الترجيح لحديث صلاة التسبيح
للإمام الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي
المتوفى سنة 842 هـ
حققه وعلق عليه
محمود سعيد ممدوح
دار البشائر الإسلامية
الطبعة الأولى
1409 هـ - 1988 م(/)
الترجيح لحديث صلاة التسبيح
للإمام الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة 842هـ
حققه وعلق عليه محمود سعيد ممدوح(1/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وصحبه وسلم.
الحمد لله الذي سبح نفسه تعظيماً، ومجد قدسه تكريماً، وبلغ أنسه من سبحه إيماناً وتسليماً. نحمده على إخلاص التوحيد وتصحيحه، ونشكره على ما وفق من تحميده وتكبيره وتسبيحه. ونشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، إلهاً تقدس في عظمته وشأنه وتنزه في عزه وجبروته وسلطانه. ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، الذي هدى إلى إتباع الدين السديد الرجيح، ودعا العباد إلى اعتقاد التوحيد الصحيح، ورغب العباد في الباقيات الصالحات من التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح. صلى الله عليه وعلى آله الذين طهروا تطهيراً وعلى أصحابه الذين أظهروا الإسلام وازداد بهم ظهوراً وسلم تسليماً دائماً كثيراً.
وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى أفاض على خلقه إحسانه، وأجزل لدى المؤمنين امتنانه، ومن امتنانه عليهم أن ألهمهم ذكره ووفقهم للهدى فامتثلوا أمره، ورغبهم في تنفلات العبادة ووعدهم عليها محبته الحسنى وزيادة.
فما تقرب عبدٌ إليه بمثل أداء ما فرض عليه، وما يزال العيد يتخذ(1/29)
النوافل قربة ويجعلها همه ودأبه إلى أن يصل إلى مقام المحبة، فلا تسأل عن شرف هذا المقام الكريم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ومن فضله الواسع على عباده، وكرمه الواصل إلى قصاده، أنه من بلغه عن الله شيء من الثواب، فعمل به على طريق الإيمان والاحتساب، أعطاه الله ذلك الثواب الجزيل، وإن لم يكن البلاغ كما قيل.
أخبرنا جماعة من الشيوخ منهم العماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي المقدسيان، بقراءتي عليهما بصالحية دمشق الكبرى قالا: أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم الحراني سماعاً، زاد الأول فقال: وأخوه الإمام شيخ الإسلام أبو العباس أحمد قراءةً عليه وأنا حاضر.
وقالا أيضاً: أخبرتنا أم عبد الله زينب ابنة الكمال أحمد بن عبد الرحيم سماعاً، قالوا: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم قراءةً عليه ونحن نسمع.
وقال ابن عبد الهادي أيضاً: أخبرنا محمد بن يوسف بن أبي العز الحلبي، قال: أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم.
وقالت ابنة الكمال أيضاً: أنبأنا أبو المحاسن فضل الله بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلي وآخرون، قالوا: أنا عبد المنعم بن عبد الوهاب التاجر سماعاً، وقال الجيلي أيضاً: أنا نصر الله بن عبد الرحمن القزاز قراءة عليه وأنا أسمع.
وقالت ابنة الكمال أيضاً: أنا أبو البقاء محمد بن علي بن السباك(1/30)
وغيره كتابة، قالوا: أنا عبيد الله بن عبد الله بن الدباس سماعاً، قالوا: أنا علي بن أحمد الرزاز.
وقال ابن الدباس أيضاً: أنا علي بن الحسين الربعي.
وقالت ابنة الكمال أيضاً: أنبأنا محمد بن مقيل بن المنى وغيره، قالا: أخبرتنا شهدة الله أحمد سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الكريم ابن حشيش، قال هو وابن الرزاز والربعي: أنا محمد بن محمد بن محمد بن مخلد.
وقالت شهدة أيضاً: أنا طراد بن محمد، أنا محمد بن الحسين القطان، وقالت شهدة أيضاً: أنا الحسين بن أحمد النعالي، أنا علي بن محمد بن بشران ومحمد بن أحمد بن رزقويه، قالا وابن الرزاز والربعي وابن مخلد والقطان: أنا إسماعيل بن محمد الصفار، نا الحسن بن عرفة، نا خالد بن حبان، عن فرات بن سلمان وعيسى بن كثير، عن أبي رجاء، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((من بلغه عن الله عز وجل شيءٌ فيه فضيلة فأخذ به إيماناً به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك)).
هذا حديث جيد الإسناد، وإن كان خالد بن حيان فيه لين ما فهو صدوق. وفرات بن سلمان لم يخرج له في الكتب الستة فيما أعلم(1/31)
وروى له الإمام أحمد في مسنده ووثقه، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا باس به محله الصدق صالح الحديث، انتهى.
وأبو رجاء هو فيما أعلم محرز بن عبد الله الجزري مولى هشام، وهو ثقة.(1/32)
وللحديث طرق وشواهد هذا أمثلها.
ومن ذلك قال محمد بن عبد الله بن حميد: نا بشر بن عبيد، نا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير محمد بن سلمة، عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من بلغه عن الله عز وجل شيء له ثواب فنفل به إيماناً واحتساباً ورجاء ثوابه أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك)).
ومن شواهده ما قال إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله وهو أحد المتروكين، ثنا مسعر بن كدام، عن عطية العوفي، عن ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بلغه عن الله عز وجل فضل شيء من الأعمال يعطيه عليه ثواباً فعمل ذلك العمل رجاء ذلك الثواب أعطاه الله تعالى ذلك الثواب وإن لم يكن ما بلغه حقاً)).
وحدث إسماعيل بن أبي زياد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من بلغه عن الله عز وجل رغبة فطلب ثوابها أعطاه تعالى أجرها وإن لم تكن الرغبة على ما بلغته)) الحديث.
وفيه قال ابن عباس: والله الذي لا إله إلا هو ما سمعت منه حديثاً قط أقر لعيني منه.(1/34)
جويبر بن سعيد البلخي، هذا متروك، وكان يحيى القطان يرى التساهل في أخذ التفسير عنه وعن أضرابه كليث بن أبي سليم ومحمد بن السائب الكلبي.
وقال سهل بن شاذويه: ثنا نصر بن الحسين، ثنا عيسى بن موسى، عن ابن كيسان، عن ثابت، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من بلغه عن الله عز وجل فضيلة فلم يصدقها لم ينلها)).
ابن كيسان هو عبد الله أبو مجاهد المروزي منكر الحديث، قاله البخاري وضعفه غيره.
رواه الحسن بن سفيان قال: ثنا محمد بن بكار، ثنا بزيغ، عن ثابت، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من بلغته فضيلة عني فلم يصدق بها لم ينلها)).
بزيغ هو ابن حسان أبو الخليل الخصاف متهم، ذكر أبو أحمد بن عدي أنه لا يتابع على روايته. وقد تقدمت متابعة غيره له.(1/35)
والفضائل المرغب في تحصيلها، التي وردت الأحاديث بجملها وتفاصيلها، منها ما صحح الأئمة أسانيده ومتونه، ومنها الملحق بالصحيح احتجاجاً وإن كان دونه، ومنها غير ذلك من الأنواع. وشرها أخبار الوضاع التي لا يحل رواية الموضوع منها برفعه إلا مع النص على اختلافه أو البيان لوضعه، أما أخبار من ضعفوه انتقاداً إن جاءت في فضائل الأعمال تساهلوا فيها إسناداً.
وقد روي عن جم من السلف وجمع من الخلف فيما يروى عنهم وننقل منهم: ابن المبارك وابن مهدي وأحمد بن حنبل أنهم تساهلوا في رواية الحديث الضعيف الذي في إسناده مقال، إذا كان في الترغيب والترهيب والقصص والأمثال، والمواعظ وفضائل الأعمال. وكما تجوز رواية الحديث الضعيف الوارد في بعض هذه الأمور، كذلك يجوز العمل به عند الجمهور.(1/36)
ومن أحاديث الترغيب في الثواب المروية من طرق في هذا الباب، حديث صلاة التسبيح المرغب في فعلها، لإحراز أجرها وفضلها. ولحديثها طرق مروية، غالبها غير قوية، وأمثلها حديث أبي الفضل العباس من رواية ابنه عبد الله بن العباس رضي الله تعالى عنهما.
أخبرناه المسند أبو حفص عمر بن الحسن المراغي إذناً مطلقاً، وقرأته على جماعة منهم أبو الحسن علي بن إسماعيل البعلبكي ببعلبك وأبو المعالي عبد الله بن إبراهيم الزبيدي بدمشق عنه سماعاً، قال: أنا أبو الحسن علي بن أحمد السعدي قراءة عليه وأنا أسمع، أنا عمر بن محمد الحشاني، أنا إبراهيم بن محمد الكرخي، أنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ.
وأنبأنا أبو المحاسن يوسف بن عثمان العوفي وغيره، عن أبي أحمد إبراهيم بن محمد المكي كتابة، قال: أنا عم أبي يعقوب بن أبي بكر الطبري سماعاً بمكة، أنا نصر بن أبي فرج الحصري، أنا النقيب أبو طالب محمد بن محمد العلوي، أنا علي بن أحمد التستري قال هو وأبو بكر الحافظ واللفظ له، أنا القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي محمد بن أحمد، أنا سليمان بن الأشعث، ثنا عبد الرحمن بن بشر بن(1/38)
الحكم النيسابوري، ثنا موسى بن عبد العزيز، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.
((يا عباس يا عماه ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته عشر خصال، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة قلت وأنت قائم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكعٍ عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات. إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)).
تابعه أبو عبد الله بن يزيد بن ماجه فقال في سننه: ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري .. .. فذكره.
ورواه أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال، عن(1/39)
عبد الرحمن بن بشر، وحدث به أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في مصنفه في صلاة التسبيح، عن أبي بكر النيسابوري، عن عبد الله بن محمد بن زياد قال: ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم .. .. فذكره.
تابعه أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي المخلص فقال: ثنا أبو بكر عبد الله بن زياد النيسابوري إملاء في صفر سنة ثمان عشرة وثلثمائة، حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ثنا موسى بن عبد العزيز هو أبو شعيب القنباري .. .. فذكره.
رواه أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير، فقال: ثنا عيسى بن القاسم، قال ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ثنا موسى بن عبد العزيز العدني، حدثني الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب:
((يا عماه ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أجيزك؟ ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، قديمه وحديثه، سره وعلانيته، صغيره وكبيره، خطأه وعمده. أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة منها بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة أول ركعة قلت وأنت قائم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقول وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك فتقول وأنت قائم عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقول وأنت جالس عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمسة وسبعون. تفعل ذلك في أربع ركعات، فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفرها الله لك)).(1/40)
حديث عكرمة هذا صححه أبو داود وأبو بكر محمد بن الحسين الآجري وغيرهما. قال أبو بكر عبد الله بن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا. قال أبو بكر الآجري في كتاب ((النصيحة)) هذا حديث صحيح.
وأخرجه أبو يعلى الخليلي بن عبد الله الخليلي في كتابه ((الإرشاد))، عن أحمد بن محمد بن عمر الزاهد، عن أبي حامد أحمد ابن محمد بن الشرقي، عن عبد الرحمن بن بشر .. .. به.
وقال عقيبه: قال أبو حامد بن الشرقي: سمعت مسلم بن الحجاج وكتب هذا عن عبد الرحمن يقول: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا، انتهى.
قال أبو بكر البيهقي بعد أن روى حديث صلاة التسبيح من طريق أبي رافع رضي الله تعالى عنه عما سيأتي إن شاء الله تعالى، قال:(1/41)
وكان عبد الله بن المبارك يفعلها، وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع.
وخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه.
وأما ذكر أبي الفرج بن الجوزي للحديث من طرق ثلاثة في كتابه ((الموضوعات)) واحدها هذا ولم يذكر ما يدل على وضعه غير أنه قال: فإن موسى بن عبد العزيز مجهول عندنا، انتهى.
وكيف يحكم بالوضع لجهالة الراوي فقط؟! وفيه أيضاً نظر لما تقدم عن أبي داود وغيره من التصحيح ونحوه. وقد بلغنا عن وهب بن(1/42)
زمعة المروزي قال: قال عبد العزيز بن أبي رواد: من أراد الجنة فعليه بهذه الصلاة.
وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه: وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيه.
وقال الترمذي أيضاً: قال أحمد بن عبده: وثنا وهب بن زمعة، أخبرني عبد العزيز بن أبي رزمة قال: قلت لعبد الله بن المبارك إن سها فيها أيسبح في سجدتي السهو عشراً عشراً؟ قال: لا، إنما هي ثلاثمائة تسبيحة.
فهذا يدل على شهرة هذه الصلاة واستفاضتها بين الأئمة والرواة. وقد ذكرها غير واحد من الأئمة في مصنفاتهم، كأبي داود والترمذي وابن ماجه والطبراني والبيهقي وأبي محمد البغوي وأبي المحاسن الروياني وغيرهم من أئمة المسلمين رحمة الله عليهم أجمعين.
وممن صحح الحديث المشار إليه آنفاً أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني، وصنف فيه مصنفاً سماه ((كتاب تصحيح حديث(1/43)
التسبيح من الحجج الواضحة والكلام الفصيح)).
وللحديث طرق جمة معروفة عند الأئمة، أمثلها في الاقتباس حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
ورواه أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي المقرئ في ((فوائده))، فقال: ثنا محمد يعني ابن طاهر أبا العباس المروزي، ثنا ابن الأسد جارنا محمد بن حفص المروزي، ثنا حماد بن عمرو النصيبي، عن أبي رافع، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الله ابن العباس رضي الله تعالى عنهما، قال عباس رضي الله تعالى عنه: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:
((ألا أفديك؟ ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أستجيبك؟)) فظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني زغماً من الدنيا فقلت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: ((أربع ركعات في كل يوم، أو في كل جمعة، أو في كل نصف شهر، أو في كل شهر، أو في كل نصف سنة، أو في كل سنة. فتكبر ثم تقرأ الحمد وسورة، ثم تقول الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر مرة واحدة تقولها خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشراً، ثم تقول سمع الله لمن حمده فتقولهن عشراً، يعني ثم تسجد فتقولهن عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولهن عشراً، ثم تسجد فتقولن عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولهن عشراً، ثم تقوم فتقرأ الحمد وسورة، ثم(1/44)
تقولها خمس عشرة مرة تقولهن في قيامك تقولهن في ركوعك وسجودك عشراً عشراً، فلو كان عليك مثل رمل عالج وعدد القطر وأيام الدنيا لغفر الله لك)).
وقال الطبراني في ((معجمه الكبير)): ثنا إبراهيم بن نائلة، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا نافع ابن هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء العباس رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ساعة لم يكن يأتيه فيها، فقيل: يا رسول الله هذا عمك على الباب فقال: ((ادنوا له فقد جاء لأمر))، فلما دخل عليه قال: ((فما جاء بك يا عماه هذه الساعة وليست ساعتك التي كنت تجيء فيها؟)) قال: يا ابن أخي ذكرت الجاهلية وجهلها فضاقت علي الدنيا بما رحبت، فقلت من يفرج عني فعرفت أنه لا يفرج عني أحد إلا الله ثم أنت، فقال: ((الحمد الله الذي أوقع هذا في قلبك، ووددت لو أن أبا طالب أخذ بنصيبه ولكن الله يفعل ما يشاء)).
قال: ((أحبوك؟)) قال: نعم، قال: ((أعطيك؟)) قال: نعم، قال: ((فإذا كانت ساعة يصلى فيها ليس بعد العصر ولا بعد طلوع الشمس فيما بين ذلك فأسبغ طهورك، ثم قم إلى الله عز وجل فاقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، إن شئت جعلتها من أول المفصل، فإذا فرغت من السورة فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة، فإذا ركعت فقل ذلك عشر مرات، فإذا رفعت رأسك فقل ذلك عشر مرات)).(1/45)
وقال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتاب ((قربان المتقين)): ثنا محمد بن أحمد بن الحسين، ثنا العباس بن أحمد الوشا، ثنا أبو إبراهيم الترجماني، ثنا عمرو بن جميع، عن عمرو بن قيس، عن سعيد بن جبير، عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلتي ويومي حتى إذا كان في الهاجرة جاء إنسان يدق الباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من هذا؟)) قالوا: العباس بن المطلب، قال: ((الله أكبر لأمرٍ ما جاء فأدخلوه)). فلما دخل قال: ((يا عباس يا عم النبي ما جاء بك في الهاجرة؟)) قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذكرت ما كان في الجاهلية أنه لن يغني عني بعد الله غيرك، فقال: ((الحمد لله الذي ألقى ذلك في قلبك، ولو شاء الله ألقاه في قلب أبي طالب)).
((يا عباس يا عم النبي أما إني لا أقول لك صل بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، صل أربع ركعات تقرأ فيهن بأربع سور من طوال المفصل، فإذا قرأت الحمد وسورة فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فهذه واحدة قلها خمس عشرة مرة، فإذا ركعت فقلها عشراً، وإذا سجدت فقلها عشراً، فإذا رفعت رأسك -يعني فقلها عشراً-، وإذا سجدت فقلها عشراً، فإذا رفعت رأسك قبل أن تقوم فقلها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة وثلاثمائة في أربع ركعات. فوالذي نفس محمد بيده لو كانت ذنوبك عدد نجوم السماء وعدد قطر المطر وعدد أيام الدنيا وعدد رمل عالج وعدد الشجر والمدر والثرى لغفر الله لك)). قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : بأبي أنت وأمي ومن يطيق ذلك! قال: ((قلها كل جمعة مرة)) قال: ومن(1/46)
يطيق ذلك! قال ((قلها في كل شهر مرة)) قال: ومن يطيق ذلك! قال: ((قلها في عمرك)).
ورواه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب فقال: أنا محمد بن أحمد بن أحمد بن زرق، نا أبو الحسين عبد الصمد بن علي ابن محمد الطستي، ثنا موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري، ثنا أبو إبراهيم الترجماني وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام، قالا: ثنا عمرو بن جميع .. فذكره بطوله.
وروى عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، فيما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن عيسى البناني مولاهم الطالقاني، عن الوليد، عن عثمان بن أبي العاتكة، عن أبي صالح، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس رضي الله عنه .. .. فذكره بنحوه.
وقال أبو الحسن الدارقطني في مصنفه في صلاة التسبيح: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد الدقيقي، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي، ثنا أحمد بن أبي شعيب أبو الحسن الحراني، ثنا موسى بن أعين، عن أبي رجاء الخرساني، عن صدقة، عن عروة بن رويم، عن ابن الديلمي، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ألا أهب لك؟ ألا أفديك؟ ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟)) قال: وظننت أنه يعطيني من الدنيا شيء لم يعطه أحد قبلي، قال: ((أربع(1/47)
تقولها خمس عشرة مرة تقولهن في قيامك تقولهن في ركوعك وسجودك عشراً عشراً، فلو كان عليك مثل رمل عالج وعدد القطر وأيام الدنيا لغفر الله لك)).
وقال الطبراني في ((معجمه الكبير)): ثنا إبراهيم بن نائلة، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا نافع ابن هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء العباس رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ساعة لم يكن يأتيه فيها، فقيل: يا رسول الله هذا عمك على الباب فقال: ((ادنوا له فقد جاء لأمر))، فلما دخل عليه قال: ((فما جاء بك يا عماه هذه الساعة وليست ساعتك التي كنت تجيء فيها؟)) قال: يا ابن أخي ذكرت الجاهلية وجهلها فضاقت علي الدنيا بما رحبت، فقلت من يفرج عني فعرفت أنه لا يفرج عني أحد إلا الله ثم أنت، فقال: ((الحمد الله الذي أوقع هذا في قلبك، ووددت لو أن أبا طالب أخذ بنصيبه ولكن الله يفعل ما يشاء)).
قال: ((أحبوك؟)) قال: نعم، قال: ((أعطيك؟)) قال: نعم، قال: ((فإذا كانت ساعة يصلى فيها ليس بعد العصر ولا بعد طلوع الشمس فيما بين ذلك فأسبغ طهورك، ثم قم إلى الله عز وجل فاقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، إن شئت جعلتها من أول المفصل، فإذا فرغت من السورة فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة، فإذا ركعت فقل ذلك عشر مرات، فإذا رفعت رأسك فقل ذلك عشر مرات)).(1/48)
وحدث به دعلج بن أحمد، عن جعفر بن يحيى العطار، عن سليمان بن عمر بن خالد الرقي، عن أبيه، عن موسى بن أعين .. .. به.
وقال زيد بن الحباب أخبرني موسى بن عبيدة، أنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله تعالى عنه.
((يا عم ألا أصلك؟ ألا أحبوك؟ ألا أنفعك؟)) قال: بلى يا رسول الله، قال: ((يا عم صل أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا إله(1/49)
إلا الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع، ثم اركع فقلها عشراً قبل أن ترفع رأسك، ثم ارفع راسك فقلها عشراً قبل أن تسجد، ثم اسجد فقلها عشراً قبل أن ترفع رأسك، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً قبل أن تقوم، فتلك خمس وسبعون في كل ركعة وهي ثلاثمائة في أربع ركعات. فلو كانت ذنوبك عدد رمل عالج لغفرها الله تعالى لك)). قال: يا رسول الله ومن يستطيع أن يقولها في كل يوم! قال: ((فإن لم تستطع فقلها في شهر))، فلم يزل يقول له حتى قال: ((قلها في سنة)).
رواه أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن عبد الحميد الحماني وأبو بكر محمد بن أحمد بن ختب واللفظ له عن زيد بن الحباب.
ومن حديثه خرجه الترمذي في جامعه عن أبي كريب عن زيد ابن الحباب.
وخرجه ابن ماجه في سننه فقال: ثنا موسى بن عبد الرحمن أبو عيسى المروقي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا موسى بن عبيدة، حدثني سعيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله تعالى عنه:
((يا عم ألا أحبوك؟ ألا أنفعك؟ ألا أصلك؟)) قال: بلى يا رسول الله، قال: ((فصل أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة))(1/50)
قال: ((فإذا انقضت القراءة فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة قبل أن تركع .. .. )). وذكر بقية الحديث بنحوه.
وروه الدارقطني في مصنفه في صلاة التسبيح فقال: ثنا أبو طالب الكاتب علي بن محمد بن أحمد بن الجهم الكاتب، ثنا أحمد بن يحيى بن مالك الكاتب السوسي، ثنا زيد بن الحباب .. فذكره بطوله.
ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وهو آخر الطرق الثلاثة التي روى منها الحديث. ولم يذكر ما يدل على الوضع غير كلام أحمد ويحيى بن معين في موسى بن عبيدة الربذي.
وجاء الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من مرسل عمر مولى غفرة عنه. قال الدراقطني في مصنفه في صلاة التسبيح: ثنا(1/51)
محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق، ثنا بشر بن موسى، حدثنا إبراهيم بن محمد الأرقمي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
((يا علي ألا أهدي لك؟ ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أنحلك؟)) قال: حتى ظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني جبال تهامة ذهباً، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله تقولها خمس عشرة مرة، .. .. )) ثم ذكر باقي الحديث إلى آخره. هكذا ساقه الدارقطني مختصراً.
وجاء من رواية علي عن أخيه جعفر رضي الله تعالى عنهما خرجه أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري في كتاب ((الدعوات))، من حديث أبي علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، ثنا أبو الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثنا الحسين، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل بين عينيه، فلما جلسا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ألا أمنحك؟ ألا أحبوك)) قال: بلى يا رسول الله، قال: ((تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة الحمد لله وسورة، ثم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة، ثم تركع فتقول عشراً، ثم ترفع رأسك فتقول عشراً، ثم تسجد فتقول عشراً، ثم ترفع رأسك فتقول عشراً ثم تسجد فتقول عشراً، ثم ترفع رأسك فتقول عشراً، فذلك(1/52)
خمس وسبعون مرة في كل ركعة. فإن استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل، فإن لم تستطع في كل يوم ففي كل جمعة، فإن لم تستطع في كل جمعة ففي كل شهر، فإن لم تستطع في كل شهر ففي كل سنة، فإن لم تستطع في كل سنة ففي عمرك مرة. فإذا فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك صغيره وكبيره وخطأه وعمده، قديمه وحديثه)).
هذه أشهر طرق حديث جعفر من رواية أخيه علي رضي الله تعالى عنهما، مع أن ابن الأشعث تفرد به عن موسى العلوي فيما أعلم.
وقال يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن عبد الملك، ثنا الحسن بن قتيبة، ثنا عبد الله بن زياد وهو ابن سمعان، حدثني معاوية وعون ابنا عبد الله بن جعفر، عن أبيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجعفر رضي الله تعالى عنه: ((ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟.. .. )). وذكر الحديث بطوله نحوه.
وقال الدارقطني في مصنفه في صلاة التسبيح: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى أبو علي، سمعت علي بن واهر(1/53)
جار لنا، ثنا علي بن عاصم، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، حدثني معاوية وإسماعيل ابنا عبد الله بن جعفر، عن أبيهما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟ ألا أمنحك؟)) فظننت أنه غنى الدهر قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((تفتح الصلاة وتقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشراً، ثم تقول سمع الله لمن حمده، فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع فتقولها عشراً، فذلك خمسة وسبعون في كل ركعة مائة وخمسون في ركعتين ثلاثمائة في أربع ركعات. فإن استطعت أن تصليها في كل يوم، فإن لم تستطع ففي كل شهر، فإن لم تستطع ففي كل ستة أشهر، فإن لم تستطع ففي كل سنة، فإن لم تستطع ففي الدهر مرة. فلو كانت عليك من الذنوب بعدد نجوم السماء وقطر السماء وزبد البحر ورمل عالج وأثل غطفان وأيام الدنيا ذنوباً غفرها الله تعالى لك)).
ترجم الدارقطني على هذا الحديث: ذكر من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، انتهى. ورواية ابن صاعد أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها لجعفر كما تقدم هو المعروف.
وقال أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي، أنا إبراهيم بن عبد الله ابن سعيد الصنعاني بها، أنا عبد الرزاق بن همام، أخبرني داود بن(1/54)
قيس، عن إسماعيل بن رافع، عن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
((ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ الا أوثرك؟ ألا، .. .. ، ألا .. .. ))، حتى ظننت أنه سيقطع لي البحرين، قال: ((تصلي أربع ركعات تقرأ بأم القرآن في كل ركعة وسورة، ثم تقول الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا إله إلا الله حتى تعدها خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشراً، وترفع رأسك وتقولها عشراً، وتسجد وتقولها وأنت ساجدٌ عشراً، وترفع رأسك وتقولها عشراً، وتسجد وتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك وتقولها وأنت جالس عشراً، فذلك خمس وسبعون وفي الثلاث الأخرى كذلك فذلك ثلاثمائة مجموعة وإذا فرقتها كانت ألفاً ومائتين)). قال: ((وكان يستحب أن تقرأ السورة التي بعد أم القرآن عشرين آية فصاعداً، تصنعهن في يومك أو ليلتك أو في جمعتك أو في شهرك أو في سنتك أو في عمرك، ولو كانت ذنوبك عدد نجوم السماء أو عدد القطر أو عدد رمل عالج أو عدد أيام الدنيا لغفرها الله لك)).
وجاء مرسلاً أيضاً من طريق إسماعيل بن رافع المذكور، فيما خرجه الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، قال: أخبرني علي بن أبي علي البصري، ثنا علي بن عمر بن محمد الحزمي، ثنا عبد الله بن سلمان بن الأشعث، ثنا بصير بن الفرج أبو حمزة، قال: حدثنا يزيد بن(1/55)
هارون، ثنا أبو معشر عن إسماعيل بن رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب:
((ألا أحبوك؟ ألا أعطيك؟ ألا أهدي لك؟)) حتى ظننت أنه سيعطيني شيئاً لم يعطه أحداً، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((أربع ركعات اقرأ في كل ركعة منهن بفاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، ثم قل قبل أن تركع خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله..)). وذكر الحديث بنحوه.
وخرجه الخطيب أيضاً من طريق أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي على وجه آخر، فرواه من حديثه محمد بن محمد ابن أبي الأشعث وهو أبو علي الكوفي، ثنا أحمد بن أبي عمران، حدثنا عاصم بن علي بن عاصم، ثنا أبو معشر المدني، عن محمد بن كعب القرظي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه .. فذكر الحديث بمعناه.
قال أبو داود في سننه ثنا أبو توبة -الربيع بن نافع-، ثنا محمد بن مهاجر، عن عروة بن رويم، حدثنا الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بهذه .. .. الحديث فذكره نحوه. ثم قال في السجدة من الركعة الأولى كما قال في حديث مهدي بن ميمون.
قلت: حديث مهدي يأتي إن شاء الله تعالى كما رواه أبو داود مختصراً.(1/56)
ويروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه .. فذكره بمعناه مرفوعاً، وفيه أنواع من الثواب على صلاة التسبيح، وأمارات الوضع عليه لايحة وهو غير صحيح.
ومن طرق الحديث ما رواه أبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقتري قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الحميد الطائي، حدثني أبي قال: لقيت أبا رافع فسألته فحدثني عن الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع ركعات إذا فعلتهن في كل سنة أو في شهر .. )). وذكر الحديث بنحو حديث أبي رافع الذي قدمناه، وفيه: ((لا يسلم إلا في آخرهن)).
ومن طرق الحديث وقال أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة:(1/57)
ثنا محمد بن حميد الرازي، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ((ألا أعطيك؟ ألا أنحلك؟ ألا أجيزك؟ أربع ركعات من صلاهن غفر له كل ذنب قديم أو حديث صغير أو كبير خطأ أو عمد .. .. )). وذكر الحديث بطوله.
وقال أبو داود في سننه حدثنا محمد بن سفيان الأبلي، ثنا حبان بن هلال أبو حبيب، ثنا مهدي بن ميمون، ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء قال: حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ائتني غداً أحبوك وأثبك وأعطيك)) حتى ظننت أنه يعطيني عطية، قال: ((إذا أزال النهار فقم فصل أربع ركعات.. .. )). فذكره نحوه، يعني أبو داود نحو حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي رويناه قبل من طريقه، ثم قال أبو داود: قال: ((ثم ترفع رأسك -يعني من السجدة الثانية- فاستو جالساً ولا تقم حتى تسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً،(1/58)
ثم تصنع ذلك في الأربع ركعات)) قال: ((فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنباً غفر لك بذلك)) قال: قلت: فإن لم أستطع أن أصليها تلك الساعة؟، قال: ((صلها من الليل والنهار)).
قال أبو داود رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو موقوفاً، ورواه روح بن المسيب وجعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قوله: وقال في حديث روح فقال حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
حديث روح الذي أشار إليه أبو داود رواه أبو الحسن الدارقطني في مصنفه في صلاة التسبيح فقال: حدثنا دعلج بن أحمد بن دعلج، ثنا جعفر بن محمد التركي، أنا يحيى بن يحيى، أنا روح بن المسيب الكلبي، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
((أربع ركعات تصليهن من الليل أو النهار تكبر ثم تقرأ بأم الكتاب(1/59)
وسورة، ثم تسبح خمس عشرة وتحمد خمس عشرة وتكبر خمس عشرة وتهلل خمس عشرة -يعني مرة-، ثم تركع فمثل ذلك، ثم ترفع رأسك تسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تكبر وتسجد تسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم يعني ترفع رأسك تسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تسجد وتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم ترفع رأسك فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، تلك ثلاثمائة تسبيحة سايرهن كذلك فتلك ألف ومائتا تسبيحة في أربع ركعات. إلا غفر الله لك ذنوبك حديثها وقديمها سرها وعلانيتها عمدها وخطأها، وخرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك. فإن استطعت أن تفعل ذلك كل يوم فافعل، وإلا فكل جمعة، وإلا فكل شهر، وإلا فكل سنة)).
قال الدارقطني أيضاً: ثنا أبو طالب الكاتب علي بن محمد ابن أحمد بن أبي الجهم، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا عباد بن عباد المهلبي، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .. .. بهذا الحديث نحوه.(1/60)
هكذا اختصره الدارقطني ثم رواه بالإسناد بطوله فقال: حدثنا أبو طالب الكاتب علي بن أحمد، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا عباد بن عاد المهلبي، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء قال: قال لي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
(ألا أجيزك؟ ألا أفديك؟ ألا أحبوك؟ ألا أدلك؟ قال فقلت: بلى، قال: تقوم للصلاة فتكبر فتقرأ بأم القرآن وسورة، فإذا فرغت سبحت خمس عشرة -يعني مرة- وحمدت خمس عشرة مرة وكبرت خمس عشرة مرة وهللت خمس عشرة مرة، ثم تركع فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم ترفع رأسك فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تسجد فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم ترفع رأسك فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تسجد فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تجلس فتقول مثل ذلك، ثم تقوم فتركع ركعة أخرى وتصنع فيها كما صنعت في الأولى، ثم تصلي ركعتين أخريين فتصنع فيهما كما صنعت في هاتين. قال: فيغفر الله لك ذنوبك قديمها وحديثها صغيرها وكبيرها وسرها وعلانيتها وخطأها وعمدها).
قال عباد: قال عمرو بن مالك: كان أبو الجوزاء يأتي المسجد إذا نودي بصلاة الظهر، فيقول للمؤذن: لا تعجلني عن ركعاتي فيصليهن ما بين الأذان والإقامة إلى الظهر.
وقال الدارقطني أيضاً: قرئ علي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وأنا أسمع، حدثكم محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا يحيى بن عمرو بن مالك، سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء(1/61)
قال: بعث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أبي الجوزاء فقال:
(ألا أجيزك؟ ألا أحبوك؟ ألا أعلمك شيئاً لو كنت أعظم أهل الأرض ذنباً لغفره الله لك؟ قال: أربع ركعات تصليهن قبل الظهر تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، ثم تسبح على أثرها خمس عشرة تسبيحة وتحمد الله خمسة عشرة وتهلل خمسة عشرة وتكبر خمسة عشرة، ثم تركع فإذا ركعت سبحت عشرة وحمدت الله عشرة وهللت عشرة وكبرت عشرة، فإن قلت سمع الله لمن حمده سبحت عشراً وحمدت عشراً وهللت عشراً وكبرت عشراً، فإذا خررت ساجداً فسبح واحمد الله وكبر وهلل، ثم ارفع رأسك فافعل نحواً مما فعلت يعني ثم اسجد فافعل نحواً مما فعلت، قال: ثم ارفع رأسك فافعل كما فعلت في السجود هذه بركعة واحدة، والثلاث البواقي مثل فعل هذه).
وقال الدارقطني قبل هذا: ثنا محمد بن مخلد، ثنا محمد بن إبراهيم بن حفص أبو سفيان الترمذي سنة اثنين ومائتين، ثنا الجارود بن معاذ، ثنا القاسم بن الحكم، حدثنا أبو جناب، عن محمد بن جحادة، عن أبي الجوزاء قال: جاورت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اثنتي عشرة حجة ما تركت آية من القرآن إلا سألته عنها فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
(ألا أحبوك؟ ألا أدلك؟ ألا أرفدك؟ ألا أعلمك ما إذا فعلته غفرت(1/62)
لك ذنوبك سرها وعلانيتها قديمها وحديثها ما كان أو هو كائن؟ قلت: بلى، قال: فإذا قرأت السورة فقل لا إله إلا الله والحمد لله وسبحان الله والله أكبر خمس عشرة، ثم اركع فقلها عشراً، ثم ارفع فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع فقلها عشراً، في كل ركعة خمس وسبعون وفي كل ركعتين خمسين ومائة وفي كل أربع ثلاثمائة فذلك في الحساب ألف ومائتان، وفي الحسنات اثنا عشر ألفاً).
وخرجه الطبراني في معجمه الأوسط فقال: ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا ابن عون، ثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن محمد بن جحادة، عن أبي الجوزاء قال: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يا أبا الجوزاء ألا أحبوك؟ ألا أتحفك؟ ألا أعطيك؟ قلت: بلى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((من صلى أربع ركعات بأم القرآن وسورة، فإذا فرغ من القراءة قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فهذه واحدة حتى تكمل خمس عشرة، ثم تركع فتقولها عشراً .. .. )). وذكر الحديث بطوله.
ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جحادة إلا يحيى بن عقبة تفرد به محمد بن عون، انتهى. وفيه نظر لما قدمناه من رواية أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي عن محمد بن جحادة، اللهم إلا أن يريد الطبراني التفرد برفع الحديث، فرواية يحيى بن عقبة وهو مرمي(1/63)
بالكذب مرفوعة، ورواية أبي جناب موقوفة كما رواه الدارقطني في مصنفه في صلاة التسبيح.
وقال الدارقطني أيضاً: ثنا أبو صالح الأصبهاني عبد الرحمن بن هارون، أنا محمد بن عاصم الأصبهاني، ثنا عبد العزيز بن أبان، ثنا سفيان الثوري، عن أبان بن أبي عياش، عن أبي الجوزاء عن عبد الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال لي: ألا أعطيك؟ ألا أعلمك؟ قلت: بلى فعلمني، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((من صلى أربع ركعات بليل أو نهار يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم تهلل وتكبر وتسبح وتحمد الله خمس عشر مرة، ثم تركع فتكبر وتحمد وتهلل عشراً، ثم ترفع فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم تسجد فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم ترفع فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم تسجد فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم ترفع فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم تقوم فتقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم تفعل ذلك أربع ركعات هذه ألف ومائتان، إلا غفر الله عز وجل له كل ذنب قديم أو حديث صغير أو كبير)).
ورواه عبد العزيز بن خالد، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبان بن(1/64)
أبي عياش، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما .. .. فذكره بنحوه.
وروى عن محمد بن فضيل بن غزوان، عن أبان بن أبي عياش، عن أبي الجوزاء قال: صحبت ابن عمرو رضي الله عنهما فقال: يا أبا الجوزاء ألا أحبوك؟ ألا أجيزك؟ ألا أهب لك؟ ألا أعطيك؟ ألا أفديك؟ قلت: بلى رحمك الله، قال: فإني آمرك بأربع ركعات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. .. وذكر الحديث نحوه بطوله.
وقال الدارقطني: وروي يعني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، هو غريب عنه وقال فيه: إنه علمها لجعفر.
حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث قراءة علينا من لفظه، ثنا محمود بن خالد، ثنا الثقة، عن عمر بن عبد الواحد، عن ابن ثوبان قال: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجعفر رضي الله تعالى عنه:
((ألا أهب لك؟ ألا أمنحك؟ ألا أفديك؟ ألا أعطيك؟)) حتى ظننت أنه سيعطيني جزيلاً من الدنيا قال قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((تصلي في كل يوم، أو في كل ليلة، أو في كل جمعة، أو في كل شهر، أو في كل سنة، تقرأ بأم القرآن وسورة ثم تكبر وتحمد وتسبح وتهلل قبل أن تركع خمس عشرة، وإذا ركعت عشراً، وإذا قلت سمع الله لمن حمده عشراً، وإذا سجدت عشراً، وإذا رفعت رأسك عشراً، وإذا سجدت(1/65)
عشراً، وإذا رفعت رأسك عشراً، في كل ركعة ثلثمائة وفي كل أربع ركعات ألف ومائتين. يغفر الله لك ذنوبك ما أسررت وما أعلنت)).
ورواه أبو بكر البيهقي من حديث أبي جناب الكلبي، عن أبي الجوزاء، عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ((ألا أحبوك؟ ألا أعطيك؟ .. .. )). وذكر الحديث.
وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم هذه الصلاة لجعفر رضي الله تعالى عنه. قال الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله، ثنا أحمد بن داود بمصر، ثنا إسحاق بن كامل، ثنا إدريس بن يحيى، عن حيوه بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى بلاد الحبشة فلما قدم اعتنقه وقبل بين عينيه ثم قال: ((ألا أهبك؟ ألا أسرك؟ ألا أمنحك؟.. .. )). وذكر الحديث بطوله ثم قال: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه.
وكأن الحاكم، والله أعلم، خفي عليه أمر شيخه أحمد بن داود بن عبد الغفار الحراني ثم المصري، فقد كذبه الدارقطني وغيره.
وأمثل طرق هذا الحديث إسناداً وأجودها في صفة صلاة التسبيح اعتماداً ما قدمناه أولاً من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.(1/66)
وأما ما خرجه الترمذي في جامعه فقال: ثنا أحمد بن عبده الضبي، ثنا أبو وهب سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها، قال: (تكبر ثم تقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم تقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم تتعوذ وتقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب وسورة، ثم تقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم تركع فتقولها عشراً ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد الثانية فيقولها عشراً، يصلي أربع ركعات على هذا فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة، يبدأ في كل ركعة بخمس عشرة تسبيحة ثم تقرأ ثم تسبح عشراً. فإن صلى ليلاً فأحب أن يسلم في الركعتين، وأن صلى نهاراً فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم).
فهذه الصفة التي ذكرها ابن المبارك من أن التسبيح في كل ركعة من الأربع قبل القراءة خمس عشرة مرة وبعد القراءة عشر مرات لم أقف له على حديث إلا ما روي عن محمد بن فضيل بن غزوان، عن أبان ابن أبي عياش، عن أبي الجوزاء قال صحبت ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال:
(يا أبا الجوزاء ألا أحبوك؟ ألا أجيزك؟ ألا أهبك؟ ألا أعطيك؟ ألا أفديك؟ قلت: بلى رحمك الله، قال: فإني آمرك بأربع ركعات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصليهن عبد مسلم في يومه وليلته يسبح فيهن ألفاً ومائتي تسبيحة إلا غفر الله له كل ذنب، صغيراً أو كبيراً، حديثاً أو(1/67)
قديماً)). قلت: علمنيهن، قال: تقوم فتكبر فتقول خمس عشرة مرة تسبح وتكبر وتهلل وتحمد من هؤلاء الأربعة، ثم تقرأ فتقولها عشر مرات، ثم تركع فتقولها عشر مرات، ثم ترفع رأسك فتقولها عشر مرات، ثم تسجد فتقولها عشر مرات، ثم ترفع رأسك فتقولها بين السجدتين عشر مرات، ثم تسجد الثانية فتقولها وأنت ساجد عشراً، فتلك ثلثمائة في كل ركعة، ثم تركع الثانية فتقول هكذا في أربع ركعات. فقلت: يا ابن عمر من يطيق هذا! قال: في كل جمعة مرة أو مرتين).
وقد استحب بعض العارفين أن يفعلها مرة ليلاً ومرة نهاراً. قال أبو الجوزاء: إن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يصليها كل يوم بين أذان الظهر وإقامة الصلاة. وكذلك كان أبو الجوزاء يصليها كما قدمناه من رواية عباد بن عباد المهلبي عن عمرو بن مالك النكري عنه.
في غالب طرق الحديث أن السورة التي تقرأ بعد الفاتحة في كل ركعة من هذه الصلاة مطلقة. وقد قيدت في حديث نافع أبي هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً، في قوله: فاقرأ بفاتحة الكتاب وسورة إن شئت جعلتها من أول المفصل. وفي حديث أم سلمة: يقرأ فيهن بأربع سور من طوال المفصل.
أما أول المفصل فمختلف فيه مع الاتفاق فيما أعلم أن آخره آخر قل أعوذ برب الناس. فقيل أول المفصل من أول سورة الجاثية، وقيل من أول سورة القتال، وقيل من أول سورة الفتح، وقيل من أول الحجرات وصحح هذا القول الشيخ أبو زكريا النووي. وقيل من أول سورة ق، وقيل من أول سورة الصافات، وقيل من أول سورة الصف،(1/68)
وقيل من أول سورة تبارك الذي بيده الملك، وقيل من أول سورة سبح اسم ربك الأعلى، وقيل من أول سورة الضحى.
وأما طوال المفصل فكل الحجرات وق والذاريات والطور والواقعة. وأما أوساطه فكسورة الجمعة وسورة المنافقين. وأما قصاره فكسورة إنا أعطيناك الكوثر وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد.
وسمي المفصل لفصل بعضه عن بعض، وقيل لكثرة الفصل فيه بالبسملة، وقيل لإحكامه، وقيل لقلة المنسوخ فيه.
وقد ذكر الإمام أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي رحمة الله عليه: أن مصلي صلاة التسبيح يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية إذا زلزلت، وفي الثالثة قل يا أيها الكافرون، وفي الرابعة قل هو الله أحد. وذكر بعض المتأخرين أنه يقرأ في الأولى سورة الواقعة(1/69)
وفي الثانية تبارك الذي بيده الملك، وفي الثالثة إذا(1/70)
زلزلت، وفي الرابعة قل هو الله أحد. وذلك لما ورد في فضائل هذه السور.(1/71)
ويستحب لمصليها أن لا يقتصر على الذكر الوارد فيها في الركوع والسجود فقط، بل يسبح قبله تسبيح الركوع والسجود ثم يأتي بذكر صلاة التسبيح. قال أبو محمد عبد العزيز بن أبي زرعة المروزي: يبدأ في الركوع سبحان ربي العظيم، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يسبح التسبيحات.
وقد ورد دعاء في صلاة التسبيح بعد التشهد وقبل التسليم. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن السرف عبد الله النعالي مشافهة، أنا أبو الفضل إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسوي إجازة في سنة ست وسبعمائة، أنا أبو الحجاج يوسف بن خليل الحافظ سماعاً، أنا أبو الحسن مسعود بن أبي منصور الجمال، أنا أبو علي الحسن بن أحمد الجواد، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، ثنا سليمان بن أحمد إملاءً وقراءة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني، ثنا أبو الوليد هشام بن إبراهيم المخزومي، ثنا موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عبد القدوس بن حبيب، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:(1/72)
((يا غلام ألا أحبوك؟ ألا أنحلك؟ ألا أعطيك؟)) قال قلت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فظننت أنه سيقطع لي قطعة من مال، فقال: ((أربع ركعات تصليهن في كل يوم، فإن لم تستطع ففي كل جمعة، فإن لم تستطع ففي كل شهر، فإن لم تستطع ففي كل سنة، فإن لم تستطع ففي دهرك مرة. تكبر فتقرأ أم القرآن وسورة، ثم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشراً، ثم ترفع فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع فتقولها عشراً، ثم تفعل في صلاتك كلها مثل ذلك. فإذا فرغت قلت بعد التشهد وقبل السلام: اللهم إني أسالك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم حتى أخافك. اللهم إني أسالك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعلم بطاعتك عملاً أستحق به رضاك، وحتى أناصحك بالتوبة خوفاً منك، وحتى أخلص لك النصيحة حباً لك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك سبحان خالق النار. فإذا فعلت ذلك يا ابن عباس غفر الله لك ذنوبك صغيرها وكبيرها وقديمها وحديثها وسرها وعلانيتها وعمدها وخطأها)).
وبالإسناد إلى أبي نعيم الحافظ قال: قال سليمان: قال أبو الوليد: سألت عبد الله بن نافع رواية مالك بن أنس عن الشيخ في الركعة الأولى والثالثة في هذه الصلاة، فقال: تقعد كما تقعد للتشهد وسبح في الثانية قبل التشهد، ثم يدعو بهذا الدعاء بعد التشهد.
حدث به أبو نعيم في كتابه ((قربان المتقين)) هكذا، ورواه بالإسناد والمتن نحوه في كتابه ((حلية الأولياء)). ورواه الطبراني شيخ أبي نعيم(1/73)
في ((معجمه الأوسط)) كما تقدم عنه.
قد جاء دعاء في سجود التسبيح عن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري شيخ الصوفية بنيسابور، قال الإمام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني في كتابه المؤلف في المعجزات: سمعت الشيخ أبا صالح المؤذن يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن محمد بن محمد المقرئ المركي يقول: سمعت أبا عمرو بن أبي جعفر بن حمدان يقول: سمعت أبي أبا جعفر بن حمدان يقول: سمعت أبا عثمان الحيري الزاهد غير مرة يقول: ما وجدت في الشدائد والغموم مثل ما يصلي الرجل صلاة التسبيح ثم يدعو بهذا الدعاء في السجود يقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم {ربنا ما خلقت هذا باطلاً .. .. } الآيات إلى قوله {إنك لا تخلف الميعاد}، يا رب يا رب يا رب، أي رب أي رب أي رب، يا غياث المستغيثين أغثنا وأغث أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله أقطع بها دهري.
فينبغي لكل ذي ميز صحيح ألا يغفل عن صلاة التسبيح، وأن يصليها ولو في عمره مرة، ويجعلها ليوم فاقته ذخرة، فلا ينفع امرءاً بعد مماته إلا ما قدم من صالح في حياته، والموفق هو الله الجليل وهو حسبنا ونعم الوكيل.(1/74)
ولما انتهى ما أمليناه قلت أبياتاً في معناه وهي:
إن أردت الثواب بالترجيح ... صل لله سبحة التسبيح
إن فيها رغايباً وأجوراً ... ودواءً لكل قلبٍ جريح
فتقرب بفعلها تعط نيلا ... وثواباً يجل عن تصريح
مع زوالٍ لكل ذنب قديم ... وحديث جنيته وقبيح
لا تدعها فإن فيها حديثا ... من وجوه مقارباً للصحيح
والذي وهن الحديث بوضع ... قوله ذاهب مع المرجوح
فتمسك بسنةٍ كيف جاءت ... عن ثقاتٍ عن الحبيب المليح
أحمد المصطفى رسولٌ أمين ... ومطاعٌ وسيدٌ ورجيح
أفضل الخلق رتبةً ومحلا ... ومقالاً معجزاً للفصيح
فصلاة الإله تترى عليه ... مع سلامٍ مدبج بمديح
ما توالى الصبح مع جنح ليل ... وتوارى مغيب في ضريح
آخر الترجيح لحديث صلاة التسبيح
علقه ممليه محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد عفا الله عنهم بمنه وكرمه: الحمد لله رب العالمين، اللهم صلى على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، هذا لفظه بحروفه، ومن خطه أبقاه الله تعالى نقلت ذلك في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وثماني مائة، بمزرعة فلميطنة من البقاع العزيز من أعمال دمشق. قال ذلك(1/75)
وكتبه العبد الفقير إلى الله تعالى محمد المدعو عمر بن محمد بن محمد ابن أبي الخير محمد بن فهد الهاشمي العلوي المكي لطف الله تعالى به، والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وصحبه وسلم، حسبنا الله ونعم الوكيل.(1/76)