحَوَادِثِ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 359)(3/481)
)(1)( ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ(2))(3)( ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ , فلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ )(4)( فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ , فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ(5)فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ(6)
__________
(1) حب ) 6178 , صححها الألباني في ظلال الجنة : 186 ، وصحيح موارد الظمآن : 1520
(2) اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ نَفْخ الرُّوح لَا يَكُون إِلَّا بَعْد أَرْبَعَة أَشْهُر , وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْحِكْمَة فِي عِدَّة الْمَرْأَة مِنْ الْوَفَاة بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْر , وَهُوَ الدُّخُول فِي الشهر الْخَامِس , وَمَعْنَى إِسْنَاد النَّفْخ لِلْمَلَكِ أَنَّهُ يَفْعَلهُ بِأَمْرِ اللَّه ، وَالنَّفْخ فِي الْأَصْل إِخْرَاج رِيح مِنْ جَوْف النَّافِخ لِيَدْخُل فِي الْمَنْفُوخ فِيهِ ، وَجَمَعَ بَعْضهمْ بِأَنَّ الْكِتَابَة تَقَع مَرَّتَيْنِ : فَالْكِتَابَة الْأُولَى فِي السَّمَاء , وَالثَّانِيَة فِي بَطْن الْمَرْأَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(3) خ ) 3154 , 7016
(4) م ) 2645 , 2644
(5) أَيْ : أَنَّهُ يَتَعَارَضُ عَمَلُهُ فِي اِقْتِضَاءِ السَّعَادَةِ وَالْمَكْتُوب فِي اِقْتِضَاء الشَّقَاوَة , فَيَتَحَقَّقُ مُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالسَّبْقِ , لِأَنَّ السَّابِق يَحْصُلُ مُرَادُهُ دُونَ الْمَسْبُوق , وَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَثَّلَ الْعَمَل وَالْكِتَاب شَخْصَيْنِ سَاعِيَيْنِ , لَظَفِرَ شَخْصُ الْكِتَاب وَغَلَبَ شَخْصَ الْعَمَلِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(6) أَيْ : مِنْ الطَّاعَات الِاعْتِقَادِيَّة وَالْقَوْلِيَّة وَالْفِعْلِيَّة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)(3/482)
)(1)( فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا )(2)( وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ , فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ , فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ )(3)( فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا(4)
__________
(1) خ ) 1226 , ( م ) 2643
(2) ت ) 2137
(3) خ ) 1226 , ( م ) 2643
(4) الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه ، وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع ، وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس ، لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ ، ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة ، وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور وَنِهَايَة الْقِلَّة ، وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي } , وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة ، لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه ؛ فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار ، وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فِيهَا , وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر ، وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ ، إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 489)
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْأَعْمَال حَسَنَهَا وَسَيِّئَهَا أَمَارَاتٌ وَلَيْسَتْ بِمُوجِبَاتٍ ، وَأَنَّ مَصِير الْأُمُور فِي الْعَاقِبَة إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاء وَجَرَى بِهِ الْقَدَر فِي الِابْتِدَاء , وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَار بِالْخَاتِمَةِ , قَالَ اِبْنُ أَبِي جَمْرَةَ : هَذِهِ الَّتِي قَطَعَتْ أَعْنَاق الرِّجَال , مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْن الْحَال , لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ بِمَاذَا يُخْتَم لَهُمْ , وَفِيهِ أَنَّ عُمُوم مِثْل قَوْله تَعَالَى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُمْ ) الْآيَة مَخْصُوص بِمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ السَّعَادَة وَخُتِمَ لَهُ بِالشَّقَاءِ فَهُوَ فِي طُولِ عُمُره عِنْد اللَّه شَقِيٌّ , وَبِالْعَكْسِ , وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُهُ يَؤُولُ إِلَى أَنْ يَؤُوَّلَ إِلَى هَذَا ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْن الْأَشْعَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة , وَتَمَسَّكَ الْأَشَاعِرَة بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث , وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّة بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) وَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الِاحْتِجَاجَ لِقَوْلِهِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ ، وَأَنَّ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه لَا يَتَغَيَّر وَلَا يَتَبَدَّل ، وَأَنَّ الَّذِي يَجُوز عَلَيْهِ التَّغْيِير وَالتَّبْدِيل مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ , وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّق ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْم الْحَفَظَةِ وَالْمُوَكَّلِينَ بِالْآدَمِيِّ , فَيَقَع فِيهِ الْمَحْو وَالْإِثْبَات , كَالزِّيَادَةِ فِي الْعُمُر وَالنَّقْص , وَأَمَّا مَا فِي عِلْم اللَّه فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إِثْبَاتَ , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه , وَفِيهِ أَنَّ فِي تَقْدِير الْأَعْمَال مَا هُوَ سَابِقٌ وَلَاحِقٌ ، فَالسَّابِق مَا فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى , وَاللَّاحِق مَا يُقَدَّر عَلَى الْجَنِين فِي بَطْن أُمِّهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر مَرْفُوعًا " كَتَبَ اللَّه مَقَادِير الْخَلَائِق قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَةٍ , فَهُوَ مَحْمُول عَلَى كِتَابَة ذَلِكَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ عَلَى وَفْق مَا فِي عِلْم اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السِّقْط بَعْد الْأَرْبَعَة أَشْهُر يُصَلَّى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْت نَفْخ الرُّوح فِيهِ ، وَهُوَ مَنْقُول عَنْ الْقَدِيم لِلشَّافِعِيِّ , وَالرَّاجِح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُود الرُّوح , وَهُوَ الْجَدِيد ، وَقَدْ قَالُوا : فَإِذَا بَكَى أَوْ اِخْتَلَجَ أَوْ تَنَفَّسَ ثُمَّ بَطَلَ ذَلِكَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا ، وَالْأَصْل فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِر رَفَعَهُ : " إِذَا اُسْتُهِلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ " , وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ السَّعَادَة وَالشَّقَاء قَدْ يَقَع بِلَا عَمَلٍ وَلَا عُمُرٍ , وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّه أَعْلَمْ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " , وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال سَبَب دُخُول الْجَنَّة أَوْ النَّار , وَلَا يُعَارِض ذَلِكَ حَدِيث " لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ " , وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ ، وَقَدْ عَمِلَ بِهِ جَمْعٌ جَمٌّ مِنْ السَّلَف وَأَئِمَّة الْخَلَفِ ، وَأَمَّا مَا قَالَ عَبْد الْحَقّ فِي " كِتَاب الْعَاقِبَة " : إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ لَا يَقَع لِمَنْ اِسْتَقَامَ بَاطِنُهُ وَصَلُحَ ظَاهِرُهُ , وَإِنَّمَا يَقَع لِمَنْ فِي طَوِيَّتِهِ فَسَادٌ أَوْ اِرْتِيَابٌ , وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ لِلْمُصِرِّ عَلَى الْكَبَائِر وَالْمُجْتَرِئِ عَلَى الْعَظَائِمِ , فَيَهْجُم عَلَيْهِ الْمَوْت بَغْتَةً فَيَصْطَلِمُهُ الشَّيْطَانُ عِنْد تِلْكَ الصَّدْمَة ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُوءِ الْخَاتِمَة نَسْأَل اللَّه السَّلَامَة ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ , وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّه رِعَايَة الْأَصْلَح , خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ مِنْ الْمُعْتَزِلَة , لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ بَعْض النَّاس يَذْهَب جَمِيعُ عُمُرِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ , ثُمَّ يُخْتَم لَهُ بِالْكُفْرِ وَالْعِيَاذ بِاَللَّهِ , فَيَمُوت عَلَى ذَلِكَ فَيَدْخُل النَّار ، فَلَوْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَة الْأَصْلَح لَمْ يَحْبَطْ جَمِيع عَمَلِهِ الصَّالِح بِكَلِمَةِ الْكُفْر الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا , وَلَا سِيَّمَا إِنْ طَالَ عُمُرُهُ وَقَرُبَ مَوْته مِنْ كُفْره , وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض الْمُعْتَزِلَة عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَهَا لِتَرَتُّبِ دُخُولهَا فِي الْخَبَر عَلَى الْعَمَل ، وَتَرَتُّبُ الْحُكْم عَلَى الشَّيْء يُشْعِرُ بِعِلِّيَّتِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لَا عِلَّةٌ وَالْعَلَامَةُ قَدْ تَتَخَلَّفُ ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ , لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْكُفَّار , وَأَمَّا الْعُصَاة فَخَرَجُوا بِدَلِيلِ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) فَمَنْ لَمْ يُشْرِكْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَشِيئَةِ , وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْأَشْعَرِيُّ فِي تَجْوِيزِهِ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ , لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّه كَلَّفَ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالْإِيمَانِ , مَعَ أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَمُوت عَلَى الْكُفْر ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَمْ يَثْبُت وُقُوعُهَا إِلَّا فِي الْإِيمَانِ خَاصَّةً , وَمَا عَدَاهُ لَا تُوجَد دَلَالَة قَطْعِيَّة عَلَى وُقُوعه , وَأَمَّا مُطْلَق الْجَوَاز فَحَاصِلٌ , وَفِيهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ , بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُهَا وَمُقَدِّرُهَا , لَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا , وَفِيهِ أَنَّ جَمِيع الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى وَإِيجَادِهِ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَبْرِيَّةُ , فَذَهَبَتْ الْقَدَرِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِعْل الْعَبْد مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الْخَيْر وَالشَّرّ , فَنَسَبَ إِلَى اللَّه الْخَيْرَ , وَنَفَى عَنْهُ خَلْقَ الشَّرِّ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ لَا يُعْرَف قَائِله , وَإِنْ كَانَ قَدْ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا هَذَا رَأْي الْمَجُوس ، وَذَهَبَتْ الْجَبْرِيَّة إِلَى أَنَّ الْكُلّ فِعْل اللَّه , وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ فِيهِ تَأْثِير أَصْلًا ، وَتَوَسَّطَ أَهْل السُّنَّة , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَصْلُ الْفِعْل خَلَقَهُ اللَّهُ , وَلِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْمَقْدُورِ ، وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا , لَكِنَّهُ يُسَمَّى كَسْبًا , وَبَسْطُ أَدِلَّتِهِمْ يَطُولُ ، وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْأَقْدَار غَالِبَةٌ ، وَالْعَاقِبَةُ غَائِبَةٌ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَال ، وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ الدُّعَاء بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّين وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَة ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث عَلِيٍّ " اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " وَظَاهِرُهُ قَدْ يُعَارِضُ حَدِيثَ اِبْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب ، وَالْجَمْع بَيْنَهُمَا حَمْل حَدِيث عَلِيٍّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَب , وَحَمْل حَدِيث الْبَاب عَلَى الْأَقَلّ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَائِزًا تَعَيَّنَ طَلَبُ الثَّبَات . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)(3/483)
)(1)"
( خ م ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ نُطْفَةٌ ؟ , يَا رَبِّ عَلَقَةٌ ؟ , يَا رَبِّ مُضْغَةٌ ؟ , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ ؟ , يَا رَبِّ أُنْثَى ؟ , يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ؟ , فَمَا الرِّزْقُ ؟ , فَمَا الْأَجَلُ ؟ ، فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ(2)"(3)
( م س ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
__________
(1) ت ) 2137
(2) قَوْله فِي حَدِيث أَنَس ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا قَالَ : يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى ؟ شَقِيّ أَمْ سَعِيد ) ؟ لَا يُخَالِف مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَقُول ذَلِكَ بَعْد الْمُضْغَة ، بَلْ اِبْتِدَاء لِلْكَلَامِ ، وَإِخْبَار عَنْ حَالَة أُخْرَى ، فَأَخْبَرَ أَوَّلًا بِحَالِ الْمَلَك مَعَ النُّطْفَة ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَرَادَ إِظْهَار خَلْقِ النُّطْفَة عَلَقَة كَانَ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ الْمُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنْ الرِّزْق وَالْأَجَل ، وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة ، وَالْعَمَل ، وَالذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة أَنَّهُ يُظْهِر ذَلِكَ لِلْمَلَكِ ، وَيَأْمُرهُ بِإِنْفَاذِهِ وَكِتَابَته ، وَإِلَّا فَقَضَاء اللَّه تَعَالَى سَابِق عَلَى ذَلِكَ ، وَعِلْمُهُ وَإِرَادَته لِكُلِّ ذَلِكَ مَوْجُود فِي الْأَزَل وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 493)
(3) خ ) 3155 , ( م ) 2646(3/484)
" ( أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ مِنْ صِبْيَانِ الْأَنْصَارِ فَصَلَّى عَلَيْهِ " ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ ، لَمْ يَعْمَلْ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ )(1)( قَالَ : " أَوَغَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ(2)؟ ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا , خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا , خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ )(3)"
( صم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ "(4)
( م ) , وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا(5)وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا(6)"(7)
( طب ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) س ) 1947 , ( م ) 2662
(2) أَيْ : أَتَعْتَقِدِينَ مَا قُلْتِ وَالْحَقّ غَيْر ذَلِكَ ؟ , وَهُوَ عَدَم الْجَزْم بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْل الْجَنَّة . عون المعبود (ج10ص 231)
(3) م ) 2662 , ( د ) 4713
(4) صَحِيح الْجَامِع : 3685 , وصححه الألباني في ظلال الجنة : 188
(5) أَيْ : خُلِقَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَاشَ يَصِير كَافِرًا . عون المعبود - (ج 10 / ص 222)
(6) أَيْ : كَلَّفَهُمَا الطُّغْيَانَ وَحَمَلَهُمَا عَلَيْهِ وَعَلَى الْكُفْر , أَيْ : مَا تَرَكَهُمَا عَلَى الْإِيمَان . عون المعبود(ج10 / ص 222)
(7) م ) 2661 , ( ت ) 3150(3/485)
" خَلَقَ اللَّهُ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا ، وَخَلَقَ فِرْعَوْنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَافِرًا "(1)
( خد ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ "(2)
( خد ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ "(3)
( ت حم ك ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
(
__________
(1) طب 10543 , ورواه أبو الشيخ في " التاريخ " ( ص 128 ) , وابن حيويه في " حديثه " ( 41 / 2 ) , واللالكائي في " السنة " ( 130 / 1 - 2 ) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2/ 190 ) , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3237 , الصَّحِيحَة : 1831 , وقال الألباني : الخَلْقُ هنا هو التَّقْدير .
(2) أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " ( 114 / 1 ) , و ( خد ) 275 , و( حم ) 3672 , انظر الصحيحة : 2714
(3) أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " ( 114 / 1 ) , و ( خد ) 275 , انظر الصحيحة : 2714(3/486)
كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ : " يَا غُلَامُ )(1)( إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ )(2)( احْفَظْ اللَّهَ(3)يَحْفَظْكَ(4)احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ(5))(6)( تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ) (7)( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ(8)وَإِذَا اسْتَعَنْتَ(9)
__________
(1) ت ) 2516 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7957 , والمشكاة : 5302
(2) حم ) 2669 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده قوي .
(3) أَيْ : اِحْفَظْ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ .
(4) أَيْ : يَحْفَظْك فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآفَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ ، وَفِي الْعُقْبَى مِنْ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ وَالدَّرَكَاتِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 308)
(5) أَيْ : رَاعِ حَقَّ اللَّهِ وَتَحَرَّ رِضَاهُ تَجِدْهُ تُجَاهَك , أَيْ : مُقَابِلَك وَحِذَاءَك , أَيْ : اِحْفَظْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحْفَظَك اللَّهُ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 308)
(6) ت ) 2516
(7) حم ) 2804 , انظر صحيح الجامع : 2961 , وظلال الجنة : 318
(8) أَيْ : اسْأَلْ اللَّهَ وَحْدَهُ , لِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ , وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 308)
(9) أَيْ : أَرَدْت الِاسْتِعَانَةَ فِي الطَّاعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ..تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 308)(3/487)
فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ , وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ , لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ , وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ , لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ , رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ , وَجَفَّتْ الصُّحُفُ(1))(2)( وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ , وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يَسِّرَا )(3)"
مُحَاجَّةُ آدَمَ ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام
قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً(4)}(5)
(
__________
(1) أَيْ : كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا كُتِبَ مِنْ التَّقْدِيرَاتِ , وَلَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ ، فَعَبَّرَ عَنْ سَبْقِ الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ بِرَفْعِ الْقَلَمِ وَجَفَافِ الصَّحِيفَةِ , تَشْبِيهًا بِفَرَاغِ الْكَاتِبِ فِي الشَّاهِدِ مِنْ كِتَابَتِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 308)
(2) ت ) 2516
(3) ك ) 6304 , وصححها الألباني في ظلال الجنة : 315 , وصَحِيح الْجَامِع : 6806 , والصَّحِيحَة : 2382
(4) مع أنه سبحانه عندما خلق آدم وضعه في الجنة ولم يُنْزِله فورا إلى الأرض , ولم يقل سبحانه : إني سأخلق بشرا
وسأضعه في الجنة , وقد علمت أنه سيعصيني ولذلك فإني سأنزله إلى الأرض ! , بل قال للملائكة قبل أن يخلق آدم :
( إني جاعل في الأرض خليفة ) , وهذا ما أقرَّه آدم نفسُه في حديث محاجَّته لموسى عليه السلام ,
حيث قال له : " أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟ " .ع
(5) البقرة/30](3/488)
خ م ت د ) , عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّ مُوسَى - عليه السلام - قَالَ : يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنْ الْجَنَّةِ , فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ , فَقَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ ؟ , أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ ؟ , فَقَالَ لَهُ آدَمُ : نَعَمْ )(1)( قَالَ : أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ(2)وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ ؟ )(3)( أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ )(4)( بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ ؟ )(5)( قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ )(6)( خَيَّبْتَنَا(7))(8)( وَ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ(9)؟ ،
__________
(1) د ) 4702
(2) أَيْ : مِنْ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ وَلَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهِ , فَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ. تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 422)
(3) م ) 2652
(4) خ ) 4459
(5) م ) 2652
(6) د ) 4702
(7) أَيْ : أَوْقَعْتنَا فِي الْخَيْبَة , وَهِيَ الْحِرْمَان وَالْخَسْرَان . عون المعبود - (ج 10 / ص 219)
(8) خ ) 6240
(9) أَيْ : بِخَطِيئَتِك الَّتِي صَدَرَتْ مِنْك , وَهِيَ أَكْلك مِنْ الشَّجَرَة ..عون المعبود - (ج 10 / ص 219)(3/489)
فَقَالَ لَهُ آدَمُ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ , قَالَ : أَنَا مُوسَى , قَالَ : أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ ؟ , قَالَ : نَعَمْ )(1)( قَالَ : وَأَعْطَاكَ اللَّهُ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ , وَكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ ؟ , قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي ؟ , قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ(2)؟ , قَالَ : بِأَرْبَعِينَ سَنَةً , قَالَ آدَمُ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ؟ }(3)قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً(4)؟
__________
(1) د ) 4702
(2) ت ) 2134 , و( حم ) 9165
(3) طه/121]
(4) قَالَ النَّوَوِيّ : الْمُرَاد بِالتَّقْدِيرِ هُنَا الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ , أَوْ فِي صُحُف التَّوْرَاة وَأَلْوَاحهَا ، أَيْ : كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْل خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة , وَلَا يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهِ حَقِيقَة الْقَدَر ، فَإِنَّ عِلْم اللَّه تَعَالَى وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَاده وَأَرَادَ مِنْ خَلْقه أَزَلِيّ لَا أَوَّل لَهُ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 219)(3/490)
)(1)( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى(2))(3)"
( م د جة ) , وَعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 2652 , ( خ ) 6240
(2) أَيْ : غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ بِهَا , قَالَ النَّوَوِيّ : فَإِنْ قِيلَ : فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَعْصِيَة قَدَّرَهَا اللَّه عَلَيَّ لَمْ يَسْقُط عَنْهُ اللَّوْم وَالْعُقُوبَة بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ , فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَار التَّكْلِيف , جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَة وَاللَّوْم وَالتَّوْبِيخ وَغَيْرهَا ، وَفِي لَوْمه وَعُقُوبَته زَجْر لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْل هَذَا الْفِعْل , وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى الزَّجْر مَا لَمْ يَمُتْ ، فَأَمَّا آدَم فَمَيِّت خَارِجٌ عَنْ دَار التَّكْلِيف وَعَنْ الْحَاجَة إِلَى الزَّجْر , فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْل الْمَذْكُور لَهُ فَائِدَة , بَلْ فِيهِ إِيذَاءٌ وَتَخْجِيل . عون المعبود - (ج 10 / ص 219)
(3) خ ) 3228 , ( د ) 4702(3/491)
" ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَى لِي الْأَرْضَ(1)فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا , وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ : الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ )(2)( - يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ(3)- وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي ثَلَاثًا : أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي جُوعًا فَيُهْلِكَهُمْ بِهِ )(4)( وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ(5)فَيَسْتَبِيحَ(6)بَيْضَتَهُمْ(7)
__________
(1) أَيْ : جَمَعَهَا لِأَجْلِي , يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الْبَعِيدِ مِنْهَا ، حَتَّى اِطَّلَعَ عَلَيْهِ اِطِّلَاعَهُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهَا .( النووي ج9ص268)
(2) م ) 2889
(3) قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُرَاد بِالْكَنْزَيْنِ الذَّهَب وَالْفِضَّة ، وَالْمُرَاد كَنْزَيْ كِسْرَى وَقَيْصَر مَلِكَيْ الْعِرَاق وَالشَّام , وفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ مُلْك هَذِهِ الْأُمَّة يَكُون مُعْظَم اِمْتِدَاده فِي جِهَتَيْ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب ، وَهَكَذَا وَقَعَ , وَأَمَّا فِي جِهَتَيْ الْجَنُوب وَالشِّمَال فَقَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . ( النووي - ج 9 / ص 268)
(4) جة ) 3952 , ( م ) 2889
(5) أَيْ : الْكُفَّارُ .
(6) أَيْ : يَسْتَأْصِلُ .
(7) أَيْ : جَمَاعَتهمْ وَأَصْلهمْ ، وَالْبَيْضَة أَيْضًا الْعِزّ وَالْمُلْك . ( النووي - ج 9 / ص 268)
وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ : مُجْتَمَعَهُمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ ، وَمُسْتَقَرَّ دَعْوَتِهِمْ ، وَبَيْضَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا وَمُعْظَمُهَا ، أَرَادَ عَدُوًّا يَسْتَأْصِلُهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ جَمِيعَهُمْ ، قِيلَ : أَرَادَ إِذَا أُهْلِكَ أَصْلُ الْبَيْضَةِ كَانَ هَلَاكُ كُلِّ مَا فِيهَا مِنْ طَعِمٍ أَوْ فَرْخٍ . وَإِذَا لَمْ يُهْلِكْ أَصْلَ الْبَيْضَةِ سَلِمَ بَعْضُ فِرَاخِهَا . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 468)(3/492)
)(1)( وَأَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا(2)وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ(3))(4)( فَقَالَ لِي رَبِّي : يَا مُحَمَّدُ , إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ(5)
__________
(1) م ) 2889 , ( ت ) 2176
(2) الشِّيَع : الفِرَق والجماعات .
(3) أَيْ : بِالْحَرْبِ وَالْقَتْل بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَذَاب اللَّه , لَكِنْ أَخَفّ مِنْ الِاسْتِئْصَال , وَفِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ كَفَّارَة . ( فتح ) - (ج 20 / ص 371)
(4) جة ) 3952
(5) قال ابن أبي عاصم في كتابه ( السنة ) : وسمعت حامدا - وكان مما ينسب إلى معرفة بالكلام والفقه - قال : ما على أهل القدر حديث أشد من هذا , لأن الله تعالى منعه الثالثة , لأن من إرادة الله أن يُهلِكَ بعضُهم بعضا , ويسوءَ بعضُهم بعضا , وأعلمه أنه قضى ذلك وأنه كائن , قَالَ الْمُظْهِرُ : اِعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ قَضَاءَيْنِ : مُبْرَمًا وَمُعَلَّقًا بِفِعْلٍ ، كَمَا قَالَ : إِنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا , مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } , وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا قَدَّرَهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَزَلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلٍ ، فَهُوَ فِي الْوُقُوعِ نَافِذٌ غَايَةَ النَّفَاذِ ، بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ بِحَالَةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُقْضَى عَلَيْهِ ، وَلَا الْمَقْضِيِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِلْمِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ،
وَخِلَافُ مَعْلُومِهِ مُسْتَحِيلٌ قَطْعًا ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ , قَالَ تَعَالَى : { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مَرَدَّ لِحُكْمِهِ " , فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَلَا يُرَدُّ " مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي , وَلِذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَجَابُو الدَّعْوَةِ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 468)(3/493)
وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ )(1)( أَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ جُوعًا فَأُهْلِكَهُمْ بِهِ(2))(3)( وَلَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ , وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا(4) حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا , وَيَسْبِيَ(5)بَعْضُهُمْ بَعْضًا )(6)( وَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ(7)وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(8))(9)"(10)
تَصْرِيفُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْقُلُوب
قَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ , خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }(11)
__________
(1) م ) 2889
(2) بَلْ إِنْ وَقَعَ قَحْط فَيَكُون فِي نَاحِيَة يَسِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي بِلَاد الْإِسْلَام , فَلِلَّهِ الْحَمْد وَالشُّكْر عَلَى جَمِيع نِعَمه . ( النووي - ج 9 / ص 268)
(3) جة ) 3952
(4) أَيْ : نَوَاحِي الْأَرْض .
(5) أَيْ : يَأْسِرُ .
(6) م ) 2889 , ( ت ) 2176
(7) أَيْ : الدَّاعِينَ إِلَى الْبِدَع وَالْفِسْق وَالْفُجُور .
(8) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَد يَكُون فِي بَلَد آخَر , وَقَدْ اُبْتُدِئَ فِي زَمَن مُعَاوِيَة وَهَلُمَّ جَرًّا , لَا يَخْلُو عَنْهُ طَائِفَة مِنْ الْأُمَّة , وَالْحَدِيث مُقْتَبَس مِنْ قَوْله تَعَالَى : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } عون المعبود(ج 9 / ص 292)
(9) د ) 4252 , ( ت ) 2202 , 2229
(10) الصَّحِيحَة : 1582
(11) البقرة/6، 7](3/494)
وَقَالَ تَعَالَى : { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ , رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ , قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا }(3)
وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً , فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }(4)
( جة حم ) , عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) آل عمران/8]
(2) الأنفال/24]
(3) يونس/88 , 89]
(4) الجاثية/23](3/495)
" ( مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ , إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ(1)وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ(2)أَزَاغَهُ , وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ(3)ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ )(4)( وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا ، وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(5)"(6)
( م ت جة حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) أَيْ : عَلَى الْحَقّ . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 185)
(2) الزيغ : البعد عن الحق ، والميل عن الاستقامة .
(3) أَيْ : مُصَرِّفَهَا تَارَةً إِلَى الطَّاعَةِ وَتَارَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ , وَتَارَةً إِلَى الْحَضْرَةِ وَتَارَةً إِلَى الْغَفْلَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 428)
(4) حم ) 17667 , ( جة ) 199
(5) جة ) 199 , ( حم ) 17667
(6) صَحِيح الْجَامِع : 5747 ، صحيح موارد الظمآن : 2050(3/496)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " , فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ )(1)( وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ(2)؟
__________
(1) حم ) 13721 , ( ت ) 2140
(2) أَيْ أَنَّ قَوْلَك هَذَا لَيْسَ لِنَفْسِك , لِأَنَّك فِي عِصْمَةٍ مِنْ الْخَطَأِ وَالزِّلَّةِ ، خُصُوصًا مِنْ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ عَنْ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ زَوَالِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ , أَوْ الِانْتِقَالِ مِنْ الْكَمَالِ إِلَى النُّقْصَانِ ؟ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 428)(3/497)
)(1)( قَالَ : " نَعَمْ )(2)( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ )(3)( يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ )(4)( - وَأَشَارَ الَأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ - )(5)( ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ(6)
__________
(1) جة ) 3834
(2) ت ) 2140
(3) م ) 2654
(4) ت ) 2140
(5) جة ) 3834
(6) وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى أَنَّ أَعْمَال الْقَلْب مِنْ الْإِرَادَات وَالدَّوَاعِي وَسَائِر الْأَعْرَاض بِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى ، قَالَ الرَّاغِب : تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَار : صَرْفهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ ، وَالتَّقَلُّب التَّصَرُّف ، قَالَ تَعَالَى ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) قَالَ : وَسُمِّيَ قَلْب الْإِنْسَان لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِ , وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : الْقَلْب جُزْء مِنْ الْبَدَن خَلَقَهُ اللَّه وَجَعَلَهُ لِلْإِنْسَانِ مَحَلّ الْعِلْم وَالْكَلَام وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الصِّفَات الْبَاطِنَة ، وَجَعَلَ ظَاهِر الْبَدَن مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ ، وَوَكَّلَ بِهَا مَلَكًا يَأْمُر بِالْخَيْرِ وَشَيْطَانًا يَأْمُر بِالشَّرِّ ، فَالْعَقْل بِنُورِهِ يَهْدِيهِ , وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ , وَالْقَضَاء وَالْقَدَر مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ , وَالْقَلْبُ يَنْقَلِبُ بَيْن الْخَوَاطِر الْحَسَنَة وَالسَّيِّئَة , وَاللَّمَّة مِنْ الْمَلَك تَارَةً , وَمِنْ الشَّيْطَان أُخْرَى وَالْمَحْفُوظ مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 483)
وَمَعْنَى قَوْله ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ) أَيْ : نُصَرِّفُهَا بِمَا شِئْنَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيّ : مَعْنَاهُ نَطْبَعُ عَلَيْهَا فَلَا يُؤْمِنُونَ , وَالطَّبْع عِنْدهمْ التَّرْك ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا " نَتْرُكُهُمْ وَمَا اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ " , وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَى التَّقْلِيب فِي لُغَة الْعَرَب ؛ وَلِأَنَّ اللَّه تَمَدَّحَ بِالِانْفِرَادِ بِذَلِكَ ، وَلَا مُشَارَكَة لَهُ فِيهِ ، فَلَا يَصِحّ تَفْسِير الطَّبْع بِالتَّرْكِ , فَالطَّبْع عِنْد أَهْل السُّنَّة خَلْق الْكُفْر فِي قَلْب الْكَافِر وَاسْتِمْرَاره عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَمُوت , فَمَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّ اللَّه يَتَصَرَّف فِي قُلُوب عِبَاده بِمَا شَاءَ , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا وَلَا تَفُوتهُ إِرَادَة , وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : فِي نِسْبَة تَقَلُّب الْقُلُوب إِلَى اللَّه إِشْعَار بِأَنَّهُ يَتَوَلَّى قُلُوب عِبَاده وَلَا يَكِلُهَا إِلَى أَحَد مِنْ خَلْقه ، وَفِي دُعَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك " إِشَارَة إِلَى شُمُول ذَلِكَ لِلْعِبَادِ حَتَّى الْأَنْبِيَاء , وَرَفْع تَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُمْ يُسْتَثْنَوْنَ مِنْ ذَلِكَ ، وَخَصَّ نَفْسه بِالذِّكْرِ إِعْلَامًا بِأَنَّ نَفْسه الزَّكِيَّة إِذَا كَانَتْ مُفْتَقِرَة إِلَى أَنْ تَلْجَأ إِلَى اللَّه سُبْحَانه , فَافْتِقَار غَيْرهَا مِمَّنْ هُوَ دُونه أَحَقّ بِذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 464)(3/498)
)(1)"
( ت ) , وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ :
قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ ك : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ , مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ عِنْدَكِ ؟ قَالَتْ : " كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ , قَالَ : " يَا أُمَّ سَلَمَةَ , إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ , فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ " , ثُمَّ تَلَا مُعَاذٌ(2): { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }(3).(4)
( حم صم ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ , وَإِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ )(5)( بِأَرضٍ فَلَاةٍ ، تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ )(6)"
( حم صم ) , وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) حم ) 6569 , ( م ) 2654
(2) هو : مُعَاذُ اِبْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ أحد رواة الحديث .
(3) آل عمران/8]
(4) ت ) 3522 , وصححه الألباني في صَحِيح الْجَامِع : 4801 ، الصَّحِيحَة : 2091
(5) حم ) 19677 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2365 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح .
(6) صم ) 227 , وصححه الألباني في ظلال الجنة , ( جة ) 88(3/499)
لَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا بَعَدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُخْتَمُ لَهُ , فَقِيلَ لَهُ : وَمَا سَمِعْتَ ؟ )(1)( قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا )(2)"
( طس ) , وَعَنْ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا مِنَ الْقُلُوبِ قَلْبٌ إِلَّا وَلَهُ سَحَابَةٌ كَسَحَابَةِ الْقَمَرِ ، بَيْنَمَا الْقَمَرُ مُضِيءٌ إِذْ عَلَتْ عَلَيْهِ سَحَابَةٌ فَأَظْلَمَ , إِذْ تَجَلَّتْ عَنْهُ فَأَضَاءَ "(3)
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ "(4)
( د ) , وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
{ كَذَلِكَ(5)نَسْلُكُهُ(6)فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ }(7)قَالَ : الشِّرْكُ(8).(9)
(
__________
(1) حم ) 23867 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5147 , والصَّحِيحَة : 1772
(2) صم ) 226 , ( حم ) 23867 , وصححه الألباني في ظلال الجنة .
(3) طس ) 5220 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5682 , الصَّحِيحَة : 2268
(4) حم ) 6655 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :1652
(5) أَيْ : مِثْل إِدْخَالنَا التَّكْذِيب فِي قُلُوب الْأَوَّلِينَ . عون المعبود - (ج 10 / ص 139)
(6) أَيْ : نُدْخِل التَّكْذِيب . عون المعبود - (ج 10 / ص 139)
(7) الحجر/12]
(8) أَيْ : أَنَّ الْمُرَاد مِنْ الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي نَسْلُكهُ الشِّرْك . عون المعبود - (ج 10 / ص 139)
(9) د ) 4619(3/500)
د ) , وَعَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ :
قُلْتُ لِلْحَسَنِ(1)يَا أَبَا سَعِيدٍ , أَخْبِرْنِي عَنْ آدَمَ , أَلِلسَّمَاءِ خُلِقَ(2)أَمْ لِلْأَرْضِ ؟ , قَالَ : لَا بَلْ لِلْأَرْضِ , قُلْتُ : أَرَأَيْتَ لَوْ اعْتَصَمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الشَّجَرَةِ(3)قَالَ : لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ(4)قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ }(5)قَالَ : إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَفْتِنُونَ بِضَلَالَتِهِمْ إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْلَى الْجَحِيمَ .(6)
الْآجَالُ بِقَدَر
قَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا }(7)
( حم ) , عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) أَيْ : الْبَصْرِيّ , وسَأَلَهُ عَنْ بَعْض فُرُوع مَسْأَلَة الْقَدَر لِيَعْرِف عَقِيدَته فِيهَا , لِأَنَّ النَّاس كَانُوا يَتَّهِمُونَهُ قَدَرِيًّا ,
إِمَّا لِأَنَّ بَعْض تَلَامِذَته مَالَ إِلَى ذَلِكَ , أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ اِشْتَبَهَ عَلَى النَّاس تَأْوِيله , فَظَنُّوا أَنَّهُ قَالَهُ لِاعْتِقَادِهِ مَذْهَب الْقَدَرِيَّة , فَإِنَّ الْمَسْأَلَة مِنْ مَظَانّ الِاشْتِبَاه . عون المعبود - (ج 10 / ص 134)
(2) أَيْ : لِأَنْ يَسْكُن وَيَعِيش فِي الْجَنَّة . عون المعبود - (ج 10 / ص 134)
(3) أَيْ : لَمْ يُذْنِب وَلَمْ يَأْثَم . عون المعبود - (ج 10 / ص 134)
(4) أَيْ : لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَكْلهَا . عون المعبود - (ج 10 / ص 134)
(5) الصافات/161-163]
(6) قال الشيخ الألباني في ( د ) 4614 : حسن الإسناد مقطوع .
(7) آل عمران/145](4/1)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنِ الْعَزْلِ(1)؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ - عز وجل - مِنْهَا وَلَدًا , وَلَيَخْلُقَنَّ اللَّهُ نَفْسًا هُوَ خَالِقُهَا "(2)
( خ م د ) , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) الْعَزْل ) : النَّزْع بَعْد الْإِيلَاج لِيُنْزِلَ خَارِج الْفَرْج .
(2) حم ) 12443 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5245 , الصَّحِيحَة : 1333(4/2)
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , فَأَصَبْنَا سَبْيًا(1)مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ )(2)( وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ(3)وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ(4)
__________
(1) السبي : الأسرى من النساء والأطفال .
(2) خ ) 2404
(3) أَيْ : اِحْتَجْنَا إِلَى الْوَطْء . ( النووي - ج 5 / ص 164)
(4) أَيْ : خِفْنَا مِنْ الْحَبَل فَتَصِير أُمّ وَلَد يَمْتَنِع عَلَيْنَا بَيْعهَا وَأَخَذَ الْفِدَاء فِيهَا , فَيُسْتَنْبَط مِنْهُ مَنْع بَيْع أُمّ الْوَلَد , وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدهمْ . (.النووي - ج 5 / ص 164)(4/3)
فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ بِهِنَّ )(1)( وَلَا يَحْمِلْنَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ , فَقُلْنَا : نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ ؟ , فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ )(2)( فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ , فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ ؟ )(3)( فَقَالَ : " وَمَا ذَاكُمْ ؟ " , فَقُلْنَا : الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ , فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ , وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ )(4)( وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى(5)
__________
(1) م ) 1438
(2) خ ) 3907 , ( م ) 1438
(3) خ ) 2116
(4) م ) 1438 , ( س ) 3327
(5) الْوَأْدُ : دَفْنُ الْبِنْتِ حَيَّةً ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ خَشْيَةَ الفقر وَالْعَارِ , قَالَهُ النَّوَوِيُّ , وَالْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ الْعَزْلَ نَوْعٌ مِنْ الْوَأْدِ , لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةً للنُّطْفَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيَكُونَ مِنْهَا الْوَلَدُ , وَسَعْيًا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ بِعَزْلِهَا عَنْ مَحِلِّهَا ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 210)(4/4)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَبَتْ يَهُودُ(1))(2)( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ , لَيْسَتْ نَسَمَةٌ(3)
__________
(1) فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الْعَزْل , وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي حَدِيث جُدَامَة : أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْل , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ك ) " ذَلِكَ الْوَأْد الْخَفِيّ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَجُمِعَ بَيْنهمَا بِأَنَّ مَا فِي حَدِيث جُدَامَة مَحْمُول عَلَى التَّنْزِيه , وَتَكْذِيب الْيَهُود لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّحْرِيم الْحَقِيقِيّ , وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم : الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود هُوَ زَعْمهمْ أَنَّ الْعَزْل لَا يُتَصَوَّر مَعَهُ الْحَمْل أَصْلًا , وَجَعَلُوه بِمَنْزِلَةِ قَطْع النَّسْل بِالْوَأْدِ , فَأَكْذَبَهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَع الْحَمْل إِذَا شَاءَ اللَّه خَلْقه , وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقه لَمْ يَكُنْ وَأْدًا حَقِيقَة ، وَإِنَّمَا أَسْمَاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيث جُدَامَة بِأَنَّ الرَّجُل إِنَّمَا يَعْزِل هَرَبًا مِنْ الْحَمْل , فَأَجْرَى قَصْده لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْد , لَكِنَّ الْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْوَأْد ظَاهِر بِالْمُبَاشَرَةِ , اِجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْد وَالْفِعْل ، وَالْعَزْل يَتَعَلَّق بِالْقَصْدِ فَقَطْ , فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا . عون المعبود - (ج 5 / ص 55)
(2) د ) 2171
(3) أَيْ : نَفْس ..فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 8)(4/5)
كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ(1)فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ(2)فلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ(3)وَمَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ )(4)"
( م حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
(
__________
(1) خ ) 2116
(2) أَيْ : الْمُؤَثِّر فِي وُجُود الْوَلَد وَعَدَمه هو الْقَدَر لَا الْعَزْل , فَأَيّ حَاجَة إِلَيْهِ . شرح سنن النسائي - (ج 5 / ص 34)
(3) مَا عَلَيْكُمْ ضَرَر فِي تَرْك الْعَزْل , لِأَنَّ كُلّ نَفْس قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى خَلْقهَا لَا بُدّ أَنْ يَخْلُقهَا , سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا , وَمَا لَمْ يُقَدِّر خَلْقهَا لَا يَقَع , سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا , فَلَا فَائِدَة فِي عَزْلكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقهَا سَبَقَكُمْ الْمَاء , فَلَا يَنْفَع حِرْصكُمْ فِي مَنْع الْخَلْق . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 164)
(4) م ) 1438 , ( حم ) 11456(4/6)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا )(1)( وَتَسْنُو(2)عَلَى نَاضِحٍ لَنَا , وَإِنِّي أُصِيبُ مِنْهَا(3))(4)( وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَأَعْزِلُ عَنْهَا , فَقَالَ : " اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا أَرَادَهُ اللَّهُ " , فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ قَدْ حَمَلَتْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا(5))(6) "
( س ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّرَقِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ : إِنَّ امْرَأَتِي تُرْضِعُ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ مَا قَدْ قُدِّرَ فِي الرَّحِمِ سَيَكُونُ "(7)
( م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) م ) 1439
(2) السانِية : ما يُسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره , وسَنتِ الناقةُ تسْنُو إذا سقت الأَرض .لسان العرب (ج 14 / ص 403)
(3) أَيْ : أُجامعها .
(4) حم ) 14402 , ( م ) 1439
(5) أَيْ : مِنْ الْحَمْل وَغَيْره , سَوَاء عَزَلْتَ أَمْ لَا . عون المعبود - (ج 5 / ص 57)
(6) م ) 1439
(7) س ) 3328 , ( حم ) 15770(4/7)
قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ , وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ , لَنْ يُعَجِّلَ مِنْهَا شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ(1)
__________
(1) أَيْ : قبل أوان حدوثه ..(4/8)
أَوْ يُؤَخِّرَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ , وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا لَكِ وَأَفْضَلَ(1)
__________
(1) هَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي أَنَّ الْآجَال وَالْأَرْزَاق مُقَدَّرَة لَا تَتَغَيَّر عَمَّا قَدَّرَهُ اللَّه تَعَالَى وَعَلِمَهُ فِي الْأَزَل ، فَيَسْتَحِيل زِيَادَتهَا وَنَقْصهَا حَقِيقَة عَنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيث " صِلَة الرَّحِم تَزِيد فِي الْعُمْر " وَنَظَائِره فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ: قَدْ تَقَرَّرَ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّة أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَم بِالْآجَالِ وَالْأَرْزَاق وَغَيْرهَا ، وَحَقِيقَة الْعِلْم مَعْرِفَة الْمَعْلُوم عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ زَيْدًا يَمُوت سِنّه خَمْسمِائَةٍ , اِسْتَحَالَ أَنْ يَمُوت قَبْلهَا أَوْ بَعْدهَا لِئَلَّا يَنْقَلِب الْعِلْم جَهْلًا ، فَاسْتَحَالَ أَنَّ الْآجَال الَّتِي عَلِمَهَا اللَّه تَعَالَى تَزِيد وَتَنْقُص ، فَيَتَعَيَّن تَأْوِيل الزِّيَادَة أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَك الْمَوْت أَوْ غَيْره مِمَّنْ وَكَّلَهُ اللَّه بِقَبْضِ الْأَرْوَاح ، وَأَمَرَهُ فِيهَا بِآجَالٍ مَمْدُودَة , فَإِنَّهُ بَعْد أَنْ يَأْمُرهُ بِذَلِكَ أَوْ يُثْبِتهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ يَنْقُص مِنْهُ وَيَزِيد عَلَى حَسَب مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمه فِي الْأَزَل ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { يَمْحُو اللَّه مَا يَشَاء وَيُثْبِت } وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يُحْمَل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ أَنَّ الْمَقْتُول مَاتَ بِأَجَلِهِ , وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَة : قُطِعَ أَجَله , وَاللَّه أَعْلَم , فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي نَهْيهَا عَنْ الدُّعَاء بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَجَل لِأَنَّهُ مَفْرُوغ مِنْهُ ، وَنَدْبِهَا إِلَى الدُّعَاء بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَاب مَعَ أَنَّهُ مَفْرُوغ مِنْهُ أَيْضًا كَالْأَجَلِ ؟ , فَالْجَوَاب أَنَّ الْجَمِيع مَفْرُوغ مِنْهُ ، لَكِنْ الدُّعَاء بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَاب النَّار وَمِنْ عَذَاب الْقَبْر وَنَحْوهمَا عِبَادَة ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْع بِالْعِبَادَاتِ ، فَقِيلَ : أَفَلَا نَتَّكِل عَلَى كِتَابنَا وَمَا سَبَقَ لَنَا مِنْ الْقَدَر ؟ , فَقَالَ : اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَهُ , وَأَمَّا الدُّعَاء بِطُولِ الْأَجَل فَلَيْسَ عِبَادَة ، وَكَمَا لَا يَحْسُن تَرْك الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالذِّكْر اِتِّكَالًا عَلَى الْقَدَر , فَكَذَا الدُّعَاء بِالنَّجَاةِ مِنْ النَّار وَنَحْوه . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 17)(4/9)
"(1)
( ت جة حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ )(2)( جَعَلَ لَهُ فِيهَا حَاجَةً(3))(4)( فَإِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ قَبَضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ , فَتَقُولُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَبِّ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي )(5)"(6)
( ك ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
" مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى جَمَاعَةُ يَحْفُرُونَ قَبْرًا فَسَأَلَ عَنْهُ ، فقالوا : حَبَشِيٌّ قدم فمات ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , سِيقَ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي مِنْهَا خُلِقَ "(7)
( خ ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) م ) 2663 , ( حم ) 3700
(2) ت ) 2147
(3) أَيْ : فَيَأْتِيهَا وَيَمُوتُ فِيهَا , إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 435)
(4) حم ) 15578 , ( ت ) 2147
(5) جة ) 4263
(6) صَحِيح الْجَامِع : 311 ، الصَّحِيحَة : 1221
(7) ك ) 1356 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3389 , الصَّحِيحَة : 1858(4/10)
" خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا مُرَبَّعًا(1)وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ , وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ , مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ , وَقَالَ : هَذَا الْإِنْسَانُ(2)وَهَذَا أَجَلُهُ قَدْ أَحَاطَ بِهِ(3)وَهَذَا الْخَطُّ الْخَارِجُ أَمَلُهُ , وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ(4) فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ(5)هَذَا , وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا(6)"(7)
( ت ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الْمُرَبَّع : الْمُسْتَوِي الزَّوَايَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 226)
(2) الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " هَذَا الْإِنْسَان " إِلَى النُّقْطَة الدَّاخِلَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 226)
(3) والْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " وَهَذَا أَجَله مُحِيط بِهِ " إِلَى الْمُرَبَّع . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 226)
(4) الْأَعْرَاض ) : جَمْع عَرَض - بِفَتْحَتَيْنِ - والْمُرَاد بِالْأَعْرَاضِ الْآفَات الْعَارِضَة لَهُ .فتح الباري(ج 18ص226)
(5) أَيْ : أَصَابَهُ , وَعَبَّرَ بِالنَّهْشِ وَهُوَ لَدْغ ذَات السُّمّ مُبَالَغَة فِي الْإِصَابَة وَالْإِهْلَاك . فتح الباري(ج 18ص226)
(6) أَيْ : إِنْ سَلِمَ مِنْ هَذَا لَمْ يَسْلَم مِنْ هَذَا , وَإِنْ سَلِمَ مِنْ الْجَمِيع وَلَمْ تُصِبْهُ آفَة مِنْ مَرَضٍ أَوْ فَقْدِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بَغَتَهُ الْأَجَل , وَالْحَاصِل أَنَّ مَنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِالْأَجَلِ , وَفِي الْحَدِيث إِشَارَةٌ إِلَى الْحَضّ عَلَى قِصَر الْأَمَل , وَالِاسْتِعْدَاد لِبَغْتَةِ الْأَجَل . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 226)
(7) خ ) 6054 , ( ت ) 2454(4/11)
" مُثِّلَ ابْنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ(1)مَنِيَّةً(2)فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ "(3)
الْأَرْزَاقُ بِقَدَر
قَالَ تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ }(4)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ , فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ }(5)
( حم ) , وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّمَا أَنَا مُبَلِّغٌ وَاللَّهُ يَهْدِي , وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي "(6)
( جة ) , وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا(7)فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ(8)لِمَا خُلِقَ لَهُ "(9)
( جة حب ش ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) تِسْعٌ وَتِسْعُونَ ) أَرَادَ بِهِ الْكَثْرَةَ دُونَ الْحَصْرِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 440)
(2) مَنِيَّةً ) أَيْ : سَبَبُ مَوْتٍ .
(3) ت ) 2150 , وصححه الألباني في هداية الرواة : 1513 , وصحيح الجامع : 5825
(4) سبأ/39]
(5) الذاريات/22، 23]
(6) حم ) 16978 , ( طب ) ج 19ص390 ح916 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2347 , الصَّحِيحَة : 1628
(7) أَجْمَلَ فِي الطَّلَب : إِذَا اِعْتَدَلَ وَلَمْ يُفْرِطْ . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 4 / ص 371)
(8) أَيْ : مُوَفَّقٌ ومُهَيَّأ .
(9) جة ) 2142 , انظر الصَّحِيحَة : 898(4/12)
" ( إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ(1)نَفَثَ فِي رُوعِي(2)أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ(3) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا(4)فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ )(5)( فَخُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ )(6)"
( حب ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ :
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ سَائِلٌ ، فَإِذَا تَمْرَةٌ عَائِرَةٌ(7)" فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ : خُذْهَا ، لَوْ لَمْ تَأْتِهَا لَأَتَتْكَ "(8)
( حب ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : جبريل .
(2) أَيْ : خاطري ونفسي وقلبي .
(3) حب ) 3239 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7323
(4) أجْمَلَ : طلب في قَصْدٍ واعتدال , مع عدم انشغال القلب .
(5) ش ) 35473 , ( هق ) 10185 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2085 , والصحيحة : 2866 , وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1702
(6) جة ) 2144 , ( ك ) 2135
(7) الْعَائِرَة هِيَ السَّاقِطَة عَلَى وَجْه الْأَرْض وَلَا يُعْرَف مِنْ صَاحِبهَا , وَمِنْ هَذَا قِيلَ : قَدْ عَارَ الْفَرَس , إِذَا اِنْفَلَتَ عَنْ صَاحِبه وَذَهَبَ عَلَى وَجْهه . عون المعبود - (ج 4 / ص 63)
(8) حب ) 3240 , صححه الألباني في ظلال الجنة ح265 , وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1705(4/13)
" إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ(1)إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ أَكْثَرَ مِمَّا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ(2)"
( حل كر ) , وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَوأَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ ، لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ "(3)
( خد ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ "(4)
مَصِيرُ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِين
( ك ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ , يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيَمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَسَارَةُ , حَتَّى يَرُدَّونَهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(5)
( د ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
__________
(1) حب ) 3238 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :1703 ، وهداية الرواة : 5242 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده قوي .
(2) صَحِيح الْجَامِع : 1630
(3) رواه أبو نعيم في " الحلية " ( 7 / 90 ، 7 / 246 ) , وابن عساكر ( 2 / 11 / 1 ) , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5240 ، الصَّحِيحَة : 952
(4) أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " ( 114 / 1 ) , و ( خد ) 275 , و( حم ) 3672 , انظر الصحيحة : 2714
(5) ك ) 1418 , ( حم ) 8307 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1023 , والصحيحة : 1467(4/14)
قُلْتُ : يَا رَسُول اللَّهِ ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ(1)؟ , فَقَالَ : " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ(2)" ، فَقُلْتُ : يَا رَسُول اللَّه بِلَا عَمَلٍ(3)؟ ، قَالَ : " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ(4)"(5)
( م س ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
" ( أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ مِنْ صِبْيَانِ الْأَنْصَارِ فَصَلَّى عَلَيْهِ " ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ ، لَمْ يَعْمَلْ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ )(6)( قَالَ : " أَوَغَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ(7)؟ ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا , خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا , خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ )(8)"
( مالك ) , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ :
__________
(1) أَيْ : أَوْلَادهمْ الصِّغَار مَا حُكْمهمْ , أَهُمْ فِي الْجَنَّة أَمْ فِي النَّار . عون المعبود - (ج 10 / ص 230)
(2) أَيْ : فَلَهُمْ حُكْمهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 230)
(3) أَيْ : أَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِلَا عَمَل ؟ ، وَهَذَا وَارِد مِنْهَا عَلَى سَبِيل التَّعَجُّب . عون المعبود - (ج 10 / ص 230)
(4) أَيْ : اللَّه أَعْلَم مَا كَانُوا عَامِلِينَ لَوْ بَلَغُوا , رَدًّا لِتَعَجُّبِهَا , إِشَارَة إِلَى الْقَدَر. عون المعبود - (ج 10 / ص 230)
(5) د ) 4712 , وصححه الألباني في المشكاة : 111
(6) س ) 1947 , ( م ) 2662
(7) أَيْ : أَتَعْتَقِدِينَ مَا قُلْتِ وَالْحَقّ غَيْر ذَلِكَ ؟ , وَهُوَ عَدَم الْجَزْم بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْل الْجَنَّة . عون المعبود (ج10ص 231)
(8) م ) 2662 , ( د ) 4713(4/15)
صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ "(1)
مَصِيرُ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ
( د حم ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
قُلْتُ : يَا رَسُول اللَّهِ ذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ(2)؟ ، قَالَ : " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " , قُلْتُ : بِلَا عَمَلٍ ؟ ، قَالَ : " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ "(3)
( خ م ت ) , وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) مالك ) 536 , وصححه الألباني في المشكاة : 1689 ، وهداية الرواة : 1631
(2) أَيْ : أَوْلَادهمْ الصِّغَار ما مصيرهم .
(3) د ) 4712 , ( حم ) 24589 , وصححه الألباني في المشكاة : 111(4/16)
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ(1)فَيُصَابُ(2)مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هُمْ مِنْهُمْ(3))(4)"
__________
(1) أَيْ : يُغَار عَلَيْهِمْ لَيْلًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَف رَجُل مِنْ اِمْرَأَة . عون المعبود - (ج 6 / ص 108)
(2) أَيْ : بِالْقَتْلِ وَالْجَرْح . عون المعبود - (ج 6 / ص 108)
(3) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ : هُمْ مِنْهُمْ فِي الْحُكْمِ تِلْكَ الْحَالَةُ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبَاحَةَ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إِلَيْهِمْ , بَلْ الْمُرَادُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إِلَى الْآبَاءِ إِلَّا بِوَطْءِ الذُّرِّيَّةِ ، فَإِذَا أُصِيبُوا لِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ جَازَ قَتْلُهُمْ , وَإِلَّا فَلَا تُقْصَد الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاء بِالْقَتْلِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَى تَرْك ذَلِكَ جَمْعًا بَيْن الْأَحَادِيث الْمُصَرِّحَة بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْل النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَمَا هُنَا. عون المعبود - (ج 6 / ص 108)
(4) خ ) 3013 , ( م ) 1745(4/17)
وفي رواية(1): قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ خَيْلَنَا أَوْطَأَتْ مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادِهِمْ , فَقَالَ : " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ(2)"
( د ) , وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ قَالَ :
__________
(1) ت ) 1570 , ( م ) 1745
(2) قَالَ الزُّهْرِيُّ : ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ , كَذَا فِي الْمُنْتَقَى , قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُطْلَقًا , قَالَ : وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ : وَكَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ : وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ إِلَى اِبْنِ أَبِي الْحَقِيقِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ , وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا اِبْنُ حِبَّانَ مُرْسَلًا كَأَبِي دَاوُدَ ، قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى نَسْخِ حَدِيثِ الصَّعْبِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 235)(4/18)
أَرَادَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ(1)أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا(2)فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ(3): أَتَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ ؟ , فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - وَكَانَ فِي أَنْفُسِنَا مَوْثُوقَ الْحَدِيثِ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ قَالَ(4): مَنْ لِلصِّبْيَةِ(5)؟ , قَالَ : " النَّارُ " , فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ مَا رَضِيَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(6)
__________
(1) هو : الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ بْن خَالِد الْفِهْرِيّ الْأَمِير الْمَشْهُور , شَهِدَ فَتْح دِمَشْق , وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا بَعْد مَوْت يَزِيد , وَدَعَا إِلَى الْبَيْعَة , وَعَسْكَرَ بِظَاهِرِهَا ، فَالْتَقَاهُ مَرْوَان بِمَرْج رَاهِط سَنَة أَرْبَع وَسِتِّينَ فَقُتِلَ . عون المعبود - (ج 6 / ص 122)
(2) أَيْ : يَجْعَلُهُ عَامِلًا .
(3) أَيْ : اِبْن أَبِي مُعَيْط , وَعُقْبَة هَذَا هُوَ الْأَشْقَى الَّذِي أَلْقَى سَلَا الْجَزُور عَلَى ظَهْر رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلَاة .
(4) أَيْ : قَالَ أَبُوك عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط .
(5) أَيْ : مَنْ يَكْفُل صِبْيَانِي وَيَتَصَدَّى لِتَرْبِيَتِهِمْ وَحِفْظهمْ وَأَنْتَ تَقْتُل كَافِلَهُمْ .عون المعبود - (ج 6 / ص 122)
(6) د ) 2686 ( ك ) 2572 , حسَّنه الألباني في الإرواء تحت حديث : 1214 ، واستدل العلماء بهذا الحديث وغيره على جواز قتل الصبر .ع
وقال الألباني : وفي " البداية " للحافظ ابن كثير ( 3 / 305 - 306 ) : عن الشعبي قال : " لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل عقبة قال : أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟ , قال : " نعم , أتدرون ما صنع هذا بي ؟ , جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها , فما رفعها حتى ظننت أن عيني سَتَندُران , وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد , فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي " . قلت : وهذا مرسل , وجملة القول أني لم اجد لهذه القصة اسنادا تقوم به الحجة على شهرتها في كتب السيرة , وما كل ما يُذكَر فيها ويساق مساق المُسَلَّمات يكون على نهج أهل الحديث من الأمور الثابتات , سوى حديث مسروق عن عبد الله . أ . هـ(4/19)
( حم ) , وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ وَتَقْرِي(1)الضَّيْفَ , وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ , هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا ؟ , فَقَالَ : " لَا " , فَقُلْنَا : فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا ؟ " , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ , إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ فَيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا "(2)
( د ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ "(3)
الْمَوْلُودُ عَلَى الْفِطْرَة
( حب ) ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ : أَنَقْتُلُهُمْ مَعَهُمْ ؟ ، فَقَالَ : " نَعَمْ ، فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ ، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِهِمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ "(4)
( حم ) ، وَعَنِ الَأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) القِرَى : ما يُقَدَّم إلى الضيف .
(2) حم ) 15965 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7143
(3) د ) 4717 , ( حب ) 7480 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7142 ، المشكاة : 112
(4) حب ) 137 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1380 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .(4/20)
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ ، فَأَفْضَى بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ فَلَمَّا جَاؤُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ ؟ " , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ )(1)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً ، أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً ، كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا ، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وَيُنَصِّرَانِهَا )(2)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 15626
(2) حم ) 15627 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5571 , والصَّحِيحَة : 402(4/21)
" ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ(1)
__________
(1) اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي الْمُرَاد بِالْفِطْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة ، وَأَشْهَرُ الْأَقْوَال أَنَّ الْمُرَاد بِالْفِطْرَةِ الْإِسْلَام ، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد عَامَّة السَّلَف , وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا ) الْإِسْلَام ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَة فِي آخِر الحَدِيث : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا ) , وَبِحَدِيثِ عِيَاض بْن حِمَار عَنْ النَّبِيّ > فِيمَا يَرْوِيه عَنْ رَبّه : " إِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء كُلّهمْ ، فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِين عَنْ دِينهمْ " , وَقَالَ اِبْن جَرِير : قَوْله : ( فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ ) أَيْ : سَدِّدْ لِطَاعَتِهِ , ( حَنِيفًا ) أَيْ : مُسْتَقِيمًا , ( فِطْرَة اللَّه ) أَيْ : صِبْغَة اللَّه ، وَهُوَ مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُقَدَّر ، أَيْ : اِلْزَمْ , وَقَدْ قَالَ أَحْمَد : مَنْ مَاتَ أَبَوَاهُ وَهُمَا كَافِرَانِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ , وَتَعَقَّبَهُ بَعْضهمْ بِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَم أَنْ لَا يَصِحّ اِسْتِرْقَاقه ، وَلَا يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ إِذَا أَسْلَمَ أَحَد أَبَوَيْهِ , وَالْحَقّ أَنَّ الْحَدِيث سِيقَ لِبَيَانِ مَا هُوَ فِي نَفْس الْأَمْر ، لَا لِبَيَانِ الْأَحْكَام فِي الدُّنْيَا , وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم : لَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " يُولَد عَلَى الْفِطْرَة " أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْن أُمّه يَعْلَم الدِّين ، لِأَنَّ اللَّه يَقُول ( وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ) , وَلَكِنَّ الْمُرَاد أَنَّ فِطْرَته مُقْتَضِيَة لِمَعْرِفَةِ دِين الْإِسْلَام وَمَحَبَّته ، فَنَفْس الْفِطْرَة تَسْتَلْزِم الْإِقْرَار وَالْمَحَبَّة ، وَلَيْسَ الْمُرَاد مُجَرَّد قَبُول الْفِطْرَة لِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّر بِتَهْوِيدِ الْأَبَوَيْنِ مَثَلًا , بِحَيْثُ يُخْرِجَانِ الْفِطْرَة عَنْ الْقَبُول ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّ كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى إِقْرَاره بِالرُّبُوبِيَّةِ ، فَلَوْ خُلِّيَ وَعَدَم الْمُعَارِض لَمْ يَعْدِل عَنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْره ، كَمَا أَنَّهُ يُولَد عَلَى مَحَبَّة مَا يُلَائِم بَدَنه , مِنْ اِرْتِضَاع اللَّبَن حَتَّى يَصْرِفهُ عَنْهُ الصَّارِف ، وَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَتْ الْفِطْرَة بِاللَّبَنِ , بَلْ كَانَتْ إِيَّاهُ فِي تَأْوِيل الرُّؤْيَا , وَاَللَّه أَعْلَم , وَقِيلَ : أَنَّ الْمُرَاد بِالْفِطْرَةِ الْخِلْقَة , أَيْ : يُولَد سَالِمًا لَا يَعْرِف كُفْرًا وَلَا إِيمَانًا ، ثُمَّ يَعْتَقِد إِذَا بَلَغَ التَّكْلِيف ، وَرَجَّحَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ , وَقَالَ : إِنَّهُ يُطَابِق التَّمْثِيل بِالْبَهِيمَةِ وَلَا يُخَالِف حَدِيث عِيَاض , لِأَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : ( حَنِيفًا ) أَيْ : عَلَى اِسْتِقَامَة ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِشْهَادِ أَبِي هُرَيْرَة بِالْآيَةِ مَعْنًى , وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم : سَبَب اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْفِطْرَة فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْقَدَرِيَّة كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة لَيْسَا بِقَضَاءِ اللَّه , بَلْ مِمَّا اِبْتَدَأَ النَّاس إِحْدَاثه ، فَحَاوَلَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مُخَالَفَتهمْ بِتَأْوِيلِ الْفِطْرَة عَلَى غَيْر مَعْنَى الْإِسْلَام ، وَلَا حَاجَة لِذَلِكَ ، لِأَنَّ الْآثَار الْمَنْقُولَة عَنْ السَّلَف تَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ لَفْظ الْفِطْرَة إِلَّا الْإِسْلَام ، وَلَا يَلْزَم مِنْ حَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ مُوَافَقَة مَذْهَب الْقَدَرِيَّة ، لِأَنَّ قَوْله : " فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ إِلَخْ " مَحْمُول عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَع بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى ، وَمِنْ ثَمَّ اِحْتَجَّ عَلَيْهِمْ مَالِك بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث " اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 465)(4/22)
)(1)إِلَّا يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ(2)( حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ )(3)( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ )(4)( أَوْ يُشَرِّكَانِهِ(5)
__________
(1) م ) 2658 , ( خ ) 1292
(2) م ) 2658 , ( ت ) 2138 , وَالْمُرَاد تَمَكُّن النَّاس مِنْ الْهُدَى فِي أَصْل الْجِبِلَّة ، وَالتَّهَيُّؤ لِقَبُولِ الدِّين ، فَلَوْ تُرِكَ الْمَرْء عَلَيْهَا لَاسْتَمَرَّ عَلَى لُزُومهَا وَلَمْ يُفَارِقهَا إِلَى غَيْرهَا ، لِأَنَّ حُسْن هَذَا الدِّين ثَابِت فِي النُّفُوس ، وَإِنَّمَا يُعْدَل عَنْهُ لِآفَةٍ مِنْ الْآفَات الْبَشَرِيَّة كَالتَّقْلِيدِ , فالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه خَلَقَ قُلُوب بَنِي آدَم مُؤَهَّلَة لِقَبُولِ الْحَقّ ، كَمَا خَلَقَ أَعْيُنهمْ وَأَسْمَاعهمْ قَابِلَة لِلْمَرْئِيَّاتِ وَالْمَسْمُوعَات ، فَمَا دَامَتْ بَاقِيَة عَلَى ذَلِكَ الْقَبُول وَعَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّة أَدْرَكَتْ الْحَقّ ، وَدِين الْإِسْلَام هُوَ الدِّين الْحَقّ ، حَيْثُ قَالَ " كَمَا تُنْتَج الْبَهِيمَة بَهِيمَةً جَمْعَاءَ " يَعْنِي أَنَّ الْبَهِيمَة تَلِد الْوَلَد كَامِل الْخِلْقَة ، فَلَوْ تُرِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَرِيئًا مِنْ الْعَيْب ، لَكِنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِيهِ بِقَطْعِ أُذُنه مَثَلًا فَخَرَجَ عَنْ الْأَصْل ، وَهُوَ تَشْبِيه وَاقِع , وَوَجْهه وَاضِحٌ وَاَللَّه أَعْلَم . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 465)
(3) م ) 2658 , ( حم ) 7438
(4) خ ) 1292 , ( م ) 2658
(5) أَيْ : أَنَّ الْكُفْر لَيْسَ مِنْ ذَات الْمَوْلُود وَمُقْتَضَى طَبْعِهِ ، بَلْ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبٍ خَارِجِيّ ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ السَّبَب اِسْتَمَرَّ عَلَى الْحَقّ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 465)(4/23)
)(1)( فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ )(2)( كَمَا تُنْتِجُ(3)الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ(4))(5)( هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ(6)؟
__________
(1) م ) 2658 , ( ت ) 2138
(2) م ) 2658
(3) تُنْتِج : تَلِد .
(4) الْجَمْعَاءُ مِنْ الْبَهَائِمِ : الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَدَنِهَا شَيْءٌ , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ أَعْضَائِهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 465)
(5) خ ) 1292 , ( م ) 2658
(6) الْجَدْعَاء : الْمَقْطُوعَة الْأُذُن ..فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 465)(4/24)
حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا " )(1)( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا , لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }(2)" )(3)( قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ ؟ ، قَالَ : " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ(4))(5)"
__________
(1) خ ) 6226 , ( م ) 2658
(2) الروم/30]
(3) خ ) 1292 , ( م ) 2658
(4) أَيْ : بِمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ دُخُول الْجَنَّة أَوْ النَّار , أَوْ التَّرْك بَيْن الْمَنْزِلَتَيْنِ , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : ظَاهِر هَذَا الْكَلَام يُوهِم أَنَّهُ > لَمْ يُفْتِ السَّائِل عَنْهُمْ ، وَأَنَّهُ رَدَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ إِلَى عِلْم اللَّه مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون قَدْ جَعَلَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَلْحَقَهُمْ بِالْكَافِرِينَ ، وَلَيْسَ هَذَا وَجْه الْحَدِيث , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كُفَّار مُلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ , لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدْ عَلِمَ لَوْ بَقُوا أَحْيَاء حَتَّى يَكْبَرُوا لَكَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَل الْكُفَّار ، ويَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا التَّأْوِيل حَدِيث عَائِشَة ( تُوُفِّيَ صَبِيّ مِنْ الْأَنْصَار ، فَقَالَتْ : طُوبَى لَهُ ، عُصْفُور مِنْ عَصَافِير الْجَنَّة ، لَمْ يَعْمَل السُّوء ، وَلَمْ يُدْرِكهُ , فقَالَ > : أَوْ غَيْر ذَلِكَ يَا عَائِشَة , إِنَّ اللَّه خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ ) . عون المعبود - (ج 10 / ص 229)
(5) خ ) 6226 , ( م ) 2658(4/25)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ(1): يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِبَغِيَّةٍ(2)مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ يَدَّعِي أَبَوَاهُ الْإِسْلَامَ , أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ , إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ , وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ .
( خ م ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ صَغِيرًا )(3)( فَقَالَ : " اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ )(4)"
( يع ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" سَأَلْتُ رَبِّي - عز وجل - اللَّاهِينَ فَوَهَبَنِيهِمْ وَأَعْطَانِيهِمْ " , فَقِيلَ : وَمَا اللَّاهُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " ذَرَارِيُّ الْبَشَرِ(5)"(6)
( د ) , وَعَنْ أسلم بن سليم - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) من رواية ( خ ) 1292 بسنده الموصول .
(2) أَيْ : ابن زنا .
(3) م ) 2659 , ( خ ) 1317
(4) خ ) 1317 , ( م ) 2660
(5) أَيْ : أَوْلَادهمْ الصِّغَار .
(6) يع ) 4101 , ( طس ) 5957 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3592 , الصَّحِيحَة : 1881(4/26)
" النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ(1)وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ , وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ(2)وَالْوَئِيدُ فِي الْجَنَّةِ(3)"(4)
( طس ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ "(5)
مَصِيرُ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ(6)وَغَيْرِهِم
( حم حب يع ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) المراد جميع الأنبياء , فأخبر بأنهم في أعلى المراتب في الجنة , ودون ذلك الشهيد , وبعده المولود . فيض القدير - (ج 6 / ص 385)
(2) أَيْ : الصغير تبعا لأبويه في الإيمان , فيلحق بدرجته في الجنة وإن لم يعمل بعمله تكرمة لأبيه .فيض القدير
(3) الوئيد : المدفون حَيَّا . فيض القدير - (ج 6 / ص 385)
(4) د ) 2521 , ( حم ) 20602
(5) طس ) 5355 , صَحِيح الْجَامِع : 1024 , الصَّحِيحَة : 1468
(6) الفَتْرَةُ : ما بين كل نَبِيَّيْنِ من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة , وأَهْل الْفَتْرَة الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ . لسان العرب - (ج 5 / ص 43)(4/27)
" ( يُؤْتَى بِأَرْبَعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(1)( رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ )(2)(
__________
(1) يع ) 4224 , انظر الصَّحِيحَة : 2468
(2) حم ) 16344 , ( حب ) 7357 , انظر الصَّحِيحَة : 1434 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط في ( حب ) : إسناده صحيح ..(4/28)
وَالْمَوْلُودُ , فَكُلُّهُمْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ )(1)( فَأَمَّا الَأَصَمُّ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا ، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ : رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ )(2)( فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعُنُقٍ مِنَ النَّارِ : ابْرُزْ ، فَيَقُولُ لَهُمْ : إِنِّي كُنْتُ أَبْعَثُ إِلَى عِبَادِي رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمْ )(3)( فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ )(4)( فَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ يَمْضِي فَيَتَقَحَّمُ فِيهَا مُسْرِعًا , وَيَقُولُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ : يَا رَبِّ أَيْنَ نَدْخُلُهَا وَمِنْهَا كُنَّا نَفِرُّ ؟ , فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنْتُمْ لِرُسُلِي أَشَدُّ تَكْذِيبًا وَمَعْصِيَةً )(5)( فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا )(6)( فَيُدْخِلُ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ )(7)( وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ يُسْحَبْ إِلَيْهَا )(8)"
( حم هق ) , وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) يع ) 4224
(2) حم ) 16344 , ( حب ) 7357
(3) يع ) 4224
(4) حم ) 16344 , ( حب ) 7357
(5) يع ) 4224
(6) حم ) 16344 , ( حب ) 7357
(7) يع ) 4224
(8) حم ) 16345 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 881 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .(4/29)
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ رَاكِبٍ , " فَنَزَلَ بِنَا )(1)( فَانْتَهَى إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ ، فَجَلَسَ وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطِبِ ثُمَّ بَكَى " )(2)( فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ )(3)( مَا يُبْكِيكَ ؟ , فَقَالَ : " هَذَا قَبْرُ أُمِّي آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الاسْتِغْفَارِ لَهَا فَأَبَى عَلَيَّ )(4)( فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنْ النَّارِ(5)" )(6)( قَالَ بُرَيْدَةُ : فَمَا رَأَيْتُ سَاعَةً أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ )(7)
( م حم ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
__________
(1) حم ) 23053 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(2) هق في دلائل النبوة ) 101 , انظر صحيح السيرة ص23
(3) حم ) 23053 , ( حب ) 5390
(4) هق في دلائل النبوة ) 101 , ( م ) 976
(5) قال الألباني في صحيح السيرة ص28 : وإخباره - صلى الله عليه وسلم - عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لَا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يُمتَحَنون في العَرَصات يوم القيامة , فيكون منهم من يجيب , ومنهم من لَا يجيب , فيكون هؤلاء من جملة من لَا يجيب ، فلا منافاة ولله الحمد والمنة . أ . هـ
(6) حم ) 23053 , ( حب ) 5390
(7) هق في دلائل النبوة ) 101 , ( د ) 3234(4/30)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَيَقْرِي الضَّيْفَ(1)وَيَفُكُّ الْعَانِيَ(2)وَيُحْسِنُ الْجِوَارَ ، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ ؟ , قَالَ : " لَا ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا قَطُّ : رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ(3)"(4)
( يع ) , وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ك قَالَتْ :
قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْمُغِيرَةِ كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ , وَيَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيَفُكُّ الْعُنَاةَ ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَلَوْ أَدْرَكَ أَسْلَمَ ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ ؟ , قَالَ : " لَا ، إِنَّهُ كَانَ يُعْطِي لِلدُّنْيَا وَذِكْرِهَا وَحَمْدِهَا ، وَلَمْ يَقُلْ يَوْمًا قَطُّ : رَبِّ اغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ "(5)
( م حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : يُكْرِم الضيف .
(2) أَيْ : يَفدي الأسير .
(3) مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلهُ مِنْ الصِّلَة وَالْإِطْعَام وَوُجُوه الْمَكَارِم لَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة ؛ لِكَوْنِهِ كَافِرًا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمْ يَقُلْ رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ) أَيْ : لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا بِالْبَعْثِ ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّق بِهِ فهو كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ عَمَل , وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْكُفَّار لَا تَنْفَعهُمْ أَعْمَالهمْ ، وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيف عَذَاب ، لَكِنَّ بَعْضَهمْ أَشَدّ عَذَابًا مِنْ بَعْض بِحَسَبِ جَرَائِمهمْ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 358)
(4) حم ) 24936 , ( م ) 214
(5) يع ) 6965 , ( طب ) ج 23ص279 ح606 , انظر الصَّحِيحَة : 2927(4/31)
قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ ، قَالَ : " فِي النَّارِ )(1)( فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ : إِن أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ(2)
__________
(1) م ) 203 , ( د ) 4718
(2) قال الألباني في الصَّحِيحَة 2592 : واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لَا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة ، وتَبَنِّي ما فيها من الحكم بالكفر على وَالدَيْ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بل إن فيهم من يُظَنُّ أنه من الدعاة إلى الإسلام لَيستنكِر أشدّ الاستنكار التعرُّض لذكر هذه الأحاديث ودِلالتها الصريحة ! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصبُّ منهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قالها إن صدقوا بها , وهذا - كما هو ظاهر - كفر بواح ، أو على الأقل : على الأئمة الذين رووها وصححوها ، وهذا فسق أو كفر صراح , لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم لأنه لَا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به إِلَّا من طريق نبيهم - صلى الله عليه وسلم - كما لَا يخفى على كل مسلم بصير بدينه ، فإذا لم يُصَدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم - والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جِدَّا لرد الأحاديث الصحيحة ، وهذا أمر مُشاهدٌ اليوم من كثير من الكُتَّاب الذين ابتُلِيَ المسلمون بكتاباتهم , كالغزالي , والهويدي , وبليق , وابن عبد المنان , وأمثالهم ممن لَا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إِلَّا أهواؤهم ! واعلم أيها المسلم المشفق على دينه أن يُهْدَمَ بأقلام بعض المنتسبين إليه , أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم ، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتَلَقِّيها بالقَبول ، لقوله تعالى : ( الم , ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) ( البقرة : 1 - 3 ) وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ( الأحزاب : 36 )
فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لَا ثالث لهما - وأحلاهما مر - : إما تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإما تكذيب رُواتها الثقات كما تقدم , وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين يُنكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا - كما فعل السيوطي عفا الله عنا وعنه - في بعض رسائله ، إنما يحملهم على ذلك غُلُوُّهم في تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وحبهم إياه ، فينكرون أن يكون أبواه - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر هو نفسه عنهما ، فكأنهم أشفق عليهما منه - صلى الله عليه وسلم - !! ,
وقد لَا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبيَ - صلى الله عليه وسلم - أحيا اللهُ له أمه ، وفي رواية : أبويه ، وهو حديث موضوع باطل عند أهل العلم , كالدارقطني ، وابن عساكر , والذهبي , والعسقلاني وغيرهم كما هو مبين في موضعه ، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي ( 1 / 222 - 229 ) , وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 284 ) : " هذا حديث موضوع بلا شك ، والذي وضعه قليل الفهم ، عديم العلم ، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لَا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة ،
لَا , بل لو آمن عند المعاينة ، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، [البقرة/217] , وقولُه - صلى الله عليه وسلم - في ( الصحيح ) : " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي " . أ . هـ(4/32)
)(1)"
( جة ) ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَبقَالَ :
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ ، وَكَانَ وَكَانَ.. فَأَيْنَ هُوَ ؟ ، قَالَ : " فِي النَّارِ " , فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ " قَالَ : فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ وَقَالَ : لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَبًا ، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ .
__________
(1) حم ) 12213 , ( م ) 203(4/33)
(1)
كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَر
( م ) , عَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) جة ) 1573 , ( طب ) 326 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3165 , الصَّحِيحَة : 18 , وقال الألباني : وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه ، أَلَا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره , ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظِ المؤمن وتذكيره بخطورة جُرْم هذا الكافر , حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت ، وهو الكفر بالله - عز وجل - والإشراكُ به , الذي أبان الله تعالى عن شدة مَقْتِه إياه حين استثناه من المغفرة فقال : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ , وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) [النساء/48] ، وإن الجهل بهذه الفائدة أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها ، فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة ، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار , ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل , ويقفون أمامها خاشعين محزونين ، مما يُشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم ، مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث الصحيح , واسمع قول الله - عز وجل - : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة/4] ، هذا موقفهم منهم وهم أحياء فكيف وهم أموات ؟! . أ . هـ(4/34)
" كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ , حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ(1)"(2)
( خلق أفعال العباد ) عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ " , قَالَ حُذَيْفَةُ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ صَانِعَ الْخَزَمِ(3)وَصَنْعَتَهُ .(4)
( خ م حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
(
__________
(1) الْكَيْس : ضِدّ الْعَجْز , وَمَعْنَاهُ الْحِذْق فِي الْأُمُور ، وَيَتَنَاوَل أُمُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلّ شَيْء لَا يَقَع فِي الْوُجُود إِلَّا وَقَدْ سَبَقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ وَمَشِيئَتُهُ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُمَا فِي الْحَدِيث غَايَةً لِذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ أَفْعَالَنَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَة لَنَا وَمُرَادَةً مِنَّا فَلَا تَقَع مَعَ ذَلِكَ مِنَّا إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه , وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدْرٍ ) , فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَصٌّ فِي أَنَّ اللَّه خَالِق كُلّ شَيْء وَمُقَدِّرُهُ , وَهُوَ أَنَصُّ مِنْ قَوْله تَعَالَى ( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) , وَقَوْله تَعَالَى : ( وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) , وَاشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَة السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّة . ( فتح الباري ) - (ج 18 / ص 436)
(2) م ) القدر ( 2655) , ( حم ) 5893
(3) الخَزَم ) : شجر يُتَّخَذُ من لحائه الحبال .
(4) الصَّحِيحَة : 1637 , وقال البخاري في خلق أفعال العباد ح18 : فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة .(4/35)
مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ(1)مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا(2))(3)( مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ(4)وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ(5))(6)( وَزِنَا الْفَمِ الْقُبَلُ )(7)( وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ (8)وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ(9)وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا(10)
__________
(1) يُرِيد بِاللَّمَمِ مَا عَفَا اللَّهُ مِنْ صِغَار الذُّنُوب , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللَّمَم } , وَهُوَ مَا يُلِمّ بِهِ الْإِنْسَان مِنْ صِغَار الذُّنُوب الَّتِي لَا يَكَاد يَسْلَم مِنْهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّه وَحَفِظَهُ . عون المعبود(ج5ص37)
(2) الْمُرَاد مِنْ الْحَظّ مُقَدِّمَات الزِّنَا , مِنْ التَّمَنِّي وَالتَّخَطِّي وَالتَّكَلُّم لِأَجْلِهِ وَالنَّظَر وَاللَّمْس وَالتَّخَلِّي . عون المعبود
(3) خ ) 5889
(4) أَيْ : حَظُّهَا عَلَى قَصْد الشَّهْوَة فِيمَا لَا يَحِلّ لَهُ . عون المعبود - (ج 5 / ص 37)
(5) أَيْ : الاستماع إِلَى كَلَام الزَّانِيَة أَوْ الْوَاسِطَة . عون المعبود - (ج 5 / ص 37)
(6) م ) 2657
(7) حم ) 10933 , ( د ) 2152
(8) أَيْ : التَّكَلُّم عَلَى وَجْه الْحُرْمَة كَالْمُوَاعَدَةِ . عون المعبود - (ج 5 / ص 37)
(9) أَيْ : الْأَخْذ وَاللَّمْس ، وَيَدْخُل فِيهِ الْكِتَابَة وَرَمْي الْحَصَى عَلَيْهَا وَنَحْوهمَا . عون المعبود - (ج 5 / ص 37)
(10) أَيْ : الْمَشْيُ إِلَى مَوْضِع الزِّنَا ..عون المعبود - (ج 5 / ص 37)(4/36)
وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى(1))(2)( وَالْفَرْجُ : يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ )(3)( أَوْ يُكَذِّبُهُ(4))(5)"
( ت ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ(6)"(7)
( د ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : زِنَا القلب تَمَنِّيهِ وَاشْتِهَاؤُهُ وُقُوعَ الزِّنَا الْحَقِيقِيّ . عون المعبود - (ج 5 / ص 37)
(2) م ) 2657
(3) خ ) 5889
(4) قَالَ الطِّيبِيُّ : سَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاء بِاسْمِ الزِّنَا لِأَنَّهَا مُقَدِّمَات لَهُ وَمُؤْذِنَة بِوُقُوعِهِ , وَنَسَبَ التَّصْدِيق وَالتَّكْذِيب إِلَى الْفَرْج لِأَنَّهُ مَنْشَؤُهُ وَمَكَانه , أَيْ : يُصَدِّقهُ بِالْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ الْمُرَاد مِنْهُ وَيُكَذِّبهُ بِالْكَفِّ عَنْهُ , وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنْ فَعَلَ بِالْفَرْجِ مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ الْفَرْج مُصَدِّقًا لِتِلْكَ الْأَعْضَاء ، وَإِنْ تَرَكَ مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ الْفَرْج مُكَذِّبًا . عون المعبود - (ج 5 / ص 37)
(5) خ ) 6238
(6) أَيْ : كُلُّ عَيْنٍ نَظَرَتْ إِلَى أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ فَهِيَ زَانِيَةٌ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 95)
(7) ت ) 2786 , ( حم ) 19531(4/37)
" إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأَمِيرِ خَيْرًا(1)جَعَلَ لَهُ وَزِيرًا [ صَالِحًا ](2)إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ(3)جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ "(4)
( خ ) , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى(5)"(6)
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى . عون المعبود - (ج 6 / ص 406)
(2) س ) 4204
(3) أَيْ : شَرًّا . عون المعبود - (ج 6 / ص 406)
(4) د ) 2932 , ( س ) 4204 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 302 ، الصَّحِيحَة : 489
(5) أَيْ : مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ بِأَنْ حَمَاهُ مِنْ الْوُقُوع فِي الْهَلَاك أَوْ مَا يَجُرُّ إِلَيْهِ , يُقَال : عَصَمَهُ اللَّه مِنْ الْمَكْرُوه وَقَاهُ وَحَفِظَهُ , وَاعْتَصَمْت بِاللَّهِ : لَجَأْت إِلَيْهِ ، وَعِصْمَة الْأَنْبِيَاء عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام : حِفْظُهُمْ مِنْ النَّقَائِص , وَتَخْصِيصهمْ بِالْكِمَالَاتِ النَّفِيسَة , وَالنُّصْرَة وَالثَّبَات فِي الْأُمُور , وَإِنْزَال السَّكِينَة ، وَالْفَرْق بَيْنهمْ وَبَيْن غَيْرهمْ أَنَّ الْعِصْمَة فِي حَقّهمْ بِطَرِيقِ الْوُجُوب , وَفِي حَقّ غَيْرهمْ بِطَرِيقِ الْجَوَاز . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 454)
(6) خ ) 6773(4/38)
" ( كَانَ لِنَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عليه السلام - )(1)( مِائَةُ امْرَأَةٍ )(2)( فَقَالَ : لَأَطُوفَنَّ(3)اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي , فَلَتَحْمِلْنَّ )(4)( كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ )(5)( وَلَتَلِدَنَّ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )(6)( فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : قُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ )(7)( فَطَافَ عَلَيْهِنَّ(8)
__________
(1) خ ) 7031
(2) خ ) 4944
(3) كناية عن الجماع .
(4) خ ) 7031
(5) م ) 1654
(6) خ ) 7031
(7) خ ) 4944
(8) أَيْ : جَامَعَهُنَّ ..تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 186)(4/39)
جَمِيعًا , فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ , جَاءَتْ )(1)( بِنِصْفِ إِنْسَانٍ )(2)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ )(3)( لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا )(4)( وَلَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه )(5)( أَجْمَعُونَ(6))(7)"
( حم ) , وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 6263
(2) خ ) 4944
(3) خ ) 6263
(4) خ ) 7031
(5) خ ) 3242
(6) قَالَ فِي الْفَتْحِ : قَوْلُهُ ( لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) ، قِيلَ : هُوَ خَاصٌّ بِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَهَا وَقَعَ مَا أَرَادَ , وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَهَا عِنْدَمَا وَعَدَ الْخَضِرَ أَنْ يَصْبِرُ عَمَّا يَرَاهُ مِنْهُ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْبِرْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمَا , وَقَدْ قَالَهَا الذَّبِيحُ , فَوَقَعَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ ) فَصَبَرَ حَتَّى فَدَاهُ اللَّهُ بِالذَّبْحِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 186)
(7) خ ) 6263(4/40)
" مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ سَاجِدٍ وَهُوَ يَنْطَلِقُ إِلَى الصَلَاةِ ، فَقَضَى الصَلَاةَ وَرَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " مَنْ يَقْتُلُ هَذَا ؟ " , فَقَامَ رَجُلٌ فَحَسَرَ(1)عَنْ يَدَيْهِ فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَهَزَّهُ , ثُمَّ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، كَيْفَ أَقْتُلُ رَجُلًا سَاجِدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؟ , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ يَقْتُلُ هَذَا ؟ " , فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : أَنَا , فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَهَزَّهُ حَتَّى أُرْعِدَتْ يَدُهُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ أَقْتُلُ رَجُلًا سَاجِدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ قَتَلْتُمُوهُ لَكَانَ أَوَّلَ فِتْنَةٍ وَآخِرَهَا "(2)
( خ م ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : كشف .
(2) حم ) 20448 , انظر الصَّحِيحَة : 2495(4/41)
" ( لَا تَنْذِرُوا , فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدْ قَدَّرَهُ لَهُ(1)وَلَكِنَّ النَّذْرَ يُوَافِقُ الْقَدَرَ )(2)( قَدْ قُدِّرَ لَهُ ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ(3)مِنْ الْبَخِيلِ(4)
__________
(1) فإن قيل : لماذا نهى عن النذر مع أنه لا يؤثر , لأن الأمر سيقع كما أراده الله وقدره , فما هو سبب كراهة النذر والحالة هذه ؟ , والجواب : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب النَّهْي عَنْ كَوْن النَّذْر يَصِير مُلْتَزَمًا لَهُ ، فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاط ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَبه كَوْنه يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي اِلْتَزَمَهَا فِي نَذْره عَلَى صُورَة الْمُعَاوَضَة لِلْأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ فَيَنْقُص أَجْره ، وَشَأْن الْعِبَادَة أَنْ تَكُون مُتَمَحِّضَة لِلَّهِ تَعَالَى ، وَيَحْتَمِل أَنَّ النَّهْي لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنّ بَعْض الْجَهَلَة أَنَّ النَّذْر يَرُدّ الْقَدَر ، وَيَمْنَع مِنْ حُصُول الْمُقَدَّر , فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِل يَعْتَقِد ذَلِكَ ، وَسِيَاق الْحَدِيث يُؤَيِّد هَذَا . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 30)
(2) م ) 1640 , ( خ ) 6235
(3) أَيْ : بِسَبَبِ النَّذْرِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 192)
(4) أَيْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَة تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا , وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَة شِفَاء الْمَرِيض وَغَيْره مِمَّا تَعَلَّقَ النَّذْر عَلَيْهِ ..شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 31)(4/42)
فَيُؤْتِي الْبَخِيلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ(1)
__________
(1) عَادَةُ النَّاسِ تَعْلِيقُ النُّذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ , فَنَهَى عَنْهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْبُخَلَاءِ ، إِذْ السَّخِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اِسْتَعْجَلَ فِيهِ وَأَتَى بِهِ فِي الْحَالِ ، وَالْبَخِيلُ لَا تُطَاوِعُهُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ يُسْتَوْفَى أَوَّلًا , فَيَلْتَزِمُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَيَحْصُلُ لَهُ , وَيُعَلِّقُهُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرٍّ ، وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْ الْقَدَرِ شَيْئًا ، أَيْ : نَذْرٌ لَا يَسُوقُ إِلَيْهِ خَيْرًا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ , وَلَا يَرُدَّ شَرًّا قُضِيَ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّ النَّذْرَ قَدْ يُوَافِقُ الْقَدَرَ , فَيَخْرُجُ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ , فَمَعْنَى نَهْيِهِ عَنْ النَّذْرِ إِنَّمَا هُوَ التَّأَكُّدُ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى يَفْعَلَ , لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ ، إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلُبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضَرًّا ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ، يَقُولُ : فَلَا تَنْذُرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْ اللَّهُ لَكُمْ ، أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ ، وَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ , وتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ ، وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ ، الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ الْقَدَرِ بِنَفْسِهِ كَمَا زَعَمُوا ، وَكَمْ نَرَى فِي عَهْدِنَا جَمَاعَةً يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنْ غَالِبِ الْأَحْوَالِ حُصُولَ الْمَطَالِبِ بِالنَّذْرِ , وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ بِدُونِ سَببٍ ، فَالنُّذُورُ كَالذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلِ , فَيَكُونُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ طَاعَةً وَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ ، كَيْفَ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ الْخِيرَةَ مِنْ عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } وَ { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } وَأَمَّا مَعْنَى" وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ" فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْبَذْلَ وَالْإِنْفَاقَ ، فَمَنْ سَمَحَتْ أَرِيحَتُهُ فَذَلِكَ ، وَإِلَّا فَشَرَعَ النُّذُورَ لِيَسْتَخْرِجَ بِهِ مِنْ مَالِ الْبَخِيلِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 192)(4/43)
)(1)"
( د ) , وَعَنْ حُمَيْدٍ قَالَ :
قَدِمَ عَلَيْنَا الْحَسَنُ(2)مَكَّةَ , فَكَلَّمَنِي فُقَهَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي أَنْ يَجْلِسَ لَهُمْ يَوْمًا يَعِظُهُمْ فِيهِ , فَقَالَ : نَعَمْ , فَاجْتَمَعُوا فَخَطَبَهُمْ , فَمَا رَأَيْتُ أَخْطَبَ مِنْهُ(3)فَقَالَ رَجُلٌ : يَا أَبَا سَعِيدٍ , مَنْ خَلَقَ الشَّيْطَانَ ؟ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ؟ خَلَقَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ , وَخَلَقَ الْخَيْرَ وَخَلَقَ الشَّرَّ , فَقَالَ الرَّجُلُ : قَاتَلَهُمْ اللَّهُ , كَيْفَ يَكْذِبُونَ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ(4)؟ .(5)
الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَاب
( خ ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) خ ) 6316
(2) أَيْ : الْبَصْرِيّ .
(3) أَيْ : مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ خُطْبَةً وَوَعْظًا .
(4) أَيْ : الْحَسَن الْبَصْرِيّ .
(5) د ) 4618(4/44)
كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ(1)وَيَقُولُونَ : نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ , فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَتَزَوَّدُوا(2)فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى(3)}(4).(5)
( ت ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الزاد : هو الطعام الذي يتخذه المسافر , أَيْ : لَا يَأْخُذُونَ الزَّاد مَعَهُمْ مُطْلَقًا , أَوْ يَأْخُذُونَ مِقْدَار مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْبَرِّيَّة . عون المعبود - (ج 4 / ص 133)
(2) أَيْ : خُذُوا زَادَكُمْ مِنْ الطَّعَام , وَاتَّقُوا الِاسْتِطْعَام وَالتَّثْقِيل عَلَى الْأَنَام . عون المعبود - (ج 4 / ص 133)
(3) أَيْ : تَزَوَّدُوا وَاتَّقُوا أَذَى النَّاس بِسُؤَالِكُمْ إِيَّاهُمْ وَالْإِثْم فِي ذَلِكَ ، فَفِي الْآيَة وَالْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ اِرْتِكَاب الْأَسْبَاب لَا يُنَافِي التَّوَكُّل بَلْ هُوَ الْأَفْضَل وَفِيهِ أَنَّ التَّوَكُّل لَا يَكُون مَعَ السُّؤَال , وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَحْمُود قَطْع النَّظَر عَنْ الْأَسْبَاب بَعْدَ تَهْيِئَة الْأَسْبَاب ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام " اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ " . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 161)
(4) البقرة/197]
(5) خ ) 1451 , ( د ) 1730(4/45)
قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُطْلِقُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ ؟ , أَوْ أَعْقِلُهَا(1)وَأَتَوَكَّلُ ؟ ، قَالَ : " اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ(2)"(3)
( ت ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) عَقَلَ الْبَعِيرَ : شَدَّ وَظِيفَهُ إِلَى ذِرَاعِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 309)
(2) أَيْ : اِعْتَمِدْ عَلَى اللَّهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَقْلَهَا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 309)
(3) ت ) 2517 , و( حب ) 731 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1068 ، صحيح موارد الظمآن : 2162(4/46)
" لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ(1)لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ , تَغْدُو(2)خِمَاصًا(3)وَتَرُوحُ(4)بِطَانًا(5)"(6)
( خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) أَيْ : بِأَنْ تَعْلَمُوا يَقِينًا أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنْ لَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ إِلَّا هُوَ , ثُمَّ تَسْعَوْنَ فِي الطَّلَبِ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ وَتَوَكُّلٍ .تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 129)
(2) أَيْ : تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ .
(3) أَيْ : جِيَاعًا .
(4) أَيْ : تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ .
(5) البِطَان ) : جَمْعُ بَطِينٍ ، وَهُوَ عَظِيمُ الْبَطْنِ , وَالْمُرَادُ شِبَاعًا , قَالَ الْمَنَاوِيُّ : أَيْ تَغْدُو بَكْرَةً وَهِيَ جِيَاعٌ , وَتَرُوحُ عِشَاءً وَهِيَ مُمْتَلِئَةُ الْأَجْوَافِ ، فَالْكَسْبُ لَيْسَ بِرَازِقٍ , بَلْ الرَّازِقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى , فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ لَيْسَ التَّبَطُّلَ وَالتَّعَطُّلَ ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوَصُّلِ بِنَوْعٍ مِنْ السَّبَبِ , لِأَنَّ الطَّيْرَ تُرْزَقُ بِالسَّعْيِ وَالطَّلَبِ ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَسْبِ , بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ لَوْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ فِي ذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَعَلِمُوا أَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ , لَمْ يَنْصَرِفُوا إِلَّا غَانِمِينَ سَالِمِينَ كَالطَّيْرِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 129)
(6) ت ) 2344 , ( جة ) 4164 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5254 ، الصَّحِيحَة : 310(4/47)
خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِلَى الشَّامِ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ(1)لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ(2)أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ , فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ(3)قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ(4)فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ , فَاخْتَلَفُوا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءَ , فَقَالَ عُمَرُ : ارْتَفِعُوا عَنِّي(5)ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ ,
__________
(1) سَرْغ ) : قَرْيَة فِي طَرَف الشَّام مِمَّا يَلِي الْحِجَاز . ( النووي - ج 7 / ص 370)
(2) الْمُرَاد بِالْأَجْنَادِ هُنَا مُدُن الشَّام الْخَمْس ، وَهِيَ : فِلَسْطِين وَالْأُرْدُنّ وَدِمَشْق وَحِمْص وَقِنِّسْرِين . ( النووي )
(3) أَيْ : الطاعون .
(4) الْمُرَاد بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى لِلْقِبْلَتَيْنِ ، فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْد تَحْوِيل الْقِبْلَة فَلَا يُعَدّ فِيهِمْ .( النووي - ج 7 / ص 370)
(5) أَيْ : أَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ .(4/48)
فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ , فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ , وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ , فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي , ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ(1)فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ , قَالُوا : نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ , فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ : إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ(2)
__________
(1) أَيْ : الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَة عَامّ الْفَتْح ، أَوْ الْمُرَاد مُسْلِمَة الْفَتْح ، أَوْ أُطْلِقَ عَلَى مَنْ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَة بَعْد فَتْح مَكَّة مُهَاجِرًا صُورَة , وَإِنْ كَانَت الْهِجْرَة قَدْ اِرْتَفَعَتْ بَعْد الْفَتْح حُكْمًا ، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح " ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَكَّة بَعْد الْفَتْح صَارَتْ دَار إِسْلَام ، فَاَلَّذِي يُهَاجِر مِنْهَا لِلْمَدِينَةِ إِنَّمَا يُهَاجِر لِطَلَبِ الْعِلْم أَوْ الْجِهَاد , لَا لِلْفِرَارِ بِدِينِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْل الْفَتْح , وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اِحْتِرَازًا مِنْ مَشْيَخَة قُرَيْش , مِمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّة وَلَمْ يُهَاجِر أَصْلًا .( فتح ) - (ج 16 / ص 251)
(2) أَيْ : مُسَافِر رَاكِب عَلَى ظَهْر الرَّاحِلَة ، رَاجِع إِلَى وَطَنِي ، فَأَصْبَحُوا عَلَيْهِ ، وَتَأَهَّبُوا لَهُ ..شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 370)(4/49)
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ؟ , فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ(1)نَعَمْ , نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ(2)إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ , أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ , وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ(3)؟
__________
(1) أَيْ : لَوْ قَالَهَا غَيْرك لَمْ أَتَعَجَّب مَعَهُ ، وَإِنَّمَا أَتَعَجَّب مِنْ قَوْلك أَنْتَ ذَلِكَ مَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْم وَالْفَضْل . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 370)
(2) العُدْوَتَانِ ) : تَثْنِيَة عُدْوَة ، وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع مِنْ الْوَادِي ، وَهُوَ شَاطِئُهُ .
(3) ذَكَرَ لَهُ عُمَر دَلِيلًا وَاضِحًا مِنْ الْقِيَاس الْجَلِيّ الَّذِي لَا شَكّ فِي صِحَّته ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اِعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ الرُّجُوع يَرُدّ الْمَقْدُور ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمْر بِالِاحْتِيَاطِ وَالْحَزْم وَمُجَانَبَة أَسْبَاب الْهَلَاك , كَمَا أَمَرَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِالتَّحَصُّنِ مِنْ سِلَاح الْعَدُوّ ، وَتَجَنُّب الْمَهَالِك ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ وَاقِعٌ فَبِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَرَهُ السَّابِق فِي عِلْمه ، وَقَاسَ عُمَر عَلَى رَعْي الْعُدْوَتَيْنِ لِكَوْنِهِ وَاضِحًا لَا يُنَازِع فِيهِ أَحَد مَعَ مُسَاوَاته لِمَسْأَلَةِ النِّزَاع , فمَقْصُود عُمَر أَنَّ النَّاس رَعِيَّة لِي اِسْتَرْعَانِيهَا اللَّه تَعَالَى ، فَيَجِب عَلِيّ الِاحْتِيَاط لَهَا ، فَإِنْ تَرَكْت الاحتياط نُسِبْتُ إِلَى الْعَجْز , وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَة ..شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 370)(4/50)
, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ(1)بِأَرْضٍ فلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ , وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَحَمِدَ عُمَرُ اللَّهَ ثُمَّ انْصَرَفَ . (2)
( حم ) , وَعَنْ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : الطاعون .
(2) خ ) 5729 , ( م ) 2219(4/51)
شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا خَمْسَةُ أُمَرَاءَ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ , وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ , وَابْنُ حَسَنَةَ , وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَعِيَاضٌ - رضي الله عنهم - , وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - : إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ , قَالَ : فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ , وَاسْتَمْدَدْنَاهُ(1))(2)(
__________
(1) أَيْ : طلبنا منه المدد .
(2) حم ) 344 , ( حب ) 4766 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1428 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط في ( حم ) : إسناده حسن ..(4/52)
وَذَكَرْنَا لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا نَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ , فَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ : أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا , وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ , وَإنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا , وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(1))(2)( وَإِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونِي , وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ جُنْدًا اللَّهُ - عز وجل - , فَاسْتَنْصِرُوهُ , فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ , فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ وَلَا تُرَاجِعُونِي , قَالَ : فَقَاتَلْنَاهُمْ فَهَزَمْنَاهُمْ , وَقَتَلْنَاهُمْ أَرْبَعَ فَرَاسِخَ(3)وَأَصَبْنَا أَمْوَالًا , فَتَشَاوَرُوا , فَأَشَارَ عَلَيْنَا عِيَاضٌ أَنْ نُعْطِيَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشْرَةً , ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : مَنْ يُرَاهِنِّي ؟ , فَقَالَ شَابٌّ : أَنَا إِنْ لَمْ تَغْضَبْ قَالَ : فَسَبَقَهُ , فَرَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ(4)
__________
(1) آل عمران/200]
(2) مالك ) 1290
(3) ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ الْفَرْسَخ فَارِسِيّ مُعَرَّب ، وَهُوَ ثَلَاثَة أَمْيَال ، وَقَالَ النَّوَوِيّ : الْمِيل سِتَّة آلَاف ذِرَاع , وَالذِّرَاع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَة مُعْتَدِلَة , وَالْإِصْبَع سِتّ شَعِيرَات مُعْتَرِضَة مُعْتَدِلَة , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْأَشْهَر . ( فتح ) - (ج 4 / ص 53)
(4) العَقيصَة : الضفيرة ..(4/53)
أَبِي عُبَيْدَةَ تَنْقُزَانِ وَهُوَ خَلْفَهُ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ )(1).
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ , فِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ ؟ , أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ(2)وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ ؟ , قَالَ : " لَا , بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ " , قَالَ : فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ , قَالَ : " اعْمَلُوا , فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ "(3)
( م جة ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 344 , ( حب ) 4766
(2) قَالَ الْعُلَمَاء : كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَلَوْحه وَقَلَمه وَالصُّحُف الْمَذْكُورَة فِي الْأَحَادِيث , كُلّ ذَلِكَ مِمَّا يَجِب الْإِيمَان بِهِ , وَأَمَّا كَيْفِيَّة ذَلِكَ وَصِفَته فَعِلْمهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إِلَّا بِمَا شَاءَ } وَاللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 496)
(3) م ) 2648 , ( جة ) 91(4/54)
" الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ(1)وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ(2)احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ(3)وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ(4)
__________
(1) الْمُرَاد بِالْقُوَّةِ هُنَا عَزِيمَة النَّفْس , وَالْقَرِيحَة فِي أُمُور الْآخِرَة ، فَيَكُون صَاحِب هَذَا الْوَصْف أَكْثَر إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوّ فِي الْجِهَاد ، وَأَسْرَع خُرُوجًا إِلَيْهِ وَذَهَابًا فِي طَلَبه ، وَأَشَدُّ عَزِيمَة فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ، وَالصَّبْر عَلَى الْأَذَى فِي كُلّ ذَلِكَ ، وَاحْتِمَال الْمَشَاقّ فِي ذَات اللَّه تَعَالَى ، وَأَرْغَب فِي الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْأَذْكَار وَسَائِر الْعِبَادَات ، وَأَنْشَط طَلَبًا لَهَا وَمُحَافَظَة عَلَيْهَا ، وَنَحْو ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 19)
(2) أَيْ : فِي كُلّ مِنْ الْقَوِيّ وَالضَّعِيف خَيْر لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِيمَان ، مَعَ مَا يَأْتِي بِهِ الضَّعِيف مِنْ الْعِبَادَات . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 19)
(3) اِحْرِصْ عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده ، وَاطْلُبْ الْإِعَانَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 19)
(4) أَيْ : لَا تَعْجَز وَلَا تَكْسَل عَنْ طَلَب الطَّاعَة ، وَلَا عَنْ طَلَب الْإِعَانَة . (.النووي - ج 9 / ص 19)(4/55)
وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ(1)
__________
(1) قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : هَذَا النَّهْي إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَالَهُ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حَتْمًا ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْهُ قَطْعًا ، فَأَمَّا مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ لَنْ يُصِيبهُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الْغَار : ( لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ رَفَعَ رَأْسه لَرَآنَا ) , وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ مُسْتَقْبَل ، وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَى لِرَدِّ قَدَرٍ بَعْد وُقُوعه , وَكَذَا حَدِيثِ ( لَوْلَا حِدْثَان عَهْد قَوْمك بِالْكُفْرِ لَأَتْمَمْت الْبَيْت عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم , وَلَوْ كُنْت رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَة لَرَجَمْت هَذِهِ , وَلَوْلَا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ ) وَشِبْه ذَلِكَ ، فَكُلّه مُسْتَقْبَل لَا اِعْتِرَاض فِيهِ عَلَى قَدَر ، فَلَا كَرَاهَة فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ اِعْتِقَاده فِيمَا كَانَ يَفْعَل لَوْلَا الْمَانِع ، وَعَمَّا هُوَ فِي قُدْرَته ، فَأَمَّا مَا ذَهَبَ فَلَيْسَ فِي قُدْرَته , فَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ النَّهْي عَلَى ظَاهِره وَعُمُومه ؛ لَكِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيه ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِنَّ لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان ) أَيْ : يُلْقِي فِي الْقَلْب مُعَارَضَة الْقَدَر ، وَيُوَسْوِس بِهِ الشَّيْطَان , وَقَدْ جَاءَ مِنْ اِسْتِعْمَال ( لَوْ ) فِي الْمَاضِي , كقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي ) , وَغَيْر ذَلِكَ , فَالظَّاهِر أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ إِطْلَاق ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ ، فَيَكُون نَهْي تَنْزِيه لَا تَحْرِيم , فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى ، أَوْ مَا هُوَ مُتَعَذَّر عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَنَحْو هَذَا ، فَلَا بَأْس بِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل أَكْثَر الِاسْتِعْمَال الْمَوْجُود فِي الْأَحَادِيث . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 19)(4/56)
"(1)
عَدَمُ مُنَافَاةِ اَلتَّدَاوِي لِلتَّوَكُّل
( خ م ) , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( الطَّاعُونُ رِجْزٌ(2)أَوْ عَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ )(3)( مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ(4))(5)( ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى )(6)( فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فلَا تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا )(7)"
( خم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 2664 , ( جة ) 79
(2) أَيْ : عَذَابٍ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 128)
(3) خ ) 6573
(4) هُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا فَخَالَفُوا ، قَالَ تَعَالَى { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ } قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : فَأُرْسِلَ عَلَيْهِمْ الطَّاعُونُ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ شُيُوخِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 128)
(5) م ) 2218
(6) خ ) 6573
(7) خ ) 5396(4/57)
" لَا عَدْوَى(1)وَلَا طِيَرَةَ(2)
__________
(1) الْعَدْوَى هُنَا مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إِلَى غَيْرِهِ ، يُقَالُ : أَعْدَى فُلَانٌ فُلَانًا ، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُتَطَبِّبَةُ فِي عِلَلٍ سَبْعٍ : الْجُذَامِ وَالْجَرَبِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ وَالْبَخْرِ وَالرَّمَدِ وَالْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّأْوِيلِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْقَرَائِنُ الْمَسُوقَةُ عَلَى الْعَدْوَى وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَهَا ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ " , وَقَالَ : " لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ " ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعِلَلَ الْمُعْدِيَةَ مُؤَثِّرَةً لَا مَحَالَةَ ، فَأَعْلَمَهُمْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُونَ ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 288)
(2) الطِّيرَة وَالشُّؤْم بِمَعْنَى وَاحِدٍ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 484)(4/58)
وَلَا صَفَرَ(1)وَلَا هَامَةَ(2)
__________
(1) الصَّفَرَ ) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ : هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ , قَالَ الْحَافِظُ : كَذَا جَزَمَ بِتَفْسِيرِ الصَّفَرِ , وَقال أَبُو عُبَيْدَةَ : هِيَ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الْمَاشِيَةَ وَالنَّاسَ , وَهِيَ أَعْدَى مِنْ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ ، فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الصَّفَرِ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِ مِنْ الْعَدْوَى , وَرَجَحَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْقَوْلُ لِكَوْنِهِ قُرِنَ فِي الْحَدِيثِ بِالْعَدْوَى ، فَرَدَّ ذَلِكَ الشَّارِعُ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا فَرَغَ الْأَجَلُ , وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ قَوْلٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَهْرُ صَفَرَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُ صَفَرَ وَتَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَ ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِرَدِّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : ( لَا صَفَرَ ) . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 432)
(2) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : الْهَامَةُ الرَّأْسُ , وَاسْمُ طَائِرٍ , وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا , وَهِيَ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ , وَقِيلَ : هِيَ الْبُومَةُ , وَقِيلَ : كَانَتْ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَقُولُ : اِسْقُونِي , فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ , وَقِيلَ : كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ - وَقِيلَ : رُوحُهُ - تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَيُسَمُّونَهُ الصَّدَى ، فَنَفَاهُ الْإِسْلَامُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 431)(4/59)
وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ(1)فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ "(2)
( م جة ) , وَعَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ , " فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)( أَنْ ارْجِعْ فَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ(4))(5)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الْجُذَام ) : عِلَّة رَدِيئَة تَحْدُث مِنْ اِنْتِشَار الْمِرَّة السَّوْدَاء فِي الْبَدَن كُلّه , فَتُفْسِد مِزَاج الْأَعْضَاء ، وَرُبَّمَا أَفْسَدَ فِي آخِره إِيصَالهَا حَتَّى يَتَآكَّل , قَالَ اِبْن سِيدَهْ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَجَذُّمِ الْأَصَابِع وَتَقَطُّعهَا . ( فتح ) - (ج 16 / ص 225)
(2) خم ) 5380 , ( حم ) 9720 , انظر صحيح الجامع : 7530 ، الصَّحِيحَة : 783
(3) م ) 2231 , ( س ) 4182
(4) قال الألباني في الصَّحِيحَة : 1968: وفي الحديث إثبات العدوى والاحتراز منها , فلا منافاة بينه وبين حديث : ( لَا عدوى ) , لأن المراد به نفي ما كانت الجاهلية تعتقده أن العاهة تعدي بطبعها لَا بفعل الله تعالى وقدره , فهذا هو المنفي , ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله ومشيئته , وهذا ما أثبته حديث الترجمة , وأرشد فيه إلى الابتعاد عما قد يحصل الضرر منه بقدر الله وفعله . أ . هـ
(5) جة ) 3544 , ( م ) 2231(4/60)
" لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ(1)"(2)
( جة ) , وَعَنْ أَبِي خِزَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الْمُمْرِض : صَاحِب الْإِبِل الْمِرَاض ، وَالْمُصِحّ : صَاحِب الْإِبِل الصِّحَاح ، فَمَعْنَى الْحَدِيث : لَا يُورِد صَاحِب الْإِبِل الْمِرَاض إِبِله عَلَى إِبِل صَاحِب الْإِبِل الصِّحَاح ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهَا الْمَرَض بِفِعْلِ اللَّه تَعَالَى وَقَدَره الَّذِي أَجْرَى بِهِ الْعَادَة ، لَا بِطَبْعِهَا ، فَيَحْصُل لِصَاحِبِهَا ضَرَرٌ بِمَرَضِهَا . ( النووي - ج 7 / ص 373)
(2) خ ) ( 5437 ) , ( م ) ( 2221 )(4/61)
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ(1)أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا , وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا(2)وَتُقًى نَتَّقِيهَا(3)هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟ , قَالَ : " هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ(4)
__________
(1) أَيْ : أَخْبِرْنِي عَنْ .
(2) الرُّقَى : جَمْعُ رُقْيَةٍ , وَهِيَ مَا يُقْرَأُ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ , وَالِاسْتِرْقَاءُ : طَلَبُ الرُّقْيَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 437)
(3) أَيْ : نَلْتَجِئُ بِهَا أَوْ نَحْذَرُ بِسَبَبِهَا ، وَهِيَ اِسْمُ مَا يَلْتَجِئُ بِهِ النَّاسُ مِنْ خَوْفِ الْأَعْدَاءِ كَالتُّرْسِ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 437)
(4) أَيْ : كَمَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الدَّاءَ , قَدَّرَ زَوَالَهُ بِالدَّوَاءِ ، فَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا قَدَّرَهُ , قَالَ فِي النِّهَايَةِ : جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ : ( اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ ) ..أَيْ : اُطْلُبُوا لَهَا مَنْ يَرْقِيهَا وَفِي بَعْضِهَا النَّهْيُ عَنْهَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَابِ التَّوَكُّلِ : ( الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ ؟ ) وَالْأَحَادِيثُ فِي الْقِسْمَيْنِ كَثِيرَةٌ , وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الرُّقْيَةِ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ ، أَوْ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَمَا يُعْتَقَدُ مِنْهَا أَنَّهَا نَافِعَةٌ لَا مَحَالَةَ فَيَتَّكِلُ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ , وَمَا كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَالتَّعَوُّذِ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرُّقَى الْمَرْوِيَّةِ فَلَيْسَتْ بِمَنْهِيَّةٍ , وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي رَقَى بِالْقُرْآنِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا : ( مَنْ أَخَذَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَخَذْت بِرُقْيَةِ حَقٍّ ) , وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ( لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ ) ، فَمَعْنَاهُ لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعَ مِنْهُمَا . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 437)(4/62)
"(1)
( طب ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , يَنْفَعُ الدَّوَاءُ مِنَ الْقَدَرِ ؟ , قَالَ : " الدَّوَاءُ مِنَ الْقَدَرِ , وَقَدْ يَنْفَعُ بِإِذْنِ اللَّهِ "(2)
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ , فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ , بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ - عز وجل - (3)"(4)
( خ ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) جة ) 3437 , ( ت ) 2148 , حسنه الألباني في كتاب تخريج مشكلة الفقر : 11 ، وصحيح موارد الظمآن : 1171 ، والحديث ضعيف في مصادره .
(2) طب ) 12784 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3415 , , 3416 , وحسنه الألباني في كتاب تخريج مشكلة الفقر : 11
(3) كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ بِآخِرِ كَلَامه عَلَى مَا قَدْ يُعَارَض بِهِ أَوَّله ، فَيُقَال قُلْتَ : لِكُلِّ دَاء دَوَاء ، وَنَحْنُ نَجِد كَثِيرِينَ مِنْ الْمَرْضَى يُدَاوُونَ فَلَا يَبْرَءُونَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا ذَلِكَ لِفَقْدِ الْعِلْم بِحَقِيقَةِ الْمُدَاوَاة ، لَا لِفَقْدِ الدَّوَاء ، وَهَذَا وَاضِح ، يَقُول بُقْرَاط : الْأَشْيَاء تُدَاوَى بِأَضْدَادِهَا ، وَلَكِنْ قَدْ يَدِقّ وَيَغْمُض حَقِيقَة الْمَرَض ، وَحَقِيقَة طَبْع الدَّوَاء ، فَيَقِلّ الثِّقَة بِالْمُضَادَّةِ ، وَمِنْ هَاهُنَا يَقَع الْخَطَأ مِنْ الطَّبِيب فَقَطْ ، فَقَدْ يَظُنّ الْعِلَّة عَنْ مَادَّة حَارَّة فَيَكُون عَنْ غَيْر مَادَّة ، أَوْ عَنْ مَادَّة بَارِدَة أَوْ عَنْ مَادَّة حَارَّة دُون الْحَرَارَة الَّتِي ظَنَّهَا ، فَلَا يَحْصُل الشِّفَاء شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 344)
(4) م ) 2204 , ( حم ) 14637(4/63)
" مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً "(1)
( حم ) , وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ :
" عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا بِهِ جُرْحٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ادْعُوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي فُلَانٍ " فَدَعَوْهُ فَجَاءَ , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا ؟ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ , وَهَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً ؟ "(2)
( ابن الحمامي الصوفي في منتخب من مسموعاته ) , وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" عادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مريضا فقال : " أَلَا تدعو له طبيبا ؟ " , قالوا : يا رسولَ اللَّهِ وأنت تأمرنا بهذا ؟ ، فقال : " إن اللَّهَ - عز وجل - لم ينزل داء إِلَّا أنزل معه دواء "(3)
( ت جة حم ) , وَعَنْ أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ الْعَامِرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( شَهِدْتُ الْأَعْرَابَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(4)( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى ؟ , فَقَالَ : " نَعَمْ )(5)( تَدَاوُوْا عِبَادَ اللَّهِ )(6)( فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً )(7)( إِلَّا دَاءً وَاحِدًا " , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ ؟ , قَالَ : " الْهَرَمُ )(8)"
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 5354 , ( جة ) الطب ( 3438)
(2) حم ) 23204 , انظر الصَّحِيحَة : 517
(3) الصَّحِيحَة : 2873
(4) جة ) 3436
(5) ت ) 2038
(6) جة ) 3436
(7) حم ) 18479 , ( ت ) 2038
(8) ت ) 2038 , ( د ) 3855(4/64)
" مَا أَنْزَلَ اللَّه دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً , عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ , وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ , إِلَّا السَّامَ وَهُوَ الْمَوْتُ "(1)
الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّه
( م حم ) , عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ )(2)( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ )(3)( وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ , إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ )(4)( حَمِدَ رَبَّهُ وَشَكَرَ )(5)( فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ )(6)( وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ رَبَّهُ وَصَبَرَ )(7)( فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ )(8)( الْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ , حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي(9)امْرَأَتِهِ )(10)"
( حم ) , وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 3922 , ( حب ) 6062 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1809 ، الصَّحِيحَة : 452
(2) م ) 2999
(3) حم ) 12929 , 20298 , ( م ) 2999
(4) م ) 2999
(5) حم ) 1487 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(6) م ) 2999
(7) حم ) 1487
(8) م ) 2999
(9) أَيْ : فم .
(10) حم ) 1487(4/65)
بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقٌ بِهِ ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ " ، قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ إِطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَلِينُ الْكَلَامِ ، وَالسَّمَاحَةُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ " , قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَتَّهِمِ اللَّهَ فِي شَيْءٍ قَضَاهُ عَلَيْكَ "(1)
مَا يَرُدُّ الْقَضَاء
( ت ) , وَعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 22769 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1307(4/66)
" لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ(1)
__________
(1) الْقَضَاءُ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَدَّرُ , وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ مَا يَخَافُهُ الْعَبْدُ مِنْ نُزُولِ الْمَكْرُوهِ بِهِ وَيَتَوَقَّاهُ , فَإِذَا وُفِّقَ لِلدُّعَاءِ دَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُ , فَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ عَلَى حَسَبِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُتَوَقَّى عَنْهُ ، يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرُّقَى : " هُوَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ " , وَقَدْ أَمَرَ بِالتَّدَاوِي وَالدُّعَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَقْدُورَ كَائِنٌ لِخَفَائِهِ عَلَى النَّاسِ وُجُودًا وَعَدَمًا , وإِنْ أَرَادَ بِرَدِّ الْقَضَاءِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَتَهُ تَهْوِينَهُ وَتَيْسِيرَ الْأَمْرِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ ، يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ , وَقِيلَ : الدُّعَاءُ كَالتُّرْسِ , وَالْبَلَاءُ كَالسَّهْمِ , وَالْقَضَاءُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 427)(4/67)
وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ(1)
__________
(1) الْبِرُّ ) الْإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ , قِيلَ : يُزَادُ حَقِيقَةً , قَالَ تَعَالَى : { وَمَا يَعْمُرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ } وَقَالَ : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّهُ لَا يَطُولُ عُمُرُ الْإِنْسَانِ وَلَا يَقْصُرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ , وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ : إِنْ لَمْ يَحُجَّ فُلَانٌ أَوْ يَغْزُ فَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَإِنْ حَجَّ وَغَزَا فَعُمُره سِتُّونَ سَنَةً ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَبَلَغَ السِّتِّينَ فَقَدْ عَمَّرَ ، وَإِذَا أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ الْأَرْبَعِينَ , فَقَدْ نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ السِّتُّونَ , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّهُ إِذَا بَرَّ لَا يَضِيعُ عُمُرُهُ فَكَأَنَّهُ زَادَ , وَقِيلَ : قَدَّرَ أَعْمَالَ الْبِرِّ سَبَبًا لِطُولِ الْعُمُرِ , كَمَا قَدَّرَ الدُّعَاءَ سَبَبًا لِرَدِّ الْبَلَاءِ , فَالدُّعَاءُ لِلْوَالِدَيْنِ وَبَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَارَكُ لَهُ فِي عُمُرِهِ , فَيُيَسِّرُ لَهُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَالزِّيَادَةُ مَجَازِيَّةٌ , لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْآجَالِ الزِّيَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ , وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ الْمُعَلَّقَ يَتَغَيَّرُ ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَلَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ ..تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 427)(4/68)
"(1)
( ت ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ(2)وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ(3)فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ "(4)
__________
(1) ت ) 2139 , ( جة ) 4022 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7687 , الصَّحِيحَة : 154 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1638
(2) أَيْ : يَنْفَعُ مِنْ بَلَاءٍ نَزَلَ بِالرَّفْعِ إِنْ كَانَ مُعَلَّقًا , وَبِالصَّبْرِ إِنْ كَانَ مُحْكَمًا , فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ مَا نَزَلَ بِهِ , فَيُصَبِّرُهُ عَلَيْهِ أَوْ يُرْضِيهِ بِهِ , حَتَّى لَا يَكُونَ فِي نُزُولِهِ مُتَمَنِّيًا خِلَافَ مَا كَانَ , بَلْ يَتَلَذَّذُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَلَذَّذُ أَهْلُ الدُّنْيَا بِالنَّعْمَاءِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 445)
(3) أَيْ : بِأَنْ يَصْرِفَهُ عَنْهُ وَيَدْفَعَهُ مِنْهُ , أَوْ يَمُدَّهُ قَبْلَ النُّزُولِ بِتَأْيِيدِ مَنْ يَخِفُّ مَعَهُ أَعْبَاءُ ذَلِكَ إِذَا نَزَلَ بِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 445)
(4) ت ) 3548 , ( حم ) 22097 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3409 , صحيح الترغيب والترهيب : 1634(4/69)