{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم }
( خ م ) , عَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ "(1)
قَالَ النَّوَوِيّ : وَأَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَة , فَقَالَ الْبُخَارِيّ هُمْ أَهْل الْعِلْم .
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل الْحَدِيث فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ .
وقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّة وَالْجَمَاعَة وَمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب أَهْل الْحَدِيث ,
قَالَ النَّوَوِيّ : وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَة مُتَفَرِّقَة بَيْن أَنْوَاع الْمُؤْمِنِينَ , مِنْهُمْ شُجْعَان مُقَاتِلُونَ ، وَمِنْهُمْ فُقَهَاء ، وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ ، وَمِنْهُمْ زُهَّاد وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر ، وَمِنْهُمْ أَهْل أَنْوَاع أُخْرَى مِنْ الْخَيْر ، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ , بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَار الْأَرْض . عون المعبود - (ج 5 / ص 372)
وقال الألباني في الصَّحِيحَة تحت حديث 270 : وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث ، ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي :
أولا : أن أهل الحديث هم بحكم اختصاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطُرُقِه أعلمُ الناس قاطبة بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وهدْيه وأخلاقه وغزواته وما يتصل به - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) خ ) 6881 , ( م ) 1921(1/1)
ثانيا : أن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الأول ، ولكل مذهب أصوله وفروعه ، وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها , وأن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه ، دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى وينظر , لعله يجد فيها من الأحاديث ما لَا يجده في مذهبه الذي قلده ، فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السُّنَّة والأحاديث ما لَا يوجد في المذهب الآخر , فالمتمسك بالمذهب الواحد يضِل ولابد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الأخرى ، وليس على هذا أهل الحديث , فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده في أي مذهب كان ، ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة ، حتى لو كان شيعيا أو قدريا أو خارجيا فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك ، وقد صرح بهذا الإمام الشافعي - رضي الله عنه - حين خاطب الإمام أحمد بقوله : " أنتم أعلم بالحديث مني ، فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبروني به حتى أذهب إليه , سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا " , فأهل الحديث - حشرنا الله معهم - لَا يتعصبون لقول شخص مُعَيَّن مهما علا وسما حاشا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بخلاف غيرهم ممن لَا ينتمي إلى الحديث والعمل به ، فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم - وقد نَهَوْهُم عن ذلك - كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم ! , فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بل والأمة الوسط ، الشهداء على الخلق , ويعجبني بهذا الصدد قول الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه " شرف أصحاب الحديث " انتصارا لهم وردا على من خالفهم : ولو أن صاحب الرأي المذموم اشتغل بما ينفعه من العلوم ، وطلب سنن رسول رب العالمين ، واقتفى آثار الفقهاء والمحدثين ، لوجد في ذلك ما يُغنيه عن سواه ، واكتفى بالأثر عن رأيه الذي يراه , لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد , وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد ، وصفات رب(1/2)
العالمين , والإخبار عن صفة الجنة والنار ، وما أعد الله فيها للمتقين والفجار ، وما خلق الله في الأرضين والسماوات , وصنوف العجائب وعظيم الآيات , وذكر الملائكة المقربين ، ونعت الصَّافِّين والمسبحين , وفي الحديث قصص الأنبياء وأخبار الزهاد والأولياء , ومواعظ البلغاء ، وكلام الفقهاء ، وسِيَرُ ملوك العرب والعجم ، وأقاصيص المتقدمين من الأمم وشرح مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه ، وجُمَل أحكامه وقضاياه ، وخطبه وعِظاته ، وأعلامه ومعجزاته ، وعِدَّة أزواجه وأولاده ، وأصهاره وأصحابه ، وذكر فضائلهم ومآثرهم ، وشرح أخبارهم ومناقبهم ، ومبلغ أعمارهم ، وبيان أنسابهم , وفيه تفسير القرآن العظيم ، وما فيه من النبأ والذكر الحكيم ، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم ، وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم من الأئمة الخالفين ، والفقهاء المجتهدين , وقد جعل الله أهل الحديث أركان الشريعة ، وهدم بهم كل بدعة شنيعة ، فهم أمناء الله في خليقته ، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، والمجتهدون في حفظ ملته ، أنوارهم زاهرة ، وفضائلهم سائرة ، وآياتهم باهرة ، ومذاهبهم ظاهرة ، وحججهم قاهرة , وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه ، وتستحسن رأيا تعكف عليه ، سوى أصحاب الحديث ، فإن الكتابَ عُدَّتهم ، والسنةَ حجتُهم ، والرسولَ فئتُهم ، وإليه نِسْبَتُهم ، لَا يُعَرِّجون على الأهواء ، ولا يلتفتون إلى الآراء , يُقْبَل منهم ما رووا عن الرسول ، وهم المأمونون عليه العدول , حَفَظَةُ الدين وخزنته ، وأوعية العلم وحملته ، إذا اختُلِف في حديث كان إليهم الرجوع ، فما حكموا به فهو المقبول المسموع , منهم كل عالم فقيه ، وإمام رفيع نِبِيهٍ ، وزاهد في قبيلة ومخصوص بفضيلة ، وقارىءٌ متقن ، وخطيبٌ محسن , وهم الجمهور العظيم , وسبيلهم السبيل المستقيم ، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر ، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لَا يتجاسر ،(1/3)
من كادهم قصمهم الله ، ومن عاندهم خذله الله ، لَا يضرهم من خذلهم ، ولا يُفلح من اعتزلهم ، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير ، وبَصَر الناظر بالسوء إليهم حسير ، وإن الله على نصرهم لقدير , ثم ساق الخطيب الحديث عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ " , قَالَ عَلِيُّ بن المديني : هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ , والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ، ويَذُبُّون عن العلم لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن ,
قال الخطيب : وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها ، والله تعالى يَذُبُّ بأصحاب الحديث عنها ، فهم الحفاظ لأركانها ، والقَوَّامُون بأمرها وشأنها ، إذا صُدِف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون ، أولئك حزب الله أَلَا إن حزب الله هم المفلحون .
ثم قال الألباني : وأختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في الهند ، أَلَا وهو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي ( 1264 - 1304 ) قال رحمه الله : ومن نظر بنظر الإنصاف ، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنبا الاعتساف ، يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها ، فمذهب المُحَدِّثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم ، وإني كلما أسير في شِعب الاختلاف أجد قول المُحَدِّثين فيه قريبا من الإنصاف ، فلله درهم ، وعليه شكرهم , كيف لَا وَهُم وَرَثَةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حقا ، ونُوَّابُ شرعه صدقا ، حَشَرَنا الله في زُمرتهم ، وأماتنا على حُبِّهم وسيرتهم . أ . هـ
مُقَدِّمَة
الحمد لِلَّهِ رب العالمين , والصلاة والسلام على رسولِ اللَّه خاتم الأنبياء والمرسلين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , وبعد :(1/4)
بدَأَتْ فكرةُ تأليف هذا الكتاب عندما كنت أقرأ كتاب المغني لابن قدامة المقدسي - وهو كتاب في الفقه المقارن - فلفت انتباهي كثرة الخلاف بين العلماء في المسائل الفقهية , فلا تكاد تجد في المغني مسألة اتفق عليها الفقهاء الأربعة فضلا عن غيرهم , لكن المؤلف - ابن قدامة رحمه اللَّه - كثيرا ما يُرَجِّح بين الأقوال بالاستدلال بالحديث , فيحتج بالحديث ويعتمد عليه في الحكم على المسألة , وقد يتعجب من يقرأ في كتاب المغني من فتاوى بعض كبار الفقهاء , حيث أن الحكم في المسألة قد يكون واضحا وضوح الشمس لوجود حديث صريح صحيح يدل على هذا الحكم , ومع ذلك تجد كثيرا من الفقهاء لَا يعلم بهذا الحديث , فيفتي برأيه في المسألة , ويتناقل تلاميذه فتاوى شيخهم عبر العصور , وحين يأتي من يخبرهم بخطأ شيخهم في هذه المسألة , فإنهم يتعصبون لمذهبه ويرفضون الأخذ بالحديث , والنتيجة المؤسفة لهذه المشكلة هي أنه كلما كثر العلماء في العالم الإسلامي كلما ازداد المسلمون فُرْقة وتَشَتُّتًا..فقلت في نفسي : بِما أن الحديث هو الفيصلُ في الحكم على كثير من مسائل الفقه وغيره , فلماذا لَا أقرأُ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أقرأ كتب العلماء في الفقه , فأعرف الخطأ من الصواب من الآراء المختلفة بناءً على موقف الحديث منها !؟ فبدأت أقرأ في البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة , فلفت انتباهي في هذه الكتب أمور :
أولها : أن هذه الكتب - ما عدا الصحيحين - فيها الصحيح والضعيف والموضوع , يعني ليس كل ما فيها يمكننا الاعتماد عليه في الاستدلال على الأحكام , فلا بد من فرز الصحيح عن الضعيف .
وثانيها : أن هذه الكتب فيها كثير من الأحاديث المُكَرَّرَة التي تُمِلُّ القارئ المبتدئ , وإن كان الفقيه المُتَبحِّر يعلم أن في كثير من هذه الروايات زيادات هامة قد يستنبط منها كثيرا من الأحكام .(1/5)
ثالثها : أن هذه الكتب فيها كثير من الأحاديث المتضادة في المعنى(1).
رابعها : أن هذه الكتب ليست كلها مؤلفة بطريقة يَسْهُل مطالعتها , ففيها السنن والمسانيد والمعاجم
فقلت في نفسي : لماذا لَا تكون السنة الصحيحة مجتمعة في كتاب واحد - كما هو الحال بالنسبة للقرآن - بحيث يكون هذا الكتاب محذوف المُكَرَّر , صحيح الأحاديث , مُبَيِّنًا للناسخ من المنسوخ , مُرَتَّبا على الأبواب الموضوعية ؟ , ومن هنا قررت أن أجمع ( ما صح ) من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب واحد , وأن أجمع روايات كل حديث ليصبح رواية واحدة , وأُرَتِّب هذه الأحاديث على الأبواب الموضوعية ترتيبا مُمَيزاً , وبعد ذلك أبدأ بدراسة الفقه - إن شاء اللَّه - فأنظر في المسألة , فإن كان فيها دليل أخذنا بالدليل , وإن لم يكن فيها إِلَّا آراء العلماء , فكلٌّ يأخذ برأي شيخه , فالاجتهاد لَا يُنقضُ بالاجتهاد , أمَّا أن يبدأ الطالب بدراسة كتب شيوخه مهمِلًا سنةَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - ,
__________
(1) بسبب وجود روايات إما ضعيفة أو شاذة أو مقلوبة .ع(1/6)
فهذا ينطبق عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بِقِطْعَةٍ مِنَ التَّوْرَاة , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمُتَهَوِّكُونَ(1)فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ , لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ , وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي , أَنَا حَظُّكُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ , وَأَنْتُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ "(2)ومما يجدر ذكره أنه لولا عون اللَّه سبحانه ثم ما يسَّرَهُ اللَّهُ لي من البرامج الإسلامية التي تختص بعلم الحديث درايةً وروايةً , كبرنامج مكتبة الألباني ( لمجرد إنسان ) ,
والموسوعة الذهبية الإصدار الثاني ( للتراث ) , وموسوعة الحديث الشريف ( صخر ) ,
والموسوعة الشاملة , وجامع الفقه الإسلامي , وملتقى أهل الحديث .
فلولا جُهد هؤلاء الناس ما كان بإمكاني أقوم بهذا العمل ..فهو عمل لَا بُدَّ فيه من تَكاتُفِ الجُهود .
مِثَالٌ يُرِيكَ أَهَمِّيَّة جَمْعِ الْحَدِيث
__________
(1) متهوكون : متحيرون .
(2) حسنه الألباني في الإرواء : 1589 , وصَحِيح الْجَامِع: 5308 , الصَّحِيحَة : 3207(1/7)
قال الألباني في السلسلة الصحيحة (ج 13 / ص82 \ح 3279) ( إنَّ ملكَ الموتِ كان يأتي الناسَ عياناً ، حتّى أتى ) موسى عليه السلام ، فقال له : أجب ربَّك ، قال : فلطَم موسى عليه السلام عينَ مَلكِ الموتِ ففَقأها ، فرجعَ الملكُ إلى اللهِ تعالى ، فقالَ : ( يا ربِّ ) إنَّك أرسلتني إلى عبدٍ لكَ لا يريدُ الموتَ ، وقد فقأ عيني ، ( ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه ) قال : فردَّ اللهُ إليه عينه ، وقال : ارجع إلى عبدِي فقُل : الحياة تريدُ ؟ , فإن كنت تريدُ الحياةَ ؛ فضع يدَك على متنِ ثورٍ ، فما توارت يدُك من شعرة فإنّك تعيشُ بها سنةً ، قال :( أي ربِّ ) ثمَّ مَه ؟ , قالَ : ثم تموتُ ، قال : فالآن من قريبٍ ، ربِّ أمتني من الأرضِ المقدّسةِ رميةً بحجرٍ ( قال : فشمَّه شمّةً فقبض روحَه ، قال : فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله لو أني عنده لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق عند ( وفي رواية : تحت ) الكثيبِ الأحمرِ ) .
ثم قال الألباني : هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي أخرجها الشيخان من طرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وتلقته الأمة بالقبول ، وقد جمعتُ ألفاظها والزيادات التي وقعت فيها ، وسقتها لك سياقاً واحداً كما ترى ؛ لتأخذ القصة كاملة بجميع فوائدها المتفرقة في بطون مصادرها ،
الأمر الذي يساعدك على فهمها فهماً صحيحاً لا إشكال فيه ولا شبهة ، فَتُسَلِّمَ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليماً . أ . هـ
منهج العمل في هذا الكتاب
أولا : قمت بجمع أسماء الصحابة الذين وردت لهم رواية في برنامج الكتب التسعة لشركة صخر .
ثانيا : بعد جمع أسماء الصحابة عملت إحصائية لأكثر الصحابة رواية , فكانت النتيجة هي تقسيم الصحابة الرواة إلى ثلاث مجموعات : المكثرين , والمتوسطين , والمقلين ,(1/8)
ثالثا : بَدَأْتُ بأكثر الصحابة في المكثرين رواية - وهو أبو هريرة - رضي الله عنه - فرتبت أحاديثَه من الكتب التسعة , مبتدئا بأحاديثه في البخاري , فالحديث الأول لأبي هريرة في البخاري هو قوله - صلى الله عليه وسلم - :
" الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ " , فقمت بجمع طرق ( هذا الحديث ) من كل صحيح البخاري , ثم جَمَعْتُ طرق هذا الحديث من كل صحيح مسلم ..ثم من الترمذي ..ثم من النسائي.. ثم من أبي داود.. ثم من ابن ماجة.. ثم من مسند أحمد.. ثم من موطأ مالك.. ثم من سنن الدارمي , وهكذا فعلت في كل مسند أبي هريرة ..ثم فعلت ذلك في كل مسانيد الصحابة , حتى انتهيت من مسانيد المبهمين , ومسانيد التابعين , وبعد أن أنهيت هذا العمل أنزلته على شبكة الإنترنت في ( ملتقى أهل الحديث ) وسميته : المسند الجامع للكتب التسعة , ثم بعد ذلك سهل اللَّهُ سبحانه نَشْرَهُ أيضا على مكتبة المشكاة في الإنترنت .
رابعا : بعد أن اجتمعت لديَّ طُرُق الحديث الواحد , أصبح أمر جمع طرق الحديث في رواية واحدة أمرا أكثر يُسْرًا ..لكن بَقِيَت مشكلة واحدة , وهي أن هذه الطرق التي جمعتُها فيها الصحيح والضعيف , فكان لَا بد من تنقية هذه الطرق من الأحاديث الضعيفة الموضوعة والشاذة , فحذفت الروايات الضعيفة بكافة أنواعها من السنن الأربعة , مُسْتعينًا بِأحكام الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه اللَّه على السنن الأربعة , وكذلك حذفت الروايات الضعيفة من مسند أحمد , مُسْتعينًا بِأحكام الشيخ شعيب الأرناءوط على المسند .(1/9)
خامسا : بعد أن حذفنا الضعيف , بقي أن نجمع طرق الحديث الواحد في رواية واحدة , وكانت طريقتي تعتمد غالبا على اختيار متن واحد يكون أشمل من غيره , وأكثر وضوحا من غيره في معانيه ثم بعد ذلك أبدأ بمقارنة بقية المتون مع هذا المتن , وإضافة زيادات الرواة عليه , وحذف المكرر منها , حتى أنتهي من الحديث .(1/10)
سادسا : بعد أن أنهيت جمع طرق الحديث على المسانيد , بقي أن نجمع بين أحاديث الصحابة الذين رووا نفس الحديث .. خذ مثلا حديث حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحج بعدما هاجر إِلَّا حَجة واحدة وهي حجة الوداع , ومع ذلك فقد اختلف الرُّواةُ في إحرامه - صلى الله عليه وسلم - , فمنهم من قال : أحرم بعمرة , ومنهم من قال : أحرم بالحج مفردا , ومنهم من قال : بل قرن , واختلفوا كذلك في مكان إحرامه بالحج - صلى الله عليه وسلم - , فمنهم قال : أهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من مسجد ذي الحليفة بعدما سَلَّمَ من الركعتين , ومنهم من قال : بل أهَلَّ عندما استوت به ناقته , ومنهم من قال : بل أهَلَّ من البيداء , فكل صحابي روى حديثا عن حَجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا الحديث هو عبارة عن مجموعة من الأحاديث اجتمعت في النهاية في حديث واحد لهذا الصحابي , وبعد ذلك أخذنا رواية هذا الصحابي وقارنَّاها مع رواية غيره من الصحابة , فما اتفق معهم فيها , اكتفينا بذكر أحداهما , وما اختلف مع غيره فيها ذكرنا الروايتين بشكل مبسط وواضح , مثال ذلك : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ )(1)( فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا ، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا(2)
__________
(1) ت ) 2608 , ( خ ) 385
(2) أَيْ : كَمَا نُصَلِّي ، وَلَا تُوجَد إِلَّا مِنْ مُوَحِّد مُعْتَرِف بِنُبُوَّتِهِ ، وَمَنْ اِعْتَرَفَ بِهِ > اِعْتَرَفَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ ..عون المعبود - (ج 6 / ص 70)(1/11)
وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا ، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا(1)فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا(2))(3)( وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ )(4)( لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ(5)وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ(6))(7)" ,
ففي هذه الرواية مثلا ترى أن جملة : وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا تحتها خط , وهي تعني ببساطة : ( فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا ، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا ، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا ، وفي رواية : وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا ) , أي أن التسطير حَلَّ مكان جملة : ( وفي روايةٍ ) .
سابعا : بالنسبة لتخريج الأحاديث فقد عزوت الحديث لكل من له من المصادر لفظٌ في متن الحديث , أبدؤها عادةً بالصحيحين , ثم بالترمذي , ثم بأحمد , وطريقتي في العَزْو هي مثل طريقة ابن الأثير الجزري في كتابه ( جامع الأصول ) , حيث أنني أذكر من أخرج الحديث , ثم أذكر السند , ثم المتن , على هذا النحو : ( خ م ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتْ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ ؟ ... " ,
__________
(1) خ ) 385
(2) أَيْ : إِلَّا بِحَقِّ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ , وفِي الْحَدِيث أَنَّ أُمُور النَّاس مَحْمُولَة عَلَى الظَّاهِر ، فَمَنْ أَظْهَرَ شِعَار الدِّين أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَام أَهْله مَا لَمْ يَظْهَر مِنْهُ خِلَاف ذَلِكَ . عون المعبود - (ج 6 / ص 70)
(3) س ) 3966 , ( خ ) 385
(4) خ ) 385
(5) أَيْ : مِنْ النَّفْعِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 405)
(6) أَيْ : مِنْ الْمَضَرَّةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 405)
(7) ت ) 2608 , ( س ) 3967(1/12)
وإذا قلت في العزو ( أي : في الحاشية ) : ( م ) , ( خ ) فهذا يعني أن لفظ القطعة المذكورة في المتن عند مسلم بهذا اللفظ , وهذه القطعة وردت عند ( خ ) لكنها ربما لا تكون بنفس لفظ مسلم , لذلك فإني أقدم صاحب اللفظ في الذكر ليُعلَمَ أين توجد هذه الرواية بالضبط , وكذلك فعلت في بقية كتب السنة , أُقَدِّمُ صاحبَ اللفظ على غيره في التخريج , ثم أذكر من أخرجه غيره بعده .
سابعا : إذا ورد الحديث الواحد عند أكثر من صحابي , فإني أذكر أحدَهم في الرواية ولا أذكر غيره , ولا يُشترط كون الصحابي المذكور أكثر طرقا لهذا الحديث من غيره , كأن يروي البخاري ومسلم والترمذي والنسائي حديثا لأبي هريرة , ويروي أحمد الحديث نفسه لكن في مسند عبد الله بن عمر , فإني عندما أجمع الحديث قد أذكر أن الراوي للحديث هو ابن عمر , وأحذف اسماء بقية الصحابة الذين رووا نفس الحديث .
ثامنا : بالنسبة للعزو الرقمي للأحاديث فهذا ما لم يكتمل عمله بعد في بقية أجزاء الكتاب ,
حيث أنني - إن شاء اللَّه - سأقوم بعزو كل قطعة داخل الحديث إلى مصدرها الذي اقتبستُها منه ,(1/13)
مثال ما أعنيه هو حديث الشفاعة : ( خ م ت حم ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبي سَعِيدٍبقَالَا : ( وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ وَلَحْمٍ ، فَتَنَاوَلَ الذِّرَاعَ ، وَكَانَتْ أَحَبَّ الشَّاةِ إِلَيْهِ ، فَنَهَسَ نَهْسَةً ، فَقَالَ : " )(1)( إِنِّي لَأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ , وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ )(2)( ثُمَّ نَهَسَ أُخْرَى فَقَالَ : أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابَهُ لَا يَسْأَلُونَهُ قَالَ : أَلَا تَقُولُونَ كَيْفَ ؟ " , قَالُوا : كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ )(3)قَالَ : ( " يَجْمَعُ اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ )(4)( لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فِي صَعِيدٍ(5)
__________
(1) م ) 287
(2) حم ) 12491 , الصَّحِيحَة تحت حديث : 1571
(3) م ) 287
(4) خ ) 3162
(5) الصعيد : الأرض الواسعة المستوية ..(1/14)
وَاحِدٍ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً , شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ )(1)( يُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ , وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي )(2)( وَنَجِيءُ نَحْنُ عَنْ كَذَا وَكَذَا أَنْظُرْ ، أَيْ : ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ )(3)( وَمَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ )(4)( وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ عَلَى قَدْرِ مِيلٍ )(5)( وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا كَذَا وَكَذَا , يَغْلِي مِنْهَا الْهَوَامُّ كَمَا تَغْلِي الْقُدُورُ )(6)(
__________
(1) صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3591 - ( صحيح )
(2) خ ) 3162
(3) م ) 287
(4) خ ) : 7072
(5) م ) 2864
(6) حم ) 22240 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده قوي ..(1/15)
فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ خَطَايَاهُمْ(1)فِي الْعَرَقِ , فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَرَقُ إِلَى كَعْبَيْهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَرَقُ إِلَى سَاقَيْهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَرَقُ إِلَى وَسَطِهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إلْجَامًا - وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ - ) (2)( ويُطَوَّلُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ )(3)( فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ )(4)( فأَمَّا الْكَافِرُ فَيَتَغَشَّاهُ الْمَوْتُ , وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزَّكْمَةِ )(5) ( فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ )(6)( فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ : أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ ؟ , أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ )(7)( لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا )(8)...فالكتاب كما ترى على طريقة كتاب صفة الصلاة للألباني .
__________
(1) حم ) 22240
(2) م ) 2864
(3) حم ) 13615 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
(4) خ ) 4435
(5) حم ) 12847 صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3639
(6) م ) 288
(7) خ ) 3162
(8) خ ) : 7078(1/16)
ولا داعي لأن أذكر كل فقرة في الحديث من صححها , لأنني لَا أذكر إِلَّا الصحيح من الروايات , فإنني إذا ذكرت مثلا أن هذه القطعة أخذتُها من الترمذي برقم : 2345 , فلا داعي لأن أقول بأن الألباني قد صحح هذا الحديث , لأن هذا الكتاب لَا يحتوي إِلَّا على ما صح من حديث رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (1)
كما أن معرفة مصدر كل قطعة من الحديث ممكنة وميسورة..فالحاسب الآلي اليوم يساعدك أخي الكريم على معرفة مصدر كل قطعة من الحديث فما عليك إِلَّا أن تظلل بالماوس أي جملة من الحديث , ثم تذهب بها إلى برنامج الموسوعة الشاملة الإصدار الثاني , وتُجري لهذه الجملة عملية بحث في الموسوعة ضمن مؤلفات الشيخ الألباني ومسند أحمد بتحقيق الأرناءوط , لترى بعينيك أن الحديث صحيح , وتعلم من الذي أخرج هذه القِطعة , وما رقم حديثها الذي وردت فيه ,
ولكي يطمئن القارئ أكثر , فقد وضعتُ تحت كثير من أحاديث السنن الأربعة وغيرها حُكْمَ الألباني على الحديث من صحيح الجامع , وصحيح الترغيب والترهيب , والسلسلة الصحيحة , والإرواء , وغيرها من مؤلفاته الحديثية .
__________
(1) إلا الشيء القليل من الأحاديث الضعيفة ( الغير شديدة الضعف ) استشهدت بها في بعض المواضيع , كبعض أبواب المعاملات , فذكرت فيها بعض الأحاديث الضعيفة , تقديما للحديث الضعيف على الاجتهاد , ومع ذلك فقد بَيَّنْتُ ضَعفَ الحديث بتمييزه بلون خاص , وكتبت تحت كل حديث ضعيف كلمة ( ضعيف ) ,
وَذكرت في هذا الكتاب بعض الأحاديث الضعيفة , وذلك لأبين أنها ضعيفة رغم شهرتها بين العامة وهي - أي الأحاديث الضعيفة - نادرة في هذا الكتاب كما سترى إن شاء الله .ع(1/17)
تاسعا : بعد أن انتهيت من جمع أحاديث الكتب التسعة على هذا النمط , اتجهت نحو مؤلفات الشيخ ناصر الدين الألباني رَحِمه اللَّه , فقمت باستخلاص معظم ما ورد في مؤلفاته المطبوعة من الأحاديث الصحيحة التي لم ترد في الكتب التسعة , وأضفتها إلى هذا الكتاب حسب مواضيعها , وَبَيَّنْتُ مصدر كل حديث أخذته من مؤلفات الشيخ الألباني رحمه اللَّه , فيمكنك عن طريق رقم ومصدر الحديث , التأكد من صحته ,
فإذا كان الحديث ( مثلا ) عند الطبراني في معجمه الكبير أقول : ( طب ) 9743 , انظر الصحيحة : 350 ,
أو كان في مسند أحمد فأقول ( حم ) 13615 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ,
وإذا كان الحديث ضعيفا في السنن الأربعة , وصححه الألباني في كتبه الأخرى , كصحيح الجامع أو الإرواء أو الصحيحة , فإنني أقول : " صححه الألباني في الصحيحة رقم كذا وكذا , والحديث ضعيف في مصدره " وأذكر رقمه في مصدره .
إذا تعارض حكم الألباني والأرناءوط في حديث نظرت , فإن كان مَخْرَجُ الحديثِ واحدا أخذت بحكم الألباني , وإن اختلف المَخْرَجُ نظرت في كلام الألباني على الحديث في بقية كتبه , فإن وجدت أنه قد استقصى طرق الحديث في كتبه أخذت بقوله , وإلَّا أخذت بقول الأرناءوط .
الحديث الصحيح في هذا الكتاب يشمل كل أنواع الحديث الصحيح , كالصحيح والحسن والصحيح لغيره والحسن لغيره .
عاشرا : بعد الانتهاء من جمع الحديث , قمت بترتيب الأحاديث حسب أبوابها الموضوعية ترتيبا اعتمدت فيه إلى حدٍّ كبير على برنامج ( جامع الفقه الإسلامي ) وقمتُ بِتَكرار كثير من الأحاديث بما يتناسب مع مواضيعها المتعددة .(1/18)
حادي عشر : الكتاب بحمد اللَّهِ تعالى مشكولُ الأحاديث في غالبه , وهذا يرجع الفضل فيه إلى شركة صخر , كما أنني قُمْتُ بشرح مبهمات الأحاديث , وشرح الأحاديث التي تحتاج إلى شرح من كتب الشروح المختصة , كفتح الباري شرح صحيح البخاري , وشرح النووي لمسلم , والسندي للنسائي , وهكذا .. وعندما أشرح الحديث من كتاب شرح معين , فإن الحديث الذي أشرحه ليس شرطا أن يكون من نفس الكتاب المشروح , فلو شرحت مثلا حديثا من فتح الباري فليس شرطا أن يكون الحديث الذي شرحته موجودا عند البخاري , وإن كان الغالب في كتابي أن يكون شرح الحديث من نفس كتاب شرحه , لكن هذا ليس قاعدة مطلقة في كل الأحاديث , والسبب في ذلك أن بعض الشروح أوضح من بعض في إيصال المعنى المطلوب للحديث .
ثاني عشر : قمت بتلوين موضع الشاهد من الحديث باللون الأخضر , وتلوين أسانيد الأحاديث الصحيحة باللون الأحمر .
مفاتيح الرموز
( خ ) ... ( صحيح البخاري ) ... ( عد ) ... ( الكامل لابن عدي )
( م ) ... ( صحيح مسلم ) ... ( طل ) ... ( مسند الطيالسي )
( ت ) ... ( الجامع الصحيح للترمذي ) ... ( بز ) ... ( مسند البزار )
( س ) ... ( السنن الصغرى للنسائي ) ... ( ك ) ... ( مستدرك الحاكم )
( د ) ... ( سنن أبي داود ) ... ( خز ) ... ( صحيح ابن خزيمة )
( جة ) ... ( سنن ابن ماجة ) ... ( هق ) ... ( سنن البيهقي الكبرى )
( حم ) ... ( مسند الإمام أحمد ) ... ( هب ) ... ( شعب الإيمان للبيهقي )
( مالك ) ... ( موطأ مالك ) ... ( حب ) ... ( صحيح ابن حبان )
( مي ) ... ( سنن الدارمي ) ... ( طب ) ... ( معجم الطبراني الكبير )
( خم ) ... ( رواه البخاري معلّقًا ) ... ( طس ) ... (معجم الطبراني الأوسط )
( تخ ) ... ( البخاري في التاريخ الكبير ) ... ( طص ) ... (معجم الطبراني الصغير )
( خد ) ... ( الأدب المفرد للبخاري ) ... ( ش ) ... ( مصنف ابن أبي شيبة )
( الشمائل ) ... الشمائل المحمدية للترمذي ... ( عب ) ... ( مصنف عبد الرزاق )
( طح ) ... شرح معاني الآثار للطحاوي ... ( صم ) ... ( السنة لابن أبي عاصم )
((1/19)
خط ) ... تاريخ بغداد للخطيب البغداي ... معرفة الصحابة ... لأبي نعيم الأصبهاني
ابن سعد ... الطبقات الكبرى لابن سعد ... مسند الشاميين ... للطبراني
( ابن منيع ) ... مسند ابن منيع ... ( حل ) ... حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني
( الحكيم ) ... نوادر الأصول للحكيم الترمذي ... ( ن ) ... السنن الكبرى للنسائي
( الضياء ) ... الأحاديث المختارة للضياء المقدسي ... ( التمهيد ) ... لابن عبد البرّ
( فر ) ... مسند الفردوس للديلمي ... بحر الفوائد ... المشهور : ( بمعاني الأخبار ) للكلاباذي
( مش ) ... مشكل الآثار للطحاوي
أقسام الكتاب
الكتاب مقسم إلى سبعة أقسام رئيسية وهي :
العقيدة ( مجلدان )
القرآن
العبادات ( 3 مجلدات )
المعاملات
السياسة الشرعية
العادات والآداب الشرعية
السِّيَر والمناقب
سَمَّيْتُ هَذَا الْكِتَاب : الْجَامِعُ الصَّحِيحُ لِلسُّنَنِ وَالْمَسَانِيد
هذا وما كان من صواب في هذا الكتاب فمن اللَّه وَحْدَه , وما كان من خطأ أو نِسْيانٍ فمن نفسي ومن الشيطان
قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }(1)
السبت\20\جمادى الأولى\1429
الموافق :25\5\2008
المؤلف : صهيب عبدالجبار
Minawi_7@hotmail.com
__________
(1) النساء/82](1/20)
أَوَّلًا : كِتَابُ الْعَقِيدَة ... 16
( 1 ) الْإسْلَام ... 16
عُلُوُّ الْإسْلَام ... 16
الْمُؤمِنُ عَزِيزٌ عَلَى اللَّه ... 16
أَرْكَانُ الْإِسْلَام ... 17
إسْلَامُ قَائِلِ الشَّهَادَتَيْن ... 30
الْإقْرَارُ بالشَّهَادَتَيْنِ يَعْصِمُ الدَّمَ وَالْمَالَ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام ... 31
" أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لِقَاتِلِ الْمُؤمِنِ تَوْبَةٌ " ... 33
نَجَاةُ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّار ... 38
( 2 ) اَلْإيمَان ... 54
أَرْكَانُ الْإيمَان ... 54
( 1 ) الْإِيمَانُ بِاللَّه ... 56
تَنْزِيهُ الرَّبِ سُبْحَانَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الشَّرِيكِ وَالْوَلَد ... 56
عَدَدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ - عز وجل - ... 57
بَعْضُ صِفَاتِ الرَّبِّ - عز وجل - ... 57
غِنَى الرَّبِ - عز وجل - عَنْ خَلْقِه ... 58
عَظَمَةُ عَرْشِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَسَعَةُ كُرْسِيِّه ... 60
تَفَرُّدُ الرَّبِّ - عز وجل - بِمَعْرِفَةِ الْغَيْب ... 61
سَعَةُ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِه ... 62
رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
غَيْرَةُ الرَّبِّ - عز وجل - ... 68
صَبْرُ الرَّبِّ - عز وجل - ... 68
قُرْبُ الرَّبِّ - عز وجل - مِنْ عِبَادِه ... 68
الرَّبُّ - عز وجل - سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْر ... 68
مَحَبَّةُ الرَّبِّ - عز وجل - لِلْمَدْح ... 68
مَحَبَّةُ الرَّبِّ - عز وجل - لِأَوْلِيَائِهِ وَتَأْيِيدِهِ لَهُمْ بِنُصْرَتِهِ وَمَعِيَّتِه ... 68
حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى بِالرَّجَاء ... 68
تَرْكُ الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ... 68
بَدْءُ الْخَلْق ... 68
( 2 ) الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَة ... 68
وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَة ... 68
صِفَةُ خَلْقِ الْمَلَائِكَة ... 68
خَصَائِصُ الْمَلَائِكَة ... 68
طَهَارَةُ الْمَلَائِكَة ... 68
جَمَالُ صُوَرِهِم ... 68
الْمَلَائِكَةُ لَا يَعْصُونَ اللَّه ... 68
الْمَلَائِكَةُ يَخَافُونَ كَثِيرًا مِنَ اللَّه ... 68
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب ... 68(1/1)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ صُورَة ... 68
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ جَرَس ... 68
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْتَقِع ... 68
الْمَلَائِكَةُ لَا يَصْحَبُونَ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ وَلَا جِلْدُ نَمِرٍ ... 68
الْمَلَائِكَةُ لَا يَقْرَبُونَ الْجُنُب ... 68
قُدْرَةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى التَّشَكُّل ... 68
نُزُولُ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَة الْكَلْبِيّ ... 68
بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ تَرَى الْمَلَائِكَة ... 68
ضَخَامَةُ أَحْجَامِهِم ... 68
نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ فِي الْعِنَان ... 68
إجْتِمَاعُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ وَمَلَائِكَةِ اللَّيْل ... 68
جِبْرِيلُ - عليه السلام - ... 68
صِفَةُ جِبْرِيل ... 68
تَكْلِيمُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِجِبْرِيل ... 68
لِقَاءُ جِبْرِيلَ فِي بَدْءِ الْوَحْي ... 68
حُبُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِقَاءَ جِبْرِيل ... 68
تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاة ... 68
عَرْضُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي رَمَضَان ... 68
تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُمُورَ الدِّين ... 68
عَدَاوَةُ الْيَهُودِ لِجِبْرِيل ... 68
وَظَائِفُ الْمَلَائِكَة ... 68
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ تَبْلِيغُ رِسَالَاتِ اللَّه ... 68
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ كِتَابَةُ الْأَعْمَال ... 68
دُعَاءُ الْمَلَائكَةِ لِلْمُسْلِمِين ... 68
مُشَارَكَةُ الْمَلَائكَةِ الْمُؤمِنِينَ فِي الصَّلَوَات ... 68
مُشَارَكَةُ الْمَلَائكَةِ الْمُؤمِنِينَ فِي الْقِتَال ... 68
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ إرْشَادُ الْمُسْلِمِ إلَى طَرِيقِ الْحَقّ ... 68
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالصَّلَاة ... 68
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ تَشْيِيعُ جَنَائِزِ الصَّالِحِينَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِم ... 68
الْإيمَانُ بِالْجِنّ ... 68(1/2)
عَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ لِلْإنسَان ... 68
وَسْوَسَةُ الشَّيْطَان ... 68
دُخُولُ الْجِنِّ فِي الْإنْسَانِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِه ... 68
تَلَبُّس الْجِنّ بِالْآدَمِيِّ ... 68
أَمْرُ الْجِنِّيِّ بِالْخُرُوج ... 68
ظُهُورُ الْجِنِّ لِلْإنْسَانِ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّشَكُّل ... 68
اسْتِرَاقُ الْجِنِّ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاء ... 68
الْوِقَايَةُ مِنَ الشَّيَاطِين ... 68
( 3 ) الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّة ... 68
( 3 ) الْإيمَانُ بِالرُّسُل ... 68
وُجُوبُ الْإيمَانِ بِالرُّسُل ... 68
الأنْبِيَاءُ دِينُهُمْ وَاحِد ... 68
وُجُوبُ اتِّباعِ الرُّسُل ... 68
نَماذِجُ مِن تَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - بِسُنَّتِه - صلى الله عليه وسلم - ... 68
رُجُوعُ الصَّحَابَةِ عَنْ آرائِهِمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُل ... 68
صِفَاتٌ خَاصَّةٌ بِالْأَنْبِيَاء ... 68
الْأَنْبِيَاءُ لَا تُورَث ... 68
أَسْمَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
صِفَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكُتُبِ السَّابِقَة ... 68
تَفْضِيلُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاء ... 68
دَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الْبِعْثَة ... 68
دَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الْبِعْثَة ... 68
انْشِقَاقُ الْقَمَرِ بِدُعَائِه - صلى الله عليه وسلم - ... 68
قُدُومُ الشَّجَرِ إلَيْه - صلى الله عليه وسلم - ... 68
إخْبَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا حَدَث ... 68
إخْبَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا سَيَحْدُث ... 68
شِفَاءُ الْمَرْضَى بِبَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
تَكْثِيرُ الطَّعَامِ بِبَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
خُرُوجُ يَنَابِيعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
تَسْبِيحُ الْحَصَى بَيْنَ يَدَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68(1/3)
تَسْلِيمُ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
مَعْرِفَةُ الْمَخْلُوقَاتِ بِنُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
حَنِينُ الْجِذْعِ إلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
إسْرَاعُ الْخَيْلِ بِبَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
حِمَايَةُ اللَّهِ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَذَى الْخَلْق ... 68
طَيُّ الْأَرْضِ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
خُرُوجُ النَّخْلِ الَّذِي زَرَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ مِنْ عَامِه ... 68
إخْبَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيِّةِ الَّتِي لَمْ تُعْرَف إِلَّا فِي الْعَصْرِ الْحَدِيث ... 68
بَشَرِيَّتُه - صلى الله عليه وسلم - ... 68
بَعْضُ مَا كَانَ يَحْدُثُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ كَرَامَاتٍ فِي عَهْدِهِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
فَضْلُ مَنْ آمَنَ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَرَه ... 68
أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بِالرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
( 1 ) كَوْنُ اَلْقُرْآنِ مُعْجِزًا مَحْفُوظًا مِنْ التَّبْدِيلِ وَنَاسِخًا لِلشَّرَائِعِ السَّابِقَة ... 68
( 2 ) بَقَاءُ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى ... 68
( 3 ) اِنْفِرَادُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالدَّعْوَةِ إِلَى النَّاسِ كَافَّة ... 68
( 4 ) كَوْنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْض ... 68
( 5 ) إِعْطَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَوَامِعَ الْكَلِم ... 68
( 6 ) نُصْرَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالرُّعْب ... 68
( 7 ) كَوْنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأُمَّتُهُ شُهَدَاءٌ عَلَى السَّابِقِينَ ... 68
((1/4)
8 ) أُمَّةُ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَفْضَلُ اَلْأُمَمِ وَمَعْصُومُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الضَّلَالَة ... 68
( 9 ) قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَا دَعْوَةٍ وَلَا يَمِين ... 68
( 10 ) رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنَامِ حَقّ ... 68
( 11 ) إجَابَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاجِبَةٌ وَلَا تَمْنَعُ مِنْهَا الصَّلَاة ... 68
( 12 ) رُؤْيَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ خَلْفَه ... 68
( 13 ) حُرْمَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُنَادَاتِه مِنْ وَرَاء اَلْحُجُرَات ... 68
( 14 ) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ ... 68
( 15 ) وُضُوءُ النَّبِيِّ لِكُلِّ صَلَاة ... 68
( 16 ) نَوْمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُوجِبُ وُضُوءًا ... 68
( 17 ) تَطَوُّعُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَلَاةِ قَاعِدًا كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا ... 68
( 18 ) وِصَالُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّوْم ... 68
( 19 ) أَخْذُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفِيَّ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَة ... 68
( 20 ) جَمْعُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَة ... 68
( 21 ) إِثْبَاتُ عَمَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْه ... 68
( 22 ) حُرْمَةُ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِه ... 68
( 23 ) دُعَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّاسِ رَحْمَةٌ لَهُم ... 68
( 24 ) دُخُولُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ وَالْقِتَالُ فِيهَا فِي النَّهَار ... 68
( 25 ) نِكَاحُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - الْأَجْنَبِيَّةَ بِلَا إِذْنِهَا أَوْ إِذْنِ وَلِيِّهَا وَلَا شُهُود ... 68
((1/5)
26 ) حُرْمَةُ نِكَاحِ نِسَاءِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَحْرِيمُ سَرَارِيِّهِ مِنْ بَعْدِه ... 68
( 27 ) زَوْجَاتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِين ... 68
( 28 ) نِكَاحُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَفْظِ الْهِبَة ... 68
( 29 ) جَوَازُ خَلْوَة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِنّ ... 68
( 30 ) عَدَمُ أَكْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الثُّومَ وَالْبَصَل ... 68
( 31 ) جَوَازُ التَّسَمِّي بِاسْمِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَدَمُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِه ... 68
( 32 ) اَلْكَذِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ كَالْكَذِبِ عَلَى غَيْره ... 68
( 5 ) الْإيمانُ بِالْيَوْمِ الْآخِر ... 68
الْمَوْتُ وَالْقَبْر ... 68
وُجُوبُ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْت ... 68
الْمَوْتُ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا ... 68
شِدَّةُ سَكَرَاتِ الْمَوْت ... 68
صِفَةُ خُرُوجِ رُوحِ الْمُؤمِنِ وَرُوحِ الْكَافِر ... 68
بَعْضُ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى حُسْنِ أَوْ سُوءِ الْخَاتِمَة ... 68
لِمَاذَا يَشْخَصُ بَصَرُ الْمَيِّتِبَعْدَ قَبْضِ رُوحِه ... 68
أَحْوَالُ الْمَيِّتِ فِي الجِنَازَة ... 68
ضَمَّةُ الْقَبْر ... 68
سُؤالُ الْقَبْر ... 68
عَذَابُ الْقَبْر ... 68
إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْر ... 68
أَسْبَابُ عَذَابِ الْقَبْر ... 68
مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْت ... 68
وُصُولُ ثَوَابِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ لِلْمَيِّت ... 68
خَاتِمَة ... 68
عَلَامَاتُ السَّاعَةِ الصُّغْرَى ... 68
قُرْبُ قِيَامِ السَّاعَة ... 68
مَنْ مَاتَ قَامَتْ قِيَامَتُه ... 68
مُقَدِّمَةٌ عَنْ عَلَامَاتِ السَّاعَة ... 68
أَحَادِيثٌ جَامِعَةٌ عَنْ عَلَامَاتِ السَّاعَة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى بَعْثَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى انْشِقَاقُ الْقَمَر ... 68(1/6)
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى وَفَاةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ مُدَّعِي النُّبُوَّة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى تَوَلِّي اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً مِنْ قُرَيْشٍ ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى ارْتِدَادُ بَعْضِ الْقَبَائِلِ عَنِ الْإسْلَامِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الْفُتُوحَاتِ وانْتِشَارُ الدِّينِ فِي الْعَالَم ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى مَقْتَلُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّاب - رضي الله عنه - ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى اتِّسَاعُ الْعِمْرَانِ فِي الْمَدِينَة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الْمَالِ وَفَيَضَانُهُ بَيْنَ النَّاس ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى افْتِتَانُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْمَال ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الْفِتَنِ والْبَلَايَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى مَقْتَلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى ظُهُورُ الْخَوَارِج ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى تَحَوُّلُ الْخِلَافَةِ الرّاشِدَةِ إلَى مُلْكٍ وِرَاثِي ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى جَوْرُ السُّلْطَان ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى ارْتِفَاعُ الْأَمَانَة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الشُّرَط ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى قِلَّةُ الْعُلَمَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَان ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى فَسَادُ الْعُلَمَاء ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى اتِّبَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سُنَنَ أَهْلِ الْكِتَاب ... 68(1/7)
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى اسْتِحلَالُ هَذِه الْأُمَّة مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى اخْتِلَافُ هَذِه الْأُمَّةِ وَاقْتِتَالُهَا فِيمَا بَيْنَهَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى احْتِرَاقُ الْبَيْتِ الْعَتِيق ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى أَنْ يَكُونَ الْعِرَاقُ مَرْكَزًا لِلْفِتَن ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى فَسَادُ أَكْثَرِ النَّاسِ وَذَهَابُ الصَّالِحِين ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى غُرْبَةُ الْإسْلَامِ بَيْنَ أَهْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَان ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى تَخْوِينُ الْأمِينِ وَتَأْمِينُ الْخَائِن ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى انْحِسَارُ الْإيمَانِ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْن ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِد ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ طُرُقًا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى أَنْ تُهْجَرَ الْمَسَاجِد ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى أَنْ لَا يُسَلِّمَ الرَّجُلُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِف ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى زَخْرَفَةُ الْبُيُوت ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى انْتِفَاخُ الْأَهِلَّة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى أَنْ يَكْثُرَ مَوْتُ الْفُجْأَة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى صِدْقُ رُؤْيَا الْمُؤْمِن ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى خُرُوجُ نَارٍ مِنْ أَرْضِ الْحِجَاز ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى قِتَالُ التُّرْك ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى انْتِزَاعُ الْخِلَافَةِ مِنْ قُرَيْش ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى صَنِيعُ اللَّهِ بِمُضَر ... 68(1/8)
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى نُصْرَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ لِدِينِ الْإسْلَام ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى فَنَاءُ قُرَيْش ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى امْتِنَاعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى زَوَالُ الْجِبَالِ عَنْ أَمَاكِنِهَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى ارْتِدَادُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْإسْلَام ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ النَّفْطِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَادِنِ النَّفِيسَةِ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِين ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى تَحَوُّلُ صَحَارِي الْجَزِيرَةِ إلَى جِنَان ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى تَكَالُبُ سَائِرِ الْأُمَمِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى أن تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْس ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الْخُسُوفِ وَالزَّلَازِل ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى امْتِنَاعُ الْأَرْضِ عَنْ إنْبَاتِ الزَّرْع ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى انْقِطَاعُ الْمَطَرِ مِنَ السَّمَاء ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى قِلَّةُ الرِّجَال وَكَثْرَةُ النِّسَاء ... 68
عَلَامَاتُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى ظُهُورُ جَبَلِ الذَّهَبِ تَحْتَ نَهْرِ الْفُرَات ... 68
تَحَالُفُ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ ضِدَّ الْعَالَمِ الشَّرْقِيِّ فِي حَرْبِهِمْ مِنْ أَجْلِ جَبَلِ الذَّهَب ... 68
اقْتِتَالُ الرُّومِ وَالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْتِصَارِهِم عَلَى الْعَالَمِ الشَّرْقِيّ ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى ظُهُورُ الْمَهْدِيّ ... 68
كَيْفِيَّةُ ظُهُورِ الْمَهْدِيّ ... 68
صِفَاتُ الْمَهْدِيّ ... 68(1/9)
الدَّلِيلُ عَلَى صِدْق الْمَهْديّ ... 68
بَيْتُ الْمَقْدِسِ عَاصِمَةُ خِلَافَةِ الْمَهْدِيّ ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى خُرُوجُ الدَّجَّال ... 68
خطورة فتنة الدجال ... 68
الِاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّال ... 68
تَحْذِيرُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَقْوَامِهِمْ مِنَ الدَّجَّال ... 68
عَلَامَاتُ ظُهُورِ الدَّجَّال ... 68
كَثْرَةُ الدَّجَاجِلَة قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّال ... 68
صِفَةُ الدَّجَّال ... 68
خَبَرُ ابْنِ صَيَّادْ وَمُشَابَهَتُهُ لِلدَّجَّال ... 68
كَيْفِيَّةُ ظُهُورِ الدَّجَّال ... 68
مَكَانُ خُرُوجِ الدَّجَّال ... 68
أَتْبَاعُ الدَّجَّال ... 68
الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَفْتِنُ بِهَا الدَّجَّالُ النَّاس ... 68
الْعِصْمَةُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّال ... 68
مُدّةُ فِتْنَةِ الدَّجَّال ... 68
حِصَارُ الدَّجَّالِ لِمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... 68
أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِين ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى نُزُولُ عِيسَى - عليه السلام - ... 68
تَرْكُ الدَّجَّالِ حِصَارَ الْمَدِينَةِ وَتَوَجُّهُهُ نَحْوَ الشَّامِ وَهَلَاكُهُ فِيهَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى خُرُوُجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوج ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى خُرُوجُ الدَّابَّة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى أنْ يَجْهَلَ النَّاسُ تَعَالِيمَ الْإسْلَامِ الْأَسَاسِيَّة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى الرِّيحُ الَّتِي تَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِين ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى هَدْمُ الْكَعْبَة ... 68
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى خُرُوجُ النَّارِ الَّتِي تَحْشُرُ النَّاس ... 68
قِيَامُ السَّاعَةِ فُجْأَة ... 68
يَوْمُ الْقِيَامَة ... 68
مِقْدَارُ يَوْمِ الْقِيَامَة ... 68(1/10)
تَخْفِيفُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤمِنِين ... 68
هَوْلُ الْمَطْلَعِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
صِفَةُ أَرْضِ يَوْمِ الْقِيَامَة ... 68
أَحْوَالُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
حَالُ السَّابِقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
حَالُ عَامَّةِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
حَالُ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
مِيزَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ بَقِيَّةِ الْأُمَم ... 68
الشَّفَاعَة ... 68
مَكَانُ حُصُولِ الشَّفَاعَة ... 68
مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَاب ... 68
دُخُولُ الْفُقَرَاءِ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاء ... 68
الْحِسَاب ... 68
أُمُورٌ تَحْدُثُ فِي بِدَايَةِ الْحِسَاب ... 68
صِفَةُ الْمِيزَان ... 68
مَعْنَى الْحِسَاب ... 68
حِسَابُ الْعَبْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّه ... 68
مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
قَصَصُ بَعْضِ مَنْ حَاسَبَهُمُ الرَّبُّ - عز وجل - ... 68
حِسَابُ الْعِبَادِ بَيْنَ بَعْضِهِمُ الْبَعْض ... 68
مَكَانُ اقْتِصَاصِ الْحُقُوقِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
كَيْفِيَّةُ اقْتِصَاصِ الْحُقُوقِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
مَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَة ... 68
خُطُورَةُ الْمَظَالِمِ وَعِظَمُ شَأْنِهَا ... 68
الْحَوْض ... 68
صِفَةُ الْحَوْض ... 68
النَّار ... 68
أَسْمَاءُ النَّار ... 68
صِفَةُ النَّار ... 68
عَدَدُ أَبْوَابِ جَهَنَّم ... 68
سَعَةُ جَهَنَّم ... 68
شِدَّةُ حَرِّهَا ... 68
كَيْفِيَّةُ دُخُولِ الْكُفَّارِ النَّار ... 68
مَكَانُهُمْ فِي النَّار ... 68
ضَخَامَةُ حَجْمِ أَهْلِ النَّار ... 68
طَعَامُ أَهْلِ النَّار ... 68
شَرَابُ أَهْلِ النَّار ... 68
حَيَّاتُ وَعَقَارِبُ جَهَنَّم ... 68
أَصْنَافٌ أُخْرَى مِنَ الْعَذَابِ فِي جَهَنَّم ... 68
بُكَاءُ أَهْلِ النَّار ... 68
صِفَةُ أَهْلِ النَّار ... 68
خُلُودُ غَيْرِ الْمُوَحِّدِين فِي الْعَذَاب ... 68
مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ النَّار ... 68
صِفَةُ الْجَنَّة ... 68(1/11)
عَدَدُ أَبْوَابِ الْجَنَّة ... 68
صِفَةُ أَشْجَارِ الْجَنَّة ... 68
صِفَةُ أَنْهَارِ الْجَنَّة ... 68
صِفَةُ بُيُوتُ أَهْلِ الْجَنَّة ... 68
خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّة ... 68
صِفَةُ الْحُورِ الْعِين ... 68
طَعَامُ وَشَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّة ... 68
أَسْوَاقُ الْجَنَّة ... 68
دَوَابُّ الْجَنَّة ... 68
سَعَةُ الْجَنَّة ... 68
أَعْمَارُ أَهْلِ الْجَنَّة ... 68
صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّة ... 68
آخِرُ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّة ... 68
مَشْرُوعِيَّةُ سُؤالِ الْجَنَّة ... 68
( 6 ) الْإيمَانُ بِالْقَدَر ... 68
وُجُوبُ الْإيمَانِ بِالْقَدَر ... 68
أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ فِي الْقَدَر ... 68
تَقْدِيرُ الْمَقَادِيرِ قَبْلَ الْخَلْق ... 68
مُحَاجَّةُ آدَمَ ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ... 68
تَصْرِيفُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْقُلُوب ... 68
الْآجَالُ بِقَدَر ... 68
الْأَرْزَاقُ بِقَدَر ... 68
مَصِيرُ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِين ... 68
مَصِيرُ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ ... 68
الْمَوْلُودُ عَلَى الْفِطْرَة ... 68
مَصِيرُ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِوَغَيْرِهِم ... 68
كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَر ... 68
الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَاب ... 68
عَدَمُ مُنَافَاةِ اَلتَّدَاوِي لِلتَّوَكُّل ... 68
الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّه ... 68
{ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
أَوَّلًا : كِتَابُ الْعَقِيدَة
( 1 ) الْإسْلَام
عُلُوُّ الْإسْلَام
((1/12)
قط هق ) , عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ(1) - رضي الله عنه - أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ ، فَقَالُوا : هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ، وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَذَا عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو سُفْيَانَ ، الْإِسْلَامُ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ ، الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى "(2)
( طح ) ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ :
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍبفِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ الْيَهُودِيِّ فَتُسْلِمُ هِيَ , قَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ .(3)
الْمُؤمِنُ عَزِيزٌ عَلَى اللَّه
( حم يع طب هق ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) كان ممن بايع تحت الشجرة ثبت ذلك في البخاري , وسكن البصرة ومات في إمارة ابن زياد , وله عند مسلم في الصحيح حديثان , فروى مسلم أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على عبيد الله بن زياد فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن شر الرعاء الحطمة " , أنظر الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 2 / ص 92)
(2) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ج6/ص206/ح11935 , والدارقطني في سننه ج3/ص252/ح30 , وحسنه الألباني في الإرواء : 1268 ، وصَحِيح الْجَامِع : 2778
(3) شرح معاني الآثار 3\257 , وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 1268(1/13)
كَانَ رَجَلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ اسْمُهُ زَاهِرٌ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ ، " فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّهُ ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ , فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ " ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَرْسِلْنِي ، مَنْ هَذَا ؟ , فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ عَرَفَهُ ،
" وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ؟ - وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا(1)- " , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَكِنْ أَنْتَ عِنْدَ اللَّه لَسْتَ بِكَاسِدٍ ، لَكِنْ أَنْتَ عِنْدَ اللَّه غَالٍ )(2)"
( حم طس ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) رجل دَمِيمٌ : قبيح , وقوم دِمامٌ , والأُنثى دَمِيمةٌ . لسان العرب - (ج 12 / ص 206)
(2) حم ) 12669 , ( حب ) 5790 , وصححه الألباني في مختصر الشمائل : 204 ، وصَحِيح الْجَامِع : 2087 ، وصحيح موارد الظمآن : 1933(1/14)
" لَا نَعْلَمُ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مِائَةٍ مِثْلِهِ إِلَّا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ(1)"(2)
( جة هب ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَبقَالَ :
" ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ : )(3)( مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ )(4)( مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ , مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّه حُرْمَةً مِنْكِ )(5)( إِنَّ اللَّه حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً , وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثا : )(6)( دَمَهُ ، وَمَالَهُ )(7)( وَأَنَ يُظَنَّ بِهِ ظَنُّ السَّوْءِ )(8)وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا(9)"(10)
أَرْكَانُ الْإِسْلَام
( خ م ) , عَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قال السندي : أي لا يكون الواحد خيرا من مئة من جنسه إلا المؤمن , فإن الواحد من نوع المؤمن قد يفوق على مئة منه في الخير , فيوجد في الواحد ما لا يوجد في مئة من خصال الخير . مسند أحمد بتحقيق الأرناءوط - (ج 11 / ص 135)
(2) حم ) ح5882 , ( طس ) ح3500 , الصَّحِيحَة : 546
(3) جة ) 3932
(4) هب ) 6706
(5) جة ) 3932 , ( هب ) 6706
(6) هب ) 6706
(7) جة ) 3932 , ( هب ) 6706
(8) هب ) 6706
(9) جة ) 3932
(10) الصَّحِيحَة : 3420 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 2441(1/15)
" ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ(1):
__________
(1) أَيْ : عَلَى خَمْس دَعَائِم , فَإِنْ قِيلَ الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة مَبْنِيَّة عَلَى الشَّهَادَة , إِذْ لَا يَصِحّ شَيْء مِنْهَا إِلَّا بَعْد وُجُودهَا , فَكَيْفَ يُضَمّ مَبْنِيٌّ إِلَى مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي مُسَمًّى وَاحِد ؟ , أُجِيبَ بِجَوَازِ اِبْتِنَاء أَمْرٍ عَلَى أَمْر يَنْبَنِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَمْر آخَر , فَإِنْ قِيلَ : الْمَبْنِيُّ لَا بُدّ أَنْ يَكُون غَيْر الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ ، أُجِيبَ : بِأَنَّ الْمَجْمُوع غَيْرٌ مِنْ حَيْثُ الِانْفِرَاد ، عَيْنٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمْع , وَمِثَاله الْبَيْت مِنْ الشِّعْر يُجْعَل عَلَى خَمْسَة أَعْمِدَة , أَحَدهَا أَوْسَط وَالْبَقِيَّة أَرْكَان ، فَمَا دَامَ الْأَوْسَط قَائِمًا فَمُسَمَّى الْبَيْت مَوْجُود وَلَوْ سَقَطَ مَهْمَا سَقَطَ مِنْ الْأَرْكَان ، فَإِذَا سَقَطَ الْأَوْسَط سَقَطَ مُسَمَّى الْبَيْت ، فَالْبَيْت بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِهِ شَيْءٌ وَاحِد ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَفْرَاده أَشْيَاء , وَأَيْضًا فَبِالنَّظَرِ إِلَى أُسِّهِ وَأَرْكَانه ، الْأُسّ أَصْل ، وَالْأَرْكَان تَبَعٌ وَتَكْمِلَة .(.فتحالباري - ح8)(1/16)
شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَإِقَامِ الصَلَاةِ ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ(1))(2)"
( خ م ت حم ) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) تَنْبِيهَات ) : أَحَدهَا : لَمْ يُذْكَر الْجِهَاد لِأَنَّهُ فَرْض كِفَايَة وَلَا يَتَعَيَّن إِلَّا فِي بَعْض الْأَحْوَال ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ اِبْن عُمَر جَوَاب السَّائِل ، وَزَادَ فِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق فِي آخِره : وَإِنَّ الْجِهَاد مِنْ الْعَمَل الْحَسَن , ثَانِيهَا : فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَذْكُر الْإِيمَان بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَة وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ سُؤَال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ؟ , أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيق الرَّسُول فِيمَا جَاءَ بِهِ ، فَيَسْتَلْزِم جَمِيع مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُعْتَقَدَات . ( فتح الباري - ح8)
(2) خ ) 8 , ( م ) 16(1/17)
" ( بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه - إِلَى الْيَمَنِ )(1)( فَقَالَ : إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ , فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ(2))(3)( شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه , وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ(4)فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ(5)
__________
(1) خ ) 1331 , ( م ) 19
(2) في الحديث قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)
(3) خ ) 1389 , ( م ) 19
(4) وَقَعَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ غَيْرُهُمَا إِلَّا بِهِمَا , فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُوَحِّدٍ فَالْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ ، وَمَنْ كَانَ مُوَحِّدًا فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ ، وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَا يَقْتَضِي الْإِشْرَاكَ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ كَمَنْ يَقُولُ بِبُنُوَّةِ عُزَيْرٍ , أَوْ يَعْتَقِدُ التَّشْبِيهَ , فَتَكُونُ مُطَالَبَتُهُمْ بِالتَّوْحِيدِ لِنَفْيِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَقَائِدِهِمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)
(5) أَيْ : شَهِدُوا وَانْقَادُوا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)(1/18)
فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ , فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ(1)تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ(2)وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ )(3)( فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ )(4)( وَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ(5)
__________
(1) ذِكْرَ الصَّدَقَةِ أُخِّرَ عَنْ ذِكْرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ , وَلأَنَّهَا لَا تُكَرَّرُ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ ، وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ : بَدَأَ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ ، وَذَلِكَ مِنْ التَّلَطُّفِ فِي الْخِطَابِ , لِأَنَّهُ لَوْ طَالَبَهُمْ بِالْجَمِيعِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لَمْ يَأْمَنْ النُّفْرَةَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)
(2) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الزَّكَاةِ وَصَرْفَهَا , إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِنَائِبِهِ ، فَمَنْ اِمْتَنَعَ مِنْهَا أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)
(3) خ ) 1331 , ( م ) 19
(4) خ ) 1389 , ( م ) 19
(5) الْكَرَائِمُ : جَمْعُ كَرِيمَةٍ , أَيْ : نَفِيسَةٍ ، فَفِيهِ تَرْكُ أَخْذِ خِيَارِ الْمَالِ ، وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّ الزَّكَاةَ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ , فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْإِجْحَافَ بِمَالِ الْأَغْنِيَاءِ , إِلَّا إِنْ رَضُوْا بِذَلِكَ . (.فتح ) - (ج 5 / ص 123)(1/19)
)(1)( وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ(2)فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ(3))(4)"
( خ م ت حم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
__________
(1) خ ) 1425 , ( م ) 19
(2) أَيْ : تَجَنَّبْ الظُّلْمَ لِئَلَّا يَدْعُوَ عَلَيْك الْمَظْلُومُ , وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهِ عَقِبَ الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الْكَرَائِمِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَخْذَهَا ظُلْمٌ ، وَلَكِنَّهُ عَمَّمَ إِشَارَةً إِلَى التَّحَرُّزِ عَنْ الظُّلْمِ مُطْلَقًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)
(3) أَيْ : لَيْسَ لَهَا صَارِفٌ يَصْرِفُهَا وَلَا مَانِعٌ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا عَاصِيًا , كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا " دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 123)
(4) خ ) 1425 , ( ت ) 625(1/20)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ(1)" , فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ(2)فلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا(3)مِنْ طِينٍ " فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ )(4)( وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ )(5)( فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(6)" ( إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ(7)يَمْشِي )(8)( شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ )(9)( كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ )(10)( شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ )(11)( أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا )(12)( لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ , وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ )(13)( فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ(14)
__________
(1) أَيْ : فِي وَسَطهمْ وَمُعْظَمهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(2) أَيْ : الْمُسَافِر . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(3) قَالَ فِي الْقَامُوس : الدُّكَّان : بِنَاء يُسْطَح أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(4) س ) 4991 , ( د ) 4698
(5) د ) 4698
(6) حم ) 367 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(7) أَيْ : مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل . ( فتح - ح48)
(8) خ ) 4499
(9) م ) 8 , ( ت ) 2610
(10) س ) 4991
(11) م ) 8 , ( ت ) 2610
(12) س ) 4991
(13) م ) 8 , ( ت ) 2610
(14) أَيْ : الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 216)(1/21)
)(1)( فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ " )(2)( قَالَ : أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " ادْنُهْ " ، فَمَا زَالَ يَقُولُ : أَدْنُو مِرَارًا ، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ " ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(4) ( فَقَالَ : أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ ؟ , قَالَ : " الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا )(5)أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ(6)( وَأَنْ تُقِيمَ الصَلَاةَ [ الْمَكْتُوبَةَ ](7)وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ [ الْمَفْرُوضَةَ ](8)وَتَصُومَ رَمَضَانَ )(9)( وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )(10)( وَتَعْتَمِرَ , وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ , وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ )(11)
__________
(1) د ) 4698
(2) س ) 4991 , ( د ) 4698
(3) س ) 4991
(4) م ) 8 , ( س ) 4990
(5) خ ) 50 , ( م ) 9
(6) م ) 8 , ( س ) 4990
(7) م ) 9 , ( جة ) 64
(8) م ) 9 , ( جة ) 64
(9) خ ) 50 , ( م ) 9
(10) م ) 8 , ( س ) 4990
(11) حب ) 173 , ( خز ) 1 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 175 , 1101 , وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث : 3 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حب ) 173 : إسناده صحيح . وذكر ( د ) 4695 من هذه الثلاثة ( الِاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَةِ ) ..(1/22)
" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ ؟ )(1)إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ ؟(2)( قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : صَدَقْتَ ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ : صَدَقْتَ )(3)( عَجِبْنَا [ مِنْهُ ](4)يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ )(5)( ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ(6)وَمَلَائِكَتِهِ(7)
__________
(1) حب ) 173 , ( خز ) 1
(2) س ) 4991
(3) س ) 4991
(4) جة ) 63
(5) م ) 8 , ( س ) 4990
(6) قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . ( فتح الباري - ح48)
(7) قَوْله : ( وَمَلَائِكَته ) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ( عِبَاد مُكْرَمُونَ ) , وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَة عَلَى الْكُتُب وَالرُّسُل نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَك بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُول وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّك لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَك عَلَى الرَّسُول . (.فتح - ح48)(1/23)
وَكُتُبِهِ , وَبِلِقَائِهِ(1)وَرُسُلِهِ [ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ](2)وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ , وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ، وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ , وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح - ح48)
(2) حم ) 184 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) أَمَّا الْبَعْث الْآخِر , فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِر تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْس الذَّاهِب ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَعْث وَقَعَ مَرَّتَيْنِ :
الْأُولَى : الْإِخْرَاج مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات بَعْد النُّطْفَة وَالْعَلَقَة إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ، وَالثَّانِيَة : الْبَعْث مِنْ بُطُونِ الْقُبُور إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار , وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِر أَيَّام الدُّنْيَا أَوْ آخِر الْأَزْمِنَة الْمَحْدُودَة ، وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْحِسَاب وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . ( فتح - ح48)(1/24)
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ(1))(2)( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ )(3)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(4)" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " ، قَالَ : صَدَقْتَ )(5)( يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الإِحْسَانُ(6)؟ , قَالَ : " الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ(7)أَنْ تَخْشَى اللَّهَ(8)كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " قَالَ : صَدَقْتَ )(9)( يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَتَى السَّاعَةُ(10)؟
__________
(1) حم ) 184
(2) خ ) 50 , ( م ) 9
(3) م ) 10 , ( س ) 4990
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991 , ( حم ) 2926
(6) إِحْسَان الْعِبَادَة الْإِخْلَاص فِيهَا , وَالْخُشُوع وَفَرَاغُ الْبَال حَال التَّلَبُّس بِهَا , وَمُرَاقَبَة الْمَعْبُود ، وَأَشَارَ فِي الْجَوَاب إِلَى حَالَتَيْنِ : أَرْفَعهُمَا أَنْ يَغْلِب عَلَيْهِ مُشَاهَدَة الْحَقّ بِقَلْبِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ , وَهُوَ قَوْله " كَأَنَّك تَرَاهُ " أَيْ : وَهُوَ يَرَاك ، وَالثَّانِيَة أَنْ يَسْتَحْضِر أَنَّ الْحَقّ مُطَّلِع عَلَيْهِ يَرَى كُلّ مَا يَعْمَل ، وَهُوَ قَوْله " فَإِنَّهُ يَرَاك " , وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ أَنَّك إِنَّمَا تُرَاعِي الْآدَاب الْمَذْكُورَة إِذَا كُنْت تَرَاهُ وَيَرَاك ، لِكَوْنِهِ يَرَاك لَا لِكَوْنِك تَرَاهُ , فَهُوَ دَائِمًا يَرَاك ، فَأَحْسِنْ عِبَادَته وَإِنْ لَمْ تَرَهُ ، فَتَقْدِير الْحَدِيث : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَاسْتَمِرَّ عَلَى إِحْسَان الْعِبَادَة فَإِنَّهُ يَرَاك .( فتح - ح48)
(7) حم ) 184
(8) م ) 10
(9) خ ) 50 , ( م ) 10
(10) أَيْ : مَتَى تَقُوم السَّاعَة ؟ , وَالْمُرَاد يَوْم الْقِيَامَة . (.فتح - ح48)(1/25)
, قَالَ : مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ(1)فِي خَمْسٍ(2)لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّه , ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّ اللَّه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ , وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ , وَيَعْلَمُ مَا فِي الَأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا , وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ , إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(3)وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا(4))(5)( إِذَا رَأَيْتَ الْأَمَةُ تَلِدُ رَبَّهَا(6)
__________
(1) قَالَ النَّوَوِيّ : يُسْتَنْبَط مِنْهُ أَنَّ الْعَالِم إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَم يُصَرِّح بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمهُ ، وَلَا يَكُون فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ مَرْتَبَته ، بَلْ يَكُون ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَزِيد وَرَعه . ( فتح - ح48)
(2) أَيْ : عِلْم وَقْت السَّاعَة دَاخِل فِي جُمْلَة خَمْس , كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ( فِي تِسْع آيَات ) , أَيْ : اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن بِهَذِهِ الْآية فِي جُمْلَة تِسْع آيَات . ( فتح - ح48)
(3) لقمان/34]
(4) أَشْرَاط السَّاعَة : عَلَامَاتهَا , وَمِنْهَا مَا يَكُون مِنْ قَبِيل الْمُعْتَاد ، وَمِنْهَا مَا يَكُون خَارِقًا لِلْعَادَةِ . ( فتح )
(5) خ ) 50 , ( م ) 10
(6) الْمُرَاد بِالرَّبِّ الْمَالِك أَوْ السَّيِّد , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي مَعْنَى ذَلِكَ ، وَقَدْ لَخَّصْتُهَا بِلَا تَدَاخُل :
الْأَوَّل : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ اِتِّسَاع الْإِسْلَام وَاسْتِيلَاء أَهْله عَلَى بِلَاد الشِّرْك وَسَبْي ذَرَارِيّهمْ ، فَإِذَا مَلَكَ الرَّجُل الْجَارِيَة وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَد مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ رَبّهَا لِأَنَّهُ وَلَد سَيِّدهَا , قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيْره : إِنَّهُ قَوْل الْأَكْثَرِينَ , قُلْت : لَكِنَّ فِي كَوْنه الْمُرَاد نَظَر ؛ لِأَنَّ اِسْتِيلَاد الْإِمَاء كَانَ مَوْجُودًا حِين الْمَقَالَة ، وَالِاسْتِيلَاء عَلَى بِلَاد الشِّرْك وَسَبْي ذَرَارِيّهمْ وَاِتِّخَاذهمْ سَرَارِيّ وَقَعَ أَكْثَره فِي صَدْر الْإِسْلَام ، وَسِيَاق الْكَلَام يَقْتَضِي الْإِشَارَة إِلَى وُقُوع مَا لَمْ يَقَع مِمَّا سَيَقَعُ قُرْب قِيَام السَّاعَة ، الثَّانِي : أَنْ تَبِيعَ السَّادَةُ أُمَّهَات أَوْلَادهمْ , وَيَكْثُر ذَلِكَ , فَيَتَدَاوَل الْمُلَّاك الْمُسْتَوْلَدَة حَتَّى يَشْتَرِيهَا وَلَدهَا وَلَا يَشْعُر بِذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي يَكُون مِنْ الْأَشْرَاط غَلَبَةُ الْجَهْل بِتَحْرِيمِ بَيْع أُمَّهَات الْأَوْلَاد , أَوْ الِاسْتِهَانَة بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة , فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَة مُخْتَلَف فِيهَا فَلَا يَصْلُح الْحَمْل عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا جَهْل وَلَا اِسْتِهَانَة عِنْد الْقَائِل بِالْجَوَازِ ، قُلْنَا : يَصْلُح أَنْ يُحْمَل عَلَى صُورَة اِتِّفَاقِيَّة كَبَيْعِهَا فِي حَال حَمْلهَا ، فَإِنَّهُ حَرَام بِالْإِجْمَاعِ .
الثَّالِث : أَنْ يَكْثُر الْعُقُوق فِي الْأَوْلَاد فَيُعَامِل الْوَلَدُ أُمَّه مُعَامَلَةَ السَّيِّد أَمَتَه مِنْ الْإِهَانَة بِالسَّبِّ وَالضَّرْب وَالِاسْتِخْدَام . فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ رَبُّهَا مَجَازًا لِذَلِكَ , أَوْ الْمُرَاد بِالرَّبِّ الْمُرَبِّي فَيَكُون حَقِيقَة ، وَهَذَا أَوْجَه الْأَوْجُه عِنْدِي لِعُمُومِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقَام يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد حَالَةٌ تَكُون مَعَ كَوْنهَا تَدُلُّ عَلَى فَسَاد الْأَحْوَال مُسْتَغْرَبَة . وَمُحَصَّلُه الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ السَّاعَة يَقْرُب قِيَامهَا عِنْد اِنْعِكَاس الْأُمُور , بِحَيْثُ يَصِير الْمُرَبَّى مُرَبِّيًا وَالسَّافِل عَالِيًا ، وَهُوَ مُنَاسِب لِقَوْلِهِ فِي الْعَلَامَة الْأُخْرَى : " أَنْ تَصِير الْحُفَاة مُلُوك الْأَرْض " . ( فتح - ح48)(1/26)
رَبَّتَهَا(1)فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا ، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ [الْجُفَاةُ ](2)الْعُرَاةُ(3)الصُّمُّ الْبُكْمُ(4)
__________
(1) خ ) 4499
(2) حم ) 9497 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) الْحُفَاة الْعُرَاة : الْمُرَاد بِهِمْ أَهْل الْبَادِيَة , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْمَقْصُود الْإِخْبَار عَنْ تَبَدُّل الْحَال بِأَنْ يَسْتَوْلِي أَهْل الْبَادِيَة عَلَى الْأَمْر , وَيَتَمَلَّكُوا الْبِلَاد بِالْقَهْرِ , فَتَكْثُر أَمْوَالهمْ , وَتَنْصَرِف هِمَمهمْ إِلَى تَشْيِيد الْبُنْيَان وَالتَّفَاخُر بِهِ ، وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَان , وَمِنْهُ الْحَدِيث الْآخَر " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَكُون أَسْعَد النَّاس بِالدُّنْيَا لُكَع اِبْن لُكَع " , وَمِنْهُ " إِذَا وُسِّدَ الْأَمْر - أَيْ : أُسْنِدَ - إِلَى غَيْر أَهْله فَانْتَظِرُوا السَّاعَة " , وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح . ( فتح - ح48)
(4) قِيلَ لَهُمْ الصُّمّ الْبُكْم مُبَالَغَة فِي وَصْفهمْ بِالْجَهْلِ ، أَيْ : لَمْ يَسْتَعْمِلُوا أَسْمَاعهمْ وَلَا أَبْصَارهمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْر دِينهمْ وَإِنْ كَانَتْ حَوَاسّهمْ سَلِيمَة .(.فتح - ح48)(1/27)
مُلُوكَ الْأَرْضِ , فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا ، وَإِذَا رَأَيْتَ [ رُعَاةَ الْإِبِلِ ](1)[وَالْغَنَمِ ](2)يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا )(3)( قَالَ : وَمَنْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " الْعُرَيْبُ )(4)"( قَالَ : ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ )(5)( فَلَمَّا لَمْ نَرَ طَرِيقَهُ بَعْدُ )(6)( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " رُدُّوهُ عَلَيَّ " , فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ )(7)( فَلَمْ يَجِدُوهُ(8))(9)( فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ(10) )(11)( أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ(12)
__________
(1) خ ) 50
(2) جة ) 64
(3) م ) 10
(4) حم ) 17207 , 17537 , انظر الصَّحِيحَة : 1345
(5) م ) 10
(6) حم ) 17207
(7) م ) 9
(8) فِي الحديث أَنَّ الْمَلَك يَجُوز أَنْ يَتَمَثَّل لِغَيْرِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُ وَيَتَكَلَّم بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَع ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَع كَلَام الْمَلَائِكَة . ( فتح - ح48)
(9) حم ) 374 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
(10) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : اِشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى جَمِيع وَظَائِف الْعِبَادَات الظَّاهِرَة وَالْبَاطِنَة مِنْ عُقُود الْإِيمَان , اِبْتِدَاءً وَحَالًا وَمَآلًا , وَمِنْ أَعْمَال الْجَوَارِح ، وَمِنْ إِخْلَاص السَّرَائِر , وَالتَّحَفُّظ مِنْ آفَات الْأَعْمَال ، حَتَّى إِنَّ عُلُوم الشَّرِيعَة كُلّهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ وَمُتَشَعِّبَة مِنْهُ . ( فتح - ح48)
(11) خ ) 50 , ( م ) 8 , ( د ) 4695
(12) أَيْ : أَيْ : مَسَائِله ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 55)(1/28)
)(1)"
( عب يع طب ) , وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ : الْإِسْلَامُ سَهْمٌ ، وَالصَلَاةُ سَهْمٌ ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ ، وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ ، وَالصِّيَامُ سَهْمٌ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ , وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَهْمٌ ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ "(2)
( ك هق ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّه لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمَ الصَلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِكَ ، فَمَنِ انْتَقَصَ شَيْئًا مِنْهُنَّ فَهُوَ سَهْمٌ مِنَ الْإِسْلَامِ يَدَعُهُ ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ كُلَّهُنَّ فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ "(3)
( حم ك طب ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) ت ) 2610 , ( جة ) 63
(2) يع ) 523 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 741 , 2324
(3) ك ) 53 , ( هق ) 7029 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 2324(1/29)
" ثَلَاث أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ : لَا يَجْعَلُ اللَّهُ - عز وجل - مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ(1)وَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثةٌ : الصّلَاةُ ، وَالصَّوْمُ ، وَالزَّكَاةُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا(2)فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(3)وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا(4)إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ مَعَهُمْ(5)وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ(6)لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(7)
( م حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بقَالَ :
__________
(1) أَيْ : لا يساويه به في الآخرة . فيض القدير - (ج 3 / ص 392)
(2) أَيْ : فيحفظه ويرعاه ويوفقه . فيض القدير - (ج 3 / ص 392)
(3) بل كما يتولاه في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة يتولاه في العقبى ولا يَكِلُه إلى غيره . فيض القدير - (ج 3 / ص 392)
(4) أَيْ : في الدنيا . فيض القدير - (ج 3 / ص 392)
(5) فمن أحب أهل الخير كان معهم , ومن أحب أهل الشر كان معهم , والمرء مع من أحب . فيض القدير - (ج 3 / ص 392)
(6) أَيْ : رجوت لا يلحقني إثم بسبب حَلْفي عليها . فيض القدير - (ج 3 / ص 392)
(7) حم ) ح25164 ، ( ك ) 49 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3021 , والصَّحِيحَة : 1387(1/30)
أَتَى النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ - رضي الله عنه - (1)إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ وَصُمْتُ رَمَضَانَ , وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ , وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ(2)وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا , أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " , فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا . (3)
( خز حب ) , وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) هو الْأَنْصَارِيّ الْأَوْسِيّ ، وَقَوْقَل جَدُّه , وَرَوَى الْبَغَوِيُّ فِي الصَّحَابَة " أَنَّ النُّعْمَان بْن قَوْقَل قَالَ يَوْم أُحُد : أَقْسَمْت عَلَيْك يَا رَبّ أَنْ لَا تَغِيب الشَّمْس حَتَّى أَطَأ بِعَرْجَتِي فِي الْجَنَّة , فَاسْتُشْهِدَ ذَلِكَ الْيَوْم ، فَقَالَ النَّبِيّ > : لَقَدْ رَأَيْته فِي الْجَنَّة " . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 435)
(2) قَوْله : ( وَحَرَّمْت الْحَرَام ) ، أَرَادَ بِهِ أَمْرَيْنِ : أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَرَامًا ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ , بِخِلَافِ تَحْلِيل الْحَلَال , فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ اِعْتِقَادِهِ حَلَالًا . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 78)
(3) م ) 15، ( حم ) 14434(1/31)
" جَاءَ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَصُمْتُ الشَّهْرَ ، وَقُمْتُ رَمَضَانَ , وَآتَيْتُ الزَّكَاةَ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ "(1)
( هق ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
أَتَى نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَهْلَ قُرَانَا زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عَمَلٌ دُونَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّه ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَأَحْسَنْتُمْ عِبَادَةَ اللَّهِ فَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ "(2)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبًا ، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ "(3)
( س حم ) , وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خز ) 2212 , ( حب ) 3438 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :749 , وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة : 2212 ,
وفي كتاب : قيام رمضان ص12 وقال : صحيح الإسناد .
(2) هق ) 17553 , انظر الصَّحِيحَة : 3146
(3) حم ) 8722 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3247 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1339(1/32)
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ أَنْ لَا آتِيَكَ )(1)( وَلَا آتِيَ دِينَكَ(2))(3)( - وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى – )(4)( وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ(5)
__________
(1) حم ) 20036 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(2) يُرِيد أَنَّهُ كَانَ كَارِهًا لَهُ وَلِدِينِهِ > إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى مَنَّ عَلَيْهِ . شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 460)
(3) س ) 2436
(4) حم ) 20049 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(5) مَقْصُودُه أَنَّهُ ضَعِيفُ الرَّأْيِ عَقِيمُ النَّظَرِ , فَيَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ > أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَعْلِيمه وَإِفْهَامه ..شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 460)(1/33)
)(1)( وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ بِمَ بَعَثَكَ رَبُّنَا إِلَيْنَا ؟ , قَالَ : " بِالْإِسْلَامِ " )(2)( قُلْتُ : وَمَا الْإِسْلَامُ ؟ , قَالَ : " أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَكَ لِلَّهِ تَعَالَى , وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَكَ إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَتُصَلِّيَ الصَلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ , وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ )(3)( وَيَسْلُمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ ، قُلْتُ : فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ " ، قُلْتُ : فَمَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " تُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ " ، قُلْتُ : فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ ؟ , قَالَ : " الْهِجْرَةُ " ، قُلْتُ : وَمَا الْهِجْرَةُ ؟ , قَالَ : " أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ " ، قُلْتُ : فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ ؟ , قَالَ : " الْجِهَادُ " ، قُلْتُ : وَمَا الْجِهَادُ ؟ , قَالَ : " أَنْ تُقَاتِلَ الْكُفَّارَ إِذَا لَقِيتَهُمْ ، وَلَا تَغُلَّ وَلِا تَجْبُنْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ثُمَّ عَمَلَانِ هُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ عَمَلَا بِمِثْلِهِمَا - وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى هَكَذَا - : حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ ، أَوْ عُمْرَةٌ مَبْرُورَةٌ )(4)"
( خ م س حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) س ) 2436
(2) س ) 2436 , ( حم ) 20049
(3) حم ) 20036 , ( س ) 2436 , وحسن الألباني الحديث في الصحيحة : 369
(4) حم ) 17068 , وصحح الألباني الحديث في كتاب الإيمان لابن تيمية ص5 , وانظر الصحيحة تحت حديث : 551(1/34)
" ( نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ(1)فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجيءَ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ(2)فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ )(3)( فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ , إذْ دَخَلَ رَجُلٌ )(4)( مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ )(5)( عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ(6)
__________
(1) أَيْ : مِمَّا لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 74)
(2) لأنه لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ النَّهْي عَنْ السُّؤَال . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 74)
(3) م ) 12 , ( س ) 2091
(4) خ ) 63 , ( م ) 12
(5) م ) 12 , ( ت ) 619
(6) قَوْله : ( فِي الْمَسْجِد ) اِسْتَنْبَطَ مِنْهُ اِبْن بَطَّال وَغَيْره طَهَارَة أَبْوَال الْإِبِل وَأَرْوَاثهَا ، إِذْ لَا يُؤْمَن ذَلِكَ مِنْهُ مُدَّة كَوْنه فِي الْمَسْجِد ، وَلَمْ يُنْكِرهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَدَلَالَته غَيْر وَاضِحَة ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّد اِحْتِمَال ، وَيَدْفَعهُ رِوَايَة أَبِي نُعَيْمٍ : " أَقْبَلَ عَلَى بَعِير لَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد فَأَنَاخَهُ ثُمَّ عَقَلَهُ فَدَخَلَ الْمَسْجِد " , فَهَذَا السِّيَاق يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَا دَخَلَ بِهِ الْمَسْجِد ، وَأَصْرَح مِنْهُ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس عِنْد أَحْمَد وَالْحَاكِم وَلَفْظهَا : " فَأَنَاخَ بَعِيره عَلَى بَاب الْمَسْجِد فَعَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ " ،
فَعَلَى هَذَا فِي رِوَايَة أَنَس مَجَاز الْحَذْف ، وَالتَّقْدِير : فَأَنَاخَهُ فِي سَاحَة الْمَسْجِد ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ . ( فتح الباري - ح63)(1/35)
ثُمَّ عَقَلَهُ(1)ثُمَّ قَالَ لَنَا : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ )(2)( فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الَأَبْيَضُ(3)الْمُتَّكِئُ(4)فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قَدْ أَجَبْتُكَ " ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ(5)فَقَالَ : " سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ " )(6)( فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ(7)
__________
(1) أَيْ : شَدَّ عَلَى سَاق الْجَمَل - بَعْد أَنْ ثَنَى رُكْبَته - حَبْلًا .
(2) خ ) 63 , ( د ) 486
(3) الْأَبْيَض : أَيْ الْمُشْرَب بِحُمْرَةٍ , كَمَا فِي رِوَايَة الْحَارِث بْن عُمَيْر " الْأَمْغَر " بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة , قَالَ حَمْزَة بْن الْحَارِث : هُوَ الْأَبْيَض الْمُشْرَب بِحُمْرَةٍ , وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي فِي صِفَته - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَبْيَض وَلَا آدَم ، أَيْ : لَمْ يَكُنْ أَبْيَض صِرْفًا .( فتح - ح63)
(4) فِيهِ جَوَاز اِتِّكَاء الْإِمَام بَيْن أَتْبَاعه ، وَفِيهِ مَا كَانَ رَسُول اللَّه > عَلَيْهِ مِنْ تَرْك التَّكَبُّر , لِقَوْلِهِ ( بَيْن ظَهْرَانَيْهِمْ ) . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 100)
(5) أَيْ : لَا تَغْضَب .
(6) خ ) 63 , ( س ) 2092
(7) قَوْله : ( زَعَمَ وَتَزْعُم ) مَعَ تَصْدِيق رَسُول اللَّه > إِيَّاهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ زَعَمَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْكَذِبِ وَالْقَوْلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ ، بَلْ يَكُون أَيْضًا فِي الْقَوْل الْمُحَقَّق ، وَالصِّدْق الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ..شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 74)(1/36)
أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ : " صَدَقَ " , قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ ؟ , قَالَ : " اللَّهُ " ، قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ ؟ قَالَ : " اللَّهُ " ، قَالَ : فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ ؟ , قَالَ : " اللَّهُ " )(1)( قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ )(2)( إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ نَعَمْ(3)" , قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ(4)آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " , قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا(5)؟
__________
(1) م ) 12 , ( س ) 2091
(2) م ) 12 , ( خ ) 63
(3) الْجَوَاب حَصَلَ بِنَعَمْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ( اللَّهُمَّ ) تَبَرُّكًا بِهَا ، وَكَأَنَّهُ اِسْتَشْهَدَ بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِصِدْقِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 100)
(4) نَشَدْتُك بِاللَّهِ : أَيْ سَأَلْتُك بِاَللَّهِ . ( فتح - ح63)
(5) قَوْله : " عَلَى فُقَرَائِنَا " خَرَجَ مَخْرَج الْأَغْلَب , لِأَنَّهُمْ مُعْظَمُ أَهْلِ الصَّدَقَة . (.فتح - ح63)(1/37)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " )(1)( قَالَ : فَأَنْشُدُكَ بِهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ يَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " )(2)( فَقَالَ الرَّجُلُ : فَإِنِّي آمَنْتُ وَصَدَّقْتُ )(3)( بِمَا جِئْتَ بِهِ , وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي , وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ، أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ )(4)( قَالَ : فَأَتَى إِلَى بَعِيرِهِ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ : بِئْسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى ، قَالُوا : مَهْ يَا ضِمَامُ ، اتَّقِ الْبَرَصَ وَالْجُذَامَ ، اتَّقِ الْجُنُونَ ، قَالَ : وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ , قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ب: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ )(5).
(
__________
(1) خ ) 63 , ( م ) 12
(2) س ) 2094 , ( ت ) 619
(3) س ) 2094 , ( خ ) 63
(4) خ ) 63 , ( س ) 2092
(5) حم ) 2380 , وحسنه الألباني في فقه السيرة ص424 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .(1/38)
خ م س ) , وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه - رضي الله عنه - قَالَ :
( جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ(1)إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , ثَائِرَ الرَّأْسِ(2)يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ(3)وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ , حَتَّى دَنَا )(4)( مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(5)( فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ(6)
__________
(1) النَّجْد فِي الْأَصْل : مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض , ضِدّ الْتِّهَامة ، سُمِّيَتْ بِهِ الْأَرْض الْوَاقِعَة بَيْن مَكَّة والْعِرَاق . عون المعبود - (ج 1 / ص 437)
(2) الْمُرَادُ أَنَّ شَعْره مُتَفَرِّق مِنْ تَرْك الرَّفَاهِيَة . ( فتح - ح46)
(3) الدَّوِيّ : صَوْتٌ مُرْتَفِع مُتَكَرِّر وَلَا يُفْهَم , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَادَى مِنْ بُعْد . ( فتح - ح46)
(4) خ ) 46 , ( م ) 11
(5) م ) 11
(6) أَيْ : عَنْ شَرَائِع الْإِسْلَام ، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ حَقِيقَة الْإِسْلَام ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُر لَهُ الشَّهَادَة لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمهَا , أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْأَل عَنْ الشَّرَائِع الْفِعْلِيَّة ، أَوْ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَنْقُلهَا الرَّاوِي لِشُهْرَتِهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُر الْحَجّ لِأَنَّ الرَّاوِي اِخْتَصَرَهُ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا القول مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي الصِّيَام عَنْ أَبِي سُهَيْل فِي هَذَا الْحَدِيث قَالَ : فَأَخْبَرَهُ رَسُول اللَّه > بِشَرَائِع الْإِسْلَام ، فَدَخَلَ فِيهِ بَاقِي الْمَفْرُوضَات , بَلْ وَالْمَنْدُوبَات . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 73)
قال النووي : وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْحَدِيث ذِكْرُ الْحَجّ ، وَلَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيث جِبْرِيل مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة ، وَكَذَا غَيْر هَذَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث لَمْ يُذْكَرْ فِي بَعْضهَا الصَّوْمُ ، وَلَمْ يُذْكَر فِي بَعْضهَا الزَّكَاةُ ، وَذُكِرَ فِي بَعْضهَا صِلَةُ الرَّحِمِ ، وَفِي بَعْضهَا أَدَاءُ الْخُمُسِ ، وَلَمْ يَقَع فِي بَعْضهَا ذِكْر الْإِيمَان ، فَتَفَاوَتَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي عَدَد خِصَال الْإِيمَان زِيَادَةً وَنَقْصًا وَإِثْبَاتًا وَحَذْفًا , وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْهَا فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ صَادِرٍ مِنْ رَسُول اللَّه > بَلْ هُوَ مِنْ تَفَاوُتِ الرُّوَاةِ فِي الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَّرَ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا حَفِظَهُ فَأَدَّاهُ , وَلَمْ يَتَعَرَّض لِمَا زَادَهُ غَيْره بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ , وَإِنْ كَانَ اِقْتِصَاره عَلَى ذَلِكَ يُشْعِر بِأَنَّهُ الْكُلُّ , فَقَدْ بَانَ بِمَا أَتَى بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَات أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْكُلِّ ، وَأَنَّ اِقْتِصَاره عَلَيْهِ كَانَ لِقُصُورِ حِفْظِهِ عَنْ تَمَامِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 73)(1/39)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ(1)فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ , قَالَ : " لَا , إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ(2)ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَصِيَامُ رَمَضَانَ " , فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ , قَالَ : " لَا , إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ , وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ " , فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : " لَا , إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " )(3)وفي رواية : ( قَالَ : فَأَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الزَّكَاةِ , " فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ(4)
__________
(1) قَوْله : ( خَمْس صَلَوَات ) يُسْتَفَاد مِنْه أَنَّهُ لَا يَجِب شَيْء مِنْ الصَّلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة غَيْر الْخَمْس ، خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ الْوِتْر , أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْر , أَوْ صَلَاة الضُّحَى , أَوْ صَلَاة الْعِيد , أَوْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْد الْمَغْرِب . ( فتح - ح46)
(2) كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَجِب عَلَيْك شَيْء ، إِلَّا إِنْ أَرَدْت أَنْ تَطَّوَّع فَذَلِكَ لَك . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 73)
(3) خ ) 1333 , ( م ) 14
(4) تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ فِي الْقِصَّة أَشْيَاء أُجْمِلَتْ ، مِنْهَا بَيَان نُصُب الزَّكَاة , فَإِنَّهَا لَمْ تُفَسَّر فِي الرِّوَايَتَيْنِ ، وَكَذَا أَسْمَاء الصَّلَوَات ، وَكَأَنَّ السَّبَب فِيهِ شُهْرَة ذَلِكَ عِنْدهمْ , أَوْ الْقَصْد مِنْ الْقِصَّة بَيَان أَنَّ الْمُتَمَسِّك بِالْفَرَائِضِ نَاجٍ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلَ النَّوَافِل ..فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 73)(1/40)
" )(1)( قَالَ : فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ(2)
__________
(1) خ ) 6556 , ( س ) 2090
(2) يُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي النَّافِلَة مَعَ أَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِض , وَهَذَا مُفْلِحٌ بِلَا شَكٍّ , وَإِنْ كَانَتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَى تَرْكِ السُّنَن مَذْمُومَة , وَتُرَدّ بِهَا الشَّهَادَةُ , إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ , بَلْ هُوَ مُفْلِحٌ نَاجٍ . وَاَللَّه أَعْلَمُ ..شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 73)(1/41)
)(1)( فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : )(2)( " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ(3)
__________
(1) خ ) 46 , ( م ) 11
(2) خ ) 1333 , ( م ) 14
(3) وَقَعَ عِنْد ( م ) 11 , ( د ) 392 : " أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ " أَوْ " دَخَلَ الْجَنَّة وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ " , فَإِنْ قِيلَ : مَا الْجَامِع بَيْن هَذَا وَبَيْن النَّهْي عَنْ الْحَلِف بِالْآبَاءِ ؟ , أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْل النَّهْي , أَوْ بِأَنَّهَا كَلِمَة جَارِيَة عَلَى اللِّسَان لَا يُقْصَد بِهَا الْحَلِف ، كَمَا جَرَى عَلَى لِسَانهمْ ( عَقْرَى ، حَلْقَى ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، أَوْ فِيهِ إِضْمَار اِسْم الرَّبّ كَأَنَّهُ قَالَ : وَرَبّ أَبِيهِ ، وَقِيلَ : هُوَ خَاصّ , وَيَحْتَاج إِلَى دَلِيل ، وَأَقْوَى الْأَجْوِبَة الْأَوَّلَانِ , وَدَلَّ قَوْله " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ " عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْدُق فِيمَا اِلْتَزَمَ لَا يُفْلِح ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْل الْمُرْجِئَة ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْف أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاح بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر الْمَنْهِيَّات ؟ , أَجَابَ اِبْنُ بَطَّال بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ قَبْل وُرُود فَرَائِض النَّهْي , وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّ السَّائِل ضِمَام ، وَأَقْدَمُ مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ وَفَدَ سَنَة خَمْس ، وَقِيلَ بَعْد ذَلِكَ ، وَقَدْ كَانَ أَكْثَر الْمَنْهِيَّات وَاقِعًا قَبْل ذَلِكَ , وَالصَّوَاب أَنَّ ذَلِكَ دَاخِل فِي عُمُوم قَوْله " فَأَخْبَرَهُ بِشَرَائِع الْإِسْلَام " كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 73)(1/42)
)(1)لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ(2)مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا(3)"
( س د طل حم ) , وَعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ :
( كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - ، فَذَكَرُوا الْوِتْرَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَاجِبٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : سُنَّةٌ ،
فَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يَقُولُ لَكَ :
__________
(1) خ ) 46 , ( م ) 11
(2) س ) 459 , ( خ ) 1891 , تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة بَيَانَ أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِالْفَرَائِضِ نَاجٍ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلَ النَّوَافِل . ( فتح - ح46)
(3) خ ) 1333 , ( م ) 14(1/43)
إِنِّي قَدْ فَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ )(1)( مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ(2)وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ , وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ )(3)( وَسُجُودَهُنَّ )(4)( وَخُشُوعَهُنَّ )(5)( وَلَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْهُنَّ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ(6))(7)( كَانَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ )(8)( وَأُدْخِلَهُ بِهِنَّ الْجَنَّةَ )(9)( وَمَنْ لَقِيَنِي )(10)( قَدْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ )(11)وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ(12)( فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ ، إِنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُ ، وَإِنْ شِئْتُ رَحِمْتُهُ (13))(14)"
(
__________
(1) طل ) 573 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 77 , الصَّحِيحَة : 842
(2) أَيْ : بِمُرَاعَاةِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِه . عون المعبود - (ج 1 / ص 467)
(3) د ) 425 , ( حم ) 22756
(4) طل ) 573 , ( حم ) 22756 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) د ) 1420 , ( حم ) 22756
(6) أَيْ : اِحْتِرَازًا عَمًّا إِذَا ضَاعَ شَيْء سَهْوًا وَنِسْيَانًا . شرح سنن النسائي - (ج 1 / ص 322)
(7) س ) 461 , ( د ) 1420
(8) حم ) 22756 , ( د ) 425
(9) طل ) 573 , ( س ) 461
(10) طل ) 573
(11) جة ) 1401
(12) د ) 425
(13) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُحَافِظ عَلَى الصَّلَوَات يُوَفَّق لِلصَّالِحَاتِ بِحَيْثُ يَدْخُل الْجَنَّة اِبْتِدَاء , وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ تَارِك الصَّلَوَات مُؤْمِن كَمَا لَا يَخْفَى , وَمَعْنَى ( عَذَّبَهُ ) أَيْ : عَلَى قَدْر ذُنُوبه , وَمَعْنَى ( أَدْخَلَهُ الْجَنَّة ) أَيْ : اِبْتِدَاء بِمَغْفِرَتِهِ , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . شرح سنن النسائي - (ج 1 / ص 322)
(14) طل ) 573 , ( س ) 461 , ( د ) 1420(1/44)
خ ت س ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَأَقَامَ الصَلَاةَ )(1)( وَآتَى الزَّكَاةَ )(2)( وَصَامَ رَمَضَانَ )(3)( وَحَجَّ الْبَيْتَ )(4)( وَمَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا )(5)( كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ )(6)كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ(7)( هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )(8)جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ(9)( أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا(10))(11)( فَقَالَ مُعَاذٌ : )(12)( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا نُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ؟ )(13)( قَالَ : " ذَرْ النَّاسَ يَعْمَلُونَ(14)
__________
(1) خ ) 6987 , ( حم ) 8400
(2) س ) 3132
(3) خ ) 2637 , ( ت ) 2529
(4) ت ) 2529
(5) س ) 3132
(6) خ ) 2637 , ( حم ) 8400
(7) ت ) 2529 , ( س ) 3132
(8) خ ) 6987 , ( ت ) 2529
(9) خ ) 2637
(10) قَوْله : ( أَوْ جَلَسَ فِي أرضه ) فِيهِ تَأْنِيس لِمَنْ حُرِمَ الْجِهَاد , وَأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرُومًا مِنْ الْأَجْر ، بَلْ لَهُ مِنْ الْإِيمَان وَالْتِزَام الْفَرَائِض مَا يُوَصِّلهُ إِلَى الْجَنَّة , وَإِنْ قَصُرَ عَنْ دَرَجَة الْمُجَاهِدِينَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 377)
(11) خ ) 2637 , ( ت ) 2529
(12) ت ) 2529
(13) س ) 3132 , ( خ ) 6987
(14) أَيْ : يَجْتَهِدُونَ فِي زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ , وَلَا يَتَّكِلُونَ عَلَى هَذَا الْإِجْمَالِ ..تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 321)(1/45)
)(1)( فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّه لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ(2)مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ(3)
__________
(1) ت ) 2529
(2) الْمُرَاد : لَا تُبَشِّر النَّاس بِمَا ذَكَرْته مِنْ دُخُول الْجَنَّة لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ الْأَعْمَال الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِ فَيَقِفُوا عِنْد ذَلِكَ وَلَا يَتَجَاوَزُوهُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ مِنْ الدَّرَجَات الَّتِي تَحْصُل بِالْجِهَادِ ، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَة فِي قَوْله " أَعَدَّهَا اللَّه لِلْمُجَاهِدِينَ " وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى قَوْل بَعْض شُرَّاح الْمَصَابِيح : سَوَّى النَّبِيُّ > بَيْن الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَبَيْن عَدَمه , وَهُوَ الْجُلُوس فِي الْأَرْض الَّتِي وُلِدَ الْمَرْء فِيهَا ، وَوَجْه التَّعَقُّب أَنَّ التَّسْوِيَة لَيْسَتْ كُلّ عُمُومهَا , وَإِنَّمَا هِيَ فِي أَصْل دُخُول الْجَنَّة , لَا فِي تَفَاوُت الدَّرَجَات كَمَا قَرَّرْته ، وَاَللَّه أَعْلَم , وَلَيْسَ فِي هَذَا السِّيَاق مَا يَنْفِي أَنْ يَكُون فِي الْجَنَّة دَرَجَات أُخْرَى أُعِدَّتْ لِغَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ دُونَ دَرَجَة الْمُجَاهِدِينَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 377)
(3) فِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ دَرَجَة الْمُجَاهِد قَدْ يَنَالهَا غَيْر الْمُجَاهِد , إِمَّا بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَة أَوْ بِمَا يُوَازِيه مِنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة , لِأَنَّهُ > أَمَرَ الْجَمِيع بِالدُّعَاءِ بِالْفِرْدَوْسِ بَعْد أَنْ أَعْلَمهُمْ أَنَّهُ أَعَدَّ لِلْمُجَاهِدِينَ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 377)(1/46)
فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ(1)وَمِنْهُ(2)تَنْفَجِرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ )(3)( الْأَرْبَعَةُ(4))(5)( وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ )(6)( وفي رواية(7): فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ(8)فَإِنَّهُ سِرُّ الْجَنَّةِ ، يَقُولُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ لِرَاعِيهِ : عَلَيْكَ بِسِرِّ الْوَادِي ، فَإِنَّهُ أَمْرَعُهُ(9)وَأَعْشَبُهُ "
( د طص ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الْمُرَاد بِالْأَوْسَطِ هُنَا الْأَعْدَل وَالْأَفْضَل , كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا ) , فَعَطَفَ الْأَعْلَى عَلَيْهِ لِلتَّأْكِيدِ ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْمُرَاد بِأَحَدِهَا الْعُلُوّ الْحِسِّيّ , وَبِالْآخَرِ الْعُلُوّ الْمَعْنَوِيّ , وَقَالَ اِبْن حِبَّانَ : الْمُرَاد بِالْأَوْسَطِ السَّعَة ، وَبِالْأَعْلَى الْفَوْقِيَّة . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 377)
(2) أَيْ : مِنْ الْفِرْدَوْس . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 377)
(3) خ ) 2637 , ( ت ) 2529
(4) أَيْ : أُصُولُ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 321)
(5) ت ) 2531 , ( حم ) 22790
(6) خ ) 2637 , ( ت ) 2529
(7) طب ) ج18ص254ح635 , وصححها الألباني في الصَّحِيحَة : 3972
(8) الْفِرْدَوْس : هُوَ الْبُسْتَان الَّذِي يَجْمَع كُلّ شَيْء ، وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي فِيهِ الْعِنَب ، وَقِيلَ : هُوَ بِالرُّومِيَّةِ , وَقِيلَ : بِالْقِبْطِيَّةِ , وَقِيلَ : بِالسُّرْيَانِيَّةِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 377)
(9) أَيْ : أخصَبُه .(1/47)
" ( خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ : مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ , عَلَى وُضُوئِهِنَّ , وَرُكُوعِهِنَّ , وَسُجُودِهِنَّ , وَمَوَاقِيتِهِنَّ , وَصَامَ رَمَضَانَ , وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا , وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا(1)نَفْسُهُ , وَأَدَّى الْأَمَانَةَ " , فَقَالُوا لِأَبِي الدَّرْدَاءِ : وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ ؟ , قَالَ : الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ(2))(3)( فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرِهَا )(4).
( يع طس ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا فَهُوَ مُنْجِزُهُ لَهُ ، وَمَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ "(5)
__________
(1) أَيْ : بِالزَّكَاةِ . عون المعبود - (ج 1 / ص 471)
(2) الْأَمَانَة تَقَع عَلَى الطَّاعَة وَالْعِبَادَة وَالْوَدِيعَة وَالثِّقَة وَالْأَمَان ، وَقَدْ جَاءَ فِي كُلّ مِنْهَا حَدِيث , وَقَدْ فَسَّرَ أَبُو الدَّرْدَاء حَاصِل الْحَدِيث بِأَنَّهُ الْغُسْل مِنْ الْجَنَابَة . عون المعبود - (ج 1 / ص 471)
(3) د ) 429
(4) طص ) ج2/ص56/ح772 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 369
(5) يع ) 3316 , ( طس ) 8516 , , صححه الألباني في ظلال الجنة : 960 , والصَّحِيحَة : 2463
وقال الألباني في الصَّحِيحَة : هذا الحديث يشهد لشطره الأول آيات كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى : ( لَا يخلف الله وعده ) وقوله : ( ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون )وأما الشطر الآخر ، فيشهد له حديث عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ : " ... ومن عبد الله ... وسمع وعصى ، فإن الله تعالى من أمره بالخيار ، إن شاء رحمه ، وإن شاء عذبه " . أخرجه أحمد وغيره بسند حسن . أ . هـ(1/48)
( خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ , قَالَ : " مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ(1)لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ(2))(3)( أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ )(4)"
( طس ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَقِيَ , غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى ، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ ، أُخِذَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ "(5)
__________
(1) الْمُرَاد بِالْإِحْسَانِ هُنَا الدُّخُول فِي الْإِسْلَام بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن جَمِيعًا ، وَأَنْ يَكُون مُسْلِمًا حَقِيقِيًّا , فَهَذَا يُغْفَر لَهُ مَا سَلَف فِي الْكُفْر بِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز وَالْحَدِيث الصَّحِيح : " الْإِسْلَامُ يَهْدِم مَا قَبْله " , وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا مَعْرُوف فِي اِسْتِعْمَال الشَّرْع ؛ يَقُولُونَ : حَسُنَ إِسْلَام فُلَان , إِذَا دَخَلَ فِيهِ حَقِيقَة بِإِخْلَاصٍ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 234)
(2) الْمُرَاد بِالْإِسَاءَةِ عَدَم الدُّخُول فِي الْإِسْلَام بِقَلْبِهِ , بَلْ يَكُون مُنْقَادًا فِي الظَّاهِر لِلشَّهَادَتَيْنِ , غَيْرَ مُعْتَقِد لِلْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ ؛ فَهَذَا مُنَافِق بَاقٍ عَلَى كُفْره بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، فَيُؤَاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّة قَبْل إِظْهَار صُورَة الْإِسْلَام , وَبِمَا عَمِلَ بَعْد إِظْهَارهَا لِأَنَّهُ مُسْتَمِرّ عَلَى كُفْره . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 234)
(3) خ ) 6523 , ( م ) 120
(4) م ) 120 , ( خ ) 6523
(5) طس ) 6806 , انظر الصَّحِيحَة : 3389
(
3) أَيْ : أَتَبَرَّرُ بِهَا .(1/49)
( خ م ) , وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ(1)بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ , فَهَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ ؟ )(2)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ(3))(4)"
__________
(1) أَيْ : أَتَقَرَّبُ ، وَالْحِنْث فِي الْأَصْلِ الْإِثْم ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أُلْقِي عَنِّي الْإِثْم . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 40)
(2) خ ) 1369 , ( خ ) 2107 , ( م ) 123
(3) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي أَسْلَفَهُ كُتِبَ لَهُ ، وَالتَّقْدِير : أَسْلَمْتُ عَلَى قَبُولِ مَا سَلَفَ لَك مِنْ خَيْرٍ , وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّ الْكَافِرَ لَا يُثَابُ , فَحُمِلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوهٍ أُخْرَى , مِنْهَا أَنَّك بِبَرَكَةِ فِعْلِ الْخَيْرِ هُدِيتَ إِلَى الْإِسْلَامِ , لِأَنَّ الْمَبَادِئَ عُنْوَان الْغَايَات ، أَوْ أَنَّك بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ رُزِقْت الرِّزْق الْوَاسِع , قَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ : قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ > وَرَّى عَنْ جَوَابِهِ ، فَإِنَّهُ سَأَلَ : هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ ؟ , فَقَالَ : أَسْلَمْت عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْر , وَالْعِتْقُ فِعْل خَيْر ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّك فَعَلْت الْخَيْرَ , وَالْخَيْرُ يُمْدَحُ فَاعِله وَيُجَازَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَنَس مَرْفُوعًا " أَنَّ الْكَافِرَ يُثَابُ فِي الدُّنْيَا بِالرِّزْقِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ حَسَنَة " . فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 40)
(4) خ ) 2401 , ( م ) 123(1/50)
إسْلَامُ قَائِلِ الشَّهَادَتَيْن(1)
( م س حم ) , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ(2)فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا , وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ , آسَفُ(3)كَمَا يَأْسَفُونَ )(4)( فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً(5)
__________
(1) أَيْ : المُقِرُّ بهما يصدق قلبه لسانه , وأن لا يأتي بناقض من نواقض التوحيد بعد نطقه بالشهادتين .ع
(2) الْجَوَّانِيَّة - بِقُرْبِ أُحُد - مَوْضِع فِي شَمَالِي الْمَدِينَة ، وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى جَوَاز اِسْتِخْدَام السَّيِّد جَارِيَته فِي الرَّعْي وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِد فِي الْمَرْعَى ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْع مُسَافَرَة الْمَرْأَة وَحْدهَا ، لِأَنَّ السَّفَر مَظِنَّة الطَّمَع فِيهَا وَانْقِطَاع نَاصِرهَا وَالذَّابّ عَنْهَا وَبَعْدهَا مِنْهُ ، بِخِلَافِ الرَّاعِيَة ، وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَة مِنْ رَعْيهَا - لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُون فِي النَّاحِيَة الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْو ذَلِكَ - لَمْ يَسْتَرْعِهَا ، وَلَمْ تُمَكَّن الْحُرَّة وَلَا الْأَمَة مِنْ الرَّعْي حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِير فِي مَعْنَى السَّفَر الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْع عَلَى الْمَرْأَة . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 298)
(3) أَيْ : أَغْضَب . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 298)
(4) م ) 537 , ( س ) 1218
(5) أَيْ : لَطَمْتُهَا ..شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 298)(1/51)
)(1)( فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا ؟ , قَالَ : " ائْتِنِي بِهَا " , فَأَتَيْتُهُ بِهَا , فَقَالَ لَهَا : " أَيْنَ اللَّهُ ؟ " , قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ(2)
__________
(1) س ) 1218 , ( م ) 537
(2) هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات ، وَفِيهَا مَذْهَبَانِ : أَحَدهمَا : الْإِيمَان بِهِ مِنْ غَيْر خَوْض فِي مَعْنَاهُ ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَتَنْزِيهه عَنْ سِمَات الْمَخْلُوقَات , وَالثَّانِي : تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بِهِ ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ : كَانَ الْمُرَاد اِمْتِحَانهَا ، هَلْ هِيَ مُوَحِّدَة تُقِرّ بِأَنَّ الْخَالِق الْمُدَبِّر الْفَعَّال هُوَ اللَّه وَحْده ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اِسْتَقْبَلَ السَّمَاء كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة , ومَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَة فَوْق مِنْ غَيْر تَحْدِيد وَلَا تَكْيِيف مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ : فِي السَّمَاء ، أَيْ : عَلَى السَّمَاء ، لَكِنْ إِطْلَاق مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْع مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِر فَوْق عِبَاده ، وَأَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش ، مَعَ التَّمَسُّك بِالْآيَةِ الْجَامِعَة لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيّ الَّذِي لَا يَصِحّ فِي الْمَعْقُول غَيْره ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } عِصْمَة لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّه تَعَالَى ..شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 298)(1/52)
قَالَ : " مَنْ أَنَا ؟ " , قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ )(1)( قَالَ : " أَتُؤْمِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؟ " , قَالَتْ : نَعَمْ )(2)( قَالَ : " أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ(3)
__________
(1) م ) 537 , ( س ) 1218
(2) حم ) 15781 , انظر الصَّحِيحَة : 3161
(3) فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ إِعْتَاق الْمُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِعْتَاق الْكَافِر ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز عِتْق الْكَافِر فِي غَيْر الْكَفَّارَات ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئ الْكَافِر فِي كَفَّارَة الْقَتْل ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن , وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَة الظِّهَار وَالْيَمِين وَالْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَان ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْجُمْهُور : لَا يُجْزِئهُ إِلَّا مُؤْمِنَة حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّد فِي كَفَّارَة الْقَتْل ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَالْكُوفِيُّونَ : يُجْزِئهُ الْكَافِر لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَة , وقَوْله > : ( أَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاء قَالَ : مَنْ أَنَا ؟ , قَالَتْ : أَنْتَ رَسُول اللَّه , قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة ) فِيهِ : دَلِيل عَلَى أَنَّ الْكَافِر لَا يَصِير مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ النبي > , وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّة إِيمَانه وَكَوْنه مِنْ أَهْل الْقِبْلَة وَالْجَنَّة ، وَلَا يُكَلَّف مَعَ هَذَا إِقَامَة الدَّلِيل وَالْبُرْهَان عَلَى ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَمهُ مَعْرِفَة الدَّلِيل ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 298)
(
النووي - ج 2 / ص 298)(1/53)
")(1)وفي رواية(2): قَالَ : " ائْتِنِي بِهَا " , فَأَتَيْتُهُ بِهَا , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ رَبُّكِ ؟ " , قَالَتْ : اللَّهُ , قَالَ : " مَنْ أَنَا ؟ " , قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ , قَالَ : " أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ "
الْإقْرَارُ بالشَّهَادَتَيْنِ يَعْصِمُ الدَّمَ وَالْمَالَ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام
( م حم ) , عَنْ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ , حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ , وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ "(3)
( خ م د حم ) , وَعَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) م ) 537 , ( س ) 1218
(2) س ) : 3653 , وقال الشيخ الألباني : حسن الإسناد .
(3) م ) 23 , ( حم ) 27255(1/54)
" ( بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ(1))(2)( قَالَ : فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ (3))(4)( فَقَاتَلْنَاهُمْ , فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا ، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ(5)قَالَ : فَغَشِيتُهُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ )(6)( فَلَمَّا غَشِينَاهُ(7)
__________
(1) الْحُرَقَة ) : بَطْن مِنْ جُهَيْنَة ، وَهَذِهِ السَّرِيَّة يُقَال لَهَا : سَرِيَّة غَالِب بْن عُبَيْد اللَّه اللَّيْثِيّ , وَكَانَتْ فِي رَمَضَان سَنَة سَبْع . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 308)
(2) خ ) 6478 , ( م ) 96
(3) أَيْ : هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْل أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ ، يُقَال : صَبَّحْته , أَتَيْته صَبَاحًا بَغْتَة ، وَمِنْهُ قَوْله تعالى : ( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرّ ) . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 308)
(4) خ ) 6478 , ( م ) 96
(5) الحامِيَةُ : الرجلُ يَحْمِي أَصحابه في الحرب . لسان العرب - (ج 14 / ص 197)
(6) حم ) 21793
(7) أَيْ : لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 308)(1/55)
قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ )(1)( فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لِي : " يَا أُسَامَةُ ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ " )(2)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ , وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا , وَسَمَّيْتُ لَهُ نَفَرًا , وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ , فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَقَتَلْتَهُ ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : " فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ " )(3)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ )(4)( الْقَتْلِ )(5)( قَالَ : " أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَهَا أَمْ لَا(6)؟
__________
(1) خ ) 4021 , ( م ) 96 ,
(2) م ) 96 , ( خ ) 4021
(3) م ) 97
(4) م ) 96
(5) حم ) 21850
(6) مَعْنَاهُ أَنَّك إِنَّمَا كُلِّفْت بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِق بِهِ اللِّسَان , وَأَمَّا الْقَلْب فَلَيْسَ لَك طَرِيق إِلَى مَا فِيهِ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْك الْعَمَل بِمَا ظَهَرَ مِنْ اللِّسَان فَقَالَ " أَفَلَا شَقَقْت عَنْ قَلْبه " لِتَنْظُر هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِين قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا ، وَالْمَعْنَى أَنَّك إِذَا كُنْت لَسْت قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى تَرَتُّب الْأَحْكَام عَلَى الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة دُون الْبَاطِنَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 308)(1/56)
)(1)( كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ " , فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَقَالَ : " وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ , فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ )(2)( قَالَ : فَمَا زَالَ فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ(3)" )(4)( قَالَ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ اللَّيْثِيِّ - رضي الله عنه - (5): " فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ , فَمَا بَالُ الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ وَهُوَ يَقُولُ إِنِّي مُسْلِمٌ ؟ )(6)( فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا " )(7)(
__________
(1) د ) 2643 , ( م ) 96
(2) م ) 97
(3) لِأَنَّ الْإِسْلَام يَجُبُّ مَا قَبْله ، فَتَمَنَّى أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَام لِيَأْمَن مِنْ جَرِيرَة تِلْكَ الْفَعْلَة , وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَة فَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَا يَلْزَم مِنْ السُّكُوت عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوع . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 308)
(4) خ ) 4021 , ( م ) 96
(5) حديث عقبة عند ( حم ) : 22543 ، وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح , وصححه الألباني في صَحِيح الْجَامِع : 1698
(6) حم ) 17050 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) حم ) 22543 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/57)
فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إذْ قَالَ الْقَاتِلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَاللَّهِ مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنْ الْقَتْلِ )(1)( " فَأَعْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ وَعَمَّنْ قِبَلَهُ مِنْ النَّاسِ وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ " , ثُمَّ قَالَ أَيْضًا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنْ الْقَتْلِ , " فَأَعْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ وَعَمَّنْ قِبَلَهُ مِنْ النَّاسِ وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ " , ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ فَقَالَ الثَّالِثَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنْ الْقَتْلِ , " فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُعْرَفُ الْمَسَاءَةُ(2)فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَى عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا , إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا , إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – )(3)وفي رواية(4):
__________
(1) حم ) 17050
(2) المساءة : الحزن والغضب .
(3) حم ) 22543
(4) حم ) 17050 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ..(1/58)
أَبَى اللَّهُ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا , أَبَى اللَّهُ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا , أَبَى اللَّهُ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - " ( فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - : وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ - يَعْنِي أُسَامَةَ - فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ(1)وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ِللَّهِ ؟ }(2)فَقَالَ سَعْدٌ : قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ(3))(4).
( الضياء ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قال ابن الأَعرابي : الفِتْنة : الاختبار , والفِتْنة المِحْنة , والفِتْنة المال , والفِتْنة الأَوْلادُ , والفِتْنة الكُفْرُ , والفِتْنةُ اختلافُ الناس بالآراء , والفِتْنةُ الإِحراق بالنار . لسان العرب - (ج 13 / ص 317)
(2) الأنفال/39]
(3) روى ( خ ) 6693 عَنْ حَرْمَلَةَ مَوْلَى بْنِ زَيْدٍرضي الله عنهما قَالَ : أَرْسَلَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ وَقَالَ : إِنَّهُ سَيَسْأَلُكَ الْآنَ فَيَقُولُ : مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ ؟ ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ : لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الْأَسَدِ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ ، فَلَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا ، فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ - رضي الله عنهم - فَأَوْقَرُوا ( أَيْ : ملأوا ) لِي رَاحِلَتِي .
(4) م ) 96(1/59)
" أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لِقَاتِلِ الْمُؤمِنِ تَوْبَةٌ "(1)
( خ م ) , وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) صَحِيح الْجَامِع : 23 , الصَّحِيحَة : 689 ، وقال الألباني : أخرجه محمد بن حمزة الفقيه في " أحاديثه " ( ق 215 / 2 ) , والواحدي في " الوسيط " ( 1 / 180 / 2 ) , والضياء في " المختارة " ( 127 / 1 ) .(1/60)
قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا , ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ(1)فَقَالَ : أَسْلَمْتُ لِلَّهِ(2)أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَقْتُلْهُ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا )(3)( أَأَقْتُلُهُ ؟ )(4)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَقْتُلْهُ , فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ , وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ(5))(6)"
(
__________
(1) أَيْ : اِلْتَجَأَ إِلَيْهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 301)
(2) أَيْ : دَخَلْت فِي الْإِسْلَام . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 301)
(3) خ ) 3794 , ( م ) 95
(4) خ ) 6472 , ( م ) 95
(5) مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَافِر مُبَاح الدَّم بِحُكْمِ الدِّين قَبْل أَنْ يُسْلِم ، فَإِذَا أَسْلَمَ صَارَ مُصَانَ الدَّم كَالْمُسْلِمِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِم بَعْد ذَلِكَ صَارَ دَمه مُبَاحًا بِحَقِّ الْقِصَاص كَالْكَافِرِ بِحَقِّ الدِّين ، وَلَيْسَ الْمُرَاد إِلْحَاقه فِي الْكُفْر كَمَا تَقَوَّلَهُ الْخَوَارِج مِنْ تَكْفِير الْمُسْلِم بِالْكَبِيرَةِ ، وَحَاصِله اِتِّحَاد الْمَنْزِلَتَيْنِ مَعَ اِخْتِلَاف الْمَأْخَذ ، فَالْأَوَّل أَنَّهُ مِثْلُك فِي صَوْن الدَّم ، وَالثَّانِي أَنَّك مِثْله فِي الْهَدَر . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 301)
(6) خ ) 3794 , ( م ) 95(1/61)
خ م س حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : )(1)( رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ )(2)( أَوْ رَجُلٌ قَتَلَ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا )(3)( فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ(4)
__________
(1) خ ) 6484 , ( م ) 1676
(2) س ) 4057 , ( خ ) 6484
(3) س ) 4743 , ( خ ) 6484
(4) أَيْ : القِصاص ..(1/62)
)(1)فَيُقْتَلُ بِهِ(2)( أَوْ التَّارِكُ لِدِينِهِ , الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ(3)
__________
(1) س ) 4057
(2) حم ) 509
(3) قَوْله " التَّارِك لِدِينِهِ " عَامٌّ فِي كُلّ مَنْ اِرْتَدَّ بِأَيِّ رِدَّة كَانَتْ , فَيَجِبُ قَتْله إِنْ لَمْ يَرْجِع إِلَى الْإِسْلَام ، وَقَوْله " الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ " يَتَنَاوَل كُلّ خَارِج عَنْ الْجَمَاعَة , بِبِدْعَةٍ أَوْ نَفْي إِجْمَاع كَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِج وَغَيْرهمْ ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " ظَاهِر قَوْله " الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ " أَنَّهُ نَعْت لِلتَّارِكِ لِدِينِهِ ، لِأَنَّهُ إِذَا اِرْتَدَّ فَارَقَ جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ ، غَيْر أَنَّهُ يَلْتَحِق بِهِ كُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَرْتَدَّ , كَمَنْ يَمْتَنِع مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ إِذَا وَجَبَ , وَيُقَاتِل عَلَى ذَلِكَ , كَأَهْلِ الْبَغْي وَقُطَّاع الطَّرِيق وَالْمُحَارِبِينَ مِنْ الْخَوَارِج وَغَيْرهمْ ، قَالَ : فَيَتَنَاوَلهُمْ لَفْظ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ بِطَرِيقِ الْعُمُوم ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحّ الْحَصْر , لِأَنَّهُ يَلْزَم أَنْ يَنْفِيَ مَنْ ذُكِرَ وَدَمه حَلَال فَلَا يَصِحّ الْحَصْر ، وَكَلَام الشَّارِع مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَصْف الْمُفَارَقَة لِلْجَمَاعَةِ يَعُمّ جَمِيع هَؤُلَاءِ , قَالَ : وَتَحْقِيقه أَنَّ كُلَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة تَرَكَ دِينه ، غَيْر أَنَّ الْمُرْتَدّ تَرَكَ كُلّه وَالْمُفَارِق بِغَيْرِ رِدَّة تَرَكَ بَعْضه , وَفِيهِ مُنَاقَشَة لِأَنَّ أَصْل الْخَصْلَة الثَّالِثَة الِارْتِدَاد فَلَا بُدّ مِنْ وُجُوده ، وَالْمُفَارِق بِغَيْرِ رِدَّة لَا يُسَمَّى مُرْتَدًّا فَيَلْزَم الْخُلْف فِي الْحَصْر ، وَالتَّحْقِيق فِي جَوَاب ذَلِكَ أَنَّ الْحَصْر فِيمَنْ يَجِب قَتْله عَيْنًا ، وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَهُمْ فَإِنَّ قَتْل الْوَاحِد مِنْهُمْ إِنَّمَا يُبَاح إِذَا وَقَعَ حَالَ الْمُحَارَبَة وَالْمُقَاتَلَة ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ صَبْرًا اِتِّفَاقًا فِي غَيْر الْمُحَارِبِينَ ، وَعَلَى الرَّاجِح فِي الْمُحَارِبِينَ أَيْضًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 317)(1/63)
)(1)وفي رواية(2): ( وَرَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَيُقْتَلُ ، أَوْ يُصْلَبُ ، أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ ) "
( خ م ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 1676 , ( خ ) 6484
(2) عند ( س ) 4743 , و( د ) 4353 , وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث : 2196(1/64)
" أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا(1)
__________
(1) قَوْله : ( حَتَّى يَشْهَدُوا ) جُعِلَتْ غَايَة الْمُقَاتَلَة وُجُود مَا ذُكِرَ ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ وَأَقَامَ وَآتَى , عُصِمَ دَمه وَلَوْ جَحَدَ بَاقِيَ الْأَحْكَام ، وَالْجَوَاب أَنَّ الشَّهَادَة بِالرِّسَالَةِ تَتَضَمَّن التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ ، مَعَ أَنَّ نَصّ الْحَدِيث وَهُوَ قَوْله " إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام " يَدْخُل فِيهِ جَمِيع ذَلِكَ , فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَنَصَّ عَلَى الصَّلَاة وَالزَّكَاة ؟ , فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِهِمَا وَالِاهْتِمَام بِأَمْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا إِمَّا الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة وَالْمَالِيَّة . (.فتح - ح25)(1/65)
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَلَاةَ(1)
__________
(1) الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوض مِنْهَا ، لَا جِنْسهَا ، وَإِنْ صَدَقَ اِسْم الصَّلَاة عَلَيْهَا , وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث : إِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة عَمْدًا يُقْتَل , ثُمَّ ذَكَرَ اِخْتِلَاف الْمَذَاهِب فِي ذَلِكَ , وَسُئِلَ الْكَرْمَانِيّ هُنَا عَنْ حُكْم تَارِك الزَّكَاة ، فَأَجَابَ بِأَنَّ حُكْمهمَا وَاحِد لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَايَة ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمُقَاتَلَة ، أَمَّا فِي الْقَتْل فَلَا , وَالْفَرْق أَنَّ الْمُمْتَنِع مِنْ إِيتَاءِ الزَّكَاة يُمْكِنُ أَنْ تُؤْخَذ مِنْهُ قَهْرًا ، بِخِلَافِ الصَّلَاة ، فَإِنْ اِنْتَهَى إِلَى نَصْب الْقِتَال لِيَمْنَع الزَّكَاة قُوتِلَ ، وَبِهَذِهِ الصُّورَة قَاتَلَ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مَانِعِي الزَّكَاة ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ صَبْرًا , وَعَلَى هَذَا فَفِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى قَتْل تَارِك الصَّلَاة نَظَر ؛ لِلْفَرْقِ بَيْن صِيغَة أُقَاتِل وَأَقْتُل , وَاَللَّه أَعْلَم , وَقَدْ أَطْنَبَ اِبْن دَقِيق الْعِيد فِي الْإِنْكَار عَلَى مَنْ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ : لَا يَلْزَم مِنْ إِبَاحَة الْمُقَاتَلَة إِبَاحَة الْقَتْل , لِأَنَّ الْمُقَاتَلَة مُفَاعَلَة تَسْتَلْزِم وُقُوع الْقِتَال مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْل , وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ الْقِتَال مِنْ الْقَتْل بِسَبِيلٍ ، قَدْ يَحِلّ قِتَال الرَّجُل وَلَا يَحِلّ قَتْله . (.فتح - ح25)(1/66)
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ )(1)( وَيُؤْمِنُوا بِمَا جِئْتُ بِهِ )(2)( فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ )(3)( عَصَمُوا(4)مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ )(5)( إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ )(6)( وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ(7))(8)( ثُمَّ قَرَأَ : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(9)}(10))(11)"
( س جة حم ) , وَعَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 25 , ( م ) 22
(2) م ) 21
(3) خ ) 25 , ( م ) 22
(4) أَيْ : مَنَعُوا . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 41)
(5) خ ) 25 , ( م ) 21
(6) خ ) 25
(7) أَيْ : فِي أَمْر سَرَائِرهمْ ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى قَبُول الْأَعْمَال الظَّاهِرَة وَالْحُكْم بِمَا يَقْتَضِيه الظَّاهِر وَالِاكْتِفَاء فِي قَبُول الْإِيمَان بِالِاعْتِقَادِ الْجَازِم خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ تَعَلُّم الْأَدِلَّة ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَرْك تَكْفِير أَهْل الْبِدَع الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ الْمُلْتَزِمِينَ لِلشَّرَائِعِ ، وَقَبُول تَوْبَة الْكَافِر مِنْ كُفْره ، مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ بَيْن كُفْر ظَاهِر أَوْ بَاطِن . ( فتح - ح25)
(8) خ ) 25 , ( م ) 21
(9) الْمُسَيْطِر : الْمُسَلَّط وَقِيلَ : الْجَبَّار . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 94)
(10) الغاشية/22]
(11) م ) 21 , ( ت ) 3341(1/67)
أَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ فَكُنْتُ مَعَهُ فِي قُبَّةٍ , فَنَامَ مَنْ كَانَ فِي الْقُبَّةِ غَيْرِي وَغَيْرُهُ , فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَارَّهُ )(1)( يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ )(2)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اذْهَبُوا فَاقْتُلُوهُ " , فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ " دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : )(3)( هَلْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ " )(4)( قَالَ : نَعَمْ يَشْهَدُ , وَلَكِنَّهُ يَقُولُهَا تَعَوُّذًا )(5)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيُصَلِّي ؟ " , قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا صَلَاةَ لَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ )(6)( فَاذْهَبُوا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ )(7)( فَإِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَإِذَا قَالُوهَا )(8)( حَرُمَتْ عَلَيَّ )(9)( دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا , وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّه )(10)"
( خ ت س ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) س ) 3982
(2) حم ) 23720 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) حم ) 23720 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(4) س ) 3982 , ( جة ) 3929
(5) س ) 3979 , ( حم ) 15727
(6) حم ) 23720 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) حم ) 15730
(8) س ) 3979
(9) جة ) 3929 , ( س ) 3982
(10) س ) 3979(1/68)
" ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ )(1)( فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا ، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا(2)وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا ، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا(3)فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا(4))(5)( وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ )(6)( لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ(7)وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِين(8))(9)"
( خ ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) ت ) 2608 , ( خ ) 385
(2) أَيْ : كَمَا نُصَلِّي ، وَلَا تُوجَد إِلَّا مِنْ مُوَحِّد مُعْتَرِف بِنُبُوَّتِهِ ، وَمَنْ اِعْتَرَفَ بِهِ > اِعْتَرَفَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ . عون المعبود - (ج 6 / ص 70)
(3) خ ) 385
(4) أَيْ : إِلَّا بِحَقِّ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ , وفِي الْحَدِيث أَنَّ أُمُور النَّاس مَحْمُولَة عَلَى الظَّاهِر ، فَمَنْ أَظْهَرَ شِعَار الدِّين أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَام أَهْله مَا لَمْ يَظْهَر مِنْهُ خِلَاف ذَلِكَ . عون المعبود - (ج 6 / ص 70)
(5) س ) 3966 , ( خ ) 385
(6) خ ) 385
(7) أَيْ : مِنْ النَّفْعِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 405)
(8) أَيْ : مِنْ الْمَضَرَّةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 405)
(9) ت ) 2608 , ( س ) 3967(1/69)
" مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا ، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ(1)وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، فَلَا تُخْفِرُوا(2)اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ "(3)
( خ م حم ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) ذِمَّة اللَّهِ ) أَيْ : أَمَانَته وَعَهْده .
(2) أَيْ : لَا تَغْدِرُوا ، يُقَال : أَخَفَرْت إِذَا غَدَرْت ، وَخَفَرْت إِذَا حَمَيْت ، فَالْهَمْزَة فِي ( أَخَفَرْت ) لِلْإِزَالَةِ ، أَيْ : تَرَكْت حِمَايَته . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 107)
(3) خ ) 384 , ( س ) 4997(1/70)
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - , وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ )(1)( أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ قِتَالَهُمْ )(2)( فَقَالَ عُمَرُ : يَا أَبَا بَكْرٍ )(3)( كَيْفَ تُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَهُمْ يُصَلُّونَ )(4)(
__________
(1) خ ) 6526 , ( م ) 20
(2) حم ) 10852 , ( س ) 3975
(3) خ ) 6526 , ( م ) 20
(4) حم ) 10852 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(1/71)
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَمَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ , وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّه(1)؟
__________
(1) قَالَ الْخَطَّابِيّ : زَعَمَ الرَّوَافِض أَنَّ حَدِيث الْبَاب مُتَنَاقِضٌ , لِأَنَّ فِي أَوَّله أَنَّهُمْ كَفَرُوا وَفِي آخِره أَنَّهُمْ ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَام إِلَّا أَنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاة ، فَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَكَيْف اِسْتَحَلَّ قِتَالهمْ وَسَبْيَ ذَرَارِيّهمْ ؟ ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَكَيْف اِحْتَجَّ عَلَى عُمَر بِالتَّفْرِقَةِ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة ؟ ، فَإِنَّ فِي جَوَابه إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّلَاةِ , قَالَ : وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّة كَانُوا صِنْفَيْنِ ، صِنْفٌ رَجَعُوا إِلَى عِبَادَة الْأَوْثَان ، وَصِنْف مَنَعُوا الزَّكَاة , وَتَأَوَّلُوا قَوْله تَعَالَى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ ) فَزَعَمُوا أَنَّ دَفْع الزَّكَاة خَاصّ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - , لِأَنَّ غَيْره لَا يُطَهِّرهُمْ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ , فَكَيْف تَكُون صَلَاته سَكَنًا لَهُمْ ؟ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَر بِقَوْلِهِ الصِّنْفَ الثَّانِي , لِأَنَّهُ لَا يَتَرَدَّد فِي جَوَاز قَتْل الصِّنْف الْأَوَّل ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَرَدَّد فِي قِتَال غَيْرهمْ مِنْ عُبَّاد الْأَوْثَان وَالنِّيرَان وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى ، قَالَ : وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِر مِنْ الْحَدِيث إِلَّا الْقَدْر الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَدْ حَفِظَ غَيْرُه فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة مَعًا ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب بِلَفْظٍ يَعُمّ جَمِيع الشَّرِيعَة حَيْثُ قَالَ فِيهَا : " وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ " فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدُعِيَ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ وَنَصَبَ الْقِتَال أَنَّهُ يَجِب قِتَاله , وَقَتْله إِذَا أَصَرَّ ، قَالَ : وَإِنَّمَا عَرَضَتْ الشُّبْهَة لِمَا دَخَلَهُ مِنْ الِاخْتِصَار ، وَكَأَنَّ رَاوِيه لَمْ يَقْصِد سِيَاق الْحَدِيث عَلَى وَجْهه , وَإِنَّمَا أَرَادَ سِيَاق مُنَاظَرَة أَبِي بَكْر وَعُمَر , وَاعْتَمَدَ عَلَى مَعْرِفَة السَّامِعِينَ بِأَصْلِ الْحَدِيث ، اِنْتَهَى , قُلْت : وَفِي هَذَا الْجَوَاب نَظَر ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد عُمَر فِي الْحَدِيث " حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة " مَا اِسْتَشْكَلَ قِتَالهمْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي كَوْن غَايَة الْقِتَال تَرْكَ كُلٍّ مِنْ التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة , قَالَ عِيَاض : حَدِيث اِبْن عُمَر نَصٌّ فِي قِتَال مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يُزَكِّ كَمَنْ لَمْ يُقِرّ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَاحْتِجَاج عُمَر عَلَى أَبِي بَكْر وَجَوَاب أَبِي بَكْر دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا فِي الْحَدِيث الصَّلَاة وَالزَّكَاة , إِذْ لَوْ سَمِعَهُ عُمَر لَمْ يَحْتَجّ عَلَى أَبِي بَكْر , وَلَوْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْر لَرَدَّ بِهِ عَلَى عُمَر , وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاحْتِجَاج بِعُمُومِ قَوْله " إِلَّا بِحَقِّهِ " , قُلْت : إِنْ كَانَ الضَّمِير فِي قَوْله " بِحَقِّهِ " لِلْإِسْلَامِ , فَمَهْمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ حَقّ الْإِسْلَام تَنَاوَلَهُ ، وَلِذَلِكَ اِتَّفَقَ الصَّحَابَة عَلَى قِتَال مَنْ جَحَدَ الزَّكَاة . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 382)(1/72)
" ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَلَاةِ وَالزَّكَاةِ(1)فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ(2)وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا(3)
__________
(1) الْمُرَاد بِالْفَرْقِ مَنْ أَقَرَّ بِالصَّلَاةِ وَأَنْكَرَ الزَّكَاة جَاحِدًا , أَوْ مَانِعًا مَعَ الِاعْتِرَاف ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ فِي أَوَّل الْقِصَّة الْكُفْر لِيَشْمَل الصِّنْفَيْنِ ، فَهُوَ فِي حَقّ مَنْ جَحَدَ حَقِيقَة , وَفِي حَقّ الْآخَرِينَ مَجَازٌ تَغْلِيبًا ، وَإِنَّمَا قَاتَلَهُمْ الصِّدِّيق وَلَمْ يَعْذِرْهُمْ بِالْجَهْلِ لِأَنَّهُمْ نَصَبُوا الْقِتَال , فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى الرُّجُوع ، فَلَمَّا أَصَرُّوا قَاتَلَهُمْ , قَالَ الْمَازِرِيّ : ظَاهِر السِّيَاق أَنَّ عُمَر كَانَ مُوَافِقًا عَلَى قِتَال مَنْ جَحَدَ الصَّلَاة , فَأَلْزَمَهُ الصِّدِّيق بِمِثْلِهِ فِي الزَّكَاة , لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة مَوْرِدًا وَاحِدًا .فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 382)
(2) قوله ( فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ) يُشِير إِلَى دَلِيل مَنْع التَّفْرِقَة الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ حَقّ النَّفْس الصَّلَاة , وَحَقّ الْمَال الزَّكَاة ، فَمَنْ صَلَّى عَصَمَ نَفْسه ، وَمَنْ زَكَّى عَصَمَ مَاله ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ قُوتِلَ عَلَى تَرْك الصَّلَاة ، وَمَنْ لَمْ يُزَكِّ أُخِذَتْ الزَّكَاة مِنْ مَاله قَهْرًا ، وَإِنْ نَصَبَ الْحَرْب لِذَلِكَ قُوتِلَ , وَهَذَا يُوَضِّح أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَمِعَ فِي الْحَدِيث " وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة " لَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا الِاسْتِنْبَاط ، لَكِنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَمِعَهُ وَاسْتَظْهَرَ بِهَذَا الدَّلِيل النَّظَرِيّ .فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 382)
(3) العَناق : الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة ..(1/73)
عِقَالًا(1)كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا ، قَالَ عُمَرُ : فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ , فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ(2))(3)
( خ م ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 6855 , ( م ) 20 , والعِقال : الحبل الذي تُربط به الإبل ونحوها .
(2) فِي هذا الحديث أَدَلّ دَلِيل عَلَى شَجَاعَة أَبِي بَكْر ط وَتَقَدُّمه فِي الشَّجَاعَة وَالْعِلْم عَلَى غَيْره , وهُوَ أَكْبَرَ نِعْمَة أَنْعَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْد رَسُول اللَّه > ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ لِلْقِتَالِ فِي هَذَا الْمَوْطِن الْعَظِيم , وَاسْتَنْبَطَ ط مِنْ الْعِلْم بِدَقِيقِ نَظَرِهِ وَرَصَانَة فِكْرِهِ مَا لَمْ يُشَارِكهُ فِي الِابْتِدَاء بِهِ غَيْره , فَلِهَذَا وَغَيْره مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ أَجْمَع أَهْل الْحَقّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل أُمَّة رَسُول اللَّه > , وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي مَعْرِفَة رُجْحَانه أَشْيَاء كَثِيرَة مَشْهُورَة . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 94)
(3) خ ) 6526 , ( م ) 20(1/74)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا )(1)( لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ )(2)( وَكَانَ يَتَسَمَّعُ الَأَذَانَ )(3)( فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَمَا يُصْبِحُ(4)" )(5)( فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَلَى الْفِطْرَةِ(6)" ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ(7)" ، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى )(8).
( س د ) , وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 585
(2) خ ) 2784 , ( م ) 382
(3) م ) 382
(4) أَيْ : كَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَحْتَاطُ فِي الْإِغَارَةِ حَذَرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ , فَيُغِيرُ عَلَيْهِ غَافِلًا عَنْهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ , وفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَذَانَ شِعَارٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ ، فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ كَانَ لِلسُّلْطَانِ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 291)
(5) خ ) 2784 , ( م ) 382
(6) أَيْ : عَلَى الْإِسْلَام . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 107)
(7) أَيْ : بِالتَّوْحِيدِ . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 107)
(8) م ) 382 , ( ت ) 1618(1/75)
بَيْنَمَا أَنَا مَعَ مُطَرِّفٍ بِالْمِرْبَدِ(1)إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مَعَهُ قِطْعَةُ أَدَمٍ(2)فَقَالَ : كَتَبَ لِي هَذِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَهَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَقْرَأُ ؟ , فَقُلْتُ : أَنَا أَقْرَأُ , فَإِذَا فِيهَا : " مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ , أَنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَفَارَقْتُمُ الْمُشْرِكِينَ )(3)( وَأَقَمْتُمْ الصَلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَأَدَّيْتُمْ الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ )(4)( وَسَهْمَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَصَفِيَّهُ(5))(6)( فَأَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )(7)"(8)
نَجَاةُ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّار
( خ م ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الْمِرْبَد ) : اِسْم مَوْضِع .
(2) الْأَدَم : الْجِلْد .
(3) س ) 4146 , ( د ) 2999
(4) د ) 2999
(5) أَمَّا سَهْم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ كَانَ سَهْم لَهُ كَسَهْمِ رَجُل مِمَّنْ يَشْهَد الْوَقْعَة حَضَرَهَا رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَوْ غَابَ عَنْهَا , وَأَمَّا الصَّفِيّ فَهُوَ مَا يَصْطَفِيه مِنْ عُرْض الْغَنِيمَة مِنْ شَيْء قَبْل أَنْ يُخَمَّس , عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ سَيْفٌ أَوْ غَيْرهَا ، كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَخْصُوصًا بِذَلِكَ مَعَ الْخُمُس الَّذِي لَهُ خَاصَّة . عون المعبود - (ج 6 / ص 477)
(6) س ) 4146 , ( د ) 2999
(7) د ) 2999 , ( س ) 4146
(8) صححه الألباني في ( س ) : 4146 , و( د ) : 2999 , والصحيحة ح2857(1/76)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا )(1)( لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ )(2)( وَكَانَ يَتَسَمَّعُ الَأَذَانَ )(3)( فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَمَا يُصْبِحُ(4)" )(5)( فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَلَى الْفِطْرَةِ(6)" ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ(7)" ، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى )(8).
( صم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
__________
(1) خ ) 585
(2) خ ) 2784 , ( م ) 382
(3) م ) 382
(4) أَيْ : كَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَحْتَاطُ فِي الْإِغَارَةِ حَذَرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ , فَيُغِيرُ عَلَيْهِ غَافِلًا عَنْهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ , وفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَذَانَ شِعَارٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ ، فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ كَانَ لِلسُّلْطَانِ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 291)
(5) خ ) 2784 , ( م ) 382
(6) أَيْ : عَلَى الْإِسْلَام . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 107)
(7) أَيْ : بِالتَّوْحِيدِ . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 107)
(8) م ) 382 , ( ت ) 1618(1/77)
مَا زِلْنَا نُمْسِكُ عَنِ الاسْتِغْفَارِ لأَهْلِ الْكَبَائِرِ حَتَّى سَمِعْنَا مِنْ فِي نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }(1)قَالَ : فَإِنِّي أَخَّرْتُ شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، قَالَ : فَأَمْسَكْنَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانَ فِي أَنْفُسِنَا .(2)
( صم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
كُنَّا نُوجِبُ لأَهْلِ الْكَبَائِرِ النَّارَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآية عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ،
" فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُوجِبَ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ النَّارَ "(3)
( صم ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) النساء/48]
(2) صم ) 830 , ( طس ) 5942 , ( يع ) 5813 , وحسنه الألباني في ظلال الجنة : 830
(3) حسنه الألباني في ظلال الجنة : 973(1/78)
" إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، يَقُولُ الْكُفَّارُ : أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ ؟ ، قَالُوا : بَلَى ، قَالُوا : فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلامُكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ ، قَالُوا : كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا ، فَيَسْمَعُ اللَّهُ مَا قَالُوا ، فَيَأْمُرُ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ قَالُوا : يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ فَنَخْرُجُ كَمَا خَرَجُوا ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ , رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }(1)"(2)
( خ م ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الحِجر/1، 2]
(2) صم ) 843 , ( حب ) 7432 , وصححه الألباني في ظلال الجنة ، وصحيح موارد الظمآن : 2202(1/79)
" يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ(1)وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ(2)وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ(3)مِنْ خَيْرٍ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ(4)مِنْ خَيْرٍ "(5)
(
__________
(1) قَوْله : ( مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) فِيهِ دَلِيل عَلَى اِشْتِرَاط النُّطْق بِالتَّوْحِيدِ ، أَوْ الْمُرَاد بِالْقَوْلِ هُنَا الْقَوْل النَّفْسِيّ ، فَالْمَعْنَى مَنْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَصَدَقَ ، فَالْإِقْرَار لَا بُدّ مِنْهُ ، فَلِهَذَا أَعَادَهُ فِي كُلّ مَرَّة , فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْف لَمْ يَذْكُر الرِّسَالَة ؟ , فَالْجَوَاب أَنَّ الْمُرَاد الْمَجْمُوع ، وَصَارَ الْجُزْء الْأَوَّل عَلَمًا عَلَيْهِ كَمَا تَقُول : قَرَأْت ( قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد ) ، أَيْ : السُّورَة كُلّهَا . ( فتح ) - (ج 1 / ص 70)
(2) قَوْله ( مِنْ خَيْر ) قَدْ جَاءَ فِي بَعْض الرِّوَايَات ( مِنْ إِيمَان ) أَيْ : لَا يَقُول بِمُجَرَّدِ النِّفَاق , بَلْ رَجُل فِي قَلْبه شَيْء مِنْ إِيمَان وَالتَّصْدِيق أَيْضًا . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 164)
(3) البُرَّة : هِيَ الْقَمْحَة ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ وَزْن الْبُرَّة دُون وَزْن الشَّعِيرَة , لِأَنَّهُ قَدَّمَ الشَّعِيرَة وَتَلَاهَا بِالْبُرَّةِ ثُمَّ الذَّرَّة ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي بَعْض الْبِلَاد . ( فتح - ح44)
(4) الذَّرَّة ) : هِيَ أَقَلّ الْأَشْيَاء الْمَوْزُونَة ، وَقِيلَ هِيَ الْهَبَاء الَّذِي يَظْهَر فِي شُعَاع الشَّمْس مِثْل رُءُوس الْإِبَر ، وَقِيلَ هِيَ النَّمْلَة الصَّغِيرَة . ( فتح - ح44)
(5) خ ) 44 , ( م ) 193(1/80)
خ ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ(1)مِنَ النَّارِ عُقُوبَةً بِذَنُوبٍ أَصَابُوهَا ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ , يُقَالُ لَهُمْ : الْجَهَنَّمِيُّونَ "(2)
( صم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" يَكُونُ قَوْمٌ فِي النَّارِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونُوا ، ثُمَّ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا ، فَيَمْكُثُونَ فِي أَدْنَى الْجَنَّةِ فِي نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ : الْحَيَوَانَ ،
لَوْ أَضَافَ أَحَدُهُمْ أَهْلَ الدُّنْيَا لأَطْعَمَهُمْ وَسَقَاهُمْ وَلَحَفَهُمْ وَلَزَوَّجَهُمْ ، لَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ شَيْئًا "(3)
( يع ) , وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا يأتي بِهِمَا عَبْدٌ مُحِقٌّ , إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ حَرَّ النَّارِ "(4)
( جة ) , وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) السفعة : لفحةٌ تُغَيِّرُ لون الوجه إلى السواد .
(2) خ ) 7012 , ( حم ) 12511
(3) صم ) 834 , ( حب ) 7428 , وصححه الألباني في ظلال الجنة , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حب ) : إسناده قوي .
(4) يع ) 230 , انظر الصَّحِيحَة : 3221(1/81)
" مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ وَهِيَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ , يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى قَلْبِ مُوقِنٍ , إِلَّا غَفَرَ اللَّه لَهَا "(1)
( جة حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بقَالَ :
(
__________
(1) جة ) 3796 , ( حم ) 22051 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5793 ، الصَّحِيحَة : 2278(1/82)
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه - رضي الله عنه - : مَا لِي أَرَاكَ قَدْ شَعِثْتَ وَاغْبَرَرْتَ مُنْذُ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ , لَعَلَّكَ سَاءَتْكَ يَا طَلْحَةُ إِمَارَةُ ابْنِ عَمِّكَ(1)؟ - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ : لَا )(2)( مَعَاذَ اللَّهِ , إِنِّي لَأَجْدَرُكُمْ أَنْ لَا أَفْعَلَ ذَلِكَ )(3)( وَأَثْنَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - , وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ )(4)( إِلَّا وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحًا(5)حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ , وَكَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(6)( إِلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ , وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ )(7)(
__________
(1) أَيْ : أَمَا رَضِيت بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 185)
(2) حم ) 252 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح بطرقه , ( جة ) 3795
(3) حم ) 187 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح بطرقه .
(4) حم ) 1387 , ( جة ) 3795
(5) رَوْحًا ) أَيْ : رَحْمَة وَرِضْوَانًا . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 185)
(6) حم ) 187 , ( جة ) 3795
(7) حم ) 1386 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/83)
وَكَانَتْ نُورًا لِصَحِيفَتِهِ " )(1)( فَلَمْ أَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهَا , وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِهَا )(2)( فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا إِلَّا الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ(3)( فَذَلِكَ الَّذِي دَخَلَنِي , قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - : فَأَنَا أَعْلَمُهَا , قَالَ طَلْحَةُ : فَلِلَّهِ الْحَمْدُ , فَمَا هِيَ ؟ , قَالَ : هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي )(4)( أَرَادَ عَمَّهُ عَلَيْهَا )(5)( عِنْدَ الْمَوْتِ )(6)( وَلَوْ عَلِمَ كَلِمَةً أَنْجَى لَهُ مِنْهَا لَأَمَرَهُ )(7)( بِهَا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَقَالَ طَلْحَةُ : صَدَقْتَ ، هِيَ وَاللَّهِ هِيَ )(8)( لَوْ عَلِمَ كَلِمَةً هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا لَأَمَرَهُ بِهَا )(9).(10)
( م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) جة ) 3795 , ( حم ) 252
(2) حم ) 187
(3) حم ) 1386
(4) حم ) 187
(5) جة ) 3795
(6) حم ) 1387
(7) جة ) 3795
(8) حم ) 1387
(9) حم ) 252
(10) صَحِيح الْجَامِع : 2492 ، الصَّحِيحَة : 2492(1/84)
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّهِ : قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " , قَالَ : لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ ، يَقُولُونَ : إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ(1)لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ(2)فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(3)"(4)
( خ حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الْجَزَعُ ) : نَقِيضُ الصَّبْرِ ، وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلَى أَنَّهُ ( الْخَرَعُ ) : وَهُوَ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 27)
(2) أَقَرَّ اللَّه عَيْنه ) : أَيْ : بَلَّغَهُ اللَّه أُمْنِيَّته حَتَّى تَرْضَى نَفْسه وَتَقَرّ عَيْنه فَلَا تَسْتَشْرِف لِشَيْءٍ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 98)
(3) القصص/56]
(4) م ) 25 , ( ت ) 3188(1/85)
كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَرِضَ ، " فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ )(1)( وَهُوَ بِالْمَوْتِ )(2)( فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ )(3)( فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ " )(4)( فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : أَطِعْ أَبَا القاسِم ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ ، " فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ : الْحَمْدُ ِللَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ )(5)( وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَصْحَابِهِ : صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ(6))(7)"
( حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 1290
(2) حم ) 13399 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) خ ) 1290 , ( د ) 3095
(4) حم ) 13399 , ( خ ) 1290
(5) حم ) 13399 , ( خ ) 1290
(6) فِي الْحَدِيث جَوَاز اِسْتِخْدَام الْمُشْرِك ، وَعِيَادَته إِذَا مَرِضَ ، وَفِيهِ حُسْن الْعَهْد ، وَاسْتِخْدَام الصَّغِير ، وَعَرْض الْإِسْلَام عَلَى الصَّبِيّ , وَلَوْلَا صِحَّته مِنْهُ مَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ , وَفِي قَوْله " أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّار " دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَحَّ إِسْلَامه ، وَعَلَى أَنَّ الصَّبِيّ إِذَا عَقَلَ الْكُفْر وَمَاتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُعَذَّب . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 427)
(7) حم ) 13762 , وصححها الألباني في الإرواء : 2480(1/86)
" دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَعُودُهُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا خَالُ ، قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " , فَقَالَ : أَوَخَالٌ أَنَا أَوْ عَمٌّ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا ، بَلْ خَالٌ , فَقَالَ لَهُ : قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، قَالَ : هُوَ خَيْرٌ لِي ؟ , قَالَ : " نَعَمْ "(1)
( حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ : أَسْلِمْ " ، قَالَ : أَجِدُنِي كَارِهًا ، قَالَ : " أَسْلِمْ وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا "(2)
( خ م حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 12565, وصححه الألباني في أحكام الجنائز : 15 , وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
(2) حم ) 12080 , ( يع ) 3879 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 974 , والصحيحة : 1454(1/87)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ " وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه - رَدِيفُهُ(1)عَلَى الرَّحْلِ )(2)( فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ " ، قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ , قَالَ : " يَا مُعَاذُ " ، قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : " يَا مُعَاذُ " ، قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ , قَالَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ(3)إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ )(4)( فَقَالَ مُعَاذٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ؟ )(5)( قَالَ : " لَا , إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا عَلَيْهِ " )(6)( فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا(7))(8).
( د حم ) , وَعَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : رَاكِبٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - .
(2) حم ) 13768 , ( خ ) 128
(3) قَوْله : ( صِدْقًا ) فِيهِ اِحْتِرَاز عَنْ شَهَادَة الْمُنَافِق . ( فتح - ح128)
(4) خ ) 128 , ( م ) 32
(5) م ) 32 , ( خ ) 128
(6) خ ) 129 , ( م ) 32
(7) أَيْ : خَشْيَة الْوُقُوع فِي الْإِثْم , وَالْمُرَاد بِالْإِثْمِ الْحَاصِل مِنْ كِتْمَان الْعِلْم ، وَفِي الْحَدِيث جَوَاز الْإِرْدَاف ، وَبَيَان تَوَاضُع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَنْزِلَة مُعَاذ بْن جَبَل مِنْ الْعِلْم لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا ذَكَرَ , وَفِيهِ جَوَاز اِسْتِفْسَار الطَّالِب عَمَّا يَتَرَدَّد فِيهِ ، وَاسْتِئْذَانه فِي إِشَاعَة مَا يَعْلَم بِهِ وَحْده .( فتح - ح128)
(8) م ) 32 , ( خ ) 128(1/88)
قَالَ لَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه - فِي مَرَضِهِ : قَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا كُنْتُ أَكْتُمُكُمُوهُ )(1)( لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ إِلَّا أَنْ تَتَّكِلُوا , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : )(2)( " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ(3)وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ )(4)"(5)
( خ م حم ) , وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) حم ) 22087 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(2) حم ) 22113 , قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح .
(3) قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : الْمُرَاد بِقَوْلِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فِي هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره كَلِمَتَا الشَّهَادَة ، فَلَا يَرِد إِشْكَال تَرْك ذِكْر الرِّسَالَة ,
قَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَقَب جَرَى عَلَى النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرْعًا .عون المعبود - (ج 7 / ص 100)
(4) حم ) 22087 , ( د ) 3116
(5) حسنه الألباني في الإرواء : 687(1/89)
بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - )(1)( عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ(2))(3)( فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ " , فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ , " ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ " , فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ , " ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ " , فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ(4))(5)( قَالَ : " هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ(6)وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ(7)؟
__________
(1) خ ) 5622 , ( م ) 30
(2) فِي الْحَدِيث جَوَازُ رُكُوبِ اِثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 339)
(3) خ ) 2701 , ( م ) 30
(4) تَكْرَارُ النِّدَاء لِتَأْكِيدِ الِاهْتِمَام بِمَا يُخْبِرُهُ بِهِ , وَيُبَالِغ فِي تَفَهُّمِهِ وَضَبْطِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 339)
(5) خ ) 5622 , ( م ) 30
(6) الْمُرَاد هُنَا مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِمَّا جَعَلَهُ مُحَتَّمًا عَلَيْهِمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 339)
(7) حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الثَّوَاب وَالْجَزَاءِ ، فَحُقَّ ذَلِكَ وَوَجَبَ بِحُكْمِ وَعْدِهِ الصِّدْق ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 339)(1/90)
" , فَقُلْتُ : اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ : " حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا(1)وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا(2)
__________
(1) الْمُرَاد بِالْعِبَادَةِ عَمَلُ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَعَاصِي , وَعَطَفَ عَلَيْهَا عَدَمَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ تَمَامُ التَّوْحِيدِ ، وَالْحِكْمَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَى الْعِبَادَة أَنَّ بَعْضَ الْكَفَرَةِ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى فَاشْتَرَطَ نَفْي ذَلِكَ ، قَالَ اِبْن حِبَّانَ : عِبَادَة اللَّه إِقْرَار بِاللِّسَانِ , وَتَصْدِيق بِالْقَلْبِ , وَعَمَل بِالْجَوَارِحِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَوَاب : " فَمَا حَقّ الْعِبَاد إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ " فَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْقَوْلِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 339)
(2) اِقْتَصَرَ عَلَى نَفْي الْإِشْرَاك لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّوْحِيد بِالِاقْتِضَاءِ ، وَيَسْتَدْعِي إِثْبَات الرِّسَالَة بِاللُّزُومِ , إِذْ مَنْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ , وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ فَهُوَ مُشْرِك , فَالْمُرَاد مَنْ مَاتَ حَال كَوْنه مُؤْمِنًا بِجَمِيعِ مَا يَجِب الْإِيمَان بِهِ ,
وَلَيْسَ فِي قَوْله : " دَخَلَ الْجَنَّة " إِشْكَال , لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُون قَبْل التَّعْذِيب أَوْ بَعْده . ( فتح - ح129)(1/91)
)(1)وَإِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ(2)" , ( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ , قَالَ : " لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا(3)
__________
(1) خ ) 2701 , ( م ) 30
(2) حم ) 10808 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) قَالَ الْعُلَمَاءُ يُؤْخَذ مِنْ مَنْعِ مُعَاذ مِنْ تَبْشِيرِ النَّاسِ لِئَلَّا يَتَّكِلُوا أَنَّ أَحَادِيث الرُّخَصِ لَا تُشَاعُ فِي عُمُومِ النَّاسِ لِئَلَّا يَقْصُر فَهْمُهُمْ عَنْ الْمُرَادِ بِهَا ، وَقَدْ سَمِعَهَا مُعَاذ فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا اِجْتِهَادًا فِي الْعَمَلِ وَخَشْيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَتَهُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُقَصِّر اِتِّكَالًا عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ ، وَقَدْ عَارَضَهُ مَا تَوَاتَرَ مِنْ نُصُوص الْكِتَاب وَالسُّنَّة أَنَّ بَعْضَ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ ، فَعَلَى هَذَا فَيَجِب الْجَمْع بَيْن الْأَمْرَيْنِ ، وَقَدْ سَلَكُوا فِي ذَلِكَ مَسَالِك : فَقِيلَ : الْمُرَاد تَرْك دُخُول نَار الشِّرْك ، وَقِيلَ : تَرْكُ تَعْذِيبِ جَمِيعِ بَدَنِ الْمُوَحِّدِينَ , لِأَنَّ النَّار لَا تَحْرِق مَوَاضِع السُّجُود ، وَقِيلَ : لَيْسَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ وَحَّدَ وَعَبَدَ , بَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ أَخْلَصَ ، وَالْإِخْلَاصُ يَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْقَلْبِ بِمَعْنَاهَا ، وَلَا يُتَصَوَّر حُصُولُ التَّحْقِيقِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِامْتِلَاءِ الْقَلْبِ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ , فَتَنْبَعِث الْجَوَارِح إِلَى الطَّاعَة وَتَنْكَفُّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ , ( تنبيه ) : تَقَدَّمَ حَدِيثِ معاذ عن أَنَس بْن مَالِك , لَكِنْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّه , وَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اَللَّهِ عَلَى اَلْعِبَادِ , فَهُمَا حَدِيثَانِ , وَوَهِمَ اَلْحُمَيْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ جَعَلُوهُمَا حَدِيثًا وَاحِدًا , نَعَمْ وَقَعَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعهُ > أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ اَلنَّاسِ لِئَلَّا يَتَّكِلِوا , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَا حَدِيثًا وَاحِدًا , وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَس " فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا " وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ هُنَا وَاَللَّه أَعْلَمُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 481)(1/92)
)(1)"
( حم ) , وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ لَقِيَ اللَّه لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، يُصَلِّي الْخَمْسَ ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، غُفِرَ لَهُ " ، قُلْتُ : أَفَلَا أُبَشِّرُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " دَعْهُمْ يَعْمَلُوا "(2)
__________
(1) خ ) 2701 , ( م ) 30 , وَلِلْحَسَنِ بْن سُفْيَان فِي مُسْنَده " قَالَ : لَا ، دَعْهُمْ فَلْيَتَنَافَسُوا فِي الْأَعْمَال ، فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَتَّكِلُوا "( فتح - ح129)
(2) حم ) 22081 , الصَّحِيحَة : 1315 , ثم قال الألباني : وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله : " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لَا يفهموا ، وقال علي : حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله " , ثم ساق إسناده بذلك , وزاد آدم بن أبي إياس في " كتاب العلم " له : " ودعوا ما ينكرون " , أي ما يشتبه عليهم فهمه ومثله قول ابن مسعود : " ما أنت بمحدث قوما حديثا لَا تبلغه عقولهم إِلَّا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم ( 1 / 9 ) قال الحافظ : " وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان , ومالكٌ في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في الغرائب , ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين , وأن المراد ما يقع من الفتن , وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العُرَنيين , لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي , وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يُقَوِّي البدعة ، وظاهره في الأصل غير مراد ، فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم " , هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال لَا إله إِلَّا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في " الترغيب " ( 2 / 238 ) و ترى سائرها في " الفتح " , والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض ، أن تُحْمَل على أحوال ثلاثة : الأولى : من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات ، فالحديث حينئذ على ظاهره ، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقا , الثانية : أن يموت عليها ، وقد قام بالأركان الخمسة , ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات فهذا ممن يدخل في مشيئة الله , ويُغْفَر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة , الثالثة : كالذي قبله , ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله , كما في حديث أبي ذر المتفق عليه : " وإن زنى وإن سرق . . . " الحديث ، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله ، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار ، فهو وإن دخلها ، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد ، وهذا صريح في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال لَا إله إِلَّا الله نفعته يوما من دهره ، يصيبه قبل ذلك ما أصابه " وهو حديث صحيح برقم ( 1932 ) في الصحيحة . والله سبحانه وتعالى أعلم . أ . هـ(1/93)
( خ م حم ) , وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ , وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ(1)وَرُوحٌ مِنْهُ(2)وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ , وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ , أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَكَلِمَته ) إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ حُجَّة اللَّه عَلَى عِبَاده , أَبْدَعَهُ مِنْ غَيْر أَب , وَأَنْطَقَهُ فِي غَيْر أَوَانه , وَأَحْيَا الْمَوْتَى عَلَى يَده ، وَقِيلَ : سُمِّيَ كَلِمَة اللَّه لِأَنَّهُ أَوْجَدَهُ بِقَوْلِهِ كُنْ ، فَلَمَّا كَانَ بِكَلَامِهِ سُمِّيَ بِهِ , كَمَا يُقَال : سَيْف اللَّه , وَأَسَد اللَّه وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ فِي صِغَره إِنِّي عَبْد اللَّه . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 237)
(2) سُمِّيَ بِالرُّوحِ لِمَا كَانَ أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ إِحْيَاء الْمَوْتَى ، وَقِيلَ : لِكَوْنِهِ ذَا رُوح وُجِدَ مِنْ غَيْر جُزْء مِنْ ذِي رُوح . فتح الباري
(3) أَيْ : يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة عَلَى حَسَب أَعْمَال كُلّ مِنْهُمْ فِي الدَّرَجَات .فتح الباري (ج 10 / ص 237)
وقال النووي : هَذَا مَحْمُول عَلَى إِدْخَاله الْجَنَّة فِي الْجُمْلَة , فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَعَاصٍ مِنْ الْكَبَائِر فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة فَإِنْ عُذِّبَ خُتِمَ لَهُ بِالْجَنَّةِ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 103)(1/94)
)(1)أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ(2)"
( م ) , وَعَنْ الصُّنَابِحِيِّ(3)قَالَ :
__________
(1) خ ) 3252 , ( حم ) 22727
(2) م ) 28 , ( حم ) 22728 , وتَخْيِيره فِي الدُّخُول مِنْ أَبْوَابهَا هُوَ بِخِلَافِ ظَاهِر حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي بَدْء الْخَلْق , فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلِّ دَاخِل الْجَنَّة بَابًا مُعَيَّنًا يَدْخُل مِنْهُ ، وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنَّهُ فِي الْأَصْل مُخَيَّر ، لَكِنَّهُ يَرَى أَنَّ الَّذِي يَخْتَصّ بِهِ أَفْضَل فِي حَقّه , فَيَخْتَارهُ فَيَدْخُلهُ مُخْتَارًا لَا مَجْبُورًا وَلَا مَمْنُوعًا مِنْ الدُّخُول مِنْ غَيْره . فتح الباري(ج 10 / ص 237)
(3) هُوَ أَبُو عَبْد اللَّه , عَبْد الرَّحْمَن بْن عُسَيْلَة الْمُرَادِيُّ , وَالصُّنَابِح بَطْن مِنْ مُرَاد من اليمن , وَهُوَ تَابِعِيّ جَلِيل , رَحَلَ إِلَى النَّبِيّ > فَقُبِضَ النَّبِيّ > وَهُوَ فِي الطَّرِيق وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ , قَبْل أَنْ يَصِل بِخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ سِتٍّ , فَسَمِعَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق وَخَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة ش وَقَدْ يُشْتَبَه عَلَى غَيْر الْمُشْتَغِل بِالْحَدِيثِ الصُّنَابِحِيّ هَذَا بِالصُّنَابِحِ اِبْن الْأَعْسَر الصَّحَابِيِّ ط وَاللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 104 )(1/95)
دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ , فَقَالَ : مَهْلًا , لِمَ تَبْكِي ؟ فَوَاللَّهِ لَئِنْ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ , وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ , ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا , وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي(1)سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ(2)"(3)
( طس ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِ ، أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ "(4)
( م ) , وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَرُبْت مِنْ الْمَوْت وَأَيِسْت مِنْ النَّجَاة وَالْحَيَاة . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 104)
(2) أَيْ : الْخُلُودَ فِيهَا كَالْكُفَّارِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 437)
(3) م ) 29 , ( ت ) 2638
(4) طس ) 6396 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 6434 , الصَّحِيحَة : 1932(1/96)
" مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , دَخَلَ الْجَنَّةَ(1)
__________
(1) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : اِخْتَلَفَ النَّاس فِيمَنْ عَصَى اللَّه تَعَالَى مِنْ أَهْل الشَّهَادَتَيْنِ , فَقَالَتْ الْمُرْجِئَة : لَا تَضُرّهُ الْمَعْصِيَة مَعَ الْإِيمَان ، وَقَالَتْ الْخَوَارِج : تَضُرّهُ وَيَكْفُر بِهَا ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَة : يَخْلُد فِي النَّار إِذَا كَانَتْ مَعْصِيَته كَبِيرَة ، وَلَا يُوصَف بِأَنَّهُ مُؤْمِن وَلَا كَافِر ، وَلَكِنْ يُوصَف بِأَنَّهُ فَاسِق .
وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّة : بَلْ هُوَ مُؤْمِن وَإِنْ لَمْ يُغْفَر لَهُ وَعُذِّبَ , فَلَا بُدّ مِنْ إِخْرَاجه مِنْ النَّار وَإِدْخَاله الْجَنَّة , قَالَ : وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَة .
وَأَمَّا الْمُرْجِئَة فَإِنْ اِحْتَجَّتْ بِظَاهِرِهِ قُلْنَا : مَحْمَله عَلَى أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ ، أَوْ أُخْرِج مِنْ النَّار بِالشَّفَاعَةِ ، ثُمَّ أُدْخِل الْجَنَّة , فَيَكُون مَعْنَى قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : " دَخَلَ الْجَنَّة " أَيْ : دَخَلَهَا بَعْد مُجَازَاته بِالْعَذَابِ , وَهَذَا لَا بُدّ مِنْ تَأْوِيله لِمَا جَاءَ فِي ظَوَاهِر كَثِيرَة مِنْ عَذَاب بَعْض الْعُصَاة , فَلَا بُدّ مِنْ تَأْوِيل هَذَا لِئَلَّا تَتَنَاقَض نُصُوص الشَّرِيعَة , قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( وَهُوَ يَعْلَم ) إِشَارَة إِلَى الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ غُلَاة الْمُرْجِئَة : إِنَّ مُظْهِرَ الشَّهَادَتَيْنِ يَدْخُل الْجَنَّة وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِد ذَلِكَ بِقَلْبِهِ , وَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ فِي حَدِيث آخِر بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " غَيْر شَاكّ فِيهِمَا " , وَهَذَا يُؤَكِّد مَا قُلْنَاهُ , قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ يَحْتَجّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يُرَى أَنَّ مُجَرَّد مَعْرِفَة الْقَلْب نَافِعَة دُون النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْعِلْم , وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْمَعْرِفَة مُرْتَبِطَة بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا تَنْفَع إِحْدَاهُمَا وَلَا تُنَجِّي مِنْ النَّار دُون الْأُخْرَى , إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ لِآفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لَمْ تُمْهِلهُ الْمُدَّة لِيَقُولَهَا ، بَلْ اِخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّة , وَلَا حُجَّة لِمُخَالِفِ الْجَمَاعَة بِهَذَا اللَّفْظ ؛ إِذْ قَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر : " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه اللَّه وَأَنِّي رَسُول اللَّه " , وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيث وَأَمْثَاله كَثِيرَة فِي أَلْفَاظهَا اِخْتِلَاف ، وَلِمَعَانِيهَا عِنْد أَهْل التَّحْقِيق اِئْتِلَاف ، فَجَاءَ هَذَا اللَّفْظ فِي هَذَا الْحَدِيث , وَفِي رِوَايَة مُعَاذ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة " , وَفِي رِوَايَة عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ لَقِيَ اللَّه لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة " وَعَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ عَبْد يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى النَّار " وَنَحْوه فِي حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت وَعِتْبَان بْن مَالِك وَزَادَ فِي حَدِيث عُبَادَةَ " عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَل " , وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " لَا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِهِمَا عَبْد غَيْر شَاكّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة , وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ " , وَفِي حَدِيث أَنَس : " حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْه اللَّه تَعَالَى " , هَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا سَرَدَهَا مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه ، فَحَكَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه مِنْهُمْ اِبْن الْمُسَيِّب أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالْأَمْر وَالنَّهْي ، وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مُجْمَلَة تَحْتَاج إِلَى شَرْح ، وَمَعْنَاهُ : مَنْ قَالَ الْكَلِمَة وَأَدَّى حَقّهَا وَفَرِيضَتهَا , وَهَذَا قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ , وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْد النَّدَم وَالتَّوْبَة وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ , وَهَذَا قَوْل الْبُخَارِيّ ,
وَهَذِهِ التَّأْوِيلَات إِنَّمَا هِيَ إِذَا حُمِلَتْ الْأَحَادِيث عَلَى ظَاهِرهَا , وَأَمَّا إِذَا نَزَلَتْ مَنَازِلهَا فَلَا يُشْكِل تَأْوِيلهَا عَلَى مَا بَيَّنَهُ الْمُحَقِّقُونَ فَنُقَرِّر أَوَّلًا أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ السَّلَف الصَّالِح وَأَهْل الْحَدِيث وَالْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَذْهَبهمْ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَنَّ أَهْل الذُّنُوب فِي مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى , وَأَنَّ كُلّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَان وَتَشَهَّدَ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبه بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَدْخُل الْجَنَّة , فَإِنْ كَانَ تَائِبًا أَوْ سَلِيمًا مِنْ الْمَعَاصِي دَخَلَ الْجَنَّة بِرَحْمَةِ رَبِّهِ وَحَرُمَ عَلَى النَّار بِالْجُمْلَةِ ,
فَإِنْ حَمَلْنَا اللَّفْظَيْنِ الْوَارِدَيْنِ عَلَى هَذَا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَته كَانَ بَيِّنًا , وَهَذَا مَعْنَى تَأْوِيلَيْ الْحَسَن وَالْبُخَارِيّ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُخَلَّطِينَ بِتَضْيِيعِ مَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ ، أَوْ بِفِعْلِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ , فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة لَا يُقْطَع فِي أَمْرِهِ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار وَلَا بِاسْتِحْقَاقِهِ الْجَنَّة لِأَوَّلِ وَهْلَة , بَلْ يُقْطَع بِأَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ دُخُوله الْجَنَّة آخِرًا , وَحَاله قَبْل ذَلِكَ فِي خَطَر الْمُشِيئَة , إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِفَضْلِهِ , وَيُمْكِن أَنْ تَسْتَقِلّ الْأَحَادِيث بِنَفْسِهَا وَيُجْمَع بَيْنهَا , فَيَكُون الْمُرَادُ بِاسْتِحْقَاقِ الْجَنَّة مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إِجْمَاع أَهْل السُّنَّة , أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ دُخُولهَا لِكُلِّ مُوَحِّد إِمَّا مُعَجَّلًا مُعَافًى ، وَإِمَّا مُؤَخَّرًا , وَالْمُرَاد بِتَحْرِيمِ النَّار تَحْرِيم الْخُلُود , خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ , وَيَجُوز فِي حَدِيث : " مَنْ كَانَ آخِر كَلَامِهِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة " أَنْ يَكُون خُصُوصًا لِمَنْ كَانَ هَذَا آخِر نُطْقه وَخَاتِمَة لَفْظه ، وَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُخَلِّطًا , فَيَكُون سَبَبًا لِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ وَنَجَاته رَأْسًا مِنْ النَّار وَتَحْرِيمه عَلَيْهَا ب, ِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ آخِر كَلَامه مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الْمُخَلِّطِينَ , وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيث عُبَادَة مِنْ مِثْل هَذَا وَدُخُوله مِنْ أَيّ أَبْوَاب الْجَنَّة شَاءَ , يَكُون خُصُوصًا لِمَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَرَنَ بِالشَّهَادَتَيْنِ حَقِيقَة الْإِيمَان وَالتَّوْحِيد الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثه فَيَكُون لَهُ مِنْ الْأَجْر مَا يَرْجَح عَلَى سَيِّئَاته ، وَيُوجِب لَهُ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَدُخُول الْجَنَّة لِأَوَّلِ وَهْلَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَاَللَّه أَعْلَم , هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه وَهُوَ فِي نِهَايَة الْحُسْن , وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب وَغَيْره فَضَعِيف بَاطِل , وَذَلِكَ لِأَنَّ رَاوِيَ أَحَد هَذِهِ الْأَحَادِيث أَبُو هُرَيْرَة - رضي الله عنه - وَهُوَ مُتَأَخِّر الْإِسْلَام أَسْلَمَ عَام خَيْبَر سَنَة سَبْع بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَانَتْ أَحْكَام الشَّرِيعَة مُسْتَقِرَّة , وَأَكْثَر هَذِهِ الْوَاجِبَات كَانَتْ فُرُوضهَا مُسْتَقِرَّة ، وَكَانَتْ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة وَغَيْرهَا مِنْ الْأَحْكَام قَدْ تَقَرَّرَ فَرْضهَا ، وَكَذَا الْحَجّ عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَة خَمْس أَوْ سِتّ ، وَهُمَا أَرْجَح مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ سَنَة تِسْع وَاَللَّه أَعْلَم . وَذَكَرَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه - رضي الله عنه - بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره , وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْو هَذَا التَّأْوِيل , قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِخْتِصَارًا مِنْ رَسُول اللَّه - رضي الله عنه - فِيمَا خَاطَبَ بِهِ الْكُفَّار عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ كَانَ تَوْحِيدهمْ لِلَّهِ تَعَالَى مَصْحُوبًا بِسَائِرِ مَا يَتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِسْلَام وَمُسْتَلْزِمًا لَهُ , وَالْكَافِر إِذَا كَانَ لَا يُقِرّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ كَالْوَثَنِيِّ وَالثَّنَوِيِّ فَقَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ، وَحَاله الْحَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ , وَلَا نَقُول وَالْحَالَة هَذِهِ مَا قَالَهُ بَعْض أَصْحَابنَا مِنْ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ يُجْبَر عَلَى قَبُول سَائِر الْأَحْكَام , فَإِنَّ حَاصِله رَاجِعٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْبَر حِينَئِذٍ عَلَى إِتْمَام الْإِسْلَام ، وَيُجْعَلُ حُكْمُه حُكْم الْمُرْتَدّ إِنْ لَمْ يَفْعَل مِنْ غَيْر أَنْ يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ فِي نَفْس الْأَمْر وَفِي أَحْكَام الْآخِرَة , وَمَنْ وَصَفْنَاهُ مُسْلِمٌ فِي نَفْس الْأَمْر وَفِي أَحْكَام الْآخِرَة . وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 100)(1/97)
"(1)
( جة ) , وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ(2)كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ(3)حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ , وَلَيُسْرَى(4)عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فِي لَيْلَةٍ فلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ , وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ , الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ , يَقُولُونَ : أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَنَحْنُ نَقُولُهَا " , فَقَالَ صِلَةُ لِحُذَيْفَةَ : مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ ؟ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : يَا صِلَةُ " تُنَجِّيهِمْ مِنْ النَّارِ , تُنَجِّيهِمْ مِنْ النَّارِ , تُنَجِّيهِمْ مِنْ النَّارِ "(5)
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 26 , و( حم ) 464
(2) مِنْ دَرَسَ الثَّوْب دَرْسًا , إِذَا صَارَ عَتِيقًا . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 416)
(3) وَشْيُ الثَّوْب : نَقْشه . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 416)
(4) مِنْ السَّرَايَة أَيْ : الدَّرْس أَوْ الدُّرُوس . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 416)
(5) صححه الألباني في ( جة ) 4049 , والصَّحِيحَة : 87(1/98)
" مَنْ لَقِيَ اللَّه وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَمْ تَضُرَّ مَعَهُ خَطِيئَةٌ , كَمَا لَوْ لَقِيَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ , دَخَلَ النَّارَ وَلَمْ تَنْفَعْهُ مَعَهُ حَسَنَةٌ "(1)
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) حم ) 6586 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين , وصحح إسناده أحمد شاكر .(1/99)
خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي , " فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي وَحْدَهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ " فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ , فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ(1)" فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ " , فَقُلْتُ : أَبُو ذَرٍّ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , فَقَالَ : " تَعَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ " , قَالَ : فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً )(2)( فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ , فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ , مَا أُحِبُّ أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا , تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ(3)وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ , إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ , إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّه هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - وَحَثَا عَنْ يَمِينِهِ , وَعَنْ شِمَالِهِ , وَبَيْنَ يَدَيْهِ , وَمِنْ خَلْفِهِ - (4)
__________
(1) أَيْ : فِي الْمَكَان الَّذِي لَيْسَ لِلْقَمَرِ فِيهِ ضَوْء لِيُخْفِيَ شَخْصه ، وَإِنَّمَا اِسْتَمَرَّ يَمْشِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأ لِلنَّبِيِّ > حَاجَة فَيَكُون قَرِيبًا مِنْهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 259)
(2) خ ) 6078 , ( م ) 94
(3) أَيْ : تمرُّ عليَّ ثلاثة أيام .
(4) الْمُرَاد بِيَمِينِهِ وَشِمَاله : جَمِيع وُجُوه الْمَكَارِم وَالْخَيْر ..شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 430)(1/100)
)(1)( ثُمَّ مَشَيْنَا فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ " , قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ )(2)( قَالَ : " إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمْ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(3)( إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - مِثْلَمَا صَنَعَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى )(4)( وَحَثَا )(5)( عَنْ يَمِينِهِ , وَعَنْ شِمَالِهِ , وَمِنْ خَلْفِهِ )(6)( وَبَيْنَ يَدَيْهِ – وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا )(7)( وَقَلِيلٌ مَا هُمْ )(8)( قَالَ : ثُمَّ مَشَيْنَا )(9)( سَاعَةً فَقَالَ لِي : اجْلِسْ هَا هُنَا )(10)( وَلَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ )(11)( فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ(12)حَوْلَهُ حِجَارَةٌ )(13)( ثُمَّ انْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ(14)
__________
(1) خ ) 6079 , ( م ) 94
(2) م ) 94 , ( خ ) 6079
(3) خ ) 6078 , ( م ) 94
(4) م ) 94 , ( خ ) 6079
(5) حم ) 21385
(6) خ ) 6079
(7) خ ) 6078 , ( م ) 94
(8) خ ) 6079
(9) م ) 94 , ( خ ) 6078
(10) خ ) 6078 , ( م ) 94
(11) خ ) 6079 , ( م ) 94
(12) أَيْ : أَرْض سَهْلَة مُطَمْئِنَة . فتح الباري (ج 18 / ص 261)
(13) خ ) 6078 , ( م ) 94
(14) الحَرَّة : مَكَان مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْجَانِب الشَّمَالِيّ مِنْهَا , وَكَانَتْ بِها الْوَقْعَة الْمَشْهُورَة فِي زَمَن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة , وَقِيلَ : الْحَرَّة الْأَرْض الَّتِي حِجَارَتهَا سُود ، وَهُوَ يَشْمَل جَمِيع جِهَات الْمَدِينَة الَّتِي لَا عِمَارَة فِيهَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 259)(1/101)
)(1)( فِي سَوَادِ اللَّيْلِ )(2)( حَتَّى تَوَارَى عَنِّي )(3)( فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ اللُّبْثَ " )(4)( فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ , فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي : " لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ " , فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي )(5)( " فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ يَقُولُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ " , قَالَ : فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ , فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّه فِدَاءَكَ , مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا(6)
__________
(1) خ ) 6078 , ( م ) 94
(2) خ ) 6079
(3) م ) 94 , ( خ ) 6079
(4) خ ) 6078 , ( م ) 94
(5) خ ) 6079 , ( م ) 94
(6) أَيْ : مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يُجيبك على سؤالك ..(1/102)
فَقَالَ : " ذَلِكَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - , عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ فَقَالَ : بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ , وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ , قَالَ : نَعَمْ " , فَقُلْتُ [ يَا رَسُولَ اللَّهِ ] (1): وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ " , قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ , وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ(2)
__________
(1) خ ) 5913
(2) قَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : حَدِيث أَبِي ذَرّ مِنْ أَحَادِيث الرَّجَاء الَّتِي أَفْضَى الِاتِّكَال عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْجَهَلَة إِلَى الْإِقْدَام عَلَى الْمُوبِقَات ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِره , فَإِنَّ الْقَوَاعِد اِسْتَقَرَّتْ عَلَى أَنَّ حُقُوق الْآدَمِيِّينَ لَا تَسْقُط بِمُجَرَّدِ الْمَوْت عَلَى الْإِيمَان ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم سُقُوطهَا أَنْ لَا يَتَكَفَّل اللَّه بِهَا عَمَّنْ يُرِيد أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة ، وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ > عَلَى أَبِي ذَرّ اِسْتِبْعَاده , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " دَخَلَ الْجَنَّة " أَيْ : صَارَ إِلَيْهَا إِمَّا اِبْتِدَاء مِنْ أَوَّل الْحَال , وَإِمَّا بَعْد أَنْ يَقَع مَا يَقَع مِنْ الْعَذَاب ، نَسْأَل اللَّه الْعَفْو وَالْعَافِيَة , وَفِي هَذَا الْحَدِيث " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر ، أَصَابَهُ قَبْل ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ " , وَفِي الْحَدِيث أَنَّ أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّار ، وَأَنَّ الْكَبَائِر لَا تَسْلُب اِسْم الْإِيمَان ، وَأَنَّ غَيْر الْمُوَحِّدِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة , وَالْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَة الْإِشَارَة إِلَى جِنْس حَقّ اللَّه تَعَالَى وَحَقّ الْعِبَاد ، وَكَأَنَّ أَبَا ذَرّ اِسْتَحْضَرَ قَوْله > " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن " لِأَنَّ ظَاهِره مُعَارِض لِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَر ، لَكِنَّ الْجَمْع بَيْنهمَا عَلَى قَوَاعِد أَهْل السُّنَّة بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْإِيمَان الْكَامِل , وَبِحَمْلِ حَدِيث الْبَاب عَلَى عَدَم التَّخْلِيد فِي النَّار . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 261)(1/103)
)(1)"
( عبد بن حميد ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ : يَا فُلَانُ , فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ - " , فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ,
فَقَالَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ كَذِبَكَ بِتَصْدِيقِكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "(2)
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بقَالَ :
أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ(3)؟ , فَقَالَ : " مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ "(4)
( م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 6078 , ( م ) 94
(2) عبد بن حميد ) في " المنتخب من المسند " (3/175/1374) , ( يع ) 3368 , انظر الصَّحِيحَة : 3064
(3) أَيْ : ما الْخَصْلَة الْمُوجِبَة لِلْجَنَّةِ ، وَالْخَصْلَة الْمُوجِبَة لِلنَّارِ .شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 198)
(4) م ) 93 , ( حم ) 15237(1/104)
كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بفِي نَفَرٍ ، " فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا(1)فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا ، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا(2)فَفَزِعْنَا فَقُمْنَا ، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا(3)لِلأَنْصَار لِبَنِي النَّجَّارِ ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا ؟ , فَلَمْ أَجِدْ ، فَإِذَا رَبِيعٌ(4)يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ(5)فَاحْتَفَزْتُ(6)
__________
(1) أَيْ : من بيننا .
(2) أَيْ : يُصَاب بِمَكْرُوهِ مِنْ عَدُوّ إِمَّا بِأَسْرٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ .شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 108)
(3) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : الْحَائِطُ الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ .
(4) الرَّبِيعُ : الْجَدْوَلُ .
(5) أَيْ : الْبِئْر فِي مَوْضِعٍ خَارِجٍ عَنْ الْحَائِط .شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 108)
(6) أَيْ : تَضَامَمْت لِيَسَعَنِي الْمَدْخَل ..شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 108)(1/105)
كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : " أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " مَا شَأْنُكَ ؟ " , قُلْتُ : كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا ، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ فَزِعَ ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ، وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي ، " فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعْلَيْهِ وَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ " ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - , فَقَالَ : مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ , فَقُلْتُ : هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي(1)
__________
(1) الاست : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الدُّبُر , وَالْمُسْتَحَبّ فِي مِثْل هَذَا الْكِنَايَة عَنْ قَبِيح الْأَسْمَاء , وَبِهَذَا الْأَدَب جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز وَالسُّنَن , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } , { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضكُمْ إِلَى بَعْضٍ } , { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } , { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ } , { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } , وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ صَرِيح الِاسْم لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَة , وَهِيَ إِزَالَة اللَّبْس أَوْ الِاشْتِرَاك , أَوْ نَفْيِ الْمَجَاز كَقَوْلِهِ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } وَكَقَوْلِهِ > : " أَنِكْتَهَا " وَكَقَوْلِهِ > : " أَدْبَرَ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاط " وَكَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَة ط : " الْحَدَث فُسَاء أَوْ ضُرَاط " وَنَظَائِر ذَلِكَ كَثِيرَة ، وَاسْتِعْمَال أَبِي هُرَيْرَة هُنَا لَفْظ الِاسْت مِنْ هَذَا الْقَبِيل , وَأَمَّا دَفْع عُمَر ط لَهُ فَلَمْ يَقْصِد بِهِ سُقُوطه وَإِيذَاؤُهُ , بَلْ قَصَد رَدَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْره لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْره , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه : وَلَيْسَ فِعْل عُمَر ط وَمُرَاجَعَته النَّبِيّ > اِعْتِرَاضًا عَلَيْهِ وَرَدًّا لِأَمْرِهِ إِذْ لَيْسَ فِيمَا بَعَثَ بِهِ أَبَا هُرَيْرَة غَيْر تَطْيِيب قُلُوب الْأُمَّة وَبُشْرَاهُمْ ، فَرَأَى عُمَر ط أَنَّ كَتْم هَذَا أَصْلَحَ لَهُمْ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَّكِلُوا ، وَأَنَّهُ أَعْوَد عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ مُعَجَّل هَذِهِ الْبُشْرَى , فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَى النَّبِيّ > صَوَّبَهُ فِيهِ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 108)(1/106)
فَقَالَ : ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْهَشْتُ(1)بُكَاءً ، وَرَكِبَنِي عُمَرُ(2)فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي ،
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " , فَقُلْتُ : لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي ، وَقَالَ : ارْجِعْ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا عُمَرُ ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ؟ " , قَال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فلَا تَفْعَلْ ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا ، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُون ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَخَلِّهِمْ "(3)
( خ م حم ) , وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) الجَهْشُ : أن يَفْزَع الإِنسان إلى الإنسان وَيَلْجأ إليه وهو مع ذلك يريد البُكاء كما يَفْزَع الصَّبِيُّ إلى أمِّه وأبيه . النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 851)
(2) أَيْ : تَبِعَنِي وَمَشَى خَلْفِي فِي الْحَال بِلَا مُهْلَة . ( النووي - ج 1 / ص 108)
(3) م ) 31(1/107)
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ , فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ(1)وَأَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا(2)فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا(3)فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " افْعَلُوا " )(4)( فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ : مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ(5)؟ , فَدَخَلَ عُمَرُ - رضي الله عنه - عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - )(6)( فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ(7))(8)( وَمَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ ؟ )(9)( وَلكِنْ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ ، فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ ، لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا ذَلِكَ )(10)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ , فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنِطَعٍ(11)
__________
(1) أَيْ : فَنِيَ زَادُهُمْ ( طعامهم ) . فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 171)
(2) النَّوَاضِح مِنْ الْإِبِل : الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 102)
(3) لَيْسَ مَقْصُوده مَا هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ الِادِّهَان , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : اِتَّخَذْنَا دُهْنًا مِنْ شُحُومهَا .شرح النووي(ج1ص 102)
(4) م ) 27 , ( خ ) 2484
(5) لِأَنَّ تَوَالِي الْمَشْي رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الْهَلَاك . فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 171)
(6) خ ) 2484
(7) الْمُرَاد بِالظَّهْرِ هُنَا الدَّوَابّ ، سُمِّيَتْ ظَهْرًا لِكَوْنِهَا يُرْكَب عَلَى ظَهْرهَا .
(8) م ) 27 , ( خ ) 2484
(9) خ ) 2484
(10) م ) 27 , ( حم ) 11095
(11) النِّطْع : بساط من جلد ..(1/108)
فَبَسَطَهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ " ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ )(1)( وَذُو النَّوَى بِنَوَاهُ ، - قُلْتُ(2): وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى ؟ , قَالَ : كَانُوا يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ – )(3)( قَالَ : حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ )(4)( قَالَ فَتَطَاوَلْتُ لِأَحْزِرَهُ كَمْ هُوَ فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً )(5)( " فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ قَالَ : خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ " ، قَالَ : فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ ، وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ )(6)( " فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ(7))(8)( ثُمَّ قَالَ : " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ(9)
__________
(1) م ) 27
(2) السائل هو أَبُو صَالِح صاحب أبي هريرة .
(3) م ) 27
(4) م ) 27 , ( خ ) 2484
(5) م ) 1729
(6) م ) 27 , ( خ ) 2484
(7) النواجذ : هي أواخُر الأسنان , وقيل : التي بعد الأنياب .
(8) حم ) 15487 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده قوي , وانظر الصحيحة تحت حديث : 3221
(9) أَشَارَ إِلَى أَنَّ ظُهُور الْمُعْجِزَة مِمَّا يُؤَيِّد الرِّسَالَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 171)(1/109)
)(1)( لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ )(2)لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا فَيُحْجَبَ عَن الْجَنَّةِ(3)لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا حُجِبَتْ عَنْهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(4)"
( خ م س حم ) , وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 2484 , ( م ) 27
(2) م ) 27
(3) م ) 27
(4) حم ) 15487(1/110)
أَتَى عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي(1)وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي , فَإِذَا كَانَتْ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ , فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ , فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " , قَالَ عِتْبَانُ : " فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ , فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ )(2)( فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ : أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ " )(3)( فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ , " فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ )(4)( وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ )(5)( ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ " )(6)( فَحَبَسْتُهُ(7) عَلَى خَزِيرَةٍ(8)
__________
(1) أَيْ : أَصَابَنِي فِي بَصَرِي شيْءِ .
(2) خ ) 415 , ( م ) 33
(3) خ ) 840 , ( م ) 33
(4) خ ) 415 , ( م ) 33
(5) خ ) 414 , ( م ) 33
(6) خ ) 840 , ( م ) 33
(7) أَيْ : مَنَعْتهُ مِنْ الرُّجُوعِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 145)
(8) الْخَزِيرَة ) قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : تُصْنَع مِنْ لَحْم يُقَطَّع صِغَارًا ثُمَّ يُصَبّ عَلَيْهِ مَاء كَثِير فَإِذَا نَضِجَ ذُرَّ عَلَيْهِ الدَّقِيق ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَحْم فَهُوَ عَصِيدَة . (.فتح -ج 2 / ص 145)(1/111)
تُصْنَعُ لَهُ )(1)( فَتَسَامَعَتْ الْأَنْصَارُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي فَأَتَوْهُ )(2)( حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ )(3)( وَتَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ : مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ , وَكَانَ يُزَنُّ بِالنِّفَاقِ(4))(5)( فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ ؟ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَاكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَقُلْ ذَلِكَ , أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّه ؟ " فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ )(6)( أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لَنَرَى )(7)( وَجْهَهُ(8)
__________
(1) خ ) 1130 , ( م ) 33
(2) حم ) 16528 , ( خ ) 1186
(3) خ ) 1186 , ( م ) 33
(4) فلان يُزَنُّ بكذا وكذا أَيْ : يُتَّهم به . لسان العرب - (ج 13 / ص 200)
(5) حم ) 16528
(6) خ ) 415 , ( م ) 33
(7) خ ) 1186 , ( م ) 33
(8) أَيْ : تَوَجُّهَهُ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 145)(1/112)
وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ " )(1)وفي رواية(2): " لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ " وفي رواية(3): " لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ أَوْ تَطْعَمَهُ " وفي رواية(4):
__________
(1) خ ) 415 , ( م ) 33
(2) خ ) 6422
(3) م ) 33
(4) حم ) 12407 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/113)
" مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَلَنْ تَطْعَمَهُ النَّارُ , أَوْ قَالَ : لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ(1)
__________
(1) قَالَ مَعْمَرٌ فَكَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ : ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَائِضُ وَأُمُورٌ نَرَى أَنَّ الْأَمْرَ انْتَهَى إِلَيْهَا , فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَغْتَرَّ فَلَا يَغْتَرَّ ( م ) 33 , ( حم ) 23821 , قال الحافظ في الفتح : وَفِي كَلَامه نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَات الْخَمْس نَزَلَ فَرْضهَا قَبْل هَذِهِ الْوَاقِعَة قَطْعًا ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَارِكهَا لَا يُعَذَّب إِذَا كَانَ مُوَحِّدًا , وَقِيلَ : الْمُرَاد أَنَّ مَنْ قَالَهَا مُخْلِصًا لَا يَتْرُك الْفَرَائِض ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاص يَحْمِل عَلَى أَدَاء اللَّازِم , وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَة , وَقِيلَ : الْمُرَاد تَحْرِيم التَّخْلِيد , أَوْ تَحْرِيم دُخُول النَّار الْمُعَدَّة لِلْكَافِرِينَ لَا الطَّبَقَة الْمُعَدَّة لِلْعُصَاةِ ، وَقِيلَ : الْمُرَاد تَحْرِيم دُخُول النَّار بِشَرْطِ حُصُول قَبُول الْعَمَل الصَّالِح وَالتَّجَاوُز عَنْ السَّيِّئ , وَاللَّهُ أَعْلَم , وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد : أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَة مَسَاجِد لِلْجَمَاعَةِ سِوَى مَسْجِده > , وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَة فِي الْمَطَر وَالظُّلْمَة وَنَحْو ذَلِكَ ، وَاِتِّخَاذُ مَوْضِع مُعَيَّن لِلصَّلَاةِ , وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيطَان مَوْضِع مُعَيَّن مِنْ الْمَسْجِد فَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اِسْتَلْزَمَ رِيَاء وَنَحْوه , وَفِيهِ تَسْوِيَة الصُّفُوف وَأَنَّ عُمُوم النَّهْي عَنْ إِمَامَة الزَّائِر مَنْ زَارَهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا كَانَ الزَّائِر هُوَ الْإِمَام الْأَعْظَم فَلَا يُكْرَهُ ، وَكَذَا مَنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِب الْمَنْزِل , وَفِيهِ التَّبَرُّك بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيّ > أَوْ وَطِئَهَا ، وَفِيهِ اسْتِصْحَاب الزَّائِر بَعْض أَصْحَابه إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَدْعِي لَا يَكْرَه ذَلِكَ ، وَالِاسْتِئْذَان عَلَى الدَّاعِي فِي بَيْته وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ طَلَب الْحُضُور ، وَأَنَّ اِتِّخَاذ مَكَان فِي الْبَيْت لِلصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِم وَقْفِيَّتَهُ , وَلَوْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اِسْم الْمَسْجِد ، وَفِيهِ التَّنْبِيه عَلَى مَنْ يَظُنّ بِهِ الْفَسَاد فِي الدِّين عِنْد الْإِمَام عَلَى جِهَة النَّصِيحَة , وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غِيبَة ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَان النُّطْق مِنْ غَيْر اِعْتِقَاد ، وَأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّار مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيد وَفِيهِ صَلَاة النَّوَافِل جَمَاعَة , وَسَلَام الْمَأْمُوم حِين يُسَلِّمُ الْإِمَام ، وَأَنَّ مَنْ نَسَبَ مَنْ يُظْهِر الْإِسْلَام إِلَى النِّفَاق وَنَحْوه بِقَرِينَةٍ تَقُوم عِنْده لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَلَا يَفْسُقُ , بَلْ يُعْذَرُ بِالتَّأْوِيلِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 145)(1/114)
"
( خ م ت حم ) , عَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ(1)" , فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ(2)فلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا(3)مِنْ طِينٍ " فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ )(4)( وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ )(5)( فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(6)" ( إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ(7)يَمْشِي )(8)( شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ )(9)( كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ )(10)( شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ )(11)( أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا )(12)( لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ , وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ )(13)( فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ(14)
__________
(1) أَيْ : فِي وَسَطهمْ وَمُعْظَمهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(2) أَيْ : الْمُسَافِر . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(3) قَالَ فِي الْقَامُوس : الدُّكَّان : بِنَاء يُسْطَح أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(4) س ) 4991 , ( د ) 4698
(5) د ) 4698
(6) حم ) 367 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(7) أَيْ : مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل . ( فتح - ح48)
(8) خ ) 4499
(9) م ) 8 , ( ت ) 2610
(10) س ) 4991
(11) م ) 8 , ( ت ) 2610
(12) س ) 4991
(13) م ) 8 , ( ت ) 2610
(14) أَيْ : الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 216)(1/115)
)(1)( فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ " )(2)( قَالَ : أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " ادْنُهْ " ، فَمَا زَالَ يَقُولُ : أَدْنُو مِرَارًا ، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ " ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(4) ( فَقَالَ : أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ ؟ , قَالَ : " الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا )(5)أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ(6)( وَأَنْ تُقِيمَ الصَلَاةَ [ الْمَكْتُوبَةَ ](7)وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ [ الْمَفْرُوضَةَ ](8)وَتَصُومَ رَمَضَانَ )(9)( وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )(10)( وَتَعْتَمِرَ , وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ , وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ )(11)
__________
(1) د ) 4698
(2) س ) 4991 , ( د ) 4698
(3) س ) 4991
(4) م ) 8 , ( س ) 4990
(5) خ ) 50 , ( م ) 9
(6) م ) 8 , ( س ) 4990
(7) م ) 9 , ( جة ) 64
(8) م ) 9 , ( جة ) 64
(9) خ ) 50 , ( م ) 9
(10) م ) 8 , ( س ) 4990
(11) حب ) 173 , ( خز ) 1 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 175 , 1101 , وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث : 3 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حب ) 173 : إسناده صحيح . وذكر ( د ) 4695 من هذه الثلاثة ( الِاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَةِ ) ..(1/116)
" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ ؟ )(1)إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ ؟(2)( قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : صَدَقْتَ ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ : صَدَقْتَ )(3)( عَجِبْنَا [ مِنْهُ ](4)يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ )(5)( ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ(6)وَمَلَائِكَتِهِ(7)
__________
(1) حب ) 173 , ( خز ) 1
(2) س ) 4991
(3) س ) 4991
(4) جة ) 63
(5) م ) 8 , ( س ) 4990
(6) قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ،
وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . ( فتح الباري - ح48)
(7) قَوْله : ( وَمَلَائِكَته ) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ( عِبَاد مُكْرَمُونَ )
وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَة عَلَى الْكُتُب وَالرُّسُل نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَك بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُول وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّك لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَك عَلَى الرَّسُول . ( فتح - ح48)(1/117)
وَكُتُبِهِ , وَبِلِقَائِهِ(1)وَرُسُلِهِ [ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ](2)وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ ,
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ،
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ , وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ،
فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح - ح48)
(2) حم ) 184 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) أَمَّا الْبَعْث الْآخِر , فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِر تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْس الذَّاهِب ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَعْث وَقَعَ مَرَّتَيْنِ :
الْأُولَى : الْإِخْرَاج مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات بَعْد النُّطْفَة وَالْعَلَقَة إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ،
وَالثَّانِيَة : الْبَعْث مِنْ بُطُونِ الْقُبُور إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار ,
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِر أَيَّام الدُّنْيَا أَوْ آخِر الْأَزْمِنَة الْمَحْدُودَة ،
وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْحِسَاب وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . ( فتح - ح48)(1/118)
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ(1))(2)( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ )(3)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(4)" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " ، قَالَ : صَدَقْتَ )(5)
( 2 ) اَلْإيمَان
أَرْكَانُ الْإيمَان
( خ م حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ :
( إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ(6)لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ الْقَوْمُ ؟ " , قَالُوا : رَبِيعَةُ , قَالَ : " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا(7)وَلَا نَدَامَى " )(8)
__________
(1) حم ) 184
(2) خ ) 50 , ( م ) 9
(3) م ) 10 , ( س ) 4990
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991 , ( حم ) 2926
(6) الْوَفْد : الْجَمَاعَة الْمُخْتَارَة لِلتَّقَدُّمِ فِي لُقِيّ الْعُظَمَاء وَاحِدهمْ وَافِد , وَوَفْد عَبْد الْقَيْس الْمَذْكُورُونَ كَانُوا أَرْبَعَة عَشَر رَاكِبًا , كَبِيرهمْ الْأَشَجّ . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 84)
(7) أَيْ : أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا طَوْعًا مِنْ غَيْر حَرْب أَوْ سَبْي يُخْزِيهِمْ وَيَفْضَحهُمْ . ( فتح - ح53)
(8) خ ) 53 , ( م ) 17(1/119)
وفي رواية : قَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الْقَيْسِ إِذْ أَسْلَمُوا طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ , غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَوْتُورِينَ , إِذْ بَعْضُ قَوْمِنَا لَا يُسْلِمُونَ حَتَّى يُخْزَوْا وَيُوتَرُوا , قَالَ : وَابْتَهَلَ وَجْهَهُ هَاهُنَا حَتَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو لِعَبْدِ الْقَيْسِ , ثُمَّ قَالَ : إِنَّ خَيْرَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ عَبْدُ الْقَيْسِ " )(1)( فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ(2)
__________
(1) حم ) 17863 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .
(2) الشُّقَّة : الْمَسَافَة , سُمِّيَتْ شُقَّةً لِأَنَّهَا تَشُقّ عَلَى الْإِنْسَان . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 87)
وكَانَتْ مَسَاكِن عَبْد الْقَيْس بِالْبَحْرَيْنِ وَمَا وَالَاهَا مِنْ أَطْرَاف الْعِرَاق ، وَلِهَذَا قَالُوا ( وَإِنَّا نَأْتِيك مِنْ شُقَّة بَعِيدَة ) , وَيَدُلّ عَلَى سَبْقهمْ إِلَى الْإِسْلَام مَا رَوَاهُ الْبخاري عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : " إِنَّ أَوَّل جُمُعَة جُمِّعَتْ - بَعْد جُمُعَة فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه > - فِي مَسْجِد عَبْد الْقَيْس بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ " ، وَجُوَاثَى قَرْيَة شَهِيرَة لَهُمْ ، وَإِنَّمَا جَمَّعُوا بَعْد رُجُوع وَفْدهمْ إِلَيْهِمْ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ سَبَقُوا جَمِيع الْقُرَى إِلَى الْإِسْلَام . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 84)(1/120)
)(1)( وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ(2)وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ(3)مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ , فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ(4)
__________
(1) خ ) 87 , ( م ) 17
(2) الْمُرَاد : شَهْر رَجَب ، وَكَانَتْ مُضَر تُبَالِغ فِي تَعْظِيم شَهْر رَجَب ، فَلِهَذَا أُضِيفَ إِلَيْهِمْ فِي حَدِيث أَبِي بَكْرَة حَيْثُ قَالَ : " رَجَب مُضَر " , وَالظَّاهِر أَنَّهُمْ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِمَزِيدِ التَّعْظِيم , مَعَ تَحْرِيمهمْ الْقِتَال فِي الْأَشْهُر الثَّلَاثَة الْأُخْرَى ، إِلَّا أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَنْسَئُوهَا بِخِلَافِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 84)
(3) الْحَيّ : اِسْم لِمَنْزِلِ الْقَبِيلَة ، ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَبِيلَة بِهِ لِأَنَّ بَعْضهمْ يَحْيَا بِبَعْضٍ . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 84)
(4) " الْفَصْل " بِمَعْنَى الْمُفَصَّل , أَيْ : الْمُبَيَّن الْمَكْشُوف ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْفَصْل : الْبَيِّن , وَقِيلَ : الْمُحْكَم . (.فتح )(1/121)
نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ [ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ ](1)وَنُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا ، وَسَأَلُوهُ عَنْ الْأَشْرِبَةِ , " فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ " , قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَلَاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ(2)وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ الْحَنْتَمِ ، وَالدُّبَّاءِ ، وَالنَّقِيرِ ، وَالْمُزَفَّتِ(3)
__________
(1) م ) 18 , ( حم ) 11191
(2) الْغَرَض مِنْ ذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ – مَعَ أَنَّ الْقَوْم كَانُوا مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَة - أَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْإِيمَان مَقْصُورٌ عَلَيْهِمَا كَمَا كَانَ الْأَمْر فِي صَدْر الْإِسْلَام . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 84)
(3) الْحَنْتَم : هِيَ الْجِرَار الْخُضْر ، وَالدُّبَّاء : هُوَ الْقَرْع ، وَالنَّقِير : أَصْل النَّخْلَة يُنْقَر فَيُتَّخَذ مِنْهُ وِعَاء , وَالْمُزَفَّت : مَا طُلِيَ بِالزِّفْتِ , وَالْمُقَيَّر : مَا طُلِيَ بِالْقَارِ ، وَهُوَ نَبْت يُحْرَق إِذَا يَبِسَ , تُطْلَى بِهِ السُّفُن وَغَيْرهَا كَمَا تُطْلَى بِالزِّفْتِ ، قَالَهُ صَاحِب الْمُحْكَم ..(1/122)
")(1)( فَقَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنَا اللَّه فِدَاءَكَ , أَوَتَدْرِي مَا النَّقِيرُ ؟ , قَالَ : " بَلَى , جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ , ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ , حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ , حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ " , قَالَ : وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ , قَالَ : وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , قَالُوا : فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ(2)الَّتِي يُلَاثُ(3)عَلَى أَفْوَاهِهَا " , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ وَلَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الْأَدَمِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ , وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ , وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ " )(4)( فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ اشْتَدَّ فِي الْأَسْقِيَةِ(5)قَالَ : " فَصُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ " , قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَقَالَ لَهُمْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ(6): " أَهْرِيقُوهُ " )(7)( ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْخَمْرَ ، وَالْمَيْسِرَ(8)
__________
(1) خ ) 53 , ( م ) 17
(2) الأدَم : الجلد المدبوغ .
(3) أَيْ : يُلَفّ الْخَيْط عَلَى أَفْوَاههَا وَيُرْبَط بِهِ . عون المعبود - (ج 8 / ص 195)
(4) م ) 18 , ( حم ) 11191
(5) المراد بالاشتداد الحُموضة .
(6) أَيْ : فِي الْمَرَّة الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة . عون المعبود - (ج 8 / ص 197)
(7) د ) 3696 , انظر الصحيحة : 2425
(8) المَيْسِر : القِمار ..(1/123)
وَالْكُوبَةَ(1)وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ )(2)( وَقَالَ : احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ )(3)
( 1 ) الْإِيمَانُ بِاللَّه
تَنْزِيهُ الرَّبِ سُبْحَانَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الشَّرِيكِ وَالْوَلَد
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا , لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(4)تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا , أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا , وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا , إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا , لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا , وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }(5)
( خ ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَالَ سُفْيَانُ : قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ : مَا الْكُوبَةُ ؟ , قَالَ : الطَّبْلُ , ( د ) 3696 , ( حم ) : 2476 , وقال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح ,
قَالَ في المُغْرِب : ( الْكُوبَةُ ) : الطَّبْلُ الصَّغِيرُ الْمُخَصَّرُ , وَقِيلَ النَّرْدُ .
(2) حم ) 2625 , ( د ) 3696
(3) خ ) 53 , ( م ) 17
(4) أَيْ : شيء عظيم . لسان العرب - (ج 3 / ص 71)
(5) مريم/88-95](1/124)
" ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ(1)وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي ، وَيُكَذِّبُنِي(2)وَمَا يَنْبَغِي لَهُ )(3)( ذَلِكَ )(4)( فَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ(5)وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ(6)
__________
(1) الْمُرَاد بِهِ بَعْض بَنِي آدَم ، وَهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْث مِنْ الْعَرَب وَغَيْرهمْ مِنْ عُبَّاد الْأَوْثَان وَالدَّهْرِيَّة , وَمَنْ اِدَّعَى أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا مِنْ الْعَرَب أَيْضًا وَمِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 175)
(2) كَذَّبَنِي ) مِنْ التَّكْذِيب , أَيْ أَنْكَرَ مَا أَخْبَرْتُ بِهِ مِنْ الْبَعْثِ , وَأَنْكَرَ قُدْرَتِي عَلَيْهِ . شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 309)
(3) خ ) 3021 , ( س ) 2078
(4) خ ) 4212 , ( س ) 2078
(5) لَمَّا كَانَ الرَّبّ سُبْحَانه وَاجِب الْوُجُود لِذَاتِهِ قَدِيمًا مَوْجُودًا قَبْل وُجُود الْأَشْيَاء , وَكَانَ كُلّ مَوْلُود مُحْدَثًا اِنْتَفَتْ عَنْهُ الْوَالِدِيَّة ، وَلَمَّا كَانَ لَا يُشْبِههُ أَحَد مِنْ خَلْقه وَلَا يُجَانِسهُ حَتَّى يَكُون لَهُ مِنْ جِنْسه صَاحِبَة فَتَتَوَالَد اِنْتَفَتْ عَنْهُ الْوَالِدِيَّة ، وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى : ( أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ) . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 175)
(6) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يُمَاثِلهُ أَحَد وَلَمْ يُشَاكِلهُ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 175)(1/125)
)(1)( فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا )(2)( وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : )(3)( أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ )(4)( وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ(5))(6)"
عَدَدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ - عز وجل -
( خ م جة ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 4690 , ( س ) 2078
(2) خ ) 4212
(3) خ ) 4690 , ( س ) 2078
(4) خ ) 4212 , ( س ) 2078
(5) أَيْ : الْكُلّ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ , يُمْكِنُ بِكَلِمَةِ ( كُنْ ) هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ تَعَالَى , وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى عُقُولهمْ وَعَادَتِهِمْ , فَآخِرُ الْخَلْقِ أَسْهَلُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) [الروم/27] فَلَا وَجْه لِلتَّكْذِيبِ أَصْلًا . شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 309)
(6) خ ) 4690 , ( س ) 2078(1/126)
" ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا , مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا )(1)( إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ(2)
__________
(1) خ ) 2585 , ( م ) 2677
(2) الْوِتْر ) بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْرهَا : الْفَرْد , وَمَعْنَى ( يُحِبّ ) أَيْ : مِنْ الْأَذْكَار وَالطَّاعَات مَا هُوَ عَلَى عَدَد الْوِتْر , وَيُثِيب عَلَيْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفَرْدِيَّة ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 243)(1/127)
)(1)( مَنْ حَفِظَهَا )(2)( مَنْ أَحْصَاهَا(3)( كُلَّهَا )(4)(
__________
(1) جة ) 3861
(2) م ) 2677 , ( خ ) 6047
(3) خ ) 6957 , قَالَ الْأَصِيلِيّ : الْإِحْصَاء لِلْأَسْمَاءِ الْعَمَل بِهَا لَا عَدّهَا وَحِفْظهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقَع لِلْكَافِرِ الْمُنَافِق , كَمَا فِي حَدِيث الْخَوَارِج يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز حَنَاجِرهمْ ، وَقَالَ اِبْن بَطَّال : الْإِحْصَاء يَقَع بِالْقَوْلِ وَيَقَع بِالْعَمَلِ , فَاَلَّذِي بِالْعَمَلِ أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاء يَخْتَصّ بِهَا , كَالْأَحَدِ وَالْمُتَعَال وَالْقَدِير وَنَحْوهَا ، فَيَجِب الْإِقْرَار بِهَا وَالْخُضُوع عِنْدهَا ، وَلَهُ أَسْمَاء يُسْتَحَبّ الِاقْتِدَاء بِهَا فِي مَعَانِيهَا : كَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيم وَالْعَفُوّ وَنَحْوهَا ، فَيُسْتَحَبّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَحَلَّى بِمَعَانِيهَا لِيُؤَدِّيَ حَقّ الْعَمَل بِهَا , فَبِهَذَا يَحْصُل الْإِحْصَاء الْعَمَلِيّ ، وَأَمَّا الْإِحْصَاء الْقَوْلِيّ فَيَحْصُل بِجَمْعِهَا وَحِفْظهَا وَالسُّؤَال بِهَا , وَلَوْ شَارَكَ الْمُؤْمِن غَيْره فِي الْعَدّ وَالْحِفْظ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِن يَمْتَاز عَنْهُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَل بِهَا , وَنُقِلَ عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّ جَهْمًا قَالَ : لَوْ قُلْت إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا لَعَبَدْت تِسْعَة وَتِسْعِينَ إِلَهًا ، قَالَ فَقُلْنَا لَهُمْ : إِنَّ اللَّه أَمَرَ عِبَاده أَنْ يَدْعُوهُ بِأَسْمَائِهِ ، فَقَالَ ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) وَالْأَسْمَاء جَمْعٌ أَقَلُّه ثَلَاثَة , وَلَا فَرْق فِي الزِّيَادَة عَلَى الْوَاحِد بَيْن الثَّلَاثَة وَبَيْن التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 466)
(4) حم ) 9509 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/128)
دَخَلَ الْجَنَّةَ )(1)"
بَعْضُ صِفَاتِ الرَّبِّ - عز وجل -
( م جة ) , عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
" ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ , وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ(2)
__________
(1) خ ) 2585 , ( م ) 2677
(2) قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : الْقِسْطُ الْمِيزَان ، وَسُمِّيَ قِسْطًا لِأَنَّ الْقِسْط : الْعَدْل ، وَبِالْمِيزَانِ يَقَع الْعَدْل , قَالَ : وَالْمُرَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْفِض الْمِيزَان وَيَرْفَعهُ بِمَا يُوزَن مِنْ أَعْمَال الْعِبَاد الْمُرْتَفِعَة ، وَيُوزَن مِنْ أَرْزَاقهمْ النَّازِلَة ، وَهَذَا تَمْثِيل لِمَا يُقَدَّرُ تَنْزِيله , فَشُبِّهَ بِوَزْنِ الْمِيزَان ، وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقِسْطِ الرِّزْق الَّذِي هُوَ قِسْط كُلّ مَخْلُوق , يَخْفِضهُ فَيُقَتِّرهُ , وَيَرْفَعهُ فَيُوَسِّعهُ ..شرح النووي(ج1ص319)(1/129)
يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ , وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ , وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ(1)حِجَابُهُ النُّورُ , حِجَابُهُ النَّارُ(2)لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ(3)مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ(4)" )(5)( ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ : { فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ }(6))(7).
(
__________
(1) م ) 179 , أَيْ : يُرْفَع إِلَيْهِ عَمَل اللَّيْل قَبْل عَمَل النَّهَار الَّذِي بَعْده ، وَعَمَل النَّهَار قَبْل عَمَل اللَّيْل الَّذِي بَعْده ، وَمَعْنَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة : يُرْفَع إِلَيْهِ عَمَل النَّهَار فِي أَوَّل اللَّيْل الَّذِي بَعْده ، وَيُرْفَع إِلَيْهِ عَمَل اللَّيْل فِي أَوَّل النَّهَار الَّذِي بَعْده ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَة الْحَفَظَة يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْل بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل النَّهَار ، وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَار بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل اللَّيْل . وَاَللَّه أَعْلَم . ( النووي - ج 1 / ص 319)
(2) م ) 179 , ( حم ) 19602 , ( الْحِجَاب ) الْمُرَاد هُنَا الْمَانِع مِنْ رُؤْيَته ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِع نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنْ الْإِدْرَاك فِي الْعَادَة لِشُعَاعِهِمَا . ( النووي )
(3) سُبُحَات وَجْهه : نُوره وَجَلَاله وَبَهَاؤُهُ . ( النووي - ج 1 / ص 319)
(4) الْمُرَاد بِمَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ بَصَره مِنْ خَلْقه جَمِيع الْمَخْلُوقَات , لِأَنَّ بَصَرَه سُبْحَانه وَتَعَالَى مُحِيط بِجَمِيعِ الْكَائِنَات .( النووي )
(5) م ) 179 , ( جة ) 195
(6) النمل/8]
(7) جة ) 196(1/130)
د ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
" رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ , إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ , إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }(1)وَيَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ(2)
__________
(1) النساء/58]
(2) قَالَ الْإِمَام الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِم السُّنَن : وَضْعُهُ - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنه وَعَيْنه عِنْد قِرَاءَته ( سَمِيعًا بَصِيرًا ) مَعْنَاهُ إِثْبَات صِفَة السَّمْع وَالْبَصَر لِلَّهِ سُبْحَانه , لَا إِثْبَات الْعَيْن وَالْأُذُن , لِأَنَّهُمَا جَارِحَتَانِ , وَاللَّه سُبْحَانه مَوْصُوف بِصِفَاتِهِ مَنْفِيًّا عَنْهُ مَا لَا يَلِيق بِهِ مِنْ صِفَات الْآدَمِيِّينَ وَنُعُوتهمْ ، لَيْسَ بِذِي جَوَارِح وَلَا بِذِي أَجْزَاء وَأَبْعَاض { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير } , وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْض الْعُلَمَاء فَقَالَ : قَوْله " لَا إِثْبَات الْعَيْن وَالْأُذُن إِلَخْ " لَيْسَ مِنْ كَلَام أَهْل التَّحْقِيق , وَأَهْل التَّحْقِيق يَصِفُونَ اللَّه تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُوله , وَلَا يَبتَدِعُونَ لِلَّهِ وَصْفًا لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَاب وَلَا سُنَّة ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَقَالَ : { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } , وَقَوْله " لَيْسَ بِذِي جَوَارِح وَلَا بِذِي أَجْزَاء وَأَبْعَاض " كَلَام مُبْتَدِع مُخْتَرِع لَمْ يَقُلْهُ أَحَد مِنْ السَّلَف , لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا , بَلْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه , وَيَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ , وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ وَلَا يُشَبِّهُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ , فَمَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسه وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُوله تَشْبِيهًا , وَإِثْبَات صِفَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَر لِلَّهِ حَقّ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخ , وَأَسْنَدَ اللَّالْكَائِيّ مِنْ طَرِيق الْوَلِيد بْن مُسْلِم سَأَلْت الْأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْث بْن سَعْد عَنْ الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الصِّفَة , فَقَالُوا : أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْف , وَهَذَا قَوْلُ أَهْل الْعِلْم مِنْ أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة , وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرُوهَا وَقَالُوا : هَذَا تَشْبِيه , وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ : إِنَّمَا يَكُون التَّشْبِيه لَوْ قِيلَ : يَدٌ كَيَدٍ , وَسَمْع كَسَمْعٍ , وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : أَهْل السُّنَّة مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَار بِهَذِهِ الصِّفَات الْوَارِدَة فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة , وَلَمْ يُكَيِّفُوا شَيْئًا مِنْهَا , وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَة وَالْخَوَارِج فَقَالُوا : مَنْ أَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُشَبِّه . عون المعبود - (ج 10 / ص 245)(1/131)
"(1) ( محقق )
( جة ) , وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ(2)وَقُرْبِ غِيَرِهِ " ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ " , قُلْتُ : لَنْ نَعْدِمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا .(3)
غِنَى الرَّبِ - عز وجل - عَنْ خَلْقِه
( خ م ) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) د ) 4728 , ( حب ) 265 , انظر الصَّحِيحَة تحت حديث : 3081 ، وقال الألباني إسناد حديث أبي هريرة صحيح على شرط مسلم , وكذا قال الحاكم والذهبي والحافظ . أ . هـ
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح : 265
(2) أَيْ : من شدة يأسهم . فيض القدير - (ج 4 / ص 333)
(3) جة ) ( 181) , و( حم ) 16232 , انظر الصَّحِيحَة : 2810 , وهو ضعيف عند ( جة حم ) ، ولكن الألباني تراجع عن تضعيفه .(1/132)
" (إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى , لَا تُغِيضُهَا(1)نَفَقَةٌ , سَحَّاءُ(2)اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ؟ , فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ , وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ(3))(4)( وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ الْمَوَازِينُ(5)يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ (6)
__________
(1) أَيْ : لَا تُنْقِصُهَا .
(2) أَيْ : دَائِمَةُ الصَّبِّ .
(3) مُنَاسَبَة ذِكْر الْعَرْش هُنَا أَنَّ السَّامِع يَتَطَلَّع مِنْ قَوْله " خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " مَا كَانَ قَبْل ذَلِكَ ، فَذَكَرَ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عَرْشه قَبْل خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض عَلَى الْمَاء , كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ بِلَفْظِ :" كَانَ اللَّه وَلَمْ يَكُنْ شَيْء قَبْله , وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فتح الباري(ج 20ص 488) وظَاهِره أَنَّهُ كَذَلِكَ حِين التَّحْدِيث بِذَلِكَ ؛ وَظَاهِر حديثِ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ الْعَرْش كَانَ عَلَى الْمَاء قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَيُجْمَع بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى الْمَاء , وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْمَاءِ مَاء الْبَحْر , بَلْ هُوَ مَاءٌ تَحْت الْعَرْشِ كَمَا شَاءَ اللَّه تَعَالَى .فتح الباري (ج 20 / ص 496)
(4) خ ) 6983 , ( م ) 993
(5) صم ) 550 , وصححها الألباني في ظلال الجنة .
(6) هُوَ عِبَارَة عَنْ تَقْدِير الرِّزْق , يَقْتُرهُ عَلَى مَنْ يَشَاء ، وَيُوسِعُهُ عَلَى مَنْ يَشَاء ، وَقَدْ يَكُونَانِ عِبَارَة عَنْ تَصَرُّفِ الْمَقَادِير بِالْخَلْقِ بِالْعِزِّ وَالذُّلّ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ..شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 434)(1/133)
)(1)( يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(2)"
( م ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا عِبَادِي , إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلَا تَظَالَمُوا(3)يَا عِبَادِي , كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ(4) فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ(5)
__________
(1) خ ) 6976 , ( ت ) 3045
(2) صم ) 550 , وصححها الألباني في ظلال الجنة .
(3) أَيْ : لَا تَتَظَالَمُوا ، وَالْمُرَاد لَا يَظْلِم بَعْضكُمْ بَعْضًا . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 384)
(4) ظَاهِر هَذَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الضَّلَال إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّه تَعَالَى , وَفِي الْحَدِيث الْمَشْهُور " كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة " فَيَكُون الْمُرَاد أَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعهمْ مِنْ إِيثَار الشَّهَوَات وَالرَّاحَة وَإِهْمَال النَّظَر لَضَلُّوا , وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَر , وَفِي هَذَا دَلِيل لِمَذْهَبِ أَصْحَابنَا وَسَائِر أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْمُهْتَدِي هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللَّه ، وَبِهُدَى اللَّهِ اِهْتَدَى ، وَبِإِرَادَةِ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ هِدَايَة بَعْض عِبَاده وَهُمْ الْمُهْتَدُونَ ، وَلَمْ يُرِدْ هِدَايَة الْآخَرِينَ ، وَلَوْ أَرَادَهَا لَاهْتَدَوْا ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلهمْ الْفَاسِد : " أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرَادَ هِدَايَة الْجَمِيع " , جَلَّ اللَّه أَنْ يُرِيد مَا لَا يَقَع ، أَوْ يَقَع مَا لَا يُرِيد . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 384)
(5) أَيْ : اطلبوا مني الهداية أهدكم ..شرح الأربعين النووية (ج 1 / ص 23)(1/134)
يَا عِبَادِي , كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ , فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ , يَا عِبَادِي , كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ , فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ(1)يَا عِبَادِي , إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا , فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ , يَا عِبَادِي , إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي , وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي , يَا عِبَادِي , لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ , وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ , كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا , يَا عِبَادِي , لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ , وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ , كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا , يَا عِبَادِي , لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ , وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ , قَامُوا فِي صَعِيدٍ(2)
__________
(1) قوله: " كلكم ضال إلا من هديته وكلكم جائع إلا من أطعمته وكلكم عارٍ إلا من كسوته " تنبيه على فقرنا وعجزنا عن جلب منافعنا ودفع مضارنا إلا أن يعيننا الله سبحانه على ذلك , وهو يرجع إلى معنى ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) ، وليعلم العبد أنه إذا رأى آثار هذه النعمة عليه أن ذلك من عند الله , ويتعين عليه شكر الله تعالى , وكلما ازداد من ذلك يزيد في الحمد والشكر لله تعالى . شرح الأربعين النووية (ج 1 / ص 22)
(2) الصعيد : الأرض الواسعة المستوية ..(1/135)
وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي , فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ , مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يُنْقِصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ(1)يَا عِبَادِي , إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا , فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّه(2)وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ "(3)
عَظَمَةُ عَرْشِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَسَعَةُ كُرْسِيِّه
( حب ) , عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الْمِخْيَط ) هُوَ الْإِبْرَة : قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا تَقْرِيب إِلَى الْأَفْهَام ، وَمَعْنَاهُ لَا يَنْقُص شَيْئًا أَصْلًا , كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث الْآخَر : " لَا يَغِيضهَا نَفَقَة " , أَيْ : لَا يَنْقُصهَا نَفَقَة ؛ لِأَنَّ مَا عِنْد اللَّه لَا يَدْخُلهُ نَقْص ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْص الْمَحْدُود الْفَانِي ، وَعَطَاء اللَّه تَعَالَى مِنْ رَحْمَته وَكَرَمه ، وَهُمَا صِفَتَانِ قَدِيمَتَانِ لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِمَا نَقْص ، فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْر ، لِأَنَّهُ غَايَة مَا يُضْرَب بِهِ الْمَثَل فِي الْقِلَّة ، وَالْمَقْصُود التَّقْرِيب إِلَى الْإِفْهَام بِمَا شَاهَدُوهُ ؛ فَإِنَّ الْبَحْر مِنْ أَعْظَم الْمَرْئِيَّات عَيَانًا وَأَكْبَرهَا ، وَالْإِبْرَة مِنْ أَصْغَر الْمَوْجُودَات ، مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَة لَا يَتَعَلَّق بِهَا مَاء . وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 384)
(2) أَيْ : لا يسند طاعته وعبادته من عمله لنفسه , بل يسندها إلى التوفيق , ويحمد الله على ذلك . شرح الأربعين النووية (ج 1 / ص 23)
(3) م ) 2577 , ( حم ) 21458(1/136)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَيْكَ أَفْضَلُ ؟ , قَالَ : " آيَةُ الْكُرْسِيُّ ، مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ(1)وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ "(2)
( العظمة لأبي الشيخ ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلاةٍ مِنَ الْأَرْضِ "(3)
( ك ) , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بأَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالىَ :
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } , قَالَ : " الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ , [ وَإنَّ لَهُ أَطِيطًا(4)
__________
(1) الفلاة : الصحراء والأرض الواسعة التي لَا ماء فيها .
(2) حب ) 361 , انظر الصَّحِيحَة : 109 , وتخريج الطحاوية ص54 , ومختصر العلو ح36 , وقال الألباني في الصحيحة : والحديث خرج مَخْرَجَ التفسير لقوله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) , وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش ، وأنه جُرْمٌ قائم بنفسه وليس شيئا معنويا , ففيه رد على من يتأوله بمعنى المُلك وسعة السلطان ، كما جاء في بعض التفاسير , وما روي عن ابن عباس أنه العلم فلا يصح إسناده إليه . أ . هـ
(3) العظمة لأبي الشيخ ) ح141 , وصححه الألباني في تَخْرِيجِ الطَّحَاوِيَّة ص : 312
(4) الأَطِيطُ : نَقِيضُ صوت المَحامِل والرِّحال إِذا ثقل عليها الرُّكبان , وأَطَّ الرَّحْلُ والنِّسْعُ يَئِطُّ أَطّاً وأَطِيطاً : صَوَّتَ ,
وكذلك كلُّ شيء أَشبه صوت الرحل الجديد . لسان العرب - (ج 7 / ص 256)(1/137)
كَأَطِيطِ الرَّحْلِ(1)](2)وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ "(3)
( طس ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ(4)قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ(5)وعُنُقُهُ مُنْثَنٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَهو يَقُولُ : سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا ,
فَرَدَّ عَلَيْهِ : لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ(6)مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا "(7)
( طس ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ - يَعْنِي عَظَمَتَهُ - وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ "(8)
تَفَرُّدُ الرَّبِّ - عز وجل - بِمَعْرِفَةِ الْغَيْب
( خ ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الرحْل : ما يوضع على ظهر البعير للركوب .
(2) ما بين القوسين صححه الألباني في مختصر العلو ص : 75
(3) ك ) 3116 , وصححه الألباني في تَخْرِيجِ الطَّحَاوِيَّة ص : 311
(4) أَيْ : أذن لي أن أحدث عن عظمة جثة ديك من خلق الله تعالى ، يعني عن ملك في صورة ديك , وليس بديك حقيقة كما يصرح به قوله في رواية " إن لله تعالى مَلَكا في السماء يقال له الديك إلخ " . فيض القدير (ج2ص 263)
(5) أَيْ : وصلتا إليها وخرقتاها من جانبها الآخر , قال في الصحاح : مرق السهم خرج من الجانب الآخر . ( فيض )
(6) أَيْ : لا يعلم عظمة سلطاني وسطوة انتقامي ( من حلف بي كاذبا ) . فيض القدير .
(7) طس ) 7324 , ( ك ) 7813 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1714 , الصَّحِيحَة : 150 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :1839
(8) طس ) 6456 , انظر الصَّحِيحَة : 1788(1/138)
" ( مَفَاتِحُ الْغَيْبِ(1)
__________
(1) الْمَفَاتِح : جَمْع مِفْتَح - بِكَسْرِ الْمِيم - وهو الْآلَة الَّتِي يُفْتَح بِهَا ، مِثْل مِنْجَل وَمَنَاجِل ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة فِي الْآلَة ، وَالْمَشْهُور مِفْتَاح بِإِثْبَاتِ الْأَلِف , وَجَمْعه مَفَاتِيح بِإِثْبَاتِ الْيَاء ، قَالَ الطَّبَرِيُّ : ( مَفَاتِح الْغَيْب ) خَزَائِن الْغَيْب ، وَيُطْلَق الْمِفْتَاح عَلَى مَا كَانَ مَحْسُوسًا مِمَّا يَحِلُّ غَلْقًا كَالْقُفْلِ ، وَعَلَى مَا كَانَ مَعْنَوِيًّا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث " إِنَّ مِنْ النَّاس مَفَاتِيح لِلْخَيْرِ " الْحَدِيث ..فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 36)(1/139)
خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ )(1)( لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ )(2)( وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ )(3)( إِلَّا اللَّهُ )(4)( وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْحَامِ )(5)( إِلَّا اللَّهُ )(6)( وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا , وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (7))(8)( ثُمَّ قَرَأَ : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا , وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ , إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(9))(10).
__________
(1) خ ) 4420
(2) خ ) 4420
(3) خ ) 992
(4) خ ) 4420
(5) خ ) 992
(6) خ ) 4420
(7) وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآن أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَنَّهُ يُخْبِرهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ وَمَا يَدَّخِرُونَ , وَأَنَّ يُوسُف قَالَ أَنَّهُ يُنَبِّئهُمْ بِتَأْوِيلِ الطَّعَام قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ الْمُعْجِزَات وَالْكَرَامَات , فَكُلّ ذَلِكَ يُمْكِن أَنْ يُسْتَفَاد مِنْ الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله : ( عَالِم الْغَيْب فَلَا يُظْهِر عَلَى غَيْبه أَحَدًا إِلَّا مَنْ اِرْتَضَى مِنْ رَسُول ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اِطِّلَاع الرَّسُول عَلَى بَعْض الْغَيْب , وَالْوَلِيّ التَّابِع لِلرَّسُولِ يَأْخُذ عَنْ الرَّسُول ، وَالْفَرْق بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّسُول يَطَّلِع عَلَى ذَلِكَ بِأَنْوَاعِ الْوَحْي كُلّهَا , وَالْوَلِيّ لَا يَطَّلِع عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِمَنَامٍ أَوْ إِلْهَام , وَاَللَّه أَعْلَم . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 307)
(8) خ ) 992
(9) لقمان/34]
(10) خ ) 4500(1/140)
سَعَةُ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِه
( خ م حم ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ )(1)( كَتَبَ كِتَابًا )(2)( عَلَى نَفْسِهِ )(3)( فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ )(4)( فَوْقَ الْعَرْشِ )(5)( إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي(6))(7)"
( ت ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 7520 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( خ ) 3022
(2) خ ) 7114 , ( م ) 2751
(3) خ ) 6969 , ( م ) 2751
(4) م ) 2751 , ( خ ) 3022
(5) خ ) 3022 , ( م ) 2751
(6) قَالَ الْعُلَمَاء : غَضَبُ اللَّه تَعَالَى وَرِضَاهُ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى الْإِرَادَة ، فَإِرَادَته الْإِثَابَة لِلْمُطِيعِ ، وَمَنْفَعَة الْعَبْد تُسَمَّى رِضًا وَرَحْمَة ، وَإِرَادَته عِقَاب الْعَاصِي وَخِذْلَانه تُسَمَّى غَضَبًا ، وَإِرَادَتُهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى صِفَةٌ لَهُ قَدِيمَةٌ يُرِيد بِهَا جَمِيع الْمُرَادَات ، قَالُوا : وَالْمُرَاد بِالسَّبْقِ وَالْغَلَبَة هُنَا كَثْرَة الرَّحْمَة وَشُمُولهَا ، كَمَا يُقَال : غَلَبَ عَلَى فُلَان الْكَرَم وَالشَّجَاعَة , إِذَا كَثُرَا مِنْهُ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 115)
(7) خ ) 6969 , ( م ) 2751(1/141)
" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي(1)غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ(2)وَلَا أُبَالِي(3)يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ(4)ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي ، غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي , يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ(5)الْأَرْضِ خَطَايَا(6)ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا ، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "(7)
( م حم ) , وَعَنْ أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أَوْ أَزِيدُ , وَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَجَزَاؤُهُ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ "(8)
( بز ) , وعَنِ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَوْ تَعْلَمُونَ قَدْرَ رَحْمَةِ اللَّه لَاتَّكَلْتُمْ وَمَا عَمِلْتُمْ مِنْ عَمَلٍ , وَلَوْ تَعْلَمُونَ قَدْرَ غَضَبِهِ مَا نَفَعَكُمْ شَيْءٌ "(9)
(
__________
(1) أَيْ : مَا دُمْت تَدْعُونِي وَتَرْجُونِي . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 437)
(2) أَيْ : مِنْ الْمَعَاصِي وَإِنْ تَكَرَّرَتْ وَكَثُرَتْ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 437)
(3) أَيْ : أَنِّي لَا أَتَعَظَّمُ مَغْفِرَتَك عَلَيَّ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 437)
(4) الْعَنَانُ : السَّحَابُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 437)
(5) أَيْ : بِمَا يُقَارِبُ مِلْأَهَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 437)
(6) أَيْ : بِتَقْدِيرِ تَجَسُّمِهَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 437)
(7) ت ) 3540 , و( حم ) 21510 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4338 , الصَّحِيحَة : 127
(8) حم ) 21398 , ( م ) 2687
(9) زوائد البزار للهيثمي ( 4 / 85 / 3256 ) , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5260 ، الصَّحِيحَة : 2167(1/142)
خ م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي(1)
__________
(1) مَعْنَى ( ظَنّ عَبْدِي بِي ) أَيْ : ظَنُّ الْإِجَابَة عِنْد الدُّعَاء , وَظَنّ الْقَبُول عِنْد التَّوْبَة , وَظَنّ الْمَغْفِرَة عِنْد الِاسْتِغْفَار , وَظَنّ الْمُجَازَاة عِنْد فِعْل الْعِبَادَة بِشُرُوطِهَا , تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْده ، وَقَالَ : وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر : " اُدْعُوا اللَّه وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ " , قَالَ : وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِد فِي الْقِيَام بِمَا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلهُ وَيَغْفِر لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ , وَهُوَ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , فَإِنْ اِعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّه لَا يَقْبَلهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعهُ , فَهَذَا هُوَ الْيَأْس مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ كَمَا فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور " فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ " قَالَ : وَأَمَّا ظَنّ الْمَغْفِرَة مَعَ الْإِصْرَار , فَذَلِكَ مَحْض الْجَهْل وَالْغِرَّة , وَهُوَ يَجُرّ إِلَى مَذْهَب الْمُرْجِئَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)(1/143)
)(1)( إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ )(2)( وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي(3)وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي(4) فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي(5)وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ(6)
__________
(1) خ ) 6970 , ( م ) 2675
(2) حم ) 9065 , انظر الصحيحة تحت حديث : 1663
(3) أَيْ : مَعَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيق وَالْهِدَايَة وَالرِّعَايَة , وَهُوَ كَقَوْلِهِ ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى ) , وَالْمَعِيَّة الْمَذْكُورَة أَخَصّ مِنْ الْمَعِيَّة الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ } فَهذه مَعِيَّةٌ بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)
(4) م ) 2675 , ( حم ) 10974
(5) أَيْ : إِنْ ذَكَرَنِي بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيس سِرًّا ذَكَرْته بِالثَّوَابِ وَالرَّحْمَة سِرًّا , وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِثْل قَوْله تَعَالَى ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ ) وَمَعْنَاهُ : اُذْكُرُونِي بِالتَّعْظِيمِ أَذْكُركُمْ بِالْإِنْعَامِ , وَقَالَ تَعَالَى ( وَلَذِكْر اللَّه أَكْبَر ) أَيْ : أَكْبَر الْعِبَادَات , فَمَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ خَائِف آمَنَهُ , أَوْ مُسْتَوْحِش آنَسَهُ , قَالَ تَعَالَى : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)
(6) أَيْ : جَمَاعَة ..(1/144)
ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ(1)
__________
(1) قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا نَصّ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ بَنِي آدَم , وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور أَهْل الْعِلْم , وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِد مِنْ الْقُرْآن , مِثْل ( إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ ) وَالْخَالِد أَفْضَل مِنْ الْفَانِي , فَالْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ بَنِي آدَم , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوف عَنْ جُمْهُور أَهْل السُّنَّة أَنَّ صَالِحِي بَنِي آدَم أَفْضَل مِنْ سَائِر الْأَجْنَاس , وَالَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَفْضِيل الْمَلَائِكَة الْفَلَاسِفَة ثُمَّ الْمُعْتَزِلَة , وَقَلِيل مِنْ أَهْل السُّنَّة مِنْ أَهْل التَّصَوُّف , وَبَعْض أَهْل الظَّاهِر , فَمِنْهُمْ مَنْ فَاضَلَ بَيْن الْجِنْسَيْنِ , فَقَالُوا : حَقِيقَة الْمَلَك أَفْضَل مِنْ حَقِيقَة الْإِنْسَان ؛ لِأَنَّهَا نُورَانِيَّة وَخَيِّرَة وَلَطِيفَة مَعَ سَعَة الْعِلْم وَالْقُوَّة وَصَفَاء الْجَوْهَر , وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِم تَفْضِيل كُلّ فَرْد عَلَى كُلّ فَرْد , لِجَوَازِ أَنْ يَكُون فِي بَعْض الْأَنَاسِيّ مَا فِي ذَلِكَ وَزِيَادَة , وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْخِلَاف بِصَالِحِي الْبَشَر وَالْمَلَائِكَة , وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْأَنْبِيَاءِ , ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَة عَلَى غَيْر الْأَنْبِيَاء , وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَلَّهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاء أَيْضًا إِلَّا عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد > ، وَمِنْ أَدِلَّة تَفْضِيل النَّبِيّ عَلَى الْمَلَك أَنَّ اللَّه أَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم عَلَى سَبِيل التَّكْرِيم لَهُ , حَتَّى قَالَ إِبْلِيس ( أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْت عَلَيَّ ) وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ( لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشَارَة إِلَى الْعِنَايَة بِهِ , وَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ ) وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض ) فَدَخَلَ فِي عُمُومه الْمَلَائِكَة ، وَالْمُسَخَّر لَهُ أَفْضَل مِنْ الْمُسَخَّر ؛ وَلِأَنَّ طَاعَة الْمَلَائِكَة بِأَصْلِ الْخِلْقَة , وَطَاعَة الْبَشَر غَالِبًا مَعَ الْمُجَاهَدَة لِلنَّفْسِ , لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْوَة وَالْحِرْص وَالْهَوَى وَالْغَضَب ، فَكَانَتْ عِبَادَتهمْ أَشَقّ ، وَأَيْضًا فَطَاعَة الْمَلَائِكَة بِالْأَمْرِ الْوَارِد عَلَيْهِمْ , وَطَاعَة الْبَشَر بِالنَّصِّ تَارَة , وَبِالِاجْتِهَادِ تَارَة , وَالِاسْتِنْبَاط تَارَة , فَكَانَتْ أَشَقّ ؛ وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَة سَلِمَتْ مِنْ وَسْوَسَة الشَّيَاطِين وَإِلْقَاء الشُّبَه وَالْإِغْوَاء الْجَائِزَة عَلَى الْبَشَر , وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَة تُشَاهِد حَقَائِق الْمَلَكُوت , وَالْبَشَر لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِعْلَامِ , فَلَا يَسْلَم مِنْهُمْ مِنْ إِدْخَال الشُّبْهَة مِنْ جِهَة تَدْبِير الْكَوَاكِب وَحَرَكَة الْأَفْلَاك إِلَّا الثَّابِت عَلَى دِينه , وَأَجَابَ بَعْض أَهْل السُّنَّة بِأَنَّ الْخَبَر الْمَذْكُور لَيْسَ نَصًّا وَلَا صَرِيحًا فِي الْمُرَاد , بَلْ يَطْرُقهُ اِحْتِمَال أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْمَلَأِ الَّذِينَ هُمْ خَيْر مِنْ الْمَلَأ الذَّاكِر الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء , فَإِنَّهُمْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ , فَلَمْ يَنْحَصِر ذَلِكَ فِي الْمَلَائِكَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)(1/145)
وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً(1))(2)"
( خ م جة حم ) , وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا }هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات ، وَيَسْتَحِيل إِرَادَة ظَاهِره ، وَمَعْنَاهُ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي تَقَرَّبْت إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيق وَالْإِعَانَة ، وَإِنْ زَادَ زِدْت ، فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي أَتَيْته هَرْوَلَة ، أَيْ صَبَبْت عَلَيْهِ الرَّحْمَة وَسَبَقْته بِهَا ، وَلَمْ أُحْوِجْه إِلَى الْمَشْي الْكَثِير فِي الْوُصُول إِلَى الْمَقْصُود ، وَالْمُرَاد أَنَّ جَزَاءَهُ يَكُون تَضْعِيفه عَلَى حَسَب تَقَرُّبه . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 35)
(2) خ ) 6970 , ( م ) 2675(1/146)
" ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ(1)مِائَةَ جُزْءٍ(2)كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ(3)
__________
(1) قَالَ الْمُهَلَّب : الرَّحْمَة الَّتِي خَلَقَهَا اللَّه لِعِبَادِهِ وَجَعَلَهَا فِي نُفُوسهمْ فِي الدُّنْيَا هِيَ الَّتِي يَتَغَافَرُونَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة التَّبَعَات بَيْنَهمْ , قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَسْتَعْمِل اللَّهُ تِلْكَ الرَّحْمَة فِيهِمْ فَيَرْحَمهُمْ بِهَا سِوَى رَحْمَته الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء وَهِيَ الَّتِي مِنْ صِفَة ذَاته وَلَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا ، فَهِيَ الَّتِي يَرْحَمهُمْ بِهَا زَائِدًا عَلَى الرَّحْمَة الَّتِي خَلَقَهَا لَهُمْ ، قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تَكُون الرَّحْمَة الَّتِي أَمْسَكَهَا عِنْدَ نَفْسه هِيَ الَّتِي عِنْدَ مَلَائِكَته الْمُسْتَغْفِرِينَ لِمَنْ فِي الْأَرْض ؛ لِأَنَّ اِسْتِغْفَارهمْ لَهُمْ دَالّ عَلَى أَنَّ فِي نُفُوسهمْ الرَّحْمَة لِأَهْلِ الْأَرْض , قُلْت : وَحَاصِل كَلَامه أَنَّ الرَّحْمَة رَحْمَتَانِ ، رَحْمَة مِنْ صِفَة الذَّات وَهِيَ لَا تَتَعَدَّد ، وَرَحْمَة مِنْ صِفَة الْفِعْل , وَهِيَ الْمُشَار إِلَيْهَا هُنَا , وَلَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ طُرُق الْحَدِيث أَنَّ الَّتِي عِنْدَ اللَّه رَحْمَة وَاحِدَة , بَلْ اِتَّفَقَتْ جَمِيع الطُّرُق عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ تِسْعَة وَتِسْعِينَ رَحْمَة ، وَزَادَ فِي حَدِيث سَلْمَان أَنَّهُ يُكْمِلهَا يَوْم الْقِيَامَة مِائَة بِالرَّحْمَةِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا ، فَتَعَدُّدُ الرَّحْمَة بِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْقِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 133)
(2) م ) 2572
(3) طباقُ الشيءِ : مِلْؤُه ..(1/147)
)(1)( أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ )(2)( فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ )(3)( وَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ )(4)( فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا )(5)( وَبِهَا تَعْطِفُ الْوُحُوشُ عَلَى أَوْلَادِهَا )(6)( وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ )(7)( حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَن وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ )(8)( وَادَّخَرَ عِنْدَهُ لِأَوْلِيَائِهِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً )(9)( فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ )(10)( ضَمَّهَا إِلَيْهَا )(11)(
__________
(1) م ) 2753
(2) م ) 2752
(3) م ) 2752 , ( خ ) 5654
(4) جة ) 4293 , ( م ) 2752
(5) م ) 2753
(6) م ) 2752 , ( جة ) 4293
(7) م ) 2753
(8) م ) 2752 , ( خ ) 5654
(9) حم ) 10680 , ( م ) 2752 , انظر صحيح الجامع : 1766
(10) م ) 2753 , ( حم ) 11548
(11) حم ) 11548 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(1/148)
فَأَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ )(1)( وَرَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ )(2)( فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ )(3)( بِمَا )(4)( عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ ، لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ )(5)( أَحَدٌ(6)
__________
(1) م ) 2753 , ( حم ) 10680
(2) م ) 2752 , ( جة ) 4293
(3) خ ) 6104 , ( م ) 2755
(4) حم ) 8396
(5) خ ) 6104 , ( م ) 2755
(6) الْمُرَاد أَنَّ الْكَافِر لَوْ عَلِمَ سَعَة الرَّحْمَة لَغَطَّى عَلَى مَا يَعْلَمهُ مِنْ عِظَم الْعَذَاب فَيَحْصُل بِهِ الرَّجَاء ، فالْحَدِيث اِشْتَمَلَ عَلَى الْوَعْد وَالْوَعِيد الْمُقْتَضَيَيْنِ لِلرَّجَاءِ وَالْخَوْف ، فَمَنْ عِلْم أَنَّ مِنْ صِفَات اللَّه تَعَالَى الرَّحْمَة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمهُ وَالِانْتِقَام مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِم مِنْهُ لَا يَأْمَن اِنْتِقَامه مَنْ يَرْجُو رَحْمَته , وَلَا يَيْأَس مِنْ رَحْمَته مَنْ يَخَاف اِنْتِقَامه ، وَذَلِكَ بَاعِث عَلَى مُجَانَبَة السَّيِّئَة وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَة , وَمُلَازَمَة الطَّاعَة وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَة ، وهَذِهِ الْكَلِمَة سِيقَتْ لِتَرْغِيبِ الْمُؤْمِن فِي سَعَة رَحْمَة اللَّه , الَّتِي لَوْ عَلِمَهَا الْكَافِر الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُخْتَم عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا حَظّ لَهُ فِي الرَّحْمَة لَتَطَاوَلَ إِلَيْهَا وَلَمْ يَيْأَس مِنْهَا ، لِقَطْعِ نَظَره عَنْ الشَّرْط مَعَ تَيَقُّنه بِأَنَّهُ عَلَى الْبَاطِل وَاسْتِمْرَاره عَلَيْهِ عِنَادًا ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَال الْكَافِر فَكَيْف لَا يَطْمَع فِيهَا الْمُؤْمِن الَّذِي هَدَاهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ ؟ , وَالْمَقْصُود مِنْ الْحَدِيث أَنَّ الْمُكَلَّف يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُون بَيْن الْخَوْف وَالرَّجَاء , حَتَّى لَا يَكُون مُفْرِطًا فِي الرَّجَاء بِحَيْثُ يَصِير مِنْ الْمُرْجِئَة الْقَائِلِينَ : لَا يَضُرّ مَعَ الْإِيمَان شَيْء ، وَلَا فِي الْخَوْف بِحَيْثُ لَا يَكُون مِنْ الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَة الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِ صَاحِب الْكَبِيرَة إِذَا مَاتَ عَنْ غَيْر تَوْبَة فِي النَّار ، بَلْ يَكُون وَسَطًا بَيْنهمَا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) وَمَنْ تَتَبَّعَ دِين الْإِسْلَام وَجَدَ قَوَاعِده أُصُولًا وَفُرُوعًا كُلَّهَا فِي جَانِب الْوَسَط . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 291)(1/149)
)(1)( وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ )(2)( بِمَا )(3)( عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ )(4)( مَا طَمِعَ فِي الْجَنَّةِ أَحَدٌ )(5)"(6)
( خ م ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) م ) 2755
(2) خ ) 6104 , ( م ) 2755
(3) حم ) 8396 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(4) خ ) 6104 , ( م ) 2755
(5) حم ) 8396 , ( م ) 2755
(6) صَحِيح الْجَامِع : 1766 , والصحيحة : 1634(1/150)
قَدِمَ سَبْيٌ(1)عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي(2)[ إِذْ ](3)وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ فَأَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ(4)فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَتَرَوْنَ(5)هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ(6)؟
__________
(1) السبي : الأسرى من النساء والأطفال .
(2) مِنْ الِابْتِغَاء ، وَهُوَ : الطَّلَب والبحث عن الشيء .
(3) طس ) 3011
(4) عُرِفَ مِنْ سِيَاقه أَنَّهَا كَانَتْ فَقَدَتْ صَبِيّهَا وَتَضَرَّرَتْ بِاجْتِمَاعِ اللَّبَن فِي ثَدْيهَا ، فَكَانَتْ إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا أَرْضَعَتْهُ لِيَخِفّ عَنْهَا ، فَلَمَّا وَجَدَتْ صَبِيّهَا بِعَيْنِهِ أَخَذَتْهُ فَالْتَزَمَتْهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 131)
(5) أَيْ : أَتَظُنُّونَ ؟ . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 131)
(6) فِي الْحَدِيث جَوَاز نَظَرِ النِّسَاء الْمَسْبِيَّات ، لِأَنَّهُ > لَمْ يَنْهَ عَنْ النَّظَر إِلَى الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة ، بَلْ فِي سِيَاق الْحَدِيث مَا يَقْتَضِي إِذْنه فِي النَّظَر إِلَيْهَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 131)(1/151)
" , فَقُلْنَا : لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ(1)مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا "(2)
( ك ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) كَأَنَّ الْمُرَاد بِالْعِبَادِ هُنَا مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَام ، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ : " مَرَّ النَّبِيّ > فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه وَصَبِيّ عَلَى الطَّرِيق ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمّه الْقَوْم خَشِيَتْ عَلَى وَلَدهَا أَنْ يُوطَأ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُول : اِبْنِي اِبْنِي ، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ ، فَقَالَ الْقَوْم : يَا رَسُول اللَّه مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِي اِبْنهَا فِي النَّار ، فَقَالَ : وَلَا اللَّه بِطَارِحٍ حَبِيبه فِي النَّار " فَالتَّعْبِير بِحَبِيبِهِ يُخْرِج الْكَافِر , وَكَذَا مَنْ شَاءَ إِدْخَاله مِمَّنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِر ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) فَهِيَ عَامَّة مِنْ جِهَة الصَّلَاحِيَّة , وَخَاصَّة بِمَنْ كُتِبَتْ لَهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 131)
(2) م ) 2754 , ( خ ) 5653(1/152)
كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ ، " فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ " ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَقَالَتْ : ابْنِي ابْنِي ، فَأَخَذَتْهُ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لَتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَلَا اللَّهُ - عز وجل - يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ "(1)
( خد ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ وَمَعَهُ صَبِيٌّ ، فَجَعَلَ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَتَرْحَمُهُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَاللَّهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ بِهِ ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "(2)
( جة ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) ك ) 194 , ( حم ) 12037 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7095 , الصَّحِيحَة : 2407 , وقال شعيب الأرناءوط في: إسناده صحيح .
(2) خد ) 377 , ( ن ) 7664 , انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 298(1/153)
" إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي(1)الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ "(2)
( خط كر ) , وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَرَّ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِجُمْجُمَةٍ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ : يَا رَبُّ أَنْتَ أَنْتَ وَأَنَا أَنَا , أَنْتَ الْعَوَّادُ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَأَنَا الْعَوَّادُ بِالذُّنُوبِ ، وَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا ، فَقِيلَ لَهُ : ارْفَعْ رَأْسَكَ , فَأَنْتَ الْعَوَّادُ بِالذُّنُوبِ ، وَأَنَا الْعَوَّادُ بِالْمَغْفِرَةِ , قَالَ : فَغُفِرَ لَهُ "(3)
( جة ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ ، ثُمَّ تُبْتُمْ لَتَابَ عَلَيْكُمْ "(4)
( طب ) , وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ :
__________
(1) جة ) 2045
(2) جة ) 2043 , ( حب ) 7219 , وصححه الألباني في الإرواء : 82 ، وهداية الرواة : 6248 , وقال في الإرواء : ومما يشهد له أيضا ما رواه مسلم عن ابن عباس ب قال : لما نزلت { ربنا لَا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله تعالى : قد فعلت ..الحديث , ورواه أيضا من حديث أبي هريرة , وقول ابن رجب : " وليس واحد منهما مصرحا برفعه " لَا يضره , فإنه لَا يقال من قِبَل الرأي , فله حكم المرفوع كما هو ظاهر . أ . هـ
(3) خط ) 2995 , ( كر ) 2272 , الصَّحِيحَة : 3231
(4) جة ) 4248 , صَحِيح الْجَامِع : 5235 , الصَّحِيحَة : 903(1/154)
جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَّةً وَلَا دَاجَّةً(1)إِلَّا أَتَاهَا ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ , قَالَ : " فَهَلْ أَسْلَمْتَ ؟ " , قَالَ : أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ,
قَالَ : " نَعَمْ ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ " , قَالَ : وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي(2)؟ , قَالَ : " نَعَمْ " ,
قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى(3).(4)
( خ م جة ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) لم يتركْ حَاجَّة ولا دَاجَّة ] الحاجّ والحاجَّة : أحد الحُجاج , والدَّاجُّ والدَّاجَّة : الأتْبَاع والأعْوانُ ,
يُريد الجماعة الحاجَّة ومن معهم من أتباعهم . النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 895)
(2) الفجرات : جمع فَجْرة , وهي المرة من الفجور , وهو اسم جامع لكل شر .
(3) توارى : استتر واختفى وغاب .
(4) طب ) 7235 , و( خط ) 1156 , انظر الصَّحِيحَة : 3391 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3164(1/155)
" ( كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا )(1)( ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ التَّوْبَةُ , فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ(2)
__________
(1) خ ) 3283
(2) فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد رَفْع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ، لِأَنَّ الرَّهْبَانِيَّة إِنَّمَا اِبْتَدَعَهَا أَتْبَاعه كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن ..فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 273)(1/156)
فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنِّي قَتَلْتُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا , فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ , فَقَالَ : بَعْدَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَفْسًا ؟ )(1)( لَا )(2)( لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ , فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً , ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ , فَقَالَ : إِنِّي قَتَلْتُ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ , قَالَ : نَعَمْ(3)
__________
(1) جة ) 2626 , ( م ) 2766
(2) خ ) 3283 , ( م ) 2766
(3) هَذَا مَذْهَب أَهْل الْعِلْم ، وَإِجْمَاعهمْ عَلَى صِحَّة تَوْبَة الْقَاتِل عَمْدًا ، وَلَمْ يُخَالِف أَحَد مِنْهُمْ إِلَّا اِبْن عَبَّاس , وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف مِنْ خِلَاف هَذَا فَمُرَاد قَائِله الزَّجْر عَنْ سَبَب التَّوْبَة ، لَا أَنَّهُ يَعْتَقِد بُطْلَان تَوْبَته , وَهَذَا الْحَدِيث ظَاهِر فِيهِ ، وَهُوَ إِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلنَا ، وَفِي الِاحْتِجَاج بِهِ خِلَاف , فَلَيْسَ مَوْضِعَ خِلَاف ، وَإِنَّمَا مَوْضِعه إِذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعنَا بِمُوَافَقَتِهِ وَتَقْرِيره ، فَإِنْ وَرَدَ كَانَ شَرْعًا لَنَا بِلَا شَكٍّ ، وَهَذَا قَدْ وَرَدَ شَرْعنَا بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ } إِلَى قَوْله : { إِلَّا مَنْ تَابَ } الْآيَة , وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا } فَالصَّوَاب فِي مَعْنَاهَا : أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّم ، وَقَدْ يُجَازَى بِهِ ، وَقَدْ يُجَازَى بِغَيْرِهِ , وَقَدْ لَا يُجَازَى بَلْ يُعْفَى عَنْهُ ، فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا مُسْتَحِلًّا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيل ، فَهُوَ كَافِر مُرْتَدّ ، يَخْلُد بِهِ فِي جَهَنَّم بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْر مُسْتَحِلّ بَلْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمه فَهُوَ فَاسِق عَاصٍ مُرْتَكِب كَبِيرَة ، جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا ، لَكِنْ بِفَضْلِ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلَّد مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا فِيهَا ، فَلَا يَخْلُد هَذَا ، وَلَكِنْ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ ، فَلَا يَدْخُل النَّار أَصْلًا ، وَقَدْ لَا يُعْفَى عَنْهُ ، بَلْ يُعَذَّب كَسَائِرِ الْعُصَاة الْمُوَحِّدِينَ ، ثُمَّ يَخْرُج مَعَهُمْ إِلَى الْجَنَّة ، وَلَا يُخَلَّد فِي النَّار ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الْآيَة ، وَلَا يَلْزَم مِنْ كَوْنه يَسْتَحِقّ أَنْ يُجَازَى بِعُقُوبَةٍ مَخْصُوصَة أَنْ يَتَحَتَّم ذَلِكَ الْجَزَاء ، وَلَيْسَ فِي الْآيَة إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ يُخَلَّد فِي جَهَنَّم ، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا ( جَزَاؤُهُ ) أَيْ : يَسْتَحِقّ أَنْ يُجَازَى بِذَلِكَ ، وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْخُلُودِ طُول الْمُدَّة لَا الدَّوَام . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 143)(1/157)
وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ )(1)( اخْرُجْ مِنْ الْقَرْيَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ , قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا )(2)( فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ , وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ , فَانْطَلَقَ )(3)( يُرِيدُ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ )(4)( حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ , فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ , فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إلى اللَّهِ , وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ , فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ(5)فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ , فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ )(6)( أَقْرَبَ فَأَلْحِقُوهُ بِأَهْلِهَا )(7)( فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي(8)وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي(9)
__________
(1) م ) 2766 , ( جة ) 2626
(2) جة ) 2626
(3) م ) 2766
(4) جة ) 2626
(5) أَيْ : جَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ حَكَمًا .
(6) م ) 2766
(7) جة ) 2626
(8) أَيْ : الْقَرْيَة الَّتِي قَصَدَهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 273)
(9) أَيْ : إِلَى الْقَرْيَة الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 273)(1/158)
فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ , فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ(1))(2)"
( حم ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ : بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ , لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ , فَقَالَ اللَّهُ : فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي "(3)
( حم ) ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ "(4)
(
__________
(1) فِي الْحَدِيث فَضْل التَّحَوُّل مِنْ الْأَرْض الَّتِي يُصِيب الْإِنْسَان فِيهَا الْمَعْصِيَة , لِمَا يَغْلِب بِحُكْمِ الْعَادَة عَلَى مِثْل ذَلِكَ ، وَفِيهِ فَضْل الْعَالِم عَلَى الْعَابِد , لِأَنَّ الَّذِي أَفْتَاهُ أَوَّلًا بِأَنْ لَا تَوْبَة لَهُ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْعِبَادَة , فَاسْتَعْظَمَ وُقُوع مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاتِل مِنْ اِسْتِجْرَائِهِ عَلَى قَتْل هَذَا الْعَدَد الْكَثِير ، وَأَمَّا الثَّانِي فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْعِلْم فَأَفْتَاهُ بِالصَّوَابِ وَدَلَّهُ عَلَى طَرِيق النَّجَاة ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْحَاكِمِ إِذَا تَعَارَضَتْ عِنْده الْأَحْوَال وَتَعَدَّدَتْ الْبَيِّنَات أَنْ يَسْتَدِلّ بِالْقَرَائِنِ عَلَى التَّرْجِيح . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 273)
(2) م ) 2766 , ( خ ) 3283
(3) حم ) 11262 , ( ك ) 7761 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1650 , والصحيحة : 104
(4) حم ) 7443 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2169 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .(1/159)
طب ) ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ ، غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي ، مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا "(1)
( م ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ , وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ , حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا(2)"(3)
( م حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) طب ) 11615 , ( ك ) 7676 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4330 , المشكاة : 2338
(2) بَسْط الْيَد كِنَايَةٌ عَنْ قَبُول التَّوْبَة ، وَإِنَّمَا وَرَدَ لَفْظ ( بَسْط الْيَد ) لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا رَضِيَ أَحَدهمْ الشَّيْء بَسَطَ يَده لِقَبُولِهِ , وَإِذَا كَرِهَهُ قَبَضَهَا عَنْهُ ، فَخُوطِبُوا بِأَمْرٍ حِسِّيّ يَفْهَمُونَهُ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 130)
(3) م ) 2759 , ( حم ) 19547(1/160)
" ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلَأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ لَغَفَرَ لَكُمْ )(1)( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ(2)
__________
(1) حم ) 13518 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5235 , الصَّحِيحَة : 1951
(2) قَالَ الطِّيبِيُّ : لَيْسَ الْحَدِيثُ تَسْلِيَةً لِلْمُنْهَمِكِينَ فِي الذُّنُوبِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاَللَّهِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ > إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَرْدَعُوا النَّاسَ عَنْ غِشْيَانِ الذُّنُوبِ ، بَلْ بَيَانٌ لِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَجَاوُزِهِ عَنْ الْمُذْنِبِينَ لِيَرْغَبُوا فِي التَّوْبَةِ , وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْسِنِينَ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ الْمُسِيئِينَ , وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ : الْغَفَّارُ , الْحَلِيمُ , التَّوَّابُ , الْعَفُوُّ ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْعَلَ الْعِبَادَ شَأْنًا وَاحِدًا كَالْمَلَائِكَةِ مَجْبُولِينَ عَلَى التَّنَزُّهِ مِنْ الذُّنُوبِ , بَلْ يَخْلُقُ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ بِطَبْعِهِ مَيَّالًا إِلَى الْهَوَى مُتَلَبِّسًا بِمَا يَقْتَضِيهِ , ثُمَّ يُكَلِّفُهُ التَّوَقِّيَ عَنْهُ وَيُحَذِّرُهُ مِنْ مُدَانَاتِهِ وَيُعَرِّفُهُ التَّوْبَةَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ ، فَإِنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ أَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَجْبُولِينَ عَلَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يَتَأَتَّى مِنْهُمْ الذَّنْبُ , فَيَتَجَلَّى عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ ، فَإِنَّ الْغَفَّارَ يَسْتَدْعِي مَغْفُورًا كَمَا أَنَّ الرَّزَّاقَ يَسْتَدْعِي مَرْزُوقًا . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 317)(1/161)
)(1)"
( خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ(2)
__________
(1) م ) 2749 , ( حم ) 13518
(2) الْفَلَاةُ : الْقَفْرُ , أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فِيهَا , وَالصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ ..تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 290)(1/162)
)(1)( مُهْلِكَةٍ , فَنَامَ )(2)( فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ )(3)( فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ , فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ )(4)( فَأَيِسَ مِنْهَا )(5)( فَقَالَ : أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ , فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ )(6)( قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ , فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ - أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ – )(7)( فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ(8))(9)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 2747 , ( خ ) 5950
(2) م ) 2744 , ( خ ) 5949
(3) م ) 2747 , ( ت ) 2498
(4) م ) 2744 , ( خ ) 5949
(5) م ) 2747 , ( ت ) 2498
(6) م ) 2744 , ( خ ) 5949
(7) م ) 2747
(8) إِطْلَاق الْفَرَح فِي حَقّ اللَّه مَجَاز عَنْ رِضَاهُ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ اللَّه أَرْضَى بِالتَّوْبَةِ وَأَقْبَل لَهَا ، وَالْفَرَح الَّذِي يَتَعَارَفهُ النَّاس بَيْنهمْ غَيْر جَائِز عَلَى اللَّه ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) أَيْ : رَاضُونَ , وَقَالَ اِبْن فَوْرَك : الْفَرَح فِي اللُّغَة السُّرُور , وَيُطْلَق عَلَى الْبَطَر ، وَمِنْهُ ( إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ ) وَعَلَى الرِّضَا ، فَإِنَّ كُلّ مَنْ يُسَرّ بِشَيْءٍ وَيَرْضَى بِهِ يُقَال فِي حَقّه فَرِحَ بِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 64)
(9) م ) 2744(1/163)
" ( قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً )(1)( فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا(2)
__________
(1) م ) 129 , ( حم ) 8203
(2) مَذْهَب الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَة بِقَلْبِهِ وَوَطَّنَ نَفْسه عَلَيْهَا ، أَثِمَ فِي اِعْتِقَاده وَعَزْمه , وَيُحْمَل مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَمْثَاله عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُوَطِّن نَفْسه عَلَى الْمَعْصِيَة ، وَإِنَّمَا مَرَّ ذَلِكَ بِفِكْرِهِ مِنْ غَيْر اِسْتِقْرَار ، وَيُسَمَّى هَذَا هَمًّا , وَيُفَرَّق بَيْنَ الْهَمّ وَالْعَزْم , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : عَامَّة السَّلَف وَأَهْل الْعِلْم مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْر لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى الْمُؤَاخَذَة بِأَعْمَالِ الْقُلُوب ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ هَذَا الْعَزْم يُكْتَب سَيِّئَة , وَلَيْسَتْ السَّيِّئَة الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِع غَيْر خَوْف اللَّه تَعَالَى وَالْإِنَابَة , لَكِنَّ نَفْس الْإِصْرَار وَالْعَزْم مَعْصِيَة , فَتُكْتَب مَعْصِيَة , فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَة ثَانِيَة ، فَإِنْ تَرَكَهَا خَشْيَة لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَة كَمَا فِي الْحَدِيث : " وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي " فَصَارَ تَرْكه لَهَا لِخَوْفِ اللَّه تَعَالَى وَمُجَاهَدَته نَفْسه الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانه هَوَاهُ حَسَنَة , فَأَمَّا الْهَمّ الَّذِي لَا يُكْتَب فَهِيَ الْخَوَاطِر الَّتِي لَا تُوَطَّن النَّفْس عَلَيْهَا ، وَلَا يَصْحَبهَا عَقْد وَلَا نِيَّة وَعَزْم , وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوص الشَّرْع بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْب الْمُسْتَقِرّ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم ) الْآيَة , وَقَوْله تَعَالَى : ( اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنّ إِنَّ بَعْض الظَّنّ إِثْم ) وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة , وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوص الشَّرْع وَإِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم الْحَسَد وَاحْتِقَار الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَة الْمَكْرُوه بِهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْمَال الْقُلُوب وَعَزْمهَا , وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 247)(1/164)
)(1)( فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا )(2)( فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا ، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا , إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ )(3)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 7062 , ( م ) 128
(2) م ) 129
(3) خ ) 7062 , ( م ) 128(1/165)
" ( إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ : رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي )(1)( فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ(2))(3)( قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي , ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ(4)ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا , فَقَالَ : رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي )(5)( فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ )(6)( قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا , فَقَالَ : رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي )(7)( فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ(8)
__________
(1) خ ) 7068 , ( م ) 2758
(2) أَيْ : يُعَاقِب فَاعِلَهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 21 / ص 89)
(3) م ) 2758 , ( خ ) 7068
(4) أَيْ : مِنْ الزَّمَان . فتح الباري لابن حجر - (ج 21 / ص 89)
(5) خ ) 7068 , ( م ) 2758
(6) م ) 2758 , ( خ ) 7068
(7) خ ) 7068 , ( م ) 2758
(8) أَيْ : مَا دُمْتَ تُذْنِبُ ثُمَّ تَتُوبُ غَفَرْتُ لَك . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 129)
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم : يَدُلّ هَذَا الْحَدِيث عَلَى عَظِيم فَائِدَة الِاسْتِغْفَار , وَعَلَى عَظِيم فَضْل اللَّه وَسَعَة رَحْمَته وَحِلْمه وَكَرَمِهِ ؛ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِغْفَار هُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الْقَلْب مُقَارِنًا لِلِّسَانِ , لِيَنْحَلّ بِهِ عَقْد الْإِصْرَار وَيَحْصُل مَعَهُ النَّدَم , فَهُوَ تَرْجَمَة لِلتَّوْبَةِ ، وَيَشْهَد لَهُ حَدِيث : " خِيَاركُمْ كُلّ مُفْتَن تَوَّاب " ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَتَكَرَّر مِنْهُ الذَّنْب وَالتَّوْبَة , فَكُلَّمَا وَقَعَ فِي الذَّنْب عَادَ إِلَى التَّوْبَة , لَا مَنْ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّه بِلِسَانِهِ وَقَلْبه مُصِرّ عَلَى تِلْكَ الْمَعْصِيَة ، فَهَذَا الَّذِي اِسْتِغْفَاره يَحْتَاج إِلَى الِاسْتِغْفَار , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَفَائِدَة هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْعَوْد إِلَى الذَّنْب وَإِنْ كَانَ أَقْبَح مِنْ اِبْتِدَائِهِ ؛ لِأَنَّ مُلَابَسَة الذَّنْب نَقْضٌ للتَّوْبَة ؛ لَكِنَّ الْعَوْد إِلَى التَّوْبَة أَحْسَن مِنْ اِبْتِدَائِهَا ؛ لِأَنَّ مُلَازَمَة الطَّلَب مِنْ الْكَرِيم وَالْإِلْحَاح فِي سُؤَاله وَالِاعْتِرَاف بِأَنَّهُ لَا غَافِر لِلذَّنْبِ سِوَاهُ ، وَذَكَرَ النَّوَوِيّ فِي " كِتَاب الْأَذْكَار " عَنْ الرَّبِيع بْن خَيْثَمٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا تَقُلْ : أَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ , فَيَكُون ذَنْبًا وَكَذِبًا إِنْ لَمْ تَفْعَل , بَلْ قُلْ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ، قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا حَسَن ، وَأَمَّا كَرَاهِيَة أَسْتَغْفِر اللَّه وَتَسْمِيَته كَذِبًا فَلَا يُوَافَق عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَسْتَغْفِر اللَّه أَطْلُب مَغْفِرَته , وَلَيْسَ هَذَا كَذِبًا ، قَالَ : وَيَكْفِي فِي رَدّه حَدِيث اِبْن مَسْعُود بِلَفْظِ : مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِر اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم وَأَتُوب إِلَيْهِ غُفِرَتْ ذُنُوبه وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْف ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ قُلْت : هَذَا فِي لَفْظ أَسْتَغْفِر اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم ، وَأَمَّا أَتُوب إِلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي عَنَى الرَّبِيع رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ كَذِب , وَهُوَ كَذَلِكَ إِذَا قَالَهُ وَلَمْ يَفْعَل التَّوْبَة كَمَا قَالَ ، وَفِي الِاسْتِدْلَال لِلرَّدِّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود نَظَر , لِجَوَازِ أَنْ يَكُون الْمُرَاد مِنْهُ مَا إِذَا قَالَهَا وَفَعَلَ شُرُوط التَّوْبَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 21 / ص 89)(1/166)
)(1)"
( خ م س حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إنَّ رَجُلًا فِيمَنْ قَبْلَكُمْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا )(2)( فَأَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ(3))(4)( فَلَمْ يَعْمَلْ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ )(5)( فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ : أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرَ أَبٍ )(6)( قَالَ : فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ , فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي )(7)( حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاطْحَنُونِي )(8)( ثُمَّ اذْرُوا(9)
__________
(1) م ) 2758 , ( خ ) 7068
(2) خ ) 7069 , ( م ) 2757
(3) أَيْ : أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي .
(4) م ) 2756 , ( س ) 2079
(5) حم ) 3785 , 8027 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) خ ) 7069
(7) خ ) 3291 , ( م ) 2757
(8) خ ) 6116 , ( حم ) 3785
(9) مِنْ قَوْله أَذْرَتْ الرِّيح الشَّيْء إِذَا فَرَّقَتْهُ بِهُبُوبِهَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 284)(1/167)
نِصْفِيَ فِي الْبَرِّ )(1)( فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ )(2)( وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ )(3)( فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا )(4)( مِنْ الْعَالَمِينَ(5))(6)( فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ )(7)( فَقَالَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا : أَدِّ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ )(8)فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ , وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ(9)( فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ )(10)( فِي قَبْضَةِ اللَّهِ(11)
__________
(1) خ ) 7067 , ( م ) 2756
(2) خ ) 3291
(3) خ ) 7067 , ( م ) 2756
(4) خ ) 3294 , ( م ) 2756
(5) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَدْ يُسْتَشْكَل هَذَا فَيُقَال : كَيْف يُغْفَر لَهُ وَهُوَ مُنْكِر لِلْبَعْثِ وَالْقُدْرَة عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى ؟ , وَالْجَوَاب أَنَّهُ لَمْ يُنْكِر الْبَعْث , وَإِنَّمَا جَهِلَ , فَظَنَّ أَنَّهُ إِذَا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَا يُعَاد فَلَا يُعَذَّب ، وَقَدْ ظَهَرَ إِيمَانه بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَة اللَّه . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 284)
(6) خ ) 7067 , ( م ) 2756
(7) م ) 2756 , ( خ ) 3294
(8) س ) 2079 , ( م ) 2756
(9) خ ) 3294 , ( م ) 2756
(10) خ ) 3294 , ( م ) 2756
(11) فيه دليل على أن الميت يحاسب جسداً وروحاً ، وإلا لو كان يحاسب روحاً دون جسدٍ ، أو في جسد آخر ، لما قال الله للأرض : أَدِّ مَا أَخَذْت مِنْهُ , والله أعلم .ع
وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضهمْ إِنَّهُ خَاطَبَ رُوحه ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِب قَوْله " فَجَمَعَهُ اللَّه " , لِأَنَّ التَّحْرِيق وَالتَّفْرِيق إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْجَسَد , وَهُوَ الَّذِي يُجْمَع وَيُعَاد عِنْد الْبَعْث . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 284)(1/168)
)(1)( فَقَالَ لَهُ : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ ، قَالَ : خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ )(2)"
( حم ) , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ كَشِرَادِ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ "(3)
رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَة
قَالَ تَعَالَى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }(4)
( خ م ) , وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْبَجَلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) حم ) 3785 , 8027
(2) م ) 2756 , ( خ ) 3294
(3) حم ) 22280 , و( ك ) 184 , و( طس ) 808 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4570 , الصَّحِيحَة : 2043
(4) القيامة/22، 23](1/169)
كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , " فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ )(1)( عِيَانًا )(2)( كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ , لَا تُضَامُونَ(3)فِي رُؤْيَتِهِ , فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا(4)عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا(5)ثُمَّ قَرَأَ : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ }(6))(7)"
( د جة ) , وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ الْعُقَيْلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 529 , ( م ) 633
(2) خ ) 6998 , ( م ) 633
(3) أَيْ : لَا يَحْصُلُ لَكُمْ ضَيْمٌ حِينَئِذٍ ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الِازْدِحَامِ .فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 329)
(4) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَطْعِ أَسْبَابِ الْغَلَبَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلِاسْتِطَاعَةِ , كَالنَّوْمِ وَالشُّغْلِ , وَمُقَاوَمَةِ ذَلِكَ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 329)
(5) قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ ، وَقَدْ ثَبَتَ لِهَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى غَيْرِهِمَا مَا ذُكِرَ مِنْ اِجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا وَرَفْعِ الْأَعْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَهُمَا أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ الْمُحَافَظَ عَلَيْهِمَا بِأَفْضَلِ الْعَطَايَا وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . فتح الباري (ج 2 / ص 329)
(6) ق/39]
(7) خ ) 529 , ( م ) 633(1/170)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَكُلُّنَا يَرَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخْلِيًا بِهِ(1)؟ , وَمَا آيَةُ ذَلِكَ(2)فِي خَلْقِهِ ؟ قَالَ : " يَا أَبَا رَزِينٍ , أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مُخْلِيًا بِهِ ؟ " , قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " فَاللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ(3))(4)( وَذَلِكَ آيَةٌ فِي خَلْقِهِ(5))(6)"(7)
غَيْرَةُ الرَّبِّ - عز وجل -
( خ م ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : كُلّكُمْ يَرَاهُ مُنْفَرِدًا بِرَبِّهِ بِحَيْثُ لَا يُزَاحِمهُ شَيْء فِي الرُّؤْيَة . عون المعبود - (ج 10 / ص 249)
(2) أَيْ : مَا عَلَامَة ذَلِكَ . عون المعبود - (ج 10 / ص 249)
(3) أَيْ : فَهُوَ أَوْلَى بِالرُّؤْيَةِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 249)
(4) د ) 4731 , ( جة ) 180
(5) أَيْ : وَكُلّنَا يَرَاهُ . عون المعبود - (ج 10 / ص 249)
(6) جة ) 180
(7) حسنه الألباني في ظلال الجنة : 459 , 460(1/171)
" ( لَا أَحَدَ لَا شَخْصَ(1)أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ(2)وَلِذَلِكَ(3)حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ(4)وَلَا أَحَدَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ , وَلِذَلِكَ(5)
__________
(1) م ) 1499 , وقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ : لَيْسَ حَدِيثٌ أَشَدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ , قَوْلِهِ : ( لَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِدْحَةٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . ( حم ) 18194
(2) الْغَيْرَة : أَصْلهَا الْمَنْع , وَالرَّجُل غَيُور عَلَى أَهْله , أَيْ : يَمْنَعهُمْ مِنْ التَّعَلُّق بِأَجْنَبِيٍّ بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيث أَوْ غَيْره ، وَالْغَيْرَة صِفَة كَمَالِ , فَأَخْبَرَ > بِأَنَّ اللَّه أَغْيَر مِنْهُ ، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْل ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش ، فَمَعْنَى غَيْرَةِ اللَّه تَعَالَى , أَيْ : أَنَّهَا مَنْعه سُبْحَانه وَتَعَالَى النَّاس مِنْ الْفَوَاحِش . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 268)
(3) أَيْ : لِأَجْلِ الْغَيْرَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 428)
(4) الْمُرَادُ سِرُّ الْفَوَاحِشِ وَعَلَانِيَتُهَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 428)
(5) أَيْ : وَلِأَجْلِ حُبِّهِ الْمَدْحَ ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 428)(1/172)
مَدَحَ نَفْسَهُ )(1)وَلِذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ(2)( وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ , مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ , وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ(3)
__________
(1) خ ) 4358 , ( م ) 2760
(2) خ ) 6980 , ( م ) 1499 , ومَعْنَى قَوْله " وَعَدَ الْجَنَّة " أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَ بِهَا وَرَغَّبَ فِيهَا كَثُرَ السُّؤَال لَهُ وَالطَّلَب إِلَيْهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهِ ، وَلَا يُحْتَجّ بِهَذَا عَلَى جَوَاز اِسْتِجْلَاب الْإِنْسَان الثَّنَاء عَلَى نَفْسه , فَإِنَّهُ مَذْمُوم وَمَنْهِيّ عَنْهُ بِخِلَافِ حُبِّه لَهُ فِي قَلْبه إِذَا لَمْ يَجِد مِنْ ذَلِكَ بُدًّا , فَإِنَّهُ لَا يُذَمّ بِذَلِكَ ، فَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مُسْتَحِقّ لِلْمَدْحِ بِكَمَالِهِ ؛ وَالنَّقْص لِلْعَبْدِ لَازِم وَلَوْ اِسْتَحَقَّ الْمَدْح مِنْ جِهَة مَا , لَكِنَّ الْمَدْح يُفْسِد قَلْبه وَيُعَظِّمهُ فِي نَفْسه حَتَّى يَحْتَقِر غَيْره ، وَلِهَذَا جَاءَ : " اُحْثُوا فِي وُجُوه الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب " وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 492)
(3) أَيْ : بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ لِلْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَار لِخَلْقِهِ قَبْل أَخْذهمْ بِالْعُقُوبَةِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل ) , وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا }. فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 492)
فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّب الْإِنْسَان بِمُعَامَلَتِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ , بَلْ حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ , وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَمْهَلَهُمْ ، فَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَلَّا يُبَادِر بِالْقَتْلِ وَغَيْره فِي غَيْر مَوْضِعه ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ , مَعَ أَنَّهُ لَوْ عَاجَلَهُمْ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 268)(1/173)
)(1)( مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ )(2)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ , وَاللَّهُ أَشَدُّ غَيْرًا )(3)( وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ(4))(5)"
صَبْرُ الرَّبِّ - عز وجل -
( خ م ) , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنْ اللَّهِ - عز وجل - (6)إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا , وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا , وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ , وَيُعَافِيهِمْ , وَيُعْطِيهِمْ (7)"(8)
قُرْبُ الرَّبِّ - عز وجل - مِنْ عِبَادِه
__________
(1) م ) 2760 , ( خ ) 6980
(2) م ) 1499 , ( حم ) 18193
(3) م ) 2761 , ( حم ) 7209
(4) أَيْ : مِنْ الْفَوَاحِشِ وَسَائِرِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 248)
(5) م ) 2761 , ( خ ) 4925
(6) الصَّبْر مَعْنَاه الْحَبْس , وَالْمُرَاد بِهِ حَبْس الْعُقُوبَة عَلَى مُسْتَحِقّهَا عَاجِلًا , وَهَذَا هُوَ الْحِلْم . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 275)
(7) مَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَاسِع الْحِلْم حَتَّى عَلَى الْكَافِر الَّذِي يَنْسِب إِلَيْهِ الْوَلَد وَالنِّدّ ، وَالصَّبُور مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , وَهُوَ الَّذِي لَا يُعَاجِل الْعُصَاة بِالِانْتِقَامِ ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَلِيم فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى ، وَالْحَلِيم : هُوَ الصَّفُوح مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الِانْتِقَام . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 180)
(8) م ) 2804 , ( خ ) 5748 , 6943(1/174)
قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ , وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ , وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ }(3)
( جة حم حب ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يَقُولُ : أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ "(4)
( خ م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) البقرة/186]
(2) ق/16]
(3) الواقعة/83-85]
(4) جة ) 3792 , ( حم ) 10981 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1906 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1490(1/175)
" ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي(1))(2)( إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ )(3)( وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي(4)
__________
(1) مَعْنَى ( ظَنّ عَبْدِي بِي ) أَيْ : ظَنُّ الْإِجَابَة عِنْد الدُّعَاء , وَظَنّ الْقَبُول عِنْد التَّوْبَة , وَظَنّ الْمَغْفِرَة عِنْد الِاسْتِغْفَار , وَظَنّ الْمُجَازَاة عِنْد فِعْل الْعِبَادَة بِشُرُوطِهَا , تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْده ، وَقَالَ : وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر : " اُدْعُوا اللَّه وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ " , قَالَ : وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِد فِي الْقِيَام بِمَا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلهُ وَيَغْفِر لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ , وَهُوَ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , فَإِنْ اِعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّه لَا يَقْبَلهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعهُ , فَهَذَا هُوَ الْيَأْس مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ كَمَا فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور " فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ " قَالَ : وَأَمَّا ظَنّ الْمَغْفِرَة مَعَ الْإِصْرَار , فَذَلِكَ مَحْض الْجَهْل وَالْغِرَّة , وَهُوَ يَجُرّ إِلَى مَذْهَب الْمُرْجِئَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)
(2) خ ) 6970 , ( م ) 2675
(3) حم ) 9065 , انظر الصحيحة تحت حديث : 1663
(4) أَيْ : مَعَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيق وَالْهِدَايَة وَالرِّعَايَة , وَهُوَ كَقَوْلِهِ ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى ) , وَالْمَعِيَّة الْمَذْكُورَة أَخَصّ مِنْ الْمَعِيَّة الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ } فَهذه مَعِيَّةٌ بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)(1/176)
وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي(1)"
( خ م ت ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ )(2)( ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا بِالتَّكْبِيرِ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ , لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )(3)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا(4)عَلَى أَنْفُسِكُمْ , فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا(5)إِنَّهُ مَعَكُمْ , إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(6))(7)( هُوَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رُءُوسِ رِحَالِكُمْ(8))(9)( تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ(10)
__________
(1) م ) 2675 , ( حم ) 10974
(2) خ ) 2830 , ( م ) 2704
(3) خ ) 3968 , ( م ) 2704
(4) اِرْبَعُوا ) أَيْ : اُرْفُقُوا وَلَا تُجْهِدُوا أَنْفُسكُمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 189)
(5) لَمَّا كَانَ الْغَائِب كَالْأَعْمَى فِي عَدَم الرُّؤْيَة نَفَى لَازِمَهُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ وَأَشْمَل
(6) زَادَ " قَرِيبًا " ؛ لِأَنَّ الْبَعِيد وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْمَع وَيُبْصِر لَكِنَّهُ لِبُعْدِهِ قَدْ لَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر ، وَلَيْسَ الْمُرَاد قُرْب الْمَسَافَة ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُلُول . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 458)
(7) خ ) 2830 , ( م ) 2704
(8) هذه عند ( ت ) 3374 , قَالَ أَبُو عيسى : وَمَعْنَى قَوْلِهِ ( هُوَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رُءُوسِ رِحَالِكُمْ ) إِنَّمَا يَعْنِي عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ .
(9) ت ) 3374 , ( م ) 2704
(10) قَالَ الطَّبَرِيُّ : فِيهِ كَرَاهِيَة رَفْع الصَّوْت بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْر ، وَبِهِ قَالَ عَامَّة السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 189)(1/177)
)(1)"
الرَّبُّ - عز وجل - سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْر
( س د ) , عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
" رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ(2)بِلَا إِزَارٍ , فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - )(3)( حَلِيمٌ )(4)( حَيِيٌّ(5)سِتِّيرٌ(6)يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ )(7)( فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ(8))(9)فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ(10)"(11)
( م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 2830 , ( م ) 2704
(2) الْبَرَاز ) : هُوَ الْفَضَاء الْوَاسِع .
(3) د ) 4012 , ( س ) 406
(4) س ) 406
(5) أَيْ : كَثِير الْحَيَاء . عون المعبود - (ج 9 / ص 35)
(6) أَيْ : سَاتِر لِلْعُيُوبِ وَالْفَضَائِح . عون المعبود - (ج 9 / ص 35)
(7) د ) 4012 , ( س ) 406
(8) وُجُوبًا إِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَحْرُم نَظَرُهُ لِعَوْرَتِهِ , وَنَدْبًا فِي غَيْر ذَلِكَ . عون المعبود - (ج 9 / ص 35)
(9) س ) 407 , ( حم ) 17999
(10) س ) 406 , ( د ) 4012
(11) صححه الألباني في الإرواء : 2335(1/178)
" لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(1)"(2)
مَحَبَّةُ الرَّبِّ - عز وجل - لِلْمَدْح
( خ م ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنْ يَسْتُر مَعَاصِيه وَعُيُوبه عَنْ إِذَاعَتهَا فِي أَهْل الْمَوْقِف , وَالثَّانِي : تَرْك مُحَاسَبَته عَلَيْهَا وَتَرْك ذِكْرهَا , وَالْأَوَّل أَظْهَر , لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر " يُقَرِّرهُ بِذُنُوبِهِ يَقُول : سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرهَا لَك الْيَوْم " . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 401)
(2) م ) 2590(1/179)
" ( لَا أَحَدَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ , وَلِذَلِكَ(1)مَدَحَ نَفْسَهُ )(2)وَلِذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ(3)"
( خد ن ) , وَعَنْ الَأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ التَّمِيمِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ :
" ( كُنْتُ شَاعِرًا ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : أَلَا أُنْشِدُكَ مَحَامِدَ حَمِدْتُ بِهَا رَبِّي ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْمَحَامِدَ , وَلَمْ يَزِدْنِي )(4)( عَلَى ذَلِكَ )(5)"(6)
مَحَبَّةُ الرَّبِّ - عز وجل - لِأَوْلِيَائِهِ وَتَأْيِيدِهِ لَهُمْ بِنُصْرَتِهِ وَمَعِيَّتِه
__________
(1) أَيْ : وَلِأَجْلِ حُبِّهِ الْمَدْحَ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 428)
(2) خ ) 4358 , ( م ) 2760
(3) خ ) 6980 , ( م ) 1499 , ومَعْنَى قَوْله " وَعَدَ الْجَنَّة " أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَ بِهَا وَرَغَّبَ فِيهَا كَثُرَ السُّؤَال لَهُ وَالطَّلَب إِلَيْهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهِ ، وَلَا يُحْتَجّ بِهَذَا عَلَى جَوَاز اِسْتِجْلَاب الْإِنْسَان الثَّنَاء عَلَى نَفْسه , فَإِنَّهُ مَذْمُوم وَمَنْهِيّ عَنْهُ بِخِلَافِ حُبِّه لَهُ فِي قَلْبه إِذَا لَمْ يَجِد مِنْ ذَلِكَ بُدًّا , فَإِنَّهُ لَا يُذَمّ بِذَلِكَ ، فَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مُسْتَحِقّ لِلْمَدْحِ بِكَمَالِهِ ؛ وَالنَّقْص لِلْعَبْدِ لَازِم وَلَوْ اِسْتَحَقَّ الْمَدْح مِنْ جِهَة مَا , لَكِنَّ الْمَدْح يُفْسِد قَلْبه وَيُعَظِّمهُ فِي نَفْسه حَتَّى يَحْتَقِر غَيْره ، وَلِهَذَا جَاءَ : " اُحْثُوا فِي وُجُوه الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب " وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 492)
(4) خد ) 861 , ( طب ) 820
(5) ن ) 7745 , ( طب ) 820
(6) الصَّحِيحَة : 3179(1/180)
قَالَ تَعَالَى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ , إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ , وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(3)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }(4)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }(5)
( خ ) , وَعَنْ عائشة ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) غافر/51]
(2) الصافات/171-173]
(3) المجادلة/21]
(4) الحج/38]
(5) الروم/47](1/181)
" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا(1)فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ(2)وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ(3)
__________
(1) الْمُرَاد بِوَلِيِّ اللَّهِ : الْعَالِم بِاللَّهِ , الْمُوَاظِب عَلَى طَاعَته , الْمُخْلِص فِي عِبَادَته . فتح الباري - (ج 18 / ص 342)
(2) أَيْ : أعلمته بأني سأحاربه , حيث كان محارباً لي بمعاداة أوليائي , قال تعالى : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) [ البقرة : 279 ] وهذا في الغاية القصوى من التهديد , والمراد عادى وليا لأجل ولايته لا مطلقا ، وإذا عُلِمَ ما في معاداته من الوعيد عُلِمَ ما في موالاته من الثواب . فيض القدير - (ج 2 / ص 305)
(3) فيه إشارة إلى إنه لا تُقَدَّمُ نافلةٌ على فريضة , وإنما سميت النافلة نافلة إذا قُضِيَتِ الفريضةُ , وإلا فلا يتناولها إسم النافلة ..شرح الأربعين النووية (ج 1 / ص 34)(1/182)
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ(1)
__________
(1) لمَّا ذكر أنَّ معاداة أوليائه محاربةٌ له ، ذكر بعد ذلك وصفَ أوليائه الذين تَحْرُم معادُاتُهُم ، وتجب موالاتُهم ، فذكر ما يُتَقَرَّب به إليه ، وأصلُ الولاية : القربُ ، وأصلُ العداوة : البعدُ ، فأولياء الله هُمُ الذين يتقرَّبون إليه بما يُقَرِّبهم منه ، وأعداؤه الذين أبعدهم عنه بأعمالهم المقتضية لطردهم وإبعادهم منه ، فَقَسَّمَ أولياءه المقربين إلى قسمين : أحدهما : من تقرَّب إليه بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات ، وتركَ المحرَّمات ؛ لأنَّ ذلك كُلَّه من فرائضِ اللهِ التي افترضها على عباده , والثاني : من تقرَّب إليه بعدَ الفرائضِ بالنوافل ، فظهر بذلك أنَّه لا طريق يُوصِلُ إلى التقرُّب إلى الله تعالى وولايته ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله ، فمنِ ادَّعى ولايةَ اللهِ والتقرُّب إليه ومحبَّتَه بغير هذه الطريق ، تبيَّن أنَّه كاذبٌ في دعواه ، كما كان المشركون يتقرَّبُون إلى الله تعالى بعبادة من يعبدونَه مِنْ دُونِه ، كما حكى الله عنهم أنَّهم قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى } ، وكما حكى عن اليهود والنَّصارى أنَّهم قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } مع إصرارهم على تكذيبِ رُسله ، وارتكاب نواهيه ، وترك فرائضه , فلذلك ذكرَ في هذا الحديث أنَّ أولياء الله على درجتين : أحدهما : المتقرِّبُون إليه بأداءِ الفرائض ، وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين ، وأداء الفرائض أفضلُ الأعمال كما قال عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - : أفضلُ الأعمال أداءُ ما افترضَ اللهُ ، والوَرَعُ عمّا حرَّم الله ، وصِدقُ النيّة فيما عند الله عز وجل , وقال عمرُ بنُ عبد العزيز في خطبته : أفضلُ العبادة أداءُ الفرائض ، واجتنابُ المحارم ، وذلك لأنَّ الله عز وجل إنَّما افترض على عباده هذه الفرائض لِيُقربهم منه ، ويُوجِبَ لهم رضوانه ورحمته , وأعظمُ فرائضِ البدن التي تُقرِّب إليه : الصلاةُ ، كما قال تعالى : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } ، وقال النَّبيُّ > : (( أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ )) ، ومن الفرائض المقرّبة إلى الله تعالى : عدلُ الرَّاعي في رعيَّته ، سواءٌ كانت رعيَّتُه عامّةً كالحاكم ، أو خاصةً كعدلِ آحاد النَّاس في أهله وولده ، كما قال > : (( كُلُّكم راعٍ وكُلُكم مسؤولٌ عن رعيَّته )) , وفي " صحيح مسلم : (( إنَّ المُقسطين عند الله على منابِرَ من نُورٍ على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يَعدِلُون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا )) , والدرجة الثانية : درجةُ السابقين المقرَّبين ، وهُمُ الذين تقرَّبوا إلى الله بعدَ الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات ، والانكفافِ عن دقائقِ المكروهات بالوَرعِ ، وذلك يُوجبُ للعبدِ محبَّة اللهِ ، كما قال : (( ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتّى أُحبَّه )) ، فمن أحَبَّهُ الله ، رزقه محبَّته وطاعته والاشتغالَ بذكره وخدمته ، فأوجبَ له ذلك القربَ منه ، والزُّلفى لديه ، والحَظْوةَ عنده ، كما قال الله تعالى : { مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ففي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ أعرض عن حبنا وتولى عن قربنا لم نُبَالِ ، واستبدلنا به من هو أولى بهذه المنحة منه وأحقُّ ، فمن أعرضَ عنِ الله ، فما له مِنَ الله بَدَلٌ ، ولله منه أبدال , ومن أعظم ما يُتقرَّب به العبد إلى الله تعالى مِنَ النَّوافل : كثرة تلاوة القرآن ، وسماعهُ بتفكُّرٍ وتدبُّرٍ وتفهُّمٍ ، قال خباب بن الأرت لرجل : " تقرَّب إلى الله ما استطعتَ ، واعلم أنَّك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامه " أخرجه : الحاكم 2/441 ، فلا شيءَ عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم ، فهو لذَّةُ قلوبهم ، وغايةُ مطلوبهم , قال عثمان : لو طَهُرَتْ قلوبُكم ما شبعتُم من كلام ربكم أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 7/300 بإسناد منقطع , ومن ذلك : كثرةُ ذكر الله الذي يتواطأ عليه القلبُ واللسان , وعن معاذٍ قال : قلت : يا رسول الله أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله تعالى ؟ , قال : " أنْ تموت ولسانُك رَطْبٌ من ذكر الله تعالى " .جامع العلوم والحكم - (ج 38 / ص 17)(1/183)
حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ(1)سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا(2)وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ(3)"(4)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : صِرْتُ . فيض القدير - (ج 2 / ص 305)
(2) اُسْتُشْكِلَ كَيْفَ يَكُونُ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا سَمْعَ الْعَبْدِ وَبَصَرَهُ إِلَخْ ؟ , وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيلِ ، وَالْمَعْنَى كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فِي إِيثَارِهِ أَمْرِي , فَهُوَ يُحِبُّ طَاعَتِي وَيُؤْثِرُ خِدْمَتِي كَمَا يُحِبّ هَذِهِ الْجَوَارِح , ثَانِيهَا : أَنَّ كُلِّيَّتَه مَشْغُولَةٌ بِي , فَلَا يُصْغِي بِسَمْعِهِ إِلَّا إِلَى مَا يُرْضِينِي ، وَلَا يَرَى بِبَصَرِهِ إِلَّا مَا أَمَرْتُهُ بِهِ , وَلَا يَتَحَرَّك لَهُ جَارِحَةٌ إِلَّا فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ ، فَهِيَ كُلُّهَا تَعْمَلُ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ , ثَالِثهَا : كُنْت لَهُ فِي النُّصْرَة كَسَمْعِهِ وَبَصَره وَيَده وَرِجْلِهِ فِي الْمُعَاوَنَة عَلَى عَدُوِّهِ .فتح الباري - (ج 18 / ص 342)
(3) أَيْ : أَعَذْته مِمَّا يَخَاف ، وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ " وَإِذَا اِسْتَنْصَرَ بِي نَصَرْته " . فتح الباري
(4) خ ) 6137(1/184)
كُنَّا بِعَرَفَةَ ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ(1)فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لِأَبِي : يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ ، قُلْتُ : لِمَا لَهُ مِنْ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ، إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ , ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ , فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ )(2)( ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ )(3)( الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ )(4)( فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا(5)
__________
(1) أَيْ : أَمِير الْحَجِيج .شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 480)
(2) م ) 2637 , ( خ ) 3037
(3) خ ) 3037 , ( م ) 2637
(4) ت ) 3161 , وصححه الألباني في ( الضعيفة ) تحت حديث : 2208
(5) قَالَ اِبْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْرِسُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ - وَهِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي تُرْضِي اللَّهَ لِمُتَابَعَتِهَا الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ - يَغْرِسُ لَهُمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَحَبَّةً وَمَوَدَّةً , وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 492)(1/185)
}(1))(2)( وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُونَهُ , ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ )(3)( فَيُبْغَضُ )(4)"
حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى بِالرَّجَاء
( م ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بقَالَ :
__________
(1) مريم/96]
(2) ت ) 3161
(3) م ) 2637 , ( ت ) 3161
(4) حم ) 10623 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .(1/186)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ : " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ - عز وجل - (1)"(2)
( خ م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا تَحْذِير مِنْ الْقُنُوط ، وَحَثّ عَلَى الرَّجَاء عِنْد الْخَاتِمَة ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيث الْآخَر قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى : ( أَنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي ) ، قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى ( حُسْن الظَّنّ بِاللَّهِ تَعَالَى ) أَنْ يَظُنّ أَنَّهُ يَرْحَمهُ وَيَعْفُو عَنْهُ ، قَالُوا : وَفِي حَالَة الصِّحَّة يَكُون خَائِفًا رَاجِيًا ، وَيَكُون الْخَوْف أَرْجَح ، فَإِذَا دَنَتْ أَمَارَات الْمَوْت غَلَبَ الرَّجَاء أَوْ مَحْضه ؛ لِأَنَّ مَقْصُود الْخَوْف : الِانْكِفَاف عَنْ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِح ، وَالْحِرْص عَلَى الْإِكْثَار مِنْ الطَّاعَات وَالْأَعْمَال ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمه فِي هَذَا الْحَال ، فَاسْتُحِبَّ إِحْسَان الظَّنّ الْمُتَضَمِّن لِلِافْتِقَارِ إِلَى اللَّه تَعَالَى ، وَالْإِذْعَان لَهُ ، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث ( يُبْعَث كُلّ عَبْد عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ) قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : يُبْعَث عَلَى الْحَالَة الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا ، وَمِثْله الْحَدِيث ( ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتهمْ ) . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 256)
(2) م ) 2877 , ( د ) 3113(1/187)
" ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي(1))(2)( إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ )(3)"
( حم طس ) , وَعَنْ حَيَّانَ أَبِي النَّضْرِ قَالَ :
(
__________
(1) مَعْنَى ( ظَنّ عَبْدِي بِي ) أَيْ : ظَنُّ الْإِجَابَة عِنْد الدُّعَاء , وَظَنّ الْقَبُول عِنْد التَّوْبَة , وَظَنّ الْمَغْفِرَة عِنْد الِاسْتِغْفَار , وَظَنّ الْمُجَازَاة عِنْد فِعْل الْعِبَادَة بِشُرُوطِهَا , تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْده ، وَقَالَ : وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر : " اُدْعُوا اللَّه وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ " , قَالَ : وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِد فِي الْقِيَام بِمَا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلهُ وَيَغْفِر لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ , وَهُوَ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , فَإِنْ اِعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّه لَا يَقْبَلهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعهُ , فَهَذَا هُوَ الْيَأْس مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ كَمَا فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور " فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ " قَالَ : وَأَمَّا ظَنّ الْمَغْفِرَة مَعَ الْإِصْرَار , فَذَلِكَ مَحْض الْجَهْل وَالْغِرَّة , وَهُوَ يَجُرّ إِلَى مَذْهَب الْمُرْجِئَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 481)
(2) خ ) 6970 , ( م ) 2675
(3) حم ) 9065 , انظر الصحيحة تحت حديث : 1663(1/188)
دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رضي الله عنه - عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ(1)فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاثِلَةُ وَجَلَسَ , فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ - لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ : وَاحِدَةٌ أَسْأَلُكَ عَنْهَا , قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ , قَالَ : كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ ؟ , فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ : حَسَنٌ , فَقَالَ وَاثِلَةُ : أَبْشِرْ , إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " قَالَ اللَّهُ - عز وجل - : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي , فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ )(2)أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ(3)"
( م حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيُّ : مِنْ سَادَةِ التَّابِعِينَ بِالشَّامِ ، يَسْكُنُ بِالْغُوطَةِ بِقَرْيَةِ زِبْدِينَ , أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ > وَلَهُ دَارٌ بِدَاخِلِ بَابٍ شَرْقِيٍّ , قَالَ يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ ، قُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا الْأَسْوَدِ كَمْ أَتَى عَلَيْكَ ؟ , قَالَ : أَدْرَكْتُ الْعُزَّى تُعْبَدُ فِي قَرْيَةِ قَوْمِي . سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء
(2) حم ) 16059, ( حب ) 634 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , وانظر صَحِيح الْجَامِع : 4316
(3) طس ) 7951 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1905 , الصَّحِيحَة : 1663(1/189)
" ( يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ - عز وجل - )(1)( فَيَأْمُرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ )(2)( فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ )(3)( قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِنْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا ، فَيَقُولُ : فَلَا نُعِيدُكَ فِيهَا )(4)فَيُنْجِيهِ اللَّهُ مِنْهَا(5)"
تَرْكُ الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا , إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(6)
( خد ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
" خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَبْكَى الْقَوْمَ ، فَأَوْحَى اللَّهُ - عز وجل - إِلَيْهِ : يَا مُحَمَّدُ ، لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي ؟ ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَبْشِرُوا ، وَسَدِّدُوا(7)وَقَارِبُوا(8)
__________
(1) م ) 192
(2) حم ) 13337 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) م ) 192 , ( حم ) 13337
(4) حم ) 13337 , ( م ) 192
(5) م ) 192 , ( حم ) 14073
(6) الزمر/53]
(7) أَيْ : اِقْصِدُوا السَّدَاد وَهُوَ الصَّوَاب . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 381)
(8) أَيْ : اِقْتَصِدُوا فَلَا تَغْلُوا وَلَا تُقَصِّرُوا ، بَلْ تَوَسَّطُوا . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 381)
قال البخاري : كَانَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ , فَقَالَ رَجُلٌ : لِمَ تُقَنِّطْ النَّاسَ ؟ قَالَ : وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } وَيَقُولُ : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } , وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ , وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا > مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ , وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ . , ( خ ) 4537(1/190)
"(1)
بَدْءُ الْخَلْق
( خ ت حم ) , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ , فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ , فَقَالَ : " اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ(2)" )(3)( فَقَالُوا : أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا , " فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (4)
__________
(1) خد ) 254 , ( حب ) 113 , انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 191 ، والصَّحِيحَة : 3194
(2) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : بَشَّرَهُمْ رَسُول اللَّه > بِمَا يَقْتَضِي دُخُول الْجَنَّة , حَيْثُ عَرَّفَهُمْ أُصُول الْعَقَائِد , الَّتِي هِيَ الْمَبْدَأ وَالْمَعَاد وَمَا بَيْنهمَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 495)
(3) خ ) 3020 , ( ت ) 3951
(4) إِمَّا لِلْأَسَفِ عَلَيْهِمْ كَيْفَ آثَرُوا الدُّنْيَا ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَحْضُرهُ مَا يُعْطِيهِمْ فَيَتَأَلَّفهُمْ بِهِ ، أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا .فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 472)
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : دَلَّ قَوْلهمْ " بَشَّرْتنَا " عَلَى أَنَّهُمْ قَبِلُوا فِي الْجُمْلَة , لَكِنْ طَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا نَفَى عَنْهُمْ الْقَبُول الْمَطْلُوب لَا مُطْلَق الْقَبُول ، وَغَضِبَ حَيْثُ لَمْ يَهْتَمُّوا بِالسُّؤَالِ عَنْ حَقَائِق كَلِمَة التَّوْحِيد , وَالْمَبْدَأ وَالْمَعَاد , وَلَمْ يَعْتَنُوا بِضَبْطِهَا , وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ مُوجِبَاتهَا وَالْمُوَصِّلَات إِلَيْهَا ، قَالَ الطِّيبِيُّ : لَمَّا لَمْ يَكُنْ جُلّ اِهْتِمَامهمْ إِلَّا بِشَأْنِ الدُّنْيَا ، قَالُوا : " بَشَّرْتنَا فَأَعْطِنَا " فَمِنْ ثَمَّ قَالَ " إِذْ لَمْ يَقْبَلهَا بَنُو تَمِيم " . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 495)(1/191)
")(1)( ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : " اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ " , فَقَالُوا : قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ )(2)( ثُمَّ قَالُوا : جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ , وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ [ كَيْفَ ](3)كَانَ ؟ )(4)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ(5)
__________
(1) خ ) 4125 , ( ت ) 3951
(2) خ ) 3020 , ( ت ) 3951
(3) حم ) 19889 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(4) خ ) 6982
(5) فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْء غَيْر اللَّهِ , لَا الْمَاء وَلَا الْعَرْش وَلَا غَيْرهمَا ، لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ غَيْر اللَّه تَعَالَى ..فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 473)(1/192)
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ(1)وَكَتَبَ(2)فِي [اللَّوْحِ (3)](4) كُلَّ شَيْءٍ(5)
__________
(1) مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَلَقَ الْمَاء سَابِقًا , ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْش عَلَى الْمَاء ، وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّة نَافِع بْن زَيْد الْحِمْيَرِيّ بِلَفْظِ : " كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَقَالَ : اُكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ " , فَصَرَّحَ بِتَرْتِيبِ الْمَخْلُوقَات بَعْد الْمَاء وَالْعَرْش , وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت مَرْفُوعًا " أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَم ، ثُمَّ قَالَ اُكْتُبْ ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " فَيُجْمَع بَيْنه وَبَيْن مَا قَبْله بِأَنَّ أَوَّلِيَّة الْقَلَم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَدَا الْمَاء وَالْعَرْش , أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مِنْهُ صَدَرَ مِنْ الْكِتَابَة ، أَيْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اُكْتُبْ أَوَّل مَا خُلِقَ . فتح الباري - (ج 9 / ص 473)
(2) أَيْ : قَدَّرَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 473)
(3) أَيْ : فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 473)
(4) حم ) 19889
(5) أَيْ : مِنْ الْكَائِنَات ..فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 473)(1/193)
)(1)( ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ(2)" , ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ : يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ , فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ(3)فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ )(4).
( ك ) , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :
سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ب: عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ }(5)عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ ؟ قَالَ : " عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ "(6)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 3020
(2) لَمْ يَقَع بِلَفْظِ " ثُمَّ " إِلَّا فِي ذِكْر خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَرْفُوعًا " أَنَّ اللَّه قَدَّرَ مَقَادِير الْخَلَائِق قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة , وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء " , وَهَذَا الْحَدِيث يُؤَيِّد رِوَايَة مَنْ رَوَى " ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " بِاللَّفْظِ الدَّالّ عَلَى التَّرْتِيب . فتح الباري
(3) أَيْ : يَحُول بَيْنِي وَبَيْن رُؤْيَتهَا السَّرَاب ، وَهُوَ مَا يُرَى نَهَارًا فِي الْفَلَاة كَأَنَّهُ مَاءٌ .فتح الباري (ج 9 / ص 473)
(4) خ ) 6982
(5) هود/7]
(6) ك ) 3293 , ( عب ) 9089 , و( صم ) 584 , وصححه الألباني في ظلال الجنة : 584 وقال : إسناده جيد موقوف , وليس له حكم المرفوع , لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاه عن أهل الكتاب . أ . هـ(1/194)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي ، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ , فَقَالَ : " كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ(1)"(2)
( خد ) , وَعَنْ أَبِي الطفيل قال :
سأل ابنُ الكَوَّى عليّاً - رضي الله عنه - عن المَجَرَّة , فَقال : " هو شَرَج(3)السماء , ومنها فُتِحَت السَّمَاءُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ "(4)
( خد ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقال :
القوسُ(5)أمانٌ لأهل الأرض من الغَرَق , والمَجَرَّةُ بابُ السماء الذي تنشق منه .(6)
( م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) قِيلَ أَيْ : مِنْ النُّطْفَةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ اِقْتِبَاسًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } , أَيْ : وَخَلَقْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ حَيَوَانٍ , لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَاَللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ } , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ أَعْظَمُ مَوَارِدِهِ , أَوْ لِفَرْطِ اِحْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ وَانْتِفَاعِهِ بِعَيْنِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 317)
(2) حم ) 7919 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(3) الشَّرَج بالتحريك : منفسح الوادي , ومجرَّة السماء , والجمع أشراج .
(4) خد ) 766 , صَحْيحُ الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 593
(5) أَيْ : قوس قزح .
(6) خد ) 767 , انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 597(1/195)
" أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي فَقَالَ : خَلَقَ اللَّهُ - عز وجل - التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ , وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ - عليه السلام - بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ ، فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ "(1)
( م ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ(2)مِنْ نَارٍ ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ "(3)
( ت د ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 2789 , ( حم ) 8323
(2) الْمَارِج : اللَّهَب الْمُخْتَلِط بِسَوَادِ النَّار .شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 379)
(3) م ) 2996 , ( حم ) 25235(1/196)
" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قُبْضَةٍ(1)قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ(2)فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ(3)فَجَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَرُ , وَالْأَبْيَضُ , وَالْأَسْوَدُ , وَبَيْنَ ذَلِكَ(4)وَالسَّهْلُ(5)وَالْحَزْنُ(6)وَالْخَبِيثُ(7)وَالطَّيِّبُ )(8)( وَبَيْنَ ذَلِكَ(9))(10)"(11)
( م ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَالَ فِي النِّهَايَة : الْقَبْض : الْأَخْذ بِجَمِيعِ الْكَفّ , وَالْقَبْضَة : الْمَرَّة مِنْهُ , وَبِالضَّمِّ : الِاسْم مِنْهُ . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(2) أَيْ : مِنْ جَمِيع أَجْزَائِهَا . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(3) أَيْ : مَبْلَغهَا مِنْ الْأَلْوَان وَالطِّبَاع . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(4) أَيْ : بَيْن الْأَحْمَر وَالْأَبْيَض وَالْأَسْوَد . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(5) أَيْ : وَمِنْهُمْ السَّهْل أَيْ : اللَّيِّن الْمُنْقَاد . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(6) أَيْ : الْغَلِيظ الطَّبْع . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(7) أَيْ : خَبِيث الْخِصَال . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(8) ت ) ( 2955) , ( د ) 4693
(9) أَيْ : بَيْن السَّهْل وَالْحَزْن وَالْخَبِيث وَالطَّيِّب . عون المعبود - (ج 10 / ص 213)
(10) د ) 4693 , ( حم ) 19597
(11) صَحِيح الْجَامِع : 1516, الصَّحِيحَة : 1580 ، 1630(1/197)
" لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ ، تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ وَيَنْظُرُ مَا هُوَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ ، عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكْ(1)"(2)
( خ م ت حم ) ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : لا يتقوى بعضه ببعض , ولا قوة له ولا ثبات , بل يكون متزلزل الأمر , متغير الحال , متعرضا للآفات , والتَّمَالُك التَّمَاسُك . مرقاة المفاتيح (ج 16 / ص 328)
وَقِيلَ : لَا يَمْلِك نَفْسه وَيَحْبِسهَا عَنْ الشَّهَوَات ، وَقِيلَ : لَا يَمْلِك دَفْع الْوَسْوَاس عَنْهُ ، وَقِيلَ : لَا يَمْلِك نَفْسه عِنْد الْغَضَب ، وَالْمُرَاد جِنْس بَنِي آدَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 436)
(2) م ) 2611 , ( حم ) 12561(1/198)
لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : )(1)( " خَلَقَ اللَّهُ - عز وجل - آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ(2)
__________
(1) حم ) 2270 , وصححه الألباني في ظلال الجنة : 204 ، وهداية الرواة : 114
(2) قال الحافظ في الفتح (ج 8 / ص 31): اخْتُلِفَ فِي الضَّمِير عَلَى مَنْ يَعُود ؟ , فَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمَضْرُوبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْر بِإِكْرَامِ وَجْهه ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُرَاد التَّعْلِيل بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْجُمْلَة اِرْتِبَاط بِمَا قَبْلهَا , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : أَعَادَ بَعْضُهُمْ الضَّمِير عَلَى اللَّهِ مُتَمَسِّكًا بِمَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُقه " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَة الرَّحْمَن " , قَالَ : وَكَأَنَّ مَنْ رَوَاهُ أَوْرَدَهُ بِالْمَعْنَى مُتَمَسِّكًا بِمَا تَوَهَّمَهُ فَغَلِطَ فِي ذَلِكَ , وَقَدْ أَنْكَرَ الْمَازِرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ صِحَّة هَذِهِ الزِّيَادَة , ثُمَّ قَالَ : وَعَلَى تَقْدِير صِحَّتِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْبَارِي سُبْحَانه وَتَعَالَى , قُلْت : الزِّيَادَة أَخْرَجَهَا اِبْن أَبِي عَاصِم فِي " السُّنَّة " وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَات , وَأَخْرَجَهَا اِبْن أَبِي عَاصِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ يَرُدُّ التَّأْوِيلَ الْأَوَّل , قَالَ : " مَنْ قَاتَلَ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْه , فَإِنَّ صُورَةَ وَجْهِ الْإِنْسَان عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ " , فَتَعَيَّنَ إِجْرَاءُ مَا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيْن أَهْل السُّنَّة مِنْ إِمْرَاره كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْر اِعْتِقَادِ تَشْبِيهٍ ، أَوْ مِنْ تَأْوِيلِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالرَّحْمَنِ جَلَّ جَلَاله ، وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الضَّمِير يَعُودُ عَلَى آدَم , أَيْ عَلَى صِفَتِهِ , أَيْ خَلَقَهُ مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ الَّذِي فَضَلَ بِهِ الْحَيَوَان , وَهَذَا مُحْتَمَل ، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيّ : غَلِطَ اِبْن قُتَيْبَة فَأَجْرَى هَذَا الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره وَقَالَ : صُورَة لَا كَالصُّوَرِ , وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي " كِتَاب السُّنَّة " سَمِعْت إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ يَقُولُ : صَحَّ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَة الرَّحْمَن , وَقَالَ إِسْحَاق الْكَوْسَج : سَمِعْت أَحْمَد يَقُولُ : هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ , وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَاب السُّنَّة : " حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ : قَالَ رَجُل لِأَبِي : إِنَّ رَجُلًا قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ آدَم عَلَى صُورَته - أَيْ صُورَة الرَّجُل - فَقَالَ : كَذِب , هُوَ قَوْل الْجَهْمِيَّةِ " , وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَأَحْمَد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا " لَا تَقُولَنَّ قَبَّحَ اللَّه وَجْهك وَوَجْه مَنْ أَشْبَهَ وَجْهك فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَته " , وَهُوَ ظَاهِر فِي عَوْدِ الضَّمِير عَلَى الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي عَاصِم أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " إِذَا قَاتَلَ أَحَدكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْه , فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَة وَجْهه "(1/199)
طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا )(1)( قَالَ : فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ , وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا , فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الْآنَ )(2)( فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ , فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ , فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ(3)فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ )(4)يَرْحَمُكَ رَبُّكَ(5)( ثُمَّ قَالَ لَهُ : اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ - فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ )(6)( فَذَهَبَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، قَالَ : فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ )(7)( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ , فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ )(8)( ذُرِّيَّتِكَ )(9)( بَيْنَهُمْ , ثُمَّ قَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ(10):
__________
(1) خ ) 5873 , ( م ) 2841 , ( حم ) 8274
(2) م ) 2841 , ( خ ) 3148
(3) أَيْ : بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ , أَوْ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ , أَوْ بِتَيْسِيرِهِ وَتَوْفِيقِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(4) ت ) 3368
(5) حب ) 6167 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده قوي على شرط مسلم .
(6) م ) 2841 , ( خ ) 3148
(7) م ) 2841 , ( خ ) 3148
(8) ت ) 3368 , ( م ) 2841 , ( خ ) 3148
(9) م ) 2841
(10) مَذْهَبُ السَّلَفِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَإِثْبَاتِ التَّنْزِيهِ مَعَ التَّفْوِيضِ ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)(1/200)
اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ , قَالَ : اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي , وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ , فَبَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ )(1)( وَكُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(2)فَقَالَ : أَيْ رَبِّ مَا هَؤُلَاءِ ؟ , فَقَالَ : هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ(3))(4)( فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمُرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ )(5)( وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ )(6)( فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا [ مِنْ أَضْوَئِهِمْ ](7)فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ , فَقَالَ : يَا رَبِّ , مَنْ هَذَا ؟ ، فَقَالَ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ , يُقَالُ لَهُ : دَاوُدُ ، فَقَالَ : رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمُرَهُ ؟ )(8)( قَالَ : قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً , قَالَ : يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمْرِهِ , قَالَ : ذَاكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ(9)
__________
(1) ت ) 3368 , ( حب ) 6167
(2) وفي رواية للترمذي 3076 : مَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَهُ , فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة , وكذلك عند ( حم ) 2270
(3) يَقُولُ النَّبِيُّ > : رَأَى آدَمُ مِثَالَهُ وَمِثَالَ بَنِيهِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ , والظَّاهِرُ مِنْ كَوْنِهِمْ فِي الْيَمِينِ اِخْتِصَاصُهُمْ بِالصَّالِحِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَالْمُقَرَّبِينَ , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ : " فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَخْ " . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(4) ت ) 3076
(5) ت ) 3368
(6) ت ) 3076
(7) ت ) 3368
(8) ت ) 3076 , ( حب ) 6167
(9) أَيْ : لَا مَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا نُقْصَانَ ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)(1/201)
قَالَ : أَيْ رَبِّ , فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً(1)قَالَ : أَنْتَ وَذَاكَ , قَالَ : ثُمَّ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا , فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ )(2)( فَلَمَّا قُضِيَ عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ )(3)( فَقَالَ لَهُ آدَمُ : قَدْ عَجِلْتَ(4)قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ )(5)( أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي سِتِّينَ سَنَةً ؟ )(6)( قَالَ : بَلَى , وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكِ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً )(7)( قَالَ : مَا فَعَلْتُ )(8)( فَجَحَدَ آدَمُ(9)فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ(10)وَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ )(11)( وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ )(12)( قَالَ : فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ(13)بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ(14)
__________
(1) أَيْ : تَكْمِلَةً لِلْمِائَةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْخَبَرِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِدْعَاءُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ , فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرْ عَلَى هَذَا الْجُعْلِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(2) ت ) 3368 , ( حب ) 6167
(3) ت ) 3076
(4) أَيْ : اِسْتَعْجَلْت وَجِئْت قَبْلَ أَوَانِك . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(5) ت ) 3368 , ( حب ) 6167
(6) ت ) 3076
(7) ت ) 3368
(8) حم ) 2270
(9) أَيْ : أَنْكَرَ آدَمُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(10) أَيْ : بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ سِرِّ أَبِيهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(11) ت ) 3368 , ( حب ) 6167
(12) ت ) 3076
(13) أَيْ : أُمِرَ النَّاسُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)
(14) أَيْ : بِكِتَابَةِ الْقَضَايَا وَالشُّهُودِ فِيهَا ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 264)(1/202)
)(1)" (2)
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَوْلَا حَوَّاءُ , لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ(3)
__________
(1) ت ) 3368 , ( حب ) 6167
(2) صَحِيح الْجَامِع : 5208 , 5209 , المشكاة : 118
(3) قَوْلُهُ : ( لَوْلَا حَوَّاء ) أَيْ : اِمْرَأَة آدَم , قِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أُمّ كُلّ حَيّ ، وَقَوْله " لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا " فِيهِ إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ حَوَّاء فِي تَزْيِينهَا لِآدَم الْأَكْل مِنْ الشَّجَرَة حَتَّى وَقَعَ فِي ذَلِكَ , فَمَعْنَى خِيَانَتهَا أَنَّهَا قَبِلَتْ مَا زَيَّنَ لَهَا إِبْلِيس حَتَّى زَيَّنَتْهُ لِآدَم ، وَلَمَّا كَانَتْ هِيَ أُمّ بَنَات آدَم أَشْبَهْنَهَا بِالْوِلَادَةِ وَنَزَعَ الْعِرْقُ , فَلَا تَكَاد اِمْرَأَةٌ تَسْلَم مِنْ خِيَانَة زَوْجهَا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْخِيَانَةِ هُنَا اِرْتِكَاب الْفَوَاحِش حَاشَا وَكَلَّا ، وَلَكِنْ لَمَّا مَالَتْ إِلَى شَهْوَة النَّفْس مِنْ أَكْل الشَّجَرَة وَحَسَّنَتْ ذَلِكَ لِآدَم عُدَّ ذَلِكَ خِيَانَة لَهُ ، وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدهَا مِنْ النِّسَاء فَخِيَانَة كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِحَسَبِهَا , وَقَرِيب مِنْ هَذَا حَدِيث " جَحَدَ آدَم فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّته " , وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى تَسْلِيَة الرِّجَال فِيمَا يَقَع لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ بِمَا وَقَعَ مِنْ أُمّهنَّ الْكُبْرَى ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَبْعهنَّ , فَلَا يُفْرِط فِي لَوْم مَنْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْء مِنْ غَيْر قَصْد إِلَيْهِ , أَوْ عَلَى سَبِيل النُّدُور ، وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَّ بِهَذَا فِي الِاسْتِرْسَال فِي هَذَا النَّوْع , بَلْ يَضْبِطْنَ أَنْفُسهنَّ وَيُجَاهِدْنَ هَوَاهُنَّ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . ( فتح ) - (ج 10 / ص 110)(1/203)
"(1)
( 2 ) الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَة
وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَة
قَالَ تَعَالَى : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ , كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ , لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ , وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ , وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }(3)
( خ م ت حم ) , عَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
__________
(1) خ ) 3218 , ( م ) 1470
(2) البقرة/285]
(3) النساء/136](1/204)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ(1)" , فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ(2)فلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا(3)مِنْ طِينٍ " فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ )(4)( وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ )(5)( فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(6)" ( إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ(7)يَمْشِي )(8)( شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ )(9)( كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ )(10)( شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ )(11)( أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا )(12)( لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ , وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ )(13)( فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ(14)
__________
(1) أَيْ : فِي وَسَطهمْ وَمُعْظَمهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(2) أَيْ : الْمُسَافِر . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(3) قَالَ فِي الْقَامُوس : الدُّكَّان : بِنَاء يُسْطَح أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(4) س ) 4991 , ( د ) 4698
(5) د ) 4698
(6) حم ) 367 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(7) أَيْ : مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل . ( فتح - ح48)
(8) خ ) 4499
(9) م ) 8 , ( ت ) 2610
(10) س ) 4991
(11) م ) 8 , ( ت ) 2610
(12) س ) 4991
(13) م ) 8 , ( ت ) 2610
(14) أَيْ : الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 216)(1/205)
)(1)( فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ " )(2)( قَالَ : أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " ادْنُهْ " ، فَمَا زَالَ يَقُولُ : أَدْنُو مِرَارًا ، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ " ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(4) ( فَقَالَ : أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ ؟ , قَالَ : " الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا )(5)أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ(6)( وَأَنْ تُقِيمَ الصَلَاةَ [ الْمَكْتُوبَةَ ](7)وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ [ الْمَفْرُوضَةَ ](8)وَتَصُومَ رَمَضَانَ )(9)( وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )(10)( وَتَعْتَمِرَ , وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ , وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ )(11)
__________
(1) د ) 4698
(2) س ) 4991 , ( د ) 4698
(3) س ) 4991
(4) م ) 8 , ( س ) 4990
(5) خ ) 50 , ( م ) 9
(6) م ) 8 , ( س ) 4990
(7) م ) 9 , ( جة ) 64
(8) م ) 9 , ( جة ) 64
(9) خ ) 50 , ( م ) 9
(10) م ) 8 , ( س ) 4990
(11) حب ) 173 , ( خز ) 1 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 175 , 1101 , وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث : 3 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حب ) 173 : إسناده صحيح . وذكر ( د ) 4695 من هذه الثلاثة ( الِاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَةِ ) ..(1/206)
" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ ؟ )(1)إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ ؟(2)( قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : صَدَقْتَ ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ : صَدَقْتَ )(3)( عَجِبْنَا [ مِنْهُ ](4)يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ )(5)( ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ(6)وَمَلَائِكَتِهِ(7)
__________
(1) حب ) 173 , ( خز ) 1
(2) س ) 4991
(3) س ) 4991
(4) جة ) 63
(5) م ) 8 , ( س ) 4990
(6) قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ،
وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . ( فتح الباري - ح48)
(7) قَوْله : ( وَمَلَائِكَته ) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ( عِبَاد مُكْرَمُونَ )
وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَة عَلَى الْكُتُب وَالرُّسُل نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَك بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُول وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّك لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَك عَلَى الرَّسُول . ( فتح - ح48)(1/207)
وَكُتُبِهِ , وَبِلِقَائِهِ(1)وَرُسُلِهِ [ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ](2)وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ ,
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ،
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ , وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ،
فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح - ح48)
(2) حم ) 184 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) أَمَّا الْبَعْث الْآخِر , فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِر تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْس الذَّاهِب ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَعْث وَقَعَ مَرَّتَيْنِ :
الْأُولَى : الْإِخْرَاج مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات بَعْد النُّطْفَة وَالْعَلَقَة إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ،
وَالثَّانِيَة : الْبَعْث مِنْ بُطُونِ الْقُبُور إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار ,
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِر أَيَّام الدُّنْيَا أَوْ آخِر الْأَزْمِنَة الْمَحْدُودَة ،
وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْحِسَاب وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . ( فتح - ح48)(1/208)
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ(1))(2)( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ )(3)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(4)" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " ، قَالَ : صَدَقْتَ )(5)
صِفَةُ خَلْقِ الْمَلَائِكَة
( م ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ(6)مِنْ نَارٍ ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ "(7)
خَصَائِصُ الْمَلَائِكَة
طَهَارَةُ الْمَلَائِكَة
قَالَ تَعَالَى : { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }(8)
وَقَالَ تَعَالَى : { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ , فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ , فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ , مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ , بِأَيْدِي سَفَرَةٍ , كِرَامٍ بَرَرَةٍ }(9)
جَمَالُ صُوَرِهِم(10)
قَالَ تَعَالَى : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ , فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا , إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ }(11)
( خ م ) , وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 184
(2) خ ) 50 , ( م ) 9
(3) م ) 10 , ( س ) 4990
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991 , ( حم ) 2926
(6) الْمَارِج : اللَّهَب الْمُخْتَلِط بِسَوَادِ النَّار .شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 379)
(7) م ) 2996 , ( حم ) 25235
(8) الواقعة/77-79]
(9) عبس/11-16]
(10) باستثناء ملائكة العذاب .ع
(11) يوسف/31](1/209)
أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ ك ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأُمِّ سَلَمَةَ : " مَنْ هَذَا ؟ " , قَالَتْ : هَذَا دِحْيَةُ(1)
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : وَايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ , " حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ "(2)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَعْصُونَ اللَّه
قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }(3)
الْمَلَائِكَةُ يَخَافُونَ كَثِيرًا مِنَ اللَّه
قَالَ تَعَالَى : { يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ }(4)
( طس ) , وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) هُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ , كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَسْلَمَ قَدِيمًا ، وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ ، وَمَاتَ دِحْيَةُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ . فتح الباري لابن حجر - ( ح7)
(2) خ ) 3435 , ( م ) 2451
(3) التحريم/6]
(4) ، [الرعد/13](1/210)
" مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى(1)وَجِبْرِيلُ كَالْحِلْسِ الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ "(2)
( حم ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِجِبْرِيلَ - عليه السلام - : " مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ ؟ ، قَالَ : مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ "(3)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب
( م ت س حم ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
__________
(1) الْمَلَأُ الْأَعْلَى ) أَيْ : الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ , وَالْمَلَأُ هُمْ الْأَشْرَافُ الَّذِينَ يَمْلَئُونَ الْمَجَالِسَ وَالصُّدُورَ عَظَمَةً وَإِجْلَالًا وَوُصِفُوا بِالْأَعْلَى إِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانِهِمْ , وَإِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 81)
(2) طس ) 4679 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5864 , الصَّحِيحَة : 2289
(3) حم ) 13367 , انظر الصَّحِيحَة : 2511 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3664(1/211)
" ( وَاعَدَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا ، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ وَفِي يَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَصًا ، فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَقَالَ : مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ )(1)( فَخَرَجَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَهُ بِالْبَابِ قَائِمًا )(2)( فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ )(3)( فَقَالَ جِبْرِيلُ : لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ )(4)( رَجُلٍ(5))(6)( وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ(7)سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ(8)وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ(9)كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ(10)
__________
(1) م ) 2104
(2) حم ) 25143 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح .
(3) م ) 2104
(4) ت ) 2806 , ( د ) 4158
(5) أَيْ : صُورَةُ رَجُلْ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
(6) حم ) 8032 , انظر الصَّحِيحَة : 356
(7) الْقِرَامُ : سِتْرٌ رَقِيقٌ ذُو أَلْوَانٍ , ، وَقِيلَ : الْقِرَامُ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَرَاءَ السِّتْرِ الْغَلِيظِ ، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
(8) أَيْ : تَصَاوِيرُ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
(9) أَيْ : التِّمْثَال الْمُقَطَّع رَأْسه . عون المعبود - (ج 9 / ص 195)
(10) لِأَنَّ الشَّجَر وَنَحْوه مِمَّا لَا رُوح فِيهِ لَا يَحْرُم صَنْعَته وَلَا التَّكَسُّب بِهِ , مِنْ غَيْر فَرْق بَيْن الشَّجَرةِ الْمُثْمِرَة وَغَيْرهَا . عون المعبود - (ج 9 / ص 195)
وقال الألباني في آداب الزفاف ص119 : هذا نص صريح في أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة فيغيرها بحيث أنه يجعلها في هيئة أخرى . أ . هـ(1/212)
)(1)( وَمُرْ بِالسِّتْرِ أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا ، أَوْ )(2)( يُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ(3)تُوطَآنِ(4)
__________
(1) ت ) 2806 , ( د ) 4158
(2) س ) 5365 , ( ت ) 2806
(3) أَيْ : مَطْرُوحَتَيْنِ مَفْرُوشَتَيْنِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
(4) أَيْ : تُهَانَانِ بِالْوَطْءِ عَلَيْهِمَا وَالْقُعُودِ فَوْقَهُمَا وَالِاسْتِنَادِ عَلَيْهِمَا ، وَأَصْلُ الْوَطْءِ : الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
قَالَ الْقَارِي : وَالْمُرَاد بِقَطْعِ السِّتْر التَّوَصُّل إِلَى جَعْله وِسَادَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِر مِنْ الْحَدِيث ، فَيُفِيد جَوَاز اِسْتِعْمَال مَا فِيهِ الصُّورَة بِنَحْوِ الْوِسَادَة وَالْفِرَاش ، وَالْبِسَاط . عون المعبود - (ج 9 / ص 195)(1/213)
)(1)أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ(2)( وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ )(3)( فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ )(4)( كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ أَوْ تَمَاثِيلُ(5)
__________
(1) ت ) 2806 , ( د ) 4158
(2) س ) 5365 , ( حم ) 8065
(3) ت ) 2806 , ( د ) 4158
(4) س ) 5365
(5) قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء : تَصْوِير صُورَة الْحَيَوَان حَرَام شَدِيد التَّحْرِيم ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّد عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد الْمَذْكُور فِي الْأَحَادِيث ، وَسَوَاء صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَن أَوْ بِغَيْرِهِ ، فَصَنْعَته حَرَام بِكُلِّ حَال ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى ، وَسَوَاء مَا كَانَ فِي ثَوْب أَوْ بِسَاط أَوْ دِرْهَم أَوْ دِينَار أَوْ فَلْس أَوْ إِنَاء أَوْ حَائِط أَوْ غَيْرهَا , وَأَمَّا تَصْوِير صُورَة الشَّجَر وَرِحَال الْإِبِل وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَة حَيَوَان فَلَيْسَ بِحِرَامٍ , هَذَا حُكْم نَفْس التَّصْوِير , وَأَمَّا اِتِّخَاذ الْمُصَوَّر فِيهِ صُورَة حَيَوَان فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِط أَوْ ثَوْبًا مَلْبُوسًا أَوْ عِمَامَة وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدّ مُمْتَهَنًا فَهُوَ حَرَام ، وَإِنْ كَانَ فِي بِسَاط يُدَاس وَمِخَدَّة وَوِسَادَة وَنَحْوهَا مِمَّا يُمْتَهَن فَلَيْسَ بِحِرَامٍ , وَلَكِنْ هَلْ يَمْنَع دُخُول مَلَائِكَة الرَّحْمَة ذَلِكَ الْبَيْت ؟ , فِيهِ كَلَام نَذْكُرهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّه ، وَلَا فَرْق فِي هَذَا كُلّه بَيْن مَا لَهُ ظِلّ وَمَا لَا ظِلّ لَهُ , هَذَا تَلْخِيص مَذْهَبنَا فِي الْمَسْأَلَة ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ ، وَهُوَ مَذْهَب الثَّوْرِيّ وَمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَغَيْرهمْ ، وَقَالَ بَعْض السَّلَف : إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا كَانَ لَهُ ظِلّ ، وَلَا بَأْس بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلّ ، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل ؛ فَإِنَّ السِّتْر الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيّ > الصُّورَة فِيهِ لَا يَشُكّ أَحَد أَنَّهُ مَذْمُوم ، وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلّ ، مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيث الْمُطْلَقَة فِي كُلّ صُورَة , وَقَالَ الزُّهْرِيّ : النَّهْي فِي الصُّورَة عَلَى الْعُمُوم ، وَكَذَلِكَ اِسْتِعْمَال مَا هِيَ فِيهِ ، وَدُخُول الْبَيْت الَّذِي هِيَ فِيهِ ، سَوَاء كَانَتْ رَقْمًا فِي ثَوْب ، أَوْ غَيْر رَقْم ، وَسَوَاء كَانَتْ فِي حَائِط ، أَوْ ثَوْب ، أَوْ بِسَاط مُمْتَهَن ، أَوْ غَيْر مُمْتَهَن ، عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيث ، لَا سِيَّمَا حَدِيث ( النُّمْرُقَة ) الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم ، وَهَذَا مَذْهَب قَوِيّ ، قَالَ آخَرُونَ : يَجُوز مِنْهَا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْب سَوَاء اُمْتُهِنَ أَمْ لَا ، وَسَوَاء عُلِقَ فِي حَائِط أَمْ لَا ، وَكَرِهُوا مَا كَانَ لَهُ ظِلّ ، أَوْ كَانَ مُصَوَّرًا فِي الْحِيطَان وَشَبَههَا ، سَوَاء كَانَ رَقْمًا أَوْ غَيْره ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْض أَحَادِيث الْبَاب : ( إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْب ) وَهَذَا مَذْهَب الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْع مَا كَانَ لَهُ ظِلّ ، وَوُجُوب تَغْيِيره , قَالَ الْقَاضِي : إِلَّا مَا وَرَدَ فِي اللَّعِب بِالْبَنَاتِ لِصِغَارِ الْبَنَات ، وَالرُّخْصَة فِي ذَلِكَ ، وَاللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 205)(1/214)
)(1)( فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (2)وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ(3)لَهُ )(4)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : : يَا عَائِشَةُ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا ؟ " , فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ , " فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ )(5)( ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِلَابِ حِينَ أَصْبَحَ فَقُتِلَتْ )(6)"
( م ) , وَعَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ :
__________
(1) م ) 2104
(2) أَيْ : جَمِيعَ مَا ذُكِرَ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
(3) النَّضَد : هُوَ السَّرِير الَّذِي تُنْضَد عَلَيْهِ الثِّيَاب أَيْ : يُجْعَل بَعْضهَا فَوْق بَعْض . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 118)
(4) ت ) 2806 , ( د ) 4158
(5) م ) 2104
(6) حم ) 25143 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح لغيره .(1/215)
" أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَاجِمًا(1)" , فَقُلْتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَقَدْ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي أَمَا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي , قَالَتْ : فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ , ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ نَضَدٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ , ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ(2)مَكَانَهُ(3)فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ , قَالَ : أَجَلْ , وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ(4)فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ,
__________
(1) الواجِم : هُوَ السَّاكِت الَّذِي يَظْهَر عَلَيْهِ الْهَمّ وَالْكَآبَة . شرح النووي- (ج 5 / ص 234)
(2) أَيْ : رَشَّ أَوْ غَسَلَ غَسْلًا خَفِيفًا . عون المعبود - (ج 9 / ص 194)
(3) أَيْ : مكان مَرْقَد الْجِرْو . عون المعبود - (ج 9 / ص 194)
(4) أَيْ : صُورَة ذِي رُوحٍ . شرح سنن النسائي - (ج 6 / ص 35)(1/216)
حَتَّى إِنَّهُ لَيَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ(1)الصَّغِيرِ , وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ(2)"(3)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ صُورَة
( خ م ) , عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الْحَائِطُ : الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ . كذا في النِّهَايَةِ .
(2) فَرَّقَ بَيْن الْحَائِطَيْنِ لِأَنَّ الْكَبِير تَدْعُو الْحَاجَة إِلَى حِفْظ جَوَانِبه ، وَلَا يَتَمَكَّن النَّاظُور مِنْ الْمُحَافَظَة عَلَى ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الصَّغِير ، وَالْأَمْر بِقَتْلِ الْكِلَاب مَنْسُوخ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 206)
(3) م ) 2105 , ( د ) 4157(1/217)
" لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ(1)"(2)
(
__________
(1) قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَة كَوْنهَا مَعْصِيَة فَاحِشَة ، وَفِيهَا مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى ، وَبَعْضهَا فِي صُورَة مَا يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى , وَسَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْت فِيهِ كَلْب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات ، وَلِأَنَّ بَعْضهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيث ، وَالْمَلَائِكَة ضِدّ الشَّيَاطِين ، وَلِقُبْحِ رَائِحَة الْكَلْب , وَالْمَلَائِكَة تَكْرَه الرَّائِحَة الْقَبِيحَة ، وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اِتِّخَاذهَا ؛ فَعُوقِبَ مُتَّخِذهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته ، وَصَلَاتهَا فِيهِ ، وَاسْتِغْفَارهَا لَهُ ، وَتَبْرِيكهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْته ، وَدَفْعِهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ , وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك وَالِاسْتِغْفَار ، وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت ، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال ، لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالهمْ وَكِتَابَتهَا , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَإِنَّمَا لَا تَدْخُل الْمَلَائِكَة بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة مِمَّا يَحْرُم اِقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَاب وَالصُّوَر ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحِرَامٍ مِنْ كَلْب الصَّيْد وَالزَّرْع وَالْمَاشِيَة وَالصُّورَة الَّتِي تُمْتَهَن فِي الْبِسَاط وَالْوِسَادَة وَغَيْرهمَا فَلَا يَمْتَنِع دُخُول الْمَلَائِكَة بِسَبَبِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 207)
(2) خ ) 3144 , ( م ) 2106(1/218)
م د ) , وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - , عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تِمْثَالٌ(1))(2) " قَالَ : فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ ك فَقُلْتُ : إِنَّ هَذَا يُخْبِرُنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تِمْثَالٌ " , فَهَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ ذَلِكَ ؟ , قَالَتْ : لَا , وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ بِمَا رَأَيْتُهُ فَعَلَ )(3)( " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ", وَكُنْتُ أَتَحَيَّنُ قُفُولَهُ(4)فَأَخَذْتُ نَمَطًا(5)
__________
(1) التِمْثَال ) : هُوَ الصُّورَة مُطْلَقًا , وَالْمُرَاد صُورَة الْحَيَوَان . عون المعبود - (ج 9 / ص 191)
(2) د ) 4153 , ( م ) 2106
(3) م ) 2106 , ( د ) 4153
(4) أَيْ : أَطْلُب وَأَنْتَظِر حِين رُجُوعه > . عون المعبود - (ج 9 / ص 191)
(5) الْمُرَاد بِالنَّمَطِ هُنَا بِسَاط لَطِيف لَهُ خَمْل ، وَفِي فَتْح الْوَدُود : ثَوْب مِنْ صُوف يُفْرَش , وَيُجْعَل سِتْرًا , وَيُطْرَح عَلَى الْهَوْدَج ..عون المعبود - (ج 9 / ص 191)(1/219)
كَانَ لَنَا فَسَتَرْتُهُ عَلَى )(1)( الْبَابِ )(2)( " فَلَمَّا جَاءَ " اسْتَقْبَلْتُهُ فَقُلْتُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ , الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ , " فَنَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ فَرَأَى النَّمَطَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا , وَرَأَيْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ , فَأَتَى النَّمَطَ حَتَّى هَتَكَهُ(3)ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا فِيمَا رَزَقَنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ )(4)( وَالطِّينَ(5)
__________
(1) د ) 4153
(2) م ) 2106
(3) أَيْ : قَطَعَهُ وَأَتْلَفَ الصُّورَة الَّتِي فِيهِ . عون المعبود - (ج 9 / ص 191)
(4) د ) 4153 , ( م ) 2106
(5) قَالَ النَّوَوِيّ : اِسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْنَع مِنْ سَتْر الْحِيطَان وَتَنْجِيد الْبُيُوت بِالثِّيَابِ , وَهُوَ مَنْع كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تَحْرِيم هَذَا هُوَ الصَّحِيح , قَالَ : وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمه , لِأَنَّ حَقِيقَة اللَّفْظ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرنَا بِذَلِكَ , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوب , وَلَا يَقْتَضِي التَّحْرِيم ..عون المعبود - (ج 9 / ص 191)(1/220)
" )(1)( قَالَتْ : فَقَطَعْتُهُ وَجَعَلْتُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا , " فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ(2))(3)"
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ جَرَس
( س ) , عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُلْجُلٌ وَلَا جَرَسٌ(4)وَلَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ "(5)
( د حم ) , وَعَنْ بُنَانَةَ مَوْلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَتْ :
__________
(1) م ) 2106
(2) فِي الحديث أَنَّ الصُّورَة إِذْ غُيِّرَتْ لَمْ يَكُنْ بِهَا بَأْس بَعْد ذَلِكَ , وَجَازَ اِفْتِرَاشهَا وَالِارْتِفَاق عَلَيْهَا , وَقَالَ عَبْد الْحَقّ الْمُحَدِّث الدَّهْلَوِيّ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ سِيَاق الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمَنْع وَالْهَتْك لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَة التَّصْوِير , بَلْ لِكَرَاهَةِ كِسْوَة الْجِدَار , قُلْت : التَّصْوِير وَكِسْوَة الْجِدَار كِلَاهُمَا أَمْرَانِ مُنْكَرَانِ أَنْكَرَ عَلَيْهِمَا رَسُول اللَّه > , وَاَللَّه أَعْلَم . عون المعبود - (ج 9 / ص 191)
(3) د ) 4153 , ( م ) 2106
(4) قَوْله : ( جُلْجُل وَلَا جَرَس ) يَدُلّ عَلَى أَنَّ بَيْنهمَا فَرْقًا , وَبَعْضهمْ فَسَّرَ أَحَدهمَا بِالْآخَرِ .شرح سنن النسائي(ج 7 / ص 29)
(5) س ) 5222(1/221)
بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ عَائِشَةَ ك إِذْ دُخِلَ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ(1)وَعَلَيْهَا جَلَاجِلُ(2)يُصَوِّتْنَ(3)فَقَالَتْ : لَا تُدْخِلْنَهَا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلَاجِلَهَا ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ(4)"(5)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْتَقِع
( طس ) , عَنْ عَبْدَ اللَّه بْنَ يَزِيدَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : بِنْت . عون المعبود - (ج 9 / ص 276)
(2) جَمْع جُلْجُل بِمَعْنَى الْجَرَس , قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْجُلْجُل كُلّ شَيْء عُلِّقَ فِي عُنُق دَابَّة أَوْ رِجْل صَبِيّ يُصَوِّت . عون المعبود - (ج 9 / ص 276)
(3) أَيْ : يَتَحَرَّكْنَ وَيَحْصُل مِنْ تَحَرُّكهنَّ أَصْوَات لَهُنَّ . عون المعبود - (ج 9 / ص 276)
(4) قَالَ الْعَلْقَمِيّ : وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُعَلَّق فِي أَرْجُل النِّسَاء وَآذَانهنَّ وَالْبَنَات وَالصِّبْيَان .عون المعبود - (ج 9 / ص 276)
(5) د ) 4231 , ( حم ) 26094 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3120(1/222)
" لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتِ فِي الْبَيْتِ ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْتَقِعٌ "(1)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَصْحَبُونَ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ وَلَا جِلْدُ نَمِرٍ
( م د ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً(2)فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ(3))(4)( أَوْ جِلْدُ نَمِرٍ )(5)"
( س ) , وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْخٍ قَالَ :
__________
(1) أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( ص 34 - مجمع البحرين نسخة الحرم المكي ) , انظر الصَّحِيحَة : 2516 , وقال الألباني : والتوفيق بينه وبين حديث أميمة بنت رقيقة قالت : " كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل " , وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 19 ) , التوفيق بأن يحمل حديث الترجمة على أن المراد بانتقاعه طول مكثه ، فلا يعارض حديث أميمة ، لأن ما يجعل في الإناء لَا يطول مُكْثُه غالبا , والله أعلم , وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : " لَا تبول في طست في بيت تصلي فيه ، ولا تبول في مغتسلك " وإسناده صحيح . أ . هـ
(2) الرُّفْقَة ) : جَمَاعَة تُرَافِقهُمْ فِي سَفَرك . عون المعبود - (ج 9 / ص 165)
(3) سَبَب مُنَافَرَة الْمَلَائِكَة لِلْجَرَس أَنَّهُ شَبِيه بِالنَّوَاقِيسِ ، أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَالِيق الْمَنْهِيّ عَنْهَا ، وَقِيلَ : سَبَبه كَرَاهَة صَوْتهَا ، وَتُؤَيِّدهُ رِوَايَة ( مَزَامِير الشَّيْطَان ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَة الْجَرَس عَلَى الْإِطْلَاق هُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَآخَرِينَ , وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 224)
(4) م ) 2113 , ( ت ) 1703
(5) د ) 4130(1/223)
كُنْتُ جَالِسًا مَعَ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَمَرَّ بِنَا رَكْبٌ لِأُمِّ الْبَنِينَ مَعَهُمْ أَجْرَاسٌ , فَحَدَّثَ سَالِمٌ نَافِعًا عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً مَعَهُمْ جُلْجُلٌ " , قَالَ : فَكَمْ تَرَى مَعَ هَؤُلَاءٍ مِنَ الْجُلْجُلِ ؟ .(1)
الْمَلَائِكَةُ لَا يَقْرَبُونَ الْجُنُب
( د ) , عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) س ) 5219 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3117 ، الصَّحِيحَة : 1873(1/224)
قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي لَيْلًا وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَدَايَ(1)فَخَلَّقُونِي(2)بِزَعْفَرَانٍ(3)فَغَدَوْتُ(4)عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , " فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَلَمْ يُرَحِّبْ بِي وَقَالَ : اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ " , فَذَهَبْتُ فَغَسَلْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْهُ رَدْعٌ(5)فَسَلَّمْتُ , " فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَلَمْ يُرَحِّبْ بِي , وَقَالَ : اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ " , فَذَهَبْتُ فَغَسَلْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , " فَرَدَّ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي وَقَالَ : )(6)( ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ(7)جِيفَةُ الْكَافِرِ(8) وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ(9)
__________
(1) أَيْ : مِنْ إِصَابَة الرِّيَاح وَاسْتِعْمَال الْمَاء كَمَا يَكُون فِي الشِّتَاء . عون المعبود - (ج 9 / ص 215)
(2) التَّخَلُّق : التطيب بالعطور والروائح الزكية كالخَلوق , وهو طِيبٌ معروف مُرَكب يُتَّخذ من الزَّعْفَرَان وغيره من أنْواع الطّيب ، وتَغْلِب عليه الْحُمرة والصُّفْرة , فَقَوْله ( خَلَّقُونِي ) أَيْ : جَعَلُوا الْخَلُوق فِي شُقُوق يَدِي لِلْمُدَاوَاةِ .عون المعبود - (ج 9 / ص 215)
(3) الزعفران : نوع من الطيب يستخدم أيضا في الصباغة .
(4) الغُدُو : السير أول النهار .
(5) الرَّدع : بَقِيَّة لَوْن الزَّعْفَرَان وغيره في الثياب والجسد .عون المعبود - (ج 9 / ص 215)
(6) د ) 4176
(7) أَيْ : النَّازِلُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَة عَلَى بَنِي آدَم , لَا الْكَتَبَة فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْمُكَلَّفِينَ . عون المعبود(ج9ص 218)
(8) أَيْ : جَسَد مَنْ مَاتَ كَافِرًا . عون المعبود - (ج 9 / ص 218)
(9) أَيْ : الْمُتَلَطِّخ بِهِ ..عون المعبود - (ج 9 / ص 218) , وقال الألباني في آداب الزفاف ص42 : أي : المنكر التلطُّخ بـ " الخَلوق " , قال ابن الأثير : وهو طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب , وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء .(1/225)
وَالْجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ(1))(2)"(3)
قُدْرَةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى التَّشَكُّل
قَالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا , فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا }(4)
( خ م ) , وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ك قَالَتْ :
__________
(1) قال الألباني في الصَّحِيحَة : 652: ولعل المراد به هنا الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة ، فيكون أكثر أوقاته جنبا , وهذا يدل على قِلة دينه وخبث باطنه كما قال ابن الأثير , وإلا فإنه قد صَحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء , كما حقتته في " صحيح أبي داود " ( 223 ) . أ . هـ
(2) د ) 4180
(3) صَحِيح الْجَامِع : 3060 , الصَّحِيحَة : 1804
(4) مريم/16، 17](1/226)
سَأَلَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ - رضي الله عنه - (1)رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ , وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ(2)فَيَفْصِمُ عَنِّي(3)وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ(4)وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا(5)
__________
(1) هُوَ الْمَخْزُومِيّ ، أَخُو أَبِي جَهْل شَقِيقه ، أَسْلَمَ يَوْم الْفَتْح ، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاء الصَّحَابَة ، وَاسْتُشْهِدَ فِي فُتُوح الشَّام . ( فتح ) - (ج 1 / ص 3)
(2) قَوْله : ( وَهُوَ أَشَدّه عَلَيَّ ) يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ الْوَحْي كُلَّه شَدِيد ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَة أَشَدّهَا ، وَهُوَ وَاضِح ؛ لِأَنَّ الْفَهْم مِنْ كَلَامٍ مِثْلَ الصَّلْصَلَة أَشْكَلُ مِنْ الْفَهْم مِنْ كَلَام الرَّجُل بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُود . الْفَتْحِ ( ح2 ) .
(3) أَيْ : يُقْلِع وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي ، وَأَصْل الْفَصْم الْقَطْع ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( لَا اِنْفِصَام لَهَا ) . الْفَتْحِ ( ح2 )
(4) أَيْ : وَقَدْ وَعَيْت الْقَوْل الَّذِي جَاءَ بِهِ . الْفَتْحِ ( ح2 )
(5) أَيْ : يَتَصَوَّر لِيَ الْمَلَك رَجُلًا , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَلَك يَتَشَكَّل بِشَكْلِ الْبَشَر ..الْفَتْحِ ( ح2 )(1/227)
فَيُكَلِّمُنِي ، فَأَعِي مَا يَقُولُ , قَالَتْ عَائِشَةُ ك : وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ , فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ(1)عَرَقًا "(2)
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) مَأْخُوذ مِنْ الْفَصْد وَهُوَ قَطْع الْعِرْق لِإِسَالَةِ الدَّم ، شُبِّهَ جَبِينُه بِالْعِرْقِ الْمَفْصُود مُبَالَغَة فِي كَثْرَة الْعَرَق , وَفِي قَوْلهَا " فِي الْيَوْم الشَّدِيد الْبَرْد " دِلَالَة عَلَى كَثْرَة مُعَانَاة التَّعَب وَالْكَرْب عِنْد نُزُول الْوَحْي ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَة الْعَادَة ، وَهُوَ كَثْرَة الْعَرَق فِي شِدَّة الْبَرْد ، فَإِنَّهُ يُشْعِر بِوُجُودِ أَمْر طَارِئ زَائِد عَلَى الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة .الْفَتْحِ ( ح2 )
(2) خ ) 2 , ( م ) 2333(1/228)
" ( إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ : أَبْرَصَ(1)وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ(2)فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا ، فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ ، قَالَ : لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ , وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي(3)النَّاسُ ، فَمَسَحَهُ(4)فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا ، قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ ، قَالَ : الْإِبِلُ , فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ(5)فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ , قَالَ : شَعَرٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ ، فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا ، قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ ، قَالَ : الْبَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا , فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ ،
__________
(1) البَرَص : بياضٌ يصيب الجِلْد .
(2) الابتلاء : الاختبار والامتحان بالخير أو الشر .
(3) أَيْ : اِشْمَأَزُّوا مِنْ رُؤْيَتِي . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(4) أَيْ : مَسَحَ عَلَى جِسْمه .
(5) الْعُشَرَاء : هِيَ الْحَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي حَمْلهَا عَشْرَة أَشْهُر مِنْ يَوْم طَرَقَهَا الْفَحْل .( فتح الباري) (ج10ص265)(1/229)
قَالَ : أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ ، فَمَسَحَهُ(1)فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ ، قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ ، قَالَ : الْغَنَمُ ، فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا(2)فَأَنْتَجَ هَذَانِ(3)وَوَلَّدَ هَذَا(4)فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ ، ثُمَّ إِنَّهُ(5)أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ(6)فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ , قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي(7)فلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ , أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ , بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ(8)
__________
(1) أَيْ : مَسَحَ عَلَى عَيْنَيْهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(2) أَيْ : ذَات وَلَد وَيُقَال حَامِل . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(3) أَيْ : صَاحِب الْإِبِل وَالْبَقَر .
(4) أَيْ : صَاحِب الشَّاة . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(5) أَيْ : المَلَك .
(6) أَيْ : فِي الصُّورَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لَمَّا اِجْتَمَعَ بِهِ وَهُوَ أَبْرَص , لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ .فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(7) أَيْ : تَقَطَّعَتْ بِه الْأَسْبَاب الَّتِي يَقْطَعُهَا فِي طَلَب الرِّزْق . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(8) أَيْ : أَتَوَصَّل بِهِ إِلَى مُرَادِي ..(1/230)
فِي سَفَرِي ، فَقَالَ : الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ , فَقَالَ لَهُ : كَأَنِّي أَعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ , فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ؟ ، فَقَالَ : إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ(1)فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ , وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ ، وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ , انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي ، فلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ , أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي ؟ ، فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي )(2)( وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي )(3)( فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ(4)فَقَالَ : أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ(5)وَقَدْ رَضِي اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ(6)
__________
(1) الكابر : العظيم الكبير بين الناس , والمراد أنه ورث عن آبائه عن أجداده .
(2) م ) 2964 , ( خ ) 3277
(3) خ ) 3277
(4) أَيْ : لَا أَشُقّ عَلَيْك فِي رَدّ شَيْء تَطْلُبهُ مِنِّي أَوْ تَأْخُذهُ . ( فتح الباري) - (ج 10 / ص 265)
(5) أَيْ : اُمْتُحِنْتُمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 265)
(6) أَي : غضب ..(1/231)
عَلَى صَاحِبَيْكَ(1))(2)"
( م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( خَرَجَ رَجُلٌ يَزُورُ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى )(3)( فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا(4)فَجَلَسَ عَلَى طَرِيقِهِ )(5)( فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ , قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، قَالَ : هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا(6)؟ , قَالَ : لَا )(7)( قَالَ : فَلِمَ تَأْتِيهِ ؟ )(8)( قَالَ : أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ - عز وجل - ، قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ )(9)"
( طس ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) ما ينطبق على المال ينطبق على من كان جاهلا لَا يعرف حتى كيف يصلي الصلاة الصحيحة ، ثم أكرمه الله بالعلم ، فهو بعد ذلك يتكبر على خلق الله ويَتَّهِمُهُم بالجهل والفُسوق ، ويرفض أن يعلمهم ما جهلوا من أمر دينهم ،
ويريد منهم أن يأتوا هم إليه ليتعلموا .ع
(2) م ) 2964 , ( خ ) 3277
(3) حم ) 7906 , ( م ) 2567
(4) أَيْ : أَقْعَدَهُ يَرْقُبهُ .
(5) حم ) 10252 , ( م ) 2567
(6) أَيْ : تَقُوم بِإِصْلَاحِهَا ، وَتَنْهَض إِلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ . ( النووي - ج 8 / ص 366)
(7) م ) 2567 , ( حم ) 7906
(8) حم ) 7906 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(9) م ) 2567 , 7906(1/232)
" عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَنْزِلِهِ سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّاخِلِ ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ دَخَلَ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَمِعْتُكَ تُكَلِّمُ غَيْرَكَ " , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ دَخَلْتُ الدَّاخِلَ اغْتِمَامًا بِكَلَامِ النَّاسِ مِمَّا بِي مِنَ الْحُمَّى فَدَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ بَعْدَكَ أَكْرَمَ مَجْلِسًا وَلَا أَحْسَنَ حَدِيثًا مِنْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ذَلِكَ جِبْرِيَلُ ، وَإِنَّ مِنْكُمْ لَرِجَالًا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ "(1)
( حم ) , وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ :
مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجِبْرِيلُ - عليه السلام - جَالِسٌ مَعَهُ فِي الْمَقَاعِدِ , فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَجَزْتُ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ , وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ "(2)
( حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) طس ) 2717 , ( طب ) 12321 , الصَّحِيحَة : 3135
(2) حم ) 23727 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .(1/233)
كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ وَهُوَ كَالْمُعْرِضِ عَنْ الْعَبَّاسِ , فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ , فَقَالَ لِي الْعَبَّاسُ : أَلَمْ تَرَ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي ؟ , فَقُلْتُ : إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ , فَقَالَ : أَوَكَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ؟ , قُلْتُ : نَعَمْ , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ ؟ , فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَكَ رَجُلًا تُنَاجِيهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ " , قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : " ذَاكَ جِبْرِيلُ , وَهُوَ الَّذِي شَغَلَنِي عَنْكَ "(1)
نُزُولُ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَة الْكَلْبِيّ
( خ م ) , وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ ك ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأُمِّ سَلَمَةَ : " مَنْ هَذَا ؟ " , قَالَتْ : هَذَا دِحْيَةُ(2)
__________
(1) حم ) 2848 , ( هق ) 13122 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(2) هُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ , كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَسْلَمَ قَدِيمًا ، وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ ، وَمَاتَ دِحْيَةُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ . فتح الباري لابن حجر - ( ح7)(1/234)
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : وَايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ , " حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ "(1)
( م ) , وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" رَأَيْتُ جِبْرِيلَ - عليه السلام - , فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ "(2)
( ش ) , وَعَنْ عَامِرٍ الشعبي قَالَ :
شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثةَ نَفَرٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَقَالَ : " دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ يُشْبِهُ جِبْرِيلَ ، وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ يُشْبِهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وَعَبْدُ الْعُزَّى يُشْبِهُ الدَّجَّالَ "(3)
بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ تَرَى الْمَلَائِكَة
قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ , فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ , إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ , إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(4)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا }(5)
( خ م د حم ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 3435 , ( م ) 2451
(2) م ) 167 , ( ت ) 3649
(3) ش ) 32325 , صَحِيح الْجَامِع : 3362 , والصحيحة : 1857
(4) الأنفال/48]
(5) الجن/8](1/235)
" ( إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ [ بِاللَّيْلِ ](1)فَاسْأَلُوا اللَّه مِنْ فَضْلِهِ [ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ ](2)فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا(3)وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ أَوْ نُبَاحَ الْكَلْبِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا )(4)وفي رواية(5): إِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ أَوْ نُبَاحَ الْكَلْبِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ "
ضَخَامَةُ أَحْجَامِهِم
قَالَ تَعَالَى : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ , وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ , لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ , لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ , عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }(6)
( د ) , عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 8749 , انظر الصَّحِيحَة : 3183 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(2) حم ) 8251 , انظر الصَّحِيحَة : 3183 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) كَانَ السَّبَب فِيهِ رَجَاء تَأْمِين الْمَلَائِكَة عَلَى دُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارهمْ لَهُ وَشَهَادَتهمْ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 86)
(4) خ ) 3127 , ( م ) 2729
(5) د ) 5103 , ( حم ) 14322 , انظر الصَّحِيحَة : 3184
(6) المدثر/26-30](1/236)
" أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ , مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ(1)مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ(2)"(3)
نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ فِي الْعِنَان
( خ م ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) العَاتِق : مَا بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ إِلَى أَصْل الْعُنُق . عون المعبود - (ج 10 / ص 244)
(2) أَيْ : مَسِيرَة سَبْع مِائَة عَام بِالْفَرَسِ الْجَوَاد , كَمَا فِي خَبَر آخَر , فَمَا ظَنّك بِطُولِهِ وَعِظَم جُثَّته .عون المعبود(ج10ص244)
(3) د ) 4727 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 854 , الصَّحِيحَة : 151(1/237)
سَأَلَ نَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ : " إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ(1)" , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا )(2)( أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ حَقًّا )(3)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ(4)- وَهُوَ السَّحَابُ(5)
__________
(1) أَيْ : لَيْسَ قَوْلهمْ بِشَيْءٍ يُعْتَمَد عَلَيْهِ ، وَالْعَرَب تَقُول لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْكِمهُ : مَا عَمِلَ شَيْئًا ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَرَافَعُونَ إِلَى الْكُهَّان فِي الْوَقَائِع وَالْأَحْكَام وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَقْوَالهمْ ، وَقَدْ اِنْقَطَعَتْ الْكِهَانَة بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّة ، لَكِنْ بَقِيَ فِي الْوُجُود مَنْ يَتَشَبَّه بِهِمْ ، وَثَبَتَ النَّهْي عَنْ إِتْيَانهمْ , فَلَا يَحِلّ إِتْيَانهمْ وَلَا تَصْدِيقهمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(2) خ ) 7122 , ( م ) 2228
(3) خ ) 5859 , ( م ) 2228
(4) العَنان بالفتح : السَّحاب , والواحِدة عَنَانة , والعِنان : سَيْر اللّجَام . النهاية في غريب الأثر - (ج 3 / ص 597)
(5) يُحْتَمَل أَنْ يُرِيد بِالسَّحَابِ السَّمَاء , كَمَا أَطْلَقَ السَّمَاء عَلَى السَّحَاب ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون عَلَى حَقِيقَته , وَأَنَّ بَعْض الْمَلَائِكَة إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَرْض تَسْمَع مِنْهُمْ الشَّيَاطِين ، أَوْ الْمُرَاد الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلَة بِإِنْزَالِ الْمَطَر ..فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)(1/238)
- فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )(1) وفي رواية : ( تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ(2)يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا(3)فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ(4)كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ(5))(6)( فَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةِ كَذْبَةٍ )(7)"
إجْتِمَاعُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ وَمَلَائِكَةِ اللَّيْل
( خ م حم ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 3038
(2) أَيْ : الْكَلِمَة الْمَسْمُوعَة الَّتِي تَقَع حَقًّا . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(3) أَيْ : يُرَدِّدهَا ، يُقَال : قَرْقَرَتْ الدَّجَاجَة , تُقَرْقِر قَرْقَرَةً , إِذَا رَدَّدَتْ صَوْتهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(4) أُطْلِقَ عَلَى الْكَاهِن وَلِيّ الْجِنِّيّ لِكَوْنِهِ يُوَالِيه أَوْ عَدَلَ عَنْ قَوْله الْكَاهِن إِلَى قَوْله وَلِيّه لِلتَّعْمِيمِ فِي الْكَاهِن وَغَيْره مِمَّنْ يُوَالِي الْجِنّ . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(5) أَيْ : أَنَّ الْجِنِّيّ يُلْقِي الْكَلِمَة إِلَى وَلِيّه بِصَوْتٍ خَفِيّ مُتَرَاجِع لَهُ زَمْزَمَة , فَلِذَلِكَ يَقَع كَلَام الْكُهَّان غَالِبًا عَلَى هَذَا النَّمَط ، وَفِي قِصَّة اِبْن صَيَّاد قَوْله " فِي قَطِيفَة لَهُ فِيهَا زَمْزَمَة " . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(6) خ ) 7122 , ( م ) 2228
(7) م ) 2228 , ( خ ) 5429(1/239)
" ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ(1)مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ(2)وَيَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ(3))(4)( فَيَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ )(5)( الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ )(6)( وَتَثْبُتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ )(7)( فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ - عز وجل - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ - : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ , فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )(8)( فَإِذَا عَرَجَتْ(9)مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ قَالَ لَهُمْ اللَّهُ - عز وجل - : )(10)(
__________
(1) أَيْ : تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ ، ثُمَّ تَعُودُ الْأُولَى عَقِبَ الثَّانِيَةِ , قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَأْتِيَ هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا . ( فتح ) - (ج 2 / ص 330)
(2) هُمْ الْحَفَظَة , نَقَلَهُ عِيَاض وَغَيْره عَنْ الْجُمْهُور . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 330)
(3) الْأَظْهَر أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمْ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة ، وَالْحِكْمَة فِي اِجْتِمَاعهمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامه لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اِجْتِمَاع مَلَائِكَته فِي حَال طَاعَة عِبَاده , لِتَكُونَ شَهَادَتهمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 330)
(4) خ ) 530 , ( م ) 632
(5) حم ) 9140 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) خ ) 530 , ( م ) 632
(7) حم ) 9140
(8) خ ) 530 , ( م ) 632
(9) أَيْ : صعدت إلى السماء .
(10) حم ) 8519 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/240)
كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ , فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )(1)( ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }(2))(3)"
( حب ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
" أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي " ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ وَأَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ " فَلَمَّا أَفَاقَ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَا ، بَلْ أَسْأَلُ اللَّهَ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ، مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وإِسْرَافِيلَ "(4)
جِبْرِيلُ - عليه السلام -
صِفَةُ جِبْرِيل
( حم ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ك قَالَ :
" أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ , فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا "(5)
( حم ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
" إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا(6)"(7)
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 530 , ( م ) 632
(2) الإسراء/78]
(3) خ ) 621 , ( م ) 649
(4) حب ) 6591 , ( ن ) 10936 , انظر الصَّحِيحَة تحت حديث : 3104 ، صحيح موارد الظمآن : 1805
(5) حم ) 6643 , صححه الألباني في صحيح السيرة ص109
(6) الجِران : باطن العُنق ، ( فتضرب بجرانها ) أَيْ أن البعير إذا برَك واسْتَراح مدّ عُنُقَه على الأرض .
(7) حم ) 24912 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح وهذا سند حسن .(1/241)
إِنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ ، أَمَّا مَرَّةٌ فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ فِي صُورَتِهِ ، فَأَرَاهُ صُورَتَهُ فَسَدَّ الْأُفُقَ ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّهُ صَعِدَ مَعَهُ حِينَ صَعِدَ بِهِ " ، وَقَوْلُهُ : { وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى , ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى , فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى , فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }(1)قَالَ : فَلَمَّا أَحَسَّ جِبْرِيلُ رَبَّهُ عَادَ فِي صُورَتِهِ وَسَجَدَ ، فَقَوْلُهُ : { وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى , عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى , عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى , إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى , مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى , لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }(2)قَالَ : رَأَى خَلْقَ جِبْرِيلَ - عليه السلام - .(3)
(
__________
(1) النجم/7-10]
(2) النجم/13-18]
(3) حم ) 3864 , و( طب ) 10547 , وحسنه الألباني في كتاب : الإسراء والمعراج ص103(1/242)
خ م ت حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى , فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى , مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }(1)( قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( رَأَى جِبْرِيلَ - عليه السلام - فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ(3))(4)( أَخْضَرٍ )(5)( مُعَلَّقٌ بِهِ الدُّرُّ )(6)( قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )(7)( وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ )(8)( يُنْثَرُ مِنْ رِيشِهِ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ )(9)( فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (10)سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى(11))(12)( - وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ(13)
__________
(1) النجم/9-11]
(2) م ) 173
(3) قَوْلُهُ : ( فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ ) أَيْ : دِيبَاجٍ رَقِيقٍ حَسُنَتْ صَنْعَتُهُ , جَمْعُهُ رَفَارِفَ . تحفة الأحوذي
(4) ت ) 3283
(5) خ ) 3061 , ( حم ) 3863
(6) حم ) 3863 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) ت ) 3283 , ( حم ) 3740
(8) خ ) 4576 , ( م ) 174
(9) هق في دلائل النبوة ) 668 , انظر الصحيحة تحت حديث : 3485 , ( حم ) 4396 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(10) أَيْ : لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 134)
(11) السِّدْرُ : شَجَرُ النَّبْقِ , وَسِدْرَةُ الْمُنْتَهَى : شَجَرَةٌ فِي أَقْصَى الْجَنَّةِ , إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَا يَتَعَدَّاهَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 134)
(12) ت ) 3276
(13) قال الألباني في كتاب الإسراء والمعراج ص89 : ظاهره يخالف حديث أنس : " ثم عرج بنا إلى السماء السابعة . . . ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى
" فإنه يدل على أن السدرة في السماء السابعة , وهو الذي رجحه القرطبي , وجمع الحافظ بين الحديثين بتأويل أن أصلها في السماء السادسة منها إلا أصل ساقها , قلت : ويؤيد هذا الجمع رواية ابن جرير ( 27 / 55 ) عن قتادة مرسلا : " رفعت لي سدرة منتهاها في السماء السابعة " وسنده صحيح . أ . هـ(1/243)
إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ(1)فَيُقْبَضُ مِنْهَا , وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا(2)فَيُقْبَضُ مِنْهَا - قَالَ : { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى }(3)قَالَ : فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ , فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثًا )(4)( لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيٌّ كَانَ قَبْلَهُ )(5)( أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ , وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ(6)
__________
(1) أَيْ : مَا يَصْعَدُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْأَرْوَاحِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 134)
(2) أَيْ : مِنْ الْوَحْيِ وَالْأَحْكَامِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 134)
(3) النجم/16]
(4) م ) 173
(5) ت ) 3276
(6) أَيْ : مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { آمَنَ الرَّسُولُ } إِلَى آخِرِ السُّورَةِ , قِيلَ : مَعْنَى قَوْلُهُ ( أُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ) أَيْ : أُعْطِيَ إِجَابَةَ دَعَوَاتِهَا ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 134)(1/244)
)(1)( وَغُفِرَ لِأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ(2)مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا )(3)"
( خ م حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
(
__________
(1) م ) 173
(2) المُقْحِمات : الذُّنُوبُ الْعِظَامُ الْكَبَائِرُ الَّتِي تُهْلِكُ أَصْحَابَهَا وَتُورِدُهُمْ النَّارَ وَتُقْحِمُهُمْ إِيَّاهَا , وَتُقْحِمُ الْوُقُوعَ فِي الْمَهَالِكِ , وَمَعْنَى الْكَلَامِ : مَنْ مَاتَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاَللَّهِ غُفِرَ لَهُ الْمُقْحِمَاتُ , وَالْمُرَادُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - بِغُفْرَانِهَا أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ , بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ , وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَصْلًا , فَقَدْ تَقَرَّرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا خُصُوصًا مِنْ الْأُمَّةِ أَنْ يُغْفَرَ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ الْمُقْحِمَاتُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 134)
(3) ت ) 3276 , ( م ) 173(1/245)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ(1): )(2)( جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا , فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي(3)فَنُودِيتُ )(4)( فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ , فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي )(5)( فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ(6)قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ عَلَى عَرْشٍ(7)بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )(8)( فَلَمَّا رَأَيْتُهُ )(9)( أَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ )(10)( حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ )(11)( فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ : دَثِّرُونِي زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي(12)وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا(13)
__________
(1) فَتْرَةِ الْوَحْيِ ) أَيْ : اِحْتِبَاسِ الْوَحْيِ عَنْ النُّزُولِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(2) م ) 161 , ( خ ) 4641
(3) أَيْ : صِرْت فِي بَاطِنه . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 289)
(4) م ) 161 , ( خ ) 4638
(5) م ) 161
(6) هُوَ جَبْرَائِيلُ , حِين أَتَاهُ بِقَوْلِهِ : { اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ } ثُمَّ إِنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ هَذَا فَتْرَةٌ , ثُمَّ نَزَلَ الْمَلَكُ بَعْدَ هَذَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(7) م ) 161
(8) خ ) 3066
(9) حم ) 15075
(10) م ) 161
(11) خ ) 3066
(12) خ ) 4641 , و( زَمِّلُونِي ) أَيْ : لُفُّونِي ، يُقَالُ : زَمَّلَهُ فِي ثَوْبِهِ إِذَا لَفَّهُ فِيهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(13) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْفَزِع الْمَاءُ لِيَسْكُنَ فَزَعه ..شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 289)(1/246)
قَالَ : فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا )(1)( وَأُنْزِلَ عَلَيَّ : { يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(2)قُمْ فَأَنْذِرْ(3)وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(4)وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(5)وَالرُّجْزَ(6)فَاهْجُرْ } )(7)( قَالَ : ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ(8)
__________
(1) خ ) 4638 , ( م ) 161
(2) أَيْ : أَيُّهَا النَّبِيُّ الْمُتَدَثِّرُ , وأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الدَّالِ , أَيْ : الْمُتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُدَّثِّرًا لِقَوْلِهِ > : " دَثَّرُونِي" . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(3) أَيْ: حَذِّرْ مِنَ الْعَذَابِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ . فتح الباري لابن حجر - ( ح4)
(4) أَيْ : عَظِّمْ رَبَّك عَمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(5) وَثِيَابك فَطَهِّرْ ) أَيْ : مِنَ النَّجَاسَةِ ، وَقِيلَ : الثِّيَابُ النَّفْسُ، وَتَطْهِيرُهَا اجْتِنَابُ النَّقَائِصِ .فتح الباري ( ح4)
(6) الرُّجْز هُنَا الْأَوْثَان ، أَيْ : اُتْرُكْ الْأَوْثَانَ وَلَا تَقْرَبْهَا , وَالْمَعْنَى اُتْرُكْ كُلَّ مَا أَوْجَبَ لَك الْعَذَابَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ , وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(7) خ ) 4640 , ( م ) 161
(8) أَيْ : اِسْتَمَرَّ نُزُوله ..فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 130)(1/247)
وَتَتَابَعَ(1))(2)"
تَكْلِيمُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِجِبْرِيل
( م ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ :
__________
(1) قال النووي : قَوْل " إِنَّ أَوَّل مَا أُنْزِلَ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } " ضَعِيف بَلْ بَاطِل , وَالصَّوَاب أَنَّ أَوَّل مَا أَنْزَلَ عَلَى الْإِطْلَاق { اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك } كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها , وَأَمَّا { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } فَكَانَ نُزُولهَا بَعْد فَتْرَة الْوَحْي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ جَابِر , وَالدَّلَالَة صَرِيحَة فِيهِ فِي مَوَاضِع , مِنْهَا قَوْله : ( وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي إِلَى أَنْ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } , وَمِنْهَا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - :
" فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ " , ثُمَّ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } , وَمِنْهَا قَوْله : " ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْي " يَعْنِي بَعْد فَتْرَته , فَالصَّوَاب أَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ { اِقْرَأْ } وَأَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ بَعْد فَتْرَة الْوَحْي { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } , وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : أَوَّل مَا نَزَلَ الْفَاتِحَة فَبُطْلَانه أَظْهَر مِنْ أَنْ يُذْكَر , وَاَللَّه أَعْلَم .شرح النووي(ج1ص289)
(2) خ ) 4642 , ( م ) 161(1/248)
" تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَ اللَّهِ - عز وجل - فِي إِبْرَاهِيمَ : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(1)وَقَوَلَ عِيسَى - عليه السلام - : { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ , وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(2)فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي , أُمَّتِي , وَبَكَى , فَقَالَ اللَّهُ - عز وجل - : يَا جِبْرِيلُ , اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ , فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَسَأَلَهُ , فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ , فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ , اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ(3)
__________
(1) إبراهيم/36]
(2) المائدة/118]
(3) هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى أَنْوَاع مِنْ الْفَوَائِد مِنْهَا : بَيَان كَمَال شَفَقَة النَّبِيّ > عَلَى أُمَّته وَاعْتِنَائِهِ بِمَصَالِحِهِمْ ، وَاهْتِمَامه بِأَمْرِهِمْ ، وَمِنْهَا : اِسْتِحْبَاب رَفْع الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاء ، وَمِنْهَا : الْبِشَارَة الْعَظِيمَة لِهَذِهِ الْأُمَّة - زَادَهَا اللَّه تَعَالَى شَرَفًا - بِمَا وَعَدَهَا اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : ( سَنُرْضِيك فِي أُمَّتك وَلَا نَسُوءك ) , وَهَذَا مِنْ أَرْجَى الْأَحَادِيث لِهَذِهِ الْأُمَّة أَوْ أَرْجَاهَا ، وَمِنْهَا : بَيَان عِظَم مَنْزِلَة النَّبِيّ > عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَعَظِيم لُطْفه سُبْحَانه بِهِ > ، وَالْحِكْمَة فِي إِرْسَال جِبْرِيل لِسُؤَالِهِ > إِظْهَار شَرَف النَّبِيّ > ، وَأَنَّهُ بِالْمَحِلِّ الْأَعْلَى , فَيُسْتَرْضَى وَيُكْرَم بِمَا يُرْضِيه وَاَللَّه أَعْلَم , وَهَذَا الْحَدِيث مُوَافِق لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى } , وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : ( وَلَا نَسُوءك ) ، فَقَالَ صَاحِب ( التَّحْرِير ) : هُوَ تَأْكِيد لِلْمَعْنَى , أَيْ : لَا نُحْزِنك ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاء قَدْ يَحْصُل فِي حَقّ الْبَعْض بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ , وَيَدْخُل الْبَاقِي النَّار , فَقَالَ تَعَالَى : نُرْضِيك وَلَا نُدْخِل عَلَيْك حُزْنًا بَلْ نُنَجِّي الْجَمِيع . وَاللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 348)(1/249)
"(1)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ :
( كُنَّا بِعَرَفَةَ ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ(2)فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لِأَبِي : يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ ، قُلْتُ : لِمَا لَهُ مِنْ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ، إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ , ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ , فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ )(3)( ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ )(4)( الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ )(5)( فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا(6)
__________
(1) م ) 202
(2) أَيْ : أَمِير الْحَجِيج .شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 480)
(3) م ) 2637 , ( خ ) 3037
(4) خ ) 3037 , ( م ) 2637
(5) ت ) 3161 , وصححه الألباني في ( الضعيفة ) تحت حديث : 2208
(6) قَالَ اِبْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْرِسُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ - وَهِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي تُرْضِي اللَّهَ لِمُتَابَعَتِهَا الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ - يَغْرِسُ لَهُمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَحَبَّةً وَمَوَدَّةً , وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 492)(1/250)
}(1))(2)( وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُونَهُ , ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ )(3)( فَيُبْغَضُ )(4)"
لِقَاءُ جِبْرِيلَ فِي بَدْءِ الْوَحْي
( خ م ت ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
" ( كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْوَحْيِ : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ(5)
__________
(1) مريم/96]
(2) ت ) 3161
(3) م ) 2637 , ( ت ) 3161
(4) حم ) 10623 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) الْمُرَادُ بِفَلَقِ الصُّبْحِ ضِيَاؤُهُ , وَعَبَّرَ بِهِ لِأَنَّ شَمْسَ النُّبُوَّةِ قَدْ كَانَتْ مَبَادِئُ أَنْوَارِهَا الرُّؤْيَا , إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ أَشِعَّتُهَا وَتَمَّ نُورُهَا . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 40)
وروى ( أبو نعيم في الدلائل ) عن علقمة بن قيس قال : إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم , ثم ينزل الوحي بعد . صححه الألباني في صحيح السيرة ص87(1/251)
)(1)( فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ , ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلْوَةُ , فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ(2))(3)( فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ(4)فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ )(5)( فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا(6)حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ(7))(8)( وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : إقْرَأْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا أَنَا بِقَارِئٍ(9)" , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي(10)حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ(11)
__________
(1) م ) 160 , ( خ ) 4671
(2) السِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْخَلْوَةَ فَرَاغُ الْقَلْبِ لِمَا يَتَوَجَّهُ لَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 40)
(3) ت ) 3632 , ( خ ) 4671
(4) هِيَ بِمَعْنَى يَتَحَنَّفُ ، أَيْ: يَتَّبِعُ الْحَنِفِيَّةَ وَهِيَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ ، وَالْفَاءُ تُبْدَلُ ثَاءً فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ " يَتَحَنَّفُ " ( فتح – ح3)
(5) خ ) 4671 , ( م ) 160
(6) أَيْ : اللَّيَالِي , وَالتَّزَوُّد اِسْتِصْحَاب الزَّاد . ( فتح – ح3)
(7) أَيْ : الْأَمْر الْحَقّ ، وَسُمِّيَ حَقًّا لِأَنَّهُ وَحْي مِنْ اللَّه تَعَالَى . ( فتح – ح3)
(8) خ )3 , ( م ) 160
(9) أَيْ : مَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ .( فتح – ح3)
(10) أَيْ : ضَمَّنِي وَعَصَرَنِي ، وَالْغَطُّ : حَبْسُ النَّفَسِ ، وَمِنْهُ غَطَّهُ فِي الْمَاءِ . ( فتح – ح3)
(11) أَيْ : بَلَغَ الْغَطُّ مِنِّي غَايَةَ وُسْعِي .(.فتح – ح3)(1/252)
ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : إقْرَأْ ، قُلْتُ : " مَا أَنَا بِقَارِئٍ " ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : إقْرَأْ , قُلْتُ : " مَا أَنَا بِقَارِئٍ " ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : { إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ , الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }(1))(2)
حُبُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِقَاءَ جِبْرِيل
( خ ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) سورة العلق آية : 1-5 .
(2) خ ) 4671 , ( م ) 160(1/253)
وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً , حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)( حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ , فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا , فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ , فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ(2)
__________
(1) خ ) 4671 , ( حم ) 26001
(2) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : مَوَّهَ بَعْض الطَّاعِنِينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ : كَيْف يَجُوز لِلنَّبِيِّ أَنْ يُوفِيَ بِذِرْوَةِ جَبَل لِيُلْقِيَ مِنْهَا نَفْسه ؟ , قَالَ : وَالْجَوَاب أَنَّ إِلْقَاء نَفْسه مِنْ رُءُوس الْجِبَال بَعْدَمَا نُبِّئَ , فَلِضَعْفِ قُوَّته عَنْ تَحَمُّل مَا حَمَلَهُ مِنْ أَعْبَاء النُّبُوَّة ، وَخَوْفًا مِمَّا يَحْصُل لَهُ مِنْ الْقِيَام بِهَا مِنْ مُبَايَنَة الْخَلْق جَمِيعًا ، كَمَا يَطْلُب الرَّجُل الرَّاحَة مِنْ غَمٍّ يَنَالهُ فِي الْعَاجِل بِمَا يَكُون فِيهِ زَوَاله عَنْهُ وَلَوْ أَفْضَى إِلَى إِهْلَاك نَفْسه عَاجِلًا ، حَتَّى إِذَا تَفَكَّرَ فِيمَا فِيهِ صَبْرُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُقْبَى الْمَحْمُودَةِ صَبَرَ وَاسْتَقَرَّتْ نَفْسه , قُلْت : أَمَّا الْإِرَادَة الْمَذْكُورَة فِي الزِّيَادَة الْأُولَى فَفِي صَرِيح الْخَبَر أَنَّهَا كَانَتْ حُزْنًا عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْأَمْر الَّذِي بَشَّرَهُ بِهِ وَرَقَةُ , وَأَمَّا الْإِرَادَة الثَّانِيَة بَعْد أَنْ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيل وَقَالَ لَهُ إِنَّك رَسُول اللَّه حَقًّا فَيَحْتَمِل مَا قَالَهُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْله ، وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَوَقَعَ قَبْل ذَلِكَ فِي اِبْتِدَاء مَجِيء جِبْرِيل .فتح الباري(ج 19 / ص 449)(1/254)
)(1)"
تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاة
( ت س د حم ) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( أَمَّنِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - عِنْدَ الْبَيْتِ(2)مَرَّتَيْنِ(3)فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا )(4)( حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ(5)
__________
(1) خ ) 6581 , ( حم ) 26001
(2) أَيْ : الْكَعْبَة . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)
(3) أَيْ : فِي يَوْمَيْنِ لِيُعَرِّفنِي كَيْفِيَّة الصَّلَاة وَأَوْقَاتهَا . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)
(4) ت ) 149 , ( د ) 393 , وقال الألباني : حسن صحيح , انظر المشكاة ( 583 ) ، والإرواء ( 249 ) ، وصحيح أبي داود ( 416 )
(5) أَيْ : الشَّمْس , وَالْمُرَاد مِنْهَا الْفَيْء , أَيْ : الظِّلّ الرَّاجِع مِنْ النُّقْصَان إِلَى الزِّيَادَة , وَهُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِثْلُ شِرَاك النَّعْل ..عون المعبود - (ج 1 / ص 438)(1/255)
قَدْرَ الشِّرَاكِ(1))(2)( ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ , ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ )(3)( غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ )(4)( ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ(5)
__________
(1) قَالَ اِبْنُ الْأَثِيرِ : قَدْرُهُ هَاهُنَا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ , وَلَكِنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا يَبِينُ إِلَّا بِأَقَلِّ مَا يُرَى مِنْ الظِّلِّ , وَكَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ هَذَا الْقَدْرُ , وَالظِّلُّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ , وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَكَّةَ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الظِّلُّ , فَإِذَا كَانَ طُولُ النَّهَارِ وَاسْتَوَتْ الشَّمْسُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ , لَمْ يُرَ بِشَيْءٍ مِنْ جَوَانِبِهَا ظَلَّ , فَكُلُّ بَلَدٍ يَكُون أَقْرَبَ إِلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَمُعَدَّلِ النَّهَارِ يَكُونُ الظِّلُّ فِيهِ أُقْصَرَ , وَكَلَّمَا بَعُدَ عَنْهُمَا إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ يَكُونُ الظِّلُّ أَطْوَلَ , والشِّرَاكُ : سَيْرُ النَّعْلِ الذي يمسك بالنعل عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ . تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 178)
(2) د ) 393 , ( حم ) 3081
(3) ت ) 149 , ( د ) 393
(4) س ) 502 , ( ت ) 149
(5) أَيْ : الْأَحْمَر عَلَى الْأَشْهَر , قَالَ اِبْن الْأَثِير : الشَّفَق مِنْ الْأَضْدَاد , يَقَع عَلَى الْحُمْرَة الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِب بَعْد مَغِيب الشَّمْس , وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيّ ، وَعَلَى الْبَيَاض الْبَاقِي فِي الْأُفُق الْغَرْبِيّ بَعْد الْحُمْرَة الْمَذْكُورَة , وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَة ..عون المعبود - (ج 1 / ص 438)(1/256)
ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ سَطَعَ الْفَجْرُ حِينَ أَسْفَرَ قَلِيلًا(1)وَحَرُمَ الطَّعَامُ [ وَالشَّرَابُ ](2)عَلَى الصَّائِمِ (3))(4)( فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ )(5)( الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ(6)حِينَ كَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ مِثْلَ شَخْصِهِ(7)لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ(8)ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ , حِينَ كَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ مِثْلَ شَخْصَيْهِ(9)ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ , ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ(10)ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ )(11)( الْأَوَّلِ )(12)(
__________
(1) س ) 502
(2) د ) 393 , ( حم ) 3081
(3) يَعْنِي أَوَّل طُلُوع الْفَجْر الثَّانِي , لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ } . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)
(4) ت ) 149 , ( د ) 393
(5) د ) 393
(6) أَيْ : قَرِيبًا مِنْهُ , أَيْ : مِنْ غَيْر الْفَيْء . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)
(7) س ) 513
(8) أَيْ : فَرَغَ مِنْ الظُّهْر حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْر فِي الْيَوْم الْأَوَّل حِينَئِذٍ , قَالَ الشَّافِعِيّ : وَبِهِ يَنْدَفِع اِشْتِرَاكهمَا فِي وَقْت وَاحِد عَلَى مَا زَعَمَهُ جَمَاعَة ، وَيَدُلّ لَهُ خَبَر مُسْلِم " وَقْت الظُّهْر مَا لَمْ يَحْضُر الْعَصْر " . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)
(9) س ) 513
(10) س ) 502
(11) ت ) 149 , ( د ) 393
(12) حم ) 3081 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(1/257)
ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ(1)ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ جِدًّا(2)ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ , وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ(3)
__________
(1) أَيْ : أَضَاءَت , أَوْ دَخَلَتْ فِي وَقْت الْإِسْفَار . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)
(2) س ) 526
(3) فَيَجُوز الصَّلَاة فِي أَوَّله وَوَسَطه وَآخِره , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اِعْتَمَدَ الشَّافِعِيّ هَذَا الْحَدِيث وَعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي بَيَان مَوَاقِيت الصَّلَاة ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْقَوْل بِظَاهِرِهِ ، فَقَالَتْ بِهِ طَائِفَة ، وَعَدَلَ آخَرُونَ عَنْ الْقَوْل بِبَعْضِ مَا فِيهِ إِلَى حَدِيث آخَر , فَمِمَّنْ قَالَ بِظَاهِرِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِتَوْقِيتِ أَوَّل صَلَاة الظُّهْر وَآخِرهَا : مَالِك وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : آخِرُ وَقْت الظُّهْر إِذَا صَارَ الظِّلّ قَامَتَيْنِ , وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ : آخِر وَقْت الظُّهْر أَوَّل وَقْت الْعَصْر ، وَاحْتَجَّ بِمَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر مِنْ الْيَوْم الثَّانِي فِي الْوَقْت الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْر مِنْ الْيَوْم الْأَوَّل ، وَقَدْ نُسِبَ هَذَا الْقَوْل إِلَى مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيِّ , وَإِلَى مَالِك اِبْن أَنَس أَيْضًا , وَقَالَ : لَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّيَا أَحَدهمَا الظُّهْر وَالْآخَر الْعَصْر فِي وَقْت وَاحِد صَحَّتْ صَلَاة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا أَرَادَ فَرَاغه مِنْ صَلَاة الظُّهْر فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي الْوَقْت الَّذِي اِبْتَدَأَ فِيهِ صَلَاة الْعَصْر مِنْ الْيَوْم الْأَوَّل ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث إِنَّمَا سَبَقَ لِبَيَانِ الْأَوْقَات ، وَتَحْدِيد أَوَائِلهَا وَآخِرهَا دُون عَدَد الرَّكَعَات وَصِفَاتهَا وَسَائِر أَحْكَامهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول فِي آخِره : " وَالْوَقْت فِيمَا بَيْن هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ " ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَدَّرَهُ هَؤُلَاءِ لَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْإِشْكَال فِي أَمْر الْأَوْقَات , وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي أَوَّل وَقْت الْعَصْر ، فَقَالَ بِظَاهِرِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَالِك وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : أَوَّل وَقْت الْعَصْر أَنْ يَصِير الظِّلّ قَامَتَيْنِ بَعْد الزَّوَال , وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي آخِر وَقْت الْعَصْر , فَقَالَ الشَّافِعِيّ : آخِر وَقْتهَا إِذَا صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْلَيْهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْر ، وَلَا ضَرُورَة عَلَى ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث ، فَأَمَّا أَصْحَاب الْعُذْر وَالضَّرُورَات فَآخِر وَقْتهَا لَهُمْ غُرُوب الشَّمْس , وَقَالَ سُفْيَان وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : أَوَّل وَقْت الْعَصْر إِذَا صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله ، وَيَكُون بَاقِيًا مَا لَمْ تَصْفَرّ الشَّمْس ، وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا الْمَغْرِب ، فَقَدْ أَجْمَع أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ أَوَّل وَقْتهَا غُرُوب الشَّمْس ، وَاِخْتَلَفُوا فِي آخِر وَقْتهَا ، فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ : لَا وَقْت لِلْمَغْرِبِ إِلَّا وَقْت وَاحِد , وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : آخِر وَقْت الْمَغْرِب إِلَى أَنْ يَغِيب الشَّفَق , وَهَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ , وَأَمَّا الشَّفَق فَقَالَتْ طَائِفَة : هُوَ الْحُمْرَة , وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس , وَهُوَ قَوْل مَكْحُول وَطَاوُسٍ , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيُّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ : الشَّفَق الْبَيَاض , وَعَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز مِثْله ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيُّ , وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَرَّاء أَنَّهُ قَالَ : الشَّفَق الْحُمْرَة , وَإِنَّمَا يُعْرَف الْمُرَاد مِنْهُ بِالْأَدِلَّةِ لَا بِنَفْسِ الِاسْم , وَأَمَّا آخِر وَقْت الْعِشَاء الْآخِرَة ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأَبِي هُرَيْرَة أَنَّ آخِر وَقْتهَا ثُلُث اللَّيْل , وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ , وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَابْن الْمُبَارَك وَإِسْحَاق : آخِر وَقْتهَا نِصْف اللَّيْل ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَا يَفُوت وَقْت الْعِشَاء إِلَى الْفَجْر ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاء وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَة , وَأَمَّا آخِر وَقْت الْفَجْر فَذَهَبَ الشَّافِعِيّ إِلَى ظَاهِر حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَهُوَ الْإِسْفَار ، وَقَالَ : مَنْ صَلَّى رَكْعَة مِنْ الصُّبْح قَبْل طُلُوع الشَّمْس لَمْ تَفُتْهُ الصُّبْح ، وَهَذَا فِي أَصْحَاب الْعُذْر وَالضَّرُورَات , وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : مَنْ صَلَّى رَكْعَة مِنْ الصُّبْح وَطَلَعَتْ لَهُ الشَّمْس أَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْح فَجَعَلُوهُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ , وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي : مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس وَقَدْ صَلَّى رَكْعَة مِنْ الْفَجْر فَسَدَتْ صَلَاته . عون المعبود - (ج 1 / ص 438)(1/258)
)(1)مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ كُلُّهُ وَقْتٌ(2)"(3)
عَرْضُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي رَمَضَان
( خ م ) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ :
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ(4)وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ(5)
__________
(1) ت ) 149 , ( د ) 393
(2) س ) 526
(3) صححه الألباني في الإرواء : 249
(4) قَدَّمَ ابْنُ عَبَّاس هَذِهِ الْجُمْلَة عَلَى مَا بَعْدهَا - وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ - عَلَى سَبِيل الِاحْتِرَاس مِنْ مَفْهُوم مَا بَعْدهَا , وَمَعْنَى أَجْوَدَ النَّاس : أَكْثَر النَّاسِ جُودًا ، وَالْجُود الْكَرَم ، وَهُوَ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 6)
(5) أَيْ : كَانَ رَسُول اللَّه > مُدَّة كَوْنه فِي رَمَضَان أَجْوَد مِنْهُ فِي غَيْره ..فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 6)(1/259)
حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ )(1)( يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ(2))(3)( فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ(4))(5)"
__________
(1) خ ) 1803 , ( م ) 2308
(2) قِيلَ : الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَة الْقُرْآن تُجَدِّد لَهُ الْعَهْد بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْس ، وَالْغِنَى سَبَب الْجُود , وَالْجُودُ فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي ، وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة , وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَةٌ عَلَى غَيْره ، فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ مُتَابَعَةَ سُنَّةِ اللَّهِ فِي عِبَاده , فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْت وَالْمَنْزُول بِهِ وَالنَّازِل وَالْمُذَاكَرَة , حَصَلَ الْمَزِيد فِي الْجُود , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 6)
(3) خ ) 4711 , ( م ) 2308
(4) الْمُرْسَلَة أَيْ : الْمُطْلَقَة , يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح ، وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ ، وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ , كَمَا تَعُمُّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ , وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " لَا يُسْأَل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ " وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث جَابِر " مَا سُئِلَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَقَالَ لَا " . فتح الباري(ج 1 / ص 6)
(5) خ ) 3048 , ( م ) 2308(1/260)
تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُمُورَ الدِّين
( م س حم ) , عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
" قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ " , فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ(1)إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ(2)مُحْتَسِبٌ(3)مُقْبِلٌ(4)غَيْرُ مُدْبِرٍ(5))(6)( ثُمَّ سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً , ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا(7)؟
__________
(1) أَيْ : أَخْبِرْنِي . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 398)
(2) أَيْ : غَيْرُ جَزِعٍ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 398)
(3) الْمُحْتَسِب : هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ , فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 362)
(4) أَيْ : عَلَى الْعَدُوِّ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 398)
(5) أَيْ : غَيْرُ مُدْبِرٍ عَنْهُ ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 398)
(6) م ) 1885 , ( ت ) 1712
(7) أي : قبل قليل ..(1/261)
" , فَقَالَ الرَّجُلُ : هَا أَنَا ذَا )(1)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَيْفَ قُلْتَ ؟ " , قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ , مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ )(2)( إِلَّا أَنْ تَدَعَ دَيْنًا لَيْسَ عِنْدَكَ وَفَاءٌ لَهُ(3))(4)( فَإِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - قَالَ لِي ذَلِكَ(5))(6)"
( ت ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) س ) 3155
(2) م ) 1885 , ( ت ) 1712
(3) قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا الدَّيْن ) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ ، وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ ، وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 362)
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : أَرَادَ بِالدَّيْنِ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ , إِذْ لَيْسَ الدَّائِنُ أَحَقَّ بِالْوَعِيدِ وَالْمُطَالَبَةِ مِنْهُ مِنْ الْجَانِي وَالْغَاصِبِ وَالْخَائِنِ وَالسَّارِقِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 398)
(4) حم ) 15052 , قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح لغيره ، وهذا إسناد حسن , ( م ) 1885
(5) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِهِ فِي الْحَال . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 362)
(6) م ) 1885 , ( ت ) 1712(1/262)
" الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّه يُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ " , فَقَالَ جِبْرِيلُ : إِلَّا الدَّيْنَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِلَّا الدَّيْنَ "(1)
عَدَاوَةُ الْيَهُودِ لِجِبْرِيل
( ت حم ) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
(
__________
(1) ت ) 1640 , انظر صحيح الجامع 4440(1/263)
أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ )(1)( إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ )(2)( لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ )(3)( فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ )(4)( قَالَ : " سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ , وَلَكِنْ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ - عليه السلام - عَلَى بَنِيهِ , لَئِنْ حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ " )(5)( فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ , وقَالُوا : ذَلِكَ لَكَ , قَالَ : " فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ " )(6)( قَالُوا : أَخْبِرْنَا عَنْ عَلَامَةِ النَّبِيِّ ؟ , قَالَ : " تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ " , قَالُوا : أَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤَنِّثُ الْمَرْأَةُ وَكَيْفَ تُذْكِرُ ؟ , قَالَ : " يَلْتَقِي الْمَاءَانِ فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ , وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ آنَثَتْ " , قَالُوا : صَدَقْتَ )(7)( فَأَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ؟ , قَالَ : " فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ يَعْقُوبُ مَرَضًا شَدِيدًا وَطَالَ سَقَمُهُ , فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ
__________
(1) حم ) 2483 , ( ت ) 3117
(2) حم ) 2483 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) حم ) 2514 , انظر الصَّحِيحَة : 1872 , وصححه أحمد شاكر في ( حم ) 2514
(4) حم ) 2483
(5) حم ) 2514
(6) حم ) 2514
(7) حم ) 2483(1/264)
الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ , وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الْإِبِلِ , وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا ؟ )(1)وفي رواية : ( كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا(2)فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا(3)يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا(4)" )(5)( فَقَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , قَالَ : " اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ " )(6)( قَالُوا : أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ ؟ , قَالَ : " مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ - عز وجل - مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ , بِيَدِهِ مِخْرَاقٌ(7)
__________
(1) حم ) 2514
(2) عِرْق النَّسَا ) : وَجَعٌ يَبْتَدِئُ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ , وَيَنْزِلُ مِنْ جَانِبِ الْوَحْشِيِّ عَلَى الْفَخِذِ ، وَرُبَّمَا اِمْتَدَّ إِلَى الرُّكْبَةِ وَإِلَى الْكَعْبِ ، وَالنَّسَا : وَرِيدٌ يَمْتَدُّ عَلَى الْفَخِذِ مِنْ الْوَحْشِيِّ إِلَى الْكَعْبِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 444)
(3) أَيْ : مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 444)
(4) أَيْ : لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 444)
(5) ت ) 3117 , ( حم ) 2483
(6) حم ) 2514
(7) المَخَارِيقُ ) : جَمْعُ مِخْرَاقٍ , وَهُوَ فِي الْأَصْلِ ثَوْبٌ يُلَفُّ وَيَضْرِبُ بِهِ الصِّبْيَانُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا آلَةً تَزْجُرُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ السَّحَابَ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 444)(1/265)
مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ , يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ " , قَالُوا : فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ ؟ )(1)( قَالَ : " زَجْرُهُ السَّحَابَ إذَا زَجَرَهُ(2)
__________
(1) حم ) 2483 , ( ت ) 3117
(2) إِذَا زَجَرَهُ ) أَيْ : إِذَا سَاقَهُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا } يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ تَزْجُرُ السَّحَابَ ، أَيْ : تَسُوقُهُ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 444)(1/266)
حَتَّى يَنْتَهِي إلَى حَيْثُ أَمَرَه " )(1)( قَالُوا : صَدَقْتَ , إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ , وَهِيَ الَّتِي نُبَايِعُكَ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا , فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ , فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبكَ ؟ , قَالَ : " جِبْرِيلُ - عليه السلام - " , قَالُوا : جِبْرِيلُ ؟ , ذَاكَ عَدُوُّنَا الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ , لَوْ قُلْتَ مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ )(2)( لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ , قَالَ : " فَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ ؟ " قَالُوا : إِنَّهُ عَدُوُّنَا , قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - عز وجل - : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ , مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ , وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ , أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ , وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّه وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }(3)فَعِنْدَ ذَلِكَ بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ )(4).
وَظَائِفُ الْمَلَائِكَة
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ تَبْلِيغُ رِسَالَاتِ اللَّه
__________
(1) ت ) 3117
(2) حم ) 2483
(3) البقرة/97-101]
(4) حم ) 2514(1/267)
قَالَ تَعَالَى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ }(2)
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ كِتَابَةُ الْأَعْمَال
قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ , إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ , مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }(3)
وَقَالَ تَعَالَى : { كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ , وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ , كِرَامًا كَاتِبِينَ , يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }(4)
( حم ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الحج/75]
(2) النحل/2]
(3) ق/16-19]
(4) الإنفطار/9-12](1/268)
جَاءَ رَجُلٌ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَلَاةِ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، " فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَلَاةَ قَالَ : أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا ؟ " , فَأَرَمَّ الْقَوْمُ(1)" فَأَعَادَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا قُلْتُهَا وَمَا أَرَدْتُ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَقَدِ ابْتَدَرَهَا اثْنَا عَشَرَ مَلَكًا ، فَمَا دَرَوْا كَيْفَ يَكْتُبُونَهَا حَتَّى سَأَلُوا رَبَّهُمْ - عز وجل - ؟ , فَقَالَ : اكْتُبُوهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي "(2)
( طب ) , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوْ الْمُسِيءِ فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً "(3)
( خ م س ط ) , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : سَكَتُوا .
(2) حم ) 13011 , وصححه الألباني في صفة الصلاة ص94 ، وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) طب ) 7765 , مسند الشاميين 526 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2097 , الصَّحِيحَة : 1209(1/269)
" ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ )(1)( عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ )(2)( مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ )(3)( الَأَوَّلَ فَالَأَوَّلَ )(4)( فَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ(5)
__________
(1) خ ) 887
(2) خ ) 3039 , ( م ) 850
(3) س ) 1385 , ( حم ) 7510
(4) خ ) 3039 , ( م ) 850
(5) أَيْ : غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَة ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) , وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق " فَاغْتَسَلَ أَحَدكُمْ كَمَا يَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة " وَظَاهِره أَنَّ التَّشْبِيه لِلْكَيْفِيَّةِ لَا لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْل الْأَكْثَر ، وَقِيلَ : فِيهِ إِشَارَة إِلَى الْجِمَاع يَوْم الْجُمُعَة لِيَغْتَسِل فِيهِ مِنْ الْجَنَابَة ، وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنْ تَسْكُن نَفْسه فِي الرَّوَاح إِلَى الصَّلَاة وَلَا تَمْتَدّ عَيْنه إِلَى شَيْء يَرَاهُ ، وَفِيهِ حَمْلُ الْمَرْأَة أَيْضًا عَلَى الِاغْتِسَال ذَلِكَ الْيَوْم ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ قَائِلُ ذَلِكَ حَدِيث : " مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ " ..فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 285)(1/270)
ثُمَّ رَاحَ(1)
__________
(1) الرَّوَاح عِنْد مَالِك وَكَثِير مِنْ أَصْحَابه , وَالْقَاضِي حُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابنَا بَعْد الزَّوَال , وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة , وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير أَصْحَابه وَابْن حَبِيب الْمَالِكِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء اِسْتِحْبَاب التَّبْكِير إِلَيْهَا أَوَّل النَّهَار ، وَالسَّاعَات عِنْدهمْ مِنْ أَوَّل النَّهَار ، وَالرَّوَاح يَكُون أَوَّل النَّهَار وَآخِره ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ : فِي لُغَة الْعَرَب : الرَّوَاح الذَّهَاب , سَوَاء كَانَ أَوَّل النَّهَار أَوْ آخِره أَوْ فِي اللَّيْل , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يَقْتَضِيه الْحَدِيث وَالْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ > أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَة تَكْتُب مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَة الْأُولَى وَهُوَ كَالْمُهْدِي بَدَنَة ، وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة ثُمَّ الثَّالِثَة ثُمَّ الرَّابِعَة ثُمَّ الْخَامِسَة ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَام طَوَوْا الصُّحُف وَلَمْ يَكْتُبُوا بَعْد ذَلِكَ أَحَدًا ، وَمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ > كَانَ يَخْرُج إِلَى الْجُمُعَة مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ - وَهُوَ بَعْد اِنْفِصَال السَّادِسَة - فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْء مِنْ الْهَدْي وَالْفَضِيلَة لِمَنْ جَاءَ بَعْد الزَّوَال ، وَلِأَنَّ ذِكْر السَّاعَات إِنَّمَا كَانَ لِلْحَثِّ فِي التَّبْكِير إِلَيْهَا وَالتَّرْغِيب فِي فَضِيلَة السَّبَق , وَتَحْصِيل الصَّفّ الْأَوَّل , وَانْتِظَارهَا , وَالِاشْتِغَال بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْر وَنَحْوه ، وَهَذَا كُلّه لَا يَحْصُل بِالذَّهَابِ بَعْد الزَّوَال ، وَلَا فَضِيلَة لِمَنْ أَتَى بَعْد الزَّوَال ؛ لِأَنَّ النِّدَاء يَكُون حِينَئِذٍ , وَيَحْرُم التَّخَلُّف بَعْد النِّدَاء ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ , وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا هَلْ تَعْيِين السَّاعَات مِنْ طُلُوع الْفَجْر أَمْ مِنْ طُلُوع الشَّمْس ؟ , وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ مِنْ طُلُوع الْفَجْر . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 217)(1/271)
)(1)( فِي السَّاعَةِ الْأُولَى(2)
__________
(1) خ ) 841 , ( م ) 850
(2) الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ مَا يَتَبَادَر الذِّهْن إِلَيْهِ مِنْ الْعُرْف فِيهَا ، وَقَالَ الْقَفَّالُ : فِيهِ نَظَر , إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَاد لَاخْتَلَفَ الْأَمْر فِي الْيَوْم الشَّاتِي وَالصَّائِف ، لِأَنَّ النَّهَار يَنْتَهِي فِي الْقِصَر إِلَى عَشْر سَاعَات , وَفِي الطُّول إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَة ، وَهَذَا الْإِشْكَال أَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْن بِأَنَّ الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ مَا لَا يُخْتَلَف عَدَده بِالطُّولِ وَالْقِصَر ، فَالنَّهَار اِثْنَتَا عَشْرَة سَاعَة , لَكِنْ يَزِيد كُلٌّ مِنْهَا وَيَنْقُص , وَاللَّيْل كَذَلِكَ ، وَهَذِهِ تُسَمَّى السَّاعَات الْآفَاقِيَّة عِنْد أَهْل الْمِيقَات وَتِلْكَ التَّعْدِيلِيَّة ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث جَابِر مَرْفُوعًا " يَوْم الْجُمُعَة اِثْنَتَا عَشْرَة سَاعَة " , وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَرِد فِي حَدِيث التَّبْكِير فَيُسْتَأْنَس بِهِ فِي الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ ، وَقِيلَ الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ بَيَان مَرَاتِب الْمُبَكِّرِينَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَار إِلَى الزَّوَال وَأَنَّهَا تَنْقَسِم إِلَى خَمْس ، وَتَجَاسَرَ الْغَزَالِيّ فَقَسَّمَهَا بِرَأْيِهِ فَقَالَ : الْأُولَى مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس ، وَالثَّانِيَة إِلَى اِرْتِفَاعهَا ، وَالثَّالِثَة إِلَى اِنْبِسَاطهَا ، وَالرَّابِعَة إِلَى أَنْ تَرْمَض الْأَقْدَام ، وَالْخَامِسَة إِلَى الزَّوَال ..وَاعْتَرَضَهُ اِبْنُ دَقِيق الْعِيد بِأَنَّ الرَّدّ إِلَى السَّاعَات الْمَعْرُوفَة أَوْلَى , وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعَدَد بِالذِّكْرِ مَعْنًى , لِأَنَّ الْمَرَاتِب مُتَفَاوِتَة جِدًّا ، وَانْفَصَلَ الْمَالِكِيَّة إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَبَعْض الشَّافِعِيَّة عَنْ الْإِشْكَال بِأَنَّ الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ الْخَمْس لَحَظَات لَطِيفَة أَوَّلُهَا زَوَال الشَّمْس وَآخِرُهَا قُعُود الْخَطِيب عَلَى الْمِنْبَر ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ السَّاعَة تُطْلَق عَلَى جُزْء مِنْ الزَّمَان غَيْر مَحْدُود ، تَقُول : جِئْت سَاعَة كَذَا ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيث " ثُمَّ رَاحَ " يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الذَّهَاب إِلَى الْجُمُعَة مِنْ الزَّوَال ، لِأَنَّ حَقِيقَة الرَّوَاح مِنْ الزَّوَال إِلَى آخَرِ النَّهَار ، وَالْغُدُوّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى الزَّوَال , ثُمَّ إِنِّي لَمْ أَرَ التَّعْبِير بِالرَّوَاحِ فِي شَيْء مِنْ طُرُق هَذَا الْحَدِيث إِلَّا فِي رِوَايَة مَالِك هَذِهِ عَنْ سُمَيٍّ ، وَقَدْ رَوَاهُ اِبْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُمَيٍّ بِلَفْظِ " غَدَا " وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " الْمُتَعَجِّل إِلَى الْجُمُعَة كَالْمُهْدِي بَدَنَة " الْحَدِيث , فَدَلَّ مَجْمُوع هَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالرَّوَاحِ الذَّهَاب ، وَقَدْ اِشْتَدَّ إِنْكَار أَحْمَد وَابْنِ حَبِيب مِنْ الْمَالِكِيَّة مَا نُقِلَ عَنْ مَالِك مِنْ كَرَاهِيَةِ التَّبْكِير إِلَى الْجُمُعَة , وَقَالَ أَحْمَد : هَذَا خِلَاف حَدِيث رَسُول اللَّه > , وَاحْتَجَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ " مَثَل الْمُهَجِّر " لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ التَّهْجِير , وَهُوَ السَّيْر فِي وَقْت الْهَاجِرَة ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد بِالتَّهْجِيرِ هُنَا التَّبْكِير كَمَا تَقَدَّمَ نَقْله عَنْ الْخَلِيل فِي الْمَوَاقِيت ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْحَقّ أَنَّ التَّهْجِير هُنَا مِنْ الْهَاجِرَة وَهُوَ السَّيْر وَقْت الْحَرّ ، وَهُوَ صَالِحِ لِمَا قَبْل الزَّوَال وَبَعْده ، فَلَا حُجَّة فِيهِ لِمَالِكٍ . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 285)(1/272)
)(1)( فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً(2)وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً(3)وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ(4)
__________
(1) ط ) 227
(2) أَيْ : تَصَدَّقَ بِهَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ ، وَالْمُرَاد بِالْبَدَنَةِ الْبَعِير , ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى . فتح الباري (ج 3 / ص 285)
(3) فِي الحديث دليل أَنَّ التَّضْحِيَة بِالْإِبِلِ أَفْضَل مِنْ الْبَقَرَة ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ > قَدَّمَ الْإِبِل , وَجَعَلَ الْبَقَرَة فِي الدَّرَجَة الثَّانِيَة ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِبِل أَفْضَل مِنْ الْبَقَر فِي الْهَدَايَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُضْحِيَّة , فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْجُمْهُور أَنَّ الْإِبِل أَفْضَل , ثُمَّ الْبَقَر , ثُمَّ الْغَنَم - كَمَا فِي الْهَدَايَا - وَمَذْهَب مَالِك أَنَّ أَفْضَل الْأُضْحِيَّة الْغَنَم , ثُمَّ الْبَقَر , ثُمَّ الْإِبِل , قَالُوا : لِأَنَّ النَّبِيّ > ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ ، وَحُجَّة الْجُمْهُور ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث , وَالْقِيَاس عَلَى الْهَدَايَا ، وَأَمَّا تَضْحِيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَلْزَم مِنْهَا تَرْجِيح الْغَنَم ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَمَكَّن ذَلِكَ الْوَقْت إِلَّا مِنْ الْغَنَم أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَاز ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ > ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 217)
(4) وَصَفَهُ بِالْأَقْرَنِ لِأَنَّهُ أَكْمَل وَأَحْسَن صُورَة وَلِأَنَّ قَرْنه يُنْتَفَع بِهِ ..شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 217)(1/273)
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ(1))(2)( طَوَتِ الْمَلَائِكَةُ الصُّحُفَ وَدَخَلَتْ تَسْمَعُ الذِّكْرَ(3))(4)الْخُطْبَةَ(5)"( قَالَ أَبُو غَالِبٍ(6): فَقُلْتُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، لَيْسَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ جُمُعَةٌ ؟ , قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِمَّنْ يُكْتَبُ فِي الصُّحُفِ )(7).
دُعَاءُ الْمَلَائكَةِ لِلْمُسْلِمِين
__________
(1) اِسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ التَّبْكِير لَا يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ ، قَالَ : وَيَدْخُل لِلْمَسْجِدِ مِنْ أَقْرَبِ أَبْوَابه إِلَى الْمِنْبَر ، وَمَا قَالَهُ غَيْر ظَاهِرٍ , لِإِمْكَانِ أَنْ يَجْمَع الْأَمْرَيْنِ , بِأَنْ يُبَكِّر وَلَا يَخْرُج مِنْ الْمَكَان الْمُعَدّ لَهُ فِي الْجَامِع إِلَّا إِذَا حَضَرَ الْوَقْت . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 285)
(2) خ ) 841 , ( م ) 850
(3) الْمُرَاد بِالذِّكْرِ مَا فِي الْخُطْبَة مِنْ الْمَوَاعِظ وَغَيْرهَا . عون المعبود - (ج 1 / ص 396)
(4) حم ) 7510 , ( خ ) 3039 , ( م ) 850
(5) س ) 1386 , ( جة ) 1092
(6) هو أبو غالب الباهلي , مولاهم ، الخياط البصري , اسمه نافع ، الطبقة : 5 من صغار التابعين , روى له : ( د ت جة ) , رتبته عند ابن حجر : ثقة
رتبته عند الذهبي : صويلح .
(7) حم ) : 22322 , وحسنه الألباني في صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 710(1/274)
قَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ , رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ , وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(1)
( م جة حم ) , وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ(2)- قَالَ :
__________
(1) غافر/7-9]
(2) واسمها : الدَّرْدَاء .(1/275)
قَدِمْتُ الشَّامَ , فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ(1)فَقَالَتْ : أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟ , فَقُلْتُ : نَعَمْ , قَالَتْ : فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ , فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ : " دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ(2)مُسْتَجَابَةٌ , عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ )(3)( يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ )(4)( كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ , وَلَكَ بِمِثْلٍ(5)وَلَكَ بِمِثْلِهِ(6)" , قَالَ : فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ , فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ )(7)( يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - )(8).
( م د ) , وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أُمّ الدَّرْدَاء هَذِهِ هِيَ الصُّغْرَى التَّابِعِيَّة ، وَاسْمهَا ( هُجَيْمَة ) وَقِيلَ : ( جُهَيْمَة ) . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 98)
(2) أَيْ : فِي غَيْبَة الْمَدْعُوّ لَهُ عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ , بِأَنْ دَعَا لَهُ بِقَلْبِهِ حِينَئِذٍ أَوْ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ . عون المعبود - (ج 3 / ص 457)
(3) م ) 2733 , ( جة ) 2895
(4) جة ) 2895
(5) أَيْ : أَعْطَى اللَّه لَك بِمِثْلِ مَا سَأَلْت لِأَخِيك , وَكَانَ بَعْضُ السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة , لِيَدْعُوَ لَهُ الْمَلَكُ بِمِثْلِهَا فَيَكُون أَعْوَن لِلِاسْتِجَابَةِ . عون المعبود - (ج 3 / ص 457)
(6) جة ) 2895
(7) م ) 2733 , ( جة ) 2895
(8) حم ) 21755 , ( جة ) 2895(1/276)
" ( إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا(1)فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ(2)عَلَى مَا تَقُولُونَ(3)" قَالَتْ : فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ )(4)( فَمَا أَقُولُ ؟ )(5)( فَقَالَ : " قُولِي : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ , وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً(6)" , قَالَتْ : فَقُلْتُ , فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ(7)مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - )(8).
( هب ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : قُولُوا لِلْمَرِيضِ اللَّهُمَّ اِشْفِهِ , وَ قُولُوا لِلْمَيِّتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 35)
(2) أَيْ : يَقُولُونَ آمِينَ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 35)
(3) أَيْ : عَلَى مَا تَقُولُونَ مِنْ الدُّعَاءِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا .تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 35)
(4) م ) 919 , ( ت ) 977
(5) د ) 3115 , ( س ) 1825
(6) أَيْ : عَوِّضْنِي مِنْهُ عِوَضًا حَسَنًا . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 35)
(7) أَيْ : أَعْطَانِي اللَّهُ بَدَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 35)
(8) م ) 919 , ( ت ) 977(1/277)
" مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ إِلَّا وَكَانَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَا خَلَقَ اللَّهُ كُلُّهُمْ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ(1): يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ ، إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى ، وَلَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ إِلَّا وَكَانَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا(2)وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا(3)وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ قُرْآنًا فِي قَوْلِ الْمَلَكَيْنِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فِي سُورَةِ يُونُسَ : { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }(4)وَأَنْزَلَ فِي قَوْلِهِمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى , وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى , وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى , إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى , وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى , فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى , وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى , فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }(5)"(6)
مُشَارَكَةُ الْمَلَائكَةِ الْمُؤمِنِينَ فِي الصَّلَوَات
( طب ) , عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الثقلان : الإنس والجن .
(2) خلفا : عِوَضًا عما أنفق .
(3) تلفا : هلاكا وعَطَبًا وفَنَاء .
(4) يونس/25]
(5) الليل/1-10]
(6) هب ) 3259 , ( حم ) 21769 , ( حب ) 3329 , انظر الصَّحِيحَة : 443 , 947 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 917 , 3167 , والمشكاة : 5218(1/278)
" إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ قِيٍّ(1)فَحَانَتِ الصَلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ , فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ , وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ , صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ "(2)
مُشَارَكَةُ الْمَلَائكَةِ الْمُؤمِنِينَ فِي الْقِتَال
قَالَ تَعَالَى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ }(3)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ , بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ }(4)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }(5)
( خ ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) " القِيُّ " هو الفلاة .
(2) طب ) 6120 , ( هق ) 1766 , ( عب ) 1955 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 249 , 414 , الثمر المستطاب ج 1 ص203
(3) الأنفال/9]
(4) آل عمران/124، 125]
(5) الأنفال/12](1/279)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ(1): " هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ(2)"(3)
( حم ) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) تَنْبِيه ) : وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ وَالْأَصِيلِيِّ ( ح3185 ) : " قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد : هَذَا جِبْرِيل آخِذ بِرَأْسِ فَرَسه " الْحَدِيث ، وَهُوَ وَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي " بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا " , وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا أَبُو ذَرٍّ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ مُتْقِنِي رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَا اِسْتَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ , ثَانِيهمَا : أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي هَذَا الْمَتْن يَوْمَ بَدْرٍ لَا يَوْمَ أُحُدٍ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 373)
(2) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيّ : سُئِلْت عَنْ الْحِكْمَة فِي قِتَال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَعَ أَنَّ جِبْرِيل قَادِر عَلَى أَنْ يَدْفَع الْكُفَّار بِرِيشَةِ مِنْ جَنَاحه ، فَقُلْت : وَقَعَ ذَلِكَ لِإِرَادَةِ أَنْ يَكُون الْفِعْل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه ، وَتَكُون الْمَلَائِكَة مَدَدًا عَلَى عَادَة مَدَد الْجُيُوش , رِعَايَةً لِصُورَةِ الْأَسْبَاب وَسُنَّتهَا الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي عِبَادَة ، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ فَاعِل الْجَمِيع , وَاللَّهُ أَعْلَم . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 327)
(3) خ ) 3773(1/280)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَ وَلِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ : " مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ , وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ , وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ "(1)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ - رضي الله عنه - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا - قَالَ :
إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ , إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي , فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي .(2)
( حم ) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
جَاءَ رَجُلٌ قَصِيرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه - أَسِيرًا , فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي , لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ(3)مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا , عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ(4)مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ , فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اسْكُتْ , فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ "(5)
( خ م حم ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) حم ) 1256 , انظر الصَّحِيحَة : 3241
(2) حم ) 23829 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .
(3) الجَلَحُ : ذهابُ الشعر من مُقَدَّم الرأْس . لسان العرب - (ج 2 / ص 424)
(4) بلَقُ الدابة : سواد وبياض . لسان العرب - (ج 10 / ص 25)
(5) حم ) 948 , ةقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .(1/281)
أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - يَوْمَ الْخَنْدَقِ , رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْأَكْحَلِ(1)" , فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ )(2)( فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْأَحْزَابِ )(3)( وَضَعَ السِّلَاحَ )(4)( وَدَخَلَ الْمُغْتَسَلَ لِيَغْتَسِلَ )(5)( فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - )(6)( فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَوَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ ؟ , وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ )(7)( فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِلَى أَيْنَ ؟ , قَالَ : هَا هُنَا - وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - )(8)( قَالَتْ عَائِشَةُ : فَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ - عليه السلام - مِنْ خَلَلِ الْبَابِ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارُ )(9)"
( خ ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الْأَكْحَل ) : عِرْقٌ فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ ، قَالَ الْخَلِيل : هُوَ عِرْق الْحَيَاة , وَيُقَال : إِنْ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ , فَهُوَ فِي الْيَدِ الْأَكْحَلِ , وَفِي الظَّهْرِ الْأَبْهَرِ , وَفِي الْفَخِذِ النَّسَا , إِذَا قُطِعَ لَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ .فتح الباري(ج 11 / ص 455)
(2) خ ) 3896
(3) حم ) 25038 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( خ ) 2658
(4) خ ) 3896 , ( م ) 1769
(5) حم ) 25038 , ( خ ) 2658
(6) خ ) 3896 , ( م ) 1769
(7) حم ) 26442 , ( خ ) 3896 , ( م ) 1769
(8) خ ) 3891 , ( م ) 1769
(9) حم ) 26442 , 25038 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .(1/282)
" كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ(1)سَاطِعًا(2)فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ ، مَوْكِبُ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ(3)"(4)
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ إرْشَادُ الْمُسْلِمِ إلَى طَرِيقِ الْحَقّ
( ت ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ الْقِصَّةَ , حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مُشَخَّصَة لَهُ بَعْد تِلْكَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 451)
(2) أَيْ : مُرْتَفِعًا .
(3) وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْد اِبْن سَعْد ، وَأَوَّله " كَانَ بَيْن بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ ، فَلَمَّا جَاءَتْ الْأَحْزَابُ نَقَضُوهُ وَظَاهَرُوهُمْ , فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَحْزَابَ تَحَصَّنُوا ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اِنْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَقَالَ : إِنَّ فِي أَصْحَابِي جَهْدًا , قَالَ : اِنْهَضْ إِلَيْهِمْ فَلَأُضَعْضِعَنّهُمْ , قَالَ : فَأَدْبَرَ جِبْرِيلُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى سَطَعَ الْغُبَارُ فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ " . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 451)
(4) خ ) 3892 , ( حم ) 13252(1/283)
" إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً(1)بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً(2)فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ(3)وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ(4)وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ(5)وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ(6)فَمَنْ وَجَدَ(7)ذَلِكَ(8)فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ(9)فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ(10)وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى(11)
__________
(1) الْمُرَادُ بِاللَّمَّةِ مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ أَوْ الْمَلَكِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(2) فَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تُسَمَّى وَسْوَسَةً , وَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِلْهَامًا . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(3) كَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(4) أَيْ : تَكْذِيبٌ بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ كَالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالنَّارِ وَالْجَنَّةِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(5) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(6) كَكُتُبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَالْإِيعَادُ فِي اللَّمَّتَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(7) أَيْ : فَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَدْرَكَ وَعَرَفَ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(8) أَيْ : لَمَّةَ الْمَلَكِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(9) أَيْ : مِنَّةٌ جَسِيمَةٌ , وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهِ , إِذْ أَمَرَ الْمَلَكَ بِأَنْ يُلْهَمَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(10) أَيْ : عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ , حَيْثُ أَهَلَّهُ لِهِدَايَةِ الْمَلَكِ , وَدَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(11) أَيْ : لَمَّةَ الشَّيْطَانِ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)(1/284)
فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، ثُمَّ قَرَأَ(1): { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ(2)وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ(3)}(4)"(5)
( م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِشْهَادًا . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(2) أَيْ : يُخَوِّفُكُمْ بِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(3) مَعْنَاهُ : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ لِيَمْنَعَكُمْ عَنْ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ , وَيُخَوِّفَكُمْ الْحَاجَةَ لَكُمْ أَوْ لِأَوْلَادِكُمْ فِي ثَانِي الْحَالِ , سِيَّمَا فِي كِبَرِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ أَيْ : الْمَعَاصِي ، وَهَذَا الْوَعْدُ وَالْأَمْرُ هُمَا الْمُرَادَانِ بِالشَّرِّ فِي الْحَدِيثِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 308)
(4) البقرة/268]
(5) ت ) 2988 , ( حب ) 997 , وصححه الألباني لغيره في صحيح موارد الظمآن : 38 ، وفي هداية الرواة (70) ، وقد كان ضعفه في ( ت ) 2988 ، وصَحِيحِ الْجَامِع 1963 والمشكاة 74 , ثم تراجع عن تضعيفه .(1/285)
" مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ , وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ " , قَالُوا : وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " وَإِيَّايَ , وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ(1)فلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ "(2)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِيَدِهِ رَايَتَان ، رَايَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ ، وَرَايَةٌ بِيَدِ شَيْطَانٍ ، فَإِنْ خَرَجَ لِمَا يُحِبُّ اللَّهُ اتَّبَعَهُ الْمَلَكُ بِرَايَتِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الْمَلَكِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ , وَإِنْ خَرَجَ لِمَا يُسْخِطُ(3)اللَّهَ اتَّبَعَهُ الشَّيْطَانُ بِرَايَتِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ "(4)
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالصَّلَاة
__________
(1) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْقَرِين أَسْلَمَ وَصَارَ مُؤْمِنًا لَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّة مُجْتَمِعَة عَلَى عِصْمَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي جِسْمه وَخَاطِره وَلِسَانه , وَفِي هَذَا الْحَدِيث : إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ فِتْنَة الْقَرِين وَوَسْوَسَته وَإِغْوَائِهِ ، فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا لِنَحْتَرِز مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَان . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 195)
(2) م ) 2814 , ( حم ) 3648
(3) سَخِطَ أَي : غضب , وأَسْخَطَه : أَغْضَبَه .
(4) حم ) 8269 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن .(1/286)
قَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ , يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }(2)
( ت ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ , وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ , أَطَّتْ(3)السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ(4)مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ(5))(6)( فَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ : { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ })(7)"
( حم ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الأعراف/206]
(2) الأنبياء/19، 20]
(3) الأَطِيطُ : نَقِيضُ صوت المَحامِل والرِّحال إِذا ثقل عليها الرُّكبان , وأَطَّ الرَّحْلُ والنِّسْعُ يَئِطُّ أَطّاً وأَطِيطاً : صَوَّتَ ,
وكذلك كلُّ شيء أَشبه صوت الرحل الجديد . لسان العرب - (ج 7 / ص 256)
(4) أَيْ : وَيَسْتَحِقُّ وَيَنْبَغِي ( لَهَا أَنْ تَئِطَّ ) أَيْ : تُصَوِّتَ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 97)
(5) الصَّحِيحَة : 1722
(6) ت ) 2312 , ( جة ) 4190
(7) طب ) 9042 , انظر الصَّحِيحَة : 1059(1/287)
" الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ , يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ "(1)
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ قَبْضُ أَرْوَاحِ الْبَشَرِ وَسُؤالِهِمْ فِي الْقَبْرِ وَتَعْذِيبِ الْعُصَاةِ مِنْهُم
قَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ , الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }(3)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ , نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ , نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ }(4)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 12580 , انظر الصَّحِيحَة : 477 , وقال الألباني : قال قتادة : ذُكِر لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : هل تدرون ما البيت المعمور ؟ , قالوا الله ورسوله أعلم , قال : فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة لو خَرَّ لَخَرَّ عليها . ( وإسناده مرسل صحيح ) أ . هـ
(2) السجدة/11]
(3) الأنعام/93]
(4) فصلت/30-32](1/288)
" ( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ(1)وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( عَلَى شَفِيرِ(3)الْقَبْرِ )(4)( مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ )(5)( وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ(6)وَفِي يَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ(7))(8)( فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى(9)مِنْ دُمُوعِهِ )(10)( ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : )(11)( " يَا إِخْوَانِي , لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا(12)
__________
(1) أَيْ : وَصَلْنَا إِلَيْهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(2) د ) 3212 , ( حم ) 18557
(3) الشفير : الحرف والجانب والناحية .
(4) جة ) 4195
(5) د ) 3212 , ( جة ) 1548
(6) كِنَايَة عَنْ غَايَة السُّكُون أَيْ : لَا يَتَحَرَّك مِنَّا أَحَد تَوْقِيرًا لِمَجْلِسِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(7) أَيْ : يَضْرِب بِطَرَفِهِ الْأَرْض ، وَذَلِكَ فِعْل الْمُفَكِّر الْمَهْمُوم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753 , ( حم ) 18557 , ( س ) 2001
(9) أَيْ : التراب .
(10) جة ) 4195
(11) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(12) أَيْ : فَأَعِدُّوا صَالِح الْأَعْمَال الَّتِي تَدْخُلُ الْقَبْر مَعَ الْمُؤْمِن ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 50)(1/289)
)(1)( ثُمَّ قَالَ : اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ )(2)( ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ , نَزَلَ إِلَيْهِ )(3)( مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ )(4)( مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ )(5)حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ(6)( مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ , وَحَنُوطٌ(7)مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ , حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : )(8)( اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، اخْرُجِي حَمِيدَةً )(9)( اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ )(10)( اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ )(11)( وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ(12)وَرَيْحَانٍ(13)
__________
(1) جة ) 4195
(2) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(3) حم ) 18557 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(4) س ) 1833
(5) حم ) 18557 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) س ) 1833
(7) الحنوط : ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة .
(8) حم ) 18557
(9) جة ) 4262
(10) س ) 1833
(11) حم ) 18557
(12) الرَّوْح ) بِالْفَتْحِ : الرَّاحَة وَالنَّسِيم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(13) أَيْ : طِيب ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 114)(1/290)
وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ , فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ )(1)( قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ , فَيَأْخُذُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - , وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا )(2)( حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا )(3)( ثُمَ يَجْعَلُونَهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ )(4)( فَيَتَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا )(5)( حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى [ بَابِ ](6)السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ )(7)( فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : )(8)( مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ )(9)( رُوحٌ طَيِّبَةٌ )(10)( جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )(11)( مَنْ هَذَا ؟ )(12)( فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا )(13)( - فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ )(14)( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ )(15)( ادْخُلِي حَمِيدَةً ، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ , وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ )(16)( وَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا )(17)(
__________
(1) جة ) 4262 , ( س ) 1833
(2) حم ) 18557
(3) س ) 1833
(4) حم ) 18557
(5) م ) 2872
(6) س ) 1833
(7) حم ) 18557
(8) م ) 2872
(9) س ) 1833
(10) م ) 2872
(11) س ) 1833 , ( م ) 2872
(12) جة ) 4262
(13) حم ) 18557
(14) جة ) 4262
(15) م ) 2872
(16) جة ) 4262
(17) حم ) 18557(1/291)
قَالَ : فلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ )(1)( حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ )(2)( الَّتِي فِيهَا اللَّه - عز وجل - )(3)( فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ - عز وجل - )(4)( فَيَقُولُ اللَّهُ - عز وجل - : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ , وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ , فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ , وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ , وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى , قَالَ : فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ )(5)( إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ )(6)( وَإِنَّهُ(7)لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ(8)إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ , فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ )(9)( أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ(10)يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا : الْمُنْكَرُ ، وَالْآخَرُ : النَّكِيرُ(11)
__________
(1) جة ) 4262
(2) حم ) 18557 , ( جة ) 4262
(3) جة ) 4262
(4) م ) 2872
(5) حم ) 18557
(6) م ) 2870 , ( س ) 2049
(7) أَيْ : الْمَيِّت . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) أَيْ : صَوْت نِعَالهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(9) د ) 4753 , ( خ ) 1273
(10) أَيْ : أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا , زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى : أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ النُّحَاسِ ، وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ ، وَأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ , وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ : يَحْفِرَانِ بِأَنْيَابِهِمَا , وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا ، مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنَى لَمْ يُقِلُّوهَا . كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(11) كِلَاهُمَا ضِدُّ الْمَعْرُوفِ , سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَعْرِفْهُمَا , وَلَمْ يَرَ صُورَةً مِثْلَ صُورَتِهِمَا ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)(1/292)
)(1)( فَيُجْلِسَانِهِ )(2)( غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ(3))(4)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ , فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ )(5)( فَيَقُولَانِ لَهُ : هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ ؟ , فَيَقُولُ : مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ )(6)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ , فَيَقُولُ : دِينِيَ الْإِسْلَامُ ؟ )(7)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ )(8)( الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ(9)؟ )(10)( فَيَقُولُ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ , أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )(11)( فَيَقُولَانِ لَهُ : وَمَا يُدْرِيك(12)؟ , فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ(13)
__________
(1) ت ) 1071
(2) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(3) قَالَ السُّيُوطِيُّ : الشَّعَف : شِدَّة الْفَزَع حَتَّى يَذْهَب بِالْقَلْبِ . حاشية السندي على ابن ماجه .
(4) جة ) 4268
(5) د ) 4753
(6) جة ) 4268
(7) د ) 4753
(8) خ ) 1273 , ( ت ) 1071
(9) أَيْ : مَا هُوَ اِعْتِقَادك فِيهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(10) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(11) ت ) 1071 , ( خ ) 1273
(12) أَيْ : أَيُّ شَيْء أَخْبَرَك وَأَعْلَمَك بِمَا تَقُول مِنْ الرُّبُوبِيَّة وَالْإِسْلَام وَالرِّسَالَة . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(13) أَيْ : بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَقّ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 274)(1/293)
)(1)( وَجَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَصَدَّقْنَاهُ )(2)( قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عز وجل - : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }(3)فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ : صَدَقَ عَبْدِي , فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ )(4)( فَيَقُولَانِ لَهُ : قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا )(5)( فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيُقَالُ لَهُ : انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ )(6)( فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا(7)وَطِيبِهَا )(8)( وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ(9))(10)( ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ(11)
__________
(1) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(2) جة ) 4268
(3) إبراهيم/27]
(4) د ) 4753 , ( حم ) 18557 , ( خ ) 1303 , ( م ) 2871
(5) ت ) 1071
(6) جة ) 4268 , ( خ ) 1273
(7) الرَّوْح ) بِالْفَتْحِ : الرَّاحَة وَالنَّسِيم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(9) أَيْ : مُنْتَهَى بَصَره . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(10) حم ) 18557
(11) أَيْ : يُجْعَلُ النُّورُ لَهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي وُسِّعَ عَلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ حِبَّانَ : وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)(1/294)
)(1)( وَيُقَالُ لَهُ : عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مُتَّ ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّه )(2)( ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : نَمْ )(3)( فَيَقُولُ : دَعُونِي )(4)( أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي )(5)( فَأُبَشِّرُهُمْ(6))(7)( فَيَقُولَانِ لَهُ : نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ(8)الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ(9)
__________
(1) ت ) 1071
(2) جة ) 4268
(3) ت ) 1071
(4) د ) 4751
(5) ت ) 1071
(6) أَيْ : بِأَنَّ حَالِي طَيِّبٌ وَلَا حُزْنَ لِي لِيَفْرَحُوا بِذَلِكَ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(7) د ) 4751
(8) الْعَرُوسِ ) : يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اِجْتِمَاعِهِمَا , وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ , وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(9) هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ , يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)(1/295)
حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ )(1)( قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ , حَسَنُ الثِّيَابِ , طَيِّبُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ , فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ , فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي )(2)وفي رواية : ( فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ ، فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ , مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ )(3)( فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَنْظِرُوا أَخَاكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ , فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ , فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ : مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ , مَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ ؟ , هَلْ تَزَوَّجَتْ ؟ , فَإِذَا سَألُوا عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ قَالَ لَهُمْ : إِنُّهُ قَدْ هَلَكَ )(4)( أَمَا أَتَاكُمْ ؟ )(5)( قَالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِيَّةُ ، قَالَ : فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ ، فَإِذَا رَأَوْا حَسَنًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا : اللَّهُمَّ هَذِهِ نِعْمَتُكَ عَلَى عَبْدِكَ فَأَتِمَّهَا ، وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا : اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِعَبْدِكِ )(6)( قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ الرَّجُلَ
__________
(1) ت ) 1071
(2) حم ) 18557
(3) س ) 1833
(4) ابن المبارك في " الزهد " ( 149 / 443 ) , انظر الصَّحِيحَة : 2758
(5) س ) 1833
(6) ابن المبارك في " الزهد " ( 149 / 443 ) , انظر الصَّحِيحَة : 2758(1/296)
السَّوْءَ(1)إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ )(2)( سُودُ الْوُجُوهِ , مَعَهُمْ الْمُسُوحُ(3)فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : )(4)( اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً )(5)( اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ - عز وجل - )(6)( وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ(7))(8)( قَالَ : فَتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ , فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ(9)مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ )(10)( فَتَتَقَطَّعُ مَعَهَا الْعُرُوقُ وَالْعَصَبُ )(11)(
__________
(1) جة ) 4262 , ( حم ) 8754
(2) س ) 1833
(3) المسوح : جمع المِسح بالكسر وهو اللباس الخشن .
(4) حم ) 18557
(5) جة ) 4262
(6) س ) 1833
(7) أَيْ : وَبِأَصْنَافٍ كَائِنَة مِنْ جِنْس الْمَذْكُور مِنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 114)
(8) جة ) 4262 , ( حم ) 8754
(9) السُّفُّود : عود من حديد يُنظَم فيه اللحم لِيُشوى .
(10) حم ) 18557
(11) حم ) 18558 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح ..(1/297)
وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ )(1)( ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا )(2)( حَتَّى يَأْتُونَ بَابَ الْأَرْضِ )(3)( فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : )(4)( مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ )(5)( رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَيْطَةً(6)
__________
(1) حم ) 18557
(2) جة ) 4262
(3) س ) 1833
(4) م ) 2872
(5) س ) 1833
(6) الرَّيْطَة : ثَوْب رَقِيق ، وَقِيلَ : هِيَ الْمُلَاءَة ، وَكَانَ سَبَب رَدّهَا عَلَى الْأَنْف بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ مِنْ نَتْن رِيح رُوح الْكَافِر ..شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 252)(1/298)
كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا – )(1)( مَنْ هَذَا ؟ )(2)( فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا – )(3)( فَيُقَالُ : لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً ، فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )(4)( ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }(5)فَيَقُولُ اللَّهُ - عز وجل - : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ(6)
__________
(1) م ) 2872
(2) جة ) 4262
(3) حم ) 18557
(4) جة ) 4262 , ( حم ) 25133
(5) الأعراف/40]
(6) السِّجِّين : السِّجْن , وسِجِّينٌ : واد في جهنم نعوذ بالله منها , مُشْتَقٌّ من ذلك , وقوله تعالى : { كلا إنَّ كتابَ الفُجَّار لفي سِجِّين } , قيل : المعنى أَن كتابهم في حَبْسٍ لخساسة منزلتهم عند الله - عز وجل - , وقيل : { في سِجِّين } في حَجَر تحت الأَرض السابعة , وقال مجاهد { في سِجِّين } في الأرض السابعة , وفي حديث أَبي سعيد ويُؤتى بكتابه مختوماً فيوضع في السِّجِّين , قال ابن الأَثير : هكذا جاء بالأَلف واللام , وهو بغيرهما اسم عَلَمٍ للنار .
لسان العرب - (ج 13 / ص 203)(1/299)
فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى , فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا , ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ , فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }(1))(2)( فَيُرْسَلُ بِهَا مِنْ السَّمَاءِ , ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ )(3)( فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ , وَيَأْتِيهِ الْمَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ )(4)( فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا(5))(6)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ , فَيَقُولُ : هَاهْ , هَاهْ(7)لَا أَدْرِي ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ , فَيَقُولُ : هَاهْ , هَاهْ , لَا أَدْرِي )(8)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ )(9)( الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ , فَيَقُولُ : فَيَقُولُ : هَاهْ , هَاهْ , لَا أَدْرِي )(10)( سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ [ قَوْلًا ] (11)فَقُلْتُ مِثْلَهُ(12)
__________
(1) الحج/31]
(2) حم ) 18557
(3) جة ) 4262 , ( حم ) 25133
(4) د ) 4753
(5) وفي رواية : وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ , فَيَقُولُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَعْبُدُ ؟ , فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي . ( د ) 4751
(6) جة ) 4268
(7) هَاهْ ) كَلِمَة يَقُولهَا الْمُتَحَيِّر الَّذِي لَا يَقْدِر مِنْ حِيرَته لِلْخَوْفِ أَوْ لِعَدَمِ الْفَصَاحَة أَنْ يَسْتَعْمِل لِسَانه فِي فِيهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753
(9) خ ) 1308
(10) د ) 4753
(11) جة ) 4268
(12) قال ابن عبد البر : كان شهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه , فكان يسمع الناس يقولون شيئا فيقوله ..(1/300)
)(1)( فَيَقُولَانِ لَهُ : لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ(2))(3)( قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ )(4)( ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ , فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا )(5)( الْخَلْقُ )(6)( إِلَّا الثَّقَلَيْنِ(7))(8)( فَيُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا ، فَيَقُولَانِ لَهُ : انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيَقُولَانِ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ ، عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مُتَّ ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى )(9)( فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ )(10)( انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ(11)
__________
(1) ت ) 1071 , ( خ ) 1308
(2) أَيْ : لَا فَهِمْت وَلَا قَرَأْت الْقُرْآن ، وَالْمَعْنَى لَا دَرَيْت وَلَا اِتَّبَعْت مَنْ يَدْرِي .فتح الباري (ج 4 / ص 449)
(3) خ ) 1273 , ( س ) 2051
(4) ت ) 1071
(5) خ ) 1273 , ( س ) 2051
(6) د ) 4751
(7) أَيْ : الْإِنْس وَالْجِنّ .عون المعبود - (ج 10 / ص 273)
(8) خ ) 1273 , ( س ) 2051
(9) جة ) 4268
(10) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(11) قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَاد بِالْأَوَّلِ : اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْمُؤْمِن إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ، وَالْمُرَاد بِالثَّانِي اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْكَافِر إِلَى سِجِّين ، فَهِيَ مُنْتَهَى الْأَجَل ، وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد إِلَى اِنْقِضَاء أَجَل الدُّنْيَا ..شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 252)(1/301)
)(1)( حَتَّى تَأْتُوا بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ )(2)( فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ , فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا(3)وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ )(4)( فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ : الْتَئِمِي عَلَيْهِ(5)فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهَا أَضْلَاعُهُ(6)فَلَا يَزَالُ فِيهَا(7)مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ )(8)( وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ , قَبِيحُ الثِّيَابِ , مُنْتِنُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ , فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ , فَيَقُولُ : رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ )(9)( وفي رواية : ( ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ(10)أَعْمَى أَبْكَمُ(11))(12)( لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ فَيَرْحَمَهُ )(13)(
__________
(1) م ) 2872
(2) س ) 1833
(3) السَّمُوم ) : الرِّيح الْحَارَّة . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(4) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(5) أَيْ : اِنْضَمِّي وَاجْتَمِعِي . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(6) الأَضْلَاع ) جَمْع ضِلْع , وَهُوَ عَظْم الْجَنْب , أَيْ : حَتَّى يَدْخُل بَعْضهَا فِي بَعْض مِنْ شِدَّة التَّضْيِيق وَالضَّغْط . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(7) أَيْ : فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(8) ت ) 1071 , ( د ) 4753
(9) حم ) 18557
(10) أَيْ : يُسَلَّط وَيُوَكَّل . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(11) الأبْكَم : الذي خُلق أخْرَس لا يتكلَّم .
(12) د ) 4753
(13) حم ) 27021 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : رجاله ثقات رجال الصحيح ..(1/302)
مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ(1)مِنْ حَدِيدٍ , لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا , فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ , فَيَصِيرُ تُرَابًا , ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ(2))(3)"
مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ تَشْيِيعُ جَنَائِزِ الصَّالِحِينَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِم
( حم ) , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) المِرْزَبَّة : المِطْرَقَة الكبيرة الَّتِي يُكْسَرُ بِهَا الحِجَارة .عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(2) فِي الحديث ذَمّ التَّقْلِيد فِي الِاعْتِقَادَات , لِمُعَاقَبَةِ مَنْ قَالَ : كُنْت أَسْمَع النَّاس يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَيِّت يَحْيَا فِي قَبْره لِلْمَسْأَلَةِ , خِلَافًا لِمَنْ رَدَّهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ ) قَالَ : فَلَوْ كَانَ يَحْيَا فِي قَبْره لَلَزِمَ أَنْ يَحْيَا ثَلَاث مَرَّات وَيَمُوت ثَلَاثًا , وَهُوَ خِلَاف النَّصّ ، وَالْجَوَاب بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْر لِلْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ الْحَيَاة الْمُسْتَقِرَّة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُوم فِيهَا الرُّوح بِالْبَدَنِ وَتَدْبِيره وَتَصَرُّفه , وَتَحْتَاج إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْأَحْيَاء ، بَلْ هِيَ مُجَرَّد إِعَادَة لِفَائِدَةِ الِامْتِحَان الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ، فَهِيَ إِعَادَة عَارِضَة ، كَمَا حَيِيَ خَلْق لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاء لِمَسْأَلَتِهِمْ لَهُمْ عَنْ أَشْيَاء , ثُمَّ عَادُوا مَوْتَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 449)
(3) د ) 4753(1/303)
" إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي إِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا ، تَنَزَّلَتْ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ كَأَنَّ عَلَى وُجُوهِهِمْ الشَّمْسَ ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ كَفَنٌ وَحَنُوطٌ ، فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ , وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ "(1)
( حب ك ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِبقَالَ :
(
__________
(1) حم ) 18637 , وصححه الألباني في المشكاة : 1630(1/304)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ - وَقَدْ كَانَ النَّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إِلَى دُونِ الأَعْرَاضِ عَلَى جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَقَدْ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ - رضي الله عنه - الْتَقَى هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَلَمَّا اسْتَعْلاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الأَسْوَدِ ، فَعَلاهُ شَدَّادٌ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ ، وَقَدْ كَادَ يَقْتُلُ أَبَا سُفْيَانَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ(1)" ، فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ(2))(3)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ )(4)"(5)
( خد س حم ابن سعد ) , وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - رضي الله عنه - (6)قَالَ :
( لَمَّا أُصِيبَ أَكْحَلُ(7)
__________
(1) أَيْ : زوجته .
(2) الْهَائِعَةَ ) : هِيَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ . نيل الأوطار - (ج 6 / ص 130)
(3) حب ) 7025
(4) ك ) 4917
(5) صححه الألباني في الصَّحِيحَة : 326 ، والإرواء : 713
(6) هو : محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأنصارى الأوسي الأشهلي الطبقة : 1 صحابي , الوفاة : , 96 هـ
وقيل 97 هـ , بالمدينة روى له : ( البخاري في الأدب المفرد - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )
(7) الْأَكْحَل ) : عِرْقٌ فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ ، قَالَ الْخَلِيل : هُوَ عِرْق الْحَيَاة , وَيُقَال إِنْ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ ,
فَهُوَ فِي الْيَدِ الْأَكْحَلِ , وَفِي الظَّهْرِ الْأَبْهَرِ , وَفِي الْفَخِذِ النَّسَا , إِذَا قُطِعَ لَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ .(1/305)
سَعْدٍ - رضي الله عنه - يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَثَقُلَ , حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا : رُفَيْدَةُ , وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، " فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ : كَيْفَ أَمْسَيْتَ ؟ ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ " ، فَيُخْبِرُهُ )(1)( حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي ثَقُلَ فِيهَا , فَاحْتَمَلَهُ قَوْمُهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ , " وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ عَنْهُ كَمَا كَانَ يَسْأَلُ " , فَقَالُوا : قَدِ انْطَلَقُوا بِهِ ، " فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَرَجْنَا مَعَهُ ، فَأَسْرَعَ الْمَشْي حَتَّى تَقَطَّعَتْ شُسُوعُ(2)نِعَالِنَا وَسَقَطَتْ أَرْدِيَتُنَا(3)
__________
(1) خد ) 1129 , انظر صحيح الأدب المفرد : 863
(2) الشِّسْع ) : أَحَد سُيُور النِّعَال ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُل بَيْن الْأُصْبُعَيْنِ ، وَيَدْخُل طَرَفه فِي النَّقْب الَّذِي فِي صَدْر النَّعْل الْمَشْدُود فِي الزِّمَام , وَجَمَعَهُ شُسُوع , وَالزِّمَام : هُوَ السَّيْر الَّذِي يُعْقَد فِيهِ الشِّسْع . ( النووي - ج 7 / ص 195)
(3) الأردية : جمع رداء , وهو ما يلبس فوق الثياب كالجُبَّة والعباءة ، أو ما يستر الجزء الأعلى من الجسم ..(1/306)
عَنْ أَعْنَاقِنَا " ، فَشَكَا أَصْحَابُهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتْعَبْتَنَا فِي الْمَشْيِ ، فَقَالَ : " إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ فَتَغْسِلُهُ كَمَا غَسَلَتْ حَنْظَلَةَ , فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْبَيْتِ وَهو يُغْسَّلُ " ، وَأُمُّهُ تَبْكِيهِ وَهِيَ تَقُولُ : وَيْلُ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدَا , بَرَاعَةً وَجِدَّا , بَعْدَ أَيَادٍ لَهُ وَمَجْدًا ، مُقَدَّمٌ سُدَّ بِهِ مَسَدًّا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إِلَّا أُمَّ سَعْدٍ )(1)( فَلَمَّا أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِنَازَةَ سَعْدٍ " قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ : مَا أَخَفَّ سَرِيرَ سَعْدٍ أَوْ جِنَازَةَ سَعْدٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَقَدْ نَزَلَ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شَهِدُوا جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ , مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ )(2)( فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَسُوِّيَ عَلَيْهِ , سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَسَبَّحْنَا طَوِيلًا , " ثُمَّ كَبَّرَ " فَكَبَّرْنَا , فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ سَبَّحْتَ ثُمَّ كَبَّرْتَ ؟ , فَقَالَ : " هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ )(3)(
__________
(1) ابن سعد ( 3 / 427 - 428 ) , انظر الصحيحة : 1158
(2) فضائل الصحابة : 1491 , ( ش ) 36797 , انظر الصَّحِيحَة : 3345
(3) حم ) 14916 , انظر الصحيحة : 3348 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن ..(1/307)
الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ , وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ , وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ )(1)( لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَيْهِ قَبْرُهُ , ثُمَّ فَرَّجَهُ اللَّهُ - عز وجل - عَنْهُ )(2)لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ(3)( فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْفَلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ , لَانْفَلَتَ مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ )(4)"
( ت حب ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ , وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : )(5)( " إِنَّمَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ مَعَهُمْ )(6)"
الْإيمَانُ بِالْجِنّ
قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ , وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ }(7)
وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا }(8)
( ك ) , وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) س ) 2055 , ( حب ) 7033 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 6987
(2) حم ) 14916 , انظر الصحيحة : 3348
(3) س ) 2055 , انظر الصحيحة : 3345
(4) البزار (3/256/2698- كشف الأستار) , انظر الصحيحة : 3345
(5) ت ) 3849
(6) حب ) 7032 , ( ت ) 3849 , انظر الصَّحِيحَة : 3347
(7) الحجر/26، 27]
(8) الجن/1](1/308)
" الْجِنُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ : صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ(1)"(2)
( طب ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْحَيَّاتُ مَسْخُ الْجِنِّ ، كَمَا مُسِخَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ "(3)
عَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ لِلْإنسَان
__________
(1) الظَّعْنُ : سَيْرُ البادية لنُجْعَةٍ أَو حُضُور ماءٍ , أَو طَلَبِ مَرْبَعٍ , أَو تَحَوُّلٍ من ماء إلى ماء , أَو من بلد إلى بلد , وقد يقال لكل شاخص لسفر في حج أَو غزو أَو مَسير من مدينة إلى أُخرى ظاعِنٌ , ويقال : أَظاعِنٌ أَنت أَم مُقيم ؟ والظَّعِينَة : الجمل يُظْعَنُ عليه , والظَّعِينة الهَوْدج تكون فيه المرأَة , وقيل : هو الهودج كانت فيه أَو لم تكن , والظَّعِينة : المرأَة في الهودج , سميت به على حَدِّ تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه .لسان العرب(ج13ص 270)
(2) ك ) 3702 , ( حب ) 6156 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3114 , والمشكاة : 4148 ، وهداية الرواة : 4076 , وصحيح موارد الظمآن : 1684
(3) طب ) 11946 , ( طس ) 4296 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3203 , الصَّحِيحَة : 1824
وقال الألباني : واعلم أن الحديث لَا يعني أن الحيات الموجودة الآن هي من الجن الممسوخ ، وإنما يعني أن الجن وقع فيهم مسخ إلى الحيات كما وقع في اليهود مسْخُهُم قردة وخنازير ، ولكنهم لم ينسلوا كما في الحديث الصحيح :
" إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا ، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك " . أ . هـ(1/309)
قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ , قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ؟ , قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ , قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ , قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ , قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ , قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ , ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ , قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ , قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ , وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ , قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ , إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ , إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا }(3)
__________
(1) الأعراف/11-17]
(2) ص/75-83]
(3) الكهف/50](1/310)
وَقَالَ تَعَالَى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }(1)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ : بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ , لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ , فَقَالَ اللَّهُ : فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي "(2)
( م حم ) , وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ(3)عَبْدًا حَلَالٌ , وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ(4)كُلَّهُمْ , وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ [ فَأَضَلَّتْهُمْ ](5)عَنْ دِينِهِمْ , وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ , وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا "(6)
( ك ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
(
__________
(1) يس/60]
(2) حم ) 11262 , ( ك ) 7761 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1650 , والصحيحة : 104
(3) النِّحْلة : العطاء عن طيب نفس بدون عِوَض .
(4) حُنَفَاء ) أَيْ : مُسْلِمِينَ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 247)
(5) حم ) 17519
(6) م ) ( 2865) , ( حم ) 17519(1/311)
إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ فَيَقُولُ : مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ , فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَهُ ، فَقَالَ : يُوشِكُ أَنْ يَبَرَّهُ ، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ، فَيَقُولُ : يُوشِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ ، فَيَقُولُ : أَنْتَ أَنْتَ ، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ ، فَيَقُولُ : أَنْتَ أَنْتَ ، وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ "(1)
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) ك ) 8027 , ( حب ) 6189 , انظر الصَّحِيحَة : 1280 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حب ) : إسناده صحيح .(1/312)
" إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْبَحْرِ(1)ثُمَّ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ , فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً , يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا , فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا , ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ , قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَلْتَزِمُهُ(2)وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ(3)"(4)
( خد ) , وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قَالْ :
إن الشيطان يأتي إلى فراش أحدكم بعدما يفرشه أهله ويهيئونه , فيُلقِي عليه العود أو الحجر أو الشيء ليُغْضِبَهُ على أهله , فإذا وجد ذلك فلَا يَغْضَبْ على أهله , لأنه من عمل الشيطان .(5)
وَسْوَسَةُ الشَّيْطَان
قَالَ تَعَالَى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ , مَلِكِ النَّاسِ , إِلَهِ النَّاسِ , مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ , الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ , مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }(6)
__________
(1) الْعَرْش : سَرِير الْمُلْك ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ مَرْكَزه الْبَحْر ، وَمِنْهُ يَبْعَث سَرَايَاهُ فِي نَوَاحِي الْأَرْض . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 193)
(2) أَيْ : يَضُمّهُ إِلَى نَفْسه وَيُعَانِقهُ . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 194)
(3) أَيْ : يَمْدَحهُ لِإِعْجَابِهِ بِصُنْعِهِ ، وَبُلُوغه الْغَايَة الَّتِي أَرَادَهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 194)
(4) م ) 2813 , ( حم ) 14417
(5) خد ) 1191 , وقال الألباني : ( حسن الإسناد , وقد صح مرفوعاً ) انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 911
(6) الناس/1-6](1/313)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ , فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ , وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ , فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ , فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّه رَبَّ الْعَالَمِينَ }(2)
( س حم ) , وَعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ(3)فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ : تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ ؟ , فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ,
__________
(1) الأعراف/19-22]
(2) الحشر/16]
(3) جَمْعُ طَرِيق . شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 408)(1/314)
ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ : تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ ؟ , وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ(1)فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ,
__________
(1) هُوَ الْحَبْل الَّذِي يُشَدّ أَحَد طَرَفَيْهِ فِي وَتَد , وَالطَّرَف الْآخِر فِي يَد الْفَرَس , وَهَذَا مِنْ كَلَام الشَّيْطَان , وَمَقْصُوده أَنَّ الْمُهَاجِر يَصِير كَالْمُقَيَّدِ فِي بِلَاد الْغُرْبَة , لَا يَدُور إِلَّا فِي بَيْته , وَلَا يُخَالِطهُ إِلَّا بَعْض مَعَارِفه , فَهُوَ كَالْفَرَسِ فِي طِوَلٍ , لَا يَدُور وَلَا يَرْعَى إِلَّا بِقَدْرِهِ , بِخِلَافِ أَهْل الْبِلَاد فِي بِلَادهمْ , فَإِنَّهُمْ مَبْسُوطُونَ لَا ضِيق عَلَيْهِمْ فَأَحَدهمْ كَالْفَرَسِ الْمُرْسَل . شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 408)(1/315)
ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ : تُجَاهِدُ ؟ , فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ(1) فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ , فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ , وَيُقْسَمُ الْمَالُ , فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ )(2)( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ , كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ )(3)( وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ , وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ(4)دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ )(5)"(6)
( م د حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) أي : تعبُ وضعْفُ النفس والمال .
(2) س ) 3134 , ( حم ) 16000
(3) حم ) 16000 , ( س ) 3134
(4) الوَقْص : كسر العنق والرقبة , والوَقَصُ بالتحريك : ما بَيْن الفَرِيضَتَيْن ، كالزِّيادة على الخَمْس من الإبل إلى التِّسْع وعلى العَشْر إلى أرْبَعَ عَشرة , والجَمع : أوْقاصٌ .
(5) س ) 3134 , ( حم ) 16000
(6) صَحِيح الْجَامِع : 1652 , الصَّحِيحَة : 2979(1/316)
جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلُوهُ )(1)( فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نُحَدِّثُ أَنْفُسَنَا بِالشَّيْءِ )(2)( مِنْ شَأْنِ الرَّبِّ - عز وجل - (3))(4)( لَأَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا حُمَمَةً(5)
__________
(1) م ) 132
(2) حم ) 3161 , ( د ) 5112
(3) ربما كان ذلك شكاً في وجود الله , كما قال ذلك رجل من التابعين لابن عباس , فقال له : ما نجا من ذلك أحد , وربما كان تساؤلاً عن بدء الخلق ، وأين كان الله قبل بدء الخلق ، كما سأل بعض الناس أبا هريرة فقالوا : من خَلَقَ اللهَ ، وربما كان شكاً في صدق نبوة النبي ، أو في صدق بعض الأخبار التي يُخبِر بها مما سيحدث في الدنيا والآخرة ، وربما كان التساؤل في القدر : لماذا خلق اللهُ بعضَ الناس وكتب عليهم الخلود في النار وهم في بطون أمهاتهم ، ولماذا كتب اللهُ الخطيئة على الإنسان ، وإلى ذلك مما لَا يستطيع إنسان مؤمن النطق به أو ينجوَ من التفكير فيه .ع
(4) حم ) 9877 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(5) أَيْ : فحمة ..(1/317)
أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ )(1)( فَقَالَ : " وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ " , قَالُوا : نَعَمْ )(2)( قَالَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ )(3)( ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ(4))(5)ذَاكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ (6)( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ )(7)"
( د ) , وَعَنْ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ :
__________
(1) حم ) 3161 , ( م ) 132
(2) م ) 132
(3) د ) 5112 , ( حم ) 2097
(4) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان ، فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا , وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُوَسْوِس لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ , فَيُنَكِّد عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ ،
وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يَأْتِيه مِنْ حَيْثُ شَاءَ , وَلَا يَقْتَصِر فِي حَقّه عَلَى الْوَسْوَسَة , بَلْ يَتَلَاعَب بِهِ كَيْف أَرَادَ , فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث : سَبَبُ الْوَسْوَسَة مَحْض الْإِيمَان ، أَوْ الْوَسْوَسَة عَلَامَةُ مَحْضِ الْإِيمَان , وَهَذَا الْقَوْل اِخْتِيَار الْقَاضِي عِيَاض . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 251)
(5) م ) 132
(6) حم ) 9877
(7) د ) 5112 , ( حم ) 2097(1/318)
سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍبفَقُلْتُ : مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي ؟ , قَالَ : مَا هُوَ ؟ , قُلْتُ : وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ , فَقَالَ لِي : أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ(1)؟ , فَضَحِكَ(2)
__________
(1) أَيْ : مَا تَجِدهُ فِي صَدْرك أَهُوَ شَيْء مِنْ شَكٍّ . عون المعبود - (ج 11 / ص 148)
(2) أَيْ : اِبْن عَبَّاس كَمَا هُوَ الظَّاهِر ..عون المعبود - (ج 11 / ص 148)(1/319)
وَقَالَ : مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - : { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ(1)
__________
(1) أَيْ : التَّوْرَاة , فَإِنَّهُ ثَابِت عِنْدهمْ يُخْبِرُونَك بِصِدْقِهِ , قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَشُكّ وَلَا أَسْأَل " كَذَا فِي تَفْسِير الْجَلَالَيْنِ ، وَفِي مَعَالِم التَّنْزِيل : قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كُنْت فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك } يَعْنِي الْقُرْآن , فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ قَبْلك , فَيُخْبِرُونَك أَنَّك مَكْتُوب عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , قِيلَ : هَذَا خِطَاب لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُرَاد بِهِ غَيْره عَلَى عَادَة الْعَرَب , فَإِنَّهُمْ يُخَاطِبُونَ الرَّجُل وَيُرِيدُونَ بِهِ غَيْره , كَقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيّهَا النَّبِيّ اِتَّقِ اللَّه } خَاطَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقِيلَ : كَانَ النَّاس عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن مُصَدِّق وَمُكَذِّب وَشَاكِّ , فَهَذَا الْخِطَاب مَعَ أَهْل الشَّكِّ , وَمَعْنَاهُ إِنْ كُنْت يَا أَيّهَا الْإِنْسَان فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك مِنْ الْهُدَى عَلَى لِسَان رَسُولنَا مُحَمَّد , فَاسْأَلْ الَّذِينَ إِلَخْ .
وقَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : وفِي الصَّحِيحَيْنِ " إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ " . عون المعبود - (ج 11 / ص 148)(1/320)
مِنْ قَبْلِكَ }(1)فَقَالَ لِي : إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(2).(3)
( خ م د حم ) , وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) يونس/94]
(2) الحديد/3]
(3) د ) 5110(1/321)
" ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : )(1)( مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ ؟ , فَيَقُولُ : اللَّهُ , ثُمَّ يَقُولُ : مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ ؟ , فَيَقُولُ : اللَّهُ , حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ , فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ )(2)( وَرُسُلِهِ )(3)( ثُمَّ لِيَتْفُلْ(4)
__________
(1) خ ) 3102 , ( م ) 134
(2) حم ) 21916 , ( خ ) 3102
(3) م ) 134 , ( حم ) 8358
(4) أَيْ : لِيَبْصُق ..عون المعبود - (ج 10 / ص 241)(1/322)
عَن يَسَارِهِ ثَلَاثًا )(1)( وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلْيَنْتَهِ(2)
__________
(1) د ) 4722
(2) أَيْ : وَلْيَنْتَهِ عَنْ الِاسْتِرْسَال مَعَهُ فِي ذَلِكَ ، بَلْ يَلْجَأ إِلَى اللَّه فِي دَفْعه ، وَيَعْلَم أَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد دِينه وَعَقْله بِهَذِهِ الْوَسْوَسَة ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي دَفْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَجْه هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الشَّيْطَان إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ فَاسْتَعَاذَ الشَّخْص بِاللَّهِ مِنْهُ وَكَفّ عَنْ مُطَاوَلَته فِي ذَلِكَ اِنْدَفَعَ ، قَالَ : وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَرَّضَ أَحَد مِنْ الْبَشَر بِذَلِكَ , فَإِنَّهُ يُمْكِن قَطْعه بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَان ، قَالَ : وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْآدَمِيّ يَقَع مِنْهُ الْكَلَام بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَاب , وَالْحَال مَعَهُ مَحْصُور ، فَإِذَا رَاعَى الطَّرِيقَة وَأَصَابَ الْحُجَّة اِنْقَطَعَ ، وَأَمَّا الشَّيْطَان فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ اِنْتِهَاء ، بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّة زَاغَ إِلَى غَيْرهَا إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحِيرَة ، نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : عَلَى أَنَّ قَوْله ( مَنْ خَلَقَ رَبّك ) كَلَام مُتَهَافِت يَنْقُض آخِرُهُ أَوَّلَهُ , لِأَنَّ الْخَالِق يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون مَخْلُوقًا ، ثُمَّ لَوْ كَانَ السُّؤَال مُتَّجِهًا لَاسْتَلْزَمَ التَّسَلْسُل وَهُوَ مُحَال ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْعَقْل أَنَّ الْمُحْدَثَات مُفْتَقِرَة إِلَى مُحْدِث , فَلَوْ كَانَ هُوَ مُفْتَقِرًا إِلَى مُحْدِث لَكَانَ مِنْ الْمُحْدَثَات ، اِنْتَهَى , وَالَّذِي نَحَا إِلَيْهِ مِنْ التَّفْرِقَة بَيْن وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَمُخَاطَبَة الْبَشَر فِيهِ نَظَر ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي مُسْلِم مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيث " لَا يَزَال النَّاس يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَال هَذَا خَلْق اللَّه الْخَلْق فَمَنْ خَلَقَ اللَّه ؟ , فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاللَّهِ " , فَسَوَّى فِي الْكَفّ عَنْ الْخَوْض فِي ذَلِكَ بَيْن كُلّ سَائِل عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَشَر وَغَيْره , وَقَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالِاشْتِغَال بِأَمْر آخَر وَلَمْ يَأْمُر بِالتَّأَمُّلِ وَالِاحْتِجَاج لِأَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه جَلَّ وَعَلَا عَنْ الْمُوجِد أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَقْبَل الْمُنَاظَرَة ، وَلِأَنَّ الِاسْتِرْسَال فِي الْفِكْر فِي ذَلِكَ لَا يَزِيد الْمَرْء إِلَّا حِيرَة ، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ فَلَا عِلَاج لَهُ إِلَّا الْمَلْجَأ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِاعْتِصَام بِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 60)(1/323)
)(1)( فَإِنَّ ذَلِكَ يَذْهُبُ عَنْهُ )(2)"(3)
( خ م حم صم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَالَ لِي : إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يَزَالُونَ يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ : )(4)( مَا كَذَا ؟ , مَا كَذَا ؟ , حَتَّى يَقُولُوا : هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ )(5)( فَعِنْدَ ذَلِكَ يَضِلُّونَ )(6)"
( م د حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 3102 , ( م ) 134
(2) حم ) 26246 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) صَحِيح الْجَامِع : 1542 , الصحيحة : 116
(4) حم ) 12014 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) خ ) 6866 , ( م ) 136
(6) صم ) 647 , وصححها الألباني في الصَّحِيحَة : 966(1/324)
" ( لَيَسْأَلَنَّكُمْ النَّاسُ عَن كُلِّ شَيْءٍ , حَتَّى يَقُولُوا : هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ , فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ )(1)( فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا : اللَّهُ أَحَدٌ(2)اللَّهُ الصَّمَدُ(3)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا(4)أَحَدٌ )(5)( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ رَجُلٍ - : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , قَدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ , وَهَذَا الثَّالِثُ )(6)( فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ : هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ , قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَجَعَلْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنَيَّ ثُمَّ صِحْتُ فَقُلْتُ : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ , لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )(7)( قَالَ : فَأَخَذَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ ثُمَّ قَالَ : قُومُوا , قُومُوا , صَدَقَ خَلِيلِي )(8).
( د ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
إِنَّ أَهْلَ فَارِسَ لَمَّا مَاتَ نَبِيُّهُمْ كَتَبَ لَهُمْ إِبْلِيسُ الْمَجُوسِيَّةَ . (9)
( جة ) , وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) م ) 135
(2) الْأَحَد : هُوَ الَّذِي لَا ثَانِي لَهُ فِي الذَّات وَلَا فِي الصِّفَات . عون المعبود - (ج 10 / ص 241)
(3) الصَّمَد : الْمَرْجِع فِي الْحَوَائِج الْمُسْتَغْنِي عَنْ كُلّ أَحَد . عون المعبود - (ج 10 / ص 241)
(4) أَيْ : مُكَافِيًا وَمُمَاثِلًا . عون المعبود - (ج 10 / ص 241)
(5) د ) 4722
(6) م ) 135
(7) حم ) 9015 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(8) م ) 135
(9) د ) 3042(1/325)
لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الطَّائِفِ , جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي , فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ : " ابْنُ أَبِي الْعَاصِ ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي , قَالَ : " ذَاكَ الشَّيْطَانُ , ادْنُهْ " , فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ , " فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ : اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ , فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ : الْحَقْ بِعَمَلِكَ " , قَالَ عُثْمَانُ : فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ , فَمَا نَسِيتُ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدُ أَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ(1).(2)
__________
(1) الآحاد والمثاني ) 1531
(2) صححه الألباني في ( جة ) : 3548 , والصَّحِيحَة : 2918
وقال في الصحيحة : وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمنا صالحا ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ، وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم ( 485 ) من حديث يعلى بن مرة قال : " سافرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت منه شيئا عجبا .." وفيه : " وأتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لَمَمٌ منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أدنيه " ، فأدنته منه ، فتفل في فيه وقال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله " . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وهو منقطع . ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى جوَّدَ المنذري أحدها ! ثم ختمت التخريج بقولي : " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد والله أعلم \ولكنني من جانب آخر أُنكِر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع ، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزِّل الله به سلطانا ، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب ، كما وقع هنا في عمَّان ، وفي مصر ، مما صار حديث الجرائد والمجالس , لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى ، فصاروا اليوم بالمئات ، وفيهم بعض النسوة المتبرجات ، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لَا يقوم بها إِلَّا الأطباء عادة إلى أمور ووسائل أخرى لَا يعرفها الشرع ولا الطب معا ، فهي عندي نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } ، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } , فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ؟ , مسلم أم كافر ؟ , وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده ، فقد شملهم جميعا وعيد قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد " ،
وفي حديث آخر : " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " , فينبغي الانتباه لهذا ، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتُلُوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة ، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لَا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اخرج عدو الله " ، مذكرا لهم بقوله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } , والله المستعان , ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله . أ . هـ(1/326)
( م ) , وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي(1)يَلْبِسُهَا عَلَيَّ(2)فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ , وَاتْفُلْ(3)عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا ", قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي .(4)
( خ م ت د ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : نَكَّدَنِي فِيهَا ، وَمَنَعَنِي لَذَّتهَا ، وَالْفَرَاغَ لِلْخُشُوعِ فِيهَا .شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 342)
(2) أَيْ : يَخْلِطهَا وَيُشَكِّكنِي فِيهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 342)
(3) النفث بالفم شبيه بالنفخ , وأما التَّفْل فلا يكون إلا ومعه شيء من الريق .غريب الحديث لأبي عبيد(ج1ص298)
(4) م ) ( 2203) , و( حم ) 17928 , وحسنه الألباني في صفة الصلاة ص 127(1/327)
" ( إِذَا نُودِيَ لِلصَلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ ، فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ )(1)( رَجَعَ فَوَسْوَسَ )(2)( فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ(3) أَدْبَرَ ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ )(4)( رَجَعَ فَوَسْوَسَ )(5)( حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ(6)يَقُولُ : اذْكُرْ كَذَا ، وَاذْكُرْ كَذَا ، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ(7)
__________
(1) خ ) 1174 , ( م ) 389
(2) م ) 389
(3) الْمُرَاد بِالتَّثْوِيبِ هُنَا الْإِقَامَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 406)
(4) خ ) 1174 , ( م ) 389
(5) م ) 389 , ( حم ) 9159
(6) أَيْ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنْ إِقْبَاله عَلَى صَلَاته وَإِخْلَاصه فِيهَا .فتح الباري (ج 2 / ص 406)
(7) أَيْ : لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ دُخُوله فِي الصَّلَاة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 406)(1/328)
)(1)( فَيَلْبِسُ عَلَيْهِ )(2)( حَتَّى لَا يَدْرِيَ الرَّجُلُ كَمْ صَلَّى )(3)( أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا )(4)( فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى )(5)( ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا )(6)( فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ )(7)( وَهُوَ جَالِسٌ )(8)( قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ(9))(10)"
( م ) , وَعَنْ سُهَيْلِ بن ذكوان قَالَ :
__________
(1) خ ) 1174 , ( م ) 389
(2) ت ) 397
(3) خ ) 583 , ( م ) 389
(4) خ ) 3111
(5) خ ) 1174 , ( م ) 389
(6) خ ) 1174
(7) خ ) 3111 , 1174 , ( م ) 389
(8) خ ) 1174 , ( م ) 389
(9) فيه دليل على أن السهو في الصلاة لَا يُبطلها ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن الشيطان يفعل بالإنسان ذلك كلما أراد أن يصلي ثم هو - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر من وجد الوسوسة بإعادة الصلاة ، ولم يقل ببطلانها ، وكأن السهو أمر يكاد يكون خارجاً عن الإرادة البشرية ، فلم يَعْرَ منه حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه ، عندما سها في صلاته - كما في حديث ذي اليدين - وعندما استمع لأصحابه وهم يحققون مع العبد القرشي يوم بدر وهو يصلي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من شك في صلاته بإتمام الصلاة والبناء على اليقين , أمَّا من يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَا يسهو ، وإنما كان سهوه بتقدير من الله ليُشَرِّع للأمة .. فنقول له : نعم ، ولكن , ماذا شرَّع النبي - صلى الله عليه وسلم - لِأُمَّتِه حين يسهو المرء في صلاته ؟ , هل أعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته لأنه سها فيها ؟ , أم أنه أكمل بقيتها وسلم ؟ . ع
(10) د ) 1032 , ( جة ) 1216(1/329)
أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا ، فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ(1)بِاسْمِهِ ، فَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ : لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَ هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَلَاةِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ(2)"(3) ( محقق )
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَأَبَسَ بِهِ(4)كَمَا يَأْبِسُ الرَّجُلُ بِدَابَّتِهِ , فَإِذَا سَكَنَ لَهُ زَنَقَهُ(5)أَوْ أَلْجَمَهُ " , قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ ، أَمَّا الْمَزْنُوقُ فَتَرَاهُ مَائِلًا كَذَا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ ، وَأَمَّا الْمَلْجُومُ فَفَاتِحٌ فَاهُ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ - عز وجل - .(6)
( خد ) عن عبد اللَّه بن مسعود قال :
النوم عند الذكر من الشيطان , إن شئتم فجربوا , إذا أخذ أحدكم مضجعه وأراد أن ينام فليذكر اللَّهَ - عز وجل - .(7)
(
__________
(1) الْحَائِطُ : الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ .
(2) أَيْ : ضُرَاط .
(3) م ) 389
(4) أَبَس ) : زَجَر دابته لتسرع المشي .
(5) الزِّناقُ : حَلَقةٌ توضع تحت حنك الدابة ثم يجعل فيها خيط يشد برأْسها يمنع به جِمَاحَها . لسان العرب
(6) قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في ( حم ) 8352 : إسناده قوي .
(7) خد ) 1208 , انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 922(1/330)
حم ) , وَعَنْ بريدة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا "(1)
( م حم ) , وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) حم ) 23012 , و( ك ) 1521 , صَحِيح الْجَامِع : 5814 , والصحيحة : 1268(1/331)
قَدِمْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ )(1)( فَذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنْ الْجَهْدِ(2)فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)( فَلَمْ يُضِفْنَا أَحَدٌ(4))(5)( فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - )(6)( " فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ " , فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَعْنُزٍ , فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا مِقْدَادُ , جَزِّئْ أَلْبَانَهَا بَيْنَنَا أَرْبَاعًا " )(7)( قَالَ : فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ , وَنَرْفَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَصِيبَهُ , " فَيَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ(8)ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ )(9)( فَاحْتُبَسَ(10)
__________
(1) حم ) 23860 , ( ت ) 2719
(2) الْجَهْد ) : الْجُوع وَالْمَشَقَّة .
(3) م ) 2055 , ( ت ) 2719
(4) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَرَضُوا أَنْفُسهمْ عَلَيْهِمْ كَانُوا مُقِلِّينَ لَيْسَ عِنْدهمْ شَيْء يُوَاسُونَ بِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 122)
(5) حم ) 23860 , ( ت ) 2719
(6) م ) 2055 , ( ت ) 2719
(7) حم ) 23860 , ( ت ) 2719
(8) هَذَا فِيهِ آدَاب السَّلَام عَلَى الْأَيْقَاظ فِي مَوْضِع فِيهِ نِيَام أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ، وَأَنَّهُ يَكُون سَلَامًا مُتَوَسِّطًا بَيْن الرَّفْع وَالْمُخَافَتَة ، بِحَيْثُ يُسْمِع الْأَيْقَاظ ، وَلَا يُهَوِّش عَلَى غَيْرهمْ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 122)
(9) م ) 2055 , ( ت ) 2719
(10) أَيْ : تأخر ..(1/332)
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ )(1)( فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي , فَقَالَ : مُحَمَّدٌ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ(2)وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ , مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ )(3)( فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُمْتُ إِلَى نَصِيبِهِ فَشَرِبْتُهُ ثُمَّ غَطَّيْتُ الْقَدَحَ )(4)( فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي(5)وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ , نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ فَقَالَ : وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ ؟ , أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ ؟ , فَيَجِيءُ )(6)( جَائِعًا فلَا يَجِدُ شَيْئًا )(7)( فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ فَتَهْلِكُ , قَالَ : وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي , وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ , وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّوْمُ , وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ )(8)( فَتَسَجَّيْتُ(9)
__________
(1) حم ) 23860
(2) التُّحْفةُ : الطُرْفةُ من الفاكهة وغيرها . لسان العرب - (ج 9 / ص 17)
(3) م ) 2055
(4) حم ) 23860
(5) أَيْ : دَخَلَتْ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ .
(6) م ) 2055
(7) حم ) 23860
(8) م ) 2055
(9) أَيْ : تغطيت ..(1/333)
وَجَعَلْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي , فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ " إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)( فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ , ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى , ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا , فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ " , فَقُلْتُ : الْآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِكُ , فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي , وَاسْقِ مَنْ أَسْقَانِي(2)" )(3)( قَالَ : فَاغْتَنَمْتُ الدَّعْوَةَ )(4)( فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَيَّ , وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْأَعْنُزِ أَجْتَسُّهَا أَيُّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(5)( فَلَا تَمُرُّ يَدَيَّ عَلَى ضَرْعِ وَاحِدَةٍ إِلَّا وَجَدْتُهَا حَافِلًا(6)
__________
(1) حم ) 23860
(2) فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحِلْم وَالْأَخْلَاق الْمَرْضِيَّة وَالْمَحَاسِن الْمَرْضِيَّة , وَكَرَم النَّفْس وَالصَّبْر وَالْإِغْضَاء عَنْ حُقُوقه ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَل عَنْ نَصِيبه مِنْ اللَّبَن . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 122)
(3) م ) 2055
(4) حم ) 23860
(5) م ) 2055
(6) أَيْ : قد امتلأ ضَرعُها لَبَنًا ..(1/334)
)(1)( وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ , فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ , فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ , فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ : " أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمْ اللَّيْلَةَ ؟ " , فَقُلْتُ : اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , " فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي " , فَقُلْتُ : اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ " فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي " , فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَوِيَ وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ , ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ(2)؟ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَكَذَا , وَفَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا هَذِهِ إِلَّا رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ(3)أَفَلَا كُنْتَ آذَنْتَنِي(4)فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا ؟ " , فَقُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ )(5)( إِذَا أَصَابَتْنِي وَإِيَّاكَ الْبَرَكَةُ فَمَا أُبَالِي مَنْ أَخْطَأَتْ )(6).
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 23860
(2) أَيْ : أَنَّك فَعَلْت سَوْأَة مِنْ الْفَعَلَات مَا هِيَ ؟ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 122)
(3) أَيْ : مَا إِحْدَاث هَذَا اللَّبَن فِي غَيْر وَقْته وَخِلَاف عَادَته إِلَّا رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيع مِنْ فَضْل اللَّه تَعَالَى . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 122)
(4) آذن : أعلَمَ وأخبر .
(5) م ) 2055
(6) حم ) 23860(1/335)
" ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي )(1)( مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا )(2)مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا(3)( مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ(4)" )(5)
دُخُولُ الْجِنِّ فِي الْإنْسَانِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِه
( خ م حم ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 4968
(2) خ ) 2391 , ( جة ) 2044
(3) خ ) 4968 , ( م ) 127
(4) احْتَجَّ مَنْ قَالَ : إِذَا طَلَّقَ نَفْسه طَلُقَتْ ، بِأَنَّ مَنْ اِعْتَقَدَ الْكُفْر بِقَلْبِهِ كَفَرَ , وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمَعْصِيَة أَثِمَ ، وَكَذَلِكَ مَنْ رَاءَى بِعَمَلِهِ وَأُعْجِبَ ، وَكَذَا مَنْ قَذَفَ مُسْلِمًا بِقَلْبِهِ ، وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَال الْقَلْب دُون اللِّسَان , وَأُجِيب بِأَنَّ الْعَفْو عَنْ حَدِيث النَّفْس مِنْ فَضَائِل هَذِهِ الْأُمَّة ، وَالْمُصِرّ عَلَى الْكُفْر لَيْسَ مِنْهُمْ ، وَبِأَنَّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَة الْآثِم مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَمَل الْمَعْصِيَة , لَا مَنْ لَمْ يَعْمَل مَعْصِيَة قَطُّ ، وَأَمَّا الرِّيَاء وَالْعُجْب وَغَيْر ذَلِكَ فَكُلّه مُتَعَلِّق بِالْأَعْمَالِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 100)
(5) م ) 127 , ( خ ) 6287(1/336)
" ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ )(1)( مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا )(2)( يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ )(3)( أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الصَّبِيِّ حِينَ يَسْقُطُ كَيْفَ يَصْرُخُ ؟ " , قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " فَذَاكَ حِينَ )(4)( يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ فِي حِضْنَيْهِ(5))(6)( فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ(7) إِلَّا مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ , وَابْنَهَا عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام )(8)( ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ(9)
__________
(1) خ ) 4274
(2) خ ) 3248
(3) خ ) 3112 , ( حم ) 7866
(4) حم ) 8801 , وقال الشيخ الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(5) حِضْنَيْهِ ) : تَثْنِيَة حِضْن ، وَهُوَ الْجَنْب ، وَقِيلَ : الْخَاصِرَة . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 12)
(6) حم ) 8801 , ( م ) 2366
(7) أَيْ : سَبَب صُرَاخ الصَّبِيّ أَوَّل مَا يُولَد الْأَلَم مِنْ مَسّ الشَّيْطَان إِيَّاهُ ، وَالِاسْتِهْلَال الصِّيَاح .فتح الباري(ج10ص231)
(8) خ ) 4274 , ( م ) 2366
(9) الْمُرَاد بِالْحِجَابِ : الْجِلْدَة الَّتِي فِيهَا الْجَنِين , أَيْ : فِي الْمَشِيمَة الَّتِي فِيهَا الْوَلَد , أَوْ الثَّوْب الْمَلْفُوف عَلَى الطِّفْل , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : هَذَا الطَّعْن مِنْ الشَّيْطَان هُوَ اِبْتِدَاء التَّسْلِيط ، فَحَفِظَ اللَّهُ مَرْيَم وَابْنهَا مِنْهُ بِبَرَكَةِ دَعْوَة أُمّهَا حَيْثُ قَالَتْ : ( إِنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم ) , وَلَمْ يَكُنْ لِمَرْيَم ذُرِّيَّة غَيْرُ عِيسَى ..فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 231)(1/337)
" )(1)( ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }(2))(3).
( م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ , وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ " , قَالُوا : وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " وَإِيَّايَ , وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ(4)فلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ "(5) ( محقق )
( خ م ) , وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ :
__________
(1) خ ) 3112 , ( حم ) 10783
(2) آل عمران/36]
(3) خ ) 4274 , ( م ) 2366
(4) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْقَرِين أَسْلَمَ وَصَارَ مُؤْمِنًا لَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّة مُجْتَمِعَة عَلَى عِصْمَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي جِسْمه وَخَاطِره وَلِسَانه , وَفِي هَذَا الْحَدِيث : إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ فِتْنَة الْقَرِين وَوَسْوَسَته وَإِغْوَائِهِ ، فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا لِنَحْتَرِز مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَان . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 195)
(5) م ) 2814 , ( حم ) 3648(1/338)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَكِفًا )(1)( فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " )(2)( فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا )(3)( وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ )(4)( فَتَحَدَّثْتُ عِنْدَهُ سَاعَةً )(5)( ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ , " فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعِي لِيَقْلِبَنِي(6)" - وَكَانَ مَسْكَنِي فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ(7)- فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا , فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَلَى رِسْلِكُمَا(8)
__________
(1) خ ) 3281
(2) خ ) 2035
(3) خ ) 3281
(4) خ ) 2038
(5) خ ) 2035
(6) أَيْ : يَرُدّنِي إِلَى بَيْتِي , وَفِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِد مَعَهَا لِتَبْلُغ مَنْزِلهَا ، وَفِي هَذَا حُجَّة لِمَنْ رَأَى أَنَّ الِاعْتِكَاف لَا يَفْسُد إِذَا خَرَجَ فِي وَاجِب , وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُعْتَكِفَ مِنْ إِتْيَان الْمَعْرُوف . عون المعبود - (ج 5 / ص 357)
(7) الَّذِي يَظْهَر أَنَّ اِخْتِصَاص صَفِيَّة بِذَلِكَ لِكَوْنِ بُيُوتَ رُفْقَتِهَا كَانَتْ أَقْرَب مِنْ مَنْزِلهَا , فَخَشِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 326)
(8) أَيْ : عَلَى هِينَتِكُمَا فِي الْمَشْي , فَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ تَكْرَهَانِهِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 326)(1/339)
)(1)( هَذِهِ زَوْجَتِي )(2)( صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ " , فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ(3)- وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ – )(4)وفي رواية(5): فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ ( فَقَالَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ(6)
__________
(1) خ ) 3281
(2) م ) 2174
(3) سُبْحَان اللَّه ) : حَقِيقَة تَنَزّه اللَّه تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُون رَسُوله مُتَّهَمًا بِمَا لَا يَنْبَغِي , أَوْ كِنَايَة عَنْ التَّعَجُّب مِنْ هَذَا الْقَوْل . عون المعبود - (ج 5 / ص 357)
(4) خ ) 2035
(5) عند ( م ) 2174 , عن أنس " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ ، فَدَعَاهُ...
(6) قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَقَدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى سَبِيل الِاسْتِعَارَة مِنْ كَثْرَةِ إِغْوَائِهِ ، وَكَأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ كَالدَّمِ فَاشْتَرَكَا فِي شِدَّة الِاتِّصَال وَعَدَمِ الْمُفَارَقَةِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 326)(1/340)
)(1)( وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا(2)
__________
(1) خ ) 2039 , ( م ) 2175
(2) لَمْ يَنْسُبْهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهُمَا يَظُنَّانِ بِهِ سُوءًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْده مِنْ صِدْقِ إِيمَانِهِمَا ، وَلَكِنْ خَشِيَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُمَا الشَّيْطَان ذَلِكَ , لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ , فَقَدْ يُفْضِي بِهِمَا ذَلِكَ إِلَى الْهَلَاكِ , فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامهمَا حَسْمًا لِلْمَادَّةِ , وَتَعْلِيمًا لِمَنْ بَعْدَهُمَا إِذَا وَقَعَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِم أَنَّ الشَّافِعِيّ كَانَ فِي مَجْلِس اِبْن عُيَيْنَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيث , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنَّمَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمَا الْكُفْرَ إِنْ ظَنَّا بِهِ التُّهْمَةَ , فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامِهِمَا نَصِيحَةً لَهُمَا قَبْل أَنْ يَقْذِفَ الشَّيْطَانُ فِي نُفُوسهمَا شَيْئًا يَهْلِكَانِ بِهِ , وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز اِشْتِغَال الْمُعْتَكِفِ بِالْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مِنْ تَشْيِيعِ زَائِرِهِ وَالْقِيَام مَعَهُ وَالْحَدِيث مَعَ غَيْره ، وَإِبَاحَة خَلْوَةِ الْمُعْتَكِفِ بِالزَّوْجَةِ ، وَزِيَارَة الْمَرْأَة لِلْمُعْتَكِفِ ، وَبَيَان شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّته وَإِرْشَادهمْ إِلَى مَا يَدْفَع عَنْهُمْ الْإِثْم , وَفِيهِ التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ الظَّنّ وَالِاحْتِفَاظ مِنْ كَيَدِ الشَّيْطَان وَالِاعْتِذَار ، قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَهَذَا مُتَأَكِّد فِي حَقّ الْعُلَمَاء وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ , فَلَا يَجُوز لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلًا يُوجِب سُوء الظَّنّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مَخْلَص , لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إِلَى إِبْطَال الِانْتِفَاع بِعِلْمِهِمْ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّن لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجْه الْحُكْم إِذَا كَانَ خَافِيًا نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ , وَفِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ لَيْلًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 326)(1/341)
)(1)"
( م حم ) , وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ :
( قَالَتْ عَائِشَةُ ك : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، قُلْنَا : بَلَى ، قَالَتْ : لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا عِنْدِي ،
" انْقَلَبَ(2)فَوَضَعَ رِدَاءَهُ ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنِّي قَدْ رَقَدْتُ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ، ثُمَّ أَجَافَهُ(3)رُوَيْدًا " )(4)( قَالَتْ : فَغِرْتُ عَلَيْهِ )(5)( فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي ، وَاخْتَمَرْتُ ، وَتَقَنَّعْتُ(6)إِزَارِي(7)ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ، " حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ(8)فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(9)
__________
(1) خ ) 3101 , ( م ) 2175
(2) أَيْ : رَجَعَ مِنْ صَلَاة الْعِشَاء . شرح سنن النسائي - (ج 5 / ص 377)
(3) أَيْ : أَغْلَقَهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم - فِي خُفْيَة لِئَلَّا يُوقِظهَا وَيَخْرُج عَنْهَا ، فَرُبَّمَا لَحِقَهَا وَحْشَة فِي اِنْفِرَادهَا فِي ظُلْمَة اللَّيْل . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 401)
(4) م ) 974 , ( س ) 3963
(5) م ) 2815
(6) التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره .
(7) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن .
(8) الْبَقِيع : مَقْبَرَة الْمُسْلِمِينَ بالمدينة .
(9) أُنظر كيف رفع يديه في الدعاء في غير صلاة الاستسقاء .ع(1/342)
ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ(1)فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ , " فَدَخَلَ فَقَالَ : مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً(2)؟
__________
(1) الْإِحْضَار : الْعَدْوُ .
(2) حَشْيَا ) أَيْ مُرْتَفِعَة النَّفْس مُتَوَاتِرَته كَمَا يَحْصُل لِلْمُسْرِعِ فِي الْمَشْي . شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 278)
وَقَوْله : ( رَابِيَة ) أَيْ مُرْتَفِعَة الْبَطْن . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 401)(1/343)
" فَقُلْتُ : لَا شَيْءَ ، قَالَ : " لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي .. فَأَخْبَرْتُهُ ، قَالَ : " فَأَنْتِ السَّوَادُ(1)الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ )(2)( قَالَ : " يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ ؟ " , فَقُلْتُ : وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ ؟ )(3)( قَالَ : " أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ(4)اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ " , فَقُلْتُ : مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ، نَعَمْ , " فَلَهَدَنِي(5)
__________
(1) أَيْ : الشَّخْص .
(2) م ) 974 , ( س ) 3963
(3) م ) 2815
(4) الْحَيْف بِمَعْنَى الْجَوْر , أَيْ : بِأَنْ يَدْخُلَ الرَّسُولُ فِي نَوْبَتِك عَلَى غَيْرك , وَذِكْرُ اللَّهِ لِتَعْظِيمِ الرَّسُولِ , وَالدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الرَّسُول لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ بِدُونِ إِذْن مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْقَسْم عَلَيْهِ وَاجِب , إِذْ لَا يَكُونُ تَرْكُهُ جَوْرًا إِلَّا إِذَا كَانَ وَاجِبًا . شرح سنن النسائي(ج 3 / ص 278)
(5) مِنْ اللَّهْد , وَهُوَ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ فِي الصَّدْر , وَهَذَا كَانَ تَأْدِيبًا لَهَا مِنْ سُوءِ الظَّنِّ ..شرح سنن النسائي(1/344)
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي )(1)( ثُمَّ قَالَ : أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ ؟ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ " , قُلْتُ : وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ ؟ , قَالَ : " نَعَمْ " , قُلْتُ : وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ " )(2)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ خَرَجْتَ اللَّيْلَةَ ؟ )(3)( قَالَ : " إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي فَأَجَبْتُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ قَدْ رَقَدْتِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي ، فَقَالَ لِي : إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ " , فَقُلْتُ : كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ , وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ )(4)"
( م د ) , وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) م ) 974 , ( س ) 3963
(2) م ) 2815 , ( س ) 3960
(3) حم ) 24656 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده محتمل للتحسين .
(4) م ) 974 , ( س ) 2037(1/345)
كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا(1)حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعَ يَدَهُ(2)وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا , فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ(3)كَأَنَّهَا تُدْفَعُ(4)فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ , " فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهَا " , ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ , " فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ(5))(6)( وَإِنَّهُ لَمَّا أَعْيَيْتُمُوهُ )(7)(
__________
(1) أَيْ : فِي الطَّعَام . عون المعبود - (ج 8 / ص 275)
(2) فِيهِ بَيَان هَذَا الْأَدَب ، وَهُوَ أَنَّهُ يَبْدَأ الْكَبِير وَالْفَاضِل فِي غَسْل الْيَد لِلطَّعَامِ وَفِي الْأَكْل . عون المعبود - (ج 8 / ص 275)
(3) أَيْ : بِنْت صَغِيرَة . عون المعبود - (ج 8 / ص 275)
(4) يَعْنِي لِشِدَّةِ سُرْعَتهَا كَأَنَّهَا مَدْفُوعَةٌ. شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 53)
(5) مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَتَمَكَّن مِنْ أَكْل الطَّعَام إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَان بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه تَعَالَى , وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَع فِيهِ أَحَد فَلَا يَتَمَكَّن . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 53)
(6) م ) 2017 , ( د ) 3766
(7) حم ) 23421 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح ..(1/346)
جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا , فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا , فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ , فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ [ أَيْدِيهِمَا(1)](2)ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ وَأَكَلَ )(3)"
( أبوالشيخ في كتاب العظمة ) ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" قَالَ إِبْلِيسُ : يَا رَبِّ , كُلُّ خَلْقِكِ قَدْ سَبَّبْتَ أَرْزَاقَهُمْ , فَمَا رِزْقِي ؟ , قَالَ : كُلُّ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمِي عَلَيْهِ "(4)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِي(5)شَيَاطِينَهُ شِيْطِانَهُ(6)كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بَعِيرَهُ فِي السَّفَرِ "(7)
تَلَبُّس الْجِنّ بِالْآدَمِيِّ
__________
(1) مَعْنَاهُ أَنَّ يَدِي فِي يَد الشَّيْطَان مَعَ يَد الْجَارِيَة وَالْأَعْرَابِيّ .شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 53)
(2) د ) 3766
(3) م ) 2017 , ( د ) 3766
(4) أخرجه أبو الشيخ في " كتاب العظمة " ( 12 / 128 / 1 ) , وأبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 126 ) , والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 257 / 2 ) , انظر الصَّحِيحَة : 708
(5) أَنْضَيْتُ الثوبَ وانْتَضَيْتُه : أَخْلَقْتُه وأَبَلَيْتُه , ونَضا الخِضابُ نَضْواً ونُضُوّاً : ذَهَبَ لَوْنُه .لسان العرب(ج15ص 329)
( ينضي شيطانه ) أي : يُهْزِلُهُ ويجعله نضوا , أي مهزولا لكثرة إذلاله له , وجعله أسيرا تحت قهره وتصرفه , ومن أعز سلطان الله أعزه الله , وسَلَّطَهُ على عدوه . فيض القدير - (ج 2 / ص 488)
(6) هذه وردت برواية ضعيفة في ضعيف الجامع : 1772
(7) حم ) 8927 , انظر الصَّحِيحَة : 3586(1/347)
قَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }(1)
( خ م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه , بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ )(2)( فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ(3))(4)( وَلَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ(5))(6)( فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ(7))(8)فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تَخْتَرِقُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ(9)( فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ )(10)"
( م حم ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) البقرة/275]
(2) طب ) 11094 , انظر الصحيحة : 1366 , ( م ) 2012
(3) أَيْ : اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْخُرُوج ذَلِكَ الْوَقْت . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 48)
(4) خ ) 3106 , ( م ) 2012
(5) الْفَوَاشِي ) : كُلّ مُنْتَشِر مِنْ الْمَال , كَالْإِبِلِ وَالْغَنَم وَسَائِر الْبَهَائِم وَغَيْرهَا ، وَهِيَ جَمْع فَاشِيَة ؛ لِأَنَّهَا تَفْشُو ، أَيْ : تَنْتَشِر فِي الْأَرْض . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 49)
(6) م ) 2013
(7) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُخَاف عَلَى الصَّبِيَّانِ ذَلِكَ الْوَقْت مِنْ إِيذَاء الشَّيَاطِين لِكَثْرَتِهِمْ حِينَئِذٍ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 48)
(8) خ ) 3106 , ( م ) 2012
(9) حم ) 14941 ، وصححها الألباني في صَحِيح الْجَامِع : 182 ، والصَّحِيحَة : 905
(10) خ ) 3128 , ( م ) 2012(1/348)
" ( إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ(1))(2)فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ(3)( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ )(4)( فِي فِيهِ(5))(6)"
أَمْرُ الْجِنِّيِّ بِالْخُرُوج
( جة ) , وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الطَّائِفِ , جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي , فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ : " ابْنُ أَبِي الْعَاصِ ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي , قَالَ : " ذَاكَ الشَّيْطَانُ , ادْنُهْ " , فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ , " فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ : اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ , فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ : الْحَقْ بِعَمَلِكَ " , قَالَ عُثْمَانُ : فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ , فَمَا نَسِيتُ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدُ أَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ(7).(8)
__________
(1) أَيْ : عَلَى فَمه . عون المعبود - (ج 11 / ص 66)
(2) م ) 2995 , ( د ) 5026
(3) م ) 2995 , ( د ) 5026
(4) م ) 2995 , ( د ) 5026
(5) إِمَّا يَدْخُلُ حَقِيقَة , أَوْ الْمُرَاد بِالدُّخُولِ التَّمَكُّن مِنْهُ . عون المعبود - (ج 11 / ص 66)
(6) حم ) 11280 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) الآحاد والمثاني ) 1531
(8) صححه الألباني في ( جة ) : 3548 , والصَّحِيحَة : 2918
وقال في الصحيحة : وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمنا صالحا ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ، وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم ( 485 ) من حديث يعلى بن مرة قال : " سافرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت منه شيئا عجبا .." وفيه : " وأتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لَمَمٌ منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أدنيه " ، فأدنته منه ، فتفل في فيه وقال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله " . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وهو منقطع . ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى جوَّدَ المنذري أحدها ! ثم ختمت التخريج بقولي : " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد والله أعلم \ولكنني من جانب آخر أُنكِر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع ، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزِّل الله به سلطانا ، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب ، كما وقع هنا في عمَّان ، وفي مصر ، مما صار حديث الجرائد والمجالس , لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى ، فصاروا اليوم بالمئات ، وفيهم بعض النسوة المتبرجات ، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لَا يقوم بها إِلَّا الأطباء عادة إلى أمور ووسائل أخرى لَا يعرفها الشرع ولا الطب معا ، فهي عندي نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } ، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } , فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ؟ , مسلم أم كافر ؟ , وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده ، فقد شملهم جميعا وعيد قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد " ،
وفي حديث آخر : " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " , فينبغي الانتباه لهذا ، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتُلُوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة ، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لَا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اخرج عدو الله " ، مذكرا لهم بقوله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } , والله المستعان , ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله . أ . هـ(1/349)
( حم ) , وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا بِهِ لَمَمٌ(1)فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ , أَنَا رَسُولُ اللَّهِ " , قَالَ : فَبَرَأَ , فَأَهْدَتْ إِلَيْهِ كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ(2)وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خُذْ الْأَقِطَ وَالسَّمْنَ وَأَحَدَ الْكَبْشَيْنِ , وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ "(3)
ظُهُورُ الْجِنِّ لِلْإنْسَانِ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّشَكُّل
قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ , فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(4)
( م س حم ) , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) اللَّمَم : الْخَبَل وَالْجُنُون .
(2) الأَقِط : لبن مجفف يابس يطبخ به .
(3) حم ) 17584 , انظر الصَّحِيحَة : 485 ، وهداية الرواة : 5865
(4) الأنفال/48](1/350)
" ( قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ) (1)( يُصَلِّي )(2)( فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ , ثُمَّ قَالَ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ , أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ , أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ , وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا " , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَلَاةِ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ , وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ , قَالَ : " إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي , فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , ثُمَّ قُلْتُ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ )(3)( فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ فَخَنَقْتُهُ )(4)( فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا )(5)( ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ , فَوَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ - عليه السلام - (6)
__________
(1) م ) 542
(2) س ) 1215
(3) م ) 542 , ( س ) 1215
(4) صحيح موارد الظمآن : 434
(5) حم ) 11797 , انظر الصَّحِيحَة : 3251 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن .
(6) أَيْ : بِقَوْلِهِ : { رَبّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } , ومَعْنَاهُ أَنَّهُ مُخْتَصّ بِهَذَا , فَامْتَنَعَ نَبِيّنَا - صلى الله عليه وسلم - مِنْ رَبْطه ، إِمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْدِر عَلَيْهِ لِذَلِكَ ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَمَّا تَذَكَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَاطَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَتَأَدُّبًا ..شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 303)(1/351)
لَأَصْبَحَ )(1)( مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ )(2)( يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ )(3)( فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ )(4)"
( خ ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ , فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ , فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ(5)إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ,
فَقَالَ : إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ(6)وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ , قَالَ : فَخَلَّيْتُ عَنْهُ , فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ , مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا , فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ , قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " ,
فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ , فَرَصَدْتُهُ , فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ , فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ,
__________
(1) م ) 542 , ( س ) 1215
(2) حم ) 11797
(3) م ) 542 , ( س ) 1215
(4) حم ) 11797
(5) أَيْ : لَأَذْهَبَنَّ بِك أَشْكُوك ، يُقَال : رَفَعَهُ إِلَى الْحَاكِم إِذَا أَحْضَرَهُ لِلشَّكْوَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 155)
(6) أَيْ : وَعَلَيَّ نَفَقَة عِيَال .(1/352)
قَالَ : دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ , لَا أَعُودُ , فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ , فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ , مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا , فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ , قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " , فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ , فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ , فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ , وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ , تَزْعُمُ أَنَّكَ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ , قَالَ : دَعْنِي وَأُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا , قُلْتُ : مَا هِي ؟ - وَكَانُوا(1)
__________
(1) أَيْ : الصَّحَابَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 155)(1/353)
أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ - قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ : { اللَّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } حَتَّى تَخْتِمَ الْآية , فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ , وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ , فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ , فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ , مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ , قَالَ : " مَا هِيَ ؟ " , قُلْتُ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ , وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ(1)
__________
(1) قَوْله : ( وَهُوَ كَذُوب ) مِنْ التَّتْمِيم الْبَلِيغ الْغَايَة فِي الْحُسْن , لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الصِّدْق , فَأَوْهَمَ لَهُ صِفَة الْمَدْح ، ثُمَّ اِسْتَدْرَكَ ذَلِكَ بِصِفَةِ الْمُبَالَغَة فِي الذَّمّ بِقَوْلِهِ " وَهُوَ كَذُوب " ..فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 155)(1/354)
تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " , قُلْتُ : لَا , قَالَ : " ذَاكَ شَيْطَانٌ(1)
__________
(1) فِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَنَّ الشَّيْطَان قَدْ يَعْلَم مَا يَنْتَفِع بِهِ الْمُؤْمِن ، وَأَنَّ الْحِكْمَة قَدْ يَتَلَقَّاهَا الْفَاجِر فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا , وَتُؤْخَذ عَنْهُ فَيَنْتَفِع بِهَا ، وَأَنَّ الشَّخْص قَدْ يَعْلَم الشَّيْء وَلَا يَعْمَل بِهِ , وَأَنَّ الْكَافِر قَدْ يَصْدُق بِبَعْضِ مَا يَصْدُق بِهِ الْمُؤْمِن , وَلَا يَكُون بِذَلِكَ مُؤْمِنًا ، وَبِأَنَّ الْكَذَّاب قَدْ يَصْدُق ، وَبِأَنَّ الشَّيْطَان مِنْ شَأْنه أَنْ يَكْذِب ، وَأَنَّهُ قَدْ يَتَصَوَّر بِبَعْضِ الصُّوَر فَتُمْكِن رُؤْيَته ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) مَخْصُوص بِمَا إِذَا كَانَ عَلَى صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا ، وَأَنَّ الْجِنّ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَام الْإِنْس ، وَأَنَّهُمْ يَظْهَرُونَ لِلْإِنْسِ لَكِنْ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُور ، وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْإِنْس ، وَأَنَّهُمْ يَسْرِقُونَ وَيَخْدَعُونَ ، وَفِيهِ فَضْل آيَة الْكُرْسِيّ وَفَضْل آخَر سُورَة الْبَقَرَة ، وَفِيهِ أَنَّ السَّارِق لَا يُقْطَع فِي الْمَجَاعَة ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَدْر الْمَسْرُوق لَمْ يَبْلُغ النِّصَاب وَلِذَلِكَ جَازَ لِلصَّحَابِيِّ الْعَفْو عَنْهُ قَبْل تَبْلِيغه إِلَى الشَّارِع , وَفِيهِ قَبُول الْعُذْر وَالسَّتْر عَلَى مَنْ يُظَنّ بِهِ الصِّدْق ..فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 155)(1/355)
"(1)
( م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ , فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ , فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ : سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ . (2)
( خد ) , وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ :
كان عمر - رضي الله عنه - يقول على المنبر : يا أيها الناس أصلحوا عليكم مثاويكم(3)وأخيفوا هذه الجِنَّان(4)قبل أن تخيفكم , فإنه لن يبدو لكم مسلموها , وإنا والله ما سالمناهن منذ عاديناهن .(5)
( م ) , وَعَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ قَالَ :
__________
(1) خ ) 2187 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 610 , والمشكاة : 2123 , والحديث ليسن معلقا عند ( خ ) , قال النووي : إن ( عثمان بن الهيثم ) من شيوخ البخاري المعروفين , وقول البخاري : ( قال فلان ) إن كان من شيوخه محمول على السماع والاتصال , وهذه فائدة مهمة فتنبه ! أنظر هداية الرواة : 2065
(2) م ) 7
(3) جمع مثوى أَيْ : المنزل .
(4) الجِنَّان : جمع جانّ : وهي الحية الصغيرة , وقيل : الحيات التي تكون في البيوت .
(5) خد ) 446 , صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد : 347 .(1/356)
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - فِي بَيْتِهِ , فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي , فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ , فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ(1)فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ , فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا , فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ اجْلِسْ , فَجَلَسْتُ , فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ : أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ ؟ , قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَنْدَقِ , فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ , فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ , فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ " , فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ ثُمَّ رَجَعَ , فَإِذَا امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ , فَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ , فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعَنَهَا بِهِ , فَقَالَتْ لَهُ : اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ , وَادْخُلْ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي , فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ , فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ(2) ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ , فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ(3)
__________
(1) العرجون : هو العُود الأصْفر الذي فيه شَمَاريخ العِذْق .
(2) انتظم الشيء : ضم بعضه إلى بعض ، والمعنى : أصابها بالرمح .
(3) الاضطراب : التحرك على غير انتظام ..(1/357)
فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا , الْحَيَّةُ أَمْ الْفَتَى , قَالَ : فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا : ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا , فَقَالَ : " اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ , ثُمَّ قَالَ : إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا , فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ(1)فَحَذِّرُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(2)فَإِنْ بَدَا لَكُمْ(3)بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ , فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ(4)
__________
(1) الْإِيذَان : بِمَعْنَى الْإِعْلَام ، وَالْمُرَاد بِهِ الْإِنْذَار وَالِاعْتِذَار . عون المعبود - (ج 11 / ص 291)
(2) د ) 5257 , أَيْ : خَوِّفُوهُ ، وَالْمُرَاد مِنْ التَّحْذِير : التَّشْدِيد بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ . عون المعبود - (ج 11 / ص 291)
(3) أَيْ : ظَهَرَ . عون المعبود - (ج 11 / ص 291)
(4) أَيْ : فَلَيْسَ بِجِنِّيٍّ مُسْلِمٍ , بَلْ هُوَ إِمَّا جِنِّيٌّ كَافِرٌ , وَإِمَّا حَيَّةٌ ، وَسَمَّاهُ شَيْطَانًا لِتَمَرُّدِهِ وَعَدَم ذَهَابه بِالْإِيذَانِ . عون المعبود - (ج 11 / ص 291)(1/358)
وفي رواية(1): إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ , فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا , فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ(2)وَقَالَ لَهُمْ : اذْهَبُوا , فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ "(3)
( طب ) , وَعَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) أيضا لمسلم : 2236
(2) قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : وَإِذَا لَمْ يَذْهَب بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَوَامِر الْبُيُوت ، وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ الْجِنّ ، بَلْ هُوَ شَيْطَان ، فَلَا حُرْمَة عَلَيْكُمْ فَاقْتُلُوهُ ، وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لَهُ سَبِيلًا لِلِانْتِصَارِ عَلَيْكُمْ بِثَأْرِهِ ، بِخِلَافِ الْعَوَامِر وَمَنْ أَسْلَمَ . اللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 404)
(3) م ) 2236 , ( د ) 5257(1/359)
كَانَتْ لَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ , فَقُلْتُ : لَوْ أَنِّي اغْتَنَمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ شُهُودَ الْعَتَمَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَفَعَلْتُ ، " فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْصَرَنِي وَمَعَهُ عُرْجُونٌ(1)يَمْشِي عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا قَتَادَةُ هَهُنَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ " ، قُلْتُ : اغْتَنَمْتُ شُهُودَ الصَلَاةِ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، " فَأَعْطَانِيَ الْعُرْجُونَ وَقَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ خَلْفَكَ فِي أَهْلِكَ ، فَاذْهَبْ بِهَذَا الْعُرْجُونِ فَأَمْسَكْ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ بَيْتَكَ ، فَخُذْهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَيْتِ فَاضْرِبْهُ بِالْعُرْجُونِ " , قَالَ : فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَضَاءَ الْعُرْجُونُ مِثْلَ الشَّمْعَةِ نُورًا , فَاسْتَضَأْتُ بِهِ ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَوَجَدْتُهُمْ رُقُودًا ، فَنَظَرْتُ فِي الزَّاوِيَةِ فَإِذَا فِيهَا قُنْفُذٌ ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِالْعُرْجُونِ حَتَّى خَرَجَ .(2)
اسْتِرَاقُ الْجِنِّ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاء
قَالَ تَعَالَى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ,
__________
(1) العرجون : هو العُود الأصْفر الذي فيه شَمَاريخ العِذْق .
(2) طب ) ج19ص5ح9 , انظر الصَّحِيحَة : 3036(1/360)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا , وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا(1)عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا , وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا , وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّه أَحَدًا ,
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا , وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ , فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا }(2)
( خ م ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) السَّفَه : الخفّة والطيشُ ، وسَفِه رأيُه إذا كان مَضْطربا لَا اسِتقامَةَ له ، والسفيه : الجاهلُ .
(2) الجن/1-10](1/361)
سَأَلَ نَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ : " إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ(1)" , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا )(2)( أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ حَقًّا )(3)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ(4)- وَهُوَ السَّحَابُ(5)
__________
(1) أَيْ : لَيْسَ قَوْلهمْ بِشَيْءٍ يُعْتَمَد عَلَيْهِ ، وَالْعَرَب تَقُول لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْكِمهُ : مَا عَمِلَ شَيْئًا ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَرَافَعُونَ إِلَى الْكُهَّان فِي الْوَقَائِع وَالْأَحْكَام وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَقْوَالهمْ ، وَقَدْ اِنْقَطَعَتْ الْكِهَانَة بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّة ، لَكِنْ بَقِيَ فِي الْوُجُود مَنْ يَتَشَبَّه بِهِمْ ، وَثَبَتَ النَّهْي عَنْ إِتْيَانهمْ , فَلَا يَحِلّ إِتْيَانهمْ وَلَا تَصْدِيقهمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(2) خ ) 7122 , ( م ) 2228
(3) خ ) 5859 , ( م ) 2228
(4) العَنان بالفتح : السَّحاب , والواحِدة عَنَانة , والعِنان : سَيْر اللّجَام . النهاية في غريب الأثر - (ج 3 / ص 597)
(5) يُحْتَمَل أَنْ يُرِيد بِالسَّحَابِ السَّمَاء , كَمَا أَطْلَقَ السَّمَاء عَلَى السَّحَاب ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون عَلَى حَقِيقَته , وَأَنَّ بَعْض الْمَلَائِكَة إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَرْض تَسْمَع مِنْهُمْ الشَّيَاطِين ، أَوْ الْمُرَاد الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلَة بِإِنْزَالِ الْمَطَر ..فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)(1/362)
- فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )(1) وفي رواية : ( تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ(2)يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا(3)فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ(4)كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ(5))(6)( فَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةِ كَذْبَةٍ )(7)"
( م ت ) , وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :
__________
(1) خ ) 3038
(2) أَيْ : الْكَلِمَة الْمَسْمُوعَة الَّتِي تَقَع حَقًّا . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(3) أَيْ : يُرَدِّدهَا ، يُقَال : قَرْقَرَتْ الدَّجَاجَة , تُقَرْقِر قَرْقَرَةً , إِذَا رَدَّدَتْ صَوْتهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(4) أُطْلِقَ عَلَى الْكَاهِن وَلِيّ الْجِنِّيّ لِكَوْنِهِ يُوَالِيه أَوْ عَدَلَ عَنْ قَوْله الْكَاهِن إِلَى قَوْله وَلِيّه لِلتَّعْمِيمِ فِي الْكَاهِن وَغَيْره مِمَّنْ يُوَالِي الْجِنّ . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(5) أَيْ : أَنَّ الْجِنِّيّ يُلْقِي الْكَلِمَة إِلَى وَلِيّه بِصَوْتٍ خَفِيّ مُتَرَاجِع لَهُ زَمْزَمَة , فَلِذَلِكَ يَقَع كَلَام الْكُهَّان غَالِبًا عَلَى هَذَا النَّمَط ، وَفِي قِصَّة اِبْن صَيَّاد قَوْله " فِي قَطِيفَة لَهُ فِيهَا زَمْزَمَة " . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 294)
(6) خ ) 7122 , ( م ) 2228
(7) م ) 2228 , ( خ ) 5429(1/363)
بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رُمِيَ بِنَجْمٍ(1)فَاسْتَنَارَ(2)فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا ؟ " , قُلْنَا : كُنَّا نَقُولُ : وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ , وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ , وَلَكِنْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ , ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ(3)أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ , فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ , قَالَ اللَّهُ : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ }(4)قَالَ : فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَتَخْتَطِفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَهُ(5)إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ(6)وَيُرْمَوْنَ بِهِ(7)
__________
(1) رُمِيَ بِنَجْمٍ ) أَيْ : قُذِفَ بِهِ , وَالْمَعْنَى اِنْقَضَّ كَوْكَبٌ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(2) أَيْ : فَاسْتَنَارَ الْجَوُّ بِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(3) أَيْ : صَوْتُهُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(4) سبأ/23]
(5) أَيْ : مَا سَمِعُوهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(6) مِنْ الْكَهَنَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(7) أَيْ : يُقْذَفُونَ بِالشُّهُبِ ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)(1/364)
فَمَا جَاءُوا بِهِ(1)عَلَى وَجْهِهِ(2)فَهُوَ حَقٌّ(3))(4)( وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَزِيدُونَ(5))(6)"
( خ ت جة ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : أَوْلِيَاؤُهُمْ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(2) أَيْ : مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(3) أَيْ : كَائِنٌ وَاقِعٌ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(4) م ) 2229 , ( ت ) 3224
(5) أَيْ : يَزِيدُونَ فِيهِ دَائِمًا كِذْبَاتٍ أُخَرَ مُنْضَمَّةً إِلَيْهِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 68)
(6) ت ) 3224 , ( م ) 2229(1/365)
" ( إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ(1)ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا(2)لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ(3)سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ(4)يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ , فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ(5)قَالُوا(6):
__________
(1) أَيْ : إِذَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 67)
(2) خُضْعَانًا ) مِنْ الْخُضُوعِ ، وَهُوَ بِمَعْنَى خَاضِعِينَ .( فتح ) - (ج 13 / ص 343)
(3) أَيْ : كَلِمَاتُهُ الْمَسْمُوعَةَ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 67)
(4) هُوَ مِثْل قَوْله فِي بَدْء الْوَحْي : " صَلْصَلَة كَصَلْصَلَةِ الْجَرَس " , وَهُوَ صَوْت الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ ، وَأَرَادَ أَنَّ التَّشْبِيه فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِد ، فَالَّذِي فِي بَدْء الْوَحْي هَذَا , وَالَّذِي هُنَا جَرّ السِّلْسِلَة مِنْ الْحَدِيد إِلَى الصَّفْوَان الَّذِي هُوَ الْحَجَر الْأَمْلَس يَكُون الصَّوْت النَّاشِئ عَنْهُمَا سَوَاء . ( فتح ) - (ج 13 / ص 343)
(5) أَيْ : كُشِفَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبهمْ وَأُزِيلَ , فَالتَّفْزِيع إِزَالَة الْفَزَع . عون المعبود - (ج 9 / ص 12)
(6) أَيْ : سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ..تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 67)(1/366)
مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ ، قَالُوا : الْحَقَّ(1)وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ )(2)( قَالَ : وَالشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ(3))(4)( فَيَسْمَعُ مُسْتَرِقُ السَّمْعِ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ , ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ , حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوْ الْكَاهِنِ )(5)( فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ )(6)( وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ(7)
__________
(1) أَيْ : قَالَ اللَّهُ الْقَوْلَ الْحَقَّ , والْمُجِيبُونَ : هُمْ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ , كَجَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَغَيْرِهِمَا , ففِي حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ " إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاةِ , فَيُصْعَقُونَ , فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ , فَإِذَا جَاءَ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَيَقُولُونَ : يَا جَبْرَائِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّك ؟ , فَيَقُولُ : الْحَقَّ , فَيَقُولُونَ : الْحَقَّ " . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 67)
(2) خ ) 7043 , ( جة ) 194
(3) أَيْ : لِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 67)
(4) ت ) 3223
(5) خ ) 4522 , ( جة ) 194
(6) خ ) 4424 , ( جة ) 194
(7) قَوْله : ( فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَاب إِلَخْ ) يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ يَقَع عَلَى حَدّ سَوَاء ، وَالْحَدِيث الْآخَر يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي يَسْلَم مِنْهُمْ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُدْرِكهُ الشِّهَاب . (.فتح ) - (ج 13 / ص 343)(1/367)
)(1)( إِلَى الَّذِي يَلِيهِ , إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ , حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْأَرْضِ , فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ , فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ )(2)( فَيُقَالُ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا , كَذَا وَكَذَا ؟ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ )(3)( الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ )(4)"
الْوِقَايَةُ مِنَ الشَّيَاطِين
قَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ , إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ,
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }(5)
( د ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ قَالَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ , وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ , وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ(6)مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(7)قَالَ الشَّيْطَانُ(8): حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ "(9)
( ت د حب ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 4522 , ( جة ) 194
(2) خ ) 4424 , ( جة ) 194
(3) خ ) 4522 , ( جة ) 194
(4) جة ) 194 , ( خ ) 4522
(5) النحل/98-100]
(6) أَيْ : الْأَزَلِيّ الْأَبَدِيّ . عون المعبود - (ج 1 / ص 496)
(7) أَيْ : الْمَطْرُود مِنْ بَاب اللَّه ، أَوْ الْمَشْتُوم بِلَعْنَةِ اللَّه . عون المعبود - (ج 1 / ص 496)
(8) الشَّيْطَان الْمُرَاد : هُو قَرِينه الْمُوَكَّل بإِغْوَائِهِ . عون المعبود - (ج 1 / ص 496)
(9) د ) 466 , وصححه الألباني في المشكاة : 749 ، والثمر المستطاب ج1 ص603(1/368)
" ( إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )(1)( يُقَالُ لَهُ(2): حَسْبُكَ ، قَدْ )(3)( كُفِيتَ(4)وَهُدِيتَ(5)وَوُقِيتَ(6))(7)( وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ(8))(9)( فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ فَيَقُولُ لَهُ : كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ(10)قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ ؟ )(11)"
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) د ) 5095
(2) أَيْ : يُنَادِيه مَلَك .عون المعبود - (ج 11 / ص 130)
(3) حب ) 822 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 499 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1605
(4) أَيْ : هَمَّك . عون المعبود - (ج 11 / ص 130)
(5) أَيْ : إلَى طَرِيق الْحَقّ . عون المعبود - (ج 11 / ص 130)
(6) أَيْ : حُفِظْت . عون المعبود - (ج 11 / ص 130)
(7) د ) 5095
(8) أَيْ : يَتَبَعَّد . عون المعبود - (ج 11 / ص 130)
(9) ت ) 3426
(10) أَيْ : بِإِضْلَالِ رَجُل . عون المعبود - (ج 11 / ص 130)
(11) حب ) 822 , ( د ) 5095(1/369)
" إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ , قَالَ الشَّيْطَانُ(1): لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ(2)وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ , قَالَ الشَّيْطَانُ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ , وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ طَعَامِهِ , قَالَ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ "(3)
( خ م ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ )(4)( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ , اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ , وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا )(5)( ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ , لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا )(6)( وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ(7))(8)"
( 3 ) الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّة
__________
(1) أَيْ : لِإِخْوَانِهِ وَأَعْوَانه وَرُفْقَته . عون المعبود - (ج 8 / ص 274)
(2) أَيْ : لَا يَحْصُل لَكُمْ مَسْكَن وَطَعَام بَلْ صِرْتُمْ مَحْرُومِينَ بِسَبَبِ التَّسْمِيَة . عون المعبود - (ج 8 / ص 274)
(3) م ) 2018 , ( د ) 3765
(4) خ ) 141
(5) خ ) 6025 , ( م ) 1434
(6) خ ) 4870 , ( م ) 1434
(7) أَيْ : لَمْ يَضُرّ الْوَلَد الْمَذْكُور , بِحَيْثُ يَتَمَكَّن مِنْ إِضْرَاره فِي دِينه أَوْ بَدَنه ، وَلَيْسَ الْمُرَاد رَفْع الْوَسْوَسَة مِنْ أَصْلهَا , وقِيلَ لِأَبِي عَبْد اللَّه يَعْنِي الْمُصَنِّف : مَنْ لَا يُحْسِن الْعَرَبِيَّة يَقُولهَا بِالْفَارِسِيَّةِ ؟ , قَالَ : نَعَمْ . فتح الباري لابن حجر - ( ح141)
(8) خ ) 3109(1/370)
قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ , وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ , وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ }(3)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا }(4)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى , صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }(5)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ :
(
__________
(1) النساء/136]
(2) المائدة/44]
(3) المائدة/46]
(4) النساء/163]
(5) الأعلى/18، 19](1/371)
بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)"( إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ(2)يَمْشِي )(3)( شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ )(4)( كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ )(5)( شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ )(6)( أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا )(7)( لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ , وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ )(8)( فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ(9)
__________
(1) حم ) 367 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(2) أَيْ : مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل . ( فتح - ح48)
(3) خ ) 4499
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991
(6) م ) 8 , ( ت ) 2610
(7) س ) 4991
(8) م ) 8 , ( ت ) 2610
(9) أَيْ : الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 216)(1/372)
)(1)( فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ " )(2)( قَالَ : أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " ادْنُهْ " ، فَمَا زَالَ يَقُولُ : أَدْنُو مِرَارًا ، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ " ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(4) ( فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ(5)وَمَلَائِكَتِهِ(6)
__________
(1) د ) 4698
(2) س ) 4991 , ( د ) 4698
(3) س ) 4991
(4) م ) 8 , ( س ) 4990
(5) قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ،
وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . ( فتح الباري - ح48)
(6) قَوْله : ( وَمَلَائِكَته ) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ( عِبَاد مُكْرَمُونَ )
وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَة عَلَى الْكُتُب وَالرُّسُل نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَك بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُول وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّك لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَك عَلَى الرَّسُول . ( فتح - ح48)(1/373)
وَكُتُبِهِ , وَبِلِقَائِهِ(1)وَرُسُلِهِ [ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ](2)وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ ,
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ،
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ , وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ،
فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح - ح48)
(2) حم ) 184 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) أَمَّا الْبَعْث الْآخِر , فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِر تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْس الذَّاهِب ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَعْث وَقَعَ مَرَّتَيْنِ :
الْأُولَى : الْإِخْرَاج مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات بَعْد النُّطْفَة وَالْعَلَقَة إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ،
وَالثَّانِيَة : الْبَعْث مِنْ بُطُونِ الْقُبُور إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار ,
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِر أَيَّام الدُّنْيَا أَوْ آخِر الْأَزْمِنَة الْمَحْدُودَة ،
وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْحِسَاب وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . ( فتح - ح48)(1/374)
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ(1))(2)( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ )(3)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(4)" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " ، قَالَ : صَدَقْتَ )(5)
( 3 ) الْإيمَانُ بِالرُّسُل
وُجُوبُ الْإيمَانِ بِالرُّسُل
قَالَ تَعَالَى : { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ , وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }(6)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّه وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا , أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا , وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا }(7)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ :
(
__________
(1) حم ) 184
(2) خ ) 50 , ( م ) 9
(3) م ) 10 , ( س ) 4990
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991 , ( حم ) 2926
(6) آل عمران/179]
(7) النساء/150-152](1/375)
بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)"( إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ(2)يَمْشِي )(3)( شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ )(4)( كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ )(5)( شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ )(6)( أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا ، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا )(7)( لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ , وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ )(8)( فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ(9)
__________
(1) حم ) 367 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(2) أَيْ : مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل . ( فتح - ح48)
(3) خ ) 4499
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991
(6) م ) 8 , ( ت ) 2610
(7) س ) 4991
(8) م ) 8 , ( ت ) 2610
(9) أَيْ : الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 216)(1/376)
)(1)( فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ " )(2)( قَالَ : أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " ادْنُهْ " ، فَمَا زَالَ يَقُولُ : أَدْنُو مِرَارًا ، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ " ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(4) ( فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ ؟ , قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ(5)وَمَلَائِكَتِهِ(6)
__________
(1) د ) 4698
(2) س ) 4991 , ( د ) 4698
(3) س ) 4991
(4) م ) 8 , ( س ) 4990
(5) قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ،
وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . ( فتح الباري - ح48)
(6) قَوْله : ( وَمَلَائِكَته ) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ( عِبَاد مُكْرَمُونَ )
وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَة عَلَى الْكُتُب وَالرُّسُل نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَك بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُول وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّك لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَك عَلَى الرَّسُول . ( فتح - ح48)(1/377)
وَكُتُبِهِ , وَبِلِقَائِهِ(1)وَرُسُلِهِ [ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ](2)وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ(3)
__________
(1) قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ ,
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ،
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ , وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ،
فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح - ح48)
(2) حم ) 184 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(3) أَمَّا الْبَعْث الْآخِر , فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِر تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْس الذَّاهِب ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَعْث وَقَعَ مَرَّتَيْنِ :
الْأُولَى : الْإِخْرَاج مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات بَعْد النُّطْفَة وَالْعَلَقَة إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ،
وَالثَّانِيَة : الْبَعْث مِنْ بُطُونِ الْقُبُور إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار ,
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِر أَيَّام الدُّنْيَا أَوْ آخِر الْأَزْمِنَة الْمَحْدُودَة ،
وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْحِسَاب وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . ( فتح - ح48)(1/378)
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ(1))(2)( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ )(3)( خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )(4)" ( قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ " ، قَالَ : صَدَقْتَ )(5)
( م ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 184
(2) خ ) 50 , ( م ) 9
(3) م ) 10 , ( س ) 4990
(4) م ) 8 , ( ت ) 2610
(5) س ) 4991 , ( حم ) 2926(1/379)
" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ(1)يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ(2)ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ(3)"(4)
الأنْبِيَاءُ دِينُهُمْ وَاحِد
__________
(1) أَيْ : مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 279)
(2) ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ , فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا , فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 279)
(3) وقال الألباني في الصَّحِيحَة ح157 : والحديث صريح في أن من سمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وما أرسل به ، بلغه ذلك على الوجه الذي أنزله الله عليه ، ثم لم يؤمن به - صلى الله عليه وسلم - أن مصيره إلى النار ، لَا فرق في ذلك بين يهودي أو نصراني أو مجوسي أو لَا ديني , واعتقادي أن كثيرا من الكفار لو أتيح لهم الاطلاع على الأصول والعقائد والعبادات التي جاء بها الإسلام لسارعوا إلى الدخول فيه أفواجا ، كما وقع ذلك في أول الأمر ، فليت أن بعض الدول الإسلامية ترسل إلى بلاد الغرب من يدعو إلى الإسلام ، ممن هو على علم به على حقيقته , وعلى معرفة بما أُلصِق به من الخرافات والبدع والافتراءات ليُحْسِنَ عرضه على المَدْعُوِّين إليه ، وذلك يستدعي أن يكون على علم بالكتاب والسنة الصحيحة ، ومعرفة ببعض اللغات الأجنبية الرائجة ، وهذا شيء عزيز يكاد يكون مفقودا ، فالقضية تتطلب استعدادات هامة ، فلعلهم يفعلون . أ . هـ
(4) م ) 153(1/380)
قَالَ تَعَالَى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ؟ , قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }(1)
وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }(2)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ , وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }(3)
( خ م د حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) البقرة/133]
(2) آل عمران/19]
(3) آل عمران/85](1/381)
" ( الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ(1)أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى(2)وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ , وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عليه السلام - )(3)( فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )(4)( لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ )(5)( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ )(6)( وَإِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَتْ بِيَ حَيَاةٌ )(7)( أَنْ أَلْقَاهُ , فَإِنْ عَجِلَ بِي مَوْتٌ فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ )(8)( فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ , رَجُلٌ مَرْبُوعٌ(9)إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ )(10)( عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ(11))(12)( سَبْطٌ(13)كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ , فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ )(14)( إِمَامًا مُقْسِطًا , وَحَكَمًا عَدْلًا )(15)( مَهْدِيًّا )(16)(
__________
(1) أَوْلَاد الْعَلَّات : الْإِخْوَة مِنْ الْأَب وَأُمَّهَاتهمْ شَتَّى .
(2) شتى : مختلفين متفرقين .
(3) حم ) 9259 , ( خ ) 3258 , انظر الصحيحة : 2182
(4) حم ) 10994 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن , وانظر صحيح الجامع 1452
(5) حم ) 9259 , ( خ ) 3258
(6) خ ) 2109 , ( م ) 155
(7) حم ) 7958 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(8) حم ) 7957 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(9) المربوع : المتوسط القامة بين الطول والقصر .
(10) د ) 4324 , ( حم ) 9259
(11) المُمَصَّرَة : التي فيها صفرة خفيفة .
(12) حم ) 9259 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح , وانظر روضة المحدثين : 1198
(13) الشعر السبط : المنبسط المسترسل .
(14) د ) 4324 , ( حم ) 9259
(15) م ) 155 , ( حم ) 7665
(16) حم ) 9312 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/382)
يَكْسِرَ الصَّلِيبَ , وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ(1))(2)( وَالْخَرَاجَ(3)وَتُجْمَعُ لَهُ الصَّلَاةُ )(4)( وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ )(5)( وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ(6)كُلَّهَا غَيْرَ الْإِسْلَامَ )(7)( وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ )(8)( مَسِيحَ الضَّلَالَةِ , الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ )(9)( وَتَكُونَ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً(10))(11)(
__________
(1) الجِزْية : عبارة عن الْمَال الذي يُعْقَد للْكِتَابي عليه الذِّمَّة ، وهي فِعْلة ، من الجزَاء ، كأنها جَزَت عن قَتْلِه ، والجزية مقابل إقامتهم في الدولة الإسلامية وحمايتها لهم .
(2) خ ) 2109 , ( م ) 155
(3) الخَرَاج : معناه الغَلَّة , لأَن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - أَمر بِمَسَاحَةِ أَرضِ السَّوَادِ وأَرضِ الفَيْء ودفعها إِلى الفلاحين الذين كانوا فيه على غلة يؤدونها كل سنة , ولذلك سمي خَراجاً , ثم قيل بعد ذلك للبلاد التي افتتحت صُلْحاً ووُظِّف ما صولحوا عليه على أَراضيهم : خراجية , لأَن تلك الوظيفة أَشبهت الخراج الذي أُلزم به الفلاَّحون , وهو الغَلَّة . لسان العرب - (ج 2 / ص 249)
(4) حم ) 7890 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) حم ) 9259
(6) أي : الأديان .
(7) د ) 4324 , ( حم ) 9259
(8) حم ) 9259
(9) حم ) 9630 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح , ( د ) 4324
(10) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَيْ يُكْرِهُ أَهْل الْكِتَاب عَلَى الْإِسْلَام ، فَلَا يَقْبَل مِنْهُمْ الْجِزْيَة , بَلْ الْإِسْلَام أَوْ الْقَتْل . عون المعبود - (ج 9 / ص 361)
(11) حم ) 9110 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(1/383)
وَيَنْزِلُ )(1)( بِفَجِّ الرَّوْحَاءَ(2)وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ(3)مِنْهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا ، أَوْ لَيُثَنِّيَهُمَا(4))(5)( جَمِيعًا )(6)( ثُمَّ لَئِنْ قَامَ عَلَى قَبْرِي فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , لأُجِيبَنَّهُ )(7)"
( يع ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَقَدْ مَرَّ بِالصَّخْرَةِ مِنِ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً عَلَيْهِمُ الْعَبَاءَةُ ، يَؤُمُّونَ بَيْتَ اللَّهِ الْعَتِيقَ مِنْهُمْ مُوسَى نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "(8)
( م حب ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) حم ) 7890
(2) فَجّ الرَّوْحَاء ) : بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , وَكَانَ طَرِيق رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَدْر وَإِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح وَعَام حَجَّة الْوَدَاع . ( النووي - ج 4 / ص 353)
(3) الإهلال : رفع الصوت بالتلبية .
(4) أي : يَقْرُن بَيْنهمَا .
(5) م ) 1252 , ( حم ) 7270
(6) حم ) 10671 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(7) الصَّحِيحَة : 2733 من رواية أبي يعلى في مسنده ( 4 / 1552ح6584 ) .
(8) يع ) 4275 , 7231 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 1128(1/384)
" ( سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادِي الْأَزْرَقِ فَقَالَ : أَيُّ وَادٍ هَذَا ؟ " , فَقَالُوا : هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ , قَالَ : " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى - عليه السلام - مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي )(1)( مَاشِيًا )(2)( وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَلَهُ جُؤَارٌ(3)إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ , ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى(4)فَقَالَ : أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ " , قَالُوا : ثَنِيَّةُ هَرْشَى , قَالَ : " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى - عليه السلام - عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ(5)عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ , خِطَامُ(6)نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ(7)مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي وَهُوَ يُلَبِّي(8))(9)"
(
__________
(1) م ) 166 , ( جة ) 2891
(2) حب ) 3755 , انظر الصحيحة : 2958
(3) الجُؤَار : رَفْع الصَّوْت . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 298)
(4) هُوَ جَبَل عَلَى طَرِيق الشَّام وَالْمَدِينَة قَرِيب مِنْ الْجُحْفَة . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 298)
(5) الجَعْدة : مُكْتَنِزَة اللَّحْم . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 298)
(6) الخِطَام : كل ما وُضِعَ على أنف البعير ليُقتادَ به .
(7) الْخُلْب وَالْخِلْب : هُوَ اللِّيف . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 298)
(8) إِنْ قِيلَ : كَيْف يَحُجُّونَ وَيُلَبُّونَ وَهُمْ أَمْوَات , وَهُمْ فِي الدَّار الْآخِرَة , وَلَيْسَتْ دَار عَمَل , فالجواب : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَحْوَالهمْ الَّتِي كَانَتْ فِي حَيَاتهمْ , وَمُثِّلُوا لَهُ فِي حَال حَيَاتهمْ كَيْف كَانُوا وَكَيْف حَجّهمْ وَتَلْبِيَتهمْ . شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 298)
(9) م ) 166 , ( جة ) 2891(1/385)
يع ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فِي هَذَا الْوَادِي مُحْرِمًا بَيْنَ قَطَوَانِيَّتَيْنِ(1)"(2)
( مسند الشاميين ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ(3)سَبْعُونَ نَبِيًّا ، مِنْهُمْ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قَطْوَانِيَّتَانِ , وَهو مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مَخْطُومٍ(4)بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفِيرَتَانِ "(5)
وُجُوبُ اتِّباعِ الرُّسُل
قَالَ تَعَالَى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ , وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }(6)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }(7)
( خ م س ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) القَطوانية : عباءة بيضاء قصيرة الوبر .لسان العرب - (ج 15 / ص 189)
(2) يع ) 5093 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4468 , الصَّحِيحَة : 2023
(3) مَسْجِدُ الْخَيْفِ ) : مَسْجِدٌ مَشْهُورٌ بِمِنًى , والخَيْفُ : ما ارْتفَع عن مَجْرى السَّيل وانْحَدرَ عن غِلَظِ الجبلِ , ومسجدُ مِنًى يُسَمى مَسجد الخَيْفِ لأنه في سَفْحِ جَبلها . النهاية في غريب الأثر - (ج 2 / ص 194)
(4) الخِطامُ : كل حبل يُعَلَّقُ في حَلْقِ البعير ثم يُعْقَدُ على أَنفه . لسان العرب - (ج 12 / ص 186)
(5) مسند الشاميين ) 1600 , انظر الصَّحِيحَة : 2023 , ومناسك الحج والعمرة ص26
(6) النساء/80]
(7) النساء/14](1/386)
" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ(1)وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ "(2)
( خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِبقَالَ :
(
__________
(1) هَذِهِ الْجُمْلَة مُنْتَزَعَة مِنْ قَوْله تَعَالَى ( مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه ) أَيْ : لِأَنِّي لَا آمُر إِلَّا بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ ، فَمَنْ فَعَلَ مَا آمُرهُ بِهِ فَإِنَّمَا أَطَاعَ مَنْ أَمَرَنِي أَنْ آمُرهُ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : لِأَنَّ اللَّه أَمَرَ بِطَاعَتِي , فَمَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ بِطَاعَتِي ، وَفِي الْمَعْصِيَة كَذَلِكَ , وَالطَّاعَةُ : هِيَ الْإِتْيَان بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالِانْتِهَاء عَنْ الْمَنْهِيّ عَنْهُ ، وَالْعِصْيَان بِخِلَافِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 152)
(2) خ ) 2797 , ( م ) 1835(1/387)
خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِرَاجِ(1)الْحَرَّةِ(2)الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ , فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ(3)فَأَبَى عَلَيْهِ , فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ : " اسْقِ يَا زُبَيْرُ , ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ " , فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , " فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (4)
__________
(1) الشِّراج : مَسَايِل الْمِيَاه , أَحَدهَا شَرْجَة . عون المعبود - (ج 8 / ص 132)
(2) الْحَرَّة ) : أَرْض ذَات حِجَارَة سُود . عون المعبود - (ج 8 / ص 132)
(3) أَيْ : أَطْلِقْهُ , وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاء كَانَ يَمُرّ بِأَرْضِ الزُّبَيْر قَبْل أَرْض الْأَنْصَارِيّ , فَيَحْبِسهُ لِإِكْمَالِ سَقْي أَرْضه ثُمَّ يُرْسِلهُ إِلَى أَرْض جَاره ، فَالْتَمَسَ مِنْهُ الْأَنْصَارِيّ تَعْجِيل ذَلِكَ فَامْتَنَعَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 220)
(4) أَيْ : تَغَيَّرَ مِنْ الْغَضَب لِانْتِهَاكِ حُرْمَة النُّبُوَّة ..عون المعبود - (ج 8 / ص 132)(1/388)
ثُمَّ قَالَ : اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ(1)" , فَقَالَ الزُّبَيْرُ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ : { فلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ , ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }(2).(3)
( خ ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ ، قَالَ : " مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى "(4)
( خم حم ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الْجَدْر ) : هُوَ الْجِدَار ، وَالْمُرَاد بِهِ أَصْل الْحَائِط ، وَفِي الْفَتْح : أَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا الْمَسْنَاة , وَهِيَ مَا وُضِعَ بَيْن شَرْيَات النَّخْل كَالْجِدَارِ ، وَمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر أَوَّلًا إِلَّا بِالْمُسَامَحَةِ وَحُسْن الْجِوَار بِتَرْكِ بَعْض حَقّه ، فَلَمَّا رَأَى الْأَنْصَارِيّ يَجْهَل مَوْضِع حَقّه أَمَرَهُ بِاسْتِيفَاءِ تَمَام حَقّه , وَقَدْ بَوَّبَ الْإِمَام الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيث بَاب : إِذَا أَشَارَ الْإِمَام بِالصُّلْحِ فَأَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْبَيِّن . عون المعبود - (ج 8 / ص 132)
(2) النساء/65]
(3) م ) 2357 , ( خ ) 2231
(4) خ ) 6851 , ( حم ) 8713(1/389)
" بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "(1)
( قط ك هق ) , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا ( إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا )(2): كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ "(3)
( خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خم ) 2757 , ( حم ) 5115 , حسنه الألباني في الإرواء حديث : 1269 , وصَحِيح الْجَامِع : 2831 , وصححه في كتاب جلباب المرأة المسلمة : 24 , وقال الحافظ في الفتح(ج 9 / ص 74) : وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ , وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ , وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ , وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ : بَذْلُ الْجِزْيَة .
(2) مختصر العلو : ص61
(3) ك ) 319 , ( قط ) ج4ص245ح149 , , ( هق ) 20124 , وحسنه الألباني في المشكاة : 186 ، وصَحِيح الْجَامِع : 2937 , 3232 , وكتاب منزلة السنة في الإسلام : ص18(1/390)
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اقْرَأْ عَلَيَّ " , قُلْتُ : أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ , قَالَ : " إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " , قَالَ : فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ , حَتَّى بَلَغْتُ : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا }(1))(2)( فَقَالَ : " حَسْبُكَ الْآنَ , فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ(3))(4)"
( ت د جة ك ) , وَعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) النساء/41]
(2) خ ) 4306 , ( م ) 800
(3) أَيْ : تَفِيضَانِ بِالدَّمْعِ وَتَسِيلَانِ , قال الْحَافِظُ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بَكَى رَحْمَةً لِأُمَّتِهِ , لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ بِعَمَلِهِمْ ، وَعَمَلُهُمْ قَدْ لَا يَكُونُ مُسْتَقِيمًا , فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَعْذِيبِهِمْ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 345)
وفِي الحَدِيث اِسْتِحْبَاب اِسْتِمَاع الْقِرَاءَة وَالْإِصْغَاء لَهَا وَالْبُكَاء عِنْدهَا وَتَدَبُّرهَا ، وَاسْتِحْبَاب طَلَب الْقِرَاءَة مِنْ غَيْره لِيَسْتَمِع لَهُ ، وَهُوَ أَبْلَغ فِي التَّفَهُّم وَالتَّدَبُّر مِنْ قِرَاءَته بِنَفْسِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 154)
(4) خ ) 4763 , ( م ) 800(1/391)
" ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الصُّبْحِ )(1)( ذَاتَ يَوْمٍ )(2)( ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً(3))(4)( وَجِلَتْ(5)مِنْهَا الْقُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ(6)مِنْهَا الْعُيُونُ , فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ(7))(8)( فَمَاذَا تَعْهَدُ(9)إِلَيْنَا ؟ )(10)( قَالَ : " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ )(11)( وَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ(12)لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا , لَا يَزِيغُ(13)عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ )(14)( وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا(15)عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ(16)وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ(17)
__________
(1) جة ) 44 , ( ت ) 2676
(2) جة ) 42 , ( د ) 4607
(3) البليغة : المؤثرة التي يُبَالَغ فيها بالإنذار والتخويف .
(4) جة ) 44 , ( ت ) 2676
(5) الوَجَل : الخوف والخشية والفزع .
(6) ذَرَفت العيون : سال منها الدمع .
(7) أَيْ : كَأَنَّك تُوَدِّعنَا بِهَا لَمَّا رَأَى مِنْ مُبَالَغَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْعِظَة . عون المعبود - (ج 10 / ص 127)
(8) جة ) 42 , ( ت ) 2676
(9) أَيْ : تُوصِي . عون المعبود - (ج 10 / ص 127)
(10) ت ) 2676 , ( جة ) 42
(11) ت ) 2676 , ( د ) 4607
(12) البيضاء : الطريقة الواضحة النقية .
(13) الزيغ : البعد عن الحق ، والميل عن الاستقامة .
(14) جة ) 43 , ( حم ) 17182
(15) العَضُّ : المراد بِهُ الالتزام وشدة التمسك .
(16) النواجذ : هي أواخُر الأسنان , وقيل : التي بعد الأنياب .
(17) مُحْدَثة : أمر جديد لم يكن موجودًا ..(1/392)
فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ(1)
__________
(1) الْمُرَاد بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لَا أَصْل لَهُ فِي الشَّرِيعَة يَدُلّ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْل مِنْ الشَّرْع يَدُلّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ بِدْعَة لُغَة ، فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلّ بِدْعَة ضَلَالَة " مِنْ جَوَامِع الْكَلِم لَا يَخْرُج عَنْهُ شَيْء ، وَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول الدِّين , وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَام السَّلَف مِنْ اِسْتِحْسَان بَعْض الْبِدَع , فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبِدَع اللُّغَوِيَّة لَا الشَّرْعِيَّة ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي التَّرَاوِيح " نِعْمَتْ الْبِدْعَة هَذِهِ " , وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إِنْ كَانَتْ هَذِهِ بِدْعَة فَنِعْمَتْ الْبِدْعَة " , وَمِنْ ذَلِكَ أَذَان الْجُمُعَة الْأَوَّل , زَادَهُ عُثْمَان لِحَاجَةِ النَّاس إِلَيْهِ وَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ , وَاسْتَمَرَّ عَمَل الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 127)(1/393)
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )(1)( وَأُوصِيكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ )(2)( وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ(3))(4)( فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ )(5)( كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ(6)حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ )(7)( وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ )(8)"(9)
( حم مي هب ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
(
__________
(1) د ) 4607 , ( ت ) 2676
(2) ت ) 2676 , ( د ) 4607
(3) يُرِيد بِهِ طَاعَة مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَام عَلَيْكُمْ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُون الْإِمَام عَبْدًا حَبَشِيًّا , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش " , وَقَدْ يُضْرَب الْمَثَل فِي الشَّيْء بِمَا لَا يَكَاد يَصِحّ فِي الْوُجُود , كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْل مَفْحَص قَطَاة بَنَى اللَّه لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة " وَقَدْر مَفْحَص الْقَطَاة لَا يَكُون مَسْجِدًا لِشَخْصٍ آدَمِي ، وَنَظَائِر هَذَا الْكَلَام كَثِير . عون المعبود - (ج 10 / ص 127)
(4) ك ) 329 , ( د ) 4607 , ( جة ) 42 , انظر صحيح الجامع : 2549
(5) رواه العقيلي في " الضعفاء " ( 214 ) , انظر الصحيحة : 936
(6) الأَنِف : أي المأنوف , وهو الذي عَقَر الخشاشُ أنفَه , فهو لَا يمتنع على قائده للوجع الذي به ,
وقيل : الأنِف الذلول .
(7) جة ) 43 , ( حم ) 17182
(8) العقيلي في " الضعفاء " ( 214 )
(9) صَحِيح الْجَامِع : 4314 ، والصَّحِيحَة : 937 ، وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 59(1/394)
أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنُسْخَةٍ مِنْ التَّوْرَاةِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنْ التَّوْرَاةِ )(1)( أَصَبْتُهَا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ ؟ )(2)( " فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " , فَجَعَلَ عُمَرُ يَقْرَأُ , " وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ " , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ(3)أَمَا تَرَى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ , فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا )(4)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ(5)؟ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ , لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا(6)بَيْضَاءَ نَقِيَّةً(7)
__________
(1) مي ) 435
(2) هب ) 5201 , ( حم ) 18361
(3) ثكلتك ) أَيْ فَقَدَتْك ، وَأَصْلُهُ الدُّعَاءُ بِالْمَوْتِ , ثُمَّ اسْتَعْمَلُ فِي التَّعَجُّبِ .
(4) مي ) 435 , ( حم ) 15903
(5) أَيْ : أمتحيرون في دينكم حتى تأخذوا العلم من غير كتابكم ونبيكم , كما تهوكت اليهود والنصارى , أي كتحيرهم , حيث نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا أهواء أحبارهم ورهبانهم . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 2 / ص 64)
(6) أَيْ : بالملة الحنيفية . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 2 / ص 64)
(7) أَيْ : واضحة , صافية , خالصة , خالية عن الشرك والشبهة , وقيل : المراد أنها مصونة عن التبديل والتحريف , والإصر والإغلال , خالية عن التكاليف الشاقة ..مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 2 / ص 64)(1/395)
)(1)( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ )(2)( عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي )(3)( مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي(4))(5)( أَنَا حَظُّكُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ , وَأَنْتُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ )(6)( لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ , أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ )(7)"(8)
( د ) , وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 15195
(2) حم ) 15903 , ( هب ) 5201
(3) مي ) 435
(4) أَيْ : فكيف يجوز لكم أن تطلبوا فائدة من قومه مع وجودي ؟ . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 2 / ص 64)
(5) حم ) 15195
(6) هب ) 5201 , ( حم ) 15903 , 18361
(7) هذه الجملة ضعيفة السند عند ( حم ) : 15195 , ( ش ) 26421 , لكن يشهد لها حديث ( خ ) 4215 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : " كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ , وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ , وَقُولُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الْآية "
(8) حسنه الألباني في الإرواء : 1589 ، وصَحِيح الْجَامِع: 5308 , الصَّحِيحَة : 3207 , والمشكاة : 177(1/396)
نَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَكَانَ صَاحِبُ خَيْبَرَ رَجُلًا مَارِدًا(1)مُنْكَرًا , فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , أَلَكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَنَا(2)وَتَأْكُلُوا ثَمَرَنَا , وَتَضْرِبُوا نِسَاءَنَا ؟ , " فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ : يَا ابْنَ عَوْفٍ ، ارْكَبْ فَرَسَكَ ثُمَّ نَادِ : أَلَا إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ ، وَأَنْ اجْتَمِعُوا لِلصَلَاةِ " ، قَالَ : فَاجْتَمَعُوا ، " فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ : أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ(3)يَظُنُّ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ ؟ ، أَلَا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَو أَكْثَرُ ، وَإِنَّ اللَّهَ - عز وجل - لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ(4)
__________
(1) أَيْ : عَاتِيًا .
(2) حُمُرنَا ) : جَمْع حِمَار . عون المعبود - (ج 7 / ص 35)
(3) أَيْ : عَلَى سَرِيره , أَشَارَ إِلَى مَنْشَأ جَهْله وَعَدَم اِطِّلَاعه عَلَى السُّنَن , فَرَدَّهُ كَلَامَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقِلَّة نَظَره وَدَوَام غَفْلَته بِتَعَهُّدِ الِاتِّكَاء وَالرُّقَاد , وَقَالَ الْقَارِي : يَعْنِي الَّذِي لَزِمَ الْبَيْت وَقَعَدَ عَنْ طَلَب الْعِلْم , فهَذِهِ الصِّفَة لِلتَّرَفُّهِ وَالدَّعَة , كَمَا هُوَ عَادَة الْمُتَكَبِّر الْمُتَجَبِّر الْقَلِيل الِاهْتِمَام بِأَمْرِ الدِّين . عون المعبود - (ج 7 / ص 35)
(4) يَعْنِي أَهْل الذِّمَّة الَّذِينَ قَبِلُوا الْجِزْيَة ..عون المعبود - (ج 7 / ص 35)(1/397)
إِلَّا بِإِذْنٍ(1)وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ(2)"(3)
( د جة حم حب ) , وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : إِلَّا أَنْ يَأْذَنُوا لَكُمْ بِالطَّوْعِ وَالرَّغْبَة . عون المعبود - (ج 7 / ص 35)
(2) أَيْ : مِنْ الْجِزْيَة . عون المعبود - (ج 7 / ص 35)
(3) د ) 3050 , ( طس ) 7226 , انظر الصَّحِيحَة : 882(1/398)
" ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ(1))(2)( أَلَا يُوشِكُ )(3)( الرَّجُلُ مُتَّكِئًا )(4)( شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ )(5)( يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي )(6)( يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ , فَيَقُولُ : مَا نَدْرِي مَا هَذَا ، عِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا فِيهِ )(7)( بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ , فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (8)
__________
(1) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا الْحَدِيث يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ , أَحَدهمَا : أَنَّهُ أُوتِيَ مِنْ الْوَحْي الْبَاطِن غَيْر الْمَتْلُوّ مِثْل مَا أُوتِيَ مِنْ الظَّاهِر الْمَتْلُوّ , وَالثَّانِي : أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَاب وَحْيًا يُتْلَى ، وَأُوتِيَ مِثْله مِنْ الْبَيَان , أَيْ : أُذِنَ لَهُ أَنْ يُبَيِّن مَا فِي الْكِتَاب فَيَعُمّ وَيَخُصّ , وَأَنْ يَزِيد عَلَيْهِ فَيُشَرِّع مَا لَيْسَ فِي الْكِتَاب لَهُ ذِكْر , فَيَكُون ذَلِكَ فِي وُجُوب الْحُكْم وَلُزُوم الْعَمَل بِهِ كَالظَّاهِرِ الْمَتْلُوّ مِنْ الْقُرْآن . عون المعبود - (ج 10 / ص 124)
(2) حم ) 17213 , ( د ) 4604
(3) د ) 4604
(4) جة ) 12
(5) د ) 4604
(6) جة ) 12
(7) حب ) 13 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(8) أَيْ : الَّذِي حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ ..تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 463)(1/399)
مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ(1))(2)( أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ , وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ , وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ(3)إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا(4)وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ(5)فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ(6)يَغْصِبَهُمْ(7)بِمِثْلِ قِرَاهُ(8))(9)"(10)
( طب ش ) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : فِي الْقُرْآنِ , وقَالَ الطِّيبِيُّ : فِي تَكْرِيرِ كَلِمَةِ ( ألا ) تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ , نَشَأَ مِنْ غَضَبٍ عَظِيمٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ اِسْتِغْنَاءً بِالْكِتَابِ , فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَّحَ الرَّأْيَ عَلَى الْحَدِيثِ ؟ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 463)
(2) جة ) 12 , ( ت ) 2664
(3) اللُّقَطَة بِضَمِّ اللَّام وَفَتْح الْقَاف : مَا يُلْتَقَط مِمَّا ضَاعَ مِنْ شَخْص بِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَة , ( مُعَاهِد ) أَيْ : كَافِر بَيْنه وَبَيْن الْمُسْلِمِينَ عَهْد بِأَمَانٍ ، وَهَذَا تَخْصِيص بِالْإِضَافَةِ ، وَيَثْبُت الْحُكْم فِي لُقَطَة الْمُسْلِم بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . عون المعبود - (ج 10 / ص 124)
(4) أَيْ : يَتْرُكهَا لِمَنْ أَخَذَهَا اِسْتِغْنَاء عَنْهَا . عون المعبود - (ج 10 / ص 124)
(5) أَيْ : يضيَّفُوه .
(6) أَعْقَبَهُمْ : إِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ عُقْبَى , وَهُوَ أَنْ يَأْخُذ مِنْهُمْ بَدَلًا عَمَّا فَاتَهُ . عون المعبود - (ج 10 / ص 124)
(7) قط ) (ج 4ص287 ح59 ) , انظر صحيح الجامع : 2643
(8) أَيْ : فَلَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنْهُمْ عِوَضًا عَمَّا حَرَّمُوهُ مِنْ الْقِرَى . عون المعبود - (ج 10 / ص 124)
(9) د ) 4604 , ( حم ) 17213
(10) صَحِيح الْجَامِع : 2643 ، والصَّحِيحَة : 2870(1/400)
تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ إِلَّا ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا(1))(2)( وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، ومَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ )(3)"(4)
( خ م د جة ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ :
__________
(1) قال أبو حاتم : معنى ( عندنا منه ) يعني بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحاته - صلى الله عليه وسلم - .
(2) طب ) ح1647 , ( حم ) 21399
(3) ش ) 35473 , ( هب ) 10376
(4) صححه الألباني في الصَّحِيحَة : 1803 ، صحيح موارد الظمآن : 62 ، وأثبت الألباني صحته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب التوسل ص118 ، فقال : وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ما تركت شيئا يقربكم.. ، وكذلك ذكره بلفظ مقارب في كتاب تحريم آلات الطرب ص176 , فقال : ولو كان استعمال الملاهي المطربات أو استماعها من الدين ومما يقرِّب إلى حضرة رب العالمين لبينه - صلى الله عليه وسلم - وأوضحه كمال الإيضاح لأمته , وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إِلَّا أمرتكم به وما تركت شيئا يقربكم من النار ويباعدكم عن الجنة إِلَّا نهيتكم عنه " , وقال في كتاب حجة النبي ص103 قال : وصلى الله على نبينا القائل : ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله .. وقال في كتاب مناسك الحج والعمرة ص47 قال : وصلى الله على نبينا القائل : ( ما تركت شيئا يقربكم.. أ . هـ(1/401)
" ( خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ , قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا " , فقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ(1)؟ ، " فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ " حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ قُلْتُ نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ(2)
__________
(1) قِيَاسًا عَلَى الصَّوْم وَالزَّكَاة , فَإِنَّ الْأَوَّل عِبَادَة بَدَنِيَّة , وَالثَّانِي طَاعَة مَالِيَّة , وَالْحَجّ مُرَكَّب مِنْهُمَا . عون المعبود - (ج 4 / ص 124)
(2) أَيْ : لَوَجَبَ الْحَجّ كُلّ عَام , وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَ اِفْتِرَاض الْحَجّ كُلّ عَام كَانَ مُفَوَّضًا إِلَيْهِ , حَتَّى لَوْ قَالَ نَعَمْ لَحَصَلَ , وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ , إِذْ يَجُوز أَنْ يَأْمُر اللَّه تَعَالَى بِالْإِطْلَاقِ , وَيُفَوِّض أَمْرَ التَّقْيِيد إِلَى الَّذِي فُوِّضَ إِلَيْهِ الْبَيَان , فَهُوَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُبْقِيه عَلَى الْإِطْلَاق يُبْقِيه عَلَيْهِ , وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقَيِّدهُ بِكُلِّ عَام يُقَيِّدهُ بِهِ , ثُمَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى كَرَاهَة السُّؤَال فِي النُّصُوص الْمُطْلَقَة وَالتَّفْتِيش عَنْ قُيُودهَا , بَلْ يَنْبَغِي الْعَمَل بِإِطْلَاقِهَا حَتَّى يَظْهَر فِيهَا قَيْد , وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآن مُوَافِقًا لِهَذِهِ الْكَرَاهَة ..شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 95)(1/402)
)(1)( وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا ، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا عُذِّبْتُمْ )(2)( بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ )(3)( ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ(4)
__________
(1) م ) 1337 , ( س ) 2619
(2) جة ) 2885 , ( س ) 2620 , انظر صحيح الجامع : 5277
(3) د ) 1721 , ( جة ) 2886
(4) أَيْ : اُتْرُكُونِي مِنْ السُّؤَال عَنْ الْقُيُود فِي الْمُطْلَقَات . شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 95)
وَالْمُرَاد بِهَذَا الْأَمْر تَرْك السُّؤَال عَنْ شَيْء لَمْ يَقَع خَشْيَة أَنْ يَنْزِل بِهِ وُجُوبه أَوْ تَحْرِيمه ، وَعَنْ كَثْرَة السُّؤَال لِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ التَّعَنُّت ، وَخَشْيَة أَنْ تَقَع الْإِجَابَة بِأَمْرٍ يُسْتَثْقَل ، فَقَدْ يُؤَدِّي لِتَرْكِ الِامْتِثَال فَتَقَع الْمُخَالَفَة , لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى مِثْل مَا وَقَعَ لِبَنِي إِسْرَائِيل ، إِذْ أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا الْبَقَرَة , فَلَوْ ذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ لَامْتَثَلُوا , وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ ، وَبِهَذَا تَظْهَر مُنَاسَبَة قَوْله " فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ " إِلَى آخِره. فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 339)(1/403)
فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ(1)كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ(2)
__________
(1) أَيْ : مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 478)
(2) يَعْنِي إِذَا أَمَرَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ السُّؤَالِ أَوْ قَبْلَهُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِمْ , فَهَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاكَ ..تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 478)(1/404)
)(1)( فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ(2)
__________
(1) م ) 1337 , ( خ ) 6858
(2) قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ ) هَذَا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام الْمُهِمَّة ، وَمِنْ جَوَامِع الْكَلِم الَّتِي أُعْطِيهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَدْخُل فِيهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَام كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْض أَرْكَانهَا أَوْ بَعْض شُرُوطهَا أَتَى بِالْبَاقِي ، وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْض أَعْضَاء الْوُضُوء أَوْ الْغُسْل غَسَلَ الْمُمْكِن ، وَإِذَا وَجَدَ بَعْض مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاء لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَة فَعَلَ الْمُمْكِن ، وَأَشْبَاه هَذَا غَيْر مُنْحَصِرَة ، وَهِيَ مَشْهُورَة فِي كُتُبِ الْفِقْه ، وَالْمَقْصُود التَّنْبِيه عَلَى أَصْل ذَلِكَ ، وَهَذَا الْحَدِيث مُوَافِق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } فَفِيهَا مَذْهَبَانِ أَحَدهمَا : أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } وَالثَّانِي - وَهُوَ الصَّحِيح أَوْ الصَّوَاب وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ - أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَة ، بَلْ قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } مُفَسِّرَة لَهَا وَمُبَيِّنَة لِلْمُرَادِ بِهَا ، قَالُوا : { وَحَقّ تُقَاته } هُوَ اِمْتِثَال أَمْرِهِ وَاجْتِنَاب نَهْيه ، وَلَمْ يَأْمُر سُبْحَانه وَتَعَالَى إِلَّا بِالْمُسْتَطَاعِ ، قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا } , وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج } وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 499)
فالْأَمْر الْمُطْلَق لَا يَقْتَضِي دَوَام الْفِعْل , وَإِنَّمَا يَقْتَضِي جِنْس الْمَأْمُور بِهِ , وَأَنَّهُ طَاعَة مَطْلُوبَة يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِي كُلّ إِنْسَان مِنْهُ عَلَى قَدْر طَاقَته , وَأَمَّا النَّهْي فَيَقْتَضِي دَوَام التَّرْك , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 95)(1/405)
)(1)"
( ت ) , وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ :
قَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رضي الله عنه - قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ(2)لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ(3)}(4)قَالَ : هَذَا نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - يُوحَى إِلَيْهِ , وَخِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ(5)لَوْ أَطَاعَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُوا , فَكَيْفَ بِكُمْ الْيَوْمَ(6)؟ . (7)
( خ ت ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
__________
(1) خ ) 6858 , ( م ) 1337
(2) أَيْ : اِعْلَمُوا أَنَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رَسُولَ اللَّهِ , فَعَظِّمُوهُ وَوَقِّرُوهُ وَتَأَدَّبُوا مَعَهُ وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ , فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِكُمْ وَأَشْفَقُ عَلَيْكُمْ مِنْكُمْ , وَرَأْيُهُ فِيكُمْ أَتَمُّ مِنْ رَأْيِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 125)
(3) أَيْ : لَوْ أَطَاعَكُمْ فِي جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى عَنَتِكُمْ وَحَرَجِكُمْ ، وَالْعَنَتُ : هُوَ التَّعَبُ وَالْجُهْدُ وَالْإِثْمُ وَالْهَلَاكُ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 125)
(4) الحجرات/7]
(5) أَيْ : الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 125)
(6) أَيْ : كَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ لَوْ يَقْتَدِي بِكُمْ وَيَأْخُذُ بِآرَائِكُمْ وَيَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ .تحفة الأحوذي(ج8ص125)
(7) ت ) 3269(1/406)
" جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ نَائِمٌ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَائِمٌ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ , فَقَالُوا : إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا , فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا(1)فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَائِمٌ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ , فَقَالُوا : مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً , وَبَعَثَ دَاعِيًا , فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ , وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ , فَقَالُوا : أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَائِمٌ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ , فَقَالُوا : الدَّارُ الْجَنَّةُ , وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - , فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ , وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ عَصَى اللَّهَ , وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ "(2)
( خ م ت حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : تَمْثِيلًا وَتَصْوِيرًا لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ الْمَحْسُوسِ , لِيَكُونَ أَوْقَعَ تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 180)
(2) خ ) 6852 , ( ت ) 2860(1/407)
" ( مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ )(1)( كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ(2)نَارًا )(3)( بِلَيْلٍ ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ )(4)( وَالذُّبَابُ )(5)( يَقَعْنَ فِي النَّارِ ، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ )(6)( عَنْهَا )(7)( فَيَغْلِبْنَهُ وَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا )(8)( وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ حُرْمَةً إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَطَّلِعُهَا مِنْكُمْ مُطَّلِعٌ , أَلَا وَإِنِّي آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ(9)أَنْ تَهَافَتُوا فِي النَّارِ كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ أَوْ الذُّبَابِ )(10)( هَلُمَّ عَنْ النَّارِ ، هَلُمَّ عَنْ النَّارِ )(11)( أَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ )(12)(
__________
(1) حم ) 10976 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( م ) 2284
(2) أَيْ : أَوْقَدَ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 192)
(3) خ ) 3244
(4) م ) 2284 , ( خ ) 6118
(5) ت ) 2874
(6) حم ) 8102 , ( خ ) 6118
(7) م ) 2285 , ( حم ) 14930
(8) م ) 2284 , ( خ ) 6118
(9) جَمْع حُجْزَة , وَهِيَ مَعْقِد الْإِزَار ، وَمِنْ السَّرَاوِيل مَوْضِع التِّكَّة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 311)
(10) حم ) 3704 , 4027 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(11) م ) 2284 , ( حم ) 8102
(12) حم ) 10976 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/408)
وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي )(1)( تَقَحَّمُونَ فِيهَا(2))(3)"
( طب ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ , أَقُولُ : إِيَّاكُمْ وَجَهَنَّمَ , إِيَّاكُمْ وَالْحُدُودَ , فَإِذَا مِتُّ فَأَنَا فَرَطُكُمْ(4)وَمَوْعِدُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ , فَمَنْ وَرَدَ أَفْلَحَ "(5)
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 2285
(2) أَيْ : تَدْخُلُونَ فِيهَا بِشِدَّةٍ وَمُزَاحَمَةٍ , قِيلَ : التَّقَحُّمُ هُوَ الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ , وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْهَلَاكِ وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِي الْهَلَاكِ , وَقَالَ النَّوَوِيُّ : مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ فِي نَارِ الْآخِرَةِ وَحِرْصَهُمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ , وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا , لِهَوَاهُ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ , فَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ , سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 192)
(3) م ) 2284 , ( ت ) 2874
(4) الْفَرَط ) بِفَتْحِ الْفَاء وَالرَّاء وَالْفَارِط : هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْوَارِد لِيُصْلِحَ لَهُمْ الْحِيَاض وَالدِّلَاء وَنَحْوهَا مِنْ أُمُور الِاسْتِقَاء فَمَعْنَى ( فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض ) سَابِقكُمْ إِلَيْهِ كَالْمُهَيِّئِ لَهُ . ( النووي - ج 7 / ص 495)
(5) طب ) 12805 , انظر الصَّحِيحَة : 3087 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 2344(1/409)
" مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ : يَا قَوْمِ , إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ , وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ(1)فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ(2))(3)( فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا(4)فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا , وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ , فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ(5)
__________
(1) الْأَصْل فِيهِ أَنَّ رَجُلًا لَقِيَ جَيْشًا فَسَلَبُوهُ وَأَسَرُوهُ , فَانْفَلَتَ إِلَى قَوْمه فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش فَسَلَبُونِي ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا فَتَحَقَّقُوا صِدْقه ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَتَّهِمُونَهُ فِي النَّصِيحَة وَلَا جَرَتْ عَادَته بِالتَّعَرِّي ، فَقَطَعُوا بِصِدْقِهِ لِهَذِهِ الْقَرَائِن ، فَضَرَبَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ وَلِمَا جَاءَ بِهِ مَثَلًا بِذَلِكَ لِمَا أَبْدَاهُ مِنْ الْخَوَارِق وَالْمُعْجِزَات الدَّالَّة عَلَى الْقَطْع بِصِدْقِهِ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِ الْمُخَاطَبِينَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ وَيَعْرِفُونَهُ . فتح الباري(ج 18 / ص 310)
(2) أَيْ : اُطْلُبُوا النَّجَاء بِأَنْ تُسْرِعُوا الْهَرَب . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 310)
(3) خ ) 6117 , ( م ) 2283
(4) أَيْ : سَارُوا أَوَّل اللَّيْل , أَوْ سَارُوا اللَّيْل كُلّه , عَلَى الِاخْتِلَاف فِي مَدْلُول هَذِهِ اللَّفْظَة .فتح الباري
(5) أَيْ : أَتَاهُمْ صَبَاحًا ، هَذَا أَصْله , ثُمَّ كَثُرَ اِسْتِعْمَاله حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِيمَنْ طُرِقَ بَغْتَة فِي أَيِّ وَقْت كَانَ ..فتح الباري(1/410)
فَاجْتَاحَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ , فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ , وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ )(1)"
( حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَلَكَانِ , فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ , وَالْآخَرُ عِنْدَ رَأْسِهِ , فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ : اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ , فَقَالَ : إِنَّ مَثَلَهُ وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ(2)انْتَهوا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ(3)فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنْ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ وَلَا مَا يَرْجِعُونَ بِهِ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ(4)حِبَرَةٍ(5)فَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا(6)مُعْشِبَةً(7)وَحِيَاضًا(8)رُوَاءً(9)
__________
(1) خ ) 6854 , ( م ) 2283
(2) أَيْ : مسافرين .
(3) المَفازة : البَرِّيَّة القفر ، سميت مفازة تفاؤلا .
(4) الحُلَّة : ثوبَان من جنس واحد .
(5) الحِبَرة : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط .
(6) الرياض : جمع الروضة وهي البستان .
(7) أَيْ : كثيرة العشب .
(8) الحياض : جمع حوض ، وهو مجتمع الماء كالبئر .
(9) الرُّواء : من الرِّيِّ والارتواء ..(1/411)
أَتَتَّبِعُونِي ؟ , فَقَالُوا : نَعَمْ , فَانْطَلَقَ بِهِمْ فَأَوْرَدَهُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً , فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا , فَقَالَ لَهُمْ : أَلَمْ أَلْقَكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي ؟ , فَقَالُوا : بَلَى , قَالَ : فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا أَعْشَبَ مِنْ هَذِهِ , وَحِيَاضًا هِيَ أَرْوَى مِنْ هَذِهِ فَاتَّبِعُونِي فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : صَدَقَ , وَاللَّهِ لَنَتَّبِعَنَّهُ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ "(1)
( م حم ) , وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ :
( أَكَلَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِمَالِهِ , فَقَالَ : " كُلْ بِيَمِينِكَ " , قَالَ : لَا أَسْتَطِيعُ - مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ - قَالَ : " لَا اسْتَطَعْتَ " )(2)( قَالَ : فَمَا وَصَلَتْ يَمِينُهُ إِلَى فَمِهِ بَعْدُ(3))(4).
( خ م خز حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) صححه أحمد شاكر في ( حم ) 2402 , وقال الحاكم : 8200 : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , ووافقه الذهبي في التلخيص فقال : على شرط البخاري ومسلم .
(2) م ) 1974
(3) فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ ، فَلَا يَدْعُو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَلَى مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ ، وَأَمَّا كَوْنُ الدُّعَاءِ لِتَكَبُّرِهِ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا ، وَلَا يُنَافِي أَنَّ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا . سبل السلام - (ج 5 / ص 102)
(4) حم ) 16546(1/412)
" ( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ )(1)( عَامَ الْفَتْحِ )(2)( لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ )(3)( وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ , وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ , فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ , يَصُومُ وَيَصُومُونَ , حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ , وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ )(4)( وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ , فَعَطِشَ النَّاسُ , وَجَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِ )(5)( فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ(6))(7)( فَقَالَ : " اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ )(8)(
__________
(1) خ ) 1847
(2) خ ) 4028 , ( م ) 1114
(3) حم ) 2392 , ( خ ) 1842
(4) خ ) 4027 , ( م ) 1113
(5) حم ) 3460 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(6) أَيْ : صَعُب عليه أمره .
(7) م ) 1114 , ( ت ) 710
(8) حم ) 11441 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/413)
إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ , وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ , فَأَفْطِرُوا " )(1)( فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ , فَقَالَ : " إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّي رَاكِبٌ وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ ، وَإِنِّي أَيْسَرُكُمُ ، اشْرَبُوا " , فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَا يَصْنَعُ , فَلَمَّا أَبَوْا )(2)( " دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ )(3)( بَعْدَ الْعَصْرِ )(4)( فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ , ثُمَّ شَرِبَ )(5)( وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ , يُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ " , فَأَفْطَرَ الْمُسْلِمُونَ )(6)(
__________
(1) م ) 1120
(2) خز ) 1966 , وقال الأعظمي : إسناده صحيح , ( م ) 1114 , ( حم ) 11441
(3) خ ) 4029 , ( م ) 1114
(4) م ) 1114
(5) حم ) 3460 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( م ) 1114 , ( خ ) 4028
(6) حم ) 2363 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(1/414)
فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ ، فَقَالَ : " أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ )(1)( فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ(2))(3)"
( حم حب ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 1114 , ( ت ) 710
(2) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُفْطِرَ وَلَوْ نَوَى الصِّيَام مِنْ اللَّيْل وَأَصْبَحَ صَائِمًا , فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَثْنَاء النَّهَار , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور ، وَهَذَا كُلّه فِيمَا لَوْ نَوَى الصَّوْم فِي السَّفَر ، فَأَمَّا لَوْ نَوَى الصَّوْم وَهُوَ مُقِيم ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاء النَّهَار , فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ النَّهَار ؟ , مَنَعَهُ الْجُمْهُور ، وَقَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق بِالْجَوَازِ ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيث ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ فِي الْيَوْم الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ الْمَدِينَة ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَالْكَدِيد عِدَّةَ أَيَّامٍ ، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ يُفْطِر فِي الْحَضَر قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ , ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْد الْمُجِيزِينَ فِي الْفِطْر بِكُلِّ مُفْطِر ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ بَيْن الْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ فَمَنَعَهُ فِي الْجِمَاعِ ، قَالَ فَلَوْ جَامَعَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة , إِلَّا إِنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاع قَبْلَ الْجِمَاعِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 199)
(3) خ ) 4026(1/415)
" ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ )(1)وفي رواية(2): إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ "(3)
( حب يع ) , وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنه - قَالَ :
خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَا أَمِيرُهُمْ حَتَّى نَزَلْنَا الْإسْكَنَدَرِيّةَ ، فَقَالَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمُ : أخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلًا يُكَلِّمُنِي وَأُكَلِّمُهُ ،
__________
(1) حب ) 354 , ( هق ) 5199
(2) حم ) 5873 , ( حب ) 2742 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) صَحِيح الْجَامِع : 1885 , وصححه الألباني في الإرواء : 564(1/416)
فَقُلْتُ : لَا يَخْرُجْ إِلَيْهِ غَيْرِي ، فَخَرَجْتُ وَمَعِي تَرْجُمَانِي وَمَعَهُ تَرْجُمَانَهُ ، حَتَّى وُضِعَ لَنَا ( مِنْبَرَانِ )(1)فَقَالَ : مَا أَنْتُمْ ؟ ، فَقُلْتُ : " إِنَّا نَحْنُ الْعَرَبُ ، أَهْلُ الشَّوْكِ وَالْقَرَظِ(2)
__________
(1) يع ) 7353
(2) القَرَظ : ورق شجر السَّلَم , يدبغ به ..(1/417)
وَأَهْلُ بَيْتِ اللَّهِ ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضًا ، وَأَشَدَّهُمْ عَيْشًا ، نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ , وَيَغِيرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ، حَتَّى خَرَجَ فِينَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا يَوْمَئِذٍ شَرَفًا ، وَلَا أَكْثَرِنَا مَالًا ، وَقَالَ : " أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ، يَأْمُرُنَا بِمَا لَا نَعْرِفُ ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا " ، فَكَذَّبْنَاهُ وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ مَقَالَتَهُ ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا ، فَقَالُوا : نَحْنُ نُصَدِّقُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَّبِعُكَ ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ ، فَقَاتَلْنَاهُ فَقَتَلَنَا ، وَظَهَرَ عَلَيْنَا وَغَلَبَنَا , وَتَنَاوَلَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِمْ , فَلَوْ يَعْلَمُ مَنْ وَرَائِي مِنَ الْعَرَبِ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ ، لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا جَاءَكُمْ حَتَّى يُشْرِكَكُمْ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ , فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ رَسُولَكُمْ قَدْ صَدَقَ ، قَدْ جَاءَتْنَا رُسُلُنَا بِمِثْلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُكُمْ ، فَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِينَا مُلُوكٌ ، فَجَعَلُوا يَعْمَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَيَتْرُكُونَ أَمْرَ الأَنْبِيَاءِ ، فَإِنْ أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبْتُمُوهُ , وَلَمْ يُشَارِرْكُمْ(1)
__________
(1) أي : يفعل بكم شرًّا يحوجكم أن تفعلوا به مثله ..(1/418)
أَحَدٌ إِلَّا ظَهَرْتُمْ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا وَتَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ ، وَعَمِلْتُمْ مِثْلَ الَّذِينَ عَمِلُوا بِأَهْوَائِهِمْ فَخُلِّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ، لَمْ تَكُونُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَّا ، وَلَا أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَمَا كَلَّمْتُ رَجُلًا قَطُّ ( أَذْكَى )(1)مِنْهُ .(2)
( مي ) , وَعَنْ حَسَّانَ بن عطية المحاربي(3)قَالَ :
" كَانَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ , ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن "(4)
( مي ) , وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ :
السُّنَّةُ سُنَّتَانِ : سُنَّةٌ الْأَخْذُ بِهَا فَرِيضَةٌ , وَتَرْكُهَا كُفْرٌ , وَسُنَّةٌ الْأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ , وَتَرْكُهَا إِلَى غَيْرِ حَرَجٍ . (5)
( مي ) , وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ :
السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ , وَلَيْسَ الْقُرْآنُ بِقَاضٍ عَلَى السُّنَّةِ . (6)
قال الألباني في الإرواء تحت حديث 1002 :
وما أحسنَ ما قال الامام مالك رحمه اللَّه لرجل أراد أن يحرم قبل ذي الحليفة : لَا تفعل فإني أخشي عليك الفتنة , فقال : وأي فتنة في هذه ؟ , وإنما هي أميال أزيدها ! , قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قَصُر عنها رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ؟
__________
(1) يع ) 7353
(2) حب ) 6564 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1429
(3) تابعي جليل .
(4) مي ) 588 , ( الإبانة الكبرى لابن بطة ) 92 , وصححه الألباني في كتاب الإيمان لابن تيمية ص37 , فقال : رواه الدارمي بسند صحيح عن حسان بن عطية فهو مرسل .
(5) مي ) 589
(6) مي ) 587(1/419)
إني سمعت اللَّهَ يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(1).
نَماذِجُ مِن تَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - بِسُنَّتِه - صلى الله عليه وسلم -
( خ م ) , وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) النور/63](1/420)
نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى أَخْوَالِهِ(1)مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَصَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ(2)سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا )(3)( وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ(4)
__________
(1) فِي إِطْلَاق أَخْوَاله مَجَاز ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَار أَقَارِبه مِنْ جِهَة الْأُمُومَة ، لِأَنَّ أُمّ جَدّه عَبْد الْمُطَّلِب بْن هَاشِم مِنْهُمْ ، وَهِيَ سَلْمَى بِنْت عَمْرو أَحَد بَنِي عَدِيّ بْن النَّجَّار . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 64)
(2) أَيْ : إِلَى جِهَة بَيْت الْمَقْدِس . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 64)
(3) خ ) 2340 , ( م ) 525
(4) اخْتُلِفَ فِي صَلَاته إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَهُوَ بِمَكَّة ، فَظَاهِره أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس مَحْضًا ، فكَانَ يَجْعَل الْكَعْبَة بَيْنه وَبَيْن بَيْت الْمَقْدِس , فكَانَ يُصَلِّي بَيْن الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 64)(1/421)
فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }(1)فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ )(2)( وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ " ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ )(3)( مِنْ الْأَنْصَارِ )(4)( وَهُمْ رَاكِعُونَ )(5)( فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ )(6)( فَقَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(7)( وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ )(8)( فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ )(9)( حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ )(10)
( م س جة ) , عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ :
(
__________
(1) البقرة/144]
(2) خ ) 390 , ( ت ) 340
(3) خ ) 2340 , ( م ) 525
(4) خ ) 390 , ( ت ) 340
(5) خ ) 2340 , ( ت ) 340
(6) خ ) 390 , ( ت ) 340
(7) خ ) 2340 , ( ت ) 340
(8) خ ) 390 , ( ت ) 340
(9) خ ) 6825 , ( ت ) 340
(10) خ ) 390(1/422)
غَزَوْنَا )(1)( أَرْضَ الرُّومِ )(2)( وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ - رضي الله عنه - , فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً , فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ , فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ(3)النَّاسِ , فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ )(4)( فَنَظَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - إِلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ(5)بِالدَّنَانِيرِ , وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ )(6)( فَقَامَ خَطِيبًا )(7)( فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا )(8)( إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَلَا إِنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ , تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا(9)وَإِنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ , تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا )(10)( لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا نَظِرَةَ(11))(12)( وَالْبُرَّ(13)
__________
(1) م ) 1587
(2) جة ) 18
(3) أعطيات : جمع أعطية ، وهي جمع عطاء ، وهو اسم لما يُعطَى .
(4) م ) 1587
(5) الكِسَر : القِطَعِ , وَالْمُرَاد أَنَّهُمْ يَتَبَايَعُونَهَا عَدَدًا . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 18)
(6) جة ) 18
(7) س ) 4563
(8) جة ) 18
(9) التِّبْر : الذَّهَب الْخَالِص وَالْفِضَّة قَبْل أَنْ يُضْرَبَا دَنَانِير وَدَرَاهِم ، فَإِذَا ضُرِبَا كَانَا عَيْنًا .عون المعبود(ج 7 / ص 330)
(10) س ) 4563 , ( ت ) 1240
(11) أَيْ : لا انْتِظَارَ وَلَا تَأْخِير مِنْ أَحَد الطَّرَفَيْنِ فِي هَذَا , أَيْ : فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 18)
(12) جة ) 18
(13) البُرُّ : القمح ..(1/423)
بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ(1)وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ , وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ )(2)( مُدْيًا بِمُدْيٍ(3)سَوَاءً بِسَوَاءٍ , مِثْلًا بِمِثْلٍ , يَدًا بِيَدٍ(4)لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا نَظِرَةً )(5)( فَمَنْ زَادَ(6)أَوْ اسْتَزَادَ(7)فَقَدْ أَرْبَى(8)
__________
(1) هَذَا دَلِيل ظَاهِر فِي أَنَّ الْبُرّ وَالشَّعِير صِنْفَانِ ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالثَّوْرِيِّ وَفُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرِينَ ، وَقَالَ مَالِك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَمُعْظَم عُلَمَاء الْمَدِينَة وَالشَّام مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ : إِنَّهَا صِنْف وَاحِد ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّخَن صِنْف ، وَالذُّرَة صِنْف وَالْأَرُزّ صِنْف , إِلَّا اللَّيْث بْن سَعْد وَابْن وَهْب فَقَالَا : هَذِهِ الثَّلَاثَة صِنْف وَاحِد . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 448)
(2) م ) 1587 , ( ت ) 1240
(3) الْمُدْي مِكْيَال مَعْرُوف بِبِلَادِ الشَّام وَبِلَاد مِصْر , بِهِ يَتَعَامَلُونَ , وَأَحْسَبهُ خَمْسَة عَشَر مَكُّوكًا , وَالْمَكُّوك صَاع وَنِصْف ، وَالْمَعْنَى مِكْيَال بِمِكْيَالٍ . عون المعبود - (ج 7 / ص 330)
(4) أَيْ : حَالًا مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِس قَبْل اِفْتِرَاق أَحَدهمَا عَنْ الْآخَر . عون المعبود - (ج 7 / ص 330)
(5) جة ) 18 , ( م ) 1587 , ( ت ) 1240
(6) أَيْ : أَعْطَى الزِّيَادَة . عون المعبود - (ج 7 / ص 330)
(7) أَيْ : طَلَبَ الزِّيَادَة . عون المعبود - (ج 7 / ص 330)
(8) أَيْ : أَوْقَع نَفْسه فِي الرِّبَا الْمُحَرَّم ..عون المعبود - (ج 7 / ص 330)(1/424)
فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ , وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا(1)" , فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا(2)
__________
(1) قَالَ الْخَطَّابِيّ : فِي الحديث بَيَان أَنَّ التَّقَابُض شَرْط فِي صِحَّة الْبَيْع فِي كُلّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة وَغَيْرهمَا مِنْ الْمَطْعُوم وَإِنْ اِخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُول " فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ , وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا " ، فَنَصَّ عَلَيْهِ كَمَا تَرَى , وَجَوَّزَ أَهْل الْعِرَاق بَيْع الْبُرّ بِالشَّعِيرِ مِنْ غَيْر تُقَابِض , وَصَارُوا إِلَى أَنَّ الْقَبْض إِنَّمَا يَجِب فِي الصَّرْف دُون مَا سِوَاهُ , وَقَدْ اِجْتَمَعَتْ بَيْنهمَا النَّسِيئَة , فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بَيْنهمَا ، وَجُمْلَته أَنَّ الْجِنْس الْوَاحِد مِمَّا فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوز فِيهِ التَّفَاضُل نِسْئًا وَلَا نَقْدًا , وَأَنَّ الْجِنْسَيْنِ لَا يَجُوز فِيهِمَا التَّفَاضُل نِسْئًا , وَيَجُوز نَقْدًا . عون المعبود - (ج 7 / ص 330)
(2) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْبَيْع الْمَذْكُور بَاطِل ..شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 447)(1/425)
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ , فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ ؟ , فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ : لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ , مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ )(1)( فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : يَا أَبَا الْوَلِيدِ , لَا أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ(2)فَقَالَ عُبَادَةُ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ ؟ , لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ(3)فَلَمَّا قَفَلَ(4)لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - : مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ , فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَمَا قَالَ مِنْ مُسَاكَنَتِهِ , فَقَالَ : ارْجِعْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ , فَقَبَّحَ اللَّهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ , وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ : لَا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ , وَاحْمِلْ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ , فَإِنَّهُ هُوَ الْأَمْرُ(5))(6).
__________
(1) م ) 1587 , ( س ) 4562
(2) أَيْ : النَّسِيئَة , يُرِيد لَا أَرَى الرِّبَا فِيهَا إِلَّا النَّسِيئَة . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 18)
(3) أَيْ : حُكُومَة وِلَايَة . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 18)
(4) أَيْ : رجع .
(5) أَيْ : اِعْتَقَدُوا فِيهِ . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 18)
(6) جة ) 18 , ( ط ) 1147(1/426)
(1)
( خ م جة حم ) ، وَعَنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ب:
( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ " )(2)( فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ , لَا نَدَعُهُنَّ يَخْرُجْنَ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا(3))(4)( قَالَ : فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ غَضَبًا شَدِيدًا )(5)( فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ )(6)( فَلَطَمَ صَدْرَهُ )(7)(
__________
(1) صححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 1346
(2) م ) 442 , ( خ ) 827
(3) الدَّغَل : هُوَ الْفَسَاد وَالْخِدَاع وَالرِّيبَة , قَالَ الْحَافِظ : وَأَصْله الشَّجَر الْمُلْتَفّ , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمُخَادَعَة , لِكَوْنِ الْمُخَادِع يَلُفُّ فِي نَفْسه أَمْرًا وَيُظْهِر غَيْره ، وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ فَسَاد بَعْض النِّسَاء فِي ذَلِكَ الْوَقْت , وَحَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرَة . عون المعبود - (ج 2 / ص 91)
(4) م ) 442
(5) جة ) 16
(6) حم ) 6252 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) حم ) 5021 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(1/427)
وَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ ، وَقَالَ : أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ؟ )(1)( قَالَ : فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى مَاتَ(2))(3).
( خ م د ) , وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 442 , ( د ) 568
(2) إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ اِبْن عُمَر لِتَصْرِيحِهِ بِمُخَالَفَةِ الْحَدِيث , وَأُخِذَ مِنْ إِنْكَار عَبْد اللَّه عَلَى وَلَده تَأْدِيب الْمُعْتَرِض عَلَى السُّنَن بِرَأْيِهِ , وَعَلَى الْعَالِم بِهَوَاهُ ، وَتَأْدِيب الرَّجُل وَلَدَه وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ ، وَجَوَاز التَّأْدِيب بِالْهِجْرَانِ ، لرواية أَحْمَد : " فَمَا كَلَّمَهُ عَبْد اللَّه حَتَّى مَاتَ " , وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَحَدهمَا مَاتَ عَقِب هَذِهِ الْقِصَّة بِيَسِيرٍ , قَالَهُ الْحَافِظ فِي الفَتْح . عون المعبود (ج 2 / ص 91)
(3) حم ) 4933 , وصححه الألباني غاية المرام : 411 ، والثمر المستطاب ج1 ص729 ، وإصلاح الساجد ص225 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .(1/428)
" ( لَا يَأْتِي الْحَيَاءُ إِلَّا بِخَيْرٍ " , فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ كَعْبٍ(1): )(2)( إِنَّا نَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ مِنْ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَسَكِينَةً لِلَّهِ(3)وَمِنْهُ ضَعْفٌ(4)
__________
(1) هو بشير بن كعب بن أُبَيّ ، الحميري العدوي ، الطبقة : 2 : من كبار التابعين , روى له : خ د ت س جة , رتبته عند ابن حجر : ثقة , رتبته عند الذهبي : ثقة .
(2) خ ) 5766 , ( م ) 37
(3) مَعْنَى كَلَام بُشَيْر أَنَّ مِنْ الْحَيَاء مَا يَحْمِل صَاحِبه عَلَى الْوَقَار , بِأَنْ يُوَقِّرَ غَيْره وَيَتَوَقَّر هُوَ فِي نَفْسه ، وَمِنْهُ مَا يَحْمِلهُ عَلَى أَنْ يَسْكُن عَنْ كَثِير مِمَّا يَتَحَرَّك النَّاس فِيهِ مِنْ الْأُمُور الَّتِي لَا تَلِيق بِذِي الْمُرُوءَة . عون المعبود - (ج 10 / ص 318)
(4) هَذِهِ الزِّيَادَة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا غَضِبَ عِمْرَان ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي ذِكْر السَّكِينَة وَالْوَقَار مَا يُنَافِي كَوْنه خَيْرًا ، لَكِنَّه غَضِبَ مِنْ قَوْله " ومِنْهُ ضَعْفٌ " ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيض يُفْهِم أَنَّ مِنْهُ مَا يُضَادّ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَدْ رَوَى " أَنَّهُ كُلّه خَيْر " . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 299)
فَأَشْكَلَ حَمْله عَلَى الْعُمُوم لِأَنَّهُ قَدْ يَصُدُّ صَاحِبَه عَنْ مُوَاجَهَة مَنْ يَرْتَكِب الْمُنْكَرَات , وَيَحْمِلهُ عَلَى الْإِخْلَال بِبَعْضِ الْحُقُوق , وَالْجَوَاب : أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَيَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث مَا يَكُون شَرْعِيًّا ، وَالْحَيَاء الَّذِي يَنْشَأ عَنْهُ الْإِخْلَال بِالْحُقُوقِ لَيْسَ حَيَاء شَرْعِيًّا , بَلْ هُوَ عَجْز وَمَهَانَة , وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَيَاءً لِمُشَابَهَتِهِ لِلْحَيَاءِ الشَّرْعِيّ , وَهُوَ خُلُق يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيح . عون المعبود - (ج 10 / ص 318)(1/429)
)(1)( فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ وَأَعَادَ بُشَيْرٌ الْكَلَامَ , فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ )(2)( وَقَالَ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ ؟ )(3).
( ط طح ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بقَالَ :
( خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ بِعَرَفَةَ وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ , وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ : إِذَا جِئْتُمْ مِنًى فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ )(4)( ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ )(5)( فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ ، لَا يَمَسُّ أَحَدٌ نِسَاءً وَلَا طِيبًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ )(6)( فَقَالَتْ عَائِشَةُ ك : " طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى لِحِلِّهِ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ " )(7)( قَالَتْ عَائِشَةُ : فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ نَأْخُذَ بِهَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ )(8).
( ت حم ) , وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
(
__________
(1) م ) 37 , ( خ ) 5766
(2) د ) 4796 , ( م ) 37
(3) م ) 37 , ( خ ) 5766
(4) ط ) 922 , ( هق ) 9778
(5) ط ) 923 , ( هق ) 9778
(6) ط ) 922 , ( هق ) 9778
(7) حجة الوداع لابن حزم : 169 , ( خ ) 1167 , ( م ) 1189
(8) شرح معاني الآثار : 3744 , وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 1047(1/430)
سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بعَنْ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : هِيَ حَلَالٌ )(1)( أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( فَقَالَ الشَّامِيُّ : إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا
" وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " ، أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ , فَقَالَ الرَّجُلُ : بَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : " لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (3))(4)"
( هق ) , وَعَنْ أَبِي غَطَفَانَ(5)قَالَ :
__________
(1) ت ) 824
(2) حم ) 6392 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(3) قوله ( قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ : الْمُتْعَةَ اللُّغَوِيَّةَ , وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَحُكْمُ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَاحِدٌ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِرَانَ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالتَّمَتُّعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 370)
(4) ت ) 824 , ( حم ) 6392
(5) هو : أبو غطفان بن طريف المري , حجازي , قيل : اسمه سعد , وثقه ابن حجر والذهبي والنسائي .(1/431)
كَانَ ابْنَ عَبَّاسٍبيَقُولُ : فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَتُفْتِي فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ وَقَدْ بَلَغَكَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - فِي الْأَصَابِعِ ؟ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ .(1)
( م ) , وَعَنْ وَبَرَةَ بنِ عبدِ الرحمن(2)قَالَ :
__________
(1) هق ) 16066 , وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 2271
(2) هو : وَبَرَة بن عبد الرحمن المسلي ، أبو خزيمة ، الكوفي , الطبقة : 4 طبقة تلى الوسطى من التابعين , الوفاة : 116 , روى له : ( البخاري - مسلم - أبو داود - النسائي ) رتبته عند ابن حجر : ثقة , وعند الذهبي : ثقة .(1/432)
كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَب، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَقَدْ أَحْرَمْتُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ ؟ ، فَقَالَ : نَعَمْ , وَمَا يَمْنَعُكَ ؟ , قَالَ : إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍبيَقُولُ : لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ(1)وَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ , رَأَيْنَاهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا(2)فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَأَيُّنَا لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا ؟ " , رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ(3)
__________
(1) أَيْ : يَقُول الطَّوَاف يُوجِب التَّحْلِيل , فَمَنْ أَرَادَ الْبَقَاء عَلَى إِحْرَامه فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوف , وَالْحَاصِل أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَسْخ الَّذِي أَمَرَ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّحَابَة . شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 282)
(2) مَعْنَى قَوْلهمْ : ( فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا ) لِأَنَّهُ تَوَلَّى الْبَصْرَة ، وَالْوِلَايَات مَحَلّ الْخَطَر وَالْفِتْنَة ، وَأَمَّا ابْن عُمَر فَلَمْ يَتَوَلَّ شَيْئًا . شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 336)
(3) قَدْ جَاءَ مِنْهُ أَنَّهُ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ , وَهَذَا الْجَوَاب يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّمَتُّعِ الْقِرَان , فَلْيُتَأَمَّلْ , وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم ..شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 282)(1/433)
فَطَافَ بِالْبَيْتِ , وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ " ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ , أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا(1)؟ .
__________
(1) هَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن عُمَر هُوَ إِثْبَات طَوَاف الْقُدُوم لِلْحَاجِّ ، وَهُوَ مَشْرُوع قَبْل الْوُقُوف بِعَرَفَاتٍ ، وَبِهَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن عُمَر قَالَ الْعُلَمَاء كَافَّة سِوَى اِبْن عَبَّاس ، وَكُلّهمْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ سُنَّة لَيْسَ بِوَاجِبٍ , إِلَّا بَعْض أَصْحَابنَا وَمَنْ وَافَقَهُ فَيَقُولُونَ : وَاجِب يُجْبَر تَرْكه بِالدَّمِ , وَالْمَشْهُور أَنَّهُ سُنَّة لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَلَا دَم فِي تَرْكه ، فَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَبْل طَوَاف الْقُدُوم فَاتَ ، فَإِنْ طَافَ بَعْد ذَلِكَ بِنِيَّةِ طَوَاف الْقُدُوم لَمْ يَقَع عَنْ طَوَاف الْقُدُوم ، بَلْ يَقَع عَنْ طَوَاف الْإِفَاضَة إِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ ، فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَقَعَ الثَّانِي تَطَوُّعًا لَا عَنْ الْقُدُوم , وَلِطَوَافِ الْقُدُوم أَسْمَاء : طَوَاف الْقُدُوم , وَالْقَادِم , وَالْوُرُود , وَالْوَارِد , وَالتَّحِيَّة ، وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَة طَوَاف قُدُوم ، بَلْ الطَّوَاف الَّذِي يَفْعَلهُ فِيهَا رُكْنًا لَهَا ، حَتَّى لَوْ نَوَى بِهِ طَوَاف الْقُدُوم وَقَعَ رُكْنًا ، وَلَغَتْ نِيَّته ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّة وَاجِبَة فَنَوَى حَجَّة تَطَوُّع فَإِنَّهَا تَقَع وَاجِبَة , وَاَللَّه أَعْلَم , وَأَمَّا قَوْله : ( إِنْ كُنْت صَادِقًا ) فَمَعْنَاهُ إِنْ كُنْت صَادِقًا فِي إِسْلَامك وَاتِّبَاعك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْدِل عَنْ فِعْله وَطَرِيقَته إِلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره , وَاَللَّه أَعْلَم ..شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 335)(1/434)
(1)
( خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ :
( رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ - رضي الله عنه - رَجُلًا يَخْذِفُ(2)فَقَالَ لَهُ : لَا تَخْذِفْ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , " نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ , وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ(3)وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ , وَيَكْسِرُ السِّنَّ " , ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ , فَقَالَ لَهُ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَأَنْتَ تَخْذِفُ ؟ , لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا )(4)لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا(5)"
( جة ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) م ) 1233 , ( س ) 2930 , 2960 , و( حم ) 5194
(2) الخذف : الرمي والقذف بصغار الحصى .
(3) أَيْ : لا يسبب الأذى للعدو .
(4) خ ) 5479 , ( م ) 1954
(5) م ) 1954 , وفِي الحديث هِجْرَان أَهْل الْبِدَع وَالْفُسُوق , وَمُنَابِذِي السُّنَّة مَعَ الْعِلْم , وَأَنَّهُ يَجُوز هِجْرَانه دَائِمًا ، وَالنَّهْي عَنْ الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظّ نَفْسه وَمَعَايِش الدُّنْيَا ، وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع وَنَحْوهمْ فَهِجْرَانهمْ دَائِمًا ، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُؤَيِّدهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ , كَحَدِيثِ كَعْب بْن مَالِك وَغَيْره . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 444)(1/435)
" تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ " ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَتَوَضَّأُ مِنَ الْحَمِيمِ(1)؟ , فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ : يَا ابْنَ أَخِي , إِذَا سَمِعْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا فلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ(2).(3)
رُجُوعُ الصَّحَابَةِ عَنْ آرائِهِمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
( خ م س د ) , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى الْخُزاعِيِّ(4)قَالَ :
(
__________
(1) الْحَمِيم ) : الْمَاء الْحَارّ , أَيْ : يَنْبَغِي عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثَانِيَةً بِالْمَاءِ الْبَارِد . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 430)
(2) أَيْ : اِعْمَلْ بِهِ وَاسْكُتْ عَنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 90)
(3) جة ) 485 , ( ت ) 79
(4) هو عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي ; مولى نافع بن عبد الحارث ( سكن الكوفة واستُعمل عليها ) , الطبقة : 1 : صحابى , روى له : خ م د ت س جة(1/436)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ : إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً , فَقَالَ : لَا تُصَلِّ , فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍبلِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّا كُنَّا أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا , فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ , وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ(1)فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ )(2)( فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ )(3)( : " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا , فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا(4)
__________
(1) أَيْ : تَقَلَّبْت ، وَكَأَنَّ عَمَّارًا اِسْتَعْمَلَ الْقِيَاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ التَّيَمُّم إِذَا وَقَعَ بَدَل الْوُضُوء وَقَعَ عَلَى هَيْئَة الْوُضُوء , رَأَى أَنَّ التَّيَمُّم عَنْ الْغُسْل يَقَع عَلَى هَيْئَة الْغُسْل , وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيث وُقُوعُ اِجْتِهَاد الصَّحَابَة فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ الْمُجْتَهِد لَا لَوْمَ عَلَيْهِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْحَقّ ، وَأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ لَا تَجِب عَلَيْهِ الْإِعَادَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 30)
(2) م ) 368 , ( خ ) 331
(3) س ) 312
(4) اسْتُدِلَّ بِالنَّفْخِ عَلَى اِسْتِحْبَاب تَخْفِيف التُّرَاب كَمَا تَقَدَّمَ ، وَعَلَى سُقُوط اِسْتِحْبَاب التَّكْرَار فِي التَّيَمُّم ؛ لِأَنَّ التَّكْرَار يَسْتَلْزِم عَدَم التَّخْفِيف ..فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 30)(1/437)
ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ(1)؟ " )(2)( فَقَالَ عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ(3)فَقَالَ عَمَّارٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنْ شِئْتَ أَنْ لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ , لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ(4))(5)( فَقَالَ عُمَرُ : كَلَّا وَاللَّهِ(6))(7)( بَلْ نُوَلِّيكَ(8)مِنْ ذَلِكَ(9)
__________
(1) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب فِي التَّيَمُّم هِيَ الصِّفَة الْمَشْرُوحَة فِي هَذَا الْحَدِيث ، وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ بِالْأَمْرِ دَلَّتْ عَلَى النَّسْخ وَلَزِمَ قَبُولهَا ، لَكِنْ إِنَّمَا وَرَدَتْ بِالْفِعْلِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْأَكْمَل ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَر مِنْ حَيْثُ الدَّلِيل . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 30)
(2) خ ) 331 , ( م ) 368
(3) أَيْ : قَالَ عُمَر لِعَمَّارٍ : اِتَّقِ اللَّه تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيه وَتَثَبَّتْ , فَلَعَلَّك نَسِيتَ أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْأَمْر . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 85)
(4) أَيْ : إِنْ رَأَيْت الْمَصْلَحَة فِي إِمْسَاكِي عَنْ التَّحْدِيث بِهِ رَاجِحَة عَلَى مَصْلَحَة تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْت ، فَإِنَّ طَاعَتك وَاجِبَة عَلَيَّ فِي غَيْر الْمَعْصِيَة ، وَأَصْل تَبْلِيغ هَذِهِ السُّنَّة وَأَدَاء الْعِلْم قَدْ حَصَلَ . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 85)
(5) م ) 368
(6) أَيْ : لَا تُمْسِك تَحْدِيثك بِهِ , وَلَا يَلْزَم مِنْ عَدَم تَذَكُّرِي أَنْ لَا يَكُون حَقًّا فِي نَفْس الْأَمْر ، فَلَيْسَ لِي أَنْ أَمْنَعك مِنْ التَّحْدِيث بِهِ . عون المعبود - (ج 1 / ص 370)
(7) د ) 322 , ( م ) 368
(8) أَيْ : نَكِل إِلَيْك وَنَرُدّ إِلَيْك مَا قُلْت. عون المعبود - (ج 1 / ص 370)
(9) أَيْ : مِنْ أَمْر التَّيَمُّم ..عون المعبود - (ج 1 / ص 370)(1/438)
مَا تَوَلَّيْتَ(1))(2).
( جة حم ) , وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ(3)قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : مَا وَلَّيْته نَفْسك وَرَضِيت لَهَا بِهِ , كَأَنَّهُ مَا قَطَعَ بِخَطَئِهِ , وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ , فَجَوَّزَ عَلَيْه الْوَهْم , وَعَلَى نَفْسه النِّسْيَان , وَهَذَا الْحَدِيث يُفِيد أَنَّ الِاسْتِيعَاب إِلَى الذِّرَاع غَيْر مَشْرُوط فِي التَّيَمُّم . شرح سنن النسائي - (ج 1 / ص 236)
(2) س ) 318 , ( م ) 368
(3) هو : أوس بن عبد الله الربعي ، أبو الجوزاء البصري , الطبقة : 3 : من الوسطى من التابعين , الوفاة : 83 هـ , روى له : خ م د ت س جة , رتبته عند ابن حجر : ثقة يرسل كثيرا , رتبته عند الذهبي : ثقة .(1/439)
سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍبعَنْ الصَّرْفِ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ , اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ , أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلُّ(1))(2)( قَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ : فَأَفْتَيْتُ بِهِ زَمَانًا )(3)(
__________
(1) الصَّرْف : دَفْع ذَهَبٍ وَأَخْذ فِضَّة , وَعَكْسه , قَالَهُ الْحَافِظ : وَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيف الصَّرْف أَنْ يُقَال : هُوَ بَيْع النُّقُود وَالْأَثْمَان بِجِنْسِهَا , وَاعْلَمْ أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَعْتَقِد أَوَّلًا أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ , وَأَنَّهُ يَجُوز بَيْع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ , وَدِينَار بِدِينَارَيْنِ , وَصَاع تَمْر بِصَاعَيْ تَمْر , وَكَذَا الْحِنْطَة وَسَائِر الرِّبَوِيَّات , وَكَانَ مُعْتَمَده حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد : " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة " ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْع الْجِنْس بَعْضه بِبَعْضٍ حِين بَلَغَهُ حَدِيث أَبِي سَعِيد . عون المعبود - (ج 5 / ص 81)
(2) حم ) 11497, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(3) حم ) 11465, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح ..(1/440)
ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ , فَلَقِيتُهُ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ : إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجَعْتَ , فَقَالَ : نَعَمْ )(1)( وَزْنًا بِوَزْنٍ ، فَقُلْتُ : إِنَّكَ قَدْ أَفْتَيْتَنِي اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ ، فَلَمْ أَزَلْ أُفْتِي بِهِ مُنْذُ أَفْتَيْتَنِي )(2)( فَقَالَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رَأْيًا )(3)( رَأَيْتُهُ )(4)( وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ " نَهَى عَنْ الصَّرْفِ " )(5)( فَتَرَكْتُ رَأْيِي إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(6).(7)
( مي ) , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ :
إِنَّهُ لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ , وَإِنَّمَا رَأْيُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَا رَأْيَ لِأَحَدٍ فِي سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . (8)
عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُل
( حم حب طب ) , عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) جة ) 2258
(2) حم ) 11497
(3) جة ) 2258
(4) حم ) 11465
(5) جة ) 2258
(6) حم ) 11497
(7) صححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 1337
(8) مي ) 432 , وقال حسين سليم أسد : إسناده صحيح .(1/441)
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهو فِي الْمَسْجِدِ , فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَمْ وَفَاءُ عِدَّةِ الْأَنْبِيَاءُ ؟ ، قَالَ : " مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا " )(1)( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ )(2)( قَالَ : " ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا " )(3)( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ كَانَ أَوَّلُهُمْ ؟ ، قَالَ : " آدَمُ " ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ ، خَلَقَهُ اللَّه بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا " )(4)( فَقُلْتُ : كَمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ ؟ , قال : " كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ عَشَرَةُ قُرُونٍ ، ( وَبَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ )(5)"
( كر ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَوَّلُ نَبِيٍّ أُرْسِلَ نُوحٌ "(6)
صِفَاتٌ خَاصَّةٌ بِالْأَنْبِيَاء
( خ م ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
(
__________
(1) طب ) 7871 , ( ك ) 4166 , انظر المشكاة : 5737 ، وهداية الرواة : 5669
(2) حب ) 361 , انظر صحيح موارد الظمآن : 81 ، 1745
(3) حم ) 21586 , ( طب ) 7871 , انظر الصَّحِيحَة : 2668
(4) حب ) 361 , ( حم ) 21586
(5) طب ) 7545 , ( حب ) 6190 , انظر الصَّحِيحَة : 3289
(6) تفسير ابن أبي حاتم : 8647 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2585 , وله شاهد من حديث الشفاعة : ( خ م ت ) " قَالَ : فَيَأْتُونَ نُوحًا ، فَيَقُولُونَ : يَا نُوحُ , أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ , وَسَمَّاكَ اللَّهُ { عَبْدًا شَكُورًا } " , وانظر حديث رقم : 1466 في صحيح الجامع(1/442)
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ(1)فَقَالَ : " عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ , فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ " )(2)( فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ رَعَيْتَ الْغَنَمَ(3)؟ , قَالَ : " نَعَمْ , وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا(4)؟ )(5)"
( خ جة ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ " )(6)( فَقَالَ أَصحَابُهُ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , فَقَالَ : " نَعَمْ ، وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ(7)لِأَهْلِ مَكَّةَ )(8)"
( خد ) , وَعَنْ عَبْدَةَ بْنِ حَزْنٍ(9)قَالَ :
__________
(1) الْكَبَاثُ : هُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ , وَيُقَالُ ذَلِكَ لِلنَّضِيجِ مِنْهُ .( فتح ) - (ج 10 / ص 201)
(2) خ ) 3225
(3) إِنَّمَا قَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ " أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ " لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ دَلَالَةٌ عَلَى تَمْيِيزِهِ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ ، وَالَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ أَنْوَاعِ ثَمَرِ الْأَرَاكِ غَالِبًا مَنْ يُلَازِمُ رَعْيَ الْغَنَمِ عَلَى مَا أَلِفُوهُ . ( فتح ) - (ج 10 / ص 201)
(4) الْحِكْمَة فِي رِعَايَة الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ لَهَا لِيَأْخُذُوا أَنْفُسهمْ بِالتَّوَاضُعِ ، وَتَصْفَى قُلُوبهمْ بِالْخَلْوَةِ ، وَيَتَرَقَّوْا مِنْ سِيَاسَتهَا بِالنَّصِيحَةِ إِلَى سِيَاسَة أُمَمهمْ بِالْهِدَايَةِ وَالشَّفَقَة . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 113)
(5) م ) 2050 , ( خ ) 3225
(6) خ ) 2143
(7) الْقِيرَاط : جُزْء مِنْ الدِّينَار أَوْ الدِّرْهَم .
(8) جة ) 2149
(9) مختلف في صحبته .(1/443)
تَفَاخَرَ أَهْلُ الْإِبِل وَأَهْلُ الشَّاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَعَثَ اللَّهُ مُوسَى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ وَبَعَثَ دَاوُدَ وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ ، وَبُعِثْتُ أَنَا وَأَنَا أَرْعَى غَنَمًا لأَهْلِي بِأَجْيَادٍ "(1)
( خ ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ "(2)
( ك طب ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ : " رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ "(3)
( د ) , وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خد ) 577 , انظر الصَّحِيحَة : 3167
(2) خ ) 3377 , و( خز ) 48 , انظر الصَّحِيحَة : 696
(3) ك ) 3613 , ( طب ) 12302 , وصححه الألباني في ظلال الجنة : 463 ، ويشهد له قوله تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ، قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } [ الصافات/102](1/444)
" إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فِيهِ خُلِقَ آدَمُ - عليه السلام - , وَفِيهِ قُبِضَ , وَفِيهِ الصَّعْقَةُ(1)وَفِيهِ النَّفْخَةُ(2)فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَلَاةِ فِيهِ , فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ(3)؟ , فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ "(4)
( فر ) , وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِي مَلَكًا عِنْدَ قَبْرِي ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي ، قَالَ لِي ذَلِكَ الْمَلَكُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ صَلَّى عَلَيْكَ السَّاعَةَ "(5)
( د ) , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : الصَّيْحَة , وَالْمُرَاد بِهَا الصَّوْت الْهَائِل الَّذِي يَمُوت الْإِنْسَان مِنْ هَوْله وَهِيَ النَّفْخَة الْأُولَى .
(2) أَيْ : النَّفْخَة الثَّانِيَة .
(3) أَيْ : قَدْ بَلِيتَ , وقال الشيخ الألباني في الصَّحِيحَة 1527: ( فائدة ) : قوله : ( أَرَمْت ) , قال الحربي : كذا يقول المحدثون ولا أعرف وجهه , والصواب : أَرْمَمْت , أي : صِرت رميما , كما قال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } .[يس/78]
(4) د ) 1047 , ( س ) 1374
(5) فر ) ( 1 / 1 / 31 ) , ( تخ ) ( 3 / 2 / 416 ) , وفي " زوائد البزار " ( 306 ) , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1207 والصحيحة : 1530(1/445)
" مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ ، إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ "(1)
( بز ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ "(2)
( م ) , وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى عِنْدَ الْكَثِيبِ(3)الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ "(4)
( ت حم ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ :
__________
(1) د ) 2041 , ( حم ) 10827
(2) أخرجه البزار في " مسنده " ( 256 ) , و( يع ) 3425 , و( كر ) ( 4 / 285 / 2 ) , وابن عدي في " الكامل " ( ق 90 / 2 ) , انظر صَحِيح الْجَامِع : 2790 , الصَّحِيحَة : 621 , وقال الألباني عقب الحديث في الصَّحِيحَة : واعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية ليست من حياة الدنيا في شيء , ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ؛ ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا , وقد ادعى بعضهم أن حياته - صلى الله عليه وسلم - في قبره حياة حقيقية ! , قال : يأكل ويشرب ويجامع نساءه . ( انظر مراقي الفلاح ) . وإنما هي حياة برزخية لَا يعلم حقيقتها إِلَّا الله سبحانه وتعالى . أ . هـ
(3) الْكَثِيبُ : مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الرَّمْل , كَالتَّلِّ الصَّغِير . شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 81)
(4) م ) 2375 , ( س ) 1631 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5865 ، الصَّحِيحَة : 2627(1/446)
" ( تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ(1)وَهو الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ )(2)( فَقَالَ : رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلَّا(3)فَأَوَّلْتُهُ فلَّا يَكُونُ فِيكُمْ , وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ , وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ(4)
__________
(1) أَيْ : أَخَذَهُ زِيَادَةً عَنْ السَّهْمِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 225)
(2) ت ) 1561 , ( جة ) 2808
(3) الفَلُّ : الثَّلْم في السيف . لسان العرب - (ج 11 / ص 530)
(4) الدِّرْع : الزَّرَدِيَّة , وهي قميص من حلقات من الحديد متشابكة يُلْبَس وقايةً من السلاح ..(1/447)
حَصِينَةٍ , فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ , وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ وَاللَّهُ خَيْرٌ(1)فَبَقَرٌ وَاللَّهُ خَيْرٌ )(2)(
__________
(1) فِيهِ حَذْف تَقْدِيرُهُ وَصُنْعُ اللَّهِ خَيْرٌ ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ : مَعْنَاهُ رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَر ، وَاللَّهُ عِنْدَهُ خَيْرٌ , وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : الْبَقَر فِي التَّعْبِير بِمَعْنَى رِجَال مُتَسَلِّحِينَ يَتَنَاطَحُونَ , قُلْت : وَفِيهِ نَظَر ، فَقَدْ رَأَى الْمَلِك بِمِصْرَ الْبَقَرَ , وَأَوَّلَهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بِالسِّنِينَ , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس وَمُرْسَلِ عُرْوَة " تَأَوَّلْت الْبَقَرَ الَّتِي رَأَيْت بَقْرًا يَكُون فِينَا ، قَالَ : فَكَانَ ذَلِكَ مَنْ أُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " , وَالبَقْر وَهُوَ شَقّ الْبَطْنُ ، وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ التَّعْبِيرِ , أَنْ يُشْتَقَّ مِنْ الِاسْمِ مَعْنَى مُنَاسِب ، وَيُمْكِن أَنْ يَكُون ذَلِكَ لِوَجْهٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ وَهُوَ التَّصْحِيفُ , فَإِنَّ لَفْظ بَقَر مِثْل لَفْظ نَفَر بِالنُّونِ وَالْفَاء خَطًّا , وَعِنْد أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَابْن سَعْد مِنْ حَدِيث جَابِر بِسَنَدٍ صَحِيح فِي هَذَا الْحَدِيث " وَرَأَيْت بَقَرًا مُنَحَّرَةً - وَقَالَ فِيهِ - فَأَوَّلْت أَنَّ الدِّرْع الْمَدِينَة , وَالْبَقَر نَفَر " هَكَذَا فِيهِ بِنُونٍ وَفَاء ، وَهُوَ يُؤَيِّد الِاحْتِمَال الْمَذْكُورَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 415)
(2) حم ) 2445 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن ..(1/448)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَصْحَابِهِ : لَوْ أَنَّا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِيهَا قَاتَلْنَاهُمْ " , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَيْفَ يُدْخَلُ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ ؟ , فَقَالَ : " شَأْنَكُمْ إِذًا , فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ(1)" , فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : رَدَدْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْيَهُ , فَجَاءُوا فَقَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ شَأْنَكَ إِذًا , فَقَالَ : " إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ )(2)( فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)"
الْأَنْبِيَاءُ لَا تُورَث
( خ م ت حم ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) هِيَ الْآلَة مِنْ السِّلَاح , مِنْ دِرْعٍ وَبَيْضَةٍ وَغَيْرهمَا .
(2) حم ) 14829 , انظر الصَّحِيحَة : 1100 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح لغيره ، وهذا إسناد على شرط مسلم .
(3) حم ) 2445(1/449)
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - )(1)( جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَبِي بَكْرٍ )(2)( تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ(3)وَفَدَكٍ(4)
__________
(1) حم ) 77 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(2) ت ) 1608 , ( م ) 1759
(3) أَيْ : مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير كَالنَّخْلِ , وَكَانَتْ قَرِيبَة مِنْ الْمَدِينَة . عون المعبود - (ج 6 / ص 449)
(4) فَدَك : بَلَدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاث مَرَاحِلَ ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا مَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ أَهْل فَدَكَ كَانُوا مِنْ يَهُود ، فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَر أَرْسَلَ أَهْلُ فَدَكَ يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ , عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْبَلَدَ وَيَرْحَلُوا ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ اِبْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيِّ وَغَيْره قَالُوا : " بَقِيَتْ بَقِيَّة مِنْ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَفَعَلَ ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْل فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة " ..فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 345)(1/450)
وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ )(1)( فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ : مَنْ يَرِثُكَ ؟ , قَالَ : أَهْلِي وَوَلَدِي , قَالَتْ : فَمَا لِي لَا أَرِثُ أَبِي ؟ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : )(2)( " إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ )(3)( لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا , مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي(4)
__________
(1) خ ) 3998 , ( م ) 1759
(2) ت ) 1608
(3) حم ) 9973 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( خ ) 3508
(4) قِيلَ : هُوَ الْقَائِم عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَات ، وَالنَّاظِر فِيهَا ، وَقِيلَ : كُلّ عَامِل لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَة وَغَيْره ؛ لِأَنَّهُ عَامِل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَائِب عَنْهُ فِي أُمَّته , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فِي تَفْسِير صَدَقَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورَة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث قَالَ : صَارَتْ إِلَيْهِ بِثَلَاثَةِ حُقُوق : أَحَدهَا : مَا وُهِبَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ وَصِيَّة مُخَيْرِيق الْيَهُودِيّ لَهُ عِنْد إِسْلَامه يَوْم أُحُد ، وَكَانَتْ سَبْع حَوَائِط فِي بَنِي النَّضِير ، وَمَا أَعْطَاهُ الْأَنْصَار مِنْ أَرْضهمْ وَهُوَ مَا لَا يَبْلُغهُ الْمَاء ، وَكَانَ هَذَا مِلْكًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الثَّانِي : حَقّه مِنْ الْفَيْء مِنْ أَرْض بَنِي النَّضِير حِين أَجْلَاهُمْ كَانَتْ لَهُ خَاصَّة ، لِأَنَّهَا لَمْ يُوجِف عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَاب ، وَأَمَّا مَنْقُولَات بَنِي النَّضِير فَحَمَلُوا مِنْهَا مَا حَمَلَتْهُ الْإِبِل غَيْر السِّلَاح كَمَا صَالَحَهُمْ ، ثُمَّ قَسَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاقِي بَيْن الْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَتْ الْأَرْض لِنَفْسِهِ ، وَيُخْرِجهَا فِي نَوَائِب الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَلِكَ نِصْف أَرْض فَدَك ، صَالَحَ أَهْلهَا بَعْد فَتْح خَيْبَر عَلَى نِصْف أَرْضهَا ، وَكَانَ خَالِصًا لَهُ ، وَكَذَلِكَ ثُلُث أَرْض وَادِي الْقُرَى ، أَخَذَهُ فِي الصُّلْح حِين صَالَحَ أَهْلهَا الْيَهُود . وَكَذَلِكَ حِصْنَانِ مِنْ حُصُون خَيْبَر ، وَهُمَا الْوَطِيخ وَالسَّلَالِم ، أَخَذَهُمَا صُلْحًا , الثَّالِث : سَهْمه مِنْ خُمُس خَيْبَر ، وَمَا اِفْتَتَحَ فِيهَا عَنْوَة فَكَانَتْ هَذِهِ كُلّهَا مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة لَا حَقّ فِيهَا لِأَحَدٍ غَيْره ، لَكِنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَأْثِر بِهَا بَلْ يُنْفِقهَا عَلَى أَهْله وَالْمُسْلِمِينَ ، وَلِلْمَصَالِحِ الْعَامَّة ، وَكُلّ هَذِهِ صَدَقَات مُحَرَّمَات التَّمَلُّك بَعْده . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 211)(1/451)
فَهُوَ صَدَقَةٌ )(1)( إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَالِ - يَعْنِي : مَالَ اللَّهِ - لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ " )(2)( فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لِأَبِي بَكْرٍ : فَأَيْنَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً(3)ثُمَّ قَبَضَهُ , فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ(4)" , فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ )(5)( وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(6)( فَأَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُولُهُ , وَأُنْفِقُ عَلَى مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَيْهِ )(7)( فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ(8)
__________
(1) خ ) 2624 , ( حم ) 9982
(2) خ ) 3508 , ( م ) 1759
(3) أَيْ : مَأْكَلَة ، وَالْمُرَاد الْفَيْء وَنَحْوه . عون المعبود - (ج 6 / ص 452)
(4) أَيْ : بِالْخِلَافَةِ , أَيْ يَعْمَل فِيهَا مَا كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَل , لَا أَنَّهَا تَكُون لَهُ مِلْكًا . عون المعبود - (ج 6 / ص 452)
(5) حم ) 14 , ( د ) 2973
(6) خ ) 3998 , ( م ) 1759
(7) ت ) 1608
(8) الزيغ : البعد عن الحق ، والميل عن الاستقامة ..(1/452)
)(1)( وَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا )(2)( فَقَالَتْ فَاطِمَةُ : فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمُ )(3)( وَغَضِبَتْ )(4)( عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ , فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ(5)
__________
(1) خ ) 2926 , ( م ) 1759
(2) خ ) 3998 , ( م ) 1759
(3) حم ) 14
(4) خ ) 2926
(5) قال الألباني في الإرواء : ج5 ص77 ح1241 : قال الحافظ ابن كثير في " تاريخه " ( 5 / 289 ) :
ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة , ولعله روي بمعنى ما فهم بعض الرواة , وفيهم من فيه تَشَيُّعٌ , فَلْيُعلَم ذلك , وأحسن ما فيه قولها : أنت وما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وهذا هو الصواب والمظنون بها واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها رضي الله عنها , وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه , فعتبت عليه بسبب ذلك , وهي إمرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون , وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - , وقد روينا عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه ترضى فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها " أ . هـ(1/453)
وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ أَشْهُرٍ , فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ )(1)( لَمْ يُؤْذِنْ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بِهَا أَبَا بَكْرٍ , وَصَلَّى عَلَيْهَا زَوْجُهَا وَدَفَنَهَا لَيْلًا(2)وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ فِي حَيَاةِ فَاطِمَةَ(3)
__________
(1) خ ) 3998 , ( م ) 1759
(2) كَانَ ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا لِإِرَادَةِ الزِّيَادَةِ فِي التَّسَتُّرِ ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُعْلِمْ أَبَا بَكْر بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَنْهُ . فتح الباري (ج 12 / ص 55)
(3) أَيْ : كَانَ النَّاس يَحْتَرِمُونَهُ إِكْرَامًا لِفَاطِمَة ، فَلَمَّا مَاتَتْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الْحُضُورِ عِنْدَ أَبِي بَكْر قَصَرَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ الِاحْتِرَامِ لِإِرَادَةِ دُخُولِهِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ " لَمَّا جَاءَ وَبَايَعَ كَانَ النَّاس قَرِيبًا إِلَيْهِ حِين رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ " وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْذِرُونَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ أَبِي بَكْر فِي مُدَّةِ حَيَاةِ فَاطِمَةَ لِشَغْلِهِ بِهَا وَتَمْرِيضِهَا وَتَسْلِيَتِهَا عَمَّا هِيَ فِيهِ مِنْ الْحُزْنِ عَلَى أَبِيهَا - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّهَا لَمَّا غَضِبَتْ مِنْ رَدِّ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهَا فِيمَا سَأَلَتْهُ مِنْ الْمِيرَاثِ رَأَى عَلِيٌّ أَنْ يُوَافِقَهَا فِي الِانْقِطَاعِ عَنْهُ . (.فتح ) - (ج 12 / ص 55)(1/454)
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ , فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ , وَلَمْ يَكُنْ بَايِعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ(1)فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا , وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ - كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - (2)- فَقَالَ عُمَرُ : لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ(3)
__________
(1) قَالَ الْمَازِرِيّ : الْعُذْرُ لِعَلِيٍّ فِي تَخَلُّفِهِ مَعَ مَا اِعْتَذَرَ هُوَ بِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيْعَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَقَع مِنْ أَهْل الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلَا يَجِب الِاسْتِيعَاب ، وَلَا يَلْزَم كُلّ أَحَدٍ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيَضَع يَدَهُ فِي يَدِهِ ، بَلْ يَكْفِي اِلْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لَهُ بِأَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَلَا يَشُقَّ الْعَصَا عَلَيْهِ ، وَهَذَا كَانَ حَالُ عَلِيٍّ , لَمْ يَقَع مِنْهُ إِلَّا التَّأَخُّرُ عَنْ الْحُضُورِ عِنْد أَبِي بَكْر ، وَقَدْ ذَكَرْتُ سَبَبَ ذَلِكَ .( فتح ) - (ج 12 / ص 55)
(2) وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ مَا أَلِفُوهُ مِنْ قُوَّةِ عُمَرَ وَصَلَابَتِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَكَانَ أَبُو بَكْر رَقِيقًا لَيِّنًا ، فَكَأَنَّهُمْ خَشَوا مِنْ حُضُورِ عُمَرَ كَثْرَةَ الْمُعَاتَبَةِ الَّتِي قَدْ تُفْضِي إِلَى خِلَافِ مَا قَصَدُوهُ مِنْ الْمُصَافَاةِ . ( فتح ) - (ج 12 / ص 55)
(3) أَيْ : لِئَلَّا يَتْرُكُوا مِنْ تَعْظِيمك مَا يَجِب لَك ..فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 55)(1/455)
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي ؟ , وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ , فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ , فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ , إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ , وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ(1)وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ(2)وَكُنَّا نَرَى )(3)( لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا(4)مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (5)فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ , فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصِلَ قَرَابَتِي , وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ(6)
__________
(1) أَيْ : لَمْ نَحْسُدك عَلَى الْخِلَافَة . ( فتح ) - (ج 12 / ص 55)
(2) أَيْ : لَمْ تُشَاوِرنَا ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْخِلَافَةُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 55)
(3) خ ) 3998 , 3508 , ( م ) 1759
(4) أَيْ : لِأَجْلِ قَرَابَتنَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 55)
(5) قَالَ الْمَازِرِيّ : وَلَعَلَّ عَلِيًّا أَشَارَ إِلَى أَنَّ أَبَا بَكْر اِسْتَبَدَّ عَلَيْهِ بِأُمُورِ عِظَام كَانَ مِثْلُه عَلَيْهِ أَنْ يَحْضُرهُ فِيهَا وَيُشَاوِرهُ ، أَوْ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فِي عَقْد الْخِلَافَة لَهُ أَوَّلًا ، وَالْعُذْر لِأَبِي بَكْر أَنَّهُ خَشِيَ مِنْ التَّأَخُّرِ عَنْ الْبَيْعَةِ الِاخْتِلَافُ لِمَا كَانَ وَقَعَ مِنْ الْأَنْصَار كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ السَّقِيفَةِ فَلَمْ يَنْتَظِرُوهُ . ( فتح ) - (ج 12 / ص 55)
(6) أَيْ : وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ . (.فتح ) - (ج 12 / ص 55)(1/456)
مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ(1)فَلَمْ آلُ(2)فِيهَا عَنْ الْحَقِّ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ , فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ : مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ(3)لِلْبَيْعَةِ , فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرَ , رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ(4)فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ , وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ , فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ , وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ , وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ , وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ , فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا , فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا : أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ , فَكَانَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا(5)
__________
(1) أَيْ : الَّتِي تَرَكَهَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا .
(2) أَيْ : لَمْ أُقَصِّرْ .
(3) أَيْ : بَعْدَ الزَّوَالِ . ( فتح ) - (ج 12 / ص 55)
(4) أَيْ : عَلَاهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 55)
(5) أَيْ : كَانَ وُدُّهُمْ لَهُ قَرِيبًا . (.فتح ) - (ج 12 / ص 55)(1/457)
حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ(1)
__________
(1) أَيْ : مِنْ الدُّخُول فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاس , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَنْ تَأَمَّلَ مَا دَار بَيْنَ أَبِي بَكْر وَعَلِيٍّ مِنْ الْمُعَاتَبَةِ وَمِنْ الِاعْتِذَارِ وَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْصَافِ , عَرَفَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَعْتَرِفُ بِفَضْلِ الْآخَرِ ، وَأَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ مُتَّفِقَة عَلَى الِاحْتِرَام وَالْمَحَبَّة ، وَإِنْ كَانَ الطَّبْع الْبَشَرِيّ قَدْ يَغْلِب أَحْيَانًا , لَكِنَّ الدِّيَانَة تَرُدُّ ذَلِكَ , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ , وَقَدْ تَمَسَّك الرَّافِضَةُ بِتَأَخُّرِ عَلِيٍّ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْر إِلَى أَنْ مَاتَتْ فَاطِمَة ، وَهَذَيَانُهُمْ فِي ذَلِكَ مَشْهُور , وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَا يَدْفَع فِي حُجَّتِهمْ ، وَقَدْ صَحَّحَ اِبْن حِبَّانَ وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ وَغَيْره أَنَّ عَلِيًّا بَايَعَ أَبَا بَكْر فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي مُسْلِم " عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ لَمْ يُبَايِع عَلِيٌّ أَبَا بَكْر حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَة ، قَالَ : لَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِم " فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُسْنِدْهُ ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَوْصُولَةَ عَنْ أَبِي سَعِيد أَصَحّ ، وَجَمَعَ غَيْره بِأَنَّهُ بَايَعَهُ بَيْعَة ثَانِيَة مُؤَكِّدَة لِلْأُولَى لِإِزَالَةِ مَا كَانَ وَقَعَ بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَل قَوْل الزُّهْرِيِّ لَمْ يُبَايِعهُ عَلِيٌّ فِي تِلْكَ الْأَيَّام عَلَى إِرَادَة الْمُلَازَمَةِ لَهُ وَالْحُضُورِ عِنْدَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ فِي اِنْقِطَاع مِثْلِهِ عَنْ مِثْلِهِ مَا يُوهِمُ مَنْ لَا يَعْرِف بَاطِن الْأَمْر أَنَّهُ بِسَبَبِ عَدَمِ الرِّضَا بِخِلَافَتِهِ فَأَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ ، وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أَظْهَر عَلِيٌّ الْمُبَايَعَةَ الَّتِي بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ . ( فتح ) - (ج 12 / ص 55)(1/458)
)(1)( قَالَتْ عَائِشَةُ : وَخَاصَمَ الْعَبَّاسُ عَلِيًّا فِي أَشْيَاءَ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - : شَيْءٌ تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُحَرِّكْهُ فلَا أُحَرِّكُهُ , فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ - رضي الله عنه - اخْتَصَمَا إِلَيْهِ )(2)( فَأَمَّا صَدَقَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ , وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ , وَقَالَ : هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ(3)وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ , فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ(4))(5)( فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - اخْتَصَمَا إِلَيْهِ , فَأَسْكَتَ عُثْمَانُ وَنَكَسَ رَأْسَهُ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍب: فَخَشِيتُ أَنْ يَأْخُذَهُ , فَضَرَبْتُ بِيَدِي بَيْنَ كَتِفَيْ الْعَبَّاسِ فَقُلْتُ : يَا أَبَتِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا سَلَّمْتَهُ لِعَلِيٍّ , قَالَ : فَسَلَّمَهُ لَهُ )(6).
(
__________
(1) م ) 1759 , ( خ ) 3998
(2) حم ) 77 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
(3) أَيْ : مَا يَطْرَأ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوق الْوَاجِبَة وَالْمَنْدُوبَة ، وَيُقَال : عَرَوْته وَاعْتَرَيْته وَعَرَرْته وَاعْتَرَرْته إِذَا أَتَيْتَه تَطْلُب مِنْهُ حَاجَة .
( النووي - ج 6 / ص 210)
(4) هُوَ كَلَام الزُّهْرِيّ , أَيْ : حِينِ حَدَّثَ بِذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 345)
(5) م ) 1759 , ( خ ) 2926
(6) حم ) 77(1/459)
خ م ) , وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ(1)قَالَ :
( بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ , إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَأْتِينِي , فَقَالَ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ , فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ(2)لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ , مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ(3)فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ , فَقَالَ : يَا مَالِكُ , إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ , وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ(4)فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ , فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي(5)
__________
(1) أَبُوهُ صَحَابِيّ ، وَأَمَّا هُوَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ ، وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَغَيْره لَا تَصِحُّ لَهُ صُحْبَة .فتح الباري(ج9ص346)
(2) هُوَ مَا يُنْسَجُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ , وَفِي رِوَايَة " فَوَجَدْتهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِير مُفْضِيًا إِلَى رِمَالِهِ ، أَيْ لَيْسَ تَحْتَهُ فِرَاش وَالْإِفْضَاء إِلَى الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بِحَائِل ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَى السَّرِيرِ فِرَاش .( فتح )(ج9ص346)
(3) الأَدَم : الجلد المدبوغ .
(4) أَيْ : عَطِيَّةٍ غَيْرِ كَثِيرَة وَلَا مُقَدَّرَة . ( فتح ) - (ج 9 / ص 346)
(5) قَالَهُ تَحَرُّجًا مِنْ قَبُولِ الْأَمَانَةِ . (.فتح ) - (ج 9 / ص 346)(1/460)
قَالَ : اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ , قَالَ : فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ : هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنهم - يَسْتَأْذِنُونَ ؟ , قَالَ : نَعَمْ , فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا , فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا , ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأُ يَسِيرًا , ثُمَّ قَالَ : هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ ؟ , قَالَ : نَعَمْ , فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا , فَسَلَّمَا وَجَلَسَا , فَقَالَ عَبَّاسٌ - رضي الله عنه - : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا - وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ - فَقَالَ الرَّهْطُ(1)- عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ - : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ , فَقَالَ عُمَرُ : اتَّئِدُوا(2)أَنْشُدُكُمْ(3)
__________
(1) الرَّهْط : الجماعة من الرجال دون العشرة .
(2) التُّؤَدَة : الرِّفْقُ , أَيْ : اِصْبِرُوا وَأَمْهِلُوا , وَعَلَى رِسْلِكُمْ .( فتح ) - (ج 9 / ص 346)
(3) أَيْ : أَسْأَلكُمْ بِاَللَّهِ . (.النووي - ج 6 / ص 207)(1/461)
بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ , هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ؟ " , فَقَالَ الرَّهْطُ : " قَدْ قَالَ ذَلِكَ " , فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ , فَقَالَ : أَنْشُدُكُمَا اللَّه , أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ ذَلِكَ ؟ , فَقَالَا : " قَدْ قَالَ ذَلِكَ " , فَقَالَ عُمَرُ : فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ , إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْفَيْءِ(1)بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ )(2)( مِمَّا لَمْ يُوجِفْ(3)الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ )(4)( ثُمَّ قَرَأَ : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (5)}(6)
__________
(1) الفيء : ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب .
(2) خ ) 2927 , ( م ) 1757
(3) قال فِي النِّهَايَةِ : الْإِيجَافُ سُرْعَةُ السَّيْرِ , وَقَدْ أَوْجَفَ دَابَّتَهُ يُوجِفُهَا إِيجَافًا إِذَا حَثَّهَا . تحفة الأحوذي(ج4ص 408)
(4) خ ) 2748 , ( م ) 1757
(5) الحشر/6]
(6) ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَعْنَى هَذَا اِحْتِمَالَيْنِ : أَحَدهمَا : تَحْلِيل الْغَنِيمَة لَهُ وَلِأُمَّتِهِ , وَالثَّانِي : تَخْصِيصه بِالْفَيْءِ ، إِمَّا كُلّه أَوْ بَعْضه كَمَا سَبَقَ مِنْ اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء ، قَالَ : وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ , لِاسْتِشْهَادِ عُمَر عَلَى هَذَا بِالْآيَةِ . (.النووي - ج 6 / ص 207)(1/462)
قَالَ : فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (1)فَوَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا(2)دُونَكُمْ , وَلَا اسْتَأْثَرَ(3)بِهَا عَلَيْكُمْ , قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ , حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ , مَالُ بَنِي النَّضِيرِ , فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ(4)ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ )(5)( فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ(6)
__________
(1) هَذَا يُؤَيِّد مَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا خُمُس فِي الْفَيْء كَمَا سَبَقَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيّ أَوْجَبَهُ ، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهُ مِنْ الْفَيْء أَرْبَعَة أَخْمَاسه , وَخُمُسُ خُمُسِ الْبَاقِي ، فَكَانَ لَهُ أَحَد وَعِشْرُونَ سَهْمًا مِنْ خَمْسَة وَعِشْرِينَ وَالْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة لِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل ، وَيُتَأَوَّل هَذَا الْحَدِيث عَلَى هَذَا فَنَقُول : قَوْله : ( كَانَتْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير ) أَيْ : مُعْظَمهَا . ( النووي - ج 6 / ص 207)
(2) حازَ الشيء : إذا قَبضه ومَلَكَه واسْتَبدّ به .
(3) الاستئثار : الانفراد بالشيء .
(4) أَيْ : يَعْزِل لَهُمْ نَفَقَة سَنَة ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقهُ قَبْل اِنْقِضَاء السَّنَة فِي وُجُوه الْخَيْر فَلَا تَتِمّ عَلَيْهِ السَّنَة ، وَلِهَذَا تُوُفِّيَ - صلى الله عليه وسلم - وَدِرْعه مَرْهُونَة عَلَى شَعِير اِسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ ، وَلَمْ يَشْبَع ثَلَاثَة أَيَّام تِبَاعًا .( النووي - ج 6 / ص 207)
(5) خ ) 2927 , ( م ) 1757
(6) الْكُرَاع ) : الْخَيْل ..(1/463)
عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ )(1)( فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ حَيَاتَهُ , أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ , فَقَالُوا : نَعَمْ , ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ : أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ ؟ , فَقَالَا : نَعَمْ , قَالَ عُمَرُ : ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - : أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (2)
__________
(1) خ ) 2748 , ( م ) 1757
(2) الولي والمولى : من المشترك اللفظي الذي يطلق على عدة معان منها الرَّبُّ ، والمَالكُ، والسَّيِّد والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والنَّاصر، والمُحِبّ، والتَّابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه , وكل من ولي أمرا أو قام به فهو وليه ومولاه ..(1/464)
فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ , ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ , فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ , فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ , وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ , ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ , جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ , وَجَاءَنِي هَذَا - يُرِيدُ عَلِيًّا - يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا , فَقُلْتُ لَكُمَا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا نُورَثُ , مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " , فَلَمَّا بَدَا لِي(1)
__________
(1) بدا : وضح وظهر ..(1/465)
أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ : إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا , عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ , وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا )(1)( وَإِلَّا فلَا تُكَلِّمَانِي )(2)( فَقُلْتُمَا : ادْفَعْهَا إِلَيْنَا , فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا , فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ ؟ , فَقَالَ الرَّهْطُ : نَعَمْ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ : أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ , هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ ؟ , فَقَالَا : نَعَمْ , قَالَ : أَفَتَلْتَمِسَانِ(3)
__________
(1) خ ) 2927 , ( م ) 1757
(2) خ ) 3809
(3) التمس الشيء : طَلَبَه ..(1/466)
مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ ؟ , فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ , لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ , فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ , فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا )(1)( قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ : فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : صَدَقْتَ , أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ ك زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ : أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ - رضي الله عنه - إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ , فَقُلْتُ لَهُنَّ : أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ ؟ , أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ : " لَا نُورَثُ , مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ , إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَالِ )(2)إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِآلِ مُحَمَّدٍ لِنَائِبَتِهِمْ وَلِضَيْفِهِمْ ، فَإِذَا مُتُّ فَهُوَ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِي " )(3)( فَانْتَهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنَّ , قَالَ : فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ , مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا , ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ , ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ , وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ , كِلَاهُمَا كَانَا يَتَدَاوَلَانِهَا , ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ , وَهِيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَقًّا )(4).
(
__________
(1) خ ) 2927 , ( د ) 2963
(2) خ ) 3809 , ( م ) 1758
(3) د ) 2976
(4) خ ) 3809(1/467)
م س حم ) , وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ(1)قَالَ :
( كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ(2)الْحَرُورِيَّ(3)حِينَ خَرَجَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ )(4)( إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍبيَسْأَلُهُ عَنْ الْخُمُسِ(5)لِمَنْ هُوَ ؟ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ , وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا(6)
__________
(1) هو : يزيد بن هرمز المدني ، أبو عبد الله , مولى بنى ليث , الطبقة : 3 من الوسطى من التابعين , الوفاة : 100 هـ على رأسها , روى له : م د ت س , رتبته عند ابن حجر : ثقة .
(2) هُوَ رَئِيس الْخَوَارِج .
(3) الحَرورية : طائفة من الخوارج نسبوا إلى حَرُوراء , وَهِيَ قَرْيَة بِالْكُوفَةِ . عون المعبود - (ج 6 / ص 460)
(4) س ) 4133
(5) أَيْ : خُمُس خُمُس الْغَنِيمَة الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِذَوِي الْقُرْبَى . أَيْ : خُمُس خُمُس الْغَنِيمَة الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِذَوِي الْقُرْبَى
(6) اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهِ , فَقَالَ الشَّافِعِيّ مِثْل قَوْل اِبْن عَبَّاس ، وَهُوَ أَنَّ خُمُس الْخُمُس مِنْ الْفَيْء وَالْغَنِيمَة يَكُون لِذَوِي الْقُرْبَى ، وَهُمْ عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرِينَ : بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب ..شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 272)(1/468)
فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ(1)وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ(2)
__________
(1) أَيْ : رَأَوْا لَا يَتَعَيَّن صَرْفه إِلَيْنَا ، بَلْ يَصْرِفُونَهُ فِي الْمَصَالِح ، وَأَرَادُوا بِقَوْمِهِ وُلَاة الْأَمْر مِنْ بَنِي أُمَيَّة ، قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ سُؤَال نَجْدَة لِابْنِ عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِل كَانَ فِي فِتْنَة اِبْن الزُّبَيْر ، وَكَانَتْ فِتْنَة اِبْن الزُّبَيْر بَعْد بِضْع وَسِتِّينَ سَنَة مِنْ الْهِجْرَة ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّه - : يَجُوز أَنَّ اِبْن عَبَّاس أَرَادَ بِقَوْلِهِ : ( أَبَى ذَاكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا ) مِنْ بَعْد الصَّحَابَة وَهُمْ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة , وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 272)
(2) أَيْ : في الْغَنِيمَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } الْآيَة , وَكَأَنَّهُ تَرَدَّدَ أَنَّهُ لِقُرْبَى الْإِمَام أَوْ لِقُرْبَى الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - , فَبَيَّنَ لَهُ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُرَاد الثَّانِي , لَكِنَّ الدَّلِيل الَّذِي اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَتِمُّ , لِجَوَازِ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ لَهُمْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ هُوَ الْإِمَام , فَقَرَابَتُهُ قَرَابَةُ الْإِمَامِ , لَا لِكَوْنِ الْمُرَاد قَرَابَة الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - , إِلَّا أَنْ يُقَال : الْمُرَاد قَسَمَ لَهُمْ مَعَ قَطْع النَّظَر عَنْ كَوْنِهِ إِمَامًا , وَالْمُتَبَادَر مِنْ نَظْم الْقُرْآن هُوَ قَرَابَة الرَّسُول مَعَ قَطْع النَّظَر عَنْ هَذَا الدَّلِيل , فَلْيُتَأَمَّلْ ..شرح سنن النسائي - (ج 5 / ص 444)(1/469)
وَإِنَّا زَعَمْنَا أَنَّا هُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ , لِقُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)( قَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَنَا )(2)( فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا )(3)( وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - عَرَضَ عَلَيْنَا شَيْئًا رَأَيْنَاهُ دُونَ حَقِّنَا فَأَبَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ - وَكَانَ الَّذِي عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينَ نَاكِحَهُمْ , وَيَقْضِيَ عَنْ غَارِمِهِمْ(4)وَيُعْطِيَ فَقِيرَهُمْ , وَأَبَى أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ(5)- )(6)( فَأَبَيْنَا إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ لَنَا , وَأَبَى ذَلِكَ )(7)( فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ وَأَبَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ )(8).
__________
(1) م ) 1812
(2) س ) 4133
(3) م ) 1812
(4) الغاَرِم : الضَّامِنُ .
(5) لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عُمَر رَآهُمْ مَصَارِف , فَيَجُوز الصَّرْف إِلَى بَعْضٍ كَمَا فِي الزَّكَاة عِنْد الْجُمْهُور , وَهُوَ مَذْهَب مَالك هَاهُنَا وَالْمُخْتَار مِنْ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة الْخِيَار لِلْإِمَامِ , إِنْ شَاءَ قَسَمَ بَيْنهمْ بِمَا يَرَى , وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى بَعْضًا دُون بَعْض , حَسْب مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَة , وَابْن عَبَّاس رَآهُمْ مُسْتَحِقِّينَ لِخُمُسِ الْخُمُس كَمَا قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه , فَقَالَ : بِنَاء عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَضَ دُون حَقّهمْ وَاَللَّه أَعْلَم , وَالْفَرْق بَيْن الْمَصْرِف وَالْمُسْتَحِقّ أَنَّ الْمَصْرِف مَنْ يَجُوز الصَّرْف إِلَيْهِ , وَالْمُسْتَحِقّ مَنْ كَانَ حَقّه ثَابِتًا , فَيَسْتَحِقّ الْمُطَالَبَة وَالتَّقَاضِي بِخِلَافِ الْمَصْرِف , فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ الْمُطَالَبَة إِذَا لَمْ يُعْطَ . شرح سنن النسائي - (ج 5 / ص 444)
(6) س ) 4133 , ( حم ) 2943
(7) س ) 4134
(8) د ) 2982(1/470)
(1)
( ابن قانع ) , وَعَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
" كَانَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُرَاجِعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ "(2)
( طب ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُخَيَّلُ عَلَى مَنْ رَآهُ "(3)
( جة ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَشَى , مَشَى أَصْحَابُهُ أَمَامَهُ , وَتَرَكُوا ظَهْرَهُ لِلْمَلَائِكَةِ(4)"(5)
( خ م ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ , لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ(6)
__________
(1) صححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 1244
(2) معجم الصحابة لابن قانع , حديث : 422 , انظر صَحِيح الْجَامِع :4851 , والصحيحة : 2108
(3) طب ) 10510 , الصَّحِيحَة : 2729
(4) أَيْ : تَعْظِيمًا لِلْمَلَائِكَةِ الْمَاشِينَ خَلْفه , لَا لِدَفْعِ التَّضْيِيق عَنْهُمْ . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 228)
(5) جة ) 246 , و( حم ) 14596 , انظر الصَّحِيحَة : 436
(6) قِيلَ لِلْعَرَبِ أُمِّيُّونَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِيهِمْ عَزِيزَة , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) , وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَكْتُبُ وَيَحْسِبُ , لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِيهِمْ قَلِيلَة نَادِرَة ، وَالْمُرَاد بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَاب النُّجُومِ وَتَسْيِيرهَا ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا النَّزْر الْيَسِير ،
فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير , وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا , وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْل الْحِسَاب ، وَالْحِكْمَة فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدَ عِنْدَ الْإِغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ , فَيَرْتَفِعُ الِاخْتِلَاف وَالنِّزَاع عَنْهُمْ ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْل التَّسْيِير فِي ذَلِكَ , وَهُمْ الرَّوَافِضُ ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ , قَالَ الْبَاجِي : وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح حُجَّة عَلَيْهِمْ , وَقَالَ ابْن بَزِيزَةَ : وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ , فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ , لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ , لَيْسَ فِيهَا قَطْعَ وَلَا ظَنٌّ غَالِب ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الْأَمْر بِهَا لَضَاقَ , إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيل . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 156)(1/471)
)(1)( الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - يَعْنِي : ثَلَاثِينَ -ثُمَّ قَالَ : وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا , وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ - يَعْنِي : تِسْعًا وَعِشْرِينَ - " يَقُولُ : مَرَّةً يَكُونُ ثَلَاثِينَ , وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ(2))(3).
أَسْمَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم -
( خ م ت ) , عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 1814 , ( س ) 2140
(2) أَيْ : أَشَارَ أَوَّلًا بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ الْعَشْر جَمِيعًا مَرَّتَيْنِ وَقَبَضَ الْإِبْهَام فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ , وَهَذَا الْمَعْبَّر عَنْهُ بِقَوْلِهِ ( تِسْع وَعِشْرُونَ ) , وَأَشَارَ مَرَّة أُخْرَى بِهِمَا ثَلَاث مَرَّاتٍ , وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ( ثَلَاثُونَ ) ، وَرَوَى أَحْمَد وَابْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ , ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ وَطَبَق الثَّالِثَة فَقَبَضَ الْإِبْهَام , فَقَالَتْ عَائِشَة : يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْد الرَّحْمَن ، إِنَّمَا هَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ شَهْرًا فَنَزَلَ لِتِسْع وَعِشْرِينَ ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ : إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ , وَشَهْر ثَلَاثُونَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 156)
(3) خ ) 4996 , ( م ) 1080(1/472)
" ( لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ(1)وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ , وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي(2)وَأَنَا الْعَاقِبُ(3))(4)( الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ )(5)"
( م حم ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : رَجُلٌ مُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ : إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْمَحْمُودَةُ , وَبِهِ سُمِّيَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ ، أَيْ : أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَهُ أَنْ سَمُّوهُ بِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ جَمِيلِ صِفَاتِهِ ، وَالْمُحَمَّدُ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ , أَوْ الَّذِي تَكَامَلَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ .
(2) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : عَلَى قَدَمِي أَيْ : عَلَى أَثَرِي ، أَيْ : أَنَّهُ يُحْشَرُ قَبْلَ النَّاسِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 156)
(3) الْعَاقِب : الَّذِي يَخْلُفُ فِي الْخَيْر مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَمِنْهُ عَقِب الرَّجُل لِوَلَدِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 73)
(4) خ ) 3339 , ( م ) 2354
(5) ت ) 2840 , ( م ) 2354(1/473)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ , وَأَحْمَدُ , وَالْمُقَفِّي(1)وَالْحَاشِرُ , وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ , وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ )(2)( وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ )(3)"
صِفَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكُتُبِ السَّابِقَة
وَقَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(4)
( خ ) , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ(5)قَالَ :
__________
(1) هُوَ بِمَعْنَى الْعَاقِب ، وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هُوَ الْمُتَّبِع لِلْأَنْبِيَاءِ , يُقَالُ : قَفَوْته أَقْفُوهُ ، وَقَفَّيْته أُقَفِّيهِ إِذَا اِتَّبَعْته . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 74)
(2) م ) 2355
(3) حم ) 23492 , 19543, وصححه الألباني في مختصر الشمائل : 316
(4) الأعراف/157]
(5) هو عطاء بن يسار الهلالي ، أبو محمد , المدني القاصّ ، مولى ميمونة , الطبقة : 2 : من كبار التابعين , الوفاة : 94 هـ ، روى له : خ م د ت س جة , رتبته عند ابن حجر : ثقة , رتبته عند الذهبي : من كبار التابعين وعلمائهم .(1/474)
لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبفَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ : أَجَلْ , وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ , إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(1)وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ(2)أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي , سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ(3)لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ(4)وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ(5)وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ , وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ , وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ(6)
__________
(1) أَيْ : شَاهِدًا عَلَى الْأُمَّة , وَمُبَشِّرًا لِلْمُطِيعِينَ بِالْجَنَّةِ , وَلِلْعُصَاةِ بِالنَّارِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(2) حِرْزًا ) أَيْ : حِصْنًا ، وَالْأُمِّيِّينَ هُمْ الْعَرَب . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(3) أَيْ : عَلَى اللَّه لِقَنَاعَتِهِ بِالْيَسِيرِ ، وَالصَّبْر عَلَى مَا كَانَ يَكْرَه . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(4) هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِه تَعَالَى ( فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك ) وَلَا يُعَارِض قَوْله تَعَالَى ( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) لِأَنَّ النَّفْي بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَالْأَمْر بِالنِّسْبَةِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ , كَمَا هُوَ مُصَرَّح بِهِ فِي نَفْس الْآيَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(5) الصَّخَب : الضَّجَّة واضطرابُ الأصواتِ للخِصَام . النهاية في غريب الأثر - (ج 3 / ص 24)
(6) أَيْ : يُمِيته ..فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)(1/475)
حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ(1)بِأَنْ يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَيَفْتَحُ بِهَا(2)أَعْيُنًا عُمْيًا(3)وَآذَانًا صُمًّا , وَقُلُوبًا غُلْفًا . (4)
( جة ) , وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ :
" إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا ، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ وَأَهْدَاهُ وَأَتْقَاهُ (5)"(6)
تَفْضِيلُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاء
( مسند الحارث ) , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) الْمِلَّة الْعَوْجَاء مِلَّة الْكُفْر . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(2) أَيْ : بِكَلِمَةِ التَّوْحِيد . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(3) أَيْ : أَعْيُنًا عُمْيًا عَنْ الْحَقّ , وَلَيْسَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 406)
(4) خ ) ( 2018) , ( حم ) 6622
(5) أَيْ : الَّذِي هُوَ أَوْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْره , وَأَهْدَى وَأَلْيَق بِكَمَالِ هُدَاهُ , وَأَتْقَاهُ : أَيْ أَنْسَب بِكَمَالِ تَقْوَاهُ , وَهُوَ أَنَّ قَوْله صَوَاب , وَنُصْحٌ وَاجِب الْعَمَلِ بِهِ لِكَوْنِهِ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَبَلَّغَهُ النَّاسَ بِلَا زِيَادَةٍ وَنُقْصَان . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 19)
(6) جة ) 20 , ( حم ) 986(1/476)
" مَا خَلَقَ اللَّهُ - عز وجل - وَلَا ذَرَأَ مِنْ نَفْسٍ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }(1)"(2)
( طب صم ) , وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ كَانَ أَوَّلَ أَمْرِ نُبُوَّتِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ مِنَ النَّبِيِّينِ مِيثَاقَهُمْ ، ثُمَّ تَلَا : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ , وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا }(3))(4)( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُهُمْ نُوحٌ ، ثُمَّ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ )(5)( وَبَشَّرَ بِيَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ , وَرَأَتْ أُمِّي فِي مَنَامِهَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهَا سِرَاجٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ )(6)"
( خ حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الحجر/72]
(2) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة ) 938 , وصححه الألباني في شرح الطَّحَاوِيَّة ص338 , موقوفا على عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - أنه قال : ما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد - صلى الله عليه وسلم - .
(3) الأحزاب/7]
(4) طب ) ج22ص333 ح835 , وصححه الألباني في ظلال الجنة : 407 ، وصَحِيح الْجَامِع : 224
(5) ظلال الجنة : 407
(6) طب ) ج22ص333 ح835(1/477)
" ( بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا(1))(2)( حَتَّى بُعِثْتُ مِنْ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ )(3)"
( ش طس ) , وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ )(4)( إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي )(5)( فَلَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ )(6)"(7)
( خ م حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) الْقَرْن : الطَّبَقَة مِنْ النَّاس الْمُجْتَمَعِينَ فِي عَصْر وَاحِد ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدّه بِمِائَةِ سَنَة , وَقِيلَ : بِسَبْعِينَ ، وَقِيلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ , فَحَكَى الْحَرْبِيّ الِاخْتِلَاف فِيهِ مِنْ عَشَرَة إِلَى مِائَة وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ تَعَقَّبَ الْجَمِيع وَقَالَ : الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْقَرْن كُلّ أُمَّة هَلَكَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَد . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 365)
(2) خ ) 3364 , ( حم ) 8844
(3) حم ) 8844 , ( خ ) 3364
(4) ش ) 32298
(5) طس ) 4728
(6) ش ) 32298
(7) حسنه الألباني في الإرواء : 1914 ، وصَحِيح الْجَامِع : 3225(1/478)
" ( فُضِّلْتُ عَلَى الَأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ(1): )(2)( أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ(3)أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ(4))(5)( وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ )(6)( مَسِيرَةَ شَهْرٍ )(7)( يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي(8))(9)( وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي )(10)( وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا(11)
__________
(1) أَيْ : بِسِتِّ خِصَالٍ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(2) م ) 523 , ( ت ) 1553
(3) قَالَ الْهَرَوِيُّ : يَعْنِي بِهِ الْقُرْآن ؛ جَمَعَ اللَّه تَعَالَى فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَة ، وَكَلَامَه - صلى الله عليه وسلم - : كَانَ بِالْجَوَامِعِ قَلِيل اللَّفْظ كَثِير الْمَعَانِي .شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 280)
(4) خ ) 6597
(5) م ) 523 , ( خ ) 2815
(6) م ) 523 , ( خ ) 6597
(7) خ ) 328
(8) قَالَ الْحَافِظُ : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ ، فَالظَّاهِرُ اِخْتِصَاصُهُ بِهِ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْغَايَةَ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ ، وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ؟ , فِيهِ اِحْتِمَالٌ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(9) حم ) 22190 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(10) خ ) 328 , ( م ) 521
(11) هُوَ مَجَازٌ عَنْ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ ..تحفة الأحوذي(1/479)
وَطَهُورًا(1))(2)( فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ , وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ , إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ )(3)( وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً , وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً )(4)( وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ )(5)( وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ , قِيلَ لِي : سَلْ , فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ , فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(6)( شَفَاعَةً لِأُمَّتِي , وَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ - عز وجل - لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )(7)( وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ )(8)( أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدَيَّ " , قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا(9))(10).(11)
(
__________
(1) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّهُورَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ تَثْبُتْ الْخُصُوصِيَّةُ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(2) م ) 523 , ( خ ) 328
(3) حم ) 7068 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن , ( س ) 432
(4) خ ) 328
(5) م ) 523 , ( ت ) 1553
(6) حم ) 7068 , ( خ ) 328
(7) حم ) 21337 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(8) خ ) 6597 , ( م ) 523
(9) أَيْ : تَسْتَخْرِجُونَهَا . ( فتح ) - (ج 9 / ص 165)
(10) خ ) 2815 , ( م ) 523
(11) صححه الألباني في الإرواء تحت حديث : 285 ، وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3634 ، وصفة الصلاة ص 150(1/480)
حم ) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ , أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ , وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ , وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا , وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ "(1)
( ش ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أُعْطِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلَامِ(2)وَجَوَامِعَهُ(3)وَخَوَاتِمَهُ(4)"(5)
( ت جة ) , وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 763 , انظر الصَّحِيحَة : 3939
(2) فواتح الكلام ) أَيْ : البلاغة والفصاحة , والتوصل إلى غوامض المعاني , وبدائع الحكم , ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره ، وفي رواية مفاتح الكلم , قال الكرماني : أي لفظ قليل يفيد معنى كثيرا , وهذا معنى البلاغة وشبه ذلك بمفاتيح الخزائن التي هي آلة الوصول إلى مخزونات متكاثرة . فيض القدير - (ج 1 / ص 721)
(3) أَيْ : التي جمعها الله فيه , فكان كلامه جامعا كالقرآن في كونه جامعا . فيض القدير
(4) أَيْ : خواتم الكلام , يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل ، فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه , ويختمه بما يشوِّق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه . فيض القدير .
(5) ش ) 2998 , ( يع ) 7238 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1058 , الصَّحِيحَة : 1483(1/481)
" إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ , كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ , وَخَطِيبَهُمْ ، وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرَ فَخْرٍ(1)"(2)
( م ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : قَوْلِي هَذَا لَيْسَ بِفَخْرٍ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 20)
(2) ت ) ( 3613) , ( جة ) ( 4314) , انظر صَحِيح الْجَامِع : 781 ، المشكاة : 5768(1/482)
" ( إِنِّي لَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(1)( لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنْ الَأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ ، وَإِنَّ مِنَ الَأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا لَمْ يُصَدِّقْهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ(2)وَأَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ , وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ )(3)( آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَأَقُولُ : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ : بِكَ أُمِرْتُ ، لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ )(4)"
( طس ) ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
__________
(1) جة ) 4301 , ( م ) 196
(2) قال الألباني في الصَّحِيحَة : 397 : في الحديث دليل واضح على أن كثرة الأتباع وقلتَهم ليست معيارا لمعرفة كون الداعية على حق أو باطل ، فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كون دعوتهم واحدة ، ودينهم واحدا ، فقد اختلفوا من حيث عدد أتباعهم قلة وكثرة ، حتى كان فيهم من لم يصدقه إِلَّا رجل واحد ، بل ومن ليس معه أحد ! ففي ذلك عبرة بالغة للداعية والمدعوين في هذا العصر ، فالداعية عليه أن يتذكر هذه الحقيقة ، ويمضي قُدُما في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ، ولا يبالي بقلة المستجيبين له ، لأنه ليس عليه إِلَّا البلاغ المبين ، وله أسوة حسنة بالأنبياء السابقين الذين لم يكن مع أحدهم إِلَّا الرجل والرجلان ! والمدعو عليه أن لَا يستوحش من قلة المستجيبين للداعية ، ويتخذ ذلك سببا للشك في الدعوة الحق وترك الإيمان بها ، فضلا عن أن يتخذ ذلك دليلا على بطلان دعوته بحجة أنه لم يتبعه أحد ، أو إنما اتبعه الأقلون ! ولو كانت دعوته صادقة لاتبعه جماهير الناس ! واللَّه - عز وجل - يقول ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) [يوسف/103] . أ . هـ
(3) م ) 196
(4) م ) 197 , ( حم ) 12420(1/483)
لَمَّا تَزَوَّجَ عُمَرُ - رضي الله عنه - أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : أَلَا تُهَنُّونِي ؟ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ سَبَبِي وَنَسَبِي(1)"(2)
( خ م ت ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قال الديلمي : السبب هنا هو الصلة والمودة , وكل ما يتوصل به إلى الشيء فهو سبب , وقيل : السبب يكون بالتزويج , والنسب بالولادة , وهذا الحديث لا يعارض حسنه في إخبار آخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه وتحذيرهم الدنيا وغرورها , وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا ,
لأن معناه أنه لا يملك لهم نفعا , لكن الله يملِّكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة , فهو لا يملك إلا ما ملكه ربه , فقوله : ( لا أغني عنكم ) أَيْ : بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله تعالى به , أو كان قبل علمه بأنه يشفع , ولمَّا خفي طريق الجمع على بعضهم , تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء . فيض القدير - (ج 5 / ص 27)
(2) طس ) 5606 , ( ك ) 4684 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4527 , الصَّحِيحَة : 2036(1/484)
" ( مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَرَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ(1))(2)( وَتَرَكَ مِنْهُ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ(3))(4)( مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ )(5)( فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِالْبِنَاءِ )(6)( وَيُعْجِبُهُمْ وَيَقُولُونَ : مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ , هَلَّا وَضَعْتَ هَذِهِ اللَّبِنَةُ فَيَتِمَّ بُنْيَانُكَ(7)؟ )(8)( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ )(9)( وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ )(10)وَأَنَا فِي النَّبِيِّينَ مَوْضِعُ تِلْكَ اللَّبِنَةِ(11)"(12)
دَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الْبِعْثَة
( حم مي ك ) , عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : حَسَّنَه وَزَيَّنَه . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 20)
(2) خ ) 3342 , ( م ) 2286
(3) اللَّبِنَةُ : هِيَ مَا يُصْنَع مِنْ الطِّين وَغَيْره لِلْبِنَاءِ قَبْل أَنْ يُحْرَق .
(4) ت ) 3613 , ( خ ) 3342
(5) م ) 2286 , ( خ ) 3342
(6) ت ) 3613 , ( خ ) 3342
(7) كَأَنَّهُ شَبَّهَ الْأَنْبِيَاء وَمَا بُعِثُوا بِهِ مِنْ إِرْشَاد النَّاس بِبَيْتٍ أُسِّسَتْ قَوَاعِده وَرُفِعَ بُنْيَانه , وَبَقِيَ مِنْهُ مَوْضِع بِهِ يَتِمّ صَلَاح ذَلِكَ الْبَيْت . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 341)
(8) م ) 2286 , ( خ ) 3342
(9) م ) 2286 , ( خ ) 3342
(10) خ ) 3342 , ( حم ) 9156
(11) ت ) 3613 , ( حم ) 9326
(12) صححه الألباني في فقه السيرة ص133(1/485)
قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ ؟ )(1)( كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ ؟ )(2)( قَالَ : " نَعَمْ )(3)( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ )(4)( وَمَكْتُوبٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ )(5)( وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ , وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ , أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ , وَبِشَارَةُ عِيسَى , وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى(6)مِنْ أَرْضِ الشَّامِ )(7)( وَاسْتُرْضِعْتُ )(8)( فَكَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ )(9)( فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ(10)
__________
(1) ك ) 4174
(2) حم ) 17685
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد : 341
(4) حم ) 17190
(5) مسند الشاميين : 1455
(6) بُصْرَى ) مَدِينَة مَعْرُوفَة , بَيْنهَا وَبَيْن دِمَشْق نَحْو ثَلَاث مَرَاحِل ، وَهِيَ مَدِينَة حُورَان , بَيْنهَا وَبَيْن مَكَّة شَهْر .
(7) ك ) 4174 , ( حم ) 17190
(8) الطبقات الكبرى لابن سعد : 341
(9) حم ) 17685
(10) يعني : غنم ..(1/486)
لَنَا وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا ، فَقُلْتُ : يَا أَخِي ، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا ، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ )(1)( فَأَتَانِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ )(2)( بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا )(3)( فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَهُوَ هُوَ ؟ ، فَقَالَ الْآخَرُ : نَعَمْ , فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا , فَشَقَّا بَطْنِي , ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ )(4)( فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً(5)سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا )(6)( ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ ، فَغَسَلَ بِهِ جَوْفِي ، ثُمَّ قَالَ : ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ ، فَغَسَلَ بِهِ قَلْبِي ، ثُمَّ قَالَ : ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ(7)فَذَرَّهَا فِي قَلْبِي ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : حُصْهُ ، فَحَاصَهُ(8)وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ , وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ(9)
__________
(1) حم ) 17685
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد : 341
(3) أخرجه الحافظ ابن كثير في " البداية " ( 2 / 275 )
(4) مي ) 13
(5) العلقة : القطعة من الدم الغليظ الجامد .
(6) الطبقات الكبرى لابن سعد : 341
(7) السَّكِينة : الطمأنينة والمهابة والوقار .
(8) حَاصَه : خاطه , قلت : سبحان الله ! هذا من علامات نبوته - صلى الله عليه وسلم - , فإن خياطة العمليات الجراحية لم تُعرف إِلَّا حديثا .ع
(9) أشْفَقَ : خاف ..(1/487)
أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ : لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ ، ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَفَرِقْتُ(1)فَرَقًا شَدِيدًا ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ ، فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدْ الْتَبَسَ بِي ، فَقَالَتْ : أُعِيذُكَ بِاللَّهِ ، فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي ، فَقَالَتْ : أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي ؟ ، وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ ، فَلَمْ يَرُعْهَا(2)ذَلِكَ وَقَالَتْ : إِنِّي رَأَيْتُ حِينَ خَرَجَ مِنِّي شَيْئًا يَعْنِي : نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ )(3)"(4)
( خ م حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ب- وَذَكَرَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ(5)- قَالَ :
(
__________
(1) الفَرَق : الخوف الشديد والفزع .
(2) الرَّوْع : الفزع .
(3) مي ) 13 , ( حم ) 17685
(4) صححه الألباني في المشكاة : 5759 ، والصَّحِيحَة : 373 ، 1545 , 1546 ، 1925 , 2529 ، وصحيح السيرة ص16 وما بعدها .
(5) هَذَا الْحَدِيث مُرْسَل صَحَابِيّ وَالْعُلَمَاء مِنْ الطَّوَائِف مُتَّفِقُونَ عَلَى الِاحْتِجَاج بِمُرْسَلِ الصَّحَابِيّ , إِلَّا مَا اِنْفَرَدَ بِهِ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الْإِسْفَرَايِينِيّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ بِهِ ، وَسُمِّيَتْ الْكَعْبَة كَعْبَة لِعُلُوِّهَا وَارْتِفَاعهَا ، وَقِيلَ : لِاسْتِدَارَتِهَا وَعُلُوّهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 53)(1/488)
فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ , وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي )(1)( وَكَانَ النَّاسُ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ عَلَى رِقَابِهِمْ , وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمْ )(2)( فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ : يَا ابْنَ أَخِي , لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ(3)فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ(4))(5)( يَقِيكَ(6)مِنْ الْحِجَارَةِ )(7)( قَالَ : " فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ , فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ )(8)( ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : إِزَارِي , إِزَارِي , فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ )(9)( فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا - صلى الله عليه وسلم - (10))(11)"
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 23851 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده قوي .
(2) حم ) 23845 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده قوي .
(3) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن .
(4) المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد .
(5) خ ) 357 , ( م ) 340
(6) أَيْ : يحفظك .
(7) خ ) 3617
(8) خ ) 357 , ( م ) 340
(9) خ ) 3617 , ( م ) 340
(10) فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَصُونًا عَمَّا يُسْتَقْبَح قَبْل الْبَعْثَة وَبَعْدهَا , وَفِيهِ النَّهْي عَنْ التَّعَرِّي بِحَضْرَةِ النَّاس . فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 64)
(11) خ ) 357 , ( م ) 340(1/489)
" إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ(1)قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ , إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ(2)"(3)
دَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الْبِعْثَة
( خ م ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : يَقُولُ : ( السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ) كَمَا فِي رِوَايَةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 32)
(2) فِيهِ مُعْجِزَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي هَذَا إِثْبَات التَّمْيِيز فِي بَعْض الْجَمَادَات ، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَة : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } وَقَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } وَفِي هَذِهِ الْآيَة خِلَاف مَشْهُور ، وَالصَّحِيح أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَة ، وَيَجْعَلُ اللَّه تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسَبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَمِنْهُ الْحَجَر الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَلَام الذِّرَاع الْمَسْمُومَة ، وَمَشْي إِحْدَى الشَّجَرَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى حِين دَعَاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَشْبَاه ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 472)
(3) م ) 2277 , ( ت ) 3624(1/490)
" مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ(1)مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ(2)
__________
(1) أَيْ : الْمُعْجِزَات الْخَوَارِق . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)
(2) هَذَا دَالّ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ لَا بُدّ لَهُ مِنْ مُعْجِزَة تَقْتَضِي إِيمَان مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِهِ ، وَلَا يَضُرّهُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمُعَانَدَة , وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ آيَة أَوْ أَكْثَر مِنْ شَأْن مَنْ يُشَاهِدهَا مِنْ الْبَشَر أَنْ يُؤْمِن بِهِ لِأَجْلِهَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)(1/491)
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ(1)
__________
(1) أَيْ : إِنَّ مُعْجِزَتِي الَّتِي تَحَدَّيْت بِهَا هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ , وَهُوَ الْقُرْآن , لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْجَاز الْوَاضِح ، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَصْرُ مُعْجِزَاته فِيهِ , وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْمُعْجِزَات مَا أُوتِيَ مَنْ تَقَدَّمَهُ ، بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ الْمُعْجِزَة الْعُظْمَى الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا دُون غَيْره ، لِأَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ مُعْجِزَة خَاصَّة بِهِ لَمْ يُعْطَهَا بِعَيْنِهَا غَيْرُه , تَحَدَّى بِهَا قَوْمه ، وَكَانَتْ مُعْجِزَة كُلّ نَبِيّ تَقَع مُنَاسِبَة لِحَالِ قَوْمه , كَمَا كَانَ السِّحْر فَاشِيًا عِنْد فِرْعَوْن , فَجَاءَهُ مُوسَى بِالْعَصَا عَلَى صُورَة مَا يَصْنَع السَّحَرَة , لَكِنَّهَا تَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا ، وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ , وَكَذَلِكَ إِحْيَاء عِيسَى الْمَوْتَى , وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , لِكَوْنِ الْأَطِبَّاء وَالْحُكَمَاء كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَان فِي غَايَة الظُّهُور ، فَأَتَاهُمْ مِنْ جِنْس عَمَلهمْ بِمَا لَمْ تَصِل قُدْرَتهمْ إِلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْعَرَب الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَايَة مِنْ الْبَلَاغَة , جَاءَهُمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ , وَقِيلَ : الْمُرَاد أَنَّ مُعْجِزَات الْأَنْبِيَاء اِنْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارهمْ فَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا ، وَمُعْجِزَة الْقُرْآن مُسْتَمِرَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ، وَخَرْقُهُ لِلْعَادَةِ فِي أُسْلُوبه وَبَلَاغَته وَإِخْبَاره بِالْمُغَيَّبَاتِ ، فَلَا يَمُرّ عَصْر مِنْ الْأَعْصَار إِلَّا وَيَظْهَر فِيهِ شَيْء مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلّ عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ ، وَهَذَا أَقْوَى الْمُحْتَمَلَات ، وَتَكْمِيله فِي الَّذِي بَعْده . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)(1/492)
فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ(1)"(2)
انْشِقَاقُ الْقَمَرِ بِدُعَائِه - صلى الله عليه وسلم -
( خ م ت ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) رَتَّبَ هَذَا الْكَلَام عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُعْجِزَة الْقُرْآن الْمُسْتَمِرَّة لِكَثْرَةِ فَائِدَته وَعُمُوم نَفْعه ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدَّعْوَة وَالْحُجَّة وَالْإِخْبَار بِمَا سَيَكُونُ ، فَعَمَّ نَفْعه مَنْ حَضَرَ وَمَنْ غَابَ , وَمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ ، فَحَسُنَ تَرْتِيب الرَّجْاء الْمَذْكُورِ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الرَّجْاء قَدْ تَحَقَّقَ ، فَإِنَّهُ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء تَبَعًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)
(2) خ ) 6846 , ( م ) 152(1/493)
إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً(1) " فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ )(2)( فِلْقَتَيْنِ ، فَسَتَرَ الْجَبَلُ فِلْقَةً , وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ )(3) فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ(4)حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا(5)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اشْهَدُوا ، اشْهَدُوا )(6)( قَالَ : فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ )(7)( بِمَكَّةَ )(8)( مَرَّتَيْنِ(9)
__________
(1) أَيْ : علامة ودليل .
(2) خ ) 3438 , ( م ) 2802
(3) م ) 2801 , ( خ ) 4583
(4) أَيْ : نِصْفَيْنِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 192)
(5) خ ) 3655
(6) م ) 2801 , ( خ ) 4584
(7) م ) 2802 , ( حم ) 13177
(8) ت ) 3286
(9) لَا أَعْرِف مَنْ جَزَمَ مِنْ عُلَمَاء الْحَدِيث بِتَعَدُّدِ الِانْشِقَاق فِي زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّض لِذَلِكَ أَحَد مِنْ شُرَّاح الصَّحِيحَيْنِ , وَتَكَلَّمَ اِبْن الْقَيِّم عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة فَقَالَ : الْمَرَّات يُرَاد بِهَا الْأَفْعَال تَارَة وَالْأَعْيَان أُخْرَى ، وَالْأَوَّل أَكْثَر , وَمِنْ الثَّانِي " أَنْشَقَّ الْقَمَرُ مَرَّتَيْنِ " وَقَدْ خَفِيَ عَلَى بَعْض النَّاس فَادَّعَى أَنَّ اِنْشِقَاق الْقَمَر وَقَعَ مَرَّتَيْنِ ، وَهَذَا مِمَّا يَعْلَم أَهْل الْحَدِيث وَالسِّيَر أَنَّهُ غَلَط , فَإِنَّهُ لَمْ يَقَع إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة , وَقَدْ قَالَ الْعِمَاد بْن كَثِير : فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا " مَرَّتَيْنِ " نَظَر ، وَلَعَلَّ قَائِلهَا أَرَادَ فِرْقَتَيْنِ , قُلْت : وَهَذَا الَّذِي لَا يُتَّجَه غَيْره جَمْعًا بَيْن الرِّوَايَات ..فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 192)(1/494)
" )(1)( فَقَالُوا : سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ )(2)( فَنَزَلَتْ : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ , وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ(3)}(4))(5)( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ(6))(7).
قُدُومُ الشَّجَرِ إلَيْه - صلى الله عليه وسلم -
( حب طب ) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
(
__________
(1) م ) 2802 , ( ت ) 3286
(2) ت ) 3289 , ( حم ) 16796
(3) أَيْ : سِحْرٌ ذَاهِبٌ .
(4) القمر/1، 2]
(5) ت ) 3286 , ( حم ) 12711
(6) وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ : " فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ : هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ اِبْنُ أَبِي كَبْشَةَ , اُنْظُرُوا السُّفَّارَ , فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ , وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ، قَالَ : فَسُئِلَ السُّفَّارُ وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وُجْهَةٍ فَقَالُوا : رَأَيْنَا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 148)
(7) ت ) 3289 , ( حم ) 16796(1/495)
جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ يُدَاوِي وَيُعَالِجُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ تَقُولُ أَشْيَاءً ، فَهَلْ لَكَ أَنْ أُدَاوِيَكَ ؟ ، " فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اللَّهِ ثُمَّ قَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟ - وَعِنْدَهُ نَخْلٌ وَشَجَرٌ - فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَذْقًا(1)مِنْهَا ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ )(2)( وَيَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ )(3)( فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ " )(4)( فَقَالَ الْعَامِرِيُّ : وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُكَ بِشَيْءٍ تَقُولُهُ أَبَدًا ، ثُمَّ قَالَ : يَا آلَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُهُ بِشَيْءٍ )(5).
( حب ) ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ : " أَيْنَ تُرِيدُ ؟ " قَالَ : إِلَى أَهْلِي ، قَالَ : " هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ ؟ " ، قَالَ : مَا هُوَ ؟ ، قَالَ : " تَشَهَّدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " ، قَالَ : هَلْ مِنْ شَاهِدٍ عَلَى مَا تَقُولُ ؟ ،
__________
(1) العَذْق بالفتح : النَّخْلة ، وبالكسر : العُرجُون بما فيه من الشَّمارِيخ .
(2) طب ) 12595 , انظر الصَّحِيحَة : 3315
(3) حب ) 6523 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1769
(4) طب ) 12595
(5) حب ) 6523(1/496)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَذِهِ السَّمُرَةُ(1)فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي(2) فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا(3)حَتَّى كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا " , فَرَجَعَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ : إِنْ يَتَّبِعُونِي أَتَيْتُكَ بِهِمْ ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ "(4)
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
__________
(1) السَّمُر : هو ضربٌ من شجَرَ الطَّلح ، الواحدة سَمُرة .
(2) شَاطِئ الْوَادِي جَانِبه .
(3) تخد الأرض : تشقها , كناية عن سرعة المجيء .
(4) حب ) 6505 , ( يع ) 5662 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1768 ، وهداية الرواة : 5867(1/497)
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ(1)" فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ " فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ , " فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ , فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي , فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ : انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ , فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ(2)الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ , حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ : انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ , فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ(3)مِمَّا بَيْنَهُمَا جَمَعَهُمَا فَقَالَ : الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ , فَالْتَأَمَتَا " , قَالَ جَابِرٌ : فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ(4)
__________
(1) أَيْ : وَاسِعًا .
(2) الْبَعِير الْمَخْشُوش : هُوَ الَّذِي يُجْعَل فِي أَنْفه خِشَاش بِكَسْرِ الْخَاء ، وَهُوَ عُود يُجْعَل فِي أَنْف الْبَعِير إِذَا كَانَ صَعْبًا وَيُشَدّ فِيهِ حَبْل لِيَذِلّ وَيَنْقَاد ، وَقَدْ يَتَمَانَع لِصُعُوبَتِهِ ، فَإِذَا اِشْتَدَّ عَلَيْهِ وَآلَمَهُ اِنْقَادَ شَيْئًا , وَلِهَذَا قَالَ ( الَّذِي يُصَانِع قَائِده ) , وَهَذَا مِنَ الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَات لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 391)
(3) الْمَنْصَف ) : نِصْف الْمَسَافَة .
(4) أَيْ : أَعْدُو وَأَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا ..(1/498)
مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ , وَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي , فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ , " فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُقْبِلًا وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدْ افْتَرَقَتَا فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ , فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ وِقْفَةً وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ أَقْبَلَ , فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ : يَا جَابِرُ , هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي ؟ " , قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا فَأَقْبِلْ بِهِمَا , حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ " , قَالَ جَابِرٌ : فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ(1)فَانْذَلَقَ لِي(2)فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا , ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَأَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي , ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَمَّ ذَاكَ ؟ , قَالَ : " إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ , فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا(3)
__________
(1) أَيْ : أَحْدَدْته وَنَحَّيْت عَنْهُ مَا يَمْنَع حِدَّته , بِحَيْثُ صَارَ مِمَّا يُمْكِن قَطْعِي الْأَغْصَان بِهِ .شرح النووي(ج9ص391)
(2) أَيْ : صَارَ حَادًّا .
(3) أَيْ : يُخَفَّف ..شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 391)(1/499)
بِشَفَاعَتِي مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ " , قَالَ جَابِرٌ : فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ , فَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْجُوعَ فَقَالَ : " عَسَى اللَّهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ " , فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ(1)فَزَخَرَ(2)الْبَحْرُ زَخْرَةً فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا(3)عَلَى شِقِّهَا النَّارَ , فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا , وَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا , قَالَ جَابِرٌ : فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا(4)مَا يَرَانَا أَحَدٌ حَتَّى خَرَجْنَا , فَأَخَذْنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ(5)ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ , وَأَعْظَمِ كِفْلٍ(6)فِي الرَّكْبِ , فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ . (7)
إخْبَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا حَدَث
( ابن سعد ) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) أَيْ : سَاحِلَ الْبَحْر .
(2) زَخَرَ : أَيْ عَلَا مَوْجُه .
(3) أَيْ : أوقدنا .
(4) هُوَ عَظْمهَا الْمُسْتَدِير بِهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 391)
(5) أَيْ : جعلناه على هيئة قوس .
(6) الْمُرَاد بِالْكِفْلِ هُنَا الْكِسَاء الَّذِي يَحْوِيه رَاكِب الْبَعِير عَلَى سَنَامه لِئَلَّا يَسْقُط ، فَيَحْفَظ الرَّاكِب ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ : وَمِنْهُ اِشْتِقَاق قَوْله تَعَالَى : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَته } أَيْ : نَصِيبَيْنِ يَحْفَظَانِكُمْ مِنْ الْهَلَكَة ، كَمَا يَحْفَظُ الْكِفْل الرَّاكِب . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 391)
شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 391)
(7) م ) 3014(1/500)
" لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ , أَرْسَلَ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كُتُبًا ..وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ - رضي الله عنه - إِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا " ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ : فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُرِئَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ فَمَزَّقَهُ ، " فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : اللَّهُمَّ مَزِّقْ مُلْكَهُ " , وَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ عَامِلِهِ عَلَى الْيَمَنِ أَنِ ابْعَثْ مِنْ عِنْدِكَ رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ(1)إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ فَلْيَأْتِيَانِي بِخَبَرِهِ ، فَبَعَثَ بَاذَانُ قَهْرَمَانَهُ(2)وَرَجُلًا آخَرَ ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا كِتَابًا , فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ وَفَرَائِصُهُمَا(3)
__________
(1) الجَلَد : القُوّة والصَّبْر .
(2) القهرمان : الخازن الأمين المحافظ على ما في عهدته .
(3) الفَرِيصة : اللحم الذي بين الكتف والصدر , ترتعد عند الفزع ..(2/1)
تُرْعَدُ ، فَدَفَعَا كِتَابَ بَاذَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، " فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَاهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ وَقَالَ : ارْجِعَا عَنِّي يَوْمَكُمَا هَذَا حَتَّى تَأْتِيَانِي الْغَدَ فَأُخْبِرَكُمَا بِمَا أُرِيدُ " فَجَاءَاهُ مِنَ الْغَدِ ، فَقَالَ لَهُمَا : " أَبْلِغَا صَاحِبَكُمَا أَنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّهُ كِسْرَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِسَبْعِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنْهَا - وَهِيَ لَيْلَةُ الثُّلاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ - وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ " ، فَرَجَعَا إِلَى بَاذَانَ بِذَلِكَ , فَأَسْلَمَ هو وَالْأَبْنَاءُ(1)الَّذِينَ بِالْيَمَنِ .(2)
( د حم ) , وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ :
(
__________
(1) الأبْناَءُ في الأصل : جمع ابن , ويقال لأولاد فارس الأبناء , وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف ابن ذي يَزَن لَمَّا جاء يَسْتَنْجِدُه على الحبشة , فنصروه وملكو اليمن , وتَدَيَّرُوها وتزوّجوا في العرب , فقيل لأولادهم : الأبناء , وغلب عليهم هذا الاسم , لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم . النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 18)
(2) أخرجه ابن سعد ( 1 / 258 - 260 ) , انظر الصَّحِيحَة : 1429(2/2)
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جِنَازَةٍ , فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ(1): " أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ , أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ )(2)( لَرُبَّ عَذْقٍ(3)لَهُ فِي الْجَنَّةِ " )(4)( فَلَمَّا رَجَعْنَا )(5)( اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ فُلَانَةَ تَدْعُوكَ وَمَنْ مَعَكَ إِلَى طَعَامٍ , " فَانْصَرَفَ " وَانْصَرَفْنَا مَعَهُ , فَجَلَسْنَا مَجَالِسَ الْغِلْمَانِ مِنْ آبَائِهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ(6)ثُمَّ جِيءَ بِالطَّعَامِ , " فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ " وَوَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ , فَفَطِنَ لَهُ الْقَوْمُ وَهُوَ يَلُوكُ لُقْمَتَهُ(7)لَا يُجِيزُهَا(8)
__________
(1) أَيْ : الَّذِي يَحْفِر الْقَبْر . عون المعبود - (ج 7 / ص 315)
(3) العَذْق بالفتح : النَّخْلة ، وبالكسر : العُرجُون بما فيه من الشَّمارِيخ .
(4) حم ) 23512 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده قوي .
(5) حم ) 22562 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي .
(6) يعني أن رواي هذا الحديث كان صغيراً عند وقوع الحادثة .ع
(7) أَيْ : يَمْضُغهَا ، وَاللَّوْك إِدَارَة الشَّيْء فِي الْفَم . عون المعبود - (ج 7 / ص 315)
(8) أَيْ : لا يبتلعها ..(2/3)
فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَغَفَلُوا عَنَّا , ثُمَّ ذَكَرُوا فَأَخَذُوا بِأَيْدِينَا , فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضْرِبُ اللُّقْمَةَ بِيَدِهِ حَتَّى تَسْقُطَ , ثُمَّ أَمْسَكُوا بِأَيْدِينَا يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , " فَلَفَظَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَلْقَاهَا فَقَالَ : أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا " , فَقَامَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِي أَنْ أَجْمَعَكَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى طَعَامٍ , فَأَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ فَلَمْ أَجِدْ شَاةً تُبَاعُ )(1)( فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِيَ قَدْ اشْتَرَى شَاةً )(2)( أَمْسِ مِنْ الْنَّقِيعِ(3)أَنْ ذُكِرَ لِي أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ شَاةً فَأَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا(4)فَلَمْ يَجِدْهُ الرَّسُولُ وَوَجَدَ أَهْلَهُ فَدَفَعُوهَا إِلَى رَسُولِي(5)فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى(6)
__________
(1) حم ) 22562
(2) د ) ( 3332)
(3) النَّقِيع : مَوْضِع بِشَرْقِ الْمَدِينَة . عون المعبود - (ج 7 / ص 315)
(4) أَيْ : بِثَمَنِهَا الَّذِي اِشْتَرَاهَا بِهِ . عون المعبود - (ج 7 / ص 315)
(5) فَظَهَرَ أَنَّ شِرَائِهَا غَيْر صَحِيح ، لِأَنَّ إِذْن زَوْجَته وَرِضَاهَا غَيْر صَحِيح ، فَالشُّبْهَة قَوِيَّة , وَالْمُبَاشَرَة غَيْر مَرَضِيَّة . عون المعبود - (ج 7 / ص 315)
(6) الْأَسَارَى ) : جَمْع أَسِير ، وَالْغَالِب أَنَّهُ فَقِير , وَقَالَ الطِّيبِيُّ : وَهُمْ كُفَّار , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجَد صَاحِب الشَّاة لِيَسْتَحِلُّوا مِنْهُ , وَكَانَ الطَّعَام فِي صَدَد الْفَسَاد , وَلَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ إِطْعَام هَؤُلَاءِ , فَأَمَرَ بِإِطْعَامِهِمْ ..عون المعبود - (ج 7 / ص 315)(2/4)
)(1)"(2)
( حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
" ( مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَأَصْحَابُهُ بِامْرَأَةٍ فَذَبَحَتْ لَهُمْ شَاةً وَاتَّخَذَتْ لَهُمْ طَعَامًا , فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا اتَّخَذْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَادْخُلُوا فَكُلُوا , " فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَأَصْحَابُهُ )(3)( - وَكَانُوا لَا يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الطَّعَامِ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ يَبْدَأُ - " )(4)( فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لُقْمَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُسِيغَهَا(5) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَذِهِ شَاةٌ ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا " , فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ , إِنَّا لَا نَحْتَشِمُ(6)مِنْ آلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَلَا يَحْتَشِمُونَ مِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَّا )(7)"
( حم ) , وَعَنْ أَبِي شَهْمٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 22562 , ( د ) ( 3332)
(2) صححه الألباني في الإرواء : 744
(3) حم ) 14827 قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( ك ) 7579
(4) حم ) 14968 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) يسيغ : يبتلع .
(6) احتشم : استحيا .
(7) حم ) 14827 قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .(2/5)
كُنْتُ رَجُلًا بَطَّالًا(1)فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَأَخَذْتُ بِكَشْحِهَا(2)فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايِعُونَهُ , فَأَتَيْتُهُ فَبَسَطْتُ يَدِي لِأُبَايِعَهُ , " فَقَبَضَ يَدَهُ وَقَالَ : أَحْسِبُكَ صَاحِبَ الْجُبَيْذَةِ(3)" , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْنِي فَوَاللَّهِ لَا أَعُودُ أَبَدًا , قَالَ : " فَنَعَمْ إِذًا "(4)
إخْبَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا سَيَحْدُث
( خ م ) , عَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
__________
(1) البَطَّال : المتعطل الذي يتبع طريق اللهو والجهالة .
(2) أَيْ : فأهويت بيدي إلى خاصرتها , والكشح : الخاصرة .
(3) الجبيذة : تصغير جبذة بمعنى : الشَّدَّة والجَذبة .
(4) حم ) 22564 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .(2/6)
" ( حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا(1))(2)( فَقَالَ : إِنَّا قَافِلُونَ(3)
__________
(1) ذَكَرَ أَهْل الْمَغَازِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اِسْتَعْصَى عَلَيْهِ الْحِصْن , وَكَانُوا قَدْ أَعَدُّوا فِيهِ مَا يَكْفِيهِمْ لِحِصَارِ سَنَة , وَرَمُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ سِكَك الْحَدِيد الْمُحَمَاة , وَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَأَصَابُوا قَوْمًا ، فَاسْتَشَارَ نَوْفَل بْن مُعَاوِيَة الدِّيلِيّ فَقَالَ : هُمْ ثَعْلَب فِي جُحْر , إِنْ أَقَمْت عَلَيْهِ أَخَذَتْهُ , وَإِنْ تَرَكْته لَمْ يَضُرّك ، فَرَحَلَ عَنْهُمْ " وَذَكَر أَنَس فِي حَدِيثه عِنْد مُسْلِم أَنَّ مُدَّة حِصَارهمْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 135)
(2) م ) 1778, ( خ ) 4070
(3) أَيْ : رَاجِعُونَ إِلَى الْمَدِينَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 135)(2/7)
غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ " )(1)( فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ ؟ , لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ " )(2)( فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ " )(3)( قَالَ : فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ )(4)( فَسَكَتُوا , " فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (5))(6)"
( خ ت حم ) , وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - (7)قَالَ :
__________
(1) خ ) 5736 , ( م ) 1778
(2) م ) 1778 , ( خ ) 5736
(3) خ ) 5736 , ( م ) 1778
(4) خ ) 7042 , ( م ) 1778
(5) حَاصِل الْخَبَر أَنَّهُمْ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ بِغَيْرِ فَتْح لَمْ يُعْجِبهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِالْقِتَالِ فَلَمْ يُفْتَح لَهُمْ , فَأُصِيبُوا بِالْجِرَاحِ , لِأَنَّهُمْ رَمَوْا عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَى السُّور , فَكَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ بِسِهَامِهِمْ , وَلَا تَصِل السِّهَام إِلَى مَنْ عَلَى السُّور ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَهُمْ تَصْوِيب الرُّجُوع ، فَلَمَّا أَعَادَ عَلَيْهِمْ الْقَوْل بِالرُّجُوعِ أَعْجَبَهُمْ حِينَئِذٍ ، وَلِهَذَا ضَحِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 135)
(6) خ ) 5736 , ( م ) 1778
(7) هو عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ , صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ , وَكَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ , وَحَضَرَ فُتُوحَ الْعِرَاقِ , وَحُرُوبَ عَلِيٍّ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 272)(2/8)
لَمَّا بَلَغَنِي خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَرِهْتُ خُرُوجَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً , فَخَرَجْتُ حَتَّى وَقَعْتُ نَاحِيَةَ الرُّومِ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى قَيْصَرَ , فَكَرِهْتُ مَكَانِي ذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ كَرَاهِيَتِي لِخُرُوجِهِ فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَوْلَا أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ , فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَضُرَّنِي , وَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَلِمْتُ فَقَدِمْتُ )(1)( بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كِتَابٍ , فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ )(2)( فَلَمَّا رَآنِي النَّاسُ قَالُوا : عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ , عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ , فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(3)( فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ(4)ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ(5) )(6)( " ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي فَقَامَ - وَقَدْ كَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ يَدَهُ فِي يَدِي - " , فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ مَعَهَا فَقَالَا : إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً , " فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُمَا , ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَتَى بِي دَارَهُ , فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ(7)وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا " وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ , " فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : مَا يُفِرُّكَ(8)؟
__________
(1) حم ) 18286 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(2) ت ) 2954
(3) حم ) 18286
(4) الفاقة : الفقر والحاجة .
(5) أَيْ : شكا إليه كثرة قُطاع الطرق .
(6) خ ) 3595
(7) أَيْ : الْجَارِيَةُ .
(8) أَيْ : مَا يَحْمِلُك عَلَى الْفِرَارِ ..(2/9)
, أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ , فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللَّهِ ؟ " , قُلْتُ : لَا , " ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ ؟ " , فَهَلْ تَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ اللَّهِ ؟ " , قُلْتُ : لَا , قَالَ : " فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ , وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ(1))(2)( يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ , أَسْلِمْ تَسْلَمْ , يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ , أَسْلِمْ تَسْلَمْ , يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ , أَسْلِمْ تَسْلَمْ " )(3)( فَقُلْتُ : إِنِّي مِنْ أَهْلِ دِينٍ )(4)( قَالَ : " أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ " , فَقُلْتُ : أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي ؟ , قَالَ : " نَعَمْ )(5)( أَلَسْتَ رَكُوسِيًّا(6)؟ " , قُلْتُ : بَلَى , قَالَ : " أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ ؟ " , قُلْتُ : بَلَى , قَالَ : " أَلَسْتَ تَأْخُذُ )(7)( مِرْبَاعَ قَوْمِكَ(8)؟
__________
(1) جملة ( فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ , وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ ) صححها الألباني في الصَّحِيحَة : 3263 , وهي هنا صحيحة أيضا , وإنما أردت تأكيد صحتها فقط .ع
(2) ت ) 2954
(3) حم ) 18286
(4) حم ) 19397 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(5) حم ) 18286
(6) الرَّكُوسِيَّة : دين بين النصارى والصابئين .
(7) حم ) 19408 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(8) الْمِرْبَاع : رُبُعُ الْغَنِيمَةِ , كَانَ رَئِيسُ الْقَوْمِ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ..المصباح المنير (ج 3 / ص 340)(2/10)
" , قُلْتُ : بَلَى , قَالَ : " فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكِ " )(1)( قَالَ : فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ )(2)( تَوَاضَعَتْ مِنِّي نَفْسِي )(3)( فَقَالَ : " أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنْ الْإِسْلَامِ , تَقُولُ : إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ , وَقَدْ رَمَتْهُمْ الْعَرَبُ(4)فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ , أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ(5)؟ " , قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا )(6)( قَالَ : " فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ(7)
__________
(1) حم ) 18286
(2) حم ) 19397
(3) حم ) 19408
(4) أَيْ : حاربتهم العرب مجتمعة .
(5) الْحِيرَةِ ) : كَانَتْ بَلَدَ مُلُوكِ الْعَرَبِ الَّذِينَ تَحْتَ حُكْمِ آلِ فَارِسَ ، وَكَانَ مَلِكُهُمْ يَوْمَئِذٍ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ الطَّائِيُّ , وَلِيَهَا مِنْ تَحْتِ يَدِ كَسْرَى بَعْدَ قَتْلِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 272)
(6) حم ) 18286
(7) الظَّعِينَة ) : الْمَرْأَة فِي الْهَوْدَج ، وَهُوَ فِي الْأَصْل اِسْم لِلْهَوْدَجِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 398)(2/11)
تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهُ " , فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : )(1)( فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيِّئٍ(2))(3)( الَّذِينَ سَعَّرُوا الْبِلَادَ(4)؟
__________
(1) خ ) 3595
(2) الْمُرَاد قُطَّاع الطَّرِيق , وَطَيِّئ قَبِيلَة مَشْهُورَة ، مِنْهَا عَدِيّ بْن حَاتِم الْمَذْكُور ، وَبِلَادهمْ مَا بَيْن الْعِرَاق وَالْحِجَاز ، وَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيق عَلَى مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ جِوَار ، وَلِذَلِكَ تَعَجَّبَ عَدِيّ كَيْف تَمُرّ الْمَرْأَة عَلَيْهِمْ وَهِيَ غَيْر خَائِفَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 398)
(3) ت ) 2954
(4) أَيْ : مَلَاؤُا الْأَرْض شَرًّا وَفَسَادًا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 398)(2/12)
, قَالَ : " وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى " , فَقُلْتُ : كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ ؟ )(1)( قَالَ : " نَعَمْ )(2)( كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ , وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ )(3)( يَطُوفَ بِصَدَقَتِهِ فلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ(4)" )(5)( فَقُلْتُ : إِنِّي جِئْتُ مُسْلِمًا , قَالَ : " فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ تَبَسَّطَ فَرَحًا , ثُمَّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ " , فَجَعَلْتُ آتِيهِ طَرَفَيْ النَّهَارِ )(6)( قَالَ عَدِيٌّ : فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنْ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارٍ , وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَهَا )(7).
(
__________
(1) خ ) 3595
(2) حم ) 18286
(3) خ ) 3595
(4) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ , وَأَخْرَجَ فِي " الدَّلَائِل " عَنْ عُمَر بْن أُسَيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب قَالَ : " إِنَّمَا وَلِيَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ثَلَاثِينَ شَهْرًا ، أَلَا وَاَللَّه مَا مَاتَ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُل يَأْتِينَا بِالْمَالِ الْعَظِيم , فَيَقُول : اِجْعَلُوا هَذَا حَيْثُ تَرَوْنَ فِي الْفُقَرَاء ، فَمَا يَبْرَح حَتَّى يَرْجِع بِمَالِهِ يَتَذَكَّر مَنْ يَضَعهُ فِيهِ فَلَا يَجِدهُ " , وهَذَا الِاحْتِمَال لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث " وَلَئِنْ طَالَتْ بِك حَيَاة " .فتح الباري(ج10ص398)
(5) خ ) 1413
(6) ت ) 2954
(7) حم ) 18286 , ( خ ) 3595(2/13)
حب ) , وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مُثِّلَتْ لِيَ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ الْكِلَابِ ، وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا " ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : هَبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنَةَ بُقَيْلَةَ ، فَقَالَ : " هِيَ لَكَ " ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهَا ، فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ : أَتَبِيعُهَا ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بِكُمْ ؟ , احْتَكِمْ مَا شِئْتَ ، قَالَ : بِأَلْفِ دِرْهَمٍ , قَالَ : قَدْ أَخَذْتَهَا ،(2/14)
فَقِيلَ لَهُ : لَوْ قُلْتَ : ثَلَاثينَ أَلْفًا , قَالَ : وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ ! .(1)
__________
(1) حب ) 6674 , انظر الصَّحِيحَة : 2825 , وقال الألباني في صحيح موارد الظمآن 1427 بعدما صحح الحديث : وللحديث شاهد قوي مرسل في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام عن حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي شَيْبَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : اكْتُبْ لِي بِابْنَةِ بَقِيلَةَ عَظِيمِ الْحِيرَةِ ، فَقَالَ : " يَا فُلَانُ ، أَتَرْجُو أَنْ يَفْتَحَهَا اللَّهُ لَنَا ؟ " ، فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ لَنَا ، قَالَ : فَكَتَبَ لَهُ بِهَا فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ ، فَقَالَ : فَغَزَاهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَخَرَجَ مَعَهُ ذَلِكَ الشَّيْبَانِيُّ ، قَالَ : فَصَالَحَ أَهْلُ الْحِيرَةِ وَلَمْ يُقَاتِلُوا ، فَجَاءَ الشَّيْبَانِيُّ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَالِدٍ ، فَلَمَّا أَخَذَهُ قَبَّلَهُ ثُمَّ قَالَ : دُونَكَهَا ، فَجَاءَ عُظَمَاءُ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَالُوا : يَا فُلَانُ ، إِنَّكَ كُنْتَ رَأَيْتَ فُلَانَةَ وَهِيَ شَابَّةٌ ، وَإِنَّهَا وَاللَّهِ قَدْ كَبِرَتْ وَذَهَبَتْ عَامَّةُ مَحَاسِنَهَا فَبِعْنَاهَا ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَبِيعُكُمُوهَا إِلَّا بِحُكْمِي ، فَخَافُوا أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُطِيقُونَ ، فَقَالُوا : سَلْنَا مَا شِئْتَ ، فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ ، لَا أَبِيعُكُمُوهَا إِلَّا بِحُكْمِي ، فَلَمَّا أَبَى قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَعْطُوهُ مَا احْتَكَمَ ، فَقَالُوا : فَاحْتَكِمْ ، قَالَ : فَإِنِّي أَسْأَلُكُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ - قَالَ حُمَيْدٌ ، وَهُمْ أُنَاسٌ مَنَاكِيرُ - فَقَالُوا : يَا فُلَانُ ، أَيْنَ تَقَعُ أَمْوَالُنَا مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : فَلا وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهَا مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : فَأَعْطَوْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَانْطَلَقُوا بِصَاحِبَتِهِمْ , فَلَمَّا رَجَعَ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى قَوْمِهِ قَالُوا : مَا صَنَعْتَ ؟ , قَالَ : بِعْتُهَا بِحُكْمِي ، قَالُوا : أَحْسَنْتَ ، فَمَا احْتَكَمْتَ ؟ , قَالَ : أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَسُبُّونَهُ وَيَلُومُونَهُ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا قَالَ : لَا تَلُومُونِي ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ عَدَدًا يُذْكَرُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَكَانَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ طَيِّئٍ ، فَأَرَى هَذِهِ قَدْ سُبِيَتْ ، وَإِنَّمَا افْتَتَحُوهُمْ صُلْحًا ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمِينَ : " أَنْ لَا سِبَاءَ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ وَلَا رِقَّ ، وَأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ " ، فَوَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي : أَنَّهَا إِنَّمَا رَقَّتْ لِلنَّفَلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلشَّيْبَانِيِّ ، فَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ مَرْجِعٌ ، فَلِهَذَا أَمْضَاهَا لَهُ خَالِدٌ ، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا حَلَّ سِبَاؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا ، ألَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ غَيْرَهَا ؟ أ . هـ(2/15)
( خ ) , وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً(1)لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً , فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ )(2)( أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟ , أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا(3)؟ )(4)( " فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ : لَقَدْ كَانَ )(5)( الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ )(6)( فَيُجْعَلُ فِيهَا , فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى )(7)( مَفْرِقِ رَأْسِهِ )(8)( فَيُشَقُّ )(9)( نِصْفَيْنِ )(10)( مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ(11)عَنْ دِينِهِ )(12)( وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ )(13)( مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ(14)
__________
(1) البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة ، وقيل : هو كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ , وَالْمَعْنَى : جَعل الْبُرْدَة وِسَادَة لَهُ ، مِنْ تَوَسَّدَ الشَّيْء جَعَلَهُ تَحْت رَأْسه . عون المعبود - (ج 6 / ص 79)
(2) خ ) 3639
(3) أَيْ : عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَنَا . عون المعبود - (ج 6 / ص 79)
(4) خ ) 3416 , ( س ) 5320
(5) خ ) 3639
(6) خ ) 3416
(7) خ ) 6544
(8) خ ) 3639
(9) خ ) 3639
(10) خ ) 6544
(11) أَيْ : لَا يَمْنَعهُ ذَلِكَ الْعَذَاب الشَّدِيد . عون المعبود - (ج 6 / ص 79)
(12) خ ) 3639
(13) خ ) 3416
(14) قَالَ الطِّيبِيُّ : فِيهِ مُبَالَغَة بِأَنَّ الْأَمْشَاط لِحِدَّتِهَا وَقُوَّتهَا كَانَتْ تَنْفُذ مِنْ اللَّحْم إِلَى الْعَظْم وَمَا يَلْتَصِق بِهِ مِنْ الْعَصَب ..عون المعبود - (ج 6 / ص 79)(2/16)
مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ(1))(2)( وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ(3)حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ(4)لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ , وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ(5))(6)"
( خ م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) قَالَ اِبْن بَطَّال : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْر وَاخْتَارَ الْقَتْل أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْد اللَّه مِمَّنْ اِخْتَارَ الرُّخْصَة ، وَأَمَّا غَيْر الْكُفْر فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْل الْخِنْزِير وَشُرْب الْخَمْر مَثَلًا فَالْفِعْل أَوْلَى ، وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة : بَلْ يَأْثَم إِنْ مُنِعَ مِنْ أَكْل غَيْرهَا , فَإِنَّهُ يَصِير كَالْمُضْطَرِّ عَلَى أَكْل الْمَيْتَة إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسه الْمَوْت فَلَمْ يَأْكُل . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 402)
(2) خ ) 3639
(3) أَيْ : أَمْر الدِّين . عون المعبود - (ج 6 / ص 79)
(4) بَيْن صنعاء وحَضْرَمَوْت مَسَافَة بَعِيدَة , نَحْو خَمْسَة أَيَّام . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 413)
(5) أَيْ : سَيَزُولُ عَذَاب الْمُشْرِكِينَ ، فَاصْبِرُوا عَلَى أَمْر الدِّين كَمَا صَبَرَ مَنْ سَبَقَكُمْ . عون المعبود - (ج 6 / ص 79)
(6) خ ) 6544 , ( د ) 2649(2/17)
" إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فلَا كِسْرَى بَعْدَهُ , وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ(1)"(2)
( م ) , وَعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :
__________
(1) قَالَ الشَّافِعِيّ وَسَائِر الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ لَا يَكُون كِسْرَى بِالْعِرَاقِ ، وَلَا قَيْصَر بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنه - صلى الله عليه وسلم - ، فَعَلَّمَنَا - صلى الله عليه وسلم - بِانْقِطَاعِ مُلْكهمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ ، فَكَانَ كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - , فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكه وَزَالَ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ جَمِيع الْأَرْض ، وَتَمَزَّقَ مُلْكه كُلّ مُمَزَّق ، وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - , وَأَمَّا قَيْصَر فَانْهَزَمَ مِنْ الشَّام وَدَخَلَ أَقَاصِي بِلَاده ، فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادهمَا وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْد ، وَأَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ كُنُوزهمَا فِي سَبِيل اللَّه كَمَا أَخْبَرَ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهَذِهِ مُعْجِزَات ظَاهِرَة . ( النووي - ج 9 / ص 304)
(2) خ ) 2952 , ( م ) 2918(2/18)
كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَجَاءَ حَبْرٌ(1)مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ , فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ(2)مِنْهَا , فَقَالَ : لِمَ تَدْفَعُنِي ؟ , فَقُلْتُ : أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اسْمِي الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي مُحَمَّدٌ " , فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ ؟ " قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ , " فَنَكَتَ(3)رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ مَعَهُ فَقَالَ : سَلْ " , فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ(4)" , فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً(5)؟ , قَالَ : " فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ " , فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : فَمَا تُحْفَتُهُمْ(6)
__________
(1) الحَبْر : العالم المتبحر في العلم .
(2) الصَّرْع : السقوط والوقوع .
(3) النَّكْت : قَرْعُ الأرض بعود أو بإصبع أو غير ذلك فتؤثر بطرفه فيها .
(4) الْمُرَاد بِهِ هُنَا الصِّرَاط . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 14)
(5) أَيْ : مَنْ أَوَّل النَّاس جَوَازًا وَعُبُورًا . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 14)
(6) التُّحْفَةُ : مَا يُهْدَى إِلَى الرَّجُل وَيُخَصّ بِهِ وَيُلَاطَف ، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَلَبِيّ : هِيَ طَرَف الْفَاكِهَة ..(2/19)
حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ , قَالَ :" زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ(1)" , قَالَ : فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا ؟ , قَالَ : " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا " , قَالَ : فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ ؟ " , قَالَ : " مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا(2)" ,
__________
(1) النُّون : الحوت , وَالزِّيَادَة وَالزَّائِدَة شَيْء وَاحِد ، وَهُوَ طَرَف الْكَبِد , وَهُوَ أَطْيَبهَا .شرح النووي - (ج 2 / ص 14)
(2) قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة وَالْمُفَسِّرِينَ : السَّلْسَبِيل اِسْم لِلْعَيْنِ , وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : هِيَ شَدِيدَة الْجَرْي , وَقِيلَ : هِيَ السِّلْسِلَة اللَّيِّنَة . شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 14)(2/20)
قَالَ : صَدَقْتَ , وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ ؟ " , قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ , جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ , وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ , فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ , أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ , وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ , آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ(1)" , فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : لَقَدْ صَدَقْتَ , وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ , ثُمَّ ذَهَبَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنْ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى أَتَانِيَ اللَّهُ بِهِ "(2)
( حم ) , وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ :
__________
(1) مَعْنَى الْأوَّل : كَانَ الْوَلَد ذَكَرًا , وَمَعْنَى الثَّانِي : كَانَ أُنْثَى . شرح النووي - (ج 2 / ص 14)
(2) م ) 315(2/21)
أَرَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ - رضي الله عنه - شَامَةً فِي قَرْنِهِ(1)- وَكَانَ ذَا جُمَّةٍ(2)- فَوَضَعْتُ إصْبَعِي عَلَيْهَا , فَقَالَ : " وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إصْبَعَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ : لَتَبْلُغَنَّ قَرْنًا(3)"(4)
شِفَاءُ الْمَرْضَى بِبَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( يع ) , عَنْ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ :
أُصِيبَتْ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ - رضي الله عنه - يَوْمَ بَدْرٍ , فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ(5)عَلَى وَجْنَتِهِ(6)فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " لَا ، فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ(7)حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ " ، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ .(8)
(
__________
(1) القرن : جانب الرأس .
(2) الجُمَّة : ما ترامى من شعر الرأس على المنكبين .
(3) وللحديث رواية أخرى عند ( ك ) وصححها الألباني في الصحيحة 2660 : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : " زَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزِلَنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - , قَالَ : وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ أَبِي وَأُمِّي فَهَيَّأْنَا لَهُ طَعَامًا ، " فَأَكَلَ وَدَعَا لَنَا بِدُعَاءٍ لَا أَحْفَظُهُ ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ : " يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا " قَالَ : فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ .
(4) حم ) 17725 , قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن .
(5) الحدقة : سواد مستدير وسط العين .
(6) الوجنة : أعلى الخد .
(7) الغمز : الضغط باليد .
(8) يع ) 1549 , وصححه الألباني في كتاب : بداية السول في تفضيل الرسول ص41(2/22)
خ د ) , وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ :
( رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ ؟ , فَقَالَ : هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ , فَقَالَ النَّاسُ : أُصِيبَ سَلَمَةُ )(1)( فَأُتِيَ بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( فَنَفَثَ فِيهَا(3)ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ(4) فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ )(5)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 4206
(2) د ) 3894
(3) أَيْ : فِي مَوْضِع الضَّرْبَة . عون المعبود - (ج 8 / ص 420)
(4) النَّفْث : فَوْقَ النَّفْخِ وَدُونَ التَّفْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ رِيقٍ بِخِلَافِ التَّفْل ، وَقَدْ يَكُونُ بِرِيقٍ خَفِيفٍ بِخِلَافِ النَّفْخِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 26)
(5) خ ) 4206(2/23)
كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ(1)بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ - رضي الله عنه - , فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي يَا مُحَمَّدُ ؟ )(2)( فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَبْشِرْ(3)" , فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيٌّ : قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ )(4)( " فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَعَلَى بِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ : إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا " , فَقُلْنَا : قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ , " فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ , فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ , وَمَجَّ فِيهِ(5)ثُمَّ قَالَ : اشْرَبَا مِنْهُ , وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا(6)وَأَبْشِرَا " , فَأَخَذْنَا الْقَدَحَ فَفَعَلْنَا مَا أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَنَادَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ ك مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ : أَنْ أَفْضِلَا(7)لِأُمِّكُمَا مِمَّا فِي إِنَائِكُمَا , فَأَفْضَلْنَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً(8)
__________
(1) الجِعرانة : بين مكة والطائف ، وهي إلى مكة أقرب , وقال الفاكهي: بينها وبين مكة بريد , وَهو اثْنَا عَشَرَ مِيلًا ، وقال الباجي : ثمانية عشر ميلا .
(2) م ) 2497 , ( خ ) 4073
(3) أَيْ : أَبْشِرْ بِقُرْبِ الْقِسْمَة ، أَوْ بِالثَّوَابِ الْجَزِيل عَلَى الصَّبْرِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 137)
(4) خ ) 4073
(5) مَجَّ : لَفَظَ الماء ونحوه من فمه , وطرحه وألقاه .
(6) النحر : موضع الذبح من الرقبة .
(7) أَيْ : أبْقِيَا .
(8) أَيْ : بَقِيَّة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 137)(2/24)
)(1).
( خ ) , وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ :
أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ - وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ - مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ(2)فَاطَّلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ(3)فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا(4).(5)
تَكْثِيرُ الطَّعَامِ بِبَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( خ م حم ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
(
__________
(1) م ) 2497 , ( خ ) 4073
(2) المِخضب : الإناء الذي يُغْسَل فيه , صغيرا كان أو كبيرا .
(3) الْجُلْجُل ) هُوَ الْجَرَس ، وَقَدْ تُنْزَع مِنْهُ الْحَصَاة الَّتِي تَتَحَرَّك فَيُوضَع فِيهِ مَا يُحْتَاج إِلَى صِيَانَته .فتح(ج16ص 488)
(4) وَالْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ مَنْ اِشْتَكَى أَرْسَلَ إِنَاءً إِلَى أُمّ سَلَمَة , فَتَجْعَل فِيهِ تِلْكَ الشَّعَرَات , وَتَغْسِلهَا فِيهِ , وَتُعِيدهُ فَيَشْرَبهُ صَاحِبُ الْإِنَاء أَوْ يَغْتَسِل بِهِ اِسْتِشْفَاء بِهَا , فَتَحْصُل لَهُ بَرَكَتهَا .فتح الباري لابن حجر(ج16ص 488)
(5) خ ) 5557(2/25)
لَبِثْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا(1)فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ(2)شَدِيدَةٌ , فَجَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَا نَازِلٌ )(3)( فَرُشُّوهَا بِالْمَاءِ " , فَرَشُّوهَا , " ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ , فَضَرَبَهَا ثَلَاثًا فَصَارَتْ كَثِيبًا أَهْيَلَ(4)فَحَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ , فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ شَدَّ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا )(5)( مِنْ الْجُوعِ " )(6)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ , فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : )(7)( رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا(8)شَدِيدًا , فَهَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ )(9)( قَالَتْ : عِنْدِي شَعِيرٌ(10)
__________
(1) أَيْ : لَا نَطْعَمُ شَيْئًا , أَوْ لَا نَقْدِر عَلَيْهِ .
(2) الكُدْيَة : هِيَ الْقِطْعَة الشَّدِيدَة الصُّلْبَةُ مِنْ الْأَرْضِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 434)
(3) خ ) 3875
(4) أَيْ : صَارَ رَمْلًا يَسِيلُ وَلَا يَتَمَاسَكُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَكَانَتْ الْجِبَال كَثِيبًا مَهِيلًا } , أَيْ : رَمْلًا سَائِلًا .( فتح )
(5) حم ) 14249 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( خ ) 3875
(6) حم ) 14258 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) خ ) 3875
(8) الخَمَصُ : الجوع .
(9) خ ) 3876 , ( م ) 2039
(10) قَوْله : ( عِنْدِي شَعِير ) بَيَّنَ يُونُس بْن بُكَيْر فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ صَاع , والصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب ,
وسعته أربعة أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين . ( فتح )(ج11ص 434)(2/26)
وَعَنَاقٌ(1)فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ , حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ(2)ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْعَجِينُ قَدْ انْكَسَرَ(3)وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ(4)قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ )(5)( فَسَارَرْتُهُ(6)فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ )(7)( طُعَيِّمٌ(8)لِي , فَقُمْ أَنْتَ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ , فَقَالَ : " كَمْ هُوَ ؟ " , فَذَكَرْتُ لَهُ , فَقَالَ : " كَثِيرٌ طَيِّبٌ , فَقُلْ لَهَا لَا تَنْزِعْ الْبُرْمَةَ وَلَا الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ(9)حَتَّى آتِيَ )(10)( ثُمَّ صَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ , إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا(11)فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ(12)
__________
(1) العَنَاق ) هِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْز , وقيل : الأنثى من أولاد المعز والضأن من حين الولادة إلى تمام حول .
(2) البُرمة : القِدر مطلقا , وهي في الأصل المتخذة من الحجارة .
(3) أَيْ : لَانَ وَرَطِبَ , وَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْخَمِيرُ . ( فتح )(ج11ص 434)
(4) الْأَثَافِيّ ) : الْحِجَارَةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَيْهَا الْقِدْرُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ . ( فتح )(ج11ص 434)
(5) خ ) 3875
(6) أي : كلَّمته سِرَّا .
(7) خ ) 3876 , ( م ) 2039
(8) تصغير طعام .
(9) التنور : المَوْقِدُ .
(10) خ ) 3875
(11) السؤر : كلمة فارسية , ومعناها الطعام الذي يُدْعَى إليه الناسُ .
(12) حَيْ هَلًا بِكُمْ ) : كَلِمَة اِسْتِدْعَاء فِيهَا حَثّ ، أَيْ هَلُمُّوا مُسْرِعِينَ ..(2/27)
")(1)( قَالَ : فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ , فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِي قُلْتُ : وَيْحَكِ , جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ )(2)( فَقَالَتْ : بِكَ وَبِكَ(3)فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ , وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ النَّاسَ )(4)( فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : " ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا(5)فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي , فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ , وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ(6)إِذَا أَخَذَ مِنْهُ , وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ , فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ )(7)( - وَهُمْ أَلْفٌ(8) - فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا )(9)( حَتَّى شَبِعُوا )(10)( فَتَرَكُوهُ , وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ(11)كَمَا هِيَ , وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ )(12)( فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كُلُوا هَذَا وَأَهْدُوا(13)
__________
(1) خ ) 3876 , ( م ) 2039
(2) خ ) 3875
(3) أي أنها عاتبته على عدم تبيينه للنبي - صلى الله عليه وسلم - قلة الطعام , وأنه لَا يكفي لكل هؤلاء الناس .
(4) خ ) 3876 , ( م ) 2039
(5) أَيْ : لَا تَزْدَحِمُوا .
(6) أَيْ : يُغَطِّيهَا .
(7) خ ) 3875
(8) أَيْ : الَّذِينَ أَكَلُوا .
(9) خ ) 3876 , ( م ) 2039
(10) خ ) 3875
(11) أَيْ : تَغْلِي وَتَفُورُ .
(12) خ ) 3876 , ( م ) 2039
(13) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ : " فَأَكَلْنَا نَحْنُ وَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا " ..فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 434)(2/28)
فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ )(1)"
( خ م حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا " فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ عَلَى حَجَرٍ " ، فَقُلْتُ : لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ لِمَ عَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَطْنَهُ ؟ ، فَقَالُوا : مِنْ الْجُوعِ ، فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - فَقُلْتُ : يَا أَبَتَاهُ(2)قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا : مِنْ الْجُوعِ ، فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ : )(3)( هَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ ؟ ، قَالَتْ : نَعَمْ )(4)( عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ ، وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ )(5)فَعَمَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً(6)وَعَصَرَتْ عُكَّةً(7)
__________
(1) خ ) 3875
(2) أنظر كيف قال له ( يا أبتاه ) , مع أن أبا طلحة ليس أبا أنس بن مالك , وإنما هُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ , أم أنس بن مالك .ع
(3) م ) 2040
(4) خ ) 3385
(5) م ) 2040
(6) الخَطِيفَة : هِيَ الْعَصِيدَة وَزْنًا وَمَعْنًى , وَقِيلَ : أَصْله أَنْ يُؤْخَذ لَبَن وَيُذَرُّ عَلَيْهِ دَقِيقٌ وَيُطْبَخ , وَيَلْعَقهَا النَّاس فَيَخْطَفُونَهَا بِالْأَصَابِعِ وَالْمَلَاعِق , فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ الْخَطِيفَة ( فتح ) - (ج 15 / ص 363)
(7) العُكَّة : وعاء مستدير من الجلد ، يُحفظ فيه السمن والعسل ..(2/29)
عِنْدَهَا(1)ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ , فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ )(2)( " فَنَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَاسْتَحْيَيْتُ )(3)( فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَأَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ ؟ " ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " لِطَعَامٍ ؟ " ، قُلْتُ : نَعَمْ ، " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ مَعَهُ : قُومُوا " , " فَانْطَلَقَ " وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )(4)( حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : يَا أُمَّ سُلَيْمٍ , قَدْ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ ، فَقَالَتْ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ )(5)( فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ )(6)( حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(7)( فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ )(8)( يَسِيرٌ )(9)( صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ )(10)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا عَلَيْكَ , انْطَلِقْ )(11)(
__________
(1) خ ) 5135
(2) خ ) 5066
(3) م ) 2040
(4) خ ) 412
(5) خ ) 3385
(6) حم ) 12513 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(7) خ ) 3385
(8) خ ) 5135
(9) م ) 2040
(10) خ ) 5135
(11) مي ) 43 , وقال حسين سليم أسد : إسناده صحيح ..(2/30)
فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ " )(1)( قَالَ أَنَسٌ : " فَانْطَلَقَ " وَانْطَلَقَ الْقَوْمُ ، فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا مُنْدَهشٌ لِمَنْ أَقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)(
__________
(1) م ) 2040
(2) حم ) 13571 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : حديث صحيح ..(2/31)
" فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ )(1)( حَتَّى دَخَلَا )(2)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ " , فَأَتَتْ بِذَلِكَ الطَّعَامِ )(3)( " فَمَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَة )(4)( فَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ )(5)( ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ )(6)( مِنْ أَصْحَابِي " )(7)( فَأَذِنَ لَهُمْ )(8)( فَقَالَ : " كُلُوا وَسَمُّوا اللَّهَ " )(9)( فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا )(10)( " ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ كَمَا صَنَعَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَسَمَّى عَلَيْهِ )(11)( ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ " , فَأَذِنَ لَهُمْ )(12)( فَقَالَ : " كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ " )(13)( فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا , ثُمَّ قَالَ : " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ " )(14)( فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ )(15)( وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا )(16)( ثُمَّ هَيَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (17)
__________
(1) خ ) 3385
(2) خ ) 5066
(3) خ ) 3385
(4) م ) 2040
(5) حم ) 13571
(6) خ ) 3385
(7) م ) 2040
(8) خ ) 3385
(9) م ) 2040
(10) خ ) 3385
(11) مي ) 43
(12) خ ) 3385
(13) مي ) 43
(14) خ ) 3385
(15) م ) 2040
(16) خ ) 3385
(17) فيه دليل على سنية تهييء الطعام بعد الأكل عند المُضيف ..ع(2/32)
فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا ، فَقَالَ دُونَكُمْ هَذَا , ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - " وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ )(1)( " فَدَفَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ : كُلِي وَأَطْعِمِي جِيرَانَكِ )(2)( ثُمَّ قَامَ " , قَالَ أَنَسٌ : فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ؟ )(3).
( خ حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
(
__________
(1) م ) 2040
(2) حم ) 13571 , ( م ) 2040
(3) خ ) 5135(2/33)
قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ , فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ(1)فِي حُقُوقِهِمْ )(2)( وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ وَكَانَ يُسْلِفُنِي(3)فِي تَمْرِي إِلَى الْجِدَادِ(4)وَكَانَتْ لِيَ الْأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ , فَجَلَسَتْ عَامًا(5)فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ عِنْدَ الْجِدَادِ وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا , فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ(6)إِلَى قَابِلٍ(7)فَيَأْبَى )(8)( فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا )(9)( كَثِيرًا )(10)( وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ , وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ , فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ )(11)( فَقَالَ : " نَعَمْ , آتِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ , فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ حَوَارِيُّهُ(12)
__________
(1) الغريم : الذي له الدَّيْن والذي عليه الدين جميعا .
(2) خ ) 2265
(3) أَيْ : يُقرِضني ويُعطيني سلفا .
(4) أَيْ : زَمَن قَطْع ثَمَر النَّخْل وَهُوَ الصِّرَام .
(5) أَيْ : تَأَخَّرَتْ الْأَرْض عَنْ الْإِثْمَار , فَتَأَخَّرْت عَنْ الْقَضَاء .
(6) أَيْ : أَسْتَمْهِلهُ .
(7) أَيْ : إِلَى عَام ثَانٍ .
(8) خ ) 5128
(9) خ ) 3387
(10) خ ) 2629
(11) خ ) 3387
(12) هو الزبير بن العوام - رضي الله عنه - ..(2/34)
ثُمَّ اسْتَأْذَنَ وَدَخَلَ " , فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَنِي الْيَوْمَ وَسَطَ النَّهَارِ , فلَا أَرَيْتُكِ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي بِشَيْءٍ وَلَا تُكَلِّمِيهِ , " فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَفَرَشَتْ لَهُ فِرَاشًا وَوِسَادَةً , فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ " , فَقُلْتُ لِمَوْلًى لِيَ : اذْبَحْ هَذِهِ الْعَنَاقَ - وَهِيَ دَاجِنٌ(1)سَمِينَةٌ - وَالْوَحَا(2)وَالْعَجَلَ , افْرُغْ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَعَكَ , فَلَمْ نَزَلْ فِيهَا حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا وَهُوَ نَائِمٌ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَيْقَظَ يَدْعُو بِالطَّهُورِ , وَإِنِّي أَخَافُ إِذَا فَرَغَ أَنْ يَقُومَ , فلَا يَفْرَغَنَّ مِنْ وُضُوئِهِ حَتَّى تَضَعَ الْعَنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ , " فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : يَا جَابِرُ ائْتِنِي بِطَهُورٍ , فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ طُهُورِهِ حَتَّى وَضَعْتُ الْعَنَاقَ عِنْدَهُ , فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ : كَأَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ حُبَّنَا لِلَّحْمِ , ادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ , فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ وَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ , كُلُوا , فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا , وَفَضَلَ مِنْهَا لَحْمٌ كَثِيرٌ , فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَقَامَ أَصْحَابُهُ فَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ , - وَكَانَ يَقُولُ : خَلُّوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ - " , وَاتَّبَعْتُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا أُسْكُفَّةَ الْبَابِ(3)
__________
(1) الدَّاجِن : الشَّاة الَّتِي تَأْلَف الْبُيُوت .
(2) الوحا : السرعة .
(3) أَيْ : عتبة الباب ..(2/35)
فَأَخْرَجَتْ امْرَأَتِي صَدْرَهَا - وَكَانَتْ مُسْتَتِرَةً بِسَقِيفٍ(1)فِي الْبَيْتِ - فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ )(2)( فَقَالَ : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ(3)
__________
(1) السَّقِيفَة : هِيَ الْمَكَانُ الْمُظَلَّلُ , كَالسَّابَاطِ أَوْ الْحَانُوتِ بِجَانِبِ الدَّارِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 382)
(2) حم ) 15316 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(3) رَوَى اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) قَالَ : اُدْعُ لَهُمْ .
(
فتح ) - (ج 5 / ص 124)(2/36)
)(1)( ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي فُلَانًا - لِغَرِيمِيَ الْيَهُودِيَّ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيَّ فِي الطَّلَبِ - " , فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيْسِرْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ طَائِفَةً مِنْ دَيْنِكَ الَّذِي عَلَى أَبِيهِ إِلَى هَذَا الصِّرَامِ الْمُقْبِلِ " , قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ وَاعْتَلَّ(2)قَالَ : " إِنَّمَا هُوَ مَالُ يَتَامَى " )(3)( قَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَا أُنْظِرُهُ , " فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ " فَأَبَى )(4)( " فَلَمْ يُعْطِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَائِطِي وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ )(5)( وَقَالَ لِي : اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا , الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ , وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ , ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ " , فَفَعَلْتُ ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , " فَجَاءَ )(6)( فَأَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ )(7)( كِلْ لِلْقَوْمِ " , فَكِلْتُهُمْ )(8)( حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ - وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ - فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ(9)
__________
(1) حم ) 14284 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( د ) 1533
(2) أَيْ : تَعَذَّرَ بأنه لا يستطيع أن يُنظر جابرا لأنه بحاجة إلى هذا المال لأمور أخرى .
(3) حم ) 15316
(4) خ ) 5128
(5) خ ) 2461
(6) خ ) 2020
(7) خ ) 2629
(8) خ ) 2020
(9) الْبَيْدَر لِلتَّمْرِ كَالْجُرْنِ لِلْحَبِّ ..(2/37)
كُلَّهَا , وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً )(1)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيْنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ؟ " , فَجَاءَ يُهَرْوِلُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَلْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ غَرِيمِهِ وَتَمْرِهِ " , فَقَالَ : مَا أَنَا بِسَائِلِهِ , قَدْ عَلِمْتُ إِنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُوَفِّيهِ إِذْ أَخْبَرْتَ إِنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُوَفِّيهِ " , فَكَرَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " , كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ : مَا أَنَا بِسَائِلِهِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُرَاجِعُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ " , فَقَالَ عُمَرُ : يَا جَابِرُ , مَا فَعَلَ غَرِيمُكَ وَتَمْرُكَ ؟ , فَقُلْتُ : وَفَّاهُ اللَّهُ - عز وجل - , وَفَضَلَ لَنَا مِنْ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا , ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ : أَلَمْ أَكُنْ نَهَيْتُكِ أَنْ تُكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ , قَالَتْ : أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ - عز وجل - يَدْخُلُ بَيْتِي ثُمَّ يَخْرُجُ وَلَا أَسْأَلُهُ الصَلَاةَ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ؟ )(2).
( حم ) , وَعَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمُزَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 2629 , ( س ) 3636
(2) حم ) 15316 , 14284 ( خ ) 2266(2/38)
أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ رَاكِبًا نَسْأَلُهُ الطَّعَامَ )(1)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ - رضي الله عنه - : " قُمْ فَأَعْطِهِمْ " )(2)( فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا بَقِيَ إِلَّا آصُعٌ(3)مِنْ تَمْرٍ مَا أَرَى أَنْ يَقِيظَنِي(4))(5)( وَالصِّبْيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ : " قُمْ فَأَعْطِهِمْ " , فَقَالَ عُمَرُ : سَمْعًا وَطَاعَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ دُكَيْنٌ : فَقَامَ عُمَرُ وَقُمْنَا مَعَهُ , فَصَعِدَ بِنَا إِلَى غُرْفَةٍ لَهُ , فَأَخْرَجَ الْمِفْتَاحَ مِنْ حُجْزَتِهِ(6)فَفَتَحَ الْبَابَ , فَإِذَا فِي الْغُرْفَةِ مِنْ التَّمْرِ شِبْهُ الْفَصِيلِ(7)الرَّابِضِ(8)فَقَالَ : شَأْنَكُمْ(9))(10)( فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا مَا أَحَبَّ , ثُمَّ الْتَفَتُّ وَكُنْتُ مِنْ آخِرِ الْقَوْمِ , وَكَأَنَّا لَمْ نَرْزَأْ(11)مِنْهُ تَمْرَةً )(12).(13)
(
__________
(1) حم ) 17613 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(2) حم ) 17612 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( د ) 5238
(3) الصاع مكيال يسع أربعة أمداد , والمُدُّ قدر ملء الكفين .
(4) أَيْ : يكفيني مدة القيظ والحر , وَالْقَيْظُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ .
(5) حم ) 17613
(6) الْحُجْزَة : مَعْقِدُ الْإِزَارِ , وَمِنْ السَّرَاوِيلِ مَوْضِعُ التِّكَّةِ . عون المعبود - (ج 11 / ص 276)
(7) الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه .
(8) ربض : برك
(9) شأنك بالشيء , أَيْ : خذه وافعل ما تراه به .
(10) حم ) 17612
(11) رَزَأَ : أنقص .
(12) حم ) 17613
(13) صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن : 1801(2/39)
خ م ) , وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثِينَ وَمِائَةً , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ ؟ " فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ , فَعُجِنَ , ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَبَيْعٌ أَمْ هِبَةٌ ؟ " , فَقَالَ : لَا بَلْ بَيْعٌ , " فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ , وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوَادِ الْبَطْنِ(1)أَنْ يُشْوَى , قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : وَايْمُ اللَّهِ(2)مَا مِنْ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ إِلَّا حَزَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُزَّةً حُزَّةً(3)مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا , إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ , وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَ لَهُ , وَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ(4)" , فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ . (5)
( حم ) , وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) سَوَاد اَلْبَطْن ) هُوَ اَلْكَبِدُ , أَوْ كُلّ مَا فِي اَلْبَطْنِ مِنْ كَبِدٍ وَغَيْرِهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 113)
(2) وَاَيْمُ اَللَّه ) هُوَ قَسَمٌ , وَيُقَالُ بِالْهَمْزِ وَبِالْوَصْلِ وَغَيْر ذَلِكَ . ( فتح ) - (ج 8 / ص 113)
(3) الْحُزَّة بِضَمِّ الْحَاء : هِيَ الْقِطْعَة مِنْ اللَّحْم وَغَيْره .
(4) القصعة : وعاء يُؤكَل ويُثْرَدُ فيه , وكان يتخذ من الخشب غالبا .
(5) خ ) 5382 , ( م ) 2056(2/40)
أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ(1)فَتَعَاقَبُوهَا مِنْ غُدْوَةٍ(2)إِلَى الظُّهْرِ , يَقُومُ نَاسٌ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ(3)؟ , قَالَ : فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ ؟ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ - .(4)
( الشمائل حم مي ) عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :
( طَبَخْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِدْرًا فِيهِ لَحْمٌ )(5)( - وَكَانَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ – )(6)( فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " , فَنَاوَلْتُهُ , ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " ، فَنَاوَلْتُهُ , ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " )(7)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ ؟ )(8)( فقال : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي أَذْرُعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ )(9)"(10)
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) الثَّريد : الطعام الذي يُصنع بخلط اللحم والخبز المُفَتَّت مع المرق , وأحيانا يكون من غير اللحم .
(2) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار .
(3) أَيْ : تُزاد من الطعام .
(4) ت ) 3625 , ( حب ) 6529 , و( حم ) 20209 , وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن : 1799 ، وقال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين
(5) حم ) 16010
(6) مختصر الشمائل : 143 , ( حم ) 23910
(7) حم ) 23910 , ( حب ) 6484
(8) حم ) 10717
(9) مي ) 44
(10) صححه الألباني في مختصر الشمائل : 143 ، وصحيح موارد الظمآن : 1803(2/41)
كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ , " فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - )(1)( وَقَدْ فَرَّا مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ : يَا غُلَامُ , هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا ؟ " )(2)( فَقُلْتُ : نَعَمْ , وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ )(3)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ(4)؟ " , قُلْتُ نَعَمْ فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا , " فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسَحَ الضَّرْعَ وَدَعَا , فَحَفَلَ الضَّرْعُ(5))(6)( فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ , فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ شَرِبْتُ , ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ : اقْلِصْ(7)فَقَلَصَ " , قَالَ : ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ , عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ , " فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسِي )(8)( وَقَالَ : إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ " , قَالَ : فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ )(9).(10)
__________
(1) حم ) 3598 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن .
(2) حم ) 4412 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) حم ) 3598
(4) أي : حُمِلَ عليها للنَّسْل , يقال : نَزَوْتُ على الشيء إذا وثَبْتَ عليه , وقد يكون في الأجسام والمعاني . النهاية في غريب الأثر - (ج 5 / ص 106)
(5) أَيْ : اجتمع لبنُه وكَثُرَ .
(6) حم ) 4412
(7) أَيْ : انضم وانقبض .
(8) حم ) 3598
(9) حم ) 4412 , 3599 , ( حب ) 6504
(10) صححه الألباني في صحيح السيرة : 124 ، وصحيح موارد الظمآن : 1804(2/42)
خُرُوجُ يَنَابِيعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( حم ) , عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ , فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ مَجَّ(1)فِي الْبِئْرِ , فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ "(2)
( خ م حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
(
__________
(1) مَج : لَفَظَ الماء ونحوه من فمه وطرحه وألقاه .
(2) حم ) 18858 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .(2/43)
حَضَرَتْ الْعَصْرُ(1))(2)( يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ )(3)( وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ )(4)( فَجَهَشَ(5)النَّاسُ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(6)( فَقَالَ : " مَا لَكُمْ ؟ " , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ )(7)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ مَاءٍ ؟ " , فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ(8)فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ , " فَصَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَدَحٍ(9)وَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ " , قَالَ جَابِرٌ : فَوَالَّذِي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي , " لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيُونَ عُيُونَ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ")(10)( فَتَوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا )(11)( أَجْمَعُونَ )(12)( فَقُلْتُ لِجَابِرٍ(13):
__________
(1) أَيْ : وَقْت صَلَاتهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 125)
(2) خ ) 5316
(3) خ ) 3383
(4) خ ) 5316
(5) الجَهْش : أن يَفْزَع الإِنسان إلى الإنسان وَيَلْجأ إليه .
(6) خ ) 3383
(7) خ ) 3921
(8) الإداوة : إناء صغير من جلد يُحْمَل فيه الماء وغيره .
(9) القَدَحُ : من الآنية معروف , قال أبو عبيد: يروي الرجلين .
(10) حم ) 14147 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( خ ) 3383
(11) خ ) 5316
(12) حم ) 14147
(13) الْقَائِل هُوَ : سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد رَاوِيه عَنْهُ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 125)(2/44)
كَمْ كُنْتُمْ ؟ , قَالَ : لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا , كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً )(1)( كُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ(2)( قَالَ : ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَقَالُوا : هَلْ مِنْ طَهُورٍ ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَرَغَ الْوَضُوءُ )(3)"
( خ م س حم ) , وَعَنْ ثَابِتٍ البُنِانِيِّ قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 3921
(2) خ ) 5316
(3) م ) 1729(2/45)
قُلْتُ لِأَنَسٍ - رضي الله عنه - : يَا أَبَا حَمْزَةَ ، حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعَاجِيبِ شَهِدْتَهُ لَا تُحَدِّثُهُ عَنْ غَيْرِكَ قَالَ : " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الظُّهْرِ يَوْمًا ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَعَدَ عَلَى الْمَقَاعِدِ(1) الَّتِي كَانَ يَأْتِيهِ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ )(2)( فَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ )(3)( فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنْ الْمَسْجِدِ )(4)( لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ )(5)( وَيَتَوَضَّأُ )(6)( وَبَقِيَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ لَهُمْ أَهَالِي بِالْمَدِينَةِ )(7)( فَالْتَمَسُوا الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ )(8)( فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ - وَرَأَى فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ – )(9)(
__________
(1) الْمَقَاعِد ) : مَوْضِع بِقُرْبِ الْمَسْجِد اُتُّخِذَ لِلْقُعُودِ فِيهِ لِلْحَوَائِجِ وَالْوُضُوء .حاشية السندي على ابن ماجه(ج1ص264)
(2) حم ) 12435 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) خ ) 3380 , ( م ) 2279
(4) خ ) 3382
(5) حم ) 12750 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) خ ) 3382
(7) حم ) 12435
(8) خ ) 167 , ( م ) 2279
(9) حم ) 13289 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح ..(2/46)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ ؟ )(1)( فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ )(2)( لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ ، أَوْ قَدْرَ مَا يُوَارِي أَصَابِعَهُ )(3)( فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ(4)أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ , فَضَمَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَع فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ )(5)( وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ )(6)( فَقَال : ادْنُوا )(7)( تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ )(8)( حَيَّ عَلَى الْوُضُوءِ , وَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ )(9)( قَالَ : فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ )(10)( يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ(11)" ( فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ )(12)( وَيَدُهُ فِي الْآنَاءِ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنْ الْوَضُوءِ )(13)( مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ )(14)( وَبَقِيَ فِي الْمِخْضَبِ نَحْوُ مَا كَانَ فِيهِ )(15)( قَالَ أَنَسٌ : فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ )(16).
تَسْبِيحُ الْحَصَى بَيْنَ يَدَيْهِ - صلى الله عليه وسلم -
( صم ) , عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) س ) 78
(2) خ ) 3382
(3) م ) 2279
(4) المِخضب : الإناء الذي يُغْسَل فيه , صغيرا كان أو كبيرا .
(5) خ ) 3382
(6) خ ) 3380
(7) حم ) 12435
(8) س ) 78
(9) حم ) 12817 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(10) خ ) 3380 , ( ت ) 3631
(11) خ ) 197 , ( م ) 2279
(12) خ ) 3379
(13) خ ) 3381
(14) خ ) 167
(15) حم ) 13620 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(16) خ ) 197(2/47)
انْطَلَقْتُ أَلْتَمِسُ(1)رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ حَوَائِطِ(2)الْمَدِينَةِ ، " فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ " , فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ فَسَلَّمْتْ - قَالَ أَبُو ذَرٍّ : وَحَصَيَاتٌ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَأَخَذَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَسَكَتْنَ , ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَسَكَتْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ،
ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَسَكَتْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - فَسَبَّحْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَسَكَتْنَ "(3)
تَسْلِيمُ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم -
( ت ) , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ ، فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا ، فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ "(4)
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : أطلب .
(2) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار .
(3) صححه الألباني في ظلال الجنة : 1146
(4) ت ) 3626 , انظر الصَّحِيحَة : 2670(2/48)
" إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ(1)قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ , إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ(2)"(3)
مَعْرِفَةُ الْمَخْلُوقَاتِ بِنُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( حم ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : يَقُولُ : ( السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ) كَمَا فِي رِوَايَةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 32)
(2) فِيهِ مُعْجِزَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي هَذَا إِثْبَات التَّمْيِيز فِي بَعْض الْجَمَادَات ، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَة : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } وَقَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } وَفِي هَذِهِ الْآيَة خِلَاف مَشْهُور ، وَالصَّحِيح أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَة ، وَيَجْعَلُ اللَّه تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسَبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَمِنْهُ الْحَجَر الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَلَام الذِّرَاع الْمَسْمُومَة ، وَمَشْي إِحْدَى الشَّجَرَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى حِين دَعَاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَشْبَاه ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 472)
(3) م ) 2277 , ( ت ) 3624(2/49)
أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ , حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ إِذَا فِيهِ جَمَلٌ , لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , " فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ , فَدَعَا الْبَعِيرَ " فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ(1)إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَاتُوا خِطَامًا(2)فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ , ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى النَّاسِ فَقَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ , إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ )(3)إِلَّا كَفَرَةُ الْجِنِّ وَالْأَنْسِ(4)"
حَنِينُ الْجِذْعِ إلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم -
( خ س جة حم ) , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) المِشْفَر : الشَّفَة الغليظة .
(2) الخِطام : كل ما وُضِعَ على أنف البعير ليُقتادَ به .
(3) حم ) 14372 , ( مي ) 18 , انظر صَحِيحَ الْجَامِع : 2409 , والصَّحِيحَة : 3311
(4) طب ) 18524(2/50)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِلَى جِذْعِ )(1)( نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ )(2)( إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا ، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ " ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : )(3)( يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا )(4)( تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ ، فَهِيَ الَّتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ وَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، " فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقُومَ إِلَى الْمِنْبَرِ )(5)( يَوْمَ الْجُمُعَةِ )(6)( مَرَّ إِلَى الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْجِذْعَ )(7)( سَمِعْنَا الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ(8)
__________
(1) جة ) 1414
(2) س ) 1396
(3) جة ) 1414 , ( خ ) 3392
(4) خ ) 3391
(5) جة ) 1414
(6) خ ) 1989
(7) جة ) 1414
(8) الوالِه : المرأة إذا مات لها ولد , وكل أُنثى فارقت ولدها فهي والِهٌ ..لسان العرب - (ج 13 / ص 561)(2/51)
)(1)( حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِنْبَرِ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ )(2)( فَأَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ(3))(4)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنْ الذِّكْرِ )(5)( وَلَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(6)( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَيْهِ " ، قَالَ أُبَيٌّ : فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ , أَخَذْتُ ذَلِكَ الْجِذْعَ ، فَكَانَ عِنْدِي فِي بَيْتِي حَتَّى بَلِيَ(7)فَأَكَلَتْهُ الَأَرَضَةُ(8)وَعَادَ رُفَاتًا(9))(10).
اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( خ جة حم ) , عَنْ ابْنِ عُمَرَ بقَالَ :
(
__________
(1) خ ) 876
(2) جة ) 1414 , ( خ ) 1989
(3) كَانَ الْحَسَنُ البصري إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى ثُمَّ قَالَ : " يَا عِبَادَ اللَّهِ ، الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ .
(4) خ ) 1989
(5) حم ) 14244 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(6) حم ) 2236 , ( جة ) 1415 , ( خ ) 1989
(7) أَيْ : سَمِعَ أَيْ صَارَ عَتِيقًا .
(8) الْأَرَضَة ) : دُوَيْبَّة صَغِيرَة تَأْكُل الْخَشَب وَغَيْره .
(9) الرُّفَات : مَا يُكَسَّر وَيُفَرَّق , أَيْ : صَارَ فُتَاتًا .
(10) جة ) 1414 , ( حم ) 21289(2/52)
رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي )(1)( عَلَى الْمِنْبَرِ )(2)( فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ(3)كُلُّ مِيزَابٍ(4): وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ(5)الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ(6))(7)
( ت حم حب ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 963
(2) جة ) 1272
(3) يُقَال : جَاشَ الْوَادِي إِذَا زَخَرَ بِالْمَاءِ ، وَجَاشَتْ الْقِدْر إِذَا غَلَتْ ، وَهُوَ كِنَايَة عَنْ كَثْرَة الْمَطَر .( فتح )(ج3ص 442)
(4) المِيزَاب : مَا يَسِيل مِنْهُ الْمَاء مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ . ( فتح )(ج3ص 442)
(5) الثِّمَال : هُوَ الْعِمَاد وَالْمَلْجَأ وَالْمُطْعِم وَالْمُغِيث وَالْمُعِين وَالْكَافِي ، قَدْ أُطْلِقَ عَلَى كُلّ مِنْ ذَلِكَ .( فتح )(ج3ص 442)
(6) أَيْ : يَمْنَعهُمْ مِمَّا يَضُرّهُمْ , وَهَذَا الْبَيْت مِنْ أَبْيَات فِي قَصِيدَة لِأَبِي طَالِب ذَكَرَهَا اِبْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة بِطُولِهَا ، وَهِيَ أَكْثَر مِنْ ثَمَانِينَ بَيْتًا ، قَالَهَا لَمَّا تَمَالَأَتْ قُرَيْشٌ عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - , وَنَفَّرُوا عَنْهُ مَنْ يُرِيد الْإِسْلَام .( فتح )(ج3ص442)
(7) خ ) 963(2/53)
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمَرَاتٍ قَدْ صَفَفْتُهُنَّ فِي يَدَيَّ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ ")(1)( فَضَمَّهُنَّ ثُمَّ دَعَا لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ فَقَالَ خُذْهُنَّ وَاجْعَلْهُنَّ فِي هَذَا الْمِزْوَدِ(2)كُلَّمَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَدْخِلْ فِيهِ يَدَكَ فَخُذْهُ وَلَا تَنْثُرْهُ نَثْرًا " , قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا(3)فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكُنَّا نَأْكُلُ مِنْهُ وَنُطْعِمُ ، وَكَانَ لَا يُفَارِقُ حِقْوِي(4))(5)( فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - انْقَطَعَ عَنْ حِقْوِي فَسَقَطَ )(6)( فَأَصَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ حِينَ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ )(7).
( حم حب ) , وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حب ) 6532 , انظر الصَّحِيحَة : 2936 ، صحيح موارد الظمآن : 1800
(2) المِزْوَد : مَا يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ مِنْ الْجِرَابِ وَغَيْرِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 271)
(3) الوَسْق : مكيال مقداره ستون صاعا , والصاع أربعة أمداد ، والمُدُّ مقدار ما يملأ الكفين .
(4) أَيْ : وَسَطِي ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَوْضِعُ شَدِّ الْإِزَارِ . تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 271)
(5) ت ) 3839
(6) حم ) 8613 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن .
(7) حم ) 8282 , وقال الشيخ الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم(2/54)
" ( اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " ، فَأَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَفِيهِ شَعْرَةٌ , فَرَفَعْتُهَا ثُمَّ نَاوَلْتُهُ )(1)( " فَنَظَرَ إِلَيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ " )(2)( قَالَ عُثْمَانُ بْنُ نُهَيْكٍ : فَرَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ وَمَا فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ )(3)( وَلَقَدْ كَانَ رَجُلًا جَمِيلًا حَسَنَ السَّمْتِ حَتَّى مَاتَ )(4).
إسْرَاعُ الْخَيْلِ بِبَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( خ م حم ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 22934 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(2) حب ) 7172 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1931
(3) حم ) 22934 , ( ت ) 3629
(4) حم ) 22936 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح .(2/55)
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ " , وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ(1)فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، " فَاسْتَقْبَلَهُمُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ )(2)( وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَهُوَ يَقُولُ : لَمْ تُرَاعُوا(3)لَمْ تُرَاعُوا )(4)( مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ – )(5)( وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - )(6)( اسْتَعَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يُقَالُ لَهُ : الْمَنْدُوبُ(7))(8)( عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ )(9)( وكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ(10))(11)( فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(12)( قَالَ : إِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا(13)" )(14)( فَمَا سُبِقَ(15)
__________
(1) أَيْ : خَافُوا مِنْ عَدُوٍّ . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 126)
(2) خ ) 5686 , ( م ) 2307
(3) أَيْ : رَوْعًا مُسْتَقِرًّا أَوْ رَوْعًا يَضُرُّكُمْ . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 12)
(4) خ ) 2751
(5) خ ) 2707
(6) خ ) 5686
(7) قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ اَلنَّدْبِ , وَهُوَ اَلرَّهْنُ عِنْدَ اَلسِّبَاقِ , وَقِيلَ : لِنَدْبٍ كَانَ فِي جِسْمِهِ وَهُوَ أَثَرُ اَلْجُرْحِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 126)
(8) خ ) 2484
(9) خ ) 5686 , ( م ) 2307
(10) أَيْ : يُعْرَف بِالْبُطْءِ ، وَالْعَجْز ، وَسُوء السَّيْر . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 12)
(11) م ) 2307
(12) حم ) 12516 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(13) أيْ : وَاسِع الْجَرْي . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 12)
(14) خ ) 2707 , ( م ) 2307
(15) أي الفرس ..(2/56)
بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ(1))(2).
حِمَايَةُ اللَّهِ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَذَى الْخَلْق
قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(3)
( خ م حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
(
__________
(1) فِيهِ جَوَاز الْعَارِيَة ، وَجَوَاز الْغَزْو عَلَى الْفَرَس الْمُسْتَعَار لِذَلِكَ , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَقَلُّد السَّيْف فِي الْعُنُق . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 12)
(2) خ ) 2807 , ( جة ) 2772
(3) المائدة/67](2/57)
غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةً )(1)( قِبَلَ نَجْدٍ , فَلَمَّا قَفَلَ(2)رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلْنَا مَعَهُ , فَأَدْرَكَتْنَا الْقَائِلَةُ(3)فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ(4)"فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ " وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ , وَنِمْنَا نَوْمَةً )(5)( فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ - وَسَيْفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ – )(6)( فَأَخَذَ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاخْتَرَطَهُ(7)ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَخَافُنِي ؟ , قَالَ : " لَا " , قَالَ : فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ , قَالَ : " اللَّهُ - عز وجل - " )(8)( فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ , " فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ(9)مِنِّي ؟ " , قَالَ : كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ(10)فَقَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ " , قَالَ : لَا , وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ , وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ )(11)(
__________
(1) خ ) 3908
(2) أَيْ : عاد ورجع .
(3) أَيْ : النوم بعد الظهيرة .
(4) الْعِضَاه ) : كُلّ شَجَر يَعْظُم لَهُ شَوْك ، وَقِيلَ هُوَ الْعَظِيم مِنْ السَّمُر مُطْلَقًا .
(5) خ ) 2753
(6) خ ) 3906
(7) أَيْ : سَلَّهُ .
(8) حم ) 14970 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح , ( خ ) 3906 , ( م ) 843
(9) أَيْ : يحميك وينصرك .
(10) أي : خير آسر , والأخِيذُ : الأسِيرُ . النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 52)
(11) حم ) 14971 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح ..(2/58)
قَالَ جَابِرٌ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ نِيَامٌ " إِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا " , فَجِئْنَاهُ , فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ )(1)( قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ , فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ صَلْتًا(2)" , فَقَالَ لِي : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ , فَقُلْتُ : اللَّهُ )(3)( فَخَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبِيلَهُ )(4)( وَلَمْ يُعَاقِبْهُ " )(5)( فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ )(6).(7)
طَيُّ الْأَرْضِ لَهُ - صلى الله عليه وسلم -
( ت حم حب ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
" مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، كَأَنَّمَا تُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا(8)وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ(9)"(10)
( حم ) ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 3908
(2) أَيْ : مُجَرَّدًا عَنْ غِمْدِهِ .
(3) م ) 843 , ( خ ) 3908
(4) حم ) 14971
(5) خ ) 2753
(6) حم ) 14971
(7) صححه الألباني في هداية الرواة : 5235
(8) نُتعب أنفسنا بالمشي كي نلحق به .
(9) أَيْ : غير مبال بمشينا , أو غير مسرع بحيث تلحقه مشقة , فكأنه يمشي على هينته .
(10) ت ) المناقب ( 3648) , و( حم ) 8588 , انظر صحيح موارد الظمآن : 1774 ، وقال شعيب الأرنؤوط في ( حب ) : 6309 : إسناده صحيح .(2/59)
" كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنَازَةٍ , فَكُنْتُ إِذَا مَشَيْتُ سَبَقَنِي فَأُهَرْوِلُ ، فَإِذَا هَرْوَلْتُ سَبَقْتُهُ ، فَالْتَفَتُّ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَنْبِي فَقُلْتُ : تُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ وَخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ "(1)
خُرُوجُ النَّخْلِ الَّذِي زَرَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ مِنْ عَامِه
( حم ) , عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) حم ) 7497 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .(2/60)
جَاءَ سَلْمَانُ - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ , فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ ؟ " , قَالَ : صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ , قَالَ : " ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " , فَرَفَعَهَا فَجَاءَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهِ , فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ " , فَقَالَ : هَدِيَّةٌ لَكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَصْحَابِهِ : ابْسُطُوا " فَنَظَرَ إِلَى الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَآمَنَ بِهِ , وَكَانَ سَلْمَانُ لِلْيَهُوَدِ , " فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا , وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلًا فَيَعْمَلَ سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى يُطْعِمَ(1)قَالَ : فَغَرَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّخْلَ " إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - , فَحَمَلَتْ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمِلْ النَّخْلَةُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا شَأْنُ هَذِهِ ؟ " , فَقَالَ عُمَرُ : أَنَا غَرَسْتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ , " فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ غَرَسَهَا , فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا "(2)
إخْبَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيِّةِ الَّتِي لَمْ تُعْرَف إِلَّا فِي الْعَصْرِ الْحَدِيث
(
__________
(1) أي : حتى ينمو النخل ويحمل الثمار .
(2) حم ) 23047 , ( ك ) 2183 , وحسنه الألباني في مختصر الشمائل : 18(2/61)
خ م د ) , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , فَأَصَبْنَا سَبْيًا(1)مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ )(2)( وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ(3)وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ(4)
__________
(1) السبي : الأسرى من النساء والأطفال .
(2) خ ) 2404
(3) أَيْ : اِحْتَجْنَا إِلَى الْوَطْء . ( النووي - ج 5 / ص 164)
(4) أَيْ : خِفْنَا مِنْ الْحَبَل فَتَصِير أُمّ وَلَد يَمْتَنِع عَلَيْنَا بَيْعهَا وَأَخَذَ الْفِدَاء فِيهَا , فَيُسْتَنْبَط مِنْهُ مَنْع بَيْع أُمّ الْوَلَد , وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدهمْ . (.النووي - ج 5 / ص 164)(2/62)
فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ بِهِنَّ )(1)( وَلَا يَحْمِلْنَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ , فَقُلْنَا : نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ ؟ , فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ )(2)( فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ , فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ ؟ )(3)( فَقَالَ : " وَمَا ذَاكُمْ ؟ " , فَقُلْنَا : الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ , فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ , وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ )(4)( وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى(5)
__________
(1) م ) 1438
(2) خ ) 3907 , ( م ) 1438
(3) خ ) 2116
(4) م ) 1438 , ( س ) 3327
(5) الْوَأْدُ : دَفْنُ الْبِنْتِ حَيَّةً ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ خَشْيَةَ الفقر وَالْعَارِ , قَالَهُ النَّوَوِيُّ , وَالْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ الْعَزْلَ نَوْعٌ مِنْ الْوَأْدِ , لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةً للنُّطْفَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيَكُونَ مِنْهَا الْوَلَدُ , وَسَعْيًا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ بِعَزْلِهَا عَنْ مَحِلِّهَا ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 210)(2/63)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَبَتْ يَهُودُ(1))(2)( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ , لَيْسَتْ نَسَمَةٌ(3)
__________
(1) فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الْعَزْل , وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي حَدِيث جُدَامَة : أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْل , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ك ) " ذَلِكَ الْوَأْد الْخَفِيّ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَجُمِعَ بَيْنهمَا بِأَنَّ مَا فِي حَدِيث جُدَامَة مَحْمُول عَلَى التَّنْزِيه , وَتَكْذِيب الْيَهُود لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّحْرِيم الْحَقِيقِيّ , وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم : الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود هُوَ زَعْمهمْ أَنَّ الْعَزْل لَا يُتَصَوَّر مَعَهُ الْحَمْل أَصْلًا , وَجَعَلُوه بِمَنْزِلَةِ قَطْع النَّسْل بِالْوَأْدِ , فَأَكْذَبَهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَع الْحَمْل إِذَا شَاءَ اللَّه خَلْقه , وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقه لَمْ يَكُنْ وَأْدًا حَقِيقَة ، وَإِنَّمَا أَسْمَاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيث جُدَامَة بِأَنَّ الرَّجُل إِنَّمَا يَعْزِل هَرَبًا مِنْ الْحَمْل , فَأَجْرَى قَصْده لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْد , لَكِنَّ الْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْوَأْد ظَاهِر بِالْمُبَاشَرَةِ , اِجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْد وَالْفِعْل ، وَالْعَزْل يَتَعَلَّق بِالْقَصْدِ فَقَطْ , فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا . عون المعبود - (ج 5 / ص 55)
(2) د ) 2171
(3) أَيْ : نَفْس ..فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 8)(2/64)
كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ(1)فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ(2)فلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ(3)وَمَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ )(4)"
( خ م ت ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 2116
(2) أَيْ : الْمُؤَثِّر فِي وُجُود الْوَلَد وَعَدَمه هو الْقَدَر لَا الْعَزْل , فَأَيّ حَاجَة إِلَيْهِ . شرح سنن النسائي - (ج 5 / ص 34)
(3) مَا عَلَيْكُمْ ضَرَر فِي تَرْك الْعَزْل , لِأَنَّ كُلّ نَفْس قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى خَلْقهَا لَا بُدّ أَنْ يَخْلُقهَا , سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا , وَمَا لَمْ يُقَدِّر خَلْقهَا لَا يَقَع , سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا , فَلَا فَائِدَة فِي عَزْلكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقهَا سَبَقَكُمْ الْمَاء , فَلَا يَنْفَع حِرْصكُمْ فِي مَنْع الْخَلْق . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 164)
(4) م ) 1438 , ( حم ) 11456(2/65)
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ(1)- قَالَ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ(2)فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً(3)مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً(4)مِثْلَ ذَلِكَ(5)
__________
(1) الصَّادِق فِي قَوْله ، الْمَصْدُوق فِيمَا يَأْتِي مِنْ الْوَحْي الْكَرِيم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 489)
(2) قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : يَجُوز أَنْ يُرِيد بِالْجَمْعِ مُكْث النُّطْفَة فِي الرَّحِم ، أَيْ : تَمْكُث النُّطْفَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا تُخَمَّر فِيهِ حَتَّى تَتَهَيَّأ لِلتَّصْوِيرِ , ثُمَّ تُخْلَق بَعْد ذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(3) العَلَقة : الدَّم الْجَامِد الْغَلِيظ , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلرُّطُوبَةِ الَّتِي فِيهِ , وَتَعَلُّقِهِ بِمَا مَرَّ بِهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(4) المُضْغَة : قِطْعَة اللَّحْم , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(5) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد تَصَيُّرَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا ، فَيُخَالِطُ الدَّم النُّطْفَة فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى بَعْد اِنْعِقَادهَا وَامْتِدَادهَا ، وَتَجْرِي فِي أَجْزَائِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَتَكَامَلَ عَلَقَةً فِي أَثْنَاء الْأَرْبَعِينَ ، ثُمَّ يُخَالِطهَا اللَّحْم شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ فَتَصِير مُضْغَة , وَلَا تُسَمَّى عَلَقَة قَبْل ذَلِكَ مَا دَامَتْ نُطْفَة ، وَكَذَا مَا بَعْد ذَلِكَ مِنْ زَمَان الْعَلَقَة وَالْمُضْغَة ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)(2/66)
)(1)( ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَصَوَّرَهُ , وَخَلَقَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَجِلْدَهُ وَشَعْرَهُ وَلَحْمَهُ وَعِظَامَهُ(2))(3)( وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ كَلِمَاتٍ(4):
__________
(1) خ ) 1226
(2) حَدِيث اِبْنِ مَسْعُود بِجَمِيعِ طُرُقه يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ يَتَقَلَّب فِي مِائَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي ثَلَاثَة أَطْوَار , كُلّ طَوْرٍ مِنْهَا فِي أَرْبَعِينَ , ثُمَّ بَعْد تَكْمِلَتِهَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأَطْوَار الثَّلَاثَة مِنْ غَيْر تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ ، مِنْهَا فِي الْحَجّ , وَدَلَّتْ الْآيَة الْمَذْكُور عَلَى أَنَّ التَّخْلِيق يَكُونُ لِلْمُضْغَةِ ، وَبَيَّنَ الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهَا إِذَا تَكَامَلَتْ الْأَرْبَعِينَ , وَهِيَ الْمُدَّة الَّتِي إِذَا اِنْتَهَتْ سُمِّيَتْ مُضْغَة ، وَذَكَرَ اللَّه النُّطْفَة ثُمَّ الْعَلَقَةَ ثُمَّ الْمُضْغَةَ فِي سُوَرٍ أُخْرَى وَزَادَ فِي سُورَةِ ( المؤمنون ) بَعْد الْمُضْغَة ( فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ) الْآيَةَ ، وَيُؤْخَذ مِنْهَا وَمِنْ حَدِيث الْبَاب أَنْ تَصِيرَ الْمُضْغَة عِظَامًا بَعْد نَفْخ الرُّوح . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(3) م ) 2645
(4) الْمُرَاد بِالْكَلِمَاتِ الْقَضَايَا الْمُقَدَّرَة ، وَكُلّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)(2/67)
فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ , وَأَجَلَهُ , وَعَمَلَهُ , وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ )(1)( يَقُولُ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَسَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ مَا رِزْقُهُ ؟ , فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ مَا أَجَلُهُ ؟ , فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ , ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ مَا خُلُقُهُ ؟ , أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ(2))(3)( فَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَمْرَهُ ، فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا(4)
__________
(1) خ ) 7016
(2) الْمُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّزْق وَالْأَجَل وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة وَالْعَمَل وَالذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة أَنَّهُ يَظْهَر ذَلِكَ لِلْمَلَكِ ، وَيَأْمُرهُ اللَّهُ بِإِنْفَاذِهِ وَكِتَابَته ، وَإِلَّا فَقَضَاء اللَّه تَعَالَى سَابِق عَلَى ذَلِكَ ، وَعِلْمُهُ وَإِرَادَته لِكُلِّ ذَلِكَ مَوْجُود فِي الْأَزَل وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 493)
(3) م ) 2645
(4) النَّكْبَةِ ) : مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْحَوَادِثِ ..تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 359)(2/68)
)(1)( ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ(2))(3)"
( د ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا , وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا "(4) ( ضعيف )
( خ د جة حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حب ) 6178 , صححها الألباني في ظلال الجنة : 186 ، وصحيح موارد الظمآن : 1520
(2) اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ نَفْخ الرُّوح لَا يَكُون إِلَّا بَعْد أَرْبَعَة أَشْهُر , وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْحِكْمَة فِي عِدَّة الْمَرْأَة مِنْ الْوَفَاة بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْر , وَهُوَ الدُّخُول فِي الشهر الْخَامِس , وَمَعْنَى إِسْنَاد النَّفْخ لِلْمَلَكِ أَنَّهُ يَفْعَلهُ بِأَمْرِ اللَّه ، وَالنَّفْخ فِي الْأَصْل إِخْرَاج رِيح مِنْ جَوْف النَّافِخ لِيَدْخُل فِي الْمَنْفُوخ فِيهِ ، وَجَمَعَ بَعْضهمْ بِأَنَّ الْكِتَابَة تَقَع مَرَّتَيْنِ : فَالْكِتَابَة الْأُولَى فِي السَّمَاء , وَالثَّانِيَة فِي بَطْن الْمَرْأَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
(3) خ ) 3154 , 7016
(4) د ) 2489 , قلت : وإن كان الحديث لَا يصح لأنه ضعيف الإسناد , فإنه صحيح من الناحية العلمية .ع(2/69)
" ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ أَوْ شَرَابِهِ فَلْيَغْمِسْهُ )(1)( كُلَّهُ )(2)( فِيهِ )(3)( ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ , فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً )(4)( وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ , فَلْيَغْمِسْهُ كُلُّهُ )(5)إِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ(6)
__________
(1) حم ) 9719 , ( خ ) 3142
(2) خ ) 5445
(3) جة ) 3505
(4) خ ) 3142
(5) د ) 3844
(6) أَيْ : اِغْمِسُوهُ فِي الطَّعَام أَوْ الشَّرَاب ، وَالْمَقْل الْغَمْس ..(2/70)
فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ(1)
__________
(1) جة ) 3504 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 4234 , والصحيحة : 39 , وقال الألباني في الصحيحة : أما بعد ، فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة عن هؤلاء الصحابة الثلاثة : أبي هريرة وأبي سعيد وأنس ، ثبوتا لا مجال لرده ولا للتشكيك فيه ، كما ثبت صدق أبي هريرة - رضي الله عنه - في روايته إياه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين ، ومن تبعهم من الزائغين ، حيث طعنوا فيه - رضي الله عنه - لروايته إياه واتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحاشاه من ذلك ، فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك , وأن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه ، لأنهم رموا صحابيا بالبَهْت ، وردوا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة ! وقد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت ، وليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد أبي هريرة بالحديث - وهو حجة ولو تفرد - أم جهلوا ذلك ؟ ، فإن كان الأول فلماذا يتعللون برواية أبي هريرة إياه ويوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب الكرام ؟ , وإن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص والعلم بالحديث الشريف ؟ , وما أحسن ما قيل : فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ , ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء , وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم ، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك الجراثيم ، والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك ، بل هو يؤيدهم , إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء ، ولكنه يزيد عليهم فيقول : " وفي الآخر شفاء " , فهذا مما لم يحيطوا بعلمه ، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين ، وإلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! , ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه , نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة ، وقد اختلفت آراء الأطباء حوله ، وقرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كلٌّ يؤيد ما ذهب إليه تأييدا أو ردا ، ونحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب ، لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي , ومع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ، ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث , قال : " يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة ، فينقل بعضها بأطرافه ، ويأكل بعضا ، فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " وهي تقتل كثيرا من جراثيم الأمراض ، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا , وأن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب ، هي أنه يحوِّلُ البكتريا إلى ناحيته ، وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واقٍ منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه ، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه ، وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة ، وكاف في إبطال عملها " وقد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا إضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي ( مجلد العام الأول ) وقرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة للطبيبين محمود كمال ومحمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر , ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان : " أنت تسأل ونحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير ، جوابا له على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة والضعف فقال : " أما حديث الذباب وما في جناحيه من داء وشفاء ، فحديث ضعيف ، بل هو عقلا حديث مفترى ، فمن المسلَّمِ به أن الذباب يحمل من الجراثيم والأقذار ... ولم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء ، إلا من وضع هذا الحديث أو افتراه ، ولو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته " وفي الكلام على اختصاره من الدس والجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصيانة له أن يَكْفُرَ به من قد يغتر بزخرف القول فأقول : أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف ، يعني من الناحية العلمية الحديثية , بدليل قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " , وهذا الزعم واضح البطلان ، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكلها صحيحة , وحسبك دليلا على ذلك أن أحدا من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء ! ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا , وهذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه ، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكنه الإحاطة به ، ألست تراه يقول : " ولم يقل أحد ... ، ولو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " , فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما ، أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم مِنَّا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما في الكون وأسراره ، ازددنا معرفة بجهلنا ! , وأن الأمر بحق كما قال الله تبارك وتعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) . وأما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته " فمغالطة مكشوفة ، لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا ، وإنما تحدث عن قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها ، فإذا قال الحديث : " إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم ، لا من العرب ولا من العجم - اللهم إلا العجم في عقولهم وأفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب ولا يكافحه - .ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم ، من أن الذباب يحمل في جوفه ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم , وهذا وإن لم يكن موافقا لما في الحديث على وجه التفصيل ، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار إليه وأمثاله من اجتماع الداء والدواء في الذباب ، ولا يبْعُد أن يأتي يوم تنجلي فيه معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت التفاصيل المشار إليها علميا ، { ولتعلمن نبأه بعد حين } , وإن من عجيب أمر هذا الكاتب وتناقضه أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف هذا الحديث ، ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب " , فقال : " حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين على صحته ، فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم ، فكيف جاز له تضعيف هذا وتصحيح ذاك ؟ ! ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح عنده في معناه ، لأنه ذَكَر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة ، وأن المقصود من التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر ! وهذا تأويل باطل بَيِّنُ البطلان - وإن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه - .فلا أدري أي خطأيه أعظم ، أهو تضعيفه للحديث الأول وهو صحيح ، أم تأويله للحديث الآخر وهو تأويل باطل ! وبهذه المناسبة ، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في بعض المجلات السائرة ، أو الكتب الذائعة من البحوث الإسلامية ، وخصوصا ما كان منها في علم الحديث ، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا ، ثم بعلمه واختصاصه فيه ثانيا ، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر ، وخصوصا من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! , فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم ، وما لا علم لهم به ، وإني لأعرف واحدا من هؤلاء ، أخرج حديثا إلى الناس كتابا جُلُّه في الحديث والسيرة ، وزعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار في كتب السنة والسيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات والأحاديث ما تفرد به الضعفاء والمتروكون والمتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي وغيره ، بل أورد فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر " ، وجزم بنسبته إلى النبي ولتعلمن نبأه بعد حين ، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ ، كما نبه عليه حفاظ الحديث كالسخاوي وغيره فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء , والله المستعان . أ . هـ(2/71)
فَإِذَا وَقَعَ فِي الإناء فأرْسِبُوه فَيَذهبُ شِفَاؤهُ بِدَائِه(1)"
( خ م ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ(2)
__________
(1) صَحِيح الْجَامِع : 4249
(2) أَيْ : كَثُرَ خُرُوج مَا فِيهِ ، يُرِيد الْإِسْهَال ..فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 235)(2/72)
فَقَالَ : " اسْقِهِ عَسَلًا " , فَسَقَاهُ )(1)( ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ )(2)( فَقَالَ : إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا )(3)( فَقَالَ : " اسْقِهِ عَسَلًا " , ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ )(4)( فَقَالَ : إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا )(5)( فَقَالَ : " اسْقِهِ عَسَلًا " )(6)( ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ : لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا )(7)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ , اسْقِهِ عَسَلًا " , فَسَقَاهُ فَبَرَأَ(8)
__________
(1) خ ) 5386
(2) خ ) 5360
(3) خ ) 5386
(4) خ ) 5360
(5) م ) 2217
(6) خ ) 5360
(7) م ) 2217
(8) اِتَّفَقَ الْأَطِبَّاء عَلَى أَنَّ الْمَرَض الْوَاحِد يَخْتَلِف عِلَاجه بِاخْتِلَافِ السِّنّ وَالْعَادَة وَالزَّمَان وَالْغِذَاء الْمَأْلُوف وَالتَّدْبِير وَقُوَّة الطَّبِيعَة ، وَعَلَى أَنَّ الْإِسْهَال يَحْدُث مِنْ أَنْوَاع مِنْهَا الْهَيْضَة الَّتِي تَنْشَأ عَنْ تُخَمَة , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَاجهَا بِتَرْكِ الطَّبِيعَة وَفِعْلهَا ، فَإِنَّ اِحْتَاجَتْ إِلَى مُسَهِّل مُعَيَّن أُعِينَتْ مَا دَامَ بِالْعَلِيلِ قُوَّة ، فَكَأَنَّ هَذَا الرَّجُل كَانَ اِسْتِطْلَاق بَطْنه عَنْ تُخَمَة أَصَابَتْهُ , فَوَصَفَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَل لِدَفْعِ الْفُضُول الْمُجْتَمِعَة فِي نَوَاحِي الْمَعِدَة وَالْأَمْعَاء , لِمَا فِي الْعَسَل مِنْ الْجَلَاء وَدَفْع الْفُضُول الَّتِي تُصِيب الْمَعِدَة مِنْ أَخْلَاط لَزِجَة تَمْنَع اِسْتِقْرَار الْغِذَاء فِيهَا ، وَلِلْمَعِدَةِ خَمْل كَخَمْلِ الْمِنْشَفَة ، فَإِذَا عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاط اللَّزِجَة أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتْ الْغِذَاء الْوَاصِل إِلَيْهَا ، فَكَانَ دَوَاؤُهَا بِاسْتِعْمَالِ مَا يَجْلُو تِلْكَ الْأَخْلَاط ، وَلَا شَيْء فِي ذَلِكَ مِثْل الْعَسَل ، لَا سِيَّمَا إِنْ مُزِجَ بِالْمَاءِ الْحَارّ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ فِي أَوَّل مَرَّة لِأَنَّ الدَّوَاء يَجِب أَنْ يَكُون لَهُ مِقْدَار وَكَمِّيَّة بِحَسَبِ الدَّاء ، إِنْ قَصُرَ عَنْهُ لَمْ يَدْفَعهُ بِالْكُلِّيَّةِ , وَإِنْ جَاوَزَهُ أَوْهَى الْقُوَّة وَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَر , فَكَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ أَوَّلًا مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاء ، فَأَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ سَقْيه ، فَلَمَّا تَكَرَّرَتْ الشَّرَبَات بِحَسَبِ مَادَّة الدَّاء بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى . وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك " إِشَارَة إِلَى أَنَّ هَذَا الدَّوَاء نَافِع ، وَأَنَّ بَقَاء الدَّاء لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاء فِي نَفْسه , وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ الْمَادَّة الْفَاسِدَة ، فَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ شُرْب الْعَسَل لِاسْتِفْرَاغِهَا ، فَكَانَ كَذَلِكَ ، وَبَرَأَ بِإِذْنِ اللَّه , وطِبّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَيَقَّن الْبُرْء لِصُدُورِهِ عَنْ الْوَحْي ، وَطِبّ غَيْره أَكْثَره حَدْس أَوْ تَجْرِبَة ، وَقَدْ يَتَخَلَّف الشِّفَاء عَنْ بَعْض مَنْ يَسْتَعْمِل طِبّ النُّبُوَّة ، وَذَلِكَ لِمَانِعٍ قَامَ بِالْمُسْتَعْمِلِ مِنْ ضَعْف اِعْتِقَاد الشِّفَاء بِهِ وَتَلَقِّيه بِالْقَبُولِ ، وَأَظْهَر الْأَمْثِلَة فِي ذَلِكَ الْقُرْآن الَّذِي هُوَ شِفَاء لِمَا فِي الصُّدُور ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يَحْصُل لِبَعْضِ النَّاس شِفَاء صَدْره , لِقُصُورِهِ فِي الِاعْتِقَاد , وَالتَّلَقِّي بِالْقَبُولِ ، بَلْ لَا يَزِيد الْمُنَافِق إِلَّا رِجْسًا إِلَى رِجْسه , وَمَرَضًا إِلَى مَرَضه ، فَطِبّ النُّبُوَّة لَا يُنَاسِب إِلَّا الْأَبْدَان الطَّيِّبَة ، كَمَا أَنَّ شِفَاء الْقُرْآن لَا يُنَاسِب إِلَّا الْقُلُوب الطَّيِّبَة ؛ وَاللَّه أَعْلَم . فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 235)(2/73)
)(1).
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِبقَالَ :
" رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الشَّمْسَ حِينَ غَرَبَتْ فَقَالَ : فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ , لَوْلَا مَا يَزَعُهَا(2)مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَأَهْلَكَتْ مَا عَلَى الْأَرْضِ "( ضعيف )(3)
بَشَرِيَّتُه - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }(4)
وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ , وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }(5)
( جة ) , وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ :
أَخَذَ أَسَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ - رضي الله عنه - وَجَعٌ فِي حَلْقِهِ يُقَالُ لَهُ : الذُّبْحَةُ(6)فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَأُبْلِغَنَّ فِي أَبِي أُمَامَةَ عُذْرًا , فَكَوَاهُ بِيَدِهِ فَمَاتَ ,
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مِيتَةُ سَوْءٍ لِلْيَهُودِ , يَقُولُونَ أَفَلَا دَفَعَ عَنْ صَاحِبِهِ ؟ , وَمَا أَمْلِكُ لَهُ وَلَا لِنَفْسِي شَيْئًا "(7)
(
__________
(1) خ ) 5360 , ( م ) 2217
(2) أَيْ : يمعنها ويكفُّها .
(3) حم ) 6934 , وقال شعيب الأرنؤوط في: إسناده ضعيف لجهالة الراوي عن عبد الله بن عمرو , وكذلك قال أحمد شاكر , قلت : لكن الحديث من الناحية العلمية صحيح .ع
(4) الكهف/110]
(5) الأعراف/188]
(6) هو وجع يعرض في الحلق من الدم .
(7) جة ) 3492 , ( حم ) 23255(2/74)
م جة حم ) , وَعَنْ طلحة بن عبيد الله قَالَ :
( مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ , فَقَالَ : " مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ " )(1)( قَالُوا : يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ )(2)( يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا )(3)( فَلَوْ تَرَكُوهُ فَلَمْ يُلَقِّحُوهُ لَصَلُحَ " )(4)( فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ(5))(6)( فَلَمْ يُلَقِّحُوهُ )(7)( عَامَئِذٍ )(8)( فَخَرَجَ شِيصًا(9)
__________
(1) م ) 2361
(2) حم ) 12566 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) م ) 2361
(4) حم ) 12566
(5) فيه دليل على شدة حرص أصحابه على اتباع أمره - صلى الله عليه وسلم - . ع
(6) م ) 2361
(7) حم ) 12566
(8) جة ) 2471
(9) الشِّيص ) : هُوَ الْبُسْر الرَّدِيء الَّذِي إِذَا يَبُسَ صَارَ حَشَفًا . (.النووي - ج 8 / ص 88)(2/75)
" فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ " )(1)( قَالُوا : تَرَكْنَاهُ لِمَا قُلْتَ )(2)( فَقَالَ : " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ )(3)( فَإِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ(4)فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أُمُورِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ )(5)"
قال الألباني في الإرواء تحت حديث 691 : لَا تَثْبُتُ السُّنَّةُ بِقَوْلِ تَابِعِيٍّ(6).
بَعْضُ مَا كَانَ يَحْدُثُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ كَرَامَاتٍ فِي عَهْدِهِ - صلى الله عليه وسلم -
( خ حم ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) م ) 2363
(2) حم ) 12566
(3) م ) 2362
(4) قَالَ الْعُلَمَاء : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ ) أَيْ : فِي أَمْر الدُّنْيَا وَمَعَايِشهَا لَا عَلَى التَّشْرِيع , فَأَمَّا مَا قَالَهُ بِاجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ شَرْعًا فَيَجِبُ الْعَمَل بِهِ ، وَلَيْسَ إِبَارُ النَّخْل مِنْ هَذَا النَّوْع ، بَلْ مِنْ النَّوْع الْمَذْكُور قَبْله ، قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْل خَبَرًا ، وَإِنَّمَا كَانَ ظَنًّا كَمَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَات , قَالُوا : وَرَأْيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمُور الْمَعَايِش وَظَنّه كَغَيْرِهِ ، فَلَا يُمْتَنَعُ وُقُوع مِثْل هَذَا ، وَلَا نَقْص فِي ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 85)
(5) حم ) 12566 , ( م ) 2363 , ( جة ) 2471
(6) يعني : إذا قال التابعي : من السنة كذا وكذا .(2/76)
كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍبعِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ حِنْدِسٍ(1)فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ )(2)( وَإِذَا نُورٌ )(3)( مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا , فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ )(4).
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
كَانَتْ أُمُّ مَالِكٍ ك تُهْدِي لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُكَّةٍ(5)لَهَا سَمْنًا , فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ(6)وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ , فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا , فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ , فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ : " عَصَرْتِيهَا ؟ " , قَالَتْ : نَعَمْ ,قَالَ : " لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا(7)"(8)
(
__________
(1) الحِندس : الظلمة الشديدة .
(2) حم ) 13897 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( خ ) 3440
(3) خ ) 3594
(4) خ ) 453
(5) العُكَّة : وعاء مستدير من الجلد ، يُحفظ فيه السمن والعسل .
(6) الإِدَامُ ) : مَا يُؤْكَلُ بِهِ الْخُبْزُ .
(7) أَيْ : مَوْجُودًا حَاضِرًا , قَالَ الْعُلَمَاء : الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَصْرَهَا وَكَيْلَهُ مُضَادَّةٌ لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّل عَلَى رِزْق اللَّه تَعَالَى ، وَيَتَضَمَّنُ التَّدْبِير ، وَالْأَخْذ بِالْحَوْلِ وَالْقُوَّة ، وَتَكَلُّف الْإِحَاطَة بِأَسْرَارِ حُكْمِ اللَّه تَعَالَى وَفَضْلِهِ ، فَعُوقِبَ فَاعِلُهُ بِزَوَالِهِ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 478)
(8) م ) 2280 , و( حم ) 14705(2/77)
طس ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
أَصَابَ رَجُلًا حَاجَةٌ(1)فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَنَخْتَبِزُ ، فَجَاءَ الرَّجُلُ ، وَالْجَفْنَةُ(2)مَلْآى عَجِينًا ، وَفِي التَّنُّورِ(3)جُنُوبُ الشِّوَاءٍ(4)وَالرَّحَى(5)تَطْحَنُ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ ، قَالَتْ : مِنْ رِزْقِ اللَّهِ - عز وجل - ، فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ أَوْ لَطَحَنَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "(6)
( م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ :
__________
(1) أَيْ : فقر .
(2) الجَفْنة : وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه , وكان يُتخذ من الخشب غالبا .
(3) التنور : المَوْقِدُ .
(4) الشِّوَاء : المشوي , جُنوبَ شِواءٍ : هي جمع جَنْبٍ , يريد جَنْبَ الشاةِ , أَي إِنه كان في التَّنُّور جُنوبٌ كثيرة , لَا جَنْبٌ واحد لسان العرب - (ج 1 / ص 275)
(5) الرحى : الأداة التي يطحن بها ، وهي حجران مستديران يوضع أحدهما على الآخر ويدور الأعلى على قطب .
(6) طس ) 5588 , ( حم ) 10667 , انظر الصَّحِيحَة : 2937 ، وهداية الرواة : 5341(2/78)
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَطْعِمُهُ , " فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ " , فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ(1)فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ(2)"(3)
فَضْلُ مَنْ آمَنَ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَرَه
( حم ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي , وَطُوبَى ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي "(4)
( خ م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : وَزَنَه .
(2) قَالَ الْقُرْطُبِيّ : سَبَب رَفْع النَّمَاء مِنْ ذَلِكَ عِنْد الْعَصْر وَالْكَيْل - وَاَللَّه أَعْلَم - الِالْتِفَات بِعَيْنِ الْحِرْص مَعَ مُعَايَنَة إِدْرَار نِعَمِ اللَّهِ وَمَوَاهِب كَرَامَاته وَكَثْرَة بَرَكَاته ، وَالْغَفْلَة عَنْ الشُّكْر عَلَيْهَا , وَالثِّقَةِ بِاَلَّذِي وَهَبَهَا , وَالْمَيْلِ إِلَى الْأَسْبَاب الْمُعْتَادَة عِنْد مُشَاهَدَة خَرْقِ الْعَادَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 270)
(3) م ) 2281
(4) حم ) 11691 , 17426 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 3923 , وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3736 , الصَّحِيحَة : 3432(2/79)
" ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ )(1)( زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي )(2)( ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ )(3)( وَمِثْلِهِمْ مَعَهُمْ )(4)"
( م ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي , يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ "(5)
( حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي " ، فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي "(6)
( حم ) , وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ سِبَاعٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رضي الله عنه - , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا ؟ , أَسْلَمْنَا مَعَكَ , وَجَاهَدْنَا مَعَكَ ,
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ , قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ , يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي "(7)
( مش طب بز ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) م ) 2364
(2) خ ) 3394
(3) م ) 2364 , ( حم ) 8126
(4) حم ) 8126 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) م ) 2832 , ( حم ) 9388
(6) حم ) 12601 , انظر الصَّحِيحَة : 2888
(7) حم ) 17018 , وصححه الألباني في الصَّحِيحَة : 3310 , والمشكاة : 6282 ، وهداية الرواة : 6264(2/80)
" ( أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ : هَلْ مِنْ مَاءٍ ؟ , هَلْ مِنْ مَاءٍ ؟ , قَالُوا : لَا , قَالَ : هَلْ مِنْ شَنٍّ(1)؟ , فَأُتِيَ بِالشَّنِّ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( فَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ ، فَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَمَرَ بِلَالًا يَهْتِفُ بِالنَّاسِ : الْوُضُوءَ , فَلَمَّا فَرَغَ وَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ قَعَدَ ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ أَعْجَبُ الْخَلْقِ إِيمَانًا ؟ " , قَالُوا : الْمَلَائِكَةُ )(3)( قَالَ : " وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ " )(4)( قَالُوا : فَالنَّبِيُّونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ )(5)( قَالَ : " وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )(6)( وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ ؟ " )(7)( قَالُوا : فَنَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ : " وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ )(8)( وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ مَا تَرَوْنَ ؟ )(9)( وَلَكِنَّ أَعْجَبَ الْخَلْقِ إِيمَانًا قَوْمٌ يَجِيئونَ مِنْ بَعْدِكُمْ ، فَيَجِدُونَ كِتَابًا مِنَ الْوَحْيِ , فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَتَّبِعُونَهُ , فَهُمْ أَعْجَبُ الْخَلْقِ إيمَانًا )(10)"(11)
( طب ) , وَعَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :
__________
(1) الشَّنّ : الْقِرْبَة البالية .
(2) طب ) 12560
(3) مش ) ج 5ص452ح2060
(4) البيهقي في الدلائل : 2907
(5) طب ) 12560
(6) البيهقي في الدلائل : 2907
(7) طب ) 12560
(8) البيهقي في الدلائل : 2908
(9) طب ) 12560
(10) البزار في "مسنده " (3/318- 319- كشف الأستار)
(11) الصَّحِيحَة : 3215(2/81)
قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمُعَةَ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ , وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ خَرَجْنَا مَعَهُ لِنُشَيِّعَهُ ، فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْصِرَافَ قَالَ : إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ جَائِزَةً وحَقًّا أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَا : هَاتِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه - عَاشِرَ عَشَرَةٍ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ مِنَّا أَجْرًا ؟ , آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ , قَالَ : " مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ، بَلَى , قَوْمٌ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ , فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا "(1)
( ت ابن نصر ) , وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) طب ) 3540 , خلق أفعال العباد للبخاري(ج1ص177ح171) , انظر الصَّحِيحَة : 3310(2/82)
" ( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ(1)كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ(2))(3)( إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ(4)أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ(5)
__________
(1) أَيْ : عَلَى حِفْظِ أَمْرِ دِينِهِ بِتَرْكِ دُنْيَاهُ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 46)
(2) أَيْ : كَصَبْرِ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ فِي الشِّدَّةِ وَنِهَايَةِ الْمِحْنَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 46)
(3) ت ) 2260 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 8002 , الصَّحِيحَة : 957
(4) أَيْ : قُدَّامَكُمْ مِنْ الْأَزْمَانِ الْآتِيَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 379)
(5) قَالَ الطِّيبِيُّ : الْمَعْنَى كَمَا لَا يَقْدِرُ الْقَابِضُ عَلَى الْجَمْرِ أَنْ يَصْبِرَ لِإِحْرَاقِ يَدِهِ ، كَذَلِكَ الْمُتَدَيِّنُ يَوْمَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَبَاتِهِ عَلَى دِينِهِ لِغَلَبَةِ الْعُصَاةِ وَالْمَعَاصِي وَانْتِشَارِ الْفِسْقِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ ، وَقَالَ الْقَارِي : مَعْنَى الْحَدِيثِ : كَمَا لَا يُمْكِنُ الْقَبْضُ عَلَى الْجَمْرَةِ إِلَّا بِصَبْرٍ شَدِيدٍ وَتَحَمُّلِ غَلَبَةِ الْمَشَقَّةِ , كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ , لَا يُتَصَوَّرُ حِفْظُ دِينِهِ وَنُورِ إِيمَانِهِ إِلَّا بِصَبْرٍ عَظِيمٍ ..تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 46)(2/83)
)(1)( لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرُ خَمْسِينَ )(2)( رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ " , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟ , قَالَ : " بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ(3)
__________
(1) ت ) 3058 , ( د ) 4341
(2) ابن نصر في " السنة " ( ص 9 )
(3) الحديث يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَؤُلَاءِ فِي الْأَجْرِ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، وَقَدْ جَاءَ أَمْثَالُ هَذَا أَحَادِيثُ أُخَرُ ، وَتَوْجِيهُهُ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْفَضْلَ الْجُزْئِيَّ لَا يُنَافِي الْفَضْلَ الْكُلِّيَّ , وَتَكَلَّمَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : يُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَةِ بَعْضٍ مِنْهُمْ أَوْ أَفْضَلَ , وَمُخْتَارُ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهُ , وقال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : لَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلَاقِهِ , بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ : أَنَّ الْأَعْمَالَ تَشْرُفُ بِثَمَرَاتِهَا ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَرِيبَ فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ كَالْغَرِيبِ فِي أَوَّلِهِ وَبِالْعَكْسِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ " ، يُرِيدُ الْمُنْفَرِدِينَ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ , إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ : الْإِنْفَاقُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ , لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ " ، أَيْ : مُدَّ الْحِنْطَةِ , لأَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةِ أَثْمَرَتْ فِي فَتْحِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ مَا لَا يُثْمِرُ غَيْرُهَا ، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ بِالنُّفُوسِ , لَا يَصِلُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ إِلَى فَضْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِقِلَّةِ عَدَدِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقِلَّةِ أَنْصَارِهِمْ ، فَكَانَ جِهَادُهُمْ أَفْضَلَ ، وَلِأَنَّ بَذْلَ النَّفْسِ مَعَ النُّصْرَةِ وَرَجَاءَ الْحَيَاةِ لَيْسَ كَبَذْلِهَا مَعَ عَدَمِهَا ، ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام " أَفْضَل الْجِهَاد كَلِمَة حَقّ عِنْد سُلْطَان جَائِر " , فجَعَلَهُ أَفْضَل الْجِهَاد لِيَأْسِهِ مِنْ حَيَاته , وَأَمَّا النَّهْي عَنْ الْمُنْكَر بَيْن ظُهُور الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام , فَإِنَّ ذَلِكَ شَاقّ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ الْمُعِين , وَكَثْرَة الْمُنْكَر فِيهِمْ , كَالْمُنْكِرِ عَلَى السُّلْطَان الْجَائِر , وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " يَكُونُ الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ , أَيْ : لَا يَسْتَطِيعُ دَوَامَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْمَشَقَّةِ , فَكَذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُ فِي حِفْظِ دِينِهِ ، وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُعِينِ وَعَدَمِ الْمُنْكِرِ " . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 379)(2/84)
)(1)"(2)
( ابن مندة ) , وَعَنْ عبد الرحمن بن يزيد قال :
تذاكرنا أصحابَ محمد - صلى الله عليه وسلم - وما سبقونا به من الخير , فقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - : إن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - كان بَيِّنًا(3)لمن رآه , والذي لَا إله غيره ما آمن مؤمن بإيمان قط أفضل من إيمانٍ بغيب , ثم قرأ أربع آيات من أول البقرة : { الم , ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ , وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ , أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .(4)
أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بِالرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -
( 1 ) كَوْنُ اَلْقُرْآنِ مُعْجِزًا مَحْفُوظًا مِنْ التَّبْدِيلِ وَنَاسِخًا لِلشَّرَائِعِ السَّابِقَة
قَالَ تَعَالَى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(5)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ }(6)
( 2 ) بَقَاءُ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى(7)
(
__________
(1) ت ) 3058 , ( د ) 4341
(2) صَحِيح الْجَامِع : 2234 , الصَّحِيحَة : 494 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3172
(3) أي : واضحا جَلِيًّا .
(4) الإيمان لابن مندة : 208 , ( ك ) 3303 , وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين , وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
(5) الحجر/9]
(6) المائدة/48]
(7) راجع حديث الشفاعة .(2/85)
خ م ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ(1)مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ(2)
__________
(1) أَيْ : الْمُعْجِزَات الْخَوَارِق . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)
(2) هَذَا دَالّ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ لَا بُدّ لَهُ مِنْ مُعْجِزَة تَقْتَضِي إِيمَان مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِهِ ، وَلَا يَضُرّهُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمُعَانَدَة , وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ آيَة أَوْ أَكْثَر مِنْ شَأْن مَنْ يُشَاهِدهَا مِنْ الْبَشَر أَنْ يُؤْمِن بِهِ لِأَجْلِهَا ..فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)(2/86)
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ(1)
__________
(1) أَيْ : إِنَّ مُعْجِزَتِي الَّتِي تَحَدَّيْت بِهَا هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ , وَهُوَ الْقُرْآن , لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْجَاز الْوَاضِح ، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَصْرُ مُعْجِزَاته فِيهِ , وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْمُعْجِزَات مَا أُوتِيَ مَنْ تَقَدَّمَهُ ، بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ الْمُعْجِزَة الْعُظْمَى الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا دُون غَيْره ، لِأَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ مُعْجِزَة خَاصَّة بِهِ لَمْ يُعْطَهَا بِعَيْنِهَا غَيْرُه , تَحَدَّى بِهَا قَوْمه ، وَكَانَتْ مُعْجِزَة كُلّ نَبِيّ تَقَع مُنَاسِبَة لِحَالِ قَوْمه , كَمَا كَانَ السِّحْر فَاشِيًا عِنْد فِرْعَوْن , فَجَاءَهُ مُوسَى بِالْعَصَا عَلَى صُورَة مَا يَصْنَع السَّحَرَة , لَكِنَّهَا تَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا ، وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ , وَكَذَلِكَ إِحْيَاء عِيسَى الْمَوْتَى , وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , لِكَوْنِ الْأَطِبَّاء وَالْحُكَمَاء كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَان فِي غَايَة الظُّهُور ، فَأَتَاهُمْ مِنْ جِنْس عَمَلهمْ بِمَا لَمْ تَصِل قُدْرَتهمْ إِلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْعَرَب الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَايَة مِنْ الْبَلَاغَة , جَاءَهُمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ , وَقِيلَ : الْمُرَاد أَنَّ مُعْجِزَات الْأَنْبِيَاء اِنْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارهمْ فَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا ، وَمُعْجِزَة الْقُرْآن مُسْتَمِرَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ، وَخَرْقُهُ لِلْعَادَةِ فِي أُسْلُوبه وَبَلَاغَته وَإِخْبَاره بِالْمُغَيَّبَاتِ ، فَلَا يَمُرّ عَصْر مِنْ الْأَعْصَار إِلَّا وَيَظْهَر فِيهِ شَيْء مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلّ عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ ، وَهَذَا أَقْوَى الْمُحْتَمَلَات ، وَتَكْمِيله فِي الَّذِي بَعْده . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)(2/87)
فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ(1)"(2)
( 3 ) اِنْفِرَادُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالدَّعْوَةِ إِلَى النَّاسِ كَافَّة
قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }(3)
( خ م حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) رَتَّبَ هَذَا الْكَلَام عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُعْجِزَة الْقُرْآن الْمُسْتَمِرَّة لِكَثْرَةِ فَائِدَته وَعُمُوم نَفْعه ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدَّعْوَة وَالْحُجَّة وَالْإِخْبَار بِمَا سَيَكُونُ ، فَعَمَّ نَفْعه مَنْ حَضَرَ وَمَنْ غَابَ , وَمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ ، فَحَسُنَ تَرْتِيب الرَّجْاء الْمَذْكُورِ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الرَّجْاء قَدْ تَحَقَّقَ ، فَإِنَّهُ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء تَبَعًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 186)
(2) خ ) 6846 , ( م ) 152
(3) سبأ/28](2/88)
" ( فُضِّلْتُ عَلَى الَأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ(1): )(2)( أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ(3)أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ(4))(5)( وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ )(6)( مَسِيرَةَ شَهْرٍ )(7)( يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي(8))(9)( وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي )(10)( وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا(11)
__________
(1) أَيْ : بِسِتِّ خِصَالٍ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(2) م ) 523 , ( ت ) 1553
(3) قَالَ الْهَرَوِيُّ : يَعْنِي بِهِ الْقُرْآن ؛ جَمَعَ اللَّه تَعَالَى فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَة ، وَكَلَامَه - صلى الله عليه وسلم - : كَانَ بِالْجَوَامِعِ قَلِيل اللَّفْظ كَثِير الْمَعَانِي .شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 280)
(4) خ ) 6597
(5) م ) 523 , ( خ ) 2815
(6) م ) 523 , ( خ ) 6597
(7) خ ) 328
(8) قَالَ الْحَافِظُ : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ ، فَالظَّاهِرُ اِخْتِصَاصُهُ بِهِ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْغَايَةَ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ ، وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ؟ , فِيهِ اِحْتِمَالٌ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(9) حم ) 22190 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(10) خ ) 328 , ( م ) 521
(11) هُوَ مَجَازٌ عَنْ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ ..تحفة الأحوذي(2/89)
وَطَهُورًا(1))(2)( فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ , وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ , إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ )(3)( وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً , وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً )(4)
( 4 ) كَوْنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْض
( حم ) , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنِّي لَأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ , وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ "(5)
( 5 ) إِعْطَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَوَامِعَ الْكَلِم
( خ م ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ "(6)
( 6 ) نُصْرَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالرُّعْب
(
__________
(1) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّهُورَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ تَثْبُتْ الْخُصُوصِيَّةُ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(2) م ) 523 , ( خ ) 328
(3) حم ) 7068 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن , ( س ) 432
(4) خ ) 328
(5) حم ) 12491 , الصَّحِيحَة تحت حديث : 1571
(6) م ) 523 , ( خ ) 2815(2/90)
خ م حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
" ( نُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ )(1)( مَسِيرَةَ شَهْرٍ )(2)( يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي(3))(4)
( 7 ) كَوْنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأُمَّتُهُ شُهَدَاءٌ عَلَى السَّابِقِينَ
قَالَ تَعَالَى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }(5)
وَقَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }(6)
( جة ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ "(7)
( 8 ) أُمَّةُ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَفْضَلُ اَلْأُمَمِ وَمَعْصُومُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الضَّلَالَة
(
__________
(1) م ) 523 , ( خ ) 6597
(2) خ ) 328
(3) قَالَ الْحَافِظُ : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ ، فَالظَّاهِرُ اِخْتِصَاصُهُ بِهِ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْغَايَةَ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ ، وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ؟ , فِيهِ اِحْتِمَالٌ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 211)
(4) حم ) 22190 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(5) الأحزاب/40]
(6) البقرة/143]
(7) , ( جة ) 4077 , انظر صحيح الجامع : 7875 , وقصة الدجال ص 41(2/91)
ت ) , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }(1)قَالَ : " إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً , أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى(2)"(3)
( صم ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَارَ أُمَّتِي أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ(4)
__________
(1) آل عمران/110]
(2) قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ كَثِيرٍ : يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ , وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ ، وإِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ بِنَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ أَشْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْرَمُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ لَمْ يُعْطَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا رَسُولٌ مِنْ الرُّسُلِ , فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ يَقُومُ الْقَلِيلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ مِنْ أَعْمَالِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 321)
(3) ت ) 3001 , ( جة ) 4288 , وحسنه الألباني في هداية الرواة : 6249
(4) الضلالة ) أَيْ : الْكُفْر أَوْ الْفِسْق أَوْ الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد , وَهَذَا قَبْل مَجِيء الرِّيح . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 320)
وفِي الحديث أَنَّ إِجْمَاع أُمَّته > حُجَّة , وَهُوَ مِنْ خَصَائِصهمْ . عون المعبود - (ج 9 / ص 293) ,
وَإِنَّمَا حَمَلَ الْأُمَّةَ عَلَى أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى الْكُفَّارِ , فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اِجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ , وَالْمُرَادُ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ , وَلَا عِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ الْعَوَامِّ , لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَنْ عِلْمٍ . تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 458)
قال أحد الدعاة : هذه الأمة إن لم يجمعها الحقُّ , فَرَّقَها الباطل .(2/92)
"(1)
( 9 ) قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَا دَعْوَةٍ وَلَا يَمِين
( س د حم ) , عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ , عَنْ عَمِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ :
" ( ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ , فَاسْتَتْبَعَهُ(2)رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ , فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَشْيَ " وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ ,
__________
(1) صم ) 79 , ( جة ) 3590 , ( ت ) 2167 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1786 , الصَّحِيحَة : 1331 , وظلال الجنة : 82
(2) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَتْبَعهُ .(2/93)
فَطَفِقَ(1)رِجَالٌ يَتَعَرَّضُونَ لِلْأَعْرَابِيِّ فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ(2)وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ابْتَاعَهُ )(3)( حَتَّى زَادَ بَعْضُهُمْ فِي السَّوْمِ عَلَى مَا ابْتَاعَهُ بِهِ مِنْهُ , فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسِ(4)
__________
(1) أَيْ : أَخَذَ , أو بَدَأ .
(2) أَيْ : يريدون شراء الفرس منه .
(3) د ) 3607
(4) أَيْ : فَاشْتَرِهِ ..عون المعبود - (ج 8 / ص 104)(2/94)
وَإِلَّا بِعْتُهُ )(1)( " فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ : أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ ؟ " , فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : لَا وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ " )(2)( فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ : هَلُمَّ شَاهِدًا يَشْهَدُ أَنِّي بِعْتُكَهُ , فَطَفِقَ النَّاسُ يَلُوذُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِالْأَعْرَابِيِّ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ )(3)( فَقَالُوا لِلْأَعْرَابِيِّ : وَيْلَكَ , رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ لِيَقُولَ إِلَّا حَقًّا , فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ : هَلُمَّ شَاهِدًا يَشْهَدُ أَنِّي بِعْتُكَهُ , حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - فَاسْتَمَعَ لِمُرَاجَعَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُرَاجَعَةِ الْأَعْرَابِيِّ , فَقَالَ خُزَيْمَةُ لِلْأَعْرَابِيِّ : أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ )(4)( " فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ : بِمَ تَشْهَدُ ؟ " , فَقَالَ : بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ(5)" فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ )(6)"(7)
( 10 ) رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنَامِ حَقّ
(
__________
(1) س ) 4647
(2) د ) 3607
(3) س ) 4647
(4) حم ) 21933 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( د ) 3607
(5) أَيْ : أَنَا أُصَدِّقُك بِخَبَرِ السَّمَاء وَلَا أُصَدِّقُك بِمَا تَقُول ؟ . عون المعبود - (ج 8 / ص 104)
(6) د ) 3607 , ( س ) 4647
(7) صححه الألباني في الإرواء : 1286(2/95)
خ م ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي(1)
__________
(1) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : رُؤْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَة إِدْرَاك عَلَى الْحَقِيقَة ، وَرُؤْيَته عَلَى غَيْر صِفَته إِدْرَاك لِلْمِثَالِ ، فَإِنَّ الصَّوَاب أَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا تُغَيِّرهُمْ الْأَرْض ، وَيَكُون إِدْرَاك الذَّات الْكَرِيمَة حَقِيقَة وَإِدْرَاك الصِّفَات إِدْرَاك الْمَثَل ، وَقَوْله " فَسَيَرَانِي " مَعْنَاهُ فَسَيَرَى تَفْسِير مَا رَأَى , لِأَنَّهُ حَقّ وَغَيْب أُلْقِيَ فِيهِ ، قَالَ : وَهَذَا كُلّه إِذَا رَآهُ عَلَى صُورَته الْمَعْرُوفَة : فَإِنْ رَآهُ عَلَى خِلَاف صِفَته فَهِيَ أَمْثَال ، فَإِنْ رَآهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَثَلًا فَهُوَ خَيْر لِلرَّائِي وَفِيهِ , وَعَلَى الْعَكْس فَبِالْعَكْسِ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيث , فَقَالَتْ طَائِفَة : مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ رَآهُ عَلَى صُورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ، وَيَلْزَم مِنْهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى غَيْر صِفَته أَنْ تَكُون رُؤْيَاهُ مِنْ الْأَضْغَاث ، وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّهُ يُرَى فِي النَّوْم عَلَى حَالَة تُخَالِف حَالَته فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْوَال اللَّائِقَة بِهِ , وَتَقَع تِلْكَ الرُّؤْيَا حَقًّا , كَمَا لَوْ رُئِيَ مَلَأَ دَارًا بِجِسْمِهِ مَثَلًا , فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى اِمْتِلَاء تِلْكَ الدَّار بِالْخَيْرِ ، وَلَوْ تَمَكَّنَ الشَّيْطَان مِنْ التَّمْثِيل بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْسَب إِلَيْهِ لَعَارَضَ عُمُومَ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي " , فَالْأَوْلَى أَنْ تُنَزَّه رُؤْيَاهُ , وَكَذَا رُؤْيَا شَيْء مِنْهُ أَوْ مِمَّا يُنْسَب إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْحُرْمَة وَأَلْيَقُ بِالْعِصْمَةِ , كَمَا عُصِمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي يَقَظَته ، قَالَ : وَالصَّحِيح فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث أَنَّ مَقْصُوده أَنَّ رُؤْيَته فِي كُلّ حَالَة لَيْسَتْ بَاطِلَة وَلَا أَضْغَاثًا , بَلْ هِيَ حَقّ فِي نَفْسهَا , وَلَوْ رُئِيَ عَلَى غَيْر صُورَته فَتَصَوُّرُ تِلْكَ الصُّورَة لَيْسَ مِنْ الشَّيْطَان , بَلْ هُوَ مِنْ قِبَل اللَّه , فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرهَا وَإِلَّا سَعَى فِي تَأْوِيلهَا وَلَا يُهْمِل أَمْرهَا , لِأَنَّهَا إِمَّا بُشْرَى بِخَيْرٍ أَوْ إِنْذَار مِنْ شَرّ , إِمَّا لِيُخِيفَ الرَّائِي لِيَنْزَجِر عَنْهُ , وَإِمَّا لِيُنَبِّه عَلَى حُكْم يَقَع لَهُ فِي دِينه أَوْ دُنْيَاهُ ,
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُرَى فِي الْمَنَام أَمْثِلَةٌ لِلْمَرْئِيَّاتِ لَا أَنْفُسُهَا ، غَيْر أَنَّ تِلْكَ الْأَمْثِلَة تَارَة تَقَع مُطَابِقَة وَتَارَة يَقَع مَعْنَاهَا ، فَمِنْ الْأَوَّل رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة , وَفِيهِ " فَإِذَا هِيَ أَنْتِ " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْيَقَظَة مَا رَآهُ فِي نَوْمه بِعَيْنِهِ , وَمِنْ الثَّانِي رُؤْيَا الْبَقَر الَّتِي تُنْحَر , وَالْمَقْصُود بِالثَّانِي التَّنْبِيه عَلَى مَعَانِي تِلْكَ الْأُمُور ، وَمِنْ فَوَائِد رُؤْيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْكِين شَوْق الرَّائِي , لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِي مَحَبَّته . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 469)(2/96)
فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ(1)لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ(2)فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي(3)"(4)
( 11 ) إجَابَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاجِبَةٌ وَلَا تَمْنَعُ مِنْهَا الصَّلَاة
( خ ) , عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 6592 , ( م ) 2266 , وَقَالَ اِبْن بَطَّال قَوْله " فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة " يُرِيد تَصْدِيق تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَة وَصِحَّتهَا وَخُرُوجهَا عَلَى الْحَقّ ، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَة , لِأَنَّهُ سَيَرَاهُ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْيَقَظَة , فَتَرَاهُ جَمِيع أُمَّته مَنْ رَآهُ فِي النَّوْم وَمَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْهُمْ , وَقَدْ اِشْتَدَّ إِنْكَار الْقُرْطُبِيّ عَلَى مَنْ قَالَ : مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَام فَقَدْ رَأَى حَقِيقَته , ثُمَّ يَرَاهَا كَذَلِكَ فِي الْيَقَظَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 469)
(2) د ) 5023 , قَوْله " فَكَأَنَّمَا رَآنِي " تَشْبِيه , وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ فِي الْيَقَظَة لَطَابَقَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَام , فَيَكُون الْأَوَّل حَقًّا وَحَقِيقَة , وَالثَّانِي حَقًّا وَتَمْثِيلًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 469)
(3) يُشِير إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَ الشيطان مِنْ التَّصَوُّر فِي أَيْ صُورَة أَرَادَ , فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ التَّصَوُّر فِي صُورَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 469)
(4) خ ) 110 , ( م ) 2266(2/97)
كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ , " فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " , فَلَمْ أُجِبْهُ )(1)( حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ , فَقَالَ : " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ ؟ " )(2)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي , فَقَالَ : " أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ(3)؟ }(4))(5)"
( 12 ) رُؤْيَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ خَلْفَه
( خ م ت حم ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 4204 , ( س ) 913
(2) خ ) 4370 , ( س ) 913
(3) لِمَا يُحْيِيكُمْ ) أَيْ : الْإِيمَان , فَإِنَّهُ يُورِثُ الْحَيَاة الْأَبَدِيَّة , أَوْ الْقُرْآن , فِيهِ الْحَيَاة وَالنَّجَاة ، أَوْ الشَّهَادَة , فَإِنَّهُمْ أَحْيَاء عِنْد اللَّه يُرْزَقُونَ ، أَوْ الْجِهَاد , فَإِنَّهُ سَبَبُ بَقَائِكُمْ , كَذَا فِي جَامِعِ الْبَيَانِ , وَدَلَّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ إِجَابَةَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُبْطِل الصَّلَاةَ ، كَمَا أَنَّ خِطَابَهُ بِقَوْلِك السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيُّ لَا يُبْطِلُهَا , وَقِيلَ : إِنَّ دُعَاءَهُ كَانَ لِأَمْرٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِير , وَلِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاة بِمِثْلِهِ . عون المعبود - (ج 3 / ص 391)
(4) الأنفال/24]
(5) خ ) 4204 , 4720 ( س ) 913(2/98)
" ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ )(1)( الظُّهْرَ وَفِي مُؤَخَّرِ الصُّفُوفِ رَجُلٌ أَسَاءَ الصَّلَاةَ , فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( رَقِيَ الْمِنْبَرَ(3))(4)( فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ )(5)( أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ )(6)( إِنِّي إِمَامُكُمْ , فلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالْقُعُودِ وَلَا بِالاِنْصِرَافِ )(7)( أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا ؟ )(8)( تَرَوْنَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا تَصْنَعُونَ ؟ )(9)( إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي )(10)( فِي الصَّلَاةِ فِي الرُّكُوعِ )(11)( إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ )(12)( كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي )(13)( فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ )(14)
( 13 ) حُرْمَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُنَادَاتِه مِنْ وَرَاء اَلْحُجُرَات
__________
(1) م ) 426
(2) حم ) 9795 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد حسن .
(3) أَيْ : صعده .
(4) خ ) 409 , ( حم ) 13406
(5) حم ) 9795
(6) خ ) 6268 , ( م ) 425
(7) م ) 426 , ( س ) 1363
(8) خ ) 408 , ( م ) 424
(9) خ ) 409
(10) خ ) 709 , ( م ) 426
(12) خ ) 6268 , ( م ) 425
(13) خ ) 409
(14) خ ) 408(2/99)
قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ , إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّه قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ , إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(1)
( 14 ) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ
قَالَ تَعَالَى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ(2)
__________
(1) الحجرات/2-5]
(2) قال القرطبي : قوله تعالى : هذه الْآية أزال الله تعالى بها أحكاماً كانت في صدر الإسلام ؛ منها : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لَا يصلّي على مَيّت عليه دَيْن ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم , فمن تُوُفِّيَ وعليه دَين فعليّ قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته " أخرجه الصحيحان , وفيهما أيضاً « فأيكم ترك دَيْناً أو ضَياعاً فأنا مولاه » قال ابن العربيّ : فانقلبت الآن الحال بالذنوب ، فإن تركوا مالاً ضُويِق العَصَبة فيه ، وإن تركوا ضَياعاً أُسْلِموا إليه ؛ فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الْآية بتفسير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - , وقيل : أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أوْلى .
وقيل : أولى بهم أي هو أولى بأن يحكم على المؤمنين فينفذ حكمه في أنفسهم ؛ أَيْ : فيما يحكمون به لأنفسهم مما يخالف حكمه .
الثانية : قال بعض أهل العلم : يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداءً بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال : « فعليّ قضاؤه » , والضَّياع ( بفتح الضاد ) مصدر ضاع ، ثم جعل اسماً لكل ما هو بصدد أن يضيع من عيال وبنين لَا كافل لهم ، ومال لَا قَيّم له , وسمّيت الأرض ضَيعة لأنها معرّضة للضياع ، وتجمع ضِياعاً بكسر الضاد . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 4423)(2/100)
}(1)
( 15 ) وُضُوءُ النَّبِيِّ لِكُلِّ صَلَاة
( د حم ) , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ قَالَ :
( قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَرَأَيْتَ(2)تَوَضُّؤَ ابْنِ عُمَرَبلِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ , عَمَّ ذَاكَ ؟ , فَقَالَ : حَدَّثَتْنِيهِ(3)أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ حَدَّثَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا(4)وَغَيْرَ طَاهِرٍ , فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ(5)
__________
(1) الأحزاب/6]
(2) مَعْنَاهُ الِاسْتِخْبَار , أَيْ : أَخْبِرْنِي عَنْ كَذَا , وَاسْتِعْمَال أَرَأَيْت فِي الْإِخْبَار مَجَاز ، أَيْ : أَخْبِرُونِي عَنْ حَالَتكُمْ الْعَجِيبَة ، وَوَجْه الْمَجَاز أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعِلْم بِالشَّيْءِ سَبَبًا لِلْإِخْبَارِ عَنْهُ ، أَوْ الْإِبْصَارُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْإِحَاطَة بِهِ عِلْمًا , وَإِلَى صِحَّة الْإِخْبَار عَنْهُ , اُسْتُعْمِلَتْ الصِّيغَة الَّتِي لِطَلَبِ الْعِلْم ، أَوْ لِطَلَبِ الْإِبْصَار فِي طَلَب الْخَيْر لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَب ، فَفِيهِ مَجَازَانِ : اِسْتِعْمَال رَأَى الَّتِي بِمَعْنَى عَلِمَ أَوْ أَبْصَرَ فِي الْإِخْبَار ، وَاسْتِعْمَال الْهَمْزَة الَّتِي هِيَ لِطَلَبِ الرُّؤْيَة فِي طَلَب الْإِخْبَار . عون المعبود - (ج 1 / ص 60)
(3) أَيْ : فِي شَأْن الْوُضُوء لِكُلِّ صَلَاة . عون المعبود - (ج 1 / ص 60)
(4) أَيْ : سَوَاء كَانَ اِبْن عُمَر طَاهِرًا . عون المعبود - (ج 1 / ص 60)
(5) أَيْ : الْوُضُوء لِكُلِّ صَلَاة ..عون المعبود - (ج 1 / ص 60)(2/101)
أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ )(1)( وَوُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ " فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ )(2)( فَكَانَ لَا يَدَعُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ )(3)( حَتَّى مَاتَ )(4).(5)
( 16 ) نَوْمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُوجِبُ وُضُوءًا
( ش ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَمَا يُعْرَفُ نَوْمُهُ إِلَّا بِنَفْخِهِ(6)ثُمَّ يَقُومُ فَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ "(7)
( جة ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ , ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ(8)"(9)
( 17 ) تَطَوُّعُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَلَاةِ قَاعِدًا كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا
( م ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِبقَالَ :
__________
(1) د ) 48
(2) حم ) 22010 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) د ) 48
(4) حم ) 22010
(5) حسنه الألباني في المشكاة : 426 ، وهداية الرواة : 406
(6) أَيْ : يَتنفَّس بِصَوْتٍ حَتَّى يُسْمَع مِنْهُ صَوْت النَّفْخ كَمَا يُسْمَع مِنْ النَّائِم .حاشية السندي على ابن ماجه (ج 1 / ص 419)
(7) ش ) 1425 , ( طب ) 9995 , انظر الصَّحِيحَة : 2925
(8) لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - تَنَام عَيْنه وَلَا يَنَام قَلْبه كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا فِي الصِّحَاح , فَنَوْمه غَيْر نَاقِض , لِأَنَّ النَّوْم إِنَّمَا يَنْقَضِ الْوُضُوء لَمَّا خِيفَ عَلَى صَاحِبه مِنْ خُرُوج شَيْء مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْقِل وَلَا يَتَحَقَّق ذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَنَام قَلْبه .حاشية السندي(ج1ص419)
(9) جة ) 474 , ( حم ) 25080 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5018(2/102)
حُدِّثْتُ(1)أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَلَاةِ(2)
__________
(1) أَيْ : حَدَّثَنِي النَّاس مِنْ الصَّحَابَة . عون المعبود - (ج 2 / ص 443)
(2) قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الْقَاعِد فِيهَا نِصْف ثَوَاب الْقَائِم ، فَيَتَضَمَّن صِحَّتهَا وَنُقْصَان أَجْرهَا , وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى صَلَاة النَّفْل قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام , فَهَذَا لَهُ نِصْف ثَوَاب الْقَائِم ، وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّفْل قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَام فَلَا يَنْقُص ثَوَابه , بَلْ يَكُون كَثَوَابِهِ قَائِمًا ، وَأَمَّا الْفَرْض فَإِنَّ الصَّلَاة قَاعِدًا مَعَ قُدْرَته عَلَى الْقِيَام لَا يَصِحّ , فَلَا يَكُون فِيهِ ثَوَاب بَلْ يَأْثَم , قَالَ أَصْحَابنَا : وَإِنْ اِسْتَحَلَّهُ كَفَرَ , وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدِّينَ , كَمَا لَوْ اِسْتَحَلَّ الرِّبَا وَالزِّنَا أَوْ غَيْره مِنْ الْمُحَرَّمَات الشَّائِعَة التَّحْرِيم ، وَإِنْ صَلَّى الْفَرْض قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَام ، أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَام وَالْقُعُود , فَثَوَابه كَثَوَابِهِ قَائِمًا لَا يَنْقُص بِاتِّفَاقِ أَصْحَابنَا , فَيَتَعَيَّن حَمْل الْحَدِيث فِي تَنْصِيف الثَّوَاب عَلَى مَنْ صَلَّى النَّفْل قَاعِدًا مَعَ قُدْرَته عَلَى الْقِيَام , هَذَا تَفْصِيل مَذْهَبنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور فِي تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ جَمَاعَة , مِنْهُمْ الثَّوْرِيّ وَابْن الْمَاجِشُونِ ، وَحَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى مَنْ لَهُ عُذْر يُرَخِّص فِي الْقُعُود فِي الْفَرْض وَالنَّفْل وَيُمْكِنهُ الْقِيَام بِمَشَقَّةٍ ..عون المعبود - (ج 2 / ص 443)(2/103)
" , قَالَ : فَأَتَيْتُهُ " فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا " , فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى [ رَأْسِي ](1)فَقَالَ : " مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ؟ " , قُلْتُ : حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ : " صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَلَاةِ , وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا " , قَالَ : " أَجَلْ , وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ(2)"(3)
(
__________
(1) أَيْ : بِالتَّعَجُّبِ ، وَفِي رِوَايَة مُسْلِم : " فَوَضَعْت يَدِي عَلَى رَأْسه " قَالَ عَلِيّ الْقَارِي : أَيْ : لِيَتَوَجَّه إِلَيْهِ , وَكَأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَانِع مِنْ أَنْ يَحْضُر بَيْن يَدَيْهِ ، وَمِثْل هَذَا لَا يُسَمِّي خِلَاف الْأَدَب عِنْد طَائِفَة الْعَرَب , لِعَدَمِ تَكَلُّفهمْ وَكَمَال تَأَلُّفهمْ . عون المعبود - (ج 2 / ص 443)
(2) قَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ عِنْد أَصْحَابنَا مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجُعِلْت نَافِلَته قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا تَشْرِيفًا لَهُ , كَمَا خُصَّ بِأَشْيَاء مَعْرُوفَة فِي كُتُب أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ . عون المعبود - (ج 2 / ص 443)
(3) م ) 735 , ( د ) 950(2/104)
18 ) وِصَالُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّوْم(1)
( خ م حم ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( لَا تُوَاصِلُوا )(2)( فِي الصَّوْمِ )(3)( فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ(4)
__________
(1) الْوِصَال ) : تَتَابُع الصَّوْم مِنْ غَيْر إِفْطَار بِاللَّيْلِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْوِصَال مِنْ خَصَائِص مَا أُبِيحَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ , وَهُوَ مَحْظُور عَلَى أُمَّته ، وَيُشْبِه أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا يَتَخَوَّف عَلَى الصَّائِم مِنْ الضَّعْف وَسُقُوط الْقُوَّة , فَيَعْجِزُوا عَنْ الصِّيَام الْمَفْرُوض وَعَنْ سَائِر الطَّاعَات , أَوْ يَمَلُّوهَا إِذَا نَالَتْهُمْ الْمَشَقَّة , فَيَكُون سَبَبًا لِتَرْكِ الْفَرِيضَة . عون المعبود - (ج 5 / ص 238)
(2) خ ) 1862
(3) خ ) 1864
(4) السَّحَر : الثلث الأخير من الليل .
وروى ( خ ) عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ " ( خ ) 1863(2/105)
", فَقَالُوا : إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ )(1)( قَالَ : " وَأَيُّكُمْ مِثْلِي ؟ )(2)( إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ )(3)( إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي(4))(5)
( 19 ) أَخْذُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفِيَّ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَة
( د ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : " كَانَتْ صَفِيَّةُ ك مِنْ الصَّفِيِّ(6)
__________
(1) خ ) 1862 , ( م ) 1103
(2) خ ) 1864 , ( م ) 1103
(3) حم ) 7326 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( خ ) 6869
(4) يَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا أَنِّي أُعَانُ عَلَى الصِّيَام وَأَقْوَى عَلَيْهِ , فَيَكُون ذَلِكَ لِي بِمَنْزِلَةِ الطَّعَام وَالشَّرَاب لَكُمْ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَدْ يُؤْتَى عَلَى الْحَقِيقَة بِطَعَامٍ وَشَرَاب , فَيَكُون ذَلِكَ تَخْصِيصًا لَهُ وَكَرَامَة لَا يَشْرَكهُ فِيهَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه . عون المعبود - (ج 5 / ص 238)
(5) خ ) 1864 , ( م ) 1103
(6) الصَّفِيُّ : فَسَّرَهُ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ يُضْرَبُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَهْمٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّفِيُّ يُؤْخَذُ لَهُ رَأْسٌ مِنْ الْخُمُسِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ " , وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : " كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيُّ , إِنْ شَاءَ عَبْدًا وَإِنْ شَاءَ أَمَةً وَإِنْ شَاءَ فَرَسًا , يَخْتَارُهُ مِنْ الْخُمُسِ "
وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ " كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا كَانَ لَهُ سَهْمٌ صَافٍ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ ، وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ السَّهْمِ " وَقِيلَ : إِنَّ صَفِيَّةَ كَانَ اِسْمُهَا قَبْلَ أَنْ تُسْبَى زَيْنَب ، فَلَمَّا صَارَتْ مِنْ الصَّفِيِّ سُمِّيَتْ صَفِيَّةُ .فتح الباري(ج12ص 31)(2/106)
"(1)
( 20 ) جَمْعُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَة
( خ م جة حم ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ عَلَى )(2)( جَمِيعِ نِسَائِهِ(3))(4)( فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ(5)
__________
(1) د ) 2994
(2) خ ) 4781
(3) أَيْ : يُجَامِعُهُنَّ . تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 168)
(4) جة ) 589
(5) الْمُرَاد بِهَا قَدْر مِنْ الزَّمَانِ لَا مَا اِصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْهَيْئَةِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 422)(2/107)
مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ )(1)( ويَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا )(2)( وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ )(3)وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ(4)(
__________
(1) خ ) 265
(2) حم ) 12118 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( م ) 309
(3) خ ) 4781 , ( س ) 3198
(4) خ ) 265 , وقد جَمَعَ اِبْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى حَالَتَيْنِ , لَكِنَّهُ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ " أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِ الْمَدِينَة حَيْثُ كَانَ تَحْتَهُ تِسْع نِسْوَة , وَالْحَالَةَ الثَّانِيَةَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ , حَيْثُ اِجْتَمَعَ عِنْدَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ اِمْرَأَة " , وَمَوْضِع الْوَهْم مِنْهُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ اِمْرَأَةٌ سِوَى سَوْدَة , ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة بِالْمَدِينَةِ , ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمّ سَلَمَة وَحَفْصَةَ وَزَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ , ثُمَّ تَزَوَّجَ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِي الْخَامِسَةِ , ثُمَّ جُوَيْرِيَة فِي السَّادِسَةِ ثُمَّ صَفِيَّة وَأُمّ حَبِيبَة وَمَيْمُونَة فِي السَّابِعَةِ , وَهَؤُلَاءِ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ بِهِنَّ مِنْ الزَّوْجَاتِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ , وَاخْتُلِفَ فِي رَيْحَانَةَ , وَكَانَتْ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَة , فَجَزَمَ اِبْن إِسْحَاق بِأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَاب , فَاخْتَارَتْ الْبَقَاءَ فِي مِلْكِهِ , وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَهُ فِي سَنَة عَشْرٍ , وَكَذَا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَة بَعْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ بِقَلِيل , قَالَ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ : مَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة , فَعَلَى هَذَا لَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَكْثَر مِنْ تِسْع مَعَ أَنَّ سَوْدَة كَانْت وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَة , فَرَجَحَتْ رِوَايَةُ سَعِيد , لَكِنْ تُحْمَلُ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَلَى أَنَّهُ ضَمَّ مَارِيَة وَرَيْحَانَة إِلَيْهِنَّ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِنَّ لَفْظَ " نِسَائِهِ " تَغْلِيبًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 422)(2/108)
قَالَ قَتَادَةُ : فَقُلْتُ لَأَنَسٍ : وَهَلْ كَانَ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ , قَالَ : " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ )(1)( رَجُلًا(2)
__________
(1) خ ) 265 , ( حم ) 14141
(2) الْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْغُسْل لَا يَجِب بَيْن الْجِمَاعَيْنِ , سَوَاء كَانَ لِتِلْكَ الْمُجَامَعَة أَوْ لِغَيْرِهَا , وَيَدُلُّ عَلَى اِسْتِحْبَابِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ " , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا , قَالَ : هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَظْهَرُ , واُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْقَسْم بَيْن الزَّوْجَات لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِلَّا فَوَطْء الْمَرْأَة فِي نَوْبَة ضَرَّتهَا مَمْنُوع عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْل طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم ، وَبِهِ جَزَمَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة ، وَالْمَشْهُور عِنْدهمْ وَعِنْد الْأَكْثَرِينَ الْوُجُوب , قَالَ الْحَافِظ : وَيَحْتَاج مَنْ قَالَ بِهِ إِلَى الْجَوَاب عَنْ هَذَا الْحَدِيث , فَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ بِرِضَا صَاحِبَة النَّوْبَة , كَمَا اِسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْت عَائِشَة ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ يَحْصُل عِنْد اِسْتِيفَاء الْقِسْمَة ثُمَّ يَسْتَأْنِف الْقِسْمَة , وَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ عِنْد إِقْبَاله مِنْ سَفَر ، لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ أَقْرَعَ بَيْنهنَّ فَيُسَافِر بِمَنْ يَخْرُج سَهْمهَا ، فَإِذَا اِنْصَرَفَ اِسْتَأْنَفَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَانَ يَقَع قَبْل وُجُوب الْقِسْمَة ثُمَّ تُرِكَ بَعْدهَا ، وَاَللَّه أَعْلَم , وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى مَا أُعْطِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُوَّة عَلَى الْجِمَاع ، وَالْحِكْمَة فِي كَثْرَة أَزْوَاجه أَنَّ الْأَحْكَام الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَة يَطَّلِعْنَ عَلَيْهَا فَيَنْقُلْنَهَا ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْكَثِير الطَّيِّب ، وَمَنْ ثَمَّ فُضِّلَ بَعْضُهُنَّ عَلَى الْبَاقِيَات . عون المعبود - (ج 1 / ص 249)(2/109)
)(1)"
( 21 ) إِثْبَاتُ عَمَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْه
( خ م س حم ) , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ(2)عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
__________
(1) خز ) 231
(2) هو : أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني ، قيل اسمه عبد الله ، وقيل إسماعيل , المولد : بضع وعشرين , الطبقة : 3 من الوسطى من التابعين , الوفاة : , 94 أو 104 هـ بالمدينة , روى له : ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه ) رتبته عند ابن حجر : , ثقة مكثر , رتبته عند الذهبي : أحد الأئمة .(2/110)
" ( كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ )(1)( فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ ، وَيَحْتَجِرُهُ(2)بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي )(3)( فِيهِ " )(4)( فَصَلَّى فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ قِرَاءَتَهُ )(5)(
__________
(1) خ ) 697
(2) مَعْنَى اِحْتَجَرَ حُجْرَة أَيْ : حَوَّطَ مَوْضِعًا مِنْ الْمَسْجِد بِحَصِيرٍ لِيَسْتُرهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ ، وَلَا يَمُرَّ بَيْن يَدَيْهِ مَارٌّ ، وَيَتَوَفَّر خُشُوعه وَفَرَاغ قَلْبه . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 132)
(3) خ ) 5524
(4) م ) 782
(5) حم ) 26080 , 24367 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح ..(2/111)
فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الْحَصِيرَةُ )(1)( فَأَصْبَحُوا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّاسِ , فَكَثُرَ النَّاسُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ ، " فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , خُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ , فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا(3)
__________
(1) س ) 762 , ( خ ) 697
(2) حم ) 24367 , ( خ ) 5524
(3) الْمَلَال : اِسْتِثْقَال الشَّيْء وَنُفُور النَّفْس عَنْهُ بَعْد مَحَبَّته ، وَهُوَ مُحَال عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّفَاقٍ , قَالَ الْهَرَوِيُّ : مَعْنَاهُ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْله حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَه فَتَزْهَدُوا فِي الرَّغْبَة إِلَيْهِ , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ اللَّهُ إِذَا مَلَلْتُمْ ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ فِي الْبَلِيغ : لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يَنْقَطِعَ خُصُومُه , لِأَنَّهُ لَوْ اِنْقَطَعَ حِين يَنْقَطِعُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ مَزِيَّة , وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظِ : " اِكْلَفُوا مِنْ الْعَمَل مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنْ الثَّوَاب حَتَّى تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَل " ..فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 68)(2/112)
وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلى اللَّهِ )(1)( مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ )(2)( قَالَتْ : ثُمَّ تَرَكَ مُصَلَّاهُ ذَلِكَ فَمَا عَادَ لَهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ - عز وجل - (3))(4)( وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ(5)
__________
(1) خ ) 5524
(2) م ) 782 , ( خ ) 5524
(3) فِي الحديثِ جَوَازُ مِثْل هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضْيِيق عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوهمْ وَلَمْ يَتَّخِذهُ دَائِمًا ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَحْتَجِرهَا بِاللَّيْلِ يُصَلِّي فِيهَا ، وَيُنَحِّيهَا بِالنَّهَارِ وَيَبْسُطهَا , ثُمَّ تَرَكَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَعَادَ إِلَى الصَّلَاة فِي الْبَيْت , وَفِيهِ : جَوَاز النَّافِلَة فِي الْمَسْجِد , وَفِيهِ : جَوَاز الْجَمَاعَة فِي غَيْر الْمَكْتُوبَة ، وَجَوَاز الِاقْتِدَاء بِمِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة , وَفِيهِ : تَرْكُ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ , وَفِيهِ : بَيَان مَا كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته وَمُرَاعَاة مَصَالِحهمْ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُور وَكِبَار النَّاس وَالْمَتْبُوعِينَ - فِي عِلْم وَغَيْره - الِاقْتِدَاء بِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ .شرح النووي (ج3ص132)
(4) س ) 762
(5) أَيْ : لَازَمُوهُ وَدَاوَمُوا عَلَيْهِ , وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بِالْآلِ هُنَا أَهْل بَيْته وَخَوَاصّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ أَزْوَاجه وَقَرَابَته وَنَحْوهمْ ..شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 133)(2/113)
" )(1)( قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : قَالَ اللَّهُ - عز وجل - : { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ }(2))(3).
( 22 ) حُرْمَةُ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِه
( خ م ) , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) م ) 782 , ( خ ) 1869
(2) المعارج/23]
(3) حم ) 24584 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح .(2/114)
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ : أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ ؟ , فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " كُلُوا ، وَلَمْ يَأْكُلْ " ، وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ " ضَرَبَ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ(1)فَأَكَلَ مَعَهُمْ(2)"(3)
( خ م حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) أَيْ : شَرَعَ فِي الْأَكْل مُسْرِعًا ، وَمِثْله : ضَرَبَ فِي الْأَرْض , إِذَا أَسْرَعَ السَّيْر فِيهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 58)
(2) فَارَقَتْ الصَّدَقَةُ الْهَدِيَّةَ , حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ وَحَلَّتْ لَهُ هَذِهِ , لأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّدَقَةِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ ، وَذَلِكَ يُنْبِئُ عَنْ عِزِّ الْمُعْطِي وَذُلِّ الْآخِذِ , فِي اِحْتِيَاجِهِ إِلَى التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَالرِّفْقِ إِلَيْهِ ، وَمِنْ الْهَدِيَّةِ التَّقَرُّبُ إِلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ وَإِكْرَامُهُ بِعَرْضِهَا عَلَيْهِ ، فَفِيهَا غَايَةُ الْعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ لَدَيْهِ , وَأَيْضًا فَمِنْ شَأْنِ الْهَدِيَّةِ مُكَافَأَتُهَا فِي الدُّنْيَا ، وَلِذَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْخُذُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عِوَضَهَا عَنْهَا , فَلَا مِنَّةَ الْبَتَّةَ فِيهَا , بَلْ لِمُجَرَّدِ الْمَحَبَّةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ : " تَهَادَوْا تَحَابُّوا " وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّدَقَةِ فَفِي الْعُقْبَى , وَلَا يُجَازِيهَا إِلَّا الْمَوْلَى . تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 190)
(3) خ ) 2437 , ( م ) 1077 , ( ت ) 656(2/115)
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بِالتَّمْرِ )(1)( مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ )(2)( عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ(3)فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ , حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُبيَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ , فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، " فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(4)( فَإِذَا هُوَ يَلُوكُ تَمْرَةً )(5)( فَقَالَ : كِخْ كِخْ , ارْمِ بِهَا )(6)( فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ )(7)( فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ وَقَالَ : أَمَا تَعْرِفُ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ ؟ )(8)"
( م د حم ) , وَعَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) خ ) 1414
(2) حم ) 9256 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) الصِّرَام : الْجِدَاد وَالْقِطَاف .
(4) خ ) 1414
(5) حم ) 10028 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) م ) 1069
(7) حم ) 7744 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(8) خ ) 1414 , ( م ) 1069(2/116)
اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِبفَقَالَا : وَاللَّهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ - قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَاهُ فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ , وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ , قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ عَلِيٌّ : لَا تَفْعَلَا , فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ )(1)( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا وَاللَّهِ لَا نَسْتَعْمِلُ مِنْكُمْ أَحَدًا عَلَى الصَّدَقَةِ " )(2)( فَانْتَحَاهُ(3)رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً(4)مِنْكَ عَلَيْنَا , فَوَاللَّهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ(5)فَقَالَ عَلِيٌّ : أَرْسِلُوهُمَا , فَانْطَلَقْنَا , وَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ وَقَالَ : أَنَا أَبُو حَسَنٍ الْقَرْمُ(6)وَاللَّهِ لَا أَرِيمُ مَكَانِي(7)
__________
(1) م ) 1072
(2) د ) 2985
(3) أَيْ : عَرَضَ لَهُ وَقَصَدَهُ . شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 36)
(4) أَيْ : حَسَدًا مِنْك لَنَا . شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 36)
(5) أَيْ : مَا حَسَدْنَاك ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 36)
(6) الْقَرْم ) : هُوَ السَّيِّد ، وَأَصْله فَحْل الْإِبِل ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ الْمُقَدَّم فِي الْمَعْرِفَة بِالْأُمُورِ وَالرَّأْي كَالْفَحْلِ .النووي
(7) أَيْ : لَا أُفَارِقهُ ..شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 36)(2/117)
حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا ابْنَاكُمَا بِحَوْرِ(1)مَا بَعَثْتُمَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ : " فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ " سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ فَقُمْنَا عِنْدَهَا " حَتَّى جَاءَ )(2)( فَأَخَذَ بِأُذُنِي وَأُذُنِ الْفَضْلِ ثُمَّ قَالَ : أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ(3)ثُمَّ دَخَلَ فَأَذِنَ لِي وَلِلْفَضْلِ فَدَخَلْنَا )(4)( - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ك - " , قَالَ : فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ(5)ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ )(6)( وَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ السِّنِّ مَا تَرَى , وَأَحْبَبْنَا أَنْ نَتَزَوَّجَ , وَلَيْسَ عِنْدَ أَبَوَيْنَا مَا يُصْدِقَانِ(7)
__________
(1) قَوْله : ( بِحَوْرِ ) أَيْ : بِجَوَابِ ذَلِكَ ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ الْخَيْبَة ، أَيْ يَرْجِعَا بِالْخَيْبَةِ ، وَأَصْلُ ( الْحَوْر ) الرُّجُوعُ إِلَى النَّقْص . شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 36)
(2) م ) 1072
(3) أَيْ : مَاذَا تَرْفَعَانِ إِلَيَّ .
(4) د ) 2985
(5) أَيْ : وَكَّلَ كُلٌّ مِنَّا الْكَلَام إِلَى صَاحِبه , يُرِيد أَنْ يَبْتَدِئ الْكَلَام صَاحِبه دُونه .
(6) م ) 1072
(7) أَيْ : مَا يُؤَدِّيَانِ بِهِ الْمَهْر ..(2/118)
عَنَّا , فَاسْتَعْمِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ )(1)( عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ , فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ مَا يُؤَدِّي )(2)( الْعُمَّالُ )(3)( وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ , قَالَ : " فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَوِيلًا )(4)( وَرَفَعَ بَصَرَهُ قِبَلَ سَقْفِ الْبَيْتِ " حَتَّى طَالَ عَلَيْنَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَيْنَا شَيْئًا )(5)( فَأَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ )(6)( فَأَشَارَتْ إِلَيْنَا زَيْنَبُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِهَا )(7)( بِيَدِهَا )(8)( أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ )(9)( " ثُمَّ خَفَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ فَقَالَ لَنَا : )(10)( إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ(11)
__________
(1) د ) 2985
(2) م ) 1072
(3) د ) 2985
(4) م ) 1072
(5) د ) 2985
(6) م ) 1072
(7) حم ) 17554 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(8) د ) 2985
(9) م ) 1072
(10) د ) 2985
(11) أَيْ : إِنَّهَا تَطْهِير لِأَمْوَالِهِمْ وَنُفُوسهمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } كَغُسَالَةِ الْأَوْسَاخ ..عون المعبود - (ج 6 / ص 463)(2/119)
)(1)( وَإِنَّ اللَّهَ أَبَى لَكُمْ وَرَسُولُهُ أَنْ يَجْعَلَ لَكُمْ أَوْسَاخَ أَيْدِي النَّاسِ )(2)وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ(3)( ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَخْمَاسِ – وَادْعُوَا لِي نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " , قَالَ : فَجَاءَاهُ , فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ : " أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ - لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ - " , فَأَنْكَحَهُ , وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ : " أَنْكِحْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ابْنَتَكَ " , فَأَنْكَحَنِي نَوْفَلٌ , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَحْمِيَةَ : أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنْ الْخُمُسِ(4)كَذَا وَكَذَا )(5)"
( د ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍبقَالَ :
__________
(1) م ) 1072
(2) طب ) 17433 , انظر صحيح الجامع : 1697
(3) م ) 1072
(4) قَوْلُهُ : ( مِنْ الْخُمُس ) : يُحْتَمَل أَنْ يُرِيد مِنْ سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ الْخُمُس , لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد مِنْ سَهْم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْخُمُس . قَالَهُ النَّوَوِيّ . عون المعبود - (ج 6 / ص 463)
(5) م ) 1072 , ( د ) 2985(2/120)
بَعَثَنِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي إِبِلٍ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ يُبْدِلُهَا لَهُ(1).(2)
( 23 ) دُعَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّاسِ رَحْمَةٌ لَهُم
( م حم ) , عَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
( دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ , " فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا وَأَخْرَجَهُمَا " , فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ )(3)( لَمَنْ أَصَابَ مِنْكَ خَيْرًا )(4)( مَا أَصَابَهُ هَذَانِ ، قَالَ : " وَمَا ذَاكِ ؟ " , فَقُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا )(5)( قَالَ : " أَوَمَا عَلِمْتِ مَا عَاهَدْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ )(6)( قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا )(7)"
( حم ) , وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَبقَالَتْ :
__________
(1) الْمَعْنَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاس يَقُول : إِنَّ أَبِي الْعَبَّاسَ أَرْسَلَنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَجْلِ أَنْ يُبْدِلَ الْإِبِل الَّتِي أَعْطَاهَا الْعَبَّاسَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَقَوْله ( مِنْ الصَّدَقَة ) مُتَعَلِّقٌ بِأَنْ ( يُبْدِل ) لَا بِقَوْلِهِ أَعْطَاهَا ، بَلْ أَعْطَاهَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْل ذَلِكَ مِنْ غَيْر الصَّدَقَة ، فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - , فَأَرَادَ العَبَّاسُ أَنْ يُبْدِلَ تِلْكَ الْإِبِل مِنْ إِبِل الصَّدَقَة . عون المعبود - (ج 4 / ص 65)
(2) د ) 1653
(3) م ) 2600
(4) حم ) 24225 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(5) م ) 2600
(6) حم ) 24225
(7) م ) 2600(2/121)
" ( دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَسِيرٍ فَقَالَ : احْتَفِظِي بِهِ " )(1)( قَالَتْ : فَلَهَوْتُ عَنْهُ فَذَهَبَ , " فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا حَفْصَةُ مَا فَعَلَ الْأَسِيرُ ؟ " , قُلْتُ : لَهَوْتُ عَنْهُ مَعَ النِّسْوَةِ فَخَرَجَ ، فَقَالَ : " مَا لَكِ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكِ ؟ ، فَخَرَجَ فَآذَنَ بِهِ النَّاسَ " ، فَطَلَبُوهُ فَجَاءُوا بِهِ ،
فَدَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا أُقَلِّبُ يَدَيَّ )(2)( فَقَالَ : " مَا شَأْنُكِ يَا حَفْصَةُ ؟ " )(3)( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ عَلَيَّ ، فَأَنَا أُقَلِّبُ يَدَيَّ أَنْظُرُ أَيُّهُمَا يُقْطَعَانِ )(4)( فَقَالَ : " ضَعِي يَدَيْكِ , فَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ - عز وجل - : )(5)( اللَّهُمَّ إِنِّي بَشَرٌ ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَطُهُورًا )(6)"
( خ م ) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) حم ) 12454 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(2) حم ) 24304 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(3) حم ) 12454
(4) حم ) 24304
(5) حم ) 12454
(6) حم ) 24304(2/122)
كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ ك يَتِيمَةٌ ، " فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَتِيمَةَ فَقَالَ : أَأَنْتِ هِيَهْ ؟ ، لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ " ، فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ ؟ , فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ : دَعَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي ، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا(1)
__________
(1) أَيْ : تُدِيرهُ عَلَى رَأْسِهَا ..(2/123)
حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ " , فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي ؟ , قَالَ : " وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ "قَالَتْ : زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا ، " فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ : يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ، أَمَا تَعْلَمِينَ أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ )(1)( وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ , فَأَيُّمَا أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ آذَيْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ )(2)( أَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ ، أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَرَحْمَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(3)
__________
(1) م ) 2603
(2) م ) 2601 , ( حم ) 9801
(3) هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ ، وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ , وَهَذِهِ الرِّوَايَة تُبَيِّن أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه ، وَكَانَ مُسْلِمًا ، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة , فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ , فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء ، وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى ، وَفِي بَاطِن الْأَمْر ، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ ، فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة ، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ، وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر , وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة ، كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك ، عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ , لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء ، فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة ، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة ، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 414)(2/124)
)(1)"
( د ) , وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قُرَّةَ قَالَ :
كَانَ حُذَيْفَةُ - رضي الله عنه - بِالْمَدَائِنِ , فَكَانَ يَذْكُرُ أَشْيَاءَ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْغَضَبِ , فَيَنْطَلِقُ نَاسٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حُذَيْفَةَ فَيَأْتُونَ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - فَيَذْكُرُونَ لَهُ قَوْلَ حُذَيْفَةَ , فَيَقُولُ سَلْمَانُ : حُذَيْفَةُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ , فَيَرْجِعُونَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَيَقُولُونَ لَهُ : قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَكَ لِسَلْمَانَ فَمَا صَدَّقَكَ وَلَا كَذَّبَكَ , فَأَتَى حُذَيْفَةُ سَلْمَانَ وَهُوَ فِي مَبْقَلَةٍ(2)
__________
(1) م ) 2603 , 2601 , ( خ ) 6000
(2) المبقلة : موضع البقل , وهو نبات عشبي يتغذى به الإنسان دون أن يُصنع ..(2/125)
فَقَالَ : يَا سَلْمَانُ , مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَنِي بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ , فَقَالَ سَلْمَانُ : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْضَبُ , فَيَقُولُ فِي الْغَضَبِ لِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ , وَيَرْضَى فَيَقُولُ فِي الرِّضَا لِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ " , أَمَا تَنْتَهِي حَتَّى تُوَرِّثَ رِجَالًا حُبَّ رِجَالٍ , وَرِجَالًا بُغْضَ رِجَالٍ , وَحَتَّى تُوقِعَ اخْتِلَافًا وَفُرْقَةً ؟ وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي سَبَبْتُهُ سَبَّةً أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً فِي غَضَبِي , فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ , أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ , وَإِنَّمَا بَعَثْتَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ , فَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ صَلَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ " , وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَكْتُبَنَّ إِلَى عُمَرَ(1).(2)
( 24 ) دُخُولُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ وَالْقِتَالُ فِيهَا فِي النَّهَار
( خ م ت حم ) , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) الْحَاصِل أَنَّ سَلْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا رَضِيَ بِإِظْهَارِ مَا صَدَرَ فِي شَأْن الصَّحَابَة , لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُخِلّ بِالتَّعْظِيمِ الْوَاجِب فِي شَأْنهمْ بِمَا لَهُمْ مِنْ الصُّحْبَة . عون المعبود - (ج 10 / ص 176)
(2) د ) 4659 , ( حم ) 23209 , انظر الصحيحة : 1758 , وصحيح الأدب المفرد : 174(2/126)
قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ(1)وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ(2):
__________
(1) هُوَ اِبْن الْعَاصِي بْن سَعِيد بْن الْعَاصِي بْن أُمَيَّة الْقُرَشِيّ الْأُمَوِيّ يُعْرَف بِالْأَشْدَقِ ، لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَة , وَلَا كَانَ مِنْ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ . ( فتح - ح104)
(2) أَيْ يُرْسِل الْجُيُوش إِلَى مَكَّة لِقِتَالِ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر لِكَوْنِهِ اِمْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَة يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة وَاعْتَصَمَ بِالْحَرَمِ ، وَكَانَ عَمْرو وَالِي يَزِيدَ عَلَى الْمَدِينَة ، وَالْقِصَّة مَشْهُورَة ، وَمُلَخَّصهَا أَنَّ مُعَاوِيَة عَهِدَ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَه لِيَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة ، فَبَايَعَهُ النَّاس إِلَّا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ وَابْن الزُّبَيْر ، فَأَمَّا اِبْن أَبِي بَكْر فَمَاتَ قَبْل مَوْت مُعَاوِيَة ، وَأَمَّا اِبْن عُمَر فَبَايَعَ لِيَزِيدَ عَقِب مَوْت أَبِيهِ ، وَأَمَّا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَة لِاسْتِدْعَائِهِمْ إِيَّاهُ لِيُبَايِعُوهُ , فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب قَتْله ،
وَأَمَّا اِبْن الزُّبَيْر فَاعْتَصَمَ , وَيُسَمَّى عَائِذَ الْبَيْت , وَغَلَبَ عَلَى أَمْر مَكَّة ، فَكَانَ يَزِيدُ بْن مُعَاوِيَة يَأْمُرُ أُمَرَاءَهُ عَلَى الْمَدِينَة أَنْ يُجَهِّزُوا إِلَيْهِ الْجُيُوش ، فَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْمَدِينَة اِجْتَمَعُوا عَلَى خَلْع يَزِيدَ مِنْ الْخِلَافَة . ( فتح - ح104)(2/127)
ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ(1)أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ(2)سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ , وَوَعَاهُ قَلْبِي , وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ )(3)( " أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي قِتَالِ بَنِي بَكْرٍ حَتَّى أَصَبْنَا مِنْهُمْ ثَأْرَنَا , ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَفْعِ السَّيْفِ " , فَلَقِيَ رَهْطٌ مِنَّا فِي الْغَدِ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ فِي الْحَرَمِ يَؤُمُّ(4)رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُسْلِمَ , وَكَانَ قَدْ وَتَرَهُمْ(5)فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَكَانُوا يَطْلُبُونَهُ , فَبَادَرُوا(6)أَنْ يَخْلُصَ(7)
__________
(1) قَوْله : ( اِئْذَنْ لِي ) فِيهِ حُسْن التَّلَطُّف فِي الْإِنْكَار عَلَى أُمَرَاء الْجَوْر لِيَكُونَ أَدْعَى لِقَبُولِهِمْ النَّصِيحَة , وَأَنَّ السُّلْطَان لَا يُخَاطَب إِلَّا بَعْد اِسْتِئْذَانه , وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي أَمْر يُعْتَرَض بِهِ عَلَيْهِ ، فَتَرْك ذَلِكَ وَالْغِلْظَة لَهُ قَدْ يَكُون سَبَبًا لِإِثَارَةِ نَفْسه وَمُعَانَدَة مَنْ يُخَاطِبهُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 170)
(2) أَيْ : أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْم الثَّانِي مِنْ فَتْح مَكَّة . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 170)
(3) خ ) 104 , ( م ) 1354
(4) أَيْ : يقصُد .
(5) أي : قَتَل منهم .
(6) بادر الشيءَ : عجل إليه , واستبق وسارع .
(7) أَيْ : يتوصل ..(2/128)
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْمَنَ , فَقَتَلُوهُ , " فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أَشَدَّ مِنْهُ " , فَسَعَيْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - نَسْتَشْفِعُهُمْ وَخَشِينَا أَنْ نَكُونَ قَدْ هَلَكْنَا , " فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ )(1)(
__________
(1) حم ) 16423 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح ..(2/129)
فَحَمِدَ اللَّهَ - عز وجل - وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ , ثُمَّ قَالَ : إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ (1)
__________
(1) أَيْ : حَكَمَ بِتَحْرِيمِهَا وَقَضَاهُ ، وَظَاهِره أَنَّ حُكْم اللَّه تَعَالَى فِي مَكَّة أَنْ لَا يُقَاتَل أَهْلهَا , وَيُؤَمَّن مَنْ اِسْتَجَارَ بِهَا وَلَا يُتَعَرَّض لَهُ ، وَهُوَ أَحَد أَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) وَقَوْله : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ) ، وَلَا مُعَارَضَة بَيْن هَذَا وَبَيْن قَوْله الْآتِي فِي الْجِهَاد وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَنَس : " إِنَّ إِبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة " , لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى لَا بِاجْتِهَادِهِ ، أَوْ أَنَّ اللَّه قَضَى يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنَّ إِبْرَاهِيم سَيُحَرِّمُ مَكَّة ، أَوْ الْمَعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيم أَوَّل مَنْ أَظْهَرَ تَحْرِيمهَا بَيْن النَّاس ، وَكَانَتْ قَبْل ذَلِكَ عِنْد اللَّه حَرَامًا ، أَوْ أَوَّل مَنْ أَظْهَرَهُ بَعْد الطُّوفَان ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ مَكَّة اِبْتِدَاء مِنْ غَيْر سَبَب يُنْسَب لِأَحَدٍ , وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ مَدْخَل , قَالَ : وَلِأَجْلِ هَذَا أَكَّدَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ " وَلَمْ يُحَرِّمهَا النَّاس " وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحَرِّمهَا النَّاس أَنَّ تَحْرِيمهَا ثَابِت بِالشَّرْعِ لَا مَدْخَل لِلْعَقْلِ فِيهِ ، أَوْ الْمُرَاد أَنَّهَا مِنْ مُحَرَّمَات اللَّه فَيَجِب اِمْتِثَال ذَلِكَ ، وَلَيْسَ مِنْ مُحَرَّمَات النَّاس , يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّة , كَمَا حَرَّمُوا أَشْيَاء مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ , فَلَا يَسُوغ الِاجْتِهَاد فِي تَرْكه ..فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 51)(2/130)
فلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ(1)أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا(2)وَلَا يَعْضِدَ(3)
__________
(1) فِيهِ تَنْبِيه عَلَى الِامْتِثَال , لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ لَزِمَتْهُ طَاعَته ، وَمَنْ آمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِر لَزِمَهُ اِمْتِثَال مَا أُمِرَ بِهِ وَاجْتِنَاب مَا نُهِيَ عَنْهُ خَوْف الْحِسَاب عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْكُفَّار غَيْر مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة ، وَالصَّحِيح عِنْد الْأَكْثَر خِلَافه ، وَجَوَابهمْ بِأَنَّ الْمُؤْمِن هُوَ الَّذِي يَنْقَاد لِلْأَحْكَامِ وَيَنْزَجِر عَنْ الْمُحَرَّمَات , فَجَعَلَ الْكَلَام مَعَهُ , وَلَيْسَ فِيهِ نَفْي ذَلِكَ عَنْ غَيْره , وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مِنْ خِطَاب التَّهْيِيج ، نَحْو قَوْله تَعَالَى ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) فَالْمَعْنَى أَنَّ اِسْتِحْلَال هَذَا الْمَنْهِيّ عَنْهُ لَا يَلِيق بِمَنْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , بَلْ يُنَافِيه ، فَهَذَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِذِكْرِ هَذَا الْوَصْف ، وَلَوْ قَالَ : لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا , لَمْ يَحْصُل مِنْهُ هَذَا الْغَرَض , وَإِنْ أَفَادَ التَّحْرِيم . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 51)
(2) أَيْ : بِالْجَرْحِ وَالْقَتْلِ , قَالَ الْقَارِي : وَهَذَا إِذَا كَانَ دَمًا مُهْدَرًا وَفْقَ قَوَاعِدِنَا ، وَإِلَّا فَالدَّمُ الْمَعْصُومُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرْمُ وَغَيْرُهُ فِي حُرْمَةِ سَفْكِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 39)
(3) أَيْ : لَا يقْطَع ..(2/131)
بِهَا شَجَرَةً(1)
__________
(1) قَالَ الْقُرْطُبِيّ : خَصَّ الْفُقَهَاء الشَّجَر الْمَنْهِيّ عَنْ قَطْعه بِمَا يُنْبِتهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ غَيْر صُنْع آدَمِيّ ، فَأَمَّا مَا يَنْبُت بِمُعَالَجَةِ آدَمِيّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ , وَالْجُمْهُور عَلَى الْجَوَاز , وَقَالَ الشَّافِعِيّ : فِي الْجَمِيع الْجَزَاء ، وَرَجَّحَهُ اِبْن قُدَامَةَ , وَاخْتَلَفُوا فِي جَزَاء مَا قُطِعَ مِنْ النَّوْع الْأَوَّل , فَقَالَ مَالِك : لَا جَزَاء فِيهِ بَلْ يَأْثَم , وَقَالَ عَطَاء : يَسْتَغْفِر , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُؤْخَذ بِقِيمَتِهِ هَدْي , وَقَالَ الشَّافِعِيّ : فِي الْعَظِيمَة بَقَرَة , وَفِيمَا دُونهَا شَاة , وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ بِالْقِيَاسِ عَلَى جَزَاء الصَّيْد ، وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْقَصَّار بِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمهُ أَنْ يَجْعَل الْجَزَاء عَلَى الْمُحْرِم إِذَا قَطَعَ شَيْئًا مِنْ شَجَر الْحِلّ , وَلَا قَائِل بِهِ , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : اِتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيم قَطْع شَجَر الْحَرَم ، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيّ أَجَازَ قَطْع السِّوَاك مِنْ فُرُوع الشَّجَرَة ، كَذَا نَقَلَهُ أَبُو ثَوْر عَنْهُ ، وَأَجَازَ أَيْضًا أَخْذ الْوَرَق وَالثَّمَر إِذَا كَانَ لَا يَضُرّهَا وَلَا يُهْلِكهَا , وَبِهَذَا قَالَ عَطَاء وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا ، وَأَجَازُوا قَطْع الشَّوْك لِكَوْنِهِ يُؤْذِي بِطَبْعِهِ , فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِق ، وَمَنَعَهُ الْجُمْهُور لحَدِيث اِبْن عَبَّاس بِلَفْظِ : " وَلَا يُعْضَد شَوْكه " وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّة ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْقِيَاس الْمَذْكُور فِي مُقَابَلَة النَّصّ , فَلَا يُعْتَبَر بِهِ ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرِد النَّصّ عَلَى تَحْرِيم الشَّوْك , لَكَانَ فِي تَحْرِيم قَطْع الشَّجَر دَلِيل عَلَى تَحْرِيم قَطْع الشَّوْك , لِأَنَّ غَالِب شَجَر الْحَرَم كَذَلِكَ ، وَلِقِيَامِ الْفَارِق أَيْضًا , فَإِنَّ الْفَوَاسِق الْمَذْكُورَة تُقْصَد بِالْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَر , قَالَ اِبْن قُدَامَةَ : وَلَا بَأْس بِالِانْتِفَاعِ بِمَا اِنْكَسَرَ مِنْ الْأَغْصَان وَانْقَطَعَ مِنْ الشَّجَر بِغَيْرِ صُنْع آدَمِيّ , وَلَا بِمَا يَسْقُط مِنْ الْوَرَق , نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد , وَلَا نَعْلَم فِيهِ خِلَافًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 51)(2/132)
)(1)( فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ )(2)( لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا )(3)( فَقَالَ : أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(4)( فَقُولُوا لَهُ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكَ , وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ(5)ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ )(6)( كَمَا حَرَّمَهَا اللَّهُ - عز وجل - أَوَّلَ مَرَّةٍ )(7)( إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(8)( وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ(9))(10)
(
__________
(1) خ ) 104
(2) ت ) 1406
(3) خ ) 104 , ( م ) 1354
(4) ت ) 1406
(5) الْمُرَاد بِهِ يَوْم الْفَتْح . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 170)
(6) ت ) 809 , ( خ ) 104
(7) حم ) 16423 , ( خ ) 104
(8) ت ) 1406
(9) قَوْله : ( فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِد الْغَائِب ) قَالَ اِبْن جَرِير : فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز قَبُول خَبَر الْوَاحِد ، لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ كُلّ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَة قَدْ لَزِمَهُ الْإِبْلَاغ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرهُمْ بِإِبْلَاغِ الْغَائِب عَنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ لَازِم لَهُ فَرْض الْعَمَل بِمَا أَبْلَغَهُ , كَالَّذِي لَزِمَ السَّامِع سَوَاء ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ فَائِدَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 51)
(10) خ ) 4044(2/133)
25 ) نِكَاحُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - الْأَجْنَبِيَّةَ بِلَا إِذْنِهَا أَوْ إِذْنِ وَلِيِّهَا وَلَا شُهُود(1)
( خ م ت س ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) قال النووي : مَذْهَبنَا الصَّحِيح الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا صِحَّةُ نِكَاحه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَلِيّ وَلَا شُهُود لِعَدَمِ الْحَاجَة إِلَى ذَلِكَ فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا الْخِلَاف فِي غَيْر زَيْنَب ، وَأَمَّا زَيْنَب فَمَنْصُوص عَلَيْهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 145)(2/134)
جَاءَ زَيْدٌ بْنُ حَارِثَةَ - رضي الله عنه - يَشْكُو زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍك حَتَّى هَمَّ بِطَلَاقِهَا(1)فَاسْتَأْمَرَ(2)النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ(3)
__________
(1) أَيْ : أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 55)
(2) أَيْ : اِسْتَشَارَ . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 55)
(3) أَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم هَذِهِ الْقِصَّة فَسَاقَهَا سِيَاقًا وَاضِحًا حَسَنًا وَلَفْظه " بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي زَيْنَب بِنْت جَحْش ، وَكَانَتْ أُمّهَا أُمَيْمَة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب عَمَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا زَيْد بْن حَارِثَة مَوْلَاهُ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّهَا رَضِيَتْ بِمَا صَنَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ ، ثُمَّ أَعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ أَنَّهَا مِنْ أَزْوَاجه , فَكَانَ يَسْتَحِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِطَلَاقِهَا ، وَكَانَ لَا يَزَال يَكُون بَيْنَ زَيْد وَزَيْنَب مَا يَكُون مِنْ النَّاس ، فَأَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمْسِكَ عَلَيْهِ زَوْجه وَأَنْ يَتَّقِيَ اللَّه ، وَكَانَ يَخْشَى النَّاس أَنْ يَعِيبُوا عَلَيْهِ وَيَقُولُوا تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنه ، وَكَانَ قَدْ تَبَنَّى زَيْدًا " , وَالْحَاصِل أَنَّ الَّذِي كَانَ يُخْفِيه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ إِخْبَار اللَّه إِيَّاهُ أَنَّهَا سَتَصِيرُ زَوْجَته ، وَاَلَّذِي كَانَ يَحْمِلهُ عَلَى إِخْفَاء ذَلِكَ خَشْيَة قَوْل النَّاس تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنه ، وَأَرَادَ اللَّه إِبْطَال مَا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَام التَّبَنِّي بِأَمْرٍ لَا أَبْلَغ فِي الْإِبْطَال مِنْهُ , وَهُوَ تَزَوُّج اِمْرَأَة الَّذِي يُدْعَى اِبْنًا , وَوُقُوع ذَلِكَ مِنْ إِمَام الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ أَدْعَى لِقَبُولِهِمْ . فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 324)(2/135)
}(1))(2)( فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِزَيْدٍ : " اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ(3)" ، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ(4)عَجِينَهَا ، قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا )(5)( حِينَ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَهَا )(6)( فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ(7)عَلَى عَقِبَيَّ(8))(9)( فَقُلْتُ : يَا زَيْنَبُ أَبْشِرِي ، أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُكِ(10) )(11)( قَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُآمِرَ(12)
__________
(1) الأحزاب/37]
(2) ت ) 3212 , ( خ ) 4509
(3) أَيْ : اُخْطُبْهَا لِأَجْلِي وَالْتَمِسْ نِكَاحهَا لِي .
(4) تُخمِّر : تُغطي .
(5) م ) 1428
(6) ن ) 8180 , ( م ) 1428
(7) أَيْ : رَجَعْت .
(8) مَعْنَاهُ أَنَّهُ هَابَهَا وَاسْتَجَلَّهَا مِنْ أَجَل إِرَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوُّجَهَا ، فَعَامَلَهَا مُعَامَلَة مَنْ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِعْظَام وَالْإِجْلَال وَالْمَهَابَة ، وَهَذَا قَبْل نُزُول الْحِجَاب ، فَلَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْإِجْلَال تَأَخَّرَ وَخَطَبَهَا وَظَهْره إِلَيْهَا لِئَلَّا يَسْبِقهُ النَّظَر إِلَيْهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 144)
(9) م ) 1428
(10) أَيْ : يَخْطبك .
(11) س ) 3251
(12) أَيْ : أَسْتَخِير ..(2/136)
رَبِّي - عز وجل - ، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا(1)وَنَزَلَ الْقُرْآنَ : )(2)( { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّه مَفْعُولًا }(3)" )(4)( فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ(5)" )(6)( قَالَ : فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهْلُكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ )(7)إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ(8)
( 26 ) حُرْمَةُ نِكَاحِ نِسَاءِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَحْرِيمُ سَرَارِيِّهِ مِنْ بَعْدِه
__________
(1) أَيْ : مَوْضِع صَلَاتهَا مِنْ بَيْتهَا , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب صَلَاة الِاسْتِخَارَة لِمَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ , سَوَاء كَانَ ذَلِكَ الْأَمْر ظَاهِر الْخَيْر أَمْ لَا ، وَهُوَ مُوَافِق لِحَدِيثِ جَابِر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنَا الِاسْتِخَارَة فِي الْأُمُور كُلّهَا يَقُول : " إِذَا هَمَّ أَحَدكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْر الْفَرِيضَة إِلَى آخِره " ، وَلَعَلَّهَا اِسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 144)
(2) م ) 1428 , ( س ) 3251
(3) الأحزاب/37]
(4) م ) 1428
(5) دَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَة . شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 144)
(6) م ) 1428 , ( س ) 3251
(7) خ ) 6984 , ( ت ) 3213
(8) خ ) : 6985(2/137)
قَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا }(1)
( 27 ) زَوْجَاتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِين
قَالَ تَعَالَى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }(2)
( 28 ) نِكَاحُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَفْظِ الْهِبَة
( خ حم ) , عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) الأحزاب/53]
(2) الأحزاب/6](2/138)
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ(1)يُقَالُ لَهُ : الشَّوْطُ , حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا مِنْهُمَا بَيْنَهُمَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اجْلِسُوا هَهُنَا , وَدَخَلَ )(2)( هُوَ(3)وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ )(4)( فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ )(5)( وَمَعَهَا دَايَةٌ(6)
__________
(1) الْحَائِطُ : الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ .
(2) خ ) 5257
(3) أَيْ : إِلَى الْحَائِط , ولَهُ رِوَايَة لِابْنِ سَعْد عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ " تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - اِمْرَأَة مِنْ بَنِي الْجَوْن , فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِهَا فَأَتَيْته بِهَا فَأَنْزَلْتهَا بِالشَّوْطِ مِنْ وَرَاء ذُبَابٍ فِي أُطُمٍ ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْته ، فَخَرَجَ يَمْشِي وَنَحْنُ مَعَهُ , وَذُبَابٌ جَبَل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ ، وَالْأُطُم الْحِصْن , وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ سَعْد أَنَّ النُّعْمَان بْن الْجَوْن الْكِنْدِيّ أَتَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْلِمًا فَقَالَ : أَلَا أُزَوِّجُك أَجْمَلَ أَيِّمٍ فِي الْعَرَب ؟ , فَتَزَوَّجَهَا وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيّ ، قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ : فَأَنْزَلْتُهَا فِي بَنِي سَاعِدَة , فَدَخَلَ عَلَيْهَا نِسَاء الْحَيّ فَرِحِينَ بِهَا , وَخَرَجْنَ فَذَكَرْنَ مِنْ جَمَالهَا .فتح الباري (ج 15 / ص 81)
(4) حم ) 16105 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(5) خ ) 5257
(6) الدَّايَة : الْحَاضِنَة , والظِّئْر الْمُرْضِع ..فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 81)(2/139)
لَهَا )(1)( فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : هَبِي نَفْسَكِ لِي " , قَالَتْ : وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ(2)؟
__________
(1) حم ) 16105
(2) السُّوقَة : يُقَال لِلْوَاحِدِ مِنْ الرَّعِيَّة وَالْجَمْع ، قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِكَ يَسُوقهُمْ , فَيُسَاقُونَ إِلَيْهِ وَيَصْرِفهُمْ عَلَى مُرَاده وَقَالَ اِبْن الْمُنيرِ : هَذَا مِنْ بَقِيَّة مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْجَاهِلِيَّة ، وَالسُّوقَة عِنْدهمْ مَنْ لَيْسَ بِمَلِكٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، فَكَأَنَّهَا اِسْتَبْعَدَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَلِكَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَلِكٍ ، وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ خُيِّرَ أَنْ يَكُون مَلِكًا نَبِيًّا فَاخْتَارَ أَنْ يَكُون عَبْدًا نَبِيًّا تَوَاضُعًا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - لِرَبِّهِ , وَلَمْ يُؤَاخِذهَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَلَامِهَا مَعْذِرَةً لَهَا لِقُرْبِ عَهْدهَا بِجَاهِلِيَّتِهَا ، وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنَّهَا لَمْ تَعْرِفهُ - صلى الله عليه وسلم - فَخَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ ، وَسِيَاق الْقِصَّة مِنْ مَجْمُوع طُرُقهَا يَأْبَى هَذَا الِاحْتِمَال ، نَعَمْ فِي أَوَاخِر كتاب الْأَشْرِبَة عند البخاري عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ : " ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اِمْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَب ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيّ أَنْ يُرْسِل إِلَيْهَا فَقَدِمَتْ ، فَنَزَلَتْ فِي أُجُم بَنِي سَاعِدَة ، فَخَرَجَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَاءَ بِهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا , فَإِذَا اِمْرَأَة مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا ، فَلَمَّا كَلَّمَهَا قَالَتْ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك ، قَالَ : لَقَدْ أَعَذْتُك مِنِّي , فَقَالُوا لَهَا أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا ؟ , هَذَا رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ لِيَخْطِبك ، قَالَتْ : كُنْت أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَتْ الْقِصَّة وَاحِدَة فَلَا يَكُون قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب ( أَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ) وَلَا قَوْله فِي حَدِيث عَائِشَة ( اِلْحَقِي بِأَهْلِك ) تَطْلِيقًا ، وَيَتَعَيَّن أَنَّهَا لَمْ تَعْرِفهُ َ, وَإِنْ كَانَتْ الْقِصَّة مُتَعَدِّدَة - وَلَا مَانِع مِنْ ذَلِكَ - فَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَرْأَة هِيَ الْكِلَابِيَّة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِاضْطِرَاب , وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْد مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى قَالَ : اِسْم الْجَوْنِيَّةِ أَسْمَاء بِنْت النُّعْمَان بْن أَبِي الْجَوْن ، قِيلَ لَهَا : اِسْتَعِيذِي مِنْهُ , فَإِنَّهُ أَحْظَى لَك عِنْده ، وَخُدِعَتْ لِمَا رُئِيَ مِنْ جَمَالهَا ، وَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا قَالَتْ فَقَالَ : إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ وَكَيْدُهُنَّ , وَوَقَعَ عِنْده عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْغَسِيل بِإِسْنَادٍ حَدِيث الْبَاب " إِنَّ عَائِشَة وَحَفْصَة دَخَلَتَا عَلَيْهَا أَوَّل مَا قَدِمْت فَمَشَّطَتَاهَا وَخَضَّبَتَاهَا ، وَقَالَتْ لَهَا إِحْدَاهُمَا : إِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبهُ مِنْ الْمَرْأَة إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا أَنْ تَقُول أَعُوذ بِاللَّهِ مِنْك " , فَهَذِهِ تَتَنَزَّلُ قِصَّتهَا عَلَى حَدِيث أَبِي حَازِم عَنْ سَهْل بْن سَعْد . فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 81)(2/140)
, " فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ " , فَقَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ , فَقَالَ : " قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ(1)ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ : يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ(2)وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا )(3)"(4)
( 29 ) جَوَازُ خَلْوَة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِنّ
( خ م ) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) المَعَاذ : المَلاذ والمأوى والمَلجأ الذي يُعْتَصَمُ به .
(2) الرَّازِقِيَّة : ثِيَاب مِنْ كَتَّان بِيض طِوَال , قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة , وَقَالَ غَيْره . يَكُون فِي دَاخِل بَيَاضهَا زُرْقَة ، وَالرَّازِقِيّ الصَّفِيق , قَالَ اِبْن التِّين : مَتَّعَهَا بِذَلِكَ إِمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا تَفَضُّلًا . فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 81)
(3) خ ) 5257 , ( حم ) 16105
(4) صححه الألباني في الإرواء : 2064(2/141)
" ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ )(1)( عَلَى أَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ )(2)( بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ أَزْوَاجِهِ )(3)( إِلَّا عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ ù(4)فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا " ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ )(5)( فَقَالَ : " إِنِّي أَرْحَمُهَا ، قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي(6))(7)"
( 30 ) عَدَمُ أَكْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الثُّومَ وَالْبَصَل
( م حم ) , عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خ ) 2689
(2) م ) 2455
(3) خ ) 2689
(4) قَالَ اِبْن التِّينِ : يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ الدُّخُولَ عَلَى أُمِّ سَلِيم , وَإِلَّا فَقَدَ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهَا أُمِّ حَرَام .فتح الباري(ج8ص461)
(5) م ) 2455
(6) أَخُوهَا " حَرَام بْن مِلْحَانَ " , وَسَتَأْتِي قِصَّة قَتْلِهِ فِي غَزْوَةِ بِئْر مَعُونَة , وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَعِي " أَيْ : مَعَ عَسْكَرِي أَوْ عَلَى أَمْرِي وَفِي طَاعَتِي , لِأَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَشْهَدْ بِئْر مَعُونَة , وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَيْهَا , وفي الحديث أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْبُرُ قَلْب أُمِّ سَلِيم بِزِيَارَتِهَا , وَيُعَلِّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ أَخَاهَا قُتِلَ مَعَهُ , فَفِيهِ أَنَّهُ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ , وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ عَهْدِهِ - صلى الله عليه وسلم - .فتح الباري(ج8ص461)
(7) خ ) 2689(2/142)
" ( نَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي أَيُّوبَ(1)فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّفْلِ " , وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلُوِّ فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةً فَقَالَ : نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ )(2)( فَأُهْرِيقَ مَاءٌ فِي الْغُرْفَةِ , قَالَ أَبُو أَيُّوبَ : فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بِقَطِيفَةٍ(3)لَنَا نَتْبَعُ الْمَاءَ شَفَقَةَ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَنَزَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُشْفِقٌ(4)
__________
(1) أَيْ : أول قدومه إلى المدينة .
(2) م ) 2053
(3) القطيفة : كساء أو فراش له أهداب .
(4) المشفق : الخائف ..(2/143)
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ نَكُونَ فَوْقَكَ , انْتَقِلْ إِلَى الْغُرْفَةِ )(1)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " السُّفْلُ أَرْفَقُ " , فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ : لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا " )(2)( فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَتَاعِهِ فَنُقِلَ - وَمَتَاعُهُ قَلِيلٌ – )(3)( وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعُلُوِّ " وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ , فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا , وَكَانَ إِذَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا بَعَثَ إِلَيْهِ بِفَضْلِهِ , فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ )(4)( فَيَأْكُلُ مِنْ حَيْثُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ - صلى الله عليه وسلم - )(5)( فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ يَوْمًا بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ , " فَوَجَدَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رِيحًا فَسَأَلَ " , فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ )(6)( " ( فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا , وَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ " )(7)( فَلَمْ يَرَ أَبُو أَيُّوبَ أَثَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الطَّعَامِ )(8)(
__________
(1) حم ) 23616
(2) م ) 2053
(3) حم ) 23616
(4) م ) 2053
(5) حم ) 23564 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) خ ) 817 , ( م ) 564
(7) حم ) 23573 , ( م ) 2053
(8) حم ) 20917 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن ..(2/144)
فَقِيلَ لَهُ : " لَمْ يَأْكُلْ " , فَفَزِعَ أَبُو أَيُّوبَ فَصَعِدَ إِلَيْهِ )(1)( فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , كُنْتَ تُرْسِلُ إِلَيَّ بِالطَّعَامِ فَأَنْظُرُ , فَإِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِكَ وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ , حَتَّى إِذَا كَانَ هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَيَّ , فَنَظَرْتُ فِيهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ أَثَرَ أَصَابِعِكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَجَلْ إِنَّ فِيهِ بَصَلًا )(2)فِيهِ ثُومٌ(3)" , ( فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَرَامٌ هُوَ ؟ , قَالَ : " لَا , وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ " , فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ : وَأَنَا أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ(4))(5)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كُلُوهُ )(6)( فَإِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ , إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُوذِيَ صَاحِبِي )(7)إِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي(8)إِنَّهُ يَأْتِينِي الْمَلَكُ(9)"
( 31 ) جَوَازُ التَّسَمِّي بِاسْمِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَدَمُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِه
( خ م ) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
(
__________
(1) م ) 2053 , ( حم ) 23564
(2) حم ) 23616
(3) حم ) 20936 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(4) مِنْ أَوْصَاف الْمُحِبّ الصَّادِق أَنْ يُحِبّ مَا أَحَبَّ مَحْبُوبه ، وَيَكْرَه مَا كَرِهَ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 119)
(5) م ) 2053 , ( م ) 564
(6) حم ) 23554 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح .
(7) حم ) 27428 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : حديث حسن في الشواهد .
(8) خ ) 817
(9) حم ) 20936(2/145)
وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ , فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا(1) فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ , فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَحْسَنَتْ الْأَنْصَارُ , سَمُّوا بِاسْمِي , وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي(2)
__________
(1) أَيْ : لَا نُقِرّ عَيْنك بِذَلِكَ . شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 253)
(2) قَالَ النَّوَوِيّ : اُخْتُلِفَ فِي التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِم عَلَى ثَلَاثَة مَذَاهِب : الْأَوَّل الْمَنْع مُطْلَقًا , سَوَاء كَانَ اِسْمه مُحَمَّدًا أَمْ لَا ، ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ , وَالثَّانِي الْجَوَاز مُطْلَقًا ، وَيَخْتَصّ النَّهْي بِحَيَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالثَّالِث لَا يَجُوز لِمَنْ اِسْمه مُحَمَّد وَيَجُوز لِغَيْرِهِ , قَالَ الرَّافِعِيّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون هَذَا هُوَ الْأَصَحّ ؛ لِأَنَّ النَّاس لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَهُ فِي جَمِيع الْأَعْصَار مِنْ غَيْر إِنْكَار , قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا مُخَالِف لِظَاهِرِ الْحَدِيث ، وَأَمَّا إِطْبَاق النَّاس عَلَيْهِ فَفِيهِ تَقْوِيَة لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي ، وَكَأَنَّ مُسْتَنَدهمْ مَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السُّوق ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُول : يَا أَبَا الْقَاسِم ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ : لَمْ أَعْنِك ، فَقَالَ : سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي " قَالَ : فَفَهِمُوا مِنْ النَّهْي الِاخْتِصَاص بِحَيَاتِهِ لِلسَّبَبِ الْمَذْكُور ، وَقَدْ زَالَ بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اِنْتَهَى , وَهَذَا السَّبَب ثَابِت فِي الصَّحِيح ، فَمَا خَرَجَ صَاحِب الْقَوْل الْمَذْكُور عَنْ الظَّاهِر إِلَّا بِدَلِيلٍ , وَبِالْمَذْهَبِ الْأَوَّل قَالَ الظَّاهِرِيَّة ، وَبَالَغَ بَعْضهمْ فَقَالَ : لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّي اِبْنه الْقَاسِم لِئَلَّا يَكُنَّى أَبَا الْقَاسِم , وَاحْتَجَّ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ حَدِيث عَلِيّ قَالَ : " قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنْ وُلِدَ لِي مِنْ بَعْدك وَلَدٌ أُسَمِّيه بِاسْمِك وَأُكَنِّيه بِكُنْيَتِك ؟ قَالَ نَعَمْ " وَفِي بَعْض طُرُقه " فَسَمَّانِي مُحَمَّدًا وَكَنَّانِي أَبَا الْقَاسِم " وَكَانَ رُخْصَة مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب ، فَلَعَلَّ الصَّحَابَة فَهِمُوا تَخْصِيص النَّهْي بِزَمَانِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّ بَعْض الصَّحَابَة سَمَّى اِبْنه مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا الْقَاسِم , وَهُوَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ عِيَاض : وَبِهِ قَالَ جُمْهُور السَّلَف وَالْخَلَف وَفُقَهَاء الْأَمْصَار ، وَفِي الْجُمْلَة أَعْدَل الْمَذَاهِب الْمَذْهَب الْمُفَصَّل الْمَحْكِيّ أَخِيرًا مَعَ غَرَابَته , وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة بَعْد أَنْ أَشَارَ إِلَى تَرْجِيح الْمَذْهَب الثَّالِث مِنْ حَيْثُ الْجَوَاز : لَكِنَّ الْأَوْلَى الْأَخْذ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّل , فَإِنَّهُ أَبْرَأ لِلذِّمَّةِ , وَأَعْظَم لِلْحُرْمَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 389)(2/146)
)(1)( فَإِنِّي بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ )(2)( سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ )(3)"
( خ م ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ :
وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا , فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ : لَا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَسْتَأْمِرَهُ(4)فَانْطَلَقَ بِابْنِهِ حَامِلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ , فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا , فَقَالَ لِي قَوْمِي : لَا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَسَمَّوْا بِاسْمِي , وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي , فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ "(5)
( خ م ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّوقِ " ، فَقَالَ : رَجُلٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ )(6)( " فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ )(7)( إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا )(8)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَسَمُّوْا بِاسْمِي ، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي )(9)"
( ت ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 2947 , ( م ) 2133
(2) م ) 2133 , ( خ ) 2946
(3) خ ) 5832 , ( م ) 2133
(4) الاستئمار : الاستئذان والاستشارة .
(5) م ) 2133 , ( خ ) 2946
(6) خ ) 3344
(7) خ ) 2015 , ( م ) 2131
(8) خ ) 2014 , ( م ) 2131
(9) خ ) 2015 , ( م ) 2131(2/147)
" نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ , وَيُسَمِّيَ مُحَمَّدًا أَبَا الْقَاسِمِ "(1) ( محقق )
( ت ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِذَا سَمَّيْتُمْ بِي , فلَا تَكْتَنُوا بِي "(2)
( حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي ، فَإِنِّي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ ، اللَّهُ - عز وجل - يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ "(3)
( ت ) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) ت ) 2841 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 6824
(2) ت ) 2842
(3) حم ) 9596 , 23131 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7231 , الصَّحِيحَة : 2946 , وقال الألباني في الصحيحة : لقد اختلف العلماء في مسألة التكني بأبي القاسم على مذاهب ثلاثة حكاها الحافظ في " الفتح " ، واستدل لها ، وناقشها ، وبين ما لها وما عليها ، ولست أشك بعد ذلك أن الصواب إنما هو المنع مطلقا ، وسواء كان اسمه محمدا أم لَا ، لسلامة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عن المعارض الناهض كما تقدم ، وهو الثابت عن الإمام الشافعي رحمه الله ، فقد روى البيهقي ( 9 / 309 ) بالسند الصحيح عنه أنه قال : " لَا يحل لأحد أن يكتني بأبي القاسم , سواء كان اسمه محمدا أو غيره " , قال البيهقي : " وروينا معنى هذا عن طاووس اليماني رحمه الله " , ويؤكده ما تقدم حديث علي - رضي الله عنه - أنه قال : يا رسول الله ! أرأيت إن ولد لي بعدك ، أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك ؟ , قال : " نعم " . قال : فكانت رخصة لي . أ . هـ(2/148)
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ عَلِيٌّ : فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي . (1)
( د حم ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فلَا يَتَكَنَّى بِكُنْيَتِي , وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي "(2)
( 32 ) اَلْكَذِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ كَالْكَذِبِ عَلَى غَيْره
( خ م ) , عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ , مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ(3)مِنْ النَّارِ "(4) ( محقق )
( 5 ) الْإيمانُ بِالْيَوْمِ الْآخِر
الْمَوْتُ وَالْقَبْر
وُجُوبُ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْت
__________
(1) ت ) 2843 , ( د ) 4967
(2) الحديث أنكره الألباني في ( د ) 4966 ، وقال شعيب الأرنؤوط في ( حم ) 14396 : صحيح لغيره وهذا الإسناد على شرط مسلم
(3) أَيْ : فَلْيَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ مَنْزِلًا ، يُقَال : تَبَوَّأَ الرَّجُل الْمَكَان إِذَا اِتَّخَذَهُ سَكَنًا ، وَهُوَ أَمْر بِمَعْنَى الْخَبَر أَيْضًا ، أَوْ بِمَعْنَى التَّهْدِيد ، أَوْ بِمَعْنَى التَّهَكُّم ، أَوْ دُعَاء عَلَى فَاعِل ذَلِكَ , أَيْ : بَوَّأَهُ اللَّه ذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 174)
(4) خ ) 1229 , ( م ) 4(2/149)
قَالَ تَعَالَى : { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ , وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(1)
( ت ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ(2)- يَعْنِي الْمَوْتَ –(3))(4)( فَإِنَّهُ مَا ذَكَرُهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَّعَهُ اللَّهُ , وَلَا ذَكَرُهُ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ )(5)"
( ت ) , وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) المنافقون/10، 11]
(2) ورد بلفظ ( هاذم ) ، وهاذم معناه قاطع .
(3) شَبَّهَ اللَّذَّاتِ الْفَانِيَةَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَاجِلَةَ ثُمَّ زَوَالَهَا بِبِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ يَنْهَدِمُ بِصَدَمَاتٍ هَائِلَةٍ ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُنْهَمِكَ فِيهَا بِذِكْرِ الْهَادِمِ لِئَلَّا يَسْتَمِرَّ عَلَى الرُّكُونِ إِلَيْهَا ، فَيَنْشَغِلَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِرَارِ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 92)
(4) ت ) 2307 , ( س ) 1824
(5) طس ) 8560 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1211 , وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :3333(2/150)
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , اذْكُرُوا اللَّهَ ، اذْكُرُوا اللَّهَ ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ(1)تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ(2)جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ(3)جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ "(4)
( جة ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ :
__________
(1) الرَّاجِفَةُ : النَّفْخَةُ الْأُولَى الَّتِي يَمُوتُ لَهَا الْخَلَائِقُ .تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 249)
(2) الرَّادِفَةُ : النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَحْيَوْنَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } ,
وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهَا فَكَأَنَّهَا جَاءَتْ , وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَارَبَ وُقُوعُهَا فَاسْتَعِدُّوا لِتَهْوِيلِ أَمْرِهَا .تحفة الأحوذي
(3) أَيْ : بمَا فِيهِ مِنْ الشَّدَائِدِ الْكَائِنَةِ فِي حَالَةِ النَّزْعِ وَالْقَبْرِ وَمَا بَعْدَهُ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 249)
(4) ت ) ( 2457) , ( حم ) 21279 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 7863 ، الصَّحِيحَة : 954(2/151)
كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ , قَالَ : " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " , قَالَ : فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ(1)؟ , قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا , وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ "(2)
( خ حم ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى عَبْدٍ أَحْيَاهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً , لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ )(3)( فِي الْعُمُرِ(4))(5)"
( جة ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الْكَيِّسُ ) : الْعَاقِلُ الْمُتَبَصِّرُ فِي الْأُمُورِ , النَّاظِرُ فِي الْعَوَاقِبِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 251)
(2) رواه ( جة ) 4259 , انظر الصَّحِيحَة : 1384 ، وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3335
(3) حم ) 7699 , ( خ ) 6056
(4) الْإِعْذَار : إِزَالَة الْعُذْر ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اِعْتِذَار , كَأَنْ يَقُول : لَوْ مُدَّ لِي فِي الْأَجَل لَفَعَلْت مَا أُمِرْت بِهِ , وهذا كقوله تعالى لأهل النار : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ) [فاطر/37] . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 229)
(5) حم ) 9383 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .(2/152)
" أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ(1)"(2)
( يع ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مُعْتَرَكُ الْمَنَايَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ "(3)
( طس ) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( أَقَلُّ أُمَّتِي أَبْنَاءُ السَّبْعِينَ )(4)أَقَلُّ أُمَّتِي الَّذينَ يَبْلُغُونَ السَّبْعِينَ(5)"
الْمَوْتُ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا
( خ س ) , عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ :
(
__________
(1) مَعْنَاهُ آخِرُ عُمُرِ أُمَّتِي اِبْتِدَاؤُهُ إِذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً , وَانْتِهَاؤُهُ سَبْعُونَ سَنَةً , وَقَلَّ مَنْ يَجُوزُ سَبْعِينَ , وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ , بِدَلِيلِ شَهَادَةِ الْحَالِ , فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ سِتِّينَ سَنَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ سَبْعِينَ , وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْأَسْنَانُ أَرْبَعَةٌ : سِنُّ الطُّفُولِيَّةِ , ثُمَّ الشَّبَابُ , ثُمَّ الْكُهُولَةُ , ثُمَّ الشَّيْخُوخَةُ , وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ ، وَغَالِبُ مَا يَكُونُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ بِالنَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ , فَيَنْبَغِي لَهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ , لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 116)
(2) جة ) 4236 , ( ت ) 2331 , انظر الصَّحِيحَة : 757
(3) يع ) 6543 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5881
(4) طس ) 5872 , ( هب ) 10253
(5) طب ) 13594 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1183, الصَّحِيحَة : 1517(2/153)
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ طَلَعَتْ جَنَازَةٌ )(1)( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مُسْتَرِيحٌ أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ " , فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ , فَقَالَ : " الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا(2)وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ , وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ , وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ(3))(4)"
شِدَّةُ سَكَرَاتِ الْمَوْت(5)
__________
(1) س ) 1931
(2) النَّصَب : هُوَ التَّعَب . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 354)
(3) أَمَّا اِسْتِرَاحَةُ الْعِبَادِ , فَلِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْمُنْكَرِ , فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ آذَاهُمْ , وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا , وَاسْتِرَاحَة الْبِلَاد مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْمَعَاصِي , فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْجَدْبُ , فَيَقْتَضِي هَلَاكَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِرَاحَةِ الْعِبَادِ مِنْهُ لِمَا يَقَع لَهُمْ مِنْ ظُلْمِهِ , وَرَاحَةُ الْأَرْضِ مِنْهُ لِمَا يَقَع عَلَيْهَا مِنْ غَصْبِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا , وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ , وَرَاحَة الدَّوَابِّ مِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ إِتْعَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 354)
(4) خ ) 6147 , ( هب ) 9264 , ( م ) 950
(5) السُّكْرُ : حَالَةٌ تَعْرِضُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ , وَأَكْثَر مَا تُسْتَعْمَل فِي الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ , وَيُطْلَق فِي الْغَضَبِ وَالْعِشْقِ وَالْأَلَمِ وَالنُّعَاسِ , وَالْغَشْيِ النَّاشِئ عَنْ الْأَلَمِ , وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا . فتح الباري (ج18ص351)(2/154)
قَالَ تَعَالَى : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }(1)
( خد بز ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّفْسِ : اخْرُجِي ، قَالَتْ : لَا أَخْرُجُ إِلَّا وَأَنَا كَارِهَةٌ )(2)( قَالَ : اخْرُجِي وَإنْ كَرِهْتِ )(3)"(4)
( خ ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) ق/19]
(2) خد ) ( 219 )
(3) بز ) ( 783 - كشف الأستار )
(4) الصَّحِيحَة : 2013(2/155)
" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ ( قَبْضِ )(1)نَفْسِ ( عَبْدِي )(2)الْمُؤْمِنِ(3)
__________
(1) الاحتجاج بالقدر ص64
(2) الاحتجاج بالقدر ص64
(3) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : التَّرَدُّدُ فِي حَقِّ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَالْبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ , وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ : اِحْتِمَال أَنْ يَكُون مَعْنَى التَّرَدُّد خِطَابًا لَنَا بِمَا نَعْقِلُ وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ : " وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً " , فَكَمَا أَنَّ أَحَدَنَا يُرِيدُ أَنْ يَضْرِب وَلَدَه تَأْدِيبًا فَتَمْنَعُهُ الْمَحَبَّةُ وَتَبْعَثُهُ الشَّفَقَةُ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا , وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْوَالِدِ كَالْمُعَلَّمِ لَمْ يَتَرَدَّدْ , بَلْ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى ضَرْبِهِ لِتَأْدِيبِهِ , فَأُرِيدَ تَفْهِيمُنَا تَحْقِيقُ الْمَحَبَّة لِلْوَلِيِّ بِذِكْرِ التَّرَدُّد , وَقَدْ يُحْدِثُ اللَّهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ مِنْ الرَّغْبَة فِيمَا عِنْده وَالشَّوْق إِلَيْهِ وَالْمَحَبَّة لِلِقَائِهِ مَا يَشْتَاق مَعَهُ إِلَى الْمَوْت , فَضْلًا عَنْ إِزَالَة الْكَرَاهَة عَنْهُ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 342)(2/156)
يَكْرَهُ الْمَوْتَ(1)وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ( وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ )(2)"(3)
( خ ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) الْكَرَاهَة هُنَا لِمَا يَلْقَى الْمُؤْمِن مِنْ الْمَوْت وَصُعُوبَتِهِ وَكَرْبِهِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنِّي أَكْرَهُ لَهُ الْمَوْت , لِأَنَّ الْمَوْت يُورِدُهُ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ , وَعَبَّرَ بَعْضهمْ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَوْت حَتْم مَقْضِيّ ، وَهُوَ مُفَارَقَة الرُّوح لِلْجَسَدِ ، وَلَا تَحْصُل غَالِبًا إِلَّا بِأَلَمٍ عَظِيم جِدًّا كَمَا جَاءَ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ أَنَّهُ سُئِلَ وَهُوَ يَمُوت فَقَالَ : " كَأَنِّي أَتَنَفَّس مِنْ خُرْم إِبْرَة ، وَكَأَنَّ غُصْن شَوْك يَجُرُّ بِهِ مِنْ قَامَتِي إِلَى هَامَتِي " . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 342)
(2) الاحتجاج بالقدر ص64
(3) خ ) 6137 , ( حم ) 26236 , ( حب ) 347 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 1782 ، الصَّحِيحَة : 1640(2/157)
إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي(1)وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي(2))(3)( وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ(4)فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ )(5)"
( جة ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
" رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَمُوتُ وَعَندَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ , فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ "(6)
( خ ت س ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
__________
(1) أَيْ : يَوْمهَا الْأَصِيل بِحِسَابِ الدَّوْر وَالْقَسْم ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ صَارَ جَمِيع الْأَيَّام فِي بَيْتهَا . شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 191)
(2) السَّحْر : هُوَ الصَّدْر ، وَهُوَ فِي الْأَصْل الرِّئَة , وَالنَّحْر : الْمُرَاد بِهِ مَوْضِع النَّحْر , وَالْمُرَاد أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَرَأْسه بَيْن حَنَكهَا وَصَدْرهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا . فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 255)
(3) خ ) 4184
(4) الرَّكْوَة : : دَلْوٌ صَغِيرٌ , وقيل : تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ , وَلَهَا طَوْقٌ خَشَب . ( فتح ) - (ج 18 / ص 352)
(5) خ ) 6145
(6) جة ) 1623 و( حم ) 24401 , وصححه الألباني في فقه السيرة ص464 ، والحديث ضعيف عند ( جة , حم ) .(2/158)
" ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(1)( وَمَا أَغْبِطُ(2)أَحَدًا بِهَوْنِ مَوْتٍ(3))(4)( وَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا )(5)( بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (6))(7)"
( عبد بن حُمَيد ) , وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) خ ) 5322
(2) غَبَطْتُ الرَّجُلَ أَغْبِطُهُ : إِذَا اِشْتَهَيْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا لَهُ , وَأَنْ يَدُومَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ .تحفة الأحوذي(ج3ص37)
(3) أَيْ : بِسُهُولَةِ مَوْتٍ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 37)
(4) ت ) 979
(5) س ) 1830
(6) أَيْ : لَمَّا رَأَيْت شِدَّةَ وَفَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْمُنْذِرَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى سُوءِ عَاقِبَةِ الْمُتَوَفَّى ، وَأَنَّ هَوْنَ الْمَوْتِ وَسُهُولَتَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُكْرِمَاتِ , وَإِلَّا لَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى النَّاسِ بِهِ , فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ , وَلَا أَغْبِطُ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 37)
(7) ت ) 979(2/159)
" تَحَدَّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ , فَإِنَّهُ كَانَتْ فِيهِمُ الْأَعَاجِيبُ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَ : خَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَتَوْا مَقْبَرَةً مِنْ مَقَابِرِهِمْ , فَقَالُوا : لَوْ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَدَعْوَنا اللَّهَ يُخْرِجْ لَنَا بَعْضَ الْأَمْوَاتِ يُخْبِرُنَا عَنِ الْمَوْتِ , قَالَ : فَفَعَلُوا , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا أَطْلَعَ رَجُلٌ رَأْسُهُ مِنْ قَبْرٍ , خَلَاسِيٌّ(1)بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ , فَقَالَ : يَا هَؤُلَاءِ مَا أَرَدْتُمْ إِلَيَّ ؟ , فَوَاللَّهِ لَقَدْ مِتُّ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ ، فَمَا سَكَنَتْ عَنِّي حَرَارَةُ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ الْآنَ ، فَادْعُوا اللَّهَ أَنْ يُعِيدَنِي كَمَا كُنْتُ "(2)
صِفَةُ خُرُوجِ رُوحِ الْمُؤمِنِ وَرُوحِ الْكَافِر
( خ م ت حم ) , عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) خلاسي ) : أي أسمر اللون ، يقال : ولد خلاسي ، أَيْ : ولدٌ بين أبوين أبيض وأسود .
(2) مسند عبد بن حميد ) 1156 , انظر الصَّحِيحَة : 2926(2/160)
" ( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ(1)وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( عَلَى شَفِيرِ(3)الْقَبْرِ )(4)( مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ )(5)( وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ(6)وَفِي يَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ(7))(8)( فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى(9)مِنْ دُمُوعِهِ )(10)( ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : )(11)( " يَا إِخْوَانِي , لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا(12)
__________
(1) أَيْ : وَصَلْنَا إِلَيْهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(2) د ) 3212 , ( حم ) 18557
(3) الشفير : الحرف والجانب والناحية .
(4) جة ) 4195
(5) د ) 3212 , ( جة ) 1548
(6) كِنَايَة عَنْ غَايَة السُّكُون أَيْ : لَا يَتَحَرَّك مِنَّا أَحَد تَوْقِيرًا لِمَجْلِسِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(7) أَيْ : يَضْرِب بِطَرَفِهِ الْأَرْض ، وَذَلِكَ فِعْل الْمُفَكِّر الْمَهْمُوم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753 , ( حم ) 18557 , ( س ) 2001
(9) أَيْ : التراب .
(10) جة ) 4195
(11) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(12) أَيْ : فَأَعِدُّوا صَالِح الْأَعْمَال الَّتِي تَدْخُلُ الْقَبْر مَعَ الْمُؤْمِن ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 50)(2/161)
)(1)( ثُمَّ قَالَ : اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ )(2)( ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ , نَزَلَ إِلَيْهِ )(3)( مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ )(4)( مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ )(5)حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ(6)( مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ , وَحَنُوطٌ(7)مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ , حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : )(8)( اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، اخْرُجِي حَمِيدَةً )(9)( اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ )(10)( اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ )(11)( وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ(12)وَرَيْحَانٍ(13)
__________
(1) جة ) 4195
(2) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(3) حم ) 18557 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(4) س ) 1833
(5) حم ) 18557 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) س ) 1833
(7) الحنوط : ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة .
(8) حم ) 18557
(9) جة ) 4262
(10) س ) 1833
(11) حم ) 18557
(12) الرَّوْح ) بِالْفَتْحِ : الرَّاحَة وَالنَّسِيم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(13) أَيْ : طِيب ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 114)(2/162)
وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ , فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ )(1)( قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ , فَيَأْخُذُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - , وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا )(2)( حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا )(3)( ثُمَ يَجْعَلُونَهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ )(4)( فَيَتَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا )(5)( حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى [ بَابِ ](6)السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ )(7)( فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : )(8)( مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ )(9)( رُوحٌ طَيِّبَةٌ )(10)( جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )(11)( مَنْ هَذَا ؟ )(12)( فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا )(13)( - فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ )(14)( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ )(15)( ادْخُلِي حَمِيدَةً ، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ , وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ )(16)( وَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا )(17)(
__________
(1) جة ) 4262 , ( س ) 1833
(2) حم ) 18557
(3) س ) 1833
(4) حم ) 18557
(5) م ) 2872
(6) س ) 1833
(7) حم ) 18557
(8) م ) 2872
(9) س ) 1833
(10) م ) 2872
(11) س ) 1833 , ( م ) 2872
(12) جة ) 4262
(13) حم ) 18557
(14) جة ) 4262
(15) م ) 2872
(16) جة ) 4262
(17) حم ) 18557(2/163)
قَالَ : فلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ )(1)( حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ )(2)( الَّتِي فِيهَا اللَّه - عز وجل - )(3)( فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ - عز وجل - )(4)( فَيَقُولُ اللَّهُ - عز وجل - : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ , وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ , فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ , وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ , وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى )(5)( قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ الرَّجُلَ السَّوْءَ(6)إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ )(7)( سُودُ الْوُجُوهِ , مَعَهُمْ الْمُسُوحُ(8)فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : )(9)( اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً )(10)( اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ - عز وجل - )(11)( وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ(12))(13)( قَالَ : فَتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ , فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ(14)
__________
(1) جة ) 4262
(2) حم ) 18557 , ( جة ) 4262
(3) جة ) 4262
(4) م ) 2872
(5) حم ) 18557
(6) جة ) 4262 , ( حم ) 8754
(7) س ) 1833
(8) المسوح : جمع المِسح بالكسر وهو اللباس الخشن .
(9) حم ) 18557
(10) جة ) 4262
(11) س ) 1833
(12) أَيْ : وَبِأَصْنَافٍ كَائِنَة مِنْ جِنْس الْمَذْكُور مِنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 114)
(13) جة ) 4262 , ( حم ) 8754
(14) السُّفُّود : عود من حديد يُنظَم فيه اللحم لِيُشوى ..(2/164)
مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ )(1)( فَتَتَقَطَّعُ مَعَهَا الْعُرُوقُ وَالْعَصَبُ )(2)( وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ )(3)( ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا )(4)( حَتَّى يَأْتُونَ بَابَ الْأَرْضِ )(5)( فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : )(6)( مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ )(7)( رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَيْطَةً(8)
__________
(1) حم ) 18557
(2) حم ) 18558 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(3) حم ) 18557
(4) جة ) 4262
(5) س ) 1833
(6) م ) 2872
(7) س ) 1833
(8) الرَّيْطَة : ثَوْب رَقِيق ، وَقِيلَ : هِيَ الْمُلَاءَة ، وَكَانَ سَبَب رَدّهَا عَلَى الْأَنْف بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ مِنْ نَتْن رِيح رُوح الْكَافِر ..شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 252)(2/165)
كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا – )(1)( مَنْ هَذَا ؟ )(2)( فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا – )(3)( فَيُقَالُ : لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً ، فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )(4)( ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }(5)فَيَقُولُ اللَّهُ - عز وجل - : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ(6)
__________
(1) م ) 2872
(2) جة ) 4262
(3) حم ) 18557
(4) جة ) 4262 , ( حم ) 25133
(5) الأعراف/40]
(6) السِّجِّين : السِّجْن , وسِجِّينٌ : واد في جهنم نعوذ بالله منها , مُشْتَقٌّ من ذلك , وقوله تعالى : { كلا إنَّ كتابَ الفُجَّار لفي سِجِّين } , قيل : المعنى أَن كتابهم في حَبْسٍ لخساسة منزلتهم عند الله - عز وجل - , وقيل : { في سِجِّين } في حَجَر تحت الأَرض السابعة , وقال مجاهد { في سِجِّين } في الأرض السابعة , وفي حديث أَبي سعيد ويُؤتى بكتابه مختوماً فيوضع في السِّجِّين , قال ابن الأَثير : هكذا جاء بالأَلف واللام , وهو بغيرهما اسم عَلَمٍ للنار .
لسان العرب - (ج 13 / ص 203)(2/166)
فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى , فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا , ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ , فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }(1))(2)( فَيُرْسَلُ بِهَا مِنْ السَّمَاءِ , ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ )(3)
( خ م حم ) , وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الحج/31]
(2) حم ) 18557
(3) جة ) 4262 , ( حم ) 25133(2/167)
" ( مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ(1)وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ " ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ؟ )(2)( فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَكْرَهُهُ(3)
__________
(1) قَالَ الْعُلَمَاء : مَحَبَّةُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ إِلَيْهِ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَكَرَاهَتُهُ لَهُ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 347)
(2) م ) 157 , 2683 , ( خ ) 6142
(3) لِأَنَّ كُلُّ مَنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ إِنَّمَا يَكْرَهُهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَلْقَى ثَوَابَ اللَّهِ , إِمَّا لِإِبْطَائِهِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالشُّغْلِ بِالتَّبَعَاتِ , وَإِمَّا لِعَدَمِ دُخُولهَا أَصْلًا كَالْكَافِرِ ..فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 348)(2/168)
)(1)( قَالَ : " لَيْسَ ذَاكَ كَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ , وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِرَ ، جَاءَهُ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ )(2)( بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ )(3)( فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللَّهَ - عز وجل - ، فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ أَوِ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ )(4)( بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ )(5)( فَيَكْرَهُ لِقَاءَ اللَّهِ , وَاللَّهُ لِلِقَائِهِ أَكْرَهُ(6))(7)"
( م حم ) , وَعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 25873 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح , ( م ) 157
(2) حم ) 12066 وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح , ( خ ) 6142
(3) م ) 157 , ( ت ) 1067
(4) حم ) 12066 , ( خ ) 6142
(5) م ) 157 , ( ت ) 1067
(6) مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمَحَبَّة وَالْكَرَاهَة الَّتِي تُعْتَبَر شَرْعًا هِيَ الَّتِي تَقَع عِنْد النَّزْعِ فِي الْحَالَة الَّتِي لَا تُقْبَلُ فِيهَا التَّوْبَةُ , حَيْثُ يُكْشَفُ الْحَالُ لِلْمُحْتَضِرِ , وَيَظْهَرُ لَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 348)
(7) حم ) 18309 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن , ( خ ) 6142(2/169)
" ( مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ " قَالَ شُرَيْحٌ : فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ ك فَقُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ , سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَمَا ذَاكَ ؟ , فَقُلْتُ : قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ " , وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ )(1)( وَيَفْظَعُ بِهِ )(2)( فَقَالَتْ : قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ ، وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ(3)وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ(4)وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ(5)وَتَشَنَّجَتْ الْأَصَابِعُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ )(6)"
بَعْضُ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى حُسْنِ أَوْ سُوءِ الْخَاتِمَة
( حم ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ :
(
__________
(1) م ) 2685 , ( س ) 1834
(2) حم ) 9821 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) شَخَصَ ) مَعْنَاهُ : اِرْتِفَاع الْأَجْفَان إِلَى فَوْق .
(4) الْحَشْرَجَة ) الْغَرْغَرَة عِنْد الْمَوْت وَتَرَدُّد النَّفَس .
(5) اِقْشِعْرَار الْجِلْد ) : قِيَام شَعْره .
(6) م ) 2685 , ( س ) 1834(2/170)
كَانَ بُرَيْدَةُ - رضي الله عنه - بِخُرَاسَانَ , فَعَادَ أَخًا لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَجَدَهُ بِالْمَوْتِ )(1)( فَرَأَى جَبِينَهُ يَعْرَقُ , فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ(2))(3)"(4)
( طب ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" نَفْسُ الْمُؤْمِنِ تَخْرُجُ رَشْحًا(5)وَنَفَسُ الْكَافِرِ تَخْرُجُ مِنْ شِدْقِهِ(6)كَمَا تَخْرُجُ نَفْسُ الْحِمَارِ "(7)
( التدوين في أخبار قزوين ) , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوقَةَ قَالَ :
__________
(1) حم ) 23072 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح .
(2) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ , فَقِيلَ إِنَّ عَرَقَ الْجَبِينِ لِمَا يُعَالِجُ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ , وَقِيلَ : مِنْ الْحَيَاءِ , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا جَاءَتْهُ الْبُشْرَى مَعَ مَا كَانَ قَدْ اِقْتَرَفَ مِنْ الذُّنُوبِ , حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ خَجَلٌ , وَاسْتَحَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , فَعَرِقَ لِذَلِكَ جَبِينُهُ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 38)
(3) حم ) 23097 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : صحيح , ( ت ) 982 , ( س ) 1828
(4) صَحِيح الْجَامِع : 6665 ، المشكاة : 1610
(5) الرَّشْح : العرق .
(6) الشِّدْق : جانب الفم .
(7) طب ) 8866 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5149 , الصَّحِيحَة : 2151(2/171)
دَخَلْنَا عَلَى سَلْمَانَ - رضي الله عنه - وَهو مَبْطُونٌ(1)فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَجَلَسْنَا عِنْدَهُ طَوِيلًا حَتَّى ظَنْنَا أَنَّهُ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِ(2)ثُمَّ قُمْنَا فَأَخَذَ بِثَوْبِي فَجَلَسْتُ ، فَقَالَ : أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ أَحَدًا وَلَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَكَ ؟ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " ارْقُبُوا الْمَيِّتَ عِنْدَ وَفَاتِهِ ، فَإِذَا ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، وَرَشَحَ جَبِينُهُ ، وَانْتَشَرَ مِنْخَرَاهُ , فَهو رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ نَزَلَتْ بِهِ ، وَإِذَا غَطَّ(3)غَطِيطَ الْبَكْرِ(4)الْخَنِقِ , وَكَمَدَ لَوْنُهُ , وَأَزْبَدَ شَفَتَاهُ ، فَهو عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ " , ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِهِ : مَا فَعَلَ الْمِسْكُ الَّذِي قَدِمْتُ بِهِ مِنْ بَلَنْجَرَ(5)؟ ، قَالَتْ : هو ذَا ،
قَالَ : بُلِّيهِ ثُمَّ انْفُخِيهِ حَوْلَ فِرَاشِي ، فَإِنَّهُ يَدْخِلُ عَلَيْكِ أَقْوَامٌ يَشِمُّونَ الرِّيحَ وَمَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ , ثُمَّ قَضَى - رضي الله عنه - .(6)
__________
(1) الْمَبْطُونِ : مَنْ اِشْتَكَى بَطْنه لِإِفْرَاطِ الْإِسْهَال ، وَأَسْبَابُ ذَلِكَ مُتَعَدِّدَة . ( فتح ) - (ج 16 / ص 234)
(2) شق عليه : صعب عليه أمره .
(3) الغطيط : الصوت الذي يخرج مع نَفَس النائم .
(4) البَكر : الفتي من الإبل , والبَكر يَغُطُّ إذا شُدَّ خِناقه للرياضة لِيَذِل . غريب الحديث لإبراهيم الحربي
(5) هي مدينة تقع على بحر الخزر , شمالي باب الأبواب ( دربند ) في الطرف الأقصى للقوقاز .
(6) التدوين في أخبار قزوين - (ج 1 / ص 168) , لم تتم دراسة إسناده , وذكرته لجمال معانيه .ع(2/172)
لِمَاذَا يَشْخَصُ بَصَرُ الْمَيِّتِ(1)بَعْدَ قَبْضِ رُوحِه
( م ) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" أَلَمْ تَرَوْا الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ ؟ " , قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : " فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ(2)"(3)
( م جة ) , وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ك قَالَتْ :
" دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَلَمَةَ - رضي الله عنه - وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ(4)فَأَغْمَضَهُ(5)ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ(6)"(7)
أَحْوَالُ الْمَيِّتِ فِي الجِنَازَة
( خ ) , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : اِرْتَفَعَ وَلَمْ يَرْتَدّ . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 332)
(2) الْمُرَاد بِالنَّفْسِ هُنَا الرُّوح : قَالَ الْقَاضِي : وَفِيهِ أَنَّ الْمَوْت لَيْسَ بِإِفْنَاءٍ وَإِعْدَام ، وَإِنَّمَا هُوَ اِنْتِقَال وَتَغَيُّر حَال , وَإِعْدَام الْجَسَد دُون الرُّوح , إِلَّا مَا اِسْتَثْنَى مِنْ عَجْب الذَّنَب , قَالَ : وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ يَقُول : الرُّوح وَالنَّفْس بِمَعْنًى . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 332)
(3) م ) 921
(4) أَيْ : فتح عينيه .
(5) قَالُوا : وَالْحِكْمَة فِيهِ أَلَّا يَقْبُح بِمَنْظَرِهِ لَوْ تَرَكَ إِغْمَاضه . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 331)
(6) أَيْ : إِذَا خَرَجَ الرُّوح مِنْ الْجَسَد , يَتْبَعهُ الْبَصَر نَاظِرًا أَيْنَ يَذْهَب . شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 331)
(7) م ) 920 , ( جة ) 1454(2/173)
" ( إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ , فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ لِأَهْلِهَا(1): قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي , وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا : يَا وَيْلَهَا , أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا(2)؟ , يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ )(3)( وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ(4))(5)"
( س حم ) ، وَعَن عبدِ الرحمنِ بنِ مِهْرَانَ قَالَ :
(
__________
(1) يُرِيد بِالْجِنَازَةِ نَفْس الْمَيِّت , لِقَوْلِهِ بَعْد ذَلِكَ " فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَة قَالَتْ " , فَإِنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمَيِّت , وَقَائِل ذَلِكَ هُوَ الرُّوح . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 373)
(2) مَعْنَى النِّدَاء : يَا حُزْنِي , وَأَضَافَ الْوَيْل إِلَى ضَمِير الْغَائِب حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى , كَرَاهِيَة أَنْ يُضِيف الْوَيْل إِلَى نَفْسه ، وَيُؤَيِّده أَنَّ فِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُورَة " قَالَ : يَا وَيْلَتَاهُ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّف الرُّوَاة . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 373)
(3) خ ) 1251 , ( س ) 1909
(4) أَيْ : لَغُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّة مَا يَسْمَعهُ ، وَرُبَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْت ، وَالضَّمِير فِي ( يَسْمَعهُ ) رَاجِع إِلَى دُعَائِهِ بِالْوَيْلِ , أَيْ : يَصِيح بِصَوْتٍ مُنْكَر , لَوْ سَمِعَهُ الْإِنْسَان لَغُشِيَ عَلَيْهِ , قَالَ اِبْن بَزِيزَة : هُوَ مُخْتَصّ بِالْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ غَيْر صَالِح ، وَأَمَّا الصَّالِح فَمِنْ شَأْنه اللُّطْف وَالرِّفْق فِي كَلَامه , فَلَا يُنَاسِب الصَّعْق مِنْ سَمَاع كَلَامه . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 373)
(5) خ ) 1314 , ( س ) 1909(2/174)
لَمَّا حَضَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - الْمَوْتُ )(1)( قَالَ : إِذَا مُتُّ فلَا تَتَّبِعُونِي بِنَارٍ , بِمِجْمَرٍ(2)وَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا(3)وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ : قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السُّوءُ عَلَى سَرِيرِهِ )(4)( قَالَ : يَا وَيْلِي , أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي ؟ )(5)"
( خ م ) , وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) حم ) 10498 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(2) حم ) 7901 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) الْفُسْطَاط : هُوَ الْبَيْت مِنْ الشَّعْر ، وَقَدْ يُطْلَق عَلَى غَيْر الشَّعْر .
(4) حم ) 10141 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(5) س ) 1908 , ( حم ) 10498(2/175)
" يَتْبَعُ الْمَيِّتَ(1)ثَلَاثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ(2)وَمَالُهُ(3)وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ(4)"(5)
( حب ك بز ) ، وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍبقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أَيْ : إِلَى قَبْرِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 165)
(2) أَيْ : أَوْلَادُهُ وَأَقَارِبُهُ وَأَهْلُ صُحْبَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 165)
(3) كَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّابَّةِ وَالْخَيْمَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 165)
(4) هَذَا يَقَع فِي الْأَغْلَب , وَرُبَّ مَيِّتٍ لَا يَتْبَعُهُ إِلَّا عَمَلُهُ فَقَطْ , وَمَعْنَى بَقَاءِ عَمَلِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ : " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ حَسَنُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِاَلَّذِي يَسُرُّك , فَيَقُول : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَيَقُول أَنَا عَمَلك الصَّالِح " وَقَالَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ : " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ " الْحَدِيثَ وَفِيهِ " أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُك , فَيَقُول : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَيَقُول أَنَا عَمَلك الْخَبِيثُ " . فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 356)
(5) خ ) 6149 , ( م ) 2960(2/176)
" ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَمَثَلُ الْمَوْتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَخِلَّاءَ )(1)( فَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ : مَا أَنْفَقْتَ فَلَكَ ، وَمَا أَمْسَكْتَ فَلَيْسَ لَكَ )(2)( فَذَلِكَ مَالُهُ , وَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ : )(3)( أَنَا مَعَكَ أَحْمِلُكَ وَأَضَعُكَ )(4)( حَتَّى تَأْتِيَ بَابَ الْمَلِكِ )(5)( فَإذَا أَتَيْتَ بَابَ الْمَلِكِ تَرَكْتُكَ وَرَجَعْتُ فَذَلِكَ أَهْلُهُ )(6)( وَوَلَدُهُ )(7)( وَعَشِيرَتُهُ , يُشَيِّعُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ قَبْرَهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ فَيَتْرُكُونَهُ )(8)( وَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ : أَنَا مَعَكَ , أَدْخَلُ مَعَكَ , وَأَخْرُجُ مَعَكَ )(9)( فَذَلِكَ عَمَلُهُ ، فَيَقُولُ : وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ أَهْوَنَ الثَلَاثةِ عَلِيَّ )(10)"(11)
ضَمَّةُ الْقَبْر
( خد س حم ابن سعد ) , وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - رضي الله عنه - (12)قَالَ :
( لَمَّا أُصِيبَ أَكْحَلُ(13)
__________
(1) بز ) 3272 , ( ك ) 251
(2) حب ) 3108 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده حسن .
(3) ك ) 1375
(4) ك ) 251 , ( حب ) 3108
(5) ك ) 248
(6) حب ) 3108
(7) بز ) 3272
(8) مشيخة ابن طهمان : 184
(9) بز ) 3272
(10) مشيخة ابن طهمان : 184 , ( حب ) 3108
(11) الصَّحِيحَة : 2481 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 919 ,
(12) هو : محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأنصارى الأوسي الأشهلي الطبقة : 1 صحابي , الوفاة : , 96 هـ
وقيل 97 هـ , بالمدينة روى له : ( البخاري في الأدب المفرد - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )
(13) الْأَكْحَل ) : عِرْقٌ فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ ، قَالَ الْخَلِيل : هُوَ عِرْق الْحَيَاة , وَيُقَال إِنْ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ ,
فَهُوَ فِي الْيَدِ الْأَكْحَلِ , وَفِي الظَّهْرِ الْأَبْهَرِ , وَفِي الْفَخِذِ النَّسَا , إِذَا قُطِعَ لَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ .(2/177)
سَعْدٍ - رضي الله عنه - يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَثَقُلَ , حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا : رُفَيْدَةُ , وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، " فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ : كَيْفَ أَمْسَيْتَ ؟ ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ " ، فَيُخْبِرُهُ )(1)( حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي ثَقُلَ فِيهَا , فَاحْتَمَلَهُ قَوْمُهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ , " وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ عَنْهُ كَمَا كَانَ يَسْأَلُ " , فَقَالُوا : قَدِ انْطَلَقُوا بِهِ ، " فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَرَجْنَا مَعَهُ ، فَأَسْرَعَ الْمَشْي حَتَّى تَقَطَّعَتْ شُسُوعُ(2)نِعَالِنَا وَسَقَطَتْ أَرْدِيَتُنَا(3)
__________
(1) خد ) 1129 , انظر صحيح الأدب المفرد : 863
(2) الشِّسْع ) : أَحَد سُيُور النِّعَال ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُل بَيْن الْأُصْبُعَيْنِ ، وَيَدْخُل طَرَفه فِي النَّقْب الَّذِي فِي صَدْر النَّعْل الْمَشْدُود فِي الزِّمَام , وَجَمَعَهُ شُسُوع , وَالزِّمَام : هُوَ السَّيْر الَّذِي يُعْقَد فِيهِ الشِّسْع . ( النووي - ج 7 / ص 195)
(3) الأردية : جمع رداء , وهو ما يلبس فوق الثياب كالجُبَّة والعباءة ، أو ما يستر الجزء الأعلى من الجسم ..(2/178)
عَنْ أَعْنَاقِنَا " ، فَشَكَا أَصْحَابُهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتْعَبْتَنَا فِي الْمَشْيِ ، فَقَالَ : " إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ فَتَغْسِلُهُ كَمَا غَسَلَتْ حَنْظَلَةَ , فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْبَيْتِ وَهو يُغْسَّلُ " ، وَأُمُّهُ تَبْكِيهِ وَهِيَ تَقُولُ : وَيْلُ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدَا , بَرَاعَةً وَجِدَّا , بَعْدَ أَيَادٍ لَهُ وَمَجْدًا ، مُقَدَّمٌ سُدَّ بِهِ مَسَدًّا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إِلَّا أُمَّ سَعْدٍ )(1)( فَلَمَّا أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِنَازَةَ سَعْدٍ " قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ : مَا أَخَفَّ سَرِيرَ سَعْدٍ أَوْ جِنَازَةَ سَعْدٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَقَدْ نَزَلَ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شَهِدُوا جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ , مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ )(2)( فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَسُوِّيَ عَلَيْهِ , سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَسَبَّحْنَا طَوِيلًا , " ثُمَّ كَبَّرَ " فَكَبَّرْنَا , فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ سَبَّحْتَ ثُمَّ كَبَّرْتَ ؟ , فَقَالَ : " هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ )(3)(
__________
(1) ابن سعد ( 3 / 427 - 428 ) , انظر الصحيحة : 1158
(2) فضائل الصحابة : 1491 , ( ش ) 36797 , انظر الصَّحِيحَة : 3345
(3) حم ) 14916 , انظر الصحيحة : 3348 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن ..(2/179)
الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ , وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ , وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ )(1)( لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَيْهِ قَبْرُهُ , ثُمَّ فَرَّجَهُ اللَّهُ - عز وجل - عَنْهُ )(2)لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ(3)( فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْفَلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ , لَانْفَلَتَ مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ )(4)"
( حم ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً ، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ "(5)
( طب ) , وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه - قَالَ :
دُفِنَ صَبِيٌّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لَأَفْلَتَ هَذَا الصَّبِيُّ "(6)
( ت ) , عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ :
__________
(1) س ) 2055 , ( حب ) 7033 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 6987
(2) حم ) 14916 , انظر الصحيحة : 3348
(3) س ) 2055 , انظر الصحيحة : 3345
(4) البزار (3/256/2698- كشف الأستار) , انظر الصحيحة : 3345
(5) حم ) 24328 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 2180 ، الصَّحِيحَة : 1695
(6) طب ) 3858 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5238 , الصَّحِيحَة : 2164(2/180)
كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ , فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلَا تَبْكِي , وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ , فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ , فَإِنْ نَجَا مِنْهُ(1)فَمَا بَعْدَهُ(2)أَيْسَرُ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ , فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ(3)" , قَالَ : وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ , إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ(4)"(5)
سُؤالُ الْقَبْر
( د ) , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قَالَ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ(6)فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ "(7)
(
__________
(1) أَيْ : مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 93)
(2) أَيْ : مِنْ الْمَنَازِلِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 93)
(3) لِأَنَّ النَّارَ أَشَدُّ الْعَذَابِ , وَالْقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 93)
(4) أَيْ : مَا رَأَيْت مَنْظَرًا فَظِيعًا عَلَى حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْفَظَاعَةِ ، إِلَّا وَالْقَبْرِ أَقْبَحَ مِنْهُ . تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 93)
(5) ت ) 2308 , ( جة ) 4267 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 5623 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3550
(6) أَيْ : أَنْ يُثَبِّتهُ اللَّه فِي الْجَوَاب . عون المعبود - (ج 7 / ص 208)
(7) د ) 3221 , ( ك ) 1372 , انظر صَحِيح الْجَامِع : 945 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 3511(2/181)
خ م ت حم ) , وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ :
" ( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ(1)وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )(2)( عَلَى شَفِيرِ(3)الْقَبْرِ )(4)( مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ )(5)( وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ(6)وَفِي يَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ(7))(8)( فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى(9)مِنْ دُمُوعِهِ )(10)( ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : )(11)( " يَا إِخْوَانِي , لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا(12)
__________
(1) أَيْ : وَصَلْنَا إِلَيْهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(2) د ) 3212 , ( حم ) 18557
(3) الشفير : الحرف والجانب والناحية .
(4) جة ) 4195
(5) د ) 3212 , ( جة ) 1548
(6) كِنَايَة عَنْ غَايَة السُّكُون أَيْ : لَا يَتَحَرَّك مِنَّا أَحَد تَوْقِيرًا لِمَجْلِسِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(7) أَيْ : يَضْرِب بِطَرَفِهِ الْأَرْض ، وَذَلِكَ فِعْل الْمُفَكِّر الْمَهْمُوم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753 , ( حم ) 18557 , ( س ) 2001
(9) أَيْ : التراب .
(10) جة ) 4195
(11) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(12) أَيْ : فَأَعِدُّوا صَالِح الْأَعْمَال الَّتِي تَدْخُلُ الْقَبْر مَعَ الْمُؤْمِن ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 50)(2/182)
)(1)( ثُمَّ قَالَ : اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ )(2)( ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ , نَزَلَ إِلَيْهِ )(3)( مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ )(4)( مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ )(5)حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ(6)( مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ , وَحَنُوطٌ(7)مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ , حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : )(8)( اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، اخْرُجِي حَمِيدَةً )(9)( اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ )(10)( اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ )(11)( وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ(12)وَرَيْحَانٍ(13)
__________
(1) جة ) 4195
(2) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(3) حم ) 18557 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(4) س ) 1833
(5) حم ) 18557 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) س ) 1833
(7) الحنوط : ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة .
(8) حم ) 18557
(9) جة ) 4262
(10) س ) 1833
(11) حم ) 18557
(12) الرَّوْح ) بِالْفَتْحِ : الرَّاحَة وَالنَّسِيم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(13) أَيْ : طِيب ..حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 114)(2/183)
وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ , فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ )(1)( قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ , فَيَأْخُذُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ - عليه السلام - , وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا )(2)( حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا )(3)( ثُمَ يَجْعَلُونَهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ )(4)( فَيَتَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا )(5)( حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى [ بَابِ ](6)السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ )(7)( فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : )(8)( مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ )(9)( رُوحٌ طَيِّبَةٌ )(10)( جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )(11)( مَنْ هَذَا ؟ )(12)( فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا )(13)( - فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ )(14)( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ )(15)( ادْخُلِي حَمِيدَةً ، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ , وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ )(16)( وَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا )(17)(
__________
(1) جة ) 4262 , ( س ) 1833
(2) حم ) 18557
(3) س ) 1833
(4) حم ) 18557
(5) م ) 2872
(6) س ) 1833
(7) حم ) 18557
(8) م ) 2872
(9) س ) 1833
(10) م ) 2872
(11) س ) 1833 , ( م ) 2872
(12) جة ) 4262
(13) حم ) 18557
(14) جة ) 4262
(15) م ) 2872
(16) جة ) 4262
(17) حم ) 18557(2/184)
قَالَ : فلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ )(1)( حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ )(2)( الَّتِي فِيهَا اللَّه - عز وجل - )(3)( فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ - عز وجل - )(4)( فَيَقُولُ اللَّهُ - عز وجل - : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ , وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ , فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ , وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ , وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى , قَالَ : فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ )(5)( إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ )(6)( وَإِنَّهُ(7)لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ(8)إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ , فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ )(9)( أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ(10)يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا : الْمُنْكَرُ ، وَالْآخَرُ : النَّكِيرُ(11)
__________
(1) جة ) 4262
(2) حم ) 18557 , ( جة ) 4262
(3) جة ) 4262
(4) م ) 2872
(5) حم ) 18557
(6) م ) 2870 , ( س ) 2049
(7) أَيْ : الْمَيِّت . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) أَيْ : صَوْت نِعَالهمْ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(9) د ) 4753 , ( خ ) 1273
(10) أَيْ : أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا , زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى : أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ النُّحَاسِ ، وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ ، وَأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ , وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ : يَحْفِرَانِ بِأَنْيَابِهِمَا , وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا ، مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنَى لَمْ يُقِلُّوهَا . كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(11) كِلَاهُمَا ضِدُّ الْمَعْرُوفِ , سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَعْرِفْهُمَا , وَلَمْ يَرَ صُورَةً مِثْلَ صُورَتِهِمَا ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)(2/185)
)(1)( فَيُجْلِسَانِهِ )(2)( غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ(3))(4)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ , فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ )(5)( فَيَقُولَانِ لَهُ : هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ ؟ , فَيَقُولُ : مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ )(6)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ , فَيَقُولُ : دِينِيَ الْإِسْلَامُ ؟ )(7)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ )(8)( الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ(9)؟ )(10)( فَيَقُولُ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ , أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )(11)( فَيَقُولَانِ لَهُ : وَمَا يُدْرِيك(12)؟ , فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ(13)
__________
(1) ت ) 1071
(2) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(3) قَالَ السُّيُوطِيُّ : الشَّعَف : شِدَّة الْفَزَع حَتَّى يَذْهَب بِالْقَلْبِ . حاشية السندي على ابن ماجه .
(4) جة ) 4268
(5) د ) 4753
(6) جة ) 4268
(7) د ) 4753
(8) خ ) 1273 , ( ت ) 1071
(9) أَيْ : مَا هُوَ اِعْتِقَادك فِيهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(10) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(11) ت ) 1071 , ( خ ) 1273
(12) أَيْ : أَيُّ شَيْء أَخْبَرَك وَأَعْلَمَك بِمَا تَقُول مِنْ الرُّبُوبِيَّة وَالْإِسْلَام وَالرِّسَالَة . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(13) أَيْ : بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَقّ ..عون المعبود - (ج 10 / ص 274)(2/186)
)(1)( وَجَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَصَدَّقْنَاهُ )(2)( قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عز وجل - : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }(3)فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ : صَدَقَ عَبْدِي , فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ )(4)( فَيَقُولَانِ لَهُ : قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا )(5)( فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيُقَالُ لَهُ : انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ )(6)( فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا(7)وَطِيبِهَا )(8)( وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ(9))(10)( ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ(11)
__________
(1) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(2) جة ) 4268
(3) إبراهيم/27]
(4) د ) 4753 , ( حم ) 18557 , ( خ ) 1303 , ( م ) 2871
(5) ت ) 1071
(6) جة ) 4268 , ( خ ) 1273
(7) الرَّوْح ) بِالْفَتْحِ : الرَّاحَة وَالنَّسِيم . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(9) أَيْ : مُنْتَهَى بَصَره . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(10) حم ) 18557
(11) أَيْ : يُجْعَلُ النُّورُ لَهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي وُسِّعَ عَلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ حِبَّانَ : وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)(2/187)
)(1)( وَيُقَالُ لَهُ : عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مُتَّ ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّه )(2)( ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : نَمْ )(3)( فَيَقُولُ : دَعُونِي )(4)( أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي )(5)( فَأُبَشِّرُهُمْ(6))(7)( فَيَقُولَانِ لَهُ : نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ(8)الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ(9)
__________
(1) ت ) 1071
(2) جة ) 4268
(3) ت ) 1071
(4) د ) 4751
(5) ت ) 1071
(6) أَيْ : بِأَنَّ حَالِي طَيِّبٌ وَلَا حُزْنَ لِي لِيَفْرَحُوا بِذَلِكَ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(7) د ) 4751
(8) الْعَرُوسِ ) : يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اِجْتِمَاعِهِمَا , وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ , وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(9) هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ , يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ ..تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)(2/188)
حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ )(1)( قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ , حَسَنُ الثِّيَابِ , طَيِّبُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ , فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ , فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي )(2)وفي رواية : ( فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ ، فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ , مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ )(3)( فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَنْظِرُوا أَخَاكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ , فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ , فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ : مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ , مَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ ؟ , هَلْ تَزَوَّجَتْ ؟ , فَإِذَا سَألُوا عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ قَالَ لَهُمْ : إِنُّهُ قَدْ هَلَكَ )(4)( أَمَا أَتَاكُمْ ؟ )(5)( قَالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِيَّةُ ، قَالَ : فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ ، فَإِذَا رَأَوْا حَسَنًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا : اللَّهُمَّ هَذِهِ نِعْمَتُكَ عَلَى عَبْدِكَ فَأَتِمَّهَا ، وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا : اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِعَبْدِكِ )(6)( قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ الرَّجُلَ
__________
(1) ت ) 1071
(2) حم ) 18557
(3) س ) 1833
(4) ابن المبارك في " الزهد " ( 149 / 443 ) , انظر الصَّحِيحَة : 2758
(5) س ) 1833
(6) ابن المبارك في " الزهد " ( 149 / 443 ) , انظر الصَّحِيحَة : 2758(2/189)
السَّوْءَ(1)إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ )(2)( سُودُ الْوُجُوهِ , مَعَهُمْ الْمُسُوحُ(3)فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : )(4)( اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً )(5)( اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ - عز وجل - )(6)( وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ(7))(8)( قَالَ : فَتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ , فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ(9)مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ )(10)( فَتَتَقَطَّعُ مَعَهَا الْعُرُوقُ وَالْعَصَبُ )(11)(
__________
(1) جة ) 4262 , ( حم ) 8754
(2) س ) 1833
(3) المسوح : جمع المِسح بالكسر وهو اللباس الخشن .
(4) حم ) 18557
(5) جة ) 4262
(6) س ) 1833
(7) أَيْ : وَبِأَصْنَافٍ كَائِنَة مِنْ جِنْس الْمَذْكُور مِنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 114)
(8) جة ) 4262 , ( حم ) 8754
(9) السُّفُّود : عود من حديد يُنظَم فيه اللحم لِيُشوى .
(10) حم ) 18557
(11) حم ) 18558 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح ..(2/190)
وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ )(1)( ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا )(2)( حَتَّى يَأْتُونَ بَابَ الْأَرْضِ )(3)( فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : )(4)( مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ )(5)( رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَيْطَةً(6)
__________
(1) حم ) 18557
(2) جة ) 4262
(3) س ) 1833
(4) م ) 2872
(5) س ) 1833
(6) الرَّيْطَة : ثَوْب رَقِيق ، وَقِيلَ : هِيَ الْمُلَاءَة ، وَكَانَ سَبَب رَدّهَا عَلَى الْأَنْف بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ مِنْ نَتْن رِيح رُوح الْكَافِر ..شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 252)(2/191)
كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا – )(1)( مَنْ هَذَا ؟ )(2)( فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ - بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا – )(3)( فَيُقَالُ : لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً ، فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )(4)( ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }(5)فَيَقُولُ اللَّهُ - عز وجل - : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ(6)
__________
(1) م ) 2872
(2) جة ) 4262
(3) حم ) 18557
(4) جة ) 4262 , ( حم ) 25133
(5) الأعراف/40]
(6) السِّجِّين : السِّجْن , وسِجِّينٌ : واد في جهنم نعوذ بالله منها , مُشْتَقٌّ من ذلك , وقوله تعالى : { كلا إنَّ كتابَ الفُجَّار لفي سِجِّين } , قيل : المعنى أَن كتابهم في حَبْسٍ لخساسة منزلتهم عند الله - عز وجل - , وقيل : { في سِجِّين } في حَجَر تحت الأَرض السابعة , وقال مجاهد { في سِجِّين } في الأرض السابعة , وفي حديث أَبي سعيد ويُؤتى بكتابه مختوماً فيوضع في السِّجِّين , قال ابن الأَثير : هكذا جاء بالأَلف واللام , وهو بغيرهما اسم عَلَمٍ للنار .
لسان العرب - (ج 13 / ص 203)(2/192)
فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى , فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا , ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ , فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }(1))(2)( فَيُرْسَلُ بِهَا مِنْ السَّمَاءِ , ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ )(3)( فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ , وَيَأْتِيهِ الْمَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ )(4)( فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا(5))(6)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ , فَيَقُولُ : هَاهْ , هَاهْ(7)لَا أَدْرِي ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ , فَيَقُولُ : هَاهْ , هَاهْ , لَا أَدْرِي )(8)( فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ )(9)( الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ , فَيَقُولُ : فَيَقُولُ : هَاهْ , هَاهْ , لَا أَدْرِي )(10)( سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ [ قَوْلًا ] (11)فَقُلْتُ مِثْلَهُ(12)
__________
(1) الحج/31]
(2) حم ) 18557
(3) جة ) 4262 , ( حم ) 25133
(4) د ) 4753
(5) وفي رواية : وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ , فَيَقُولُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَعْبُدُ ؟ , فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي . ( د ) 4751
(6) جة ) 4268
(7) هَاهْ ) كَلِمَة يَقُولهَا الْمُتَحَيِّر الَّذِي لَا يَقْدِر مِنْ حِيرَته لِلْخَوْفِ أَوْ لِعَدَمِ الْفَصَاحَة أَنْ يَسْتَعْمِل لِسَانه فِي فِيهِ . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(8) د ) 4753
(9) خ ) 1308
(10) د ) 4753
(11) جة ) 4268
(12) قال ابن عبد البر : كان شهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه , فكان يسمع الناس يقولون شيئا فيقوله ..(2/193)
)(1)( فَيَقُولَانِ لَهُ : لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ(2))(3)( قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ )(4)( ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ , فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا )(5)( الْخَلْقُ )(6)( إِلَّا الثَّقَلَيْنِ(7))(8)( فَيُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا ، فَيَقُولَانِ لَهُ : انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيَقُولَانِ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ ، عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مُتَّ ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى )(9)( فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ )(10)( انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ(11)
__________
(1) ت ) 1071 , ( خ ) 1308
(2) أَيْ : لَا فَهِمْت وَلَا قَرَأْت الْقُرْآن ، وَالْمَعْنَى لَا دَرَيْت وَلَا اِتَّبَعْت مَنْ يَدْرِي .فتح الباري (ج 4 / ص 449)
(3) خ ) 1273 , ( س ) 2051
(4) ت ) 1071
(5) خ ) 1273 , ( س ) 2051
(6) د ) 4751
(7) أَيْ : الْإِنْس وَالْجِنّ .عون المعبود - (ج 10 / ص 273)
(8) خ ) 1273 , ( س ) 2051
(9) جة ) 4268
(10) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(11) قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَاد بِالْأَوَّلِ : اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْمُؤْمِن إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ، وَالْمُرَاد بِالثَّانِي اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْكَافِر إِلَى سِجِّين ، فَهِيَ مُنْتَهَى الْأَجَل ، وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد إِلَى اِنْقِضَاء أَجَل الدُّنْيَا ..شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 252)(2/194)
)(1)( حَتَّى تَأْتُوا بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ )(2)( فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ , فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا(3)وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ )(4)( فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ : الْتَئِمِي عَلَيْهِ(5)فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهَا أَضْلَاعُهُ(6)فَلَا يَزَالُ فِيهَا(7)مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ )(8)( وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ , قَبِيحُ الثِّيَابِ , مُنْتِنُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ , فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ , فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ , فَيَقُولُ : رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ )(9)( وفي رواية : ( ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ(10)أَعْمَى أَبْكَمُ(11))(12)( لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ فَيَرْحَمَهُ )(13)(
__________
(1) م ) 2872
(2) س ) 1833
(3) السَّمُوم ) : الرِّيح الْحَارَّة . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(4) د ) 4753 , ( حم ) 18557
(5) أَيْ : اِنْضَمِّي وَاجْتَمِعِي . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(6) الأَضْلَاع ) جَمْع ضِلْع , وَهُوَ عَظْم الْجَنْب , أَيْ : حَتَّى يَدْخُل بَعْضهَا فِي بَعْض مِنْ شِدَّة التَّضْيِيق وَالضَّغْط . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(7) أَيْ : فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ . تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 134)
(8) ت ) 1071 , ( د ) 4753
(9) حم ) 18557
(10) أَيْ : يُسَلَّط وَيُوَكَّل . عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(11) الأبْكَم : الذي خُلق أخْرَس لا يتكلَّم .
(12) د ) 4753
(13) حم ) 27021 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : رجاله ثقات رجال الصحيح ..(2/195)
مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ(1)مِنْ حَدِيدٍ , لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا , فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ , فَيَصِيرُ تُرَابًا , ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ(2))(3)"
( حم ) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
__________
(1) المِرْزَبَّة : المِطْرَقَة الكبيرة الَّتِي يُكْسَرُ بِهَا الحِجَارة .عون المعبود - (ج 10 / ص 274)
(2) فِي الحديث ذَمّ التَّقْلِيد فِي الِاعْتِقَادَات , لِمُعَاقَبَةِ مَنْ قَالَ : كُنْت أَسْمَع النَّاس يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَيِّت يَحْيَا فِي قَبْره لِلْمَسْأَلَةِ , خِلَافًا لِمَنْ رَدَّهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ ) قَالَ : فَلَوْ كَانَ يَحْيَا فِي قَبْره لَلَزِمَ أَنْ يَحْيَا ثَلَاث مَرَّات وَيَمُوت ثَلَاثًا , وَهُوَ خِلَاف النَّصّ ، وَالْجَوَاب بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْر لِلْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ الْحَيَاة الْمُسْتَقِرَّة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُوم فِيهَا الرُّوح بِالْبَدَنِ وَتَدْبِيره وَتَصَرُّفه , وَتَحْتَاج إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْأَحْيَاء ، بَلْ هِيَ مُجَرَّد إِعَادَة لِفَائِدَةِ الِامْتِحَان الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ، فَهِيَ إِعَادَة عَارِضَة ، كَمَا حَيِيَ خَلْق لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاء لِمَسْأَلَتِهِمْ لَهُمْ عَنْ أَشْيَاء , ثُمَّ عَادُوا مَوْتَى . فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 449)
(3) د ) 4753(2/196)
شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِنَازَةً , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا , فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ , فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , فَيَقُولُ : صَدَقْتَ , ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ : هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ , فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ , فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ , فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ , فَيَقُولُ لَهُ : اسْكُنْ , وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ , وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ , فَيَقُولَ : لَا أَدْرِي , سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا , فَيَقُولُ : لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ , ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ , فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا , وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ , ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ " , فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ , وَيُضِلُّ اللَّهُ(2/197)
الظَّالِمِينَ , وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }(1)"(2)
( حم ) , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوبقَالَ :
" ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَّانَ الْقُبُورِ " ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ ، كَهَيْئَتِكُمْ الْيَوْمَ " ، فَقَالَ عُمَرُ : بِفِيهِ الْحَجَرُ .(3)
( جة ) , وَعَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
" إِذَا دَخَلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا , فَيَجْلِسُ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ : دَعُونِي أُصَلِّي "(4)
عَذَابُ الْقَبْر
إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْر
( خ م س حم ) , وَعَنْ عَائِشَةَ ك قَالَتْ :
(
__________
(1) إبراهيم/27]
(2) حم ) 11013, وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : صحيح , وهذا إسناد حسن .
(3) حم ) 6603 , ( حب ) 3115 , انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :3553 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في ( حب ) : إسناده حسن .
(4) جة ) 4272 , ( حب ) 3116 , صححه الألباني في هداية الرواة : 134(2/198)
جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ فَاسْتَطْعَمَتْ عَلَى بَابِي فَقَالَتْ : أَطْعِمُونِي )(1)( إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ )(2)( أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ )(3)وفي رواية : ( أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا ، فلَا تَصْنَعُ عَائِشَةُ إِلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ إِلَّا قَالَتْ لَهَا الْيَهُودِيَّةُ : وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْر )(4)( قَالَتْ عَائِشَةُ : فَكَذَّبْتُهَا )(5)( وَلَمْ أَنْعَمْ أَنْ أُصَدِّقَهَا , فَخَرَجَتْ " وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , إِنَّ عَجُوزاً مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتْ عَلَيَّ , فَزَعَمَتْ أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ )(6)( أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ ؟ )(7)( قَالَتْ : " فَارْتَاعَ(8)رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - )(9)( فَقَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا(10)
__________
(1) حم ) 25133, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(2) خ ) 6005
(3) خ ) 1002
(4) حم ) 24564 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح .
(5) حم ) 25747 , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح .
(6) م ) 586 , ( خ ) 6005
(7) خ ) 1002
(8) أَيْ : فَزِعَ وخاف بِشِدَّة .
(9) م ) 584
(10) انظر كيف رفع يديه في الدعاء في غير صلاة الاستسقاء ..ع(2/199)
يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ )(1)( وَقَالَ : عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ )(2)( كَذَبَتْ يَهُودُ , وَهُمْ عَلَى اللَّهِ أَكْذَبُ )(3)( إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ )(4)( لَا عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ " )(5)( قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ )(6)( " ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرْكَبًا )(7)( فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ ، فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ )(8)(......)( فَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ )(9)( وَقَدْ انْجَلَتْ(10)الشَّمْسُ(11))(12)( فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ )(13)( فَخَطَبَ النَّاسَ(14)فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَان(15)
__________
(1) حم ) 25133
(2) خ ) 1002
(3) حم ) 24564
(4) م ) 584
(5) حم ) 24564
(6) م ) 584
(7) خ ) 1002
(8) م ) 904
(9) س ) 1500
(10) أَيْ : صَفَتْ وَعَادَ نُورهَا . عون المعبود - (ج 3 / ص 126)
(11) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِطَالَة الصَّلَاة حَتَّى يَقَع الِانْجِلَاء . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 486)
(12) خ ) 997
(13) س ) 1475
(14) فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْخُطْبَة لِلْكُسُوفِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِانْجِلَاء لَا يُسْقِط الْخُطْبَة ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اِنْجَلَتْ قَبْل أَنْ يَشْرَع فِي الصَّلَاة , فَإِنَّهُ يُسْقِط الصَّلَاة وَالْخُطْبَة ، فَلَوْ اِنْجَلَتْ فِي أَثْنَاء الصَّلَاة أَتَمَّهَا عَلَى الْهَيْئَة الْمَذْكُورَة عِنْد مَنْ قَالَ بِهَا ، وَعَنْ أَصْبَغ : يُتِمّهَا عَلَى هَيْئَة النَّوَافِل الْمُعْتَادَة . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 491)
(15) آيَتَانِ ) أَيْ عَلَامَتَانِ ..(2/200)
مِنْ آيَاتِ اللَّهِ(1))(2)( يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ )(3)( لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ )(4)( وَلَا لِحَيَاتِهِ )(5)( فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا كَذَلِكَ فَافْزَعُوا(6)إِلَى الْمَسَاجِدِ )(7)فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ(8)فَادْعُوا اللَّهَ ، وَكَبِّرُوا ، وَصَلُّوا ، وَتَصَدَّقُوا(9)(
__________
(1) مِنْ آيَات اللَّه ) أَيْ الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته عَلَى تَخْوِيف الْعِبَاد مِنْ بَأْس اللَّه وَسَطَوْته ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى ( وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا )
(2) خ ) 997
(3) م ) 901
(4) م ) 904
(5) خ ) 997
(6) أَيْ : اِلْتَجِئُوا وَتَوَجَّهُوا . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 495)
(7) حم ) : 23679 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناد جيد رجاله رجال الصحيح .
(8) خ ) 999 , قَوْله : ( إِلَى الصَّلَاة ) أَيْ : الْمَعْهُودَة الْخَاصَّة ، وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ فِعْلهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْخُطْبَة , وَلَمْ يُصِبْ مَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مُطْلَق الصَّلَاة , وَيُسْتَنْبَط مِنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَة لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتهَا , لِأَنَّ فِيهِ إِشْعَارًا بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الصَّلَاة وَالْمُسَارَعَة إِلَيْهَا ، وَانْتِظَارُ الْجَمَاعَة قَدْ يُؤَدِّي إِلَى فَوَاتهَا , وَإِلَى إِخْلَاء بَعْض الْوَقْت مِنْ الصَّلَاة . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 495)
(9) خ ) 997 ، وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه عِنْد الْمَخَاوِف بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار سَبَب لِمَحْوِ مَا فُرِّطَ مِنْ الْعِصْيَان , يُرْجَى بِهِ زَوَال الْمَخَاوِف , وَأَنَّ الذُّنُوب سَبَبٌ لِلْبَلَايَا وَالْعُقُوبَات الْعَاجِلَة وَالْآجِلَة ، نَسْأَل اللَّه تَعَالَى رَحْمَته وَعَفْوه وَغُفْرَانه ..فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 495)(2/201)
حَتَّى يَنْجَلِيَا )(1)( ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ : " أَيُّهَا النَّاسُ )(2)( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ(3))(4)( أَظَلَّتْكُمْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ )(5)( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ , وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ(6)لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا(7)وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا )(8)( فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ(9)
__________
(1) م ) 901
(2) حم ) 24564
(3) لَمَّا أُمِرُوا بِاسْتِدْفَاعِ الْبَلَاء بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاء وَالصَّلَاة وَالصَّدَقَة نَاسَبَ رَدْعهمْ عَنْ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَاب جَلْب الْبَلَاء ، وَخَصَّ مِنْهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ أَعْظَمهَا فِي ذَلِكَ . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 491)
(4) خ ) 997 , ( م ) 901
(5) حم ) 24564
(6) أَيْ : مِنْ عَظِيم قُدْرَة اللَّه وَانْتِقَامه مِنْ أَهْل الْإِجْرَام . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 491)
(7) أَيْ : لَتَرَكْتُمْ الضَّحِك , وَلَمْ يَقَع مِنْكُمْ إِلَّا نَادِرًا , لِغَلَبَةِ الْخَوْف وَاسْتِيلَاء الْحُزْن . فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 491)
(8) خ ) 997
(9) أَيْ : تَأَخَّرْت ..(2/202)