كتاب
الاعتقاد
عقيدة
مروية عن الإمام الأعظم، والحبر الأعلم الأقدم، سراج الأمة،
كاشف الغمة، الْمَخصوص بعناية الكريم الْمَنّان،
أبي حنيفة النعمان، رضي الله عنه وأرضاه،
و(جعل) جنة الفردوس منقلبه ومثواه،
بِمنه وكرمه
آمين
للقاضي عمادِ الإسلام أبي العلاء صاعد بن محمد بن أحمد الأستوائي النيسابوري
( 343 - 432 هـ = 954 – 1040 م )
تحقيق ودراسة
الدكتور سيد باغجوان
أستاذ تاريخ الفرق الإسلامية المساعد بكلية الإلهيات - جامعة سلجوق
تصدير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان من السلف والخلف إلى يوم الدين.
فقد تضافرت الروايات على أن أبي حنيفة قبل انصرافه إلى الفقه وتفرغه له درس علم التوحيد، وبلغ في ذلك مبلغا عظيما، وخاصم الفرق المختلفة، وناضلهم في أمور العقائد، ودافع عن عقيدة السلف.
روى يحيى بن شيبان أن أبا حنيفة قال: "كنت رجلا أُعْطِيتُ جدلا في الكلام، فمضى دهرٌ فيه أتردَّدُ، وبه أخاصم، وعنه أناضل. وكان أصحابُ الخصومات والجدل أكثرها بالبصرة. فدخلتُ البصرةَ نيفا وعشرين مرة، منها ما أقيم سنة، وأقل وأكثر، وكنتُ قد نازعت طبقات الخوارج من الإباضية والصفرية وغيرهم، وطبقات الحشو"(1).
وقال بكير بن معروف: حدّثني أبو حنيفة من نفسه قال: كنت أطلب الكلامَ، فخاصمتُ المعتزلةَ والخوارجَ وطبقات الرفض وأصناف أهل الأهواء فغلبتُهم، ثم نظرت في ذلك، فإذا الكلام لا يتعاطاه إلا من لا وَرَعَ له ولا تقوى، يتأوَّلون الكتابَ بآرائهم، ويتركون السنة عيانا، فتركتُه، وأقبلتُ على المعاش، ولزمت السوق"(2).
__________
(1) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 54؛ مناقب الإمام أبي حنيفة للكردري ص 137؛ عقود الجمان للصالحي ص 162ـ163.
(2) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 383.(1/1)
ويقول الإمام زفر بن الهذيل: "سمعتُ أبا حنيفة يقول: كنتُ أنظر في الكلام حتى بلغتُ فيه مبلغا يُشارُ إليَّ فيه بالأصابع"(1).
وذكر الزرنجري عن أبي حفص الكبير قال: "ولِد أبو حنيفة بالكوفة، فلم يزل يلتمس الكلام، ويخاصم الناس، حتى مهر في الكلام"(2).
وذكر الزرنجري أيضا أن الإمام صاحب حلقة في الكلام قبل انتقاله إلى حلقة شيخه حماد بن سليمان(3).
ونقل طاشكبري زاده عن الإمام الشافعي قوله: "الناس كلهم عيال على ثلاثة: على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سُلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ في الكلام"(4).
يقول خالد بن يزيد العمري: "كان أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر وحماد بن أبي حنيفة أبصرَ قومٍ بالكلام، قد خاصموا الناس، وناظروهم، فغلبوا من كلّموه، وهم أئمة في العلم"(5).
ويقول قبيصة بن عقبة: كان أبو حنيفة في أول أمره يجادل أهل الأهواء حتى صار رأسا في ذلك، منظورا إليه، ثم ترك الجدال، ورجع إلى الفقه والسنة، فصار إماما فيه"(6).
__________
(1) تاريخ بغداد 13: 333؛ مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 51؛ مناقب الإمام أبي حنيفة للكردري ص 135؛ تهذيب الكمال 29: 426؛ سير أعلام النبلاء 6: 397؛ الطبقات السنية 1: 191.
(2) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 57؛ مناقب الإمام أبي حنيفة للكردري ص 136؛ عقود الجمان للصالحي ص 163.
(3) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 57.
(4) مفتاح السعادة 2: 67.
(5) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 100؛ مناقب الإمام أبي حنيفة للكردري ص 44.
(6) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 53ـ54.(1/2)
ولكن الإمام أبا حنيفة بعد انصرافه عن الكلام، وإقباله على الفقه لم ينقطع عنه تماما، بل ثبت أنه كان يجادل الخوارج والشيعةَ والدهرية حسب مقتضيات الأحوال دفاعا عن عقيدة أهل السنة، وذكرَتْ كتبُ المناقب بعض هذه المناظرات(1).
وإن من رجل وإمام هذا شأنه لجدير بأن تُعنى بجمع أقواله وتُدرسَ آراؤه في العقائد التي سماها ذلك الإمام بـ ’الفقه الأكبر‘، وقال بأنه أفضل من الفقه في الأحكام(2).
وهذا الكتاب الصغير الذي بين أيدينا الآن هو أقدم كتاب بعد الرسائل الخمس للإمام أبي حنيفة، جمع فيه مؤلفه الروايات الواردة عن الإمام أبي حنيفة في باب العقائد الإسلامية.
ثم إن إمام الهدى أبا منصور الماتريدي (ت. 333هـ) - رضي الله عنه - وعن سائر الأئمة بنى توضيح الدلائل على مسائل رسائل الإمام أبي حنيفة الخمس، كما جرى على ذلك عصريه الإمام المجتهد أبو جعفر الطحاوي (ت. 321هـ) في كتابه ’بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن‘ رضي الله عنهم، المعروف بـ’ عقيدة الطحاوي‘. وصرف مجموعة كبيرة من العلماء الذين جاءوا بعد هذين الإمامين الجليلين مساعيهم الحميدة لجمع آراء الإمام أبي حنيفة الكلامية ونقلها في كتبهم، ثم ترتيبها وشرحها شرحا مفيدا(3).
__________
(1) مناقب الإمام أبي حنيفة للمكي ص 124ـ126، 149، 151؛ مناقب الإمام أبي حنيفة للكردري ص 224ـ225؛ شرح الفقه الأكبر لعلي القاري ص 14؛ الطبقات السنية 1: 151ـ152؛ إشارات المرام من عبارات الإمام للبياضي ص85؛ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 3: 126.
(2) الفقه الأبسط ص 36.
(3) انظر: إشارات المرام 21ـ23.(1/3)
منهم العلامة كمال الدين البياضي (ت. 1098هـ)، حيث جمع نصوص الإمام في رسائله المذكورة في معتقد أهل الحق، في كتاب بديع، محافظا على ألفاظ أبي حنيفة، ومسميا إياه ’الأصول المنيفة للإمام أبي حنيفة‘، ثم شرحه بعنوان ’إشارات المرام من عبارات الإمام‘، وهو من أرفع كتب علم الكلام قدرا، وأحسنها ترتيبا، وأغرزها فائدة.
ومن ذلك يتبين مبلغ أهمية تلك الرسائل عند الباحثين، كما يتبين مدى أهمية كتاب الأستوائي، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية أن معظم نصوص هذا الكتاب لا نجدها عند البياضي في كتابه المذكور، وذلك يزيد قيمةَ كتاب الأستوائي.
هذا، وإن مهمة التحقيق ليست سهلة، وقد حاولت جهدي أن أنجزها على منهج علمي جاد، وإني لمن أسعد الناس بأن يخرج هذا الكتاب الحاوي لنصوص الإمام الأعظم أبي حنيفة وأصحابه القدماء إلى النور.
الفصل الأول
عصر الْمُؤلف القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد الأستوائي
1 ـ الحالة السياسية
2 ـ الحالة الثقافية
3 ـ الحالة الدينية
1- الحالة السياسية
لقد شهد صاعد بن محمد الأستوائي النصفَ الثاني من القرن الرابع، والثلثَ الأولَ من القرن الخامس الهجري. وهو نِهاية العصر الذهبي من عصر التاريخ الإسلامي، وبداية عصر الفتن والقلاقل السياسية، والصراع على الحكم والضعف. فقد ضعفت الخلافة العباسية في بغداد، وظهرت دويلات في مختلف الإمارات.
فقد كانت قوى السامانيين (204ـ395هـ) ثم الغزنويين (351ـ582هـ)، والسلاجقة (429ـ590هـ) تتحكم في المشرق، ودولة البويهيين (320ـ454هـ) في العراق مركز الخلافة الإسلامية، وبلادِ فارس والجبال، والفاطميين (297ـ567هـ) في مصر والشام، وبني حمدان (317ـ394هـ) في الموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر.(1/4)
"أما الخلفاء العباسيون فقد استبد البويهيون بأمور الدولة دونَهم، وحصروا صلاحياتِهم في نطاق ضيق، بل شاركوهم حتى في بعض مظاهر الخلافة، فكان الأمير البويهي هو الذي يُصدر الأوامر، وعلى الخليفة توقيعها لتكتسب الشرعية أمام الرأي العام!!!
ولولا عمق جذور الخلافة العباسية، وولاءُ الناس لها، لأسباب تتصل بالعقيدة الدينية، لَما أبقى البويهيون على وجودها حتى بالصورة الرمزية التي كانت عليها"(1).
فقد تعاقب على الخلافة في هذه الفترة من التاريخ ثلاثة من الخلفاء، وهم :
الطائع لله، والقادر بالله، والقائم بأمر الله.
1ـ أما الطائع لله، فهو الخليفة أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي البغدادي.
ولي الخلافة في ذي القعدة من سنة 363هـ إلى سنة 381هـ. وكان قويا في بدنه، زعر الأخلاق، واضطر أن يخلع نفسه، وبقي مكرما إلى أن توفي، وما اتفق هذا الإكرام لخليفة مخلوع مثله(2).
2 ـ أما القادر بالله فهو الخليفة أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي البغدادي (336ـ422هـ):
ولي الخلافة سنة 381هـ، وله من العمر يومئذ أربعون سنة، وبقي في الخلافة إلى وفاته. وقد كان رجلا عالما صالحا، قامعا للبدعة، كما وصفه الخطيب بقوله: "كان من الدين، وإدامة التهجد، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه. وصنف كتابا في الأصول، ذكر فيه فضل الصحابة، وإكفار من قال بِخلق الفرآن. وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث، ويحضره الناس"(3).
3 ـ أما القائم بأمر الله: فهو الخليفة أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر العباسي البغدادي (391ـ467هـ)
__________
(1) موارد الخطيب للدكتور أكرم العمري ص 15.
(2) تاريخ بغداد 11: 79؛ سير أعلام النبلاء 15: 119ـ127.
(3) تاريخ بغداد 4: 37ـ38؛ الوافي بالوفيات 6: 239ـ241؛ سير أعلام النبلاء 15: 127ـ137.(1/5)
تولى الخلافة بعد موت أبيه سنة 422هـ. وهو الذي لقبه بالقائم بأمر الله، وكان قوي النفس، ديِّنا ورعا متصدِّقا، له يد في الكتابة والأدب، وفيه عدل وسماحة(1).
لقد عاش الأستوائي في ظل الدولة الغزنوية التي لها تاريخ مجيد في نشر الإسلام في شبه القارة الهندية، إذ قام مؤسس الدولة سُبُكْتِكين بتوسيع الفتوحات الإسلامية في خراسان ’أفغانستان‘ وسيستان وفيما وراء جبال الهندوكوش، حتى شملت فتوحاته الإسلامية شبه القارة الهندية(2).
وقد نَهج السلطان محمود الغزنوي الذي ولي الملك بعد سبكتكين نَهج سلفه. فقد ورث حكم السامانيين كله في خراسان وبخارى وبلاد ماوراء النهر، وأزال عنها اسم السامانية، وخطب فيها للقادر بالله، واستقل بِملكها منفردا، ووصل ملكه إلى ما بعد إقليم قزوين، وأخذ إقليم الريّ واصفهان من البويهيين إلى العراق، وأخضع بلاد الغور فيما بين غزنة وهراة، ونشر الإسلام في هذه المناطق على نطاق واسع(3). ثم أعلن الجهاد في سبيل نشر الدين الإسلامي حتى ذاع صيته، فغزا شبه القارة الهندية سبع عشرة مرة، في سبعة وعشرين عاما فيما بين (392ـ415/1001ـ1024)، حتى خضعت له شبه القارة الهندية خضوعا تاما(4).
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 399ـ404؛ سير أعلام النبلاء 15: 138ـ141.
(2) انظر في فتوحات سبكتكين في ’الفتوحات الإسلاميه لبلاد الهند والسند‘ للغامدي ص 153ـ164؛ مذاهب الإسلاميين للدكتور عبد الرحمن بدوي 1: 655ـ656.
(3) أفغانستان لصلاح الدين السلجوقي ص 20؛ طبقات سلاطين الإسلام لاستانلي بول ص 266؛ الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية للدكتور محيي الدين الألوائي ص 359ـ360؛ الفتوحات الإسلاميه لبلاد الهند والسند ص 276، 291؛ مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي 1: 657ـ658.
(4) انظر في تفاصيل هذه الغزوات السبع عشرة في الفتوحات الإسلاميه لبلاد الهند والسند ص 165ـ288.(1/6)
وقد شهد الأستوائي سقوطَ الدولة الغزنوية على أيدي الأتراك السلاجقة الذين أسسوا الدولة السلجوقية على يد ركن الدين أبي طالب طغرل بك 429ـ590(1).
2 ـ الحالة الثقافية
يعتبر القرن الرابع الهجري من الناحية الثقافية هو العهد الذهبي، حيث بلغت الحركة الثقافية في الأمصار الإسلامية أوجها، واتسعت اتساعا كبيرا بِمؤازرة الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء. وكانت عجلة التقدم العلمي لا تزال دائرة في عصر الدويلات التي استقل بِها الأمراء في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، فكانت عهودها خيرا وبركة على العلم والعلماء، والأدب والأدباء، بِما رأى القائمون على أمور هذه الدويلات من ملوك وأمراء ووزراء أن التفاف الشعراء والكتاب والعلماء حولهم مظهر من مظاهر السلطان، وحلية من حلي الزمان، وسبيل إلى اكتمال أبّهتهم، وذيوع شهرتِهم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن حاجة هؤلاء الملوك إلى أساطين البيان، ورؤساء صناعة الكتابة دعت إلى اجتذاب هؤلاء العلماء والأدباء، إذ وجدوا فيهم سبيلا إلى إبلاغ الرغائب، وإطفاء الفتن، وتأديب العصاة المارقين، ولسانا به يتحدثون، ويوعِدون ويرعِدون(2).
وهؤلاء الملوك والأمراء والوزراء والذين سلكوا طريقهم مهّدوا جوّا ثقافيا للتقدم العلمي.
__________
(1) تاريخ البيهقي ص 581ـ615؛ الفتوحات الإسلاميه لبلاد الهند والسند ص 299ـ326.
(2) أبو علي الفارسي، حياته ومكانته بين أئمة التفسير العربية وآثاره في القراءات والنحو، عبد الفتاح إسماعيل شلبي ص 40ـ41.(1/7)
فكانت المكتبات العامة المليئة بذخائر التراث تنتشر في كل مكان من العالم الإسلامي الواسع(1)، فلا يخلو مسجد من مكتبة عامرة، وذلك أن العلماء كان من عادتِهم أن يوقفوا مكتباتِهم على المساجد. فوقف أبو سعيد مسعود بن ناصر الشجري (ت. 477هـ) كتبه الكثيرة المكونة من النسخ النفيسة في مسجد عقيل بنيسابور(2)، كما وقف أبو نصر أحمد بن يوسف السَّليكي الكاتب المنازي (ت. 437هـ) كتبه الكثيرة على جامع ميّافارقين وجامع آمد(3).
وإلى جانب دُورالكتب التي كانت تنتشر في كل مكان من العالم الإسلامي ظهرت مؤسسات علمية يُدرَس فيها الفقه والأدب والتاريخ وغير ذلك من فنون المعارف، ويُجرِي أصحابُ هذه المؤسسات الرزقَ على من جاء يطلب العلم والأدب وكان معسرا، كما كان يفعل أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي الشافعي (ت. 323هـ)(4).
وقد عمل القاضي محمد بن حبّان البستي، شيخ خراسان (ت. 354هـ) في مدينة نيسابور داراً للعلم، وخزانةَ كتبٍ، ومساكنَ للغرباء الذين يطلبون العلم، وأجرى لهم الأرزاق، ولم تكن الكتب تُعار خارج الخزانة(5).
__________
(1) يذكر ياقوت الحموي أنه قد قضى في مرو ثلاث سنين، وكان بِها على عهده عشرة خزائن، بإحداها نَحوا من اثني عشر ألف مجلد، يقول "وكانت (الخزائن) سهلةَ التناول، لا يفارق منْزلي منها مئتا مجلد وأكثر بغير رهن، تكون قيمتها مئتي دينار، فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد، وألهاني عن الأهل والولد" (معجم البلدان 5: 114).
(2) المنتظم 16: 238.
(3) وفيات الأعيان 1: 143ـ144؛ البداية والنهاية 12: 58.
(4) معجم الأدباء لياقوت الحموي 7: 193؛ تاريخ الحضارة الإسلامية 1: 329.
(5) تاريخ الحضارة الإسلامية 1: 329. وانظر أيضا : سير أعلام النبلاء 16: 94.(1/8)
وقد أنشأ أبو علي بن سوّارالكاتب (ت. 372هـ) أحد رجال حاشية عضد الدولة دارَ كتب في مدينة رام هرمز على شاطىء بحر فارس، كما بنى درا أخرى بالبصرة، وجعل فيهما إجراء على من قصدهما، ولزم القراءة والنسخ فيهما، وكان في الأولى منهما أبدا شيخ يُدْرَس عليه علمُ الكلام على مذهب الاعتزال(1).
وكذلك كان يفعل الشريف الرضي محمد بن طاهر (ت. 406هـ) نقيب العلويين والشاعر المشهور، فقد اتخذ داراً سمّاها ’دار العلم‘، وفتحها لطلبة العلم، ووفّر لهم جميع ما يحتاجون إليه(2).
وقد كان للوزير الشهير الصاحب بن عباد (ت. 385هـ) من الكتب ما يحتاج في نقلها إلى أربع مئةِ جمل أو أكثر. قال أبو الحسن البيهقي: "وأنا أقول: بيتُ الكتب الذي بالريِّ دليل على ذلك… فإني طالعتُ هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشرَ مجلَّدات"(3).
وبرزت مدينة نيسابور كمركز هام من مراكز العلم والثقافة بهذه المؤسسات، وبخاصة علومِ الحديث الشريف.
وقد وصفها السخاوي بأنّها "دار السُّنَّة والعوالي"(4)، وذكر عددا من أعلام محدِّثيها، وأشار إلى كثرة الرحلة إليها، واستمرارها حتى اكتسحها المغول.
وقد كان بروز هذه المدينة في العلم منذ القرن الثالث الهجري، حيث بلغ عدد علمائها والواردين عليها، الذين ترجم الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في تاريخه خلال القرن الرابع نحو 1375 عالما(5).
__________
(1) أحسن التقاسيم ص 316؛ الفهرست ص 199؛ تاريخ الحضارة الإسلامية 1: 329.
(2) تاريخ الحضارة الإسلامية 1: 330.
(3) معجم الأدباء 5: 259.
(4) الإعلان بالتوبيخ ص 666.
(5) أحسن التقاسيم ص 252ـ253.(1/9)
أقتطف هنا كلمات عن المقدسي (ت. 380هـ) كشاهد عيان في وصف إقليم خراسان وماوراء النهر الذين سافر إليهما وسماهما ’إقليم المشرق‘، فقال(1): "هو أجل الأقاليم واكثرها أجِلَّةً وعلماء، ومعدن الخير، ومستقر العلم، وركن الإسلام المحكم، وحصنه الأعظم، ملكه أجَلُّ الملوك، وجنده خير الجنود… فيه يبلغ الفقهاءُ درجات الملوك"(2).
وقال أيضا: "وأهل خراسان أشد الناس تفقها، وبالحق تَمسكا… وأهله أظرف وأحلم، وبالخير والشر أعلم، وإلى أقاليم العرب ورسومهم أقرب… وأكثرُ أجلةً وعقلاءَ من هَيْطَل، مع العلم الكثير، والحفظ العجيب، والمال المديد، والرأي الرشيد، به مرو التي قامت بِها الدنيا، وبلخ وإليها المنتهى، ونيسابور فلا تنسى"(3).
وقال كذلك: "وهو أكثر الأقاليم علما وفقها، وللمذكِّرين به صيت عجيب… ومذاهبهم مستقيمة"(4).
وقال الخليلي عن منطقة خراسان، ومنها نيسابور: "قال هلالُ بن العلاء الرَّقِّي: شجرة العلم أصلُها بالحجاز، ونُقِل ورقُها إلى العراق، وثَمرُها إلى خراسان "(5).
وتَمنّى الأستاذ الإمام أبو إسحاق الإسفراييني الموتَ بنيسابور، فقال: "أشتهي أن يكون موتي بنيسابور، حتى يصلِّي علَيَّ جميعُ نيسابور"(6). وذلك لازدهارها بالعلم والعلماء وطلاب المعرفة.
__________
(1) أحسن التقاسيم ص 212؛ ظهر الإسلام 1: 260ـ261.
(2) ويقول آدم مز في الحضارة الإسلامية 1: 321: "وكانت خراسان جنة العلماء، ولا يزال العلماء بها إلى اليوم يتمتعون بجاه واحترام لا نظير لهما في سائر البلاد".
(3) أحسن التقاسيم ص 235.
(4) أحسن التقاسيم ص 252ـ253.
(5) معجم الأدباء 2: 892.
(6) الُمنتَخَب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور للصَّريفيني ص 128؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 257.(1/10)
لقد أصبحت نيسابور تنافِس بغداد في كثير من العلوم، وخاصة علمِ الحديث خلال القرنين الرابع والخامس الهجري. والذي ساعد على هذه المنافسة والنهضة العلمية اهتمامُ السلاطين والملوك والأمراء والولاة بتشجيع العلم وتفضيل العلماء وإجلالهم ورعايتهم لهم في تلك الأزمنة.
قال المقدسي عن ملوك الدولة السامانية الحاكمة على إقليم خراسان قبل الغزنويين: "وهم من أحسن الملوك سيرة ونظرا وإجلالا للعم وأهله، ومن أمثال الناس… ومن رسومهم أنّهم لا يكلفون أهل العلم تقبيل الأرض، ولهم مجالسُ عشيات جُمَع شهر رمضان للمناظرة بين يدي السلطان، فيبدأ هو فيسأل مسألة، ثم يتكلمون عليها، وميلهم إلى مذهب أبي حنيفة"(1).
ويقول الصريفيني عن السلطان محمود الغزنوي الذي شجّع الحركة الدينية والعلمية والأدبية تشجيعا عظيما أنجب نوابغ من العلماء والأدباء: "وكان مجلسه مورِدَ العلماء، ومقصِدَ الأئمة والقضاة، يعرف لكل واحد حقه، ويُخاطبه بِما يستحقه، ويستدعي الأكابرَ والصدور والعلماء من كل فنٍّ إلى حضرة غزنة، ويبوئهم من ظله وإنعامه وإكرامه المَحلَّ الرفيع، ويصلهم بالصلات السنية"(2). وسيأتي موقف ابنه مسعود من المؤلف والعلماء في ثنيايا الترجمة.
وكان صاحب خراسان الملك نوح بن منصور الساماني (ت. 387هـ) أرسل في السر يستدعي الصاحب بن عباد إلى حضرته ليولِّيه وزارته، فاعتلّ بأنه يحتاج لنقل كتبه خاصة أربع مئة جمل(3). وكان الصاحب يتفقد علماء بغداد وأدبائها في السنة بخمسة آلاف دينار(4).
__________
(1) أحسن التقاسيم ص 264.
(2) المنتخب ص 487.
(3) معجم الأدباء 5: 259؛ سير أعلام النبلاء 16: 513.
(4) سير أعلام النبلاء 16: 513.(1/11)
وقد حكى الأستاذ براون أن السلطان محمود بن سبكتكين علم أن في مجلس مأمون بن مأمون أمير خوارزم جماعةً من رجال العلم والفلسفة، منهم ابن سينا، والبيروني، وأبو سهل المسيحي، وابن الخمار، وأبو نصر العراق، فكتب إليه أن أرسلهم ليشرفوا بِمجلسي، ونستفيد بعلمهم، فجمعهم مأمون بن مأمون، وقرأ عليهم كتاب السلطان محمود، فأبى ابن سينا وفرّ، وقبل البيروني، وابن الخمار، والعراق(1).
وحكى أبو الريحان ـ البيروني ـ أن خوارزمشاه ركب ذات يوم، وكان ثملا، فاقترب من حجرتي، وأمر بِمناداتي، فتمهلتُ، فأسرع بحصانه حتى باب حجرة نوبتي، وأراد أن يترجّل، فقبلت الأرض وأقسمت أغلظ الأيمان حتى لا يدخل، فقال: "العلم من أشرف الولايات، يأتيه كلُّ الورى، ولا يأتي"، ثم قال "لولا الرسوم الدنياوية لما استدعيتُك، فالعلم يعلو ولا يُعلى"(2).
ويذكر الذهبي(3) عن أبي الفتح البستي الشاعر المعروف قوله: "عملتُ في المَلِك خَلَف ـ بن أحمد الصفار السجزي ـ ثلاثة أبيات، لم أبلغها إياه، لكنها اشتهرت، فلم أشعر إلا بثلاث مئة دينار بعثها إليَّ".
ونرى أبا منصور الثعالبي يؤلف كتابه ’لطائف المعارف‘ للصاحب بن عباد، و’المبهج‘ لشمس المعالي قابوس بن وشمكير، و’فقه اللغة‘ و’سحر البلاغة‘ لأبي الفضل الميكالي، و’النهاية في الكناية‘ لمأمون بن مأمون صاحب خوارزم. وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل على تشجيع هؤلاء الأمراء الحركة العلمية والأدبية والنهضة الثقافية والمنافسة في هذا الميدان فيما بينهم ببلادهم.
__________
(1) التاريخ الأدبي للفرس 2: 96؛ ظهر الإسلام لأحمد أمين 1: 286.
(2) تاريخ البيهقي ص 736.
(3) سير أعلام النبلاء 17: 117.(1/12)
كذلك ساعد على هذه النهضة إنشاءُ المدارس العلمية والثقافية المتخصصة(1)، ودُور العلم والمكتبات العامة والإنفاق عليها، وفتح مجال العلم للعلماء لإجراء المناظرات العلمية والأدبية، إضافة إلى تأثر الأغنياء والتجار بنهج الأمراء والولاة، فقد تنافس هؤلاء في بناء الدور والمساجد والمعاهد والمدارس، ووقفها على العلماء وطلبة العلم، وإجراء الجرايات عليهم.
أما مدارس نيسابور :
__________
(1) ذكر أبو الفضل البيهقي في تاريِخه ص 227 أنه كان في ختلان بضع وعشرون مدرسة مع أوقافها.(1/13)
فإن نيسابور سبقت العاصمةَ بغداد والعواصمَ الأخرى في إنشاء المدارس الأولى في العالم الإسلامي. يقول تاج الدين عبد الوهاب السبكي: "وشيخنا الذهبي زعم أنه –أي الوزير نظام الملك- أولُّ من بنى المدارس، وليس كذلك(1)، فقد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولَد نظام الملك، والمدرسة السعدية بنيسابور أيضا، بناها الأمير نصر بن سبكتكين (ت. 412هـ)، أخو السلطان محمود، لما كان واليا بنيسابور. ومدرسة ثالثة بنيسابور، بناها أبو سعد علي بن إسماعيل بن المثنى الإستراباذي، الواعظ الصوفي، شيخ الخطيب. ومدرسة رابعة بنيسابور أيضا، بنيت للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، وقد قال الحاكم في ترجمة الأستاذ: ’لم يُبْنَ بنيسابور قبلها، يعني مدرسة الأستاذ، مثلُها‘. وهذا صريح في أنه بُنِي قبلها غيرُها"(2). وخير دليل على تقدم مدارس نيسابور على المدارس النظامية في المدن المختلفة هو النظر في تواريخ بناء المدارس الموجودة في نيسابور، وتواريخِ وفيات المدرسين الذين درّسوا فيها، أو جلسوا بهذه
__________
(1) إذ تم بناء المدرسة النظامية ببغداد سنة 459هـ (تاريخ دولة آل سلجوق، لعماد الدين محمد بن محمد الاصفهاني، اختصار الفتح بن علي بن محمد البنداري، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1980، ص 34-35؛ الكامل في التاريخ، لابن الإثير، ت. محمد يوسف الدقاق، بيروت 1407ـ1987، 8: 380). وقال ابن كثير في البداية والنهاية 11: 312: "وفيها -383هـ- ابتاع الوزير أبو نصر سابور بن أزدشير دارا بالكرخ، وجدد عمارتها، ونقل إليها كتبا كثيرة، ووقفها على الفقهاء، وسماها دار العلم، وأظن أن هذه أول مدرسة وقفت على الفقهاء، وكانت قبل النظامية بمدة طويلة". انظر أيضا: مقال بعنوان "مدارس قبل النظامية"، لناجي معروف، بمجلة المجمع العلمي العراقي، سنة 1973، 140ص.
(2) طبقات الشافعية الكبرى 4: 314. انظر أيضا: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، للمقريزي، بيروت بدون تاريخ، 2: 363.(1/14)
المدارس للإملاء. ثم أشار السبكي إلى أن نظام الملك أول من قدَّر المعاليم –أي الْمِنَحَ الدراسية- للطلبة.
وكانت بعض هذه المدارس تتخذ من المساجد مقرا لها. ومن هذه المدارس التي وجدت في نيسابور في القرنين الرابع والخامس الهجريين:
1ـ مدرسة باب بستان، التي درّس فيها أبو صالح التباني (ت. 400هـ) بأمر من محمود بن سبكتكين عام 385هـ، وهي خاصة بالحنفية(1).
2ـ مدرسة أبي علي الحسن بن علي الدقاق (ت. 405هـ) بناها عام ولادة ابنتها فاطمة زوجة أبي القاسم القشيري 391هـ(2).
3ـ مدرسة أبي بكر أحمد بن إسحاق الصِّبغي (ت. 342هـ) بباب الجامع القديم، والمعروفة بـ’دار السنّة‘، عُقِد فيه مجلسُ الإملاء لأبي بكر أحمد بن محمد بن عبيد الله (ت. 429هـ)(3).
4ـ مدرسة الدارمي، وهي دار للحديث، أنشأها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الرئيس البسطامي الدارمي في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري(4).
5ـ مدرسة القطان، وهي مدرسة للمالكية، كان يُدرِّس فيها إبراهيمُ بن محمود بن حمزة الفقيه المالكي(5).
6ـ مدرسة أبي الوليد حسان بن محمد النيسابوري القرشي الأموي (ت. 349هـ)(6).
7ـ المدرسة السعيدية التي بناها الأمير العالم نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود الغزنوي عندما قدم واليا على نيسابور سنة 390هـ، ووقف عليها الأوقاف(7).
__________
(1) تاريخ البيهقي ص 213.
(2) المنتخب ص 128، 397، 459.
(3) المنتخب ص 97، 296؛ تاريخ الإسلام (وفيات 401ـ420) ص 128؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 159.
(4) المستنصرية وأساتذتُها لناجي معروف ص 19.
(5) المستنصرية وأساتذتُها لناجي معروف ص 26.
(6) طبقات الشافعية الكبرى 3: 227؛ المستنصرية وأساتذتُها لناجي معروف ص 26.
(7) المنتخب ص 508؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 314؛ الخطط 2: 363.(1/15)
8ـ المدرسة البيهقية التي أُسِّست قبل سنة 408هـ في سكة سيار(1)، والتي درّس فيها شيخُ السنة الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458هـ، وأبو القاسم الإسكاف الإسفراييني (ت. 452هـ)(2).
9ـ مدرسة محمد بن الحسن بن فورك المتوفى سنة 406هـ(3).
10ـ المدرسة الصاعدية التي بناها ودرّس فيها المؤلف أبو العلاء صاعد بن محمد الأستوائي المتوفى سنة 432هـ(4)، واستخلف أبا القاسم عبدَ الله بن محمد بن عمرو الزيادي القاضي (ت. 430هـ)، أحدَ وجوه العلماء والفقهاء الحنفية في نيسابور، للتدريس فيها، وإفادةِ المُختَلِفةِ من الطلبة، سنة اثنتين وأربع مئة، عند خروجه للحَجَّة الثانية(5).
11ـ مدرسة أبي سعد إبراهيم بن أبي عثمان النيسابوري الخركوشي الزاهد (ت. 407هـ)، التي عَقَد فيها أبو بكر أحمد بن علي بن محمد اليزدي الاصبهاني الحافظ (ت. 428هـ) والمعروف بابن فنجويه مجلسَ الإملاء(6). قال ابن عساكر: "وبنى في سكته المدرسة، ودارَ المرضى، ووقف أوقافا عليها، ووضع في المدرسة خزانة للكتب"(7). وقال أيضا: "قد وفّقه الله تعالى لعمارة المساجد والحياض والقناطر والدروب وكسوة الفقراء العراة من الغرباء والبلدية، حتى بنى داراً للمرضى بعد أن خربت الدُّور القديمة لهم بنيسابور"(8).
__________
(1) المنتخب ص 68، 93، 114؛ إنباه الرواة 1: 166؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 314؛ و5: 169، 175؛ الحطط 2: 363.
(2) تبيين كذب المفتري ص 265، 279ـ280؛ وفيات الأعيان 3: 168؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 169، 175.
(3) تبيين كذب المفتري ص 232؛ سير أعلام النبلاء 17: 215؛ تاريخ الإسلام (وفيات 401ـ420) ص 148؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 128.
(4) المنتخب ص 111، 304.
(5) المنتخب ص 304؛ الجواهر المضية 2: 341؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات السنية 4: 230.
(6) المنتخب ص 91.
(7) تبيين كذب المفتري ص 236.
(8) تبيين كذب المفتري ص 234.(1/16)
12ـ مدرسة أبي إسحاق الإسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران (ت. 418هـ) التي لم يُبْنَ بنيسابور قبلها مثلُها، ودرّس فيها(1).
13ـ مدرسة أبي صادق الخفاف الفريابي (ت. 428هـ)(2).
14ـ مدرسة سهل الصعلوكي(3).
15ـ مدرسة أبي بكر أحمد بن محمد البستي (ت. 429هـ)، بناها لأهل العلم على باب داره برأس سكة المسيّب، ووقف عليها جملة من ماله، وكان من كبار فقهاء أصحاب الشافعي، والمدرسّين المناظرين بنيسابور(4).
16ـ مدرسة أبي سعد إسماعيل بن علي بن المُثَنَّى الاستراباذي المتوفى في حدود 440هـ، بناها لأصحاب الشافعي(5).
17ـ مدرسة أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (ت. 449هـ)(6). حدّث فيها أبو نصر محمد بن منصور الأسناني (ت. )(7).
18ـ المدرسة النظامية التي أنشأها الوزير نظام الملك سنة 457هـ، والتي درّس فيها أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي الجرجاني (ت. 477هـ)، وأبو المعالي إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت. 478هـ)، وأبو سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري (ت. 494هـ)(8).
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 243؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 256، 314؛ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1: 318ـ319.
(2) المنتخب ص 379.
(3) المنتخب ص 59.
(4) المنتخب ص 97؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 80؛ الحضارة الإسلامية 1: 337.
(5) طبقات الشافعية الكبرى 4: 293، 314.
(6) تاريخ اليميني 1: 97؛ المنتخب ص 61، 299؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 290ـ291؛ الأعلام 2: 309.
(7) لسان الميزان 1: 106.
(8) تبيين كذب المفتري ص 280؛ المنتخب ص 59، 62، 66، 116، 146، 344، 370، 431، 432، ؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 107، 171، 176، 227، 305.(1/17)
19ـ مدرسة السيُوُرِي، أبي الفضل صاحب ديوان خراسان(1)، بباب عزرة التي نزل فيها الحافظ أبو بكر البيهقي (ت. 458هـ)، سنة 441هـ، وعقد العلماء له المجلس فيها لقراءة كتابه ’المعرفة‘(2).
20ـ مدرسة ابن أبي الطيب النيسابوري ( علي بن عبد الله ت. 458هـ)، بناها باسمه أبو القاسم علي بن محمد بن الحسين بن عمرو، من دهاقين وميمولان، في مَحَلَّة اسْفِرِيس في رمضان سنة 410هـ(3).
21ـ مدرسة القشيريين التي درّس فيها الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري اليسابوري (ت. 465هـ)، وابنه ركن الإسلام عبد الواحد (ت. 494هـ)(4).
22ـ مدرسة الشحامي، التي درّس فيها الشيخ الفقيه المحدث أبو عبد الرحمن طاهر بن محمد بن محمد النيسابوري المعدِّل (ت. 479هـ)(5)، والتي توفي فيها أبو القاسم مسعود بن أبي بكر الهروي النصاري سنة نيف وسبعين وأربع مئة(6).
23ـ مدرسة أحمد الثعالبي (أبي إسحاق أحمد بن محمد المفسر النيسابوري ت. 427هـ؟) التي دفن فيها أبو جعفر محمد بن محمد بن أحمد الشاماتي (ت. 478هـ)(7).
23ـ مدرسة الحدّاد التي خدم الفقراء فيها أبو العباس أحمد بن محمد الحافظ الصوفي (ت. 478هـ)(8).
__________
(1) قال البيهقي في تاريخه ص 437ـ438: "كان رجلا مشهورا بالظلم…، فإنه إلى جانب ظلمه كان رجلا كريما في الصدقات مؤديا للصلوات، وله آثار طيبة في مدينة طوس…وبنى في نيسابور مصلىً لم يَبْنِ مثله أحد من الأمراء قبله…وقد أمر بأعمال عظيمة في رباطَيْ فراوه ونسا، وهما باقيان". بينه وبين الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني مصاهرة (الأنساب 3: 333ـ334).
(2) المنتخب ص 53، 109، 112.
(3) معجم الأدباء 13: 273.
(4) المنتخب ص 62، 104، 404، 452؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 159، 227.
(5) سير أعلام النبلاء 18: 448-449.
(6) المنتخب ص 476.
(7) المنتخب ص 65، 94.
(8) المنتخب ص 125.(1/18)
24ـ مدرسة الصندلي التي بناها أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الصندلي (ت. 484هـ)(1).
25ـ مدرسة الخطبي بالمربّعة الكرمانية التي بناها ودرّس فيها أبو حاتم محمد بن إسحاق بن عمر الزاهد (ت. 488هـ)(2).
26ـ مدرسة أبي العباس المُشَطَّبي التي درّس فيها نزيل نيسابور المبارك بن محمد بن عبد الله الواسطي القاضي (ت. 492هـ)(3).
27ـ المدرسة العمادية التي عُقِد فيها مجلس الإملاء لأبي سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد البَحِيري (ت. 501هـ)(4).
28ـ مدرسة سَرْهَنْك بنيسابور، التي دَرَسَ فيها أبو الحسن علي بن محمد بن علي إِلْكِيا الهرّاسي (ت. 504هـ )(5).
29ـ المدرسة الناصحية برأس سكة عمار التي درّس فيها أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفُراوي النيسابوري (ت. 530هـ)(6).
30ـ مدرسة أبي صادق التباني، درّس فيها العلوم(7).
31ـ مدرسة القسري، بناها محمد بن منصور المعروف بعميد خراسان (ت. 494هـ)، كما بنى مدرسة بِمرو لأبي بكر بن أبي المظفر السمعاني(8).
32ـ المَدرسة السلطانية، فُوِّض التدريسُ فيها إلى أبي الفتح إدريس بن علي بن إدريس البِياري النيسابوري (457ـ540هـ)، الأديب الشاعر الفقيه، وكان يدَرِّس ويفتي إلى أن مات(9).
33ـ مدرسة أبي نصر ابن أبي الخير، حضر فيها أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني بمجلس أبي بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين الشِّيرَوي الجنابذي (ت. 510هـ)(10).
__________
(1) المنتخب ص 424، 427.
(2) المنتخب ص 79.
(3) طبقات الشافعية الكبرى 5: 311؛ وفي المنتخب ص 60، 101، 500 : المشطي.
(4) المنتخب ص 154.
(5) طبقات الشافعية الكبرى 7: 232.
(6) تبيين كذب المفتري ص 324؛ وفيات الأعيان 4: 291؛ طبقات الشافعية الكبرى 6: 168.
(7) تاريخ البيهقي ص 226.
(8) البداية والنهاية 12: 172.
(9) الجواهر المضية 1: 360؛ التحبير 1: 127ـ128.
(10) التحبير لابن السمعاني 1: 466.(1/19)
34- مدرسة النسوي، أبي عمر محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي، أقضى الفضاة، المعروف بالقاضي الرئيس (ت. 478هـ)(1).
وأما المساجد :
وكانت دروس العلم ومجالس الإملاء تعقد في المساجد على هيئة حلقات، إلى أن ظهرت المدارس في القرن الرابع كمؤسسات علمية. ومن هذه المساجد الشهيرة التي كانت تقام فيها الدروس ومجالس الإملاء بنيسابور أيام القاضي صاعد الأستوائي :
1ـ مسجد الجامع المنيعي (الجديد)، يُنْسَب هذا الجامع إلى أبي علي حسان بن سعيد بن حسان المنيعي، الرئيس، شيخ الإسلام(2)، عُقِد فيه مجلسُ الإملاء لأبي عبد الرحمن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي الفقيه (ت. 479هـ)(3)، ولأبي القاسم إسماعيل بن عبد الله بن موسى الساوي (ت. 480هـ)، يوم الجمعة قبل الصلاة في الحظيرة المنسوبة إلى الشحام للمحدثين، وأملى نحوا من سنتين، وابتدأ في الإملاء بعد وفاة أبي عبد الرحمن الشحامي(4)، ولحفيد المؤلف قاضي القضاة، رئيسِ نيسابور، أبي نصر أحمد بن محمد بن صاعد، الزينبي الصاعدي (ت. 482هـ)(5)، ولأبي بكر محمد بن إسماعيل بن محمد التفليسي القرشي (ت. 483هـ)(6)، ولأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الواحدي (ت. 487هـ)(7)، ولأبي نصر عبد الله بن الحسين بن محمد الفقيه الصوفي (ت. 491هـ)(8)، ولأسعد بن مسعود بن علي العتبي الكاتب الشاعر (ت. 494هـ)، فأملى مدة(9)، ولأبي سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد البَحِيري (ت. 501هـ)، فأملَى سنين(10)، ولأبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي (ت. 533هـ) وأملى قريبا من عشرين سنةً وألفِ مجلس(11)
__________
(1) طبقات الشافعية الكبرى 4: 175.
(2) المنتخب ص 227ـ228؛ سير أعلام النبلاء 18: 265ـ267؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 299.
(3) المنتخب ص 148، 289؛ سير أعلام النبلاء 18: 448.
(4) المنتخب ص 148.
(5) المنتخب ص 119، 377.
(6) المنتخب ص 58.
(7) المنتخب ص 343.
(8) المنتخب ص 316.
(9) المنتخب ص 171.
(10) المنتخب ص 154.
(11) المنتخب ص 245؛ المنتظم 17: 337؛ البداية والنهاية 12: 231.(1/20)
، ولأبي المحاسن إسحاق بن عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني(1)، ولأبي نصر الفضل بن محمد النوقانِي(2)، ولأبي الحسن محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الذي دخل نيسابور رسولا(3).
2ـ مسجد الجامع العتيق (القديم)، عُقِد فيه مجلسُ الإملاء لحفيد المؤلف قاضي القضاة، رئيسِ نيسابور، أبي نصر أحمد بن محمد بن صاعد، الزينبي الصاعدي (ت. 482هـ) عشيات الخميس في رمضان على رسم أسلافه(4)، ولأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان بن محمد النصروي النيسابوري (ت. 433هـ)، وأملى سنين يوم الجمعة قبل الصلاة(5)، ولأبي عبد الرحمن عمر بن محمد بن أحمد البَحِيري(6)، ولأبي الحسن محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الذي دخل نيسابور رسولا(7).
3ـ مسجد المُطَرِّز، عُقِد فيه مجلسُ الإملاء لأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك بن الحسن النيسابوري (ت. 431هـ) غدوات الأربعاء، فأملى فيه سنين(8)، ولأبي الحسن علي بن يوسف بن عبد الله الجويني (ت. 463هـ)(9)، وللأستاذ أبي القاسم القشيري (ت. 465هـ)(10)، ولأبي عمرو محمد بن عبد الرحمن بن أحمد القاضي الملقب بأقضى القضاة، سنة 462هـ(11)، ولمحمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس المعروف بالصفار (ت. 468هـ)، أملى فيه سنين(12).
__________
(1) المنتخب ص 168.
(2) المنتخب ص 455.
(3) المنتخب ص 60.
(4) المنتخب ص 117، 119.
(5) المنتخب ص 336.
(6) المنتخب ص 440.
(7) المنتخب ص 60.
(8) المنتخب ص 337.
(9) المنتخب ص 420.
(10) تبيين كذب المفتري ص 227؛ المنتخب ص 127ـ128؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 330.
(11) المنتخب ص 74، 465.
(12) طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1: 241.(1/21)
4ـ مسجد عقيل، عقِد فيه مجلس الإملاء لأبي طاهر محمد بن محمد بن مَحْمِش الزيادي، إمامِ أصحاب الحديث وفقيهِهم (ت. 410هـ)(1)، ولأبي إسحاق الإسفراييني (ت. 418هـ) بعد أبي طاهر الزيادي سنة 410هـ، وحضر الحفاظ والمشايخ من الصدور وأهل العلم، وأملى سنين أعصارالخميس مدة، وأعصار الجمعة مدة(2)، وأُقعِد بعده مكانه أبو منصور عبد القاهر البغدادي (ت. 429هـ)، فأملى سنين، واختلف إليه الأئمة، فقرؤوا عليه، وتلمذوا له(3)، وعقِد لِمحمدِ بن أحمد بن محمد الحاكم الفامي الشاذياخي (ت. 440هـ)(4)، ولأبي عبد الله إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي (ت. 504هـ) أعصار الأثانين، فأملى سنين(5)، ولأبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، صاحب السياق لتاريخ نيسابور، أملى فيه أعصار يوم الإثنين سنين(6)، ولأبي سعيد الحسين بن محمد بن محمود بن سورة، سبطِ شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني (ت. 506هـ)(7).
5ـ مسجد الصّفَّارين، جلس فيه أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي (ت. 405هـ) للإملاء في حياة والده أبي بكر سنة 366هـ، وأملى فيه إلى أن توفي والده، ثم انتقل إلى المسجد الذي كان والده يُملِي فيه، ويُملِي كل سبتٍ إلى أن توفي(8).
6ـ مسجد الخبازي، قعد فيه أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد المقرئ الإمام الخبازي (ت. 449هـ)، لقراءة القرآن في سكة معاذ بن معاوية، وحضر مجلسه الأكابرُ مثل إمام الحرمين الجويني، وأولادُ الأئمة(9).
__________
(1) المنتخب ص 18، 127ـ128.
(2) المنتخب ص 127ـ128؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 258ـ259.
(3) المنتخب ص 394.
(4) المنتخب ص 38.
(5) المنتخب ص 155.
(6) المنتخب ص 543.
(7) المنتخب ص 217.
(8) تاريخ جرجان للسهمي ص 453 ؛ تبيين كذب المفتري ص 231؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 92.
(9) تبيين كذب المفتري ص 280؛ المنتخب ص 43.(1/22)
7ـ مسجد السُّلَمي، عُقِد فيه مجلس الإملاء لأبي سعيد أحمد بن إبراهيم بن موسى المقرئ الشاماتي (ت. 454هـ)، سنة 441هـ يوم الجمعة بعد الصلاة، فأملَى سنين(1).
8ـ مسجد أبي عبد الله المقرئ المعرف محمدِ بن إسماعيل بن أحمد (ت. 486هـ) بِمحلة الرمجار، كان يقعد فيه، ويقرئ الناس(2).
9ـ مسجد المربّعة الكبيرة، عُقِد فيه مجلسُ الإملاء لأبي نصر منصور بن الحسين بن محمد المقرئ المفسر (ت. 424هـ)، أعصار السبت إلى أن عجز عن الحضور بنفسه(3).
10ـ مسجد النُّوقَانِي بِمحلّة الرمجار، كان يدرِّس فيه أبو القاسم إسماعيل بن زاهر بن محمد النوقاني النيسابوري(4).
11ـ مسجد الصّرّافين المعروف بِمسجد الاصبهاني، عُقِد فيه مجلسُ الإملاء لأبي القاسم إسحاق بن عمر بن عبد العزيز الجميلي الشجاعي، فأملى مدة حتى عجز عن الحضور(5).
ولم نرد الدخول في سرد هذه المدارس والمساجد التي تقام فيها مجالسُ الإملاء إلا لإعطاء الصورة الواضحة لأهمية المدارس والمساجد آنذاك، وأنّها كانت تُمثِّل أهم المراكز العلمية في ذلك الحين.
أما كبار علماء هذه البلاد ونوابغها، فقد تنوعت اختصاصاتُهم، فمن ذلك:
علم القراءات :
ـ أبو الحسن علي بن أحمد بن صالح القزويني (283ـ381هـ)، الإمام المعمَّر، شيخ القراء. أخذ القراءات عن أبي عبد الله الحسين بن علي الأزرق، والعباس بن الفضل بن شاذان، وقدم بغداد فجالس ابن مجاهد، وبحث معه، وتصدَّر للإقراء دهرا طويلا(6).
__________
(1) المنتخب ص 101.
(2) المنتخب ص 73.
(3) المنتخب ص 477.
(4) المنتخب ص 144.
(5) المنتخب ص 168.
(6) غاية النهاية في طبقات القراء 1: 519ـ520؛ معرفة القراء الكبار 1: 347ـ349؛ سير أعلام النبلاء 16: 410ـ411.(1/23)
ـ أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري (295ـ381هـ)، الإما القدوة المقرئ، شيخ الإسلام، مصنِّف ’الغاية في القراءات‘. قال الحاكم: "كان إمام عصره في القراءات، وكان أعبدَ من رأينا من القرّاء، وكان مجاب الدعوة…وقرأت عليه ببخارى كتاب ’الشامل‘ له في القراءات"(1).
ـ أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد البغدادي (ت. 385هـ)، المعروف بالطِّرازي، نزيل نيسابور، مقرئ ضابط صالح عالي السند. قرأ على ابن مجاهد، وسمع من البغوي، وجماعة. وكان عارفا بالعربية والحديث(2).
ـ أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد المقرئ الإمام الخبازي (ت. 449هـ)، شيخ القراء، تلا على والده أبي الحسين الخبازي، وعلى أبي بكر الطِّرازي، صاحب ابن مجاهد. قعد سنين في مسجده المشهور به لقراءة القرآن في سكة معاذ بن معاوية، وحضر مجلسه الأكابر وأولاد الأئمة، وتَخرّج على يده ألوف بنيسابور، دخل غزنة أيام السلطان محمود بن سبكتكين، فكان يكرمه غاية الإكرام(3).
ـ أبو عبد الله المقرئ المعرف محمد بن إسماعيل بن أحمد (ت. 486هـ)، كان يقعد في مسجده، ويقرئ الناس بِمحلة الرمجار(4).
ـ أبو نصر منصور بن الحسين بن محمد المقرئ المفسر (ت. 424هـ) الذي أقرأ الناس في مسجد المربّعة الكبيرة(5).
أصول الدين :
__________
(1) غاية النهاية في طبقات القراء 1: 49ـ50؛ معجم الأدباء 3: 12ـ15؛ سير أعلام النبلاء 16: 406ـ407؛ البداية والنهاية 11: 331.
(2) تاريخ بغداد 3: 225ـ227؛ غاية النهاية في طبقات القراء 2: 238؛ معرفة القراء الكبار 1: 352؛ سير أعلام النبلاء 16: 466ـ467.
(3) تبيين كذب المفتري ص 263ـ264؛ المنتخب ص 43؛ الوافي بالوفيات 4: 130؛ غاية النهاية 2: 207؛ سير أعلام النبلاء 18: 44ـ45.
(4) المنتخب ص 73.
(5) المنتخب ص 477؛ طبقات المفسرين للداوودي 2: 338.(1/24)
إن خراسان كانت من أخصب بلاد الإسلام، خصوصا في القرن الخامس الهجري، بالتيارات الكلامية والفلسفية. ويكفي أن نذكر أسماء بعض أعلام الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة التي أخرجتها هذه البلاد:
ـ أبو الطيب سهل بن أبي سهل محمد الصعلوكي النيسابوري (ت. 404هـ)، مفتي نيسابور، وابن مفتيها، من أوائل مَن انتشر مذهبُ الأشاعرة على يديهم، وقد تخرج على يديه جماعة من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان(1).
ـ أبو بكر محمد بن الطيب القاضي، المعروف بابن الباقلاني المتكلم (ت. 403هـ)، من أعرف الناس بعلم الكلام، له التصانيف الكثيرة المنتشرة في نصرة الدين والرد على المخالفين من الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج والمرجئة والمشبهة والحشوية(2).
ـ أبو بكر محد بن الحسن بن فورك، الأديب الأصولي، شيخ المتكلمين (ت. 406هـ)، أقام أولا بالعراق، حتى درس بِها مذهب الأشعري، وورد إلى نيسابور، فتخرج عليه جماعة كثيرة، وكان قد دُعِي إلى غزنة، وجرت له بِها مناظرات، بلغ تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن، والرد على المُلحدين أكثر من مئة وعشرين تصنيفا(3).
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 217ـ226؛ سير أعلام النبلاء 17: 207ـ209؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 393ـ404.
(2) التبصير في الدين ص 119؛ تبيين كذب المفتري ص 211ـ214؛ سير أعلام النبلاء 17: 190ـ193؛ البداية والنهاية 11: 346.
(3) التبصير في الدين ص 119ـ120؛ تبيين كذب المفتري 232ـ233؛ سير أعلام النبلاء 17: 214ـ216؛ المنتخب ص 17.(1/25)
ـ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني (ت. 418هـ )، أحد كبار الأشاعرة، وكان متكلما، فقيها، أصوليا، وعليه درس القاضي أبو الطيب الباقلاني أصول الفقه باسفرايين، وأخذ عنه الكلام والأصول عامّة مشايخ نيسابور. وكان الصاحب ابن عباد إذا انتهى إلى ذكر الباقلاني وابن فورك والاسفراييني، وكانوا متعاصرين من أصحاب الأشعري، قال لأصحابه: "ابن الباقلاني بَحر مُغْرِق، وابن فورك صِلٌّ مُطرق، والاسفراييني نار تُحرِق"(1). وهؤلاء الثلاثة القادة السادة في علم الكلام هم من أشهر تلاميذ تلميذَيِ الإمام أبي الحسن الأشعري، أبي الحسن الباهلي، وأبي عبد الله بن مجاهد الطائي المتوفَّيَيْنِ سنة370هـ الذَيْن يقول فيهما عبد القاهر البغدادي: "هما أثمرا تلامذةً، هم إلى اليوم شموس الزمان، وأئمة العصر، كأبي بكر محمد بن الطيب (الباقلاني)، وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الاسفراييي، وابن فورك"، ثم ذكر أنه أدرك ابن مجاهد والباقلاني وابن فورك وأبا إسحاق الاسفراييني(2).
ـ الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر النيسابوري المعروف بالبغدادي (ت. 429هـ)، المتكلم، الفقيه، الأصولي، الأديب، الشاعر، النحوي، الماهر في علم الحساب، العارف بالعروض، درس على الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني، ثم اختلف إليه الأئمة، فقرؤوا عليه، مثل القشيري، والإمام ناصر المروزي. له من التصانيف ’أصول الدين‘، و’الملل والنحل‘، و’الفرق بين الفرق‘، و’كتاب الأسماء والصفات‘ في أصول الدين(3).
__________
(1) التبصير في الدين ص 119؛ تبيين كذب المفتري ص 243ـ244؛ المنتخب ص 127ـ128؛ سير أعلام النبلاء 17: 353ـ356؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 256ـ262.
(2) الفرق بين الفرق ص 221؛ مقدِّمات الإمام الكوثري ص 247.
(3) التبصير في الدين ص 120؛ تبيين كذب المفتري ص 253ـ254؛ المنتخب ص 394؛ سير أعلام النبلاء 17: 572.(1/26)
ـ أبو القاسم عبد الجبار بن علي بن محمد بن حسكان الاسفراييني الإسكاف (ت. 452هـ)
شيخ جليل، من أفاضل العصر، ررؤوس الفقهاء والمتكلمين، من أصحاب الأشعري. له اللسان في النظر والتدريس، والتقدم في الفتوى، مع الفقر والزهد والورع. قرأ عليه إمام الحرمين(1).
ـ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (306ـ381هـ)، يعرف بالشيخ الصدوق، متكلم، محدِّث، حافظ، مفسر، من كبار فقهاء الشيعة الإمامية. نزل بالري، وارتفع شأنه في خراسان، وحدَّث ببغداد. له كتاب ’التوحيد‘، وكتاب ’دين الإمامية‘، و’التفسير‘(2).
ـ أبو الحسن القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار المعتزلي (ت. 415هـ)، شيخ المعتزلة، العلامة المتكلم، صاحب التصانيف، من كبار فقهاء الشافعية. سمع من أبي الحسن القطان، وابن حمدان الجلاب، وغيرهما. حدّث عنه: أبو القاسم التنوخي، والصيمري، وأبو يوسف عبد السلام القزويني المفسر، وجماعة. ولي قضاء القضاة بالري(3).
ـ أبو رشيد سعيد بن محمد بن حسن بن حاتم النيسابوري ( ت. نَحو 440هـ)، من كبار المعتزلة، من أهل نيسابور. أخذ عن قاضي القضاة عبد الجبار، وانتهت إليه الرياسة بعده ، وكانت له حلقة في بلده، ثم انتقل إلى الري، وأقام بِها إلى أن مات، من آثاره ’إعجاز القرآن‘(4).
علم التفسير :
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 265؛ المنتخب ص 373؛ سير أعلام النبلاء 18: 117؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 99ـ100.
(2) الفهرست ص 125؛ تاريخ بغداد 3: 89؛ الأنساب 4: 544؛ سير أعلام النبلاء 17: 303ـ304.
(3) تاريخ بغداد 11: 113ـ115؛ الأنساب 1: 136ـ137؛ سير أعلام النبلاء 16: 303ـ304؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 97ـ98.
(4) المنتخب ص 253؛ لسان الميزان 3: 42؛ الأعلام 3: 101.(1/27)
لقيت حركةُ التفسير تشجيعا قويا من الأمراء في هذا الإقليم، إذ يذكر المترجمون لأبي أحمدَ خلف بن أحمد السجزي، الملكِ المحدِّث الفقيه، ملكِ سجستان، أنه كان من أهل العلم والفضل والسياسة والملك، سمع الحديث بخراسان والعراق، وجمع كبار العلماء في بلاده على تأليف تفسير عظيم حاوٍ لأقوال المفسرين والقراء والنحاة والمحدثين. فقال العتبي: "أنفق عليه عشرين ألف دينار. ونسخته به بنيسابور موجودة في مدرسة الصابوني، لكنها تستغرق عمر الكاتب، وتستنفد حبر الناسخ"(1). ومن المفسرين:
ـ أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب النيسابوري (ت. 406هـ)، هو أشهر مفسري خراسان، له ’التفسير المشهور‘، وانتشر عنه بنيسابور العلم الكثير(2).
ـ أبو نصر منصور بن الحسين بن محمد النيسابوري (337ـ422هـ)، المقرئ المفسر. حدّث عن أبي العباس الأصم، وطبقته، وعنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، وعبد الواحد بن عبد الكريم(3).
ـ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعالبي النيسابوري (ت. 427هـ)، الإمام، الحافظ، العلامة، شيخ التفسير، المقرئ، الواعظ، الأديب، الثقة، الحافظ. كان أوحد زمانه في علم القرآن، وله التفسير، وكتاب العرائس في قصص الأنبياء(4).
__________
(1) اليميني 1: 96-97، 351ـ360، 368ـ382؛ الأنساب 3: 223ـ224؛ معجم البلدان 1: 192؛ سير أعلام النبلاء 17: 116ـ118؛ الأعلام 2: 309.
(2) المنتخب ص 189؛سير أعلام النبلاء 17: 237ـ238؛ طبقات المفسرين للداوودي 1: 144.
(3) المنتخب ص 477؛سير أعلام النبلاء 17: 441ـ442؛ طبقات المفسرين للداوودي 2: 338.
(4) المنتخب ص 94ـ95؛ سير أعلام النبلاء 17: 435ـ437؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 58.(1/28)
ـ أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الحِيري النيسابوري (361ـ430هـ)، العلامة، المفسر، الزاهد، أحد الأعلام، له التصانيف المشهورة في القرآن والقراءات، والحديث والوعظ، ونفع الخلق. روى عنه الخطيب، ومسعود بن ناصر(1).
ـ أبو الحسن علي بن أبي الطيب عبد الله بن أحمد النيسابوري (ت. 458هـ)، الإمام ، العلامة، المفسر الأوحد. له في التفسير: ’التفسير الكبير‘ ثلاثين مجلدا، و’التفسير الأوسط‘ أحد عشر مجلدا، و’التفسير الصغير‘ ثلاثة مجلدات. وكان آيةً في الحفظ، وكان يُملِي ذلك من حفظه(2).
ـ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري (ت. 468هـ)، صاحب ’التفسير‘، وإمام التأويل. لزم أبا إسحاق الثعالبي، وأكثر عنه، وأخذ علم العربية عن أبي الحسن القُهُنْدُزي الضرير. صنف التفاسير الثلاثة : ’البسيط‘، و’الوسيط‘، و’الوجيز‘. وله كذلك ’أسباب النُّزول‘، و’شرح ديوان المتنبي‘، وكان طويل الباع في العربية واللغات، مات بنيسابور(3).
ـ أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني (392ـ488هـ)، المفسر، شيخ المعتزلة في عصره، أخذ الاعتزال عن القاضي عبد الجبار.
__________
(1) تاريخ بغداد 6: 313ـ314؛ المنتخب ص 137؛ سير أعلام النبلاء 17: 539ـ540؛ طبقات الشافعية الكبرى 4 : 265.
(2) معجم الأدباء 13: 273ـ276؛ سير أعلام النبلاء 18: 173ـ174؛ طبقات المفسرين للداوودي 1: 410.
(3) المنتخب ص 423؛ معجم الأدباء 12: 250ـ270؛ سير أعلام النبلاء 18: 339ـ342؛ طبقات الشافعية الكبرى 5 :240ـ243.(1/29)
قال السمعاني : كان أحدَ الفضلاء المُقدَّمين، جمع ’التفسير‘ الكبير الذي لم يُرَ في التفاسير أكبرُ منه، ولا أجمعُ للفوائد، لولا أنه مزجه بالاعتزال، وبثَّ فيه معتقَده، وهو في ثلاث مئة مجلد. أقام بِمصر سنين، وسكن طرابلس الشام، وزار دمشق، وتوفي ببغداد(1).
علوم الحديث :
أخرجت نيسابور مسلمَ بن الحجاج النيسابوري، مؤلفَ الصحيح المنسوب إليه، وكان كتابه مصدرا لحركة كبيرة في الحديث بين المحدثين، ويطول بنا القول لو عددنا أسماء كبار المحدثين الذين أنجبتهم هذه البلاد، ونشير هنا إلى أسماء بعض منهم في عصر المؤلف الأستوائي علاوة على من ذكرنا منهم أثناء ذكر شيوخ وتلاميذ المؤلف :
ـ الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم، أبو سليمان (319ـ388هـ)، الإمام، العلامة، المحدث، الرحال. سمع أبا العباس الأصم، وطبقته. روى عنه الحاكم، وأبو حامد الاسفراييني، وأبو عبيد الهروي اللغوي، وخلق سواهم. أقام مدة بنيسابور يصنف، فعمل ’غريب الحديث‘، و’معالم السنن‘، و’شرح أسماء الله الحسنى‘، و ’الغنية عن الكلام وأهله‘، و’بيان إعجاز القرآن‘، وغير ذلك(2).
ـ الحاكم، محمد بن عبد الله بن محمد، أبو عبد الله بن البيِّع النيسابوري (321ـ405هـ)، الإمام، الحافظ، الناقد، العلامة، شيخ المحدثين في عصره، صاحب التصانيف(3).
__________
(1) تذكرة الحفاظ 4: 1208؛ سير أعلام النبلاء 18: 616ـ620؛ الجواهر المضية 2: 421ـ422؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 121ـ122؛ البداية والنهاية 12: 160.
(2) معجم الأدباء 4: 246ـ260و 10: 268ـ272؛ إنباه الرواة 1: 160؛ تذكرة الحفاظ 3: 1018ـ1020؛ سير أعلام النبلاء 17: 23ـ28؛ طبقات الشافعية الكبرى 3: 282ـ290.
(3) تاريخ بغداد 5: 473؛ تبيين كذب المفتري ص 227ـ231؛ المنتخب ص 15ـ16؛ تذكرة الحفاظ 3: 1039ـ1045؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 155ـ171؛ البداية والنهاية 11: 379ـ380.(1/30)
ـ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني (336ـ 430هـ)، الإمام، الحافظ، المؤرخ، صاحب التصانيف الكثيرة، مثل ’معرفة الصحابة‘، و’حلية الأولياء وطبقات الأصفياء‘، و’دلائل النبوة‘، و’المستخرج على الصحيحين‘(1).
ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384ـ 458هـ)، الإمام، الحافظ، الفقيه، الأصولي، الديِّن، الورِع، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله، والمكثرين عنه. رحل إلى العراق والجبال والحجاز، وألف قريبا من ألف جزء، جمع فيه بين علم الحديث وعلله، وبيان الصحيح والسقيم، وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث، ثم بيان الفقه والأصول، وشرح ما يتعلق بالعربية(2).
ـ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني (377ـ449هـ)، الفقيه، المُحدث، المفسر، الخطيب، الواعظ، المُلقب بشيخ الإسلام. وكان يحضر مجلس تذكيره الأئمة الكبار، أبو الطيب سهل الصعلوكي، والأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني، والإمام أبو بكر بن فورك، وغيرهم(3).
ـ أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن (388ـ470هـ)، الحافظ، المتقن، الثقة، المُحدث، الصوفي. جمع الأحاديث، وسمع الكثير، وصنّف الأبواب، صحب الأستاذ أبا علي الدقاق، ولزم زين الأسلام أبا القاسم القشيري في طريقته، وأذّن حسبة سنين عِدّة، وشيّخ على المدرسة البيهقية (4).
الفقه وأصوله :
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 246؛ المنتخب ص 95ـ96؛ تذكرة الحفاظ 3: 1092ـ1098؛ سير أعلام النبلاء 17: 453ـ464؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 18ـ25؛ البداية والنهاية 12: 48ـ49.
(2) تبيين كذب المفتري ص 265ـ267؛ المنتخب ص 108ـ109؛ تذكرة الحفاظ 3: 1132ـ113؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 8ـ16؛ البداية والنهاية 12: 100.
(3) المنتخب ص 138ـ141؛ الوافي بالوفيات 9: 143ـ144؛ سير أعلام النبلاء 18: 40ـ44؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 271ـ292.
(4) المنتخب ص 113ـ114؛ تذكرة الحفاظ 3: 1162ـ1164؛ البداية والنهاية 12: 126.(1/31)
وكان بِهذه الأقاليم كثير من عظماء الحنفية والشافعية، فمنهم :
ـ أبو زيد عبد الله بن عمر الدبوسي (ت. 430هـ)، أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود. وكان يضرب به المثل. وله ’كتاب الأسرار‘، و’تقويم الأدلة‘(1).
ـ أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني (ت. 438هـ)، والد الإمام أبي المعالي، الفقيه، الأصولي، الأديب، النحوي، المفسر. درس الفقه على الإمام أبي بكر القفال المروزي، ولزمه حتى تخرج به مذهبا وخلافا. ثم تخرّج به جماعة من أئمة الإسلام، له في الفقه تصانيف كبيرة الفوائد، مثل ’التبصرة‘، و’التذكرة‘، وله ’التفسير الكبير‘(2).
ـ إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري (ت. 478هـ)(3)، الإمام الكبير، سمع من أبيه وغيره، وأحكم الأصول على أبي القاسم الاسكاف، له ’الإرشاد في أصول الدين‘، و’الشامل في أصول الدين‘، و’البرهان في أصول الفقه‘، و’مدارك العقول‘، و’مغيث الخلق‘(4).
التصوف :
وظهر التصوف في هذه البلاد في العصور الأولى، كما ظهر في البلاد الإسلامية الأخرى، وتتابع إلى زمن الأستوائي، فمن أعلام التصوف في عصر المؤلف :
__________
(1) سير أعلام النبلاء 17: 521؛ الجواهر المضية 2: 499ـ500؛ البداية والنهاية 12: 50.
(2) تبيين كذب المفتري ص 257ـ258؛ المنتخب ص 301؛ البداية والنهاية 12: 59.
(3) تبيين كذب المفتري ص 278ـ285؛ المنتخب ص 189؛ سير أعلام النبلاء 18: 468ـ477؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 165ـ222.
(4) تبيين كذب المفتري ص 278ـ285؛ المنتخب ص 189؛ سير أعلام النبلاء 18: 468ـ477؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 165ـ222.(1/32)
ـ أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصراباذي (ت. 367هـ)، الإمام المحدِّث، القدوة الواعظ، شيخ خراسان في وقته، نيسابوري الأصل، والمنشأ، والمولد. يرجع إلى أنواع من العلوم: من حفظ السير وجمعها، وعلوم التواريخ، وما كان مختصا به من علم الحقائق. وكان أوحد المشايخ في وقته علما وحالا. صحب أبا بكر الشِّبلي، وأبا علي الرّوذَباري، وأبا محمد المرتعش، وغيرهم من المشايخ. أقام بنيسابور، ثم خرج في آخر عمره إلى مكة، وأقام بِها مجاورا إلى وفاته. وكتب الحديث الكثير، ورواه، وكان ثقة(1).
ـ أبو عبد الله محمد بن خفيف الضبِّي (ت. 371هـ)، الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة، شيخ المشايخ في وقته. صحب رويماً، والجريري، وأبا العباس بن عطا، وطاهرا المقدسي. وكان عالما بعلوم الظاهر، وعلوم الحقائق. أوحد المشايخ في وقته حالا، وعلما، وخلفا. وأسند الحديث(2).
ـ أبو عثمان سعيد بن سلاّم المغربي القيرواني (ت. 373هـ)، الإمام القدوة، شيخ الصوفية، أقام بالحرم مدة، كان أوحد في طريقه وزهده، لم يُرَ مثلُه في علوِّ الحال، وصون الوقت، وصحة الحكم بالفراسة، وقوة الهيبة. ورد نيسابور، وتوفي بِها(3).
ـ أبو علي الحسن بن علي الدقاق النيسابوري (ت. 405هـ)، شيخ أبي القاسم القشيري، ولد في نيسابور، حصل علم الأصول، وخرج إلى مرو وتفقه بِها، وسلك طريق التصوف، وصحب الأستاذ أبا القاسم النصراباذي(4).
__________
(1) طبقات الصوفية ص 484ـ488؛ الرسالة الفشيرية ؛ تاريخ بغداد 6: 169؛ سير أعلام النبلاء 16: 263ـ267.
(2) طبقات الصوفية ص 462ـ466؛ حلية الأولياء 10: 385ـ389؛ الرسالة الفشيرية ؛ تبيين كذب المفتري ص 190ـ192؛ سير أعلام النبلاء 16: 342ـ347؛ طبقات الشافعية الكبرى 3: 149ـ163.
(3) طبقات الصوفية ص 479ـ484؛ الرسالة الفشيرية ص 191ـ192؛ تاريخ بغداد 9: 112ـ113؛ سير أعلام النبلاء 16: 320ـ321.
(4) تبيين كذب المفتري ص 226ـ227؛ المنتخب ص 189؛ تذكرة الحفاظ 3: 1064.(1/33)
ـ أبو سعد إبراهيم بن أبي عثمان النيسابوري الخركوشي الزاهد (ت. 407هـ)، من فقهاء الشافعية بنيسابور، تزهد وجالس الزهاد والمتجردين، سمع بنيسابور من أبي عمرو بن نجيد وأقرانِهم وأبي علي الرفّاء الهروي، صنّف التصانيف المفيدة، وجاور بِمكة عدة سنين، وصحب بِها العباد الصالحين، وعاد إلى نيسابور، وتوفي بِها(1).
ـ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد السلمي الأزدي النيسابوري الصوفي (ت. 412هـ)، الحافظ، العالم الزاهد، شيخ الطريقة في وقته، الموفق في جمع علوم الحقائق، ومعرفة طريق التصوف. له ’حقائق التفسير‘، و’طبقات الصوفية‘، والمؤلفات الأخرى المشهورة في علوم القوم.
كتب الحديث بنيسابور ومرو والعراق والحجاز، وحدّث أكثر من أربعين سنةً إملاءً وقراءةً. حمل عنه القشيري، والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم كثيرون(2).
ـ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن باكويه الشيرازي (ت. 428هـ)، الإمام الصالح، المحدث، شيخ الصوفية في وقته، العالم بطرقهم، الجامع لحكاياتِهم وسيرهم، لقي المشيخ وأخذ منهم، وأقام بنيسابور، وسكن في دويرة السلمي، سمع الحديث وروى. له ’أخبار العارفين‘(3).
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 233ـ236؛ الأعلام 4: 163.
(2) المنتخب ص 18؛ تذكرة الحفاظ 3: 1046ـ1047؛ سير أعلام النبلاء 17: 247ـ255؛ البداية والنهاية 12: 14.
(3) المنتخب ص 31ـ32؛ سير أعلام النبلاء 17: 544؛ الأعلام 6: 227.(1/34)
ـ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري (ت. 465هـ)، الفقيه، المتكلم، الأصولي، المفسر، الأديب، النحوي، الكاتب، الشاعر،الصوفي الكبير، صاحب الرسالة المعروفة باسمه ’الرسالة القشيرية‘، كان في الأصول على مذهب الأشعري، وفي الفروع على مذهب الشافعي، لسان عصره، وسيد فرقته، وأستاذ الجماعة، ومقدَّم الصوفية في عصره، درس على أبي بكر بن فورك الأصولَ، ثم اختلف إلى أبي إسحاق الاسفراييني، وأخذ طريق التصوف من أبي علي الدقاق، وسعى بعض الولاة ضدّه، فاضطر إلى مفارقة الأوطان، ولقي قبولا في بغداد عند أمير المؤمنين القائم بأمر الله، وعاد إلى نيسابور، وتوفي بِها(1).
الفلسفة :
كانت في هذه البلاد حركة فلسفية قوية في هذه الحقبة، يرجع الفضل فيها إلى شخصيتين من أقوى الشخصيات الفلسفية، وهما :
ـ مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه (ت. 421هـ)، أكبر مؤرخ في القرن الرابع، اشتغل بالفلسفة والكيمياء والمنطق مدة، ثم أولع بالتاريخ والأدب والانشاء. ألف كتبا نافعة، منها : ’تجارب الأمم وتعاقب الهمم‘، و’تَهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق‘، و’آداب العرب والفرس‘(2).
ـ أبو علي الحسين بن عبد الله بن بن سينا، الشيخ الرئيس (ت. 438هـ)، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. نشأ وتعلم في بخارى، وطاف البلاد، وناظر العلماء، وتقلد الوزارة. أشهر كتبه ’القانون‘ كبير في الطب، بقي معولا عليه في الطب ستة قرون، وترجم إلى اللغات الأوربية، ودرس في مدارسها(3).
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 271ـ276؛ المنتخب ص 365ـ366؛ البداية والنهاية 12: 114.
(2) معجم الأدباء 5: 5ـ19؛ تاريخ الحكماء للقفطي ص 331ـ332؛ الأعلام 1: 211ـ212.
(3) تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي ص 27ـ72؛ عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن جلجل ص 437ـ459؛ الأعلام 2: 241ـ242.(1/35)
ـ أبو الريحان محمد بن أحمد البِيروني الخوارزمي (ت. 440هـ)، يعتبر عند العلماء من أنبغ من برع في التاريخ والجغرافيا والفلك والفلسفة والجبر والرياضة وتاريخ الأديان. أقام في خوارزم عند المأمونية، ثم قصد السلطان محمود فلزمه، وقدّم إليه كتابه عن الهند، وقدم القانون المسعودي في النجوم إلى مسعود بن محمود، وكتابه في المعارف إلى السلطان مودود بن مسعود(1).
ـ ابن الخمار، أبو الخير الحسن بن سوار، وكان نصرانيا، وقد نقل كتبا كثيرة من السريانية إلى العربية، واشتهر بالطب، كما ألف في المنطق والطب والإلهيات(2).
ـ أبو بكر بن شاهويه (ت. 361هـ)، إليه انتهى علم الحساب، وحلّ الزيج، وعمل الأشكال من كتاب أقليديس، مع حفظه للمذهب، وعلمه بالنكت(3).
علوم اللغة والأدب :
نبغ في هذا العصر، وفي هذا الإقليم من أئمة اللغة وأعلام النحو كثيرون، منهم :
ـ الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي (282ـ370هـ)، الإمام اللغوي، أول من حاول الطيران، فمات في سبيله، رحل إلى العراق، وأخذ عنه أئمة علمائه كابن دريد، وطاف في أرض العرب يجمع اللغة منهم. وقد كان رأسا في اللغة والفقه، ثقة، ثبتا ديِّنا، وله كتاب ’تَهذيب اللغة‘ في عشر مجلدات، وهو من الكتب التي فرّغها ابن منظور في كتابه لسان العرب، وكتاب ’التفسير‘، و ’علل القراءات‘(4).
__________
(1) تاريخ حكماء الإسلام ص72؛ معجم الأدباء 17: 180ـ190؛ الأعلام 5: 314؛ ظهر الإسلام 1: 286ـ290.
(2) الفهرست ص 370؛ عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 428؛ ظهر الإسلام 1: 251.
(3) أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 165.
(4) معجم الأدباء 17: 164ـ167؛ الوافي بالوفيات 2: 45ـ46؛ سير أعلام النبلاء 16: 315ـ317؛ طبقات الشافعية الكبرى 3: 63ـ68.(1/36)
ـ الكِسائي، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يحيى النيسابوري (ت. 385هـ)، الشيخ النحوي البارع، كان من قدماء الأدباء بنيسابور، وتخرج به جماعة في العربية(1).
ـ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني، المعروف بالرازي (ت. 395هـ)، الإمام العلامة، اللغوي المحدث، صاحب ’المجمل‘، و’معجم مقاييس اللغة‘. مولده بقزوين ومرباه بِهمذان، وأكثرَ الإقامة بالري. كان رأسا في الأدب، بصيرا بفقه مالك، مناظرا متكلما على طريقة أهل الحق، وكان كوفي المذهب في النحو، جمع إتقان العلم إلى أهل الكتابة والشعر(2).
ـ الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي الأُتراري الفارابي (ت. 393هـ )، إمام اللغة، ومصنف كتاب ’الصحاح‘، وأحدُ من يُضرَب به المثلُ في ضبط اللغة. رحل إلى البلاد، فدخل بلاد ربيعة ومضر في تطلُّب لسان العرب، ودارَ الشام والعراق، ثم عاد إلى خراسان، فأقام بنيسابور يُدرِّس، ويصنف(3).
كما نبغ في هذه البلاد من الأدباء والشعراء، فمنهم:
ـ أبو بكر الخوارزمي (ت. 383هـ)، شيخ المؤلف في الأدب، سيأتي.
ـ بديع الزمان الهمذاني، أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يَحيى (ت. 398هـ)، العلامة البليغ، صاحب كتاب ’المقامات‘ التي على منوالها نسج الحريري، وله ترسل فائق، ونظم رائق(4).
__________
(1) الأنساب 5: 67؛ إنباه الرواة 3: 64؛ سير أعلام النبلاء 16: 465.
(2) معجم الأدباء 4: 80ـ98؛ إنباه الرواة 1: 127ـ130؛ سير أعلام النبلاء 17: 103ـ105؛ النجوم الزاهرة 4: 212.
(3) معجم الأدباء 6: 151ـ165؛ إنباه الرواة 1: 229ـ232؛ سير أعلام النبلاء 17: 80ـ82؛ النجوم الزاهرة 4: 207ـ208.
(4) معجم الأدباء 2: 161ـ202؛ الوافي بالوفيات 6: 355ـ358؛ سير أعلام النبلاء 17: 67ـ68؛ النجوم الزاهرة 4: 218ـ219.(1/37)
ـ أبو الفتح علي بن محمد بن الحسين البستي (ت. 401هـ)، العلامة، الحكيم، شاعر زمانه، كاتب محمود بن سبكتكين، ومستشاره في أمره، وصاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس، البديع التأنيس(1).
ـ الخطيب الإسكافي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت. 420هـ)، عالم بالأدب واللغة، من أهل أصبهان، كان إسكافا، ثم خطيبا بالري. من كتبه: ’مبادئ اللغة‘، و’نقد الشعر‘، و’درة التنْزيل وغرة التأويل‘ في الآيات المتشابِهة، و’غلط كتاب العين‘(2).
ـ أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي النيسابوري (ت. 429هـ)، كان إماما في اللغة والأدب والأخبار وأيام الناس، له التصانيف الكبار، وأكبر كتابه ’يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر‘، وقدم كتابه ’أخبار ملوك الفرس وسيرهم‘ إلى نصر أخي السلطان محمود الغزنوي(3).
ـ أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت. 471هـ)، شيخ العربية، النحوي، المتكلم، الفقيه على مذهب الشافعي، صاحب ’دلائل الإعجاز‘، و’أسرار البلاغة‘(4).
3 ـ الحالة الدينية
__________
(1) تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي ص 49؛ وفيات الأعيان 3: 376ـ378؛ سير أعلام النبلاء 17: 147ـ148؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 293ـ296؛ البداية والنهاية 12: 368.
(2) معجم الأدباء 18: 214ـ215؛ الوافي 3: 337؛ الأعلام 6: 227.
(3) تاريخ البيهقي ص 735؛ سير أعلام النبلاء 17: 437ـ438؛ البداية والنهاية 12: 47؛ الأعلام للزركلي 4: 163ـ164.
(4) إنباه الرواة 2: 188ـ190؛ سير أعلام النبلاء 18: 432ـ433؛ طبقات الشافعية الكبرى 5: 149ـ150؛ النجوم الزاهرة 5: 108.(1/38)
قال المقدسي في وصف الأقاليم وأهلها ـ ومنها إقليم خراسان وأهله ـ من الناحية الدينية والمذهبية ناقلا قولَ محمدِ بن عبد الله لدعاته: "أما الكوفة وسوادها فشيعة عليّ، وأما البصرة فعثمانية تدين بالكفّ، وأما الجزيرة فحرورية صادقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما أهل الشام فلا يعرفون غير معاوية، وطاعةَ بني أمية، وعداوة راسخة وجهل متراكم، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهم أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بِخراسان، فإن هناك العددَ الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة، وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزعها النِّحَل، ولم يقدح فيها فساد"(1).
واستمرت الحالة السليمة هذه تحت سلطان المذهب السنِّي على الطريقة الماتريدية والطريقة الأشعرية، لأن الغلبة في إقليم خراسان لأصحاب أبي حنيفة، وأصحابِ الشافعي، "فالمالكيةُ كافة، وثلاثةُ أرباع الشافعية، وثلثُ الحنفية، وقسمٌ من الحنابلة على هذه الطريقة ـ الأشعرية ـ من الكلام من عهد الباقلاني، والثلثان من الحنفية على الطريقة الماتريدية في ديار ماوراء النهر، وبلاد الترك، والأفغان، والهند، والصين، وما والاها إلا من انحاز منهم إلى الاعتزال كبعض الشافعية"(2).
__________
(1) أحسن التقاسيم ص 234. انظر أيضا: المقدسي: البدء والتاريخ 6: 59.
(2) مقدمة تبيين كذب المفتري للكوثري ص 16.(1/39)
ويقول الإمام أبي المعين ميمون النسفي: "ثم إن أئمة أصحاب أبي حنيفة رحمه الله السالكين طريقته في الأصول والفروع الناكبين عن الاعتزال في جميع ديار ما وراء النهر وخراسان من مرو وبلخ وغيرهما، كلهم في قديم الزمان كانوا على هذا المذهب. وأئمتنا بسمرقند الجامعون بين علم الأصول والفروع، الذابّون عن حريم الدين المناضلون عنه، الذين طهّر الله بسبب غزارة علومهم وتبحرهم في علم الكلام وصلابتهم في الدين وتشددهم على أهل البدع والضلالة هذه الديارَ عن أوضار أهل الزيغ والبدع عامة، كانوا على هذا الرأي…"،(1) أي على رأي أبي حنيفة القائل بأن التكوين غير المكون، وأنه قديم.
وقال المقدسي عن الأديان والمذاهب الموجودة في إقليم خراسان(2): "... وبه يهود كثيرة، ونصارى قليلة، وأصحاب المجوس…
__________
(1) تبصرة الأدلة 1: 356.
(2) أحسن التقاسيم ص 252ـ253.(1/40)
ومذاهبهم مستقيمة، غير أن الخوارج بسجستان ونواحي هراة كَرُوخ واستربيان كثيرة(1)، وللمعتزلة بنيسابور ظهور بلا غلبة، وللشيعة والكرامية بِها جلبة(2)، والغلبة في الإقليم لأصحاب أبي حنيفة إلا في كورة الشاش، وإيلاق، وطوس، ونسا، وأبِيورد … فإنّهم شفعوية كلهم، والعمل في هذه المواضع على مذهبهم، ولهم جلبة بِهراة وسجستان وسرخس… وللكرامية جلبة بِهراة، وغَرج الشار، ولهم خوانق بفرغانة والخُتَّل وجوزجانان، وبِمروالروز خانقة، وأخرى بسمرقند، وبرساتيق هَيْطَل أقوام يقال لهم بيضُ الثياب، مذاهبهم تقارب الزندقة، وأقوام على مذهب عبد الله السرخسي، لهم زهد وتقرّب، وأكثر أهل ترمذ جهمية، وأهل الرّقة شيعة، وأهل كُنْدُر قدرية، والشار يصلي العيدين على قول عبد الله بن مسعود ومذهب أبي حنيفة، يوالون بين القراءتين، ويكبِّرون أربعا".
ومع ذلك نرى بِهذا الإقليم عصبيات على غير المذهب، وعصبيات بين الشيعة والكرامية، وبين الشافعية والحنفية، وقد يُهرَقُ في هذه العصبيات الدماء، ويدخل بينهم السلطان، وجميع البلدان قَلَّ ما تخلو من عصبيات(3).
__________
(1) انظر: التبصير في الدين ص 30، 32ـ33؛ والتنبيه والرد للملطي ص 53ـ54. قال: "وهم ـ أي الشراة ـ في ناحية هراة، واصطخر، بين دارابجرد وكرمان… وقد ظهر فيهم اليوم مذاهب المعتزلة، فمنهم من ترك مذهبه وقال بالاعتزال".
(2) التبصير في الدين ص 65.
(3) انظر : أحسن التقاسيم ص 262ـ263 .(1/41)
والذي يظهر من هذا النص الخطير أن للكرامية في خراسان ما زال لهم أتباع وأصحاب في زمن المؤلف الأستوائي، ونحن نعرف أن خراسان كانت مركزا رئيسيا لمذهب الكرامية، إذ أن مؤسس المذهب أبا عبد الله محمد بن كرام السجستاني ورد نيسابور ومعه قوم، في ولاية محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر (248ـ259هـ)، وتبعه على مذهبه "من أهل سواد نيسابور شرذمة مِن أكَرَة القرى والدُّهم"(1). واستمر المذهب من ذلك العهد في خراسان إلى زمن المقدسي (ت. 380هـ)، حيث يقول "الغالب على عوامّها غير الفريقين ـ أي الحنفية والشافعية ـ، والشيعة والكرامية أصحاب شقين"(2)، بل إلى أوائل القرن السابع الهجري على الأقل(3)، وكان لهم مشايخ يتولون رسالة المذهب. فالكرامية "استطاعت أن تكوِّن من النفوذ ما خشيه الناس والسادة من أهل خراسان وغير خراسان من بلاد الفرس المجاورة لها. وقد وصلت الكرامية إلى أوج عظمتها، وبصيغة أخرى وصلت الكرامية إلى عصرها الذهبي ابتداء من القرن الرابع الهجري، على يد إسحاق بن محمش (ت. 383هـ)، وابنه أبي بكر محمد (ت. 421هـ)(4)، ثم من بعد ذلك على يد محمد بن الهيصم (ت. بعد 488هـ)، وقد ساعد على نصرة مذهبهم وارتفاع شأنهم تشجيع السلطان محمود بن سبكتكين وابنه محمد لهم. وقد كان لمجد الدين عبد المجيد المعروف بابن القدوة ـ وهو كرامي هيصمي ـ نفوذ كبير في القرن السادس
__________
(1) الفرق بين الفرق ص 131. وفي التبصير ص 65: "فاغتر بِما كان يُرِيه من زهده جماعةٌ من أهل السواد، فدعاهم إلى بدعه، وأفشى فيهم ضلالاته، واتبع بِها قوم من أتباعه".
(2) أحسن التقاسيم ص 316، 323 ط. ليدن .
(3) انظر: التجسيم عند المسلمين ص 74ـ75.
(4) وفي ترجمته في المنتخب ص 22: "زعيم أصحاب أبي عبد الله ورئيسهم، صاحب القول في وقته عند السلطان، بسيط الجاه، كان مقرِّبا عند الأمير يمين الدولة محمود، دعا إلى السنة... وظهرت به دولة الكرامية... وكان في الارتفاع إلى أن توفي".(1/42)
الهجري"(1).
وقد ذكر تاج الدين السبكي أن الأستاذ أبا بكر بن فورك (ت. 406هـ) "كان شديد الرد على أبي عبد الله بن كرام، وأذكر أن سبب ما حصل له من المِحنة من شغب أصحاب ابن كرام، وشيعتهم المجسِّمة الكرامية"، ثم شرح حال المحنة، فمن قوله فيها "كان الأستاذ أبو بكر بن فورك ـ كما عرّفْناك ـ شديدا في الله، قائما في نصرة الدين، ومن ذلك أنه فوَّق نَحو المُشبِّهة الكرامية سهاما، لا قبل لهم بِها، فتَحزَّبوا عليه، ونَمُّوا غير مرة، وهو ينتصر عليهم، وآخِر الأمر أنّهم أنْهَوْا إلى السلطان محمود بن سبكتكين: أن هذا الذي يؤلِّب علينا عندك أعظم منا بدعة وكفرا، وذلك أنه يعتقد أن نبينا محمد ا - صلى الله عليه وسلم - ليس نبيًا اليوم، وأن رسالته انقطعت بِموته، فاسألْه عن ذلك.
فعظم على السلطان محمود هذا الأمر، وقال: "إن صحَّ هذا عنه لأقتلنّه، وأمر بطلبه". ثم "إنه لما حضر بين يديْه، وسأله عن ذلك كذَّب الناقل، وقال ما هو معتقَد الأشاعرة على الإطلاق، أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ في قبره، رسول الله أبد الآباد على الحقيقة لا المجاز، وأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين، ولم تبرح نبوتُه باقية، ولا تزال. عند ذلك وَضَح للسلطان الأمر، وأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إلى وطنه. فلما أيِسَتْ الكرامية، وعلمت أن ما وشَتْ به لم يتم، وأن حِيَلَها ومكايدها قد وَهَتْ عدلت إلى السعي في موته، والراحة من تعبه، فسلّطوا عليه من سَمَّه، فمضى شهيدا"(2).
__________
(1) التجسيم عند المسلمين ص 75.
(2) طبقات الشافعية الكبرى 4: 130ـ131. انظر أيضا : تبيين كذب المفتري ص 233؛ سير أعلام النبلاء 17: 215؛ تاريخ الإسلام (وفيات 401ـ420) ص 148.(1/43)
وذكر البغدادي (ت. 429هـ) أنه كان في عصره شيخٌ للكرامية يُعرَف بإبراهيم بن مهاجر، اخترع آراءً لم يسبق إليها، فزعم أن أسماء الله كلها أعراض فيه، وأنه ناظره في مجلس ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور صاحب جيش السامانية في سنة 370هـ فيما اخترعه، وألزمه أن يكون معبوده عرضا، لأن المعبود عنده اسم، وأسماء الله تعالى عنده أعراض حالّة في جسم قديم(1).
وذكر الذهبي أن السلطان محمود الغزنوي كان يَميل إلى الأثر، وأنه كان من الكرامية(2)، "وكان إلباً على القرامطة، والإسماعيلية، وعلى المتكلمين، على بدعة فيه فيما قيل، ويغضب للكرامية"(3)، كما زعم أن أبا الفتح البستي الشاعر الذي اتصل بخدمة السلطان محمود وقرُب منه كان كَرَّاميّا(4).
مع أن السلطان محمود كان يعتقد مذهب أهل السنة، وينصره كما قال الإمام الكوثري: "وليس قول أبي الفتح البستي ’والدينُ دينُ محمد بن كِرَام‘، يراد به نِحلةُ ابن كرّام الزائغ، بل دينُ سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المتنقّل في الأصلاب الطاهرة الكِرام، ولم يكن السلطان محمود الغزنوي إلا مسلما حنيفا حنفيا بريئا من مذهب هؤلاء الهمج الأشرار، وإن كان من يدين بِمذهبهم يوجد في المملكة الغزنوية"(5).
ويؤيد كلمةَ الكوثري ما ذكره ابن تيمية(6) عن السلطان محمود، قال: "وكان من خيار الملوك، وأعدلهم، وكان من أشد الناس قياما على أهل البدع، لا سيما الرافضة، فإنه كان قد أمر بلعنهم ولعنة أمثالهم في بلاده، وكان الحاكم العبيدي بمصر كتب إليه يدعوه، فأحرق كتابه على رأس رسوله، ونصر أهل السنة نصرا معروفا عنه".
__________
(1) الفرق بين الفرق ص 137.
(2) سير أعلام النبلاء 17: 486. كما زعم أن أباه سُبُكْتِكِين كرامي كذلك (سير أعلام النبلاء 16: 500).
(3) سير أعلام النبلاء 17: 492ـ493.
(4) سير أعلام النبلاء 17: 484.
(5) الفرق بين الفرق ص 136، هامش رقم 1.
(6) منهاج السنة النبوية 3: 429ـ430.(1/44)
وقد سعى أهل المذاهب الدينية والفقهية في كسب السلطان محمود، علما منهم بأنه إذا اعتنق مذهبا ساد في الأقاليم الواسعة التي يحكمها، فالفاطمية في مصر وجّهوا إليه التاهَرْتي الداعي ليدعوه سِرّاً إلى مذهب الباطنية، فوقف السلطان على سرِّ ما دعا إليه، وعلم بطلان ما ندب إليه، وأمر بقتل التاهرتي، وأهدى بغله الذي يركبه، والذي يتلوَّن كلَّ ساعة من كل لون، إلى شيخ هراة القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي المروزي (ت. 415هـ)، وقال: كان يركبه رأس الملحدين فليركبْه رأس الموحدين(1).
__________
(1) طبقات الشافعية الكبرى 5: 320؛ ظهر الإسلام 1: 282.(1/45)
وكتب السلطان محمودُ من معسكره بظاهر الريّ غرة جمادى الآخر سنة 420هـ إلى الخليفة العباسي ببغداد أنه "قد أزال الله أيدي الظلمة، وطهّرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة… وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها، وإعلانِهم بالدعاء إلى كفرهم فيها، يختلطون بالمعتزلة المبتدعة، والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة، يتجاهرون بشتم الصحابة، ويُسِرُّون اعتقاد الكفر ومذهب الإباحة… وأن ناحية من سواد الري قد خصت بقوم من المزدكية، يدّعون الإسلام بإعلان الشهادة، ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة والصوم والغسل وأكل الميتة، فقضى الانتصار لدين الله تعالى بتمييز هؤلاء الباطنية عنهم، فصلبوا على شارع مدينة، طالما تملكوها غصبا، واقتسموا أموالها نَهبا… وحوَّل رستمَ بن علي ـ رئيسَ الديالمة ـ وابنه وجماعةً من الديالمة إلى خراسان، وضَمَّ إليهم أعيانَ المعتزلة والغلاة من الروافض لِيتخلص الناس من فتنتهم… وحَوَّل من الكتب خمسون حِملا، ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض، فإنّها أُحرِقت تحت جذوع المصلَّبين، إذ كانت أصولَ البدع، فخلت هذه البقعةُ من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة والروافض، وانتصرت السنّة"(1).
الفصل الثاني
حياة الْمُؤلف القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد الأستوائي
1 ـ اسمه ونسبه
2 ـ كنيته
3 ـ لقبه
4ـ نسبته
5 ـ مولده ونشأته
6 ـ البيت الصاعدي بعده
7 ـ شيوخه
8 ـ تلاميذه
9ـ الذين لهم صلة بالبيت الصاعدي
10 ـ مؤلَّفاته
11 ـ ثناء العلماء عليه
12 ـ وفاته
1ـ اسمه ونسبه:
__________
(1) المنتظم 15: 194ـ196. انظر أيضا : الكامل 8: 171؛ معجم الأدباء 5: 259؛ تاريخ الإسلام (وفيات 401ـ420) ص 266ـ267؛ الحضارة الإسلامية 1: 326.(1/46)
هو صاعد بن محمد بن أحمد بن عبيد الله(1) (بن محمد بن عبد الرحمن)(2)، الأُسْتَُوائي، النيسابوري، أبو العَلاء، عِماد الإسلام.
2ـ كنيته:
أبو العَلاء .
3ـ لقبه:
عِمادُ الإسلام (3).
4ـ نسبته:
إلى أُسْتُوا ، فيقال له: الأُسْتُوَائيّ، وهو نسبته المشهور بِها، كما ورد أنه نيسابوري، إذ قيل :
هو صاعد بن محمد بن أحمد بن عبيد الله الأُسْتُوائي، النيسابوري، أبو العَلاء، عماد الإسلام(4).
__________
(1) انظر ترجمته عامة : تاريخ بغداد 9: 344ـ345؛ تاريخ جرجان للسهمي ص 509؛ طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي ص 145 ؛ الأنساب 1: 134ـ135؛ المنتظم 15: 278؛ اللباب 1: 52؛ الكامل في التاريخ 8: 248؛ المنتخب ص 277ـ278؛ تذكرة الحفاظ 3: 1102؛ سير أعلام النبلاء 17: 507ـ508؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 342ـ343؛ العبر 3: 264؛ الوافي بالوفيات 16: 232ـ233؛ الجواهر المضية 2: 265ـ266؛ تاج التراجم 29؛ النجوم الزاهرة 5: 32؛ طبقات الفقهاء المنسوب خطأ لطاشكبري زاده، وهو لابن الحنائي ص 81؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163ب ـ 163أ؛ الطبقات السنية 4: 82ـ83؛ شذرات الذهب 5: 154؛ كشف الظنون ص 1393؛ الفوائد البهية 83؛ الأعلام 3: 187؛ معجم المؤلفين 4: 318؛ تاريخ التراث العربي م 1 ج 4: 54ـ55.
واسم جدِّ أبيه في الأنساب، واللباب، والسير، وتاريخ الإسلام، والعبر، وكتائب أعلام الأخيار، والفوائد: عبد الله، مكان ’عبيد الله‘.
(2) الجواهر المضية 1: 382.
(3) الجواهر المضية 4: 415؛ والمصادر السابقة كلها.
(4) المصادر السابقة.(1/47)
أما أُسْتُوا، فهي ـ بضمّ الألف وسكون السين المهملة وفتح التّاء المثناة الفوقية أو بضمّها وبعدها الواو والألف ثم الياء آخِر الحروف(1) ـ "كورة من نواحي نيسابور، معناه بلسانِهم: المَضحاة والمَشرقة، تشتمل على ثلاث وتسعين قرية، وقصبتُها خبُوشان، قاله أبو القاسم البيهقي(2).
وقال السمعاني: "أستَُوا: وهي ناحية بنيسابور، كثيرةُ القُرى والخير، تقرن بِخوجَّان(3). فيقال: أستوا وخوجَّان، وهي من عيونِ نواحي نيسابور، وأكثرِها قرى ورجالا. وحدودُها متصلة بحدود نَسا".
وقال المقدسي: "أستوا رستاق كبير على جادّة نسا، وليس في هذه الرساتيق أخصب ولا أكثر حبوبا منه، وهو يقوم بأكثر ميرة نيسابور، وبه مباخس ويُزرَع به ثوم كثير، ويرتفع منه ثياب كثيرة، واسم مدينته خوجان، ليست بالكبيرة، خلف جبل نائية عن الجادة"(4).
خرج منها جماعة كثيرة، منهم :
__________
(1) الأنساب 1: 134؛ اللباب 1: 51؛ معجم البلدان 1: 175؛ الجواهر المضية 2: 265ـ266؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ الفوائد البهية ص 83.
(2) معجم البلدان 1: 175.
(3) قال السهمي في تاريخ جرجان ص 509 : "فهي ـ أي الخوجان ـ قصبة أستوا، وأستوا أحد رساتيق نيسابور… فأما أكثر الناس فيكتبونَها بالشين : خوشّان، والأصل ما ذكرت".
(4) أحسن التقاسيم ص 249ـ250.(1/48)
1ـ أبو جعفر محمد بن بِسطام بن الحسن الأستوائي، كان أديبا فاضلا (1). سمع عمرانَ بن موسى السختيانيَّ، والحسن بن سفيان الشيبانيَّ، وأقرانَهما. سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ"(2).
2ـ وأبو أحمد محمد بن روح الأستوائي. قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: "شيخ لنا قديم من الزهاد، من رستاق أستوا".
3ـ وأبو موسى هارون بن هشام الأستوائي.
4ـ وأبو الفضل داود بن عبد الله بن الفضل الأستوائي.
5ـ وعمرويه بن عصام الأستوائي، المتوفي سنة 261هـ(3).
6ـ وعمر بن عقبة الأستوائي النيسابوري، من أصحاب عبد الله بن المبارك(4).
7ـ وأبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الأستوائي الدلوي (ت. 434هـ)(5).
وأما نسبته إلى نيسابور، لإقامته بِها إلى أن توفي بِها. وهي مدينة عريقة في العلم، يقول عنها السمعاني وابن الأثير "هي أحسنُ مدينة وأجمعُها للخيرات بخراسان. والمنتسب إليها جماعة لا يحصَون. وقد جمع الحاكم أبو عبد الله محمدُ بن عبد الله الحافظ البيّع تاريخَ علمائها في ثمان مجلَّدات ضخمة... وكان فتحُها زمنَ عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، على يدِ ابن خالته عبد الله بن عامر بن كُرَيْز في سنة تسعٍ وعشرين من الهجرة"(6).
5ـ مولده ونشأته:
__________
(1) وقعت هنا في معجم البلدان 1: 175 زيادة وخلط فاحش نتيجة الاختصار، حيث قال الحموي: "ولي قضاء نيسابور، ودام له القضاء بِها في أولاده، وتوفي بِها سنة 432هـ". مع أن هذه المعلومات لصاعد بن محمد بن أحمد الذي ذكره السمعاني بعد المتَرجَم مباشرة، ولم يذكره الحموي طلبا للاختصار. واكتفى تلميذه الحاكمُ في تاريخ نيسابور بذكر أنه "كان من الأدباء"، كما ورد في الأنساب واللباب.
(2) الأنساب 1: 134.
(3) الأنساب 1: 135.
(4) معجم البلدان 1: 176.
(5) تبيين كذب المفتري ص 247ـ 248.
(6) الأنساب 5: 550؛ اللباب 3: 341.(1/49)
أجمع الذين ترجموا لصاعد بن محمد بن أحمد الأستوائي، على أنه وُلِد في ربيع الأول سنة ثلاثٍ وأربعين وثلاث مئة(1). وزاد عبد الغافر الفارسي أنه كان يومَ الأحد بكرة لخمسٍ بقين منه(2).
وكان مولده بولاية خراسان. وقد أغفلت المصادر ذكرَ مسقط رأسه. ويبدو أنه ولد بأُسْتَوا، قريةٍ من رستاق نَيْسابور.
وليس لدينا معلومات شافية عن طفولته، أو نشأته الأولى. إذْ لم يذكر المؤرخون وكُتّاب التراجم أخبارا مفصَّلة عنه، شأنُه في ذلك شأنُ كثير من علمائنا السلف.
وكل ما نعرفه عنه وأسرتِه أن أباه كان من العلماء، حيث ذكره القرشيُّ في الجواهر المضية(3)، فقال: "محمد بن أحمد بن عبيد الله، والدُ صاعدٍ، أبي العَلاء، عمادِ الإسلام"، دون ذكر أية معلومات سوى هذه عن حياة أبيه.
وأما أمه فهي منتمية إلى أسرة علمية معروفة، فأبوها كان قاضيا، إذ يذكر القرشيُّ والكفوي واللكنوي أن صاعدَ بن محمد "درس الفقهَ على شيخ الإسلام أبي نصر بن سهل القاضي، جدِّه من جهة الأمِّ"(4).
وقضى صاعد بن محمد طفولَته في ظلّ هذه الأسرة العلمية المتدينة، وبأُسْتُوا بالظّنّ، ثم انتقلت الأسرة إلى نيسابور، ولا نعلم متى كان ذلك بالتحديد.
__________
(1) سير أعلام النبلاء 17: 508؛ الجواهر المضية 2: 266؛ الطبقات السنية 4: 82؛ كتائب أعلام الأخيار 163أ.
(2) الُمنتَخَب ص 277.
(3) 3: 43؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات برقم 1816.
(4) الجواهر 2: 266؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد 83.(1/50)
والشأنُ في الأطفال وبخاصة أطفالِ البيوتات المعروفة بالعلم والقضاء والرئاسة والفضل والنبل، في هذه العصور، أن يشبوا منذ نعومة أظفارهم على حفظ القرآن الكريم، وشيءٍ من الحديث النبوي الشريف، ثم الاشتغال بالعلوم الدينية. ومن ثَمّ نستطيع أن نقول إنه حفظ القرآن الكريم أولا، "وتأدَّب على أبيه أبي سعيد"(1) ثانيا، ثم "اختلف إلى أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي في الأدب. ودرس في الفقه على شيخ الإسلام أبي نصر بن سهل القاضي، جدِّه من جهة الأم. ثم جاء إلى القاضي أبي الهيثم، ولازمه"(2)، "حتى تقدّم في الفقه"(3).
وعن طريق الأخير تصل سلسلته في العلم وبخاصة الفقه إلى الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه -، كما يقول الكفوي: "وأخذ عنه ـ أبي الهيثم ـ، عن قاضي الحرمين أبي الحسين النيسابوري (ت. 351هـ)، عن أبي الحسن الكرخي (ت.340هـ)، عن أبي سعيد البردعي (ت. 317هـ)، عن موسى بن نصر الرازي(4)، عن محمد (ت. 189هـ)، عن أبي حنيفة (ت. 150هـ)"(5) رحمهم الله تعالى. ويبدو أن لهؤلاء الثلاثة الأجلاء أثرا كبيرا في تكوين شخصيته الأدبية والعلمية والفقهية، إلى جانب أثر شيوخه الكثيرين الذين أخذ عنهم العلم.
ثم إن صاعد بن محمد أخذ يوسّع دائرة علمه عن طريق الرحلات العلمية التي قام بِها، والتقى بكبار من علماء عصره في نيسابور، والكوفة، وبغداد، والحجاز، والعواصم الإسلامية الأخرى.
__________
(1) المنتخب ص 277.
(2) الجواهر 2: 266؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد 83.
(3) المنتخب ص 277.
(4) في الأصل: نصر بن موسى الرازي، وهو تصحيف. والتصويب من أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 157؛ والجواهر 3: 521ـ522؛ وتاج التراجم ص 74. وهو من أصحاب محمد بن الحسن، تفقه عليه أبو سعيد البردعي، وأبو علي الدقّاق. ولم تذكر المصادر تاريخ وفاته.
(5) كتائب أعلام الأخيار ق 163 أ.(1/51)
قال الخطيب البغداديُ تلميذُه: "وورد العراقَ في حداثته حاجّا، فسمع بالكوفة من علي بن عبد الرحمن البكّائي، وولي بعد ذلك قضاء نيسابور"(1). فتاريخ هذه الرحلة حدّده لنا الصَّريفيني بأنّه في عام 375هـ، فقال:
"وحجّ سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. ولما ورد بغداد عُوتِب من دار الخلافة في أنه منع من اتخاذ صندوق في قبر هارون الرشيد في مشهد طوس، وصُوِّر للخليفة أن السبب في منع ذلك فتواه، وقبح صورة حاله. فاعتذر عن ذلك بأن قال: كنتُ مفتيا، فأفتيتُ بِما وافق الشرع والمصلحة، رعاية أنه لو نُصِب الصندوقُ فإنه يُقلَع منه لاستيلاء المتشيعة، ويصير ذلك سببَ وقوع الفتنة والتعصب والاضطراب، ويؤدي ذلك إلى فساد المملكة. فارتضاه الخليفة، ولم ينجع ما سبق من التخليط"(2).
فولي القضاء بعد عودته من حجه الأول مدّة، كما صرّح بذلك تلميذه الخطيب. وعلى ذلك يكون قد تولى القضاء في سنة 376هـ، وهو في الثالث والعشرين من عمره، إذْ كانت ولادته في سنة 343هـ، وقبل ذلك كان مفتيا، وبقي في القضاء ستة عشر عاما، إلى سنة 392هـ، سنةِ العزل عن القضاء.
"ثم عُزِل، وولي مكانَه أبو الهيثم عتبةُ بن خيثمة، وكان أحدَ شيوخه"(3). وقد كان أبو الهيثم "تولّى القضاء سنة 392 إلى سنة 405هـ "(4)، "فأجراه أحسن مجراه"(5).
ويقول الخطيب: "فحدّثني علي بن المُحَسِّن التَّنوخي، قال: لمّا عُزِل صاعدُ بن محمد عن قضاء نيسابور، بأستاذه أبي الهيثم عتبةَ بنِ خيثمة، كتب إليه أبو بكر محمدُ بن العباس الخوارزمي ـ وهو من مشايخه ـ هذين البيتين، وأنشدناهما لنفسه:
وإذا لم يَكُنْ مِن الصَّرفِ بُدٌّ ... ... فلْيكُن بالكِبارِ لا بالصِّغارِ
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 344.
(2) المنتخب ص 277.
(3) تاريخ بغداد 9: 344. انظر أيضا: الأنساب 1: 135؛ الجواهر المضية 2: 266؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد ص 83.
(4) المنتخب ص 437؛ الجواهر المضية 2: 511.
(5) تارخ الإسلام (وفيات 401ـ420) ص 145.(1/52)
وإذا كانت المَحاسنُ بَعدَ الـ ... ـصَّرْفِ مَحْروسةً فليس بِعارِ"(1).
انفصل عن القضاء ولكنه لم ينقطع عن التدريس وإفادة الناس والطلبة، فظلّ يشتغل بالتدريس والتعليم والتربية في مدرسته إلى أن أدركتْه المنيّةُ. وكان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتِهم في سبيل العلم، وعَمِلوا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "تعلَّموا العلمَ، وعلِّموه الناسَ"(2). والدليل على ذلك ما ذكره العتبي من أنه "قضى أكثر عمره على الحظ النفيس من ثمر الدرس والتدريس، تتطفل عليه الأعمال فيأباها، وتصب إليه الأعراض فيرى الخيار فيما عداها، ومن حاز شرف العلم لم يشتر به ثمنا قليلا، ولم يعدل به حظا وإن كان جليلا"(3)، إلى أن قال: "واستحلس القاضي قرارة بيته، فلم يكن يبرز إلا لفرض يقضيه أو علم يُمْليه، مجتزئا بالله تعالى جدّه عن غيره، ومقتنعا بما أدرّه عليه من خيره. ورأى أن بقية العمر أعزّ من أن تضاع على القيل والقال وخدمة فضول الآمال ومزاولة ما يَصِم قدر العلم بالابتذال"(4). وكذلك ما ذكره الصّريفيني والقرشي في ترجمة "أبي القاسم عبدِ الله بن محمد بن عمرو الزيادي القاضي، أحدِ وجوه العلماء والفقهاء الحنفية في نيسابور، استخلفه القاضي أبو العَلاء صاعدٌ للتدريس في مدرسته، وإفادةِ المُختَلِفةِ من الطلبة، سنة اثنتين وأربع مئة، عند خروجه للحَجَّة الثانية"(5). ويؤكِّد تلميذُه الخطيب هذه الرحلة بقوله: "وقَدِم بغدادَ، وحدّث بِها، فحدّثني القاضي أبو عبد الله الصيمريُّ، حدّثنا القاضي أبو العَلاء صاعدُ بن محمد الفقيه، ببغداد ـ وأسند لي عنه
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 344. انظر أيضا: الجواهر المضية 2: 266؛ الطبقات السنية 4: 82.
(2) جزء من الحديث الذي أخرجه الدارمي 1: 73، في المُقدِّمة، باب الاقتداء بالعلماء.
(3) تاريخ اليميني 2: 313.
(4) تاريخ اليميني 2: 318-319.
(5) المنتخب ص 304؛ الجواهر المضية 2: 341؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات السنية 4: 230.(1/53)
حديثا ـ، فسألتُ الصيمريَّ عن قدوم صاعدٍ بغداد، فقال: آخِرُ سنةٍ قَدِمَها سنة ثلاث وأربع مئة"(1). يفهم من هذا أن زيارته بغداد كانت في طريقه إلى بلده أثناء عودته من الحج.
وكان يُحسِن إلى من أحسن إليه، ولا ينسى فضلهم عليه، وكان لا يخاف في بيان كلمة الحق أمام السلاطين والحكام، وكلمته كانت مسموعة لديهم، وشفاعته مستجابةً عندهم. إذ يذكر أبو الفضل البيهقي في تاريخه أنه في اليوم التالي من قدوم السلطان مسعود بن محمود نيسابور "دخل القضاة والفقهاء والعلماء، وتكلموا في التهاني والتعازي، وأثنوا على الأمير - رضي الله عنه -، ولكنه لم يَحْتفِ بأحد احتفاءه بالقاضي صاعد، وأبي محمد، وأبي بكر إسحاق مَحْمَشاد الكرامي"(2). ووعدهم بإلغاء ما استحدث حسنك من النظم والمراسيم، وإعادة النظر في المسجونين، وإطلاق سراحهم، ليهنؤوا بقدومه. وسُرّ الحضورُ بِهذه البيانات الملكية. وقال القاضي صاعد : "إن لي حاجة واحدة أعرضها إن أذن لي، فاليومُ يومُ سعد، والمجلس مجلس مبارك. فقال الأمير: إن كل ما يقوله القاضي هو عين الرشد والصواب. فقال القاضي: يعلم السلطان أن الأسرة المِيكائيلية أسرة قديمة، وهم من خواص هذه المدينة، وآثارهم ظاهرة، وإنِّي لأعترف بحقهم عليَّ، فقد نشأتُ في ظلِّ نعمتهم وبلغتُ هذه المرتبة من العلم بعد فضل الله برعايتهم، ولهم حقوق في عنقي، وقد أصاب مَن بقي منهم مِن جور حسنك وغيره حيفٌ كبير وضر بالغ، فصودرت أملاكهم، ودُرِست أوقافُ آبائهم وأجدادهم، فتغيرت معالمها وطرقاتُها، فإنْ رأى الأمير أن يأمر بإرجاعها إليهم اليوم، كما تقضي همته وديانته، فتلك منّةٌ عظيمة ينتفع بِها أفراد تلك الأسرة وجماعة آخَرون اضطربت أحوالهم وتشتت شملهم، فتحيا تلك الأوقافُ، ويصل ريعُها أيضا إلى عابر السبيل. فقال الأمير - رضي الله عنه - : إن هذا الرأي سديد.
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 344. انظر أيضا: تاريخ العتبي 2: 313.
(2) تاريخ البيهقي ص 37.(1/54)
وأشار توّاً إلى القاضي مختار بن أبي سعد كي يستخلص أوقاف الميكائيليين من يد المغتصبين، ويسلمها لِمن يثق به حتى يقوم بتدبيرها … ثم حضر آل ميكائيل وجماعتهم ومن يتبعهم إلى الديوان، وعرضوا أحوالهم … فأعيدت إلى آل ميكائيل أملاكهم، وأصبحت لهم المنْزلة المرموقة"(1).
كما ذكر أبو الفضل البيهقي أن القاضي صاعد لم يخرج مع الأعيان هو والسيّد زيد نقيبُ العلويين، لاستقبال طُغْرُل بك أميرِ السلاجقة يوم دخوله نيسابور سنة 431هـ، "وفي الغداة أقبل لتحيته القاضي صاعدٌ، بعد أن ألَحّوا عليه في المساء، وكان معه أولادُه وأحفادُه ومريدوه وكوكبة كبيرة … وكان طغرل قد اعتلى سرير السلطان أمام الصُّفّة، وقد أخذ بيد القاضي صاعد، وكانوا قد وضعوا وسادةً تحت السرير فأجلسه عليها. وقال القاضي: "أطال الله حياة مولاي، هذا سرير السلطان مسعود جلستَ عليه، وفي الغيب أمور كهذه لا يدري أحدٌ كيف تصير الأمورُ، فالتفِتْ واخشَ الله عز ذكره، واعدِلْ بين الناس، واستمِع للمظلومين والمساكين، ولا تترُكْ هذا الجيشَ يظلم الناسَ، فإن الظلم شؤم، ولقد أدّيتُ حقَّك بِهذه الزيارة، ولن آتِيَ بعدها، فإني مشتَغل بالقراءة، ولا أعدِل عن العلم شيئا، وحين تُفَكِّر مليّا ستجد أن في هذه النصيحة التي بذلتُها لك الكفايةَ". فقال طغرل بك "إني لا أريد أن أشُقّ على القاضي ليجيء بعد هذه المرة، وليبعَثْ إليّ برسالة عما يلزم، ولقد قبلت أن أعمل حسب ماقلتَ، إننا قوم جدُد وغرباء لادراية لنا بشريعة العرب، فلايبخلنّ القاضي بنصائحه عليّ، فقال القاضي: سأفعل، ثم انصرف ومعه الأعيان الذين صحبوه"(2).
__________
(1) تاريخ البيهقي ص 38ـ39.
(2) تاريخ البيهقي ص 603ـ604.(1/55)
وقد جرت مناظرات بين الكرامية والأشعرية، وبينها وبين الحنفية في مجالس السلطان محمود الذي نصر الكرامية برهة من الزمن، لما يرى في منسوبيهم مثل إسحاق بن محمش، وابنه أبي بكر محمد "التزهدَ والتعفف والترهب والتقشف ما قلَّ وجود مثله في كثير من فقهاء الدين وأعيان المتعبدين، فحلي ذلك بقلبه كما حلي بعينه، والمجاهد في الله محبوب، وقد يكرم أهلَ الشفاعات من له ذنوب. واستمر السلطان بعده على وتيرته في ملاحظاتِهم بعين الاحترام، وإيثار طوائف الكرامية بالإكرام"(1). إلا أن هؤلاء الكرامية قد اتخذوا مظهر الزهد والتقشف منذ نشوء مذهبهم إلى أن اشتدت شوكتهم وعلت كلمتهم ستارا لإغراء الناس بظاهرهم الحسن، واعتناقهم بمذهبهم، "… فنجعوا له بالطاعة، وفرشوا له خدود الضراعة، وانعقدت له الرياسة في لبسة الصوف، ولحظته الخاصة والعامة بعين المرجو والمخوف، ووجدت خاصته سوقا للأطماع بعلة الابتداع، فاستزبنوا الناس، واستفتحوا الأكياس…"(2). فظل السلطان محمود يؤيدهم هو وابنه إلى أن حدث يوما كان فيه السلطان يعقد مجلسا، فذكر في مجلسه القاضي صاعدُ بن محمد الكراميةَ، "وإطلاقَهم القول بالتجسيم، وتعريضَ الله لما لايليق بذاته الكريم، فأنف السلطان لهذه الشنعاء من مقالهم، والعوراء من فحوى جدالهم، ودعا السلطان أبا بكر ـ ابن محمشاد ـ سائلا عنه، وباحثا صورة الحال منه. فأنكر أبو بكر اعتقاد ما نسب إليه، وأظهر البراءة مما أحيل به عليه، فسَلِم مع الإنكار عن مسِّ العتب والانكار. فأما الباقون ـ من الكرامية ـ فإن الكتب من السلطان نفذت إلى العمال في تقديم الاستقصاء عليهم، فمن أظهر البراءة عن قوله الشنيع واعتقاده الموجب للتبديع ترك وشأنه من عقد المجالس للتدريس، وتشرف المنابر للتذكير، ومن أصرَّ على دعواه، ولم يختر لنفسه سواه جعل مغناه
__________
(1) تاريخ العتبي 2: 310؛ التجسيم عند المسلمين ص 79.
(2) تاريخ العتبي 2: 311-312؛ التجسيم عند المسلمين ص 82.(1/56)
عليه حصيرا، ورد لسانه دون الفضول قصيرا…، ولم تزل غصة القول بالتجسيم ناشبة في صدر أبي بكر يصارع الأيام على نَهزة المكافأة بِها إلى أن استتب له الأمر…"(1).
وقد حاول أبو بكر الانتقام من القاضي صاعد بن محمد الذي وشى به السلطان، بادعائه عليه القول بالتجسيم، وكان انتقامه من جنس عمل القاضي صاعد، فادّعى عليه انتحال مذهب الاعتزال، فجمعهما السلطان، وواجه كلا منهما بالآخَر، وأظهر ادعاء كلِّ واحد على أخيه. وهنا خشي أبو بكر من هذه المواجهة، وحاول للتَّنحِّي عما صرّح به من قبلُ، فزعم أن السبب في ادعائه هذا هو منافسة أبي العَلاء صاعد له في العلم، فادّعى عليه مذهب الاعتزال، كما ادعى عليه مذهب القول بالتجسيم. "فأراد تلافي باغي الخطب، فزعم أن الاشتراك في رتبة العلم أحدث بينهما منافسة تنازعا معها مذهبي التجسيم والاعتزال، فلا صحّ ما نسبني إليه، ولا تقرر ما ادعيتُه عليه"(2).
فلما اتضح للسطان محمود افتراءُ أبي بكر محمد على القاضي صاعد، وتستره بالزهد والورع الكاذبين للوصول إلى أطماعه الدنيوية "نقله إلى بعض القلاع عبرة لمن أكل بالله، وأظهر الزهد في الدنيا، ثم لم يتوكل على الله". وكان باستطاعة السلطان عقابه وجماعته عقابا صارما إلا أنه خشي من قيام فتنة ضده منعته من ذلك، لأن أبا بكر كان له من الأتباع المخلصين ما لا حصر له في مملكته(3).
6ـ البيت الصاعدي بعده:
__________
(1) تاريخ العتبي 2: 314؛ التجسيم عند المسلمين ص 83ـ84.
(2) تاريخ العتبي 2: 317؛ التجسيم عند المسلمين ص 84ـ85.
(3) انظر: التجسيم عند المسلمين ص 85ـ86.(1/57)
واصَل أبناؤه وأحفادُه الذين جاءوا بعده حملَ الميراث العلمي والقضائي والديني، وصاروا يُنْسَبون إلى أبيهم وجدّهم صاعدٍ هذا، ويُشْتَهَرون بِهذه النسبة. يقول عبد الحيّ اللكنوي في الفوائد البهية في تراجم الحنفية: "النسبة قد تكون إلى اسم بعض الأجداد، كالعَقيلي ـ بالفتح ـ، والعُبَادي ـ بالضم ـ، والْمَحبوبي، والسياري، والصاعدي، والحافظي.."(1).
وقد نبغ من البيت الصاعدي كثيرٌ من العلماء والقضاة، بدءًا من أبنائه، ومرورا بأحفاده القريبين، واستمرارا بأحفاده البعيدين، فأصبح بيتُهم من البيوتات العلمية والقضائية المعروفة والمشهورة. يقول القرشي: "ومن يُحصِي بيوت الدّامَغانية والصاعدية"(2). ويقول السمعاني (ت. 567هـ): "والقضاء بنيسابور إلى الساعة في أولاده والصاعديةِ"(3).
ويقول التميمي عنه وبيتِه "دام القضاء بِها ـ بنيسابور ـ فيه وفي أولاده مدّة مديدة، وبيتُ الصاعدية في تلك الديار، وفي غيرها مشهورٌ بالعلم والفضيلة والرئاسة والقضاء والديانة، رحمهم الله تعالى"(4).
وقال الكفوي: "وكان أولادُه وأحفادُه كلهم فقهاءَ قضاةً وأهلَ فتوى"(5).
ومن هؤلاء النبغاء الوجوه الذين تولَّوْا القضاء والفتوى والتدريس والتذكير والخطابة:
1ـ ابنه: أبو الحسن إسماعيل، الصاعدي، قاضي القضاة (377ـ443هـ)
__________
(1) ص 239.
(2) الجواهر المضية 1: 7.
(3) الأنساب 1: 135. انظر أيضا: الجواهر المضية 2: 265؛ الفوائد البهية ص 83.
(4) الطبقات السنية 4: 82.
(5) كتائب أعلام الأخيار ق 163أ .(1/58)
أكبرُ أولاد صاعدٍ سِنّا، ولي قضاء الرّيّ ونواحيها أولا، ثم صار قاضي القضاة، ثم بعد ذلك ولي قضاء نيسابور ونواحيها والبلاد الغربية منها، مثل طوس ونسا، وصار من مشاهير الكبار بخراسان. وكان من دهاة الرجال، لم يُشتَهر بشيء من العلوم، إلا أنه كان دقيق النظر، عارفا برسوم القضاء، مزاحما للصدور بِما فيه من الرُّجولِيّة، وكان قصيرَ اليد عن الأموال، نقيّ الجانب. بُعِث رسولا في أيام الأمير طُغْرُل إلى فارس، فمرض في الطريق، ووصل إلى إيذج، فتوفّي بِها، ورُدَّ تابوته إلى نيسابور، فدُفِن في المشهد بجنب والده(1).
2ـ ابنه: أبو سعيد محمد، القاضي الصاعدي ( 380ـ433هـ)
والدُ أحمد، شيخِ الإسلام، نجلُ الأئمة، صدرُ الرئاسة. قال عبد الغافر الفارسي في السياق: أخبرنا عنه ابنُه قاضي القضاة أبو نصر أحمد(2).
3ـ ابنه: أبو محمد عبيد الله(3)، القاضي الزاهد الصاعدي ( 409ـ486هـ )
أصغر أولاد عمادِ الإسلام صاعد بن محمد، شيخٌ عفيف، سمع من أصحاب القاضي، والصيرفي، وطبقتهم. وحدّث، وعاش عيش الصالحين والزهاد(4).
4ـ حفيده: أبو علي الحسن بن إسماعيل بن صاعد، القاضي الصاعدي ( ت 472هـ )
__________
(1) المنتخب ص 118ـ119؛ التدوين في أخبار قزوين 2: 292؛ الجواهر 1: 410ـ411؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ الطبقات السنية 2: 190ـ191.
(2) الجواهر المضية 3: 175؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ الطبقات السنية برقم 2016.
(3) كذا ذكر اسمَه الصّريفيني، والذهبي، والقرشي عند ذكر ابنه عبد الملك في 2: 473، وهو أقرب لترتيب النسب، وذكره القرشيُ والتميمي في ترجمته: عبد الله. وتاريخ وفاته فيهما: سنة 446هـ.
(4) المنتخب ص 325ـ326؛ تاريخ الإسلام (وفيات 481ـ490) ص 182؛ الجواهر 2: 311؛ الطبقات السنية 4: 169ـ170.(1/59)
شيخ محترم، وهو والد الحسين، وبيتُ الصاعدية بيتُ علم وفضل ورياسة. سمع الكثير من أبي يعلى حمزة المُهَلَّبي، وابن يوسف، وغيرهم(1).
5ـ حفيده: أبو القاسم منصور بن إسماعيل بن صاعد، القاضي الصاعدي ( ت. 470هـ)
كبير فاضل محتشم من الدّوحة الصاعدية، سبَق أهلَ بيته بالعلم والتذكير والتدريس والفتوى والخطابة. سمع الكثير عن أصحاب الأصمّ، ومن جدّه. وسمّع ابنَه وأفاده الكثيرَ.
تولى القضاء مدة نيابة عن أبيه، ثم صار قاضي القضاة. وكان إليه الفتوى في عصره على مذهب أبي حنيفة، وكان سنيُّ المذهب حسنَ الطريقة، متعصِّبا للسُّنة. سافر إلى خراسان، وماوراء النهر، والعراق(2).
6ـ حفيده: أبو سعد يحيى بن محمد بن صاعد، القاضي الصاعدي ( 401ـ460هـ).
سمع من جدّه، وروى عنه ابنُ أخيه محمدُ بن أحمد بن محمد بن صاعد، أبو سعيد النيسابوري، قاضي القضاة، وولي قضاء الرّيِّ ونواحيها بعده بنيسابور. أملى سنين، وكان من وجوه القضاة والرؤساء، وتوفي بالريّ(3).
7ـ حفيده: أبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد، الزينبي الصاعدي (410ـ482هـ)
قاضي القضاة، رئيس نيسابور. ذكره عبد الغافر الفارسي في السياق، فقال: شيخ الإسلام، وصدرُ المحافل، المُقَدَّم العزيز من صباه في بيته وعشيرته، الفائقُ أقرانه بوفور حِشمته.
__________
(1) المنتخب ص 198؛ الجواهر 2: 47ـ48؛ الطبقات السنية 3: 48.
(2) المنتخب ص 480ـ481، ووفاته فيه: 490هـ؛ تاريخ الإسلام (وفيات 481ـ490) ص 429؛ الجواهر 3: 507؛ الطبقات السنية برقم 2534.
(3) المنتخب ص 531ـ532؛ الجواهر 3: 597ـ598؛ تاج التراجم ص 83؛ الطبقات السنية برقم 2668.(1/60)
رُبِّي في حِجر الإمامة، وكان من أوجه الأحفاد عند القاضي الإمام صاعد. سمع الكثير من جدّه عماد الإسلام، ومن أبيه محمد، ومن عمه أبي الحسن إسماعيل بن صاعد(1).
8ـ حفيده: أبو الفتح عبد الملك بن عبيد الله بن صاعد، القاضي الصاعدي (501هـ)
فقيه، فاضل، مفتٍ، مدرِّس، من وجوه الصاعدية. سمع من جدّه قاضي القضاة أبي محمد عبد الله بن الحسين، من قبل أمه، وكان كريمَ الطريفين(2).
9ـ حفيد ابنه: أبو بكر علي بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي (ت 508هـ)
نسيبٌ، سليم الجانب. سمع مع أخيه أبي الفضل، توفي يوم الخميس، السابع والعشرين من المحرم، ودفن في مقبرة سكّة القصارين(3)، مع الدوحة الصاعدية.
10ـ حفيد ابنه: أبو الفضل الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد، الصاعدي (ت. 511هـ)
القاضي ابن القاضي ابن القاضي، فاضل، عالم، من أحفاد الصاعدية. سمع الحديث من جدّه قاضي القضاة أبي الحسن، وعمّه وبني أعمامه، وأبي الحسين عبد الغافر، وابن مسرور الكنجروذي، ذكره السمعاني في مشيخته، مات بنيسابور يوم الجمعة (4).
11ـ حفيد ابنه: أبو العلاء صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ( ت. 506هـ)
__________
(1) المنتخب ص 118ـ120؛ المنتظم 16: 284؛ سير أعلام النبلاء 19: 7ـ8 ؛ تاريخ الإسلام (وفيات 481ـ490) ص 74ـ76؛ الجواهر 1: 279ـ281؛ الطبقات السنية 2: 54ـ55؛ الفوائد ص 34ـ35.
(2) المنتخب ص 362؛ الجواهر 2: 473؛ الطبقات السنية برقم 1326. هكذا جاء في المنتخب والجواهر والطبقات السنية هنا: ابن عبيد الله، وتقدم في ترجمته في المصدرين الأخيرين: عبد الله بن صاعد. والذي هنا يقتضيه الترتيب.
(3) المنتخب ص 432.
(4) التحبير للسمعاني 1: 230؛ المنتخب ص 216ـ217؛ الجواهر 2: 103؛ الطبقات السنية 3: 125.(1/61)
قاضي القضاة، الخطيب المدرس، أحدُ وجوه الدوحة الصاعدية في عصره. سمع من أبيه، وجدّه، وأقاربه. خرّج له صالح المؤدِّب ’الأربعين في مناقب أبي حنيفة وأحاديثه‘، توفي في رمضان(1).
12ـ حفيد ابنه: أبو سعيد محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد، الصاعدي (444ـ527هـ)
عرف بشيخ الإسلام. سمع أباه أبا نصر، وعمّه أبا سعد يحيى. قال السمعاني: كانت الرئاسةُ قد انتهت إليه، والتقدّمُ والقضاء بنيسابور. وكانت له دنيا عريضة، وكان يليق به القضاء لفضله وبيته وأُبُوَّته، عُمِّر طويلا، وحدّث بالكثير، ومات بنيسابور(2)، عن بضع وثمانين سنة(3).
13ـ حفيد ابنه: أبو سعد يَحيى بن عبد الملك بن عبيد الله بن صاعد الصاعدي (ت ؟)
فاضل أصيل، من بيت الإمامة والقضاء، تفقه على أبيه، سمع من أقاربه، ومشايخ عصره، ثم في سفره(4).
14ـ أبو الحسن إسماعيل بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ( ت ؟)
من بيت الصاعدية المشهور، شيخ فاضل، سافر إلى خراسان.
أسمعه أبوه في الصِّبا من مشايخ عصره. وسمع من جدّه القاضي الإمام منصور، ومن عمّ أبيه القاضي الإمام أبي علي الحسن بن إسماعيل بن صاعد، ومن شيخ الإسلام أبي نصر أحمد بن محمد بن صاعد، وغيرهم(5).
15ـ أبو المعالي أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي (ت. 527هـ)
شرف الأئمة، من بيت العلم والقضاء والتذكير والتدريس والخطابة. إمام صح لسان الأصحاب في المناظرة. سمع من أبيه، وجدِّه، والمعاصرين.
__________
(1) المنتظم 17: 129؛ المنتخب ص 280؛ الجواهر 2: 268؛ الطبقات السنية 4: 83ـ84.
(2) التحبير 2: 74؛ المنتظم 17: 280؛ الوافي بالوفيات 2: 66ـ67؛ غاية النهاية 2: 84؛ تذكرة الحفاظ 4: 1288؛ الجواهر 3: 60؛ الطبقات السنية برقم 1833.
(3) سير أعلام النبلاء 19: 591.
(4) المنتخب ص 535.
(5) المنتخب ص 162؛ الجواهر 1: 412؛ الطبقات السنية 2: 191.(1/62)
تولّى الخطابة في المسجد الجامع القديم المختصُّ بأصحاب أبي حنيفة، والخطابة اليوم ـ زمن القرشي ـ في أولاده، وكان إليه التذكير والتدريس مع الخطابة. وكانت وفاته بنيسابور(1).
16ـ صاعد بن الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي (ت. 532هـ)
ذكره السمعاني في معجم شيوخه. وقال في التحبير(2): من بيت الفضل والعلم. سمع أبا بكر بن خلف الشيرازي. سمعتُ منه أحاديث. توفي بنيسابور، يوم الأحد، الخامس من شعبان.
17ـ منصور بن محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد، القاضي الصاعدي ( 475ـ552 هـ)
المعروف بالبرهان، قاضي نيسابور، من بيت العلم والقضاء. كان حميدَ السيرة في ولايته، وقورا، ساكنا، مَهيبا، حسنَ الطريقة، مشتغلا بالعبادة، لزم الجامعَ القديم بنيسابور، وكان أكثرُ أوقاته معتكفا به. سمع أباه أبا سعيد القاضي، وجدّهَ أبا نصر القاضي، لقيه السمعاني مرّات(3).
7ـ شيوخه:
تلقّى أبو العلاء صاعد العلومَ وأنواعا من المعارف والفنون على عدد كبير من المشايخ، إذ يقول الصريفيني بعد أن عدّ شيوخه "وسمع من مشايخ ماوراء النهر، وأكثَرَ الروايةَ"(4). وكان من بينهم المحدّثون الحفاظ، والفقهاء، والمفسرون، والوعاظ، واللغويون، والمناظرون، والأدباء، والشعراء، والنحويون. منهم:
1ـ أبوه: أبو سعيد محمد بن أحمد بن عبيد الله، والدُ صاعدٍ، أبي العَلاء، عمادِ الإسلام(5). إن الأب هو الذي لقّن ابنَه العلومَ أولا في مرحلة صباه، كما صرّح به الصّريفيني، حيث قال: "تأدّب على أبيه أبي سعيد"(6).
__________
(1) المنتظم 17: 278؛ المنتخب ص 174؛ الجواهر 1: 382ـ383؛ الوافي بالوفيات 9: 15؛ الطبقات السنية 2: 166.
(2) 1: 332؛ ونقل عنه في الجواهر 2: 261؛ والطبقات السنية برقم 2541. وانظر الكامل 9: 308.
(3) التحبير 2: 315ـ316؛ الجواهر 3: 510؛ الطبقات السنية برقم 1816.
(4) المنتخب ص 278.
(5) الجواهر 2: 266؛ الطبقات السنية برقم 1816.
(6) المنتخب ص 277.(1/63)
2ـ جدُّه من جهة الأمِّ: شيخُ الإسلام أبو نصر بن سهل القاضي، محمد بن محمد بن سهل بن إبراهيم بن سهل النيسابوري (318ـ388هـ )
إمام أصحاب أبي حنيفة في عصره بخراسان، وأحسنهم سيرةً في القضاء. سمع منه أبو عبد الله الحافظ. وحدّث ببغداد، فسمع منه بِها القاضيان: أبو عبد الله الصيمري، وأبو القاسم التَّنوخي، الحنفيان. قال الحاكم في تاريخ نيسابور: وكان يُدَرِّس الفقه، ويفتي بنيسابور في شبيبته إلى حين وفاته. ولم يزل يُنسَب إلى الزهد والورع. وعَقد له قاضي الحرمين مجلسَ التدريس في سنة خمس وأربعين وثلاث مئة(1).
وكان الإمام صاعد بن محمد قد "درس عليه الفقه مدة"(2).
3ـ أبو عمرو إسماعيل بن نُجَيْد السلمي النيسابوري (272ـ365هـ)، عن 93 سنة.
مسند خراسان، الصوفي، كبير الطائفة. سمع أبا مسلم الكجّي، وعبدَ الله بن أحمد بن حنبل، ومحمدَ بن إبراهيم البوشنجي، وغيرهم. حدّث عنه: سبطُه أبو عبد الرحمن السلمي، والحاكم، وأبو العلاء صاعدُ بن محمد القاضي(3)، وغيرهم(4).
4ـ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السِّمِّذيّ العَدْل النيسابوري (ت. 366هـ)
__________
(1) تاريخ بغداد 3: 227-228؛ الجواهر المضية 3: 325؛ الطبقات السنية برقم 2252؛ الفوائد البهية ص 187.
(2) المنتخب ص 277؛ الجواهر 2: 266؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ تاج التراجم ص 29؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد 83.
(3) تاريخ بغداد 9: 344؛ الأنساب 1: 134؛ المنتخب ص 278؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343؛ الفوائد 83.
(4) الرسالة القشيرية 1: 182ـ185؛ طبقات الصوفية ص 454ـ457؛ سير أعلام النبلاء 16: 146ـ148؛ طبقات الشافعية الكبرى 3: 222ـ224.(1/64)
هو من شيوخ أبي العلاء صاعد بن محمد الأستوائي(1)، والخليلي. فوصفه الخليلي بالثقة الرِّضا(2). وقال السمعاني: "وأبو محمد كان من العبّاد المجتهدين المحسنين المستورين الراغبين في صحبة الزُّهّاد الصالحين.. وكان كريم الطّرفَيْن، ومن أجلّ العدول. سمع عبد الله بن شيرويه، ومسدد بن قطن، وغيرهم. روى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ"(3). وفي الرحلة من أحمد بن الحسن الصوفي الحراني، والهيثم بن خلف الدوري، والمفضل بن محمد الجنْدي وغيرهم(4).
5ـ أبو سهل بشرُ بن أحمد بن بشر الإسفراييني (ت. 370هـ)، عن نيّف و 90 سنة.
الإمام، المحدِّث، الثقة، الجوّال، مسند وقته، الدِّهْقان، كبير إسفرايين، وأحد الموصوفين بالشهامة والشجاعة. سمع عن إبراهيم بن علي الذّهلي، وأبي يعلى الموصلي، والحسن بن سهل، وغيرهم. حدّث عنه الحاكم، وصاعد بن محمد(5)، وشريك بن عبد الملك المِهرجاني، وغيرهم(6).
6ـ أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد الله البكّائي الكوفي (ت. 376هـ ) عن 99 سنة.
الإمام المحدِّث الصدوق، مسند الكوفة. سمع من أبي جعفر محمد بن عبد الله مُطَيِّن، وأبي حَصين محمد بن الحسين الوادعي، وطائفة. حدّث عنه: أبو العلاء صاعد بن محمد، ومحمد بن الحسن بن حمزة السكري، وآخرون(7).
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 344؛ الأنساب 1: 134؛ المنتخب ص 278؛ الفوائد 83.
(2) الإرشاد 1: 370.
(3) الأنساب 3: 295ـ296؛ اللباب 2: 137.
(4) تاريخ الإسلام (وفيات 351ـ380) ص 360.
(5) تاريخ بغداد 9: 344؛ الأنساب 1: 134؛ المنتخب ص 278؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343؛ الفوائد 83.
(6) المنتخب ص 178؛ تذكرة الحفاظ 3: 959؛ سير أعلام النبلاء 16: 228ـ229؛ النجوم الزاهرة 4: 139.
(7) الأنساب 1: 382؛ المنتخب ص 278؛ سير أعلام النبلاء 16: 309ـ310؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343؛ النجوم الزاهرة 4: 150.(1/65)
وقال الخطيبُ تلميذُه: "وورد العراقَ في حداثته حاجّا، فسمع بالكوفة من علي بن عبد الرحمن البكّائي"(1).
7ـ الحاكم، أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي (ت. 378هـ)، الحافظ، الإمام، الثبت، صاحب التصانيف، وهو الحاكم الكبير. رحل إلى العراق، والجزيرة، والشام.
سمع: أحمدَ بن محمد الماسَرجي، وابن خزيمة، والباغندي، والبغوي، والسرّاج، وأبا عروبة الحراني، وطبقتهم. روى عنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وصاعد بن محمد القاضي(2)، وخلق. وقال الحاكم تلميذه: أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة، وكان من الصالحين الثابتين على سنن السلف، ومن المنصفين فيما يعتقده في أهل البيت والصحابة، وقُلِّد القضاء في مدن كثيرة(3).
8ـ أبو النضر شافع بن محمد يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت. 378هـ)
حفيد الحافظ أبي عوانة. رحل وطوّف إلى العراق والشام ومصر بعد وفاة جده. سمع : جدَّه، وعليَ بن عبد الله بن مبشر الواسطي، وأحمدَ بن عمير بن جوصا الحافظ، وأحمد بن عبد الوارث الغسّال، والمحاملي، وطبقتهم.
روى عنه: أبو العلاء صاعد بن محمد(4)، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو نعيم الهروي، وغيرهم(5).
9ـ أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى البغدادي البزار الحافظ (300ـ 379هـ)
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 344. أنظر أيضا: الأنساب 1: 134؛ المنتخب ص 278؛ سير أعلام البنلاء 17: 508؛ الفوائد 83.
(2) تذكرة الحفاظ 3: 976؛ تاريخ الإسلام (وفيات 351ـ380) ص 637؛ سير أعلام النبلاء 16: 371.
(3) سير أعلام النبلاء 16: 370ـ377؛ الوافي بالوفيات 1: 115؛ النجوم الزاهرة 4: 154.
(4) تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343؛ التدوين في أخبار قزوبن 3: 130.
(5) تاريخ جرجان ص 230؛ تاريخ الإسلام (وفيات 351ـ380) ص 625.(1/66)
رحل إلى بلاد شتّى، وروى عن ابن جرير، والبغوي، وخلقٌ. وروى عنه جماعة من الحفاظ، ـ منهم أبو العلاء صاعد(1)، والدارقطني ـ شيئا كثيرا، وكان الدراقطني يعظمه ويجلّه، ولا يستند بحضرته، وكان ثقة ثبتا. وقال الخطيب: كان ابن المظفر فهما حافظا(2).
10ـ أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري ( ت. 379هـ)
محدِّث نيسابور، ثقة، عارف بِهذا الشأن. سمع الحسن بن سفيان، وأبا يعلى، ومن بعدهما من شيوخ العراق، وخراسان. قال الخليلي: سمعت الحاكم أبا عبد الله: يُثني عليه، ويوثِّقه(3).
روى عنه: أبو العلاء صاعد بن محمد(4).
11ـ شيبة بن أبي أحمد الشعيبي، أبو محمد (ت. 395هـ)
مشهور من أهل بيت الحديث والورع والديانة. سمع من أبيه، وعلي بن محمد الوراق. وأقاربُه محدِّثون(5). ذكر المكي في المناقب أن الإمام أبي العلاء صاعد روى عنه(6).
12ـ أبو بكر محمد بن العباس الطبري الخوارزمي (ت. 383هـ).
من أئمة الكتاب، وأحد الشعراء العلماء، كان ثقة في اللغة ومعرفة الأنساب. له ’الرسائل‘ المعروفة برسائل الخوارزمي، وديوان شعر. ولد ونشأ في خوارزم، فرحل إلى بعض البلدان، وأقام في دمشق مدة، ثم سكن في نواحي حلب، وانتقل إلى نيسابور، فاستوطنها، وتوفي بِها. وكانت بينه وبين البديع الهمذاني محاورات وعجائب(7).
__________
(1) تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343.
(2) تاريخ بغداد 3: 262ـ264؛ تذكرة الحفاظ 3: 980ـ983؛ تاريخ الإسلام (وفيات 351ـ380) ص 652؛ البداية والنهاية 11: 308.
(3) معجم الأدباء 3: 850؛ ميزان الاعتدال 3: 457؛ لسان الميزان 5: 38. وفي المصدرين الأخيرين: مات سنة 376هـ.
(4) تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343.
(5) المنتخب ص 270.
(6) ص 210. واسمه عنده: شيبة بن محمد الشعيبي .
(7) الأعلام 6: 183.(1/67)
قال الصريفيني: "واختلف إلى أبي بكر محمد بن العباس الطبري الخوارزمي في الأدب، فتخرّج به"(1).
13ـ أبو الهيثم عتبة بن خيثمة بن محمد بن حاتم النيسابوري (ت. 406هـ).
الإمامُ، القاضي، المشهور بكنيته. أستاذ الفقهاء والقضاة، عديم النظير في الفقه والتدريس والفتوى. تولّى القضاء سنة 392 إلى سنة 405هـ. تفقه على أستاذَيْه أبي العبّاس التِّبّان وأبي الحسين قاضي الحرمين. قال الحاكم: "فصار أوحدَ عصره، حتى لم يَبْقَ بِخراسان قاضٍ على مذهب الكوفيين إلا وهو ينتمي إليه"(2).
ونصّ الخطيب على أنه "كان أحدَ شيوخه"(3).
8ـ تلاميذه:
قال السمعاني: "روى عنه جماعة"(4) من العلماء(5). وقال الصفدي: "روى عنه الخطيب وغيرُه"(6). وقال الصريفيني: "وسمع منه الكبار، وحضر مجلسه الحفاظُ، وعقد مجلس الإملاء سنين"(7). ولاشكّ أن له تلاميذَ لا يحصون، لعقده مجالسَ الإملاء سنين، وتدريسِه العلوم الشرعية في مدرسته بعد انفصاله عن القضاء. إن له تلاميذَ لا يحصون، لعقده مجالسَ الإملاء سنين، وتدريسِه العلوم الشرعية في مدرسته بعد انفصاله عن القضاء، ولاشكّ أنّ في مقدِّمة هؤلاء الذين أخذوا عنه العلمَ جميعَ أولاده وأحفادِه الذين أدركوا جدَّهم، وعاشوا معه، وأنا لا أذكر أحدا منهم بين تلاميذه، لئلا أقع في التكرار. منهم :
1ـ أبو المظفَّر محمد بن آدم بن كمال الهروي (ت. 414هـ) بغتةً.
__________
(1) المنتخب ص 277. انظر كذلك: الجواهر المضية 2: 266؛ كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد 83.
(2) الجواهر المضية 2: 511؛ سير أعلام النبلاء 17: 13؛ تاريخ الإسلام (وفيات 401ـ420) ص 144؛ الفوائد البهية ص 125.
(3) تاريخ بغداد 9: 344؛ أنظر أيضا: طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي ص 145؛ الأنساب 1: 134؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد 83.
(4) الأنساب 1: 134.
(5) الفوائد ص 83.
(6) الوافي بالوفيات 16: 232.
(7) المنتخب ص 278.(1/68)
تفقه على القاضي أبي الهيثم، ثم جدّد الفقه على القاضي أبي العَلاء صاعد، وتتلمذ للأستاذ أبي بكر الخوارزمي. ذكره عبد الغافر في ’سياق نيسابور‘، وقال: سمعت من أثق به أن القاضيَ الإمام صاعدا كان يراجعه في المشكلات في أثناء درسه في الأحايين. وكان يَقعُد للتدريس في التفسير، وفي النحو والتصريف، وشرح الدواوين(1).
2ـ مسعود بن محمود بن سبكتكين (ت. 432هـ)
من ملوك الدولة الغزنوية. ولد بغزنة، ونشأ في بيت سلطنة وجهاد وعدل. وولي أصبهان في أيام أبيه. وتوفي أبوه سنة 421هـ. وبويع لأخيه محمد بغزنة، ولما سمع مسعود بِموت أبيه خطب لنفسه بأصبهان والريّ وأرمينية، ثم سار واستقر بنيسابور. ثم دخل غزنة سنة 422هـ، وبايعه الناس، واجتمع له ملك خراسان وغزنة وبلاد الهند والسند وسجستان وكرمان ومكران والرّي وأصبهان وبلاد الجبل. وعظم سلطانه، وفتح قلاعا في الهند كانت ممتنعة على أبيه. ودخل السلاجقةُ خراسان، فقاتلهم وأجلاهم عنها، وعاد إلى غزنة. ثم خرج منها يريد أن يشتُوَ في الهند على عادة والده، وأخذ معه أخاه محمدا الذي كان قد بويِع قبله وخُلِع، فلما عبر سيحون ائتمر به بعضُ عسكره، وأكرهوا أخاه على موافقتهم، فقبضوا على مسعود، واعتقلوه في قلعة ’كيكي‘، ثم قتلوه.
وكان شجاعا كريما، كثير البرّ والصدقات، سادّا الجواب، روؤفا بالرعية، محبا للعلم والعلماء، صنفوا له كتبا كثيرة في علوم مختلفة، وله آثار في العمران، وصُنِّفت عدةُ كتب في سيرته(2).
__________
(1) المنتخب ص 52ـ53؛ إنباه الرواة 3: 126؛ الوافي بالوفيات 1: 333؛ معجم الأدباء 17: 116؛ الجواهر المضية 3: 85ـ86.
(2) سير أعلام النبلاء 17: 495ـ497؛ البداية والنهاية 12: 54؛ أخبار الدولة السلجوقية ص 13؛ الأعلام 7: 220.(1/69)
والقاضي الإمام صاعد كان أستاذَ السلطان مسعود ومؤدِّبَه كما ذكره البيهقي في تاريخه عند كلامه عن استقبال أهل نيسابور الأميرَ مسعودا، حيث قال: "ولم يبق في مدينة نيسابور أحد إلا وخرج للاستقبال والمشاهدة، تلهج ألسنتُهم بالدعاء، وكان القرّاء يرتِّلون آيات الذكر الحكيم، والأمير - رضي الله عنه - يُثني على الأعيان جميعا، ولا سيما على الإمام صاعد القاضي، وقد كان أستاذَه"(1).
"ثم أتى شهرُ رمضان فصاموا، وتحرك ركاب السلطان من نيسابور في أواسط رمضان من هذه السنة إلى هراة، بعد أن أمر بالخِلَع السلطانية للقاضي صاعد وأبنائه وللسيد أبي محمد العلوي وأبي بكر محمد مَحْمَشاد ولقاضي المدينة وخطيبها"(2).
3ـ محمد بن محمود بن سبكتكين (ت. 432هـ )
أكبر أولاد يَمين الدولة محمود، وكان أبوه يُحبّه، وأعطاه إمارة أصفهان، وأعطى لأخيه مسعود إمارةَ الري والجبال لإبعاده. تسلطن محمد مُديْدَة بعد وفات أبيه في جمادى الأولى سنة 421هـ، وقبضَ عليه أخوه مسعودٌ، وتَمكّن، وسمله، ثم أخذه مسعود معه إلى الهند بعد أن فقد بلاد خراسان، فثار جنده عليه في الهند، وملّكوا محمدا المسمول، وقبض عليه محمد، وقال: لأقابلنّك على فعلك بي، فاخْتَرْ مكانا تنْزِلُه بحشمك، فاختار قلعة، فبعث إليها مكرما. فعمل عليه ولدُ محمدٍ اسمه أحمد وجماعةٌ، وبيّتوه وقتلوه حنَقاً عليه من غير علم أبيه، وجاؤوا برأسه إلى السلطان المسمول، فبكى، وغضب على ابنه أحمد، ودعا عليه، وكان مودود بن مسعود مقيما بغزنة، فسارع في خمسة آلاف، وبيّت محمدا، وقتل أمراء، وقبض على عمّه محمد، وقتل الذين قتلوا أباه، وكانوا اثني عشر، ثم قتل عمَّه محمدا(3).
__________
(1) ص 36. وانظر كذلك ص213.
(2) تاريخ البيهقي ص 47.
(3) سير أعلام النبلاء 17: 495ـ497؛ البداية والنهاية 12: 30، 33، 52.(1/70)
ولقد نصَّ أبو الفضل البيهقي في تاريخه(1) على أن "… الإمام القاضي صاعد رحمه الله، كان مؤدِّبَ السلطان مسعود والسلطان محمد، ابني السلطان يَمين الدولة (محمود بن سبكتكين) رضي الله عنهم أجمعين …".
4ـ الفقيه القاضي أبو عبد الله حسين بن علي الصيمري (351ـ436هـ)
أحد الفقهاء الكبار، وأحدُ من انتهت إليه الرياسة في بغداد، ولي القضاء برَبْع الكَرْخ، وبقي فيه إلى حين وفاته. قال الخطيب تلميذه: "كان صدوقا، وافرَ العقل، جميلَ المعاشرة، عارفا بحقوق أهل العلم". وقال أيضا(2): "قدِم ـ أبو العَلاء صاعد بن محمد ـ بغداد، وحدّث بِها، فحدّثني القاضي أبو عبد الله الصيمري، حدّثنا أبو العلاء صاعدُ بن محمد الفقيه، ببغداد، وأسند لي عنه حديثا، فسألتُ الصيمريَّ عن قدوم صاعدٍ بغدادَ، فقال: آخِرُ سنة قدمها سنة ثلاث وأربع مئة"(3).
ولم يذكر الصيمريُّ شيخه أبا العلاء صاعدا في كتابه أخبار أبي حنيفة وأصحابه، لأنه قال في آخره: "فهذا آخِر ما ذكرناه من طبقات أصحابنا بالعراق، وما قرُب منه، مِمَّن وقع إلينا أخبارُهم، واشتهر في الناس ذكرُهم، فأما بخراسان وماوراء النهر، فخلقٌ عظيم، لم نذكرهم"(4).
5ـ الحافظ الناقد أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (392ـ463هـ).
الإمام الأوحد، محدِّث الشام والعراق، صاحب التصانيف العديدة، والمتقدم في عامة فنون الحديث.كان مهيبا وقورا، ثقة حجة، كثير الضبط، دفن بجنب بشر الحافي(5).
__________
(1) ص 213.
(2) تاريخ بغداد 9: 344.
(3) تاريخ بغداد 8: 78ـ79. الجواهر 2: 116ـ118؛ تاج التراجم ص 26؛ الطبقات السنية 3: 153؛ الفوائد ص 67.
(4) ص 168.
(5) تاريخ بغداد 10: 146؛ تبيين كذب المفتري ص 268؛ تذكرة الحفاظ 3: 1135ـ1146؛ سير أعلام النبلاء 18: 270ـ297؛ طبقات الشافعية الكبرى 4: 29ـ39؛ البداية والنهاية 12: 108ـ110.(1/71)
قال الخطيب في تاريخ بغداد(1): "وقد لقيتُه أنا ـ أي صاعدَ بن محمد ـ بنيسابور، وسمعتُ منه".
6ـ أبو منصور عمر بن أحمد بن محمد بن موسى بن منصور الجُورِي، (ت. 469هـ)(2)، النيسابوري، الحافظ. والجور: محلة بنيسابور، وقيل : بلدة من بلاد فارس.
من تلامذة صاعد بن محمد. وكان من خواصّ أبي عبد الرحمن السُّلَمي، كتب عنه الكثير. قال عبد الغافر الفارسي في ’رجال الأربعين‘ له، لمّا ذكره فقال: رجلٌ نبيل فاضل حافظ من أصحاب الإمام أبي حنيفة(3).
7ـ أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي (ت. 474هـ)
المحدث ابن المحدث، الظريف العزيز الذي نشأ في حجور الأئمة والرؤساء لمكان أبيه. أما جده أبو إسحاق المزكي فهو محدث خراسان والعراق. وأما أبوه أبو زكريا فهو محدث وقته. وأما أبو بكر فأظرف من رأينا من المشايخ، وأجراهم على سيرة الأسلاف، وأرغبُهم في التجمل ونظافة الثياب، وأحفظُهم لأيام المشايخ، وكان من المكثرين. توفي في أواخر رجب عن 80 سنة من العمر(4). عدّه الصريفيني من الذين روى عن أبي العلاء صاعد(5).
__________
(1) 9: 345؛ وذكره كذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء 17: 508؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343؛ والصفدي في الوافي بالوفيات 16: 232.
(2) وفي الجواهر المضية : 467هـ.
(3) الأنساب 2: 115ـ116 ؛ اللباب 1: 307؛ المنتخب ص 404؛ معجم البلدان 2: 182؛ الجواهر المضية 2: 633ـ634.
(4) المنتخب ص 58ـ59.
(5) المنتخب ص 278.(1/72)
8ـ أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني الحنفي (ت. 478هـ)، العلامة البارع، مفتي العراق، قاضي القضاة. نقل السمعاني عنه أنه قال: "تفقهتُ بدامغان على أبي صالح الفقيه، ثم قصدتُ نيسابور، فأقمت بِها أربعة أشهر، وصحبتُ أبا العلاء صاعدَ بن محمد قاضيها، ثم وردتُ بغداد". فأخذ بِها عن القدوري، ولازم أبا عبد الله الصيمري، ثم ولي القضاء للقائم، فبقي في القضاء ثلاثين سنة وأشهرا(1).
9ـ أبو عبد الرحمن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي الفقيه (ت. 479هـ)، الشيخ، المحدث، الفقيه، الصالح. حدث عن القاضي أبي بكر الحِيرِي، والأستاذ أبي إسحاق الاسفريني، وصاعد بن محمد القاضي، ووالده. وعنه: ابناه زاهر ووجيه، وعبد الغافر بن إسماعيل، وغيرهم(2).
10ـ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حسكان الحافظ، الحسكاني القرشي العامري النيسابوري، الحنفي، الحذّاء (ت. في حدود 480هـ)
من ذرية عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، الحافظ المتقن، من أصحاب أبي حنيفة. فاضل ثبت، من بيت العلم والوعظ والحديث. سمع الكثير عاليا، وانتخب على الشيوخ، وجمع الأبواب والكتب والطُّرف، وتفقه على القاضي أبي العلاء صاعد. وحدّث عن أبيه، عن جدّه(3).
11ـ أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري، الماوردي، الصوفي (ت. 481هـ).
روى الحديث عن أبي العلاء صاعد بن محمد القاضي. وروى عنه عبد الغافر، وذكره في السياق، وقال: شيخ ظريف،نظيف، وضيء الوجه، حسَنُ الخُلْق، حنفي المذهب(4).
__________
(1) تاريخ بغداد 3: 109؛ الأنساب 5: 259؛ النجوم الزاهرة 5: 121ـ122؛ سير أعلام النبلاء 18: 485ـ487؛ الجواهر المضية 2: 96ـ97.
(2) المنتخب ص 148، 289؛ سير أعلام النبلاء 18: 448.
(3) المنتخب ص 278،324؛ تذكرة الحفاظ 3: 1200ـ1201؛ سير أعلام النبلاء 18: 268ـ269؛ الجواهر المضية 2: 496؛ تاج التراجم ص 40.
(4) المنتخب ص 68؛ الجواهر 3: 215؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات برقم 2075.(1/73)
12ـ أبو جعفر محمد بن أحمد بن حامد بن عبَيْد البِيكَنْدي، القاضي (ت. 482هـ).
من أهل بخارى، ولد سنة 392هـ، كان عارفا بعلم الكلام على مذهب المعتزلة، داعية إليه. دخل بغداد بعد وفاة المنصور، واستوطنها إلى أن مات. ثم خرج سنة 424هـ، ودار بخراسان على من كان بقي من المشايخ أصحاب أبي حنيفة، مثلِ القاضي أبي عاصم العامري، والقاضي أبي القاسم الداوديّ، والقاضي أبي العَلاء صاعد. قال ابن العديم: كان فقيها حنفيا، قرأ ببلده المَبْسوطَ، وشرَحه، والخلافيّات، ومَهر في علم النظر(1).
13ـ أبو سعيد مسعود بن ناصر بن الحسن الفرائضي (ت. 483هـ)
حافد القاضي أبي زيد. حدّث عن أبي منصور البغدادي، وأبي حسان المزكي، وأبي العلاء صاعد(2)، وطبقتهم. وكان رجلا معروفا من وجوه وكلاء القضاة في مجلس الحاكم. توفي ليلة الجمعة، 22 من صفر(3).
14ـ أبو إبراهيم إسماعيل بن علي بن محمد، الفقيه، البُشْتَنِقاني (ت. 492هـ).
قال الصريفيني: "وكان قد تفقه على القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد، و يَعُدُّ نفسَه من تلامذته، وذكر من أيامه وأحواله، وسمع منه"(4).
وقال القرشي: "ذكره عبد الغافر في ’السياق‘، فقال: رجل صالح مستور، مشتغل بالتجارة، وله مُرُوَّة، ونعمة، وأقارب، وأعقاب"(5).
15ـ أبو حامد أحمد بن علي بن محمد بن عبدوس بن الحذاء ( 418ـ506 هـ)
من أقارب الحاكم الحسكاني. سمع من الإمام صاعد بن محمد، وسمع مسندَ العترة من أبي سعد النصروي والطبقة. قال عبد الغافر الفارسي: فممّا وجدتُ من مسموعاته فضائل الصحابة من تصنيف أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -(6).
16ـ أبو الحسن علي بن محمد بن علي الشعري النيسابوري (415ـ509 هـ ).
__________
(1) المنتظم 16: 288؛ الجواهر المضية 3: 23ـ26؛ تاج التراجم ص 60.
(2) المنتخب ص 278.
(3) المنتخب ص 472.
(4) المنتخب ص 152.
(5) المنتخب ص 152؛ الجواهر المضية 1: 430؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات 2: 200.
(6) المنتخب ص 124.(1/74)
قال السمعاني في التحبير(1): شيخ صالح معَمَّر. سمع أبا حفص بن مسرور الزاهد الماوردي، وأبا العلاء صاعد بن محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي، وغيرَهما. سمّعني الإمام والدي بنيسابور.
وقال في الأنساب(2): "وحدّثني عنه ـ أي أبي العَلاء صاعد ـ أبو الحسن علي بن محمد بن علي الشعري".
وكان يشتغل بالكتب والتجارة، وينفق على المحدّثين(3). وكانت وفاته ليلة الجمعة العاشر من رمضان(4).
17ـ أبو العلاء صاعد بن سيار بن عبد الله بن إبراهيم القاضي (ت.520 هـ)
الحافظ، العالم، المحدّث. سمع من أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وأبي عامر الأزدي، وطبقتَهم. وروى عنه: حفيده الفضل بن يحيى بن صاعد القاضي، وأبو العلاء صاعد بن محمد(5)، ومحمد بن ناصر، وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل، وجماعة. قدم بغداد حاجّا في سنة 509هـ، وحدّث بِها، بكتاب الترمذي، وغيره، وأملى بجامع القصر(6).
18ـ أبو عمرو محمد بن أحمد بن يعقوب الهيقاني (ت. ؟).
سمع من عبد الغافر الفارسي، ذكره في السياق، وقال: فاضل، أصولي، فقيه، تفقه على القاضي صاعد بن محمد(7).
19ـ عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن نصر النسفي (ت. ؟).
__________
(1) 1: 587ـ588.
(2) 1: 135.
(3) المنتخب ص 428.
(4) وفي المنتخب: ولد سنة 414هـ، وتوفي ليلة الخميس الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة 478هـ
(5) تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343.
(6) تذكرة الحفاظ 4: 1270ـ1271؛ سير أعلام النبلاء 19: 590؛ الجواهر المضية 2: 261ـ262؛ الطبقات السنية 4: 79ـ80.
(7) الجواهر 3: 73؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات برقم 1869.(1/75)
القاضي، الفقيه الفاضل، من كُفاةِ الرجال. قدم نيسابور، وتفقه بِها على الإمام القاضي عمادِ الإسلام صاعد، وغيره. ولي قضاء مَرْو سنتين. وسمع بنيسابور، وتولّى قضاءها أيضا سنتَيْن، وتوفي بمَرْو، وحدّث، روى عنه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله القرشي الحافظ الحسكاني، عن أبي عبد الله الحكمي(1).
20ـ ابن عبد الصمد البستنقاني (ت. ؟)
ذكره الصّريفيني في المنتخب (2).
21ـ أبو الحسن القطّان، العالم (ت. ؟)
ذكره أبو الفضل البيهقي في تاريخه فقال: "وهو من فحول تلاميذ القاضي الإمام صاعد"(3).
22ـ شيبان الفقيه الاملي ( ت. ؟)
مناظر، جدِل، بصير بطريقة النظر، قدم نيسابور سنة خمس وأربع مئة إلى القاضي صاعد(4).
23ـ علي بن محمد بن سلمة بن تميم أبو ساح ( ت. ؟)
السحي، الواعظ، من أصحاب أبي حنيفة، وحضر مجالس القاضي صاعد بن محمد(5).
9ـ الذين لهم صلة بالبيت الصاعدي :
ويحسن بي أن أذكر هنا تراجم بعض من لهم صلة بالبيت الصاعدي، عن طريق أخذ العلم عنهم، أو الخدمة لهم، أو النيابة عنهم في بعض الأعمال، لبيان ما يقوم به هذا البيت العظيم من الأعمال الجليلة نحو مجتمعه الذي يعيش أفراده فيه. منهم :
1ـ عبد الله بن محمد بن عمرو الزيادي القاضي، أبو القاسم (ت. 430هـ)
من وجوه العلماء والفقهاء الحنفية بنيسابور. استخلفه القاضي أبو العلاء صاعد للتدريس في مدرسته، وإفادةِ المختلفة من الطلبة سنة اثنتين وأربع مئة، عند خروجه إلى الحجة الثانية، وقد سمع(6).
2ـ عبد الملك بن علي بن محمد بن موسى، أبو القاسم العدل ( ت. 453هـ)
__________
(1) المنتخب ص 387؛ الجواهر المضية 2: 485؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات 4: 411ـ412.
(2) المنتخب ص 278.
(3) ص 399.
(4) المنتخب ص 270.
(5) المنتخب ص 429.
(6) المنتخب ص 304؛ الجواهر المضية 2: 341؛ ونقل عنه التميمي في الطبقات السنية 4: 230.(1/76)
معروف مشهور محترم، من وجوه المزكين في مجلس القضاء، من أصحاب أبي حنيفة، والمختصين بالقضاة الصاعدية سفرا وحضرا، سمع معهم وأعقب، انتخب عليه الحسكاني من مسموعاته بالعراق ونيسابور، وأفاد أولاده منه. روى عنه أبو عبد الله الفارسي(1).
3ـ أبو نصر محمد بن سهل بن محمد بن أحمد بن إسماعيل السرّاج الشّاذْيَاخي (393ـ483هـ)
الشيخ المعَمَّر، مسند خراسان. سمع الكثير عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني، وأبي الطيب الصُّعلوكي، وجماعة. حدّث عنه: ابنُ طاهر المقدسي، وإسماعيل بن محمد التّيمي، وعبد الغافر الفارسي، وقال: "هو شيخ نظيف، ظريف، مختصٌّ بمجلس الصاعدية للمُنادمة والخِدمة"(2).
4ـ مسعود بن محمد بن إسماعيل الشجاعي، أبو محمد (414ـ490هـ)
الفقيه الصالح الورع الزاهد، عديم النظير في انزوائه وورعه واجتهاده واحتياطه، نشأ من صباه علىذلك، من بيت الفضل والثروة والمروءة، وأبوه أبو المظفر من وجوه المشايخ. حضر مجالس الذكر، وسمع الكثير من الطبقة الثانية، كأبي حفص بن مسرور، والكنجروذي، والصابوني، وعبد الغار بن محمد الفارسي، والحاكم الشاذياخي، والبَحِيرية، والصاعدية، ولم يتفق كثير الرواية لانزوائه واشتغاله بالعبادة والاجتهاد(3).
5ـ الخليل بن أحمد أبو سليمان بن أبي جعفر الخالدي الفقيه ( ت. 503هـ)
سمع القضاة الصاعدية وغيرهم مع قاضي القضاة أبي سعد. وسمع أيضا من أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي، في سنة 452هـ(4)
6ـ الحسن بن أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، أبو سعيد السراجي (ت. 506هـ)
مشهور، سمع من أبيه والصاعدية، وعن أبي الحسين عبد الغافر وغيرهم(5).
7ـ الحسين بن علي بن داعي بن زيد بن علي الحسني، أبو عبد الله (ت. 513هـ)
__________
(1) المنتخب ص 360.
(2) المنتخب ص 66؛ سير أعلام النبلاء 18: 529.
(3) المنتخب ص 475ـ476.
(4) المنتخب ص 232.
(5) المنتخب ص 201.(1/77)
النسابة، الفاضل المعروف. سمع بإفادة أبيه السيد أبي الحسن العلوي الزاهد من مشايخ عصره، كأبي حفص بن مسرور، وشيخ الإسلام، والصاعدية، والبحيرية، وأبي الحسين عبد الغافر، وأبي مسعود البجلي. وختم به كثير من الأجزاء والأحاديث، فقد كان من المكثرين في السماع(1).
8ـ عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري، أبو نصر (ت. 514هـ)
إمام الأئمة وخير الأمة، وبحر العلوم، وصدر القروم، قرة عين زين الإسلام، وثمرة فؤاده، أشبه أولاده به خلقا، تخرج به، وبرع في النثر والنظم، وكان إليه استملاء الحديث وقراءة الكتب عليه، واظب على درس وصحبة إمام الحرمين ليلا ونَهارا، حتى حصل طريقته في المذهب والخلاف، وجدد عليه الأصول، وكان الإمام يعتد به، ويستفيد منه بعض مسائل الحساب في الفرائض والدور والوصايا. سمع الكثير عن الطبقة الثانية، مثل أبي حفص بن مسرور، والكنجروذي، والصابوني، وعبد الغار بن محمد الفارسي، والشاذياخي، والبجلي، والبَحِيرية، والصاعدية، والناصحي، وأكثر عن زين الإسلام، وعن الحرة الدقاقية(2).
9ـ أبو أحمد إسماعيل بن أحمد بن سلْم القاضي الخواري ( ت. 570هـ )
قال الصّريفيني: "فاضل، مشهور، نائب القضاة الصاعديّة بنيسابور، والمفتي على مذهب أبي حنيفة. سمع في أمالي الصاعديّة"(3). ودفن بالوَرْدِيّة(4).
10ـ يوسف بن أبي علي السقلاطوني المتكلم على مذهب العدل، كيس الطبع، من أصحاب أبي حنيفة، مناظر في الكلام. كان يخدم القضاة الصاعدية، سمع لا عن قصد ورغبة واعتناء به معنا من أحمد بن محمد بن أبي العلاء الغازي إملاء(5).
__________
(1) المنتخب ص 217.
(2) المنتخب ص 353ـ354.
(3) المنتخب ص 161.
(4) الجواهر المضية 1: 396ـ397؛ الطبقات السنية 2: 179ـ180.
(5) المنتخب ص 541.(1/78)
11ـ منصور بن عبد الله بن منصور العمروي، سديد صالح مستور من أصحاب أبي حنيفة، سمع من الثانية، وكان من خواص الصاعدية. سمع من الرئيس أبي طاهر الإسماعيلي البخاري القادم رسولا، بقراءة أبي القاسم الحسكاني(1).
12ـ عبد الرحمن بن الجنيد، أبو نصر الحاكم الحنيفي، مستور صالح، من خواص الصاعدية، كان ينوب في الخطابة في الجامع القديم في الأحايين. سمع من أصحاب الأصم، وكان مولده سنة 414هـ(2).
13ـ حمزة بن هبة الله بن محمد بن الحسين الحسني السيد، أبو الغنائم (ت ؟)
بقية السادة والأشراف بنيسابور. كان ركنا في طلب الحديث وسماعه عن مشايخ وقته ما أمكنه أن يسمع، وطاف به على المشايخ والصدور، وأحضر داره بعضهم. حصلت له فوائد ومسموعات جمة، فسمع من أكثر الطبقة الثانية، كأبي حفص بن مسرور، والكنجري، والصابوني، وعبد الغار بن محمد الفارسي، والشاذياخي، والبجلي، والبيحيرية، والصاعدية، وعن السادة الكبار من أهل بيته، ثم من المخلدي، والخفاف، وطبقتهم(3).
14ـ عبد الله بن عمر بن الحسين الشريف البكري، أبو محمد (ت ؟)
شاب فاضل نبيل، حضر مجلس الاستفادة من الإمام أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي النحوي القادم سنة 470، وسمع من تصانيفه نكت القرآن، واستنسخها، ثم توفي.
سمع من الصاعدية، والحاكم السراجي(4).
15ـ الفضل بن عبد الرحمن بن أحمد السردادي، أبو علي، (ت ؟)،
الأصيل الزكي المشهور، من بيت العدالة والتزكية، ظريف الصحبة، حسن العهد والمودوة، من أقارب القاضي أبي محمد عبيد الله بن صاعد. سمع من الصاعدية، ومن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي(5).
16ـ الفضل بن محمد بن الفضل الجلاّب النسوي، أبو العباس الحسكاني (ت ؟)
سماعه في كتاب التاج مع القاضي أبي العلاء صاعد(6).
17ـ قيس بن أصرم الشيباني، أبو حنيفة، (ت ؟)
__________
(1) المنتخب ص 485.
(2) المنتخب ص 347.
(3) المنتخب ص 222.
(4) المنتخب ص 319.
(5) المنتخب ص 453.
(6) المنتخب ص 445.(1/79)
مشهور من أصحاب أبي حنيفة، من الفقهاء المختصين بالقضاة الصاعدية. سمع من الثانية مثل أبي الحسين عبد الغافر، وكان من بعض رساتيق نيسابور، قدم نيسابور واستوطنها. روى عنه أبو عبد الله(1).
10ـ مُؤلَّفاته:
1ـ الاعتقاد : لم يذكر أحد من مترجميه شيئا من مؤلَّفاته، سوى هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه. قال القرشي "له كتاب، سمّاه ’الاعتقاد‘"(2). ويقول الكفوي: "وله كتاب العقيدة، سمّاه ’الاعتقاد‘، انتفعتُ بمطالعته، ولله الحمد"(3).
2ـ مختصر صاعد ( في الفقه ): ذكره أبو الفضل البيهقي في تاريخه فقال(4): "لقد جاء في مختصر صاعد الذي ألفه الإمام القاضي صاعد رحمه الله، وكان مؤدِّب السلطان مسعود والسلطان محمد، ابني السلطان يَمين الدولة ( محمود بن سبكتكين) رضي الله عنهم أجمعين، عند الكلام عن أصول المسائل : إن هذا الرأي من قول أبي حنيفة، وإنه هو ما ذهب إليه أبو يوسف، ومحمد، وزفر، وأبو العباس التبّاني، والقاضي أبي الهيثم".
11ـ ثناء العلماء عليه:
إن صاعدَ بن محمد نال شهرة عظيمة، ومكانة علمية سامية بحقّ، وبه اشتهر بيتُه، وإليه نُسِب أولادُه وأحفاده الذين جاءوا بعده.
أثنى عليه تلميذه الخطيبُ، ووثَّقه بقوله "وكان صاعدٌ عالما، فاضلا، صدوقا، انتهت إليه رئاسةُ أصحاب الرَّأْيِ بخراسان"(5).
__________
(1) المنتخب ص 464ـ465.
(2) الجواهر المضية 2: 267.انظر أيضا: تاج التراجم ص 29؛ الطبقات السنية 4: 83؛ كشف الظنون ص 1393؛ أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون ص 53؛ الفوائد البهية ص 83؛ الأعلام 3: 187؛ معجم المؤلفين 4: 319؛ تاريخ التراث العربي م 1 ج 4: 55.
(3) كتائب أعلام الأخيار ق 163أ .
(4) ص 213.
(5) تاريخ بغداد 9: 344 انظر أيضا: المنتظم 15: 278؛ الكامل في التاريخ 8: 248؛ الجواهر المضية 2: 266؛ الطبقات السنية 4: 82؛ طبقات الفقهاء المنسوب خطأ لطاشكبري زاده، وهو لابن الحِنّائي ص 81؛ كتائب أعلام الأخيار 163أ.(1/80)
وذكره العتبي بأنه "الإمام المرموق، والزاهد الموموق، والفاضل الجزل، والبازل الفحل، قضى أكثر عمره على الحظ النفيس من ثمر الدرس والتدريس، تتطفل عليه الأعمال فيأباها، وتصب إليه الأعراض فيرى الخيار فيما عداها، ومن حاز شرف العلم لم يشتر به ثمنا قليلا، ولم يعدل به حظا وإن كان جليلا"(1).
ووصفه السهمي بأنّه "صاحب الدرس بنيسابور على مذهب الرأي، وكان إمامَهم في عصره"(2).
كما وصف السمعاني بأنه "كان من أهل العلم، والفضل"(3).
وقال الصّريفيني إنه: "أحدُ أفرادِ أئمة الدين، بِهم يُقتَدَى، وبسيرتِهم يُهتَدَى. برز على الإخوان فضلا، وطرز نيسابور من جملة خراسان علما وورعا ونبلا، وشاع ذكرُه في الآفاق، وكان إمامَ المسلمين على الاطلاق"(4).
وقال الذهبي إنه "الفقيه، شيخ الحنفية، ورئيسُهم، وعالمهم، وقاضي نيسابور"(5).
وأما ابن تغري بردي فوصفه بأنه "قاضي نيسابور، وفقيهها، وعالمها. كان إماما فقيها، عفيفا، وَرِعا، كثيرَ العلم. كان المعوَّلُ على فتواه بنيسابور في زمانه"(6).
ومما تقدّم تتضح لنا مكانة القاضي أبي العلاء صاعد العلميةُ، وما كان يتمتَّع به من الفقه والقضاء والرئاسة والعلم والورع.
12ـ وفاته:
__________
(1) تاريخ اليميني 2: 313.
(2) تاريخ جرجان ص 509.
(3) الأنساب 1: 134. انظر أيضا : الجواهر 2: 265؛ الطبقات السنية 4: 82؛ الفوائد البهية ص 83.
(4) المنتخب ص 277.
(5) سير أعلام النبلاء 17: 508؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 342ـ343؛ العبر 3: 264، تذكرة الحفاظ 3: 1102. انظر أيضا: شذرات الذهب 5: 154.
(6) النجوم الزاهرة 5: 32.(1/81)
وبعد هذه الحياة الحافلة بالعلم والمعرفة والقضاء والتدريس والإملاء سنين، وتنشئةِ الرجال، ومَفاخر الأعمال، أدركتْه المَنيّة في سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، كما ذكره معظمُ المترجمين له(1). وذكرها الذهبي بصيغة التمريض(2).
وذكر البعض الآخَر أنه توفي في آخِرِ سنةِ (3) إحدى وثلاثين وأربع مئة(4). وذكرها القرشي وقاسم بن قطلوبغا بصيغة التمريض. وحدّد الصَّريفيني والذهبي بأنّها في ذي الحجّة. وصَرّح الذهبي(5) والتميمي صاحبُ الطبقات السنيةِ بأنّها هي الصحيح. فدُفِن في مقبرة سكّة القصَّارين، كما دُفِن في هذا المشهد أولادُه وأحفاده القضاة المشهورون الذين لحقوا به بعده(6).
وعاش سبعا وثمانين سنة(7).
وانفرد ابن الحِنّائي بقوله "ومات سنة ثلاثين وأربع مئة". ولا يُلتَفت إلى قوله هذا.
الفصل الثالث
الكتاب ومنهج التحقيق
1 ـ عنوان الكتاب
2 ـ توثيق نسبة الكتاب
3ـ وصف النسخة الأصلية
__________
(1) تاريخ بغداد 9: 345؛ الأنساب 1: 135؛ اللباب 1: 52؛ المنتظم 15: 278؛ الكامل في التاريخ 8: 248؛ معجم البلدان 1: 175؛ الجواهر المضية؛ 267؛ تاج التراجم ص 29؛ كتائب أعلام الأخيار 163أ؛ كشف الظنون 2: 1393؛ الأعلام 3: 187؛ معجم المؤلفين 4: 319؛ الفوائد ص 83؛ تاريخ التراث العربي م 1 ج 4: 55.
(2) سير أعلام النبلاء 17: 508؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343.
(3) شذرات الذهب 5: 154.
(4) المنتخب ص 278؛ الوافي بالوفيات 16: 232؛ سير أعلام النبلاء 17: 508؛ تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343؛ العبر 3: 264؛ النجوم الزاهرة 4: 32؛ الطبقات السنية 4: 83؛ شذرات الذهب 5: 154.
(5) تاريخ الإسلام (وفيات 421ـ440) ص 343.
(6) المنتخب ص 111، 119، 277، 432.
(7) كذا في العبر 3: 264؛ وشذرات الذهب 5: 154. ولعل الصواب: تسعا وثمانين سنة مع إكمال الكسور، كما هو معلوم من الحساب، إذ أنه ولد في ربيع الأول سنة 343، وتوفي في ذي الحجة سنة 431هـ عند صاحب العبر.(1/82)
4ـ منهج التحقيق
1 ـ عنوان الكتاب :
أجمع المترجمون للمؤلف على ذكر هذا الكتاب وتسميتِه كتابَ ’الاعتقاد‘.
وقد ذكر كل من الإمام القرشي (ت775هـ)، وابن قطلوبغا (ت879هـ)، والتميمي (ت1005هـ)، ورياضي زاده (ت القرن 11هـ)، واللكنوي (ت1304هـ)، والزركلي، وكحّالة بِهذا العنوان فقالوا: "له ـ للإمام صاعد ـ كتاب، سمّاه ’الاعتقاد‘"(1)، ونقل الثلاثة الأوائلُ روايةً ذكرها الإمام صاعد في كتابه هذا.
وانفرد البحاثة فؤاد سزكين بتسميته بـ ’العقيدة‘ اعتمادًا على عنوان الكتاب الوارد في المخطوطة الوحيدة(2).
2 ـ توثيق نسبة الكتاب :
سبق أن ذكرنا أن المترجمين للإمام صاعد بن محمد الأستوائي أجمعوا على نسبة الكتاب إليه. وهذا في حد ذاته توثيق منهم لنسبته إلى مؤلفه.
وإلى جانب ذلك نرى العلامة محمود بن سليمان الكفوي (ت 990هـ) صاحب كتاب ’كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار‘ ينص على أنه طالع الكتاب واستفاد منه، إذ يقول: "وله كتاب العقيدة، سمّاه ’الاعتقاد‘، انتفعتُ بمطالعته، ولله الحمد"(3). ويؤيد ذلك ما نقله الكفوي عن الكتاب من النصوص الواردة فيه، وما ذكره من آرائه الفقهية عنه.
وممن نسب الكتاب إلى المؤلف حاجي خليفة في كشف الظنون، قال بعد أن ذكر عنوانه: "وعمادُ الإسلام، قاضي نيسابور، صاعد بن محمد بن أحمد، هو أبو العلاء صاعد الأستوائي الحنفي المتوفى سنة 432 اثنتين وثلاثين وأربعمائة، صنّف أيضا كتاباً، سمّاه ’الاعتقاد‘"(4).
__________
(1) الجواهر المضية 1: 7ـ8، و2: 267؛ تاج التراجم ص 29؛ الطبقات السنية 4: 83؛ الفوائد البهية ص 83؛ الأعلام 3: 187؛ معجم المؤلفين 4: 319.
(2) تاريخ التراث العربي م 1 ج 4: 55.
(3) كتائب أعلام الأخيار ق 163أ؛ و 68 أ ـ ب، و 163ب ـ 164 أ.
(4) كشف الظنون 2: 1393 : واسمه فيه: أبو صاعد، وهو خطأ.(1/83)
وكذلك العلامة البياضي قد نقل عن ’الاعتقاد‘ نصوصا في كتابه القيم ’إشارات المرام من عبارات الإمام‘ في الصفحات 22، 149، 256، 267.
وهذا كله لا يدع أدنى مجال للشك في صحة عنوان الكتاب، ونسبته إلى مؤلفه صاعد بن محمد الأستوائي.
3ـ وصف النسخة الأصلية :
اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسخة واحدة، اتخذتُها أصلا، لتعذر الاهتداء إلى نسخ أخرى له بعد الرجوع إلى المصادر عن المخطوطات وأماكن وجودها، وفهارس المكتبات المختلفة، وبخاصة مكتبات استانبول، إذ يذكر الكفوي أنه اطلع على الكتاب واستفاد منه، مما يرجح أنه رآه في استانبول.
وهذه النسخة الأصلية التي تم تحقيق الكتاب عنها هي من محفوظات مكتبة ليدن بِهولانده تحت رقم 1977، والتي بين أيدينا الآن صورة عنها. وتقع ضمن مجموعة فيما بين الأوراق 39ـ63، وفي أربع وعشرين ورقة، وعدد الأسطر في كل لوحة 15 سطرا، تراوح واحدها ما بين تسع كلمات إلى اثنتي عشرة كلمة.
وخطها نسخ جيد مقروء، ندر خلو بعض كلماته من النقط، إلا أن ناسخها وقع في بعض الأخطاء اللغوية والإملائية، وأن صور بعض الأوراق ظهرت سوداء، تصعب قراءتُها، ولكنني قرأتُها وإن كانت ببالغ الصعوبة، ثم قابلتها بِمظانّها.
وقد وُجِدت عليها تصحيحات وتصويبات تشير إلى أنّها قوبلت بالنسخة المنقول عنها. ويضيف المصحح بالهامش بعض الكلمات التي سقطت من المتن مع علامة التصحيح كما في اللوحات 40أ، 54ب، 59ب، 60أ. وقد يغير ما في الأصل ويضرب عليه بخط أو بحرف الزيادة (ز)، ويذكر الصواب في الهامش، كما في اللوحات 50أ، 51ب، 54أ و ب، 56ب، 57ب، 60ب.
ويذكر كذلك بعض الكلمات التي تشير إلى الفروق بين نسخ الكتاب كما في اللوحات 40ب، 60أ، 62أ.
أما ناسخها فهو غير معروف.
ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن الثامن الهجري على ما يقوله الأستاذ فؤاد سزكين.
4ـ منهج التحقيق :(1/84)
إن المشتغلين بعملية التحقيق يعلمون الصعوبات التي تواجه أثناء العمل، وبخاصة إذا لم تتوفر لدى المحقق نسخٌ عديدة، واضطر بالاعتماد على نسخة خطية واحدة، وهذا يزيد من مسؤوليته، كما أنّها ترهق كاهله لما يترتب على ذلك من أعباء لا تخفى على أصحاب هذا الفن، ويزداد الأمر صعوبة كلما بَعُد زمن نسخ المخطوط عن عصر المؤلف.
بدأتُ العمل بقراءة الأصل ونسخه متبعا في ’عملية النقل‘ ما يلي:
1ـ النص على بداية كل لوحة من الأصل ورقمها، مع الرمز لصفحتها الأولى بالحرف أ، والثانية بالحرف ب.
2ـ التزام قواعد الإملاء المعاصرة، بصرف النظر عما في الأصل، مشيرا إلى التفاوت دائما.
3ـ وضع الزيادات بين حاصرتين مع النص بالهامش على زيادتِها، وكذا الكلمات الغامضة بالأصل والتي أثبتها اجتهادا، وهذا قليل جدا.
4ـ عدم التصرف في الأصل بأية إضافات أو تغييرات غير ضرورية، ولذا فقد التزمتُ تقسيم المؤلف لكتابه والعناوين التي وضعها لتلك الأقسام، ولم أُضِف أية عناوين من عندي.
5ـ تصحيح الأخطاء النحوية القليلة في الأصل مع الإشارة إلى ما في الأصل.
6ـ الاهتمام بعلامات الترقيم، وتقسيم الفقرات، وترقيم الروايات حتى يعين ذلك القارئَ على فهم المراد.
هذا من ناحية النقل، أما من ناحية توثيق النص والتعليق عليه، فقد اتبعت الأسس الآتتية:
7ـ العناية بتخريج النصوص المختلفة التي يضمها الكتاب، فمن ذلك:
أ ـ الآيات القرآنية، وقد حرصت على أن أنص دائما على اسم السورة ورقم الآية فيها.
ب ـ والأحاديث النبوية الشريفة قد عنيت بتخريجها بقدر ما تيسر لي من كتب السنة.
ج ـ ونصوص الإمام أبي حنيفة وتلاميذه الأئمة، إذ إنني لم أكتفِ بِما ورد في الكتاب، بل راجعت الكتب والمراجع التي تتناول النصوص الواردة في الكتاب، بدءا من رسائل الإمام أبي حنيفة الخمس، وهي :(1/85)
1ـ الفقه الأكبر، 2ـ الفقه الأبسط، 3ـ العالم والمتعلم، ... 4ـ الوصية، 5ـ رسالته إلى عثمان البَتِّي عالمِ البصرة، ومرورا بـ ’عقيدة الطحاوي‘، وبكتب مناقب الأئمة السلف: أبي حنيفة، وأبي يوسف القاضي، والإمام محمد بن الحسن الشيباني، وزفر، ومحمد بن شجاع الثلجي وغيرهم، وانتهاءً بكتب التراجم والطبقات. وهذه المصادر تعتبر بالنسبة لي نسخٌ أخرى عن الكتاب المحقَّق، إذْ وجدت فيها معظمَ النصوص الواردة في هذا الكتاب، كما هو معروف من الإحالات إليها أثناء التحقيق.
8ـ شرح بعض الكلمات الغريبة، اعتمادا على كتب اللغة والغريب.
9ـ التعريف بالأعلام التي وردت في الكتاب مع الإحالة إلى مصادر تراجمهم في كتب الرجال والطبقات.
10ـ التعريف بالفرق والمذاهب الوارة فيه، مع الإحالة كذلك إلى كتب الفرق والملل.
11ـ الإلحاق بالكتاب فهارس فنية تُسَهِّل على القارئ والباحث الاستفادةَ من محتوياته والوصول إلى مطلبه.
... ... ... ...
كتاب
الاعتقاد
عقيدة
مروية عن الإمام الأعظم، والحبر الأعلم الأقدم، سراج الأمة،
كاشف الغمة، الْمَخصوص بعناية الكريم الْمَنان،
أبي حنيفة النعمان، رضي الله عنه وأرضاه،
و(جعل) جنة الفردوس منقلبه ومثواه
بِمنه وكرمه
آمين
للقاضي عمادِ الإسلام أبي العلاء صاعد بن محمد بن أحمد الأستوائي النيسابوري
( 343 - 432 هـ = 954 – 1040 م )
بسم الله حمن الرحيم
( صلى الله على محمد وآله )
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، ورضي الله عن الصحابة والقرابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال القاضي الإمام الأجل عمادُ المسلمين، أبو العلا صاعد بن محمد رحمة الله عليه: قد بدأتُ ببعض ما يُحكَى عن أئمة أصحابنا رضي الله عنهم في أصول الدين، في بيان السنة والجماعة، لِيُتَمَسَّكَ به.(1/86)
1- فقد روي عن أبي يوسف(1)
__________
(1) فقيه العراقيين يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه. كان من حغاظ الحديث، وتفقه بالحديث والرواية، ثم لزم أبا حنيفة، فغلب عليه الرأي، وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. وهو أول من دُعِي قاضي القضاة، وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة. توفي ببغداد وهو على القضاء سنة 182ه. ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد 7: 330-331؛ طبقات خليفة بن خياط 328؛ المعارف لابن قتيبة 499؛ الثقات لابن حبان 7: 645؛ أخبار القضاة لوكيع 3: 254-264؛ الفهرست لابن النديم 286؛ تاريخ بغداد 14: 242-262؛ تاريخ جرجان 444-445؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري 90-119؛ الانتقاء لابن عبد البر 329-331؛ طبقات الفقهاء للشيرازي 134؛ الأنساب للسمعاني4: 432ـ433؛ اللباب 3: 8؛ المنتظم لابن الجوزي 9: 71ـ80؛ النجوم الزاهرة 2: 107-109؛ وفيات الأعيان لابن خلكان 6: 378-390؛ مناقب الامام الأعظم أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، للذهبي 57ـ76؛ تذكرة الحفاظ 1: 292-294؛ ميزان الاعتدال 4: 447؛ البداية والنهاية 10: 186-188؛ لسان الميزان 6: 300ـ301؛ مناقب الإمام الأعظم للكردري 389ـ418؛ تاج التراجم 81؛ مرآة الجنان لليافعي 1: 297-301؛ الجواهر المضية 3: 611-633؛ مفتاح السعادة 2: 234ـ241؛ شذرات الذهب 2: 367-371؛ كشف الظنون 1: 46، 164، 2: 1415، 1581، 1680؛ الفوائد البهية 225؛ هدية العارفين 2: 536؛ تأنيب الخطيب للكوثري 337ـ348؛ الأعلام 193.
وللشيخ محمد زاهد الكوثري ’حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي‘، طبع في القاهرة 1368.(1/87)
رحمه الله، عن أبي حنيفة(1)
__________
(1) هو النعمان بن ثابت الكوفي، إمام العراق، وفقيه الأمة، وأحد أئمة الإسلام، والأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، أدرك بعض الصحابة، وروى عن عطاء، ونافع، والأعرج، وطائفة. وروى عنه: ابنه حماد، وزفر، وأبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني، والحسن بن زياد، ونوح الجامع، وأبو مطيع البلخي، وجماعة. وثقه ابن معين، وقال ابن المبارك تلميذه: "ما رأيتُ في الفقه مثل أبي حنيفة". وقال الإمام الشافعي: "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة". توفي سنة 150هـ. وترجمة الامام الأعظم في مراجع كثيرة يصعب حصرها، منها: التاريخ الكبير للبخاري 8: 81؛ المعارف 495؛ الطبقات الكبرى لابن سعد 6: 368؛ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8: 449ـ450؛ الفهرست لابن النديم 284-285؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه 1-89؛ الانتقاء 329-331؛ طبقات الفقهاء للشيرازي 86؛ تاريخ بغداد 13: 323-454؛ اللباب لابن الأثير 1: 397؛ المنتظم 8: 128ـ144؛ الكامل لابن الأثير 5: 192؛ تَهذيب الكمال للمزي 29: 417ـ445؛ تَهذيب الأسماء واللغات للنووي 2: 216-223؛ وفيات الأعيان 5: 405-415؛ التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول 136-138؛ غاية النهاية لابن الجزري 2: 342؛ تذكرة الحفاظ 1: 168ـ169؛ مرآة الجنان لليافعي 1: 242-244؛ البداية والنهاية 10: 110ـ111؛ تَهذيب التهذيب 10: 449-452؛ تقريب التهذيب 563؛ جامع كرامات الأولياء 2: 277؛ خلاصة تذهيب تَهذيب الكمال 402؛ الطبقات الكبرى للشعراني 1: 53-54؛ الخميس في أحوال أنفس نفيس 2: 326ـ329؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 316؛ ذيل المذيل للطبري 102؛ روضات الجنات 8: 167-176؛ شذرات الذهب 2: 229-232؛ كشف الظنون 842، 1287، 1437، 1680، 2015؛ الكواكب الدرية للمناوي 1: 175-176؛ الأعلام 8: 36.
وترجم عبد القادر القرشي الإمامَ الأعظم بكتاب كبير، سماه ’البستان في مناقب إمامنا النعمان‘، التقط منه في الجواهر المضية 1: 49ـ63؛ والخوارزمي، في الجزء الأول من جامع المسانيد 1: 17ـ69؛ والكفوي، في أول كتيبة الأئمة المجتهدين وأصحاب المذاهب وأهل اليقين، من ’كتائب أعلام الأخيار‘؛ والتميمي في الجزء الأول من ’الطبقات السنية في تراجم الحنفية‘ 1: 73ـ169.
وذكر حاجي خليفة في كشف الظنون 1836-1839 مَن ألف في مناقب الامام الأعظم، ومن ترجمه أثناء كتابه، وذيل عليه البغدادي في إيضاح المكنون 2: 560، فذكر كتابين.
ومن التراجم والدراسات المفردة المطبوعة في مناقب الامام الأعظم:
مناقب الامام الأعظم أبي حنيفة، للموفق بن أحمد المكي الخوارزمي، المتوفى سنة 568هـ؛ ومناقب الامام أبي حنيفة لحافظ الدين محمد بن محمد الكردري ابن البزازي المتوفى سنة 827 هـ. وقد طبع هذان الكتابان معا في مجلدين بِحيدر آبآد سنة 1311هـ، كما طبعا في مجلد واحد بِها سنة 1321هـ، ببيروت 1401.
مناقب الامام الأعظم أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، للإمام الذهبي المتوفى 748هـ. طبع بتحقيق الشيخين أبي الوفاء الأفغاني ومحمد زاهد الكوثري في مصر 1366، وفي ملتان 1399، وفي بيروت 1408هـ.
عقود الجمان في مناقب الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان، لمحمد بن يوسف الصالحي الدمشقي، طبع في الهند سنة 1349هـ.
الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان، لابن حجر الهيتمي المكي المتوفى سنة 974هـ، طبع في مصر سنة 1305هـ، ثم سنة 1326هـ، وفي بيروت 1403.
مناقب الامام الأعظم، لمجد الدين أحمد بن المهدي السيواسي، طبع في مصر 1345.
مناقب الامام الأعظم لعلي بن سلطان محمد القاري المتوفى سنة 1014هـ، وطبع ذيلا للجواهر بِحيدر آبآد، 1332هـ.
للمحدَثين في ترجمة الامام الأعظم جهود مشكورة، أذكر منها:
للشيخ محمد زاهد الكوثري ’تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب‘، و’الترحيب بنقد التأنيب‘، و’النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة‘، كلها مطبوع.
وللشيخ حبيب أحمد الكيرانوي ’أبو حنيفة وأصحابه‘، طبع في بيروت 1989.
وللشيخ محمد أبو زهرة ’أبو حنيفة: حياته، وعصره، وآراؤه، وفقهه‘، طبع في مصر وبيروت.
وللأستاذ عبد الحليم الجندي ’أبو حنيفة بطل الحرية والتسامح في الاسلام‘، طبع في مصر 1945، و 1970.
وللأستاذ مصطفى نور الدين ’المطالب المنيفة في الذب عن الإمام أبي حنيفة‘، طبع في بيروت 1410ـ1990.
وللأستاذ سيد عفيفي ’حياة الامام أبي حنيفة‘، طبع في مصر 1962.
وللدكتور محمد يوسف موسى ’أبو حنيفة والقيم الانسانية في مذهبه‘، طبع بمصر.
وللأستاذ عناية الله إبلاغ ’الامام الأعظم أبو حنيفة المتكلم‘، طبع في مصر 1971.
وللدكتور مصطفى سليم ’أبو حنيفة محدثا‘، طبع في مصر 1962.
وللشيخ وهبي سليمان غاوجي ’أبو حنيفة النعمان، إمام الأئمة الفقهاء‘، طبع في بيروت 1981.
وللدكتور محمد قاسم الحارثي ’مكانة الإمام أبي حنيفة بين المُحدِّثين‘، طبع بِمكة 1413هـ.(1/88)
- رضي الله عنه - أنه قال: لا ينبغي لأحد أن ينطق في الله بشيء من ذاته، بل يصفه(1) بِما وصف به نفسَه، ولا يقول (فيه)(2) برأيه شيئا، تبارك الله رب العالمين(3).
__________
(1) في الأصل: بصفة. والتصويب من الأصول المنيفة 45، وإشارات المرام للبياضي 149.
(2) زيادة من إشارات المرام .
(3) ذكره ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية 1: 427؛ والبياضي في الأصول المنيفة 45، وإشارات المرام 149، فقال: "رواه القاضي أبو العلاء الصاعدي في ’كتاب الاعتقاد‘، والإمام أبو شجاع الناصري في ’البرهان‘".(1/89)
2- وروي عن أبي مطيع البلخي(1)رحمه الله قال: لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين البتة، ونصفه كما وصف به نفسَه، أحد، صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، (حَيّ)(2)، قادر، سميع، عليم، بصير، يدً الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، وليست بجارحة، [40أ] وهو خالق الأيدي، ووجهه ليس كوجوه خلقه، وهو خالق (كل)(3) الوجوه، ونفسُه ليست (4) كنفس خلقه، وهو خالق النفوس، { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (5).
__________
(1) هو الحكم بن عبد الله بن مسلمة، الإمام العالم العامل، أحد أعلام هذه الأمة، وجهابذة الأئمة، سيد أهل بلخ علما وعبادة وزهدا. حدّث عن مالك، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، وكان من كبار أصحابه، وهو راوي ’الفقه الأكبر‘ المسمّى بـ’الفقه الأبسط‘ تَمييزاً له عن رواية حماد بن أبي حنيفة عن أبيه. ولي قضاء بلخ مدة طويلة، تفقه به أهل بلخ. قال الذهبي: كان بصيرا بالرأي، علامة كبير الشأن، ولكنه واهٍ في ضبط الأثر. وكان ابن المبارك يعظّمه ويُجِلُّه لدينه وعلمه، توفي سنة 199هـ عن أربع وثمانين سنة (طبقات ابن سعد 7: 374؛ تاريخ بغداد 8: 223ـ225؛ مناقب المكي 122؛ مناقب الكردري 515؛ الجواهر المضية 2: 142؛ ميزان الاعتدال 1: 574ـ575؛ مفتاح السعادة 2: 262؛ الطبقات السنية 3: 178ـ180؛ الفوائد البهية 68ـ69).
(2) زيادة من ’الفقه الأبسط‘ للإمام أبى حنيفة 52.
(3) زيادة من ’الفقه الأبسط‘ 52؛ وإشارات المرام 193.
(4) في الأصل: ليس. والتصويب من المصدرين السابقين.
(5) الشورى، 12. وردت هذه الرواية عن أبي أبي حنيفة في ’الفقه الأبسط‘ 52-53؛ والأصول المنيفة 52؛ وإشارات المرام 193.(1/90)
3- وروى حماد بن أبي حنيفة(1) رضي الله عنهما أنه قال: ما الأمر إلا ما جاء به القرآن، ودعا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان عليه أصحابه حتى تفرق الناس. فأما ما سوى ذلك فمبتدَع محدَث.
__________
(1) تفقه على أبيه، وأفتى في زمنه، وتفقه عليه ابنه إسماعيل، وهو من طبقة أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد. وكان شديدا على أهل الأهواء. قال ابن خلِّكان: كان من الصلاح والخير على قدمٍ عظيم. توفي سنة 167هـ (أخبار أبي حنيفة وأصحابه 151؛ الجواهر المضية 2: 153ـ154؛ ميزان الاعتدال 1: 590؛ مفتاح السعادة 2: 258؛ الطبقات السنية 3: 188؛ الفوائد البهية 69).(1/91)
4- ويروى عن الجارود بن يزيد(1) قال: سمعت أبا حنيفة - رضي الله عنه - يقول: نفى جهم(2)، حتى قال: لا شيء(3)، وغضب على التنْزيل، قال: فقال له الجارود: ما تقول أنت رحمك الله؟ قال: أنا أقول كما قال الله تعالى في تنْزيله(4)، ورُوِي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أبو علي، وقيل: أبو الضحاك، الفقيه العامري النيسابوري، صاحب الإمام أبي حنيفة، وجاء من أولاده كثيرٌ من أهل العلم والفضل. حدّث عن بَهْز بن حكيم، وعمر بن ذر، وروى عنه أهل نيسابور. وكانت وفاته سنة ثلاث، وقيل: 206هـ. (تاريخ بغداد 7: 261ـ264؛ ميزان الاعتدال 1: 384ـ385؛ الجواهر المضية 2: 6ـ7؛ عقود الجمان 103؛ الطبقات السنية 2: 272-273).
(2) جهم بن صفوان، أبو محرز مولى بني راسب، وهو من أهل خراسان، تتلمذ على الجعد بن درهم، واتصل بمقاتل بن سليمان من المرجئة. وكان كاتبا للحارث بن سريج من زعماء خراسان، وخرج معه على الأمويين، فقتل بِمرو سنة 128هـ. وإليه تنسب الجهمية، من أبرز آرائه: نفيه الصفات وعذابَ القبر، وقوله بالجبر، وبفناء الجنة والنار (مقالات الأشعري 279-280؛ الفرق بين الفرق 128؛ التبصير في الدين63-64؛ الملل والنحل 1: 86-88؛ الخطط للمقريزي 2: 349-350؛ تاريخ الجهمية 10ـ28؛ المعتزلة لزهدي جار الله 16، 42).
(3) نقل الحافظ ابن أبي العوّام في فضائل أبي حنيفة، كما في تأنيب الخطيب للكوثري 102؛ والذهبي في ميزان الاعتدال 4: 173، عن الإمام أبي حنيفة قوله: "أفرط جهم في نفي التشبيه، حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء. وأفرط مقاتل - يعني في الإثبات-، حتى جعله مثل خلقه". انظر كذلك: تلبيس إبليس 96؛ ومناقب الإمام أبى حنيفة وصاحبيه للذهبي 35؛ وتَهذيب التهذيب 281:10؛ والطبقات السنية 1: 112؛ وقواعد في علوم الحديث للتهانوى 333؛ وتاريخ الجهمية للقاسمي 11.
(4) في الأصل : تنْزله .(1/92)
5- وروي عن محمد بن الحسن(1)
__________
(1) ابن فرقد، العلامة، فقيه العراق، أبو عبد الله الشيباني. لازم أبا حنيفة، ثم أبا يوسف بعده، صنف الكتب، ونشر علم أبي حنيفة. روى الحديث عن مالك، ودوّن ’الموطأ‘، وحدّث به عن مالك. كما روى عن مسعر، والثوري، وعمرو بن دينار. روى عنه الإمام الشافعي، ولازمه، وانتفع به. وقال الشافعي: "أخذتُ من محمد بن الحسن وِقْرَ بعير، وما رأيتُ رجلا سمينا أفهم منه". وكان مقدَّما في علم العربية، والنحو، والحساب، والفطنة. ولي القضاء للرشيد، وتوفي بالري سنة 189هـ. ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد 7: 336؛ المعارف لابن قتيبة 500؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري 120-130؛ الجرح والتعديل 7: 227؛ الفهرست 287-288؛ طبقات الفقهاء للشيرازي 135-136؛ الانتقاء 337-338؛ تاريخ بغداد 2: 172-182؛ الأنساب 3: 483-484؛ اللباب 2: 219؛ المنتظم 9: 173ـ176؛ وفيات الأعيان 4: 184؛ النجوم الزاهرة 2: 130-131؛ الوافي بالوفيات 2: 332-334؛ مرآة الجنان لليافعي 1: 325-326؛ مناقب الامام الأعظم أبي حنيفة وصاحبيه للذهبي 79ـ95؛ سير أعلام النبلاء 9: 134ـ136؛ الجواهر المضية 3: 122-127؛ ؛ البداية والنهاية 10: 210؛ مناقب الإمام الأعظم للكردري 419ـ440؛ تاج التراجم 54؛ مفتاح السعادة 2: 241-246؛ كشف الظنون 1: 15، 107، 561، 567، 2: 962، 1014، 1384، 1395، 1415، 1424، 1430، 1444، 1452، 1581، 1669، 1830، 1908، 1979، 1980؛ شذرات الذهب 2: 407ـ412؛ الفوائد البهية 163؛ إيضاح المكنون 1: 115؛ هدية العارفين 2: 8؛ تأنيب الخطيب 349ـ361؛ الأعلام 6: 80.
وللشيخ محمد زاهد الكوثري ’بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني‘، المطبوع في القاهرة 1355.(1/93)
، عن أبي حنيفة، وأبي يوسف - رضي الله عنهم - أنّهما قالا: السنة التي عليها أمر الدين: أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، ولا نُخرِجه من الإسلام(1)، ولا نقول بقول أهل القدر، ولا نشك في الدين، يقول الرجل: (ما أدري)(2) أ مؤمن أنا، (أم لا)(3)؟ ولا نَخرج على المسلمين بالسيف، ونقدِّم من قدَّم أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونُفَضِّل من فُضِّل(4)، وكذلك قول محمد بن الحسن - رضي الله عنه -.
__________
(1) قال الإمام محمد في الموطأ 325: "لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يشهد على رجل من أهل الإسلام بذنب أذنبه، بكفرٍ، وإن عَظُم جُرْمُه. وهو قول أبي حنيفة والعامّة من فقهائنا".
وهو قول أحمد بن حنبل، يقول: "ولا نكفر أحدا منهم بذنب، ولا نُخرجه من الإسلام بعمل" (طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1: 27؛ أنظر أيضا 2: 267، 303؛ ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 173).
(2) سقط من الصلب، وصحح في الهامش .
(3) في الهامش: أم كافر .
(4) انظر كذلك ، ق 46 ب من الكتاب؛ والفقه الأكبر 61؛ والعقيدة الطحاوية ( ط. الجابي) 19، 21.
وأسند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1: 183) إلى أبي القاسم عبد الجبار بن شيراز بن يزيد العبدي ـ صاحب سهل بن عبد الله التستري ـ يقول: "سمعت سهل بن عبد الله يقول: وقيل له: متى يعْلم الرجلُ أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا عرف من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعةَ، ولا يسب أصحابَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يَخرج على هذه الأمة بالسيف، ولا يُكذب بالقدر، ولا يشك في الإيِمان، ولا يُماري في الدين، ولا يترك الصلاةَ على من يَموت من أهل القبلة بالذنب، ولا يترك المسح على الخفين، ولا يترك الجماعة خلف كل والٍ: جارٍ أو عَدْلٍ".(1/94)
6- وروي [40ب] عن أبي سليمان(1) أن رجلا جاء إلى أبي حنيفة - رضي الله عنه - فقال: أرى مقالات الناس مختلفة، وقد بقيت فيما بينهم متحيرا، لست(2) أقف على صواب القول منهم، أُحِبُّ - يا أبا حنيفة - أن تبين لي طريقا أكون عليه، فأنجو غدا من النار، وترضى لي بِما ترضاه لنفسك، وإذا تابعتُك لا أُلاَمُ عليه.
فقال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: أدركت الناس وهم يقولون: من قال: أشهد أن لا إله، وأن محمدا رسول الله، فقد أخلص الملك لله، وتبرأ ممن عُبِد ( من دونه )(3)، وخلع الأنداد والأشباه. ثم الواجب عليهم بعد الشهادة بوحدانيته، وبإثبات رسله، وبإقراره بالمفروضات من الصلاة والزكاة والصوم والحج لمن استطاع، والبراءة من الكفر والشرك، العملُ(4) بِما افترض عليه من ذلك، فمن استقام على ذلك، ومات عليه، فهو من أولياء الله تعالى، ومن استقام على الشهادتين، وقصَّر في هذه المفروضات فأمرُه إلى الله تعالى، إن شاء عذَّبه على تضييعه(5)، وإن شاء عفا عنه.
__________
(1) موسى بن سليمان الجوزجاني، أخذ الفقه عن محمد، وكتب مسائلَ الأصول والأمالي، وكان فقيها بصيرا بالرأي، ومشاركا لمعلى بن منصور، سمع عبدَ الله بن المبارك، وعمرو بن جميع، وأبا يوسف، ومحمد بن الحسن صاحبيْ أبي حنيفة، عرض عليه المأمون القضاء فلم يقبل، توفي بعد المئتين، وله السير الصغير والنوادر وغير ذلك (أخبار أبي حنيفة وأصحابه 154؛ تاريخ بغداد 13: 36-37؛ الجواهر المضية 3: 518-519؛ تاج التراجم 74-75؛ الفوائد البهية 216).
(2) في الأصل: ألست. والتصويب من كتائب أعلام الأخيار للكفوي ق: 163 ب .
(3) في الصلب: غيره . وصحح في الهامش .
(4) في الأصل: والعمل. والتصويب من كتائب أعلام الأخيار ق: 68 ب؛ وبإسقاط "الواو" يلتئم الكلام.
(5) في الأصل: تضيعه. والتصويب من المرجع السابق ق: 68 ب، 163ب .(1/95)
وإياك أن تشتم أحداً من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ودَعْ سرائرهم إلى الله [40أ] تعالى، { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم } (1)، وتؤمن بالقدر كله، ولا تقول على الله غير الحق، وارْضَ للناس بِما ترضى لنفسك، واكرَهْ لهم ما تكره لها، ولا تقل في (دين)(2) الله برأيك، ولا تتأولْ على الله، ولا تعترض عليه، فإن الله تعالى { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } (3).
__________
(1) جزء من آيتي البقرة 134، 141.
(2) في الأصل: في رأي الله. وهو خطأ، والتصويب من كتائب أعلام الأخيار ق: 68أ، 163ب .
(3) الأنبياء ،123. نقل الكفوي هذه الرواية عن الإمام صاعد بن محمد في كتابه المذكور ق: 68ب، و163ب.(1/96)
7- وروي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم الجامع(1) رحمه الله: سألت أبا حنيفة - صلى الله عليه وسلم - مَن أهل القبلة والجماعة؟ قال: من فضَّلَ أبا بكر وعمر، وأحَبَّ عثمان وعليّا - رضي الله عنهم -، ورأى المسحَ على الخفين، ولم يكفر أحدا بذنب، وآمن بالقدر خيره و شره من الله، ولم ينطق في الله بشيء (2)
__________
(1) في الأصل: نوح بن أبي مريم رحمه الله في الجامع. وهو خطأ، وليس له كتاب معروف بِهذا الاسم. وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم يزيد بن جَعْوَنة، أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، والحديث عن الحجاج بن أرطأة، والتفسير عن الكلبي، ومقاتل، والمغازي عن ابن إسحاق. و ’الجامع‘ لقب له، لقّب به لأنه أوّل من جمع فقه أبي حنيفة، أو كان له أربعة مجالس؛ مجلس للمناظرة، ومجلس لدرس الفقه، ومجلس لمذاكرة الحديث ومعرفة معانيه والمغازي، ومجلس لِمعاني القرآن والأدب والنحو، وكان على قضاء مَرْو في خلافة المنصور، توفي سنة 173هـ. (مناقب المكي 369-370؛ مناقب الكردري 364؛ ميزان الاعتدال 4: 279؛ تَهذيب التهذيب 10: 486ـ489؛ تاج التراجم 20؛ الفوائد البهية 221ـ222).
(2) ذكر هذه الرواية : الصيمري في أخبار أبى حنيفة 83، وزاد فيها: "ولم يُحرّم نبيذ الجرّ". قال سعد بن معاذ –الراوي- في آخرها: "قد جمع في هذه الأحرف السبعة مذاهب أهل السنة والجماعة، فلو أراد رجل أن يزيد فيها حرفا ثامنا لم يقدر عليه"؛ وذكرها البيهقي في الاعتقاد والهداية 107؛ وابن عبد البر في الانتقاء 314، بسنديهما؛ والعيني في عقد الجمان 2: 594أ؛ وطاشكبري زاده في مفتاح السعادة 2: 204؛ وعلي القاري في شرح الفقه الأكبر 107.
وأخرج ابن عبد البر في الانقاء 314؛ والخطيب في تاريِخه 13: 383؛ والعيني في عقد الجمان 2: 594أ؛ كلهم عن يَحيى بن نصر قال: "كان أبو حنيفة يُفضِّل أبا بكر وعمر، ويُحبّ عليّا وعثمان، وكان يؤمن بالقدر خيره وشره، ولا يتكلّم في الله عز وجل بشيءٍ، وكان يَمسح على الخفين، وكان من أفقه أهل زمانه وأتقاهم".
وأخرج ابن عبد البر في الانتقاء 315؛ والعيني في عقد الجمان 2: 594أ؛ عن حماد بن أبي حنيفة يقول: "سمعت أبا حنيفة يقول: الجماعة أن تُفضِّلَ أبا بكر وعمر وعليّا وعثمان، ولا تنتقِصَ أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تُكفِّرَ الناس بالذنوب، وتصلِّيَ على من قال: لا إله إلا الله، وخلف من قال: لا إله إلا الله، وتَمسحَ على الخفين، وتُفوِّضَ الأمرَ إلى الله، وتَدَعَ النطقَ في الله جل جلاله".
وذكر الميداني في شرح العقيدة الطحاوية (ص 113) أن أبا حنيفة "سئل عن مذهب أهل السنة والجماعة فقال: هو أنْ تُفضِّل الشَّيْخيْنِ وتُحِبَّ الخَتَنَيْنِ"، أي عثمانَ وعليّاً رضي الله عنهما.
وأخرج ابن عبد البر في الانتقاء 72 أيضا، عن رجل جاء إلى الإمام مالك، فقال: "من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لَقبٌ يُعرَفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي". وسئل أيضا "مَن تُقَدِّم بعد رسولِ الله؟ قال: أقدِّمُ أبا بكر وعمر، لم يزد على هذا".
وذكرالتفتازاني في شرح العقائد (ص 188) أن أنس بن مالك "سئل عن أهل السنة والجماعة فقال: أنْ تُحِب الشَّيْخيْنِ، ولا تطعن في الخَتَنَيْنِ، وتَمسح على الخفين".(1/97)
، يعني من ذاته ورأيه.
1ـ فصل : في الإيِمان
8- روي عن أبي مطيع رحمه الله قال: قلت لأبي حنيفة - رضي الله عنه - : أخبرني عن الإيِمان؟ قال: شهادة أن(1) لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، واشهد(2) بِملائكته، وكتبه، ورسله، و قيامته، وجنته وناره، وخيره وشره، واشهد(3) أنه لم يفوض الأعمال إلى أحد، والناس صائرون إلى ما خلقوا له، وإلى ما جرت به المقادير(4).
__________
(1) في الفقه الأبسط 38 : أن تشهد .
(2) في الفقه الأبسط 38 : وتشهد .
(3) في الفقه الأبسط 38 : وتشهد .
(4) وردت هذه الرواية عن أبي مطيع عن أبي حنيفة في الفقه الأبسط 38؛ وذكرها البياضي في إشارات المرام 70-71.(1/98)
9- وروي عن محمد بن عبيد(1) قال: كنت عند قتادة(2)، إذ دخل [41ب] أبو حنيفة - رضي الله عنه - فقال: يا أبا الخطاب! ما تقول في الإيِمان؟ فقال: أنا مؤمن بالله، وبِما جاء به محمد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والجنة والنار، وأشباهه. فأما أكون من الذين سبقت لهم الدرجات العلا فما أدري؟ فقمنا من عنده، فقلت لأبي حنيفة - رضي الله عنه - ما تقول في كلامه؟ قال: هو حسن.
__________
(1) في الأصل: محمد بن عبيد الله، وفي مصادر الترجمة: محمد بن عبيد ـ بلا إضافة ـ ابن أبي أمية الإيادي الكوفي الطنافسي، أبو عبد الله، الأحدب، أخو عمر ويعلى وإدريس، أهل بيتٍ، علماءُ، فضلاء. قال الدارقطني: كلهم ثقات. وكان أحدَ المتقين، وأحدَ تلامذة الإمام أبي حنيفة. وقال ابن سعد: ثقة، كثير الحديث، صاحب سنة. ولد سنة 127هـ، ومات سنة أربع، وقال خليفة ومطيّن: خمس ومئتين. قلت: وفي السند انقطاع، إذ كيف يمكن أن يكون محمد بن عبيد المولود سنة 127هـ عند قتادة المتوفي عام 118هـ. (طبقات ابن سعد 6: 397؛ تاريخ بغداد 2: 365ـ369؛ الجواهر المضية 3: 247ـ248؛ تذكرة الحفاظ 1: 333ـ334؛ سير أعلام النبلاء 9: 436ـ438؛ تَهذيب التهذيب 9: 327ـ329؛ عقود الجمان 95).
(2) هو التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي البصري الضرير، يكنى أبا الخطاب، وكان ثقة، مأمونا، حجة في الحديث والتفسير، وكان أحدَ مشايخ الإمام أبي حنيفة، توفي سنة 117، وقيل 118هـ. (طبقات ابن سعد 7: 229ـ231؛ مناقب المكي 45؛ تذكرة الحفاظ 1: 122ـ124؛ سير أعلام النبلاء 5: 269ـ283؛ عقود الجمان 81).(1/99)
10- وروي عن أبي مقاتل السمرقندي(1) عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال: الإيِمان هو المعرفة، والتصديق، والإقرار، والإسلام(2)
__________
(1) هو أبو مقاتل حَفْص بن سَلْم السمرقندي، صحب أبا حنيفة ولزمه، وأكثر عنه الرواية. وسمع عن المشايخ الذين سمعهم أبو حنيفة، مثل أيوب السختياني، وأضرابِه. قال الكوثري في مقدمة العالم والمتعلم 5: "وقد طالت ألسنة بعض النقلة على أبي مقاتل، كطول ألسنتهم على أبي حنيفة وأصحابه، متذرعين في ذلك برميهم إياه بالرأي والإرجاء والتجهم ونَحو ذلك مما يعلو تَحقيق الحق والباطل منه على مداركهم، حتى تراهم يرمونه بالكذب من غير حجة، وكل من قال بخلاف رأيهم فهو كذّاب لقوله بِما هو خلاف الواقع في نظرهم، على جلالة قدره عند أصحابنا - رضي الله عنهم - ـ لا آخذ الله المخالفين على هذا العدوان الصارخ ـ فإن كان لابد من النقل من غير أصحابنا في التعويل على المرء، فدونك كلام أبي يعلى الخليلي في الإرشاد (3: 975) في أبي مقاتل: "مشهور بالصدق والعلم، غير مخرَّج في الصحيح، وكان يفتى، وله في العلم والفقه محل، ويعنى بِجمع حديثه خلف بن يَحيى، قاضي الري". عمّر كثيرا، وعاش إلى أن مات سنة 208هـ. (مناقب المكي 224ـ225؛ ميزان الاعتدال 1: 557ـ558؛ اللسان 2: 322ـ323).
(2) انظر: الفرق بين الفرق 123.
وقال الإمام أبو حنيفة في ’العالم والمتعلم‘ ص 16، في تفسير هذه الكلمات: "إن هذه أسماء مختلفة، ومعناها واحد، هو الإيِمان وحده، وذلك بأن يقرّ بأن الله ربه، ويصدّق بأن الله ربه، ويتيقّن بأن الله ربه، ويعرف بأن الله ربه، فهذه أسماء مختلفة، ومعناها واحد، كالرجل، يقال له: يل إنسان، ويا رجل، ويا فلان، وإنما يعني القائل بِها واحدا، وقد دعاه بأسماء مختلفة".(1/100)
. والناس في التصديق على ثلاثة منازل: فمنهم من صدّق بالله(1)تعالى، وبِما جاء منه بقلبه، فأقر بذلك بلسانه، فهو عند الله وعند الناس مؤمن. ومنهم من صدّق بلسانه، وكذب بقلبه، فهو عند الله كافر، وعند الناس مؤمن، لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه، وعليهم أن يسموه(2) مؤمنا بِما ظهر لهم من الإقرار بِهذه الشهادة، وليس لهم(3) أن يتكلفوا علم القلوب. ومنهم من يكون عند الله مؤمنا وعند الناس كافرا، وذلك أن الرجل يكون مؤمنا بالله، يظهر الكفر بلسانه في حالة التقية، [42أ] فيسميه من لا يعرف أنه كافر شقي، وهو عند الله مؤمن سعيد(4)
__________
(1) في الأصل: صدق لله. والتصويب من العالم والمتعلم 15؛ والأصول المنيفة 83؛ والسياق.
(2) في الأصل: أن يسمونه. والتصويب من العالم والمتعلم 15؛ والانتقاء 321 0
(3) في الأصل: وليس عليهم . والتصويب من المصدرين السابقين؛ ومناقب المكي 77.
(4) وردت هذه الرواية كذلك في العالم والمتعلم 15؛ والانتقاء 320-321؛ ومناقب المكي 76-77؛ ومناقب الكردري 158؛ والطبقات السنية 1: 155. وانظر كذلك: الملل والنحل للبغدادي 140.
قال الإمام أبو حنيفة في الوصية ص72: "الإيِمان إقرار باللسان وتصديق بالجَنان. والإقرار وحده لا يكون إيِمانا، لأنه لو كان إيِمانا لكان المنافقون كلهم مؤمنين. وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إيِمانا، لأنّها لو كانت إيِمانا لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين. قال الله تعالى في حق المنافقين { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } (المنافقون،1)، وقال الله تعالى في حق أهل الكتاب { الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } (البقرة، 146)"، والّذي يظهر من رواية أبي مقاتل في الإيِمان وما ذكرناه من الوصية هنا أن الإقرار باللسان ليس جزءا حقيقيا للإيِمان عند الإمام، بل هو شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، لِما أن تصديق القلب أمر باطنيّ، لابد له من علامة. فمن صدّق بقلبه ولم يقرّ بلسانه فهو مؤمن عند الله تعالى، وإن لم يكن مؤمنا عند الناس في أحكام الدنيا. ومن أقرّ بلسانه ولم يصدّق بقلبه كالمنافق، فهو بالعكس. قال العلامة ابن كمال باشا في ’رسالة في الإيِمان‘ ص 360: "وأما في الشرع فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إنه تصديق قلبي فقط … وأن الإقرار لا مدخل له في تَحقيق الإيِمان، ولكنه جعل علامة لإجراء الأحكام الإسلامية عليه، من الدفن في مقابر المسلمين، والصلاة عليه، وغيرهما من شرائط الإسلام. وقال به أيضا أبو منصور رحمه الله". وهو رأي جمهور المحققين. قال الإمام أبو المعين النسفي في تبصرة الأدلة 1: 25: "الإيِمان هو التصديق على قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -، كذا ذكره في كتاب العالم والمتعلم. وهو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله. وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين". وذكر هو أيضا في 2: 799 منها، وفي التمهيد 378؛ وأبو البركات النسفي في الاعتماد ق76 ب: "وهو المرويّ عن أبي حنيفة - رضي الله عنه -". وقال الإمام نور الدين الصابوني في البداية 87-88: "نصّ عليه أبو حنيفة - صلى الله عليه وسلم - في كتاب العالم والمتعلم". وقال الإمام التفتازاني في شرح العقائد 154: "والنصوص معاضدة لذلك". انظر كذلك: بَحر الكلام 169؛ شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2: 459-460؛ وشرح الفقه الأكبر للقاري 124-126؛ وشرح الوصية لملا حسين بن إسكندر 52-54.(1/101)
.
11- وروى وكيع(1) عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال: لا يكون مؤمنا بالمعرفة (2)، حتى يعرف ويقر بلسانه، فإذا عرف وأقر بلسانه فهو مؤمن(3).
__________
(1) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، أبو سفيان، شيخ الإمام الشافعي، الحافظ الثبت، محدِّث العراق في عصره، أحد الأئمة الأعلام. وكان يقوم الليل ويسرد الصوم. سمع من أبي حنيفة شيئا كثيرا، وكان يفتي برأيه. وله تفسير القرآن، والسنن، والمعرفة والتاريخ، والزهد. توفي في طريق مكّة بفيد، وهو راجع من الحجّ، ودفن فيه، سنة 197هـ. (طبقات ابن سعد 6: 394؛ أخبار أبي حنيفة 149؛ تاريخ بغداد 13: 466ـ481؛ تذكرة الحفاظ 1: 306ـ309؛ الجواهر المضية 3: 576ـ577؛ مناقب الكردري 477ـ480؛ مفتاح السعادة 2: 253ـ255؛ عقود الجمان 153).
(2) قال العلامة التفتازاني في شرح المقاصد 5: 171: "وكثيرا ما يقع في عبارات النحارير من العلماء مكان التصديق تارة: المعرفة، وتارة: العلم، وتارة: الاعتقاد".
(3) قارن بِما ورد في مناقب المكي 125؛ ومناقب الكردري 201ـ202؛ والأصول المنيفة 83ـ84.(1/102)
12- وروي أن جهما لقي أبا حنيفة - رضي الله عنه - فقال: من عرف الله بقلبه، ثم لم يؤمن بلسانه، أ هو مؤمن؟ قال أبو حنيفة: لا، حتى يتكلم(1).
__________
(1) ذكر هذه الرواية المكي في مناقب أبي حنيفة 124-126؛ والكردري في مناقب أبي حنيفة 201. قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر 62: "والإيِمان هو الإقرار والتصديق". وهذا القول وكلامه مع جهم بن صفوان يفهم منهما أن الإيِمان عنده يؤلّف من جزءين: التصديق والإقرار، وهو مذهب بعض أتباعه مثل شمس الأئمة الحلواني وفخر الإسلام البزدوي كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد 153. فمن صدّق بقلبه ومات بلا إقرار مات كافرا. وعلّق الموفق المكّي على كلام الإمام بقوله "وتأويل قول أبي حنيفة إذا اتّهم بعدم الإقرار ولم يقرّ فإنه يَموت كافرا. فأما إذا لم يكن هناك تُهمة بأن كان في جزيرة من البحر، أو في مفازة من الأرض فإنه لا يكون كافرا، كما في مسألة الشكّ".
وقال الدكتور أبو الخير محمد أيوب علي في كتابه القيم ’عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي‘ 186: "والذي يتضح لنا أن الإمام كان يعتبر الإقرار ركنا من الإيِمان في أول الأمر، ثم غيّر رأيه ، وذهب إلى أنه شرط لإجراء الأحكام، كما هو ظاهر من قوله في العالم والمتعلم والوصيّة. وقد تَحقق لنا أن كلامه مع جهم (المتوفى سنة 128هـ) كما جاء في رواية المناقب ـ وقبل ذلك في رواية هذا الكتاب الذي نَحن بصدد تَحقيقه ـ كان قبل كلامه مع أبي مقاتل (المتوفى سنة 208هـ) بزمان، كما جاء في العالم والمتعلم. وقد ذكرنا أن إملاء وصيته كان في مرض موته، كما ذكرنا أيضا أن إملاء جميع كتبه في العقائد كان على أغالب الظنّ في عصر العباسيين، وعلى هذا يكون ما جاء في الوصية والعالم والمتعلم هو رأيه الأخير".(1/103)
13- وروي عن حماد بن زيد(1) قال: كنت مع أبي حنيفة - رضي الله عنه - في المسجد الحرام، فجاء رجل، فسأله عن الإيِمان والإسلام، فقال أبو حنيفة: واحد(2).
__________
(1) في الأصل: حماد بن يزيد، وهو تصحيف. والصواب حماد بن زيد بن درهم، الإمام الحافظ المحدِّث، شيخ العراق، الأزدي البصري، الأزرق، الضرير، أخذ الفقه عن أبي حنيفة، روى له الجماعة. قال عبد الرحمن بن مهدي: "أئمة الناس في زمانهم أربعة: الثوري، وملك، والأوزاعي، وحماد بن زيد". وقال أيضا: "لم أر أحدا قط أعلم بالسنة منه، وما رأيت بالبصرة أفقه منه". توفي سنة 179هـ، عن 81 سنة. (طبقات ابن سعد 7: 286؛ تذكرة الحفاظ 1: 228ـ229؛ سير أعلام النبلاء 7: 456ـ466؛ الجواهر المضية 2: 148ـ149؛ تقريب التهذيب 178؛ مناقب الكردري 505؛ الطبقات السنية 3: 182ـ183).
(2) قال الإمام في الفقه الأكبر 62 : "والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى، فمن طريق اللغة فرق بين الإيِمان والإسلام، ولكن لا يكون إيِمان بلا إسلام ، ولا يوجد إسلام بلا إيِمان، وهما كالظهر مع البطن". انظر في ذلك: تبصرة الأدلة 2: 818؛ وشرح المقاصد 5: 206-208.(1/104)
14- وروي عن محمد بن الحسن بن زياد(1) عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - قال: الإيِمان قول(2)، والعمل موظف عليه، والناس يتفاضلون بالأعمال(3). عني بـ’الإيِمان قول‘ في أحكام الدنيا، والله يتولى السرائر للآخرة. وقد نسمي الناسَ مؤمنين بِما يظهر لنا من إقرارهم، ونُجرِي عليهم أحكامَ المؤمنين لذلك، وإن لم نعلم ما في ضمائرهم(4)
__________
(1) هو ابن الحسن بن زياد اللؤلؤي، تلميذِ الإمام أبي حنيفة. لم أعثر له على ترجمة في المصادر سوى ذكر اسمه في الإمتاع 15.
(2) يعنون به عند الإطلاق: التصديق بالقلب والإقرار باللسان (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2: 463).
(3) قال الإمام في الفقه الأكبر 62: "والمؤمنون مستوون في الإيِمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال".
(4) يُجيب الإمام أبو حنيفة في كتابه ’العالم والمتعلم‘ ص 15، على سؤال المتعلم - وهو أبو مقاتل حَفْصُ بن سَلْم السمرقندي -: "ولكن أخبرني من أين سمى اللهُ الناسَ مؤمنين وكفاراً، ومن أين نَحن نسميهم مؤمنين وكفاراً؟ يُجيب قائلاً: سماهم مؤمنين وكفاراً بِما في القلوب. ونَحن نسميهم مؤمنين وكفاراً بِما يظهر لنا من ألسنتهم من التصديق والتكذيب والزي والعبادة. وذلك بأنا لو انتهينا إلى قوم لا نعرفهم غير أنّهم في المساجد، مستقبلين إلى القبلة يصلون، سميناهم مؤمنين، وسلمنا عليهم، وعسى أن يكونوا يهوداً ونصارى. وكذلك كان المنافقون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان المسلمين يسمونهم مؤمنين بِما يظهرون لهم من الإقرار، وهم عند الله كفار بِما في القلوب من التكذيب. فمن ها هنا زعمنا أنا نُسَمِّىَ أناساً مؤمنين بِما يظهر لنا منهم، وعسى أن يكونوا عند الله كفاراً، وآخرين نسميهم كفارا بِما يظهرون من زي الكفار من غير أن يكون فيهم شيء من زي المؤمنين، وعسى أن يكونوا عند الله تعالى مؤمنين من قبل إيِمانهم بالله، ويصلون من غير أن نعلم ذلك منهم. فلا يؤاخذنا الله تعالى بذلك، لأنه لم يكلفنا علم القلوب والسرائر، وإنما كلفنا ربنا أن نسمي الناسَ مؤمنين ونُحبهم ونبغضهم على ما يظهر لنا منهم، والله أعلم بالسرائر".(1/105)
.
وأما ما روي عن أئمتنا أن الإيِمان إقرار وتصديق ومعرفة، عنوا أنّهما الشرط في نفع الإيِمان في الآخرة، وكونِه قربة إلى الله تعالى.
15- وروي عن إبراهيم [42ب] بن طهمان(1) أنه قال: الإيِمان: التصديق في السر والعلانية.
16- وعن حفص بن عبد الرحمن(2) أنه قال: الإيِمان عندنا: إقرار وتصديق.
__________
(1) الإمام الحافظ، أبو سعيد الهروي، ثم النيسابوري، عالم خراسان. وحدّث عنه من شيوخه صفْوان بن سُلَيْم، وأبو حنيفة الإمام. قال ابن راهويه: "كان صحيح الحديث، ما كان بخراسان أكثر حديثا منه". وقال الدارقطني: "ثقة، إنما تكلموا فيه للإرجاء". وقد روى له الأئمة الستة، وغيرهم. جاور بمكة في أواخر عمره، ومات في سنة 163هـ. (تاريخ بغداد 6: 105ـ111؛ الجواهر المضية 1: 85ـ86؛ تذكرة الحفاظ 1: 213؛ الطبقات السنية 1: 198ـ200).
(2) أبو عمر البلخي، ثم النيسابوري، الإمام الفقيه، قاضي نيسابور، ومفتيها. كان من أفقه أصحاب أبي حنيفة الخراسانيين، وكان ابن المبارك إذا قدم نيسابور لا يدع زيارته. وقال الموفق المكي: "وحفص هذا هو شريكه في التجارة، صحبه ثلاثين سنة، وكان من نيسابور، روى عنه الحديث والفقه، وكان رجلا صالحا". مات في سنة 199هـ. (طبقات ابن سعد 7: 371؛ التاريخ الكبير 2: 367؛ الجرح والتعديل 3: 176؛ تَهذيب الكمال 7: 22ـ24؛ مناقب المكي 168، 175؛ سير أعلام النبلاء 9: 310ـ311؛ الجواهر المضية 2: 137ـ138؛ الطبقات السنية 3: 172)(1/106)
17- وعن محمد بن مقاتل الرازي(1)، تلميذ محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال: الإيِمان: هو الإقرار والتصديق(2).
18- وعن نصير الرازي(3)، تلميذ محمد بن الحسن أنه قال: الإيِمان: إقرار بالقلب، وتصديق باللسان(4).
__________
(1) هو محمد بن مقاتل الرازي، قاضي الري، من أصحاب محمد بن الحسن. روى عن أبي مطيع. وقال الذهبي: كان من الفقهاء الكبار، وحدّث عن وكيع، وطبقتِه. وقال أبو حاتم: "كان ثقة فقيها". توفي سنة 248هـ. (أخبار أبي حنيفة وأصحابه 157؛ تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241ـ250) 472؛ ميزان الاعتدال 4: 47؛ الجواهر المضية 3: 372؛ اللسان 5: 388).
(2) وردت هذه الرواية كذلك في الفقه الأكبر 62؛ والوصية 72.
(3) هو نصير بن يَحيى البلخي، أخذ الفقه عن أبي سليمان الجوزجاني، عن محمد، روى ’الفقهَ الأكبرَ‘ عن أبي مقاتل، عن عصام بن يوسف، عن حماد بن أبي حنيفة، عن أبيه، و ’الفقهَ الأبسطَ‘ عن أبي مطيع، عن أبي حنيفة، و ’رسالةَ أبي حنيفة إلى عثمان البَتِّي‘ عن محمد بن سماعة، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة. توفي سنة 268هـ. (الجواهر المضية 3: 546؛ الفوائد البهية 221؛ مقدمة الكوثري لإشارات المرام للبياضي 6).
(4) انظر: الوصية 72.(1/107)
19- وعن أحمد بن حرب الزاهد(1)، تلميذ حفص بن عبد الرحمن أنه قال: الإيِمان: إقرار وتصديق، وهو التوحيد، لا يزيد ولا ينقص، والأعمال شرائعه.
20- وعن أيوب بن الحسن الزاهد النيسابوري(2)، تلميذ حفص بن عبد الرحمن أنه قال: الإيِمان عندنا: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، والعمل شرائعه، لا يزيد ولا ينقص، والعمل يزيد وينقص(3).
__________
(1) في الأصل: أحمد بن حارث، وهذا تصحيف. وهو أحمد بن حرب بن عبد الله بن سهل، أبو عبد الله الزاهد النيسابوري، سكن نيسابور، وحدّث بِها عن سفيان بن عيينة وطبقته. وروى عنه أبو الأزهر أحمد بن الأزهر، وأحمد بن نصر اللباد، وأبو سعيد محمد بن شادان، وجعفر بن محمد بن سوار النيسابوريون. والكرامية تنتحله لصحبة ابن كرام إياه. وكان حسن الطريقة ظاهر النسك. وورد بغداد حاجّا في أيام أحمد بن حنبل، وحدث بِها. وكان يقال: إنه من الأبدال. وكان صاحب غزو وجهاد ومواعظ ومصنفات في العلم. توفي سنة 234هـ. ( تاريخ بغداد 4: 118ـ119؛ سيرأعلام النبلاء 11: 32ـ35؛ العبر 1: 327؛ اللسان 1: 149).
(2) في الأصل: الزاهدي. وهو أيوب بن الحسن، الفقيه الحنفي، الزاهد، أبو الحسين، النيسابوري، صاحب الرأي. تفقه عند محمد بن الحسن، توفي سنة 251هـ. (الجواهر المضية 1: 445؛ الطبقات السنية 2: 225ـ226؛ الفوائد البهية 171).
(3) قال الإمام في الفقه الأكبر 62: "والإيِمان: هو الإقرار والتصديق. وإيِمان أهل السماء والأرض لا يزيد ولا ينقص من جهة المؤمَن به، ويزيد وينقص من جهة اليقين. والمؤمنون مستوون في الإيِمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال".
وقال في رسالته إلى عثمان البتّي 67: "إن الناس لا يَختلفون في التصديق، ولا يتفاضلون فيه، وقد يتفاضلون في العمل، وتَختلف فرائضهم".(1/108)
21- وروي عن سهل بن مزاحم(1)، أنه قال: جاء رجل ممن يشك، يعني في الإيِمان، إلى أبي حنيفة - رضي الله عنه - فقال له أبو حنيفة: إذا دخلت حفرتك، فجاء منكر ونكير يسألانك: ما دينك؟ هل تشك ساعتئذ؟ قال: فبكى الرجل. قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: ما رحمت أحدا ما رحمت هذا(2).
22- وعن أبي(3) مطيع البلخي،[43أ] قال: قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: من قتل نفسا بغير حق، أو سرق، أو قطع الطريق، أو فجر، أو زنا، أو شرب الخمر، أو سكر، فهو مؤمن فاسق، وليس بكافر. وإنما يعذِّبُهم الله بالاحداث في النار، ويخرجهم منها بالإيِمان(4).
__________
(1) أبو بشر، من أهل مرو، وكان مفتيا عابدا زاهدا. صحب الإمام أبا حنيفة وناظره، وحمل عنه الكثير، وبثّ علمه بخراسان. أراده المأمون على قضاء مرو، وحبسه مُدّة، فلم يقبل، فعفا عنه. وأخوه محمد بن مزاحم، ويكنى أبا وهب، وكان خبيرا فاضلا، مات سنة 211هـ، وكان يروي عن عبد الله بن المبارك (طبقات ابن سعد 7: 377؛ مناقب المكي 310، 349؛ مناقب الكردري 512؛ عقود الجمان 117).
(2) ذكر هذه الرواية أيضا المكّي في مناقب أبي حنيفة 104؛ والكردري في مناقب أبي حنيفة 185 .
(3) في الأصل: ابن . والصواب ما أثبته، وهو راوي الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة عنه، وإنما سمّوا روايته ’الفقه الأبسط‘ تَمييزا لها عن رواية حمّادٍ ابنه المسمّى بـ’الفقه الأكبر‘.
(4) وردت هذه الرواية في الفقه الأبسط 43.(1/109)
23- قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: ينبغي أن يقول: أنا مؤمن حقا، لأنه لا شك في إيِمانه(1).
__________
(1) وردت هذه الرواية أيضا في الفقه الأبسط 42. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الوصية ص42: "والمؤمن مؤمن حقا، والكافر كافر حقا، وليس في الإيِمان شكّ، كما أنه ليس في الكفر شكّ، لقوله تعالى { أولئك هم المؤمنون حقّا } (الأنفال، 4،74)، و { أولئك هم الكافرون حقّا } (النساء، 151)، والعاصون من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم مؤمنون حقّا وليسوا كافرين". جاء القدرية إلى الإمام أبي حنيفة "فقالوا: يا أبا حنيفة، أ مؤمن أنت؟ فقال: نعم، قالوا: أ فأنت عند الله مؤمن؟ قال: تسألوني عن علمي وعزيمتي، أو عن علم الله وعزيمته؟ قالوا: بل نسألك عن علمك، ولا نسألك عن علم الله، قال: فإني بعلمي أعلم أني مؤمن، ولا أعزم على الله - عز وجل - في علمه" (الانتقاء 316).
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه 11: 29: "قال: حدثنا وكيع عن مسعر عن موسى ابن أبي كثير عن رجل لم يسمّه عن أبيه قال: سمعت ابن مسعود يقول: أنا مؤمن".
وأخرج كذلك في مصنفه 11: 39: "قال: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن يسار قال: بلغ عمرَ أن رجلا بالشام يزعم أنه مؤمن، قال: فكتب عمر: اجلبوه عليّ، فقدم على عمر فقال: أنت الّذي تزعم أنك مؤمن؟ قال: هل كان الناس على عهد رسول اللهِ- صلى الله عليه وسلم - إلا على ثلاثة منازل: مؤمن وكافر ومنافق. والله ما أنا بكافر ولا منافق، فقال له عمر: ابسط يدك، قال ابن إدريس: رضي بِما قال؟ قال: رضي بِما قال".(1/110)
24- وفى رسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتّي(1) البصريّ: واعلم أني أقول: إن أهل القبلة مؤمنون، ولست أخرجهم (من الإيِمان بتضييع شيء من الفرائض)(2).
__________
(1) في الأصل: اليتي. وهو تَحريف. وهو عثمان بن مسلم البَتِّي، أبو عمرو الكوفي، ثم البصريّ، حدّث عن مالك - رضي الله عنه -، وعامر الشعبي، والحسن البصري. وروى عنه شعبةُ بن الحجاج، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وابن عُلَيَّة، وغيرُهم. قال الإمام أحمد: صدوق ثقة. وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث، وكان صاحب رأي وفقه. وقال الدارقطني: ثقة. وقال الذهبي: ثقة إمام، فقيه البصرة زمن أبي حنيفة. وقال الكوثري: كان من عظماء مجتهدي هذه الأمة، وممن انقرضت مذاهبهم، وله انفرادات في الفقه، كما ذكرها الطحاويّ في ’اختلاف العلماء‘، وأبو بكر الرازي في ’مختصره‘، وابن المنذر في ’الإشراف‘. توفي سنة 143هـ عن نَحو 70 سنة، أو أقل (طبقات ابن سعد 7: 257؛ سير أعلام النبلاء 6: 148ـ149؛ ميزان الاعتدال 3: 59ـ60؛ مقدِّمة الكوثري على ’رسالة أبي حنيفة إلى البتّي‘ ص 5).
(2) ما بين القوسين زيادة من ’رسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتّي‘ ص 69. فبقيّة الكلام فيها: "فمن أطاع الله تعالى في الفرائض كلّها مع الإيِمان كان من أهل الجنة عندنا، ومن ترك الإيِمان والعمل كان كافرا من أهل النار. ومن أصاب الإيِمان وضيّع شيئا من الفرائض كان مؤمنا مذنبا. وكان لله تعالى فيه المشيئة، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له، فإن عذّبه على تضييعه شيئا فعلى ذنب يعذّبه، وإن غفر له فذنبا يغفر".(1/111)
25- و(1) كان سفيان الثوري(2) يقول: أنا مؤمن، وما أدري ما حالي عند الله؟
26- وكان أبو حنيفة - رضي الله عنه - يقول: أنا مؤمن في الدنيا وعند الله تعالى(3).
__________
(1) أقحم الناسخ هنا اسم سفيان الثوري، وهو تكرار .
(2) هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوريّ، الإمام، شيخ الإسلام، سيّد الحفاظ، الكوفي، الفقيه. أحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة. سمع من الإمام أبي حنيفة، وسمع الإمام أبو حنيفة منه. قال أبو يوسف: "سفيان الثوري أكثرُ متابعةً لأبي حنيفة منّي". توفي بالبصرة سنة 161هـ. (طبقات ابن سعد 6: 371ـ374؛ الفهرست 314ـ315؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه 64ـ68؛ تاريخ بغداد 9: 151ـ174؛ مناقب المكي 42، 265؛ الجواهر المضية 2: 227ـ229؛ تذكرة الحفاظ 1: 203ـ207؛ سير أعلام النبلاء 7: 229ـ279؛ عقود الجمان 115؛ الطبقات السنية 4: 40ـ43).
(3) أخرج الحافظ أبو القاسم ابن أبي العوّام - صاحب الطحاوي والنسائي - في كتابه ’فضائل أبي حنيفة وأصحابه‘ (كما في تأنيب الخطيب للكوثري 71) قال: حدثني محمد بن أحمد بن حماد، قال حدثنا إبراهيم بن جنيد، قال حدثنا عبيد بن يعيش، قال حدثنا وكيع، قال: كان سفيان الثوري إذا قيل له: أ مؤمن أنت؟ قال: نعم. فإذا قيل له: عند الله؟ قال: أرجو. وكان أبو حنيفة يقول: أنا مؤمن ها هنا وعند الله. قال وكيع: قول سفيان أحب إلينا".(1/112)
27- وعن عمر بن حماد بن أبي حنيفة(1)- رضي الله عنه - أنه قال: لقيت مالك بن أنس رحمه الله بالمدينة، فوقفتُ به، وداريتُه، فوقعتُ منه منْزلةً، وأمكنني مما أردتُ من عنده، فلما أردت الخروج، قلت له: إني لا آمَنُ أن يكون أهلُ الحسد والعداوة قد ذكروا أبا حنيفة عندك بغير ما كان عليه، وأنا أريد أن أعرِض عليك بعضَ قوله، فإن رأيتَ حسنا عملتُ به، وإن كان عندك أبينُ منه عملتُ، قال: فقال لي: هات، [43ب] فقلت له: كان أبو حنيفة- رضي الله عنه - يقول:
__________
(1) تفقه على أبيه حمّاد، وروى عن أخيه إسماعيل قوله: أنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن المرزبان، من أبناء فارس، واللهِ ما وقع علينا رِقٌّ قطّ. (تاريخ بغداد 13: 326، الجواهر المضية 2: 646ـ647).(1/113)
لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يصيبه، فقال مالك: أصاب. قلت: وكان يقول أكثر من هذا، يقول: وإن ركبوا الكبائر وأصابوها، فإني لا أكفرهم، قال: أصاب. قلت: وكان يقول: وإن قتل رجلا ظلما متعمدا، فقال: أصاب. قلت: فهذا قوله، فمن أخبرك عنه بخلافه فلا تُصَدقْ. فقال لي: بلغني أنه كان يقول: إيِمانه كإيِمان جبريل، قلت له: بلغك الباطل، إنما كان يقول: إن الله تعالى بعث جبريل رسولا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى من قبله من النبيين صلوات الله عليهم، وأمرهم أن يدعوا الناس إلى الإيِمان به، والتصديق بِما جاء به من عنده، وكان إيِمانُ جميع الأنبياء عليهم السلام ومن تابعهم إيِمانا واحدا، وكانت شرائعُهم مختلفةً. فلا أقول إيِمان فلان غير إيِمان فلان، لأني إن قلت ذلك فينبغي أن أقول: الإيِمان إيِمانان، وثلاثة، وأربعة(1)، وأكثر من ذلك. وإنما دعا اللهُ تعالى إلى إيِمان واحد، وشرائع مختلفة(2)، وينبغي لي أن أقول: قرآن هذا غير قرآن هذا، فلا أقول هذا، ولكن أقول: إيِمان وقرآن هذا كله سواء، [44أ] هكذا كان يقول. فقال عمر: فتبسم مالك، ولم يقل شيئا. قال: فقلت: إنه كان لا يشك، ويرى قول من يشك خطأ. قال: وما الشك؟ قلت: قوم قد آمنوا بالله ورسوله، ويقولون: قد كسبنا ذنوبا عظيمة، فلا ندري لعلنا قد خرجنا بذلك من الإيِمان، فإذا سأل أحدهم: أ مؤمن أنت؟ قال: نعم إن شاء الله، فقال: وهل أحد يقول ذلك! ثم قال: أكره ـ أو يكره ـ هذا القول(3).
__________
(1) في الأصل: وثلاث، وأربع. والتصويب من مناقب المكي 73؛ ومناقب الكردري 168؛ وأبو حنيفة لأبي زهرة 175.
(2) انظر وحدة الإيِمان واختلاف وكثرة الشرائع عند الإمام في العالم والمتعلم 13، 51، 53؛ ومناقب المكّي 77.
(3) ذكر هذه القصة المكّي في مناقب أبي حنيفة 72-73؛ والكردري في مناقب أبي حنيفة 168؛ وطاشكبري زاده في مفتاح السعادة 2: 203؛ وأبو زهرة في أبو حنيفة 175.(1/114)
28- وروي عن أبي يوسف(1) رحمه الله أنه قال: لما بلغ الخوارجَ أن أبا حنيفة يثبت معرفة الرب، ولا يكفر أحدا بالذنب، وفد إليه أربعون رجلا(2) من الشراة (3)، عليهم السلاح، حتى قدموا الكوفة، فأتوا حَلَقَتَه، وسلّوا سيوفهم، فقالوا: يا أبا حنيفة! إن هذا آخرُ يومك من الدنيا، وأولُ يومك من الآخرة، قد أتيناك بمسألتين، وهما من أشد مسائلنا، فإن خرجت منهما، وإلا ففيهما نفسك، قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: أتريدون أن تنصفوني؟ قالوا: نعم، قال: اغمدوا سيوفكم، فقد هالني بريقها، قالوا: كيف نغمدها، ونحن نرجو أن نخضبها من دمك، قال: فتكلموا، قالوا: ما تقول في جنازتين بباب المسجد، [44ب] إحداهما(4) رجل شرب خمرا حتى سكر، ثم لم يفجُر حتى مات فيه غرقا، والأخرى امرأة زنت حتى حملت، فلما استيقنت بالحبل شربت دواء، فأسقطت ولدها، فماتت في نفاسها، ما تقول فيهما؟
__________
(1) ذكر هذه القصة الموفق المكي في المناقب 108-109؛ والكردري في المناقب 181-182 عن حمادٍ، ابنِ الإمام أبي حنيفة.
(2) في المصادر السابقة: سبعون رجلاً.
(3) في الأصل: السرات. وهي محرَّفة. وأما الشراة فهي من أسماء الخوارج، فهم أطلقوا هذا الاسم على أنفسهم أخذا من قوله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد } (البقرة، 207). وقال الجوهري في الصحاح 6: 2392: "والشُّراةُ: الخوارج، الواحد شارٍ، سُمُّوا بذلك لقولهم: إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنّة حين فارقنا الأئمةَ الجائرة". انظر: مقالات الأشعري 127ـ128؛ والشريعة للآجري 21ـ22؛ والفهرست 326، 329؛ والتنبيه والرد للملطي 53 حيث جعلها الفرقةَ العاشرة من الخوارج؛ والنهاية لابن الأثير 2: 469؛ وتاريخ الفرق الإسلامية للغرابي 264ـ265.
(4) في الأصل: أحدهما. والتصويب من المصادر السابقة .(1/115)
فقال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: أ من اليهود كانا؟ قالوا: لا، قال: أ فمن النصارى؟ قالوا: لا، قال: فمن أيّ الأديان كانا؟ قالوا: ممن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. قال أبو حنيفة: والإقرار بِما جاء من عند الله؟ قالوا: نعم. قال: فأخبروني عن هذا الكلام، أ هو كفر، أم هو من الإيِمان؟ قالوا: من الإيِمان. قال: فأخبروني كم هو من الإيِمان: نصفه، أو ثلثه، أم ربعه؟ قالوا: إن الإيِمان لا يكون نصفا، ولا ثلثا، ولا ربعا، بل هو الإيِمان، قال: كله؟ قالوا: كله. قال: فما تسألوني عنهما، وقد شهدتم أنّهما مؤمنَيْن. فقال رجل منهم: دَعْنا يا أبا حنيفة من هذا ! أخبِرْنا أ مِن أهل النار هما، أم من أهل الجنة؟ قال أبو حنيفة: أقول كما قال نوح - عليه السلام - في قوم كانوا أعظم جرما(1) منهما { قال وما علمي بِما كانوا يعملون، إنْ حسابُهم إلا على ربي لو تشعرون } (2). وأقول كما قال خليل الله إبراهيم [45أ] - عليه السلام - في قوم كانوا أعظم جرما منهما { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } (3). وأقول كما قال عيسى بن مريم - عليه السلام - في قوم كانوا أعظم جرما منهما، فقال { إن تعذبْهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } (4)، وأقول ما أُنزِلَ على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - { ولا أقول(5) لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول إني ملك، ولا أقول للذين تزدري أعينُكم لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بِما في أنفسهم، إني إذاً لمن الظالمين } (6). فقالوا: فرّجتَ عنا، يا أبا حنيفة ! فرّج الله عنك، ونستغفر اللهَ، ونتوب إليه من جميع ما كنا عليه، وصاروا معهم(7)
__________
(1) في الأصل: أعظم جرمٍ. والتصويب من المصادر السابقة.
(2) الشعراء، 112.
(3) إبرآهيم، 36.
(4) المآئدة، 118.
(5) في الأصل: قل لا أقول لكم. والآية التي تبدأ بهذ اللفظ في الأنعام، 50؛ ولكن تَختلف نهايتها عما هنا.
(6) هود، 31.
(7) أي مع أبي حنيفة وجماعته.(1/116)
كلهم.
2ـ فصل : في القضاء والقدر
29- روي عن محمد بن الحسن رحمه الله عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - ماذا كان يقول في باب القدر:
قال: سمعت أبا يوسف يقول: كنت عنده جالسا، إذ جاء رجل من ناحية البصرة، قال: يا أبا حنيفة ! تثبت القدر؟ قال: كيف لا أثبت! وقد أثبت الله تعالى، فقال { إنا كل شيء خلقناه بقدر } (1)، فما بقي في العالم شيء إلا هو داخل فيه(2). وقال الله تعالى { وقل اعملوا [45ب] فسيرى اللهُ عملَكم ورسوله والمؤمنون } (3)، فلا يرى الله شيئا إلا وهو مَملوك لله، وما من مَملوك إلا وهو مخلوق، فلا إجبار للعبد فيما يفعله، ولا إهمال فيما أرسله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) القمر، 49. قال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 11: 478: "فإن هذه الآية نصّ في أن الله خالق كل شيء ومقدّره، وهو أنصّ من قوله تعالى { خالق كلّ شيء } (الأنعام، 102)، وقولِه تعالى { والله خلقكم وما تعملون } (الصافات، 96)، واشتهر على ألسنة السلف والخلف أن هذه الآية نزلت في القدرية".
(2) هذه الرواية ذكرها أيضا أبو شجاع عبد الله منكوبرس الناصري في كتابه ’النور اللامع والبرهان الساطع‘ شرح عقيدة الطحاوي، كما في إشارات المرام للبياضي 267. وانظر كذلك: المنتقى للباجي 7: 204؛ والأصول المنيفة 65.
(3) التوبة، 105.(1/117)
30- وروي(1) عن الحارث بن محمد(2) قال: سألت محمد بن الحسن رحمه الله قلت: ما كان قول أبي حنيفة في القدر؟ قال: كان يقول بالْمَنّ والخذلان(3)، ويكفر بالجبر(4) والتفويض.
31- وروي عن أبي يوسف رحمه الله قال: سمعت أبا حنيفة - رضي الله عنه - يقول: من عجّز الله في قدرته، وجهّله في علمه، وجوّره في عدله، وأشرك به في وحدانيته، فهو ضالٌّ، ومن سلم كلامه في سيده من دخول شيء فيما بيناه فقد قال الحق، وهدي إلى الصواب، ومن أدخل في صفات الله شيئا من هذه الخصال، حار عن الهدى، وسفه الحق، وضل عن الطريق.
__________
(1) في الأصل: ورى، وهو تَحريف ظاهر.
(2) لعله هو الحارث بن محمد بن النعمان، أبو محمد بن أبي جعفر، البجلي الكوفي، وأبوه يعرف شيطان الطاق. روى عن جعفر الصادق، وزُرارة بن أعيُن، ويزيد بن معاوية العجلي، وغيرهم. روى عنه الحسن بن محبوب، وغيره. قال علي بن الحكم: كان أحدَ أئمة الحديث في معرفة حديث أهل البيت. قال: وقال الحسن بن محبوب: وقد رأيته حضر حلَقةَ محمدِ بن الحسن صاحبِ الرأي، فما تكلّم حتى استأذنه، فلما قام الحارث قال: أي رجل لولا! يعني الرفض. قال: وكان أفرضَ الناس، عالما بالشعر، كثيرَ الرواية. ذكره الطوسي في مصنفي الشيعة (لسان الميزان 2: 159).
(3) قال الإمام في الفقه الأكبر: "وتفسير الخذلان: أن لا يوفّق العبد إلى ما يرضاه منه". وفسّره الإمام الكمال بن الهمام بأنه عدم التوفيق والإعانة على الطاعة، وترك العبد مع نفسه. (انظر: المسايرة مع شرحه المسامرة لابن الهمام 113؛ وإشارات المرام 227).
(4) في الأصل: يكفر الخير.(1/118)
32- وروي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال: وأنا أقول كما قال أبو جعفر محمد بن علي(1)- رضي الله عنه -: لا جبر ولا تفويض، ولا كره ولا تسليط، والله لا يكلف العباد ما لا يطيقون، ولا يرضى لهم بالخوض فيما ليس لهم به علم(2)، يعني من القضاء [46أ] والقدر.
__________
(1) هو محمد بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو جعفر الباقر. أحد علماء وعقلاء أهل البيت، روى عن أبيه، وروى عنه ابنه جعفر، ولقيه الإمامُ أبو حنيفة بالمدينة المنورة، وبَحث معه عن بعض المسائل. قال ابن سعد: "وكان ثقةً كثيرَ العلم والحديث، وليس يروي عنه من يُحْتَجّ به". والأصح أنه توفي سنة 114هـ. (طبقات ابن سعد 5: 320ـ324؛ مناقب المكي 143ـ144، 422؛ تذكرة الحفاظ 1: 124ـ125؛ تَهذيب التهذيب 9:350ـ352؛ أبو حنيفة لأبي زهرة 70ـ71؛ الإمام زيد لأبي زهرة 37ـ38).
(2) وردت هذه الرواية في مناقب أبي حنيفة للمكّي 363؛ ومناقب أبي حنيفة للكردري 358؛ وإشارات المرام 250، 256-257؛ والملل والنحل للشهرستاني 1: 166. قال العلامة البياضي في شرح كلام الإمام محمد الباقر: "(لا جبر) على العباد فيما يصدر منهم من الأفعال، ولا اضطرار لهم فيه، كما قال الجبرية، (ولا تفويض) إليهم فيه، ولا إيجاد لهم عن اختيار، كما قاله القدرية، (ولا تسليط) لهم على ما يصدر منهم، ولا إيجاب عن دواعيهم، كما قال الفلاسفة".(1/119)
33- وروي عن إسماعيل بن زياد(1) قال: سمعت أبا حنيفة- رضي الله عنه - يقول: ما رأيت أحضر جوابا من زيد بن علي(2) رضي الله عنهما أنه سأله القدريُ: أراد الله أن يُعصَى؟ فقال: ويْحك! أ يُعصَى اللهُ عنوة؟(3)
__________
(1) هو إسماعيل بن زياد، أو ابن أبي زياد، قاضي الموصل الكوفي السَّكوني، من تلاميذ الإمام أبي حنيفة. (تَهذيب الكمال 1: 101؛ ميزان الاعتدال 1: 230ـ231؛ الكاشف 1: 246؛ تَهذيب التهذيب 1: 298؛ لسان الميزان 1: 406، 7: 177؛ مناقب الكردري 517؛ عقود الجمان 99ـ100).
(2) في الأصل: يزيد بن علي. وهو تصحيف. وهو زيد بن الحسين علي بن أبي طالب، الإمام، أبو الحسين الهاشمي. ولقد التقى أبو حنيفة بالإمام زيد، وقال: "شاهدت زيد بن علي، كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه، ولا أعلم، ولا أسرع جوابا، ولا أبين قولا، لقد كان منقطع القرين". وهو من شيوخ أبي حنيفة، وأبو حنيفة كان يناصره لمّا خرج على هشام بن عبد الملك، وقد سئل عن الجهاد معه فقال: "خروجه يُضاهِي خروج رسول الله يوم بدر". وأمدّ جنده بالمال، وتوفي شهيدا سنة 122هـ. (طبقات ابن سعد 5: 325ـ326؛ مناقب المكي 41، 239، 342؛ تَهذيب التهذيب 9: 350؛ الإمام زيد لأبي زهرة 22ـ156، 225ـ228؛ وأبو حنيفة لأبي زهرة 70، 164؛ الإمام زيد بن علي المفترى عليه، لشريف الشيخ صالح الخطيب).
(3) ذكره الخوارزمي في جامع المسانيد 1: 122، عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت أحضر جوابا من زيد بن علي بن الحسين قلت له: أقدّر الله المعاصي؟ قال: أيعصى قهرا ؟ فألقمني حجرا". وأسنده أيضا اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 685 عنه.
وأسند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد اهل السنة والجماعة 4: 685-686 عن جعفر بن محمد الصادق رحمه الله تعالى قال: "قال رجل من الشيعة للصادق: إن القدرية تقول لنا: إنكم كفار! قال: فقال له: اكتب: إن الله عز وجل لا يعصى قهرا ولا يطاع قهرا، فإذا أراد الطاعة كانت، وإذا أراد المعصية كانت، فإن عَذّب فبحق، وإن عفا فبالفضل". ورواه أيضا الطبري كما في مرهم العلل المعضلة 137.
وأخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 685 "جاء رجل من البصرة فسأل عن محمد بن علي بن الحسين بن علي، فقيل له: هو ذاك الغلام. قال: فجئت إليه وكأنه ما بلغ بعد، قال: فقلت: يا سيدي! إني وافدُ أهل البصرة إليك وذاك أن القدر قد نشأ في البصرة، وقد ارتد أكثر الناس، وأريد أن أسألك عنه، فقال: سل، فقلت: أحب الخلوةَ، فقام فمشى حتى خلا، قال: فقال لي: سل، قال: فقلت: الخير؟! فقال لي: اكتب؛ علم وقضى وقدر، وشاء وأراد وأحب ورضي. قال قلت: زدني، قال فقال لي: هكذا خرج الينا. قال قلت: الشر؟! قال: اكتب؛ علم وقضى وقدر، وشاء وأراد ولم يرض ولم يُحب. قال قلت: زدني، قال هكذا خرج الينا. قال: فقال الرجل: فرجعت إلى البصرة، فنصب لي منبر في مسجد الجامع، فاجتمع الناس، فقرأت عليهم ما كتبتُ، فرجع أكثر الناس".
وأسند فيه 4: 686 أيضا عن الليث بن سعد قال: قال غيلان لربيعة ـ بن أبي عبد الرحمن ـ: يا أبا عثمان! أيرضى الله - عز وجل - أن يُعصَى؟ فقال له ربيعة: أفيُعصَى قسراً؟! ورواه كذلك الطبري بسنده، كما في مرهم العلل لليافعي 146.
وروى الخوارزمي في جامع المسانيد 1: 187-188 عن أبي حنيفة، عن الهيثم الصيرفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن بالقدر عبد حتى يؤمن بالقدر؛ خيره وشره"؛ وذكره الآجري في الشريعة 188. وأخرجه أيضا الترمذي 4: 451 برقم 2144 في القدر، عن جابر بن عبد الله.
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه "خطب الناس على منبر الكوفة فقال: ليس منا من لم يؤمن بالقدر؛ خيره وشرّه" (كما في إشارات المرام، للبياضي 277).
وقال الإمام علي - رضي الله عنه - : "أمر الله تعالى بالخير تَخييرا، ونَهى عن الشرّ تَحذيرا، ولم يُعصَ مغلوبا، ولم يُطَعْ مُكرَها، ولم يُمَلّك تفويضا، فهو أمر بين أمرين، لاجبر ولا تفويض" رواه بألفاظ قريبة مِما هنا الكليني في أصول الكافي 1: 209-211؛ وصاحب نَهج البلاغة 481؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 511ـ512؛ والتفتازاني في شرح المقاصد 4: 268-269؛ وابن المرتضى في المنية والأمل 7؛ والاصبهاني كما ذكره البياضي في إشارات المرام 70.
وقال الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما: "من لم يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره؛ خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر، وإن الله تعالى لا يُطاع استكراها، ولا يُعصَى بغلبة، لأن الله تعالى مالك لِما ملّكهم، وقادر على ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يَحُل بينهم وبين ما عملوا، وإن عملوا بِالمعصية فلو شاء لحال بينهم وبين ما عملوا، فإن لم يفعل فليس هو الّذي جبرهم على ذلك، ولو جبر الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو جبرهم على المعصية لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم كان ذلك عجزا في القدرة، ولكن له فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعة فله المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم". ذكره أبو محمد في الفِرَق المفترقة 62؛ والملا علي القاري الهروي في شرح المشكاة 1: 52؛ والبياضي في إشارات المرام 71؛ والنشار في نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1: 413.
وأخرج الخطيب في تاريخ بغداد 13: 382ـ383، وابن عساكر في تاريخ دمشق 45: 298ـ299 عن أبي يوسف قال: "سمعت أبا حنيفة يقول: وإذا كلّمت القدريّ، فإنّما هو حرفان؛ إما أن يسكت، وإما أن يكفر. يقال له: هل عَلِم الله في سابق علمه أن تكون هذه الأشياء كما هي، فإن قال: لا، فقد كفر، وإن قال: نعم، يقال له: أفأراد أن تكون كما علم، أو أراد أن تكون بِخلاف ما علم؟ فإن قال: أراد أن تكون كما علم، فقد أقرَّ أنه أراد من المؤمن الإيِمان، ومن الكافر الكفر، وإن قال: أراد أن تكون بِخلاف ما علم، فقد جعل ربّه مُتَمنِّيا متحسِّرا، لأن من أراد أن يكون ما علم أنه لا يكون، أو لا يكون ما علم أنه يكون، فإنه مُتَمنٍّ متحسِّرٍ، ومن جعل ربّه متمنّيا متحسِّرا فهو كافر". وأورده كذلك الماتريدي في التوحيد 303ـ304؛ والصابوني في البداية 71 مختصرا؛ وابن الجوزي في المنتظم 8: 131؛ والبياضي في الأصول المنيفة 75؛ وإشارات المرام 304ـ307.
وذكر الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية 2: 354 عن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - قوله: "ناظِروا القدريةَ بالعلم، فإن أقَرُّوا به خُصِموا، وإن أنكروا كفروا".
وروى الآجري في الشريعة 200، عن جابر؛ والديلمي في الفردوس 5: 303 عن عبد الله بن عمرو؛ والسمرقندي في بستان العارفين 402؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 618-619؛ والبيهقي في الاعتقاد 104؛ وفي الأسماء والصفات 199ـ200، كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر - رضي الله عنه - : "يا أبا بكر! لو أراد الله أن لا يُعصَى ما خلق إبليس".
وأخرجه الآجري في الشريعة 230ـ232؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 566، 679؛ والبيهقي في الاعتقاد 104؛ وفي الأسماء والصفات 199ـ200؛ وابن عبد البر في الانتقاء 70، بأسانيد عن عمر بن عبد العزيز موقوفا.
وقد ذكر تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 4: 261ـ262 مناظرة طريفة بين الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني والقاضي عبد الجبار المعتزلي: قال عبد الجبار في ابتداء جلوسه للمناطرة: سبحان من تَنَزَّه عن الفحشاء. فقال الأستاذ مجيبا: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال عبد الجبار: أفيشاء ربُّنا أن يُعصَى؟ فقال الأستاذ: أ يُعصَى ربُّنا قهرا؟ فقال عبد الجبار: أفرأيت إن منعي الهدى، وقضى عليّ بالرَّدَى، أحسن إليَّ، أم أساء؟ فقال الأستاذ: إن كان منعك ما هو لك فقد أسا، وإن منعك ما هو له فيختصّ برحمته من يشا. فانقطع عبد الجبار". وذكرها أيضا: التفتازاني مختصرا في شرح المقاصد 4: 275، وشرح العقائد 113-114؛ والقاضي البياضي في إشارات المرام 166.(1/120)
34- روي عن علي بن حرملة(1) وحماد بن أبي حنيفة- رضي الله عنه - قالا: قدم صاحب غيلان بن مسلم(2) من الشام إلى الكوفة، يريد أن ينازع أبا حنيفة، فقال له أبو حنيفة: سل عن ما بدا لك، فقال له صاحب غيلان: ما أراد الله لفرعون؟ فقال له أبو حنيفة: أراد الله له الكفر، فقال: فما أراد إبليس لفرعون؟ قال: أراد له الكفر، قال: فما أراد فرعون لنفسه؟ قال: أراد لنفسه الكفر، قال: فما أراد موسى لفرعون؟ قال: أراد له الإيِمان. قال: أ ليس خالف إرادةُ الله إرادةَ موسى؟ فموسى أراد لفرعون الإيِمان، وأراد اللهُ لفرعون الكفر، فوافق إرادة إبليس إرادة الله.
__________
(1) كوفي، ولي القضاء في أيام الرشيد، بعد وفاة محمد بن الحسن. قال الخطيب: "وكان من أصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنه - وأبي يوسف، وقد حدّث عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة". وقال طلحة بن محمد بن جعفر: "عليّ بن حرملة مُقدَّمٌ في العلم، حسن المعرفة، وقد حُمِل عنه علم كثير، وحديث صالح، وأخبار". (أخبار القضاة لوكيع 3: 288؛ تاريخ بغداد 11: 415؛ الجواهر المضية 2: 551).
(2) في الأصل: غيلان بن منبِّه، وهو خطأ. وأما غيلان بن مسلم فهو أبو مروان، أخذ العلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية، له كتاب في الرد على الأوزاعي في القدر (مقالات الإسلاميين 136ـ137، 150؛ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص229ـ250؛ المنية والأمل 30ـ32؛ المعتزلة لزهدي جار الله 14ـ15).
وأما صاحب غيلان بن مسلم، فهو إمّا مسلم بن خالد الزنْجي، على ما ذكره القاضي عبد الجبار في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة 84، 253؛ وإمّا شخص اسمه صالح، خرج إلى أرمينية مع غيلان بن مسلم، فأرسل هشام في طلبهما، فحبسهما أياما، ثم أخرجهما وقطع أيديهما وأرجلهما، ومات تَحت التعذيب قبل غيلان، وصلّى عليه غيلان، كما ذكره القاضى أيضا، في فضل الإعتزال وطبقات المعتزلة 84، 253؛ والمنية والأمل 31ـ32، وصالح أشبه بالمعنِيّ هنا.(1/121)
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: أراد الله لفرعون الكفر، وأراد لإبليس أن يريد لفرعون الكفر، وأراد أن يريد لنفسه الكفر، وأراد لموسى أن يريد له [46ب] الإيِمان، فكلٌّ بإرادة الله تعالى، سعادةِ موسى وشقاوة هذين. فقال الرجل: أبقاك الله يا أبا حنيفة للمسلمين! أستغفر الله وأتوب إليه من قولي الذي كنتُ عليه، فما توبتي؟ قال: توبتك أن ترجع إلى الشام، فتدعوَ أولئك الذين أضلَلْتَهم إلى الهدى، فانطلق الرجل إلى الشام تائبا مما كان عليه، فلم يزل ينازعهم، حتى رجع منهم خلق كثير.
35- وروي عن أبي حفص البخاري(1)، عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال: الأشياء مقدرة، من الخير والشر، وعلى هذا جميع الفقهاء من أهل السنة، وكان يقول: لا تنازعوا في القدر، ولا تقولوا في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا خيرا، ولا يرى بأسا بالنجوم التي(2) يُهتَدى بِها(3).
__________
(1) هو أحمد بن حفص، المعروف بأبي حفص الكبير، الإمام المشهور. أخذ العلم عن محمد بن الحسن، فكان من كبار تلامذته، انتهت إليه رياسة الأصحاب ببخارى، وإلى ابنه محمد بعده، وله أصحاب لا يُحْصَون. توفي سنة 264هـ. (تاج التراجم 6؛ الجواهر المضية 1: 166؛ الطبقات السنية 1: 342ـ343؛ الفوائد البهية 19ـ20).
(2) في الأصل: الذي.
(3) أخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4: 689، رقم 1274) عن التابعي الجليل أيوب السختيانيّ قال: قال أبو قلابة : يا أبا أيوب، اضبط عنّي أربعا : لا تقولنّ في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد فأمسك، ولا تُمَكِّن أصحاب الأهواء سمعَك ، فيُغيِّروا قلبَك".(1/122)
36- قال محمد بن الحسن: لا أرى الذنوبَ تُكفِّر أهلَها، ولا يُدخِلهم في النفاق. وكان لا يرى أن يكفر(1) بذنب مَن قال: لا إله إلا الله، وكان لا يُخرِجهم من الإسلام بعمل، (وكان يرى الجهادَ ماضٍ حتى يقاتلوا الدجال، والإيِمان بالأقدار)(2)
__________
(1) في الأصل: يكفروا.
(2) ما بين القوسين في الأصل هكذا: "والجهاد ماضٍ، والإيِمان بالإقرار، حتى يقاتلوا الدجال". وفيه شيء من الاضطراب من حيث المعنى. صوّبته كما ترى اعتمادا على السير الكبير للإمام محمد نفسه 1: 160.
ذكر الإمام محمد في كتابه السير الكبير 1: 156 "عن مكحول رحمه الله أنه قال في مرضه الّذي مات فيه: حديثٌ كُنتُ أكتُمكموه، لولا ما حضرني من أمر الله ما حدّثتُكم به. ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تُكفِّروا أهلَ ملّتِكم وإن عملوا الكبائر، الصلاةَ مع كلِّ إمام، الصلاةَ على كلّ ميِّتٍ، الجهادَ مع كل أمير".
وأخرج فيه أيضا 1: 160 "عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله :- صلى الله عليه وسلم - أصلُ الإسلام ثلاثةٌ: الكفُّ عمّن قال لآ إله إلا الله؛ أن تُكَفِّروه بذنبٍ، ولا تُخرِجوه من الإسلام بعملٍ، والجهادُ ماضٍ منذ بعثني الله حتى يقاتِل آخرُ عصابة من أمّتي الدجّال، والإيِمان بالأقدار كلِّها". وأخرجه أيضا البيهقي في الاعتقاد والهداية 123، ثم قال: "ولهذه الأحاديث شواهد ذكرناها في كتاب الإيِمان، وفي كتاب البعث والنشور، وعلى هذا درج مَن مضى من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل السنة".
وأخرج أبو داود سننه 3: 40 عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم ثلاثة من أصل الإيمان: الكفُّ عمن قال لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل. والجهادُ ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخرُ أمتي الدجال، لا يبطله جورُ جائر ولا عدل عادل. والإيمانُ بالأقدار".
وروى الطبراني في الأوسط 5: 390 رقم 4772، عن عليّ وجابر، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بُنِي الإسلام على ثلاثةٍ: أهلُ لاإله إلا الله لا تكفِّروهم بذنبٍ، ولا تشهدوا عليهم بشركٍ، ومعرفةُ المقادير: خيرُها وشرُّها من الله، والجهادُ ماضٍ إلى يوم القيامة، مذ بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى آخِر عصابة من المسلمين، لا ينقض ذلك جورُ جائر، ولا عدلُ عادلٍ". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 111: "وفيه إسماعيل بن يَحيى التيمي، كان يضع الحديث".
وأخرج الإمام محمد في موطّأ الإمام مالك بروايته 325 عن ابن عمر قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيّما امرئ قال لأخيه: كافر، فقد باءَ بِها أحدهما.
قال محمد: لا ينبغي لأحدٍ من أهل الإسلام أن يشهد على رجل من أهل الإسلام بذنبٍ أذنبه بكفرٍ، وإن عظُم جُرْمه. وهو قول أبي حنيفة والعامّةِ من فقهائنا".(1/123)
، وهو قول أبِي حنيفة - رضي الله عنه -.
37- وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: لا تجادلوا أهل الخصومات(1)، [47أ] واحفظوا عني أربع خصال تكونوا على ما مضى صدرُ هذه الأمة؛ آمِنوا بالقدر: خيرِه وشره، ولا تكفروا أحدا بالذنب، ولا تشكوا في إِيْمانكم، ولا تشتموا أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -(2).
__________
(1) أخرج الدارمي 1: 71، 110 في المقدمة، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 7: 11-12، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: "لا تُجالسوا أصحاب الخصومات، فإنّهم يَخوضون في آيات الله". وأخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1: 129، رقم 223) مثله عن الفضيل بن عياض، تلميذ الإمام أبي حنيفة.
(2) أخرج الخطيب في تاريِخه 13: 331، بسنده عن سعيد بن سالم البصري قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لقيت عطاء بِمكة فسألته عن شيء فقال من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أنت من أهل القرية الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا؟ قلت: نعم! قال فمن أي الأصناف أنت؟ مِمن لا يسب السلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحدا بذنب، قال: فقال لي عطاء : عرفت فالزم". وذكره أيضا المكّي في المناقب 79؛ والبابرتي في شرح وصية الإمام أبي حنيفة 41؛ والعيني في عقد الجمان 2: 598ب.(1/124)
38- وعن محمد بن شجاع الثلجي(1) أنه قال: أنا مُتَّبِعٌ ولَسْتُ بِمبتدِع، ومُقْتَدٍ ولست بِمُبْتَدٍ، أقول كما قال الله تعالى في كتابه العزيز، وأقول بِما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما اختلف المختلفون فيه، فكفَّر بعضُهم بعضا تورّعتُ عن الدخول فيه، وما اختلف المختلفون فيه، ولم يُكَفِّرْ بعضُهم بعضا دخلتُ فيه، مثل ما دخل فيه الصحابةُ والتابعون.
__________
(1) في الأصل: البلخي، وهو تصحيف. وهو محمد بن شجاع الثلجي، فقيه العراق في وقته. من أصحاب أبي حنيفة، أخذ الفقه من الحسن بن زياد، وبرع، وكان من بُحور العلم، مات سنة 266هـ، وهو ساجد. ترجمته في: الفهرست 285؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه 157ـ158؛ طبقات الفقهاء للشيرازي 140؛ الأنساب 1: 512؛ تَهذيب الكمال 25: 362؛ النجوم الزاهرة 3: 42؛ الوافي بالوفيات 3: 148؛ تذكرة الحفاظ 2: 629؛ سير أعلام النبلاء 12: 379ـ380؛ الجواهر المضية 3: 173ـ175؛ لسان الميزان 2: 476-478؛ تَهذيب التهذيب 9: 220ـ221؛ تاج التراجم 55ـ56؛ مناقب الإمام الأعظم للكردري 449ـ464؛ مفتاح السعادة 2: 249-251؛ الفوائد البهية 171ـ172؛ الأعلام 6: 157.
وللشيخ محمد زاهد الكوثري ’الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع‘، مطبوع في القاهرة 1368.(1/125)
39- وسئل محمد بن شجاع الثلجي(1) عن القدر، قال: القدر؛ خيره وشره من الله تعالى، قيل له: إنك تزعم أن ما اختلف المختلفون فيه، فكفر بعضهم بعضا تورعتَ عن الدخول فيه، وهذا مِما يكفر بعضهم بعضا، واختلفوا فيه، فقال: مهما سألني ربي يوم القيامة عنه أحَلْتُه على رسولَيِ الله - صلى الله عليه وسلم -(2)، قيل له: من هما؟ قال: محمد وجبريل عليهما السلام على ما حدّث عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليه أعرابِي، [47ب] فلم يزل (يقول)(3): اقْتَرِبْ، وادْنُ، حتى دنا فجلس، فمَسَّ ركبتُه ركبةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن الإيِمان، فقال: الإيِمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبِه، ورسلِه، والبعثِ بعد الموت، والجنةِ والنار، والقدرِ: خيْرِه وشرِّه من الله، فقال: صدقتَ، فتعجبنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم من تصديقه إياه، ثم قام فذهب، فقال- صلى الله عليه وسلم - : هذا جبريل، أتاكم ليعلمكم أمر دينكم(4)
__________
(1) في الأصل: البلخي، وهو تصحيف.
(2) في الأصل: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والسياق يقتضي هذا التصويب.
(3) ما بين القوسين زيادة منّي.
(4) أخرج الإمام أبو حنيفة هذا الحديث في الفقه الأبسط 36-37، عن علقمة بن مرثد، عن يَحيى بن يعمُر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ؛ وذكرهالخوارزمي في جامع المسانيد 1: 174-175؛ والبياضي في الأصول المنيفة 37ـ39 بنفس سند الفقه الأبسط. ولأبي حنيفة طرق أخرى في هذا الحديث، منها روايته عن حماد، عن أبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، ذكره الخوارزمي في جامع المسانيد 1: 127.
قال العلامة البياضي في إشارات المرام ص 69: "فالحديث مشهور، رواه أحد عشر من الصحابة: أمير المؤمنين عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو موسى الأشعري، وأبو عامر الأشعري، وأبو هريرة، وأبو ذرّ، وأنس، وجرير بن عبد الله، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي الله تعالى عنهم، ورُوِيَ عنهم أكثر من اثنين وأربعين طريقا".
أخرجه مسلم 1: 36ـ40 عن عبد الله بن عمر، وعمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم، في كتاب الإيِمان، باب بيانِ الإيِمان والإسلام والإحسانِ ووجوب الإيِمان بإثبات قدر الله…؛ والبخاري 1: 114، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، في كتاب الإيِمان، (باب سؤالِ جبريلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإيِمان، والإسلام، والإحسانِ، وعلمِ الساعةِ، وبيانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له…). ومن أوسع المصادر جمعا لطُرُق هذا الحديث وألفاظِه المختلفة ’كتابُ الإيِمان‘ للحافظ ابن منده 1: 116ـ153؛ وفتحُ الباري للحافظ ابن حجر 1: 114ـ125.(1/126)
.
40- وروي عن عبد الملك بن أبي الشوارب(1)
__________
(1) لم أعثر إلا على ترجمة ابنه، الإمامِ الثقة المحدّث الفقيه الشريف، أبي عبد الله محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب محمد بن عبد الله القرشي الأموي البصري. ولد بعد 150هـ. حدّث عن أبي عوانة، وحماد بن زيد، وخلقٍ غيرهم. حدّث عنه: مسلم، والنسائي، والترمذي، والقزويني، وآخَرون. كان من جلّة العلماء. ولي القضاء عدَّة من ذريته، منهم ولدُه الحسن، قاضي قضاة المعتمد على الله، وكان جوادا مُمدَّحا نبيلا. توفي سنة 261هـ. (سير أعلام النبلاء 12: 518). ومنهم ولدُه الآخَر عليّ، الإمام الحافظ، وكان رجلا صالحا، عظيمَ الخطر، كثيرَ الطلب للحديث، ثقةً أمينا، توفي سنة 283هـ. (سير أعلام النبلاء 13: 412). وأما صاحب الترجمة محمد فتوفي سنة 244هـ. (الجرح والتعديل 8: 5؛ تاريخ بغداد 2: 344ـ345؛ اللباب 2: 213؛ سير أعلام النبلاء 11: 103ـ104؛ تَهذيب التهذيب 9: 316ـ317).
ابن أبي الشوارب، قاضي القضاة، أبو الحسن، أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباس ابن المحدث محمد بن أبي الشوارب، الأموي. ولي بعد محمد بن الأكفاني. قال الخطيب: كان عفيفا نزها، سمع من: ابن قانع، وأبي عمر الزاهد. ولم يرو. يقال: عرض المتوكل القضاء على جدِّهم محمد، فامتنع، فيرون أن بركة امتناعه دخلت على ولده، فولي منهم القضاء أربعة وعشرون، فثمانية منهم تقلدوا قضاء القضاة، آخرهم هذا، وما رأينا مثله جلالة وشرفا، ولي أولا قضاء البصرة، ثم ولي بغداد في سنة 405، ومات في شوال سنة 417، وله 88 سنة (تاريخ بغداد 5: 47ـ49؛ الوافي بالوفيات 8: 35؛ النجوم الزاهرة 4: 264؛ سير أعلام النبلاء 17: 360ـ361).(1/127)
، أنه أشار إلى قصرهم العتيق بالبصرة فقال: خرج من هذه الدار ـ أو من هذا القصر ـ سبعون قاضيا على مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه -، كلهم كانوا يرون إثبات القدر، وأن الله تعالى اسمه خالقُ الخير والشر، ويروُون ذلك عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر بن هذيل(1)
__________
(1) العنبري، الفقيه الرباني، العلامة، من كبار أصحاب أبي حنيفة وأفقههم، وأحسنهم قياسا، ولي قضاء البصرة، وكان قد خلف أبا حنيفة في حلقته إذ مات، ثم خلف بعده أبو يوسف، ثم بعدهما محمد بن الحسن، مات سنة 158هـ، عن 48 سنة. قال ابن معين: زفر صاحب الرأي، ثقة مأمون. ترجمته في: طبقات ابن سعد 6: 387ـ388؛ التاريخ لابن معين 2: 172؛ تاريخ خليفة بن خياط 468؛ المعارف لابن قتيبة 496؛ الثقات لابن حبان 6: 339؛ الفهرست 285؛ الجرح والتعديل 3: 608؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه 103ـ108؛ طبقات الفقهاء للشيرازي 135؛ الانتقاء 335ـ336؛ تاريخ بغداد 7: 314ـ315؛ النجوم الزاهرة 2: 188؛ تذكرة الحفاظ 1: 215ـ216؛ سير أعلام النبلاء 8: 38ـ41؛ الجواهر المضية 2: 207ـ209؛ لسان الميزان 2: 476-478؛ تَهذيب التهذيب 3: 306ـ307؛ مناقب الإمام الأعظم للكردري 449ـ464؛ تاج التراجم 28؛ مفتاح السعادة 2: 249-251؛ الطبقات السنية 3: 254ـ258؛ الفوائد البهية 75ـ77.
وللشيخ محمد زاهد الكوثري ’لمحات النظر في سيرة الإمام زفر‘ المطبوع بالقاهرة 1368؛ والدكتور عبد الستار حامد ’الإمام زفر بن الهذيل أصوله وفقهه‘، المطبوع ببغداد 1399؛ والدكتور أبي اليقظان عطية الجبوري ’الإمام زفر وآراؤه الفقهية‘، المطبوع ببيروت 1406.(1/128)
، ومحمد بن الحسن، وأصحابِهم(1). وهؤلاء يروُون الفقه عن أبي حنيفة وأصحابه الذين سميناهم. ومن قال: إن الله خلق الخير ولم يخلق الشر، ولم يقدرهما جميعا فهو مُبْتَدِعٌ، لا يُصَلَّى خلفه.
41- وروي عن عبد الكريم الجرجاني(2)، عن أبي حنيفة - رضي الله عنه -، قال: كذب الناس على الحسن، حيث نسبوه [48أ] إلى القدر(3)
__________
(1) ذكر هذه الرواية كل من القرشي في الجواهر المضية 1: 7؛ 2: 267؛ وابن قطلوبغا في تاج التراجم 29، نقلا عن هذا الكتاب الّذي نَحن بصدد تَحقيقه.
(2) هو عبد الكريم بن محمد الجرجاني، أبو محمد ويقال أبو سهل، قاضي جرجان، وإمام أهلها. هرب من القضاء، وجاور بِمكة. روى عنه قيس بن الربيع وأبو حنيفة والمسعودي وغيرهم. وعنه ابن عيينة وأبو يوسف القاضي وهما أكبر منه، والشافعي وغيرهم. قال أبو يوسف: كان إذا حضر مجلسَ الإمام انتفع أهلُ المجلس بِحضوره، وما قدم علينا من خراسان أفقه منه". وقال ابن حبان: كان مرجئا، وكان من خيار الناس. مات بِمكة سنة نيف وسبعين ومئة (الثقات 8: 423؛ الجرح والتعديل 6: 61؛ تَهذيب الكمال 18: 258؛ الكاشف 1: 661؛ ميزان الاعتدال 2: 646؛ مناقب الكردري 510؛ عقود الجمان 127؛ تَهذيب التهذيب 6: 375؛ لسان الميزان 7: 291).
(3) أخرج عبد الرزاق في المصنف 11: 119 عن معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: "من كذّب بالقدر فقد كذّب بالقرآن".وقال محققه حبيب الرحمن الأعظمي: "وذكر ابن حجر في التهذيب (2: 270) عن ابن عون قال: سمعت الحسن يقول: "من كذّب بالقدر فقد كفر". وروى عنه حميد الطويل أيضا إثبات القدر".
أخرج أبو داود 5: 22، رقم 4618، في السنة، باب لزوم السنة، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حمّاد، حدثنا حميد، قال: قدِم علينا الحسنُ مكةَ، فكلّمني فقهاء أهل مكة أن أكلِّمه في أن يَجلس لهم يوما يعظهم فيه، فقال: نعم، فاجتمعوا فخطبهم، فما رأيت أخطب منه، فقال رجل: يا أبا سعيد! من خلق الشيطان؟ فقال: سبحان الله!! هل مِنْ خالقٍ غير الله؟ خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشرّ، فقال الرجل: قاتلهم الله! كيف يكذبون على الشيخ!؟"
وأخرج أيضا برقم 4621 "عن ابن عون، قال: كنت أسير بالشام، فناداني رجل من خلفي، فالتفتُّ فإذا رجاء بن حَيْوَةَ، فقال: يا أبا عون! ما هذا الذي يذكرون عن الحسن؟ قال: قلت: إنّهم يكذبون على الحسن كثيرا".
وأخرج كذلك برقم 4622 عن أيوب ـ السختياني ـ يقول: "كذب على الحسن ضربان من الناس: قومٌ، القدرُ رأيُهم وهم يريدون أن يُنَفِّقوا بذلك رأيهم، وقومٌ له في قلوبِهم شنآنٌ وبغض، يقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟".
وأخرج برقم 4623 قال: حدثنا ابن المثني، أن يَحيى بن كثير العنبري حدّثهم، قال: كان قُرَّةُ بن خالد يقول لنا: يا فتيان! لا تُغْلَبوا على الحسن، فإنه كان رأيه السنّة والصواب". قلت: وهناك في الكتاب والباب نفسهما أحاديثُ أخرى، أعرضتُ عن ذكرها اكتفاء بِما ذكرته، والتي تبين أن الحسن ما كان ينكر القدر، وإنّما هو افتراء عليه.
وأسند ابن سعد في الطبقات الكبرى 7: 175، عن عمر مولى غفرة قال: كان أهل القدر ينتحلون الحسن بن أبي الحسن، وكان قوله مخالفا قولهم، كان يقول: يا ابن آدم! لا ترض أحدا بسخط الله، ولا تطيعنّ أحدا في معصية الله، ولا تحمدنّ أحدا على فضل الله، ولا تلومَنّ أحدا فيما لم يؤتك الله، إن الله خلق الخلق والخلائق فمضَوا على ما خلقهم عليه، فمن كان يظن أنه مزداد بِحرصه في رزقه فليزدد بِحرصه في عمره، أو يغيِّر لونه أو يزيد في أركانه وبنانه".
وأسند ابن سعد في الطبقات الكبرى 7: 167، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 133، عن "حماد بن زيد، عن أيوب قال: أدركت الحسن واللهِ، وما يقوله ـ يعني القدر ـ".
وأسند اللالكائي فيه (4: 682) أيضا عن مروان عن عاصم قال: "سمعت الحسن يقول في مرضه الذي مات فيه: إنّ الله قدّر أجلا، وقدّر معه مرضا، وقدّر معه معافاة، فمن كذّب بالقدر فقد كذّب بالقرآن، ومن كذّب بالقرآن فقد كذب بالحقّ".
وأسند فيه (4: 682) أيضا عن حمّاد بن زيد عن عوف قال: سمعت الحسن يقول : من كذّب بالقدر فقد كذّب بالإسلام. ثم قال: إن الله خلق خلقا، فخلقهم بقدر، وقسّم الآجال بقدر، وقسّم أرزاقهم بقدر، والبلاء والعافية بقدر" .(1/129)
.
42- وروي عن حامد بن آدم(1) قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم السمرقندي(2)، والفضل بن موسى(3)، وعمر بن عبيد(4)، وإسماعيل بن حماد(5)، وغير واحد، وربّما قدموا أو أخروا، والمعنى
__________
(1) هو حامد بن آدم المروزي. يروي عن أبي حنيفة وابن المبارك، كذّبه الجوزجاني، وابن عديّ، وعدّه أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث. (مناقب المكي 119، 169؛ ميزان الاعتدال 1: 447).
(2) هو إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قاضي سمرقند، من تلامذة الإمام أبي حنيفة (مناقب المكي 119؛ مناقب الكردري 514؛ عقود الجمان 99).
(3) هو الفضل بن موسى السيناني، الإمام الحافظ، الثبت، أبو عبد الله المروزي، أحد تلامذة الإمام، روى عن هشام بن عروة، والأعمش، ومعمر بن راشد، وطبقتهم. وعنه وكيع بن الجراح، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، وثقه وكيع وابن سعد، توفي سنة 192هـ. (طبقات ابن سعد 7: 372؛ سير أعلام النبلاء 9: 105ـ103؛ مناقب الكردري 512؛ عقود الجمان 139).
(4) هو عمر بن عبيد بن أبي أميّة الطنافسي، الكوفي، أبو حفص، من تلامذة الإمام، يروي عن السَّبِيعيّ، وسِماك بن حرب. وروى عنه أهل العراق، وثّقه وأخاه محمدا ـ السابق في هذا الكتاب ـ ابنُ سعدٍ والدّارقطنيُ، توفي بالكوفة سنة 185هـ. (طبقات ابن سعد 6: 378؛ الجرح والتعديل 6: 123؛ الجواهر المضية 2: 654؛ تَهذيب التهذيب 7: 480ـ481؛ عقود الجمان 135).
(5) هو إسماعيل بن حمّاد بن الإمام أبي حنيفة، تفقه على أبيه، والحسن بن زياد، ولم يدرك جدّه. ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، والبصرة والرَّقَّة. وكان بصيرا بالقضاء، محمودا فيه، عارفا بالأحكام والوقائع، صالحا، ديّنا، عابد، زاهدا. وله ’الجامع‘ في الفقه، و’الرد على القدرية‘، و ’كتاب الإرجاء‘، و ’رسالة إلى البُستِي‘. توفي سنة 212هـ. (أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 138ـ140؛ تاريخ بغداد 6: 243ـ245؛ الجواهر المضية 1: 400ـ403؛ تاج التراجم 18ـ19؛ الطبقات السنية 2 :184ـ186).(1/130)
واحد، قالوا: ( قَدِمَ الكوفة )(1) سبعون رجلا من فقهاء القدرية، فتكلموا في مسجد (الكوفة)(2) بكلام (في)(3) القدر، فبلغ ذلك أبا حنيفة - رضي الله عنه -، فقال: لقد قدموا ببر كاسد، فأطلق من أصحابه إليهم، فبلغهم ذلك، واجتمعوا عند بابه، فقالوا: يا أبا حنيفة! بلغنا أنك قلت إنّهم قدموا الكوفة ببر كاسد، قال: قد قلتُ، قالوا: لا نخرج حتى نخاصِمَك، قال: فيم تخاصمون؟ قالوا: في القدر، فقال: أما علمتم أن الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس، كلما ازداد نظرا ازداد تَحيُّرا(4)، قالوا: فاخبرنا عن الكفر، أ مخلوق هو؟ قال: مخلوق، قالوا: وكيف يكون مخلوقا، وهو صنع العباد، والله خالق ذلك الصنع؟ وهو قول الله تعالى { الله خالق كل شيء } (5). أولا تعلمون أن الأعمال صنعهم، والصنع مَخلوق، لقوله تعالى { وما كان لنفس أن تَموت إلا بإذن الله } (6)، وقوله تعالى { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } (7)، والكفر، والإيِمان، وأعمال العباد، وأرزاقهم، وآثارهم [48ب] مِما أحصاه الله تعالى، الخالق قبل أن يخلقهم(8).
3ـ فصل : في الاستطاعة
43- روي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة- رضي الله عنه - أنه قال: بالاستطاعة يوجد الأفعال.
__________
(1) ما بين القوسين في الأصل: قد مر. وهو تصحيف، والتصويب من الانتقاء 315.
(2) ما بين القوسين زيادة من الانتقاء.
(3) ما بين القوسين زيادة من الانتقاء.
(4) ذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2: 97 عن جعفر بن محمد - رضي الله عنه - أنه قال: "الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس، كلما ازداد نظرا ازداد حيرةً ".
(5) جزء من آيتي الرعد، 16؛ والزمر، 62.
(6) آل عمران، 145.
(7) يس، 12.
(8) هذه الرواية ذكرها ابن عبد البرّ في الانتقاء 315-316 بأطول مِما هنا؛ والعيني في عقد الجمان 2: 594أ؛ البابرتي في شرح وصية الإمام أبي حنيفة 21-22 مختصرا.(1/131)
44- وعن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال: أقول كما قال أبو جعفر محمد بن علي- رضي الله عنه - : واللهُ لا يكلف العباد مالا يطيقون(1).
45- وروي عن محمد بن مقاتل، عن محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال: إن الاستطاعة التي يكفر بِها ( العبد)(2) هي الاستطاعة التي يؤمِن بِها(3).
4ـ فصل : في القرآن
__________
(1) قال البياضي في إشارات المرام 248: رواه الإمام عبد الله الحارثي في الكشف، والإمام أبو الحسن ظهير الدين المرغيناني، والإمام أبو عبد الله الصيمري، والإمام حافظ الدين الكردري في المناقب". وسبق تَخريِجه مطولا.
(2) زيادة من الفقه الأبسط للأمام أبي حنيفة 38؛ وإشارات المرام للبياضي 243.
(3) ذكره أبو حنيفة في الفقه الأبسط 39؛ والبياضي في إشارات المرام 243، وقال: "رواه عن الإمام في المقالات الماتريدية، والتبصرة 2: 544، والكفاية، والتعديل، والاعتماد" ق 51ب.(1/132)
46- روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه كان يقول: كنت مع أبي حنيفة - رضي الله عنه - يوما، فمررنا برجل يخوض في القرآن، ويلوم من خالفه، فقال له أبو حنيفة: إن كنت ترجو بذلك قربة، فلا قربة لك فيه، وعليك بِما عليه السلف، ولا تُمَارِ في الله ولا في صفاته، فإن القرآن كلام الله، والْهَ(1) مِن سواه(2).
__________
(1) مِن "لَهِيَ يَلْهَى لُهِيَّاً" عن الشيء: أعرض عنه وتركه. تقول: الْهَ عن الشيء، أي اتركه. وقال الأصمعيّ: اِلْهَ عنه ومنه بِمعنى. (الصحاح 6: 2487-2488 مادة (لها)؛ النهاية لابن الأثير 4: 282-283).
(2) وروي عن أبي يوسف رحمه الله، قال: كنا جلوسا عند أبي حنيفة، إذا دخل جماعة في أيديهم رجلان، فقالوا: إن أحدَ هذين يقول: القرآن مخلوق، وهذا ينازعه ويقول: إنه غير مخلوق، فقال أبو حنيفة: لا تصلوا خلفهما، فقلت: أما الأول فنعم، فإنه لا يقول بقدم القرآن، وأما الآخَر فما باله لا نصلّي خلفه؟ قال أبو حنيفة: إنَّهما تنازعا في الدين، والمنازعة في الدين بدعة (مفتاح السعادة لطاشكبري زاده 1: 156؛ شرح الفقه الأكبر لِملا علي القاري 9؛ شرح العقيدة الطحاوية للميداني 95).(1/133)
47- وروي عن الحسن بن زياد(1) رحمه الله قال: أتيتُ داودَ الطائي(2) أنا وحماد بن أبي حنيفة، فجرى ذكر شيء، فقال داود لحماد: يا أبا إسماعيل! مهما تكلم المتكلم فيه من شيء، رجاءَ أن
__________
(1) أبو علي، اللؤلؤي الكوفي، العلامة فقيه العراق، أحد أصحاب أبي حنيفة، حدث عن أبي حنيفة، وروى عنه محمد بن سماعة القاضي، ومحمد بن شجاع الثلجي. قال السمعاني: كان عالما بروايات أبي حنيفة، وكان حسن الخلق. توفي 204هـ. ترجمته في: أخبار القضاة 3: 188؛ الجرح والتعديل 3: 15؛ الفهرست 288؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه 131ـ133؛ طبقات الفقهاء للشيرازي 136؛ تاريخ بغداد 7: 314-317؛ الأنساب 5: 145ـ146؛ اللباب 3: 136؛ النجوم الزاهرة 2: 288؛ طبقات القراء 1: 213؛ تاج التراجم 16؛ سير أعلام النبلاء 9: 543ـ545؛ ميزان الاعتدال 1: 491؛ الجواهر المضية 2: 56ـ57؛ البداية والنهاية 10: 266؛ مناقب الإمام الأعظم للكردري 487ـ490؛ تاج التراجم 22؛ مفتاح السعادة 2: 256-257؛ الطبقات السنية 3: 59ـ61؛ كشف الظنون 2: 1415،1470،1574؛ الفوائد البهية 60-61؛ تأنيب الخطيب 362ـ366. وللشيخ محمد بن زاهد الكوثري ’الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع‘، المطبوع في القاهرة 1368؛ والدكتور عبد الستار حامد ’الحسن بن زياد وفقهه بين معاصريه من الفقهاء‘، المطبوع ببغداد 1400.
(2) هو داود بن نُصَير الطائي، أبو سليمان، الكوفي، الإمام الرباني. درس الفقه والحديث وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة. وكان من أصحاب أبي حنيفة الكبار. قال الوليد بن عقبة الشيباني: "لم يكن في حلقة أبي حنيفة أرفع صوتا من داود الطائي، ثم تزهّد واعتزلهم، وأقبل على العبادة". توفي سنة 165هـ. (طبقات ابن سعد 6: 367؛ أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص109ـ119؛ تاريخ بغداد 8: 347ـ355؛ حلية الأولياء 7: 335ـ367؛ الجواهر المضية 2: 194ـ195؛ طبقات الكردري 465ـ476؛ الطبقات السنية 3 :234ـ238).(1/134)
يسلم منه، فليحذر أن يتكلم في القرآن إلا ما قال الله تعالى (فيه)(1) [49أ] لقد سمعتُ أباك، يعني أبا حنيفة - رضي الله عنه - يقول: أعلمنا اللهُ أنه كلامه، فمن أخذ بِما علَّمه الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، فهل بعد التمسك بالعروة الوثقى إلا الوقوع في الهلكة. فقال حماد: جزاك الله من أخٍ خيرا، فنِعمَ ما أشرت به(2).
48- وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال: أما القرآن فإنه كلام الله تعالى، ووحيُه وتنْزيلُه، على هذا وجدتُ أبا حنيفة والأئمةَ، ولم يكن عندهم (مخلوقا، ولا خالقا)(3).
__________
(1) زيادة من مناقب أبي حنيفة وصاحبيه للذهبي 38.
(2) ذكرها الذهبي في مناقب أبي حنيفة وصاحبيه 37-38.
(3) في الأصل مخلوق ولا خالق. أخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2: 236ـ 238، أرقام 387ـ388، 390) عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سئل علي بن الحسين عن القرآن؟ قال: "ليس بِخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عزّ وجلّ".
قال أبو حنيفة في الوصية 73: "ونقرّ بأن القرآن كلام الله تعالى، غير مخلوق، ووحيه وتنْزيله". وقال في الفقه الأكبر 58: "القرآن غير مخلوق".
وأخرج الخطيب في تاريِخه 13: 377 عن "الحكم بن بشير يقول: سمعت سفيان بن سعيد الثوري والنعمان بن ثابت يقولان: القرآن كلام الله غير مخلوق".
وأسند ابن عبد البرّ في الانتقاء 318-319، عن "سهل بن عامر، قال: بشر بن الوليد يقول: كنا عند أمير المؤمنين المأمون، فقال إسماعيلُ بن حمّاد بن أبي حنيفة: القرآنُ مخلوق، وهو رأيي ورأيُ آبائي، قال بشر بن الوليد: أمّا رأيك فنعم، وأمّا رأيُ آبائك فلا.
قال أبو يعقوب: ونا أبو حامد، قال: نا صالح بن أحمد بن يعقوب، قال: سمعت أبي يقول: سُئل أبو مقاتل حفصُ بن سَلْم وأنا حاضر، عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال غَيْرَ هذا فهو كافر". انظر أيضا: مناقب أبي حنيفة للمكي 447؛ والطبقات السنية 1: 154.(1/135)
وروي عن محمد بن سعيد بن سابق(1) رحمه الله قال: سألت أبا يوسف، هل كان أبو حنيفة يقول: القرآن مخلوق؟ قال: معاذ اللهِ! ولا أنا (2).
__________
(1) الرازي، ثم القزويني. روى عن أبي جعفر الرازي، وطائفة، وعنه أبو زرعة، وأبو حاتم، وابن الضُّرَيْس. قال الخليلي: ثقة، كبير الْمحل. مات سنة 216هـ. (الثقات لابن حبان 9: 62؛ الجرح والتعديل 7: 265؛ الإرشاد للخليلي 2: 698؛ الكاشف 2: 175؛ التهذيب 9: 187؛ تقريب التهذيب 480).
(2) ذكره اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2: 269، رقم 470؛ والبيهقي في الاعتقاد 65؛ وفي الأسماء والصفات 321، فبقية كلام البيهقي فيه "فقلت: أ كان يرى رأيَ جهمٍ ؟ فقال: معاذ الله! ولا أنا أقوله. رواته ثقات".(1/136)
49- وروي عن الحسن بن زياد(1) رحمه الله أنه قال: أدركتُ مشايِخَنا بالكوفة: أبا حنيفة، وزفر، وأبا يوسف، وكلَّ من أدرَكْنا يقولون: القرآن كلام الله، لا يجاوزونه(2)
__________
(1) في الأصل: أبي الحسن بن زياد، وهو تصحيف.
(2) وكانوا يقفون في القرآن، ولا يقولون إنه مخلوق أو غير مخلوق، لعدم ورود هذا وذاك نصّاً في الكتاب والسنة. أخرج ابن أبي العوّام في فضائل أبي حنيفة وأصحابه (كما في مناقب أبي حنيفة وصاحبيه للذهبي 67؛ وحسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي للكوثري 35) "عن محمد بن أحمد بن حماد، عن محمد بن شجاع، عن الحسن بن أبي مالك: سمعت أبا يوسف يقول: القرآن كلام الله، من قال: كيف، ولِمَ؟ وتعاطى مِراءً ومُجادلةً استوجب الحبسَ والضرب بالسوط المُبًرِّحَ. وبه إلى محمد بن شجاع: قلتُ للحسن بن أبي مالك: أروي عنك أن أبا يوسف كان يرى أن من زاد على أن ’القرآن كلام الله‘ أنه يرى عليه العقوبة بالضرب؟ قال: نعم، ارْوِ ذلك عنّي، سمعت أبا يوسف يقول: من سأل عنه عوقِب. قلت: يا أبا علي! فهل توافق أبا يوسف على هذا؟ قال: لو خالفت في جميع قوله لوافقتُه على هذا، مَنْ سمعتَه يسأل عن شيءٍ مِن هذا فهو رجل سوء، لا يؤديه سؤالُه إلى خير".
وأخرج ابن أبي العوّام في فضائل أبي حنيفة وأصحابه (كما في لَمحات النظر في سيرة الإمام زفر للكوثري ص21؛ و الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع للكوثري 36) عن الدولابي، عن محمد بن شجاع، عن الحسن بن زياد، سمعت زفرَ بن هذيل وسأله رجل، فقال له: القرآن كلام الله. فقال له الرجل: أ مخلوق هو؟ فقال له زفر: لو شغلك فكرٌ في مسألة أنا فيها أرجو أن ينفعني الله بعلمها لشغلك ذلك عن هذا الذي فكرت فيه، والذي فكرتَ فيه بلا شكٍّ يضرك، سلِّمْ لله عز وجل ما رضي به منك، ولا تكلِّفْ نفسَك ما لا تكلف". وقال الكوثري في الإمتاع عقب هذه الرواية: "وكان أبو يوسف أيضا يقول: القرآن كلام الله، ولا يزيد على ذلك شيئا. وكان أناس يَعدُّون ذلك بدعة فظيعة بل كفرا، مع أن هذا وقوف عند ما وقف الكتاب والسنة، لا اشتباه في قدم ما قام بالله، ولا في حدوث ما قام بالخلق".
وذكر البزدوي في أصول الدين 54، أنه "روي عن أبي عبد الله البلخي ـ كذا، والصواب: الثلجي وهو محمد بن شجاع ـ وعبد الله بن المبارك أنّهما قالا بذلك، وهو مذهب بعض أهل الحديث. وقالوا: لا حاجة إلى القول إنه مخلوق أو غير مخلوق".
وذكر الإمام الطبري في تاريخ الأمم والملوك 10: 288؛ والإمام التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 1: 207 أن الإمام أحمد بن حنبل قال: "القرآن كلام الله، ولا أزيد على هذا". وذكر الإمام الطبري في صريح السنة 26؛ وابن قيم الجوزية في مختصر الصواعق المرسلة 2: 307 أنه قال أيضا: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع". انظر في ذلك: مناقب الإمام أحمد بن حنبل لابن الجوزي 154ـ155، 158؛ ودفع شُبَه التشبيه بأكُفِّ التنْزيه له 101، ونقل فيه قوله وهو تَحت السياط: "كيف أقول ما لم يُقَلْ".
وقال الإمام الكوثري في الإمتاع 58، بعد أن نقل توقف الأئمة أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر والحسن بن زياد والحسن بن أبي مالك والثلجي في القرآن: "وبِهذا الرأي الذي كان يدين به محمدُ بن شجاع يعدُّه النقلةُ من الواقفة، بل يكفرونه، فسبحان قاسم العقول. والقول بأن القرآن كلام الله، والسكوت عما زاد على ذلك مِما لم يَرِدْ في الكتاب والسنة هو الصواب القاطع للنِّزاع المهدئُ للعقول الثائرة، كما هو ظاهر. وحاشا أن يريد هو ولا أحد من أصحاب أبي حنيفة أن القرآن باعتبار وجوده العِلْمي في علم الله حادث، أو أن يريد أحد منهم قِدَمَ ما بأيدي البشر من القرآن في الأذهان والألسنة والصحف ليكونوا كفارا في الحالتين، لأن القول بِحدوث القديم، أو بقدم الحادث من أشنع أنواع الكفر عند من يعقل ما يقال له. وأما القول بِما قال به محمد بن شجاع نقلا عن أئمتنا من الوقوف حيث وقف الكتاب والسنة من غير زيادة شيءٍ على قولنا ’القرآن كلام الله‘ كما توارثه أئمتنا فهو محض الصواب ولبّ الحكمة. فلو كان أهل الشأن أخذوا بذلك لفترت الفتنة، ورجع الجميع إلى رشدهم، وانصرفوا إلى ما فيه خيرهم. لكن وقع ما كان يتوقعه الإمام الأعظم، ووصل الأمر إلى حدّ إكفارِ مَن يقول بِهذا الصواب، وتَخليدِ ذلك في الكتب مدى الأحقاب. هذا هو الذي بسببه كان يُرْمَى محمدُ بن شجاع بالْميل إلى الاعتزال، وحاشاه من ذلك، بل كان من أبعد خلق الله عن الانْحياز لإحدى الطائفتين المعتزلةِ والحشوية، بل كان حنيفا حنفيا لا يَميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء".
وذكر أبو بكر النجاد في كتابه ’الرد على من يقول القرآن مخلوق‘ 69 عن "أبي الحسن بن العطار قال: سمعت أبا نعيم الفضل بن دُكَيْن يقول وذكرتُ عنده من يقول: القرآن مخلوق، فقال: واللهِ ما سمعتُ شيئاً من هذا حتى خرج ذلك الخبيث جهمٌ".
وذكر أيضا عن "أبي الحسن بن العطار قال: سمعت إبراهيم بن زياد سبلان يقول: سمعت الضرير محمدَ بن حازم يقول: الكلام فيه بدعة وضلالة، وما تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة ولا التابعون ولا الصالحون يعنى القرآن مخلوق".(1/137)
. فقال له رجل: فتعلم كيف كان يقول ابن أبى ليلى(1)، والحجاج بن أرطأة(2)، وابن شُبْرمة(3)؟ قال: ما بين أحد منهم اختلاف فيما قلتُ.
__________
(1) أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الأنصاري الكوفي، الفقيه، المقرىء، مفتي الكوفة وقاضيها. له أخبار مع الإمام أبي حنيفة، وكان يفتي بقوله مع عداوته له، ويروي عنه مصَرِّحا ومكنيا. ولد سنة 74 وتوفي سنة 148هـ. (طبقات بن سعد 6: 358؛ الجرح والتعديل 7: 322ـ323؛ مناقب المكي 145ـ146؛ مناقب الكردري 499؛ تذكرة الحفاظ 1: 171؛ سير أعلام النبلاء 6: 310ـ316).
(2) الفقيه، أبو أرطأة النخعي، أحد الأعلام الفقهاء، على لين في حديثه. وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس. توفي سنة 145هـ. (طبقات ابن سعد 6: 359؛ سير أعلام النبلاء 7: 68ـ75؛ الكاشف 1: 311؛ ميزان الاعتدال 1: 458ـ460؛ تقريب التهذيب 152).
(3) هو عبد الله بن شُبْرُمَة بن الطفيل، الضَّبّي، أبو شبْرمة، الكوفي القاضي، ثقة فقيه. توفي سنة 144هـ. (طبقات ابن سعد 6: 350ـ351؛ سير أعلام النبلاء 6: 347ـ349؛ الكاشف 1: 560؛ تقريب التهذيب 307).(1/138)
50- وعن الحسن بن أبي مالك(1) قال: سمعتُ أبا يوسف رحمه الله يقول: جاء رجل إلى مسجد الكوفة يوم الجمعة، فوقف على الحِلَقِ(2) يسأل عن القرآن، وأبو حنيفة في غيبته إلى مكة، فاختبط(3) الناس [49ب] في ذلك، والله ما أحسَبه إلا شيطانا تصور بصورة الإنس، حتى انتهى إلى حَلْقَتِنَا، فسألَنا عنه، فنهى بعضُنا بعضا عن الجواب، وقالوا: ليس شيخُنا حاضرا(4)، ونَكْرَهُ أن نُقْدِمَ بكلام حتى يكونَ هو المبتدئَ بالكلام فيه، حتى قدِم أبو حنيفة، تلقّيْناه بالقادسية، فسألَنا عن أهل البلد وعن الولد والأهل، ثم قلنا له بعدَ أن تَمكنا منه: رضي الله عنك، وقعَتْ مسألة مُفْتِنَة(5) قِبَلَنَا، فما قولُك فيها؟ فكأنه كان في قلوبنا، وأنكَرْنا وجهه، وظنَّ أنْ قد وقعتْ مسألة مُفْتِنة، وأنّا قد تكلَّمْنا فيها بشيء(6).
__________
(1) أبو مالك، من أصحاب أبي يوسف، تفقه عليه، وأخذ عنه شيئا كثيرا. قال الصيمري: ثقة في روايته، غزير العلم، واسع الرواية، كان أبو يوسف يُشَبِّهُه بِجمل حُمِّل أكثر مِما يُطيق. وتفقه عليه محمد بن شجاع الثلجي، وغيره، وكان يقول: كانوا إذا قرأوا على الحسن بن أبي مالك مسائلَ محمد بن الحسن، قال: لم يكن أبو يوسف يُدقِّقُ هذا التدقيق الشديد. توفي في السنة التي مات فيها الحسن بن زياد، سنه 204هـ. (أخبار أبي حنيفة وأصحابه 155؛ الجواهر المضية 2: 90ـ91؛ الطبقات السنية 3: 50؛ الفوائد البهية 60).
(2) في الأصل: الخلق. والتصويب من الانتقاء 317؛ وتأنيب الخطيب 111.
(3) في الأصل: اختلط. والتصويب من تأنيب الخطيب 111.
(4) في الأصل: حاضرٌ. والتصويب من الانتقاء.
(5) في الانتقاء: مُعْنِتَةٌ.
(6) وقع في الأصل بعد هذا الكلام: "وخشينا أن نتكلم بشيء، فسر عنه". وهو سبق نظر من الناسخ، والتصويب من المصدرين السابقين.(1/139)
فقال: ما هي؟ قلنا: كذا وكذا، فسكت هُنَيْهَة، ثم قال لنا: ما جوابُكم فيها؟ قلنا: لم نتكلم فيها بشيء، وخشينا أن نتكلم بشيء تُنْكِرُه، فسُرِّي عنه(1)، وأسفر وجهه، وقال: جزاكم الله خيرا، احفظوا عني وصيتي: لا تَتَكَلَّمُوا فيها(2) بكلمة أبدا، ولا تَسْألوا عنها أحدا، انتَهُوا إلى أنه كلام الله تعالى بلا زيادة حرف، ما أحْسَبُ هذه المسألةَ تنتهي حتى تُوقِعَ أهلَ الإسلام في أمر لا يقومون له، ولا يقعدون. أعاذنا الله وإياكم من الشيطان الرجيم(3).
__________
(1) في الأصل: فسر عنه. والتصويب من المصدرين السابقين. ومعناه: انكشف عنه الهم.
(2) في الأصل: فيه. والتصويب من المصدرين السابقين.
(3) ذكر هذا القصة ابن عبد البرّ في الانتقاء 317-318؛ وابن أبي العوَّام الحافظ في فضائل أبي حنيفة، كما في تأنيب الخطيب للكوثري 111-112؛ والتميمي في الطبقات السنية في تراجم الحنفية 1: 153-154.
روى الخطيب في تاريخ بغداد 13: 378، عن أبي سليمان الجوزجاني ومُعَلَّى بن منصور أنّهما يقولان: ما تكلم أبو حنيفة، ولا أبو يوسف، ولا زفر، ولا محمد، ولا أحد من أصحابِهم في القرآن، وإنّما تكلم في القرآن بشرٌ المريسيُّ، وابن أبي دؤاد، فهؤلاء شانوا أصحاب أبي حنيفة". انظر كذلك: الطبقات السنية 1: 126-127.
وروى الخطيب في تاريخ بغداد 13: 378؛ والذهبي في مناقب الإمام أبي حنيفة وصحبيه عن "الإمام أحمد رحمه الله يقول: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق".(1/140)
51- وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ناظرت أبا حنيفة- رضي الله عنه - في القرآن [50أ] كذا شهرا ، فاتفق رأيي ورأيه على أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق(1)
__________
(1) أخرج البيهقي في الأسماء والصفات 321-322، بسنده عن أبي يوسف القاضي يقول: "كلّمْتُ أبا حنيفة رحمه الله تعالى سَنَة جَرْداء في أنّ القرآن مخلوق أم لا؟ فاتفق رأيه ورأيي على أن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. قال أبو عبد الله –يعني البيهقي-: رواة هذا كلُّهم ثقات". وعلّق العلامة التفتازاني في شرح المقاصد 4: 146، على هذه الرواية بقوله، ونقل عنه الكوثري (في تعليقه على الأسماء والصفات) نقل قبول: "وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسي، وكونه هو القرآنَ ينبغي أن يُحْمَلَ ما نُقِلَ من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستة أشهر، ثم استقرّ رأيهما على أنّ من قال بِخلق الفرآن فهو كافر".
وذكر هذه الرواية أيضاً الحكيم السمرقندي في السواد الأعظم 11؛ والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13: 377؛ والبزدوي في الأصول مع شرحه كشف الأسرار 1: 9؛ والذهبي في العُلُوّ 140؛ والبابرتي في شرح وصية الإمام أبي حنيفة 28-29؛ وابن أبي العزّ في شرح العقيدة الطحاوية 435-436؛ والبياضي في إشارات المرام 176.
أخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2: 269-270، رقم 471) بسنده إلى أحمد بن عطية "قال حدثنا سعيد بن منصور قال: سمعتُ ابنَ المبارك يقول: واللهِ ما مات أبو حنيفة وهو يقول بِخلق الفرآن، ولا يدين الله به".
وأخرج أيضا (برقم 472) عن علي بن عمر قال أخبرنا مكرم وقال حدّثنا أحمد بن عطية قال، سمعت محمد بن مقاتل يقول: سمعت ابن المبارك يقول: ذُكِرَ جهْم في مَجلس أبي حنيفة، فقال: ما يقول؟ فقالوا: يقول القرآن مخلوق. فقال { كبرت كلمة تَخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا } (الكهف، 5). وأخرجه الخطيب بلفظ مقارب، وبسند آخرَ في تاريخ بغداد 13: 377.
أخرج الحارثي قال: "حدثنا صالح بن أحمد بن يعقوب البلخي، سمعت أبي يقول: سئل أبو مقاتل حفصُ بن سَلْمٍ، وهو إمام أهل سمرقند، وأنا حاضر، عن القرآن؟ فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال غير هذا فهو كافر. فقال له ابنه سَلْم: يا أبتّ! هل تُخبر عن أبي حنيفة في هذا بشيء؟ قال: نعم، إن أبا حنيفة على هذا عهدي به، ولو علمت منه غير هذا لم أصحبْه، وكان أبو حنيفة إمامَ الدنيا في زمانه فقها وعلما وعملا وورعا، وكان أبو حنيفة محنه به أن يعرف أهل البِدَع من أهل الجماعة، ولقد ضرب بالسياط على الدخول في الدنيا لهم، فأبى" (مناقب المكي 447؛ عقد الجمان 2: 594ب؛ الطبقات السنية 1: 154).(1/141)
.
52- وروي عن بشر بن الوليد(1) قال: سمعت أبا يوسف رحمه الله يقول: من زعم أن القرآن مخلوق، فهو ضالّ مُبْتدِع(2).
__________
(1) الكنديّ، أبو الوليد، الإمام العلامة، المحدِّث الصادق، قاضى العراق. أخذ الفقه عن أبي يوسف، وكان أحد أصحابه، ومتقدّما عنده، وكان عالما، ديِّنا، خشنا، مُهابَ الحكم، واسع الفقه، وحمل الناسُ عنه من الفقه والمسائل ما لا يُمكن جمْعُه كثرة. قال محمد بن سعد العوفي: روى بشر بن الوليد الكندي عن أبي يوسف كتُبه، وولي قضاء بغداد في الجانبين، فسعى به رجل إلى الدولة، قال: إنه لا يقول بِخلق الفرآن، فأمر به المعتصم أن يُحبَس في داره، ووكل ببابه. فلما استُخْلِف المتوكل أمر بإطلاقه، وعاش وطال عمره، ثم إنه قال: كما أني قلتُ: القرآنُ كلامُ الله، ولم أقل: إنه مخلوق، فكذلك لا أقول: إنه غير مخلوق، بل أقف، ولزم الوقف في المسألة، فنفر منه أصحاب الحديث للوقف، وتركوا الأخذ عنه، وحمل عنه آخرون"، وتوفي سنة 238هـ. (أخبار أبي حنيفة وأصحابه 155؛ طبقات ابن سعد 7: 355؛ تاريخ بغداد 7: 80ـ84؛ سير أعلام النبلاء 10: 673ـ676؛ الجواهر المضية 1: 452ـ 454؛ الطبقات السنية 2: 239ـ242؛ الفوائد البهية 54ـ55).
(2) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13: 377، وبقية كلامه "فلا يقولَنّ أحد بقوله، ولا يُصلّينّ أحد خلفه". انظر كذلك الطبقات السّنية 1: 261.
وأخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2: 270، رقم 473، بسنده إلى "بشّار الخفّاف قال: سمعت أبا يوسف يقول: من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه، وفرض مباينته". وذكره الذهبي في العُلُوّ 112.
ويقول الملك المظَفّر في السهم المصيب في الردّ على الخطيب 58: "وأصحاب أبي حنيفة تفرّدوا بأكثر بلاد المسلمين، وفقهاؤهم في كلِّ عصر أكثر من أن يُحصوا، وكلهم يروي عن أبي حنيفة أنه لا يُصلَّى خلف من يقول بِخلق الفرآن".(1/142)
53- وعن أبي سليمان الجوزْجاني وغيره قال: سمعت محمد بن الحسن رحمه الله يقول: لا يصلى خلف من يقول: القرآن مخلوق(1).
5ـ فصل : في الرؤية
54- في رسالة أبي حنيفة - رضي الله عنه - إلى بعض الناس: وأما قولك: إني أزعم أن الرب تعالى لا ينظر إليه أهلُ الجنة، سبحان الله العظيم! كيف تأتى بِما لستُ له(2) من القائلين، الله تعالى يقول { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة } (3)، فلو قلتَ: لا ينظرون، كنتَ تقول: الله من الكاذبين، ولكنك حرّفتَ عليّ قولي: إن نظرهم إلى الله تعالى لا يشبهه نظرُ الخلق إلى الخلق.
__________
(1) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 321؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2: 271، رقم 473. ولفظه ( في 2: 322، رقم 519) "واللهِ لا أصلّي خلف من يقول: القرآن مخلوق، ولا أُسْتفْتِي في ذلك إلا أمرتُ بالإعادة".
وذكر الذهبي في مناقب أبي حنيفة وصاحبيه 67؛ والعلوّ 113، عن أبي يوسف يقول: لايصلَّى خلف من قال: القرآن مخلوق.
(2) في الصلب: لست لك. والمثبت من الهامش.
(3) القيامة، 22ـ23.(1/143)
55- وروي عن بشر بن الوليد قال: كنت جالسا عند أبي يوسف القاضي رحمه الله، فدخل بشر المريسي(1)، فقال: يا أبا يوسف ! حدثنا إسماعيل(2)، عن قيس(3)، عن(4)جرير بن عبد الله(5)
__________
(1) بشر بن غياث بن أبي كريِمة عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن، المريسيّ، العدوي بالولاء، كان جدّه مولى لزيد بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقيل: إن أباه كان يهوديا قصّارا صبّاغا بالكوفة. تفقّه على أبي يوسف، فبرع، وأتقن علم الكلام، ثم جرد القول بِخلق الفرآن، وناظر عليه، ولم يدرك الجهم بن صفوان، إنّما أخذ مقالته، واحتجّ لها، ودعا إليها. فلما أظهر هذا القول هجره أبو يوسف. وهو رأس طائفة المريسية من المرجئة، وكانت تقول: إن الإيِمان هو التصديق، وإن التصديق يكون بالقلب واللسان جميعا. توفي سنة 218، وقيل 219هـ (مقالات الأشعري 140، 143، 149، 515؛ تاريخ بغداد 7: 56ـ67؛ الفرق بين الفرق 124؛ التبصير في الدين 61؛ الملل والنحل 1: 143ـ 144).
(2) هو إسماعيل بن أبي خالد، أبو عبد الله، البَجَليّ الكوفي الحافظ، روى عن ابن أبي أوفى، وأبي جحيْفة، وقيْسٍ. وروى عنه شعبة، وعبيد الله، وخلقً. وكان طَحّانا، توفي سنة 146هـ. (طبقات ابن سعد 6: 344؛ الكاشف 1: 245؛ تقريب التهذيب 107).
(3) هو قيس بن أبي حازم، البجليّ، أبو عبد الله الكوفي، تابعي كبير، مخضرم، فاتته الصحبة بليالٍ، سمع أبا بكر، وعمر، وبقية العشرة. وعنه بيان بن بشر، وإسماعيل بن أبي خالد، وخلقٌ. وثّقوه. مات سنة 98هـ. (طبقات ابن سعد 6: 67؛ الكاشف 2: 138ـ139؛ تقريب التهذيب 456).
(4) في الأصل: بن، وهو تَحريف، والتصويب من مصادر التخريج.
(5) البجلي اليمانيّ، أبو عمرو، بسط له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رداءه وأكرمه، وكان سيّدا مطاعا بديع الجمال. روى عنه ابناه: إبراهيم وعبد الله، وحفيده أبو زرعة، وزياد بن عِلاقة، وأبو إسحاق. أسلم في رمضان سنة عشر، وتوفي سنة 51 هـ. (طبقات ابن سعد 6: 22؛ الكاشف 1: 291؛ تقريب التهذيب 139).(1/144)
، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر حديث الرؤية، يعني قوله - صلى الله عليه وسلم - { إنكم سترون(1) ربكم ، لا تَضَامُّون ـ آي تجتمعون في رؤية الهلال ـ كما [50ب] تنظرون إلى القمر ليلة البدر }(2). ثم قال أبو يوسف: إني والله أُومِن بِهذا الحديث، وأصحابُك يَكفُرون به(3).
6ـ فصل : في الميزان
__________
(1) في الأصل: لترون. والتصويب من مصادر التخريج.
(2) أخرجه القاضي الحسين بن محمد بن خسرو البلخي، والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي، والقاضي أبو زكريا موسى الحصكفي في مسانيدهم عن أبي حنيفة، كما في جامع المسانيد للخوارزمي 1: 164؛ وإشارات المرام للبياضي 204.
وأخرجه البخاري بأرقام 554، 573، 4851، 7434-7436؛ ومسلم برقم 633؛ والترمذي برقم 2454؛ وأبو داود برقم 4729؛ وابن ماجه برقم 177؛ وأحمد 4: 360، 362، 365؛ والدارقطني في الرؤية بأرقام 69-151؛ وابن خزيْمة في التوحيد 168-169؛ وابن أبي عاصم في السنة بأرقام 443-451؛ وابن منده في الإيِمان بأرقام 791-801؛ والطبراني في الكبير بأرقام 2224-2229، 2232-2237، 2288، 2292؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 475ـ477، بأرقام 825-829.
(3) أسند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 432ـ433، عن الإمام محمد بن الحسن يقول: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيِمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بِها الثقات عن رسول الله في صفة الرب من غير تغيير، ولا وصف، ولا تشبيه. فمن فسّر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مِما كان عليه النبي، وفارق الجماعة. فإنّهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بِما في الكتاب والسنة ثم سكتوا. فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفةِ ’لا شيء‘". وذكره ابن قدامة في ذم التأويل 14؛ والذهبي في العلو 113؛ وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية 1: 138؛ وابن حجر في فتح الباري 13: 407.(1/145)
56- روي عن حماد بن زيد، عن أبي حنيفة، عن حماد(1)، عن إبراهيم(2)- رضي الله عنهم - في قوله تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } (3)، قال: يُجاء بعمل رجل فيوضَع في كفة، فتخف، فيجاء بشيء مثل الغمام ـ أو مثلُ السحاب ـ فيوضَع في كفة ميزانه، فيرجح، فيقال له: أتدري ما هذا؟ فيقول: لا. فيقال(4): ( هذا العلمُ الذي تعلّمتَه وعلّمتَه للناس، فعَلمُوه، وعَمِلوا به )(5).
7ـ فصل : في عذاب القبر
__________
(1) حماد بن أبي سليمان: مسلمٍ، الأشعري، مولاهم، أبو إسماعيل الكوفي، أحد أئمة الفقهاء، وأعلام التابعين. تفقه بإبراهيم النخعي. وبه تفقه أبو حنيفة، وعليه تَخرَّج وانتفع. وصار أقعد الناس به، كما قاله ابن عبد البر. وأخذ عنه حماد بعد ذلك. روى له مسلم والأربعة. توفي سنة 120هـ. (طبقات ابن سعد 6: 332ـ333؛ مناقب المكي 49ـ51؛ الجواهر المضية 2: 150ـ152؛ سير أعلام النبلاء 5: 231ـ239؛ الكاشف 2: 349؛ مناقب الكردري 498ـ499؛ تقريب التهذيب 178؛ الطبقات السنية 3: 186ـ187).
(2) هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، الفقيه. روى عن خاله الأسود، وعلقمة، ورأى عائشة، وعنه الحكم، ومنصور، والأعمش. وكان عجبا في الورع والخير، رأسا في العلم، مات سنة 96هـ. كهلا (طبقات ابن سعد 6: 270ـ284؛ الكاشف 1: 227؛ تقريب التهذيب 95).
(3) الأنبياء، 47.
(4) في الأصل: فيقول، والتصويب من جامع بيان العلم وفضله 1: 46؛ وجامع المسانيد 93:1.
(5) أخرجه الإمام أبو يوسف في الآثار ص204 مختصرا بلفظ "يؤتى يوم القيامة بِمثل السحاب إلى الرجل فيقال: هذا ما عملت للناس من الخير، يعمل به بعدك"؛ وابن عبد البر بلفظ الإمام أبي حنيفة في جامع بيان العلم وفضله 1: 46. وما بين القوسين في طبعة دار ابن الجوزي، الدمام، 1414 منه هكذا: "هذا علمك الذي علّمتَه للناس، فعَمِلوا به، وعلَّموه من بعدك". ولفظ الأصول المنيفة 132 قريب منه.(1/146)
57- روي عن أبي مطيع البلخي قال: قال أبو حنيفة- رضي الله عنه - : من قال: لا أعرف عذاب القبر، فهو مِن الطائفة الجهمية الهالكة، قال الله تعالى { سنعذِّبُهم مرتيْن } (1)، وقال تعالى { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون } (2) يعني عذاب القبر(3).
58- وعن محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله أنه قال: عذاب القبر لاشك فيه، قد رواه عن رسول الله عدةٌ من أصحابه، ولا اختلاف بين العلماء فيه(4).
8ـ فصل : في الشفاعة
__________
(1) التوبة، 101.
(2) الطور، 47.
(3) هذه الرواية وردت أيضا في الفقه الأبسط 48.
(4) قال الإمام في الوصية 75: "ونقرّ بأن عذاب القبر كائن لا محالة، وسؤال منكر ونكير حقّ، لورود الأحاديث". وذكر عبد العزيز البخاري في كشف الأسرار 1: 11 "عن حمّاد بن أبي حنيفة أنه قال: سألتُ أبي عن عذاب القبر، أحقٌّ هو؟ فقال: هو حقٌّ، أتت به السنةُ، وجاءت به الآثار".(1/147)
59- روي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن سائلا سأله في المسجد [51أ] بالكوفة، فقال له في كلام له: أنت مرجئ؟ فقال له أبو حنيفة- رضي الله عنه -: أنا راجٍ لله تعالى، وقد أخبر الله تعالى أن في عباده مُرْجَؤُون لأمره، قال الله تعالى { وآخرون مُرْجَؤُون لأمر الله إما يعذبُهم وإما يتوب عليهم } (1)، فلو عذّبَهم كانوا مستحقين للعذاب، ولو تاب عليهم، كان فضله عليهم أوسع، ولطفه بِهم أكمل، وإحسانه إليهم أكثر، فلا تُنْكِر علَيَّ أن أرجَأْتُ أمر المذنبين من المسلمين وأهل القبلة إلى الذي خلقهم، وضَمِنَ العفو عن كثير من زلاتِهم، قال الله تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير } (2). فقيل له: فماذا تقول: أليس جائزا(3) أن يعذب اللهُ الزانيةَ والقاتل، إذا لم يُقَمْ عليهم الحدُّ، بالنار أبدا؟ فقال: إذا كان القاتل والزانِي مُقِرَّيْنِ بالله تعالى ورسوله وتصديقِه فيما جاء به عن الله تعالى، وأقرّ بالبعث والنشور، وبالغيب الذي مدح الله تعالى مَن آمن به، وأقر به، فقال { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } (4)، فليس بجائز أن يقال بدوام عذابه. إنْ عذّبه الله تعالى بِما استحقه من جنايته فجائز، ويجوز أن لا يعذِّبه الله تعالى. فقيل له: ولِمَ لا يجوز [51ب] دوام عذابه؟ فقال: لِما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال {يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيْمان}(5)
__________
(1) التوبة، 106. قرأ نافع والأعرج وابن نصاح وأبو جعفر وطلحة والحسن وأهل الحجاز: مُرْجَوْن، من أرجى يرجي، دون همز. وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة: مُرْجَؤُون، من أرجأ يرجىء، بالهمز (المحرر الوجيز لابن عطيّة الغرناطي 8: 269).
(2) الشورى، 30.
(3) في الأصل: جائز.
(4) البقرة، 3.
(5) أخرجه بِهذا اللفظ: الترمذي 4: 714 في كتاب صفة جهنم، باب 10، برقم 2598 عن أبي سعيد الخدري، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"؛ وابن خزيْمة في كتاب التوحيد 328، 384 عن عبد الله بن مسعود.(1/148)
. وقال - صلى الله عليه وسلم - {يخرج من النار قوم بشفاعتي بعدما امتَحَشوا فيها}(1).
9ـ فصل: في قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى)(2)
60- حكي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - في رسالته إلى مقاتل بن سليمان(3) جواب كتابه، في فصل منها: وأما قوله تعالى على العرش استوى حقا، فإنّما ننتهي(4) من ذلك إلى ما وصف كتابُ ربنا (في)(5) قوله تعالى { ثم استوى على العرش } (6)، وتَعْلَمَنَّ أنه كما قال، ولا ندعي في استوائه على العرش علما، ونزعم(7) أنه قد استوى، ولا يشبه استواؤه باستواء الخلق، فهذا قولنا في الاستواء على العرش.
__________
(1) أخرجه أبو محمد الحارثي البخاري في مسنده عن الإمام، كما في جامع المسانيد 1: 132-133؛ والإمام محمد بن الحسن في الآثار 79، بلفظ مقارب عن حذيفة بن اليمان.
(2) طه، 5 .
(3) الأزدي الخراساني، أبو الحسن البلخيّ، المفسر، صاحب الضّحّاك، دخل البصرة، وحدّث بِها، كان مشهورا بتفسير كتاب الله العزيز، وكثيرَ الذّكر لأبي حنيفة، كثيرَ الثناء عليه. وهو شريك أبي حنيفة في السماع عن التابعين، مثل مجاهد، وعطاء، ونافع ، وابن سيرين، وغيرهم، كذّبوه وهجروه، ورمي بالتجسيم. وتوقف الشيخ ابن تيمية في ما نسب إليه من التجسيم في منهاج السنة 2: 618ـ620، وما نسب إليه من الإرجاء في 5: 286 منه، مات سنة 150هـ. (طبقات ابن سعد 7: 373؛ مقالات الأشعري 152ـ153، 209؛ الفهرست 253ـ254؛ تاريخ بغداد 13: 160ـ169؛ مناقب المكّي 315؛ سير أعلام النبلاء 7: 201ـ202؛ ميزان الاعتدال 4: 173ـ175).
(4) في الأصل: ينتهي، ولا يستقيم به المعنى.
(5) زيادة مني.
(6) جزء من الآيات : الأعراف، 54؛ يونس، 3؛ الرعد، 2؛ الفرقان، 59؛ السجدة، 4؛ الحديد، 4.
(7) في الأصل: تزعم، ولا يستقيم به المعنى.(1/149)
61- وقد روي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه كان جالسا في مسجد المدينة، فدخل عليه رجل، فقال: أخبِرنِي عن قول الله تعالى { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى؟ قال: فأطرق مالك طويلا، وعلاه الرحضاء(1)، ثم رفع رأسه، وقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مَجهول، والإيِمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لا أراك إلا ضالاً. [52أ] ثم قال: فأخرِجوه من المسجد(2).
وأعرضت هذه الحكاية على محمد بن مقاتل، فرضي به جدا، وقال: ليعلم أن الراسخين في العلم إنّما قولهم في هذا الباب قولا واحدا متقاربا.
__________
(1) أي العَرَق.
(2) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 516ـ515 بسند جيّد، (كما قال ابن حجر في الفتح 13: 407)؛ وأبو نعيم في الحلية في ترجمة الإمام مالك 6: 326؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 398، رقم 664؛ والدارمي في الرد على الجهميّة 280؛ والذهبي في العلوّ 103ـ104،123.(1/150)
62- وروي نحوُه عن أم سلمة رضي الله عنها. رواه ابن مطر(1)، وغيره بأسانيد عن أم سلمة رضي الله عنها، في(2) قوله عز وجل { الرحمن على العرش استوى } قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مَجهول، والإقرار به إيِمان، والجحود به كفر(3).
10ـ فصل : في الصحابة رضي الله عنهم
__________
(1) أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري المزكي، الشيخُ الإمام القدوة الزاهد، شيخُ العدالة، رحل إلى الآفاق المتباعدة، وسمع منه الحفاظ الكبار، منهم الحاكم. قال الحاكم: "لم أرَ في مشايِخنا له في الاجتهاد نظيرا". توفي سنة 360هـ عن 95 سنة، رحمه الله. (المنتظم 14: 208؛ سير أعلام النبلاء 16: 162ـ163؛ البداية والنهاية 11: 288؛ النجوم الزاهرة 4: 62).
(2) في الأصل: و . والتصويب من مصادر التخريج.
(3) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 398:3، رقم 663؛ وذكره ابن حجر في الفتح 13: 406؛ والسيوطي في الدر المنثور 3: 473 ونسبه لابن مردويه واللالكائي. وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5: 365، بعد ذكر قول مالك في الاستواء : "ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك. وقد روي هذا الجواب عن أمّ سلمة رضي الله عنها موقوفا ومرفوعا، ولكن ليس إسناده مِما يُعتَمد عليه. وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك: في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته".(1/151)
63- روي عن أبي حمزة السكري(1) قال: ما رأيت أحدا من العلماء أحسن قولا في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي حنيفة - رضي الله عنه -، وكان يعطي كل ذي حق حقه من الفضل، وما ذكر واحدا منهم بالنقص، حتى مضى لسبيله - رضي الله عنه -(2)
__________
(1) هو محمد بن ميمون، أبو حمزة الّسُّكَّري المروزي، محدِّث مروَ، ثقة، وهو من شركاء أبي حنيفة عند مشايِخه الذين سمع منهم، ومع هذا لزم أبا حنيفة، وأكثر عنه رواية الحديث والفقه، وكان ابن المبارك عظيمَ الثناء على أبي حمزة هذا. ففي ’سنن الترمذي‘ 4: 467 عقب إخراجه حديث ’إن الله لا يُجمع أمتي على ضلالة‘: "سئل عبدُ الله بن المبارك: من الجماعة؟ فقال: أبو بكر وعمر، قيل له: قد مات أبو بكر وعمر، قال: فلان وفلان، قيل له: قد مات فلان وفلان، فقال عبد الله بن المبارك: أبو حمزة السُّكَّري جماعة". توفي سنة 167هـ. (طبقات ابن سعد 7: 371؛ تاريخ بغداد 3: 266ـ269؛ مناقب المكّي 305؛ الكاشف 2: 226؛ سير أعلام النبلاء 7: 385ـ387؛ تَهذيب التهذيب 9: 487).
(2) قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر 61: "ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بِخير".
وكان يقول- كما في مناقب أبي حنيفة للمكي 76-: "مقام أحدهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة واحدة خيرٌ من عملِ أحدنا جميع عمره، وإن طال". وقول أبي حنيفة هذا منقول كذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما كما أخرجه ابن ماجه في السنن 1: 57، في المقدمة برقم 162؛ وأحمد في فضائل الصحابة رقم 15؛ وابن أبي عاصم في السنة 2: 470، رقم 1006، حيث قال: "لا تسبوا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلمقام أحدهم ساعةً خيرٌ من عمل أحدِكم عمرَه".
وهو منقول أيضا عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أحدِ العشرة المبشرين بالجنة، كما أخرجه أبو داود في السنن 5: 40، في السنة، باب في الخلفاء, برقم 4650, قال: "لَمشهد رجل منهم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يغبر فيه وجهه خيرٌ من عمل أحدكم عمرَه، ولو عُمِّر عمرَ نوح".
وقال الإمام الطحاوي في عيقدته المسماة بـ ’بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله‘ 25: "ونُحِبّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا نُفِّرِط في حُبِّ أحد منهم، ولا نتبرَّأ من أحد منهم، ونُبْغِض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بِخير، وحبُّهم دينٌ وإيِمان وإحسان، وبغضُهم كفرٌ ونفاق وطغيان".
وقال: "ومن أحسن القولَ في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرّيّته المقدَّسين من كل رِجز فقد برئ من النفاق".
قال ابن سعد في الطبقات 5: 394: "سئل عمرُ بن عبد العزيز عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم فقال: "تلك دماءٌ طهَّر الله يدي عنها، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها". وانظر فيه كذلك 5: 382؛ ومنهاج السنة 6: 254.
وهو رأي الإمام أحمد، انظر: عقيدة الإمام أحمد (ضمن طبقات الحنابلة 1: 30؛ 2: 272ـ273)؛ مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 164، 170، 176. وهو كذلك قول الإمام الشافعي، انظر: المواقف 413.(1/152)
.
64- وروي عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه قال: أفضل الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم -(1)
__________
(1) هذا هو الترتيب الذي يقرره الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر 60، حيث قال فيه: "وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب الفاروق، ثم عثمان بن عفان ذو النورين، ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضوان الله تعالى عليهم أجمعين".
وقرره كذلك في الوصية ص74: "ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين".
وبه صرح الإمام الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، الشهير بالعقيدة الطحاوية 25، وأبو شجاع منكوبرس الناصري في ’النور اللامع والبرهان الساطع‘ ق 119 ب.
وجاء في شرح السير الكبير للإمام محمد بن الحسن 1: 158 أن نوح بن أبي مريم سأل أبا حنيفة عن مذهب أهل السنة، فقال: "أن تُفَضِّل أبا بكر وعمرَ، وتُحِبَّ عليّاً وعثمان...". ومثله في أخبار أبي حنيفة وأصحابه 83؛ والانتقاء 314.
وجاء أيضا في الانتقاء 314: "كان أبو حنيفة يُفَضِّل أبا بكر وعمر، ويُحب عليا وعثمان...". ومثله في مناقب أبي حنيفة للمكي 76.
قال الإمام طاشكبري زاده في مفتاح السعادة 2: 204: "وأهل السنة اتفقوا على تقديم الشيخين، ثم عثمان، ثم علي عند الأكثر، وهو الأصح من مذهب الإمام، وعند الأقل علي ثم عثمان، وهو رواية عن الإمام".
وقال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية 2: 727: "وقد روي عن أبي حنيفة تقديمُ عليٍّ على عثمان رضي الله عنهما، ولكن ظاهر مذهبه تقديمُ عثمان على عليٍّ، وعلى هذا مذهب أهل السنة".
وقال علي القاري في شرحه للفقه الأكبر 99: "وروي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - تفضيلُ عليٍّ على عثمان - رضي الله عنه -، والصحيح ما عليه جمهور أهل السنة، وهو الظاهر من قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -، على ما رتّبه هنا وفق مراتب الخلافة". هذا من ناحية، ومن ناحية أخري أن قوله ’عليّاً وعثمان‘ لا يقتضي تقديم عليّ على عثمان، لأن الواو في اللغة العربية لمطلق الجمع، ولأن التقديم الذِّكري لا يستلزم التقديم الرُّتبي.
وقال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة 8: 225: "وأما جمهور الناس ففضّلوا عثمان، وعليه استقر أمر أهل السنة، وهو مذهب أهل الحديث، ومشايخ الزهد والتصوف وأئمة الفقهاء، كالشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وإحدى الروايتين عن مالك، وعليها أصحابه".
وقال صاحب الفتاوى البزازية الإمام الكردري في مناقب أبي حنيفة 345، بعد أن نقل عن حماد بن أعين قوله "عليٌّ أحبُّ إلينا من عثمان": "وهذا يَحتمل وجهين؛ الأول: أن يكون علي - رضي الله عنه - أفضل من عثمان - رضي الله عنه -، وبه قال بعض العلماء. والثاني: أن الْمحبة غير مقدور، فيحتمل أن يكون عثمان أفضل من علي رضي الله عنهما، كما هو مذهب الجمهور، لكنه يُحبّ عليّا - رضي الله عنه - أكثر، كما قال عليه الصلاة والسلام: ’هذا قسم فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك‘ يعني من زيادة الْمحبة".(1/153)
. ثم نَكُفُّ(1) عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بذكر جميل(2)، ونرى الصلاةَ خلف كلِّ بَرٍّ وفاجر من الجمعة والجماعات، ولا نُكَفِّر أحدا [52ب] من أهل القبلة بذنب، غير أنه نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيئين(3)، وندع سرائرهم إلى الله تعالى.
65- وروي عن شدّاد بن حكيم(4)، عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - قال: أفضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر، وعمر.
__________
(1) في الأصل: الكف. صوّبته من النور اللامع والبرهان الساطع لأبي شجاع منكوبرس الناصري 119ب.
(2) في الأصل: بذكر الجميل، والتصويب من النور اللامع. قال الإمام أبو المعين ميمون النسفي في كتابه القيّم تبصرة الأدلّة 2: 894: "ثم اعلموا أنّ من أصول مذهب أهل السنّة والجماعة كفَ اللسان عن الوقيعة في الصحابة، وحملَ أمرهم على ما يوجِب دفع الطعن والقدح عنهم، إذ هم الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم، وودّعوا الدّعة والراحة، وتَحملوا المشاق العظيمة في نصرة دين الله تعالى، وهم نقلةُ الدين إلى من بعدهم، وهم المكرَّمون بصحبة خير البشر ونصرته وإيوائه ووقايته بأنفسهم والجود بِمهجهم دونه. ولهذا جعل أبو حنيفة رحمه الله من شرائط السنة ألا يُحرَّم نبيذُ الجر لِمَا أنّ في تَحريِمه تفسيقَ كبار الصحابة، لِمَا ثبتَ بطريق لا شُبهةَ فيه شُرْبُهم نبيذ الجر، ولو كان مُحرَّما لأوجب ذلك فسقَهم، فكان القول بِحرمته موجِبا تفسيقَهم، والقولُ بفسقهم بدعةٌ وخروج عن شرائط مذهب أهل السنة والجماعة".
(3) في الأصل: المسيء. صوّبته كما ترى ليتسق مع السياق.
(4) البلخي القاضي، كان أحدَ أئمة بلخ، وزاهدَ زمانه، ومن أصحاب زفر، وكان يروي عنه وعن أصحاب أبي حنيفة الآخَرين، ذكره الصالحي فيمن لقي أبا حنيفة وأخذ عنه، توفي سنة 210هـ. (مناقب المكي 318؛ الجواهر المضية 2: 247؛ تاج التراجم 29؛ عقود الجمان 118؛ الطبقات السنية 4: 67؛ الفوائد البهية 83).(1/154)
66- وروي عن محمد بن مقاتل رحمه الله بأنه قال: بلغني أن يوسف بن عمر(1) بعث ليلة إلى أبِي حنيفة - رضي الله عنه -، فدعاه، قال: فلما مضى أبو حنيفة، وكان يوسف أسرع في(2) الإقدام إلى العقوبة من الحجاج(3)، لأن الحجاج كان يدع الرجل يتكلم ويحتج عليه، وهذا كان يُسرِع في العقوبة، ولا يدع الرجل للكلام، قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: فبينا أنا مع الرسول، إذ أنا بوقع حافر، فالتفَت، فإذا أنا بابن أبِي ليلى، فقلت: هذا منهم، لم يُدْعَ إلا بِخير، فلما لحقني سلّم، فقلت له: فيم دُعِينا؟ فقال: ما أدري؟ فمضينا، حتى دخلنا عليه، وسلّمنا، فقال: فردَّ السلامَ، ثم قال لي: يا أبا حنيفة! ما تقول في امرأة تزوجت في عدّتِها؟ قلت: قال فيها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : يُفَرَّق بينهما، ويُجْعَل صَداقُها في بيت مال المسلمين، ولا يجتمعان أبدا. قال: فسكت، ثم قال: ما (ذا قال)(4) فيها أبو تراب؟ قلت: قال [53أ] فيها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: يُفَرَّق بينهما، ولها المهرُ بِما استحل من فرجها، ثم إذا انقضت عِدّتُها، فهو خاطب، فقال لي: فبأي القولين تقول وتأخذ؟
__________
(1) في الأصل: محمد بن عمر. والتصويب من مصادر الترجمة. وهو يوسف بن عمر الثقفي، ابن عمّ الحجاج، عامل هشام بن عبد الملك على العراقين، بعد خالد بن عبد الله القسري، وكان شهما كافيا سائسا مهيبا جبّارا عسوفا، قُتِل في السجن بدمشق سنة 127هـ (الفرق بين الفِرَق 25؛ سير أعلام النبلاء 5: 442ـ443؛ البداية والنهاية 9: 338ـ339؛ 10: 15).
(2) في الأصل: من .
(3) هو الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي، الأمير الشهير، الظالم المبير ـ القاتل ـ، قتل عبدَ الله بن الزبير، وولي إمرة العراق عشرين سنة، وهو الذي بنى مدينة واسط، وبِها كانت وفاته سنة 95هـ ( انظر سيرته في: البداية والنهاية 9: 123ـ136؛ تقريب التهذيب 153؛ الأعلام 2: 168).
(4) ما بين المعقوفتين زيادة مني، ليستقيم به المعنى.(1/155)
قلت: عمر عندي أفضل من علي(1)، ونقول بقول علي. (فقال)(2) : أنا أرى ذلك(3).
67- وروي عن هشام بن عبيد الرازي(4) قال: سمعت محمد بن الحسن رحمه الله يقول: أبو بكر، وعمر أفضل من علي - رضي الله عنهم -.
__________
(1) قال المكي: "وإنّما قال أبو حنيفة: عمر أفضل من علي، لئلا يقول ابن هبيرة: أنا أختار قول عمر - رضي الله عنه -، وكان علي لا يذكر في ذلك الزمان باسمه". وقال الكردري: "وإنّما ذَكَر حديث الأفضلية، وإن لم يكن له دخل في المقصود، لئلا يتهم بالرفض أو الاعتزال".
(2) زيادة من مناقب المكّي 146؛ ومناقب الكردري 190.
(3) أورده المكي في المناقب 145ـ 146؛ والكردري في المناقب 190؛ والكوثري في الإمتاع 9ـ10، قريبا من هذا الحديث عن الحسن بن زياد اللؤلؤيّ. كما ذكراه عن محمد بن مقاتل باختصار، مع قولهما أنه جري عند ابن هبيرة.
(4) هشام بن عبيد الله الرازي، تفقّه على أبي يوسف ومحمد. قال الصيمري: "غير أنه ليِّن في الرواية، وفي منْزله مات محمد بن الحسن، بالريِّ، ودفن في مقبرتِهم". وقال أبو حاتم: "صدوق، ما رأيت أعظم قدرا منه بالريّ، ومن أبي مُسْهِر بدمشق". (أخبار أبي حنيفة وأصحابه 155؛ تذكرة الحفاظ 1: 387ـ388؛ ميزان الاعتدال 4: 300؛ الجواهر المضية 3: 569ـ570؛ الفوائد البهية 223).(1/156)
68- وعن يحيى بن نصر(1)بن حاجب وغيره قالوا: كان أبو حنيفة - رضي الله عنه - منصفا من نفسه، وكان طويل الصمت، وكان لا يتكلم إلا أن يُسْأَل، وكان لا يغضب في المناظرة في العلم، وكان من أعظم الناس أمانة، وكان يُمحض النصيحةَ لمن أتاه، مُحِبّا كان أو مُبْغِضا، وكان من أعقل الناس وأفضلهم في زمانه، وكان من أعبد الناس وأشدهم اجتهادا في وقته، وكان يُحْسِن القولَ في السلف من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يقول: أهل القبلة كلهم مؤمنون، لا يُخرجهم من الإيِمان بتضييعهم شيئا(2) من الفرائض، وكان لا يكفرهم بذنب، وكان يرى الصلاة خلف الجبابرة من المسلمين الذين يرتكبون مالا يحل لهم(3)، ولا يستثني في [53ب] إيِمانه، وكان يقول: الإيِمان لايزيد ولا ينقص، وكان من آدَبِ الناس عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحسنهم قولا فيهم، وفي أهل القبلة، وكان يُفَضِّل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما(4).
__________
(1) في الأصل: نصير. وهو يَحيى بن نصر بن حاجب القرشي المروزي، أحد أئمة مَرْو في الحديث والفقه، صحب الإمام أبا حنيفة، وروى عنه. قال أبو زرعة: "ليس بشيءٍ". وأما ابن عديّ، فروى له أحاديث حسنة، وقال: "أرجو أنه لا بأس به". توفي ببغداد سنة 215هـ (مناقب المكي 223، 433؛ ميزان الاعتدال 4: 411ـ412؛ مناقب الكردري 512؛ عقود الجمان 149، 156؛ اللسان 6: 278ـ279).
(2) في الأصل: شيء.
(3) في الأصل: له.
(4) انظر هذه المعاني الواردة في هذه الرواية: الانتقاء لابن عبد البر ص 314ـ315.(1/157)
69- وروي عن ابن المبارك رحمه الله قال: كنت عند أبي حنيفة - رضي الله عنه - مع نوح بن أبي مريم(1)، فقام، فقال: يا أبا حنيفة! إني قد كتبتُ هذه الكتبَ، وأريد أن أكتب من الآثار، فعمَّنْ أحمل؟ فقال: عن كل عدل في هواه إلا الرافضة(2)، فإن أصل عقدِهم تضليلُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -(3). فَضِّلْ أبا بكر وعمر، وأحِبّ عليّا وعثمانَ، ولا تحمِلِ الآثار عمن لا يُحبّهم.
__________
(1) في الأصل: نوح بن أبي.
(2) في الأصل: الرفضة. وهم الذين رفضوا إمامة أبي بكر وعمر، كما قال الأشعري، أو الذين رفضوا زيد بن علي - رضي الله عنه - ، عند ما خرج على هشام بن عبد الملك، سألوه عن رأيه في أبي بكر وعمر، فترحّم عليهما، فتركوه، فقال لهم: رفضتموني! فسُمُّوا رافضة، لرفضهم إياه. (مقالات الأشعري 16ـ65؛ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص52؛ منهاج السنة 1: 35؛ 2: 96؛ 3: 470ـ471).
(3) إلى هنا ذكره الخطيب البغدادي بسنده إلى ابن المبارك في الكفاية في علم الرواية 126، وتَمام كلامه "ومَنْ أتى السلطان طائعا، أما إني لا أقول: إنّهم يَكذبونَهم أو يأمرونَهم بِما لا ينبغي، ولكن وطَّأوا لهم، حتى انقادت العامّةُ بِهم، فهذان لا ينبغي أن يكونا من أئمة المسلين".
ذكر ابن تيمية في منهاج السنة النبوية 1: 27 عن التابعي الجليل الإمام الشعبي (ت. 110هـ): "سئلت اليهودُ: مَن خيرُ أهلِ ملّتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: مَن خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى. وسئلت الرافضة: مَن شرُّ أهل ملتِكم؟ قالوا: أصحاب محمد - رضي الله عنه -، أمِروا بالاستغفار لهم فسبّوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة". وانظر أيضا: التبصير في الدين 25، مع تصحيف ’خير‘ إلى ’أحبار‘.(1/158)
70- وعن سَلْم بن سالم(1) قال: سمعت أبا حنيفة - رضي الله عنه - يقول: ما جاريت أحدا بسيئته قط، قال: أتدرون لِمَ يُبْغِضُنا أهلُ البصرة؟ قلنا: لا، قال: لأنا لو حضرْنا صِفِّين كُنّا مع علي - رضي الله عنه - على معاوية، فلذلك لا يُحبّوننا(2).
71- وروي عن الحسن بن زياد رحمه الله، عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - قال: ما قاتل أحدٌ عليّاً إلا وعليّ أولى بالحق منه، ولولا ما سار علي فيهم ما عَلِمَ أحدٌ كيف السيرة في المسلمين (3)
__________
(1) الزاهد، أبو محمد، إمام أهل بلخ، لزم أبا حنيفة، وروى عنه الكثير، وكان من أقران أبي مطيع الحكمِ بن عبد الله، وأبي معاذ خالدِ بن سليمان البلخِيَّيْنِ. وقال ابن سعد: "كان ضعيفا في الحديث، ولكنه صارماً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكانت له رئاسة بِخراسان، فمات بِها". وذكر الخطيب أنه مات بِمكة سنة 194هـ (الطبقات الكبرى 7: 374؛ تاريخ بغداد 9: 140ـ145؛ مناقب المكي 227؛ سير أعلام النبلاء 9: 321ـ322؛ الجواهر المضية 2: 232؛ الطبقات السنية 4: 7 وفيه "سالم بن سالم".
(2) ذكره الإمام أبو محمد الحارثي في ’كتاب الكشف‘، كما في مناقب المكّي 259؛ والعيني في عقد الجمان 2: 595ب؛ وفيهما "... أو تدرون لِمَ يُبغضنا أهل البصرة؟ قلنا: لا، قال: لأنا نُخالفهم في القدر، وهو سنام أمرهم. قال: أوَ تدرون لم يبغضنا أهل الشام؟ قلنا: لا، قال: لأنا لو شهدنا عسكر علي بن أبي طالب ومعاوية لكنّا مع عليّ - رضي الله عنه - على معاوية..".
(3) ذكره القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة 141؛ والموفق المكي في مناقب أبي حنيفة 342؛ والكردري في مناقب أبي حنيفة 342؛ والكوثري في الإمتاع 11؛ والبياضي في الأصول المنيفة 141، فقال: "وقال ـ الإمام ـ في رواية الحسن بن زياد: وعليٌّ - رضي الله عنه - كان مصيبا في حربه، ومَن قاتَله كان على الخطأ".
وقال الإمام النسفي في تبصرة الأدلة 2: 883: "فأمّا الكلام في قتال أصحاب الجمل، فنقول: إن عليّا - رضي الله عنه - كان هو المصيبَ في ذلك، لأن إمامته قد كانت ثبتت، فكان يَجب لغيره الانقياد له، والرجوع إلى طاعته..".
وقال في (2: 888): "وكذا الكلام في قتال أهل الشام بصِفِّين على هذا: فإن عليّا - رضي الله عنه - كان هو الْمُحقَّ الْمصيب".(1/159)
.
72- وروي عن أبِي يوسف رحمه الله [54أ] أنه قال: سمعت أبا حنيفة - رضي الله عنه - يقول: عليُّ بن أبي طالب كرم الله وجهه حُجَّتُنا عند الله يوم القيامة، ولولا علي ما عَلِمْنا كيف قتالُ أهلِ البغي، أو كيف نقاتل أهلَ القبلة(1)؟
73- وروي عن الحسن بن زياد رحمه الله أنه قال: ما أنكر على أبِي حنيفة مِن أهل الكوفة إلا مائلٌ من أهل التشيّع (2)، أو إلى هوى.
__________
(1) ذكر الموفق المكي في المناقب 344، والكردري في المناقب 345، عن نوح بن دراج قال: "سئل الإمام عن قتال يوم الجمل، فقال: سار عليٌّ - رضي الله عنه - فيه بالعدل، وهو الّذي علّم المسلمين السنّةَ في قتال أهل البغي".
وقال النسفي في تبصرة الأدلة 2: 889ـ890: "ثمّ نقول: لولا ما في ذكر أحوالهم ـ أي الذين خرجوا على عليّ من الصحابة والمسلمين ـ من الوقوف على ما هو الواجب في معاملة الخوارج، ومَن يُبْتَلى بِمحاربته من أهل البغي؛ من الابتداء باستدعائهم، ومناظرتِهم، وتركِ مبادأتِهم، والنبذِ إليهم قبل نصب الحرب معهم، والامتناعِ عن مُحاربتهم إلى أن يبتدئوا، وتركِ اتباع مُدبِرهم، وتدفيف جريِحهم، والتعرضِ لنسوتِهم، وتركِ اغتنام أموالهم، وغيرِ ذلك من الأحكام التي أخذها فقهاء الأمة عن معاملة علي - رضي الله عنه - وسيرتِه فيهم، حتى قال أبو حنيفة رحمه الله: لولا علي لم نكن نعرف السيرةَ في الخوارج، لكان الكَفُّ عن ذكر أحوالهم، والإغضاءُ عما جرى بينهم، ورفعُ أحوالهم جملة عن القلوب والألسنِ أسلمَ في الدين وأوفق".
(2) في الأصل: التشييع. والتشيّع: مَحبَّةُ عليّ وتقديِمُه على الصحابة. فمن قدّمه على أبي بكر وعمر، فهو غالٍ في تشيّعه، ويُطلَق عليه رافضيّ، وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السَّبُّ أو التصريحُ بالبغض فغالٍ في الرفض (ابن حجر: هدي الساري 459). وانظر أيضا: ميزان الاعتدال 1: 6.(1/160)
74- وروي عن سفيان الثوري ومحمد بن الحسن رحمهما الله أنّهما قالا: من وقع في أبِي حنيفة فاتّهموه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما(1).
75- وروي عن بكير بن معروف(2)، عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين ذكر الحَكمَيْن بينهم وبين معاوية، كتب القَضِيَّةَ: هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب ومن معه من المؤمنين والمسلمين، معاويةَ بن أبي سفيان ومَن معه من المؤمنين والمسلمين(3).
__________
(1) ذكر المكي في مناقب أبي حنيفة 285، والكردري في مناقب أبي حنيفة 102، عن عبد العزيز بن أبي روّاد قال: "بيننا وبين الناس أبو حنيفة، فمن أحبّه وتولاه علمنا أنه من أهل السنة، ومن أبغضه علمنا أنه من أهل البدعة".
(2) أبو معاذ، القومسي الخراساني، إمام قومس، صاحب التفسير، من تلامذة الإمام أبي حنيفة. كان على قضاء نيسابور، ثم سكن دمشق. روى عن أبي حنيفة النعمان، ومقاتل بن حيّان، وأبي الزبير. وعنه الوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وعبدان بن عثمان. قال البخاري: "ما أرى به بأسا"، وكذلك قال الإمام أحمد، وأبو العاس الأصم، وأبو حاتم الرازي. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. ليس حديثه بالمنكر جدا. مات بالشام سنة 163هـ (التاريخ الكبير 2: 117؛ مناقب المكي 175؛ تَهذيب الكمال 4: 252ـ 254؛ ميزان الاعتدال 1: 351؛ مناقب الكردري 510؛ عقود الجمان 103).
(3) وقال أبو حنيفة في رسالته إلى عثمان البَتّي 69: "بلغني عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين كتب القضيةَ أنه يُسمِّي الطائفتَيْنِ مؤمنِين جميعا". وانظر أيضا: الأصول المنيفة 112.(1/161)
76- وقال أبو حنيفة- رضي الله عنه - في رسالته إلى عثمان البتِّي(1): وقد سَمَّى عليٌ - رضي الله عنه - أهلَ حَرْبِه(2) من أهل الشام: مؤمنين(3)، في كتاب القَضِيَّةِ(4).
11ـ فصل : في النهي عن الخروج على السلطان
__________
(1) 68.
(2) في الأصل: أهل حزبه. والتصويب من الرسالة.
(3) أخرج ابن أبي شيبة بسنده في المصنَّف 15: 256ـ257، عن عليّ - رضي الله عنه - أنه سُئل يوم الجمل عن أهل الجمل: أ مشركون هم؟ قال: من الشرك فرّوا، قيل: أ منافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.
وذكر ابن تيمية في منهاج السنة 5: 245 عن مكحول: "أن أصحاب عليٍّ سألوه عَمّن قُتِل مِن أصحاب معاوية ما هم؟ قال: هم مؤمنون".
(4) أي في صحيفة التحكيم، أو في نصِّ المعاهدة التي عُقِدت بين علي - رضي الله عنه - وشيعته وبين معاوية - رضي الله عنه - وتابعيه، من قِبل الحكمين بعد حرب صفين، وليس هذا الكتاب رسالة بعث بِها علي إلى القضاة، أو كتابا مؤلَّفا بالمعنى المفهوم من الكتاب اليوم، كما فهمه الدكتور إلياس جلبي في تَحقيق الأصول المنيفة 111، هامش رقم 4. انظر لنص المعاهدة: تاريخ الأمم والملوك 5: 53؛ السيرة النبوية لابن حبان 543ـ544؛ الأخبار الطوال للدينوري 177ـ178؛ مجموعة الوثائق السياسية لحميد الله 538ـ544.(1/162)
77- روي عن النضر بن محمد(1) رحمه الله قال: كان أبو حنيفة- رضي الله عنه - لا يرى الخروج على السلطان في شيء، لا هو ولا أصحابه(2)
__________
(1) في الأصل: نصر بن محمد، وهو تصحيف، والتصويب من فضائل أبي حنيفة وأصحابه لابن أبي العوّام الحافظ ـ كما في تأنيب الخطيب للكوثري 102ـ، ومناقب أبي حنيفة وصاحبَيْه للذهبي 35. إذْ لم أجِدْ ذكرَ اسم نصر بن محمد في كتب التراجم والمناقب إلا عند القرشيّ في الجواهر المضية (3: 545) دون ذكر ترجمة له، فقال: "قال ـ أي نصر بن محمد ـ: قال أبو حنيفة: كان جَهْمٌ ومقاتلٌ فاسقَيْنِ، أفرط هذا في التشبيه، وأفرط هذا في النفي". ونقل عنه التميمي في الطبقات السنية برقم 2601. إلا أن هذا الكلامَ الذي نسبه القرشيُّ إلى نصر بن محمد، نسبه كلٌّ من ابن أبي العوّام والذهبيّ الحافظين إلى النضر بن محمد المروزي.
ثم إن هذه الرواية وردت عن النضر بن محمد عند ابن أبي العوّم، انظر: تأنيب الخطيب للكوثري 138.
والنضر بن محمد، أبو عبد الله المروزي: هو أحدُ الأئمة بِمَرْو في زمن أبي حنيفة، وصديقُ عبد الله بن المبارك. صحِب أبا حنيفة ولزمه، وأكثر عنه الفقهَ والحديث. وقيل لابن المبارك: ما الجماعة ؟ قال: "النضر بن محمد وحده جماعةٌ". ضعّفه البخاري، ووثّقه النسائيّ والدارقطني (التاريخ الكبير 8: 89؛ الطبقات الكبرى 7: 373؛ الجرح والتعديل 8: 478؛ تَهذيب الكمال 29: 403ـ404؛ مناقب المكي 176؛ ميزان الاعتدال 4: 262؛ الجواهر المضية 3: 556؛ مناقب الكردري 511).
(2) ذكر الخوارزمي في جامع المسانيد 1: 92 "عن أبي حنيفة، عن عبد الملك بن إياس، عن أبي عمرو الشيباني قال: لما خرج أبو مسعود من المدينة اتبعتهُ، فقلت له: أوصني، فقال: عليك بتقوى الله ولزومِ الجماعة، وإن الله تعالى لن يَجمع أمة محمد على ضلالة، واصْبِرْ حتى تستريح، أو يُسْتَراح من فاجر".
وقال الإمام الطحاوي في العقيدة 21ـ22: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننْزَع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزّ وجلّ فريضةً، ما لم يأمروا بِمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".(1/163)
.
78- وروي عن يحيى بن نصر [54ب] بن حاجب وغيره، قالوا: كان أبو حنيفة - رضي الله عنه - يرى الصلاة خلف الجبابرة من المسلمين الذين يرتكبون ما لا يَحِلُّ، وكان لا يرى الخروج على السلطان، وإن كان جائرا، أو يقول: لم يخرج قوم على السلطان إلى اليوم فأفلحوا(1).
__________
(1) قال أبو مطيع البلخي لأبي حنيفة كما في الفقه الأبسط 40: "فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيتّبعه على ذلك ناسٌ، فيخرج على الجماعة، هل ترى ذلك؟ قال: لا. قلت: ولِمَ؟ وقد أمر الله تعالى ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا فريضة واجبة، فقال: هو كذلك، لكن ما يفسدون من ذلك يكون أكثر مِما يصلحون، من سفك الدماء واستحلال المحارم وانتهاب الأموال. وقد قال الله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } (الحجرات، 9)".
وقال أبو مطيع البلخي أيضا 44: "فنقاتل الفئةَ الباغية بالسيف؟ قال: نعم، تأمر وتنهى، فإن قبل وإلا قاتلتَه، فتكون مع الفئة العادلة وإن كان الإمام جائرا". ثم قال له بعد ذلك: "وكن مع الفئة العادلة والسلطان الجائر، ولا تكن مع أهل البغي".
إن طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه رأي جماعة من السلف مثل البخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم الرّازيان، وعلي بن المديني، والإمام أحمد (انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 1: 168،175-177؛ واعتقاد الإمام أحمد بن حنبل، إملاء عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، (طبقات الحنابلة 1: 244؛ وملحق طبقات الحنابلة 2: 305)؛ ومناقب الإمام أحمد بن حنبل لابن الجوزي 176). وهو المشهور من مذهب أهل السنة (منهاج السنة 3: 391).(1/164)
79- وروي أن يَحيى بن الكرابيسي(1) قال: قلت للنضر بن محمد(2): كان أبو حنيفة - رضي الله عنه - يرى السيف على السلطان، أو على أحد من أهل القبلة ؟ فقال: معاذ الله أن يكون أبو حنيفة بِهذه الصفة(3)!
12ـ فصل : في الصلاة خلف أهل البدع
80- روي عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه كان يَكرَه الصلاةَ خلفَ كلِّ مبتدع.
__________
(1) هو يَحيى بن عبد الله بن ماهان، أبو زكريا الكرابيسي، روى عن: أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، ومحمد بن خالد، ومقاتل بن المهلب. حدّث عنه: أبو الحسن القطان (ت. 345هـ)، وابن مهرويه (ت. 335هـ)، وأبو داود الفامي (ت. 339هـ)، وهو ثقة صدوق (الإرشاد للخليلي 2: 650ـ651).
(2) في الأصل: نصر بن محمد، وهو تصحيف، والتصويب من فضائل أبي حنيفة وأصحابه لابن أبي العوّام الحافظ ـ كما في تأنيب الخطيب للكوثري 138ـ، حيث ذكر هذا الكلام، ونسبه إلى النضر بن محمد، السابقِ ذكره آنفا.
(3) أخرج ابن أبي العوّام الحافظ (كما في تأنيب الخطيب 138) بسنده إلى أبي يَحيى ـ عبد الحميد الحِمّاني ـ قال: "قلت للنضر بن محمد: أبو حنيفة كان يرى السيف؟ قال: معاذ الله".(1/165)
81- وروي عن محمد بن مقاتل، عن إبراهيم بن رُسْتُمْ(1)، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة رضي الله عنهما قال: لا يصلى خلف جهميٍّ، ولا رافضي، ولا قدري(2). قال محمد بن مقاتل: وبه نأخذ.
__________
(1) أبو بكر المروزي، أحد الأعلام، تفقه على محمد بن الحسن، وروى عنه النوادر. وروى عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، وأسد بن عمرو البَجَليّ، وهما مِمن تفقها على أبي حنيفة. وتفقه عليه الجمُّ الغفير. وقدم بغداد غير مرّة، فروى عنه أئمة الحديث أبو عبد الله أحمد بن حنبل، وغيره. مات بنيسابور سنة 211هـ. (تاريخ بغداد 6: 72ـ74؛ الجواهر المضية 1: 80ـ82؛ ميزان الاعتدال 1: 30ـ31؛ تاج التراجم 3ـ4؛ الطبقات السنية 1: 194ـ196؛ الفوائد البهية 9ـ10).
(2) أخرجه الطبري بسنده إلى أبي يوسف كما في مرهم العلل المعضلة لليافعي 142.
وأخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 733، رقم 1356 بسنده "عن أبي يوسف القاضي قال: لا أصلّي خلفَ جهميّ، ولا رافضي، ولا قدريّ".
وقال الملك المعظم في السهم المصيب في الرد على الخطيب (ص 57 من طبعة مصر؛ ص 45 من طبعة الباكستان): "إن أبا حنيفة لا يرى الصلاة خلف المرجئ، والجهمي، ولا صاحب بدعة، ولا هوى". (انظر كذلك ص 122، 126 من طبعة مصر؛ ص 94، 97 من طبعة الباكستان).
الجهمي: من ينفي صفات الله تعالى التي أثبتها الكتاب والسنة، وينفي قدرةَ العبد المؤثِّرةَ والكاسبة، ويقول بِخلق الفرآن، وفناءِ الجنة والنار.
والقدري: من يزعم أن كلَّ عبد خالقٌ لفعله، ويرى أن الشرّ فعل العبد وحده، وليس بتقدير الله تعالى (الجرجاني: التعريفات 55، 116؛ ابن حجر: هدي الساري 459).(1/166)
82- ويروى عن إبراهيم بن رُسْتُمْ قال: سمعت محمدَ بن الحسن رحمه الله يقول: لا يصلى خلف الجهمي، والقدري، والرافضي(1). وكان أبو حنيفة - رضي الله عنه - لا يرى الصلاة خلف المبتدع.
83- وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: من انتحل من هذه الأهواء شيئا فهو صاحب بدعة، فلا ينبغي للقوم أن يؤمَّهم [55أ] صاحبُ بدعة، وكذلك أصحاب الخصومات في الدين، هم عندنا أهل البدعة، وإن صلّى خلفهم مُصَلٍّ جاز ذلك(2).
13ـ فصل : في رواية ما صح من الآثار في الصفات وترك الخوض فيها
__________
(1) وذكر عبد القاهر البغدادي في أصول الدين 342، والفرق بين الفرق 217، أنه "روى هشام بن عبيد الله الرازي، عن محمد بن الحسن أنه قال فيمن صلّى خلف من يقول بِخلق الفرآن: إنه يعيد الصلاة".
(2) قال ابن تيمية منهاج السنة النبوية 1: 63: "تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور، منهم من أطلق الإذن، ومنهم من أطلق المنع، والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا يُنهى عنها لبطلان صلاتِهم في نفسها، لكن لأنّهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يُهجَروا، وأن لا يقدَّموا في الصلاة على المسلمين، ومن هذا الباب ترك عيادتِهم وتشييع جنائزهم، كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهى عنه".(1/167)
84- روي عن الوليد بن مسلم(1)، قال: سألت الأوزاعي(2)، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد(3) عن الأحاديث في الصفات والرؤية وشبيهتها، فقالوا: أمِرّوها(4)
__________
(1) في الأصل: أسلم. والتصويب من مصادر التخريج والترجمة. وهو الوليد بن مسلم، الإمام الحافظ، عالم أهل الشام، أبو العباس الدمشقي، روى عن يَحيى الذِّماري، وثور بن يزيد، وغيرهما، وعنه أحمد، وإسحاق، ودُحَيْم. قال الذهبي: وكان من أوعية العلم، ثقة حافظا، لكن رديء التدليس. وكان من تلامذة الإمام أبي حنيفة. توفي بذي المروة ـ واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة ـ وهو قافل من الحج سنة 195هـ (طبقات ابن سعد 7: 470؛ الجرح والتعديل 9: 16ـ17؛ تذكرة الحفاظ 1: 302ـ304؛ سير أعلام النبلاء 9: 211ـ220؛ الكاشف 2: 355؛ مناقب الكردري 507؛ عقود الجمان 154).
(2) هو عبد الرحمن بن يَحمد الأوزاعي، أبو عمرو، شيخ الإسلام، إمام الشام في الفقه والحديث، حدث عن عطاء بن أبي رباح، والزهري، وربيعة. وعنه شعبة، وابن المبارك، والوليد بن مسلم. ولد ببعلبك سنة 88، وتوفي ببيروت سنة 157هـ. (طبقات ابن سعد 7: 488؛ تذكرة الحفاظ 1: 178ـ183؛ تَهذيب التهذيب 6: 238ـ242).
(3) أبو الحارث، الإمام الحافظ، شيخ الديار المصرية، وعالمها ورئيسها. وكان الشافعي يقول: هو أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به. روى عن أبي حنيفة، وعن القاضي أبي يوسف عن الإمام أبي حنيفة، وروى عنه أبو حنيفة. توفي سنة 175هـ (طبقات ابن سعد 7: 517؛ حلية الأولياء 7: 318ـ327 تذكرة الحفاظ 1: 224ـ226؛ سير أعلام النبلاء 8: 136ـ163؛ عقود الجمان 142ـ143).
(4) في الأصل: ارووها. والتصويب من مصادر التخريج كلها. قال العلامة الكوثري في تعليقه على ’الاختلاف في اللفظ‘ لابن قتيبة 39ـ40: "وما يروى عن بعض السلف من إجراء أحاديث الصفات، وإمرارِها على ظاهرها، فليس بِمعنى الظاهر المصطلح في أصول الفقه الذي يبقى حتى ترجح المحتمل الآخر بالدليل كالنجم عند شروق الشمس، ولا بِمعنى ما يظهر للعامة من اللفظ، بل بالمعنى المقابل للغريب الذي ينفرد بلفظه راوٍ في إحدى الطبقات، فيكون بِمعنى تَجويز إمرار اللفظ على اللسان وإجرائه عليه إذا كان اللفظ مرويا بطريق الظهور والشهرة في جميع الطبقات، كما وقع إطلاق الظاهر بِهذا المعنى في كلام الإمام مالك - رضي الله عنه - وغيره".(1/168)
كما جاءت، بلا كيف(1).
__________
(1) أخرج هذا الأثر كذلك: الدراقطني في الصفات 75؛ والآجري في الشريعة 314؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 503،رقم 875؛ و 527، رقم 930؛ والبيهقي في الاعتقاد ص72؛ والأسماء والصفات 569؛ وابن عبد البرّ في التمهيد 7: 149؛ وجامع بيان العلم وفضله 2: 96؛ والذهبي في العُلًوّ 103ـ105، 147؛ وتذكرة الحفاظ 1: 304؛ وابن حجر في فتح الباري 13: 407.
وقريب من هذا ما ذكره الترمذي في السنن 4: 692، عقب بعض أحاديث الصفات عن جماعة من أهل العلم بقوله: "والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثلِ سفيان الثوريِّ، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيعٍ، وغيرهِم أنّهم رَوَوْا هذه الأشياء، ثم قالوا: تُرْوَى هذه الأحاديثُ، ونؤمن بِها، ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تُروَى هذه الأشياء كما جاءت، ويُؤْمَن بِها، ولا تُفَسَّرُ، ولا تُتَوَهّم، ولا يقال: كيف؟ وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه، وذهبوا إليه". انظر فيه أيضا 5: 251.(1/169)
85- وروي عن سفيان بن عيينة(1)، أنه قال: ما وَصَف اللهُ به نفسَه في كتابه، فقراءته تفسيره، ليس لأحد أن يفسره بالعربية، ولا بالفارسية (2).
86- وروي عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال في مثل هذه الأحاديث: قد روتْها الثقات، ونحن نرويها، ونُصدِّقها، ونؤمن بِها، ولا نفسرها(3)
__________
(1) الهلالي الكوفي ثم المكي، أبو محمد، شيخ الإسلام، محدِّث الحَرَم، ولد سنة 107هـ. سمع عمرو بن دينار، والزهري، وأبا حنيفة، وأمَما سواهم. وحدّث عنه الأعمش، وأحمد، وابن المبارك، ويَحيى بن مَعين، والشافعي، وخلق لا ينحصرون. وقال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وكان سفيان يقول: أوّل من أقعدني للحديث أبو حنيفة - رضي الله عنه -. ويقول أيضا: من أراد المغازي فالمدينة، ومن أراد المناسك فمكة، ومن أراد الفقه فالكوفة، وليلزم أبا حنيفة. توفي سنة 198هـ. (طبقات ابن سعد 5: 497؛ تاريخ بغداد 9: 174ـ184؛ حلية الأولياء 7: 270ـ318؛ مناقب المكي 321؛ تذكرة الحفاظ 1: 262ـ265؛ سير أعلام النبلاء 8: 400ـ418؛ الجواهر المضية 2: 230ـ233؛ عقود الجمان 115؛ الطبقات السنية 4: 44ـ46).
(2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 431، رقم 736؛ والبيهقي (بسند صحيح، كما قال ابن حجر في فتح الباري 13: 407) في الأسماء والصفات 417، 516، 540؛ والذهبي في العلو 116، 147.
(3) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 433، رقم 741؛ وذكره الذهبي في العلو 113؛ وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية 1 :139.
وسئل الإمام أبو حنيفة عن النُزول، فقال: " يَنْزِل بلا كيف" (ذكره البيهقي في الأسماء والصفات 572؛ والقاري في شرح الفقه الأكبر 99).
وقال السمرقندي في ميزان الأصول 362: "روي عن محمد بن الحسن رحمة الله عليه أنه سئل عن الآيات والأخبار الواردة في صفات الله تعالى، ما يؤدّي ظاهرها إلى التشبيه فقال: نُمِرُّها كما جاءت، ونؤمن بِها، ولا نقول: كيف وكيف. وهو مذهب مالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، وعامة أصحاب الحديث رضوان الله عليهم". انظر أيضا: تبصرة الأدلة للنسفي 1: 130؛ شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 256.
وأسند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 432، رقم 740، إلى عبد الله بن أبي حنيفة الدبوسي قال: سمعت محمد بن الحسن يقول: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيِمان بالقرآن، والأحاديثِ التي جاء بِها الثقاتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب عز وجل من غير تغيير، ولا وصف، ولا تشبيه. فمن فسّر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مِما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفارق الجماعة، فإنّهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن أفتوا بِما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا. فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفة: لا شيء". وذكره الذهبي في العلو 113؛ وابن حجر في فتح الباري 13: 407؛ والسيوطي مختصرا في الإتقان 2: 6.(1/170)
.
87- وروي عن أبي عصمة نوح بن مريم الجامع أنه كان يحدِّث الناسَ، فروى الحديث { إن العبد إذا تصدَّق بصدقة أخذها الرحمن بيمينه، فيُربيها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فَصِيله، حتى يَجعلَها مثل أُحُد}. ثم قرأ هذه الآية { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة [55ب] عن عباده ويأخذ الصدقات } الآية(1). قال: فقام إليه رجل، ولم يكن في ذلك الوقت أحدٌ يُتَّهَمُ بالتَّجَهُّم، ولا برفضٍ، ولا غيرِه، فقال: يا أبا عصمة! تُحَدِّث بِمثل هذا الحديث، ولا تفسره، فقال أبو عصمة: هاتوا طينة، فأتوا بِها، فجثم عليه(2)، وقال: اذهبوا به إلى السجن، قال: فقام إليه أصحابه، فكلموه، حتى خَلَّى عنه سبيلَه، ثم قال: إنك سألتني عن هذا ـ أو مثل هذا ـ مرة، فقلتُ لك: كلما صحّ عن الله تعالى، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الخالق فإنا نقوله، ولا نفسره، ولا نقول: كيف صفته. نقول: لله تعالى يدٌ، لا كأيدي العباد، وما شاكل هذا.
__________
(1) التوبة، 104. وأما الحديث فقد رواه المؤلِّف بالمعنى. والذي أخرجه الترمذي 3: 50، رقم 662، في الزكاة، باب ما جاء فضل الصدقة؛ وابن خزيْمة في كتاب التوحيد 59، 62ـ63 عن أبي هريرة قريب من لفظ المؤلف هنا. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وأخرجه الشيخان بألفاظ متقاربة؛ انظر في تَخريج الحديث بالتفصيل: فتح الباري 3: 278ـ279؛ عمدة القاري 4: 268ـ271.
فَلُوَّه أو فصيله: قال أهل اللغة: الفَلُوُّ: المهر الصغير، سمّي بذلك لأنه فلي عن أمّه، أي فُصِل وعُزِل. والفصيل: ولد الناقة، إذا فصل من إرضاع أمّه. (النهاية لابن الأثير 3: 474؛ والمصدرين السابقين).
(2) نصبه غرضاً، ورماه بِها. وفي الحديث "أنه نَهَى عن المُجَثَّمَة"، هي كلّ حيوان يُنصَب ويُرْمَى ليُقْتَل (النهاية 1: 239).(1/171)
88- وكان أبو عصمة سعد بن معاذ(1) يقول مثل هذا(2).
14ـ فصل : في ترك الخوض في الأصول بالرأي، والاقتصار على ما ورد السمع من الكتاب والسنة وإجماع الأمة
89- وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: إن لم يُعْرَف الحقُّ بالقرآن والسنة، فهو بالخصومة أبعد.
__________
(1) في الأصل: سعيد بن معاذ. والصواب سعد بن معاذ، أبو عصمة المروزي، يروي عن عمر بن حماد بن أبي حنيفة، وأبي سليمان الجوزجاني. وروى عنه أبو أحمد نبهان بن إسحاق بن مِقْداس البسْكاسي، ومحمد بن أحمد بن موسى بن سلاّم القاضي البَرْكِدي، وعمران بن فرنيام، وأبو يعقوب الغزّال، وإبراهيم بن منصور البخاريون. وذكر الذهبي أنه مجهول (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2: 271، ونسبته فيه: الدورقي؛ مناقب المكي 61، 72، 101، 409؛ الجواهر المضية 4: 66ـ67؛ 3: 69، 531؛ ميزان الاعتدال 2: 125).
(2) انظر في ذلك أيضا : تبصرة الأدلة 1: 130.(1/172)
90- وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه كان يقول: دَعُوا الخصومات في الدين، والمِراءَ فيه، وارْضَوْا لأنفسكم ما رضي السلفُ الصالح لأنفسهم، فإنّهم [56أ] بعلمٍ وقفوا، وببَصرٍ نافذ كَفُّوا، وإنّهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وبفضلٍ لو كان فيه أحرى، لأنّهم السابقون(1)
__________
(1) أخرج ابن أبي العوام في فضائل أبي حنيفة وأصحابه (كما في عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي لأبي الخير 236ـ237) عن أبي يوسف أنه قال: "ذروا الخصومةَ في الدين، والمِراَء فيه والجِدالَ، فإن الدين واضح بَيِّنٌ، قد فرض الله عز وجل فرائضه، وشرع سنته، وحدّ حدوده، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، فقال { اليوم أكملت لكم دينكم وأتْممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة، 3)، فأحِلُّوا حلال القرآن، وحرِّموا حرامه، واعمَلوا بِمحكمه، وآمِنوا بالمتشابه، واعتبِروا بالأمثال فيه. فلو كانت الخصومة في الدين تقوى عند الله لسبق عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه بعده. فهل اختصموا في الدين، أو تنازَعوا فيه؟ وقد اختصموا في الفقه، وتكلَّموا فيه، واختلفوا في الفرائض والصلاة والحجّ والطلاق والحلال والحرام، ولم يَختصموا في الدين، ولم يتنازعوا فيه. فاقتصِروا على تقوى الله وطاعته. والْزَمُوا ما جرتْ به السنة، وكُفِيتُم فيه المؤنة. ودَعُوا ما أحدث المُحدِثون من التنازع في الدين والجِدالَ فيه والمِراءَ، فإنّ لزوم السنة عصمةٌ بإذن الله تعالى لمن لزمها، والذي سنَّها كان أعلمَ بِما في خلافها من الخطأ والزلل. وقد أنزل الله عز وجل في كتابه { وإذا رأيت الذين يَخوضون في آياتنا فأعرِض عنهم حتى يَخوضوا في حديث غيره } (الأنعام، 68)، ولو شاء أنزل في ذلك جِدالا وحِجاجا، ولكنه أبى ذلك ونَهاهم فقال { فلا تقعُدوا معهم حتى يَخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } (النساء، 140)، وقال { فإن حاجُّوك فقل أسلمتُ وجهي لله ومن اتَّبَعَنِ } ( آل عمران، 20)، ولم يقل: وحاجّهم".
قال الأوزاعي: اصبر نفسك على السنة، وقِفْ حيث وقف القوم، وقل بِما قالوا، وكُفَّ عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فانه يسعك ما وسعهم (تلبيس إبليس 16).(1/173)
.
91- وروي عن أبي يوسف رحمه الله في ’رسالة له في النهي عن الخصومة في الدين‘(1): الخصومةُ في الدين بدعة، وما ينقض أهلُ الأهواء(2)
__________
(1) هناك رسالة لعمر بن عبد العزيز، مشابِهَةٌ برسالة أبي يوسف في الألفاظ والمعاني، كتبها ردًّا على سؤال رجل عن القدر، أخرجها أبو داود في السنن 5: 19ـ20، رقم 4612؛ والآجري في الشريعة 233. قال فيها: "أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصادِ في أمره، واتباعِ سنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وتركِ ما أحدَث المُحدِثون بعد ما جرت به سنّته، وكُفُوا مُؤْنته، فعليك بلزوم السنة، فإنّها لك ـ بإذن الله ـ عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناسُ بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنّما سنّها مَنْ قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارْضَ لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علمٍ وقفوا، وببصرٍ نافذٍ كَفُّوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: إنّما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ، ورغب بنفسه عنهم، فإنّهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بِما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونَهم من مقْصِر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قومٌ دونَهم فجَفَوْا، وطمح عنهم أقوام فغَلَوْا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم…". وانظر أيضا: طبقات الحنابلة 1: 70؛ ولمعة الاعتقاد لابن قدامة 10.
(2) يقول أبو المظفر الإسفراييني في التبصير في الدين 115: "أهل الأهواء: هم الذين لا يتابعون الكتاب ولا السنة". ونقل الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 7: 141، عن الشعبي قوله: "إنّما سُمُّوا أصحابَ الأهواء لأنّهم يهوون في النار".
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 4: 190: " كان السلفُ يسمون أهلَ البدع والتفرق المخالفين للكتاب والسنة، أهلَ الأهواء، حيث قبلوا ما أحبوه، وردوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدى من الله".
وقال التفتازاني في شرح المقاصد 5: 230: " والمبتدع: هو من خالف في العقيدة طريقةَ السنة والجماعة".
وقال الجرجاني في التعريفات 27: "أهل الأهواء: أهل القبلة الذين لا يكون معتقدُهم معتقدَ أهل السنة".(1/174)
بعضهم على بعض بدعةٌ مُحدَثة، لو كان فضلا لسَبَقَ أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبناءُ الصحابة - رضي الله عنهم - إليه، فإنّهم كانوا عليها أقوى، وبِها أبصرُ، وعلى إقامة الدين والسنة أحرص، وبفضلٍ لو كان فيها أحرى، ولقد غالى فيها قوم ابتدعوا(1)، واقتصر قوم عنها فضَلُّوا ، وإن أهل السنة والجماعة بين(2) ذلك لعلى طريق مستقيم(3)
__________
(1) في الأصل: وابتدعوا، والمعنى يستقيم مع حذف الواو.
(2) في الأصل : من . والتصويب من سنن أبي داود 5: 19؛ والشريعة للآجري 233.
(3) أسند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 127، رقم 211، عن فاطمة بنت الحسين، عن عليّ قال: "إياكم والخصومة، فإنّها تَمحق الدين". وأسند فيه (1: 128 ـ 129، رقم 219) كذلك إلى عنبسة الخثعمي ـ وكان من الأخيار ـ قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: "إياكم والخصومات في الدين، فإنّها تُشْغِل القلب، وتورِث النفاق"؛ وذكره أيضا أبو نعيم في الحلية 3: 198.
أخرج الإمام محمد بن الحسن في موطأ الإمام مالك بروايته 325، رقم 918؛ والدارمي 1: 91؛ وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 44؛ وابن سعد في الطبقات 5: 371؛ والآجري في الشريعة 56ـ57،62؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2: 93؛ والانتقاء 69، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: "من جعل دينه غرضا للخصومات أَكثَر التنقُّلَ". قال محمد: وبِهذا نأخذ، لا ينبغي الخصومات في الدين.
وروى الآجري في الشريعة 56ـ57؛ وابن عبد البر في جامع البيان 2 :93، عن العوّام بن حوشب، عن معاوية بن قُرة قال: "إياكم والخصومات في الدين، فإنّها تُحبِطُ الأعمال".
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في ’اعتقاده‘ الذي رواه عنه عبدوس بن مالك والذي ذكره اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 156، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 1: 241: "أصول السنة عندنا: التمسكُ بِما كان عليه أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداءُ بِهم، وتركُ البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وتركُ الخصومات والجلوسِ مع أصحاب الأهواء، وتركُ المِراءِ والجدالِ والخصوماتِ في الدين".(1/175)
.
92- وروي عن أبي عمرو ابن مطر(1) قال: سئل محمد بن إسحاق بن خزيْمة(2) عن الكلام في الأسماء والصفات، فقال: بدعة ابتدعوها، ولم يكن أئمةُ المسلمين من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وأرباب المذاهب، مثلُ مالكِ بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق الحنظلي(3)، ويحيى بن يحيى(4)، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن يحيى(5)- رضي الله عنهم - ، أي لم يكن [56ب] يتكلمون في ذلك، وينهون عن الخوض فيه، والنظرِ فى
__________
(1) في الأصل: عمر بن مطر. والصواب ما أثبته، وقد سبقت ترجمته.
(2) أبو بكر، النيسابوري الحافظ، إمام نيسابور في زمانه، ومصنفاته تزيد على 150 مصنفا، حدث عنه الشيخان خارج صحيحيهما، ولد سنة 223هـ، وتوفي سنة 311هـ (تذكرة الحفاظ 2: 720ـ731).
(3) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب التميمي المروزي، المعروف بابن راهويه، نزيل نيسابور وعالمها، بل شيخ أهل المشرق، روى له الجماعة سوى ابن ماجه. ولد سنة 161 وتوفي سنة 238هـ (الجرح والتعديل 2: 209ـ210؛ طبقات الحنابلة 1: 109؛ تذكرة الحفاظ 2: 433ـ435؛ ميزان الاعتدال 1: 109).
(4) يَحيى بن يَحيى بن بكير، التميمي الحنظلي، أبو زكريا، النيسابوري، الإمام الحافظ، شيخ خراسان. قال الحاكم: هو إمام عصره بلا مدافعة. ولد سنة 142، وتوفي 226هـ (تذكرة الحفاظ 2: 415ـ416؛ تَهذيب التهذيب 11: 296ـ299؛ الأعلام 8: 176).
(5) محمد بن يَحيى بن عبد الله الذُّهْلي، أبو عبد الله النيسابوري، شيخ الإسلام، حافظ نيسابور. قام برحلات واسعة، وانتتهت إليه مشيخة العلم بِخراسان. قال أبو بكر بن زياد: كان أمير المؤمنين في الحديث. وقال أحمد: ما رأيت أحدا أعلم بِحديث الزهري من محمد بن يَحيى. حدّث عنه الجماعة سوى مسلم. توفي سنة 258هـ (تاريخ بغداد 3: 415ـ420؛ طبقات الحنابلة 1: 327؛ تذكرة الحفاظ 2: 530ـ532؛ تَهذيب التهذيب 9: 511ـ516).(1/176)
كتبهم بحال، واللهَ أسأل أن يعيذَنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
93- وروي عن حماد بن أبي حنيفة رحمه الله قال: أخذ أبو حنيفة - رضي الله عنه -بيدي يوم الجمعة، فأدخلني المسجد، ومَرَّ بقوم من أصحاب النحو، فقال: ترى هؤلاء إذا ترأَّسَ واحدٌ منهم يصير مؤدِّبَ ملِك أو ابن ملك، وقال: مَرَّ بقوم يتنازعون في الدين، فقال: يا بنيَّ! إذا مهر في هذا الأمر، قيل: زنديق ، وأُخرِج من حَدِّ الإسلام، فيصير بحال لا ينتفع به. قال: مَرَّ بأصحاب الفقه، فقال: يا بنيّ! هؤلاء أرادوا الآخرة فهي(1) طريقهم، وإن أرادوا الدنيا أصابوها، فعليك بِهؤلاء، واترك سائرَ الناس. قال حماد بن أبي حنيفة - رضي الله عنه -: وكنتُ معجَبا بالمنازعة، فتركتُ المنازعةَ بعد قول الشيخ - رضي الله عنه -.
94- وروى أبو يوسف القاضي رحمه الله، قال: قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: لما أردتُ طلب العلم، فجعلتُ أتخير علما من العلوم، قلت: الفقه، فتتبعتُ فيه عيبا فلم أجده، فقدرت أن أوّلَ ما أجد فيه [57أ] يصير جلوسي مع العلماء والمشايخ، ثم إذا حدثت مسألةٌ في المنْزل في القرابة، أو في الحج سألوني عنها، فإن كان عندي منها معرفة وإلا قالوا لي: سل(2) الذين تجالسهم، فأسأل عنها، فيتوقعون جوابِي، فآتيهم بتيك، ومن أراد أن يطلب به الدنيا، طلب لها أمرا جسيما، وصار إلى رفعة منها، ومن أراد العبادة والتخلي(3) لم يستطع أحد أن يقول: تَعَبَّد بغير علم، وقيل: فقيه، وعمل بِما يعلم، مختصرا(4).
__________
(1) في الأصل: فهو .
(2) في الأصل: سلوا . والتصويب من الصيمَري، والمكّي .
(3) في الأصل: التحلّي . والتصويب من المكي .
(4) في الأصل: مختصر. والتصويب من المكّي. وذكر هذه القصة: الحارثي في فضائل أبي حنيفة، كما في مناقب أبي حنيفة للمكي 52ـ53؛ والصيمري في أخبار أبي حنيفة 5ـ6؛ والخطيب في تاريخ بغداد 13: 332؛ والعيني في عقد الجمان 2: 579؛ والتميمي في الطبقات السنية 1: 90.(1/177)
95- وروي عن محمد بن الحسن رحمه الله في الآثار(1) عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - عن محمد بن المنكدر(2)، عن عثمان بن محمد(3)، عن طلحة بن عبيد الله(4) قال: تذاكرنا لحم الصيد، يأكله الْمُحرِم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نائم، وارتفعت أصواتنا، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: فيم تَنَازَعون؟ قلنا: في لحم الصيد يأكله الْمُحرم، فأمرنا بأكله. قال
__________
(1) في باب الصيد في الإحرام 74.
(2) محمد بن الُمنْكَدِر بن عبد الله الهُدَيْر القرشي التّيمي المدني، الإمام شيخ الإسلام. أدرك بعض الصحابة، وروى عنهم، وكان زاهدا بَكَّاءً. قال ابن عيينة: ابن المنكدر من معادن الصدق. وقال مالك: كان سيِّدَ القرّاء. ولد سنة بضعٍ وثلاثين، وتوفي سنة 130هـ (حلية الأولياء 3: 146ـ158؛ تذكرة الحفاظ 1: 127ـ128؛ الكاشف 2: 224؛ سير أعلام النبلاء 5: 353ـ361؛ تَهذيب التهذيب 9: 473ـ475).
(3) قال ابن حجر في ’الإيثار لمعرفة رواة الآثار‘ 18: "زعم الحسيني في ’رجال العشرة‘ أنه عثمان بن محمد بن أبي سويد، الذي روى قصة إسلام غيلان بن سلمة الثقفي، وتَحته عشرة نسوة، وروى عنه الزهري. وقال الحسيني: روى عن طلحة بن عبيد الله، وعنه الزهري، ومحمد بن المنكدر. فإن ابن أبي سويد لا يعرف إلا في رواية الزهري هذه، واختلف عليه فيه اختلافا كثيرا، والله أعلم". وقال في تعجيل المنفعة 188: "ليس بِمشهور. ذكره ابن حبان في التابعين من ’الثقات‘، وقال: يروي المراسيل".
(4) في الأصل: حماد بن محمد بن طلحة بن عبيد الله. والتصويب من الآثار. وهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيميّ، أبو محمد المدني، أحد العشرة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستّة أصحاب الشورى. كان من الكرماء الأجواد، استشهد يوم الجمل سنة 36هـ عن 63 سنة (طبقات ابن سعد 3: 214ـ221؛ الاستيعاب 5: 235؛ أسد الغابة 3: 90؛ الإصابة 5: 232ـ235).(1/178)
محمد بن الحسن: وبه أخذ أبو حنيفة. فقال محمد بن الحسن: معناه أنّهم تَنَازَعوا في الفقه، حتى ارتفعت أصواتُهم، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يَعِب عليهم. [57ب]
96- وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه، وهم يتذاكرون شيئا من القدر، فخرج مُغضَبا، فكأنّما فُقِئَ في وجهه حَبُّ الرّمان، فقال: بِهذا أمرتم؟ أليس نَهيتُكم عن هذا، إنّما هلكت الأممُ مِمن كان قبلكم في مثل هذا(1).
__________
(1) أخرجه الترمذي 4: 443، رقم 2133، في القدر، باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر. وقال: "وفي الباب عن عمر، وعائشة، وأنس، وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المُرِّي، وصالح المري له غرائب ينفرد بِها لا يتابع عليها"؛ والطبراني في الأوسط 10: 443، رقم 6045. وحديث أنس أخرجه أبو يعلى في مسنده 5: 429، رقم 3121؛ والطبراني في الأوسط 7: 124، رقم 7052؛ وذكره الزيلعي في مجمع الزوائد 7: 205؛ وابن حجر في المطالب العالية 3: 76ـ77.(1/179)
97- إذا ذُكِرَ القدرُ فأَمْسِكوا، وإذا ذُكِر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجومُ فأمسكوا(1).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 2: 96، رقم 1427، عن ثوبان مرفوعا، وفيه يزيد بن ربيعة، وهو ضعيف؛ و (10: 198، رقم 10448) عن ابن مسعود مرفوعا أيضا، وفيه مسهر بن عبد الملك، وثّقه ابن حبّان وغيره، وفيه خلاف، وبقيّة رجاله رجال الصحيح، (كما قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 205، 226). واضطرب حكم زين الدين العراقي في تَخريج أحاديث الإحياء على إسنادهما، صرّح في (4: 146) منه بأنّهما ضعيفان، وحكم في (1: 45) على إسناد حديث ابن مسعود بأنه حسن، ووافقه عليه السيوطي في تَخريج أحاديث شرح المواقف 120. وحديث ابن مسعود أخرجه كذلك الحارث في مسنده (كما في المطالب العالية 3: 79)؛ والسمرقندي في بستان العارفين 401؛ وأبو نعيم في الحلية 4: 108؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 126، رقم 210؛ و 7: 1250، رقم 2351، وفي سنده "النضر بن مَعْبَد أبو قَحْذَم"، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثُه (ميزان الاعتدال 4: 263)؛ وذكره الاصبهاني في الترغيب والترهيب 1: 367، رقم 629؛ و 3: 207ـ208، رقم 2360. وأخرجه السهمي في تاريخ جرجان 295، عن ابن عمر مرفوعا.
أخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 633، رقم 1134، بسنده عن"ميمون بن مهران قال: قال لي ابن عباس: احفظ عني ثلاثا: إياك والنظرَ في النجوم، فإنه يدعو إلى الكهانة، وإياك والقدرَ، فإنه يدعو إلى الزندقة، وإياك وشتمَ أحدٍ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيَكُبُّك الله في النار على وجهك".(1/180)
98- وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(1) قال: أقبلت فوجدتُ مجلسا يتمارون في القرآن بفناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وما لكم والتماري في القرآن، فإن التماري فيه كفر، وإنّما أهلكت(2) الأمم في التماري في كتبهم، واختلافهم على أنبيائهم، وكثرة خوضهم في القرآن(3).
__________
(1) هو عمرو بن شعيب بن محمد ابن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو بن العاص، القرشي السهمي الحجازي، أبو إبراهيم وأبو عبد الله، فقيه أهل الطائف ومحدِّثُهم، أثبتوا تابعيتَه بروايته عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ. وهو من مشايخ أبي حنيفة قال البخاري: رأيت أحمد وعليّا وأبا عبيد وعامّةَ أصحابنا يَحتجون به. وقال الترمذي: ومن تكلّم في حديث عمرو بن شعيب إنّما ضعّفه، لأنه يُحدِّث عن صحيفة جدِّه، كأنه لم يسمع هذه الأحاديث من جدّه. مات بالطائف سنة 118هـ. (سير أعلام النبلاء 5: 165ـ180؛ الكاشف مع تعليق شيخنا محمد عوامة 2: 78ـ80؛ تَهذيب التهذيب 8: 48ـ55؛ لسان الميزان 7: 325؛ عقود الجمان 80).
(2) في الأصل: احتلفت. والتصويب من مصادر التخريج الآتية.
(3) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف 11: 216ـ217، رقم 20367؛ وابن ماجه 1: 33، رقم 85، في المقدمة، باب في القدر؛ وأحمد من طرق مختلفة أرقام 6668، 6702؛ 6846؛ والطبراني في الكبير، وفيه صالح بن أبي الأخضر، وهو مِمن يكتب حديثه على ضعفه كما في مجمع الزوائد 1: 176.(1/181)
ولم يكرهه في الفقه، فلذلك أمسك مشايخُنا عن الخوض في الكلام، واختاروا السلامة. والاكتفاءُ بِما ورد السمع به في الأصول محمود عند الكافة. وإذا شُغِل بالخوض في الكلام، والتعمق فيه اختلف الأقاويل [58أ] فيه، وكفّر بعضُهم بعضا، وبَدّع بعضهم بعضا. والسلامةُ في ترك الخوض فيه، ولا ينبغي للعاقل أن يُعَرِّض نفسَه للشتم والتكفير والتبديع، قال الله تعالى { لا تَغْلُوا في دينِكم } (1).
99- وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ألا هلك المتنطعون، ثلاث مرات(2).
100- وروي عن عبد الله أيضا أنه قال: ما رأيت أحدا أشدَّ خوفا من أهل الأرض عليهم أوّلَهم(3).
101- وروي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد(4)
__________
(1) جزء من آيتَيْ النساء، 171؛ والمائدة، 77.
(2) أخرجه مسلم 4: 2055، رقم .267 في العلم، باب هلك المتنطعون؛ وأبو داود 5: 15، رقم 4608 في السنَّة، باب النهي عن الجدال في القرآن؛ وأحمد 1: 386.
(3) أخرج الدارمي 1: 53، في المقدمة، وأورده ابن الجوزي في تلبيس إبليس 159: "عن مسعر قال: أخرج إليّ معنُ بن عبد الرحمن كتابا، فحلف لي بالله أنه خط أبيه، فإذا فيه، قال عبد الله: والذي لا إله إلا هو، ما رأيت أحدا كان أشد على المتنطعين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيت أحدا كان أشد عليهم من أبي بكر، وإني لأرى عمر كان أشد خوفا عليهم أولهم".
(4) أخرجه البخاري 5: 301، رقم 2697، في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلحِ جورٍ فالصلح مردود؛ ومسلم 3: 1343، رقم 1718، في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور؛ وأبو داود 5: 12، رقم 4606، في السنة، باب في لزوم السنة؛ وابن ماجه 1: 7، رقم 14، في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتغليظ على من عارضه؛ وأحمد 6: 270.
ومعنى الحديث: كلُّ عملٍ لا يكون على وَفْقِ أمر الله وأمر رسوله فهو مردود على عامِله، إذْ لا يُقْبَلُ مِن الأعمال إلا ما كان جاريا على هديِ أحكام الشريعة موافِقاً لها.(1/182)
.
102- وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري(1)- رضي الله عنه - أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته: نَحمدُ اللهَ، ونُثْنِي عليه بِما هو له أهلٌ، ثم يقول: من يهدي اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، إنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمد، وشِرارَ الأمور مُحدَثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍّ في النار. ثم قال: بُعِثتُ أنا والساعةَ كهاتَيْنِ(2).
__________
(1) ثم السَّلَميّ، صحابي ابن صحابي، أحد الستة الذين شهدوا العقبة الأولى، غزا تسع عشرة غزوةً، وشهد صفين مع علي - رضي الله عنهم -، ومات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن 94 سنة (طبقات ابن سعد 3: 574؛ الاستيعاب 2: 109ـ111؛ أسد الغابة 1: 307ـ308؛ الإصابة 2: 44ـ45).
(2) أخرجه مسلم 2: 592ـ593، رقم 867، في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة؛ والنسائي 3 :188ـ189، رقم 1578، في الجمعة، باب كيف الخطبة؛ وابن ماجه 1: 17، رقم 45، في المقدمة، باب اجتناب البدع والجِدال؛ وأحمد 3: 319، 371؛ والدارمي 1: 69، في المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي؛ وابن أبي عاصم في السنة 16، رقم 4؛ والآجري في الشريعة 45ـ46.(1/183)
103- وروي عن عرباض بن سارية(1) [58ب] - رضي الله عنه - أنه قال: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغة، ذَرَفَت منها العيونُ، ووَجِلَت منها القلوبُ، قال قائل: يا رسول الله! كأن هذا موعظةُ مُوَدِّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله، والسمعِ والطاعة، وإنْ كان عبدا حبشيًّا، فإنه مَن يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين، تَمسّكوا بِها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم و(2)مُحدَثات الأمور، فإن كل محدثة(3) بدعة، وكل بدعة ضلالة(4).
__________
(1) عِرْباض بن سارية السُّلمي، أبو نَجِيح، صحابي مشهور، كان قديم الإسلام، ومن أهل الصفّة. نزل حمص، وتوفي بالشام سنة 75هـ (طبقات ابن سعد 4: 276، 7: 412؛ أسد الغابة 4: 19؛ الإصابة 6: 410).
(2) و : زيادة من مصادر التخريج الآتية .
(3) في الأصل : محدث . والتصويب من مصادر التخريج الآتية .
(4) أخرجه أبو داود 5: 13ـ15، رقم 4607، في السنة، باب في لزوم السنة؛ والترمذي 5: 44ـ45، رقم 2676، في العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ وابن ماجه 1: 15ـ16، رقم 42ـ43، في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ وابن أبي عاصم بعدة طرق في السنة 17ـ20، أرقام 26ـ34؛ و 482ـ484، أرقام 1037ـ 1045.(1/184)
104- وروي عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من أحدث حدثا(1)، أو آوَى مُحدِثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(2).
105- وروي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: إنّما هما اثنتان: الهَدْيُ، والكلام، وأحسنُ الكلام كلامُ الله، وأحسنُ الهَدْيِ هَديُ محمد - صلى الله عليه وسلم -،(3) وإياكم والْمُحدثات والبدع، فإن شرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكلّ مُحدَثة ضلالةٌ، ألا لا يطول [59أ] عليكم الأمَدُ فتَقْسُوَ قلوبُكم، ألا ما هو آتٍ قريبٌ، ألا وإن البعيدَ ما ليس بآتٍ(4).
__________
(1) هكذا ورد في جميع مصادر التخريخ الآتية . وفي الأصل : محدثا .
(2) جزء من حديث، أخرجه البخاري (4: 81، رقم 1870) في فضائل المدينة، باب حرم المدينة؛ و(6: 273، رقم 3172) في الجزية والموادعة، باب ذمّة المسلمين؛ و(6: 279، رقم 3179) في نفس الكتاب، باب إثم من عاهَد ثم غدر؛ ومسلم (2: 994ـ 998، رقم 1370) في الحج، باب فضل المدينة؛ والترمذي (4: 438ـ439، رقم 2127) في الولاء والهبة، باب فيمن تولى غير مَواليه؛ وأبو داود (2: 529ـ531، رقم 2034) في المناسك، باب في تَحريم المدينة؛ وأحمد 1: 126، 151.
(3) وهنا في الأصل: "وشرار الأمور محدثاتُها". يبدو أنّها من أثر سبق نظر الناسخ، والتصويب من مصادر التخريج الآتية.
(4) ذكر الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط 49 جزءا منه، وهو "إن شرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكلُّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعة ضلالةٌ، وكلُّ ضلالة في النار". وأخرجه أيضا عبد الرزاق في المصنف 11: 116، رقم 20076؛ وابن أبي عاصم في السنة 16ـ17، رقم 25؛ والحاكم 1: 103؛ والدارمي 1: 69، في المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 77، رقم 84؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2: 181.(1/185)
106- وروي ذلك في بعض الروايات عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(1).
107- وروي أيضا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: إن أصدقَ القول قولُ الله، وإن أصدقَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشرارُ الأمور مُحدَثاتُها(2)، وإنكم ستُحدِثون، ويحدث لكم، فإذا أحدث لكم فعليكم بالهَدْيِ الأوَّلِ(3)، وإن أهل الكتابين هلكوا بأمثال هذه وأشباهها، اشتَهتْها قلوبُهم، واستَحْلَتْها ألسِنتُهم، وتوارَثوها قرنا عن قرن، والحقُّ ثقيل، والحق ثقيل، والحق ثقيل، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنّهم لا يعلمون(4).
__________
(1) ذكر الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط 48 جزءا منه، بلفظ "من أحدث حَدَثا في الإسلام فقد هلك، ومن ابتدع بدعة فقد ضَلَّ، ومن ضلّ ففي النار". وأخرجه أيضا ابن ماجه 1: 18، رقم 46، في المقدمة، باب اجتناب البدع والجِدال؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 77، رقم 84 .
(2) إلى هنا أخرجه البخاري 10: 509، رقم 6098، في الأدب، باب الهدي الصالح؛ و(13: 249، رقم 7277) في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(3) أخرج الدارمي 1: 61، في المقدمة، ومحمد بن نصر المروزي في السنة 29؛ وابن حجر في الفتح 13: 253: "عن الأعمش قال: قال عبد الله: أيها الناس! إنكم ستحدثون، ويُحدث لكم، فإذا رأيتم مُحْدَثَةً فعليكم بالأمر الأوّلِ".
وأخرج الدارمي أيضا 1: 71، في المقدمة، بسنده عن امرأة يقال لها عائذة قالت: رأيت ابن مسعود يوصي الرجالَ والنساء، ويقول: من أدرك منكن من امرأة أو رجل فالسمتَ الأول السمت الأول، فانا على الفطرة. قال عبد الله: السمت: الطريق".
(4) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 77، رقم 85؛ والبيهقي أوّلَه في الأسماء والصفات 311.(1/186)
108- وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتَّبِع ولانَبْتدِع، ولن نضِلَّ ما تَمسّكْنا بالأثر(1).
109- وروي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: من أحدث رأيا ليس في كتاب الله تعالى، ولم تَمض به سنةٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُدْرَ على [59ب] ما عليه لقي اللهَ تعالى .
110- وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يُحَدِّثُون بِما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم، وإياهم(2).
__________
(1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 86، رقم 105ـ106؛ وابن قدامة في ذم التأويل 31.
وأخرج الدارمي 1: 69، في المقدمة، عن أبي عبد الرحمن قال: قال عبد الله: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم".
وأخرج ابن سعد في الطبقات 3: 183 عن أبي بكر الصديق أنه قال في خطبته الأول بعد أن ولي الخلافة: "… أيها الناس إنما أنا متبع ولستُ بِمبتدع…"؛ كما أخرج فيه (5: 340، 368) مِن خطبة عمر بن عبد العزيز بعد أن ولي الخلافة كذلك أنه قال: "…ألا إني لستُ بقاضٍ ولكنِّي مُنفِّذٌ، ألا إني لستُ بِمُبتَدِع ولكني مُتَّبِعٌ".
(2) أخرجه أحمد 2: 321؛ والحاكم في المستدرك 1: 103، وقال: "هذا حديث ذكره مسلم في خطبة الكتاب (1: 12، رقم 6)، ولا أعلم له علة"، ووافقه الذهبي؛ وأبو يعلى في مسنده 11: 270، رقم 6384؛ والطحاوي في مشكل الآثار 11: 397ـ398؛ والبغوي في شرح السنة 1: 223؛ والبيهقي في دلائل النبوة 6: 550.(1/187)
111- وروي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ـ إلى قوله ـ ما تشابه منه } (1). ثم قال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، والذين يجادلون، فهم الذين عنى(2) الله، فاحذَرُوهم(3).
فدل هذا على أنه لا يُفَسَّرُ ما ورد في القرآن في صفات الله تعالى من المتشابه، وإنّما يجب الإيِمان به، واعتقادُ مرادِ الله منه، على الجملة.
112- وروي عن أبي الدرداء(4) - رضي الله عنه - أنه قال: اقتصاد(5) في سنة خيرٌ من اجتهاد في بدعة(6)
__________
(1) آل عمران، 7.
(2) في مصادر التخريج ماعدا ابن ماجه والدارمي : سَمَّى .
(3) أخرجه البخاري 8: 209، رقم 4547، في التفسير، باب "منه آيات محكمات"؛ ومسلم 4: 2053، رقم 2665، في العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن، والنذير من متبعيه؛ والترمذي 5: 223، رقم 2994، في تفسير القرآن، باب "ومن سورة آل عمران"؛ وأبو داود 5: 6، رقم 4598، في السنة، باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن؛ وابن ماجه 1: 18ـ19، رقم 47، في المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل؛ والدارمي 1: 55، في المقدمة، باب من هاب الفتيا وكره التنطع والبدع؛ وأحمد 6: 48.
(4) هو عُوَيْمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الدرداء، مشهور بكنيته، صحابي جليل، أول مشاهده أحد، وكان آخِر أهل داره إسلاما، فحسن إسلامه، وكان فقيها عاقلا حكيما عابدا، نزل الشام إلى أن مات سنة 32هـ في خلافة عثمان (طبقات ابن سعد 7: 391ـ393؛ الإستيعاب 11: 226ـ232؛ أسد الغابة 4: 319ـ320، 6: 97ـ98؛ الإصابة 7: 182ـ183).
(5) في الأصل: اقتصار، وهو تصحيف، والتصويب من مصادر التخريج.
(6) إلى هنا أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 88، رقم 115؛ والمروزي في السنة 32 إلى "ما أخذت بالأثر".
وأخرجه الدارمي 1: 72، في المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي؛ والطبراني في الكبير 10: 208ـ209، رقم 10488 (وفيه محمد بن بشير الكندي، قال يَحيى: ليس بثقة، كما في مجمع الزوائد 1: 178)؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 55، رقم 14؛ و88، رقم 114؛ والمروزي في السنة 30؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2: 188؛ والهروي في ذمّ الكلام 2: 344ـ345؛ وابن الجوزي في تلبيس إبليس 15، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -.(1/188)
، وأَنْ نَتَّبِع خيرٌ من أن نبتدعَ، ولن تضِلَّ ما أخذت بالأثر، شرُّ الأمور مُحدثاتُها، والدينُ دينُ محمد - صلى الله عليه وسلم -.
113- وروي عن جماعة(1)
__________
(1) عن أبي هريرة، أخرجه الإمام أبو حنيفة نفسه في الفقه الأبسط 48؛ وأبو داود 5: 4، في السنة، باب شرح السنة، رقم 4596؛ والترمذي 5: 25، في الإيِمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم 2640، وقال: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وفي الباب عن سعدٍ، وعبد الله بن عمرو، وعوف بن مالك"؛ وابن ماجه 2: 1320، في الفتن، باب افتراق الأمم، رقم 3991؛ وأحمد 2: 332؛ وابن أبي عاصم 1: 33، رقم 66؛ وصحّحه ابن حبان (الموارد 454، رقم 1834)؛ والآجري في الشريعة 15؛ وأبو يعلى في مسنده 10: 317، 381؛ والحاكم 1: 128، ووافقه الذهبي؛ والبيهقي في السنن الكبرى 10: 208. ولفظهم ماعدا لفظ أبي حنيفة ينتهي بـ "وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة ".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه والترمذي 5: 26، في الإيِمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم 2641؛ ولفظه "… وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين مِلّةً، كلهم في النار إلا ملّة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي". وقال: "هذا حديث مفَسَّر غريب، لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه"؛ ورواه الحاكم 1: 129 شاهدا لحديث أبي هريرة، وذكر أنه لا تقوم به الحجة؛ والمروزي في السنة 18؛ والآجري في الشريعة 15؛ والبزار في مسنده، والبيهقي في المدخل، كما في تَخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزيلعي 1: 449.
وقال عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول لابن الأثير 7: 34: "وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي، وهو ضعيف، ولكن يشهد له معنى الحديثين الذيْنِ قبله، فهو بِهما حسن".
وعن معاوية، أخرجه أبو داود 5: 5ـ6، في السنة، باب شرح السنة، رقم 4597؛ وأحمد 4: 102؛ والدارمي 2: 241؛ وابن أبي عاصم 1: 7ـ8، رقمان 1ـ2؛ و 1: 33ـ34، رقمان 65ـ66؛ والطبراني في الكبير 19: 376ـ377، رقمان 884ـ885؛ والآجرّي في الشريعة 18؛ والحاكم 1: 128؛ والبيهقي في المدخل، كما في تَخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزيلعي 1: 449. ولففظهم "ألا إنّ مَن كان قبلكم مِن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وإنّ هذه الملة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة ..".
وعن أنس بن مالك، أخرجه ابن ماجه 2: 1322، في الفتن، باب افتراق الأمم، رقم 3993، إسناده صحيح، رجاله ثقات؛ وأحمد 3: 120، 145؛ وابن أبي عاصم 1: 32، رقم 64؛ والآجري في الشريعة 16ـ17؛ وأبو نعيم في الحلية 3: 52ـ53، 226ـ227، ولفظهم "إنّ بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإنّ أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدةً، وهي الجماعة". وفي مسند أبي يعلى 7: 32، "إلا السواد الأعظم".
وعن عوف بن مالك، أخرجه ابن ماجه 2: 1322، في الفتن، باب افتراق الأمم، رقم 3992؛ وابن أبي عاصم 1: 32، رقم 63؛ والطبراني في الكبير 18: 70؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 101، رقم 149 ولفظهمم : "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمدٍ بيده، لَتفترقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله! من هم ؟ قال: الجماعة".
وعن أبي أمامة الباهلي، أخرجه الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط 40ـ41؛ وابن أبي شيبة في المصنف 15: 308؛ وابن أبي عاصم 1: 34، رقم 68؛ والآجري في الشريعة ص35ـ36؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 103ـ104، رقم 152، بلفظ "افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتزيد هذه الأمة فرقة واحدة، كلها في النار إلا السواد الأعظم". فقال له رجل: يا أبا أمامة! مِن رأيك أو سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: إنّي إذاً لجريءٌ، بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرّة، ولا مرّتين، ولا ثلاثة". ولم يذكر أبو حنيفة والآجري الافتراق. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 261: "رواه الطبراني في الأوسط (8: 98، رقم 7198)؛ والكبير (8: 273ـ274، أرقام 8050ـ8056) بنحوه، وفيه أبو غالب، وثّقه ابن معين وغيره، وبقية رجال الأوسط ثقات، وكذلك أحد إسنادي الكبير". وعزاه ابن حجر في المطالب العالية 3: 86ـ87 للحارث.
وعن سعد بن أبي وقّاص، رواه ابن أبي شيبة في مسنده، كما في تَخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزيلعي 1: 448؛ وعبد بن حميد في مسنده 1: 79؛ والبزّار 4: 38، رقم 1199، وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، كما قاله الهيثمي في مَجمع الزوائد 7: 62؛ والآجري في الشريعة 17ـ18 عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملّة، ولن تذهب الأيام والليالي حتى تفترق أمتي على مثلها، فكل فرقة منها في النار، إلا واحدة، وهى الجماعة".
وعن أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، رواه الطبراني في الكبير 8: 152، رقم 7659؛ والآجري في الشريعة 55 "…فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم، قالوا: يا رسول الله! ومن السواد الأعظم؟ قال: من كان على ما أنا عليه أنا وأصحابي، من لم يُمارِ في دين الله، ومن لم يُكَفّر أحدا من أهل التوحيد بذنب …" قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 161؛ و 7: 262: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جدا". وقال الهيثمي أيضا (1: 111) "وفيه كثير بن مروان، كذّبه يَحيى والدارقطني".
وعن جابر بن عبد الله، رواه أسلم بن سهل الواسطي في كتابه تاريخ واسط، كما في تَخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزيلعي 1: 450. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"، فقال عمر بن الخطاب: أخبرنا يا رسول الله، من هم؟ قال: السواد الأعظم".
وعن عمرو بن عوف المزني أخرجه الحاكم في المستدرك 1: 129؛ والطبراني في المعجم الكبير 17: 13، قال: "…إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضالّة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، وإنّها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضالّة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، وإنكم تفترقون اثنتين وسبعين فرقة، كلها ضالة إلا واحدة، الإسلام وجماعتهم".
وعن عليّ أخرجه الطبري في تاريخ الأمم والملوك 4: 479؛ وابن كثير في البداية والنهاية 7: 246؛ في خطبة طويلة، وفيها: "…ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، شرها تنتحلني ولا تعمل بعملي…".
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة 467، رقم 995، عنه أيضا أنه قال: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأنتم على ثلاث وسبعين، وإن مِن أضلِّها وأخبثها مَن يَتَشَيَّع أو الشيعة". قال الألباني: "إسناده ضعيف... والحديث صحيح دون ذكر الشيعة، فقد جاء عن جمع من الصحابة".
قال البياضي في إشارات المرام 50ـ51: "فإنه ـ أي هذا الحديث ـ مشهور، رواه اثنا عشر صحابيا؛ علي، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأنس، وأبو هريرة، وأبو الدرداء، وابن عمرو، ومعاوية، وأبو أمامة، وصفوان بن عمرو، وواثلة بن الأسقع، وعوف بن مالك، وروي عنهم بأكثر من أربعين طريقا، وأجمع العلماء على قبولهن وهو من أعلام الرسالة، حيث أخبر بِما سيكون، فتحقق على ما أخبر". وراجع الموافقات 4: 177ـ194؛ والاعتصام 3: 38ـ179، فقد بَحث في الحديث بَحثا مستفيضا، وكذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 4: 159-164، والمقبلي في العلم الشامخ ص 512-517.(1/189)
من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: خرج علينا رسول الله [60أ] - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، كلُّها على الضلالة إلا السوادَ الأعظم، قالوا: يا رسول الله! وما السوادُ الأعظم؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي.
114- وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ستكون فيكم فتنتان: حبُّ الدنيا، وحبُّ العيش. فالْمُتمسكُ(1) بالكتاب(2) والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار(3).
__________
(1) في الأصل: التمسك، صوبته كما ترى ليلتئم بالسياق.
(2) في هامش الأصل: خ بالقرآن .
(3) أورده المناوي في فيض القدير 4: 402، عن عائشة رضي الله عنها، بلفظ "غشيتكم سكرتان: سكرة حب العيش، وحب الجهل، فعند ذلك لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، والقائمون بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار". وقال الألباني في ضعيف الجامع الصغير 570: "موضوع".
وأخرجه البزار في مسنده 7: 80، رقم 6231؛ والحكيم الترمذي في نوادر الأصول 2: 126؛ والديلمي في الفردوس 3: 105، رقم 4293، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إنكم على بينة من ربكم ما لم تظهر فيكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتُجاهدون في سبيل الله، فإذا ظهر فيكم حب الدنيا فلا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تُجاهدون في سبيل الله، القائلون يومئذ بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار".(1/190)
115- وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من تَمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجرُ مئةِ شهيدٍ(1).
116- وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله عز وجل لَيُدْخِل العبدَ الجنةَ يتمسك بِها(2).
117- وروي عن سعيد بن جبير(3) - رضي الله عنه - في قوله تعالى { ثم اهتدى } (4) قال: لزوم السنة والجماعة(5).
__________
(1) رواه البيهقي عن ابن عباس، من رواية الحسن بن قتيبة. ورواه الطبراني في الأوسط 6: 197، رقم 5410، بإسناد لا بأس به، كما قاله المنذري في الترغيب والترهيب 1: 80؛ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 177: "وفيه محمد بن صالح العدوي، ولم أر من ترجمه، وبقية رجاله ثقات"؛ وأبو نعيم في الحلية 8: 200، عن أبي هريرة بلفظ "الْمتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد"؛ والْمتقي في كنْز العمال 1: 184، و214؛ والسيوطي في مناهل الصفا في تَخريج أحاديث الشفا 178.
(2) أورده القاضي عياض في الشفا 2: 27؛ وقال علي القاري في شرح الشفا 2: 21: "والحديث غير معروف المبنى، لكنه صحيح المعنى". ولم يُخرجه السيوطي في مناهل الصفا في تَخريج أحاديث الشفا.
(3) الأسدي مولاهم، الكوفي، أبو محمد وأبو عبد الله، المقرئ الفقيه أحد الأعلام، ثقة ثبت، قتل سنة 95هـ شهيدا أمام الحجاح (طبقات ابن سعد 6: 256ـ 267؛ أخبار القضاة 2: 411؛ حلية الأولياء 4: 272ـ310؛ تذكرة الحفاظ 1: 76ـ77؛ سير أعلام النبلاء 4: 321ـ342).
(4) طه، 82 .
(5) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 71، رقم 72؛ وذكره الذهبي في الميزان 2: 413، في ترجمة عبد الله بن خراش، وذكر عن البخاري أنه منكر الحديث؛ وعزاه السيوطي لابن أبي حاتم في الدر المنثور 5: 591.(1/191)
118- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: آخِرُ الكلام في القدر، لشرار(1) أمتي في آخر الزمان(2).
__________
(1) في الأصل : أشرار، والتصويب من مصادر التخريج.
(2) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 155ـ156، رقم 350ـ351؛ والبزّار (مختصر زوائد مسند البزّار على الكتب الستة ومسند أحمد لابن حجر 2: 154، رقم 1604ـ1605)؛ والطبراني في الأوسط 7: 130، رقم 6229؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 626، رقم 1117؛ والحاكم في المستدرك 2: 473، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يُخرجاه"، ولم يوافقه الذهبي؛ والديلمي في الفردوس 1: 402، رقم 1624؛ وابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ 1: 78. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 205: "رواه البزّار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح، غير عمر بن أبي خليفة، وهو ثقة". وكذلك حكم ابنُ حجر على الإسناد الثاني للحديث بأنه حسن. وأورده المتقي في كنْز العمال 1: 119، والبيروتي في أسنى المطالب 78، والألباني في الصحيحة 3: 126 رقم 1124.
هذا، وقد ضبط الألباني وتبعه مُحققُ مختصر زوائد البزّار ومُحقّقُ الفردوس الكلمةَ الأولي من الحديث هكذا: أُخِّرَ الكلامُ.(1/192)
119- وروي أنه ذُكِرَ [60ب] لعائشة رضي الله عنها شيءٌ من القدر، فقالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من تكلم فيه سئل يوم القيامة عنه، ومن لم يتكلم فيه لم يُسأَلْ عنه(1).
120- وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه سئل عن القدر، فقال: بحرٌ عميق لا تَلِجْه، فقيل: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن القدر؟ فقال: طريقٌ مظلم فلا تسلكه، فقيل: أخبرني عن القدر؟ فقال: سرُّ الله خفِي عليك فلا تُفْشِه، وذكر بقية الحكاية(2)
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1: 33، رقم 84، في المقدمة، باب في القدر؛ والآجرّي في الشريعة 235؛ والتبريزي في مشكاة المصابيح 1: 40، رقم 114؛ وعزاه ابن حجر للحارث في المطالب العالية 3: 76، رقم 2920؛ وابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ 3: 3877. إسناده ضعيف كما في مصباح الزجاجة 1: 13؛ لضعف يَحيى بن عثمان التيمي البصري في سنده. انظر عنه: المجروحين لابن حبان 3: 123؛ الكامل في الضعفاء 7: 190؛ ميزان الاعتدال 7: 203، 222.
وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 628ـ629، رقم 1121؛ والدارقطني في الأفراد (كما في العلل المتناهية 1: 148؛ وكنْز العمال 1: 131) عن أبي هريرة .
(2) أخرجه الآجري في الشريعة 202؛ وأبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري (ت. 406هـ) في تفسيره بإسناده كما في التبصير في الدين 58؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 629، رقم 1123؛ وابن بطة في الإبانة 2: 207؛ والقاضي عبد الجبار مختصرا في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة 168؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 512ـ513؛ وابن أبي العز مختصرا في شرح العقيدة الطحاوية 321ـ322؛ والمرتضى في نَهج البلاغة 526؛ والمناوي في فيض القدير 1: 348.
وروى أبو نعيم في الحلية 6: 182 عن ابن عمر مرفوعا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تَكَلَّموا في القدر، فإنه سِرُّ الله، فلا تفشوا لله عز وجل سِرَّه". فعجيب قول الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصغير 602: "لم أر الحديث في فهرس الحلية". وذكره كذلك ابن عدي في الكامل 7: 2561؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4: 629، رقم 1122؛ وابن القيسراني في ذحيرة الحفاظ 5: 6152؛ والذهبي في الميزان 4: 320؛ وابن حجر في اللسان 6: 204.(1/193)
.
121- وروي عن محمد بن الحنفية(1) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يأتي على الناس زمانٌ تكون خصومتُهم في الله - عز وجل -(2).
122- وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا اختلف الناس في آخر الزمان في الأهواء، فعليكم بدين أهل البادية والنساء(3).
__________
(1) أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب، ويعرف بابن الحنفية نسبة إلى أمّه. وكان عالما شجاعا عابدا زاهدا. ولد في خلافة أبي بكر، وتوفي على الأرجح سنة 81 هـ (طبقات ابن سعد 5: 91ـ 116؛ حلية الأولياء 3: 174ـ180؛ سير أعلام النبلاء 4: 110ـ129؛ البداية والنهاية 9: 40ـ42؛ تَهذيب التهذيب 9: 354).
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 5: 113؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 127، رقم 213؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2: 93ـ94 بلفظ "لا تنقضي الدنيا حتى تكون خصومات الناس في ربّهم".
(3) رواه ابن حبان في المجروحين 2: 264ـ265؛ والديلمي في الفردوس (1: 256 رقم 996) بِهذا اللفظ عن محمد بن الحارث الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن البَيْلَماني. وقال الزركشي والسيوطي: سنده واهٍ، بل قال الصغاني: موضوع. وقال الذهبي في الميزان 3: 504: "ومن عجائبه:.." وذكر هذا الحديث؛ وأورده أيضا الجوزجاني في الأباطيل 1: 206 رقم 287؛ وابن عدي في الكامل 6: 2185؛ وابن الجوزي في الموضوعات 1: 127؛ وأقرّه السيوطي في اللآلي المصنوعة 1: 253؛ والمتقي في كنْز العمال 1: 179؛ والسخاوي في المقاصد الحسنة 290؛ والقاري في الأسرار المرفوعة 248؛ والشوكاني في الفوائد المجموعة 505؛ والبياضي في إشارات المرام 48؛ والألباني في الضعيفة 1: 69، رقم 54.(1/194)
123- وروي عن أبي موسى الأشعري(1) - رضي الله عنه - أنه قال: زمانُ سوءٍ إذا ظهر الكذب، وكفر المسلم أخاه، وشهد(2) عليه بالزور، وألقى بين الناس العداوةَ والفتنةَ، فمن أدرك ذاك الزمان فعليه بكتاب الله، ولزومِ [61أ] الجماعة، والسوادِ الأعظم، وعليه بدين العجائز والصبيان.
__________
(1) عبد الله بن قيس بن سُلَيْم، من بني سُلَيْم، صحابي، من الشجعان الولاة الفاتِحين، وأحدِ الحكمين بعد صفين. وكان عالما عاملا صالحا تاليا لكتاب الله، إليه المنتهى في حسن الصوت بالقرآن، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح: لقد أوتيتَ مزمارا من مزامير آل داود. توفي على الصحيح سنة 42 هـ وقيل 44، أو 52هـ (طبقات ابن سعد 2: 344ـ345، 4: 105ـ116، 6: 16؛ الاستيعاب 7: 3ـ7، 12: 156ـ159؛ أسد الغابة 3: 367ـ369، 6: 307ـ308؛ تذكرة الحفاظ 1: 23؛ الإصابة 6: 194ـ196).
(2) في الأصل : شهد، بدون " و ".(1/195)
124- وروي أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز(1) رحمه الله فقال: على أيّ هؤلاء أكون؟ قال: اعرِفْ دينَ الأعرابي والغلمانِ في الكُتَّاِب، وَالْهَ عما سوى ذلك(2).
125- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تتفكروا في عظمة ربكم، ولكن تفكروا فيما خلق، فإن فيما خلق متفكر(3).
__________
(1) أبو حفص الأموي القرشي، أمير المؤمنين، كان إماما فقيها مجتهدا عارفا بالسنن، قانتا زاهدا عادلا. قال مالك بن دينار: يقولون إني زاهد، إنّما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها. توفي سنة 101 هـ عن 40 سنة. (طبقات ابن سعد 5: 330ـ408؛ تذكرة الحفاظ 1: 118ـ122).
(2) أخرجه الدارمي 1: 91، في المقدمة، باب من قال: العلمُ الخشيةُ وتقوى الله؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 135، رقم 250؛ وابن الجوزي في تلبيس إبليس 109؛ والسخاوي في المقاصد الحسنة 290؛ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 4: 163؛ والسيوطي في اللآلي المصنوعة 1: 253 وقال: "إنّما يُعرَف هذا من قول عمر بن عبد العزيز". وأقرَّه ابن عرّاق في تنْزيه الشريعة 1: 311 وقال: "ذكر رزين في جامعه عن عمر بن عبد العزيز، ينميه لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه -".
(3) رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب 1: 389، رقم 670 من وجه آخَر أصَحَّ منه، كما قاله الزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار 4: 526. ورواه أبو الشيخ في العظمة 1: 212ـ214، رقم 3؛ و 216، رقم 5؛ و 2: 697، رقم 288؛ و 3: 949ـ950، رقم 477؛ والبيهقي في الأسماء والصفات 360؛ وذكر السيوطي في الجامع الصغير (فيض القدير 3: 262).(1/196)
126- وفي رسالة أبي يوسف رحمه الله في ’النهي عن الخصومة في الدين‘: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج على أصحابه، وهم يتفكرون في عظمة الله، فسكتوا، فقال: ما كنتم تقولون؟ فقالوا: كنا نتفكر في عظمة الله تعالى، فقال: لا تتفكروا في عظمة الله، فإنكم لن تُدرِكوا ذلك، وتفكروا فيما خلق الله عز وجل، فإنه فيه متفكَّر(1).
__________
(1) أخرجه أبو الشيخ في العظمة 1: 236، رقم 20، و 33 عن يونس بن ميسرة مرفوعا، لكنه مرسل، لأن يونس تابعيّ، لم ير النبي- صلى الله عليه وسلم - ، وفيه أيضا معاوية بن يَحيى الصدفي، ضعيف.
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة 1: 237ـ238، رقم 21 عن عبد الله بن سلام أطول مِما هنا؛ ؛ وأبو نعيم في الحلية 6: 66ـ67؛ والأصبهاني في الترغيب والترهيب 2: 390، رقم 673؛ وعندهما: "قالوا: نتفكّر في الله، قال: لا تفكروا في الله، وتفكروا في خلق الله، فإن ربنا خلق مَلَكا قدماه في الأرض السابعة السفلى". وأورده الألباني في الصحيحة 4: 396 من رواية أبي نعيم، وقال: هذا إسناد حسن في الشواهد".
وقال الزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار 4: 526: "رويناه في جزء من حديث عبد الله بن سلام".
وقد جمع السخاوي في المقاصد الحسنة 159، والعجلوني في كشف الخفاء 1: 311ـ312 الأحاديث الواردة في الباب، وقالا بعد إيرادهما للأحاديث: "وأسانيدها ضعيفة، لكن اجتماعها يكتسب قوّة، والمعنى صحيح".
ووافقهما الألباني في الصحيحة 4: 396، وقال بعد ذكر رواية أبي نعيم: "هذا إسناد حسن في الشواهد". ثم قال: "وبالجملة فالحديث بِمجموع طرقه حسن عندي، والله أعلم".(1/197)
127- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله(1).
128- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله، [61ب] فإن ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبحانه سبعةَ آلاف نور، وهو فوق كل ذلك(2).
__________
(1) رواه الطبراني في الأوسط 7: 171ـ172، 6315؛ وأبو الشخ في العظمة 1: 210، رقم 1، و240ـ241، رقم 22؛ وابن عدي في الكامل 7: 2556؛ والبيهقي في الشعب 1:1: 35 ؛ وقال: هذا إسناد فيه نظر؛ واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3: 525، رقم 927؛ والاصفهاني في الترغيب والترهيب 1: 390، رقم 671. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار (4: 526)، والهيثمي في مجمع الزوائد 1: 86: "فيه الوازع بن نافع، وهو متروك". وقال السخاوي في المقاصد الحسنة 159: "وأسانيدها ضعيفة، لكن اجتماعها يكتسب قوة، والمعنى صحيح". وصرّح الزرقاني في مختصر المقاصد 86 بأنه حسن لغيره، ووافقه الألباني في الصحيحة 4: 395ـ397، رقم 1788.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في العرش 59 ، وعنده "ألف نور"، بدل "سبعة آلاف نور"؛ وبلفظ المؤلف أبو الشيخ في العظمة 1: 212، رقم 2؛ والاصفهاني في الترغيب والترهيب 1: 388، رقم 668؛ والبيهقي في الأسماء والصفات 530.
وأورده ابن حجر في فتح الباري 13: 383، وقال: "موقوف، وسنده جيّد".
وذكره السيوطي في الجامع الصغير 1: 132، وسكت عنه، كما سكت عنه المناوي في فيض القدير 3: 262. وأورده الألباني في ضعيف الجامع الصغير 363، وقال: ضعيف، كما أورده في الصحيحة 4: 396، من رواية البيهقي، وقال: هذا إسناد ضعيف.(1/198)
129- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا مع سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ { قل هو الله أحد } (1)، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سلوه، لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنّها صفة الرحمن - عز وجل -، فأنا أحب أن أقرأ بِها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أخبِروه، فإن الله(2) يُحِبُّه (3).
__________
(1) الإخلاص، 1.
(2) في الأصل: فإن الله كذا يُحبه.
(3) أخرجه البخاري (13: 347ـ348، رقم 7375) في التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى؛ والنسائي (2: 170ـ171، رقم 993) في الافتتاح، باب الفضل في قراءة (قل هو الله أحد).(1/199)
130- عن مِسْعَرْ بن كِدام(1) قال: ما أدركتُ من الناس مَن له عقل كعمرو بن مرة(2)، كان إذا صلَّى الفجر، وذلك بعد ما ذهب بصره، قال: أ فيكم غريب؟ فإن قالوا: نعم، أمسك ولم يُحَدِّث، وإن قالوا: لا، أقبل يحدثهم، وأنه صلى الفجر يوما، فلما انصرف، قال لأصحابه: فيكم غريب؟ قالوا: نعم، فسكت ولم يحدث، فقال الغريب: رحمك الله، أو عافاك الله، إنّي إنما جئتُ مُسترشِدا، إنِّي رجل دخلتُ في جميع هذه الأهواء، [62أ] فلم أدخل في شيء منها إلا والقرآن أدخلني فيه، ولم أخرج من هوىً إلا والقرآن أخرجني منه، حتى بقيتُ ليس في يدي شيءٌ، قال: فقال له عمرو بن مرة: واللهِ الذي لآإله إلا هو لقد جئتَ مسترشِدا؟ فقال: نعم، واللهِ الذي لآإله إلا هو لقد جئتُ مسترشِدا، قال: أرأيتَ(3)
__________
(1) مِسْعَرْ بن كِدام بن ظهير الهلالي، أبو سلمة الكوفي، الإمام الحافظ الثبت، شيخ العراق، روى عن أبي حنيفة، وعطاء، وقتادة. وروى عنه أبو حنيفة والسفيانان. قال أحمد: الثِّقة كشُعبة ومِسْعر. وقال هشام بن عُروة: ما قدِم علينا من العراق أفضلُ من ذاك السَّختياني أيوب، وذاك الرُّؤاسي مسعر. مات سنة 153 أو 155هـ (طبقات ابن سعد 6: 364ـ 536؛ حلية الأولياء 7: 209ـ270؛ مناقب المكي 46؛ تذكرة الحفاظ 1: 188ـ190؛ سير أعلام النبلاء 7: 163ـ173؛ الجواهر المضية 3: 462ـ463؛ مناقب الكردري 95).
(2) في الأصل : عمر بن مرة، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتُّه. وهو عمرو بن مُرّة بن عبد الله، المُرادي، ثم الجَمَلي الكوفي، أبو عبد الله، الإمام القدوة الحافظ، أحد الأئمة الأعلام. وكان ثقة عابدا لا يدلس، ورُمِي بالإرجاء. وكان من مشايخ أبي حنيفة. قال مسعر: لم يكن بالكوفة أحبُّ إليّ ولا أفضل من عمرو بن مرّة. توفي سنة 116هـ. (طبقات ابن سعد 6: 315؛ الجرح والتعديل 6: 257؛ مناقب المكي 44؛ تذكرة الحفاظ 1: 121ـ122؛ سير أعلام النبلاء 5: 196ـ200؛ مناقب الكردري 90؛ عقود الجمان 80).
(3) في الأصل : رأيتَ، وما أثبته من أحسن التقاسيم 281.(1/200)
ما اختلفوا فيه، هل اختلفوا في أن الله واحد؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في أن محمدا رسول الله؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في القرآن أنه كلام الله(1)؟ قال: لا، فهل اختلفوا في دين الله أنه الإسلام؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في القبلة أنّها الكعبة؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في الصلوات(2) أنّها خمس(3)؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في رمضان أنه شهرهم الذي يصومونه؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في الحج أنه إلى بيت الله الذي يحجونه؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في الزكاة أنّها من مئتيْ درهمٍ خمسةُ دراهمَ؟ قال: لا، فهل اختلفوا في الغسل من الجنابة أنه واجب؟ قال: لا، [62ب] قال: فذكر له هذه الأشياء وأشباهها، ثم قرأ { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أُمُّ الكتاب وأخَرُ متشابِهات } (4)، قال: فهل تدري ما الْمُحكم؟ قال: لا، قال: فالْمُحكم ما اجتمعوا عليه، والمتشابه ما اختلفوا فيه، (شُدَّ نِيَّتَك)(5) في الْمُحكم، وإياك والمتشابهَ، قال: فقال الرجل: الحمد لله الذي أرشدنِي على يديك، فواللهِ، لقد جئتُك وإنّي من أسوأ الناس حالا، ثم لقد قمتُ من عندك، وإنّي لَحَسَنُ الحالِ، قال: فدعا له، وأثنى عليه خيرا، ثم قال: فقال عمرو بن مرة : إن الشيطان دعا أهل الكتاب إلى أمره(6) فأجابوه، وطرحهم فيما قد علمتم، وهو داعيكم كما دعاهم(7)، فطارِحُكم في مثل ما طرحهم فيه، فعليكم بالأمر الأوَّلِ(8)
__________
(1) في هامش الأصل، وأحسن التقاسيم : كتاب الله.
(2) في الأصل : الصلاة، وما أثبته من أحسن التقاسيم.
(3) في الأصل : خمسة، وما أثبته من أحسن التقاسيم.
(4) آل عمران، 7.
(5) تَحرَّف ما بين القوسين في الأصل إلى : شديدا ، والتصويب من أحسن التقاسيم.
(6) في الأصل : أمر، وما أثبته من أحسن التقاسيم.
(7) في الأصل : دعا، وما أثبته من أحسن التقاسيم.
(8) وحكي عن عبد الرحمن بن مهدي أن رجلا سأل إبراهيم النخعي عن الأهواء : أيها خير؟ فقال: ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير، وما هي إلا زينة الشيطان، وما الأمر إلا الأمر الأوّل، يعني ما كان عليه السلف الصالح (الإعتصام للشاطبي 2 :210).
قال سفيان بن عيينة: سمعت عاصما الأحول يحدث عن أبي العالية قال: عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا. قال عاصم: فحدثت به الحسن، فقال: قد نصحك والله وصدَقك (تلبيس إبليس 16؛ الجامع لأحكام القرآن 7: 141).(1/201)
.
فإن قال قائل: ما الأمرُ الأول؟ قلنا: ما اجتمع عليه المتفرقون(1). قال مسعر بن كِدام: ثم سألناه عن قوله ’المتفرقون‘؟
قال: ألستم(2) تعلمون أن جميعَ أصحابِ الأهواء متفرقون، ليسوا على كلمة واحدة، وهم مجتمعون على ما أول الحديث من تلك [63أ] الأصول والفرائض التي وصفتُها، لا يَشُكُّون في أن الله واحد، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسوله، وأشباه ذلك .
قال الإمام القاضي عماد الإسلام - رضي الله عنه - فمَن أخذ بِهذه الأخبار، واتبع هؤلاء العلماء الذين هم الدينُ فيما قالوه واختاروه، ولم يتعَمَّق في الكلام فقد وُفِّقَ للصواب، وهُدِيَ إلى طريقِ الرشاد، وسَلِمَ من تكفير أحد من أهل القبلة إياه أو تكفيره إياهم، ومن الخطأ الذي يستحق به العقابَ.
والله تعالى وليُّ التوفيق بِمَنِّه وكرمه . والحمد لله وحده،
وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فهرس أهم المصادر والمراجع
الآجري، أبو بكر محمد بن الحسين، ت. 360هـ، الشريعة، ت. محمد حامد الفقي، باكستان 1403- 1987.
آدم متز، تاريخ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة عبد الهادي أبي ريده، مصر 1367-1948.
ابن أبي أصيبعة، أحمد بن القاسم بن خليفة، ت. 668هـ، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ت. نزار رضا، مكتبة الحياة، بيروت ؟.
ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد، ت. 327هـ، الجرح والتعديل، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد 1375.
ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، ت. 235هـ، المصنف في الأحاديث والآثار، ت. عبد الخالق الأفغاني، الهند 1399.
ابن أبي عاصم، أبو بكر عمرو الضحاك، ت. 287هـ، السنة، ت. محمد ناصر الدين الألباني، بيروت 1405ـ1985.
ابن أبي العز، علي بن علي، ت. 792هـ، شرح العقيدة الطحاوية، ت. شعيب الأرنؤوط وزميله، بيروت 1416ـ1995.
__________
(1) إلى هنا ذكره المقدسي بسنده في أحسن التقاسيم 280ـ281.
(2) في الأصل : أ ليس .(1/202)
أبن أبي يعلى الحنبلي، محمد بن محمد بن الحسين، ت. 526هـ، طبقات الحنابلة، دار المعرفة، بيروت.
ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي، ت. 630هـ، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ت. محمد إبراهيم البنا وزملاؤه، مصر.
_________________، الكامل في التاريخ، ت. محمد يوسف الدقاق، بيروت 1407ـ1987.
_________________، اللباب في تَهذيب الأنساب، دار صادر، بيروت 1400ـ1980.
ابن تغري بردي، أبو المحاسن يوسف، ت. 874هـ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، مصر 1935ـ1936.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، ت. 728هـ، درء تعارض العقل والنقل، ت. محمد رشاد سالم، الرياض 1403ـ1983.
_________________، منهاج السنة النبوية، ت. محمد رشاد سالم، مصر 1409ـ1989.
ابن الجزري، محمد بن محمد ين محمد، ت. 833هـ، غاية النهاية في طبقات القراء، ت. ج. براجستراسر، مصر 1352.
ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن، ت. 597هـ، تلبيس إبليس، دار الكتب العلمية، بيروت 1403ـ1983.
_________________، المنتظم، ت. محمد عبد القادر عطا وأخيه، بيروت 1412ـ1992.
ابن حبان، أبو حاتم محمد البستي، ت. 354هـ، الثقات، ت. شرف الدين أحمد، بيروت 1394ـ1975.
________________، المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ت. محمد إبراهيم زايد، دار المعرفة، بيروت ؟.
ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، ت. 852هـ، الإصابة في تَمييز الصحابة، مصر 1328.
_________________، تقريب التهذيب، ت. محمد عوامة، بيروت 1406ـ1986.
_________________، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ت. محب الدين الخطيب، مصر ؟.
_________________، لسان الميزان، دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد 1330.
_________________، مختصر زوائد مسند البزّار على الكتب الستة ومسند أحمد، ت. صبري عبد الخالق أبو ذر، بيروت 1412 ـ 1992.
_________________، المطالب العالية، ت. حبيب الرحمن الأعظمي، مكتبة الباز، مكة المكرمة.(1/203)
ابن حجر الهيتمي المكي، ت. 973هـ، الخيرات الحِسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ت. خليل الميّس، بيروت 1403ـ1983.
ابن الحِنّائي، علي بن محمد، ت. 979هـ، طبقات الفقهاء، المنسوب خطأ لطاشكبري زاده، ن. الحاج أحمد نيلة، بغداد ؟.
ابن خلكان، أبو العباس أحمد بن محمد، ت. 681هـ، وفيات الأعيان، ت. إحسان عباس، بيروت 1398ـ1978.
ابن رجب الحنبلي، عبد الرحمن بن شهاب الدين، ت. 795هـ، جامع العلوم والحِكم ، ت. شعيب الأرناؤوط، بيروت 1412ـ1991.
ابن السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، ت. 748هـ، طبقات الشافعية الكبرى، ت. محمود الطناحي، بيروت ؟.
ابن سعد الليثي، محمد، ت. 230هـ، الطبقات الكبرى بيروت، 1377.
ابن الصلاح، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، ت. 643هـ، طبقات الفقهاء الشافعية، ت. محيي الدين علي نجيب، بيروت 1413ـ1992.
ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، ت. 463هـ، الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ت. عبد الفتاح أبو غدّة، حلب 1417ـ1997.
___________________، جامع بيان العلم وفضله، مصر 1398ـ1978.
ابن عدي، أبو أحمد عبد الله الجرجاني، ت. 365هـ، الكامل في ضعفاء الرجال، دار الفكر، بيروت 1404.
ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، ت. 571هـ، تاريخ مدينة دمشق، ت. محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت 1417ـ1996.
__________________، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، دمشق 1349هـ.
ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، ت. 1089هـ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ت. محمود الأرناؤوط، بيروت 1410ـ1989.
ابن قتيبة الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود، ت. 282هـ، الأخبار الطوال، ت. عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، بيروت ؟.
ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، ت. 276هـ، المعارف، ت. ثروت عكاشة، ط. دار المعارف الرابعة.(1/204)
_________________، تأويل مختلف الحديث، دار الكتاب العربي، بيروت ؟.
ابن قطلوبغا، قاسم، ت. 879هـ، تاج التراجم في طبقات الحنفية، بغداد 1962.
ابن كثير، إسماعيل بن عمر، ت. 774هـ، البداية والنهاية، ت. أحمد أبو ملحم وزملاؤه، دار الكتب العلمية، بيروت ؟.
ابن كمال باشا، أحمد بن سليمان، ت. 940هـ، رسالة في الإيمان، مخطوطة ضمن مجموعة في مكتبة يوسف آغا بقونية رقم 588، ما بين ق 347ـ349، و360، حيث اختلطت الصفحات عند التجليد.
ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، ت. 275هـ، السنن، ت. محمد فؤاد عبد الباقي، مصر ؟.
ابن النديم، أبو الفرج محمد بن إسحاق، ت. 385هـ، الفهرست، القاهرة 1348.
أبو بكر أحمد بن سلمان، ت. 348هـ، الرد على من يقول القرآن مخلوق، ت. رضا الله محمد إدريس، الكويت 1400.
أبو حنيفة، الإمام الأعظم نعمان بن ثابت، ت. 150هـ، العالم والمتعلم، ت. محمد زاهد الكوثري، استانبول 1980.
___________________، الفقه الأبسط، ت. محمد زاهد الكوثري، استانبول 1980.
___________________، الفقه الأكبر، استانيول 1980.
___________________، الوصية، ت. محمد زاهد الكوثري، استانبول 1980.
أبو الخير محمد أيوب علي، عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي، بنغلادبش ـ داكا 1404ـ1983.
أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، ت. 275هـ، السنن، ت. عزت عبيد دعاس، حمص 1388.
أبو الشيخ، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان، ت. 369هـ، طبقات المحدثين باصبهان، ت. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، 1412ـ1992.
___________________، كتاب العظمة، ت. رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، الرياض 1408ـ1985.
أبو نعيم الاصبهاني، أحمد بن عبد الله، ت. 430هـ، تاريخ اصبهان، ت. سيد كسروي حسن، بيروت 1410ـ1990.
__________________، حلية الأولياء، مصر 1351ـ1932.(1/205)
أبو يعلى الخليلي، الخليل بن عبد الله، ت. 446هـ، الإرشاد في معرفة علماء الحديث، ت. محمد سعيد إدريس، الرياض 1409.
أبو يوسف القاضي، يعقوب بن إبراهيم، ت. 182هـ، الآثار، تعليق أبي الوفاء الأفغاني، بيروت 1355.
أحمد أمين، ت. 1954، ظهر الإسلام، مطبعة لجنة التأليف والترحمة والنشر، ط. الثانية، مصر 1365.
أحمد بن حنبل، الإمام، ت. 241هـ، المسند، المكتب الإسلامي، بيروت ؟.
الإسفراييني، أبو المظفر شاهفور بن طاهر، ت. 471هـ، التبصير في الدين، ت. محمد زاهد الكوثري، مصر 1359.
الأشعري، الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل، ت. 324هـ، ت. هلموت ريتر، فيسبادن 1400ـ1980.
الاصبهاني، أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، ت. 535هـ، الترغيب والترهيب، ت. أيمن بن صالح بن شعبان، القاهرة 1414ـ1983.
الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت ؟.
_____________، سلسلة الأحاديث الضعيفة، المكتب الإسلامي، بيروت ؟.
الألوائي، د. محيي الدين، الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية، دار القلم، دمشق 1406ـ1986.
البابرتي، أكمل الدين محمد بن محمد بن أحمد، ت. 786هـ، شرح وصية الإمام أبي حنيقة، ت. إسماعيل الخطيب، مصر 1327.
البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل، ت. 256هـ، الجامع الصحيح مع شرحه فتح الباري، ت. محب الدين الخطيب، مصر ؟.
________________، التاريخ الكبير، حيدرآباد 1361.
بروكلمان، كارل، تاريح الأدب العربي، ترجمة عبد الحليم النجار، مصر 1977.
البزدوي، أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد الكريم، ت. 493هـ، أصول الدين، ت. هانز بيترلنس، مصر 1383.
البزدوي، أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد الكريم، ت. 493هـ، أصول الدين، ت. هانز بيترلنس، مصر 1383.
البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، ت. 429هـ، الفرق بين الفرق، ت. محمد زاهد الكوثري، مصر 1367ـ1948.(1/206)
______________، الملل والنحل، ت. البير نصري نادر، دار المشرق، بيروت 1983.
البياضي، كمال الدين أحمد، ت. 1098هـ، الأصول المنيفة للإمام أبي حنيفة، ت. إلياس جلبي، استانبول 1416ـ1996.
_____________، إشارات المرام من عبارات الإمام، ت. يوسف عيد الرزاق، القاهرة 11368ـ1949.
البيهقي، أبو الفضل، تاريخ البيهقي، تعريب يحيى الخشاب وصادق نشأت، بيروت 1982.
البيهقي، أحمد بن الحسين، ت. 458هـ، الأسماء والصفات، ت. محمد زاهد الكوثري، بيروت 1405.
____________، الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، ت. كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، 1403.
____________، دلائل النيوة، ت. عبد المعطي قلعجي، بيروت 1405.
البيهقي، علي بن زيد بن محمد، ت. 565هـ، تاريخ حكماء الإسلام، دمشق 1365ـ1946.
التبريزي، محمد بن عبد الله الخطيب العمري، ت. 741هـ، مشكاة المصابيح، ت. محمد ناصر الألباني، بيروت 1380.
الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ت. 279هـ، السنن، ت. عبد الوهاب عبد اللطيف، وآخرين، بيروت 1400.
التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، ت. 791هـ، شرح المقاصد، ت. عبد الرحمن عميرة، بيروت 1409ـ1989.
التميمي، تقي الدين بن عبد القادر الغزّي، ت. 1005 أو 1010هـ، الطبقات السنية في تراجم الحنفية، ت. عبد الفتاح الحلو، الرياض 1403ـ1983.
الجرجاني، السيد الشريف علي بن محمد، ت. 816هـ، التعريفات، مطبعة أحمد كامل، استانبول 1327.
الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد، ت. 393هـ، الصحاح في اللغة، ت. أحمد عبد الغفور عطار، بيروت 1402.
الجوزقاني، الحسين بن إبراهيم، ت. 544هـ، الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، ت. عبد الرحمن بن عبد الجبار، حيدرآباد 1404.
حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، ت. 1067هـ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، استانبول 1941.
الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله، ت. 405هـ، المستدرك على الصحيحين، حيدرآباد 1334ـ1342.(1/207)
الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، ت. 463هـ، تاريخ بغداد، مكتبة المثنى، 1349.
الخليلي، أبو يعلى الخليل بن عبد الله، ت. 446هـ، الإرشاد في معرفة علماء الحديث، ت. محمد سعيد إدريس، مكتبة الرشد، الرياض 1409.
الخوارزمي، أبو المؤيد محمد بن محمود، ت. 665هـ، جامع المسانيد، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت ؟.
الدارمي، الإمام عبد الله بن عبد الرحمن، ت. 255هـ، السنن، ت. محمد أحمد دهمان، دار إحياء السنة النبوية.
الداوودي، محمد بن علي بن أحمد، ت. 945هـ، طبقات المفسرين، دار الكتب العلمية، بيروت ؟.
الديلمي، أبو شجاع شيرويه بن شهريار، ت. 509هـ، الفردوس بمأثور الخطاب، ت. السعيد بن بسيوني زغلول، بيروت 1406ـ1986.
الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، ت. 748هـ، تاريخ الإسلام، ت. عمر عبد السلام تدمري، بيروت 1419ـ1998.
__________________، تذكرة الحفاظ، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد 1375.
__________________، العلو للعلي الغغار، ت. عبد الرحمن عثمان، بيروت 1388ـ1968.
_________________ ، سير أعلام النبلاء، ت. شعيب الأرنؤوط، بيروت 1402ـ1982.
_________________، الكاشف، ت. محمد عوامة، جدة 1413ـ1993.
_________________، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، ت. بشار عواد معروف وزميليه، بيروت 1408ـ1988.
_________________، مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيْه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، ت. محمد زاهد الكوثري وأبو الوفاء الأفغاني، بيروت 1408.
_________________، ميزان الاعتدال، ت. محمد علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت ؟.
الرازي، فخر الدين عمر، ت. 606هـ، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ت. علي سامي النشار، بيروت 1402ـ1982.
رياضي زاده، عبد اللطيف بن محمد، ت. القرن 11هـ، أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون، ت. محمد التونجي، مصر 1395-1975.(1/208)
الزرقاني، محمد بن عبد الباقي، ت. 1122هـ، مختصر المقاصد الحسنة، ت. محمد بن لطفي الصباغ، بيروت 1401ـ1981.
الزركلي، خير الدين، الأعلام، بيروت 1980.
الزيلعي، جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد، ت. 762هـ، تَخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، ت. سلطان بن فهد الحبيشي، الرياض 1414هـ.
ستانلي بول، طبقات سلاطين الإسلام، ت. زيد فرحات، دار العالمية، بيروت 1406ـ1986.
السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، ت. 902هـ، المقاصد الحسنة، ت. عبد الله محمد الصديق وزميله، بيروت 1399.
السرخسي، محمد بن أحمد، ت. 483هـ، شرح السير الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني، القاهرة ؟.
السلجوقي، صلاح الدين، أفغانستان، مكتب الصحافة والاستعلامات بالسفارة الملكية الأفغانية، القاهرة 1380ـ1960.
السلمي، محمد بن الحسين، ت. 412هـ، طبقات الصوفية، ت. نور الدين شريبة، القاهرة 1418ـ1997.
السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد، ت. 373هـ، بستان العارفين، دار المعرفة، بيروت.
السمعاني، أبو سعد، ت. 562هـ، الأنساب، ت. عبد الله عمر البارودي، بيروت 1408ـ1988.
_________________، التحبير في المعجم الكبير، ت. منيرة ناجي سالم، مطبعة الإرشاد، بغداد 1395ـ1975.
السهمي، أبو القاسم حمزة، ت. 427هـ، تاريخ جرجان، عالم الكتب، بيروت 147ـ1987.
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، ت. 911هـ، الدر المنثور، دار الفكر، بيروت 1403ـ1983.
________________، الجامع الصغير، ط. دار الفكر الرابعة.
________________، اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، بيروت 1404.
________________، مناهل الصفا في تَخريج أحاديث الشفا، ت. سمير القاضي، بيروت 1408ـ1988.
الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الاعتصام، ت. مصطفى أبو سليمان الندوي، الرياض 1416ـ1996.
الشريف الرضي، ت. نَهج البلاغة، ضبط الدكتور صبحي الصالح، بيروت 1387هـ.(1/209)
شلبي، عبد الفتاح إسماعيل، أبو علي الفارسي، حياته ومكانته بين أئمة التفسير العربية وآثاره في القراءات والنحو، جدة 1409ـ1989.
الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، ت. 548هـ، الملل والنحل، ت. عبد العزيز الوكيل، القاهرة 1387ـ1968.
الشيباني، الإمام محمد بن الحسن، ت. 189هـ، الآثار، كراتشي 1407.
_______________، السير الكبير، مع شرح السرخسي، ت. صلاح الدين المنجِّد، القاهرة ؟.
_______________، موطأ الإمام مالك، رواية الإمام محمد، ت. عبد الوهاب عبد اللطيف، بيروت 1984.
الشيرازي، أبو إسحاق، ت. 476هـ، طبقات الفقهاء، ت. إحسان عباس، بيروت 1970.
الصابوني، نور الدين أحمد بن علي بن محمود، ت. 580هـ، البداية في أصول الدين، ت. بكر طوبال اوغلي، دمشق 1396.
الصالحي، محمد بم يوسف الدمشقي، ت. 942هـ، عقود الجمان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، المدينة المنورة.
الصفدي، صلاح الدين خليل بن ايبك، ت. 764هـ، الوافي بالوفيات، جمعية المستشرقين الألمانية، 1959ـ1962.
الصَّريفيني، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، ت. 631هـ، المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور، بيروت 1414ـ1993.
طاشكبري زاده، أحمد بن مصطفى، ت. 968هـ، مفتاح السعادة، ت. كامل كامل بكري وزميله، مصر 1968.
الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، هـ. 360هـ، المعجم الكبير، ت. حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت 1405ـ1984.
________________، المعجم الأوسط، ت. محمود الطحان، الرياض 1415ـ1995.
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، ت 310هـ، صريح السنة، ت. بدر يوسف المعتوق، الكويت 1405هـ.
_______________، تاريخ الرسل والملوك، ت. محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر.(1/210)
الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد، ت. 321هـ، العقيدة الطحاوية المسماة ’ببيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن‘، عناية بسام عبد الوهاب الجابي، دار البشائر الإسلامية، بيروت 1414ـ1993.
عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ت. 211هـ، المصنف، ت. حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت 1403ـ1983.
عبد المنعم حسنين، دولة السلاجقة، القاهرة 1975.
العتبي، أبو نصر محمد بن عبد الجبار، تاريخ اليميني، مع شرحه الفتح الوهبي، القاهرة 1286ـ1869.
العجلوني، إسماعيل بن محمد، ت. 1162هـ، كشف الخفاء، دار إحياء التراث، 1351.
العيني، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد، ت. 855هـ، عقد الجمان، بشير آغا (السليمانية)، رقم 455.
الغامدي، سعد حذيفة، الفتوحات الإسلامية لبلاد الهند والسند، دار اشبيليا، الرياض 1417ـ1996.
القاري، علي بن سلطان محمد، ت. 1014هـ، الأسرار المرفوعة، ت. محمد لطفي الصباغ،بيروت 1406.
_________________، شرح الشفا، مطبعة الحاج محرّم أفندي البوسنوي، استانبول 1285.
_________________، شرح الفقه الأكبر، دار الكتب العلمية، بيروت 1404ـ1984.
_________________، المرقاة شرح المشكاة، الميمنية، مصر 1309.
_________________، شرح مسند أبي حنيفة، ن. خليل الميس، بيروت 1405.
القاضي عبد الجبار، ت. 418هـ، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ت. فؤاد سيد، بيروت 1406ـ1988.
القاضي عياض، ت. 544هـ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ت. أسامة الرفاعي وزملائه، دار الفا، دمشق ؟.
القرشي، عبد القادر بن محمد، ت. 775هـ، الجواهر المضية في طبقات الحنفية، ت. عبد الفتاح الحلو، مصر 1398ـ1978.
القزويني، عبد الكريم بن محمد الرافعي، ت. 623هـ، التدوين في أخبار قزوين، ت. عزيز الله العطاردي، بيروت 1987.
القشيري، أبو القاسم عبد الكريم، ت. 465هـ، الرسالة القشيرية، ت. عبد الحليم محمود وزميله، دار الكتب الحديثة، مصر ؟.(1/211)
القفطي، أبو الحسن علي بن يوسف، ت. 646هـ، إنباه الرواة على أنباء النحاة، ت. محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر 1374.
القيسراني، محمد بن طاهر بن علي، ت. 507هـ، ذخيرة الحفاظ المخرج على الحروف والألفاظ، ت. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الرياض 1416هـ.
الكردري، حافظ الدين بن محمد، ت. 827هـ، مناقب الإمام أبي حنيفة، دار الكتاب العربي، بيروت ؟.
الكفوي، محمود بن سليمان، ت. 1090هـ، كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار، حالت أفندي، رقم 630.
الكليني، محمد بن يعقوب، ت. 329هـ، الكافي، ت. محمد جواد الفقيه، بيروت 1413.
الكوثري، محمد زاهد، ت. 1371هـ، الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع، القاهرة 1368.
________________، بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني، القاهرة 1355.
________________، تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب، 1410ـ1990.
________________، حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي، القاهرة 1368.
اللالكائي، هبة الله بن الحسن الطبري، ت. 418هـ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ت. أحمد سعد حمدان، الرياض.
اللكنوي، عبد الحي، ت. 1304هـ، تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار، ت. عبد الفتاح أبو غدة، بيروت 1412ـ1992.
________________، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ، دار المعرفة، بيروت ؟.
الماتريدي، الإمام أبو منصور محمد بن محمد، ت. 333هـ، كتاب التوحيد، ت. فتح الله خليف، استانبول 1979.
مالك، الإمام ابن أنس، ت. 179هـ، الموطأ، ت. محمد فؤاد عبد الباقي، مصر.
الْمتقي، علي بن حسام الدين الهندي، ت. 975هـ، كنْز العمال، بيروت 1399ـ1979.
المروزي، محمد بن نصر، السنة، المكتبة الأثرية، باكستان.
المزي، يوسف بن زكي، ت. 742هـ، تَهذيب الكمال في أسماء الرجال، بيروت 1400ـ1980.(1/212)
مسلم، الإمام ابن الحجاج النيسابوري، ت. 261هـ، الصحيح، ت. محمد فؤاد عبد الباقي، مصر 1347.
المَقْبَلي، صالح بن المهدي اليمني، ت. 1108هـ، العلم الشامخ، مكتبة دار البيان، دمشق 1401ـ1981.
المقدسي، محمد بن أحمد، ت. 380هـ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ت. محمد مخزوم، بيروت 1408ـ1987.
المكّي، الموفق بن أحمد ت. 568هـ، مناقب الإمام أبي حنيفة، دار الكتاب العربي، بيروت ؟.
الملك المعظم أبو المظفر عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، ت. 624هـ، السهم المصيب في كبد الخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت.
النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن علي، ت. 303هـ، السنن، عناية عبد الفتاخ أبي غدة، بيروت 1406ـ1986.
النسفي، حافظ الدين عبد الله بن أحمد، ت. 710هـ، الاعتماد، مخطوط، لاله لي (السليمانية) رقم 3085.
النسفي، أبو المعين ميمون بن محمد المكحولي، ت. 508هـ، بَحر الكلام، ت. محمد صالح الفرفور، دمشق 1417ـ1997.
________________، تبصرة الأدلة، ت. كلود سلامة، دمشق 1993.
النشار، علي سامي، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ط. دار المعارف الثامنة، القاهرة ؟.
الهروي، أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، ت. 481هـ، ذمّ الكلام وأهله، ت. أبو جابر عبد الله بن محمد بن عثمان الأنصاري، المدينة المنورة 1419ـ1998.
الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، ت. 807هـ ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت 1406.
________________، موارد الظمآن إلى زائد ابن حبان، ت. محمد عبد الرزاق حمزة، بيروت ؟.
اليافعي، أبو محمد عبد الله بن أسعد، ت. 768هـ، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، دار الكتب العلمية، بيروت 1417ـ1997.
ياقوت بن عبد الله الحموي، ت. 626هـ، معجم الأدباء، بيروت 1400ـ1980.
______________، معجم البلدان، دار صادر، بيروت 1400ـ1980.
فهرس الأعلام
إبراهيم بن طهمان ... 96
إبراهيم بن رُسْتُمْ ... 139
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران ... 17, 26(1/213)
إبراهيمُ بن محمود بن حمزة ... 15
إبراهيم بن مهاجر ... 40
إبراهيم خليل الله - عليه السلام - ... 102
إبليس ... 86, 104, 107, 149, 154, 164
ابن أبِي ليلى ... 132
ابن الحِنّائي ... 75
ابن الخمار ... 13, 34
ابن تيمية ... 40, 127, 128, 130, 134, 134, 140
ابن سينا ... 13
ابن عباس - رضي الله عنه - ... 111, 153، 161، 162
ابن عبد الصمد البستنقاني ... 69
ابن عساكر ... 16
ابن عمر - رضي الله عنه - ... 110، 129, 161
ابن مطر ... 128, 145
أبو إبراهيم إسماعيل بن علي البُشْتَنِقاني ... 67
أبو أحمد إسماعيل بن أحمد بن سلْم الخواري ... 71
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الرئيس البسطامي ... 15
أبو إسحاق الإسفراييني ... 12, 22، 30
أبو الحسن إسماعيل بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ... 53، 56
أبو الحسن البيهقي ... 11
أبو الحسن القطّان ... 69
أبو الحسن علي بن أبي الطيب عبد الله بن أحمد النيسابوري ... 28
أبو الحسن علي بن أحمد بن صالح القزويني ... 24
أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الصندلي ... 19
أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد الله البكّائي الكوفي ... 48، 59
أبو الحسن علي بن محمد بن علي الشعري النيسابوري ... 67
أبو الحسن علي بن محمد إِلْكِيا الهرّاسي ... 19
أبو الحسن علي بن يوسف بن عبد الله الجويني ... 22
أبو الحسن محمد بن محمد بن زيد الحسيني ... 21
أبو الحسن الكرخي ... 47
أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني ... 35
أبو الحسين محمد بن المظفر البغدادي البزار ... 60
أبو الدرداء - رضي الله عنه - ... 154
أبو الطيب سهل بن أبي سهل الصعلوكي ... 25
أبو العباس أحمد بن محمد الحافظ الصوفي ... 18
أبو العلاء صاعد بن سيار بن عبد الله القاضي ... 68
أبو العلاء صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ... 56
أبو الفتح إدريس بن علي بن إدريس البِياري النيسابوري ... 19(1/214)
أبو الفتح عبد الملك بن عبيد الله بن صاعد القاضي الصاعدي ... 55
أبو الفتح علي بن محمد بن الحسين البستي ... 36
أبو الفضل البيهقي ... 14, 50, 64, 69, 73
أبو الفضل الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ... 55
أبو الفضل الميكالي ... 13
أبو القاسم إسحاق بن عمر بن عبد العزيز الجميلي الشجاعي ... 23
أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصراباذي ... 31
أبو القاسم إسماعيل بن زاهر بن محمد النوقاني النيسابوري ... 23
أبو القاسم إسماعيل بن عبد الله بن موسى الساوي ... 17
أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي الجرجاني ... 17
أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب النيسابوري ... 28
أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي ... 10 أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي ... 21
أبو القاسم عبد الجبار بن علي بن محمد بن حسكان الاسفراييني الإسكاف ... 16، 26
أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الواحدي ... 20
أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ... 15، 18, 22، 32، 33
أبو القاسم عبدَ الله بن محمد بن عمرو الزيادي القاضي ... 16
أبو القاسم علي بن محمد بن الحسين بن عمرو ... 18
أبو القاسم مسعود بن أبي بكر الهروي النصاري ... 18
أبو القاسم منصور بن إسماعيل بن صاعد، القاضي الصاعدي ... 54
أبو المحاسن إسحاق بن عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني ... 21
أبو المظفَّر محمد بن آدم بن كمال الهروي ... 62
أبو المعالي أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ... 56
أبو النضر شافع بن محمد يعقوب بن إسحاق الإسفراييني ... 60
أبو الهيثم عتبةُ بن خيثمة، القاضي النيسابوري ... 47، 48، 59، 61، 62، 73
أبو بكر أحمد بن إسحاق الصِّبغي ... 15
أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ... 16, 30
أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري ... 24
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ... 64(1/215)
أبو بكر أحمد بن علي بن محمد اليزدي الاصبهاني الحافظ ... 16
أبو بكر أحمد بن أحمد بن محمد عبيد الله ... 15
أبو بكر إسحاق مَحْمَشاد الكرامي ... 50
أبو بكر البيهقي ... 18
أبو بكر الخوارزمي ... 35، 62
أبو بكر بن أبي المظفر السمعاني ... 19
أبو بكر بن شاهويه ... 34
أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين الشِّروي الجنابذي ... 20
أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني ... 36
أبو بكر علي بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ... 55
أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد التفليسي القرشي ... 20
أبو بكر محمد بن الطيب القاضي الباقلاني ... 25
أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي ... 48
أبو بكر محمد بن العباس الطبري الخوارزمي ... 61
أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري ... 66
أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد البغدادي ... 24
أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم يحيى المزكي ... 65
أبو بكر محمد مَحمَشاد ... 63
أبو جعفر الطحاوي ... 5
أبو جعفر محمد بن أحمد بن حامد البِيكَنْدي ... 66
أبو جعفر محمد بن علي الصادق ... 103، 115
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ... 27
أبو جعفر محمد بن محمد بن أحمد الشاماتي ... 18
أبو حاتم محمد بن إسحاق بن عمر الزاهد ... 19
أبو حامد أحمد بن علي بن محمد بن عبدوس بن الحذاء ... 67
أبو حفص البخاري ... 108
أبو حفص الكبير ... 3
أبو حمزة السكري ... 129
أبو حنيفة، الإمام ... 2-5، 47، 57، 81-83، 86-104، 107-112، 114-118، 120-121، 123-127، 129-142، 145-147، 152، 154، 162
أبو رشيد سعيد بن محمد بن حسن بن حاتم النيسابوري ... 27
أبو زيد عبد الله بن عمر الدبوسي ... 31
أبو سعد إبراهيم بن أبي عثمان النيسابوري الخركوشي الزاهد ... 16، 32
أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك النيسابوري ... 21
أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان بن محمد النصروي النيسابوري ... 21(1/216)
أبو سعد يَحيى بن عبد الملك بن عبيد الله بن صاعد الصاعدي ... 56
أبو سعد يحيى بن محمد بن صاعد، القاضي الصاعدي ... 54
أبو سعيد أحمد بن إبراهيم بن موسى المقرئ الشاماتي ... 23
أبو سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد البَحِيري ... 19، 21
أبو سعيد الحسين بن محمد بن محمود بن سورة ... 22
أبو سعيد البردعي ... 47
أبو سعيد محمد بن أحمد بن عبيد الله ... 57
أبو سعيد محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد، الصاعدي ... 56
أبو سعيد محمد، القاضي الصاعدي ... 53
أبو سعيد مسعود بن ناصر بن الحسن الفرائضي ... 67
أبو سليمان الجوزجاني ... 88، 96، 121، 123، 125
أبو سهل المسيحي ... 13
أبو سهل بشرُ بن أحمد بن بشر الإسفراييني ... 59
أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ... 30
أبو صالح التباني ... 15
أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ... 22
أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الحِيري النيسابوري ... 28
أبو عبد الرحمن طاهر بن محمد الشحامي ... 20
أبو عبد الرحمن عمر بن محمد بن أحمد البَحِيري ... 21
أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد السلمي الأزدي النيسابوري الصوفي ... 32
أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني الحنفي ... 65
أبو عبد الله المقرئ المعرف محمد بن إسماعيل بن أحمد ... 25
أبو عبد الله حسين بن علي الصيمري ... 49، 64
أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفُراوي ... 19
أبو عبد الله محمد بن خفيف الضبِّي ... 32
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن باكويه الشيرازي ... 33
أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد المقرئ الإمام الخبازي ... 23, 24
أبو عثمان سعيد بن سلاّم المغربي القيرواني ... 32
أبو عصمة سعد بن معاذ ... 143
أبو عصمة نوح بن مريم الجامع ... 89، 134، 139، 142
أبو علي الحسن بن إسماعيل بن صاعد، القاضي الصاعدي ... 54
أبو علي الحسن بن علي الدقاق ... 15
أبو علي بن سوّارالكاتب ... 10(1/217)
أبو عمرو إسماعيل بن نُجَيْد السلمي النيسابوري ... 58
أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري ... 60
أبو عمرو محمد بن أحمد بن يعقوب الهيقاني ... 68
أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن القاضي ... 22
أبو محمد العلوي ... 63
أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السِّمِّذيّ العَدْل النيسابوري ... 58
أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني ... 31
أبو محمد عبيد الله، القاضي الزاهد الصاعدي ... 54
أبو مطيع البلخي ... 86، 91، 96، 98، 126، 134
أبو مقاتل السمرقندي ... 92
أبو منصور عبد القاهر بن طاهر النيسابوري المعروف بالبغدادي ... 22، 26
أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي النيسابوري ... 13، 36
أبو منصور عمر بن أحمد بن محمد بن موسى بن منصور الجُورِي ... 65
أبو منصور الماتريدي ... 4
أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - ... 160
أبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد الزينبي الصاعدي ... 20، 21، 55
أبو نصر أحمد بن يوسف السَّليكي ... 10
أبو نصر العراق ... 13
أبو نصر الفضل بن محمد النوقاني ... 21
أبو نصر بن سهل القاضي النيسابوري ... 57
أبو نصر عبد الله بن الحسين بن محمد الفقيه ... 21
أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ... 23
أبو نصر محمد بن سهل بن السرّاج الشّاذْيَاخي ... 70
أبو نصر منصور بن الحسين بن محمد المقرئ المفسر ... 23، 25، 28
أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني ... 30
أبو هريرة - رضي الله عنه - ... 110، 142، 148، 153، 154، 157، 158
أبو يوسف، الإمام ... 4, 5، 73, 83، 86، 87، 96، 99, 101، 102، 103، 104، 107، 109، 111, 112, 115، 118, 120, 121, 122، 123، 124, 126، 130، 133، 135، 139، 140، 143، 144، 146، 161
أبو يوسف عبد السلام بن محمد القزويني ... 29
أحمد بن حرب الزاهد ... 97
أحمد بن حنبل، الإمام ... 146
إسحاق الحنظلي ... 146
إسحاق بن إبراهيم السمرقندي ... 114
إسحاق بن محمش ... 39, 51(1/218)
أسعد بن مسعود بن علي ... 21
إسماعيل بن زياد ... 104
آل ميكائيل ... 50
الإباضية ... 3
الأشعرية ... 37, 51
الإمام الشافعي ... 4, 83, 87, 93, 104, 129
الأوزاعي ... 107, 140, 143, 145
البويهيون ... 7، 8
البياضي ... 5, 79, 91, 103, 104, 110, 115, 154
البيروني ... 13, 34
الجارود بن يزيد ... 86
الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي الأُتراري الفارابي ... 35
الحارث بن محمد ... 103
الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري ... 11، 30
الحاكم، أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي ... 59
الحجاج ... 29, 98, 132
الحسكاني، أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الحافظ النيسابوري ... 66, 67, 68, 69, 71
الحسن بن أبي مالك ... 118, 120
الحسن بن أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي ... 70
الحسن بن زياد ... 95, 109, 116, 118, 120, 133, 135, 136
الحسين بن علي بن داعي بن زيد بن علي الحسني، أبو عبد الله ... 70
الحنفية ... 16, 31, 37, 38, 49, 51, 53, 69, 74, 83, 121, 159, 169, 172, 177, 178
الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم ... 29
الخطيب الإسكافي، أبو عبد الله محمد ... 36
الخطيب البغداديُ ... 48
الخليل بن أحمد أبو سليمان بن أبي جعفر الخالدي الفقيه ... 70
الخليلي ... 12, 58, 60, 92, 117
الخوارج ... 3, 4, 37, 101، 135
الدهرية ... 4
الدولة السامانية (السامانيون) ... 7، 8، 12
الدولة السلجوقية (السلاجقة) ... 7، 9, 50، 63
الدولة الغزنوية (الغزنويون) ... 8, 9, 12، 62
الذهبي ... 7, 9, 13, 38, 40, 65, 74, 75, 83, 83, 96, 98, 117, 122, 123, 140، 142، 143، 153، 154، 158، 159
الرافضة ... 25, 40, 134
الزرنجري ... 3, 4
السخاوي ... 11, 161
السلاجقة ... 7, 9, 50, 63
السمعاني ... 20, 29, 45, 46, 53, 55, 56, 57, 58, 62, 65, 67, 74,116
السيّد زيد نقيبُ العلويين ... 50
الشافعي، الإمام ... 146(1/219)
الشراة ... 37, 101
الشريف الرضي ... 10
الشيعة (أهل التشيع) ... 4، 37، 136
الصاحب بن عباد ... 11, 13
الصريفيني ... 12, 48, 49, 54, 57, 61, 62, 65, 67, 69, 71, 74, 75
الصفدي ... 62
الصفرية ... 3
الطائع لله ... 7
العباسيون ... 7
العتبي ... 21, 27, 49, 51, 52, 73
الفاطميون ... 7
الفضل بن عبد الرحمن بن أحمد السردادي ... 72
الفضل بن محمد بن الفضل الجلاّب النسوي، أبو العباس الحسكاني ... 72
الفضل بن موسى السيناني ... 114
القائم بأمر الله ... 7, 8, 33
القادر بالله ... 7, 8
القاضي عبد الجبار ... 27, 29, 107، 135
الكرامية ... 37, 38, 39, 40, 51
الكِسائي، أبو بكر محمد بن إبراهيم النيسابوري ... 35
الكفوي ... 47, 53, 73, 78, 79, 89
الليث بن سعد ... 104، 140
المبارك بن محمد بن عبد الله الواسطي ... 19
المقدسي ... 11, 12, 32, 36, 37, 38, 45, 70, 164
الملك نوح بن منصور الساماني ... 13
النضر بن محمد ... 137، 138
الوليد بن مسلم ... 136، 140
أم سلمة رضي الله عنها ... 128
إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ... 17، 23، 31
أهلُ الأهواء ... 144
أهل البدعة ... 136، 140
أهل السنة ... 4, 5, 40, 88، 90، 104، 108، 109، 112، 117، 121، 122، 123، 128، 129، 130، 131، 136، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 145، 18، 152، 153، 154، 158، 159، 160، 161، 178
أهل الشام ... 36, 134، 135، 136، 140
أهل القبلة ... 138
أهلَ القبلة ... 135
أيوب بن الحسن الزاهد النيسابوري ... 97
بديع الزمان الهمذاني، أبو الفضل أحمد ... 35
براون ... 13
بشر المريسي ... 121، 124
بشر بن الوليد ... 117، 122، 124
بكير بن معروف ... 3, 136
بنو حمدان ... 7
جابر بن عبد الله الأنصاري ... 150
جبريل - عليه السلام - ... 100، 110
جرير بن عبد الله ... 124
جهم بن صفوان ... 86، 94، 117، 118، 121، 124، 137، 142
حاجي خليفة ... 78, 83(1/220)
حامد بن آدم ... 114
حرورية ... 36
حسان بن سعيد بن حسان المنيعي ... 20
حسان بن محمد النيسابوري القرشي الأموي ... 15
حفص بن عبد الرحمن ... 96، 97
حماد بن أبي حنيفة ... 86، 107، 116، 126، 146
حماد بن زيد ... 94، 112، 125
حماد بن سليمان ... 4
حمزة بن هبة الله بن محمد بن الحسين الحسني السيد، أبو الغنائم ... 72
خالد بن يزيد العمري ... 4
خَلَف ـ بن أحمد الصفار السجزي ... 13
خوارزمشاه ... 13
داودَ الطائي ... 116
زفر بن الهذيل ... 3, 81، 111، 118، 212، 132
زهير بن أبي سُلمى ... 4
زيد بن علي، الإمام ... 104، 134
سبكتكين ... 8, 13, 15, 39, 40, 64, 73
سعيد بن جبير ... 158
سفيان الثوري ... 99، 136، 140، 145
سفيان بن عيينة ... 97، 141، 164
سَلْم بن سالم ... 134
سهل بن مزاحم ... 97
شدّاد بن حكيم ... 132
شيبان الفقيه الاملي ... 69
شيبة بن أبي أحمد الشعيبي، أبو محمد ... 61
شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني ... 22
صاحب غيلان بن مسلم ... 107
صاعد بن الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد الصاعدي ... 57
صاعد بن محمد الأستوائي ... 2, 6, 7, 16, 42, 44, 47- 49, 51, 52, 54, 58-61, 64- 69, 73, 78, 79, 82، 83، 89
طاشكبري زاده ... 4, 130
طغرل بك، السلطان السلجوقي ... 9, 50
طلحة بن عبيد الله ... 147
عائشة رضي الله عنها ... 150، 153، 157، 158، 162
عبد الرحمن بن الجنيد، أبو نصر الحاكم ... 71
عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري، أبو نصر ... 71
عبد الغافر الفارسي ... 22, 46, 54, 55, 62, 65, 66, 67, 68, 70, 72
عبد الكريم الجرجاني ... 112
عبد الله بن المبارك ... 83، 86، 96، 121، 129، 134، 146
عبد الله بن عمر بن الحسين الشريف البكري ... 72
عبد الله بن محمد بن عمرو الزيادي القاضي ... 16, 49, 69
عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ... 38, 127، 149، 151-153
عبد الملك بن أبي الشوارب ... 111(1/221)
عبد الملك بن علي بن محمد بن موسى، أبو القاسم العدل ... 69
عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ... 17
عبد الوهاب بن محمد بن أحمد النسفي ... 68
عثمان البتّي ... 80, 96-98، 136
عثمان بن محمد ... 147
عثمانية ... 36
عرباض بن سارية - رضي الله عنه - ... 151
عضد الدولة ... 10
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ... 103، 104،130, 132، 134-136، 159
علي بن حرملة ... 107
علي بن محمد بن سلمة بن تميم أبو ساح ... 69
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ... 130، 132، 154
عمر بن حماد بن أبي حنيفة ... 99
عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - ... 104، 129، 145، 153، 169
عمر بن عبيد ... 114
عمرو بن شعيب ... 104، 149
عمرو بن مرة ... 162-164
عيسى بن مريم - عليه السلام - ... 102
فؤاد سزكين ... 78, 79
فرعون ... 107
قابوس بن وشمكير ... 13
قاسم بن قطلوبغا ... 75
قاضي الحرمين أبي الحسين النيسابوري ... 47
قتادة بن دعامة السدوسي ... 91، 112
قيس بن أصرم الشيباني، أبو حنيفة ... 72
كحّالة، عمر رضا ... 78
مالك بن أنس، الإمام ... 99، 128، 140، 142، 145
مأمون بن مأمون ... 13
محمد بن أحمد بن محمد الفامي الشاذياخي ... 22
محمد بن إسحاق بن خزيْمة ... 145
محمد بن الحسن، الإمام ... 5, 47, 81, 87، 88، 96، 97، 102، 103، 107، 108، 111، 115، 120، 123، 124، 127، 130، 133، 136، 139، 142، 145-147
محمد بن الحسن بن زياد ... 95
محمد بن الحسن بن فورك ... 16
محمد بن الحنفية ... 107، 159
محمد بن القاسم بن حبيب الصفار ... 22
محمد بن المنكدر ... 147
محمد بن حبّان البستي ... 10
محمد بن سعيد بن سابق ... 117
محمد بن شجاع الثلجي ... 81, 109، 110، 120
محمد بن عبيد ... 15, 91
محمد بن كرام السجستاني ... 38
محمد بن محمود بن سبكتكين ... 63
محمد بن مقاتل الرازي ... 96، 115، 126، 128، 132، 139
محمد بن يحيى ... 146(1/222)
محمود الغزنوي، السلطان ... 8, 12, 15, 24، 34، 36, 39-41، 51
مِسْعَرْ بن كِدام ... 162، 164
مسعود بن محمد بن إسماعيل الشجاعي ... 70
مسعود بن محمود بن سبكتكين ... 62
مسعود بن ناصر الشجري ... 10
معاويةَ بن أبي سفيان ... 136
معتزلة ... 37
مقاتل بن سليمان، المفسر ... 4, 127
منصور بن عبد الله بن منصور العمروي ... 71
منصور بن محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد، القاضي الصاعدي ... 57
موسى بن نصر الرازي ... 47
نصر بن سبكتكين ... 15
نصير الرازي ... 96
نضر بن محمد ... 138
نظام الملك، الوزير ... 17
هارون الرشيد ... 48
هشام بن عبيد الرازي ... 133
هلالُ بن العلاء الرَّقِّي ... 12
وكيع بن الجراح، الإمام ... 93، 96، 98، 99، 114
يَحيى بن الكرابيسي ... 138
يحيى بن شيبان ... 3
يحيى بن نصر بن حاجب ... 133، 138
يحيى بن يحيى ... 146
يوسف بن أبي علي السقلاطوني المتكلم ... 71
يوسف بن عمر الثقفي ... 132
فهرس الكتاب
تصدير ... 3
الفصل الأول ... 6
عصر الْمُؤلف القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد الأستوائي ... 6
1- الحالة السياسية ... 7
2 ـ الحالة الثقافية ... 9
علم القراءات ... 24
أصول الدين ... 25
علم التفسير ... 27
علوم الحديث ... 29
الفقه وأصوله ... 31
التصوف ... 31
الفلسفة ... 33
علوم اللغة والأدب ... 34
3 ـ الحالة الدينية ... 36
الفصل الثاني ... 42
حياة الْمُؤلف القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد الأستوائي ... 42
1ـ اسمه ونسبه ... 44
2ـ كنيته ... 44
3ـ لقبه ... 44
4ـ نسبته ... 44
5ـ مولده ونشأته ... 46
6ـ البيت الصاعدي بعده ... 52
7ـ شيوخه ... 57
8ـ تلاميذه ... 62
9ـ الذين لهم صلة بالبيت الصاعدي ... 69
10ـ مُؤلَّفاته ... 73
11ـ ثناء العلماء عليه ... 73
12ـ وفاته ... 74
الفصل الثالث ... 76
الكتاب ومنهج التحقيق ... 76
1 ـ عنوان الكتاب ... 78
2 ـ توثيق نسبة الكتاب ... 78
3ـ وصف النسخة الأصلية ... 79(1/223)
4ـ منهج التحقيق ... 80
كتاب ... 82
الاعتقاد ... 82
1ـ فصل : في الإيِمان ... 91
2ـ فصل : في القضاء والقدر ... 102
3ـ فصل : في الاستطاعة ... 115
4ـ فصل : في القرآن ... 116
5ـ فصل : في الرؤية ... 123
6ـ فصل : في الميزان ... 125
7ـ فصل : في عذاب القبر ... 126
8ـ فصل : في الشفاعة ... 126
9ـ فصل: في قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى) ... 127
10ـ فصل : في الصحابة رضي الله عنهم ... 129
11ـ فصل : في النهي عن الخروج على السلطان ... 137
12ـ فصل : في الصلاة خلف أهل البدع ... 139
13ـ فصل : في رواية ما صح من الآثار في الصفات وترك الخوض فيها ... 140
14ـ فصل : في ترك الخوض في الأصول بالرأي، والاقتصار على ما ورد السمع من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ... 143
فهرس أهم المصادر والمراجع ... 166
فهرس الأعلام ... 180
فهرس الكتاب ... 180
Bu kitab?n bas?m?na, T. C. Selçuk Universitesi Yay?n Komisyonu Ba?kanl???n?n 06. 02. 2002 tarih 2002/15 say?l? karar? ile izin verilmi?tir.
K?TAB AL-?’T?QAD
By
Sâid b. Muhammad b. Ahmad al-Ustuwâî
(343-432 / 954-1040)
Edited
Seyyid Bahc?van(1/224)