حكمه عَلَيْهِ السَّلَام، فَهَذَا ظُهُوره على الدَّين كُله.
قَالَ: ويقَالَ: وَيظْهر دينه على الْأَدْيَان كلهَا حَتَّى لَا يدان الله إِلَّا بِهِ، وَذَلِكَ مَتى شَاءَ الله.
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] يعْنى نبأ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام من عَاشَ علمه لظُهُوره، وَتَمام أمره، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التَّوْبَة: 33] ، وَمن مَاتَ علمه يَقِينا.
وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [الْبَقَرَة: 23] ، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الْإِسْرَاء: 88] .
جعل الله الْقُرْآن دلَالَة على نبوته، أعجز الْخلق عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ، أَو سُورَة من مثله، وأبقاه فِي أمته إِلَى قيام السَّاعَة، ليَكُون حجَّة على من جَاءَ بعده مِمَّن لم يره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.(13/285)
3708 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُلَقَّبُ بِالصَّالِحِيِّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ".
قَالَ أَنَسٌ: فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمَخِيطِ فِي صَدْرِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ حَمَّادٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ آتٍ.
هَذَا حَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم، عَن شَيبَان بْن فروخ، عَن حَمَّاد بْن سَلمَة.
قَوْله: «منتقع اللَّوْن» .
يقَالَ: انتقع لَونه وامتقع وابتسر بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [الْقِيَامَة: 24] .
أَي: متكرهة مقطبة.(13/286)
3709 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، وَإِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ.
3710 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُوشْنَامَ الزَّقَّاقُ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ الْبَجَلِيُّ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَرُحْنَا فِي نَوَاحِيهَا خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ، فَلَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلا جَبَلٍ إِلا قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ".(13/287)
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
3711 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُنْكِرِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً، لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى الْعَوَامِ، وَلَتَنَاقَلَتْهُ الْقُرُونُ، وَلَخَلُدَ ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ، وَذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِنَايَةِ بِالسِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ.
قِيلَ لَهُمْ: هَذَا شَيْءٌ طَلَبَهُ قَوْمٌ خَاصٌّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَنَسٌ، فَأَرَاهُمْ ذَلِكَ لَيْلا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ، وَمُسْتَكِنُونَ بِالأَبْنِيَةِ، وَالإِيقَاظُ فِي الْبَوَادِي وَالصَّحَارِي، قَدْ يُتَّفَقُ أَنْ يَكُونُوا مَشَاغِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ يَكْسِفُ(13/288)
الْقَمَرُ، فَلا يَشْعُرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي قَدْرِ اللَّحْظَةِ الَّتِي هِيَ مدركُ الْبَصَرِ، وَلَوْ دَامَتْ هَذِهِ الآيَةُ حَتَّى يَشْتَرِكَ فِيهَا الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا، لاسْتُؤْصِلُوا بِالْهَلاكِ، فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الأُمَمِ قَبْلَنَا أَنَّ نَبِيَّهُمْ كَانَ إِذَا أَتَى بِآيَةٍ عَامَّةٍ يُدْرِكُهَا الْحِسُّ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا أُهْلِكُوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي { [الْمَائِدَة:] إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [سُورَة الْمَائِدَة: 115] .
فَلَمْ يُظْهِرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ لِلْعَامَّةِ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَهُ الْحَمْدُ.
3712 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا، فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ، وَلا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.(13/289)
3713 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْويِفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ "، فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ «، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَهُوَ يُؤْكَلُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3714 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ، وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ،(13/290)
فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ» .
قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلاثَ مِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلاثِ مِائَةٍ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ.
وَهَذِهِ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ، وَقِيلَ: هَذَا أَبْلَغُ مِنْ تَفْجِيرِ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.
لأَنَّ فِي طَبْعِ الْحِجَارَةِ أَنْ يَخُرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ، وَلَيْسَ فِي طِبَاعِ أَعْضَاءِ بَنِي آدَمَ ذَلِكَ.
3715 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، نَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَلا نَشْرَبُ إِلا مَا فِي رَكْوَتِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا "، فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ(13/291)
لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
3716 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، تَخَلَّفَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ بِمِيضَأَةٍ، وَهِيَ الإِدَاوَةُ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَنِي، فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيضَأَةِ، فَتَوَضَّأَ، وَقَالَ لِي: احْفَظْهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لِبَقِيَّتِهَا شَأْنٌ، قَالَ: وَسَارَ الْجَيْشُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْفُقُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ يَعْصُوهُمَا، يَشُقُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَشَارَا عَلَيْهِمْ أَلا يَنْزِلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا الْمَاءَ، وَقَالَ بَقِيَّةُ النَّاسِ: بَلْ نَنْزِلُ حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَزَلُوا، قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَقَدْ هَلَكُوا مِنَ الْعَطَشِ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمِيضَأَةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَاسْتَأْبَطَهَا، ثُمَّ جَعَلَ(13/292)
يَصُبُّ لَهُمْ، فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا وَتَوَضَّئُوا، وَمَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ كَانَ مَعَهُمْ حَتَّى جَعَلَ يَقُولُ: هَلْ مِنْ مَالٍ؟ قَالَ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهَا كَمَا أَخَذَهَا، وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلا "
3717 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: " سَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: أَحْسِبُهُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا، فَقَالَ: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِ امْرَأَةً بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مَعَهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ مَزَادَتَانِ، فَأْتِيَانِي بِهَا، قَالَ: فَأَتَيَا الْمَرْأَةَ، فَوَجَدَاهَا قَدْ رَكِبَتْ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ، فَقَالا لَهَا: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: وَمَنْ رسُولُ اللَّهِ؟ هَذَا الصَّابِئُ؟ قَالا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(13/293)
حَقًّا، فَجَاءَا بِهَا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ مِنْ مَزَادَتَيْهَا، ثُمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَاءَ فِي الْمَزَادَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِعَزْلاءِ الْمَزَادَتَيْنِ، فَفُتِحَتْ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ، فَمَلَئُوا آنِيَتَهُمْ وَأَسْقِيَتَهُمْ، فَلَمْ يَدَعُوا يَوْمَئذٍ إِنَاءً وَلا سِقَاءً إِلا مَلَئُوهُ.
قَالَ عِمْرَانُ: حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهَا لَمْ تَزْدَدْ إِلا امْتِلاءً، قَالَ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهَا فَبُسِطَ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَجَاءُوا مِنْ زَادِهِمْ حَتَّى مَلأَ لَهَا ثَوْبَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي، فَإِنَّا لَمْ نَأْخُذْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَقَانَا، فَجَاءَتْ أَهْلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُمْ، فَقَالَتْ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَسْحَرِ النَّاسِ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَجَاءَ أَهْلُ ذَلِكَ الْحِوَاءِ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ.
والمزادة: الَّتِي يسميها النَّاس الراوية، والراوية: الْبَعِير الَّذِي يسقى عَلَيْهِ، وَهَذِه هِيَ المزادة، والسطيحة نَحْو المزادة، غير أَنَّهَا أَصْغَر من(13/294)
المزادة، فَهِيَ من جلدين، والمزادة أكبر.
والصابئ عِنْد الْعَرَب: الَّذِي خرج من دين إِلَى دين، وَكَانَ الْمُشْركين يَقُولُونَ لمن أسلم: قد صَبأ فلَان.
والعزلاء: هِيَ فَم المزادة الْأَسْفَل، يخرج المَاء مِنْهُ خُرُوجًا وَاسِعًا.
والحواء: بيُوت مجتمعة على مَاء، وَجَمعهَا أحوية.
وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن أواني الْمُشْركين على الطَّهَارَة مَا لم يعلم نجاستها، وَفِيه أَن أَخذ مَاء الْغَيْر يجوز عِنْد ضَرُورَة الْعَطش بِالْعِوَضِ، وَقد أَعْطَاهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الزَّاد مَا كَانَ عوضا عَن مَائِهَا.
3718 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: " ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ، جَرَجَرَ فَوَضَعَ جِرَانَهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ فَجَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِعْنِيهِ، قَالَ: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ، قَالَ: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، فَإِنَّهُ لأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ، قَالَ: «أَمَا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ، وَقِلَّةَ الْعَلَفِ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ» .
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا مَنْزِلا، فَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(13/295)
فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ إِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَيْرِنَا، مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجُزُرٍ وَلَبَنٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجُزُرَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَشَرِبُوا اللَّبَنَ، فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِيِّ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْبًا بَعْدَكَ "(13/296)
قَوْله: جرجر، أَي: صوَّت، والجِرَانُ: بَاطِن عنق الْبَعِير.
3719 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: " خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقَاؤُهُم بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطْعٌ، وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطْعِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بأَوْعِيَتِهِمْ، فَاحْتَثَى(13/297)
النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، شَكَّ الأَعْمَشُ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ: اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكِمْ» فَأَخَذُوا حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْمُعَسْكَرِ وِعَاءً إِلا مَلَئُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضُلَتْ فَضْلَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ» .
وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي النّهدِ فِي الطَّعَامِ، فِي جَوَازِ قِسْمَةِ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً، وَقَبْضَةً قَبْضَةً.
3720 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ،(13/298)
فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا، قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي سَلُونِي، قَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: النَّارُ، وَقَالَ: فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ، ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي، قَالَ: فَبَرَكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، وَأَنَا أُصَلِّي، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ".
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا رَأَيْتُ ابْنًا أَعَقَّ مِنْكَ، أَكُنْتَ تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا قَارَفَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ،(13/299)
فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
3721 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: " لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ،(13/300)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ.
فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ، ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذنْ لِعَشَرَةٍ، حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، والْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلا أَوْ ثَمانُونَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،(13/301)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
العكة: وعَاء السّمن.
قَوْله: فأدمته، أَي: أصلحته بالإدام، أدمت الْخبز آدمه وآدمه، وخبز مأدوم.
3722 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، " أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ جِزَازُ النَّخْلِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ، فَفَعَلْتُهُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّمَا أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ، أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا(13/302)
ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا، وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3723 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ} [الْبَقَرَة: 159] ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنَّكُمْ تَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ؟ وَمَا بَالُ الأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ؟ وإنَّ أَصْحَابِي(13/303)
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ صَفَقَاتُهُمْ فِي الأَسْوَاقِ، وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ أَرَضُوهُمْ، وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا، وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، وَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْضُرُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا يَوْمًا، فَقَالَ: مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ حَدِيثِي ثُمَّ يَقْبِضُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي أَبَدًا، قَالَ: فَبَسَطْتُ ثَوْبِي، أَوْ قَالَ: نَمِرَتِي، ثُمّ حَدَّثَنَا، فَقَبَضْتُهُ إِلَيَّ، فَوَاللَّهِ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا، ثُمَّ تَلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} [الْبَقَرَة: 159] الآيَةَ كُلَّهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: صفقاتهم فِي الْأَسْوَاق: أَرَادَ: صفق الأكف عِنْد البيع، كَانُوا إِذا تصافقوا بالأكف كَانَ ذَلِك أَمارَة الْمَلِك، وانبرام البيع، وَلذَلِك يُضَاف الإملاك إِلَى الْأَيْدِي، والقبوض تقع بهَا.(13/304)
3724 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ، اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا، فَسَكَنَتْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ جَابِرٍ.
وَحَنِينُ النَّاقَةِ: تَرْجِيعُهَا صَوْتِهَا إِثْرَ وَلَدهَا، يُقَالُ: حَنَّتْ، أَيِ: اشْتَاقَتْ.
3725 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ،(13/305)
عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَجُلا كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، جَدَّ فِينَا، فَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ "، قَالَ أَنَسٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهُ أَتَى الأَرْضَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ فَقَالُوا: قَدْ دَفَنَّاهُ مِرَارًا، فَلَمْ تَقْبَلْهُ الأَرْضُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
3726 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، نَا أَبُو وَلِيدٍ الطَّيَالِسِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عُمَارَةَ، نَا أَبُو كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،(13/306)
نَا أَبُو هَرَيْرَةَ، قَالَ: " مَا خَلَقَ اللَّهُ مُؤْمِنًا سَمِعَ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي، قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتْ مُشْرِكَةً، وإنِّي كُنْتُ أَدْعُوهَا إِلَى الإِسْلامِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ، وَإِنِّي كُنْتُ أَدْعُوهَا إِلَى الإِسْلامِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَخَرَجْتُ أَعْدُو أُبَشِّرُهَا بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَيْتُ الْبَابَ إِذَا هُوَ مُجَافٌ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضةَ الْمَاءِ، وَسَمِعَتْ خَشْفَ رِجْلِي، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَمَا أَنْتَ، وَفَتَحَتِ الْبَابَ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الْحُزْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ، فَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيَّ، وَإِلَيْهَا، فَقَالَ:(13/307)
اللَّهُمَّ حَبِّبْ عَبْدَكَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْيَمَامِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
3727 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْم، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ.
قيل: الْكذَّاب هُوَ الْمُخْتَار بْن أَبِي عبيد، والمبير: الْحجَّاج بْن يُوسُفَ، والمبير: الَّذِي يهْلك النَّاس.
3728 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،(13/308)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ، فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
3729 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَهْلِكُ كِسْرَى، ثُمَّ لَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلَكَنَّ، ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وسَمَّى الحَرْبَ خُدْعَةً.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْد الرَّزَّاقِ.(13/309)
قُلْتُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، فَمَزَّقَ كِتَابَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «تَمَزَّقَ مُلْكُهُ» ، وَكَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ، فَأَكْرَمَ كِتَابَهُ، وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «ثَبُتَ مُلْكُهُ» .
وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ كِسْرَى تَمَزَّقَ مُلْكُهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُلْكٌ، وَأُنْفِقَتْ كُنُوزُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَوْرَثَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَرْضَهُ، وَقَيْصَرُ ثَبُتَ مُلْكُهُ بِالرُّومِ، وَانْقَطَعَ عَنِ الشَّامِ، وَاسْتُبِيحَتْ خَزَائِنُهُ الَّتِي كَانَتْ بِهِمَا، وَأُنْفِقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
فَمَعْنَى قَوْلُهُ: «لَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» ، يَعْنِي بِالشَّامِ.(13/310)
3730 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ مُلُوكٍ عَلَى الأَسِرَّةِ، يَشُكُّ أَيَّهُمَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الأُولَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي(13/311)
سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، قُلْتُ: الثَّبَجُ: الْوَسَطُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنْطُوا الثَّبَجَةَ» ، أَيْ: أَعْطُوا الْوَسَطَ فِي الصَّدَقَةِ، يُقَالُ: ضَرَبَ بِالسَّيْفِ ثَبَجَ الرَّجُلِ، أَيْ: وَسَطَهُ، وَالثَّبَجُ: مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ.
3731 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَبْسِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحِلِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ عُمَيْرٌ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ(13/312)
قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ " فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3732 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي الْجَحْشِ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، " أَنَّ سَفِينَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْطَأَ الْجَيْشَ بِأَرْضِ الرُّومِ، أَوْ أُسِرَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا يَلْتَمِسُ الْجَيْشَ، فَإِذَا هُوَ بِالأَسَدِ، فَقَالَ لَهُ: أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَيْتَ وَكَيْتَ، فَأَقْبَلَ الأَسَدُ لَهُ بَصْبَصَةٌ حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِهِ كُلَّمَا سَمِعَ صَوْتًا، أَهْوَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الْجَيْشَ، ثُمَّ رَجَعَ الأَسَدُ "(13/313)
بَاب المبعث وبدء الْوَحْي
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الْحجر: 94] ، أَي: شقّ جماعاتهم بِالتَّوْحِيدِ، وَقيل: اجهر بِالْقُرْآنِ، وَقيل: أظهر، وَقيل: احكم، وَقيل: افصل بِالْأَمر، والصديع: الصُّبْح، وَقيل: افرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، يقَالَ: تصدع الْقَوْم، أَي: تفَرقُوا، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الرّوم: 43] ، أَي: يتفرقون، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] .
قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] ، أَي: جَامعا لَهُم بالإنذار، وَمعنى كَافَّة فِي اللُّغَة: الْإِحَاطَة، مَأْخُوذَة من كفة الشَّيْء، وَهِي حرفه إِذا انْتهى الشَّيْء إِلَيْهِ كف عَن الزِّيَادَة، وَقيل فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [الْبَقَرَة: 208] ، أَي: أبلغوا فِي الْإِسْلَام إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي شرائعه، فتكفوا من أَن تعدوا وتجاوزوا، وَأَرَادَ بالكافة: الْإِحَاطَة بِجَمِيعِ حُدُود الْإِسْلَام، وَقيل مَعْنَاهُ: ادخُلُوا كلكُمْ فِيهِ.(13/314)
وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} [المزمل: 5] ، أَي: لَهُ وزن.
وَعَن سعيد بْن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [الْقِيَامَة: 16] ، كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرك شَفَتَيْه إِذا أنزل عَلَيْهِ، فَقيل لَهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [الْقِيَامَة: 16] يخْشَى أَن ينفلت مِنْهُ، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [الْقِيَامَة: 17] ، أَن نجمعه فِي صدرك، {وَقُرْءَانَهُ} [الْقِيَامَة: 17] أَن تَقْرَأهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [الْقِيَامَة: 18] ، يَقُول: أنزل عَلَيْهِ، {فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} [الْقِيَامَة: 18] ، اسْمَع لَهُ وأنصت، {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَة: 19] ، أَن نبينه على لسَانك، فَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل أطرق، فَإِذا ذهب، قَرَأَهُ كَمَا وعده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
3733 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا رَوْحٌ، نَا هِشَامٌ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» .(13/315)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
3734 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا رَوْحٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعَ سِنِينَ، وَلا يَرَى شَيْئًا، وَثَمَانِيَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ بالْمَدِينَةِ عَشْرًا»
3735 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ(13/316)
لَا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ تَعَبُّدُ اللَّيَالِي ذَوَاتِ عَدَدٍ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ {3} } [العلق: 1-3] .
فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتَ بِهِ خَدِيجَةُ(13/317)
حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، ابْنِ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمٍّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.(13/318)
وفلق الصُّبْح وَفرق الصُّبْح: ضوءه إِذا انْفَلق، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ، وحراء: جبل بِمَكَّة، وَهِي مك { [الْحَاء مَفْتُوحَة الرَّاء ممدودة.
وَقَوْلها: يَتَحَنَّث فِيهِ، أَي: يتعبد، والتحنث: التَّعَبُّد سمي بِهِ، لِأَنَّهُ يلقِي بِهِ الْحِنْث والذنب عَن نَفسه، وَمثله التحوب والتحرج والتأثم لإلقاء الْحُوب والحرج وَالْإِثْم عَن نَفسه.
والغط: الضغط الشَّديد، وَمِنْه الغط فِي المَاء، ويروى: فغتني، وَمَعْنَاهُ: الغط أَيْضا.
يرجف فُؤَاده: أَي: يخْفق، والرجفة: شدَّة الْحَرَكَة.
وَقَوله: «زَمِّلُونِي» ، أَي: دَثرُونِي، وتزمل الرجل بِالثَّوْبِ: اشْتَمَل بِهِ، وَقَوْلها: وَتحمل الكلَّ، أَي: الْمُنْقَطع، تُرِيدُ: أَنَّك تعين الضَّعِيف، والكلُّ: الَّذِي لَا يُغني نَفسه، وَمِنْه قيل للعيال: كلٌّ، قَالَ الله تَعَالَى:] وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [سُورَة النَّحْل: 76] ، أَي: ثقل على وليه.
وتُكسِبُ المعدومَ، وَفِي بعض الرِّوَايَات وتُكسِبُ المُعْدِمَ، وَهُوَ الأصوب.
لِأَن الْمَعْدُوم لَا يدْخل تَحت الْأَفْعَال، أَي: تُعْطِي العائل، يقَالَ: كسبت الرجل مَالا وأكسبته، أَي: أَعْطيته، وبحذف الْألف أفْصح.
والناموس: صَاحب سر الرجل الَّذِي يطلعه على بَاطِن أمره، ويخصه بِمَا يستره عَن غَيره، يقَالَ: نمس الرجل ينمس نمسا، وَقد نامسته منامسة: إِذا ساررته، فالناموس: صَاحب سر الْخَيْر، والجاسوس: صَاحب سر الشَّرّ.(13/319)
وَقَوله: يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا، أَي: شَابًّا، وَالْأَصْل فِي الْجذع سنّ الدَّوَابّ، وَفِي حَدِيث عَليّ أسلمت، وَأَنا جذعمة، أَرَادَ: وَأَنا جذع، أَي: حدث فِي السن، فَزَاد فِي آخرهَا ميما توكيدا.
وَنصب جذعا، لِأَن مَعْنَاهُ: لَيْتَني كنت جذعا.
وَالثَّابِت فِي قَوْله «فِيهَا» لإضمار النُّبُوَّة، أَو الدعْوَة، أَو الدولة، يَقُول: يَا لَيْتَني كنت شَابًّا وَقت دعوتك ونبوتك أنصرك نصرا مؤزرا، أَي: بَالغا.
وآزر فلَان فلَانا، أَي: عاونه على أمره، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَآزَرَهُ} [الْفَتْح: 29] ، أَي: قواه، والأزر: الْقُوَّة، وَقَوله: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31] ، أَي قو بِهِ ظَهْري.
3736 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، بِإسْفَرَايِينَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: " بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنْذِرْ {2} وَرَبَّكَ(13/320)
فَكَبِّرْ {3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ {4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ {5} } [المدثر: 1-5] ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، كُلٌّ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَوْله: «جئثت» ، أَي: ذعرت، ويروى: «جثثت» ، يقَال: جئث الرجل، وجث، وجئف، أَي: فزع.
3737 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَنْفَصِمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ "، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي الشَّدِيدِ الْبَرْدِ(13/321)
فَيَنْفَصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبيِنَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وقَالَ: فَيَفْصِمُ عَنِّي، وَفِي آخِرِهِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ: ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي.
قَوْله: يَأْتِي فِي مثل صلصلة الجرس.
فالصلصلة: صَوت الْحَدِيد إِذا حرك، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يُرِيد، وَالله أعلم، أَنه صَوت متدارك يسمعهُ وَلَا يُثبتهُ عِنْد أول مَا يقرع سَمعه حَتَّى يتفهم، ويستثبت، فيتلقفه حِينَئِذٍ ويعيه، وَلذَلِك قَالَ: وَهُوَ أشده عَليّ.
قَوْله: فينفصم عني، أَي: يَنْقَطِع، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [الْبَقَرَة: 256] ، وَمن روى: فَيفْصم عني، وَهُوَ الأصوب، مَعْنَاهُ: يقْلع عني.
وَقَوْلها: يتفصد عرقا، أَي: يسيل كَمَا يفصد الْعرق.
3738 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، نَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ، فَلَمَّا(13/322)
سُرِّيَ عَنْهُ، رَفَعَ رَأْسَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، كربَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ.
قَوْلُهُ: تَرَبَّدَ وَجْهُهُ وَاربدَا، أَيْ: تَلَوَّنَ فَصَارَ لَوْنَ الرَّمَادِ.
3739 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النِّسَاء: 95] {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النِّسَاء: 95] قَالَ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمْلِيهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النِّسَاء: 95] ".(13/323)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قلت: الْوَحْي من الله عز وَجل على أنبيائه أَنْوَاع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] ، قَالَ بعض أهل التَّفْسِير: الْوَحْي الأول مَا أَرَاهُم فِي الْمَنَام.
قَالَ عبيد بْن عُمَيْر: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي، وَقَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] ، وقَالَ غير وَاحِد من أهل التَّفْسِير: وَقَوله: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] فَكَمَا كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من وَرَاء حجاب حَتَّى قَالَ: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الْأَعْرَاف: 143] ، وَقَوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] ، فَهُوَ إرْسَاله روح الْأمين، كَمَا قَالَ عز وَجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّعَرَاء: 193-194] .
وَقد كَانَ لنبينا جَمِيع هَذِه الْأَنْوَاع، فقَالَ الله عز وَجل فِي رُؤْيَاهُ: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْح: 27] .
وقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أول مَا بديء بِهِ رَسُول الله من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي النّوم، وَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت بِهِ مثل فلق الصُّبْح.
وقَالَ فِي الْكَلَام: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النَّجْم: 10] ، وَفرض عَلَيْهِ لَيْلَة الْمِعْرَاج خمسين صَلَاة، وقَالَ فِي إرْسَال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّعَرَاء: 193-194] ، وقَالَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 97] ، وَفِي الحَدِيث «إِن الرّوح الْأمين نفث فِي(13/324)
روعي أَنه لن تَمُوت نفس حَتَّى تستوفي رزقها، فأجملوا فِي الطّلب» .
وَمن الْوَحْي مَا يَأْتِي بِهِ جِبْرِيل، وَمِنْه مَا يَأْتِي بِهِ غَيره من الْمَلَائِكَة، وَمِنْه مَا يكلمهُ الْمَلِك بِأَمْر الله تكليما، وَمِنْه مَا يَأْتِيهِ فيلقي فِي روعه، وَمن الْوَحْي مَا كَانَ سرا بَين الله وَرَسُوله، فَلم يحدث بِهِ أحدا، وَمِنْه مَا حدث بِهِ النَّاس، وَذَلِكَ على نَوْعَيْنِ: فَمِنْهُ مَا كَانَ مَأْمُورا بكتبه قُرْآنًا، وَمِنْه مَا لم يكن مَأْمُورا بكتبه قُرْآنًا، فَلم يكن من الْقُرْآن، ويحكى عَن الزُّهْرِيّ معنى هَذَا.
3740 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ فَنَزَلَتْ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مَرْيَم: 64] إِلَى آخِرِ الآيَةِ ".(13/325)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مَرْيَم: 64] ، أَيْ: وَمَا نَسِيَكَ رَبُّكَ أَنْ أَخَّرَ الْوَحْيَ.
بَاب دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْركين وَصَبره على أذاهم
3741 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ لِهَذَا دَعَوْتَنَا جَمِيعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] إِلَى آخِرِهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ،(13/326)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، كُلٌّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
3742 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا الأَعْمَشُ، نَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَمَّا نَزَلَتْ: " {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214] «وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ " هكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ.(13/327)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.
3743 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغَلِّسٍ، بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214] قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ وَكِيعٍ.
3744 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،(13/328)
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214] قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَها، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
3745 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ(13/329)
يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ، فَيَعْمَدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا، فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً ".(13/330)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاق، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: وَدَعَا عَلَيْهِمْ ثَلاثًا وَإِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا، وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاق: إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ مُعَيْطٍ بِسلا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قِيلَ: كَانَ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ قَبْلَ تَحْرِيمِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ وَذَبِيحَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَلَمْ تَكُنْ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهَا، كَالْخَمْرِ كَانَتْ تُصِيبُ ثِيَابَهُمْ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا.
3746 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،(13/331)
فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غَافِر: 28] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3747 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنا ابنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا(13/332)
أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
وَالأَخْشَبُ مِنَ الْجِبَالِ: الْخَشِنُ الْغَلِيظُ، وَأَخْشَبَا مَكَّةَ: جَبَلاهَا، وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «لَا تَزُولُ مَكَّةُ حَتَّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا» ، سُمِّيَا أَخْشَبَيْنِ لِصَلابَتِهِمَا وَغِلَظِ حِجَارَتِهِمَا.
3748 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " رُمِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ(13/333)
الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمرَان: 128] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
3749 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْفَرَضِيُّ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحْمَلِيُّ، نَا أَخُو كَرْخُوَيْهِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، هُوَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، وَيَقُولُ: يَا رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ.
أَخُو كرخويه: مُحَمَّد بْن يزِيد.(13/334)
3750 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هَرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاقِ.
3751 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: " شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ أَلا تَسْتَنْصِرُ اللَّهَ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَارًّا لَوْنُهُ أَوْ وَجْهُهُ، فَقَالَ لَنَا: لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُجْعَلُ فَوْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُجْعَلُ(13/335)
بِفِرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلا اللَّهَ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيل.
بَاب الْمِعْرَاج
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الْإِسْرَاء: 1] .
3752 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ وَرُبَّمَا قَالَ فِي(13/336)
الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدْ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ، فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ، يضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ،: قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ(13/337)
فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسلمت، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:(13/338)
نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، فَسلم عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَردَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ، بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا(13/339)
مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ، فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي بَيْتُ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلاةُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجِعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةٍ كُلَّ يَوْمٍ.
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ(13/340)
يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَيَ مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،(13/341)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْله: «بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم» .
الْحطيم: الْحجر، سمي حطيما لما حطم من جِدَاره، فَلم يسو بِبِنَاء الْبَيْت.
قدَّ، أَي: قطع.
والشعرة: الْعَانَة: والقَصُّ: الصَّدْر.
وَقيل فِي قَول خُزَّان السَّمَوَات: أرسل إِلَيْهِ، أَي: هَل أرسل إِلَيْهِ للعروج إِلَيّ السَّمَاء، وَأما بَعثه رَسُولا إِلَيّ الْخلق، فَكَانَ شَائِعا مستفيضا قبل العروج.
وَذكر الْخطابِيّ على بكاء مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا يجوز أَن يتَأَوَّل بكائه على الْحَسَد لَهُ.
لِأَن ذَلِك لَا يَلِيق بِصِفَات الْأَنْبِيَاء والأولياء، وَإِنَّمَا بَكَى من نَاحيَة الشَّفَقَة على أمته، إِذْ قصر عَددهمْ عَن مبلغ عدد أمة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوله: إِن غُلَاما بعث بعدِي.
لَيْسَ على سَبِيل الإزراء بِهِ، لكنه على معنى تَعْظِيم الْمِنَّة لله عَلَيْهِ، إِذْ قد أحقه لذَلِك من غير طول عمر فِي عِبَادَته، وَقد تسمي الْعَرَب المستجمع للسن غُلَاما، مَا دَامَت فِيهِ بَقِيَّة من قُوَّة.
قَوْله: وَإِذا نبقها مثل قلال هجر.
يُرِيد أَن حب ثَمَرهَا فِي الْكبر مثل قلال هجر، وَهِي الجرار، وَهِي مَعْرُوفَة عِنْدهم.
3753 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجِرْجَانِيِّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ،(13/342)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ حَافِرُهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْريلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، وَسَاقَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. . . قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، وَقَالَ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ: فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُكَاءَ مُوسَى.
وَقَالَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، وَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى،(13/343)
فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا.
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ يُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ وَاحِدَةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(13/344)
3754 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُرِّجَ عَنِّي سَقْفُ بَيْتِي، وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَّجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا فُتِحَ، عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا إِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ(13/345)
النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ "، قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ، كَانَا يَقُولانِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ» ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ(13/346)
لَا تُطيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَائِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ ". . هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ.
وقَالَ: «فَإِذا فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ» .
يُرِيد قباب اللُّؤْلُؤ، والجنابذ: جمع الجنبذة، وَهِي الْقبَّة، وَلم يعرف الْخطابِيّ الحبائل، والأسودة: جمع سَواد، وَهُوَ شخص الْإِنْسَان.(13/347)
وَالنَّسَمُ: جمع نسمَة، وَهِي النَّفس، وكل دَابَّة فِيهَا روح فَهِيَ نسمَة، وَالنَّسَمُ: الرّوح، وَأَرَادَ أَرْوَاح أَوْلَاده، وَقَوله: ظَهرت، أَي: صعدت، والمستوى: المصعد.
وَقَوله أسمع صريف الأقلام: يُرِيد، وَالله أعلم، مَا يَكْتُبهُ الْمَلَائِكَة من أقضية الله عز وَجل، وَمَا ينسخونه من اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
3755 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الْإِسْرَاء: 60] ، قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ} [الْإِسْرَاء: 60] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ".
صَحِيحٌ.
3756 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أُسَامَةُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ(13/348)
مِغْوَلٍ.
ح، قَالَ مُسْلِمٌ: وَنا ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا أَبِي، نَا مَالِكُ بْنُ مِغْولٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النَّجْم: 16] ، قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
الْمُقْحمَات: أَرَادَ الذُّنُوب الْعِظَام الَّتِي تقحم أَصْحَابهَا فِي النَّار، أَي: تلقيهم فِيهَا، والقحم: الْأُمُور الشاقة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [ص: 59] ، أَي: دَاخل مَعكُمْ النَّار.
3757 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، نَا زَائِدَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النَّجْم: 9] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَّهُ مُحَمَّدٌ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ ".(13/349)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَالَ: قَالَ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْم: 18] ، رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ.
3758 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، " {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْم: 18] قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ الأُفُقَ ".
صَحِيحٌ.(13/350)
قِيلَ الرَّفْرَفُ: الْبُسَاطُ، وَقِيلَ: هِيَ هَا هُنَا الثِّيَابُ الْخُضْرُ.
وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النَّجْم: 13] ، قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
3759 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " فُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسَةً، نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ ".
صَحِيحٌ.
3760 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَحَامِلِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي، نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، رَأَيْتُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» .(13/351)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَقَالَ: مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ.
3761 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أُتِيَ لَيْلةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ، غَوَتْ أُمَّتُكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ.
3762 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ(13/352)
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
بَاب الْهِجْرَة
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الْإِسْرَاء: 80] ، يرْوى عَن ابْن عَبَّاس، وَالْحسن، وَقَتَادَة: أدخلني مدْخل صدق: الْمَدِينَة، وأخرجني مخرج صدق: مَكَّة.
وقَالَ جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [الْقَصَص: 85] ، قَالَ ابْن عَبَّاس: إِلَى مَكَّة.(13/353)
3763 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، وَأَعْبُدَ رَبِّي.
قَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ، وَلا يُخْرَجُ، أَنْتَ تُكْسِبُ الْمُعْدِمَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ،(13/354)
وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ، وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، فَطَافَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، وَلا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمُعْدِمَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تَكْذِبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ، وَقَالُوا لابْنِ الدُّغُنَّةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلّ فِيهَا، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا.
فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ لأبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلا يَقْرأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَنْبَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدُّغُنَّةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ(13/355)
بِجِوَارِكَ عَلى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاء دَارِهِ، فَأَعْلَنَ الصَّلاةَ وَالقِرَاءةَ فِيه، وَإنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلي أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإنْ أَبِي إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِركَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ.
قَالَتْ عَائِشَةَ: فَأَتَى ابْنُ الدُّغُنَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ إِلَيْهِ، فَإمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلى ذلِكَ، وَإمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أَخْفَرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ، وَهِيَ الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلي رِسْلِكَ، فَإنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذلِكَ بِأَبِي أنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ(13/356)
أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ، وَهُوَ الخَبْطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًى لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَل، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَى رَاحِلَتَيْ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» .
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمْ سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا وَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبُو بَكْرٍ(13/357)
بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلامٌ شَلِبٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمْ عَامِر بْن فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَة مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رَسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَةِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ،(13/358)
وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وَفُلانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ، فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضُ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ،(13/359)
سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضْتُ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيَتْهُمْ بِالأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلانِي إِلا أَنْ قَالَ: «أَخْفِ عَنَّا» فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أُدْمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَيَسْمَعُ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ(13/360)
حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْطَلَقُوا أَيْضًا بَعْدمَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ، يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ.
فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مَنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَل أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةٍ، وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ(13/361)
مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا للتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ» ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهِبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَةِ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(13/362)
قلتُ: قَوْله: تكسب المعدم، أَي: تعطيه المَال.
وَقَوْلها: فَلم تكذب قُرَيْش بجواره.
يَعْنِي: لم ترد جواره، وكل من كذب بِشَيْء، فقد رده.
وَقَوْلها: فيتقذف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناؤهم، أَي: يزدحمون عَلَيْهِ، يقَالَ: النَّاس يتقاذفون على فلَان، أَي: يقذف بَعضهم بَعْضًا، فيتساقطون عَلَيْهِ، ويروى: فيتقصف، وَالْمرَاد مِنْهُ الازدحام حَتَّى يسْقط بَعضهم على بعض، وَفِي الحَدِيث: «أَنا والنبيون فراط لقاصفين» فالقاصفون: الَّذين يزدحمون، يَقُول: نَحن نتقدم إِلَى الْجنَّة، وهم على الْأَثر يزدحمون حَتَّى يقصف بَعضهم بَعْضًا بدارا إِلَى الْجنَّة، وَقيل: مَعْنَاهُ: أَنا والنبيون متقدمون فِي الشَّفَاعَة لقوم كثيرين متدافعين مزدحمين، وأصل القصف: الْكسر.
قَوْلهم: كرهنا أَن نخفرك، أَي: ننقض ذِمَّتك، يقَالَ: خفرت الرجل: إِذا حفظته، وأخفرته: إِذا نقضت عَهده.
والنطاق: أَن تلبس الْمَرْأَة ثوبا، وتشد وَسطهَا بِحَبل، ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل، فسميت أَسمَاء ذَات النطاقين، لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا نطاقان قطعت أَحدهمَا لزاد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلها عَن صفة عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بكر: هُوَ شَاب ثقف، أَي:(13/363)
ذُو فطنة، يقَالَ: غُلَام ثقف، وَامْرَأَة ثقاف.
وَقَوْلها: لقن، أَي: حسن التلقن لما يسمعهُ، واللقن: الْفَهم، يقَالَ: لقنت الحَدِيث ألقنهُ لقنا.
وَقَوْلها: فيدَّلج بِسحر، يُقَالُ: أدْلَجَ: إِذا سَار اللَّيْل كُله، وادَّلَجَ بِالتَّشْدِيدِ: إِذا سَار سحرًا.
يُكْتَادَانِ بِهِ من الكيد.
وَقَوْلها: ورضيفهما: فالرَّضيف: اللَّبن المرضوف، وَهُوَ الَّذِي طرح فِيهِنَّ الرضفة، وَهِي الْحِجَارَة المحماة، لتذهب وخامته، يقَالَ: رضفت اللَّبن وَالْقدر.
والخِرِّيتُ: الدَّلِيل الحاذق الَّذِي يَهْتَدِي لمثل خرت الإبرة من الطَّرِيق.
وَقَوْلها: غمس حلفا.
تُرِيدُ أَنه كَانَ حليفا لَهُم، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا إِذا عقدوا حلفا وضعُوا جَفْنَة من طيب، فغمسوا أَيْديهم فِيهَا لتأكيد الْحلف.
قَوْله: رَأَيْت أَسْوِدَة، جمع سَواد الْإِنْسَان، وَهُوَ شخصه.
وَقَوله: فدفعتها تقرب: التَّقْرِيب: دون الحُضْرِ فِي سير الدَّابَّة، وَفَوق سير الْعَادة.
وَقَول سراقَة: فاستقسمت بالأزلام، الأزلام: قداح زلمت وسويت، أَي: أَخذ من حروفها، وأزلام بقر الْوَحْش: قَوَائِمهَا، شبهت بأزلام القداح للطافتها، وَاحِدهَا زُلم وزَلم، كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تتخذها، مَكْتُوب عَلَيْهَا الْأَمر وَالنَّهْي، تضعها فِي وعَاء، وَإِذا أَرَادَت وَاحِد سفرا أَو حَاجَة، أخرج مِنْهَا زلما، فَإِن خرج الْآمِر مضى، وَإِن خرج الناهي، كف وَانْصَرف، وَمعنى الاستقسام: طلب معرفَة قسمي الْخَيْر وَالشَّر، والنفع والضر.
ساخت يدا فرسي،(13/364)
أَي: غَابَتْ فِي الأَرْض.
وَقَوله: وَإِذا لأثر يَديهَا غُبَار سَاطِع.
ويروى: فَخرجت قَوَائِمهَا وَلها عثان، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالنُّون، والعثان: أَصله الدُّخان، وَجمعه عواثن، وَجمع الدُّخان دواخن على غير قِيَاس.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا نعلم فِي الْكَلَام شَيْئا يشبههما.
وَطَعَام عثن ومعثون، أَي: دخن.
قَوْله: يرزآني، أَي: لم يسألاني، يقَالَ: زرأته مَاله رزءًا، أَي: أَخَذته.
قَوْله: أوفى رجل، أَي: أشرف على أَطَم، والأطم: الْحصن.
قَوْله: هَذَا جدكم الَّذِي تنْظرُون.
يَعْنِي: حظكم ودولتكم الَّتِي كُنْتُم تتوقعونها.
فثار الْمُسلمُونَ، أَي: وَثبُوا.
المربد: الْموضع الَّذِي يَجْعَل فِيهِ التَّمْر إِذا صرم قبل أَن يَجْعَل فِي الأوعية، وينقل إِلَى الْبيُوت، والمربد: الْموضع الَّذِي يحبس فِيهِ الْإِبِل وَالْغنم، والربد: الْحَبْس.
3764 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَرَقِيُّ.
ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالا: نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، صَاحِبُ الْبَصْرِيِّ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ فَوْقَ رُءُوسِنَا، وَنَحْنُ فِي الْغَارِ،(13/365)
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْره، عَنْ حِبَّانَ بْنِ هِلالٍ، كِلاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ.
3765 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ(13/366)
أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأِ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللَّهِ.
قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلا خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ.
قَوْلُهُ: أَرْسِلْ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَالْمَلأُ: أَشْرَافُ النَّاسِ(13/367)
وَرُؤَسَاؤُهُمُ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَى قَوْلِهِمْ.
قَوْلُهُ: ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ، أَيْ: بِيعُونِيهِ بِالثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: وَفِيهِ خَرِبٌ، وَهِيَ جَمْعُ خَرِبَة مِثْلَ كَلِمَةٍ وَكَلِمٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ الْخَرَابِ.
3766 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: " جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلا، فَقَالَ الْعَازِبُ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمَنِ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلا الطَّرِيقُ لَا يَمُرَّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ للنَّبيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإذَا أَنَا بِراعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُريدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ أَوْ(13/368)
مَكَّةَ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَديْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إدَاوَةٌ حَمْلتُهَا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَوِي فِيهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ المَاء عَلي اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُم قَالَ: أَلَمْ يَأْنِ الرَّحِيلُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهِ مَعَنَا، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، أُرَى فِي جَلَد(13/369)
مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَجَا، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ زُهَيْرٍ.
قَوْله: أنفض مَا حولك، أَي: أحرس وأطوف حولك، هَل رأى أحدا من الطّلب.
والقعب: الْقدح الصَّغِير.
وَقَوله: كثبة من لبن، أَي: قَلِيل مِنْهُ، وكل مَا جمعته من طَعَام بعد أَن يكون قَلِيلا، فَهُوَ كثبة، وَالْجمع: كُثبٌ.
قَوْله: يرتوي فِيهَا.
يقَالَ: ارتوى من المَاء، أَي: رُوِيَ.
قَوْله: ارتطمت بِهِ فرسه، أَي: ارتبكت، يقَالَ: ارتطم الْحمار فِي الوحل، أَي: ساخ فِيهِ.
وَالْجَلد: الأَرْض الغليظة الصلبة.
3767 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ(13/370)
بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَجَعَلا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ، حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1] فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3768 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ بِحِرَابِهِمْ فَرَحًا لِقُدُومِهِ»(13/371)
3769 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ بِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ أًوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرَئِيلُ آنِفًا، قَالَ: جِبْرَئِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [الْبَقَرَة: 97] ، أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بَهْتٌ،(13/372)
وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، فَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
بَاب الْغَزَوَات
3770 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ " كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ "(13/373)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ.
3771 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَمَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً، لَمْ يَحُجَّ(13/374)
بَعْدَهَا: حَجَّةَ الْوَدَاعِ "، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرٍ.
3772 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَرِيَّةً، قَاتَلَ(13/375)
يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ أُحُدٍ، وَالأَحْزَابِ، وَالْمُرَيْسِيعِ، وَقُدَيْدٍ، وَخَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ أَبِي تُمَيْلَةَ، عَنِ الْحُسَيْن بْنِ وَاقِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُعُوثَ، وَلَمْ يُسَمِّ مَا قَاتَلَ فِيهِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنِ النَّبِيِّ: أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً.
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: قَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ الإِكْلِيلِ عَلَى التَّرْتِيبِ بُعُوثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَرَايَاهُ زِيَادَة عَلَى الْمِائَةِ.
بَاب غَزْوَة بدر
كَانَت غَدَاة يَوْم الْجُمُعَة لسبع عشرَة خلت من شهر(13/376)
رَمَضَان، على رَأس ثَمَانِيَة عشر شهرا من الْهِجْرَة، قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمرَان: 123] ، أَي: عددكم قَلِيل، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الْأَنْفَال: 41] ، يعْنى: يَوْم بدر، كَانَ فِيهِ فرقان بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَقيل: مَعْنَاهُ يَوْم الْفَتْح، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الْأَنْفَال: 29] ، أَي: فتحا ونصرا.
3773 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلا مُؤْمِنٌ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاثَ مِائَةٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3774 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا إِسْرَائِيلُ،(13/377)
عنَ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: " شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [الْمَائِدَة: 24] ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، وَخَلْفَكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ ".
3775 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ» .
فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ.
فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: " {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [الْقَمَر: 45] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(13/378)
3776 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3777 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، وَهُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ:(13/379)
اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ، لَا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ.
فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَألْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبِّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الْأَنْفَال: 9] فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلائِكَةِ ".
3777 - قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ، يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ.
إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّيْفِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ ذَاكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ،(13/380)
ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ.
فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قِيلَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَمُنَاشَدَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُكَ مَا وَعَدَكَ: لَيْسَ ذَلِكَ لأَنَّ حَالَ أَبِي بَكْرٍ فِي الثِّقَةِ بِرَبِّهِ كَانَ أَرْفَعَ، وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الشَّفَقَةُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى قُلُوبِ أَصْحَابِهِ، وَالتَّقْوِيَةُ لِمِنَّتِهِمْ إِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ، وَكَانُوا مَكْثُورِينَ بِأَضْعَافٍ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَابْتَهَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ يُسَكِّنُ بِذَلِكَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ، إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ دَعْوَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: حَسْبُكَ.
كَفَّ مِنَ الدُّعَاءِ إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ دُعَاؤُهُ بِمَا وَجَدَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمِنَّةِ وَالْقُوَةِ حَتَّى قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [الْقَمَر: 45] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
3778 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، " بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلامَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا(13/381)
تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَصْلَحَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ يَابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ.
قُلْتُ: أَلا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ.
قَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ فَقَالَ كُلُّ(13/382)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلَهُ.
فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالا: لَا.
فَنَظَر فِي السَّيْفِ، فَقَالَ: كِلاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ «، وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُون، وَقَالَ: تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلع مِنْهُمَا.
قُلْتُ: أَيْ: أَقْوَى.
3779 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ، أَقَامَ بالْعَرْصَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ، فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى، وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ،(13/383)
وَقَالُوا: مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ.
فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: يَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، وَيَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ ! قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ".
قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا، وَنِقْمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ.
الصناديد: العظماء، يقَال: رجل صنديد.
والطوي: الْبِئْر المطوية، وَهِي الَّتِي ضرست، أَي: طويت بِالْحِجَارَةِ لِئَلَّا تنهار.
قلت: وَقَوله عز وَجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] ، أَرَادَ بِهِ الْكفَّار الَّذين هم صم عَن الْهدى لَا تقدر أَنْت(13/384)
على هدايتهم كَمَا قَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} [النَّمْل: 81] .
وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان بْن الْمُغيرَة، عَن ثَابت، عَن أنس، قَالَ: كُنَّا مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، أنشأ يحَدَّثَنَا عَن أهل بدر، فقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرينا مصَارِع أهل بدر بالْأَمْس، يَقُول: هَذَا مصرع فلَان غَدا إِن شَاءَ الله، قَالَ: فقَالَ عمر: فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أخطئوا الْحُدُود الَّتِي حد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَاب غَزْوَة بني النَّضِير
قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة: كَانَت على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة بدر قبل أحد، وَجعلهَا أَبُو إِسْحَاق بعد بِئْر(13/385)
مَعُونَة وَأحد.
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الْحَشْر: 2] ، قَالَ سعيد بْن جُبَير: قلت لِابْنِ عَبَّاس { [الْحَشْر.
قَالَ: قل: سُورَة النَّضِير.
والحشر: الْجلاء، وَذَلِكَ أَن بني النَّضِير أول من أُخْرِجُوا من دِيَارهمْ وَأُجْلُوا.
قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ أول حشر إِلَى الشَّام، ثمَّ يحْشر النَّاس إِلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة، لذَلِك قَالَ:] لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [سُورَة الْحَشْر: 2] .
3780 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا ابْنُ جُرَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «حَارَبَتِ النِّضِيرُ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنْ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَل رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ، وَأَوْلادَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(13/386)
فَآمَنَهُمْ، وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ بْن مَنْصُور، عَنْ عَبْد الرَّزَّاقِ.
3781 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ، نَا حِبَّانُ، أَنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ» ، وقَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيق بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِير.
هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته.
3782 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،(13/387)
أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَع وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، فَنَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الْحَشْر: 5] الآيَةُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ.
بَاب غَزْوَة أحد
وَكَانَ قتل كَعْب بْن الْأَشْرَف، وَقتل أَبِي رَافع بْن أَبِي الْحقيق قبله، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمرَان: 121] .
وقَالَ جلّ ذكره: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمرَان: 152] ، أَي: تقتلونهم وتستأصلونهم،(13/388)
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} [آل عمرَان: 153] .
كل من ابْتَدَأَ وَجها من سفر أَو غَيره، فَهُوَ فِي ابْتِدَائه مصعد، وَفِي رُجُوعه منحدر.
وقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمرَان: 153] ، أَرَادَ غما بغم: مُتَّصِلا، فالغم الأول: الْجراح وَالْقَتْل، وَالْغَم الثَّانِي: مَا ألقِي إِلَيْهِم من قتل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنساهم الْغم الأول.
3783 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابتٍ، قَالَ: " لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ.
وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ.
فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النِّسَاء: 88] وَقَالَ: إِنَّهَا طَيْبَةٌ تنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ ".(13/389)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ.
3784 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجْفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ.
فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي(13/390)
أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ، فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاثًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْمَر عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو المِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَقَالَ: إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاثًا مِنَ النُّعَاسِ.
قلت: قَوْله: مجوب من الجوب، وَهُوَ الترس، وَجمعه أجواب، يُرِيد: مترس عَلَيْهِ بحجفة، وَهِي الترس، والخدم جمع خدمَة، وَهِي الخلخال.
تنقزان، يقَالَ: نقز وقفز نقزانا وقفزانا: إِذا وثب.
ويروى: تزفران الْقرب، أَي: تحملانها.
3785 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَعْقُوبَ، نَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، نَا أَنَسٌ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَالَ " غَشِيَنَا النُّعَاسُ، وَنَحْنُ فِي(13/391)
مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3786 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بِنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلانِ يُقَاتِلانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ: يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
3787 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،(13/392)
أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ , أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ، وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلا كَثْرَةٌ، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا، فَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ، وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن الْقَارِئِ.
3788 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا مُعَاذُ(13/393)
بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَغَرَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ.
قَالَ قَتَادَةُ: نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ» .
قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3789 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ.
فَألْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الأَشْعَثِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ.(13/394)
بَاب قتل أهل بِئْر مَعُونَة
قَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ بَينهَا وَبَين أُحد أَرْبَعَة أشهر، وَكَانَ بعد أُحد قتل عَاصِم بْن ثَابت الْأنْصَارِيّ، بَعثه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عشرَة عينا، وأمَّره عَلَيْهِم، فَقتله حَيّ من بني لحيان مَعَ سَبْعَة من أَصْحَابه، وأسروا خبيبا، وَزيد بْن الدَّثِنَةِ، فباعوهما بِمَكَّة، ثمَّ قتلا.
3790 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رِعْلا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ(13/395)
بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، قَتَلُوهُمْ، وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ: عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا، وَأَرْضَانَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ.
بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الثَّالِث عشر
من " شرح السّنة "
ويليه الْجُزْء الرَّابِع عشر
وأوله بَاب غَزْوَة الخَنْدَق وَهِي الْأَحْزَاب(13/396)
بَابُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَهِيَ الأَحْزَابُ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةِ أَرْبَعٍ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} [الْأَحْزَاب: 10] , قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ» .
3791 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ:(14/3)
سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ» ، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا
, هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3792 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقِلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى اغْمَرَّ بَطْنُهُ، أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ، يَقُولُ: «(14/4)
وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: «أَبَيْنَا أَبَيْنَا» , هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
قَوْلُهُ: «اغْمَرَّ» ، يُقَالُ: غَمَرْتُ الشَّيْءَ: إِذَا سَتَرْتُهُ، وَمَاءٌ غَمْرٌ، إِذَا عَلا كُلَّ شَيْءٍ فَسَتَرَهُ، وَاغْبَرَّ مِنَ الْغُبَارِ.
3793 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: " إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: أَنَا نَازِلٌ، ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أُهِيلَ، أَوْ(14/5)
أُهِيمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ، وَعَنَاقٌ، فَذَبَحَتِ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةَ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيْمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، فَقَالَ: كَمْ هُوَ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ» ، قَالَ: قُلْ لَهَا: «لَا تَنْزِعِ الْبُرْمَةَ وَلا الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ» ، قَالَ: «قُومُوا» ، فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: " ادْخُلُوا وَلا تَضَاغَطُوا، فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ وَيَغْرفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: «كُلِي وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ» .
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ: ذَبَحْنَا بَهِيمَةً وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَقَالَ: وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ(14/6)
لأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ
قَوْلُهُ: فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ، أَيْ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صَلْبَةٌ لَا يَعْمَلُ فِيهَا الْفَأْسُ وَالْمِعْوَلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى} [النَّجْم: 34] أَيْ: قَطَعَ الْعَطَاءَ، يُقَالُ: أَكْدَى الْحَافِرُ: إِذَا بَلَغَ الْكُدْيَةَ، فَقَطَعَ الْحَفْرَ.
وَقَوْلُهُ: أُهِيلَ، الأَهْيَلُ وَالْهَيَّالُ: السَّيَّالُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَثِيبًا مَهِيلا} [المزمل: 14] أَيْ: مَصْبُوبًا سَائِلا، يُقَالُ: تَهَيَّلَ الرَّمْلُ: إِذَا سَالَ، وَمَنْ رَوَى: أَهْيَمَ، يُقَالُ: كثيبٌ أَهْيَمُ، وَكُثْبَانٌ هِيمٌ، وَالْهِيمُ: الرِّمَالُ الَّتِي لَا يَرْوِيهَا مَاءُ السَّمَاءِ، وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الْوَاقِعَة: 55] .
3794 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا إِسْرَائِيلُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ(14/7)
حِينَ أُجْلِيَ الأَحْزَابُ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلا يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3795 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ
3795 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ،(14/8)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، فَقَالَ: " قَدْ وَضَعْتَ السِّلاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: فَأَيْنَ؟ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ "، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ هِشَامُ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إِلا الدَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ،(14/9)
مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ
3797 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زِقَاقِ بَنِي غَنْمٍ، مَوْكِبُ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
3798 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعَيْمِيِّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، نَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «(14/10)
لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ، إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ
بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ
وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصْفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي غَطَفَانَ(14/11)
فَنَزَلَ نَخْلا وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَاي، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ سِتٍّ(14/12)
فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
3799 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَتَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/13)
بَابُ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْح: 1] .
أَيْ: قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً مَفْصُولا فِيمَا اخْتَارَ اللَّهُ لَكَ مِنْ مُهَادَنَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمُوَادَعَتِهِمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالْفَتْحُ يَكُونُ صُلْحًا، وَيَكُونُ عَنْوَةً، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الْفَتْح: 18] .
3800 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْح: 1] ، قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ "، قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا، فَأَنْزَلَ(14/14)
اللَّهُ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الْفَتْح: 5] , قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَمَّا {إِنَّا فَتَحْنَا} [الْفَتْح: 1] فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَمَّا «هَنِيئًا مَرِيئًا» فَعَنْ عِكْرِمَةَ , هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3801 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحَ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا، فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرَكَائِبُنَا» .(14/15)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3802 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: " عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ
وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، بَايَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الْمَوْتِ، أَيْ: لَا نَزَالُ نُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْكَ مَا لَمْ نُقْتَلْ، وَبَايَعَهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: لَا نَفِرُّ.
3803 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ(14/16)
بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلا يَحْمِلَ سِلاحًا عَلَيْهِمْ إِلا سُيُوفًا، وَلا يُقِيمَ بِهَا إِلا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ ثَلاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ
وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاثٍ.(14/17)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ بِالأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطْفَانُ، قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بنبلي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ وَارْتَجَزْتُ حَتَّى اسْتَنْفَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً، قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ» ، قَالَ: ثُمَّ(14/18)
رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ
وَاللِّقَاحُ: النُّوقُ ذُوَاتُ الدَّرِّ، وَاحِدَتُهَا لِقْحَةٌ.
وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ، أَيْ: يَوْمُ هَلاكِ اللِّئَامِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَئِيمٌ رَاضِعٌ وَهُوَ الَّذِي رَضِعَ اللُّؤْمَ، كَمَا يُقَالُ: رَاكِعٌ وَرَكَعَ، وَخَاشِعٌ وَخَشَعَ، يُقَالُ: رَضِعَ أُمَّهُ يَرْضَعُ، وَرَضِعَهَا، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ» ، أَيْ: أَحْسِنِ الْعَفْوَ، وَالإِسْجَاحُ: حُسْنُ الْعَفْوِ.
بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةِ سَبْعٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ:(14/19)
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ، يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ» ؟ فَقَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلا أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ، فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ(14/20)
النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ» ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» ، قَالَ: فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعَ ذُبَابُ سَيْفُهُ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: «مَالَكَ» ؟ قُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: «مَنْ قَالَهُ» ، قُلْتُ: قَالَهُ فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ، وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ(14/21)
قَوْلُهُ: من هُنَيْهَاتِكَ، أَيْ: مِنْ أَرَاجِيزِكَ وَهِيَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ، كَمَا يُقَالُ: سَنَةٌ وَسُنَيْهَةٌ.
قَوْلُهُ: عَوِّلُوا عَلَيْنَا، أَيْ: أَجْلِبُوا بِالصَّوْتِ عَلَيْنَا مِنَ الْعَوِيلِ، يُقَالُ: أَعْوَلَتِ الْمَرْآةُ وَعَوَّلَتْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأَتَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَنَفَثَ فِيهَا ثَلاثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ(14/22)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ ههُنَا مِنَ الْيَهُودِ» ، فَجَمَعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَبُوكُمْ» ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلانٌ» ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، فَقَالَ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْ شَيْءٍ إِنْ أَنَا سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ» ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَّبْنَاكَ عَرَفْتَ كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ» ؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا» ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ» ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا» ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ» ؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/23)
بَابُ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ
كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، فَأَقَامَ ثَلاثَ لَيَالٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ» .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعَ ابْنُ أَوْفَى، يَقُولُ: «لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/24)
بَابُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بُعِثَ فِي جُمَادَى الأُولَى بَعْثُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى، وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/25)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوبَ: ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ غَيْرَ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ عَلَيْهِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، يَقُولُ: «لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ»(14/26)
بَابُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَتْحُ مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَحْمُودٌ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، وَسَارَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ، حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخِرُ فَالآخِرُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ(14/27)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاثِ مِائَةُ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الْإِسْرَاء: 81] ، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
النُّصُبُ: الصَّنَمُ الْمَنْصُوبُ لِلْعِبَادَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [الْمَائِدَة: 3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، نَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ،(14/28)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ، وَمَعَهُ بِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَابِ، ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ، فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُسَامَةُ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ، ثُمَّ غَلَّقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَمَكَثَ نَهَارًا طَوِيلا ثُمَّ خَرَجَ "، فَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ، فَسَبقْتُهُمْ، فَوَجَدْتُ بِلالا قَائِمًا وَرَاءَ الْبَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ شَطْرَيْنِ، صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ الشَّطْرِ الْمُقَدَّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجَ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ» ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى، وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/29)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَيُّوبُ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا، فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الاسْتِقْسَامُ: هُوَ طَلَبُ نَصِيبِهِ الَّذِي قُسِمَ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ التَّفَكُّرُ وَالتَّرَوِّي، يُقَالُ: تَرَكْتُ فُلانًا يَسْتَقْسِمُ، أَيْ: يُفَكِّرُ وَيَرْوِي، وَيُقَالُ: هُوَ يَقْسِمُ أَمْرَهُ، أَيْ: يَقْدُرُهُ وَيُدَبِّرُهُ.
بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ(14/30)
كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التَّوْبَة: 25] .
أَخْبَرَنَا ابنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قَالَ عَبَّاسٌ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجِذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفَّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(14/31)
أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» ، فَقَالَ عَبَّاسٌ، وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارُ وَالدَّعْوَةُ فِي الأَنْصَارِ يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالَ: ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ، فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: «انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ» ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلا، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ، نَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ،(14/32)
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاء مِنَ النَّاسِ وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمُوا بِرَشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ» .
قَالَ الْبَرَاءُ: كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَالأَخِفَّاءُ: جَمْعُ خِفٍّ، يُرِيدُ: الْقَوْمَ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ سِلاحٌ يُثْقِلُهُمْ، وَالْحُسَّرُ: جَمْعُ حَاسِرٍ وَهُوَ الَّذِي لَا دِرْعَ لَهُ، وَيُقَالُ: الَّذِي لَا سِلاحَ لَهُ، وَالرَّشْقُ: الرَّمْيُ، وَقَوْلُهُ: رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، أَيِ: اشْتَدَّ الْحَرْبُ، اسْتَقْبَلْنَا الْعَدُوَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ: مَوْتٌ أَحْمَرُ، أَيْ: شَدِيدٌ، وَحَمْرَاءُ الْقَيْظِ(14/33)
شِدَّةُ حَرِّهَا، وَسَنَةٌ حَمْرَاءُ: أَيْ: شَدِيدَةٌ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ عَامَ الْجَدْبِ بِالْحُمْرَةِ، وَتَقُولُ: إِنَّ آفَاقَ السَّمَاءِ تَحْمَرُّ أَعْوَامَ الْقَحْطِ، قَوْلُهُ: نَتَّقِي بِهِ، أَيْ: نَجْعَلُهُ وَاقِيَةً لَنَا مِنَ الْعَدُوِّ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ} [المزمل: 17] .
أَيْ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْعَذَابِ وَاقِيَةٌ إِنْ جَحَدْتُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
3818 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ، فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالا، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» ، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: " لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رِحَالِكُمْ، لَوْلا الْهِجْرَةُ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ(14/34)
وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ
بَابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
3819 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» ، قَالُوا:(14/35)
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا "
3819 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحِجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ» ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ، وَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذِهِ حِجَّةُ الْوَدَاعِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3820 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/36)
بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلا نَدْرِي مَا حُجَّةُ الْوَدَاعِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ، أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ، فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلاثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيَمِينِ، كَأَنَّ عَيْنَةُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، أَلا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بلَدَكِمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثًا، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابٌ فِي مَرَضِهِ وَوَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3821 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ(14/37)
عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيهِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ» ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيهِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمُنَا بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلا خُلَّةَ الإِسْلامِ، لَا تَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ(14/38)
بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِكٍ
وَالْخَوْخَةُ: مُخْتَرَقٌ بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَوْ دَارَيْنِ يُنْصَبُ عَلَيْهَا بَابٌ.
قَوْلُهُ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ» ، أَيْ: أَسْمَحُ بِمَالِهِ وَأَجْوَدُ بِذَاتِ يَدِهِ، وَالْمَنُّ الْعَطَاءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَنُّ بِمَعْنَى الاعْتِدَادِ بِالصَّنِيعَةِ، وَذَلِكَ مَذْمُومٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [الْبَقَرَة: 264] .
وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ هَذَا، إِذْ لَا مِنَّةَ لأَحَدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَهُ الْمِنَّةُ عَلَى جَمِيعِ الأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ: «إِلا خُلَّةَ الإِسْلامِ» ، أَشَارَ إِلَى أُخُوَّةِ الدِّينِ، وَفِي أَمْرِهِ بِتَرْكِ سَدِّ خَوْخَتِهِ الاخْتِصَاصُ كَمَا خَصَّهُ بِالاسْتِخْلافِ فِي الصَّلاةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَكِّدُ خِلافَتَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
3822 - أَخْبَرَنَا
أَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ بِمَرْوَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُمْ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ، وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي(14/39)
لأَنْظُرُ إِلَيْهِ وَأَنَا فِي مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا» ، فَقَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
3823 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، أَنَّ عَاصِمَ ابْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُمْ، نَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، أَنَا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى(14/40)
الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ الآنَ إِلَى حَوْضِي، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ
3824 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حريثٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ , قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشْفُ السِّتَارَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَى النَّاسِ أَنِ اثْبُتُوا، وَأَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّهُمْ، فَأَلْقَى السَّجْفَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ» .(14/41)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ
3825 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ , قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، قَالَ: «هَرِيقُوا(14/42)
عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ» ، فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ، وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ، كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الأَوْكِيَةُ جَمْعُ الْوِكَاءِ: وَهُوَ الْخَيْطُ، قَوْلُهُ: «لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» ، لأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَمْ يُحْلَلْ عَنْهُ الْوِكَاءُ يَكُونُ أَطْهَرُ لِعَدَمِ وُصُولِ الأَيْدِي إِلَيْهِ، وَخَصَّ عَدَدَ السَّبْعَ تَبَرُّكًا بِهَا، لأَنَّهَا تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِ الشَّرِيعَةِ، وَالْمِخْضَبُ: شِبْهُ الْمِرْكَنِ، وَهِيَ إِجَّانَةٌ يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ.
3826 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي(14/43)
مُلَيْكَةَ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ، كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَإِنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فَأَمَرَّهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ، شَكَّ عُمَرُ، فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٌ» ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقُ الأَعْلَى، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهَا: بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، النَّحْرُ: مَا لَزِقَ بِالْحُلْقُومِ مِنَ الْمَرِيءِ، وَالسَّحْرُ: الرِّئَةُ، يُقَالُ انْتَفَخَ سَحْرُهُ.(14/44)
3827 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلا أَكْرَةُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الْحَاقِنَةُ: الْمُطْمَئِنُّ بَيْنَ التَّرْقُوَةِ وَالْحَلْقِ، وَالذَّاقِنَةُ: نَقْرَةُ الذَّقَنِ، وَيُقَالُ: الذَّقَنُ، وَيُقَالُ: مَا يَنَالُهُ الذَّقَنُ مِنَ الصَّدْمِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الذَّاقِنَةُ: طَرَفُ الْحُلْقُومِ.
3828 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى» .(14/45)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُخْتَارٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ
قَوْلُهُ: «الرَّفِيقُ الأَعْلَى» ، قِيلَ: هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَلْحِقْنِي بِاللَّهِ.
وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: غَلَطَ هَذَا الْقَائِلُ، وَالرَّفِيقُ ههُنَا جَمَاعَةُ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ أَعْلَى عِلِّيِّينَ، اسْمٌ جَاءَ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَمَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النِّسَاء: 69] .
3829 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا يُونُسُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ» ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ فِي فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأَعْلَى» ، فَقُلْتُ: إِذًا لَا تَخْتَارَنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا، وَهُوَ صَحِيحٌ.
قَالَتْ: وَكَانَتْ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأَعْلَى.(14/46)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
3830 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» ، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بَحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النِّسَاء: 69] ".
فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خَيْرٌ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
3831 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ،(14/47)
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» ، فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ، فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ، يُرِيدُ: لَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْيَوْمِ نَصَبٌ، وَلا وَصَبٌ يَجِدُ لَهُ أَلَمًا، إِذْ أَفْضَى إِلَى دَارِ الآخِرَةِ وَالسَّلامَةِ الدَّائِمَةِ.
3832 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُلَيْكِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: «مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي(14/48)
يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ، ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ أَوْ مَعَ الصُّبْحِ، وَوَلِيَ غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ عَلِيٌّ، وَأُسَامَةُ، وَالْفَضْلُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: دُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ
3834 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بِشْرُ بْنُ هِلالٍ الصَّوَّافُ(14/49)
الْبَصْرِيُّ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَضَاءَ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا عَنِ التُّرَابِ، وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا» .
وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ
3834 - وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ وَلا أَضْوَأَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ عَلَيْنَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا كَانَ أَقْبَحَ وَلا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمِ مَاتَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
بَابُ تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3835 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ، أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ(14/50)
الْحَارِثِ، قَالَ: «لَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ، دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، وَلا عَبْدًا، وَلا أَمَةً، وَلا شَيْئًا، إِلا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلاحًا، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
3836 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا، وَلا أَمَةً، وَلا شَاةً، وَلا بَعِيرًا»
3837 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا هَنَّادُ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا،(14/51)
وَلا دِرْهَمًا، وَلا شَاةً، وَلا بَعِيرًا، وَلا أَوْصَى بِشَيْءٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ
3838 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْتَسِمْ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي ومَئُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ إِذْ كُنَّ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ أَنْ يُنْكَحْنَ، فَجَرَتْ لَهُنَّ النَّفَقَةُ.(14/52)
وَقَوْلُهُ: «مَئُونَةِ عَامِلِي» أَرَادَ بِالْعَامِلِ: الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ مِنَ الصَّفَايَا الَّتِي كَانَتْ لَهُ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَفَدَكَ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَى عُثْمَانَ، اسْتَغْنَى عَنْهَا بِمَالِهِ، فَأَقْطَعَهَا مَرْوَانَ، وَغَيْرَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَلَمْ تَزَلْ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى رَدَّهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
3839 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَّ زَاهِرَ بْنَ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ، فَهُوَ صَدَقَةٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ(14/53)
بَابُ عُمُرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3840 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَعْنِي يُوحَى إِلَيْهِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رُوحٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
3841 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَخْطُبُ، قَالَ: «مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/54)
وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ.
وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ , وَرَوَى عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، قَالَ: أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَحْيِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَثَلاثٌ وَسِتِّينَ أَكْثَرُ
بَابٌ
3842 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَا يَرَانِي، ثُمَّ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
3843 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا(14/55)
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/56)
كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ
بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ
3844 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ، النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ
وَقَوْلُهُ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ» ، مَعْنَاهُ تَفْضِيلُ قُرَيْشٍ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَتِقْدِيمُهَا فِي الإِمَامَةِ وَالإِمَارَةِ.(14/57)
وَقَوْلُهُ: «مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ» أَيْ: مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَيَتْبَعُهُمْ وَلا يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: «كَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» ، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الأَوَّلِ، إِنَّمَا أُخْبِرَ أَنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَتْبُوعِينَ فِي زَمَانِ الْكُفْرِ، إِذْ كَانَ أَمْرُ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ شَرَفُهُمْ إِلَيْهِم.
وَقَوْلُهُ: «خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا» ، يُرِيدُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَأْثَرَةٌ وَشَرَفٌ، فَإِذَا أَسْلَمَ وَفَقِهَ، فَقَدْ حَازَ إِلَى ذَلِكَ مَا اسْتَفَادَهُ بِحَقِّ الدِّينِ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَقَدْ هَدَمَ شَرَفَهُ وَضَيَّعَهُ.
وَقَوْلُهُ: «تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ» ، أَرَادَ أَنْ خِيَارَهُمُ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ الإِمَارَةَ، وَيَكْرَهُونَ الْوِلايَةَ، حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ، فَإِذَا وَقَعُوا فِيهِ عَنْ رَغْبَةٍ وَحِرْصٍ عَلَيْهِ، زَالَ عَنْهُمْ حُسْنُ الاخْتِيَارِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً» ، وَقَالَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذَبَحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» ، وَالآخَرُ: أَن
خِيَار النَّاس يكْرهُونَ الْولَايَة حَتَّى يقعوا فِيهَا، فَإِذا وَقَعُوا فِيهَا، لم يكرهوها وَقَامُوا بِحَقِّهَا، وَذَلِكَ لأَنَّ مَنْ كَرِهَ الشَّيْءَ تَغَافَلَ عَنْهُ، وَلَمْ يَقُمْ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.(14/58)
3845 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الأَمْرِ، خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ، وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ، النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقِهُوا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَقَوْلُهُ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الأَمْرِ» ، يُرِيدُ فِي الْوِلايَةَ.
وَقَوْلُهُ: «خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ» ، يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ: «مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ» ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا خِيَارًا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْخِيَارَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَشْرَارًا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الأَشْرَارَ كَمَا قِيلَ: أَعْمَالُكُمْ عُمَّالُكُمْ.
3846 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبِو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ:(14/59)
نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
3847 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ رَوْحٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ
3848 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ اثْنَانِ» .(14/60)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ , وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ»
3849 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلاءِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ أَبِي الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدْ هَوَانَ قُرَيْشٍ، أَهَانَهُ اللَّهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
3850 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ(14/61)
مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِلْقُرَشِيِّ مِثْلُ قُوَّةِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ»
بَابُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ
3851 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .(14/62)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ
3852 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ لَهَا، وَعُصَيَّةُ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
قِيلَ: إِنَّمَا دَعَا لِغِفَارٍ وَأَسْلَمَ، لأَنَّ دُخُولَهُمَا فِي الإِسْلامِ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ غِفَارٌ تُزَنُّ بِسَرِقَةِ الْحُجَّاجِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ السُّبَّةِ، وَيَغْفِرَهَا لَهُمْ، وَأَمَّا عُصَيَّةُ، فَهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ عَلَيْهِمْ
3853 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ،(14/63)
وَجُهَيْنَةُ، وَمُزَيْنَةُ، وَأَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ
قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «مَوَالِيَّ» ، أَيْ: أَوْلِيَائِي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [مُحَمَّد: 11] .
أَيْ: لَا وَلِيَّ لَهُمْ.
3854 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّفْلِيسِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّرَازِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكْرَةَ.
ح وَشُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَجُهَيْنَةُ، وَمُزَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَعَامِرُ بْنُ صَعْصَعَةَ، وَأَسَدٌ، وَغَطَفَانُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ(14/64)
3855 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، بِمَرْوَ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَشَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَمُزَيْنَةُ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَمِيمٍ، وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَهَوَازِنُ، وَغَطَفَانُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، كِلاهُمَا، عَنْ أَيُّوبَ
بَاب فِي بني تَمِيم
3856 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا ابْنُ سَلامٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ عُمَارَةَ , عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ(14/65)
ثَلاثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَارَةَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِيِّ
بَابُ خَيْرِ الْقُرُونِ
3857 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ، قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَقَالَ: «إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِم السِّمَنُ» .(14/66)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنِ النَّضْرِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا، عَنْ شُعْبَةَ
3858 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَفْشُو فِيهِم السِّمَنُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: يَظْهَرُ فِيهِم السِّمَنُ، يَعْنِي: جَمْعَ الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا.(14/67)
بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الْفَتْح: 29] .
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الْفَتْح: 29] .
قَالَ مُجَاهِدٌ: السَّحْنَةُ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ، وَقِيلَ: صُفْرَةُ الْوَجْهِ مِنَ السَّهَرِ، وَقِيلَ نُورٌ وَبَيَاضٌ فِي وُجُوهِهِمْ يَوْم الْقِيَامَةِ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهِمْ وَسُجُودِهِمْ.
قَوْلُهُ: شَطْأَهُ، أَيْ فِرَاخَهُ، يُقَالُ أَشْطَأَ الزَّرْعُ: إِذَا نَبَتَ فِي أُصُولِهِ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، فَآزَرَهُ، أَيْ قَوَّاهُ وَأَرَادَ أَنَّ الْحَبَّةَ الْوَاحِدَةَ تُنْبِتُ سَبْعًا وَثَمَانِيًا وَعَشْرًا، فَيُقَوَّى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ، مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ اللَّهُ بِأَصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النَّمْل: 59] ، قَالَ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ(14/68)
لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
3859 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ.
ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ الْقَصَّارُ أَبُو إِسْحَاقَ بِالْكُوفَةِ، أَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ،(14/69)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ
وَالنَّصِيفُ بِمَعْنَى النِّصْفِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْعُشْرِ: عَشِيرٌ، وَلِلْخُمْسِ خَمِيسٌ، وَلِلتِّسْعِ تَسِيعٌ، وَلِلثُّمُنِ ثَمِينٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي السُّبُعِ وَالسُّدُسِ وَالرُّبُعِ، فَمِنْهُمْ، مَنْ يَقُولُ: سَبِيعٌ، وَسَدِيسٌ، وَرَبِيعٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ نَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ فِي الثُّلاثِيِّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ جَهْدَ الْمُقِلِّ مِنْهُمْ وَالْيَسِيرِ مِنَ النَّفَقَةِ مَعَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ وَالضُّرِّ، أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يُنْفِقُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ.
3860 - أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْعَلائِيُّ الْبَغَوِيُّ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ بِجُرْجَانَ، نَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّوزِيُّ، نَا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ بْنِ الْمُفَضَّلِ الْغَلابِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا عُبَيْدَةُ بْنُ أَبِي رَائِطَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ، فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي، فَقَدْ آذَى اللَّهَ،(14/70)
وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
3861 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبِشَارِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِيَانُوشَ الزَّاهِدِ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، نَا حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوِ انْتَظَرْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ، فَانْتَظَرْنَاهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَهُنَا» ، قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْنَا: نُصَلِّي مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: «النُّجُومُ أمَنَةٌ لأَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى أَهْلُ السَّمَاءِ مَا يُوعَدُونَ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا(14/71)
ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الْحَسَيِن الْجُعْفِيِّ
3862 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَفَّانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي بِأَرْضٍ كَانَ نُورُهُمْ وَقَائِدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ كُنْيَتُهُ أبُو طَيْبَةَ، يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ
3863 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا(14/72)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلا بِالْمِلْحِ» .
قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: فَقَدْ ذَهَبَ مِلْحُنَا، فَكَيْفَ نَصْلُحُ؟ .
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْحَسَنِ
3864 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهَمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ(14/73)
النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ، نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
الْفِئَامُ: الْجَمَاعَاتُ.
3865 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْخِلافَةُ ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» ، ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكْ خِلافَةَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَخِلافَةَ عُمَرَ عَشَرَةً، وَعُثْمَانَ اثْنَيْ عَشَرَ، وَعَلِيَّ سِتَّةَ، قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لِحَمَّادٍ: سَفِينَةُ الْقَائِلُ لِسَعِيدٍ:(14/74)
أَمْسِكْ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ، إِلا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ.
رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُلَّمَا أَعْيَا إِنْسَانٌ، أَلْقَى عَلَيَّ سَيْفَهُ وَتُرْسَهَ حَتَّى حَمَلْتُ شَيْئًا كَثِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ سَفِينَةٌ»
قَوْلُهُ: «الْخِلافَةُ ثَلاثُونَ سَنَةٌ» .
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ: يُرِيدُ أَنَّ الْخِلافَةَ حَقٌّ، الْخِلافَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلَّذِينَ صَدَقُوا هَذَا الاسْمَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِذَا خَالَفُوا السُّنَّةَ، وَبَدَّلُوا السِّيرَةَ، فَهُمْ حِينَئِذٍ مُلُوكٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَسَامِيهِمُ الْخُلَفَاءَ، وَلا بَأْسَ أَنْ يُسَمَّى الْقَائِمُ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْخُلَفَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِبَعْضِ سِيَرِ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ لِقِيَامِهِ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، وَيُسَمَّى خَلِيفَةٌ، لأَنَّهُ خَلَفَ الْمَاضِي قَبْلَهُ، وَقَامَ مَقَامَهُ، وَلا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةُ اللَّهِ بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [الْبَقَرَة: 30] ، وَقَالَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص: 26] .(14/75)
رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، قَالَ: أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِعُمَرَ: يَا مَلِكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَاكَ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ؟ أَلَيْسَ تَجِدُونَ النَّبِيَّ، ثُمَّ الْخَلِيفَةَ، ثُمَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ الْمُلُوكَ بَعْدُ؟ قَالَ: بَلَى.
وَقَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَك لَقَدْ تَنَاوَلْتَ مُتَنَاوَلا بَعِيدًا إِنَّ أُمِّي سَمَّتْنِي عُمَرَ، فَلَوْ دَعَوْتَنِي بِهَذَا الاسْمِ قَبِلْتُ، ثُمَّ كَبُرْتُ، فَتَكَنَّيْتُ أَبَا حَفْصٍ، فَلَوْ دَعَوْتَنِي بِهِ، قَبِلْتُ، ثُمَّ وَلَّيْتُمُونِي أُمُورَكُمْ، فَسَمَّيْتُمُونِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ دَعَوْتَنِي بِذَلِكَ، كَفَاكَ.
بَابُ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَكُنْيَةُ عُثْمَانَ أَبُو قُحَافَةَ، وَيُقَالُ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ وَأَشْهُرٍ، فِي آخِرِ جُمَادَى الآخِرَةِ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ، سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَدُفِنَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي بَيْتِهِ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التَّوْبَة: 40] ,(14/76)
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ» .
3866 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَة الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا، لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخِي وَصَاحِبِي، وَلَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا» .(14/77)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ
3867 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ , أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خله غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا، يَعْنِي نَفْسَهُ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ
قَوْلُهُ: «وَلَكِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا» ، أَيْ: جَعَلَهُ مَخْصُوصًا بِالْمَحَبَّةِ، يُقَالُ: دَعَا فُلانٌ فَخَلَّلَ، أَيْ: خَلَّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النِّسَاء: 125] ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ تَخَلُّلِ الْمَوَدَّةِ الْقَلْبَ، وَتَمَكُّنِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ: الْخَلِيلُ الْفَقِيرُ، وَالْخُلَّةُ الْحَاجَةُ(14/78)
كَأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْرَهُ وَحَاجَتَهُ إِلا إِلَيْهِ، إِلا أَنَّ الاسْمَ مِنَ الْفَقْرِ الْخَلَّةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَمِنَ الْمَحَبَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ.
3868 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ , نَا عَاصِمُ بْنُ عَاصِمٍ , نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعْتُ، فَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ، قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي، فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، كِلاهُمَا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
3869 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: حَدَّثَنَا , عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: " أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟(14/79)
قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
3870 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجُشُونِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ وَذَوِي الأَسْنَانِ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمْ فِيهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ السِّنِّ، وَلَمْ يُرِدِ ابْنُ عُمَرَ بِهِ الإِزْرَاءَ بِعَلِيٍّ، وَلا تَأْخِيرَهُ عَنِ الْفَضِيلَةِ بَعْدَ عُثْمَانَ، وَفَضْلُهُ(14/80)
مَشْهُورٌ لَا يُنْكِرُهُ ابْنُ عُمَرَ، وَلا غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ إِلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى عُثْمَانَ، وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا قَوْلُكَ فِي التَّفْضِيلِ؟ فَقَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يَقُولُونَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، قِيلَ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ كُوفِيُّ، وَقَدْ ثَبُتَ عَنْ سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ قَوْلِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ
3871 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، نَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، نَا أَبُو يَعْلَى مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ " أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ: ثُمَّ مَنْ، فَيَقُولُ: كَذَا، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ، فَقَالَ: مَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ
3872 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:(14/81)
أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: «أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ، وَصَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
بَابٌ فِي فَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَلِيَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهَا كُلَّهَا، قُتِلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ.
3873 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَا خَثْيَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ فِيمَا خَلا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَّةِ نَاسٌ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ، فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» .(14/82)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
قَوْلُهُ: «مُحَدِّثُونَ» ، فَالْمُحَدِّثُ الْمُلْهَمُ يُلْقَى الشَّيْءُ فِي رُوعِهِ، يُرِيدُ قَوْمًا يُصِيبُونَ إِذَا ظَنُّوا، فَكَأَنَّهُمْ حَدَّثُوا بِشَيْءٍ فَقَالُوهُ، وَتِلْكَ مَنْزِلَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الأَوْلِيَاءِ.
3874 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ بِسَامَرَّا، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ، وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي(14/83)
فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ، بَادَرْنَ الْحِجَابَ» ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» .
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّاسٍ النَّسَائِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَوْلُهُ: أَتَهِبْنَنِي، مِنْ قَوْلِهِمْ: هِبْتُ الرَّجُلَ إِذَا وَقَّرْتُهُ وَعَظَّمْتُهُ، يُقَالُ: هَبِ النَّاسَ يَهَابُونَكَ، أَيْ وَقِّرْهُمْ يُوَقِّرُونَكَ، وَالْفَجُّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {سُبُلا فِجَاجًا} [نوح: 20] ، أَيْ طُرُقًا وَاسِعَةً.(14/84)
3875 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»
3876 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو عَمْرٍو، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ كُمَّيْ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا فَتَى، ادْعُ لِي بِخَيْرٍ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: قُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَنْتَ أَحَقُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ لَكَ: نِعْمَ الْغُلامُ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ»(14/85)
3877 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شَرِيكٌ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»
3877 - وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ، فَقَالُوا فِيهِ، وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ»
3877 - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ، إِلا وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ»
3879 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ , نَا حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجُشُونِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ بِنْتِ مِلْحَانَ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: بِلالٌ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ،(14/86)
فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ "، قَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟ .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ
الْخَشْفَةُ: أَصْلُهَا الْحَرَكَةُ، وَمَعْنَاهَا هَهُنَا: مَا يُسْمَعُ مِنْ حِسِّ وَقْعِ الْقَدَمِ.
3879 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ، بِسَامَرَّا، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رَأَيْتُ النَّاسَ فِي الْمَنَامِ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرَ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الدِّينُ» .(14/87)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ
3880 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَقِيلٍ
3881 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الْعَدْلُ، بِمَرْوَ، نَا أَبُو الْمُوَجَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(14/88)
الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنٍ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ ينْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَن» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ
الْقَلِيبُ: الْبِئْرُ تُحْفَرُ فَيُقْلَبُ تُرَابُهَا قَبْلَ أَنْ تُطْوَى.
وَالْغَرْبُ: دَلْوُ السَّانِيَّةَ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْعَبْقَرِيُّ يُوصَفُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي مَعْنَاهُ.
وَالْعَطَنُ: مُنَاخُ الإِبِلِ إِذَا صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ رِوَاءً.
قَوْله: حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ، مَعْنَاهُ حَتَّى رَوَوْا وَأَرْوَوْا إِبِلَهُمْ، فَأَبْرَكُوهَا وَضَرَبُوا لَهَا عَطَنًا.
3882 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ(14/89)
الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ الدَّلْوُ مِنْ يَدِي لِيُرِيحَنِي، فَنَزَعَ دَلْوَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، قَالَ: فَأَتَانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ رَجُلٌ نَزْعَهُ حَتَّى وَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَنْفَجِرُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: أَنْزِعُ، أَيْ أَسْتَقِي بِالدَّلْوِ بِالْيَدِ.
3883 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَسْتَقِي جَاءَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِيهِمَا ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَنَزَعَ حَتَّى اسْتَحَالَتْ(14/90)
غَرْبًا فِي يَدِهِ، وَضَرَبَ النَّاسُ بِالْعَطَنِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» , وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، بِهَذَا الإِسْنَادِ
قَوْلُهُ: «ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا» ، أَيِ: انْتَقَلَتْ فِي يَدِ عُمَرَ مِنَ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، فِي رِوَايَتِهِ، «ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا» .
وَالْغَرْبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ، فَإِذَا فُتِحَتِ الرَّاءُ فَهُوَ الْمَاءُ السَّائِلُ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْحَوْضِ، وَأَرَادَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَخَذَ الدَّلْوَ عَظُمَتْ فِي يَدِهِ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: «وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ» ، لَمْ يُرِدْ بِهِ نِسْبَةَ التَّقْصِيرِ إِلَى الصِّدِّيقِ فِي الْقِيَامِ بِالأَمْرِ، فَإِنَّهُ جَدَّ بِالأَمْرِ، وَتَحَمَّلَ مِنْ أَعْبَاءِ الْخِلافَةِ مَا كَانَتِ الأُمَّةُ تَعْجَزُ عَنْ تَحَمُّلِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّ النِّفَاقُ، وَنَزَلَ بِأَبِي مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ لَهَاضَهَا، قَالَ عُمَرُ فِي أَبِي بَكْرٍ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ، بَلْ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفُتُوحِ كَانَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ لِقِصَرِ مُدَّةِ أَيَّامِ وِلايَةِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعِشْ فِي الْخِلافَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَشَيْءٍ، وَامْتَدَّتْ وِلايَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَقِيلَ: الذَّنُوبَانِ إِشَارَةٌ إِلَى خِلافَةِ سَنَتَيْنِ وَأَيَّامٍ، وَالْعَبْقَرِيُّ:(14/91)
قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ: يُقَالُ: هَذَا عَبْقَرِيُّ قَوْمٍ، كَمَا يُقَالُ: سَيِّدُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَقَوِيُّهُمْ، وَالْعَبْقَرِيُّ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرَّحْمَن: 76] ، أَيْ: طَنَافِسٌ ثِخَانٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِلْبُسُطِ كُلِّهَا: عَبْقَرِيٌّ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ» ، أَيْ: يَعْمَلُ عَمَلَهُ، وَيُقْوَى قُوَّتَهُ، وَيَقْطَعُ قَطْعَهُ، يُقَالُ: تَرَكْتُهُ يَفْرِي الْفَرِيَّ: إِذَا عَمِلَ عَمَلا فَأَجَادَ وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٍ إِلَى مَا أَكْرَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ امْتِدَادِ مُدَّةِ خِلافَتِهِ، ثُمَّ الْقِيَامُ فِيهَا بِإِعْزَازِ الإِسْلامِ، وَحِفْظِ حُدُودِهِ، وَتَقْوِيَةِ أَهْلِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ.
3885 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَابِرٍ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ خَلَفُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّسَفِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» ، فَأَصْبَحَ عُمَرُ(14/92)
فَغَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي النَّضْرِ أَبُو عُمَرَ , وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا مَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحُسَيْنِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «فَغَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ طَاهِرًا»
3887 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله الصَّالِحِيِّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنَيْبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حُمَيْدُ، عَنْ أَنَسٍ.
ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مكرم الْبَغْدَادِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالا: نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "(14/93)
وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَة: 125] ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي بَعْضُ مَا آذَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ، فَجَعَلْتُ أَسْتَقْرِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى زَيْنَبَ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ، أمَا كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟ ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التَّحْرِيم: 5] ، إِلَى آخِرِ الآيَةِ ".(14/94)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ
قَوْلُهُ: أَسْتَقْرِيهِنَّ، أَيْ: أَتَتَبَّعُهُنَّ، يُقَالُ: قَرَوْتُ وَاقْتَرَيْتُ وَاسْتَقْرَيْتُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «فَخَرَجَ يَسْتَقْرِي الرِّفَاقَ» .
3888 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ، سَمِعَهُمَا يَقُولانِ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلإِسْلامِ، يَدْخُلُ فِيهِ وَلا يَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، انْثَلَمَ مِنَ الْحِصْنِ ثُلْمَةٌ، فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلا(14/95)
يَدْخُلُ فِيهِ، وَكَانَ إِذَا سَلَكَ بِنَا طَرِيقًا، وَجَدْنَاهُ سَهْلا، فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ، فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كَانَ فَصْلَ مَا بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْدُمُ مِثْلَهُ حَتَّى أَمُوتَ»
قَوْلُهُ: فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ، مَعْنَاهَا: هَلُمَّ، أَيْ: فَهَاتِ وَعَجِّلْ بِعُمَرَ، أَيْ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، أَيْ هَلُمُّوا إِلَيْهَا وَأَقْبِلُوا.
بَابٌ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
3889 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا ابْنُ أَبِي مَسَرَّةَ هُوَ أَبُو يَحْيَى، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، حَدَّثَنِي الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ أَعْيَا، فَرَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الأَرْضِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي(14/96)
أُومِنُ بِهِ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا، فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا، فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ الذِّئْبُ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: أُومِنُ بِهِ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا هُنَا ثَمَّ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
3890 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ أَعْيَا فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الأَرْضِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنِّي آمَنْتُ بِهِ، أَنا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَلَيْسَا فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: آمَنَّا بِمَا آمَنَ بِهِ(14/97)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ شَاةً إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَيْهَا، فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ، فَقَالَ: فَمَنْ لَها يَوْمَ السَّبْعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي آمَنْتُ بِه، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَلَيْسَا فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: آمَنَّا بِمَا آمَنَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِهِ: «فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ» بِسُكُونِ الْبَاءِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، السَّبْعُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَهُ الْمَحْشَرُ، وَالسَّبْعُ الذُّعْرُ أَيْضًا، يُقَالُ: سَبَعْتَ الأَسَدَ، إِذَا ذَعَرْتَهُ، وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَوْمُ الْفَزَعِ.
3891 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي، قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَةُ عَلَى مَنْكِبِي، يَقُولُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتِ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا(14/98)
كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُنْتُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» ، فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ
3892 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السِّمْسَارُ، بِبَغْدَادَ، إِمْلاءً، نَا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الدَّهْقَانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُطَارِدِيُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُنَيْفِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقٍ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَاهُ» .(14/99)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ لِوَجْهِهِ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيُّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَمَا»
3893 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْد كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ، نَا عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ مِنْهُمْ، وَأَنْعَمَا»
قَوْلُهُ: «أَهْلُ عِلِّيِّينَ» ، أَيِ الَّذِينَ فِي أَعْلَى الأَمْكِنَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] ، قَالَ: عِلِّيُّونَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَحْتَ قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيُمْنَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ وَاحِدٌ، كَمَا يُقَالُ: لَقِيتُ مِنْهُ الْبُرَحَيْنِ، وَهُوَ وَاحِدٌ يُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ.
وَقَوْلُهُ: «أَنْعَمَا» ، يَعْنِي: زَادَا عَلَى ذَلِكَ، يُقَالُ: قَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنْعَمْتَ، أَيْ: زِدْتَ عَلَى الإِحْسَانِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قِيلَ لأَبِي سَعِيدٍ: مَا أَنْعَمَا؟ قَالَ: أَهْلُ ذَاكَ هُمَا، وَقِيلَ: أَنْعَمَا، أَيْ: صَارَا إِلَى النَّعِيمِ،(14/100)
وَدَخَلا فِيهِ، كَمَا يُقَالُ: أَجْنَبَ الرَّجُلُ: إِذَا دَخَلَ فِي الْجَنُوبِ، وَأَشْمَلَ: إِذَا دَخَلَ فِي الشِّمَالِ.
3895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي عَزْرَةَ بِالْكُوفَةِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الْعَابِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ»
3895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، أَنَا خَيْثَمَةُ، أَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: كَانَ سُفْيَانُ يُدَلِّسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَرُبَّمَا يَذْكُر:(14/101)
عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرْ: عَنْ زَائِدَةَ
3896 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ، ابْنَا عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ بْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ الطُّوسِيُّ، بِهَا قَالا: نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ كَيْسَانَ النَّحْوِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ الأَسَدِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، نَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ
قَوْلُهُ: «اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ» ، أَيْ: سِيرُوا بِسِيرَتِهِ.
وَأَبُو الزَّعْرَاءِ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ.
3897 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،(14/102)
سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَالَ: «سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ عَوْنُ بْنُ جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ
3898 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ رَأْسَهُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ(14/103)
بَابُ فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَيُقَالُ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَلِيَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حَجَّهَا كُلَّهَا إِلا سَنَتَيْنِ، قُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ.
3899 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ(14/104)
وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ، فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟ فَقَالَ: «أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ؟» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ
3900 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فِي مِرْطٍ وَاحِدٍ، قَالَتْ: فَأَذِنَ لَهُ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، وَهُوَ مَعِي فِي الْمِرْطِ، ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ، فَأَصْلَحَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَجَلَسَ وَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَضَى إِلَيْكَ حَاجَتَهُ عَلَى حَالِكَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ عُمَرُ، فَقَضَى إِلَيْكَ حَاجَتَهُ عَلَى حَالِكَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ عُثْمَانُ، فَكَأَنَّكَ تَحَفَّظْتَ؟ فَقَالَ: «(14/105)
إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ وَلَوْ أَنِّي أَذَنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ خَشِيتُ أَنْ لَا يَقْضِي حَاجَتَهُ» .
قُلْتُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، فَقَالَ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُثْمَانَ جَمِيعًا
3901 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا حَمْدُ بْنُ مُلاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ صَعِدُوا أُحُدًا، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» , هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، وَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ»(14/106)
3902 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الأَبِيوَرْدِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، أَنَّ أُحُدًا ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، مَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» .
وَفِي رِوَايَةِ الرَّمَادِيِّ: إِنَّ حِرَاءَ ارْتَجَّ، وَقَالَ: «اثْبُتْ، مَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» .
وَقَالَ غَيْرُ الرَّمَادِيِّ: إِنَّ أُحُدًا ارْتَجَّ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحِيحِ.
3903 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّيْمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ(14/107)
عَاصِمٍ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيقَةِ بَنِي فُلانٍ، وَالْبَابُ عَلَيْنَا مُغْلَقٌ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ إِذَا اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بن قَيْسٌ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُمْ فَافْتَحِ الْبَابَ، وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ» ، فَقُمْتُ، فَفَتَحْتُ لَهُ الْبَابَ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَدَخَلَ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْكُتُ بِذَلِكَ الْعُودِ فِي الأَرْضِ، فَاسْتَفْتَحَ آخَرُ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ بن اللَّهِ قَيْسُ، قُمْ فَافْتَحِ لَهُ الْبَابَ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» ، فَقُمْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ الْبَابَ، وَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَدَخَلَ وَسَلَّمَ، وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْكُتُ بِذَلِكَ الْعُودِ فِي الأَرْضِ إِذِ اسْتُفْتِحَ الْبَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بن قَيْسُ، قُمْ فَافْتَحْ لَهُ الْبَابَ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ» ، فَقُمْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ الْبَابَ، وَإِذَا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الْمُسْتَعَانُ اللَّهُ، أَوْ عَلَى اللَّهِ التُّكْلانُ، ثُمَّ دَخَلَ فَسَلَّمَ وَقَعَدَ.(14/108)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدِّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، كِلاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: يَرْكُزُ بِعُودٍ مَعَهُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ.
وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا، وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ بِمَعْنَاهُ
3904 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُلاعِبٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَكْتُومٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا السَّكَنُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْبَزَّارُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَّ عَلَى جَيْشٍ، قَالَ: فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: عَلَيَّ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ حَضَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ: عَلَيَّ مِائَةٌ مِنَ(14/109)
الإِبِلِ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ حَضَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ: عَلَيَّ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ السَّكَنِ
3905 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَائِيُّ صَاحِبُ أَبِي ثَوْرٍ، بِسَامَرَّا، نَا عَفَّانُ، نَا وُهَيْبٌ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِتْنَةَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمَئِذٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْهُدَى» ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ، فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: «(14/110)
نَعَمْ» ، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
بَابُ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبِي الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قُتِلَ فِي رَمَضَانَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ
3906 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ , أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ لِهَذِهِ الرَّايَةِ غَدًا رَجُلا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ، غَدَوْا عَلَى(14/111)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟» قَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ» ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ قَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ
قَوْلُهُ: «يَدُوكُونَ» ، أَيْ: يَخُوضُونَ، يُقَالُ: النَّاسُ فِي دَوْكَةٍ، أَيْ فِي اخْتِلاطٍ وَخَوْضٍ، وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّوْكِ، وَهُوَ السَّحْقُ، وَتُسَمَّى صَلابَةُ الطِّيبِ مَدَاكًا، شَبَّهَ الأَمْرَ فِيهِ بِمَنْ دَقَّ شَيْئًا لِيَسْتَخْرِجَ لُبَّهُ وَيَعْلَمَ بَاطِنَهُ، وَأَرَادَ بِحُمْرِ النَّعَمِ: حُمْرَ الإِبِلِ وَهِيَ أَعَزُّهَا وَأَنْفَسُهَا يُرِيدُ: لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ أَجْرًا وَثَوَابًا مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ فَتَتَصَدَّقَ بِهَا.(14/112)
3907 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ , أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيَّ بَعْدِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ , هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى أَهْلِهِ حَالَةَ غَيْبَتِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى أَخَاهُ هَارُونَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الطُّورِ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْخِلَافَةُ فِي حَيَاتِهِ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ
3908 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، أَنَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُكَ إِلا مُنَافِقٌ» .(14/113)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ
3909 - أَخْبَرَنَا الإمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ , عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسْمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنَّهُ: «لَا يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُكَ إِلا مُنَافِقٌ» .
صَحِيحٌ
بَابُ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وُلِدَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَيُقَالُ: ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ.(14/114)
3910 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا» ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ: مَرْضِعًا بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ: رَضَاعًا، وَبِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ: مَنْ يُتِمُّ رَضَاعُهُ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ مُرْضِعُ بِلا هَاءٍ، وَمُرْضِعَةٌ إِذَا بَنَيْتَ عَلَى أَرْضَعَتْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ الرَّسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الْأَحْزَاب: 33] ، أَيِ: الشَّكَّ، وَالشِّرْكَ، وَالرّجس: الْعَمَلُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْعَذَابِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ(14/115)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ» .
3911 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نَا أَبِي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ الْحُجُبِيَّةِ , عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَلَسَ فَأَتَتْ فَاطِمَةُ، فَأَدْخَلَهَا فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ حَسَنٌ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ حُسَيْنٌ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الْأَحْزَاب: 33] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ مُصْعَبٍ
الْمُرَحَّلُ: الَّذِي فِيهِ خُطُوطٌ شِبْهُ الرِّحَالِ.
3912 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مكرمٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ(14/116)
أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: فِي بَيْتِي أُنْزِلَتْ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الْأَحْزَاب: 33] ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَاطِمَةَ، وَعَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، فَقَالَ: «هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي» ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: «بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ
3913 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ، نَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْعَبْدِيُّ , أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، نَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ , قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، يَقُولُ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبُهُ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَخُذُوا بِهِ،(14/117)
فَحَثَّ عَلَيْهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ "، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ وَزَادَ: «وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»
قِيلَ: سَمَّاهُما ثَقَلَيْنِ، لأَنَّ الأَخْذَ بِهِمَا، وَالْعَمَلَ بِهِمَا ثَقِيلٌ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} [المزمل: 5] ، أَيْ: أَوَامِرَ اللَّهِ، وَفَرَائِضِهِ، وَنَوَاهِيهِ، لَا تُؤَدَّى إِلا بِتَكَلُّفِ مَا يُثْقِلُ، وَقِيلَ: قَوْلا ثَقِيلا، أَيْ: لَهُ وَزْنٌ، وَسُمِّيَ الْجِنُّ وَالإِنْسُ ثَقَلَيْنِ، لأَنَّهُمَا فُضِّلا بِالتَّمْيِيزِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ وَزْنٌ وَقَدْرٌ يُتَنَافَسُ فِيهِ، فَهُوَ ثَقَلٌ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: أَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ.
3914 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيثٍ، أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَخْبَرَنَا , عَنْ عَطِيَّةَ الْعوفِيِّ،(14/118)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللَّهِ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أَلا إِنَّهُمَا لَنْ يَفَتَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ".
حَسَنٌ غَرِيبٌ
بَابُ مَنَاقِبِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ تَيْمٍ التَّيْمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ.
3915 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ , نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،(14/119)
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ، فَنَهَضَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَعَدَ طَلْحَةُ تَحْتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ
3916 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَان الْجَوْهَرِيُّ بِأَنْطَاكِيَةَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الصَّلْتِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ(14/120)
قَوْلُهُ: «وَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ» ، أَيْ: بَذَلَ جَهْدَهُ فِي الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ، فَكَانَ طَلْحَةُ مِمَّنْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الْأَحْزَاب: 23] ، أَيْ نَذْرَهُ وَعَهْدَهُ، وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ، وَيُقَالُ: الْمَوْتُ، فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الصَّبْرَ عَلَى الْجِهَادِ، فَوَفَّى بِهِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ.
3917 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلاءَ، وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابُ مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيِّ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قُتِلَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ.(14/121)
3918 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو عُبَيْدَةَ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى بِالْكُوفَةِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِي بِخَيْرِ الْقَوْمِ» ؟ يَوْمَ الأَحْزَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ
قَوْلُهُ: «حَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ» ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ: النَّاصِرُ، وَالْحَوَارِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانُوا أَنْصَارًا لَهُ، سُمُّوا حَوَارِيِّينَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَغْسِلُونَ الثِّيَابَ، فَيَحُورُونَهَا، أَيْ: يُبَيِّضُونَهَا.
3919 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ،(14/122)
أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِي بِخَيْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ» ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أَذْهَبُ، فَلَمَّا جِئْتُ، قَالَ: «فِدَاكَ أُمِّي وَأَبِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَلِيلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ
بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ
وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ.
3920 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ , نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ،(14/123)
يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأُحُدٍ إِلا سَعْدًا، فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَسْرَةَ بْنِ صَفْوَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ
3921 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: «أَنَا ابْنَةُ الْمُهَاجِرِ الَّذِي فَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ»
3922 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الشَّجَرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ،(14/124)
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ اسدد رَمْيَتَهُ، وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ»
3923 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، نَا أَبِي، عَنْ بَيَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «إِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ أَهْرَاقَ دَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَغْزُو فِي الْعِصَابَةِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَأْكُلُ إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ وَالْحُبْلَةَ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ أَوِ الْبَعِيرُ، فَأَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي فِي الدِّينِ لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، عَنْ(14/125)
خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ
قَوْلُهُ: «إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ وَالْحُبْلَةَ» ، وَيُرْوَى: «إِلا الْحُبْلَةَ وَوَرَقَ السَّمُرِ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُمَا ضَرْبَانِ مِنَ الشَّجَرِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْحُبْلَةُ ثَمَرُ السَّمُرِ شَبَهُ اللُّوبِيَاءِ، وَقِيلَ الْحُبْلَةُ: ثَمَرُ الْعِضَاهِ.
قَوْلُهُ: تُعَزِّرُنِي: أَيْ تُؤَدِّبُنِي، وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ وَهُوَ التَّأْدِيبُ عَلَى الرِّيبَةِ، وَالْمَعْنَى تُعَلِّمُنِي الصَّلاةَ وَتُعَيِّرُنِي بِأَنِّي لَا أُحْسِنُهَا، وَقِيلَ: تُعَزِّرُنِي، أَيْ تُوَقِّفُنِي عَلَيْهِ، وَالتَّعْزِيرُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ التَّوْقِيفُ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ وَالتَّعْزِيرُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتُعَزِّرُوهُ} [الْفَتْح: 9] ، أَيْ: تَنْصُرُوهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَرُدُّوا عَنْهُ أَعْدَاءَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} [الْمَائِدَة: 12] ، أَيْ: نَصَرْتُمُوهُمْ بِأَنْ تَرُدُّوا عَنْهُمْ أَعْدَاءَهُمْ، وَالْعَزْرُ فِي اللُّغَةِ الرَّدُّ، يُقَالُ عَزَّرْتُ فُلانًا أَيْ أَدَّبْتُهُ يَعْنِي فَعَلْتُ بِهِ مَا يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبِيحِ.(14/126)
بَابُ مَنَاقِبِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَبِي الأَعْوَرِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَاتَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْهَا.
وَمَنَاقِبِ هَؤُلاءِ التِّسْعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
3924 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ بِالْكُوفَةِ، نَا الْقَعْنَبِيُّ.
ح قَالَ خَيْثَمَةُ: وَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقَطَّانُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالا: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَخْرَةٍ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَئِي فَمَا عَلَيْكِ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ(14/127)
الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَقَالَ: كَانَ عَلَى حِرَاءَ
3925 - حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشُّجَاعِيُّ السَّرَخْسِيُّ، إِمْلَاءً بِمَرْوَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نَا شَيْخِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ، نَا أَبُو رَجَاءٍ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّد الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ الأَصَحُّ , أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ , نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ، أَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،(14/128)
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا»
3927 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، نَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنِ ابْنِ ظَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَشْرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ: أَنَا فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ سَعِيدٌ، فَقَالُوا لَهُ: مَنِ الْعَاشِرُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ , وَابْنُ ظَالِمٍ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ظَالِمٍ الْمَازِنِيُّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، أَوْصَى بِحَدِيقَةٍ لأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِيعَتْ بِأَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ(14/129)
بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْفهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بِالشَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
3928 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، وَسَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالا: نَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ،(14/130)
عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ
3929 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلا، قَالَ: «لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلا أَمِينَا حَقُّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
3930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ الأَنْطَاكِيُّ، أَنَا قُطْبَةُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَضُهُمْ زَيْدٌ، وَأَقْرَأُهُمْ أَبِي، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ(14/131)
وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مُرْسَلا وَفِيهِ: وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: هَذِهِ أَلْفَاظٌ أُطْلِقَتْ بِحَذْفِ «مِنْ» ، يُرِيدُ: مَنْ أَرْحَمُ أُمَّتِي، وَمِنْ أَشَدِّهِمْ، وَمِنْ أَصْدَقِهِمْ، وَمِنْ أَفْرَضِهِمْ، وَأَقْرَئِهِمْ، يُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاءِ مِنْ جَمَاعَةٍ فِيهِم تِلْكَ الْفَضَائِلُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلأَنْصَارِ: «أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» ، أَيْ: مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ
بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ طُهْرٌ وَاحِدٌ، يُقَالُ: مَاتَ الْحَسَنُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ.(14/132)
3931 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ:
«بِأَبِي شَبِيه بِالنَّبِيِّ ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ»
وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ.
قُلْتُ: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَقُولُ بِقَضِيبِهِ فِي أَنفه، وَيَقُول: مَا رَأَيْت مثل هَذَا حسنا، فَقلت: أما إِنَّه كَانَ مِنْ أَشْبَهِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «الْحَسَنُ أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ(14/133)
أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ» .
3932 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ
3933 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيُّ، نَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ، فَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، فَجَاءَ إِلَى فِنَاءِ فَاطِمَةَ، فَنَادَى الْحَسَنَ: «أَيْ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ» ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، فَجَاءَ إِلَى فِنَاءِ(14/134)
عَائِشَةَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ظَنَنْتُ أَنَّ أُمَّهُ حَبَسَتْهُ لِتَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ السِّخَابَ، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ الْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْتَزَمَ هُوَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبَّهُ» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ
قَوْلُهُ: أَيْ لُكَعُ، سُئِلَ بِلالُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ لُكَعٍ، فَقَالَ: هِيَ فِي لُغَتِنَا: الصَّغِيرُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ إِذَا قَالَ لِلإِنْسَانِ: يَا لُكَعُ، يُرِيدُ يَا صَغِيرًا فِي الْعِلْمِ، فَسَمَّاهُ لُكَعَا لِصِبَاهُ وَصِغَرِهِ، وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ أَسْعَدُ النَّاسِ لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اللُّكَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْعَبْدُ، قَالَ اللَّيْثُ: لَكَعَ الرَّجُلُ يَلْكَعُ لَكْعًا، فَهُوَ أَلْكَعُ، يُوصَفُ بِالْحُمْقِ، وَالسِّخَابُ: خَيْطٌ يُنْظَمُ فِيهِ الْخَرَزُ، وَيلبس الصِّبْيَانَ، جَمْعُهُ سُخْبٌ، قِيلَ: هُوَ مِنَ الْمُعَاذَاتِ.
3934 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(14/135)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى إِسْرَائِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، نَا أَبُو مُوسَى
بِهَذَا قِيلَ: السَّيِّدُ: الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَضَبُهُ، وَقِيلَ: السَّيِّدُ: الْحَلِيمُ، وَقِيلَ: السَّيِّدُ: الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْخَيْرِ.
قُلْتُ: قَدْ خُرِّجَ مِصْدَاقُ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِتَرْكِهِ الأَمْرَ حِينَ صَارَتِ الْخِلافَةُ إِلَيْهِ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَكَرَاهَةً لإِرَاقَةِ دِمَاءِ أَهْلِ الإِسْلامِ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْعَامُ سَنَةَ الْجَمَاعَةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي تِلْكَ(14/136)
الْفِتْنَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَنْ مِلَّةِ الإِسْلامِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مُسْلِمِينَ مَعَ كَوْنِ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مُصِيبَةً، وَالأُخْرَى مُخْطِئَةً.
وَهَكَذَا سَبِيلُ كُلِّ مُتَأَوِّلٍ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ رَأْيٍ وَمَذْهَبٍ إِذَا كَانَ لَهُ فِيمَا يَتَأَوَّلُهُ شُبْهَةٌ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَنُفُوذِ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ، وَاخْتَارَ السَّلَفُ تَرْكَ الْكَلامِ فِي الْفِتْنَةِ الأُولَى، وَقَالُوا: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّه عَنْهَا أَيْدِيَنَا، فَلا نُلَوِّثُ بِهَا أَلْسِنَتَنَا.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلادِهِ يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ فِيهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى ابْنَ ابْنَتِهِ ابْنًا.
3935 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ، قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسَبُهُ يَقْتُلُ الذُّبَابَ، فَقَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمَا ريحانتاي مِنَ الدُّنْيَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/137)
3936 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ أَبِي نُعْمٍ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْكُوفِيُّ الْبَجَلِيُّ، وَيُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ.
قُلْتُ: وَيُرْوَى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ، وَزَادَ: «إِلا ابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلامُ»
بَابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ ذِي الْجَنَاحَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ.
3937 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(14/138)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ، كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: «هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُدْخِلَ(14/139)
مَكَّةَ السِّلاحَ إِلا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَلا يُخْرِجَ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَلا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا» ، فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَى الأَجَلُ، أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمُّ، يَا عَمُّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: «دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلْتُهَا» ، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» ، وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا» ، قَالَ عَلِيٌّ: أَلا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ، قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(14/140)
إِنَّمَا قَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَمْزَةَ، وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهُ أَبَدًا، قَالَ: «فَأَرِنِيهِ» ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ "، فَكَتَبَ
3938 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمقري، نَا جُبَارَةُ بْنُ مُغَلِّسٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي الْجَنَّةِ مَلَكًا ذَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ فِيهَا حَيْثُ شَاءَ مُضَرَّجَةٌ قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ» .
وَصَحَّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ(14/141)
بَابُ مَنَاقِبِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شُرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَابْنِهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ كَلْبٍ مِنَ الْيَمَنِ.
3939 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(14/142)
أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، كُلٌّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَرَوَاهُ سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَزَادَ: «وَأُوصِيكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ»
3940 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، نَا أَبُو عُثْمَانَ يَعْنِي النَّهْدِيَّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا، فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى مُحَمَّدَ بْنَ أُسَامَةَ، فَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَأَى حَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، فَقَالَ: لَوْ رَأَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّهُ، فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ أَيْمَنُ، وَأَيْمَنُ أَخُو أُسَامَةَ لأُمِّهِ
3941 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،(14/143)
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، يَقُولُ: «غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ فِيهِمَا: سَبْعُ غَزَوَاتٍ
بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبِي الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ، يُرِيدُ الْمُفَضَّلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وُلِدَ قَبْلَ(14/144)
الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ عَامَ الشِّعْبِ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَةً.
3942 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْخَلاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا» ؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،(14/145)
عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ الْيَشْكُرِيِّ
3943 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ» .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا لِعُمَرَ: أَلا تَدْعُو أَبْنَاءَنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: ذَاكُمْ فَتَى الْكُهُولِ إِنَّ لَهُ لِسَانًا سَئُولا، وَقَلْبًا عَقُولا
بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ
3944 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ(14/146)
أَسَدٍ، نَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ لَا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ، أَوْ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ
سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، أَيْ: شُقَّةٌ مِنْهَا وَهِيَ اسْمٌ لِلأَبْيَضِ، وَقِيلَ: هِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَأَصْلُهَا سره يَعْنِي الْجِيدَ.
بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
مَاتَ قَبْلَ عُثْمَانَ.
3945 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَكُمُ الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا، قَالَ: سَمِعْتُ(14/147)
حُذَيْفَةَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلا، وَسَمْتًا، وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَالدَّلُّ والسمت وَالْهَدْيُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَهُوَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ، وَالْمَنْظَرِ، يُرِيدُ شَمَائِلَهُ فِي الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدِّينِ، لَا فِي الزِّينَةِ وَالْجَمَالِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْهَدْيُ الصَّالِحُ، وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ، وَالاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ، وَأَصْلُ السَّمْتِ: الطَّرِيقُ، يُقَالُ: الْزَمْ هَذَا السَّمْتَ، وَيُقَالُ: فُلانٌ حَسَنُ السَّمْتِ، أَيْ: حَسَنُ الْقَصْدِ.
3948 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: «قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ(14/148)
الْيَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نَرَى إِلا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ
3947 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لأَمَّرْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ» .
هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيٍّ
3948 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي الأَعْمَشَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ(14/149)
مَسْرُوقًا، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا» ، وَقَالَ: " اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ
3949 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: " قَدِمْتُ الشَّامَ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا،(14/150)
فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، قُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَيَسَّرَكَ لِي، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ، أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى،(14/151)
قَالَ: «أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ؟ يَعْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَأَرَادَ بِصَاحِبِ السِّرِّ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيْهِ أَسْمَاءَ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ، قَالَ شَقِيقٌ: فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ.
بَابُ مَنَاقِبِ بِلالِ بْنِ رَبَاحٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: بِلالٌ ".(14/152)
وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ عُمَرُ، يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلالا.
3950 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، نَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي، فَإِذَا بِلالٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابُ مَنَاقِبِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ
3951 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ،(14/153)
نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ، أَنَا قُبَيْصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَمَّارٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ: الطَّاهِرِ.
3952 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ(14/154)
عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ أَخُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
بَابُ مَنَاقِبِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُكْنَى أُمَّ هِنْدٍ
، قَالَ عُرْوَةُ: تُوُفِّيَتْ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلاةِ.
3953 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ، فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلا نَصَبٌ» .(14/155)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ
وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ: الْقَصْرَ، يُقَالُ: هَذَا بَيْتُ فُلانٍ، أَيْ: قَصْرُهُ، وَبَيْتُ الرَّجُلِ: قَصْرُهُ، قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ: الْقَصَبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لُؤْلُؤٌ مُجَوَّفٌ وَاسِعٌ، كَالْقَصْرِ الْمَنِيفِ، وَالصَّخَبُ: اخْتِلاطُ الأَصْوَاتِ، وَالنَّصَبُ وَالنُّصْبُ: التَّعَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] ، فَنَفَى عَنْهُ النَّصَبَ وَالصَّخَبَ، لأَنَّهُ مَا مِنْ بَيْتٍ فِي الدُّنْيَا يَسْكُنُهُ قَوْمٌ، إِلا كَانَ بَيْنَ أَهْلِهِ صَخَبٌ وَجَلَبَةٌ، وَإِلا كَانَ فِي بِنَائِهِ وَإِصْلاحِهِ نَصَبٌ وَتَعَبٌ، فَأَخْبَرَ أَنَّ قُصُورَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الآفَاتِ.
3954 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، نَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ(14/156)
أَبِي أُسَامَةَ، وَوَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَقَالَ: وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
3955 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ "
3956 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، وَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ(14/157)
إِلا خَدِيجَةَ، فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
بَابُ مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُفِنَتْ لَيْلا.
3957 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/158)
3958 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِي هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي، وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ التَّمِيمِيُّ، وَقَالَ: «يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا»
قَالَ الْفَرَّاءُ: رَابَ وَأَرَابَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَيُقَالُ: أَرَابَنِي أَيْ شَكَّكَنِي وَأَوْهَمَنِي، فَإِذَا اسْتَيْقَنْتُهُ، قُلْتُ: رَابَنِي.
3959 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ(14/159)
مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ تَمْتَامٌ الضِّبِّيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَبِي ذَكَرَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَاطِمَةَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: «دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي مَرَضِهِ هَذَا، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ دَعَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ فَضَحِكْتُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ
3960 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، نَا فِرَاسٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ(14/160)
جَمِيعًا لَمْ نُغَادِرْ مِنَّا وَاحِدَةً، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي لَا وَاللَّهَ مَا يَخْفَى مشيتهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ، قَالَ: مَرْحَبًا يَا بِنْتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا: أَنَا مِنْ نِسَائِهِ، خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَا أَخْبَرْتِينِي، قَالَتْ: أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: " أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَى الأَجَلَ إِلا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ".(14/161)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ , قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا , عَنْ فِرَاسٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ» ، فَضَحِكَتْ لِذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، وَقَالَ: «أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ»
بَابُ مَنَاقِبِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
تُكْنَى أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ.
3961 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ» ، قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى.(14/162)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ
3962 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ
3963 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو(14/163)
الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو طُوَالَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ» ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عِيسَى: «عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ
3964 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اجْتَمَعَتْ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلْنَ فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهَا: قُولِي لَهُ: إِنَّ نِسَاءَكَ قَدِ اجْتَمَعْنَ، وَهُنَّ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا،(14/164)
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ نِسَاءَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ، وَهُنَّ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْل فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُحِبِّينَنِي؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَحِبِّيهَا» ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِنَّ، فَأَخْبَرْتُهُنَّ بِمَا قَالَ لَهَا، فَقُلْنَ: إِنَّكِ لَمْ تَصْنَعِي شَيْئًا، فَارْجِعِي إِلَيْهِ، قَالَتْ فَاطَمَةُ: وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبَدًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتِ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ وَهُنَّ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَشَتَمَتْنِي، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُرَاقِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْظُرُ طَرْفَه هَلْ يَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَنْتَصِرَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلُتَها، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَفْحَمْتُهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ» ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَشَدَّ ابْتِذَالا بِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ غَرْبِ حِدَّةٍ كَانَ فِيهَا يُوشِكُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ.(14/165)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ
وَقَوْلُهَا: «مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ غَرْبِ» ، أَيْ مَا خَلا ثَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ وَالْغَرْبُ: الْحِدَّةُ، يُقَالُ: فِي فُلانٍ غَرْبٌ، أَيْ حِدَّةٍ، يُقَالُ لِلْمُعَرْبِدِ: سَوَّارٌ، لأَنَّهُ يَثُورُ إِلَى النَّاسِ وَيُؤْذِيهِمْ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلا وَجَدْنَا عِنْدَهَا فِيهِ عِلْمًا.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ.
بَابٌ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الْأَحْزَاب: 32] ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا(14/166)
مِنْكُنَّ} [التَّحْرِيم: 5] ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَكِنْ إِذَا عَصَيْنَهُ فَطَلَّقَهُنَّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَمَنْ سِوَاهُنَّ خَيْرٌ مِنْهُنَّ.
3965 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ قَالَ: يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ
قَوْلُهُ: أَحْنَاهُ، مِنَ الْحُنُوِّ وَهُوَ الْعَطْفُ وَالشَّفَقَةُ، وَأَرْعَاهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مِنَ الإِرْعَاءِ وَهُوَ الإِبْقَاءُ، يُقَالُ: رَعَاهُ يَرْعَاهُ رَعْيًا مِنَ الرِّعَايَةِ، وَأَرْعَى عَلَيْهِ، أَيْ: أَبْقَى، إِرْعَاءً، يَقُولُ: أَحْفَظُ لِمَالِهِ وَأَبْقَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.(14/167)
بَابُ فَضْلِ الأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الْحَشْر: 9] ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التَّوْبَة: 100] ، أَيْ: بِاسْتِقَامَةٍ وَسُلُوكٍ لِلطَّرِيقِ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ.
3966 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَفَدَةُ الْعَطَّارِيُّ أَدَامَ اللَّهُ ظِلَّهُ، نَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ أَحْمَدَ الْمَلِيحي أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،(14/168)
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ
3967 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الأَنْصَارِ: «لَا يُحِبُّكُمْ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إِلا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، أَبْغَضَهُ اللَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ
3968 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا الْمُبَارَكُ هُوَ ابْنُ فُضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ» .
أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ(14/169)
3969 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا.
، فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَيْشَ إِلا عَيْشَ الآخِرَهْ فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ
3970 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا الْهِجْرَةَ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا(14/170)
وَادِيًا وَشِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
3971 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ عُذَافِرٍ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبَنَّانِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَنْصَارُ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَدَّوُا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ» .
أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ
3972 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(14/171)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَإِنَّ النَّاسَ سَيُكْثِرُونَ وَيقلّون، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ
وَقَوْلُهُ: «كَرِشِي» ، أَيْ: جَمَاعَتِي وَصَحَابَتِي الَّذِينَ أَثِقُ بِهِمْ وَأَعْتَمِدُهُمْ فِي أُمُورِي، وَالْكَرِشُ: الْجَمَاعَةُ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَرِشُ: عِيَالُ الرَّجُلِ وَأَهْلُهُ، وَقِيلَ: كَرِشِي، أَيْ: بِطَانَتِي وَضَرْبُ الْمَثَلِ بِالْكَرِشِ، لأَنَّهُ مُسْتَقَرُّ غِذَاءِ الْحَيَوَانِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ بَقَاؤُهُ.
وَقَوْلُهُ: «عَيْبَتِي» ، أَيْ: خَاصَّتِي وَمَوْضِعُ سِرِّي، كَمَا أَنَّ عَيْبَةَ الرَّجُلِ مَوْضِعٌ لِحُرِّ مَتَاعِهِ وَثِيَابِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ «بَيْنَنَا عَيْبَةٌ مَكْفُوفَةٌ» ، أَيْ: صَدْرٌ نَقِيٌّ مِنَ الْغِلِّ، وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ الْقَلْبِ وَالصَّدْرِ بِالْعَيْبَةِ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» ، يَعْنِي هُمُ الْبِطَانَةُ وَالْخَاصَّةُ، فَإِنَّ الشِّعَارَ اسْمٌ لِلثَّوْبِ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ.
3973 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ، سَمِعْتُ(14/172)
أَنَسًا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الأَثَرَةُ: اسْمٌ مِنْ آثَرَ يُؤْثِرُ إِيثَارًا، يُرِيدُ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ، فَيُفَضِّلُ غَيْرُكُمْ نَفْسَهُ عَلَيْكُمْ.
3974 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرِ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مَنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدَعْ مَعَهُمْ أَحَدًا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا(14/173)
جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ» ، فَقَالَ الأَنْصَارُ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أُعْطِي رِجَالا حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ» ، أَوْ قَالَ: «أَسْتَأْلِفُهُمْ، أَفَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» ، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَعَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ(14/174)
3975 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالُوا: يُؤْثِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهُمْ ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، قَالَ: «أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟» ، قَالُوا: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: «أَلَمْ تَكُونُوا فُقَرَاءَ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، قَالُوا: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: " أَلا تُجِيبُونِي، أَلا تَقُولُونَ: أَتَيْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَأَتَيْتَنَا خَائِفًا فَأَمَّنَّاكَ، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُدْخِلُونَهُ دُورَكُمْ، لَوْ أَنَّكُمْ سَلَكْتُمْ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، وَسَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَكُمْ أَوْ شِعْبَكُمْ، وَلَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي ".(14/175)
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
قَوْلُهُ: «لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ» ، لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الانْتِقَالُ عَنِ النَّسَبِ الْوِلادِيِّ، لأَنَّهُ حَرَامٌ، مَعَ أَنَّ نَسَبَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَفْضَلُ الأَنْسَابِ وَأَكْرَمُهَا، إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ النَّسَبُ الْبِلادِيُّ، مَعْنَاهُ: لَوْلا أَنَّ الْهِجْرَةَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ كَانَتْ بِسَبَبِ الدِّينِ، وَنِسْبَتُهَا دِينِيَّةٌ لَا يَسَعُنِي تَرْكُهَا، لأَنَّهَا عُبَادَةٌ كُنْتُ مَأْمُورًا بِهَا، لانْتَسَبْتُ إِلَى دَارِكُمْ، وَلانْتَقَلْتُ عَنْ هَذَا الاسْمِ إِلَيْكُمْ.
وَقَوْلُهُ: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ» ، أَرَادَ: أَنَّ أَرْضَ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، إِذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنِ الْجَمِيعِ، فَسَلَكَ رَئِيسٌ شِعْبًا اتَّبَعَهُ قَوْمُهُ حَتَّى يُفْضُوا إِلَى الْجَادَّةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَرَادَ بِالْوَادِي: الرَّأْيَ وَالْمَذْهَبَ، كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ فِي وَادٍ، وَأَنَا فِي وَادٍ، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
3976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَذَكَرَ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: يُعْطِي غَنَائِمَنَا قَوْمًا تَقْطُرُ مِنْ سُيُوفِنَا دِمَاؤُهُمْ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَ(14/176)
الأَنْصَارَ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ غَيْرُكُمْ؟» قَالُوا: لَا، غَيْرَ ابْنِ أُخْتِنَا هَذَا، قَالَ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، أَوْ بِالشَّاءِ وَالإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ إِلَى دِيَارِكُمْ؟» ، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَخَذَ النَّاسُ وَادِيًا، وَأَخَذَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَلَوْلا الْهِجْرَةُ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
3976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا غَاضِبًا، فَتَلَقَّاهُ ذَرَارِيُّ الأَنْصَارِ وَخَدَمُهُمْ، قَالَ: مَا هُمْ بِوُجُوهِ الأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَإِنِّي لأُحِبُّكُمْ» ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الأَنْصَارَ قَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي عَلَيْكُمْ، فَأَحْسِنُوا إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» .(14/177)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3976 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يكثرونَ، وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا، وَيَنْفَعُ فِيهِ الآخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ، فَكَانَ آخِرُ مَجْلِسٍ جَلَسَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، أَيْ: بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَالْعِصَابَةُ: الْعِمَامَةُ، وَالدَّسْمَاءُ: السَّوْدَاءُ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، رَأَى صَبِيًّا تَأْخُذُهُ الْعَيْنُ، فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ، النُّونَةُ: النَّقْرَةُ فِي الذَّقَنِ.
3976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ(14/178)
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟» ، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دَارِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ
أَرَادَ بِالدُّورِ: الْقَبَائِلَ الَّتِي يَسْكُنُونَ الدُّورَ، وَالدُّورُ: هِيَ الْمَحَالُ الَّتِي فِيهَا الدُّورُ.
بَابُ مَنَاقِبِ سعد بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيِّ أَبِي عَمْرٍو
مَاتَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا أَبُو(14/179)
سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدِ اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُسَاوِرٍ خَتَنِ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ
وَعَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ , عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»
قَوْلُهُ: «اهْتَزَّ» ، أَيِ: ارْتَاحَ بِرَوْحِهِ حِينَ صُعِدَ بِهِ، قِيلَ: أَرَادَ بِالاهْتِزَازِ السُّرُورَ وَالاسْتِبْشَارَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ فَرِحُوا بِقُدُومِ رَوْحِهِ، فَأَقَامَ الْعَرْشَ مَقَامَ مَنْ حَمَلَهُ، كَقَوْلِهِ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» ، أَيْ: أَهْلُهُ.
قُلْتُ: وَالأَوْلَى إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» ، وَلا يُنْكَرُ اهْتِزَازُ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، كَمَا اهْتَزَّ أُحُدٌ وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،(14/180)
وَعُثْمَانُ، وَكَمَا اضْطَرَبَتِ الأُسْطُوَانَةُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَجَعَلْنَا نَلْمَسُهُ، وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا» ، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا ضُرِبَ الْمَثَلُ بِالْمَنَادِيلِ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ اللِّبَاسِ، بَلْ هِيَ تُبْتَذَلُ فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَرَافِقِ، فَتُمْسَحُ بِهَا الأَيْدِي، وَيُنْفَضُ بِهَا الْغُبَارُ عَنِ الْبَدَنِ، وَيُغَطَّى بِهَا مَا يُهْدَى فِي الأَطْبَاقِ، وَتُتَّخَذُ لِفَافًا لِلثِّيَابِ، فَصَارَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ الْخَادِمِ، وَسَبِيلُ سَائِرِ الثِّيَابِ سَبِيلَ الْمَخْدُومِ،(14/181)
أَيْ: فَإِذَا كَانَتْ مَنَادِيلُهُ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ عِلْيَةِ الثِّيَابِ هَكَذَا، فَمَا ظَنُّكَ بِعِلْيَتِهَا؟ .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفُّ جِنَازَتِهِ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ» .
هَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَن عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
بَابُ مَنَاقِبِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَبِي الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ
شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ» .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ(14/182)
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمْ يَخْتِمِ الْقُرْآنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلا أَرْبَعَةً: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَاتَ أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا، وَكَانَ بَدْرِيًّا» .
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، وَثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي زَيْدٍ هَذَا , قِيلَ: اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَيُقَالُ: ابْنُ شَهِيدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْخَزْرَجِيُّ، وَقِيلَ: مِنَ الأَوْسِ وَابْنُهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَالِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى الشَّامِ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ السُّكَيْنِ الْخَزْرَجِيُّ، وَيُقَالُ: ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ، وَالأَوَّلُ(14/183)
أَصَحُّ، اسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةٍ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أُبَيًّا، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ» ، قَالَ: «اللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟» قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكَ لِي» ، فَجَعَلَ يَبْكِي، قَالَ قَتَادَةُ: وَنُبِّئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْبَيِّنَة: 1] .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ حَسَّانٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، كِلاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبَانُ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» ،(14/184)
قَالَ أُبَيّ: أَوْ سَمَّانِي؟ قَالَ: «وَسَمَّاكَ لِي» ، قَالَ فَبَكَى أُبَيٌّ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
قِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَهُ أُبَيٌّ، كَانَ أُبَيٌّ مُقَدَّمًا عَلَى قُرَّاءِ الصَّحَابَةِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» .
بَابُ مَنَاقِبِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَمَّا كَتَبْنَا الْمَصَاحِفَ، فَقَدْتُ آيَةً كُنْتُ أَسْمَعُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهَا عِنْدَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْدِيلا} [الْأَحْزَاب: 23] ، قَالَ: فَكَانَ هُوَ ثَمَّةَ يُدْعَى ذَا الشَّهَادَتَيْنِ، «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ» ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ(14/185)
الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَوْ قَتَادَةَ أَوْ كِلاهُمَا: إِنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ يَتَقَاضَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قَضَيْتُكَ» ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: بَيِّنَتُكَ؟ فَجَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ قَضَاكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكَ؟» قَالَ: إِنِّي أُصَدِّقُكَ بِأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ بِخَبرِ السَّمَاءِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ
بَابُ مَنَاقِبِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِيِّ أَبِي يَحْيَى الأَشْهَلِيِّ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ الأَنْصَارِيِّ الْحَارِثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
مَاتَ أُسَيْدٌ فِي عَهْدِ عُمَرَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَأْمُونٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الآدَمِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، نَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا(14/186)
مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيَهُمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ: «كَانَا أُسَيْدًا وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ»
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ , «أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ، وَرَجُلا آخَرَ مِنَ الأَنْصَارِ، تَحَدَّثَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُمَا حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الظَّلْمَاءِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدُهُمَا لَهُمَا، حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ، أَضَاءَتْ لِلآخَرِ عَصَاهُ، فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/187)
بَابُ مَنَاقِبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ أَبِي حَمْزَةَ النَّجَّارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا، آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ إِلا سَنَةً، وَيُقَالُ: ابْنُ مِائَةٍ وَثَلاثِ سِنِينَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسٌ خَادِمُكَ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ،(14/188)
أَيْضًا وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ: قَالَ أَنَسٌ: إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادَوْنَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ، وَرُوِيَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالِي حَتَّى إِنَّ كَرْمًا يَحْمِلُ مَرَّتَيْنِ
بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُؤْيَا رَآهَا: «فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ» .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ» ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ(14/189)
عَلَى مِثْلِهِ} [الْأَحْقَاف: 10] ، قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ مَالِكٌ الآيَةَ أَوْ فِي الْحَدِيثِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ عَلِمَ سَعْدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ مَعَ التِّسْعَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُوَ عَاشِرُهُمْ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ التَّزْكِيَةَ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ مَا رَآهُ لأَخِيهِ
بَابُ مَنَاقِبِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مَرْوَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ(14/190)
بَابُ فَضْلِ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ
أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جَلَسْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا، إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ الْقَارِئُ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» .
قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ نَفْسَهُ فِينَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ(14/191)
الْمُهَاجِرِينَ بِالْفَوْزِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنَصْفَ يَوْمٍ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ» .
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ , نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، نَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ الْقُرْدُوسِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ
بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ
حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الْأَنْفَال: 68] ، لأَهْلِ بَدْرٍ مِنَ السَّعَادَةِ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا(14/192)
أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الْأَنْفَال: 68] .
3993 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟» قَالَ: «مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ» ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ: «وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3994 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَدْخُلَ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا أَوِ الْحُدَيْبِيَةَ» ،(14/193)
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مَرْيَم: 71] ، قَالَ: " فَكَمْ تَسْمَعِينَهُ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مَرْيَم: 72] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ
قُلْتُ: قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مَرْيَم: 71] الْوُرُودُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مُوَافَاةُ الْمَكَانِ قَبْلَ دُخُولِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 101] ، وَقَدْ يَكُونَ الْوُرُودُ دُخُولا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مَرْيَم: 71] ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَالُوا: النَّارُ يَدْخُلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّ النَّجَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ، وَأَيْضًا قَالَ: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مَرْيَم: 72] ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ دَاخِلُوهَا، فَأَخْرَجَ اللَّهُ الْبَعْضَ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ.
3995 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ(14/194)
بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ» ، قَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ
بَابُ ذِكْرِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
3996 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ،(14/195)
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ.
فَأَتَاهُ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنِسَ
بَابُ ذِكْرِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
3997 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجْلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنَ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى(14/196)
النِّسَاءِ يَمُرُّ بِهِنَّ، وَيُلاعِبُهُنَّ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ جُلَيْبِيبٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَدْخُلْ عَلَيْكُنَّ لأَفْعَلَنَّ وَلأَفْعَلَنَّ.
قَالَ: وَكَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ، لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يُعْلِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَهُ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا؟ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ذَاتَ يَوْمٍ: «زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ» .
قَالَ: نَعَمْ، وَكَرَامَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنِعْمَةَ عَيْنٍ.
قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» .
قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» ، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا.
فَأَتَى أُمَّهَا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ وَنِعْمَةَ عَيْنٍ.
فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ.
فَقَالَتْ: أَلِجُلَيْبِيبٍ إِنِيهِ.
ثَلاثًا، لَعَمْرُ اللَّهِ لَا نُزَوِّجُهُ.
فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَت أُمُّهَا، قَالَت الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا، فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي، فَإِنَّهُ لَنْ يُضَيِّعَنِي.
قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: شَأْنُكَ بِهَا.
فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا، وَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: «(14/197)
هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلانًا وَنَفْقِدُ فُلانًا.
قَالَ: «انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا.
قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى» .
قَالَ: فَطَلَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدِهِ وَحَفَرَ لَهُ، مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلا سَاعِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى آخِرِهِ
بَابُ مَنَاقِبِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
3998 - أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَلَّمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ طَيْفُورٍ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ , قَالُوا:(14/198)
نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الْجُمُعَة: 3] ، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ
3999 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الْجُزُرِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَذَهَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، أَوْ قَالَ: رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ(14/199)
فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلُوهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
4000 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْكُوفَانِيُّ , أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّيَّاشُ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا ابْنُ وَهْبٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [مُحَمَّد: 38] ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ إِنْ تَوَلَّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَنَا؟ فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَقَوْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الْفُرْسِ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ(14/200)
بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
4001 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: «الْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» ، أَرَادَ بِهَا الْفِقْهَ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الْبَقَرَة: 129] ، وَيُرْوَى، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ لإِسْرَاعِهِمْ إِلَى الإِيمَانِ وَحُسْنِ قُبُولِهِمْ إِيَّاهُ، وَقَوْلُهُ: «أَضْعَفُ قُلُوبًا» ، وَيُرْوَى، «أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً» ، قِيلَ: هُمَا(14/201)
قَرِيبَانِ مِنَ السَّوَاءِ، كَرَّرَ ذِكْرَهُمَا لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ تَأْكِيدًا، وَالْمُرَادُ بِلِينِ الْقُلُوبِ: سُرْعَةُ خُلُوصِ الإِيمَانِ إِلَى قُلُوبِهِم، وَيُقَالُ: إِنَّ الْفُؤَادَ غِشَاءُ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ حَبَّتُهُ وَسُوَيْدَاؤُهُ، فَإِذَا رَقَّ الْغِشَاءُ، أَسْرَعَ نُفُوذُ الشَّيْءِ إِلَى مَا وَرَاءِهِ.
وَقِيلَ: قَوْلُهُ: «الإِيمَانُ يَمَانٍ» ، أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مَكِّيٌّ، لأَنَّهُ بَدَأَ مِنْ مَكَّةَ، وَأَضَافَ إِلَى الْيَمَنِ، لأَنَّ مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ تِهَامَةَ، وَتِهَامَةُ مِنْ أَرْضِ الْيَمِن، فَتَكُونُ مِكَّةُ عَلَى هَذَا يَمَانِيَّةً، وَقِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا الْكَلامَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِتَبُوكَ نَاحِيَةَ الشَّامِ وَمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَنِ فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ، وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، يُرِيدُ: الإِيمَانَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، كَمَا يُقَالُ: سُهَيْلٌ الْيَمَانِيُّ، لأَنَّهُ يَبْدُو مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ، وَقِيلَ: هُمُ الأَنْصَارُ، لأَنَّهُمْ نَصَرُوا الإِيمَانَ، وَهُمْ يَمَانِيَّةٌ، فَنُسِبَ الإِيمَانُ إِلَيْهِمْ.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الشَّرْقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ» .
وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الأَنْصَارَ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يُرْوَى مَرْفُوعًا: «أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» ، قِيلَ: عَنَى بِهِ الأَنْصَارَ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفَّسَ الْكَرْبَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ وَهُوَ يَمَانُونَ.
4002 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ،(14/202)
نَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «الإِيمَانُ يَمَانٍ هَهُنَا، أَلا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ وَفِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ
قَوْلُهُ: «فِي الْفَدَّادِينَ» ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: قَالَ فِي «الْفَدَادِينَ» ، مُخَفَّفَةٌ وَاحِدُهَا فَدَانٌ بِغَيْرِ التَّشْدِيدِ وَهِيَ الْبَقَرَةُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا، وَأَهْلُهَا أَهْلُ جَفَاءٍ لِبُعْدِهِمْ مِنَ الأَمْصَارِ، وَالأَكْثَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا مُشَدَّدَةٌ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هُمُ الْجَمَّالُونَ، وَالْبَقَّارُونَ، وَالْحَمَّارُونَ، وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: هُمُ الَّذِينَ تَعْلُو أَصْوَاتُهُمْ فِي حُرُوثِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَمَوَاشِيهِمْ، وَيُقَالُ: فَدَّ الرَّجُلُ يَفِدُّ فَدِيدًا: إِذَا اشْتَدَّ صَوْتُهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْفَدَّادُونَ: هُمُ الْمُكْثِرُونَ مِنَ الإِبِلِ الَّذِي يَمْلِكُ أَحَدُهُمُ الْمِئَتَيْنِ مِنْهَا إِلَى الأَلْفِ وَهُمْ جُفَاةٌ وَأَهْلُ خُيَلاءَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِنَّ الأَرْضَ تَقُولُ لِلْمَيِّتِ رُبَّمَا مَشِيتَ عَلَيَّ فَدَّادًا» ، أَيْ: ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَذَا خُيَلاءَ، وَفِي الْجُمْلَةِ ذَمُّ ذَلِكَ، لأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَيُلْهِي عَنِ الآخِرَةِ، فَيَكُونُ مَعَهَا قَسَاوَةُ الْقَلْبِ.(14/203)
4003 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ، وَالإِبِلِ، وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
4004 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ، وَيَقُولُ: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا، هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،(14/204)
عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
بَابٌ فِي ذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
4005 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْجَرِيرِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَسِيرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: وَفَدَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَهَهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: " إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللَّهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّينَارِ، أَوْ قَالَ: مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ".(14/205)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ»
بَابُ ذِكْرِ الشَّامِ
4006 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي يَمَنِنَا» ، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي يَمَنِنَا» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا، فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي(14/206)
الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ الشَّيْطَانُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4007 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا بَقِيَّةُ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَخْرُجُ نَارٌ مِنْ نَحْوِ حَضْرَ مَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَ مَوْتَ تُحْشَرُ النَّاسُ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ» .(14/207)
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
4008 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّارُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ،(14/208)
نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَتْنَا بَيْعَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَوْ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ فَتَنَحَّيْتُ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْبَيْعَةِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأُخْبِرْتُ بِمَقَامٍ يَقُومُهُ نَوْفٌ، فَجِئْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسِدُ الْعَيْنَيْنِ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ، وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهُ نَوْفٌ، أَمْسَكَ عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَدِّثْ بِمَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِالْحَدِيثِ مِنِّي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ هَؤُلاءِ مَنَعُونَا عَنِ الْحَدِيثِ، يَعْنِي الأُمَرَاءَ، قَالَ: أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلا حَدَّثْتَنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ النَّاسِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَبْقَى فِي الأَرْضِ إِلا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفُظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذُرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ» ، قَالَ: وَسِمْعُت(14/209)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى عَدَّهَا زِيَادَةَ عَلَى عَشْرِ مَرَّات، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي نَفْسِهِمْ»
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ» ، فَالْهِجْرَةُ الثَّابِتَةُ هِيَ الْهِجْرَةُ إِلَى الشَّامِ يَرْغَبُ فِيهَا خِيَارُ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: «تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ» ، تَأْوِيلُهُ: أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا وَمَقَامَهُمْ بِهَا، فَلا يُوَفِّقُهُمْ لِذَلِكَ، فَصَارُوا بِالرَّدِّ كَالشَّيْءِ يَقْذَرُهُ نَفْسُ الإِنْسَانِ فَلا يَقْبَلُهُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التَّوْبَة: 46] .
4009 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِكَعْبٍ: لَا تَتَحَوَّلْ إِلَى الْمَدِينَةِ فِيهَا مُهَاجَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرُهُ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: " إِنِّي(14/210)
وَجَدْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنزَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الشَّامَ كَنْزُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، وَبِهَا كَنْزُهُ مِنْ عِبَادِهِ "
4009 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي طَاوُسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «مَوْضِعُ قَدَمِ إِبْلِيسَ بِالْبَصْرَةِ وَفَرَّخَ بِمِصْرَ»
4009 - وَبِهِ، عَنِ ابْنِ طَاوُسَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ الْعِرَاقَ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ بِهَا الدَّجَّالُ، وَبِهَا مَرَدَةُ الْجِنِّ، وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ السِّحْرِ، وَبِهَا كُلُّ دَاءٍ عُضَالٍ يَعْنِي الأَهْوَاءَ "
قُلْتُ: فَسَّرَ أَهْلُ الْحَدِيثِ الدَّاءَ الْعُضَالَ: بِالْبِدَعِ، وَأَصْلُهُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ.
4010 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ , وَحَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،(14/211)
لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكَ ذُرِّيَّةً يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَيْهِ» ، يَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
بَابُ ظُهُورِ طَائِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4011 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» ، قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّامِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَابْنُ جَابِرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ(14/212)
بْنِ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ
قَوْلُهُ: «قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ» ، أَيْ مُتَمَسِّكَةٌ بِدِينِهَا، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمرَان: 113] ، أَيْ: مُتَمَسِّكَةٌ بِدِينِهَا وَهُمْ قَوْمٌ آمَنُوا بِمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، قُلْتُ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْقِيَامِ بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، وَحِفْظِ الْحَدِيثِ لإِقَامَةِ الدِّينِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، فَلا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟ .
4012 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4013 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دِلُّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا(14/213)
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَاءَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ ثَلاثًا، فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَهُ وَاحِدَةً، فَسَأَلَهُ: أَلا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَلا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَلا يَجْعَلَ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرُوِيَ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ كَذَلِكَ
4014 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِد بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَنَاجَى رَبَّهُ طَوِيلا، ثُمَّ قَالَ: " سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاثَةً:(14/214)
سَأَلْتُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ
4015 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ، وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي: أَلا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَلا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، أَوْ قَالَ: مِنْ بَيْنِ(14/215)
أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ: «زَوَى لِيَ الأَرْضَ» ، مَعْنَاهُ: جَمَعَهَا وَقَبَضَهَا، يُقَالُ: انْزَوَى الشَّيْءُ إِذَا تَقَبَّضَ وَتَجَمَّعَ.
وَقَوْلُهُ: «مَا زَوَى لِي مِنْهَا» ، يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ حَرْفَ «مِنْ» ، ههُنَا لِلتَّبْعِيضِ، فَيَقُولُ: كَيْفَ اشْتَرَطَ فِي أَوَّلِ الْكَلامِ الاسْتِيعَابَ وَرَدَّ آخِرَهُ إِلَى التَّبْعِيضِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا يُقَدِّرُونَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّفْصِيلُ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالتَّفْصِيلُ لَا يُنَاقِضُ الْجُمْلَةَ، لَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهَا وَيَسْتَوْفِيهَا جُزْءًا جُزْءًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الأَرْضَ زُوِيَتْ جُمْلَتُهَا لَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَرَآهَا: ثُمَّ هِيَ يُفْتَحُ لَهُ جُزْءٌ جُزْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا كُلِّهَا، وَالْكَنْزَانِ: هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَقَوْلُهُ: «أَلا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ» ، فَإِنَّ السَّنَةَ: الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ، وَإِنَّمَا جَرَتِ الدَّعْوَةُ بِأَلا تَعُمَّهُمُ السَّنَةُ كَافَّةً، فَيُهْلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَأَمَّا أَنْ يُجْدِبَ قَوْمٌ، وَيُخْصِبُ آخَرُونَ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الدَّعْوَةُ.
وَقَوْلُهُ: «يَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ» ، يُرِيدُ جَمَاعَتَهُمْ وَأَصْلَهُمْ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: بَيْضَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا وَمُعْظَمُهَا.
وَقَوْلُهُ: «أُعْطِيتُ كَنْزَيْنِ» ، أَرَادَ كُنُوزَ كِسْرَى مِنَ الذَّهَبِ(14/216)
وَالْفِضَّةِ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ جَمَعَهُمْ عَلَى دِينِهِ وَدَعْوَتِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ» ، يُرِيدُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ.
4016 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65] ، قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَام: 65] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَهْوَنُ، أَوْ هَذَا أَيْسَرُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65] ، الْحِجَارَةُ كَمَا فِي قَوْمِ لُوطٍ أَوِ الطُّوفَانِ كَما فِي قَوْمٍ نُوحٍ، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65] ، الْخَسْفُ كَمَا عَلَى قَارُونَ، أَوِ الرِّيحُ كَمَا عَلَى قَوْمِ عَادٍ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الْأَنْعَام: 65] ، أَيْ: يَخْلِطَكُمْ خَلْطَ(14/217)
اضْطِرَابٍ، وَأَرَادَ بِهِ الأَهْوَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ، فَيَصِيرُونَ فِرَقًا مُخْتَلِفَةً، {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَام: 65] ، هُوَ وُقُوعُ الْهَرْجُ حَتَّى يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَانِ: وَهُوَ الافْتِرَاقُ وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَقَدْ سُلَّ السَّيْفُ مِنْ زَمَنِ عُثْمَانَ، فَلا يُغْمَدُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا} [الْأَنْعَام: 65] ، الآيَةُ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا كَائِنَةٌ، وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ.
بَابُ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ هَذِهِ الأُمَّةِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمرَان: 110] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} [الْأَنْعَام: 165] ، يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَفُوا سَائِرَ الأُمَمِ: وَقِيلَ: يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
4017 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أجل مَنْ خَلا مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ(14/218)
الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلْ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلْ لِي مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ أَلا فَأَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، أَلا لَكُمُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ اللَّهُ وَهَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/219)
ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ كَلامًا مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي تَوْقِيتِ الْعَمَلِ مِنَ النَّهَارِ وَتَقْدِيرِ الأُجْرَةِ، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَطَعَ الأُجْرَةَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَتَوْقِيتُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمْ زَمَانًا زَمَانًا، وَاسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُمْ وَإِيفَاؤُهُمُ الأُجْرَةَ، وَفِيهِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ وَزَوَالُ الْعَتْبِ عَنْهُمْ، وَإِبْرَاؤُهُمْ مِنَ الذَّنْبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى الرَّاوِي مِنْهُ بِذِكْرِ مِثَالِ الْعَاقِبَةِ فِيمَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفِرَقِ مِنَ الأَجْرِ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِيهِ: أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَأُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ "، الْحَدِيثُ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَبْلَغَ الأُجْرَةِ لِلْيَهُودِ لِعَمَلِ النَّهَارِ كُلِّهِ قِيرَاطَانِ، وَأُجْرَةُ النَّصَارَى النِّصْفُ الْبَاقِي قِيرَاطَانِ، فَلَمَّا عَجَزُوا عَنِ الْعَمَلِ قَبْلَ تَمَامِهِ، لَمْ يُصِيبُوا إِلا قَدْرَ عَمَلِهِمْ، وَهُوَ قِيرَاطٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَوْفَوْا قَدْرَ أُجْرَةِ الْفَرِيقَيْنِ حَاسَدُوهُمْ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا وَأَقَلُّ أَجْرًا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ.
4018 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،(14/220)
عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ» ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَفْعَلُوا أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلا، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاةِ الْعَصْرِ "، قَالُوا: مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ: «أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَوْا، فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَرِوَايَةُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِخِلافِ رِوَايَةِ نَافِعٍ مِنْ ذِكْرِ عَجْزِهِمْ وَقَوْلِهِمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، وَهُوَ إِشَارَةٌ عَلَى تَحْرِيفِهِمُ(14/221)
الْكُتُبَ وَتَبْدِيلِهِمُ الشَّرَائِعَ وَالْمِلَلَ، وَانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ بِهِمْ عَنْ بُلُوغِهِمُ الْغَايَةَ، الَّتِي حُدِّدَتْ لَهُمْ، فَحُرِمُوا تَمَامَ الأُجْرَةِ لِجَنَايَتِهِمْ حَيْثُ امْتَنَعُوا مِنْ إِتْمَامِ الْعَمَلِ الَّذِي ضَمِنُوهُ، فَكَانَ الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا» ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صُورَةُ الأَمْرِ عَلَى هَذَا، لَمْ يَصِح هَذَا الْكَلامُ.
4019 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، نَا أَنَسٌ، قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْح: 1] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَصْحَابُهُ مُخَالِطُو الْحُزْنَ وَالْكَآبَةَ، فَقَالَ: «نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» ، فَلَمَّا تَلاهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيئًا قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الْفَتْح: 5] حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، قَوْلُ الرَّجُلِ: هَنِيئًا فَمَا بَعْدَهُ(14/222)
كِتَابُ الرِّقَاقِ
4020 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بِمَكَّةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , قَالا: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ
4021 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو(14/223)
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ.
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِي، نَا الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ
4022 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَمَّنْ , سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَا يَنْتَظِرُ(14/224)
أَحَدُكُمْ إِلا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، فَالدَّجَّالُ شَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوِ السَّاعَةُ، والساعة أَدْهَى وَأَمَرُّ ".
وَرُوِيَ عَنْ مُحرر بْنِ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مُتَّصِلا
قَوْلُهُ: هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَيْ: مُضْعِفًا مُعْجِزًا، يُقَالُ: أَفْنَدَ الرَّجُلُ: إِذَا كَثُرَ كَلامُهُ مِنَ الْكِبَرِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يُوسُف: 94] ، أَيْ: تُخَرِّفُونِي، وَتَقُولُونَ لِي: قَدْ خَرِفْتَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كُلُّ أَحَدِهِمْ أَشَحُّ عَلَى عُمُرِهِ مِنْهُ عَلَى دِرْهَمِهِ.
بَابُ مَثَلِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التَّوْبَة: 38] .(14/225)
4023 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا الأَصَمُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَثَلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ» .
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ
4024 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ أَحَدِ بَنِي فِهْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا كَمَا(14/226)
يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابُ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [مُحَمَّد: 36] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33] ، الآيَةُ: أَيْ: لَوْلا أَنْ أَجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ.
4025 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ أَحَدِ بَنِي فِهْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا؟» ، قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا، قَالَ رَسُولُ(14/227)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ الْمُسْتَوْرِدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
4026 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثُوهُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْخَيْرِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ، مَا أَعْطَى مِنْهَا كَافِرًا شَيْئًا»
4027 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ أَبُو مُسْلِمٍ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ مَمْطُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،(14/228)
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةَ مَاءٍ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ وَمَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا أَوَى إِلَيْهِ، وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الأَجْرِ شَرِيكَانِ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ»
4028 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا الْخُنَيْسِيُّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ الْعَابِدِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا(14/229)
مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ اللَّهِ أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا» ، وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ، وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا»
بَابُ قَصْرِ الأَمَلِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمرَان: 185] ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الْغُرُورِ: مَا يُلْهِيكَ عَنْ طَلَبِ الآخِرَةِ، وَمَا لَمْ يُلْهِكَ، فَلَيْسَ بِمَتَاعِ الْغُرُورِ، وَلَكِنَّهُ مَتَاعُ بَلاغٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
4029 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،(14/230)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ» , وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا أَصْبَحْتَ، فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ، فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ الطُّفَاوِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ
4030 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرَانَ بْنِ عِمْرَانَ الرَّازِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ، نَا سَلَمُ بْنُ جُنَادَةَ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/231)
وَأَنَا وَأُمِّي نُطَيِّنُ شَيْئًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ» ؟ قُلْتُ: شَيْءٌ نُصْلِحُهُ، قَالَ: «الأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَأَبُو السَّفَرِ: اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ ابْنُ أَحْمَدَ الثَّوْرِيُّ
4031 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ حنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يُهْرِيقُ الْمَاءَ، فَيَتَيَمَّمُ بِالتُّرَابِ، فَأَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمَاءَ مِنْكَ قَرِيبٌ، فَيَقُولُ: «مَا يُدْرِينِي لَعَلِّي لَا أَبْلُغُهُ»
4032 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،(14/232)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ، أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: طِيبُ الْكَسْبِ، وَقَصْرُ الأَمَلِ.
بَابُ التَّجَافِي عَنِ الدُّنْيَا
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لُقْمَان: 33] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغَرُورُ: الشَّيْطَانُ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131] ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَرَى عِنْدَهُ شَيْئًا مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا أَسْرَعَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَقَامَ بِالْبَابِ، فَنَادَى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131] ، إِلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ يُنَادِي: الصَّلاةَ(14/233)
الصَّلاةَ، فَيَقُومُونَ، فَيُصَلُّونَ أَجْمَعُونَ، وَأَرَادَ اتِّبَاعَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] .
4033 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا يَعْلَى.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَدِيبُ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمَذَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» ، قَالُوا: إِنَّا نَسْتَحِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ، وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» .(14/234)
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أَبَانِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
قَوْلُهُ: «فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى» ، فَالْوَعْيُ: الْحِفْظُ، قُلْتُ: يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: وَمَا يَحْفَظُهُ الرَّأْسُ مِنَ السَّمْعِ، وَالْبَصَرُ، وَاللِّسَانُ، حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلَهَا إِلا فِيمَا يَحِلُّ.
وَقَوْلُهُ: «وَالْبَطْنُ وَمَا حَوَى» ، أَيْ: مَا جَمَعَ، يَعْنِي: لَا يَجْمَعُ فِيهِ إِلا الْحَلالَ، وَلا يَأْكُلُ إِلا الطِّيبَ، وَيُرْوَى: «وَلا تَنْسَوُا الْجَوْفَ وَمَا وَعَى، وَالرَّأْسَ وَمَا احْتَوَى» ، قِيلَ: أَرَادَ بِالْجَوْفِ الْبَطْنَ وَالْفَرْجَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ أُمَّتِي النَّارَ الأَجْوَفَانِ» ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْقَلْبَ وَمَا وَعَى مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْعِلْمُ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ أَنْ لَا يُضِيعَ ذَلِكَ، وَأَرَادَ «بِالرَّأْسِ وَمَا احْتَوَى» : الدِّمَاغَ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقَلْبَ وَالدِّمَاغَ، لأَنَّهُمَا مَجْمَعَا الْعَقْلِ.
4034 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ(14/235)
الأَزْهَرِ الْبَجَلِيُّ , حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَبْسُطَ لَكَ وَنَعْمَلَ، فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
4035 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا(14/236)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ، فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
4036 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أُمَيَّةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّوَّافُ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، نَا أَبِي، وَالْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالا: نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ، وَأَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ "
4037 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو(14/237)
طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، قَالَ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ»
4038 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ،(14/238)
نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ، أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتِهِ، أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى»
4039 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ الْفَيْرَكِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى , نَا أَبُو الصَّلْتِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَئِذٍ بِنَهَارٍ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَفِظَ مَنْ حَفِظَ وَنَسِيَ مَنْ نَسِيَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ»
4039 - وَذَكَرَ أَنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ فِي(14/239)
الدُّنْيَا، وَلا غَدْرَ أَكْثَرَ مِنْ غَدْرِ أَمِيرِ الْعَامَّةِ، يُغْرَزُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اسْتِهِ
4039 - قَالَ: «وَلا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ إِنْ رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ هَيْبَةُ النَّاسِ» ، فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَاهُ فَمَنَعَنَا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهِ
4039 - ثُمَّ قَالَ: «وَإِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا، وَيَحْيَا مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا»
4039 - قَالَ: وَذَكَرَ الْغَضَبَ «فَمِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ، سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَمِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَخِيَارُكُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَشِرَارُكُمْ مَنْ(14/240)
يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ، بَطِيءَ الْفَيْءِ» , وَقَالَ: «اتَّقُوا الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جَمْرَةٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ» أَلا تَرَوْنَ إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، فَمَنْ أَحَسَّ ذَلِكَ، فَلْيَضْطَجِعْ، وَلِيَتَلَبَّدْ بِالأَرْضِ "
4039 - قَالَ: وَذَكَرَ الدّينَ، فَقَالَ: «مِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ، أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ سَيِّئَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَخِيَارُكُمْ مَنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، أَحْسَنَ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ، أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ، وَشِرَارُكُمْ مَنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، أَسَاءَ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ» حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ وَأَطْرَافِ الْحِيطَانِ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا، إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا، أَلا وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُوفِي سَبْعِينَ أُمَّةً هِيَ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .(14/241)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ , وَأَبُو الصَّلْتِ: هُوَ عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْهَرَوِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ، قَوْلُهُ: «تُوفِي سَبْعِينَ أُمَّةً» ، أَيْ: هِيَ تَمَامُ سَبْعِينَ تَمَّ بِهِمْ عَدَدُ السَّبْعِينَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّاز، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ، فَيُولَدُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيَعِيشُ مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ كَافِرًا، وَيَعِيشُ كَافِرًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيَعِيشُ مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ كَافِرًا، وَيَعِيشُ كَافِرًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا» ، ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «وَمَا شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ كَلِمَةِ عَدْلٍ تُقَالُ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» ، قَالَ: «وَإِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ»
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنْتُمُ الْيَوْمَ أَكْثَرُ صَلاةً، وَأَشَدُّ عِبَادَةً(14/242)
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ، قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ: كَانُوا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَأَرْغَبَ فِي الآخِرَةِ مِنْكُمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلَ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَبْنِي بِنَاءً قَدْ شَيَّدَهُ، فَقَالَ لِي: لَا تَنْظُرْ إِلَيْهِ، إِنَّمَا بَنَاهُ لِيُنْظَرَ إِلَيْهِ.
بَابُ الْقَنَاعَةِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الدُّنْيَا
4040 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّازِقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ(14/243)
الْعَرَضُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: مَتَاعُ الدُّنْيَا وَحُطَامُهَا، وَجَمْعُهُ أَعْرَاضٌ وَالْعَرْضُ، سَاكِنَةُ الرَّاءِ، وَاحِدُ الْعُرُوضِ وَهِيَ الأَمْتِعَةُ الَّتِي يُتَّجَرُ فِيهَا.
4041 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» .
صَحِيحٌ
4042 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ(14/244)
مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا»
قَوْلُهُ: «قُوتًا» أَيْ: مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النِّسَاء: 85] ، أَيْ: مُقْتَدِرًا يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ قُوتَهُ.
4043 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّغَرْتَانِيُّ , أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَبِي، حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ شُرَيْكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمقري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شُرَحْبِيلٍ
سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا الْكَفَافُ مِنَ الرِّزْقِ؟ قَالَ: شَبَعُ يَوْمٍ، وَجُوعُ يَوْمٍ.
4044 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ(14/245)
زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَغْبَطُ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ، ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلاةِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ، وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ نَقَدَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ، قَلَّتْ بَوَاكِيهِ، قَلَّ تُرَاثُهُ "
4044 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا، أَوْ قَالَ ثَلاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالْقَاسِمُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يُضَعَّفُ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ
قَوْلُهُ: «خَفِيفُ الْحَاذِ» ، أَيْ: خَفِيفُ الْحَالِ قَلِيلُ الْمَالِ، وَأَصْلُهُ قِلَّة اللَّحْمِ، وَالْحَالُ وَالْحَاذُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اللِّبَدُ مِنْ مَتْنِ الْفَرَسِ، «وَكَانَ غَامِضًا» ، أَيْ:(14/246)
مَسْتُورَ الْحَالِ، «وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا» ، أَيْ: لَا يَفْضُلُ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: نَقَدَ بِيَدِهِ، أَيْ: ضَرَبَ مِنْ قَوْلِهِمْ نَقَدْتُ رَأْسَهُ بِأُصْبُعِي، أَيْ: ضَرَبْتُهُ، وَالتُّرَاثُ: الْمِيرَاثُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا} [الْفجْر: 19] .
4045 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَصَرِيّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلا بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، إِنَّهُمَا لَيُسْمِعَانِ مَنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا "
4046 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا السَّرِيُّ بْنُ حَيَّانَ، نَا عَبَّادُ بْنُ(14/247)
عَبَّادٍ، نَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَنْبَغِي لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ، يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ إِلا بِالصَّبْرِ عَلَى مَكْرُوهِهَا، وَالصَّبْرُ عَنْ مَحْبُوبِهَا، لَمْ يَرْضَ إِلا أَنْ كَلَّفَنِي مَا كَلَّفَهُمْ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الْأَحْقَاف: 35] ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا بُدٌّ لِي مِنْ طَاعَتِهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا بُدٌّ لِي مِنْ طَاعَتِهِ، وَاللَّهِ لأَصْبِرَنَّ كَمَا صَبَرُوا وَأَجْهَدَنَّ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ "
4047 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا»(14/248)
4048 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ، وَحَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكْلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْر الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، أَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ(14/249)
4049 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَقِيَّة بْنِ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَتَجَشَّأُ، فَقَالَ: «أَقْصِرْ مِنْ جُشَائِكَ، فَإِنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَلُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا» , قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ مُنْقَطِعًا، وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاء، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ.
حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تَأْكُلْ شِبَعًا فَوْقَ شبعٍ، فَإِنَّكَ أَنْ تَنْبِذَ إِلَى كَلْبٍ خَيْرٌ لَكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنِ التَّبَقُّرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ»
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ الْكَثْرَةَ وَالسَّعَةَ، وَأَصْلُ التَّبَقُّرِ: التَّوَسُّعُ وَالتَّفَتُّحُ، يُقَالُ: بَقَرْتُ بَطْنَهُ: إِذَا شَقَقْتُهُ وَفَتَحْتُهُ.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أُحِبُّ الْمَوْتَ اشْتِيَاقًا إِلَى رَبِّي، وَأُحِبُّ الْمَرَضَ(14/250)
تَكْفِيرًا لِخَطِيئَتِي، وَأُحِبُّ الْفَقْرَ تَوَاضُعًا لِرَبِّي.
4050 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا زَائِدَةُ، نَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ أَدَمٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ»
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، جَعَلَ فِيهِ ثَلاثَ خِصَالٍ: «فِقْهًا فِي الدِّينِ، وَزَهَادَةً فِي الدُّنْيَا، وَبَصِيرَةً بِعُيُوبِهِ» .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَصْلُحُ إِلا بِزُهْدٍ، ازْهَدْ وَنَمْ وَصَلِّ الْخَمْسَ.
بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ
لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} [الزمر: 8](14/251)
أَيْ: أَعْطَاهُ وَمَلَّكَهُ، يُقَالُ: هُمْ خَوَلُ فُلانٍ، أَيْ: أَتْبَاعُهُ وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الْإِسْرَاء: 83] ، قِيلَ مَعْنَاهُ: امْتَنَعَ بقوته وَرِجَاله وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [اللَّيْل: 11] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: تَرَدَّى، أَيْ: مَاتَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ} [الْهمزَة: 2] أَيْ: جَعَلَهُ عُدَّةً لِلدَّهْرِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الْأَنْعَام: 123] أَيْ: جَعَلْنَا مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ، لأَنَّ الرِّيَاسَةَ وَالدَّعَةَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْكفْر.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] الْهَلُوعُ: مَا جَاءَ فِي الآيَةِ مِنَ التَّفْسِيرِ الَّذِي يَجْزَعُ وَيَفْزَعُ مِنَ الشَّرِّ، وَيَحْرِصُ وَيَشِحُّ عَلَى الْمَالِ، وَقِيلَ: لَا يَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمرَان: 14] ، إِلَى قَوْلِهِ: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا سُورَة آل عمرَان آيَة 14 قَالَ عُمَرُ «اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَلا نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهَا» ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «(14/252)
إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَالُ مَالا لأَنَّهُ يُمِيلُ الْقُلُوبَ» .
4051 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، قَالَ: زَهْرَةُ الدُّنْيَا "، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ لِذَلِكَ، قَالَ: «لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلا بِالْخَيْرِ إِنَّ هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا، أَوْ يُلِمُّ، أَلا إِنَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةَ تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ(14/253)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ
قَوْلُهُ: «خَضِرَةٌ» فَالْخَضِرَةُ: الْغَضَّةُ الْحَسَنَةُ يُرِيدُ أَنَّ صُورَةَ الدُّنْيَا وَمَتَاعَهَا حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ تُعْجِبُ النَّاظِرَ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَضٌّ طَرِيٌّ فَهُوَ خَضِرَةٌ، وَأَصْلُهُ مِنْ خُضْرَةِ الشَّجَرِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ إِذَا مَاتَ شَابًّا غَضًّا: قَدِ اخْتُضِرَ، وَيُقَالُ: خُذْ هَذَا الشَّيْءَ خَضِرًا مَضِرًا، فَالْخَضِرُ: الْحَسَنُ الْغَضُّ، وَالْمَضِرُ إِتْبَاعٌ، وَيُقَالُ: خُذْهُ بِلا ثَمَنٍ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا} [الْأَنْعَام: 99] أَيْ: وَرَقًا أَخْضَرَ، يُقَالُ: أَخْضَرُ خَضِرٌ، كَمَا يُقَالُ: أَعْوَرُ عَوِرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ نَاعِمٍ، فَهُوَ خَضِرٌ.
وَقَوْلُهُ: «يَقْتُلُ حَبَطًا» ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الْحَبَطُ: هُوَ أَنْ تَأْكُلَ الدَّابَّةُ فَتُكْثِرُ حَتَّى تَنْتَفِخَ لِذَلِكَ بَطْنُهَا وَتَمْرَضُ، يُقَالُ مِنْهُ: حَبِطَتْ تَحْبَطُ حَبَطًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «أَوْ يُلِمُّ» يَعْنِي يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ.
الأَزْهَرِيُّ: فِيهِ مَثَلانِ ضُرِبَ: أَحَدُهُمَا لِلْمُفْرِطِ فِي جَمْعِ الدُّنْيَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا، وَضُرِبَ الآخَرُ: لِلْمُقْتَصِدِ فِي أَخْذِهَا وَالانْتِفَاعِ بِهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا» فَهُوَ مَثَلٌ لِلْمُفْرِطِ الَّذِي يَأْخُذُهَا بَغَيْرِ حَقٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَحْرَارَ الْعُشْبِ، فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهَا الْمَاشِيَةُ حَتَّى تَنْتَفِخُ بُطُونُهَا لَمَّا قَدْ جَاوَزَتْ حَدَّ الاحْتِمَالِ، فَيَنْشَقُّ أَمْعَاؤُهَا فَتَهْلِكَ، كَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ(14/254)
حِلِّهَا، وَيَمْنَعُ ذَا الْحَقِّ حَقَّهُ، يَهْلِكُ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ.
وَأَمَّا مَثَلُ الْمُقْتَصِدِ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةِ» وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْرَارِ الْبُقُولِ الَّتِي يُنْبِتُهَا الرَّبِيعُ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهَا الْمَاشِيَةُ، وَلَكِنَّهَا مِنْ كَلأِ الصَّيْفِ الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْجِ الْبُقُولِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ اسْتِكْثَارِ، فَضَرَبَ مَثَلا لِمَنْ يَقْتَصِدُ فِي أَخْذِ الدُّنْيَا وَلا يَحْمِلُهُ الْحَرْصِ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَهُوَ يَنْجُو مِنْ وَبَالِهَا.
وَقَوْلُهُ: «اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ» أَرَادَ أَنَّهَا إِذَا شَبِعَتْ بَرَكَتْ مُسْتَقْبِلَةً الشَّمْسَ تَجْتَرُّ وَتَسْتَمْرِئُ بِذَلِكَ مَا أَكَلَتْ، فَإِذَا ثَلَطَتْ زَالَ عَنْهَا الْحَبَطُ، وَإِنَّمَا تَحْبَطُ الْمَاشِيَةُ إِذَا كَانَتْ لَا تَثْلَطُ وَلا تَبُولُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجَعَلَ مَا يَكُونُ مِنْ ثَلَطِهَا وَبَوْلِهَا مَثَلا لإِخْرَاجِ مَا يَكسبهُ مِنَ الْمَالِ فِي الْحُقُوقِ.
وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى الاقْتِصَادِ فِي الْمَالِ، وَالْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَتَرْكِ الإِمْسَاكِ لِلادِّخَارِ.
قَالَ الأَزْهَرِيُّ، فِي قَوْلِهِ: «أَلا إِنَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةِ» ، قَالَ الْخَضِرُ هَهُنَا: ضَرْبٌ مِنَ الْجَنْبَةِ، وَاحِدُهَا خَضِرَةٌ وَالْجَنْبَةُ مِنَ الْكَلأِ: مَا لَهُ أَصْلٌ غَامِضٌ فِي الأَرْضِ كَالنَّصِيِّ وَالصِّلْيَانِ.
4052 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ(14/255)
مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الْفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ جَاءَ بِشَيْءٍ» ، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،(14/256)
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
4053 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا عُبَيْدٌ , حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَتْنَا الضَّبُعُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ عِنْدِي، أَنْ تُصَبَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا»
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الضَّبُعُ هِيَ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ.
4054 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ(14/257)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
4055 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] ، قَالَ: " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ(14/258)
4056 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
4057 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِالْمَوْصِلِ، نَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمْ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ، قَالَ: «اعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ» ،(14/259)
قَالُوا: مَا نَعْلَمُ إِلا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ إِلا مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ» قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ إِنَّمَا مَالُ أَحَدِكُمْ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ
4058 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُجَاءُ بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنُّه بَذَجٌ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَعْطَيْتُكَ وَخَوَّلْتُكَ، وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ، فَمَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ جَمَعْتُهُ، وَثَمَّرْتُهُ، فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ، فَارْجِعْنِي آتِكَ بِهِ كُلِّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَرِنِي مَا قَدَّمْتَ، فَيَقُولُ: رَبِّ جَمَعْتُهُ، وَثَمَّرْتُهُ، فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ، فَارْجِعْنِي آتِكَ(14/260)
بِهِ كُلِّهِ، فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا فَيُمْضَى بِهِ إِلَى النَّارِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ، وَلَمْ يُسْنِدُوهُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ
الْبَذَجُ: وَلَدُ الضَّأْنِ، وَجَمْعُهُ بِذْجَانٌ، فَالْبَذَجُ مِنْ أَوْلادِ الضَّأْنِ، وَالْعَتُودُ مِنْ أَوْلادِ الْمعز، وَهُوَ مَا شَبَّ وَقَوِيَ.
4059 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، نَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ، وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» .
لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، وَزَادَ لَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ، سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ، فَلا انْتَقَشَ،(14/261)
طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةً قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ، لَمْ يُشَفَّعْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَيُرْوَى «تَعِسَ فَلا انْتَعَشَ، وَشِيكَ فَلا انْتَقَشَ» ، قَوْلُهُ: «تَعِسَ» أَيِ: انْكَبَّ وَعَثَرَ، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ، أَيْ: أَتْعَسَهُ اللَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَعْسًا لَهُمْ} [مُحَمَّد: 8] أَيْ: عِثَارًا وَسُقُوطًا، وَإِذَا سَقَطَ السَّاقِطُ بِهِ، فَأُرِيد بِهِ الاسْتِقَامَةُ قِيلَ: لعا لَهُ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الانْتِعَاشَ، قِيلَ: تَعْسًا لَهُ، قَوْلُهُ: «وَانْتَكَسَ» ، يُقَالُ: نَكَسْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَلَبْتُهُ، وَالشَّيْءُ مَنْكُوسٌ، وَالانْتِعَاشُ: الارْتِفَاعُ، وَسُمِّيَ نَعْشُ الْجِنَازَةِ نَعْشًا لارْتِفَاعِهِ، قَوْلُهُ: «فَلا انْتَعَشَ» أَيْ لَا ارْتَفَعَ، وَيُقَالُ: انْتَعَشَ الْعَلِيلُ: إِذَا أَفَاقَ.
وَقَوْلُهُ: «شِيكَ فَلا انْتَقَشَ» أَيْ: لَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي دَخَلَهُ، وَلا قَدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ، وَنَقْشُ الشَّوْكَةِ: اسْتِخْرَاجُهَا، يُقَالُ: شَاكَهُ الشَّوْكُ يَشُوكُهُ: إِذَا أَصَابَهُ، وَشَاكَ يُشَاكُ: إِذَا دَخَلَ فِي الشَّوْكِ.
4060 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(14/262)
يُوسُفَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلا دَخَلَهُ الذُّلُّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ، فَلَمْ نَصْبِرْ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِيَّاكَ أَنْ تُدْرِكَكَ الصَّرْعَةُ عِنْدَ الْغِرَّةِ، فَلا تُقَال الْعَثْرَةُ، وَلا تُمَكَّن مِنَ الرَّجْعَةِ، وَلا يَحْمَدكَ مَنْ خَلَّفْتَ بِمَا تَرَكْتَ، وَلا يَعْذِركَ مَنْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَغَلْتَ بِهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ.
بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ
4061 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ(14/263)
عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَى سَعْدٌ أَنَّ لَهُ فَضْلا عَلَى مَنْ دُونِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ابْغُونِي فِي ضُعَفَائِكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ، أَوْ تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ»
4062 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربندكُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ»(14/264)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ عِنْدِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَسْتَفْتِحُ، أَيْ: يَسْتَفْتِحُ الْقِتَالَ بِهِمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَأَنَّهُ يَتَيَمَّنُ بِهِمْ.
وَالصَّعَالِيكُ: هُمُ الْفُقَرَاءُ، وَقِيلَ: يَسْتَفْتِحُ أَيْ: يَسْتَنْصِرُ، وَالاسْتِفْتَاحُ: الاسْتِنْصَارُ، وَيُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الْأَنْفَال: 19] ، يَقُولُ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا، فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ.
4063 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْعَالِي الْبُوشَنْجِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، نَا أَبُو مُسْلِمٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ التَّمِيمِيُّ، أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، كِلاهُمَا(14/265)
عَنْ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ
4064 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينُ، وَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، وَإِذَا أَهْلُ الْجِدِّ مَحْبُوسُونَ، إِلا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ
قَوْلُهُ: «وَإِذَا أَهْلُ الْجِدِّ مَحْبُوسُونَ» يَعْنِي: ذَوِي الْحَظِّ وَالْغِنَى.
4065 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَحْمِي(14/266)
عَبْدَهُ الدُّنْيَا، وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرْضَاكُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ» .
وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَن عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّة عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ، وَقَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ هُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لأُمِّهِ
4066 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ "(14/267)
4067 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشُّرَيْحِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلٍ الْبَلْخِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، نَا شَدَّادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ، فَقَالَ: «انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ» ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي، فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا، لَلْفَقْرُ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَأَبُو الْوَازِعِ: اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا» أَيْ آلَة تَدْفَعُ بِهَا عَنْ دِينِكَ ضَرَرُهُ، مِنَ الصَّبْرِ، وَالْقَنَاعَةِ، وَالرِّضَا.
4068 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ، «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ(14/268)
إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4069 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَيُرْوَى: «رُبَّ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ بِهِ» أَيْ: لَا يُحْتَفَلُ بِهِ.
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ ذُرَى الإِيمَانِ حَتَّى تَكُونَ الضَّعَةُ(14/269)
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ، وَمَا قَلَّ مِنَ الدُّنْيَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا كَثُرَ، وَيَكُونُ مَنْ أَحَبَّ وَمَنْ أَبْغَضَ عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، وَيَحْكُمُ لِلنَّاسِ كَمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَعْدَ مَا أُصِيبَ بَصَرُهُ وَهُمْ يُجْذُونَ حَجَرًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: يُجْذُونَ حَجَرًا، فَقَالَ: عُمَّالُ اللَّهِ أَقْوَى مِنْ هَؤُلاءِ، الإِجْذَاءُ: الإِشَالَةُ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مُوسَى، إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلا فَاعْلَمْ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ عُجِّلَتْ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلا، فَقُلْ: مَرْحَبًا بِشِعَارِ الْمُتَّقِينَ ".
وَذُكِرَ لِلْحَسَنِ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، تَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: تَجْمَعُ بَيْنَ غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَسْتَ مِنْهُمْ.
بَابُ كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْشُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
4070 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/270)
فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ، فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَقَالَ: «أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
الرِّمَالُ: نَسِيجٌ مِنَ السَّعْفِ، يُقَالُ: رَمَلْتُ الْحَصِيرَ، وَأَرْمَلْتُ، وَالأَهَبَةُ جَمْعُ إِهَابٍ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: آهِبَةٌ جَمْعُ إِهَابٍ مِثْلُ آلِهَةٍ جَمْعُ إِلَهٍ.
4071 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا(14/271)
أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: «أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بَطْنَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ
4072 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلان، نَا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4073 - وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،(14/272)
أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , قَالا: نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بن يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ
4074 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، وَمَا هُوَ إِلا الْمَاءُ وَالتَّمْرُ، غَيْرَ أَنْ جَزَى اللَّهُ نِسَاءً مِنَ الأَنْصَارِ خَيْرًا، كُنَّ رُبَّمَا أَهْدَيْنَ لَنَا شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ: «إِلا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمَةِ»
4075 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ:(14/273)
سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: «مَا كَانَ يَفْضُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزُ الشَّعِيرِ»
4076 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: «شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ» أَيْ: مَشْوِيَّةٌ، وَمِنْهُ يُقَالُ: صَلَيْتُ اللَّحْمَ بِالتَّخْفِيفِ: إِذَا شَوَيْتُهُ عَلَى جِهَةِ الصَّلاحِ، وَصَلَّيْتُ فُلانًا بِالنَّارِ بِالتَّشْدِيدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الْوَاقِعَة: 94] .
4077 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ هِلالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ(14/274)
اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزُ الشَّعِيرِ»
4078 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمٌ، نَا هِشَامُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ أَنَسٍ.
ح قَالَ الْبُخَارِيُّ , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، نَا أَسْبَاطُ أَبُو الْيَسَعَ الْبَصْرِيُّ، نَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهَ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ بُرٍّ، وَلا صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعُ نِسْوَةٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الإِهَالَةُ: الدَّسَمُ مَا كَانَ، وَالسَّنِخَةُ: الْمُتَغَيِّرَةُ الرِّيحِ مِنْ طُولِ الزَّمَانِ.(14/275)
4079 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، نَا سَيَّارٌ، نَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا، عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ عَنْ حَجَرَيْنِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
4080 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَصْرِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ وَمَا لِي وَلِبِلالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلالٍ»(14/276)
4081 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ، وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4082 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاشٌ غَلِيظٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، جَعَلْتُ فِرَاشًا آخَرَ لِيَكُونَ أَوْطَأَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ فِرَاشًا(14/277)
رَثًّا غَلِيظًا، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوْطَأَ لَكَ، فَقَالَ: «أَخِّرِيهِ اثْنَانِ، وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ عَلَيْهِ حَتَّى تَرْفَعِيهِ» فَرَفَعْتُ الأَعْلَى الَّذِي صَنَعْتُ
4083 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَمَخَطَ فِي أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: «بَخٍ بَخٍ، يَتَمَخَّطُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الْجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي يَرَى أَنَّ بِي جُنُونًا وَمَا بِي جُنُونٌ، وَمَا هُوَ إِلا الْجُوعُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادٍ
4084 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو(14/278)
طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَتَى بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: " قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَكُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ، بَدَتْ رِجْلاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاهُ، بَدَا رَأْسُهُ، قَالَ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، وَقَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ ابْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ
4085 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلى خَبَّابٍ نَعُودُهُ قَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا(14/279)
مَضَوْا، وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلا التُّرَابَ، «وَلَوْلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ» ، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ، إِلا فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ إِلا أُجِرَ فِيهَا إِلا نَفَقَتَهُ فِي هَذَا التُّرَابِ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّفَقَةُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا الْبِنَاءَ فَلا خَيْرَ فِيهِ» .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْبِنَاءُ كُلُّهُ وَبَالٌ، قِيلَ: أَرَأَيْتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا أَجْرَ وَلا وِزْرَ
4086 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،(14/280)
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: " خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظُ الزِّحَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَاشْتَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ بِنِصْفِهَا، فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمُ مِنَّا أَحَدٌ حَيَّا إِلا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوءَةٌ قَطُّ، إِلا تَنَاسَخَتْ حَتَّى تَكُونَ عَاقِبَتُهَا مُلْكًا، وَسَتَبْلُونَ، أَوْ قَالَ: سَتَخْبُرُونَ الأُمَرَاءَ بَعْدِي ".(14/281)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
قَوْلُهُ: وَوَلَّتْ حَذَّاءَ: أَيْ مُسْرِعَةً، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ السَّرِيعَةُ الْخَفِيفَةُ الَّتِي انْقَطَعَ آخِرُهَا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَطَاةِ: حَذَّاءُ لِقِصَرِ ذَنَبِهَا وَخِفَّتِهَا، وَحِمَارٌ أَحَدُّ: قَصِيرُ الذَّنَبِ، وَصُبَابَةُ الإِنَاءِ: الْبَقِيَّةُ الْيَسِيرَةُ تَبْقَى فِي الإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ، يَتَصَابُّهَا أَيْ: يَشْرَبُهَا صَاحِبُهَا وَهُوَ كَظِيظٌ، أَيْ مُمْتَلِئٌ، وَالْكَظِيظُ: الزِّحَامُ، يُقَالُ: كَظَّهُ الشَّرَابُ، وَكَظَّهُ الْغَيْظُ: إِذَا مَلأَ صَدْرَهُ، يُقَالُ: رَأَيْتُ عَلَى بَابِهِ كَظِيظًا أَيْ: زِحَامًا.
بَابُ طُولِ الأَمَلِ وَالْحِرْصِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} } [التكاثر: 1-2] أَيْ: أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [الْقِيَامَة: 5] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَوْفَ أَتُوبُ سَوْفَ أَعْمَلُ يَعْنِي: يُقَدِّمُ الذَّنْبَ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} [الْحجر: 3] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {(14/282)
لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] أَيْ: لَا يَفْتُرُ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ وَمَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُ.
4087 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشُبُّ مِنْهُ اثْنَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ
4088 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابَ عَلَى حُبِّ اثْنَيْنِ: حُبِّ الْحَيَاةِ، وَحُبِّ الْمَالِ ".(14/283)
أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
4089 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّيْخُ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَيْنِ: طُولِ الْحَيَاةِ، وَكَثْرَةِ الْمَالِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
4090 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، لابْتَغَى ثَالِثًا، وَلا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
4091 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا(14/284)
أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ النَّضْرِيُّ، نَا عَبَّاسُ الدُّورِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، نَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَزَ عُودًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَآخَرَ إِلَى جَنْبِهِ، وَآخَرَ أَبْعَدَ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا الأَجَلُ أَرَاهُ قَالَ وَهَذَا الأَمَلُ، فَيَتَعَاطَى الأَمَلَ فَلَحِقَهُ الأَجَلُ دُونَ الأَمَلِ»
4092 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ» ، ثُمَّ بَسَطَ فَقَالَ: «وَثمّ أَمَلُهُ»(14/285)
4093 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْل، أَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خِطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، فَقَالَ: «هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجُ أَمَلِهِ، وَهَذِهِ الْخِطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَسَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَسَهُ هَذَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ اثْنَيْنِ، طُولَ الأَمَلِ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى، فَإِنَّ طُولَ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ.
وَقَالَ عَوْنُ: كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا لَا يَسْتَكْمِلُهُ، وَمُنْتَظِرٍ غَدًا لَا يَبْلُغُهُ، لَوْ تَنْظُرُونَ إِلَى الأَجَلِ وَمَسِيرِهِ، لأَبْغَضْتُمُ الأَمَلَ وَغُرُورَهُ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِلُبْسِ الْغَلِيظِ وَالْخَشِنِ، وَأَكْلِ الْجَشِبَ، إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قَصْرُ الأَمَلِ.(14/286)
بَابُ اسْتِحْبَابِ طُولِ الْعُمُرِ لِلطَّاعَةِ وَتَمَنِّي الْمَالِ لِلْخَيْرِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «نعما بِالْمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» .
4094 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ الْبَنَّانِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ»(14/287)
4095 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَفَّالُ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَرْوَنْجِرْدِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» ، قِيلَ: وَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
4096 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ الآخَرُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قُلْتُمْ» ، قَالُوا: دَعَوْنَا اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَيَرْحَمَهُ وَيُلْحِقَهُ بِصَاحِبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَيْنَ صَلاتُهُ(14/288)
بَعْدَ صَلاتِهِ وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ» ، أَوْ قَالَ: «صِيَامُهُ بَعْدَ صِيَامِهِ لَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: مَاتَ الآخَرُ بَعْدَهُ بِجُمُعَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا
4097 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبْدُوسٍ، بِنَيْسَابُورَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالا: أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبَّادُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، فَأَمَّا الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ بِصَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدُ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا، إِلا زَادَهُ اللَّهُ بِهِ عِزًّا، وَلا فَتَحَ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ فَاحْفَظُوهُ» ، فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ فِيهَا مَالا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي بِهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ بِحَقِّهِ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ،(14/289)
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَتَخَبَّطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعْمَلُ فِيهِ بِحَقٍّ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالا وَلا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ، لَوْ أَنَّ لِي مَالا، عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ، وَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
4098 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» ، فَقِيلَ: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ»(14/290)
وَيُرْوَى: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا عَسَّلَهُ» ، قِيلَ: مَا عَسَّلَهُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَالْعَسْلُ: طيبُ الثَّنَاءِ.
قَالَ حُذَيْفَةُ: لَيْسَ خِيَارُكُمْ مَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لِلآخِرَةِ، وَلا مَنْ تَرَكَ الآخِرَةَ لِلدُّنْيَا، وَلَكِنَّ خِيَارَكُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَجْمَعُ الْمَالَ فَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ، وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ، وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَرَكَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَتْرُكْهَا، إِلا لأَصُونَ بِهَا دِينِي وَحَسَبِي.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ الْمَالُ فِيمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، وَقَالَ: لَوْلا هَذِهِ الدَّنَانِيرُ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلاءِ الْمُلُوكُ.
وَقَالَ: مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ هَذِهِ شَيْءٌ فَلْيُصْلِحْهُ، فَإِنَّهُ زَمَانٌ إِنِ احْتَاجَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَبْذُلُ دِينَهُ، وَقَالَ: الْحَلالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ.
بَابُ النَّظَرِ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ
4099 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ(14/291)
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ مِمَّنْ فَضُلَ عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
4100 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
4101 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو(14/292)
طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ» ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «عَلَيْكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ
4102 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ، كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا، وَإِنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلا صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ(14/293)
هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى، وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ اللَّهُ فِيهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا، وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ دُونَهُ، وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلا صَابِرًا ".
هَكَذَا رَوَاهُ الْخَلالُ وَسُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ , عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ جَدِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرَا عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاه عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاق، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَك، عَنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4103 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ نَصْرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَهْمُ بْنُ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَمَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُسْتُمَ فِي مَوْكِبِهِ، فَقَالَ لابْنِ أَبِي مَرْيَمَ: إِنِّي لأَشْتَهِي مُجَالَسَتَكَ وَحَدِيثَكَ، فَلَمَّا مَضَى، قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَغْبِطَنَّ(14/294)
فَاجِرًا بِنِعْمَتِهِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا هُوَ لاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ قَاتِلا لَا يَمُوتُ» .
فَبَلَغَ ذَلِكَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهْبٌ أَبَا دَاوُدَ الأَعْوَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا فُلانٍ، مَا قَاتِلا لَا يَمُوتُ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: النَّارُ
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَعَمْرِي لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ، لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِهِ وَمُسِيءٌ بِإِسَاءَتِهِ عَنْ تَجْدِيدِ ثَوْبٍ، أَوْ تَرْطِيلِ شَعْرٍ.
أَرَادَ بِتَرْطِيلِ الشَّعْرِ: تَلْيِينَهُ بِالدُّهْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ فِيهِ لِينٌ: رَجُلٌ رَطْلٌ، بِالْفَتْحِ.
وَالَّذِي يُوزَنُ بِهِ وَيُكَالُ: رِطْلٌ، بِكَسْرِ الرَّاءِ.
قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: صَحِبْتُ الأَغْنِيَاءَ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَكْبَرَ هَمًّا مِنِّي، أَرَى دَابَّةً خَيْرًا مِنْ دَابَّتِي، وَثَوْبَا خَيْرًا مِنْ ثَوْبِي، وَصَحِبْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ.
وَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِيَّاكُمْ وَمَوَاقِفَ الْفِتَنِ، قِيلَ: وَمَا مَوَاقِفُ الْفِتَنِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبْوَابُ الأُمَرَاءِ يدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ، وَيَقُولُ لَهُ: مَا لَيْسَ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِن عَلَى أَبْوَابِ السُّلْطَانِ فتنا كَمَبَارِكِ الإِبِلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُصِيبُونَ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلا أَصَابُوا مِنْ دِينِكُمْ مِثْلَيْهِ.(14/295)
قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا دَعَوْكَ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِمْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاص: 1] فَلا تَأْتِهِمْ، يَعْنِي: السُّلْطَانَ.
بَابُ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [الْبَلَد: 4] أَيْ: فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَالإِنْسَانُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي ضِيقٍ، ثُمَّ يُكَابِدُ مَا يُكَابِدُهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، ثُمَّ الْمَوْتُ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ.
4104 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْفَضْلُوِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ بِهَا، نَا أَبُو الْعَلاءِ صَاعِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ , نَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
4105 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَطِيبُ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارِ(14/296)
بْنِ نُصَيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنُ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنِ الْعَلاءِ
4106 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُنَادَةَ الْمَعَافِرِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ، وَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا، فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ»(14/297)
بَابُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إِبْرَاهِيم: 12] أَيْ: لِيَكِلُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمرَان: 159] وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاق: 3] قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ، حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمرَان: 173] .
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يُوسُف: 42] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(14/298)
مَعْنَاهُ أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ حَتَّى اسْتَغَاثَ بِمَخْلُوقٍ {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يُوسُف: 42] رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: دَخَلَ جِبْرِيلُ عَلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ، فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: " يَا أَخَا الْمُنْذِرِينَ مَاذَا تَعْمَلُ بَيْنَ الْمُذْنِبِينَ؟ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: يَا طَيِّبُ ابْنُ الطَّيِّبِينَ، يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنِ اسْتَغَثْتَ بِمَخْلُوقٍ مِثْلِكَ؟ ، وَعِزَّتِي لأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ.
فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: أَهُوَ رَاضٍ عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: إِذًا لَا أُبَالِي ".
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الْأَعْرَاف: 137] ، وَيَعْنِي قَوْلُهُ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [الْقَصَص: 5] .
4107 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَزَّازُ، بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ» ، قِيلَ:(14/299)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مُحْصِنٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ» ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ خَلَفٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ.
وَرُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اكْتَوَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ» .
وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ رَفَعَ عَنِّي، فَلَمَّا تَرَكْتُ ذَلِكَ، عَادَ إِلَيَّ» .
وَعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: اعْلَمْ يَا مُطَرِّفُ، أَنَّهُ كَانَ تُسَلِّمُ الْمَلائِكَةُ عَلَيَّ عِنْدَ رَأْسِي، وَعِنْدَ بَابِ(14/300)
الْبَيْتِ، وَعِنْدَ بَابِ الْحُجْرَةِ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ ذَهَبَتْ تِلْكَ.
فَلَمَّا بَرَأَ كَلَّمَهُ، قَالَ: اعْلَمْ يَا مُطَرِّفُ، أَنَّهُ عَادَ إِلَيَّ الَّذِي كَانَ، اكْتُمْ عَلَيَّ يَا مُطَرِّفُ حَتَّى أَمُوتَ
4108 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
الْخِمَاصُ: جَمْعُ الْخَمِيصِ الْبَطْنِ، وَهُوَ الضَّامِرُ، وَالْمَخْمَصَةُ: الْجُوعُ، لأَنَّ الْبَطْنَ يَضْمُرُ بِهِ.
4109 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(14/301)
الْمُبَارَكِ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ، لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا مَوْتًا عَاجِلا، أَوْ غِنًى عَاجِلا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
4110 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ،(14/302)
عَنِ الْمُطَّلِبِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ قَدْ أَلْقَى فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْعِبَ كُلَّ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ لَهَا، فَمَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلْيُجْمِلْ فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تُدْرِكُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلا بِمِثْلِ طَاعَتِهِ»
4111 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو نَصْرِ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْمُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا عَبْدَانُ , عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا: زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ(14/303)
الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلا بِطَاعَتِهِ» .
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ زُبَيْدٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
4112 - أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، أَلا فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» .
أَرَادَ بِالرُّوحِ الأَمِينِ وَبِرُوحِ الْقُدُسِ: جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [الْبَقَرَة: 87]
4113 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا(14/304)
أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، نَا زُبَيْدٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، أَلا وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقٍ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلا بِطَاعَتِهِ»
قَوْلُهُ: «نَفَثَ فِي رُوعِي» فَالنَّفْثُ شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ، وَالتَّفْلُ لَا يَكُونُ إِلا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ.
وَقَوْلُهُ: «فِي رُوعِي» ، أَيْ: فِي خَلَدِي وَنَفْسِي، مَعْنَاهُ: أُوحِيَ إِلَيَّ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِنَّ فِي كُلِّ أُمَّةٍ مُرَوَّعِينَ وَمُحَدَّثِينَ» .
وَالْمُرَوَّعُ: الْمُلْهَمُ كَأَنَّهُ يُلْقَى فِي رُوعِهِ الصَّوَابُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «(14/305)
ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلأُ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدُّ فَقْرَكَ، وَإِلا تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَكَ شُغْلا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ عَلَى مَا أَكْرَهُ، لأَنِّي لَا أَدْرِي الْخَيْرَ فِيمَا أُحِبُّ أَوْ فِيمَا أَكْرَهُ.
بَابُ الاجْتِنَابِ عَنِ الشَّهَوَاتِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مَرْيَم: 59] .
4114 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجْلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» .(14/306)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ
4115 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْفُورَانِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخِرَقِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَعَا اللَّهُ جِبْرِيلَ، فَأَرْسَلَهُ عَلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَمَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، قَالَ: فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ، فَقَالَ: اذْهِبْ إِلَيْهَا، وَانْظُرْ مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سَمِعَ بِهَا، فَحُجِبَتْ بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ(14/307)
أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا «.
وَفِي رِوَايَةِ الْفُورَانِيِّ» فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ «،» فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ "
4116 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيِّ , عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنِ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
4117 - أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، أَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/308)
قَالَ: «إِنَّ الْكَيِّسَ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّ الْعَاجِزَ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ»
قَوْلُهُ: «دَانَ نَفْسَهُ» أَيِ: اسْتَعْبَدَهَا، وَأَذَلَّهَا يُقَالُ: دِنْتُ الْقَوْمَ أَدِينُهُمْ: إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بِهِمْ، وَقِيلَ: «دَانَ نَفْسَهُ» ، أَيْ: حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ فِي الْقِيَامَةِ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَجَهَّزُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ: كَفَى بِالْمَرْءِ سَرَفًا أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَى، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: شَيْئَانِ إِذَا عَمِلْتَ بِهِمَا أَصَبْتَ بِهِمَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قِيلَ: مَا هُمَا؟ قَالَ: تَحَمُّلُ مَا تَكْرَهُ إِذَا أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَتَتْرُكَ مَا تُحِبُّ إِذَا كَرِهَ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْحَقُّ ثَقِيلٌ مَرِيٌّ، وَالْبَاطِلُ خَفِيفٌ وَبِيٌّ، وَرُبَّ شَهْوَةِ سَاعَةٍ، أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلا.
وَيُرْوَى مِثْلُهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَوْلا ثَلاثٌ، لَصَلُحَ النَّاسُ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ فِيهِ بَطْنَهُ وَدِينُهُ هَوَاهُ.(14/309)
4118 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ» ، قَالَ: «وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعَظَّمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهِ خَيْرًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى
4119 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْحَاسِبُ , نَا جُبَارَةُ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رُئِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْضِعٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَخْرَجَكَ؟ قَالَ: «الْجُوعُ» ، قَالَ: أَنَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أَخْرَجَنِي الْجُوعُ، قَالَ: ثُمَّ(14/310)
جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعِذْقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كُنَّا نَصْنَعُ بِهَذَا كُلِّهِ» ، قَالَ: تَأْكُلُونَ مِنْ بُسْرِهِ وَرُطَبِهِ، قَالَ: فَأَكَلُوا، وَشَرِبُوا عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] "
4120 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا شُبَابَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَرْزَمٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ، أَنْ يُقَالُ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ، وَنَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالضَّحَّاكُ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ عَرْزَمٍ(14/311)
بَابُ حِفْظِ اللِّسَانِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] .
4121 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يُؤْذِيَنَّ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُومِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» .
وَفِي رِوَايَةِ الْقَاضِي: «أَوْ لِيَسْكُتْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،(14/312)
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ
4122 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4123 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا(14/313)
دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4124 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَمَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، وَمَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيُكْتَبُ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطُهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(14/314)
4125 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ , أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ، قَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاءِ الأُمَرَاءِ وَتَغْشَاهُمْ، فَانْظُرْ مَاذَا تُحَاضِرُهُمْ بِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الْخَيْرِ، مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الشَّرِّ، مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» .
فَكَانَ عَلْقَمَةُ، يَقُولُ: رُبَّ حَدِيثٍ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ بِلالٍ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4126 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ(14/315)
الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَظُنُّهُ رَفَعَهُ، قَالَ: " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ، وَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ، اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا "
قَوْلُهُ: تُكَفِّرُ، أَيْ: تَذِلُّ وَتَخْضَعُ.
4127 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَرْوَنْجِرْدِيُّ، نَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّرْسِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الأَوْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ أُمَّتِي النَّارَ الأَجْوَفَانِ: الْفَرْجُ، وَالْفَمُ "(14/316)
4128 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ.
ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراشٍ الْمَكِّيُّ بِمَكَّةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا النَّجَاةُ؟ فَقَالَ: «يَا عُقْبَةُ، امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ(14/317)
حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَيَانٍ الْغَافِقِيُّ، بِمِصْرَ، نَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
قَوْلُهُ: «امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ» ، يَقُولُ: لَا تُجْرِهِ إِلا بِمَا يَكُونُ لَكَ لَا عَلَيْكَ.
4129 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ , حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَمَتَ نَجَا»
4130 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ،(14/318)
أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِمَنْ يُحَدِّثُ، فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ»
4131 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْد اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ لَا يَقُولُهَا إِلا لِيُضْحِكَ بِهَا النَّاسَ، يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَيَزِلُّ عَنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَزِلُّ مِنْ قَدَمِهِ»
4131 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ، فَفِيمَا بَيْنَ اللَّحْيَيْنِ،(14/319)
يَعْنِي: اللِّسَانَ، وَمَا شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى سِجْنٍ طَوِيلٍ مِنَ اللِّسَانِ.
وَقَالَ: أُنْذِرُكُمْ فُضُولَ الْكَلامِ، بِحَسْبِ أَحَدِكُمْ مَا بَلَغَ حَاجَتَهُ، وَقَالَ: أَكْثَرُ النَّاسِ خَطَأً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ خَوْضًا فِي الْبَاطِلِ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ إِلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: صَمُوتٍ وَاعٍ، وَنَاطِقٍ عَالِمٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: الْكَلامُ بِمَنْزِلَةِ الْعُطَاسِ، قَلِيلُهُ دَوَاءٌ، وَكَثِيرُهُ دَاءٌ.
بَابُ تَرْكِ الإِنْسَانِ مَا لَا يَعْنِيهِ
4132 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ، نَا أَبِي، نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوَئِيلَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»(14/320)
4133 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» , قَالَ أَبُو عِيسَى: هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، وهَذَا عِنْدَنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 3] ، قَالَ: أَتَاهُمْ وَاللَّهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا وَقَذَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ، قَوْلُهُ: وَقَذَهُمْ، أَيْ: سَكَنَهُمْ، يُقَالُ: وَقَذَهُ الْحِلْمُ: إِذَا سَكَنَهُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ تَصِفُ أَبَاهَا: وَكَانَ وَقِيذَ الْجَوَانِحِ، تُرِيدُ: مَحْزُونَ الْقَلْبِ، كَأَنَّ الْحُزْنَ قَدْ ضَعَّفَهُ وَكَسَرَهُ.(14/321)
بَابُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} [النِّسَاء: 38] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [الْبَقَرَة: 264] .
وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88] أَيْ: إِلا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10] ، قَالَ: أَصْحَابُ الرِّيَاءِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الرّوم: 39] ، قَالَ: مَا أَعْطَيْتُمْ مِنْ عَطِيَّةٍ لِتُثَابُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، فَلَيْسَ فِيهَا أَجْرٌ.
وَقِيلَ، فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْف: 110] أَيْ: لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلا يَعْمَلُ عَمَلا فِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، وَلا يَكْتَسِبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ.(14/322)
4134 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ
قَوْلُهُ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» ، يُرِيدُ: مَنْ عَمِلَ عَمَلا عَلَى غَيْرِ إِخْلاصٍ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ.
قَوْلُهُ: «سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» ، يُرِيدُ: يُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَرُهُ وَيَفْضَحُهُ، فَيَبْدُو عَلَيْهِ مَا كَانَ يُسِرُّهُ مِنْ ذَلِكَ.
4135 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ،(14/323)
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: " الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ يُجَازِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمُ: اذْهَبُوا عَلَى الَّذِينَ كُنْتُم تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ".
مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ
4136 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، قَالا: نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَقُولُ: إِنِّي أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشَّرِيكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ(14/324)
هُوَ لِلَّذِي عَمِلَهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَوْحٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
4137 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ، يَقُولُ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلا، فَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ".
وَيُرْوَى مَرْفُوعًا: «لَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ» .
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَعِزَّ أَمْرَ اللَّهِ، يُعِزُّكَ اللَّهُ
4138 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،(14/325)
قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ فِي بَيْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ أَسَامِعَ خَلْقِهِ، وَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَهُ» ، فَذَرَقَتْ عَيْنَا ابْنِ عُمَرَ
يُقَالُ: سَمَّعْتُ بِالرَّجُلِ تَسْمِيعًا: إِذَا شَهَرْتُهُ.
وَقَوْلُهُ: «أَسَامِعَ خَلْقِهِ» : هِيَ جَمْعُ أَسْمُعٍ، يُقَالُ: سُمُعٌ وَأَسْمُعٌ وَأَسَامِعٌ جَمْعُ الْجَمْعِ، يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُسَمِّعُ أَسْمَاعَ خَلْقِهِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُظْهِرُ لِلنَّاسِ سَرِيرَتَهُ، وَيَمْلأُ أَسْمَاعَهُمْ بِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ خُبْثِ السَّرَائِرِ جَزَاءً لِفِعْلِهِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ» .(14/326)
وَيُرْوَى: «سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعُ خَلْقِهِ» مَرْفُوعًا، فَيَكُونُ السَّامِعُ مِنْ نَعْمِت اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ: سَمَّعَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ سَامِعُ خَلْقِهِ، يَعْنِي: يَفْضَحُهُ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاقِ، قِيلَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ يُرَى الْجَسَدُ خَاشِعًا، وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعٍ.
بَابُ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ فَحُمِدَ عَلَيْهِ
4139 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، وَيُحِبُّهُ النَّاسُ، قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»
4140 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ , أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدِينِيُّ , أَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ(14/327)
الْعَمَلَ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، وَقَالَ: وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ
4141 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بُرَازٍ , نَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ زَكَرِيَّا النَّضْرَوِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ، نَا عَبَّاسٌ الدِّمَشْقِيُّ الْخَلالُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي حَرِيثٍ الْقُرَشِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا أَنَا فِي بَيْتِي فِي مُصَلَّاي إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَعْجَبَنِي الْحَالُ الَّتِي رَآنِي عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ، لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وَأَجْرُ الْعَلانِيَةِ "(14/328)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُ الأَعْمَشِ لَمْ يُذْكَرُوا فِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: فَأَعْجَبَهُ، مَعْنَاهُ: أَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ» أَمَّا إِذَا أَعْجَبَهُ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْخَير وَيُعَظَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ رِيَاءٌ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَأَعْجَبَهُ رَجَاءَ أَنْ يَعْمَلَ مَنْ رَآهُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: إِنَّمَا يُسَرُّ لِيُسْتَنَّ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ لِلْحَدِيثِ عِنْدِي وَجْهٌ إِلا مَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، لأَنَّ الآثَارَ كُلَّهَا تُصَدِّقُهُ، مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ حَدِيثٌ آخَرُ: «أَنَّ رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَرَآهُ جَارٌ لَهُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَغُفِرَ لِلأَوَّلِ» .(14/329)
بَابُ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ {15} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ} [هود: 15-16] ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ: أَهْلُ الرِّيَاءِ، أَهْلُ الرِّيَاءِ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمرَان: 117] ، قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فِيهَا صِرٌّ} [آل عمرَان: 117] أَيْ: بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رِيحًا صَرْصَرًا} [فصلت: 16] أَيْ: شَدِيدَةُ الْبَرْدِ.
4142 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ بِمَكَّةَ، نَا أَبِي الرَّبِيع بْن صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ،(14/330)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبُ الآخِرَةِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا، وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبُ الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَشَتَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَلا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ»
4143 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ شُفَيَّ الأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ(14/331)
النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلا قُلْتُ لَهُ: نَشَدْتُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلا ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى فَمَكَثَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ، فَقَالَ: أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعِلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ،(14/332)
وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعَكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ، أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ "، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ أَوَّلُ خَلْقٍ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» , قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ، أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا، فَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَحَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ(14/333)
مُعَاوِيَةُ: قَدْ فَعَلَ بِهَؤُلاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ {15} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {16} } [هود: 15-16] ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: نَشَغَ، النَّشْغُ: الشَّهِيقُ حَتَّى يَكَادُ يَبْلُغُ بِهِ الْغشي، يُقَالُ: نَشَغَ يَنْشَغُ نَشْغًا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ شَوْقًا إِلَى صَاحِبِهِ وَأَسَفًا عَلَيْهِ.
4144 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرْ(14/334)
هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةَ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ»
4145 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، فِي الأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ»
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ إِذَا وُقِفْتُ عَلَى الْحِسَابِ، أَنْ يُقَالَ لِي: قَدْ عَلِمْتَ فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ .
وَقَالَ: إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: سَمِعْتُ خَالِي مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: قَالَ لِي رَبِيعَةُ الرَّأْيِ، قَالَ: وَكَانَ أُسْتَاذَ مَالِكٍ: يَا مَالِكُ، مِنَ السَّفَلَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَكَلَ بِدِينِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: مَنْ سَفَلَةِ السَّفَلَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَصْلَحَ دُنْيَا غَيْرِهِ بِفَسَادِ دِينِهِ، قَالَ: فَصَدَّرَنِي.(14/335)
بَابُ إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» .
4146 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغُفِرَ لَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ، عَنْ مَالِكٍ(14/336)
4147 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا أَبَانُ بْنُ صُمْعَةَ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمِطِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صُمْعَةَ
بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً أَوْ هَمَّ بِهَا
4148 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ(14/337)
عَزَّ وَجَلَّ: «إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَأَنَا أَغْفِرُهَا مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا»
4148 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَت الْمَلائِكَةُ: يَا رَبِّ ذَاكَ عَبْدٌ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي "
4148 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا، تُكْتَبُ بَعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: «إِلَى سَبْعِ مِائَةِ» هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْثِيرِ وَالتَّضْعِيفِ لَا مِنْ بَابِ حَصْرِ الْعَدَدِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ(14/338)
فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [الْبَقَرَة: 261] ، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التَّوْبَة: 80] لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِنْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنِ اسْتَكْثَرْتَ مِنَ الدُّعَاءِ لِلْمُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُمْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ التَّسْبِيعَ مَوْضِعَ التَّضْعِيفِ وَإِنْ جَاوَزَ السَّبْعَ.
حُكِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمًا، فَقَالَ: سَبَّعَ اللَّهُ لَهُ الأَجْرَ، أَرَادَ التَّضْعِيفَ.
4149 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، نَا أَبُو الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقَتْهُ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ أُخْرَى، فَانْفَكَّتْ أُخْرَى حَتَّى يَخْرُجَ»
بَابُ التَّقْوَى
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا(14/339)
مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الْحَج: 32] ، وَقَالَ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} [الْحَج: 30] ، قَالَ: الْمَعَاصِي، مَعْنَاهُ: وَمَنْ يُعَظِّمْ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَجْتَنِبُهُ، وَقِيلَ: حُرُمَاتِ اللَّهِ، يَعْنِي: فُرُوضَهُ، وَالْحُرْمَةُ: مَا وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ، وَحَرَّمَ التَّفْرِيطَ فِيهِ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الْحَج: 37] أَيْ: لَا يَصِلُ إِلَيْهِ مَا يَعُدُّ لَكُمْ بِهِ ثَوَابَهُ إِلا التَّقْوَى.
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [الْبَقَرَة: 201] .
قَالَ الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: الْعِلْمُ، وَالْعِبَادَةُ، وَالْحَسَنَةُ فِي الآخِرَةِ: الْجَنَّةُ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {162} هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمرَان: 162-163] أَيْ: ذَوُو دَرَجَاتٍ، أَيْ: طَبَقَاتٌ فِي الْفَضْلِ.
4150 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ(14/340)
لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّقْوَى هَهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ» .
قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لِيَعْظُمَ جَلالُ اللَّهِ فِي صُدُورِكُمْ، فَلا تَذْكُرُوهُ عِنْدَ مِثْلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ لِلْكَلْبِ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، وَلِلْحِمَارِ، وَالشَّاةِ، وَقَالَ: لأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحَ نَادِمًا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا، وَأُصْبِحَ مُعْجَبًا.
قَالَ عُمَرُ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ: التَّقِيُّ مُلَجَّمٌ لَا يَفْعَلُ كُلَّ مَا يُرِيدُ.
بَابُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التَّوْبَة: 71] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ(14/341)
عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لُقْمَان: 17] .
4151 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْن الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْوَاقِعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدَاهِنِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا، فَرَكِبَ قَوْمٌ عُلُوَّهَا وَرَكِبَ قَوْمٌ سُفْلَهَا، وَكَانُوا إِذَا اسْتَقَوْا آذَوْهُمْ وَأَصَابُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ قَدْ آذَيْتُمُونَا مِمَّا تَمُرُّونَ عَلَيْنَا، فَأَعْطَوْا رَجُلا فَأْسًا فَنَقَبَ عِنْدَهُمْ نَقْبًا، قَالُوا: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: تَأَذَّيْتُمْ بِنَا فَنَنْقُبُ عِنْدَنَا نَقْبًا نَسْتَقِي مِنْهُ، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ، هَلَكُوا وَأَهْلَكُوا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، نَجَوْا وَنَجَوْا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ(14/342)
قَوْلُهُ: «وَالْمُدَاهِنِ» ، وَالْمُدَاهَنَةُ، وَالادهَانُ: الْمُقَارَبَةُ فِي الْكَلامِ وَالتَّلْيِينِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [الْقَلَم: 9] أَيْ: تَلِينُ لَهُمْ، فَيَلِينُونَ لَكَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ تَصَانِعُهُمْ فِي دِينِكَ، فَيُصَانِعُونَ فِي دِينِهِمْ، وَقِيلَ: لَوْ تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} [النِّسَاء: 89] ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الْوَاقِعَة: 81] أَيْ: كَافِرُونَ.
وَالاسْتِهَامُ: الاقْتِرَاعُ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقُرْعَةِ فِي سُكْنَى السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إِذَا جَاءُوا مَعًا، فَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ، فَهُوَ أَحَقُّ.
4152 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قَوْمًا رَكِبُوا الْبَحْرَ فِي سَفِينَةٍ فَاقْتَسَمُوهَا، فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مَكَانًا، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهُمُ الْفَأْسَ، فَنَقَرَ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: مَكَانِي أَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتُ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ، نَجَوْا وَنَجَا، وَإِنْ تَرَكُوهُ، غَرِقَ وَغَرِقُوا،(14/343)
فَخُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَهْلِكُوا "
4153 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجَرْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 105] ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ , وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي، نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ(14/344)
دَاوُدَ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» ، قَالَ: فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ أَطْرًا» أَيْ: تَعْطِفُوهُمْ عَطْفًا
4154 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الأَشْهَلِيُّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ، فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ»
4154 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ، وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرِثُ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ»(14/345)
4155 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ» ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو
أَرَادَ: الْعَبِيدَ وَالسِّفْلَةَ، وَيُقَالُ لِلأَمَةِ: اللَّكَاعُ، كَمَا يُقَالُ: غُدَرٌ وَغَدَارِ، مِنَ الْغَدْرِ.
4155 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا مَوْلًى لَنَا , أَنَّهُ سَمِعَ جَدِّي، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ» .(14/346)
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَاللَّهِ لَتَجِدُّنَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَلَتُقَاتِلُنَّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ لَيَسُوسَنَّكُمْ أَقْوَامٌ أَنْتُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَيُعَذِّبَنَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
4156 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، أَنَا عِيسَى بْنُ نَصْرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 105] ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْروفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِنَّ، قَبَضَ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ(14/347)
فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ» , وَزَادَنِي غَيْرُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ»
يَقُولُ ابْن الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُهُ، قِيلَ: الشَّحُّ الْمُطَاعُ: هُوَ أَنْ يُطِيعَهُ صَاحِبُهُ فِي مَنْعِ الْحُقُوقِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ.
4157 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ(14/348)
أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ»
قَوْلُهُ: «حَتَّى يَعْذِرُوا» أَيْ: يُكْثِرُوا ذُنُوبَهُمْ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْعُقُوبَةَ، فَيَكُونُ لِمَنْ يُعَذِّبُهُمُ الْعُذْرُ، يُقَالُ: أَعْذَرَ الرَّجُلُ إِعْذَارًا إِذَا صَارَ ذَا عَيْبٍ وَفَسَادٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَذَرَ يَعْذِرُ بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ كَالْحَدِيثِ الآخَرِ: «لَنْ يَهْلِكَ عَلَى اللَّهِ إِلا هَالِكٌ» .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى: أَعْذَرْتُ فِي طَلَبِ الأَمْرِ: إِذَا بَالَغْتَ فِيهِ، وَعَذَّرْتُ إِذَا قَصَّرْتَ وَلَمْ تُبَالِغْ، وَأَعْذَرْتُ الْغُلامَ وَعَذَرْتُهُ لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُمَا: الْخِتَانُ، وَعَذَرْتُهُ: إِذَا غَمَزْتَ عَذْرَتَهُ، وَهِيَ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ.
4157 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»(14/349)
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: جَاهِدُوا الْمُنَافِقِينَ بِأَيْدِيكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَبِأَلْسِنَتِكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا إِلا أَنْ تَكْفَهِرُّوا فِي وُجُوهِكُمْ فَاكْفَهِرُّوا.
قَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا أُخْفِيَتْ، لَمْ تَضُرَّ إِلا صَاحِبَهَا، فَإِذَا أُعْلِنَتْ، فَلَمْ تُغَيَّرْ، ضَرَّتِ الْعَامَّةَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا إِذَا رَأَوُا الرَّجُلَ لَا يُحْسِنُ الصَّلاةَ، عَلَّمُوهُ، قَالَ سُفْيَانُ: أَخْشَى أَنْ لَا يَسَعَهُمْ إِلا ذَلِكَ.
بَابُ وَعِيدِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرِوفِ وَلا يَأْتِيهِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [الْبَقَرَة: 44] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّفّ: 2] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] أَيْ: لَسْتُ أَنْهَاكُمْ عَنْ شَيْءٍ وَأَدْخُلُ فِيهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ(14/350)
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] ، قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: «الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلامَ الطَّيِّبَ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا كَانَ كَلامٌ طَيِّبٌ وَعَمَلٌ سَيِّئٌ رُدَّ الْقَوْلُ عَلَى الْعَمَلِ» ، وَقَالَ قَتَادَةُ: " {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: يَرْفَعُ اللَّهُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِصَاحِبِهِ ".
4158 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيٌّ، نَا سُفْيَانُ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلانًا، فَكَلَّمْتَهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلا سمعكم أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلا أَقُولُ لِرَجُلٍ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَمِيرًا: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: " يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتِمَعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ:(14/351)
كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ , وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنِ الأَعْمَشِ: «فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ»
قَوْلُهُ: «لَا أُكَلِّمُهُ إِلا سمعكم» أَيْ: بِحَيْثُ تَسْمَعُونَ بِكَسْرِ السِّينِ.
قَوْلُهُ: «تَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ» أَيْ: تَخْرُجُ أَمْعَاؤُهُ، فَالانْدِلاقُ: خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ بَدَرَ خَارِجًا، فَقَدِ انْدَلَقَ، يُقَالُ: انْدَلَقَ السَّيْفُ مِنَ الْغِمْدِ: إِذَا شَقَّهُ فَخَرَجَ مِنْهُ، وَالأَقْتَابُ: الأَمْعَاءُ، قَالَهُ الأَصْمَعِيُّ، وَاحِدُهَا: قِتْبَةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُهَا قِتْبٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْقِتْبُ مَا تَحَوَّى فِي الْبَطْنِ، يَعْنِي: اسْتَدَارَ، وَهِيَ الْحَوَايَا، فَأَمَّا الأَمْعَاءُ، فَإِنَّهَا الأَقْصَابُ، وَاحِدُهَا قُصْبٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرَّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» .(14/352)
4159 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
بَابُ وَعِيدِ الظَّالِمِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشُّعَرَاء: 227] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 113] أَيْ: لَا تَمِيلُوا،(14/353)
وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} [الْإِسْرَاء: 74] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النَّمْل: 50] ، وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ: هُوَ استدراجهم من حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِالْمَكْرِ، وَلا يُوصَفُ بِالاحْتِيَالِ، لأَنَّ الْمُحْتَالَ مَنْ يُقَلِّبُ الْفِكْرَةَ لِيَهْتَدِيَ إِلَى وَجْهِ مَا يُرِيدُ، وَالْمَاكِرُ الَّذِي يَسْتَدْرِجُ، فَيَأْخُذُ مِنْ وَجْهِ غَفْلَةٍ مِنَ الْمُسْتَدْرَجِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَاف: 182] ، وَسُئِلَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنِ الاسْتِدْرَاجِ؟ فَقَالَ: مَكْرُ اللَّهِ بِالْعِبَادِ الْمُضَيِّعِينَ، وَقِيلَ: هُوَ الأَخْذُ عَلَى غِرَّةٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَاف: 182] قَالَ: يُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ، وَيَمْنَعُهُمُ الشُّكْرَ "، وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أُحْدِثَتْ لَهُمْ نِعْمَةٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الْأَنْعَام: 44] .
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} [(14/354)
الْكَهْف: 35 - 40] أَيْ: عَذَابًا، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الْحُسْبَانُ الْمَرَامِيُّ الصِّغَارُ، شَبَّهَ مَا يُرْسِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَدٍ، أَوْ حِجَارَةٍ بِالْحُسْبَانِ، وَقِسِيُّ الْحُسْبَانِ مَعْرُوفَةٌ.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100] أَيْ: مِنْهَا بَادٍ يُرَى، وَحَصِيدٌ قَدْ ذَهَبَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ آثَرٌ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} [الْأَنْبِيَاء: 15] أَيْ: حُصِدُوا بِالسَّيْفِ وَالْمَوْتِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النَّمْل: 52] أَيْ: لَا أَنِيسَ فِيهَا، يُقَالُ: خَوَتِ الدَّارُ تَخْوِي خِوَايَةً وَخَوَاءً، وَخَوِيَ الرَّجُلُ، فَهُوَ خَوٍ: إِذَا خَلا جَوْفُهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] هِيَ الَّتِي انْقَلَعَتْ مِنْ أُصُولِهَا فَخَوى مِنْهَا مَكَانُهَا، أَيْ: خَلا، وَالْخَوَاءُ: الْمَكَانُ الْخَالِي، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الْأَنْعَام: 45] أَيِ: اسْتَأْصَلَ اللَّهُ شَأْفَتَهُمْ، وَدَابِرُهُمْ: أَصْلُهُمْ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النِّسَاء: 79] أَيْ: مَا أَصَابَكَ مِنْ أَمْرٍ يَسُوءُكَ(14/355)
فَمِنْ ذَنْبٍ أَذْنَبَتْهُ نَفْسُكَ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مَرْيَم: 75] لَفْظُهُ أَمْرٌ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ جَزَاءَ ضَلالَتَهُ أَنْ يَمُدَّهُ فِيهَا، وَإِذَا جَاءَ الْخَبَر فِي لَفْظِ الأَمْرِ كَانَ أَوْكَدَ وَأَلْزَمَ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [الْأَعْرَاف: 100] أَيْ: أَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ وِرَاثَتَهُمُ الأَرْضَ عَنِ الْقَوْمِ الْمُهْلَكِينَ أَنَّا لَوْ نَشَاءُ، أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَا مَنْ وَرِثُوا أَرْضَهُ.
4160 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ(14/356)
شَبَابَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ
4161 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ , نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَرَّازٍ الْقُهَّنْدُزِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ
قِيلَ الشُّحُّ: هُوَ الْحِرْصُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَأَكْلِ الرِّبَا، وَأَخْذِ الْحَرَامِ، وَإِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا» .(14/357)
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أُهْلِكْتُ، فَقَالَ: مَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ، يَقُولُ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْر: 9] وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِي شَيْءٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ، إِنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا، وَلَكِنْ ذَاكَ الْبُخْلُ، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْبُخْلُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [الْحَشْر: 9] قَالَ: الشُّحُّ إِدْخَالُ الْحَرَامِ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ.
4162 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ، لَمْ يَفُتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ(14/358)
وَقَالا: «لَمْ يُفْلِتْهُ» أَيْ: لَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُ.
4163 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَويُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ مِنْ عِرْضٍ أَوْ مَالٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ يَوْمَ لَا دِينَارَ وَلا دِرْهَمَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِهِ، فَجُعِلَتْ عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ
قَوْلُهُ: «فَلْيَتَحَلَّلْهُ» أَيْ: لِيَسْأَلْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ مِنْ قِبَلِهِ، يُقَالُ: تَحَلَّلْتُهُ وَاسْتَحْلَلْتُهُ: إِذَا سَأَلْتَهُ أَنْ يَجْعَلَكَ فِي حِلٍّ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقْطَعَ دَعْوَاهُ وَيَتْرُكَ مَظْلمَتِهِ، فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الْغِيبَةَ لَا يُمْكِنُ تَحْلِيلُهُ، وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمَالَ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا، وَكَانَ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ اسْتَوْفَاهَا غَصْبًا، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الَّتِي غَصَبَهَا قَائِمَةً، فَلا يَصِحُّ مِنْهَا التَّحَلُّلُ إِلا بِهِبَةٍ وَقَبُولٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا(14/359)
اغْتَابَ رَجُلا، فَإِنْ بَلَغَهُ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَحِلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ، وَلا يُخْبِرُهُ.
4164 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ» ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ وَلا مَتَاعَ لَهُ، قَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»
4164 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ» .(14/360)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَبْيَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ
4165 - أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ، قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» ، قَالَ: وَتَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ، وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ.
قَوْلُهُ: «أَنْ يُصِيبَكُمْ» أَيْ: حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ كَقَوْلِكَ: لَا تَقْرَبِ الأَسَدَ أَنْ يَفْتَرِسَكَ أَيْ: حَذَرًا أَنْ يَفْتَرِسَكَ.(14/361)
4166 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعَنَاه أَنَّ الدَّاخِلَ فِي دَارِ قَوْمٍ أُهْلِكُوا بِخَسْفٍ أَوْ عَذَابٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَاكِيًا، إِمَّا شَفَقَةً عَلَيْهِمْ وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ حُلُولِ مِثْلِهَا بِهِ، كَانَ قَاسِيَ الْقَلْبِ، قَلِيلَ الْخُشُوعِ، فَلا يَأْمَنْ إِذَا كَانَ هَكَذَا أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ دِيَارَ هَؤُلاءِ لَا يُتَّخَذُ مَسْكَنًا وَوَطَنًا، لأَنَّهُ لَا يَكُونُ دَهْرَهُ بَاكِيًا أَبَدًا، وَقَدْ نَهَى أَنْ يَدْخُلَهَا إِلا هَكَذَا.
4167 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو الْحَسَنِ، نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانِ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّا، نَا سُلَيْمَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: «أَمَرَهُمْ أَلا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلا يَسْتَقُوا(14/362)
مِنْهَا» ، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، «فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ، وَيُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، قَالا: " الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ: ظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ، وَظُلْمٌ يُغْفَرُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ، فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ، فَظُلْمُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
قَالَ الأَعْمَشُ: ذُكِرَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّجُلُ السُّوءُ، يُعْطِي الْمَالَ، وَيَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ، وَيُرْزَقُ بِهِ.
بَابُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الْإِسْرَاء: 109] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(14/363)
سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ: رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".
4168 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، نَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا» ,(14/364)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْمَسْعُودِيُّ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيُّ
4169 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، نَا أَبُو حَبِيبٍ الْغَنَوِيُّ، نَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى ثَلاثَةِ أَعْيُنٍ: عَيْنٍ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ " , وَفِي الْحَدِيثِ: «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَةِ إِجَابَتِهِ إِيَّاكُمْ» يُرْوَى هَذَا مِنَ إِلِّكُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:(14/365)
إِنِّي أَحْسَبُهَا مِنَ أَلِّكُمْ بِالْفَتْحِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَصَادِرِ، وَيُقَالُ: أَلَّ يَؤُلُّ أَلا وَأَلَلا وَأَلِيلا، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَبِالْبُكَاءِ وَيَجْأَرُ فِيهِ
بَابُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمرَان: 175] .
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الْملك: 12] .
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [الْمُؤْمِنُونَ: 60] .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 60] ، قَالَ: يَخْشَوْنَ الْمَوْقِفَ، وَيَعْلَمُونَ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْحِسَابِ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدُّخان: 51] أَيْ: أَمِنُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْغِيَرِ.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] أَيْ:(14/366)
لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [يُونُس: 7] أَيْ: لَا يَخَافُونَ، وَكُلُّ رَاجٍ مُؤَمِّلُ مَا يَرْجُوهُ وَخَائِفٌ فَوْتَهُ، فَلِلرَّاجِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِالْخَوْفِ أُتْبِعَ بِحَرْفِ النَّفْيِ.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الْأَنْعَام: 51] ، وَالإِنْذَارُ: الإِعْلامُ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُحْذَرُ مِنْهُ، وَكُلُّ مُنْذِرٍ مُعْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُعْلِمٍ مُنْذِرًا.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ مَنْ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَتْرُكُهَا، قَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الْمَائِدَة: 68] .
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي صِفَةِ الأَنْبِيَاءِ {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 90] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} [التَّوْبَة: 114] وَهُوَ كَثِيرُ التَّأَوُّهِ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي صِفَةِ الْمَلائِكَةِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ(14/367)
فَوْقِهِمْ} [النَّحْل: 50] ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرَّعْد: 13] أَيِ: النِّقْمَةِ، وَقِيلَ: أَيِ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وَقِيلَ: شَدِيدُ الْعُقُوبَةِ وَالْمَكْرِ، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ مَحَلَ فُلانٌ بِفُلانٍ: إِذَا سَعَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، وَعَرَّضَهُ لِمَا يُهْلِكُهُ.
4170 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ عَنْ مَعْمَرٍ
4171 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ(14/368)
عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ
4172 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ بْنِ عَقِيلٍ الشَّعْرَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ،(14/369)
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا فِيهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ يُمَجِّدُ اللَّهَ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ، وَلَصَعَدْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ: رَبَّنَا "، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ: «إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى»
4173 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَرِينَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْحُلْوَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهَمَذَانِيُّ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ هُوَ(14/370)
الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، سَمِعْتُ بُكَيْرَ بْنَ فَيْرُوزَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمْنَ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ
وَالدُّلْجَةُ وَالدَّلْجُ: سَيْرِ اللَّيْلِ، يُقَالُ: أَدْلَجَ إِذَا سَارَ آخِرَهُ.
4174 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ(14/371)
4175 - أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ شَاذَانَ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ السَّامِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا»
4176 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ مِنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
4176 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، أَنَا الْهَيْثَمُ(14/372)
بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحْيَفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا»
وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: " كَانَ دَاوُدُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا ذَكَرَ عِقَابَ اللَّهِ تَخَلَّعَتْ أَوْصَالُهُ، لَا يَشُدُّهَا إِلا الأَسْرِ، أَيِ: الْعَصْبُ وَالشَّدُّ ".
قَالَ عبد الله ابْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ: «يَا لَيْتَنِي هَذِهِ التِّبْنَةُ، لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا، لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا» .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " كَانَ رَأْسُ عُمَرَ عَلَى فَخِذِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ رَأْسِي، قَالَ: فَوَضَعْتُهُ عَلَى الأَرْضِ، فَقَالَ: وَيْلِي وَوَيْلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي ".
وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي طِلاعُ الأَرْضِ ذَهَبًا، لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ» .
وَبَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي مَرَضِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي لَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي، وَإِنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُودٍ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، لَا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا يُؤْخَذُ بِي» .(14/373)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ جَالِسٌ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخْشَى أَنْ يَنْقَلِبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا» .
قَالَ الْحَسَنُ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ طُولِ الْحُزْنِ، وَقَالَ: مَا خَافَهُ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا أَمِنَهُ إِلا مُنَافِقٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ مَضَى بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَقْوَامٌ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَنْفَقَ عَدَدَ هَذَا الْحَصَى، لَخَشِيَ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْ عِظَمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْمُحَقَّرَاتِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ وَقَدْ أَحَطْنَ بِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَفْرَقُ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ آمِنًا» .
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ إِنْ عَمِلَ حَسَنَةً قَطُّ أَنْفَعَ لَهُ مِنْهَا، وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ إِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً قَطُّ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْهَا.
وَكَانَ الْعَلاءُ بْنُ زِيَادٍ يَذْكُرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ قَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] ، وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غَافِر: 43] وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ لِمَنْ عَصَاهُ.
بَابُ الرَّجَاءِ وَسَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(14/374)
الْأَعْرَاف: 156] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غَافِر: 7] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56] .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَإِنْ عُصِيتُ فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ» .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ» .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» .
4177 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» .(14/375)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
قَوْلُهُ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ» أَيْ: خَلَقَهُمْ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [فصلت: 12] أَيْ: خَلَقَهُنَّ.
4178 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: الْقَوْلُ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِتَابِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ، إِمَّا الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَاهُ وَأَوْجَبَهُ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] أَيْ: قَضَى اللَّهُ،(14/376)
وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» أَيْ: فَعِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْقَ الْعَرْشِ لَا يَنْسَاهُ، وَلا يَنْسَخُهُ، وَلا يُبْدِلُهُ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْكِتَابِ: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْخَلْقِ، وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ، وَذِكْرُ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَالأَقْضِيَةِ النَّافِذَةِ فِيهِمْ، وَمَآلُ عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «فَهُوَ عِنْدَهُ» أَيْ: فَذِكْرُهُ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ.
قُلْتُ: الأَوْلَى فِيهِ بِالْمَرْءِ وَفِي أَمْثَالِهَا إِمْرَارُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا.
4179 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرْكَانِيُّ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَاحِدَةٌ بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا يَتَعَاطَفُ الْوُحُوشُ عَلَى أَوْلادِهَا، وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .(14/377)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
4180 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4181 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ،(14/378)
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تحلب ثَدْيُهَا تَسْعَى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ
4182 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْفَارِسِيُّ.
ح حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الأَصْبَهَانِيُّ بِالرِّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ(14/379)
فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ»
4183 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ قَطُّ خَيْرًا لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَمْ فَعَلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ رَوْحٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِك
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَمْ يَبْتَئِرْ خَيْرًا قَطُّ» ، يَعْنِي: لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا، وَلَمْ يَدَّخِرْ، يُقَالُ: بَأَرْتُ(14/380)
الشَّيْءَ وَابْتَأَرْتُهُ: إِذَا خَبَّأْتَهُ وَادَّخَرْتَهُ.
وَرَوَاه أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ رَجُلا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالا، فَقَالَ لِبَنِيهِ: لَمَّا حُضِرَ ".
قَوْلُهُ: «رَغَسَهُ» ، أَيْ: أَكْثَرَ لَهُ مِنْهُ، وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَرَجُلٌ مَرْغُوسٌ، أَيْ: كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَرَوَاهُ حُذَيْفَةُ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: كَانَ نَبَّاشًا.
4184 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ: أَلا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ، فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَقَالَ: فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ لِلأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟(14/381)
قَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ "، قَالَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ» ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: ذَلِكَ لِئَلا يَتَّكِلَ أَحَدٌ، وَلا يَيْأَسَ أَحَدٌ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ الْحَدِيثَ الأَوَّلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ
قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي» مَعْنَاهُ: قَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّقْدِيرِ لَا مِنَ الْقُدْرَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ يُونُسَ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الْأَنْبِيَاء: 87] ، قِيلَ: هُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ، أَيْ: لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ بَلاءً وَعُقَوبَةً، وَهُوَ مَا قَدَّرَ مِنْ كَوْنِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، يُقَالُ: قَدَرَ وَقَدَّرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الْفجْر: 16] أَيْ: فَضَيَّقَ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ فَلَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهُ فَلَعَلِّي أَفُوتُهُ» ، يُقَالُ: ضَلَّ الشَّيْءَ: إِذَا فَاتَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {(14/382)
فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] أَيْ: لَا يَفُوتُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَعَلَّ مَوْضِعِي يَخْفَى عَلَيْهِ.
فَإِن قِيلَ: كَيْفَ غَفَرَ لَهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْبَعْثِ؟ قُلْنَا: لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لِلْبَعْثِ، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهُ مِنْ خَشْيَةِ الْبَعْثِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ جَاهِلا ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تُرِكَ فَلَمْ يُنْشَرْ وَلَمْ يُعَذَّبْ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ تُنَجِّيهِ مِمَّا يَخَافُهُ.
4185 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَلَهُ تَوْبَةٌ؟ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ أَيْضًا(14/383)
4187 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ , قَالُوا: نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلا يُبَالِي» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ
4188 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، نَا ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَنَادَانِي شَيْخٌ، فَقَالَ: يَا يَمَامِيُّ تَعَالَ، وَمَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ لَا تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ ,(14/384)
قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ إِذَا غَضِبَ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ، أَوْ لِخَادِمِهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَحَابَّيْنِ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، وَالآخَرُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: مُذْنِبٌ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَقْصِرْ أَقْصِرْ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ، قَالَ: فَيَقُولُ خَلِّنِي وَرَبِّي، قَالَ: حَتَّى وَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيْنَا رَقِيبًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكًا، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلآخَرِ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْظُرَ عَلَى عَبْدِي رَحْمَتِي، فَقَالَ: لَا يَا رَبِّ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ
4188 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ(14/385)
الْحَجَّاجِ، نَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: " وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» ، أَوْ كَمَا قَالَ
4189 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثَّانِيَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/386)
الثَّالِثَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ»
4190 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنَا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الْخَطِيبُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِلا اللَّمَمَ} [النَّجْم: 32] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ
قَوْلُهُ «جَمًّا» أَيْ: كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الْفجْر: 20] أَيْ: كَثِيرًا، قَوْلُهُ: «لَا أَلَمَّا» أَيْ: لَمْ يُلِمُّ بِمَعْصِيَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا اللَّمَمَ} [النَّجْم: 32] وَهُوَ أَنْ يُلِمَّ بِذَنْبٍ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ، وَ «لَا» مَعَ الْمَاضِي بِمَنْزِلَةِ «لَمْ» مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [الْبَلَد: 11] أَيْ: لَمْ يَقْتَحِمْ،(14/387)
وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «إِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ خَطَّاءً إِلا مَا رَحِمَ اللَّهُ» .
4191 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَسَنِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، غَفَرْتُ لَهُ وَلا أُبَالِي مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا» .
وَرُوِيَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَادَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ أَتَرَى اللَّه يَغْفِرُ لِمِثْلِي؟ فَقَالَ حَمَّادٌ: وَاللَّهِ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ مُحَاسَبَةِ اللَّهِ إِيَّايَ وَبَيْنَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، لاخْتَرْتُ مُحَاسَبَةَ اللَّهِ عَلَى مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبَوَيَّ
بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ بِأَنْ لَا نَجَاةَ إِلا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
4192 - أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفَانِيُّ(14/388)
الْهَرَوِيُّ بِهَا، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجيبِيُّ الْمِصْرِيُّ بِهَا الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْوَضِيِّ، نَا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ مَيْسَرَةَ الصَّدَفِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ» ، قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا، وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
4193 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ(14/389)
سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنَجِّيهِ عَمَلُهُ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا» ، قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
4194 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَنْجُو أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ» ، قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
قَوْله: «سَدِّدُوا» أَيِ: اقْصِدُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمُقَارَبَةُ: الْقَصْدُ فِي الأَمْرِ الَّذِي لَا غُلُوَّ فِيهِ وَلا تَقْصِيرَ، وَقِيلَ: قَارِبُوا أَيْ: لَا تَعْجَلُوا.
وَقَوْلُهُ: «إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ» أَيْ: يَسْتُرَنِي بِهَا(14/390)
مَأْخُوذٌ مِنْ غِمْدِ السَّيْفِ لأَنَّكَ إِذَا غَمَدْتَهُ، فَقَدْ سَتَرْتَهُ.
قَالَ عُمَيْرٌ: مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ، فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَهْوَنَ سِيرَةً وَلا أَقَلَّ تَشْدِيدًا مِنْهُمْ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا بَلَغَكَ فِي الإِسْلامِ أَمْرَانِ، فَخُذَا أَيْسَرَهُمَا.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا اخْتُلِفَ عَلَيْكَ فِي أَمْرَيْنِ، فَخُذْ أَيْسَرَهُمَا، فَإِنَّ أَيْسَرَهُمَا أقربهما مِنَ الْحَقِّ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَقُولُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَة: 185] .
بَابُ تَغَيُّرِ النَّاسِ وَذَهَابُ الصَّالِحِينَ
4195 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّد الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةِ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ(14/391)
شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
الرَّاحِلَةُ: الَّتِي يَخْتَارُهَا الرَّجُلُ لِمَرْكَبِهِ وَرَحْلِهِ عَلَى النَّجَابَةِ وَحُسْنِ الْمَنْظَرِ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى النَّاقَةِ النَّجِيبَةِ، وَالْجَمَلِ النَّجِيبِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ «فَاعِلَةٌ» جَاءَتْ بِمَعْنَى «مَفْعُولَةٍ» ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الإِبِلِ: الإِبِلُ، تَقُولُ: لِفُلانٍ إِبِلٌ، أَيْ: مِائَةٌ مِنْهَا، وَإِبِلانِ إِذَا كَانَتْ مِائَتَانِ، يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ كَمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ حَمُولَةً لَا تَجِدُ فِيهَا ذَلُولا تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَقِلُّ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا وَالرَّاغِبُ فِي الآخِرَةِ، فَيَكُونُ رَغْبَةَ أَكْثَرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْمُنَافَسَةِ فِيهَا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تُوَاخِ مِنْهُمْ إِلا أَهْلَ الْفَضْلِ، وَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الإِبِلِ الْحَمُولَةِ.
4196 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عَمْرٍو الصَّنْعَانِيُّ مِنَ الْيَمَنِ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سنَن مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا ذِرَاعًا حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ،(14/392)
عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
4197 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ، لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
حُفَالَةُ التَّمْرِ: رُذَالَتُهُ، وَمِثْلُهَا الْحُثَالَةُ، وَالْفَاءُ وَالثَّاءُ يَتَعَاقَبَانِ، كَقَوْلِهِمْ: ثُومٌ وَفُومٌ، وَجَدْثٌ وَجَدْفٌ.
وَقَوْلُهُ: «لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً» أَيْ: لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا، وَلا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا، يُقَالُ: بَالَيْتُ بِالشَّيْءِ مُبَالاةً وَبَالِيَةً وَبَالَةً، يُقَالُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَالِي، أَيْ: مِمَّا أُبَالِيهِ.
4198 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،(14/393)
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " مَا أَعْرِفُ مِنْكُمْ شَيْئًا كُنْتُ أَعْهَدُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ قَوْلَكُمْ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قُلْنَا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الصَّلاةَ؟ فَقَالَ: قَدْ صَلَّيْتُمْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَفَكَانَتْ تِلْكَ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنِّي لَمْ أَرَ زَمَانًا خَيْرًا لِلْعَامِلِ مِنْ زَمَانِكُمْ هَذَا، إِلا أَنْ يَكُونَ زَمَانٌ مَعَ نَبِيٍّ "
4199 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْد اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ: أَفَبِي تَغْتَرُّونَ، أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ، فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنةً تَدَعُ الْحَلِيمَ فِيهِنَّ حَيْرَانَ ".(14/394)
هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ
4200 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ، وَخَدَمَتْهُمْ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ، سَلَّطَ اللَّهُ شِرَارَهَا عَلَى خِيَارِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
وَالْمُطَيْطَاءُ: مِشْيَةٌ فِيهَا تَبَخْتُرٌ وَمَدُّ يَدَيْنِ، وَالتَّمَطِّي مِنْ ذَلِكَ، لأَنَّهُ إِذَا تَمَطَّى مَدَّ يَدَيْهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [الْقِيَامَة: 33] أَيْ: يَتَبَخْتَرْ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّب: ثَارَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَحَدٌ، ثُمَّ كَانَتِ الثَّانِيَةُ، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبَيَةَ أَحَدٌ، قَالَ: وَأَظَنُّ لَوْ كَانَتِ الثَّالِثَةُ لَمْ تَرْتَفِعْ وَفِي النَّاسِ طَبَاخٌ، أَرَادَ بِالْفِتْنَةِ الأُولَى: مَقْتَلَ عُثْمَانَ، وَبِالثَّانِيَةِ: الْحَرَّةَ،(14/395)
وَقَوْلُهُ: طَبَاخٌ، أَيْ: خَيْرٌ وَنَفْعٌ، يُقَالُ: فُلانٌ لَا طَبَاخَ لَهُ، أَيْ لَا عَقْلَ لَهُ.
قَالَ مِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: لَقَدْ وَارَتِ الأَرْضُ أَقْوَامًا لَوْ رَأَوْنِي جَالِسًا مَعَكُمْ، لاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُمْ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ لإِنْسَانٍ: إِنَّكَ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ قُرَّاؤُهُ، كَثِيرٍ فُقَهَاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ، قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ، كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلاةَ، وَيَقْصُرُونَ فِيهِ الْخُطْبَةِ، يَبْدَءُونَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ، وَتَضِيعُ حُدُودُهُ، كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ، قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيَقْصُرُونَ الصَّلاةَ، يَبْدَءُونَ بِأَهْوَائِهِمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «إِنَّ النَّاسَ كَانُوا وَرَقًا لَا شَوْكَ فِيهِ، فَأَصْبَحُوا شَوْكًا لَا وَرَقَ فِيهِ» .
بَاب خَوْفِ الْهَلاكِ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ، إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النَّحْل: 45 - 47] أَيْ: تَنَقُّصٍ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى التَّنَقُّصِ: أَنْ يَتَنَقَّصَهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ، يُقَالُ: تَخَوَّفَهُ الدَّهْرُ: إِذَا انْتَقَصَهُ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {(14/396)
وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إِبْرَاهِيم: 5] ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: أَيَّامُ اللَّهِ: نِقَمُهُ الَّتِي انْتَقَمَ بِهَا مِنَ الأُمُمِ السَّالِفَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِنِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ.
4201 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
ح قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا، يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا "، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ(14/397)
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» ، وَقَالَ: وَعَقَدَ سُفْيَانُ عَشْرَةً، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ: وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً , وَقَوْلُهُ: «إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» ، أَيِ: الْفِسْقُ وَالْفُجُورُ.
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحُمَيْدِيُّ، وعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالُوا فِيهِ: عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُ مِنَ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعَ نِسْوَةً زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَحَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَوْجَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ حَبِيبَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
4202 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ» .(14/398)
صَحِيحٌ.
قَالَ مَالِكٌ: إِنِّي لأَكْرَهُ الْمُقَامُ بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُعْصَى اللَّهُ فِيهَا عَلانِيَةً، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النِّسَاء: 97]
4203 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْمِصْرِيُّ، نَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَثَلُ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ فَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ، فَاطَّبَخُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ محقرات الذُّنُوبِ لَمُوبِقَاتٌ» .
هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ(14/399)
بَابُ إِذَا هَلَكُوا بِالْعَذَابِ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتِهِمْ
4204 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ
4205 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ(14/400)
وَآخِرِهِمْ» ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «يَهْلِكُونَ مَهْلِكًا وَاحِدًا، وَيَصْدِرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»
الْبَيْدَاءُ: مَفَازَةٌ لَا شَيْءَ بِهَا، وَبَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ أَرْضٌ مَلْسَاءَ اسْمُهَا الْبَيْدَاءُ.
4206 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ
4207 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى(14/401)
الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ، وَالْكَافِرُ عَلَى كُفْرِهِ»
بَابُ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الْأَعْرَاف: 27] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الْأَعْرَاف: 22] أَيْ: قَرَّبَهُمَا إِلَى الْمَعْصِيَةِ بِغُرُورِهِ، وَقِيلَ: دَلاهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ، وَقِيلَ: فَأَطْمَعَهُمَا، وَقِيلَ: فَجَرَّأَهُمَا، وَالأَصْلُ: دَلَّلَهُمَا مِنَ الدَّلِّ، وَهُوَ الْجُرْأَةِ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ إِخْبَارًا عَنْ إِبْلِيسَ: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النِّسَاء: 119] قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ دِينِ اللَّهِ يَعْنِي حُكْمَ اللَّهِ.(14/402)
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الْإِسْرَاء: 62] أَيْ: لأَقْتَادَنَّهُمْ إِلَى طَاعَتِي، يُقَالُ: احْتَنَكَ دَابَّتَهُ: إِذَا قَادَهَا، وَقِيلَ: لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالإِغْوَاءِ، يُقَالُ: احْتَنَكَ الْبَعِيرُ الصِّلْيَانَةَ: إِذَا اقْتَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الْإِسْرَاء: 64] أَيِ: اسْتَدْعِهِمُ اسْتِدْعَاءً تَسْتَخِفُّهُمْ بِهِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الْإِسْرَاء: 64] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ خَيْلَهُ كُلُّ رَاكِبٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَرجله: كُلُّ مَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الْإِسْرَاء: 62] ، قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكَ وَأَرَأَيْتَكُمْ: مَعْنَاهُ الاسْتِخْبَارُ، تَقُولُ: أَخْبِرُونِي، تَقُولُ: أَرَأَيْتَكَ وَأَرَأَيْتَكُمَا، وَأَرَأَيْتَكُمْ مَفْتُوحَةُ التَّاءِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ، قُلْتَ: أَرَأَيْتُ وَأَرَأَيْتُمَا وَأَرَأَيْتُمْ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ} [(14/403)
الْبَقَرَة: 169] أَيْ: بِمَا يَسُوءُكُمْ عَوَاقِبُهُ فِي مُنْقَلَبِكُمْ.
قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الْأَنْعَام: 128] أَيِ: اسْتَنَفَعَ، وَاسْتِمْتَاعُ الإِنْسِ بِالْجِنِّ، اسْتِعَاذَتُهُمْ بِهِمْ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا سَافَرَ، فَنَزَلَ وَادِيًا قَالَ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْوَادِي، وَاسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالإِنْسِ تَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهُمْ حَيْثُ يَسْتَعِيذُونَ بِهِمْ، قَالَهُ الأَزْهَرِيُّ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [الْبَقَرَة: 168] يَعْنِي: مَسَالِكَهُ وَمَذَاهِبَهُ، أَيْ: لَا تَسْلُكُوا الطُّرُقَ الَّتِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهَا الشَّيْطَانُ، وَوَاحِدُ الْخُطُوَاتِ: خُطْوَةٌ: وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَالْخَطْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، يُقَالُ: خَطَوْتُ خَطْوَةً، وَجَمْعَهَا خطوَات.
4208 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، وَقَامُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ(14/404)
عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» .
فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ
الشَّيْطَانُ مِنَ الشَّطْنِ: وَهُوَ الْبُعْدِ، وَيُقَالُ لِلْحَبْلِ الطَّوِيلِ: شَطْنٌ، سُمِّيَ بِهِ لِبُعْدِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَطُولِهِ فِي الشَّرِّ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «يَبْلُغُ مَبْلَغَ الدَّمِ» ، وَيُرْوَى: يَجْرِي مَجْرَى الدَّمِ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ، لَا أَنْ يَدْخُلَ جَوْفَهُ، وَهُوَ مَثَلٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّحَرُّزِ عَنْ مَظَانِّ السُّوءِ، وَطَلَبِ السَّلامَةِ مِنَ النَّاسِ بِإِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ.
وَيُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/405)
خَافَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ الْكُفْرَ، إِذْ لَوْ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمَا رِيبَةٌ فِي أَمْرِهِ، لَكَفَرَا بِهِ، فَابْتَدَرَ إِلَيْهِمَا بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
4209 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا» ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمرَان: 36] .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ , وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ»
4210 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي(14/406)
أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مِمَّا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، وَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنَّ كُلَّ مَا لِي نَحَلْتُهُ عِبَادِي، فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُمْ إِذَا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدعُوهُ خُبْزَةً، فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يغسلهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ، فَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ نُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَمْدُدْكَ بِخَمْسَةِ أَمْثَالِهِمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ.
ثُمَّ قَالَ: أَهْلُ الْجَنَّة ثَلاثَةٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٌ، وَرَجُلٌ غَنِيٌّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ، وَأَهْلُ(14/407)
النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ لَا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ أَهْلا وَلا مَالا، وَرَجُلٌ لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلا ذَهَبَ بِهِ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَاحِشُ، وَذَكَر الْبُخْلَ، وَالْكَذِبَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ
قَوْلُهُ: «حُنَفَاءَ» جَمْعُ حَنِيفٌ مِنَ الْحَنَفِ، وَالْحَنَفُ: إِقْبَالُ إِحْدَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى الأُخْرَى، فَالْحَنِيفُ: الصَّحِيحُ الْمَيْلِ إِلَى الإِسْلامِ، الثَّابِتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْحَنَفُ: الاسْتِقَامَةُ، وَقِيلَ لِلْمَائِلِ الرِّجْلِ: أَحْنَفُ تَفَاؤُلا بِالاسْتِقَامَةِ.
وَقَوْلُهُ: «فَاجْتَالَتْهُمْ» أَيِ: اسْتَخَفَّتْهُمْ فَجَالُوا مَعَهُ، يُقَالُ: اجْتَالَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ: إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَسَاقَهُ، وَالْمَقْتُ: أَشَدُّ الْبُغْضِ، وَقَوْلُهُ: «يَثْلَغُوا رَأْسِي» أَيْ: يَشْدَخُوهُ كَمَا تُشْدَخُ الْخُبْزَةُ.
وَقَوْلُهُ: «أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ» أَيْ: لَا يَنْمَحِي أَبَدًا، بَل هُوَ مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ.
وَقَوْلُهُ: «تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ» ، أَيْ: تَجْمَعُهُ حِفْظًا وَأَنْتَ نَائِمٌ، كَمَا تَجْمَعُهُ وَأَنْتَ يَقْظَانُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَقْرَؤُهُ فِي يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ(14/408)
ظَاهِرًا، يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الشَّيْءِ: هُوَ يَفْعَلُهُ نَائِمًا، كَمَا يُقَالُ: هُوَ يَسْبِقُهُ قَاعِدًا، وَالْقَاعِدُ لَا سَبْقَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: «لَا زَبْرَ لَهُ» أَيْ: لَا عَقْلَ لَهُ، وَالشِّنْظِيرُ: السَّيِّئُ الْخُلُقِ.
4211 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ: «وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ» .
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «فَأَسْلَمُ» مَعْنَاهُ: أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ، وَالشَّيْطَانُ لَا يُسْلِمُ، وَقِيلَ: أَسْلَمَ أَيِ: اسْتَسْلَمَ، يَقُولُ: ذَلَّ.
4212 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا(14/409)
أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ "، قَالَ الأَعْمَشُ: أَرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابٌ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [الْمَائِدَة: 44] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التَّوْبَة: 62]
4213 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ(14/410)
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْوَرْدِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ بِكِتَابٍ تُوصِينَنِي فِيهِ، وَلا تُكْثِرِي عَلَيَّ فَأَنْسَى، فَكَتَبَتْ: مِنْ عَائِشَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ سَخَطَ اللَّهِ بِرِضَا النَّاسِ، وَكله اللَّهُ إِلَى النَّاسِ» ، وَالسَّلامُ
4214 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَطِيبُ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ أَيُّوبَ الْقُرَشِيُّ، نَا هَانِئُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ الْمَدِينِيِّ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ(14/411)
بِحَدِيثٍ سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِّي أَعْمَلُ بِهِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَائِشَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ الْعِبَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَتَهُمْ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا الْعِبَادِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِم»
بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الرَّابِع عشر من
شرح السّنة
ويليه الْجُزْء الْخَامِس عشر - وَهُوَ الْأَخير -
وأوله كتاب الْفِتَن(14/412)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ الْفِتَنِ
4215 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ الأَصْفَهَانِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، فَإِنِّي قَدْ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتَهُ، فَأَرَاهُ فَأَعْرِفُهُ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ، فَرَآهُ فَعَرَفَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ.
وَرُوِيَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَاب، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ(15/3)
مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ» .
4216 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟» قَالُوا: لَا.
قَالَ: «إِنِّي لأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْمَطَرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
الأُطُمِ: بِنَاءٌ مَرْفُوعٌ مِنَ الْحِجَارَةِ كَالْقَصْرِ، وَآطَامُ الْمَدِينَةِ: حُصُونُهَا، وَكَذَلِكَ آجَامُهَا، وَاحِدُهَا: أجم.
4217 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،(15/4)
نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا، «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَقَرَءُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَمِلُوا مِنَ السُّنَّةِ» , ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا، قَالَ: " تُرْفَعُ الأَمَانَةُ، فَيَنَامُ الرَّجُلُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ، وَقَدْ رُفِعَتِ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَبْقَى أَثَرُهَا كَالْوَكْتِ، أَوْ كَالْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ، فَهُوَ يُرَى أَنَّ فِيهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَتُرْفَعُ الأَمَانَةُ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلانٍ رَجُلا أَمِينًا، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي حَدِيثًا، وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ أُبَايِعُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ إِسْلامُهُ، وَلَئِنْ كَانَ مُعَاهِدًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلا فُلانًا وَفُلانًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالا فِيهِ: " فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ،(15/5)
فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلُ أَثَرِ الْمَجْلِ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ وَلا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ".
قَوْلُهُ: «فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ» ، الْجَذْرُ: الأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
الْوَكْتُ: جَمْعُ وَكْتَةٍ، وَهِيَ الأَثَرُ الْيَسِيرُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبُسْرِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ مِنَ الأَرْطَابِ: قَدْ وُكِتَ.
والْمَجْلُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَجِلَتْ يَدُهُ مَجْلا: إِذَا خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يُشْبِهُ الْبَثْرَ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَغْلُظُ جِلْدُهَا.
وَقَوْلُهُ: «فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا» ، الْمُنْتَبِرُ: الْمُنْتَفِطُ، يُقَالُ: انْتَبَرَتْ يَدُهُ، أَيِ: انْتَفَطَتْ.
وَقَوْلُهُ: «لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ» ، يَعْنِي: رَئِيسَهُمُ الَّذِي يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، وَلا يُمْضُونَ أَمْرًا دُونَهُ، وَيُقَالُ: أَرَادَ بِالسَّاعِي الْوَالِيَ عَلَيْهِ، يَقُولُ: يُنْصِفُنِي مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا عَلَى قَوْمٍ، فَهُوَ سَاعٍ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِعَامِلِ الصَّدَقَةِ: سَاعٍ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعَةِ الْخِلافَةِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ خَطَأٌ، لأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مُعَاهِدًا رَدَّ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَلا يُبَايِعُ الْمُعَاهِدُ، إِنَّمَا أَرَادَ مُبَايَعَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، يُرِيدُ: ذَهَبَتِ الأَمَانَةُ مِنَ النَّاسِ، فَلَسْتُ أَثِقُ الْيَوْمَ بِأَحَدٍ أَأْتَمِنُهُ عَلَى بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ إِلا فُلانًا، وَفُلانًا لِقِلَّةِ الأَمَانَةِ فِي النَّاسِ، وقِبلَ هَذَا كُنْتُ لَا أُبَالِي مَنْ بَايَعْتُهُ، فَإِنْ بَايَعْتُ مُسْلِمًا، قُلْتُ: لَا يَظْلِمُنِي لأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَإِنْ بَايَعْتُ نَصْرَانِيًّا، قُلْتُ: إِنْ لَمْ يُنْصِفُنِي، أَعَانَنِي عَلَيْهِ سَاعِيهِ، وَقَدْ فَسَدَ الْيَوْمَ الأَمْرُ.
4218 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ(15/6)
الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا أَبُو خَالِدٍ، يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ , عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ.
فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ.
قَالَ: تِلْكَ يُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ.
فَقُلْتُ: أَنَا.
فَقَالَ: أَنْتَ، لِلَّهِ أَبُوكَ.
قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَهٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلا تَضَرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ".
قَالَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكَ أَنْ يُكْسَرَ.
قَالَ عُمَرُ: أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ، فَلَوْ أَنَّهُ فَتْحٌ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ.
قَالَ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ.
وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ،(15/7)
أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ.
قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: يَا أَبَا مَالِكٍ، مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا؟ قَالَ: شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ.
قَالَ: قُلْتُ: فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا؟ قَالَ: مَنْكُوسًا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى بَعْضُهُمْ مُرْبَدًّا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرُّبْدَةُ: لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغُبْرَةِ.
وَرَوَى شَقِيقٌ، عَنْ حُذَيْفَةَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا.
قَالَ، يَعْنِي عُمَرُ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ.
قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا.
قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ.
قَوْلُهُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ» ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ: تُحِيطُ بِالْقُلُوبِ، يُقَالُ: حَصَرَ بِهِ الْقَوْمُ، أَيْ: أَطَافُوا بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَصِيرُ الْجَنْبِ: عِرْقٌ يَمْتَدُّ مُعْتَرِضًا عَلَى جَنْبِ الدَّابَّةِ إِلَى نَاحِيَةِ بَطْنِهَا، شَبَّهَهَا بِذَلِكَ.
وَيُقَالُ الْحَصِيرُ: السِّجْنُ.
وَالْمُجَخِّي: الْمَائِلُ.
4219 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عِصَامٍ اللَّيْثِيِّ،(15/8)
عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ زَمَنَ فُتِحَتْ تُسْتَرُ حَتَّى قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ فِيهَا رَجُلٌ صَدَعٌ مِنَ الرِّجَال، حَسَنُ الثَّغْرِ، يُعْرَفُ فِيهِ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَقَالَ: فَقُلْتُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: أَوَ مَا تَعْرِفُهُ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالُوا: هَذَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَقَعَدْتُ، وَحَدَّثَ الْقَوْمَ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ.
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: " إِنِّي سَأُخْبِرُكُمْ بِمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ: جَاءَ الإِسْلامُ حِينَ جَاءَ، فَجَاءَ أَمْرٌ لَيْسَ كَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَكُنْتُ قَدْ أُعْطِيتُ فِي الْقُرْآنِ فَهْمًا، فَكَانَ رِجَالٌ يَجِيئُونَ، فَيَسْأَلُونَ عَنِ الْخَيْرِ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَكُونُ بَعْد هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ، كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «السَّيْفُ» .
قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَكُونُ إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ، وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ» .
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلالَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي(15/9)
الأَرْضِ خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَالْزَمْهُ، وَإِلا قُمْتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْلِ شَجَرَةٍ» .
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ، وَجَبَ أَجْرُهُ، وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ، وَجَبَ وِزْرُهُ، وَحُطَّ أَجْرُهُ» .
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ تُنْتَجُ الْمُهْرُ، فَلا يُرْكَبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .
رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَقُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَة، عَن قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِم، وَقَالَ: عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خَالِد، قَالَ: أَتَيْتُ الْكُوفَةَ.
وَالصَّدَعُ، مَفْتُوحَةُ الدَّالِ، مِنَ الرِّجَالِ: الشَّابُّ الْمُعْتَدِلُ، وَيُقَالُ: الصَّدَعُ: الرَّبْعَةُ فِي خَلْقِهِ، رَجُلٌ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَكَذَلِكَ الصَّدَعُ مِنَ الْوُعُولِ وَعْلٌ بَيْنَ الْوَعْلَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: " فَمَا الْعِصْمَةُ؟ قَالَ: السَّيْفُ "، كَانَ قَتَادَةُ يَضَعُهُ عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ، كَانَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ» ، مَعْنَاهُ: صُلْحٌ عَلَى بَقَايَا مِنَ الضِّغْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّخَانَ أَثَرٌ مِنَ النَّارِ يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّةٍ مِنْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ» ،(15/10)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُ الدَّخَنِ أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنَ الدَّابَّةِ، أَوِ الثَّوْبِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُدُورَةٍ إِلَى سَوَادٍ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ مَا هِيَ؟ قَالَ: «لَا يَرْجِعُ قُلُوبِ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ» .
وَيُرْوَى: «جَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ» ، يَقُولُ: يَكُونُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى فَسَادٍ مِنَ الْقُلُوبِ، شَبَّهَهُ بِأَقْذَاءِ الْعَيْنِ، يُقَالُ: قَذَاةٌ وَجَمْعُهَا قَذًى، ثُمَّ أَقْذَاءٌ جَمْعُ الْجَمْعِ.
4220 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي أَبِي ذَرٍّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ , قَالَ: كُنْتُ رَدِيفًا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا جَاوَزْنَا بُيُوتَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: «فَكَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ جُوعٌ، تَقُومُ عَنْ فِرَاشِكَ فَلا تَبْلُغُ مَسْجِدَكَ حَتَّى يُجْهِدُكَ الْجُوعُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «تَعَفَّفْ يَا أَبَا ذَرٍّ» .
ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ مَوْتٌ يَبْلُغُ الْبَيْتُ الْعَبْدَ، حَتَّى إِنَّهُ يُبَاعُ الْقَبْرُ بِالْعَبْدِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ(15/11)
أَعْلَمُ.
قَالَ: «تَصَبَّرْ يَا أَبَا ذَرٍّ» .
قَالَ: " كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَتْلٌ يَغْمُرُ الدِّمَاءُ حِجَارَةَ الزَّيْتِ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «تَأْتِي مَنْ أَنْتَ مِنْهُ» .
قَالَ: قُلْتُ: وَأَلْبَسُ السِّلاحَ.
قَالَ: «شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا» .
قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ نَاحِيَةَ ثَوْبِكَ عَلَى وَجْهِكَ، لِيَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ» .
هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ , وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا الْمَعْنَى، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنِ الْمُنْبَعِثِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَقَوْلُهُ: «يَبْلُغُ الْبَيْتُ الْعَبْدَ» ، أَرَادَ بِالْبَيْتِ الْقَبْرَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يُشْغَلُونَ عَنْ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ، حَتَّى لَا يُوجَدَ مِنْهُمْ مَنْ يَحْفُرُ قَبْرَ الْمَيِّتِ فَيَدْفِنَهُ، إِلا أَنْ يُعْطَى عَبْدًا، أَوْ قِيمَةَ عَبْدٍ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَوَاضِعَ(15/12)
الْقُبُورِ تَضِيقُ عَنْهُمْ، فَيَبْتَاعُونَ لِمَوْتَاهُمُ الْقُبُورَ كُلَّ قَبْرٍ بِعَبْدٍ.
وَقَوْلُهُ: «يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ» ، أَيْ: يَغْلِبُكَ ضَوْءُهُ وَبَرِيقُهُ.
وَمُنْبَعِثُ بْنُ طَرِيفٍ كَانَ قَاضِيَ هَرَاةَ.
4221 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حِثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا، فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؟» قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا يُنْكَرُ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ» .
وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
قَوْلُهُ: «حُثَالَةٌ» ، أَيْ: رُذَالَةٌ، وَالْحُثَالَةُ: الرَّدِيُّ مِنَ الشَّيْءِ، وَمِثْلُهُ الْحُفَالَةُ، وَكَذَلِكَ الْجُفَالَةُ.
قَوْلُهُ: «مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ» ، أَيِ: اخْتَلَطَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] ، أَيْ: مُخْتَلِطٍ، مَرَّةً يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، وَمَرَّةً: سَاحِرٌ، وَمَرَّةً: كَاهِنٌ، وَمَرَّةً: مَجْنُونٌ.(15/13)
4222 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» .
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» .
فَقُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا، قَذَفُوهُ فِيهَا» .
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا.
قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» .
قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» .
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ.
قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» .(15/14)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى.
وَابْنُ جَابِرٍ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: «وَفِيهِ دَخَنٌ» ، أَيْ: لَا يَكُونُ الْخَيْرُ مَحْضًا، بَلْ فِيهِ كَدَرٌ وَظُلْمَةٌ، وَأَصْلُ الدَّخَنِ: أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ إِلَى سَوَادٍ.
4223 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا» ، يَعْنِي: مُحْرِمًا لِدَمِ أَخِيهِ، وَعَرْضِهِ، وَمَالِهِ، وَيُمْسِي مُسْتَحِلا.(15/15)
وَعَنِ ابْن مَسْعُودٍ، أَنَّهُ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: أَيُّ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: كُلُّ خَطِيبٍ مِسْقَعٍ، وَكُلُّ رَاكِبٍ مُوضِعٍ.
4224 - أَنَا أَبُو طَيِّبٍ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْبَغَوِيُّ , نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا جَدِّي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , قَالا: نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» .
قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنْ قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَتَعْرِفُنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنُ» .
قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» .
وَالْغُثَاءُ: مَا يَبِسَ مِنَ النَّبْتِ، فَحَمَلَهُ الْمَاءُ، فَأَلْقَاهُ فِي الْجَوَانِبِ، يُقَالُ: غَثَا السَّيْلُ الْمَرْتَعَ: إِذَا جَمْعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَذْهَبَ حَلاوَتَهُ، وَقَوْلُهُ(15/16)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الْأَعْلَى: 5] ، أَيْ: جَعَلَهُ غُثَاءً بَعْدَ أَنْ كَانَ أَحْوَى، وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [الْمُؤْمِنُونَ: 41] ، أَيْ: أَهْلَكْنَاهُمْ فَذَهَبْنَا بِهِمْ، كَمَا يَذْهَبُ السَّيْلُ بِالْغُثَاءِ.
4225 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ التَّمَّارُ، نَا أَبُو دَاوُدَ.
ح وَأَجَازَ لِي أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ نَيْسَابُورَ، قَالا: أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ.
ح وَأَجَازَ لِي أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُكْرَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، مِنْ أَصْفَهَانَ، قَالا: أَنَا الشَّرِيفُ أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَدُورُ(15/17)
رَحَى الإِسْلامِ لِخَمْسٍ وَثَلاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكُوا، فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ، يَقُمْ سَبْعِينَ عَامًا» .
قَالَ: قُلْتُ: أمما بَقِيَ، أَوْ مِمَّا مَضَى؟ قَالَ: «مِمَّا مَضَى» .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: دَوَرَانُ الرَّحَى: كِنَايَةُ عَنِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ، شَبَّهَهَا بِالرَّحَى الدَّوَّارَةِ الَّتِي تَطْحَنُ الْحَبَّ، لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ تَلَفِ الأَرْوَاحِ، وَهَلاكِ الأَنْفُسِ.
قَالَ صَعْصَعَةُ، جَدُّ الْفَرَزْدَقِ: أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ رَفَعَ يَدَهُ مِنْ مَرْحَى الْجَمَلِ.
يُرِيدُ: حَرْبَ الْجَمَلِ.
قَوْلُهُ: «وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ» ، يُرِيدُ بِالدِّينِ: الْمُلْكَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذَا مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَانْتِقَالُهُ عَنْهُم إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَانَ مَا بَيْنَ أَنِ اسْتَقَرَّ الْمُلْكُ لِبَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الدُّعَاةُ بِخُرَاسَانَ، وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَدَخَلَ الْوَهْنُ فِيهِ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً.
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ.(15/18)
4226 - نَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَلاءُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَبْسِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: كُنَّا قُعُودا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْفِتَنَ، فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ.
فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟ قَالَ: «هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ» .
ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، إِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فُتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ، تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ عَلَى فُسْطَاطَيْنِ:(15/19)
فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكُمْ، فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ غَدٍ ".
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «فِتْنَةُ الأَحْلاسِ» ، إِنَّمَا أُضِيفَتِ الْفِتْنَةُ إِلَى الأَحْلاسِ، لِدَوَامِهَا وَطُولِ لُبْثِهَا، يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ يَلْزَمُ بَيْتَهُ لَا يَبْرَحُ: هُوَ حِلْسُ بَيْتِهِ.
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَهُ بِالأَحْلاسِ لِسَوَادِ لَوْنِهَا وَظُلْمَتِهَا.
وَالْحَرْبُ: ذَهَابُ الْمَالِ وَالأَهْلِ، يُقَالُ: حُرِبَ الرَّجُلُ، فَهُوَ حَرِيبٌ: إِذَا سُلِبَ مَالَهُ وَأَهْلَهُ.
وَالدَّخَنُ: الدُّخَانُ يُرِيدُ أَنَّهَا تَثُورُ كَالدُّخَانِ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: «كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ» ، مَثَلٌ وَمَعْنَاهُ: الأَمْرُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ وَلا يَسْتَقِيمُ، وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقُومُ بِالْوَرِكِ وَلا يَحْمِلُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي بَابِ الْمُلاءَمَةِ وَالْمُوَافَقَةِ إِذَا وَصَفُوا: هُوَ كَكَفٍّ فِي سَاعِدٍ، وَسَاعِدٍ فِي ذِرَاعٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ غَيْرُ خَلِيقٍ لِلْمُلْكِ وَلا مُسْتَقِلٍّ بِهِ.
وَالدُّهَيْمَاءُ: تَصْغِيرُ الدَّهْمَاءِ، صَغَّرَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَذَمَّةِ لَهَا.
بَابُ الاعْتِزَالِ فِي الْفِتْنَةِ
4227 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ،(15/20)
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمَ، يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْمَطَرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ
شَعَفُ الْجِبَالِ: أَعَالِيهَا، وَاحَدُهَا شَعَفَةٌ.
4228 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، نَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلٍ لَهُ وَغَنَمٍ، فَأَتَاهُ عُمَرُ ابْنُهُ، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ، قَالَ: يَا أَبَتِ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا فِي(15/21)
إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَالنَّاسُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: اسْكُتْ يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ
4229 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، نَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتَكُونُ فِتَنٌ: الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ معَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ(15/22)
قَوْلُهُ: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ» ، أَيْ: مَنْ طَلَعَ لَهَا بِشَخْصِهِ، طَالَعَتْهُ، يُقَالُ: اسْتَشْرَفْتُ الشَّيْءَ: إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ وَنَظَرْتَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ قَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ، قَالَ: لأنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلا أُقَاتِلُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِالآيَةِ الَّتِي تَقُولُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النِّسَاء: 93] ، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الْبَقَرَة: 193] ، قَالَ: قَاتَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الْبَقَرَة: 193] ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةٌ، وَلَيْسَ بِقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رِجَالا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ، فَمَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلا إِلَى قُبُورِهِمْ.
4230 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «(15/23)
الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [مُحَمَّد: 18] ، يَقُولُ: فَكَيْفَ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بِذِكْرَاهُمْ.
4231 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مِنْ شَرْطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ فِي خَمْسِينَ امْرَأَةً(15/24)
الْقَيِّمُ وَاحِدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ
قَوْلُهُ: «مِنْ شَرْطِ السَّاعَةِ» ، أَيْ: مِنْ عَلامَتِهَا، وَيُرْوَى مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَيْ: مِنْ عَلامَاتِهَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [مُحَمَّد: 18] .
4232 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ،(15/25)
قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4233 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ، حَتَّى يُهِمَّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ، فَيَقُولُ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى(15/26)
يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ، فَلا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلا يَطْعَمُهَا ".
هَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا
قَوْلُهُ: «دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ» ، وَكُلُّ كَذَّابٍ دَجَّالٌ، يُقَالُ: دَجَلَ فُلانٌ الْحَقَّ بِبَاطِلِهِ، أَيْ: غَطَّاهُ، وَبَعِيرٌ مُدَجَّلٌ: إِذَا كَانَ مَطْلِيًّا بِالْقَطِرَانِ، وَمِنْهُ أَخْذُ الدَّجَّالِ، وَدَجَلَهُ سِحْرُهُ وَكَذِبُهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَ الدَّجَّالُ دَجَّالا لِتَمْوِيهِهِ عَلَى النَّاسِ وَتَلْبِيسِهِ، يُقَالُ: دَجَلَ: إِذَا مَوَّه وَلَبَّسَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِضَرْبِهِ فِي الأَرْضِ وَقَطْعِهِ أَكْثَرَ نَوَاحِيهَا، يُقَالُ: دَجَلَ الرَّجُلُ: إِذَا فَعَل ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ» ، قِيلَ: هُوَ دُنُوِّ زَمَانِ السَّاعَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قِصَرُ الأَعْمَارِ، وَقِلَّةُ الْبَرَكَةِ فِيهَا، وَقِيلَ: قِصَرُ مُدَّةِ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، كَمَا يُرْوَى: «الزَّمَانُ يَتَقارَبُ حَتَّى يَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرِ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةِ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعْفَةِ» .(15/27)
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: سَأَلْتُ أَبَا سِنَانٍ عَنْ قَوْلِهِ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى يَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ» ، فَقَالَ: ذَلِكَ مِنَ اسْتِلْذَاذِ الْعَيْشِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ، زَمَانَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ، وَوُقُوعَ الأَمَنَةِ فِي الأَرْضِ بِمَا يَبْسُطُهُ مِنَ الْعَدْلِ فِيهَا، فَيَسْتَلِذُّ الْعَيْشَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَتَسْتَقْصِرُ مُدَّتَهُ، وَلا يَزَالُ النَّاسُ يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ أَيَّامِ الرَّخَاءِ وَإِنْ طَالَتْ وَامْتَدَّتْ، وَيَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ قَصُرَتْ وَقَلَّتْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا: مَرَّ بِنَا يَوْمٌ كَعُرْقُوبِ الْقَطَاةِ قِصَرًا.
وَقَوْلُهُ: «يَلِيطُ حَوْضَهُ وَيَلُوطُ» ، أَيْ: يَمْدُرُهُ، وَيُطَيِّنُهُ، وَيُصْلِحُهُ لِئَلا يَتَشَرَّبَ الْمَاءَ، وَأَصْلُ اللَّوْطِ: اللُّصُوقُ، يُقَالُ: لاطَ بِهِ يَلُوطُ لَوْطًا، وَيَلِيطُ لَيْطًا.
4234 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ , أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَرْجُ» ، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ» ، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْيَوْمَ، إِنَّا لَنَقْتُلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «لَيْسَ قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» ، قَالُوا: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَفِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ» ، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: «إِنَّهُ يُنْزَعُ(15/28)
عُقُولُ عَامَّةِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَتَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ»
4235 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِلإِسْلامِ مُنْتَهى؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ، أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا، أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ» ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ» ، قَالَ: فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: كَلا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ثُمَّ لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»(15/29)
قَوْلُهُ: «أَسَاوِدُ» ، أَيْ: حَيَّاتٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الأَسْوَدُ: الْعَظِيمُ مِنَ الْحَيَّاتِ، وَفِيهِ سَوَادٌ، قَالَ شَمِرٌ: هُوَ أَخْبَثُ الْحَيَّاتِ، وَرُبَّمَا عَارَضَ الرُّفْقَةَ، وَتَبِعَ الصَّوْتَ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: يَعْنِي جَمَاعَاتٍ، وَهِيَ جَمْعُ سَوَادٍ مِنَ النَّاسِ، أَيْ: جَمَاعَةٌ ثُمَّ أَسْوِدَةٌ، ثُمَّ أَسَاوِدُ.
وَقَوله: «صُبًّا» ، قِيلَ: هُوَ جَمْعُ صَابٍ، مِثْلُ غَازٍ وَغُزًّى، وَقِيلَ: هُوَ صَبَّاءٌ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ جَمْعُ صَابِئٍ، وَصَبَا: إِذَا مَالَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينِ، وَقِيلَ: هِيَ الْحَيَّةُ السَّوْدَاءُ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْهَسَ، ارْتَفَعَتْ، ثُمَّ انْصَبَّتْ.
4236 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بن سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4237 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي(15/30)
غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا» ، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ.
قَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: يَعْنِي لَا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْفُتُوحِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] ، قِيلَ: مَا فِيهَا مِنَ الْكُنُوزِ، وَقِيلَ: مَوْتَاهَا.
4238 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَنَا النَّضْرُ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، أَنَا سَعِيدٌ الطَّائِيُّ، نَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ(15/31)
أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟» قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، فَلَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهُ» ، قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلادَ، «وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى» ، قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ قَالَ: " كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهُ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرجمان يُتَرْجِمُ لَهُ، فَلَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولا فَيُبْلِغُكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالا، وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلا يَرَى إِلا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَلا يَرَى إِلا جَهَنَّمَ "، قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارُ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّ تَمْرَةٍ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» ، قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ(15/32)
الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلا اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ، مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4238 - وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابَ يَحْجُبُهُ»
الدُّعَّارُ جَمْعُ دَاعِرٍ: وَهُوَ الْخَبِيثُ مِنَ الرِّجَالِ.
سَعَّرُوا الْبِلادَ، أَيْ: أَوْقَدُوا نِيرَانَ الْفِتَنِ.
وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو طَرِيفٍ، عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي زَمَنِ الْمُخْتَارِ، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُخْتَارُ.
4239 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، نَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خبيبِ بْنِ(15/33)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَ، فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِد السَّكُونِيِّ
4240 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْسِرُ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ مِائَةٍ تِسْعُونَ» ، أَوْ قَالَ: «تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، كُلٌّ يَرَى أَنَّهُ يَنْجُو» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَقَالَ: «مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ»
4241 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ(15/34)
عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ، فَلا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: «أَفْلاذُ كَبِدِهَا» ، أَرَادَ أَنَّهَا تُخْرِجُ الْكُنُوزَ الْمَدْفُونَةَ فِيهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] .
وَالْفَلْذَةُ لَا تَكُونُ إِلا لِلْبَعِيرِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ كَبِدٍ، وَيُجْمَعُ فِلَذًا وَأَفْلاذًا، وَهِيَ الْقِطَعُ الْمَقْطُوعَةُ.
وَقَيْؤُهَا: إِخْرَاجُهَا، شَبَّهَ بِالْكَبِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْبَعِيرِ، لأَنَّهُ مِنْ أَطَايِبِ الْجَزُورِ، وَقِيلَ: تُخْرِجُ مَا فِي بَاطِنَهَا مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ.
بَاب قِتَالِ التُّرْكِ وَقِتَالِ الْيَهُودِ
4242 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(15/35)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنٌ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
4243 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ(15/36)
السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ حُمْرَ الْوُجُوهِ، صِغَارَ الْعُيُونِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»
4243 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، وَحَتَّى يَخْتَبِيَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا مُسْلِمُ تَعَالَ، هَذَا وَرَائِي يَهُودِيٌّ، فَاقْتُلْهُ "
4243 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ، آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا» .
وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: «كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» ، الْمَجَانُّ جَمْعُ الْمِجَنُّ، وَهُوَ التُّرْسُ، وَالْمُطْرَقَةُ: هِيَ الَّتِي أُطْرِقَتْ، أَيْ: أُلْبِسَتْ بِطَراقٍ، وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي يَغْشَاهُ، وَيُقَالُ: طَارَقَ النَّعْلَ: إِذَا صَيَّرَ خَصْفًا عَلَى خَصْفٍ، شَبَّهَ وُجُوهَهُمْ فِي عَرْضِهَا وَنُتُوِّ وَجْنَاتِهَا بِالتُّرْسَةِ قَدْ أُلْبِسَتِ الأَطْرِقَةِ.
الذُّلْفُ: قِصَرُ الأَنْفِ وَانْبِطَاحِهِ.(15/37)
4244 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيهِمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، فَيَقُولُ: حَتَّى يُهِمَّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ صَدَقَتَهُ، قَالَ: وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَقْتَرِبُ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ "، قَالُوا: الْهَرْجُ، أيم هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ، الْقَتْلُ»
4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ»
4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْبَعِثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ»(15/38)
4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ قَوْمًا مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، فُطْسَ الآنُفِ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»
4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ»
4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا» .
هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطُرُقٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
4245 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ(15/39)
السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثُونَ كَذَّابًا دَجَّالا، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ»
4246 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
بَابُ قِتَالِ الرُّومِ
4247 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا(15/40)
إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ إِذْ هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: قَامَتِ السَّاعَةُ، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ لَهُ هِجِّيرَاءُ يَقُولُ: قَامَتِ السَّاعَةُ يَابْنَ مَسْعُودٍ، قَامَتِ السَّاعَةُ يَابْنَ مَسْعُودٍ، فَاسْتَوَى جَالِسًا وَغَضِبَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقْتَسَمَ مِيرَاثٌ، وَلا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، وَقَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلاءِ مُدَّةٌ، قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: الرُّومَ يَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَسْتَمِدُّ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَقْتَتِلُونَ فَتَشَرَّطَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ أَلا يَرْجِعُوا إِلا غَالِبِينَ، فَيَقْتَتِلُون حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءَ هَؤُلاءِ وَيَفِيءُ هَؤُلاءِ، وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ الْيَوْمُ الثَّانِي كَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ يَنْهَدُ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، حَتَّى إِنَّ بَنِي الأَبِ كَانُوا يتعادون عَلَى مِائَةٍ لَا يَبْقَى إِلا الرَّجُلُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَفَيُقْتَسَمُ هَهُنَا مِيرَاثٌ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَصِلُ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ:(15/41)
فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَيَجِدُونَ فِيهَا مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ مَا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْجُلُ حَجْلا، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَ فِي ذَرَارِيكُمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَفَيُفْرَحُ هَهُنَا بِغَنِيمَةٍ، فَيَبْعَثُونَ مِنْهُمْ طَلِيعَةً عَشْرَةَ فَوَارِسَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرُ فَوَارِسَ فِي الأَرْضِ، فَيُقَاتِلُهُمُ الدَّجَّالُ، فَيُسْتَشْهَدُونَ» .
هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مُتَقَطِّعًا.
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَوْلُهُ: «تَشَرَّطُ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ» ، الشُّرْطَةُ: أَوَّلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ تَشْهَدُ الْوَقْعَةَ.
قَوْلُهُ: «يَنْهَدُ إِلَيْهِمْ» ، يُقَالُ: نَهَدَ الْقَوْمُ لِعَدُوِّهِمْ: إِذَا صَمَدُوا لَهُ.(15/42)
بَابُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَلامَاتِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
4248 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ بْنِ زَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةِ أَدَمٍ، فَقَالَ: " اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الْمُوتَانِ، بِضَمِّ الْمِيمِ: هُوَ الْمَوْتُ، وَبِالْفَتْحِ: هُوَ الأَرْضُ الَّتِي لَمْ(15/43)
تُحْيَ.
وَقَوْلُهُ: «كَقُعَاصِ الْغَنَمِ» ، القُعَاصُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ لَا يَلْبَثُهَا أَنْ تَمُوتَ، وَمِنْهُ أُخِذَ الإِقْعَاصُ، وَهُوَ الْقَتْلُ عَلَى الْمَكَانِ، يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَقْعَصَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ قُتِلَ قَعْصًا فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْمَآبَ» ، أَيْ: حُسْنَ الْمَآبِ.
وَاسْتِفَاضَةُ الْمَالِ: كَثْرَتُهُ وَأَصْلُهُ التَّفَرُّقُ وَالانْتِشَارُ، يُقَالُ: اسْتَفَاضَ الْحَدِيثَ: إِذَا انْتَشَرَ.
وَالْهُدْنَةُ: الصُّلْحُ بَعْدَ الْقِتَالِ، وَأَصْلُ الْهُدْنَةِ: السُّكُونُ، يُقَالُ: هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُونًا وَمَهْدَنَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ سَلْمَانُ: مَلْغَاةُ أَوَّلُ اللَّيْلِ مَهْدَنَةٌ لآخِرِهِ، يَقُولُ: إِذَا لَغَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَسَهِرَ، لَمْ يَسْتَيْقِظْ فِي آخِرِهِ لِلتَّهَجُّدِ وَالصَّلاةِ.
وَبَنُو الأَصْفَرِ: الرُّومُ.
وَالْغَايَةُ: الرَّايَةُ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ، وَمَعْنَاهَا: الأَجَمَةُ، شَبَّهَ كَثْرَةَ رِمَاحِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ بِهَا.
4249 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ".(15/44)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ حُجْرٍ
قَوْلُهُ: «خَاصَّةُ أَحَدِكُمْ» ، يَعْنِي: الْمَوْتَ.
4250 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذْكُرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(15/45)
4251 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
4252 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولا يُحَدِّثُ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَفَتْحُ(15/46)
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ» ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى فَخذي الَّذِي حَدَّثَهُ، يَعْنِي: مُعَاذًا، أَوْ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنْتَ هَهُنَا، أَوْ كَمَا أَنْتَ قَاعِدٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمَلْحَمَةُ الْعُظْمَى، وَفَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ» .
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ» .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا أَصَحُّ
4253 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو عُتْبَةَ، نَا بَقِيَّةُ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي بِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ»(15/47)
بَابٌ
4254 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ، يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ»
4254 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانُهُمْ» .
هَذَانِ حَدِيثَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِمَا، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ ثَوْرٍ(15/48)
بَابُ الدَّجَّالِ لَعَنَهُ اللَّهُ
4255 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ قَوْلا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
4256 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(15/49)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ.
وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ
الطَّافِيَةُ مِنَ الْعِنَبِ: الْحَبَّةُ الْخَارِجَةُ عَنْ أَخَوَاتِهَا، وَمِنْهُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ، لأَنَّهُ يَعْلُو أَوْ يَظْهَرُ عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ، يُرِيدُ أَنَّ حَدَقَتَهُ قَائِمَةٌ كَذَلِكَ.
4257 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " إِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ، عَيْنُهُ الشِّمَالُ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ: ك ف ر ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.(15/50)
وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَيْضًا، أَنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الظَّفَرَةُ: لَحْمَةٌ تَنْبُتُ عِنْدَ الْمَآقِي.
وَرَوَى رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٌ وَغَيْرُ كَاتِبٍ» .
4258 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ: نَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ، أَنَّهُ قَالَ: " يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَة، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ رَجُلٌ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثه، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟(15/51)
فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ عَلَى حَلْقِهِ صَفِيحَةٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ الْخَضِرُ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ
4259 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ، قَالَ: «(15/52)
إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً، فَنَارٌ تَحْرِقُ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا، فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ النَّارَ، فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ» ، فَقَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ تَصْدِيقًا لِحُذَيْفَةَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4260 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْر الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمَوَيْهِ، بِالْبَصْرَةِ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا شُعْبَةٌ، وَهُشَيْمٌ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ، إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهُ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَهُ جِبَالَ خُبْزٍ وَأَنْهَارَ مَاءٍ، وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ» .(15/53)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُرَيْجِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ هُشَيْمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ
4261 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْر، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَضَ فِيهِ وَرَفَعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ، عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهَا وَرفعت حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ،(15/54)
عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَ بِهِ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ، فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحِتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأمده خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، قَالَ: فَيَنْصَرِف عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَيَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ، رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ،(15/55)
فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ، تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانٍ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى، إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُوا مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ، فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ويحصر نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ إِلَى(15/56)
الأَرْضِ، وَلا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلا مَلأهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يُكِنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَكِ، وَرُدِّي بركتك، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرّسل حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذِ مِنَ النَّاسِ، بَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ".
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيد بْن جَابِر، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيد بْن جَابِر، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْو مَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْد قَوْله: " لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ(15/57)
يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ، وَهُوَ جبل بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: «إِنَّه خَارج خلة» ، أَي: سَبِيلا بَيْنَ الشَّام وَالْعراق.
وَقَوله: «فيقطعه جزلتين» ، أَي: قطعتين.
قَوْله: «بَيْنَ مهرودتين» ، أَي: فِي شقتين أَوْ خلتين، ويروى هَذَا الْحَرْف: مهرودتين، بِالدَّال والذال جَمِيعًا، أَي: مُمَصَّرَتَيْنِ، والممصرة من الثِّيَاب: الَّتِي فِيهَا صفرَة.
ويروى فِي وصف عِيسَى: «رَجُل مَرْبُوع إِلَى الْبيَاض والحمرة، يمشي بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ» .
وَقَوله: «وَهُمْ من كُلّ حدب يَنْسلونَ» ، أَي: يسرعون، يُقَالُ: نسل ينسل نسلانا.
وَقَوله: «فَيُرْسل عَلَيْهِمُ النغف» ، النغف: دود يَكُون فِي أنوف الْإِبِل وَالْغنم، وَاحِدهَا: نغفة.
وَقَوله: «فيصبحون فرسى» ، أَي: قَتْلَى، الْوَاحِد فريس، مثل قَتْلَى وقتيل، وصريع وصرعى من فرس الذِّئْب الشَّاة.
وَقَوله: «فيتركها كالزلفة» ، الزلفة: وَاحِدَة الزلف، وَهِيَ المصانع، وَهِيَ المزالف أَيْضًا.
2426 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا(15/58)
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ، فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ.
قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ، قَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّال الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ، فَيُشَبَّحُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ فَشَبِّحُوهُ، فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ قَالَ: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ، فَيُوشَرُ بِالْمِيشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفْرَقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ فَيَسْتَوِي قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلا بَصِيرَةً، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ:(15/59)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيَجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلا، قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسَبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4263 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلاثَ سِنِينَ: سَنَةٌ تُمْسِكُ السَّمَاءَ ثُلُثَ قَطْرِهَا، وَالأَرْضُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، وَالثَّانِيَةُ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا، وَالأَرْضُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، وَالثَّالِثَةُ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا كُلَّهُ، وَالأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ، وَلا ذَاتُ ضِرْسٍ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلا(15/60)
هَلَكَتْ، وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ فِتَنِهِ أَنَّهُ يَأْتِي الأَعْرَابِيُّ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ إِبِلَكَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى، فَيُمَثِّلُ لَهُ نَحْوَ إِبِلِهِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ ضُرُوعًا وَأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً، قَالَ: وَيَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ مَاتَ أَخُوهُ، وَمَاتَ أَبُوهُ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ، وَأَحْيَيْتُ لَكَ أَخَاكَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيُمَثِّلُ لَهُ الشَّيَاطِينَ نَحْوَ أَبِيهِ وَنَحْوَ أَخِيهِ "، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ وَالْقَوْمُ فِي اهْتِمَامٍ وَغَمٍّ مِمَّا حَدَّثَهُمْ، قَالَتْ: فَأَخَذَ بِلُحْمَتَيِ الْبَابِ، فَقَالَ: «مَهْيَمْ أَسْمَاءُ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ خَلَعْتَ أَفْئِدَتَنَا بِذِكْرِ الدَّجَّالِ، قَالَ: «إِنْ يَخْرُجُ وَأَنَا حَيٌّ، فأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِلا فَإِنَّ رَبِّي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ» ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّا لَنَعْجِنُ عَجِينَنَا، فَمَا نَخْبِزُه حَتَّى نَجُوعَ، فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ: «يُجْزِيهِمْ مَا يُجْزِي أَهْلَ السَّمَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ، وَالتَّقْدِيسِ»(15/61)
4264 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْكُثُ الدَّجَّالُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمِ كَاضْطِرَامِ السَّعَفَةِ فِي النَّارِ»
4265 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ»
السيجان: جمع الساج، وَهُوَ طيلسان أَخْضَر، وَقَالَ الْأَزْهَرِي:(15/62)
هُوَ الطيلسان المقور ينسج كَذَلِكَ.
4266 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلا آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ آدَمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللّمم قَدْ رَجَّلَهَا، فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ " فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، قَالَ: " ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ " قَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ فِي الدَّجَّالِ: وَرَأَيْتُ(15/63)
وَرَاءَهُ رَجُلا جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ
قُلْتُ: بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ للدجال: مسيح بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد السِّين عَلَى وزن فِعّيل، وَلَيْسَ بِشَيْء، بَل هما فِي اللَّفْظ وَاحِد، وَسمي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مسيحا، لِأَنَّهُ كَانَ يمسح الأَرْض، أَي: يقطعهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَا يمسح ذَا عاهة إِلا برأَ، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمَسِيح أَصله بالعبرانية مشيحا، فعرب كَمَا عرب مُوسَى.
وَأَمَّا الدَّجَّال، فَسُمي مسيحا، لِأَنَّهُ مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ، والمسيح الْأَعْوَر وَبِهِ سمي الدَّجَّال.
4267 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَيَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ شَبَابَةَ الْغَافِقِيُّ يُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي الْعَلاءِ، بِمِصْرَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(15/64)
حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ عَنِ الدَّجَّال
4268 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، بِطُوسَ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرْقَدٍ الْفَرْقَدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عِيسَى بْن يُونُسَ، نَا عِمْرَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى: «الصَّلاةُ جَامِعَةٌ» ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «أَنْذَرْتُكُمُ الدَّجَّالَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، أَلا وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ كَائِنٌ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الأُمَّةُ» ، أَلا إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَخْبَرَنِي، أَنَّ رَكْبًا رَكِبُوا بَحْرَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَأَلْقَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِهِ، فَإِذَا هُمْ بِالدَّهْمَاءِ تَجِرُّ شَعْرَهَا، قَالُوا: مَا أَنْتَ؟ قَالَت: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: فَأَخْبِرِينَا، قَالَتْ، مَا أَنَا بِمُخْبِرِكُمْ، وَلا أَنَا بِمُسْتَخْبِرِكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا رَجُلا فِي هَذَا الدَّيْرِ،(15/65)
فَإِنَّهُ إِلَى رُؤْيَتِكُمْ بِالأَشْوَاقِ، قَالَ: فَدَخَلُوا فَإِذَا رَجُلٌ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: نَحْنُ الْعَرَبُ، قَالَ: مَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: ظَهَرَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَتِيمٌ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قُلْنَا: تَبِعَهُ قَوْمٌ، وَتَرَكَهُ قَوْمٌ، قَالَ: أَمَا إِنْ هُمْ يَتْبَعُونَهُ وَيُصَدِّقُونَهُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ أَيْشِ لِبَاسُهُمْ؟ قُلْنَا: صُوفٌ وَقُطْنٌ تَغْزِلُهُ نِسَاؤُهُمْ، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قُلْنَا: كَثِيرٌ مَاؤُهَا، تَتَدَفَّقُ، تَرْوِي مَنْ أَتَاهَا، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ، مَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: يُؤْتِي جَنَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَطْلَقَنِي اللَّهُ مِنْ وَثَاقِي هَذَا، لَمْ يَبْقَ مَنْهَلٌ إِلا دَخَلْتُهُ إِلا مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ طَيْبَةُ حَرَّمْتُهَا كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ سِكَّةٍ وَنَقْبٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ بِالسَّيْفِ يَمْنَعُهَا مِنَ الدَّجَّالِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
قُلْتُ: قَوْله: «هَيْهَات» ، كَأَنَّهُ يُرِيد تغير أَحْوَال هَذِهِ الْأَشْيَاء، فَقَدْ رَوَى ابْن بُرَيْدَة، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث، أَنَّهُ قَالَ: أخبروني عَنْ(15/66)
نخل بيسان هَل يُثمر؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أما إِنَّهَا توشك أَلا تثمر "، قَالَ: «أخبروني عَنْ بحيرة الطبرية هَل فِيهَا مَاء؟» قُلْنَا: هِيَ كَثِيرَة المَاء، قَالَ: «أما إِن ماءها يُوشك أَن يذهب» .
4269 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، نَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ أَبُو عَتَّابٍ، نَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا رُطَبًا، وَسَقَتْنَا سَوِيقَ سُلْتٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ فَقَالَتْ: أَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَّقَنِي بَعْلِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي، وَأَنْ أَتَحَوَّلَ، قَالَتْ: فَنُودِيَ يَوْمَئِذٍ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَانْطَلَقْتُ فِيمَنِ انْطَلَقَ مِنَ النِّسَاءِ، وَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ مِنَ النِّسَاءِ مِمَّا يَلِي الصَّفَّ الْمُؤَخَّرَ مِنَ الرِّجَالِ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَكِبُوا الْبَحْرَ، وَإِنَّ سَفِينَتَهُمْ قَذَفَتْهُمْ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَرَأَوْا هُنَالِكَ دَابَّةً يُوَارِيهَا شَعْرُهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا الْقَوْمُ، قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ الدَّيْرِ مَنْ هُوَ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ أَنْ يَرَاكُمْ،(15/67)
فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ، فَرَأَوْا رَجُلا مُكَبَّلا فِي الْحَدِيدِ تَضَاوَرَ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ دُخُولُهُمْ، فَسَأَلَهُمْ: أَخَرَجَ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَاتَّبِعُوهُ، أَلا تُخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، أَطْعَمَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، مَا فَعَلَتْ؟ قُلْنَا: كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: وَعَيْنُ زُغَرَ؟ قُلْنَا: وَعَيْنُ زُغَرَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَوْ خَرَجْتُ، لَوَطِئْتُ الأَرْضَ كُلَّهَا غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بِمِخْصَرَتِهِ بِيَدِهِ: وَهَذِهِ طَيْبَةُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ، عَنْ خَالِد بْن الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ قُرَّةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ
وَسميت الْمَدِينَة طيبَة، لِأَنَّهَا طَاهِرَة من الْخبث والنفاق، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» .
قُلْتُ: قَوْله: «تضاور» ، أَي: يظْهر الضّر الَّذِي بِهِ من الضور وَهُوَ الضّر.
والجساسة يُقَالُ: إِنَّهَا تجس الْأَخْبَار للدجال.
وَقَوله: «نخل بيسان أطْعم» ، أَي: هَل أثمر؟ يُقَالُ: بِأَرْض فُلان من الشّجر الْمطعم كَذَا، أَي: المثمر.(15/68)
بَابُ ذِكْرِ ابْنِ الصَّيَّادِ
4270 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرْضه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ، ثُمَّ قَالَ لابْنِ صَيَّادٍ: «مَاذَا تَرَى؟» قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلِّطَ الأَمْرُ عَلَيْهِ» ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا» ، فَقَالَ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ(15/69)
قَدْرَكَ» ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُنْ هُوَ، لَا تُسَلَّطْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ» ، قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطلق بَعْد ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمَّ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَاف، وَهُوَ اسْمُهُ، هَذَا مُحَمَّدٌ، فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ» .
قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْمَلُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ(15/70)
اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَاب.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى؟» ، قَالَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، وَمَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى صَادِقِينَ وَكَاذِبًا، أَوْ كَاذِبِينَ وَصَادِقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لُبِّسَ عَلَيْهِ، دَعُوهُ»
قَوْله: «فَرْضه» بالضاد الْمُعْجَمَة الَّتِي مَعْنَاهَا الْكسر، قَالَ الْخَطَّابِيّ: هُوَ غلط، وَالصَّوَاب: فرصه بالصَّاد غَيْر الْمُعْجَمَة، أَي: تنَاوله، فضغطه حَتَّى ضم بعضه إِلَى بَعْض، وَمِنْه رص الْبناء، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفّ: 4] .
وَقَالَ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ: فرفضه.
وَقَوله: «خبأت لَك خبيئا» كَانَ قَدْ خبأ لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدُّخان: 10] ، والدخ: الدُّخان.
قَوْله: «فَلَنْ تعدو قدرك» ، قَالَ الْخَطَّابِيّ: يحْتَمل وَجْهَيْن، أَحدهمَا: يُرِيد أَنَّهُ لَا يبلغ قدره أَن يطالع الْغَيْب من قبل الْوَحْي الَّذِي يُوحى بِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاء، وَلا من قبل الإلهام الَّذِي يلقِي فِي روح الْأَوْلِيَاء، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي جرى عَلَى لِسَانه(15/71)
شَيْئًا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان، حِينَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجع بِهِ أَصْحَابه قبل دُخُوله النّخل.
وَالْآخر، أَي: لَنْ تسبق قدر اللَّه فِيك وَفِي أَمرك.
وَقَدْ يسْتَدلّ بِهِ بَعْض أهل الْعلم عَلَى صِحَة إِسْلَام غَيْر الْبَالِغ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يستكشفه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَان وَهُوَ إِذْ ذَاك غَيْر بَالغ.
وَقَوله: «يخْتل» ، أَي: يطْلب أَن يَأْتِيهِ من حَيْثُ لَا يعلم، فَيسمع مَا يَقُوله فِي خلوته، وَمِنْه ختل الصَّيْد وَهُوَ أَن يُؤْتِي من حَيْثُ لَا يشْعر، فيصاد.
قَوْله: «لَهُ فِيهَا رمرمة أَوْ زمزمة» ، وَقَالَ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ: زمزمة بالزاي، وَقَالَ عقيل عَنِ الزُّهْرِيِّ: رمرمة بالراء، وَقَالَ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ: رمزة، ويروى: زمرة، أَي: رمزة.
قُلْتُ: هَذِهِ أَلْفَاظ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَة، الرمرمة تكون بِمَعْنى الْحَرَكَة، فَفِي حَدِيث عَائِشَة «كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَحش، فَإِذَا خرج لعب، وَإِذَا جَاءَ ربض، فَلم يترمرم مَا دَامَ فِي الْبَيْت» ، أَي: لَمْ يَتَحَرَّك، والزمزمة بالزاي: الصَّوْت، يُقَالُ: زَمْزَم يزمزم زمزمة: إِذَا صَوت، وَقِيلَ فِي شَأْن زَمْزَم: سميت بِهِ لصوت كَانَ من جِبْرِيل عِنْدهَا يشبه الزمزمة، وَقِيلَ: لِأَن هَاجر زمت المَاء بالتحجير عَلَيْهِ، وَأَصلهَا زمم، وَمن قَالَ رمزة، فَمن الرَّمْز وَهُوَ الْإِشَارَة، وَقَدْ يَكُون بالعينين والحاجبين والشفتين، وَأَصله الْحَرَكَة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلا رَمْزًا} [آل عمرَان: 41] ، قَالَ مُجَاهِد: إِيمَاء بشفتيه، وَمن قَالَ: زمرة(15/72)
بِتَقْدِيم الزَّاي الْمُعْجَمَة، فَلَعَلَّهُ كَانَ يتَغَنَّى مَعَ نَفْسه بِشَيْء، قَالَ الأَصْمَعِيّ: زمر: إِذَا غنى، وَفِي الْحَدِيثِ: «نهى عَنْ كسب الزمارة» ، قِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُغنيَة.
قَوْله: «لَو تركته بَيْنَ» ، أَي: بَيَّنَ مَا فِي نَفْسه.
4271 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " لَقِيتُ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِذَا عَيْنُهُ قَدْ طَفَتْ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ خَارِجَةً كَعَيْنِ الْجَمَلِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا، قُلْتُ: يَابْنَ الصَّيَّادِ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ مَتَى طَفَتْ عَيْنُكَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ.
قُلْتُ: كَذَبْتَ لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ.
فَنَخَرَ ثَلاثًا، فَزَعَمَ الْيَهُودِيُّ أَنِّي ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِهِ، قَالَ: وَلا أَعْلَمُنِي فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ.
فَقَالَ: أَجَلْ لَعَمْرِي وَأَعْدُو قَدْرِي، فَكَأَنَّمَا كَانَ سِقَاءً انْفَشَّ.
قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، فَقَالَتِ: اجْتَنِبْ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّا(15/73)
نَتَحَدَّثُ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا "
4272 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ , نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَيَّادٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ قَوْلا أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، مَا أَرَدْتَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ: وَقَدِ اخْتلف النَّاس فِي أَمر ابْن صياد اخْتِلافا شَدِيدا، وأشكل أمره حَتَّى قِيلَ فِيهِ كُلّ قَوْل، وَقَدْ يسْأَل عَنْ هَذَا، فَيُقَالُ: كَيْفَ يقار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يَدعِي النُّبُوَّة كَاذِبًا، ويتركه بِالْمَدِينَةِ يساكنه فِي دَاره، ويجاوره فِيهَا، وَمَا وَجه امتحانه إِيَّاه بِمَا خبأه لَهُ من آيَة الدُّخان، وَقَوله بَعْد ذَلِكَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك» ؟ .(15/74)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن هَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا جرت مَعَهُ أَيَّام مهادنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود وحلفاءهم، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْد مقدمه الْمَدِينَة كتب بَينه وَبينهمْ كتابا صَالحهمْ فِيهِ عَلَى أَن لَا يهاجوا، وَأَن يتْركُوا عَلَى أَمرهم، وَكَانَ ابْن الصياد مِنْهُمْ، أَوْ دخيلا فِي جُمْلَتهمْ، وَكَانَ يبلغ رَسُول اللَّهِ خَبره وَمَا يَدعِيهِ من الكهانة، ويتعاطاه من الْغَيْب، فامتحنوه بِذَلِكَ ليروز بِهِ أمره، ويخبر بِهِ شَأْنه، فَلَمَّا كَلمه، علم أَنَّهُ مُبْطل، وَأَنه من جملَة السَّحَرَة أَوِ الكهنة، أَو مِمَّن يَأْتِيهِ رَئِيٌ من الْجِنّ، أَوْ يتعاهده شَيْطَان، فيلقي عَلَى لِسَانه بَعْض مَا يتَكَلَّم بِهِ، فَلَمَّا سمع مِنْهُ قَوْله الدخ، زبره، فَقَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك» ، يُرِيد أَن ذَلِكَ شَيْء أَلْقَاهُ إِلَيْهِ الشَّيْطَان، وأجراه عَلَى لِسَانه، وَلَيْسَ ذَلِكَ من قبل الْوَحْي السماوي، إِذَ لَمْ يكن لَهُ قدر الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ يُلْهمُون الْعلم، ويصيبون بِنور قُلُوبهم الْحق، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ تارات يُصِيب فِي بَعْضهَا، ويخطئ فِي بَعْض، وَذَلِكَ معنى قَوْله: «يأتيني صَادِق وكاذب» ، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: خلط عَلَيْك، فالجملة من أمره أَنَّهُ كَانَ فتْنَة قَدِ امتحن اللَّه بِهِ عباده الْمُؤْمِنِينَ، ليهلك من هلك عَنْ بَيِّنَة، وَقَدِ امتحن قوم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي زَمَانه بالعجل، فَافْتتنَ بِهِ قوم وأهلكوا، وَنَجَا من هداه اللَّه وَعَصَمَهُ مِنْهُمْ.
وَقَدِ اخْتلفت الرِّوَايَات فِي أمره، وَفِيمَا كَانَ من شَأْنه بَعْد كبره، فَروِيَ أَنَّهُ قَدْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ القَوْل، ثُمَّ إِنَّه مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا الصَّلَاة عَلَيْهِ، كشفوا عَنْ وَجهه حَتَّى رَآهُ النَّاس، وَقِيلَ لَهُمُ: اشْهَدُوا.(15/75)
4273 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ الصَّيَّادِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ، أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَقَدْ وُلِدَ لِي، أَوَلَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلا مَكَّةَ» ؟ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ، وَهَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي فِي آخِرِ قَوْلِهِ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ، وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ، فَلَبَّسَنِي.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَذهب ابْن عُمَرَ إِلَى أَن ابْن صياد هُوَ الدَّجَّال.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر: " رَأَيْت جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يحلف بِاللَّهِ، أَن ابْن الصَّائِد الدَّجَّال، فَقُلْتُ: تحلف بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَر(15/76)
يحلف عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلم يُنكره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
ويروى أَنَّهُ قِيلَ لجَابِر: " إِنَّه أسلم؟ فَقَالَ: وَإِن أسلم، فَقيل: إِنَّه دَخَلَ مَكَّة، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: وَإِن دَخَلَ ".
وَرُوِيَ عَنْ جَابِر، أَنَّهُ قَالَ: «فَقدنَا ابْنُ صياد يَوْم الْحرَّة» ، وَهَذَا يُخَالف رِوَايَة من رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَاللَّه أعلم.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَر، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " هُوَ الدَّجَّال، وَقَالَ: قَالَت أمه: حَملته اثْنَي عشر شهرا، فَلَمَّا وَقع، صَاح صياح ابْن شَهْرَيْن، وَكَانَ يشب فِي الْيَوْم الْوَاحِد شباب الصَّبِيّ لشهر ".
قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكرَة، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يمْكث أَبُوا الدَّجَّال ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لَهما، ثُمَّ يُولد لَهما غُلَام أَعور وأضرس وَأقله مَنْفَعَة، تنام عَيناهُ وَلا ينَام قلبه» ، فسمعنا بمولود فِي الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ، فَذَهَبت أَنَا وَالزُّبَيْر بْن الْعَوام حَتَّى دَخَلنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَإِذَا نعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: هَل لَكمَا ولد؟ فَقَالَا: مكثنا(15/77)
ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لنا، ثُمَّ ولد لنا غُلَام أَعور أضرس وَأقله مَنْفَعَة، تنام عَيناهُ وَلا ينَام قلبه.
4274 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ، طَالِعَةٌ نَابُهُ، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَابْنَ الصَّائِدِ مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ: «فَلُبِّسَ» ، فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَتَى مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا(15/78)
أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ» .
قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، فَيَعْلَمُ هُوَ أَمْ لَا، فَقَالَ: «يَابْنَ الصَّائِدِ، مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ، فَلُبِّسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ أَمِ الرَّابِعَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وأَنَا مَعَهُ، قَالَ: فَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَرَجَا أَنْ يُسْمِعَهُمْ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ» ، فَقَالَ: «يَابْنَ صَائِدٍ، مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «يَابْنَ صَائِدٍ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ خَبِيئَةً، فَمَا هُوَ؟» قَالَ: الدُّخُّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَأْ، اخْسَأْ» .
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ائْذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَهُ.
فَقَالَ(15/79)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَسْتَ صَاحِبَهُ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِلا يَكُنْ هُوَ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ» .
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ.
قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ قَتْلِهِ
بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ
4275 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَع الْجِزْيَةَ، فَيَفِيضُ(15/80)
الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِح، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْث، كُلّ عَنِ ابْنِ شِهَاب
قَوْله: «يكسر الصَّلِيب» ، يُرِيد إبِْطَال النَّصْرَانِيَّة، وَالْحكم بشرع الإِسْلام، وَمعنى قتل الْخِنْزِير: تَحْرِيم اقتنائه وَأكله وَإِبَاحَة قَتله، وَفِيه بَيَان أَن أعيانها نَجِسَة، لِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا يَقْتُلهَا عَلَى حكم شرع الإِسْلام، وَالشَّيْء الطَّاهِر المنتفع بِهِ لَا يُبَاح إِتْلَافه.
وَقَوله: وَيَضَع الْجِزْيَة "، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَضَعهَا عَنْ أهل الْكِتَاب، ويحملهم عَلَى الإِسْلام، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نزُول عِيسَى: «وَتَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلا الإِسْلامَ، وَيَهْلِكُ الدَّجَّالُ، فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ» .
وَقِيلَ: معنى وضع الْجِزْيَة، أَن المَال يكثر حَتَّى لَا يُوجد مُحْتَاج مِمَّن يوضع فِيهِم الْجِزْيَة، يدل عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلامُ: «فَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ» .(15/81)
4276 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَيَتْرُكَنَّ الْقِلاصَ، فَلا يَسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ، فَلا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4277 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،(15/82)
عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يُونُسَ.
وَقَالَ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ: «فَأَمَّكُمْ، أَوْ إِمَامكُمْ مِنْكُمْ» ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَاب: «فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ» .
قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مَعْنَاهُ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4278 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ فَجِّ الرَّوْحَاءِ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْره، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»(15/83)
بَاب الْمَهْدِي
4279 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِيِّ التَّمِيمِيُّ الْحَافِظُ، بِالْكُوفَةِ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا قِطْرٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ، لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيّ، أَنَا أَبُو جَعْفَر عَبْد اللَّهِ بْن إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيّ، نَا سَوادَةُ بْن عَلِيّ بْن جَابِر الأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ
4280 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي(15/84)
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلاءً يُصِيبُ هَذِهِ الأُمَّةَ، حَتَّى لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رَجُلا مِنْ عِتْرَتِي أَهْلِ بَيْتِي، فَيَمْلأُ بِهِ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الأَرْضِ، لَا تَدَعُ السَّمَاءُ مِنْ قَطْرِهَا شَيْئًا إِلا صَبَّتْهُ مِدْرَارًا، وَلا تَدَعُ الأَرْضُ مِنْ نَبَاتِهَا شَيْئًا إِلا أَخْرَجَتْهُ حَتَّى يَتَمَنَّى الأَحْيَاءُ الأَمْوَاتَ، يَعِيشُ فِي ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ» .
وَيُرْوَى هَذَا مِنْ غَيْر وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ اسْمُهُ بَكْرُ بْنُ عَمْرو.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَت: سَمِعْتُ(15/85)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْمَهْدِي مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ» .
وَيُرْوَى: «يَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، فَيَلْبُثُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَهْدِي مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الأَنْفِ، يَمْلأُ الأَرْضَ قسطا وَعَدْلا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، يَمْلِكُ سِنِينَ» .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْمَهْدِي، قَالَ: " فَيَجِيءُ إِلَيْهِ الرَّجُل، فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي أَعْطِنِي، قَالَ: فَيُحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَن يَحْمِلَهُ "
4281 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمُقْرِي الأَدَمِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَسَّانِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ(15/86)
فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يُعْطِي الْمَالَ بِغَيْرِ عَدَدٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْن عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ دَاوُد
بَابُ كَلامِ السِّبَاعِ
4282 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ، قَالَ: فَصَعِدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ، فَأَقْعَى وَاسْتَقَرَّ، وَقَالَ: عَمَدْتُ إِلَى رِزْقٍ رَزَقَنِيهِ اللَّهُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ انْتَزَعْتَهُ مِنِّي؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: تَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا رَجُلٌ فِي النَّخَلاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُخْبِرُكُمْ بِمَا مَضَى، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ.
قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ(15/87)
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ، فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا أَمَارَاتٌ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ، فَلا يَرْجِعَ حَتَّى يُحَدِّثَهُ نَعْلاهُ وَسَوْطُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ» .
ويُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ الرَّاعِي، أَلا إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلامُ السِّبَاعِ الإِنْسَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمُ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَتُكَلِّمُ الرَّجُلَ نَعْلُهُ وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ فَخِذُهُ بِحَدِيثِ أَهْلِهِ بَعْدَهُ»
بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ
يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4283 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ(15/88)
سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَفَّان بْن مُسْلِم
4284 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
4285 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ» ، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ.(15/89)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَمعنى الْخَبَر: حَتَّى ترجع دوس عَنِ الإِسْلام، فَتَطُوف نِسَاؤُهُم بِذِي الخلصة، وتضطرب ألياتها، كَذَلِكَ فعلهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
والخلصة: بَيْت فِيهِ صنم، يُقَالُ لَهُ: الخلصة، وَقِيلَ: الخلصة بَيْت الْكَعْبَة اليمانية، أنفذ إِلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِير بْن عَبْدِ اللَّهِ، فخربها.
4286 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4287 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ،(15/90)
عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَخْرُجُ رِيحٌ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، يُقْبَضُ فِيهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ»
4288 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلا قَبَضَتْهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4289 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو مَعْنٍ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، وَاللَّفْظُ لأَبِي مَعْنٍ، قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «(15/91)
لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاتُ وَالْعُزَّى» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التَّوْبَة: 33] ، أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا، قَالَ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4290 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(15/92)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لأَهْلُ بَيْتِي أَهْوَنُ عَلَيَّ مَوْتًا مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلانِ، وَلا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ إِلا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الآخَرِ، وَلَبِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا إِنْ كَذَبْتُ» .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، كَرِجْرِجَةِ الْمَاءِ الْخَبِيثِ» .
قَالَ أَبُو عبيد: الرجرجة بِكَسْر الراءين: هِيَ بَقِيَّة المَاء فِي الْحَوْض الكدرة المختلطة بالطين لَا يُمكن شربهَا، وَلا ينْتَفع بِهَا.
بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
4291 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا قَرِيبًا» .(15/93)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4292 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: «تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيد التَّيْمِي
4293 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(15/94)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] ، قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيد الأَشَجِّ، وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] : إِن أهل التَّفْسِير وأَصْحَاب الْمعَانِي قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ بَعْضهم: مَعْنَاهُ: أَي لأجل قدر لَهَا، يَعْنِي: انْقِطَاع مُدَّة بَقَاء الْعَالم، وَقَالَ بَعْضهم: مستقرها: غَايَة مَا يُنتهى إِلَيْهِ فِي صعودها، وارتفاعها لأطول يَوْم فِي الصَّيف، ثُمَّ تَأْخُذ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى أقْصَى مَشَارِق الشتَاء لأقصر يَوْم فِي السّنة.
وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ السَّلامُ: «مستقرها تَحْتَ الْعَرْش» ، فَلا ننكر أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَار تَحْتَ الْعَرْش من حَيْثُ لَا ندركه وَلا نشاهده، وَإِنَّمَا أخبر عَنْ غيب، فَلا نكذب بِهِ، وَلا نكيفه، لِأَن علمنَا لَا يُحِيط بِهِ.
وَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ علم مَا سَأَلت عَنْهُ من مستقرها تَحْتَ الْعَرْش فِي كِتَاب كتب فِيهِ مبادئ أُمُور الْعَالم، ونهاياتها، وَالْوَقْت الَّذِي تَنْتَهِي بِهِ مدَّتهَا، فَيَنْقَطِع دوران الشَّمْس، وتستقر عِنْدَ ذَلِكَ، فَيبْطل فعلهَا وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَفِي هَذَا،(15/95)
يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ الأَوَّل، إِخْبَار عَنْ سُجُود الشَّمْس تَحْتَ الْعَرْش، فَلا يُنكر أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ محاذاتها الْعَرْش فِي مسيرها، وَلَيْسَ فِي سجودها تَحْتَ الْعَرْش مَا يعوقها عَنِ الدأب فِي سَيرهَا، وَالتَّصَرُّف لما سخرت لَهُ.
وَأَمَّا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86] ، فَهُوَ نِهَايَة مدرك الْبَصَر إِيَّاهَا حَالَة الْغُرُوب، ومصيرها تَحْتَ الْعَرْش للسُّجُود إِنَّمَا هُوَ بَعْد الْغُرُوب، وَلَيْسَ معنى قَوْله: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86] ، أَنَّهَا تسْقط فِي تِلْكَ الْعين فتغمرها، وَإِنَّمَا هُوَ خبر عَنِ الْغَايَة الَّتِي بلغَهَا ذُو القرنين فِي مسيره حَتَّى لَمْ يجد وَرَاءَهَا مسلكا، فَوجدَ الشَّمْس تتدلى عِنْدَ غُرُوبهَا فَوْقَ هَذِهِ الْعين، وَكَذَلِكَ يتَرَاءَى غرُوب الشَّمْس لمن كَانَ فِي الْبَحْر، وَهُوَ لَا يرى السَّاحِل كَأَنَّهَا تغيب فِي الْبَحْر، وَاللَّه أعلم.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرَّحْمَن: 5] ، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الْأَنْعَام: 96] ، أَي: يجريان بِحِسَاب مَعْلُوم، وعَلى منَازِل ومقادير لَا يجاوزانها، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] ، وَقِيلَ: حسبان جمع حِسَاب، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86] ، أَي: فِي رَأْي الْعين، فَمن قَرَأَهَا: حامية بِلَا همز، أَرَادَ الحارة، وَمن قَرَأَ {حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86] بِلَا ألف مهموزا، أَرَادَ عينا ذَات حمأة، يُقَالُ: حمأت الْبِئْر إِذَا نزعت مِنْهَا الحمأة، وأحمأتها: إِذَا ألقيت فِيهَا الحمأة.(15/96)
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النَّحْل: 77] وَأَنَّ مَنْ مَاتَ، فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الْأَحْزَاب: 63] .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} [الْأَعْرَاف: 187] ، أَيْ: خَفِيَتْ، وَإِذَا خَفِيَ عَلَيْكَ الشَّيْءُ، فَقَدْ ثَقُلَ.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الْأَعْرَاف: 187] ، أَي: عَالم بِهَا، قَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ كَأَنَّك استحفيت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى علمتها، أَي: أكثرت الْمَسْأَلَة عَنْهَا، يُقَالُ: أحفى فِي السُّؤَال، وألحف، تَقول الْعَرَب: فُلان حفي بِخَبَر فُلان، إِذَا كَانَ معنيا بالسؤال عَنْهُ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} [النَّجْم: 57] ،(15/97)
أَي: اقْتَرَبت السَّاعَة، وَدنت الْقِيَامَة، يُقَالُ: أزف الشَّيْء: إِذَا دنا، وَيُقَال للقيامة: آزفة، لِأَنَّهَا لَا محَالة آتِيَة، وَمَا كَانَ آتِيَا، وَإِن بَعْد وقته، فَهُوَ قريب.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس: 49] ، أَي: يختصمون فِي أَمر الدُّنْيَا، وَفِي متصرفاتهم فِيهَا.
4294 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو حَازِمٍ، نَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ: «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِم
وَقِيلَ فِي تَفْسِيره: كفضل إِحْدَاهمَا عَلَى الْأُخْرَى، يُرِيد: مَا بيني وَبَين السَّاعَة من مُسْتَقْبل الزَّمَان، بِالْإِضَافَة إِلَى مَا مضى، مِقْدَار فضل الْوُسْطَى عَلَى السبابَة.
4295 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ(15/98)
بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» ، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ، احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، كَأَنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ: صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ جَعْفَرٍ فِي الْخُطْبَةِ
4296 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَعْرَابِ جُفَاةٌ يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَسْأَلُونَهُ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ، فَيَقُولُ: «إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ، حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ» .(15/99)
قَالَ هِشَام: يَعْنِي مَوْتَهُمْ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنْ هِشَام
4297 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، ورَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَسَأَلَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُ إِلَيْهِ النَّاسُ أَنِ اسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: «وَيْحَكَ! مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» .
قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ غُلامٌ.
قَالَ أَنَسٌ: هُوَ مِنْ سِنِّي قَدِ احْتَلَمَ أَوْ رَاهَقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا هُوَ ذَا.
قَالَ: «إِنْ أَكْمَلَ هَذَا الْغُلامُ عُمُرَهُ، أَوْ أَدْرَكَ(15/100)
عُمُرَهُ، فَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَرَى أَشْرَاطَهَا»
صَحِيح.
بَابُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ
قَالَ مُجَاهِد: كَهَيئَةِ الْبَرْق، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الناقور: الصُّور.
قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] ، أَي نفخ فِي الصُّور، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَجْرَة: صَيْحَة، الراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: النفخة الثَّانِيَة.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 68] .
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ(15/101)
الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] .
وَسُئِلَ ابْن عَبَّاسٍ عَنْ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 101] .
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] ، فَقَالَ: «فَلا أَنْسَاب بَينهم، فِي النفخة الأولى ينْفخ فِي الصُّور، فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْضِ إِلا من شَاءَ اللَّه، فَلا أَنْسَاب بَينهم عِنْدَ ذَلِكَ وَلا يتساءلون، ثُمَّ فِي النفخة الثَّانِيَة يقبل بَعْضهم عَلَى بَعْض يتساءلون» .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} [عبس: 33] ، أَي: الصَّيْحَة الَّتِي تصخ الأسماع، أَي: تصمها، تكون عَنْهَا الْقِيَامَة.
4298 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(15/102)
كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الأُذُنُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فينفخ» ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
4299 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّار , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيد، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَهُ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمُ الْوَكِيلُ»(15/103)
قَوْله: «كَيْفَ أنعم» ، أَي: كَيْفَ أتنعم، وَقِيلَ: كَيْفَ أفرح، وَالنعْمَة: المسرة.
4300 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: «أَبَيْتُ» ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: «أَبَيْتُ» ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: «أَبَيْتُ» ، قَالَ: «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلا يَبْلَى إِلا عَظْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ(15/104)
الْعجب: الْعظم الَّذِي فِي أَسْفَل الصلب، وَهُوَ العسيب.
4301 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، أَمْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي، وَمَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، فَقَدْ كَذَبَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ(15/105)
4302 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَالأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ: رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَرَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالِمِينَ، قَالَ: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ فِيمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ،(15/106)
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد.
وَرَوَاهُ عَبْد اللَّهِ بْن الْفَضْلِ الْهَاشِمِيّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ» ، وَقَالَ: " فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلا أَقُولُ: إِن أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُس بْن مَتَّى "
قَوْله: «صعق» الرَّجُل يصعق: إِذَا أَصَابَهُ فزع، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ.
وَقَوله: «باطش بِجَانِب الْعَرْش» ، أَي: قَابض عَلَيْهِ بِيَدِهِ.
وَقَوله: «أم كَانَ فِيمَن اسْتثْنى اللَّه تَعَالَى» ، يُرِيد قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] .
قَوْله: «أم حُوسِبَ بصعقة الطّور» ، أَي عوفي من الصَّعق مَعَ النَّاس لما كَانَ من صعقة الطّور، كَمَا أخبر اللَّه تَعَالَى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَاف: 143] .
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67]
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إِبْرَاهِيم: 48] .
وَرَوَى مَسْرُوقٌ، عَنْ عَائِشَةَ،(15/107)
أَنَّهَا تلت هَذِهِ الْآيَة، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ يَكُون النَّاسُ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ» .
يُقَالُ: التَّبْدِيلُ: تَغْيِير الشَّيْء عَنْ حَاله، والإبدال: جعل شَيْء مَكَان آخر، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: تَبْدِيل الأَرْض: تسيير جبالها، وتفجير أنهارها، وَكَونهَا مستوية لَا ترى فِيهَا عوجا وَلا أمتا، وتبديل السَّمَوَات: انتثار كواكبها وانفطارها، وتكوير شمسها وخسوف قمرها.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ} [طه: 108] ، أَي: لَا يقدرُونَ أَن يعوجوا عَنْ دُعَائِهِ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الْكَهْف: 47] ، أَي: ظَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهَا مستظل، وَلا متفيأ.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} [الْوَاقِعَة: 4] ، أَي: حركت حَرَكَة شَدِيدَة وزلزلت، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الْوَاقِعَة: 5] أَي: فتِّتت، فَصَارَت أَرضًا، وَقِيلَ: نسفت، كَمَا قَالَ: {فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105] ، وَقِيلَ: سيقت، كَمَا قَالَ: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} [(15/108)
النبأ: 20] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14] ، أَي: دقتا دقا فصارتا هباء منبثا، والمنبث: المتفرق، والهباء المنبث: مَا تثير الْخَيْل بسنابكها من الْغُبَار، والهباء المنثور: مَا يخرج من الكوة مَعَ ضوء الشَّمْس.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} [الْفجْر: 21] ، أَي: جعلت مستوية لَا أكمة فِيهَا، وَمِنْه قَوْله عَزَّ وَجَلَّ {جَعَلَهُ دَكًّا} [الْأَعْرَاف: 143] ، أَي: مستويا، يُقَالُ: نَاقَة دكاء: إِذَا ذهب سنامها، وَقَالَ القتيبي: أَي: جعله مدكوكا مُلْصقًا بِالْأَرْضِ، وَمن قَرَأَ: دكاء، أَي: جعل الْجَبَل أَرضًا دكاء، وَهِيَ الرابية الَّتِي لَا تبلغ أَن تكون جبلا، وَجَمعهَا دكاوات، وأصل الدك: الْكسر.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105] ، أَي: يقلعها من أَصْلهَا، وَقِيلَ: نسف الْجبَال: دكها وتذريتها.
وَقَوله سُبْحَانَهُ(15/109)
وَتَعَالَى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرَّحْمَن: 37] ، أَي: صَارَت كلون الْورْد، تتلون ألوانا يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر، فالدهان: جمع دهن، أَي: كَمَا تتلون الدهان الْمُخْتَلفَة، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج: 8] ، أَي: كالزيت المغلي، وَقِيلَ: الدهان: الْأَدِيم الْأَحْمَر.
وَقَوله جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة: 16] ، أَي: ضَعِيفَة جدا، يُقَالُ للسقاء إِذَا تفتق خرزه: لَقَدْ وهى يهي.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17] ، أَي: نَوَاحِيهَا، الْوَاحِد رجا مَقْصُور، وَالْملك بِمَعْنى الْمَلَائِكَة هَهُنَا.
4303 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقْبِضُ اللَّهُ(15/110)
الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِح، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ
4304 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا آدَمُ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى أُصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى أُصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى أُصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى أُصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ.
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] ".(15/111)
هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُس، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُور، وَقَالَ: " وَالْجِبَال وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَقَالَ: " ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِك، أَنَا اللَّه ".
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ: وَيَذْكُرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أنيسٍ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَاد فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِك، أَنَا الدَّيَّانُ "
4305 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ» ، قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ.(15/112)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ خَالِد بْن مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر بْن أَبِي كَثِيرٍ، وَقَالَ: «كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ»
قَوْله: «كقرصة النقي» ، يَعْنِي: الحوارى، نقي من القشر والنخالة.
وَقَوله: «لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد» ، الْمعلم: مَا جعل عَلامَة وعلما للطرق وَالْحُدُود، يُرِيد أَن تِلْكَ الأَرْض مستوية لَيْسَ فِيهَا حدب يردُّ الْبَصَر، وَلا بِنَاء يستر مَا وَرَاءه، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمعلم: الْأَثر.
4306 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، " قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خَبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلا لأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلْيَكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: بَلَى.(15/113)
قَالَ: تَكُونُ الأَرْضِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ، قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالَام وَنُونٌ.
قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْن شُعَيْب بْن اللَّيْث، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ خَالِد بْن يَزِيد
قَوْله: «كَمَا يكفأ أحدكُم خبزته فِي السّفر» ، يُرِيد: الْملَّة الَّتِي يصنعها السّفر، فَإِنَّهَا لَا تدحى كالرقاقة، وَإِنَّمَا تقلب عَلَى الْأَيْدِي حَتَّى تستوي.
قَوْله: «بَالَام» ، ذكر الْخَطَّابِيّ، قَالَ: لَعَلَّه هجاء وَهِيَ ي ل، وَكَانَ الْمخبر يَهُودِيّا، فقلبه وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَام يَا، هجاء لأي، وَهُوَ الثور الوحشي، أَوْ لَعَلَّه لُغَة بالعبراني، فَإِن العبراني لُغَة مصحفة من الْعَرَبيَّة حَتَّى قِيلَ: إِن العبراني، هُوَ العرباني، فقدموا الْبَاء وأخروا الرَّاء.
قُلْتُ: وَهَذَا لفظ مُشكل، والاعتراض فِي مثل هَذَا عَلَى غَيْر ثِقَة تكلّف.(15/114)
بَابٌ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] ، ال { [.
وَقَوله:] وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [سُورَة التكوير: 11] ، أَي: قلعت كَمَا يقْلع السّقف، يُقَالُ: كشطت الجل عَنْ ظهر الْفرس، وقشطته: إِذَا كشفته، وَقَالَ: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [الْقِيَامَة: 7] ، أَي: حَار للفزع، والبرق: الدهش والحيرة، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لكل دَاخل برقة، أَي: دهشة، وَمن فتح الرَّاء، فَهُوَ من بريق الْعين وَهُوَ تلألؤه.
4307 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(15/115)
مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: «مكوران» ، من قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] ، أَي: جمعت ولفت، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] ، أَي: يدْخل هَذَا عَلَى هَذَا، وتكوير الْعِمَامَة: لفها.
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مَرْيَم: 39]
وَالْحَسْرَة: شدَّة النَّدَم حَتَّى يحسر النادم كَمَا يحسر الَّذِي تقوم بِهِ دَابَّته فِي السّفر الْبعيد، يُقَالُ: حسرت النَّاقة، أَي: انْقَطع سَيرهَا كلالا.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الْوَاقِعَة: 3] ، أَي: ترفع قوما إِلَى الْجَنَّة، وتخفض آخَرين إِلَى النَّارِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الْإِنْسَان: 10] ، أَي: منقبضا لَا فسحة فِيهِ، وَلا انبساط، يُقَالُ: اقمطر: إِذَا تقبض.
4308 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ(15/116)
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب.
4309 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ(15/117)
السَّامِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلا نَدِمَ» .
قَالُوا: فَمَا نَدَمُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ مُحْسِنًا، نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا، نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ» .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَزِيد، قَالُوا: «وَمَا نَدَامَتُهُ» .
4310 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ.
فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي(15/118)
أَنْ لَا تُخْزِينِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، وَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ.
ثُمَّ يُقَالُ لإِبْرَاهِيمَ: مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلَطَّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
والذيخ: الضبع الذّكر.
بَاب كَيفَ الْحَشْر
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرّوم: 27] ، قَالَ الرَّبِيع بْن خثيم، وَالْحسن: إِن كُلّ ذَلِكَ هَين عَلَيْهِ، يَعْنِي: البدأة والإعادة.
وَحكي عَنِ الشَّافِعِي، أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ: هُوَ أَهْون عَلَيْهِ فِي الْعبْرَة عنْدكُمْ، لَيْسَ أَن شَيْئًا يعظم عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78-79] ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {(15/119)
وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 100] ، أَرَادَ الْقَبْر، وكل حاجز بَيْنَ شَيْئَيْنِ برزخ، وَقَالَ قَتَادَةُ: البرزخ بَقِيَّة الدُّنْيَا.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4] ، أَي: قلبت، فَأخْرج مَا فِيهَا.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] .
قَالَ عُمَرُ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] يُزَوّج نَظِيره مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّار، ثُمَّ قَرَأَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] ، وَقَالَ: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت: 19] ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يحبس أَوَّلهمْ عَلَى آخِرهم، والوزع: الْكَفّ وَالْمَنْع، وَقَالَ: {يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات: 10] ، أَي: إِلَى أول الْأَمر فِي الْحَيَاة، كَانُوا يُنكرُونَ الْبَعْث، يُقَالُ: عَاد فُلان إِلَى حافرته، أَي: رَجَعَ إِلَى الْحَالة الأولى.
وَقَوله: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102] ، قِيلَ: عميا، وَقِيلَ: عطاشا، وَقِيلَ للعطاش: زرق، لِأَن أَعينهم تزرق من شدَّة الْعَطش، وَيُقَال للمياه الصافية: زرق.(15/120)
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] ، أَي: من الْقُبُور، والجدث والجدف: الْقَبْر.
وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 96] ، أَي: أكمة، والحدب: مَا ارْتَفع من الأَرْض، {يَنْسِلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 96] ، أَي: يسرعون، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] ، أَي: كَأَنَّهُمْ نصب لَهُمْ شَيْء، فَهُمْ يسرعون إِلَيْهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ {7} مُهْطِعِينَ} [الْقَمَر: 7-8] ، أَي: مُسْرِعين، وَيُقَال المهطع: الَّذِي ينظر فِي ذل وخشوع، لَا يقْلع بَصَره، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} [إِبْرَاهِيم: 43] ، أَي: مُسْرِعين رافعي رُءُوسهم ينظرُونَ فِي ذل، والإقناع: رفع الرَّأْس من غَيْر أَن يلْتَفت يَمِينا، أَوْ شمالا.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إِبْرَاهِيم: 43] ، أَي: لَا تعي شَيْئًا، وَلا تعقل من الْخَوْف، والهواء: الَّذِي لَا يثبت فِيهِ شَيْء، فَهُوَ خَال، وَقِيلَ: هَذَا مُبين فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غَافِر: 18] ،(15/121)
فَأعْلم أَن الْقُلُوب قَدْ فَارَقت الأفئدة، والأفئدة هَوَاء لَا شَيْء فِيهَا.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق: 42] ، يَعْنِي: يَوْم الْخُرُوج من الْقُبُور.
وَقِيلَ: هُوَ من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَةِ.
وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} [طه: 108] ، أَي: صَوتا خفِيا من وَطْء أَقْدَامهم إِلَى الْمَحْشَر.
4311 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ.
4312 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(15/122)
النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا.
ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 104] .
وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي.
فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ.
فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، إِلَى قَوْلِهِ: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَة: 117 - 118] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْره، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ.
والغرل: جمع أغرل، وَهُوَ الأغلف.
وَقَوله: «لَمْ يزَالُوا(15/123)
مرتدين» ، لَمْ يرد بِهِ الرِّدَّة عَنِ الإِسْلام، إِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّخَلُّف عَنْ بَعْض الْحُقُوق الْوَاجِبَة، والتأخر عَنْهَا، وَلذَلِك قيد بقوله: «عَلَى أَعْقَابهم» ، وَلَمْ يرْتَد أحد بِحَمْد اللَّه من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الْعَرَب.
وَقَوله: «أصيحابي» ، إِنَّمَا صغر ليدل عَلَى قلَّة عَددهمْ.
4313 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، بِبَغْدَادَ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ، نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «عُرَاةً حُفَاةً» .
قَالَتْ: قُلْتُ: وَالنِّسَاءُ؟ قَالَ: «وَالنِّسَاءُ» .
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسْتَحْيِي؟ قَالَ: «يَا عَائِشَة، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَهُمَّهُمْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرة.
4314 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ،(15/124)
نَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ.
قِيلَ: قَوْله: «يحْشر النَّاس عَلَى ثَلاث طرائق» ، هَذَا الْحَشْر قَبْلَ قيام السَّاعَة، إِنَّمَا يَكُون إِلَى الشَّام أَحيَاء، فَأَما الْحَشْر بَعْد الْبَعْث من الْقُبُور عَلَى خلاف هَذِهِ الصّفة من ركُوب الْإِبِل والمعاقبة عَلَيْهَا، إِنَّمَا هُوَ كَمَا أخبر أَنهم يبعثون حُفَاة عُرَاة.
وَقِيلَ: هَذَا فِي الْبَعْث دُونَ الْحَشْر.
وَقَوله: «عَلَى بعير» ، يُرِيد أَنهم يعتقبون الْبَعِير الْوَاحِد، يركب بَعْضهم وَالْبَاقُونَ عقبا.
ويروى عَنْ بهز بْن حَكِيم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(15/125)
يَقُولُ: «إِنَّكُم مَحْشُورُونَ رجَالًا وركبانا، وَتجرونَ عَلَى وُجُوهكُم» .
4315 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعٍ الصُّوفِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَوْصِلِيِّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْهَيْثَمِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، نَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ , أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ، قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيهِ عَلَى وَجْهِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يُونُسَ بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ شَيْبَانَ.
قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [الزمر: 24] : يجر عَلَى وَجهه.
قِيلَ: الْكَافِر مغلول الْيَد، وَمن شَأْن الإِنْسَان أَن يَتَّقِي بِيَدِهِ، فَأخْبر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن الْكَافِر يَتَّقِي بِوَجْهِهِ.(15/126)
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «يَقُومُونَ مِائَةَ سَنَةٍ» .
وَيُرْوَى عَنْ كَعْبٍ: «يَقُومُونَ ثَلاثَ مِائَةِ سَنَةٍ» .
وَقِيلَ: سميت الْقِيَامَة قِيَامَة، لِأَن الْخلق يقومُونَ من قُبُورهم أَحيَاء.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} [إِبْرَاهِيم: 14] ، أَي: خَافَ الْمقَام الَّذِي وعدته للثَّواب وَالْعِقَاب.
4316 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وأَخْبَرَنِيهِ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن الْمُنْذِرِ،(15/127)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر بْن يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِك، عَنْ نَافِعٍ.
4317 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ النَّصْرِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ الْخُرَاسَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِر، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قَيْدَ مِيلٍ أَوِ اثْنَيْنِ» ، قَالَ سُلَيْمٌ: لَا أَدْرِي أَيُّ الْمِيلَيْنِ يَعْنِي؟ مَسَافَةَ الأَرْضِ، أَوِ الْمِيلَ الَّذِي يُكْحَلُ بِهِ الْعَيْنُ.
قَالَ: «فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ كَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ،(15/128)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا» .
قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، يَقُولُ: «يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِر.
4318 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَمَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمِ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفِّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا» .(15/129)
بَابُ الْحِسَابِ وَالْقَصَاصِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَة: 4] ، يَعْنِي: يَوْم الْحساب، وَقِيلَ: يَوْم الْجَزَاء.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النُّور: 25] ، أَي: الْجَزَاء، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: 6] ، أَي: الْجَزَاء.
وَقِيلَ: الدَّين: الحكم، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النُّور: 2] ، أَي: فِي حكمه.
وَقِيلَ: الدَّين: الطَّاعَة، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النَّحْل: 52] ، أَي: الطَّاعَة.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الْأَعْرَاف: 29] ، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] ، أَي: التَّوْحِيد، وَالدّين: اسْم لجَمِيع مَا تعبد اللَّه بِهِ خلقه.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [إِبْرَاهِيم: 51] ، أَي: حسابه وَاقع لَا محَالة، وكل مَا هُوَ وَاقع لَا محَالة، فَهُوَ سريع، وَقِيلَ: سرعَة حسابه أَنَّهُ لَا يشْغلهُ حِسَاب وَاحِد عَنْ حِسَاب الآخر، وَلا يشْغلهُ سمع(15/130)
عَنْ سمع، فَهُوَ أسْرع الحاسبين.
وَقَوله: {سُوءُ الْحِسَابِ} [الرَّعْد: 18] ، قِيلَ: هُوَ أَن لَا تقبل لَهُمْ حَسَنَة، وَلا تغْفر لَهُمْ سَيِّئَة.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه: 112] ، أَي: نقصا، يَقُولُ: لَا يخَاف أَن يظلم بِأَن يحمل ذَنْب غَيره، وَلا يهتضم، فينقص من حَسَنَاته، يُقَالُ: هَذَا دَاء يهضم الطَّعَام، أَي: ينقص ثقله.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاء: 14] ، أَي: محاسبا.
4319 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ، عُذِّبَ» .
قَالَت عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] ؟ قَالَت: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ» .(15/131)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وعَلِيّ بْن حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
قَوْله: «من نُوقِشَ الْحساب يهْلك» ، فالمناقشة: الِاسْتِقْصَاء فِي الْحساب حَتَّى لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء، يُقَالُ: انتقشت مِنْهُ جَمِيع حَقي، وَمِنْه نقش الشَّوْكَة من الرَّجُل، وَهُوَ استخراجها مِنْهُ.
4320 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُدْنِي الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَيْ عَبْدِي،(15/132)
تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ.
ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ عَبْدِي، تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ.
حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ الْيَوْمَ.
ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ.
وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ.
قِيلَ: الأشهاد: هُمُ الْمَلَائِكَة، وَقِيلَ: هُمُ الْأَنْبِيَاء والْمُؤْمِنُونَ، يشْهدُونَ عَلَى المكذبين.
4321 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(15/133)
الْمُبَارَكِ، عَنْ ليثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ، ثُمَّ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلا، كُلُّ سَجِلّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ.
فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَبُهِتَ الرَّجُلُ، قَالَ: لَا، يَا رَبِّ.
فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ.
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ.
قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ.
قَالَ: فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ ".(15/134)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب.
البطاقة: الورقة.
طاشت: أَي: خفت، والطيش: خفَّة الْعقل.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِن من النَّاس من يقتل يَوْم الْقِيَامَةِ ألف قتلة بضروب مَا قتل» .
بَابُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ
4322 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلانِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي قَوْمِهِ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ(15/135)
الأُفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ "، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ، فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، فَقَامَ آخَرُ: فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
4323 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:(15/136)
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ الْجَنَّةَ، هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيِّ، يُرَقِّعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ» ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُعَاذِ بْن أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ
بَابُ مُفَادَاةِ الْمُسْلِمِ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
4324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا بِشْرُ، نَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ(15/137)
بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لَمْ يَبْقَ مُسْلِمٌ إِلا أُعْطِيَ يَهُودِيًّا، فَقِيلَ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنْ طَلْحَة بْن يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَقَالَ: " دَفَعَ اللَّهُ إِلَى كُلّ مُسْلِم يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ "
بَاب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الْحَج: 1-2]
الْمُرضعَة: الَّتِي ترْضع وَلَدهَا، إِذَا أردْت الْفِعْل، ألحقت بِهَا هَاء التَّأْنِيث، وَإِذَا أردْت أَنَّهَا ذَات رَضِيع، أسقطت الْهَاء، فَقُلْتُ: امْرَأَة مرضع.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [الْقَلَم: 42] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْم كرب وَشدَّة، وَقَالَ:(15/138)
وَهِيَ أَشد سَاعَة فِي الْقِيَامَة، وَقَالَ مُجَاهِد: يكْشف عَنِ الْأَمر الشَّديد، وَالْعرب تذكر السَّاق إِذَا أخْبرت عَنْ شدَّة الْأَمر وهوله، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [الْقِيَامَة: 29] ، قِيلَ: آخر شدَّة الدُّنْيَا بِأول شدَّة الْآخِرَة.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الْإِنْسَان: 7] ، أَي: ممتد الْبلَاء: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الْإِنْسَان: 10] ، القمطرير: أَشد مَا يَكُون من الْأَيَّام فِي الْبلَاء.
4325 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّد الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ(15/139)
حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "، قَالَ: فَيَقُولُونَ: وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِسْعُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ» ، قَالَ: فَقَالَ النَّاس: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، قَالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، وَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَبْيَضِ»
4325 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي سَعِيد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ:(15/140)
مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [الْبَقَرَة: 143] "، الْوَسَطُ: الْعَدْلُ.
الحَدِيثان صَحِيحَانِ، أَخْرَجَ مُحَمَّد الحَدِيثين، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُور، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيث الأَوَّل، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَعَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْص، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ يَوْم الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ، يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فينادي بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ "
4326 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا آدَمُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ(15/141)
وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: «يكْشف رَبنَا عَنْ سَاقه» ، قَالَ الْخَطَّابِيّ: هَذَا مِمَّا تهيب القَوْل فِيهِ شُيُوخنَا، وأجروه عَلَى ظَاهر لَفظه، وَلَمْ يكشفوا عَنْ بَاطِن مَعْنَاهُ عَلَى نَحْو مَذْهَبهم فِي التَّوَقُّف فِي تَفْسِير كُلّ مَا لَا يُحِيط الْعلم بكنهه من هَذَا الْبَاب، وَقَدْ تَأَوَّلَه بَعْضهم عَلَى معنى قَوْله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [الْقَلَم: 42] ، فَروِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: عَنْ شدَّة وكرب، وَسُئِلَ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [الْقَلَم: 42] ، قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الْأَمر فِي الْحَرْب، قِيلَ: كشفت الْحَرْب عَنِ السَّاق.(15/142)
4327 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَا الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْف: 105] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر، عَنِ الْمُغِيرَةِ
قَوْله: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْف: 105] ، قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: تَقول الْعَرَب: مَا لفُلَان عِنْدَنَا وزن، أَي: قدر لخسته، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يزن لَهُمْ سَعْيهمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ كفرهم شَيْئًا.
4328 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَلِيِّ(15/143)
بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ: «يُعْرَضُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ، فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطَايَرُ الصُّحُفِ فِي الأَيْدِي، فَإِمَّا آخِذٌ بِيَمِينِهِ، وَإِمَّا آخِذٌ بِشِمَالِهِ» .
وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي مُوسَى
بَاب شَهَادَةِ الأَعْضَاءِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس: 65] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35] .
سُئِلَ ابْن عَبَّاسٍ عَنْ " قَوْله: {لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35] ، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الْأَنْعَام: 23] ، فَقَالَ: إِنَّه ذُو ألوان، مرّة ينطقون، وَمرَّة يخْتم عَلَيْهِمْ ".(15/144)
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرَّحْمَن: 39] ، أَي: لَا يسْأَل سُؤال الاستعلام، وَلَكِن يسألهم تقريرا وإلزاما للحجة، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 92] .
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ {15} } [الْقِيَامَة: 14-15] ، أَي: عَلَى نفسة جوارح بَصِيرَة بِمَا جنى عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النُّور: 24] .
وَقَوله: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [الْقِيَامَة: 15] ، أَي: وَلَو أدلى بِكُل حجَّة، وَقِيلَ: وَلَو اعتذر بِكُل عذر، وَقِيلَ: وَلَو ألْقى ستوره.
والمعذار: السّتْر، وَلَيْسَ هَذَا من بصر الْعين، بَل هُوَ من قَوْلهم: فُلان بَصِير بِالْعلمِ، وَمن ذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] ، أَي: علمك بِمَا أَنْتَ فِيهِ نَافِذ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، " فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاء: 14] ، قَالَ: لكل آدَمي فِي عُنُقه قلادة، يكْتب فِيهَا نُسْخَة عمله، فَإِذَا مَاتَ، طويت وقلدها، وَإِذَا(15/145)
بعث نشرت لَهُ، وَقِيلَ لَهُ: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاء: 14] ، ابْن آدَم أنصفك من جعلك حسيب نَفسك.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ} [الْبَقَرَة: 254] ، أَي: لَا صداقة، وَهِيَ المخالة والخلال، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إِبْرَاهِيم: 31] ، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [النُّور: 43] ، هِيَ جمع خلل مثل جبل وجبال، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التَّوْبَة: 47] ، قَالَ الزّجاج: أَي: أَسْرعُوا فِيهَا يخل بكم، وَقِيلَ: لأوضعوا مراكبكم خلالكم، أَي: وسطكم.
4328 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصُوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ، نَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعَهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ مَعِي مِنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ(15/146)
الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، كَمَا لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا» ، قَالَ: " فَيَلْقَى الْعَبْدَ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَتْرُكْكَ تَتَرَأَّسُ وَتَتَرَبَّعُ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ.
قَالَ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ قَالَ: لَا يَا رَبِّ.
قَالَ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي.
قَالَ: فَيُلْقَى الثَّانِي، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَتْرُكْكَ تَتَرَأَّسُ وَتَتَرَبَّعُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ.
قَالَ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا.
قَالَ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي.
قَالَ: ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثُ، فَيَقُولُ: مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَبْدُكَ، آمَنْتُ بِكَ، وَبِنَبِيِّكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَصُمْتُ، وَصَلَّيْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرِ مَا اسْتَطَاعَ.
فَيُقَالُ لَهُ: أَفَلا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدَنَا؟ قَالَ: فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ، وَلَحْمُهُ، وَعِظَامُهُ بِمَا(15/147)
كَانَ يَعْمَلُ، قَالَ: وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ لِيَعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلا اتَّبَعَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالَ: فَتَتَّبِعُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ الشَّيَاطِينَ، قَالَ: وَاتَّبَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، قَالَ: ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَيَأْتِينَا رَبُّنَا وَهُوَ رَبُّنَا، فَيَقُولُ: عَلامَ هَؤُلاءِ قِيَامٌ؟ فَنَقُولُ: نَحْنُ عِبَادُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَعَبَدْنَاهُ وَهُوَ رَبُّنَا، وَهُوَ آتِينَا وَيُثِيبُنَا، وَهَذَا مَقَامُنَا، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَامْضُوا، قَالَ: فَيُوضَعُ الْجِسْرُ وَعَلَيْهِ كَلالِيبُ مِنَ النَّارِ، تَخْطِفُ النَّاسَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِي، اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، قَالَ: فَإِذَا جَاوَزُوا الْجِسْرَ، فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجًا مِنَ الْمَالِ مِمَّا يَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكُلُّ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ تَدْعُوهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا مُسْلِمُ هَذَا خَيْرٌ، فَتَعَالَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَعَبْدٌ لَا تَوَى عَلَيْهِ، يَدَعُ بَابًا وَيَلِجُ مِنْ آخَرَ.
فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» .
قَالَ عَبْد الْجَبَّارِ: أَمْلاهُ عَلَيَّ سُفْيَان، وأَنَا مَعَ أَبِي.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ،(15/148)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَمْرو، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلٍ، إِلَى قَوْلِهِ: «وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ»
قَوْله: «تترأس وتتربع» ، ويروى: «ترأس وتربع» ، ترأس، أَي: تكون رئيسهم، وتربع، أَي: تَأْخُذ المرباع من أَمْوَالهم، وَهُوَ الرّبع من رَأس مَا غنموه، إِذَا غزا بَعْضهم بَعْضًا، كَانَ الرئيس فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذهُ خَالِصَة دُونَ أَصْحَابه.
ويروى: «تربع وتدسع» ، أَي: تُعْطِي فتجزل، وَالْعرب تَقول للجواد: هُوَ ضخم الدسيعة وَهِيَ الْجَفْنَة، وَقِيلَ: هِيَ الْمَائِدَة الْكَرِيمَة.
4329 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَأْمُونٍ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْبَلْخِ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ".(15/149)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ
4330 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا جِئْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ بِعَدَدِ أَصَابِعِي أَلا أَتَّبِعُكَ، وَلا أَتَّبِعُ دِينَكَ، وَإِنِّي أَتَيْتُ أَمْرًا لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ بِمَا بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَبُّنَا؟ قَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: «بِالإِسْلامِ» .
فَقُلْتُ: مَا آيَةُ الإِسْلامِ؟ قَالَ: «تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتُفَارِقَ الشِّرْكَ، وَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ، أَخَوَانِ نَصِيرَانِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَ إِسْلامِهِ عَمَلا، وَإِنَّ رَبِّي دَاعِي وَسَائِلِي هَلْ بَلَّغْتَ عِبَادَهُ، فَلْيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، وَإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ مُفَدَّمٌ عَلَى أَفْوَاهِكُمْ بِالْفِدَامِ، فَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا دِينُنَا؟ قَالَ: «(15/150)
نَعَمْ، وَأَيْنَمَا تُحْسِنْ يَكْفِكَ، وَإِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، وَعَلَى أَقْدَامِكُمْ، وَرُكْبَانًا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
والفدام: مصفاة الْكوز والإبريق، مَعْنَاهُ: أَنهم منعُوا الْكَلام بالأفواه حَتَّى تكلم أَفْخَاذهم، فَشبه ذَلِكَ بالفدام الَّذِي يَجْعَل عَلَى الإبريق، ويروى: «كُلّ مُسْلِم عَنْ مُسْلِم محرم» ، يُقَالُ: إِنَّه محرم عَنْك، أَي: يحرم أذاك عَلَيْهِ.
4331 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(15/151)
بَابُ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79] .
رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79] ، سُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: هِيَ الشَّفَاعَة «.
وَقَالَ زَيْد بْن أسلم،» فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يُونُس: 2] ، قَالَ: مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4332 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ(15/152)
الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ، فَسَجَدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ، فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.(15/153)
فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذِبَاتٍ «، فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ» نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا(15/154)
إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى.
فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُؤْمَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى.
فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، اشْفَعْ لَنَا، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ:(15/155)
يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، وَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ".
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ(15/156)
بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ
قَوْله: «ينفذهم الْبَصَر» ، قَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنَى أَنَّهُ ينفذهم بصر الرَّحْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كلهم.
قَالَ الْكِسَائِيّ: نفذني بَصَره: إِذَا بَلغنِي وجاوزني.
قَالَ ابْنُ عون: يُقَالُ: أنفذت الْقَوْم: إِذَا خرقتهم ومشيت فِي وَسطهمْ، فَإِن جزتهم حَتَّى تخلفهم.
قُلْتُ: نفذتهم بِلَا ألف، وَقَالَ غَيْر أَبِي عبيد: تخرقهم أبصار النَّاس لِاسْتِوَاء الصَّعِيد، وَاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحَاط بِالنَّاسِ أَولا وآخرا.
قَوْله: «غضب الْيَوْم غَضبا لَمْ يغْضب قبله مثله» ، أَرَادَ بِهِ إِظْهَار الْغَضَب فِي ذَلِكَ الْوَقْت، وَإِلَّا فالغضب والرضى من صِفَات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يزل مَوْصُوفا بهما قبل أَن خلق الْخلق، وَكَذَلِكَ جَمِيع صِفَات اللَّه تَعَالَى.
4333 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا مَعْبَدُ بْنُ هِلالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَا يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ:(15/157)
لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءُوا يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، لَا تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ(15/158)
يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، مِنَ النَّار، مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ "، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، قَالَ: هِيهِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ(15/159)
عِشْرِينَ سَنَةً، فَلا نَدْرِي أنسي، أَوْ كَرِهَ أَن تتكلوا، قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ، وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا، مَا ذَكَرْتُهُ إِلا وأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: " ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي، وَجَلالِي، وَكِبْرِيَائِي، وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُور، عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد
قَوْله: «ماج النَّاس» ، أَي: اخْتَلَط بَعْضهم بِبَعْض، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الْكَهْف: 99] ، أَي: يخْتَلط بَعْضهم بِبَعْض مُقْبِلين، ومدبرين حيارى.
4334 - أَخْبَرَنَا
أَبُو
سَعِيدٍ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ،(15/160)
نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ، فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يُخْرِجَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى الأَرْضِ.
فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا.
فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ.
فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ،(15/161)
وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ الثَّانِيَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا ثَانِيًا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ الثَّالِثَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ، عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا ثَالِثًا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى أَرْجِعَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ، أَوْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {(15/162)
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79] .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ فِي آدَم: لَسْتُ هُنَاكَ وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ، فَيَسْتَحْيِي، وَفِي نُوحٍ: فَيَسْتَحْيِي، وَفِي مُوسَى: يَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَسْتَحْيِي.
وَرَوَاهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ
4335 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، بِصَنْعَاءَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَ مِائَةَ أَلْفٍ» .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: وَهَكَذَا، فَحَثَى بِكَفَّيْهِ وَجَمَعَهُمَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَهَكَذَا.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّنَا(15/163)
الْجَنَّةَ.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يُدْخِلَ خَلْقَهُ بِكَفٍّ وَاحِدٍ، فَعَلَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّد الصَّفَّار، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُور الرَّمَادِيّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاق الدَّبَرِيّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَوْ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبِّي أَن يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي»(15/164)
4336 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصَةً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيد، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن جَعْفَر
4337 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، " أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلا(15/165)
قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إِبْرَاهِيم: 36] الْآيَة، وَقَالَ عِيسَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَة: 118] ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيهِ؟ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوءُكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4338 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(15/166)
4339 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بَابُ الْحَوْضِ وَهُوَ الْكَوْثَرُ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الْكَوْثَر: 1] .
قَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
قُلْتُ لِسَعِيدٍ: إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نهر فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: النَّهر الَّذِي فِي الْجَنَّةِ من الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ اللَّه إِيَّاه ".
وَقِيلَ: الْكَوْثَر(15/167)
هُوَ الْقُرْآن والنبوة.
4340 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا، فَلا يَظْمَأُ أَبَدًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُد بْن عَمْرو الضَّبِّيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ
4341 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَوْثَرُ(15/168)
نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ، مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
4342 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لأَهْلِ الْيَمَنِ إِنِّي لأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ حَتَّى تَرْفَضَّ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَيَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ وَرَقٍ، وَالآخَرُ مِنْ ذَهَبٍ، طُولُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ، أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ، أَوْ مِنْ مَقَامِي هَذَا إِلَى عَمَّانَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْره،(15/169)
عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ
عقر الْحَوْض بِالضَّمِّ: مؤخره، وعقر الدَّار بِالْفَتْح: أَصْلهَا، وَمِنْه قِيلَ: لفُلَان عقار، أَي: أصل مَال.
قَوْله: «يغت فِيهِ مِيزَابَانِ» ، أَي: يدفقان المَاء فِيهِ دفقا مُتَتَابِعًا، مَأْخُوذ من غت الشَّارِب المَاء جرعا بَعْد جرع.
قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: عمان بِنصب الْعين وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ بِالشَّام.
3343 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِي الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ يَجْرِي بَيَاضُهُ بَيَاضُ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي، فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيد، عَنْ هَمَّامٍ،(15/170)
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ
3344 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» .
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ لَسَمِعْتُهُ، وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا، " فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيد، عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِي، عَنْ أَبِي حَازِم
قَوْله: «إِنِّي فَرَطكُمْ» ، يَقُولُ: أَنَا أتقدمكم إِلَى الْحَوْض، يُقَالُ:(15/171)
فرطت الْقَوْم: إِذَا تقدمتهم لترتاد لَهُمُ المَاء، وتهيئ الدلاء والرشاء.
وَقَوله: «سحقا» ، أَي: بعدا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْملك: 11] ، أَي: بعدا باعدهم اللَّه من رَحمته، والسحيق: الْبعيد، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَج: 31] .
4345 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَذُودَنَّ رِجَالا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ
بَابُ(15/172)
آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ
3346 - أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّه النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَؤُلاءِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا(15/173)
مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ.
فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ.
فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا.
فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرُ عَظَمَتِهَا إِلا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ.(15/174)
فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ.
فَيَقُولُ: لَا وَعِزِّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ.
فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَلا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ.
فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ.
فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ.
فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا، قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ.
فَيَقُولُ اللَّهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولا.
قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ،(15/175)
حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: «هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «هَذَا لَكَ، وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ» .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ «مِثْلَهُ مَعَهُ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقُ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيد اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ
قَوْله: «فَمنهمْ الموبق بِعَمَلِهِ» ، أَي: الْمَحْبُوس، يُقَالُ: أوبقه: إِذَا حَبسه، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: 34] ، أَوْ يحبس السفن فَلا تجْرِي عُقُوبَة لأَهْلهَا.
والإيباق: الإهلاك أَيْضًا، يُقَالُ: وبق يبْق، ووبق يوبق: إِذَا هلك، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الْكَهْف: 52] ، أَي: جعلنَا بَينهم مَا يوبقهم، أَي: يُهْلِكهُمْ.
وَقَوله: «وَمِنْهُمُ المخردل» ، قِيلَ: هُوَ المصروع، وَقِيلَ: هُوَ المقطع، أَي: تقطعه كلاليب الصِّرَاط حَتَّى تهوي بِهِ إِلَى النَّارِ، يُقَالُ: خردلت اللَّحْم بِالدَّال والذال، أَي: قطعته وفرقته.(15/176)
وَقَوله: «امتحشوا» ، أَي: احترقوا، وَقِيلَ: المحش تنَاول من اللهب يحرق اللَّحْم، ويبدي الْعظم.
وَقَوله: «فينبتون نَبَات الْحبَّة» ، الْحبَّة بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء: اسْم جَامع لحبوب الْبُقُول الَّتِي تنتثر إِذَا هَاجَتْ، ثُمَّ إِذَا مطرَت من قَابل تنْبت، وَقَالَ الْكِسَائِيّ: هِيَ حب الرياحين الْوَاحِدَة حَبَّة، فَأَما الْحِنْطَة وَنَحْوهَا، فَهُوَ الْحبّ لَا غَيْر، والحبة من الْعِنَب تسمى حَبَّة بِالْفَتْح، وَحب الْحبَّة يُسمى حَبَّة بِضَم الْحَاء وَتَخْفِيف الْبَاء.
وَقَوله: «فِي حميل السَّيْل» ، هُوَ مَا حمله السَّيْل فعيل بِمَعْنى مفعول، كَمَا يُقَالُ للمقتول: قَتِيل، قَالَ أَبُو سَعِيد الضَّرِير: حميل السَّيْل: مَا جَاءَ بِهِ من طين أَوْ غثاء، فَإِذَا اتّفق فِيهِ الْحبَّة، واستقرت عَلَى شط مجْرى السَّيْل، فَإِنَّهَا تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة، وَهِيَ أسْرع نابتة نباتا، وَإِنَّمَا أخبر بِسُرْعَة نباتهم.
وَقَوله: «قشبني رِيحهَا» ، أَي: سمني وَصَارَ رِيحهَا كالسم فِي أنفي، والقشب: خلط السم بِالطَّعَامِ، والقشب: اسْم للسم وكل مَسْمُوم قشيب، وَيُقَال: قشبه الدُّخان: إِذَا امْتَلَأَ خياشيمه من الدُّخان.
وَقَوله: «وأحرقني ذكاؤها» ، فَأصل الذكاء: بُلُوغ كُلّ شَيْءٍ منتهاه، وذكيت النَّار: إِذَا أتممت إشعالها.
قَوْله: «فيأتيهم اللَّه فِي غَيْرِ الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ» ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ رَحمَه اللَّه: هَذَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل، وَلَيْسَ ذَلِكَ من أجل أَنَّا ننكر رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى، بَل نثبتها، وَلا من أجل أَنا ندفع مَا جَاءَ فِي الْكِتَاب، وَفِي أَخْبَار الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذكر الْمَجِيء والإتيان غَيْر أَنَّا(15/177)
لَا نكيف ذَلِكَ، وَلا نجعله حَرَكَة وانتقالا كمجيء الْأَشْخَاص وإتيانها، إِلَى غَيْر ذَلِكَ من نعوت الْحَدث، وَتَعَالَى اللَّه علوا كَبِيرا، وَيجب أَن تعلم أَن الرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ ثَوَاب الْأَوْلِيَاء فِي الْجَنَّةِ غَيْر هَذِهِ الرُّؤْيَة الْمَذْكُورَة فِي مقامهم يَوْم الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا تعريضهم لهَذِهِ الرُّؤْيَة امتحان مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ، يَقع بِهِ التَّمْيِيز بَين من عَبْد اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبَين من عَبْد الشَّمْس وَالْقَمَر والطواغيت، فَيتبع كُلّ فريق معبوده، وَلَيْسَ يُنكر أَنْ يَكُونَ الامتحان إِذْ ذَاك قَائِما، وَحكمه عَلَى الْخلق جَارِيا حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَيَقَع الْجَزَاء بِمَا يستحقونه من الثَّوَاب وَالْعِقَاب، ثُمَّ يَنْقَطِع إِذَا حقت الْحَقَائِق، واستقرت أُمُور الْعِبَاد قَرَارهَا، أَلا ترى قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [الْقَلَم: 42] ، فامتحنوا هُنَالك بِالسُّجُود، وَيُشبه أَنْ يَكُونَ، وَاللَّه أعلم، إِنَّمَا حجبهم عَنْ تحقق الرُّؤْيَة فِي الكرة الأولى، حَتَّى قَالُوا: هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا.
من أجل من مَعَهم من الْمُنَافِقين الَّذِينَ لَا يسْتَحقُّونَ الرُّؤْيَة، وَهُمْ عَنْ رَبهم محجوبون، فَلَمَّا تميزوا عَنْهُم ارْتَفع الْحجب، فَقَالُوا عِنْدَ مَا رَأَوْهُ: أَنْتَ رَبنَا.
وَذكر من الْكَلام غَيْر هَذَا، وَقَالَ: الصُّورَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِمَعْنى الصّفة.(15/178)
قُلْتُ: وَالْوَاجِب فِيهِ وَفِي أَمْثَاله الْإِيمَان وَالتَّسْلِيم، وَاللَّه أعلم.
وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الطباع، قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن أَبِي سَلَمَةَ الماجشوني بِرَجُل كَانَ يُنكر حَدِيث يَوْم الْقِيَامَةِ، وَأَن اللَّه يَأْتِيهم فِي صورته، فَقَالَ لَهُ: يَا بَنِي، مَا تنكر من هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أجل وَأَعْظَم من أَن يرى فِي هَذِهِ الصّفة.
فَقَالَ: يَا أَحمَق، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ تَتَغَيَّر عَظمته، وَلَكِن عَيْنَاك يغيرهما حَتَّى ترَاهُ كَيْفَ شَاءَ.
فَقَالَ الرَّجُل: أَتُوب إِلَى اللَّهِ.
وَرجع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
4347 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ح، وَأَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى يُزْلِفَ لَهُمُ الْجَنَّةَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ: هَلْ(15/179)
أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ.
فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا.
فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلَّمَةِ اللَّهِ وَرُوحُهُ.
فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ.
فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا، فَيَقُومُ، فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالا، فَيَمُرُّ أُولاكُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدُّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّهُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجَزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ، فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا، وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
» وجنبتا الصِّرَاط ": ناحيتاه، وَأَرَادَ بالمكردس: الموثق الْملقى فِيهَا.(15/180)
4348 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الرَّبِيعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الْبَزَّازُ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ , نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ وَأَمِنُوا، فَمَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا، بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ» ، قَالَ: " يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانَنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ "، قَالَ: " فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ.
فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ، لَا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا ".
قَالَ: " ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الإِيمَانِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهَذَا، فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [(15/181)
النِّسَاء: 40] .
قَالَ: " فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا، فَلَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ "، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ، وَشَفَعِتِ الأَنْبِيَاءُ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» ، قَالَ: «فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ» ، أَوْ قَالَ: " قَبْضَتَيْنِ، نَاسًا لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ، قَدِ احْتَرَقُوا حَتَّى صَارُوا حُمَمًا، فَيُؤْتَى بِهِمْ إِلَى مَاءٍ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَصُبُّ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ "، قَالَ: " فَتَخْرُجُ أَجْسَادُهُمْ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ فِي أَعْنَاقِهِمُ الْخَاتَمُ: عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَمَا تَمَنَّيْتُمْ، أَوْ رَأَيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ لَكُمْ "، قَالَ: " فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ "، قَالَ: " فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا "
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا , وَقَالَ: قَالَ: " فَيَقُولُونَ: وَمَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا ".(15/182)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْد بْن سَعِيد، عَنْ حَفْص بْن ميسرَة، عَنْ زَيْد بْن أسلم
5043 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: «سفع مِنَ النَّارِ» ، أَي: عَلامَة مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: سفعت الشَّيْء: إِذَا أعلمته، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] ، أَي: لنعلمنه عَلامَة أَهْل النَّارِ من سَواد الْوَجْه، وزرقة الْعين، فَاكْتفى بالناصية من سَائِر الْوَجْه، لِأَنَّهَا فِي مقدم الْوَجْه، وَقِيلَ: {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15] ، أَي: لنأخذنه، وَقِيلَ: لنخزينه، وَقِيلَ: لنذلنه.
4351 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، نَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ(15/183)
مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَاهُ جَابِرٌ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ»
وَفسّر الثعارير بالضغابيس، والثعارير: رُءُوس الطراثيث تكون بَيْضَاء، شبهوا بِهَا فِي الْبيَاض، قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: الثعرور: قثاء صغَار، وَهِيَ الضغابيس، والثعرور فِي غَيْرِ هَذَا: الثؤلول، وَيُقَال: الضغابيس: هَنَات تنْبت فِي أصُول الثمام طوال رخصَة تُؤْكَل.
4352 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُصَفُّ أَهْلُ النَّارِ، فَيُعَدَّلُونَ، قَالَ: فَيَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلانُ.
قَالَ: فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ رَجُلا سَقَاكَ شَرْبَةً يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: وَإِنَّكَ لأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ.
فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ(15/184)
رَجُلا وَهْبَ لَكَ وَضُوءًا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ "
4353 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُصَفُّ أَهْلُ النَّارِ، فَيَمُرُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلانُ، أَمَا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا الَّذِي سَقَيْتُكَ شَرْبَةَ الْمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا الَّذِي وَهَبْتُ لَكَ مَاءً تَوَضَّأْتَ بِهِ، فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ "
4354 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الزَّاهِدُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، يُحَدَّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ(15/185)
يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَهْلَ الْجَنَّةِ صُفُوفًا، وَأَهْلَ النَّارِ صُفُوفًا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ عَنْ صُفُوفِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ صُفُوفِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا فُلانُ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ اصْطَنَعْتُ إِلَيْكَ مَعْرُوفًا؟ قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا اصْطَنَعَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.
قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: خُذْ بِيَدِهِ، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ".
قَالَ أَنَسٌ: «فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ»
4355 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا جَاوَزَهَا، الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي(15/186)
نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا.
فَيَقُولُ اللَّهُ: يَابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا.
فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ.
وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.
فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا.
فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.
فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ،(15/187)
هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.
وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا سَمِعَ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا.
فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، مَا يُصْرِينِي مِنْكَ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ "، فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّا أَضْحَكُ.
فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: «مَا يصريني مِنْك» ، أَي: مَا يقطع مسألتك عني، يُقَالُ: صريت الشَّيْء: إِذَا قطعته.
4356 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،(15/188)
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ، فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ، فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ، قَالَ: فَيَتَمَنَّى، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَهُ، وَعَشْرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِير، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ: " وَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً "
قَوْله: «حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه» ، قِيلَ: هِيَ الأضراس، وَقِيلَ: المضاحك، وَقِيلَ: هِيَ الأنياب، وَهِيَ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهَا، لِأَنَّهُ فِي الْخَبَر أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «(15/189)
كَانَ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمَ» .
4357 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، نَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا «، يَشُكُّ مَالِكٌ» فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِك
والحيا مَقْصُور: الْمَطَر.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيل عَلَى أَن أهل الْمعاصِي(15/190)
لَا يخلدُونَ فِي النَّارِ، وَفِيه دَلِيل عَلَى تفاضل النَّاس فِي الْإِيمَان.
قَالَ الْخَطَّابِيّ: وحبة الْخَرْدَل مثل فِي الْمعرفَة لَا فِي الْوَزْن، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بجسم يحضرهُ الْوَزْن أَوِ الْكَيْل، وَلَكِن مَا يشكل فِي الْعُقُول قَدْ يرد إِلَى عيار المحسوس ليعلم.
4358 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ".
وَقَالَ أَبَانٌ عَنْ قَتَادَةَ: «مِنْ إِيمَانٍ» ، مَكَانَ «خَيْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ
4359 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ،(15/191)
نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُعَذَّبُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا حُمَمًا، ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ، قَالَ: فَيَخْرُجُونَ، فَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فيرش عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي حُمَالَةِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ جَابِرٍ
الحمم: الفحم وَاحِدهَا حممة.
والغثاء: مَا يبس من النبت، فَحَمله المَاء، فَأَلْقَاهُ فِي الجوانب، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الْأَعْلَى: 5] ، أَي: جعله غثاء بَعْد أَن كَانَ أحوى، والأحوى: الَّذِي اشْتَدَّ خضرته، وَقَالَ: {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [الْمُؤْمِنُونَ: 41] ، أَي: أهلكناهم، فذهبنا بِهِمْ كَمَا يذهب السَّيْل بالغثاء.
4360 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا هَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،(15/192)
فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَيُخَبَّأُ عَنْهُ كِبَارُهَا، فَيُقَالُ لَهُ: عملت يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ مُقِرٌّ لَا يُنْكِرُ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِهَا، فَيُقَالُ: أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلَّ سَيِّئَةٍ عَمِلَهَا حَسَنَةً، فَيَقُولُ: أَيْنَ لِي ذُنُوبٌ مَا أَرَاهَا هَهُنَا؟ ".
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ
4361 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ، نَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ، نَا أَبُو الظِّلالِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّ رَجُلا فِي النَّارِ يُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِعَبْدِي هَذَا، قَالَ: فَذَهَبَ جِبْرِيلُ، فَوَجَدَ أَهْلَ النَّارِ مُنْكَبِّينَ يَبْكُونَ، قَالَ: فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ رَبَّهُ، قَالَ: اذْهَبْ، فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا،(15/193)
قَالَ: فَجَاءَ بِهِ، قَالَ: يَا عَبْدِي، كَيْفَ وَجَدْتَ مَكَانَكَ وَمَقِيلَكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، شَرَّ مَكَانٍ، وَشَرَّ مَقِيلٍ، قَالَ: رُدُّوا عَبْدِي، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُعِيدَنِي إِلَيْهَا إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا، قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: دَعُوا عَبْدِي "
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَنَّانُ مَعْنَاهُ: ذُو الرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ، وَالْحَنَانُ مُخَفَّفٌ: الرَّحْمَةُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مَرْيَم: 13] ، أَي: آتيناه رَحمَه من عِنْدَنَا.
وَأَمَّا المنان، فَمَعْنَاه: الْمُنعم الْمفضل.
4362 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ، وَأَبُو عِمْرَانَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ» ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ثَابِتٌ: رَجُلانِ، " فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَلا تُعِيدَنِي فِيهَا، قَالَ: فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ مِنْهَا ".(15/194)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدابِ بْنِ خَالِد، عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ
4363 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثُ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلا النَّارَ يَشْتَدُّ صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ الرَّبُّ: أَخْرِجُوهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: لأَيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا؟ قَالا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا.
قَالَ: فَإِنَّ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا، فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ.
فَيَنْطَلِقَانِ فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ، فيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا، وَيَقُومُ الآخَرُ، فَلا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجْتَنِي.
فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاؤُكَ، فَيَدْخُلانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ ".(15/195)
قَالَ أَبُو عِيسَى: رِشْدِينُ بْنُ سَعْد ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيث
4364 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الْأَعْرَاف: 43] ، قَالَ: نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يخلص الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضٍ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(15/196)
4365 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرْكَانِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيد، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ الْبَلْخِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُنَادِي مَلَكٌ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْكُمْ جَمِيعًا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، تَوَاهَبُوا الْمَظَالِمَ، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ".
وَفِي رِوَايَةِ الْمُلَيْحِيّ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَةِ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ»
بَابُ ذَبْحِ الْمَوْتِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] ، أَي: فِيهَا الْحَيَاة الْبَاقِيَة، لَا موت فِيهَا.(15/197)
وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الْأَعْرَاف: 40] ، والخياط: الْمخيط هَهُنَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ» ، والخياط هَهُنَا: الْخَيط.
4366 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، نَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ.
وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ.
وَكُلُّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مَرْيَم: 39] ".(15/198)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ
الأملح: الَّذِي فِي صوفه بَيَاض وَسَوَاد، وَالْبَيَاض أَكْثَر.
قَوْله: «فَيَشْرَئِبُّونَ» ، أَي: يرفعون رُءُوسهم، قَالَت عَائِشَة: ارْتَدَّت الْعَرَب، واشرأب النِّفَاق، أَي: ارْتَفع وَعلا، وكل رَافع رَأسه ينظر إلَى شَيْءٍ مشرئب.
وَقَالَ سُفْيَانُ: " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الْأَنْبِيَاء: 103] ، قَالَ: حِينَ تطبق عَلَيْهِمْ جَهَنَّم.
4367 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّة، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ ".(15/199)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْن الْخَطَّاب
بَابٌ
4368 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ، إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ، إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4369 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،(15/200)
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارَ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ "، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ
بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ فِيهَا
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} [مُحَمَّد: 15] ، الْآيَة.
أَي: صفة الْجَنَّة، كَقَوْلِه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْبَقَرَة: 171] ، وَقَوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الْفَتْح: 29] ، أَي: صفتهمْ، وَقَالَ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 71] ، الْآيَة.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ: 31] ، إِلَى قَوْلِهِ: {عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: 36] ، أَي: جَزَاء كَافِيا، يُقَالُ: أَعْطَانِي فأحسبني، أَي: كفاني، وَقَوله تَعَالَى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34] ، أَي: مليئا، وَقَالَ مُجَاهِد: مُتَتَابِعًا.(15/201)
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الْحجر: 47] ، قَالَ: لَا ينظر بَعْضهم فِي قفا بَعْض، وَقَالَ: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الرّوم: 15] ، أَي: ينعمون.
وَقِيلَ: يسرون بِالسَّمَاعِ فِي الْجَنَّةِ، والحبرة: النِّعْمَة، والحبرة: السرُور.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} [الْكَهْف: 108] ، أَي: تحولا، وَقِيلَ: الْحول: الْحِيلَة، أَي: لَا يحتالون منزلا غَيرهَا.
وَقَوله تَعَالَى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] ، أَي: يُوجد فِي آخِره طعم الْمسك.
وَقَوله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} [الشُّعَرَاء: 90] ، أَي: أدنيت، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشُّعَرَاء: 64] ، أَي: أدنيناهم، يَعْنِي: إِلَى الغرف.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 64] ، قَالَ مُجَاهِد: مسودتان، وَقَالَ غَيْرُهُ: خضراوان من الرّيّ حَتَّى تضرب خضرتهما إِلَى سَواد قَلِيل، يُقَالُ: اسودت الخضرة: إِذَا اشتدت.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [(15/202)
الدَّهْر: 14] ، قَالَ مُجَاهِد: إِن قَامَ ارْتَفع، وَإِن قعد تدلى إِلَيْهِ القطف.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أمكنت، فَلا تمْتَنع عَلَى طَالِب، يُقَالُ لكل مُطِيع غَيْر مُمْتَنع: ذليل، وَمن غَيْر النَّاس: ذَلُول.
وَقَوله تَعَالَى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23] ، أَي: عناقيدها، كُلَّمَا أَرَادوا أَن يقطفوا مِنْهَا شَيْئًا، دنا مِنْهُمْ قعُودا كَانُوا أَوْ مضطجعين.
وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} [الدَّهْر: 18] ، قِيلَ: هِيَ اللينة السهلة إِذَا أدنوها من أَفْوَاههم، تسلسلت فِي أَجْوَافهم.
وَقَوله تَعَالَى: {مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] ، الرَّحِيق: الشَّرَاب الَّذِي لَا غش فِيهِ.
وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] ، أَي: من عين يَأْتِيهم من علو.
وَقَوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الْوَاقِعَة: 18] ، أَي: خمر، يجْرِي كَمَا يجْرِي المَاء عَلَى وَجه الأَرْض.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] ، أَي ذَات رضى، وَقِيلَ: مرضية.
وَقَوله تَعَالَى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} [الْوَاقِعَة: 18] ، الأكواب: الَّتِي لَا خراطيم لَهَا،(15/203)
وَإِن كَانَ لَهَا خراطيم، فَهِيَ أَبَارِيق.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [الرَّحْمَن: 76] ، قِيلَ: الرفرف: المحابس، وَقِيلَ: فضول المحابس، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرفرف الْفرش، وَقِيلَ الرفرف: مَا فضل فثني، وَقِيلَ: الوسائد، وَقِيلَ: رياض الْجَنَّة.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الْوَاقِعَة: 89] ، قِيلَ: أَي: رَاحَة واستراحة، وَمن قَرَأَ فَرُوحٌ، بِالضَّمِّ، أَي: فحياة دائمة لَا موت مَعهَا.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الْوَاقِعَة: 19] ، أَي: لَا تصدع رُءُوسهم، وَلا تنزف عُقُولهمْ.
وَقَوله تبَارك تَعَالَى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16] ، قِيلَ: زرابي النبت: ألوانه، فَلَمَّا رَأَوْا الألوان فِي الْبسط شبهوها بِهَا.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ(15/204)
وَعْدًا مَسْئُولا} [الْفرْقَان: 16] ، هُوَ قَوْل الْمَلَائِكَة: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غَافِر: 8] .
وَقَوله تَعَالَى: {نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 198] ، أَي: ثَوابًا، وَقِيلَ: رزقا.
وَقَوله: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الصافات: 48] ، أَي: حور قَدْ قصرن طرفهن عَلَى أَزوَاجهنَّ، لَا ينظرن إِلَى غَيرهم، وَمِنْه قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ} [الرَّحْمَن: 72] ، أَي: مخدرات.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الْكَهْف: 31] ، السندس: رَقِيق الديباج، والإستبرق: غليظه، فارسية معربة.
وقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] ، أَي: لَا تغتال عُقُولهمْ، أَي: لَا يذهب بِهَا، يُقَالُ: غالت الْخمر فلَانا: إِذَا ذهبت بعقله وبصحة بدنه.
وَقَوله تَعَالَى: {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] ، أَي:(15/205)
لَا يسكرون، يُقَالُ: نزف الرَّجُل: إِذَا ذهب عقله بالسكر، وَقُرِئَ بِكَسْر الزَّاي، أَي: لَا يفنى خمرهم، يُقَالُ: أنزف الرَّجُل: إِذَا فنيت خمره.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34] ، أَرَادَ بالفرش نسَاء أَهْل الْجَنَّةِ ذَوَات الْفرش، يُقَالُ لامْرَأَة الرَّجُل: هِيَ فرَاشه، وَإِزَاره، ولحافه.
وَقَوله: {مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34] ، أَي: رفعن بالجمال عَلَى نسَاء أهل الدُّنْيَا، وكل فَاضل رفيع.
4370 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "(15/206)
4370 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَقَيْدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»
4370 - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا»
4370 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الأَلُوَّةِ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحَسَنِ، لَا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ، وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا»(15/207)
4370 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، أَنْ يُقَالَ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ".
هَذِهِ أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِ
قَوْله: «لقيد سَوط أحدكُم» ، أَي: قدره، يُقَالُ: بيني وَبَينه قاب رمح، وقاد رمح، وَقيد رمح.
ويروى: «لَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجَنَّةِ خير من الدُّنْيَا» ، وقاب الْقوس: مَا بَيْنَ السية والمقبض.
قَوْله: «ومجامرهم من الألوة» ، قَالَ الأَصْمَعِيّ: هُوَ الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ، وأراها كلمة فارسية عربت، وَيجمع الألوة ألاوية.
قَالَ أَبُو عبيد: فِيهَا لُغَتَانِ: الألوة، والألوة بِفَتْح الْألف وَضمّهَا.
4371 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، نَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ(15/208)
سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة: 17] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: «أَعْدَدْتُ» ، وَقَالَ: «بَلْهَ مَا أُطْلِعُكُمْ» ، وَيُرْوَى: «بَلْهَ مَا أَطْلَعْتُهُمْ»
قَوْله: «بله» ، أَي: دع مَا أطلعْتُم عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يسير سهل فِي جنب مَا ذخرته لَهُمْ، وَقِيلَ: كَيْفَ مَا أطْلعكُم عَلَيْهِ، وَقِيلَ: فضل مَا أطْلعكُم، يَعْنِي: مَا قُلْتُ قَلِيل من كثير لَمْ أذكر، وَمَا غيب عَنْكُم فضل مَا أطْلعكُم عَلَيْهِ.
4372 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.
وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً(15/209)
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة: 17] ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَة: 30] ، وَلَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمرَان: 185] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْله: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الْفرْقَان: 74] ، يُقَالُ: أقرّ اللَّه عينه، مَعْنَاهُ: أبرد اللَّه دمعته، لِأَن دمعة الْفَرح بَارِدَة، قَالَه الأَصْمَعِيّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ: بلغك اللَّه أمنيتك حَتَّى ترْضى بِهِ نَفسك، وتقر بِهِ عَيْنك، فَلا تستشرف إِلَى غَيره.
قَوْله: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَة: 30] ، هُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا تنسخه الشَّمْس، وَالْجنَّة كلهَا ظلّ.
قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} [آل عمرَان: 185] ، أَي: نحي وأزيل عَنْهَا، وَمِنْه قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ} [الْبَقَرَة: 96] ، أَي: بمبعد ومنجيه.
4373 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَرِيرٌ، نَا عُمَارَةُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،(15/210)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفُلُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ
قَوْله: «ومجامرهم الألوة» ، أَي: بخورهم الْعود غَيْر مطرى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صفة أَزوَاجهم: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرَّحْمَن: 70] ، أَي: فِي الْجنان حور خيرات الْأَخْلَاق، وَحسان الْوُجُوه.
وَفِي رِوَايَة: «وقود مجامرهم الألوة» ، كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجَمْر الَّذِي يطْرَح فِيهِ البخور.
4374 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ،(15/211)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ مِثْلُ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ الْكَوْكَبِ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ دُونَ لُحُومِهِمَا، وَدِمَائِهِمَا، وَحُلَلِهِمَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
4375 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَبْزُقُونَ، وَيُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ، طَعَامُهُمْ جُشَاءٌ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ» .(15/212)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِير، عَنِ الأَعْمَشِ
قُلْتُ: قَوْله: «يُلْهمُون التَّسْبِيح» ، يَعْنِي، وَاللَّه أعلم، أَن مجْرى التَّسْبِيح فِيهِم كمجرى النَّفس، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي وصف الْمَلَائِكَة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 20] ، أَي: مجْرى التَّسْبِيح فِيهِم كمجرى النَّفس من ابْن آدَم، لَا يشْغلهُ عَنِ النَّفس شَيْء.
4376 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِي الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُعَاوِيَة(15/213)
بْن عَمْرو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ
والنصيف: الْخمار.
4377 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفْرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا، لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ، لَطَمَسَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
قَوْله: «يقل» ، أَي: يحمل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} [الْأَعْرَاف: 57] ، أَي: حملت الرِّيَاح سحابا ثقالا.
وَقَوله: «لتزخرفت» ، أَي: تزينت، والزخرف: كَمَال حسن الشَّيْء، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} [يُونُس: 24] ، أَي: تزينت بألوان النَّبَات، وَيُقَال لِلذَّهَبِ: زخرف، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ(15/214)
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الْإِسْرَاء: 93] ، قِيلَ فِي التَّفْسِير: من ذهب.
4378 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد الأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْب، عَنْ مَالِك
قَوْله: «يتراءون» ، أَي: ينظرُونَ، يُقَالُ: تراءيت الْهلَال: إِذَا نظرته، والكوكب الدُّرِّي: شَدِيد الإنارة نسب إِلَى الدّرّ، وَشبه صفاؤه بصفائه، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الكوب الدُّرِّي وَاحِد من الْكَوَاكِب الْخَمْسَة الْعِظَام، وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تسمي الْكَوَاكِب الْعِظَام الَّتِي لَا يعرف أسماؤها: الدراري بِلَا همزَة، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو:(15/215)
كَأَنَّهَا كَوْكَب دريء، مَكْسُورَة الدَّال مَهْمُوزَة فعِّيل من الدرء بِمَعْنى الدّفع، والكوكب إِذَا دفع وَرمي لرجم الشَّيَاطِين، تضَاعف ضوءه.
4379 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلَؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
4380 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا(15/216)
وَمَا فيِهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَقَالَ: «رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ» .
وَعَبْدُ اللَّه بْنُ قَيْسٍ هُوَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو بَكْر ابْنُهُ، قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ
قَوْله: «رِدَاء الْكِبْرِيَاء ورداء الْكبر» ، يُرِيد صفة الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 37] ، أَي: العظمة وَالْملك، فَهُوَ بكبريائه وعظمته لَا يُرِيد أَن يرَاهُ أحد من خلقه بَعْد رُؤْيَة يَوْم الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَأْذَن لَهُمْ فِي دُخُول جنَّة عدن، فيروه فِيهَا.
وجنة عدن، أَي: جنَّة إِقَامَة، يُقَالُ: عدن بِالْمَكَانِ يعدن عدونا، أَي: أَقَامَ.
4381 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ(15/217)
دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعَاءَ»
4381 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا يُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَإِنَّهُ لَتَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ»
4381 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يُرَدُّونَ بَنِي ثَلاثِينَ سَنَةً فِي الْجَنَّةِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ»
4381 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ،(15/218)
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ، إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ فِيهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَأَبُو الْهَيْثَمِ اسْمُهُ سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ الْعَتْوَارِيُّ، كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ
4382 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وَمَا مِنْهُمْ دَانٍ، لَمَنْ يَغْدُو عَلَيْهِ وَيَرُوحُ عَشْرَةُ آلافِ خَادِمٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَرِيفَةٌ لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34] ، قَالَ: ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ "
4383 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا(15/219)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالا: " يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا، فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَأَنْ تَشِبُّوا، فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا، فَلا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الْأَعْرَاف: 43] ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِي، بِهَذَا الإِسْنَادِ مَرْفُوعًا.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعُمُ وَلا يَبْأَسُ، وَلا تُبْلَى ثِيَابُهُ، وَلا يُفْنَى شَبَابُهُ»
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الْوَاقِعَة: 17] ، أَي: مبقون أبدا لَا يهرمون، وَلا يجاوزون حد الوصافة، وَالْعرب تَقول للَّذي لَا يشيب: مخلد، وَقِيلَ: مخلدون، أَي مقرطون، والقرط يُقَالُ لَهُ: الْخلد، وَالْجمع خلدَة.
وَعَن شَهْر بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(15/220)
أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلَى، لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ، وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ» .
4384 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلالِ أَوِ الدِّلاءِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، لَيْسَ لَهُ عَجْمٌ»
المقطعات: الثِّيَاب الْقصار، وَمِنْه قَوْل ابْن عَبَّاسٍ فِي وَقت صَلَاة(15/221)
الضُّحَى: إِذَا تقطعت الظلال، أَي: قصرت، وَذَلِكَ أَنَّهَا تكون ممتدة فِي أول النَّهَار، فَإِذَا ارْتَفَعت الشَّمْس قصرت، فالمقطعات: اسْم للقصار من الثِّيَاب وَاقع عَلَى الْجِنْس لَا يفرد لَهُ وَاحِد، لَا يُقَالُ للجبة القصيرة مقطعَة، وَلا للقميص مقطع، بَل يُقَالُ للْوَاحِد: ثوب كَالْإِبِلِ وَاحِدهَا بعير، والمعشر وَاحِدهَا رَجُل، وَقِيلَ: هِيَ اسْم لكل ثوب يقطع كالقميص وَنَحْوه، وَمن الثِّيَاب مَا لَا يقطع كالأزر والأردية.
4385 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ، فَإِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ؟ فَقَالَ: «إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَلا تَشَاءُ أَنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فَتَطِيرُ بِكَ فِي أَيِّ الْجَنَّةِ شِئْتَ إِلا فَعَلْتَ» ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي الْجَنَّةِ إِبِلٌ، فَإِنِّي أُحِبُّ الإِبِلَ؟ قَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، أَصَبْتَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ» .(15/222)
وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَن سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالأَوَّل أَصَحُّ
4386 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا هَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ؟ وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، وَهِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ تَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٍ وَخُضْرَةٍ، وَحَبْرَةٍ وَنِعْمَةٍ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ» ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: " قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ "، فَقَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.(15/223)
وَأَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّد الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التّرَابِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْن بِسْطَامٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّار، نَا عَمْرو بْن عُثْمَانَ بْن كَثِيرِ بْن دِينَارٍ، نَا أَبِي، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
4387 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَسْأَلُكَ فَتُخْبِرُنِي؟ قَالَ: فَرَكَضَهُ ثَوْبَانُ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: قُلْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: لَا أَدْعُوهُ إِلا بِمَا سَمَّاهُ أَهْلُهُ.
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ يَنْفَعُكَ ذَلِكَ شَيْئًا؟» قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي، وَأُبْصِرُ بِعَيْنِي.
قَالَ: فَنَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَرْضِ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «سَلْ» .
قَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إِبْرَاهِيم: 48] ، فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ مَنْ يُجِيزُ؟ قَالَ: «فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ» ، قَالَ: فَمَا(15/224)
نُزُلُهُمْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُونَهَا؟ قَالَ: «كَبِدُ الْحُوتِ» ، قَالَ: فَمَا طَعَامُهُمْ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَبِدُ الثَّوْرِ» ، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: «السَّلْسَبِيلُ» .
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: «أَفَلا أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلا نَبِيٌّ، أَوْ رَجُلٌ، أَوِ اثْنَانِ؟» قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «عَنْ شَبَهِ الْوَلَدِ» ، قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ رَقِيقَةُ، فَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الشَّبَهُ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الشَّبَهُ» .
قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا كَانَ عِنْدِي فِي شَيْءٍ مِمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ عِلْمٌ حَتَّى أَنْبَأَنِيهِ اللَّهِ فِي مَجْلِسِي هَذَا» .
هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَر، والحَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِي الْحُلْوَانِيِّ، عَنِ الرَّبِيع بْن نَافِع، عَنْ مُعَاوِيَة بْن سَلامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْد بْن سَلامٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ.(15/225)
قُلْتُ: قَوْله: «مَاءُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ» ، فَلَعَلَّ التَّأْنِيثَ يَنْصَرِفُ إِلَى النُّطْفَةِ
4388 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا لَيْسَ فِيهَا بَيْعٌ وَلا شِرَاءٌ، إِلا الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَهَا، وَإِنَّ فِيهَا لَمُجْتَمَعَ حُورِ الْعِينِ، يُنَادِينَ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهَا: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ، فَلا نَبِيدُ أَبَدًا، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ، فَلا نَبْأَسُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ، فَلا نَسْخَطُ أَبَدًا، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا، وَكُنَّا لَهُ ".
وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ هَنَّادٍ، وَأَحْمَد بْن مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
4389 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ، نَا(15/226)
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، وَلَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
4390 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْجُونِ، عَلَيْهَا رِحَالُ الْمَيْسِ، تُثِيرُ مَنَاسِمُهَا غُبَارَ الْمِسْكِ، زِمَامُ أَوْ خِطَامُ، أَحَدِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»(15/227)
العيس الجون: الْإِبِل الْبيض، والجون: السود أَيْضًا، وَهِيَ من الأضداد.
4391 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «حَائِطُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَدَرَجُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ رَضْرَاضَ أَنْهَارِهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانِ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ الْجَنَّة: «وَحِصْلِبُهَا الصُّوَارُ»
قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: الحصلب: التُّرَاب، والصوار: الْمسك.
4392 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ» .(15/228)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ»
بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ وَرِضَاهُ عَنْهُمْ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23} } [الْقِيَامَة: 22-23] ، قَوْله: ناضرة، أَي: ناعمة بِالنّظرِ إِلَى رَبهَا.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُونُس: 26] ، الْحسنى: الْجَنَّة، وَالزِّيَادَة: رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى.
وَسُئِلَ مَالِك عَنْ قَوْله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [الْقِيَامَة: 23] ، فَقيل: قوم يَقُولُونَ إِلَى ثَوَابه؟ فَقَالَ مَالِك: كذبُوا فَأَيْنَ هُمْ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، قَالَ مَالِك:(15/229)
النَّاس ينظرُونَ إِلَى اللَّهِ يَوْم الْقِيَامَةِ بأعينهم، وَقَالَ: لَو لَمْ ير الْمُؤْمِنُونَ رَبهم يَوْم الْقِيَامَةِ، لَمْ يعير اللَّه الْكفَّار بالحجاب، فَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [الْمَائِدَة: 119] .
وَقَالَ جَرِير: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» .
4393 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، إِمْلاءً، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: " قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُونُس: 26] ، قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا، يَشْتَهِي أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، قَالُوا: مَا هَذَا الْمَوْعُودُ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَيُنَضِّرْ وُجُوهَنَا،(15/230)
وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَرُفِعَ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ
4394 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُلْفَرِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمَرْوَ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ، بِدِمَشْقَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا رَبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِهِ(15/231)
أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَفَلا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا فَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ لَكُمْ رِضْوَانِي، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ".
هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد الأَيْلِيِّ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ
4395 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا شَبَابَةُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ، وَأَزْوَاجِهِ، وَنَعِيمِهِ، وَخَدَمِهِ، وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23} } [الْقِيَامَة: 22-23] "(15/232)
4396 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّيْثِ الْوَاعِظُ، نَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِيُّ، نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْرَائِيلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «أَنْ يَنْظُرَ فِي مُلْكِهِ، أَوْ سُرُورِهِ، وَنَعِيمِهِ، وَخَدَمِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ غَيْر وَاحِدٍ عَنْ إِسْرَائِيل، مَرْفُوعًا مِثْلَ هَذَا
4397 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَسِيرُ فِي مُلْكِهِ، وَسُرُورِهِ أَلْفَ سَنَةٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ، وَأَرْفَعُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى رَبِّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَوْلُهُ.
وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ فِيهِ مُجَاهِدًا، غَيْرَ الثَّوْرِيِّ(15/233)
بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الْإِسْرَاء: 97] ، أَي: سكن لهبها، وَمثله خمدت، فَإِذَا بطلت، يُقَالُ: همدت.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الْفرْقَان: 11] .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الْكَهْف: 29] .
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: 23] ، جمع حقب، يُقَالُ: الحقب ثَمَانُون سنة.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا} [النبأ: 24] ، قِيلَ: الْبرد: الرَّاحَة، تَقول الْعَرَب: أَنَا أتبرد بِذَلِكَ، أَي: أستريح، وَقِيلَ: الْبرد: النّوم، تَقول الْعَرَب: منع الْبرد، أَي: النّوم.
وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 25] ، قِيلَ: الغساق: مَا يسيل من أَعينهم من دموعهم يسقونه مَعَ الْحَمِيم، يُقَالُ: غسقت عينه: إِذَا سَالَتْ تغسق، وَقِيلَ: هُوَ مَا يغسق من جُلُود أَهْل النَّارِ من الصديد، وَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ، فَهُوَ(15/234)
الْبَارِد الَّذِي يحرق بِبرْدِهِ، وَقَالَ بَعْضهم: إِنَّمَا قِيلَ لِليْل: غَاسِق، لِأَنَّهُ أبرد من النَّهَار، وَقِيلَ غساقا، أَي: منتنا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنَ الْغَسَّاقِ يَهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا» .
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] ، هُوَ صديد أَهْل النَّارِ، وَمَا ينغسل ويسيل من أبدانهم.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات: 32] ، قِيلَ: كالقصر من قُصُور الْأَعْرَاب، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كالقصر بِفَتْح الصَّاد، وَفسّر أَنَّهَا كأعناق الْإِبِل، الْوَاحِدَة قصرة، وَقِيلَ: الْقصر: أصُول الشّجر، وَقِيلَ: كأعناق النّخل.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [الْمُؤْمِنُونَ: 104] ، أَي: تضرب، واللفح أَعْظَم تَأْثِيرا من النفخ، وَهُوَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} [الْأَنْبِيَاء: 46] ، أَي: أدنى شَيْء مِنْهُ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [الْوَاقِعَة: 42] ، أَي: مَاء حَار، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسُقُوا(15/235)
مَاءً حَمِيمًا} [مُحَمَّد: 15] ، {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الْوَاقِعَة: 43] ، اليحموم: الشَّديد السوَاد، قَالَ مُجَاهِد: هُوَ دُخان جَهَنَّم.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج: 16] ، قِيلَ: الشوى: الْأَطْرَاف: اليدان وَالرجلَانِ وَالرَّأْس، يُقَالُ لجلود النَّاس: الشوى الْوَاحِد الشواة، ولجلدة الرَّأْس: شواة، ولأطراف الإِنْسَان: شواة.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر: 35] ، أَي: إِحْدَى العظائم وَهِيَ النَّار.
قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: 17] ، قِيلَ: تَدْعُو، أَي: تعذب.
قَالَ أَعْرَابِي لآخر: دعَاك اللَّه، أَي: عذبك اللَّه، وَقِيلَ: تَدْعُو، أَي: تنادي.
قِيلَ فِي التَّفْسِير: إِن جَهَنَّم تَدْعُو الْكَافِر باسمه، وَقِيلَ: دعوتها إيَّاهُم مَا تفعل بِهِمْ من الأفاعيل، تَقول الْعَرَب: دَعَانَا غيث وَقع بِنَاحِيَة كَذَا، أَي: كَانَ ذَلِكَ سَببا لانتجاعنا إِيَّاه.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الْوَاقِعَة: 73] ، قِيلَ: مَعْنَاهُ من شَاءَ أَن يتَذَكَّر(15/236)
بالنَّار من جَهَنَّم فيتعظ.
قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18] ، يَعْنِي: الشداد الْغِلَاظ من الْمَلَائِكَة، الْوَاحِد زبنية.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] ، الزَّفِير من أصوات المكروبين، وَالْأَصْل فِيهِ صَوت الْحمار، فالزفير نهيقه، والشهيق آخر نهيقه، وَقِيلَ: الزَّفِير من الصَّدْر، والشهيق من الْحلق.
قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الْفرْقَان: 12] ، أَي: صَوت تغيظ، وغليان تغيظ، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الْملك: 8] ، أَي: تَنْشَق غيظا عَلَى الْكفَّار، وَقِيلَ: من شدَّة الْحر، يُقَالُ: تغيظت الهاجرة: إِذَا اشْتَدَّ حرهَا.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا {12} وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 12-13] ، أَي: لَا يسوغ فِي الْحلق، يَعْنِي الزقوم، وَقِيلَ: هُوَ السَّرِيع، كَمَا قَالَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] ، وَهُوَ نوع من الشوك، يُقَالُ لَهُ: الشبرق.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] ، قِيلَ:(15/237)
هِيَ حيات لَهَا رُءُوس مُنكرَة وأعراف، وَقِيلَ: أُرِيد بِهَا الشَّيَاطِين الْمَعْرُوفَة، شبه بِهَا لقبحها، وكل شَيْء يستقبح، فَإِنَّهُ يشبه بالشياطين، فَيُقَالُ: كَأنَ وَجهه وَجه شَيْطَان، وَكَأن رَأسه رَأس شَيْطَان، وَإِنَّهَا وَإِن لَمْ يرهَا الآدَميون، فَهُوَ مستشنع عِنْدهم.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الْوَاقِعَة: 55] ، الهيم: الْإِبِل الَّتِي أَصَابَهَا الهيام، وَهُوَ دَاء يُصِيبهَا من الْعَطش، فَلا تروى من المَاء حَتَّى تَمُوت، {هَذَا نُزُلُهُمْ} [الْوَاقِعَة: 56] ، أَي: رزقهم وطعامهم، {يَوْمَ الدِّينِ} [الْوَاقِعَة: 56] .
وَقَالَ بَعْض الْمُفَسّرين: الهيم: الرمال الَّتِي لَا يَرْوِيهَا مَاء.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الْفرْقَان: 65] ، الغرام: مَا كَانَ لَازِما، يُقَالُ: فُلان مغرم بِكَذَا: أَي لَازم لَهُ مولع بِهِ، وَقِيلَ: الغرام: أَشد الْعَذَاب.
وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَرْيَم: 86] ، قِيلَ: أَي مشَاة عطاشا كَالْإِبِلِ ترد المَاء، وَقِيلَ الْورْد: الْقَوْم الَّذِينَ يردون المَاء، فَسُمي العطاش وردا لطلبهم وُرُود المَاء.(15/238)
4398 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي تُوقِدُونَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً.
قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِك، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ.
4399 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَوْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِنَّ النَّارَ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَاحْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ(15/239)
سَنَةٍ فَاسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ» .
وَرَوَاهُ يَحْيَى بْن أَبِي بُكَيْر، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِم، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْر يَحْيَى بْن أَبِي بُكَيْر، عَنْ شَرِيكٍ.
4400 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ مِثْلَ نَارِكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ؟ إِنَّهَا لأَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ» .
4401 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ عَلَى أُخْمِصُ(15/240)
قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
4402 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ.
الضحضاح: مَا رق من المَاء عَلَى وَجه الأَرْض.
4403 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ(15/241)
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ لأَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَك مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلا أَنْ تُشْرِكَ بِي ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ.
4404 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّيُّ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ شَاذَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو عُثْمَانَ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ.
وَيُؤْتَى(15/242)
بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ، مَا رَأَيْتُ بُؤْسًا قَطُّ، وَمَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ.
4405 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فِي قَوْلِهِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ {16} يَتَجَرَّعُهُ} [إِبْرَاهِيم: 16-17] ، قَالَ: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ، شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ، قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [مُحَمَّد: 15] ، وَيَقُول: {(15/243)
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} [الْكَهْف: 29] ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلا يُعْرَفُ عُبَيْد اللَّهِ بْن بُسْر، إِلا فِي هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4406 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فيسلت مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب.
وَابْنُ حُجَيْرَةَ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ الْمِصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيد أَبُو شُجَاع مِصْرِيٌّ، رَوَى عَنْهُ اللَّيْث بْن سَعْد.(15/244)
4407 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِيِّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الْكَهْف: 29] ، قَالَ: كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ، سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ ".
4407 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سُرَادِقُ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلِّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» .
4407 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا، لأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا» .(15/245)
الْمهل: الرصاص الْمُذَاب، أَوِ الصفر، أَوِ الْفضة، فَكل مَا أذيب من هَذِهِ الْأَشْيَاء، فَهُوَ مهل، وَقِيلَ: الْمهل: دردي الزَّيْت، وَقِيلَ: هُوَ معنى عكر الزَّيْت، وَقِيلَ: الْمهل: الصديد الَّذِي يسيل من جُلُود أَهْل النَّارِ.
وَقَوله: «فَرْوَة وَجهه» ، يُرِيد: جلدته، ويروى: «قرقرة وَجهه» ، أَي: جلدَة وَجهه، والقرقر من لِبَاس النِّسَاء، شبهت بشرة الْوَجْه بِهَا.
والسرادق: كُلّ مَا أحَاط بِشَيْء نَحْو المضرب والخباء، يُقَالُ للحائط الْمُشْتَمل عَلَى الشَّيْء: سرادق.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الْكَهْف: 29] .
وَقَوله: «كثف كُلّ جِدَار» ، أَي: غلظه.
4408 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْعُبْدُوسِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ خَالِد بْنِ بُرَيْدَةَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ عَلَى الأَرْضِ، لأمرت عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، وَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ غَيْرُهُ» .(15/246)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
4409 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ , أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ، وَالصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي فَهُوَ كَذَلِكَ» .
قُلْتُ: هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ شَيْء مِنْ هَذَا عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيد قَوْله.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الويل: الْمَشَقَّة من الْعَذَاب، وَقِيلَ: الويل: الْحزن، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا وَيْلَتَنَا} [الْكَهْف: 49] ، دُعَاء بِالْوَيْلِ.
وَالْوَيْل(15/247)
والويلة: الهلكة، وكل من وَقع فِي هلكة دَعَا بِالْوَيْلِ.
4410 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " إِنَّ الصَّعُودَ صَخْرَةٌ فِي جَهَنَّمَ إِذَا وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا ذَابَتْ، وَإِذَا رَفَعُوهَا عَادَتْ، اقْتِحَامُهَا: {فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} } [الْبَلَد: 13-14] "
4411 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيد، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ رَضْرَاضَةً مِثْلَ هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ، أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، لَبَلَغَتِ الأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ(15/248)
السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَوْله: «أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» ، أَي: أَرْبَعِينَ سنة.
4412 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: " إِنَّ مَا بَيْنَ شَفِيرِ جَهَنَّمَ إِلَى قَعْرِهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا مِنْ حَجَرٍ يَهْوِي، أَوْ قَالَ: صَخْرَةٍ تَهْوِي كَعَشْرٍ عُشَرَاوَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ "، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: هَلْ تَحْتَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، غَيٌّ وَآثَامٌ» .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ، فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ، وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ، وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ» .
4413 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ،(15/249)
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ يُعَظَّمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمُ النَّارُ، وَلِيَذُوقُوا الْعَذَابَ» .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ» .
4414 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ، عَنْ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ.
4415 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ(15/250)
عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي، إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا يَجْرِي فِيهَا أَوْدِيَةُ الْقَيْحِ وَالدَّمِ.
قُلْتُ: أَنْهَارٌ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَوْدِيَةٌ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ» .
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «إِنَّ جَهَنَّمَ لَتُضَيِّقُ عَلَى الْكَافِرِ كَتَضْيِيقِ الزُّجِّ فِي الرُّمْحِ» .
4416 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ(15/251)
أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 104] ، قَالَ: تَشْوِيهِ النَّارُ، فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ حسنٌ غَرِيبٌ.
4417 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يُعَظَّمُ الْكَافِرُ فِي النَّارِ مَسِيرَةَ سَبْعِ لَيَالٍ، ضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَشِفَاهُهُمْ عِنْدَ سُرَرِهِمْ، سُودٌ زُرْقٌ حُبْنٌ مَقْبُوحُونَ» .
قُلْتُ: الحبن جمع الأحبن، وَهُوَ الْعَظِيم الْبَطن، وَيُقَال للَّذي بِهِ السَّقْي: أحبن، وَأم حبين دويبة عَلَى خلقَة الحرباء، عريضة الْبَطن.
4418 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ(15/252)
أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ التَّغْلِبِيُّ، نَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ، ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَتَبَاكَوْا، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ، كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، فَتَسِيلُ الدِّمَاءُ، فَتَقْرَحُ الْعُيُونُ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْخِيَتْ فِيهَا لَجَرَتْ» .
4419 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوِيًّا، فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا حَجَرٌ أُلْقِيَ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَالآنَ حِينَ اسْتَقَرَّ فِي قَعْرِهَا ".(15/253)
4419 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُلْقَى الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْفَدَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى أَنَّهُ لَيَصِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ أُخْدُودًا، لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ لَجَرَتْ» .
4420 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ، قَالَ: هَانَتْ وَاللَّهِ دَعْوَتُهُمْ عَلَى مَالِكٍ، وَعَلَى رَبِّ مَالِكٍ، ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ {106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {107} } [الْمُؤْمِنُونَ: 106-107] ، قَالَ: فَيسكت عَنْهُمْ قَدْرَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 108] ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ،(15/254)
وَمَا هُوَ إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهَا زَفِيرٌ وَآخِرُهَا شَهِيقٌ ".
قَالَ طَاوُسٌ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّارَ لَمَّا خُلِقَتْ طَارَتْ أَفْئِدَةُ الْمَلائِكَةِ، فَلَمَّا خُلِقَ آدَمُ سَكَنَتْ.
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]
مَعْنَاهُ: هَل من مزِيد فأحتمله، لِأَن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعدها أَن يملأها.
4421 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاس الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلانِيُّ، نَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(15/255)
لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قطّ قطّ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُ فُضُولَ الْجَنَّةِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَم، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْن مُحَمَّد، عَنْ شَيْبَانَ.
قَوْله: «يزوى» ، أَي: يضم وَيجمع.
4422 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ.
وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ، وَسَقَطُهُمْ، وَغِرَّتُهُمْ.
قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي.
وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي،(15/256)
وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ، فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ، فَتَقُولُ: قطّ قطّ.
فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَوْله: «قطّ قطّ» : حَسْبُ.
وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي» ، سَمَّى الْجَنَّةَ رَحْمَةً، لأَنَّ بِهَا تَظْهَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ: «أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ» ، وَإِلا فَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي لَمْ يَزَلْ بِهَا مَوْصُوفًا، لَيْسَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَةٌ حَادِثَةٌ، وَلا اسْمٌ حَادِثٌ، فَهُوَ قَدِيمٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ جَلَّ جَلالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ.
قُلْتُ: والقدم وَالرجلَانِ الْمَذْكُورَان فِي هَذَا الْحَدِيث من صِفَات اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، المنزه عَنِ التكييف والتشبيه، وَكَذَلِكَ كُلّ مَا جَاءَ من هَذَا الْقَبِيل فِي الْكِتَاب أَوِ السّنة كَالْيَدِ، والإصبع، وَالْعين، والمجيء، والإتيان، فالإيمان بِهَا فرض، والامتناع عَنِ الْخَوْض فِيهَا وَاجِب، فالمهتدي من سلك فِيهَا طَرِيق التَّسْلِيم، والخائض فِيهَا زائغ، وَالْمُنكر معطل، والمكيف مشبه، تَعَالَى اللَّه عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ علوا(15/257)
كَبِيرا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، سُبْحَانَ رَبنَا رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ، وَسَلام عَلَى الْمُرْسلين، وَالْحَمْد لِلَّهِ رب الْعَالمين، وَصلى اللَّه عَلَى سيدنَا مُحَمَّد النَّبِيّ الْأُمِّي وَآله أَجْمَعِينَ.(15/258)