قَالَ الإِمامُ: هَذَا يدل على إِبَاحَة أكل السّمك على أَي وَجه مَاتَ.
ورُوِي عنْ إِسْماعِيل بْن أُمِّيّه، عنْ أبِي الزُّبيْر، عنْ جابِر، قَالَ: قَالَ: رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ألْقاهُ البحْرُ، أوْ جزر عنْهُ فكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفا، فَلَا تأْكُلُوهُ» .
ورواهُ سُفْيان الثّوْرِي، وَأَيوب، وَحَمَّاد، عنْ أَبى الزُّبيْر، وأوقفوه على جابِر.
واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي السّمك الطافي، فأباحه جمَاعَة، رُوِي ذلِك عنْ أبِي بكْر الصِّديق، وَأبي أَيُّوب الأنْصارِي، وبِهِ قَالَ عَطاء بْن أبِي رَبَاح، وَمَكْحُول، وَإِبْرَاهِيم النّخعِي، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وَأَبُو ثَوْر وكرههُ جمَاعَة، رُوِي ذلِك عنْ جابِر، وَابْن عبّاس، وبِهِ قَالَ جابِر بْن زيْد، وَطَاوُس، وإِليْهِ ذهب أصْحاب الرّأْيِ.(11/245)
بابُ حيواناتِ الْبحْرِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [الْمَائِدَة: 96] .
2804 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: غَزَوْتُ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيْتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا، فَلَمَّا قَدِمْنَا، ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كُلُوا، رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ» ، فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلاءِ(11/246)
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبيْرِ، عَنْ جَابِرٍ
والخبط، بِفَتْح الْبَاء: ورق الشّجر يُضرب بالعصا، فيسقطُ، سُمُّوا جَيش الْخبط، لأَنهم اضطروا إِلى أكله.
2805 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «خَرَجْنَا، وَنَحْنُ ثَلاثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً» ، قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟ ، قَالَ: «لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ، فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
2806 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ،(11/247)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ، قَالَ: وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، قَالَ: فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى فَنِيَ، وَلَمْ يُصِبْنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلاعِهِ، فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ، فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا، فَلَمْ يُصِبْهُمَا " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
الظِّربُ: الْجَبَل الصَّغِير قَالَ الإِمامُ: وفِيهِ دلِيلٌ على إِبَاحَة جمِيع ميتات الْبَحْر وهُو ظَاهر الْقُرْآن والْحَدِيث، قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [الْمَائِدَة: 96] ، قَالَ عُمر رضِي اللهُ عنْهُ:(11/248)
صيدُه مَا اصطيد، وَطَعَامه مَا رمي بِهِ.
وَقَالَ ابْن عبّاس: طعامهُ ميتَته إِلَّا مَا قذرت مِنْهَا، والجِرِّيُّ لَا تَأْكُله الْيهُود وَنحن نأكله، والجِريُّ: هُو الجرِّيث وهِي المارماهي، وَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْر: «هُو الطّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ ميْتتهُ» .
وَقَالَ ابْن عبّاس: كُل من صيد الْبَحْر من نصرانيٍّ، أوْ يهوديٍّ، أوْ مجوسيٍّ.
وَمِمَّنْ ذهب إِلَى إِبَاحَة جمِيع ميتات الْبَحْر: أبُو بكْر، وَعمر، وَابْن عبّاس، وَابْن عُمر، وَزيد بْن ثَابت، وَأَبُو هُريْرة، وبِهِ قَالَ(11/249)
شُرَيْح، وَالْحسن، وَعَطَاء، والشّعْبِي، وإِليْهِ ذهب مالِك.
قَالَ الشعبيُّ: لَو أَن أَهلِي أكلُوا الضفادع لأطعمتهم.
وَقَالَ عَطاء: أما الطير فَأرى أَن يذبحه، وَقَالَ الأوْزاعِي: كلُّ شيْء كَانَ عيشه المَاء، فهُو حَلَال.
قِيل: فالتمساح؟ قَالَ: نعم.
وَركب الْحسن على سرج من جُلُود كلاب المَاء، ولمْ ير الْحسن بالسلحفاة بَأْسا.
وغالب مَذْهَب الشّافِعِي إباحةُ دَوَاب الْبَحْر كلهَا إِلَّا الضفدع، لما جَاءَ من النَّهْي عنْ قَتلهَا، وأخذُها ذكاتُها لَا يحْتَاج إِلى ذبح شيْء مِنْهَا.
وَكَانَ أبُو ثَوْر يقُول: جمِيع مَا يأوي إِلى المَاء حلالٌ، فَمَا كَانَ مِنْهُ يُذكّى، لمْ يحِلّ إِلَّا بِذَكَاة، وَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُذكّى مثل السّمك، فميته حَلَال.
وَذهب قوْمٌ إِلى أَن مَاله فِي البرِّ نظيرٌ لَا يُؤكل مثل كلب المَاء، وخنزير المَاء، وَالْحمار وَنَحْوهَا فَحَرَام، وَمَا لهُ نظيرٌ يُؤكل، فميته من حيوانات الْبَحْر حَلَال.
وسُئل اللَّيْث بْن سعدٍ عنْ دوابِّ المَاء؟ فَقَالَ: إِنْسان المَاء، وخنزير المَاء فَلَا يُؤْكَل، فَأَما الْكلاب، فليْس بِها بَأْس فِي البرِّ وَالْبَحْر.
وَقَالَ سُفْيان الثّوْرِي: أَرْجُو أَن لَا يكُون بالسرطان بَأْسا.
وحرّم أبُو حنِيفة جَمِيع حيوانات الْبَحْر إِلَّا السّمك، وَالْأول أولاها بِالصَّوَابِ، وهُو أَن الْكل حَلَال، لِأَنَّهَا كلهَا سمك وَإِن اخْتلفت صورها كالجِرِّيث، يُقَال لهُ: حَيَّة المَاء، وهُو على شكل الْحَيَّة، وَأكله حَلَال بالِاتِّفَاقِ، وهُو الْأَشْبَه بِظَاهِر الْقُرْآن والْحَدِيث.(11/250)
بابُ أكْلُ الدّجاجِ والْحُبارى
2807 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَأَتَى بِلَحْمِ دَجَاجٍ، فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهَا تَأْكُلُ نَتْنًا، فَحَلَفْتُ أَنْ لَا آكُلَهَا، فَقَالَ: ادْنُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ
2808 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ، عَنْ أَبِيهِ،(11/251)
عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ حُبَارَى» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
بابُ أكْلِ الْجلّالةِ
2809 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ، وَأَلْبَانِهَا» .(11/252)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَالْجَلّالةُ: هِي الّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ، وَهِيَ الْعذرَةُ، وَأَصْلُ الْجُلَّةِ: الْبَعْرُ، فَكَنَى بِهَا عَنِ الْعذرَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: خَرَجَ الإِمَاءُ يَجَتَلِلْنَ: إِذَا خَرَجْنَ يَلْتَقِطْنَ الْبَعْرِ
ثُمّ الحكم فِي الدَّابَّة الَّتِي تأكلُ العذِرة أَن يُنظر فِيها، فإِن كَانَت تأكلها أَحْيَانًا، فَلَيْسَتْ بجلّالةٌ، وَلَا يحرم بِذلِك أكلهَا كالدجاج وَنَحْوهَا، وَإِن كَانَ غالبٌ عَلفهَا مِنْهَا حتّى ظهر ذلِك على لَحمهَا ولبنها، فَاخْتلف أهْل الْعِلْمِ فِي أكلهَا، فَذهب قومٌ إِلى أنّهُ لَا يحل أكلهَا إِلَّا أَن تُحبس أَيَّامًا، وتُعلف من غَيرهَا حتّى يطيب لحمُها، فَحِينَئِذٍ يحلُّ أكلهَا، وهُو قوْل أصْحاب الرّأْيِ، والشّافِعِي، وأحْمد.
ورُوِي فِي حَدِيث أَن الْبَقر يُعلفُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمّ يُؤْكَل لَحمهَا.
وَكَانَ ابْن عُمر يحبِسُ الدَّجَاج ثَلَاثًا.
وَكَانَ الْحسن لَا يرى بَأْسا(11/253)
بِأَكْل لُحُوم الجلّالة وهُو قوْل مالِك.
وَقَالَ إِسْحاق: لَا بَأْس بأكلها بعد أَن تغسل غسلا جيدا، وروى نَافِع، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: نُهي عنْ ركُوب الْجَلالَة.
وَإِنَّمَا كره ركُوبهَا، لِأَنَّهَا إِذا عرقِت ينتُنُ رائحتها كَمَا ينتُنُ لحمُها.
بابُ إِباحةِ لحْمِ الْخيْلِ وتحْرِيمِ لحْمِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ
2810 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
وَأَرَادَ بالحُمُر: الْأَهْلِيَّة مِنْهَا، فَأَما الْحمار الوحشي، فاتفقوا على إِبَاحَته، ورواهُ مُسْلِم، عنْ يحْيى، عنْ حَمَّاد بْن زيْد، بِهذا الْإِسْنَاد، أَن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى يوْم خَيْبَر عنْ لُحُوم الحُمُر الْأَهْلِيَّة، وأذِن فِي لُحُوم الْخيْل» .
وروى هَذَا الْحدِيث(11/254)
سُفْيان بْن عُيينة، عنْ عمْرو بْن دِينار، عنْ جابِر، قَالَ أبُو عِيسى: رِوَايَة ابْن عُييْنة أصحُّ.
وَقَالَ مُحمّد بْن إِسْماعِيل: سُفْيان بْن عُيينة أحفظ من حَمَّاد بْن زيْد.
وقالتْ أَسمَاء: «ذبحْنا على عهْدِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسا ونحْنُ بالْمدِينةِ فأكلْناهُ» .
ورُوِي عنِ الْمِقْدَام بْن معديكرب، عنْ خالِد بْن الْولِيد، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عنْ أكْلِ لحُومِ الْخيْلِ، والبِغالِ، والْحمِيرِ» ، وَإِسْنَاده ضَعِيف.
واخْتلف النّاس فِي إِبَاحَة لُحُوم الْخيْل، فَذهب جمَاعَة إِلى إِبَاحَته، رُوِي ذلِك عنْ شُرَيْح، وَالْحسن، وَعَطَاء بْن أبِي رَبَاح، وَسَعِيد بْن جُبير، وَحَمَّاد بْن أبِي سُليْمان، وبِهِ قَالَ الشّافِعِيُّ، وأحْمد، وَإِسْحَاق،(11/255)
وَذهب جمَاعَة إِلى تَحْرِيمه، رُوِي ذلِك عنِ ابْنِ عبّاسٍ، وبِهِ قَالَ الحكم، وهُو قوْل مالِك، وأصْحاب الرّأْيِ.
2811 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا «يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَهَى عَنْ لُحُومِ الْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ» .
أَمَّا لُحُومُ الْحَمِيرِ الأَهْلِيَّةِ، فَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى تَحْرِيمِهَا، وَكَذَلِكَ الْبِغَالُ.
وَقَرَأَ مَالِكٌ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النَّحْل: 8] ، وَقَالَ فِي الأَنْعَامِ: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غَافِر: 79] ، فَذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ للرُّكُوبِ، وَالزِّينَةِ، وَذَكَرَ الأَنْعَامَ للرُّكُوبِ وَالأَكْلِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا(11/256)
أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ
وكل حَيَوَان لَا يحِلُّ أكلُ لَحْمه، فَلَا يحلُّ شُربُ لبنه، إِلَّا الآدميات.
سُئِلَ الحكم، وَحَمَّاد عنْ ألبان الأُتُن، فكرهاها، وَقَالا: مَا كُره لحومها، كُره أَلْبَانهَا، وَمثله عنْ مُجَاهِد، وَالْحسن.
وَقَالَ سعِيد بْن جُبير فِي الأُتُن: لحومها حرامٌ، وَأَلْبَانهَا حرامٌ، وَقَالَ إِبْراهِيم: لَا بَأْس بألبان الْخيْل، فَأَما الحمُر، فَلَا يصلح أَلْبَانهَا.
وَكَانَ طاوسٌ لَا يرى بألبان الأُتُن بَأْسا، وَمثله عنْ جعْفر بْن مُحمّد.
وكلُّ طيرٍ لَا يحِلُ لَحْمه، لَا تحِلُّ بيضتُهُ.
بابُ الفأْرةِ تمُوتُ فِي السّمْنِ
2812 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، قَالَ: «إِنْ كَانَ جَامِدًا، فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ(11/257)
كَانَ مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ» .
ورواهُ سُفْيان، عنِ الزُّهْرِي، عنْ عُبيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ، عنِ ابْنِ عبّاسٍ، عنْ مَيْمُونَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ
قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث دلِيل على أَن غيْر المَاء من الْمَائِعَات إِذا وَقعت فِيها نَجَاسَة ينجسُ، قلّ ذلِك الْمَائِع، أوْ كثر بِخِلَاف المَاء حَيْثُ لَا ينجس عِنْد الْكَثْرَة مَا لمْ يتَغَيَّر بِالنَّجَاسَةِ.
وَاتفقَ أهْل الْعِلْمِ على أَن الزَّيْت إِذا مَاتَت فِيهِ فأرةٌ، أوْ وَقعت فِيهِ نَجَاسَة أُخْرَى أنّهُ ينجس، وَلَا يجوز أكله، وَلَا يجوز بَيْعه عِنْد أكْثر أهْل الْعِلْمِ، وجوّز أبُو حنِيفة بَيْعه.
وَاخْتلفُوا فِي الِانْتِفَاع بِهِ، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ، لقَوْله عليْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «فَلَا تقْربُوهُ» ، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، وَذهب قومٌ إِلى أنّهُ يجوز الِانْتِفَاع بِهِ بالاستصباح، وتدهين السفن وَنَحْوه، وهُو قوْل أبِي حنِيفة، وَأظْهر قولي الشّافِعِي، وَالْمرَاد من قوْله: «لَا تقْربُوهُ» ، يعْنِي: أكلا وطعمًا لَا انتفاعًا.(11/258)
بابُ الذُبابِ يقعُ فِي الشّرابِ
2813 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً» .
هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ أخْرجهُ مُحمّد، عنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ(11/259)
2814 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ التَّمَّامُ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً» .
صَحِيحٌ
وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على أَن الذُّبَاب طاهرٌ، وكذلِك أجسام جمِيع الْحَيَوَان إِلَّا مَا دلّت عليْهِ السُّنة من الْكَلْب وَالْخِنْزِير.
وفِيهِ دلِيلٌ على أَن مَا لَا نفس لهُ سَائِلَة، إِذا مَاتَ فِي مَاء قَلِيل، أوْ شرابٍ لَا ينجِّسه، وذلِك مثلُ الذُّبَاب، والنمل وَالْعَقْرَب، والخنفساء، والزنبور، وَنَحْوهَا، لِأَنَّهُ غمس الذُّبَاب فِي الْإِنَاء قدْ يَأْتِي عليْهِ، فَلَو كَانَ ينجِّسه إِذا مَاتَ فِيهِ، لمْ يَأْمُرهُ بالغمس للخوف من تنجيس الطَّعَام، وَهَذَا قوْل عَامَّة الْفُقَهَاء، إِلَّا أَن الشّافِعِي علق القَوْل فِيهِ.
رُوِي عنْ يحْيى بْن أبِي كثير، أنّهُ قَالَ فِي الْعَقْرَب تَمُوت فِي المَاء: أنّها تنجِّسه، وَعَامة أهْل الْعِلْمِ على خِلَافه.
فَأَما إِذا مَاتَ فِي شيْء نشوءُه مِنْهُ مثل دود الْخلّ يَمُوت فِيهِ،(11/260)
فاتفقوا على أنّهُ لَا ينجِّسه.
ورُوِي عنْ سعِيد الْمقْبُرِي، عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا وَقع الذُّبابُ فِي إِناءِ أحدِكُمْ، فإِنّ فِي أحدِ جناحيْهِ دَاء، وفِي الآخرِ شِفاءً، وإِنّهُ يتّقِي بِجناحِهِ الّذِي فِيهِ الدّاءُ، فلْيغْمِسْهُ كُلُّهُ» .
2815 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ ِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الطَّعَامِ، فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» .
قوْله: «فامْقلُوهُ» ، أَيْ: اغْمِسُوهُ لِيُخْرِجَ الشِّفَاءَ كَمَا أَخْرَجَ الدَّاءَ
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: قدْ تكلم على هَذَا الْحدِيث بعضُ من لَا خلاق لهُ، وَقَالَ كَيفَ يجْتَمع الدَّاء والشفاء فِي جناحي الذبابة، وَكَيف(11/261)
تعلم حتّى تقدم جنَاح الدَّاء، وتؤخر جنَاح الشِّفَاء؟ قَالَ: وَهَذَا سُؤال جَاهِل، أوْ متجاهل، فإِن الّذِي يجد نَفسه ونفوس عَامَّة الْحَيَوَان قدْ جمع فِيها بيْن الْحَرَارَة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهِي أَشْيَاء متضادة إِذا تلاقت تفاسدت، ثُمّ يرى أَن الله عزّ وجلّ قدْ ألف بَينهَا، وَجعل مِنْهَا قوى الْحَيَوَان الّتِي بِها بَقَاؤُهَا، لجدير أَن لَا يُنكر اجْتِمَاع الدَّوَاء والداء فِي جزأين من حَيَوَان وَاحِد، وَإِن الّذِي ألهم النحلة أَن تتَّخذ الْبيْت العجيب الصَّنْعَة، وتعسِل فِيهِ، وألهم الذّرّة أَن تكتسب قوتها، تدخره لِأَوَانِ حَاجَتهَا إليْهِ، هُو الّذِي خلق الذبابة وَجعل لَهَا الْهِدَايَة إِلى أَن تقدم جنَاحا، وتؤخر جنَاحا، لما أَرَادَ من الِابْتِلَاء الّذِي هُو مدرجة التَّعَبُّد والامتحان الّذِي هُو مضمار التَّكْلِيف، وفِي كُل شيْء حكمةٌ وعبرةٌ، وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب.
بابُ العقِيقةِ
2816 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ»
2817 - وَقَالَ أَصْبَغُ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ،(11/262)
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، نَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمامُ: الْعَقِيقَة اسْم للشاة الّتِي تُذبح على ولادَة الْوَلَد، وَاخْتلفُوا فِي اشتقاقها، فَقَالَ بعْضهم: هِي اسْم للشعر الّذِي يحلق من رَأس الصبيِّ عِنْد وِلَادَته، فسميت الشَّاة عقيقة على الْمجَاز، إِذْ كَانَت إِنّما تُذبح عِنْد حِلاق الشّعْر، وقِيل: هِي اسْم للشاة حَقِيقَة، سميت بِها، لِأَنَّهَا تُعقُّ مذابحها، أَي: تُشقُّ وتقطع، والعقُّ: الشقُّ، وَمِنْه عقوق الْوَلَد أَبَاهُ، وهُو جفوته وقطيعته، وَأَرَادَ بإماطة الْأَذَى عَنهُ: حلق رَأسه.
والعقيقة سُنةٌ عِنْد أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلَّا أصْحاب الرّأْيِ، فَإِنَّهُم قالُوا: لَيست بسنةٍ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِي عنْ عمْرو بْن شُعيْب، عنْ أبِيهِ، عنْ جده، قَالَ: سُئِلَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنِ الْعَقِيقَة، فَقَالَ: «لَا يُحِبُّ اللهُ العُقُوق» ، وَلَيْسَ هَذَا الْحدِيث عِنْد الْعَامَّة على توهين أَمر الْعَقِيقَة،(11/263)
وَلكنه كره تَسْمِيَتهَا بِهذا الِاسْم على مذْهبه فِي تغير الِاسْم الْقَبِيح إِلى مَا هُو أحْسن مِنْهُ، فَأحب أَن يسميها بِأَحْسَن مِنْهُ من نسيكة، أوْ ذَبِيحَة، أوْ نَحْوهَا.
وقدْ رُوِي فِي هَذَا الْحدِيث: «لَا أُحِبُّ العُقُوق، ولكِنْ منْ وُلِد لهُ ولدٌ، فأحبّ أنْ ينْسك عنْهُ فلْيفْعلُ» ، وَقَالَ الْحسن: إِذا علمت أنّهُ لمْ يعق عنْك، فعق عنْ نَفسك، وَقَالَ ابْن سِيرِين: عققت عنْ نَفسِي ببُختيةٍ بعد أَن كنت رجُلا، وَكَانَ أنسٌ يعقٌ عنْ وَلَده الجُزر.
وَاخْتلفُوا فِي التَّسْوِيَة بيْن الْغُلَام وَالْجَارِيَة، فَكَانَ الْحسن وَقَتَادَة لَا يريان عنِ الْجَارِيَة عقيقة، وَذهب قوْمٌ إِلى التَّسْوِيَة بيْنهُما عنْ كُل واحدةٍ بشاةٍ واحدةٍ، لما رُوِي أنّ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عقّ عنِ الحسنِ بِشاةٍ» .
وَعَن ابْن عُمر(11/264)
كَانَ يعقُّ عنْ وَلَده بشاةِ شاةٍ للذكور وَالْإِنَاث.
وَمثله عنْ عُرْوَة بْن الزُّبيْر، وهُو قوْل مالِك.
ورُوِي عنْ أَسمَاء بنت أبِي بكْر أنّها كَانَت تعقُّ عنْ بنيها وَبني بنيها شَاة شَاة الذكرِ وَالْأُنْثَى، ثُمّ تصنع أطيب مَا تقدر عليْهِ من الطَّعَام، وَتَدْعُو إليْهِ.
وَذهب جمَاعَة إِلى أَن يذبح عنِ الْغُلَام شَاتين، وَعَن الْجَارِيَة شَاة وَاحِدَة، وهُو قوْل عَائِشَة، وبِهِ قَالَ عَطاء، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، لما.
2818 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانُ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمُّ كُرْزٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا» ، قَالَتْ: وَسَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، وَلا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ، أَوْ إِنَاثًا» .(11/265)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قوْله: «أقِرُّوا الطّير على مكِناتِها» ، قَالَ أبُو زِيَاد الكِلابي: لَا يُعرف للطير مكِناتٌ، وَإِنَّمَا هِي الوُكُناتُ، وهِي مَوضِع عُشِّ الطَّائِر، وَقَالَ أبُو عُبيد: المكنات بيض الضِّباب، وَاحِدهَا: مكِنةٌ، فَجعل للطير على وَجه الِاسْتِعَارَة، وقِيل على مكناتها، أَي: أمكنتها، وَقَالَ شِمرٌ: هِي جمع المكنة وهِي التَّمَكُّن، وَهَذَا مثل التّبعة للتبع، والطلِبة للتطلب.
ثُمّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد من إِقْرَار الطير على مكناتها، فَقَالَ بعْضهم: مَعْنَاهُ: كَرَاهِيَة صيد الطير بِاللَّيْلِ، وقِيل: فِيهِ النَّهْي عنْ زجر الطير، مَعْنَاهُ: أقروها على موَاضعهَا الّتِي جعلهَا الله بِها من أنّها لَا تضر وَلَا تَنْفَع.
ويُحكى عنِ الشّافِعِي رضِي اللهُ عنْهُ أنّهُ حمله على النَّهْي عنْ زجر الطير، وذلِك أَن الْعَرَب كَانَت تُولع بالعيافة، وزجر الطير، فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا خرج من بَيته لسفر أوْ حَاجَة، نظر هَل يرى طائرًا يطير، فإِن لمْ ير، هيج طائرًا عنْ مَكَانَهُ، فإِن طَار من جَانب يسَاره إِلى يَمِينه، سَمَّاهُ سائحًا وتفاءل بِهِ، وَمضى لأَمره، وَإِن طَار من جَانب يَمِينه إِلى يسَاره، سَمَّاهُ بارحًا وتطيّر بِهِ، ولمْ يمضِ لأَمره، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يكُون يسَار الطَّائِر إليْهِ، «فأمرهُم النّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرُّوا الطّيْر على أمْكِنتها، وَلَا يُطيِّرُوها وَلَا يزْجرُوها» .(11/266)
وقوْله فِي الْحدِيث: «وَلَا يضُرُّكُمْ ذُكْرانًا كُنّ أوْ إِناثًا» ، أَرَادَ شَاة الْعَقِيقَة يجوز، ذكرا كَانَ أوْ أُنْثَى، وَيخْتَص بِمَا يجوز أضْحِية، ورُوِي عنْ أمِّ كُرزٍ، قالتْ: سمِعْت النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُول: «عنِ الغُلامِ شَاتَان مُكافِئتانِ، وعنِ الْجارِيةِ شاةٌ» ، قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: مُكافِئتانِ مستويتان، أوْ مقاربتان، يُرِيد أَلا تكون إِحْداهُما مِمَّا يجوز أضْحِية، وَالْأُخْرَى دونهَا فِي السن.
وَقَالَ مالِك: لَيست الْعَقِيقَة بواجبة، وَلَكِن يسْتَحبّ الْعَمَل بِها، فَمن عق عنْ وَلَده، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة النّسك والضحايا، لَا يجوز فِيها عرجاء، وَلَا مَكْسُورَة، وَلَا عجفاء، وَلَا مَرِيضَة، وَلَا عوراء، وَلَا يُبَاع من لَحمهَا شيْء، وَلَا من جلدهَا، وَلَا يكسر عظامها، وَيَأْكُل أَهلهَا من لَحمهَا، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَلَا يُمسُّ الصبيُّ بِشَيْء من دَمهَا.
وَقَالَ عَطاء: العقيقةُ تُقطع أعضاؤها، وتطبخ بماءٍ وملح.
وَقَالَ الْحسن، وَابْن سِيرِين: الْأُضْحِية تُجزئ من الْعَقِيقَة، وسُئل عنِ الْعَقِيقَة، فَقَالَ: هِي مثل الْأُضْحِية، كُلْ مِنْهَا وأطعِم.
وَقَالَ مُحمّد بْن إِبْراهِيم بْن الْحارِث(11/267)
التّيميُّ: سمِعْت أبِي يسْتَحبّ الْعَقِيقَة وَلَو بعصفور.
وَعَن ربيعَة أنّهُ كَانَ يستحبُّ أَن يعقُّ عنِ الصّبِي وَلَو بعصفور، أوْ دجاجةٍ، ورُوِي فِي الْعَقِيقَة الإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم.
وقدْ رُوِي فِي وَقت ذبح الْعَقِيقَة عنِ الْحسن، عنْ سَمُرَة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الغُلامُ مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ تُذْبحُ عنْهُ يوْم السّابِع، ويُسمّى، ويُحْلقُ رأْسُهُ» ، وقدْ تكلم النّاس فِي معنى قوْله: «مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ» ، أجودُها مَا قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: أَن مَعْنَاهُ أنّهُ إِن مَاتَ طفْلا ولمْ يُعقّ عَنهُ لمْ يشفّع فِي وَالِديهِ، ويُرْوى عنْ قَتَادَة أيْضًا أنّهُ يُحرمُ شفاعتهم.
وقِيل: «مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ» ، أَي: بأذى شعره، وهُو معنى قوْله: «أمِيطُوا عنْهُ الْأَذَى» .
واستحبُّ أهلُ الْعلم ذبح الْعَقِيقَة يوْم السَّابِع من ولادَة الْمَوْلُود، فإِن لمْ يتهيأ، فَيوم الرَّابِع عشر، فإِن لمْ يتهيأ فَيوم إِحْدَى وعِشْرِين، ثُمّ بعد الذّبْح يحلق رَأسه.
ويُرْوى عنْ عائِشة: «شَاتَان عنِ الْغُلَام، وشاةٌ عنِ الْجَارِيَة تطبخ جُدولا لَا يُكسر لَهَا عظمٌ، فتأكل وَتطعم، وَتَتَصَدَّق وَيكون ذلِك فِي الْيَوْم السَّابِع، فإِن لمْ يكن، فَفِي أَربع عشرَة، فإِن لمْ تفعل، فَفِي إِحْدَى وعِشْرِين» .
قوْله: «جُدُولا» ، أَي: أَعْضَاء، والجدْل: الْعُضْو بِفَتْح الْجِيم.(11/268)
وَاسْتحبَّ غيرُ وَاحِد من أهْل الْعِلْمِ أَن لَا يُسمى الصبيُّ قبل السَّابِعَة، رُوِي ذلِك عنِ الْحسن، وبِهِ قَالَ مالِك، ويُرْوى فِي الْحدِيث: «ويْدمى» ، مَكَان قوْله: «ويُسمّى» ، ورُوِي عنِ الْحسن، أنّهُ قَالَ: يطلى رَأس الْمَوْلُود بِدَم الْعَقِيقَة، وَكَانَ قَتَادَة يصف الدَّم، فيقُول: إِذا ذبحت الْعَقِيقَة تُؤْخَذ صوفةٌ مِنْهَا، فيُستقبل بِها أوداجُ الذَّبِيحَة، ثُمّ تُوضَع على يافوخ الصبيِّ حتّى إِذا سَالَ شبه الْخَيط، غسل رَأسه ثُمّ حلق بعدُ.
وَكره أكْثر أهْل الْعِلْمِ لطخ رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة، وقالُوا: كَانَ ذلِك من عمل الْجاهِلِيّة، وضعّفوا رِوَايَة من رواهُ «ويدْمى» ، وقالُوا: إِنّما هِي: «ويُسمّى» ، ويُرْوى لطخ الرَّأْس بالخلوقِ والزعفران مَكَان الدَّم.
قَالَ الإِمامُ: وَصَحَّ عنْ ثَابت، عنْ أنسٍ، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِد لِي اللّيْلة غُلامٌ، فسمّيْتُهُ بِاسْمِ أبِي إِبْراهِيم» ، فَفِيهِ تعجيلُ تَسْمِيَة الْمَوْلُود حَالَة مَا يُولد.(11/269)
2819 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَعْرِ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَزَيْنَبَ، وَأُمِّ كُلْثُومٍ، فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً»
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَقَّ عَنْ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ شَاةً، وَأَمَرَ فَاطِمَةَ يَوْمَ سَابِعِهِ حِينَ يُحْلَقُ شَعْرُهُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ» ، فَوَزَنَ شَعْرَهُ، فَوَجَدَ دِرْهَمًا وَشَيئًا، أَوْ دِرْهَمًا إِلا شَيْئًا، فَتُصُدِّقَ بِهِ ورُوِي وزن شعر الْحسن وَالْحُسَيْن رطبا حِين حُلِقا.
ورُوِي عنْ علِي بْن الْحُسيْن، عنْ أبِي رَافع، قَالَ: لما ولدت فَاطِمَة حسنا، قالتْ: يَا رسُول اللهِ، أَلا أعقُّ عنِ ابْني بدمٍ؟ قَالَ: «لَا، ولكِن احْلِقِي شعْرهُ، فتصدّقِي بِوزْنِهِ مِن الورقِ على الأوْفاضِ، أوْ على المساكِينِ» ، فَفعلت ذلِك، فلمّا ولدت حُسَيْنًا، فعلت مثل ذلِك.
قَالَ شريك: الأوفاض: أهل الصّفة، قَالَ أبُو عُبيد: هُم الفِرقُ(11/270)
من النّاس، والأخلاط، وَقَالَ الْفراء: هُم الّذِين مَعَ كُل وَاحِد مِنْهُم وفضةٌ يُلقى فِيها طَعَامه، وهِي مثل الكِنانة الصّغِيرة.
وقِيل فِي قوْلِهِ عليْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما قالتْ لهُ فَاطِمَة: أَلا أعقُّ عنِ ابْني؟ ، قَالَ: «لَا» ، أَرَادَ أَن يكُون النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُو الّذِي يعقُّ عَنهُ، فإِنّهُ رُوِي أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقّ عنِ الْحسن وَالْحُسَيْن.
وَيسْتَحب تَسْمِيَة السِّقط، رُوِي أَن عبْد الرَّحْمَن بْن زيْد بْن مُعاوِية، قَالَ عِنْد عُمر بْن عبْد الْعزِيز: بَلغنِي أَن السِّقط يسْعَى يوْم الْقِيامة وَرَاء أبِيهِ، يقُول: أنْت ضيعتني، تَرَكتنِي بِلَا اسْم لي، فَقَالَ عُمر بْن عبْد الْعزِيز، كَيفَ وقدْ يكُون شيْئًا لَا يُدرى أغلامًا يكُون أم جَارِيَة، فَقَالَ عبْد الرَّحْمَن: إِن من ذلِك أَسمَاء تجمع الْغُلَام وَالْجَارِيَة: حَمْزَة، وَعمارَة، وَطَلْحَة، وعنبسة.
ورُوِي عنْ مُحمّد بْن سِيرِين، أنّهُ يُسمّي الطّفْل وَإِن لمْ يستهلّ.
بابُ التّحْنِيكِ
2820 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: وُلِدَ لِي غُلامٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ(11/271)
إِلَيَّ» ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْر بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ هُو مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ
وفِيهِ دلِيلٌ على تَعْجِيل تَسْمِيَة الْمَوْلُود.
2821 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ أَبُو عُبيد: التحنيك أَن يُمضغ التَّمْر، ثُمّ يدلك حنك الصبيِّ دَاخل فَمه، يُقَال مِنْهُ: حنكتهُ وحنّكتهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد، فهُو محنوك ومحنّك.
قَالَ إِبْراهِيم التّيْمِي: كانُوا يحبونَ للصبيِّ إِذا تكلم أَن(11/272)
يلقنوه لَا إِلَه إِلَّا الله سبع مَرَّات، فَيكون ذلِك أول شيْء يتَكَلَّم بِهِ.
بابُ الأذانِ فِي أُذنِ الْموْلُودِ
2822 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرَكَانِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلاةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
رُوِي أَن عُمر بْن عبْد الْعزِيز كَانَ يُؤذِّنُ فِي اليُمْنى ويُقِيمْ فِي اليُسْرى إِذا وُلِد الصّبِيُّ.(11/273)
كِتابُ الأطْعِمةِ
بابُ التسْمِيةِ على الأكْلِ والْحمْد فِي آخِرِهِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُس: 10] ، رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ فِي قوْلِهِ عزّ وجلّ: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يُونُس: 10] ، قَالَ: كلما اشْتهى أهْلُ الجنّة شيْئًا، قالُوا: سُبْحانك اللهُمّ، فيجِيئُهُمْ كَمَا يشْتهُون، فإِذا طعِمُوا مِمّا آتاهُمُ اللهُ، قَالُوا: الحمْدُ للهِ ربِّ العالمِين، فذلِك آخِر دعْواهُمْ.
2823 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلامًا فِي حِجْرِ(11/274)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ.
هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ
ورُوِي عنْ أنس، قَالَ: قَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذكُرُوا اسْم اللهِ، ولْيأْكُلْ كُلُّ رجُلٌ مِمّا يلِيه»
2824 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ الْيَافِعِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقُرِّبَ طَعَامٌ، فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا، وَلا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي آخِرِهِ.
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ: «إِنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا، ثُمَّ قَعَدَ مَنْ أَكَلَ، وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهِ، فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ» .(11/275)
ورُوِي عنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ»
2825 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا هِشَامٌ الدُّسْتُوَائِيُّ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ سَمَّى، لَكَفَاكُمْ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
2826 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عَلَى طَعَامِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ(11/276)
أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
2827 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ثَوْرٍ
قوْله: «غيْر مُودّعٍ» ، أَي: غير مَتْرُوك الطّلب إِليْهِ، وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضُّحَى: 3] ، أَي: مَا تَركك،(11/277)
وَمعنى الْمَتْرُوك: المستغني عَنهُ، وَقَرَأَ بعْضهم غيْر مُودِّع، أَي: غيْر تَارِك طَاعَة رَبِّي.
2828 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُزْرَجٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَوَكِيعٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، قَالُوا: نَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
2829 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ،(11/278)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» .
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ رَبَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، فَقَالَ حَفْصٌ: عَنِ ابْنِ أَخِي أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ: عَنْ مَوْلًى لأَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
2830 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَا بُهْلُولٌ الأَنْبَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَة، نَا لَيْثٌ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ، وَشَرِبَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا»(11/279)
2831 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّفْلِيسِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالا: نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ، أَوْ يَشْرَبُ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ
2832 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ كَالصَّائِمِ الصَّابِرِ» .(11/280)
وَرَواهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمقْبُرِيِّ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ: شُكْرُ الطَّعَامِ: أَنْ تُسَمِّيَ إِذَا أَكَلْتَ، وَتَحْمَدَهُ إِذَا فَرَغْتَ(11/281)
بابُ الْوُضُوءِ عِنْد الطّعامِ
2833 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ» .
قَال أبُو عِيسى: لَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلا مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهُو يُضعّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَانِيُّ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ دِينَارٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْبَيِّعُ، بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا قَيْسٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ(11/282)
2835 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلا نَأْتِيكَ بِوُضُوءٍ؟ قَالَ: «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ سُفْيَانُ الثّوْرِيُّ يَكْرَهُ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُوَضَعَ الرَّغِيفُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ.(11/283)
بابُ النَّهْي عنِ الأكْلِ بِالشِّمالِ
2836 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ، فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبْ بِشِمَالِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ
بابُ الأكْلِ على السّفرِ
2837 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا بُنْدَارٌ.
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ(11/284)
كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا أَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ، وَلا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ» ، قَالَ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى هَذِهِ السُّفَرِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ مُعَاذٍ، وَيُونُسَ، هَذَا هُو يُونُسُ الإِسْكَافُ
بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مُتكِئًا
2838 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ(11/285)
بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا»
هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ، أخْرجهُ مُحمّد، عنْ أبِي نُعيم، عنْ مسعرٍ، قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: يحْسب أكْثر الْعَامَّة أَن المت هُو المائلُ الْمُعْتَمد على أحد شقيه، وَلَيْسَ معنى الْحدِيث مَا ذَهَبُوا إليْهِ، وَإِنَّمَا المتكئ هَاهُنَا هُو الْمُعْتَمد على الوِطاء الّذِي تَحْتَهُ، وكلُّ من اسْتَوَى قَاعِدا على وطاء فهُو متكئ، وَالْمعْنَى: إِنِّي إِذا أكلتُ، لمْ أقعد مُتَمَكنًا على الأوطئة فِعل من يُرِيد أَن يستكثِر من الْأَطْعِمَة، وَلَكِنِّي آكلُ عُلقة من الطَّعَام، فَيكون قعودي مستوفزًا لهُ، ورُوِي أنّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أكل احْتفز، وَقَالَ: «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ» .
ورُوِي أنّهُ عليْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أُهْدِي إليْهِ هَدِيَّة، فَلم يجد شيْئًا يَضَعهُ عليْهِ، فَقَالَ: «ضَعْهُ بالْحَضِيضِ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» ، والحضيض: الأرْض، ورُوِي أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زجر أنْ يعْتمِد الإِنْسانُ على يدِهِ اليُسْرى، إِذا كَانَ يأْكُلُ»
2839 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ(11/286)
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، نَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلْ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، مُتَّكِئًا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ، فَأَصْغَى بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ تُصِيبَ جَبْهَتُهُ الأَرْضَ، قَالَ: «لَا، بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ»
2840 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابَتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مُتَّكِئًا قَطُّ، وَلا يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلانِ»(11/287)
2841 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ مُسْلِمٍ الأَعْوَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ» .
وَكَانَ ابْنُ سِيرِين، وَالزُّهْرِيُّ لَا يَرَيَانِ بِالأَكْلِ مُتَّكِئًا بَأْسًا، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَاد: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا
بابُ الأكْلِ مُقْعِيًا
2842 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا مُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ،(11/288)
فَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ وَهُوَ مُقْعٍ مِنَ الْجُوعِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ مُصْعَبٍ، وَأَخْرَجَهُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُصْعَبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ، فَجَعَلَ يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِزٌ يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلا حَثِيثًا»
قوْله: «وهُو محتفِزٌ» ، أَي: مستجعلٌ مستوفزٌ غيْر مُتَمَكن، وَالرجل يتحفزُ فِي جُلُوسه كأنّهُ يثور إِلى الْقيام.
وقوْله: «مُقْعٍ» ، فالإقعاءُ: أَن يجلس على ورِكيْهِ، وهُو الاحتفاز أيْضًا، وقوْله حثيثًا، أَي: سَرِيعا، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الْأَعْرَاف: 54] .
بابُ لَا يعِيبُ الطَّعَام
2843 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ(11/289)
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلا تَرَكَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ
بابُ مَا كَانَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأْكُلُهُ
2844 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ، وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: «مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مُرَقَّقًا، وَلا شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى(11/290)
لَقِيَ اللَّهَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
2845 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: «مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاخِلُ؟ ، قَالَ: «مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلا مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ» ، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: «كُنَّا نَطْحَنُهُ، وَنَنْفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ، فَأَكَلْنَاهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(11/291)
قوْله: ثرّيناه، أَي: بللناه بِالْمَاءِ، وَأَصله من الثرى وهُو التُّرَاب النديُّ.
قَالَ عُمر بْن الخطّاب: لَا تنخلوا الدَّقِيق، فإِنّهُ كُله طَعَام.
بابُ
أكْلِ الشِّوَاءِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69] ، والحنِيذُ: المشْوِيُّ على الرِّضفِ، وهُو الحِجارةُ.
2846 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، وَمَا تَوَضَّأَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
2847 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،(11/292)
أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: «أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِوَاءً فِي الْمَسْجِدِ»
2848 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: " ضِفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَنْبٍ، فَشُوِيَ، ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَجَعَلَ يَحُزُّ لِي بِهَا مِنْهُ، قَالَ: فَجَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ تَرِبَتْ يَدَاهُ، قَالَ: وَكَانَ شَارِبُهُ وَفَاءً، فَقَالَ لِي: أَقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِوَاكٍ، أَوْ قُصَّهُ(11/293)
عَلَى سِوَاكٍ "
قوْله: «ترِبتُ يداهُ» ، كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد اللوم، وَمَعْنَاهَا: الدُّعَاء بالفقر والعدم، وقدْ يطلقونها، وَلَا يُرِيدُونَ وُقُوع الْأَمر، كَمَا يَقُولُونَ: عقْرى، حلْقى، وَيَقُولُونَ: لَا وَالله، وبلى وَالله، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الْيمِين.
قوْله: «أقُّصُّهُ لَك على سِوَاكٍ» ، قَالَ الإِمامُ: قدْ رُوِي أَن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رأى رجُلا طَوِيل الشَّارِب، فَدَعَا بسواك وشفرة، فَوضع السِّوَاك تَحت شَاربه ثُمّ جزّهُ» .
2849 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، سَمِعَ جَابِرًا.
ح قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ،(11/294)
فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارٍ، فَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَتَتْهُ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلظُّهُرِ، وَصَلَّى، ثُمّ انْصَرَفَ، فَأَتَتْ بِعُلالَةٍ مِنْ عُلالَةِ الشَّاةِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
العُلالَةُ: أَرَادَ بَقِيَّةَ لَحْمِهَا، وَيُقَالُ لِبَقِيَّةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَلِبَقِيَّةِ جَرْيِ الْفَرَسِ، وَلِبَقِيَّةِ قُوَّةِ الشَّيْخِ: عُلالةٌ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَلَلِ وَهُو الشُّرْبُ الثَّانِي.
وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: عُلالةُ الشَّاةِ: مَا يُتَعلَّلُ بِهِ شَيْء بَعْدَ شَيْءٍ
2850 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، أَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَكَلَ، وَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَلَمْ نُزِدْ عَلَى أَنْ مَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالْحَصْبَاءِ» .(11/295)
وفِيهِ مِنَ الأَدَبِ أَنَّ مَنْ أُهدِيَ إلَيْهِ طَعَامٌ وَهُو فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ، فَهُمْ شُرَكَاؤُهُ فِيهَا» .
قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الأَمْوَالِ، لأَنَّ الأَطْعِمَةَ تَتَسَارَعَ إِلَيْهَا شَهْوَةُ الإِنْسَانِ، وَتَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةُ، وَيُجْرَى فِيهَا الْمُسَامَحَةُ دُونَ غَيْرِهَا
بابُ مَا كَانَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب من اللَّحْم
2851 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ(11/296)
إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَشَ مِنْهَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَأَبُو حَيَّانَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ اسْمُهُ هَرِمٌ
ورُوِي عنْ عائِشة، قالتْ: «مَا كَانَ الذِّراع بأحبِّ اللّحم إِلى رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكِنّهُ كَانَ لَا يجِدُ اللّحْم إِلّا غِبًّا، وَكَانَ يعْجلُ إِليْها، لأنّهُ أعْجلها نُضْجًا» .
قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث اسْتِحْبَاب نهش اللَّحْم، والنهسُ: أخذُ مَا على الْعظم من اللَّحْم بأطراف الْأَسْنَان، والنهش بالشين الْمُعْجَمَة بالأضراس.
وقدْ رُوِي بِإِسْنَاد غَرِيب عنْ عبْد اللهِ بْن الْحارِث، قَالَ: زَوجنِي أبِي، فَدَعَا أُناسًا فيهم صفون بْن أُميَّة، فَقَالَ: إِنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «انْهشُوا اللّحْم نهْشًا، فإِنّهُ أهْنأُ وأمْرأُ» .(11/297)
وَقد استحبّ أهْل الْعِلْمِ نهش اللَّحْم على مَذْهَب التَّوَاضُع، وَطرح الكبرِ، وَالْقطع بالسكين مباحٌ، وَالدَّلِيل عليْهِ مَا.
2852 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَلْقَاهَا، وَالسِّكِّينَ الَّذِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قوْله: " يحتزُّ من الحزِّ وهُو قطعٌ يتَقَدَّر بمبلغ الْحَاجة، وَمِنْه الحُزة وهِي الْقطعَة من اللَّحْم.
ورُوِي عنِ الشّعْبِيِّ، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: «أُتِي النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجبنةٍ فِي تبْوك، فَدَعَا بِسِكِّين فسمّى وَقطع» .(11/298)
2853 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أَحْمَدَ، نَا مِسْعَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ فَهْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُولُ: «إِنَّ أَطْيَبَ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ»
2854 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ فَهْمٍ، قَالَ يَحْيَى: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ»
بابُ الثَّرِيد والتلبينة
قَالَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فضْلُ عائِشة على النِّساء كفضْلِ الثّريدِ على الطّعامِ» .
وَقَالَ عِتْبانُ بنْ مالِكٍ: حبسْناهُ على(11/299)
خزيْرةٍ صنعْنا.
2855 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلُهَا، وَخَاصَّتُهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ، فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْملِكِ بْنِ شُعيْبِ(11/300)
بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
التلبينة: حساءٌ يُعمل من دَقِيق، أوْ من نُخالة، وَرُبمَا يُجعل فِيها عسل، سميت تلبينة تَشْبِيها باللبنِ، لبياضها ورقتها.
قوْله: «مُجِمّةٌ» ، أَي: يسرو عَنهُ همه، وفِي الْحدِيث فِي السفرجل «أنّها تُجِمُّ الفؤادُ» ، أَي: تُريحه، وتُكمِلُ نشاطهُ.
2856 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الْحِسَاءِ أَنَّهُ يَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ، وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ»
قوْله: «يرتو» ، أَي: يقويهِ ويشدُّهُ، وقِيل: قدْ يكُون الرتو(11/301)
شدًا وإرخاء، وقوْله: «يسْرو عنْ فُؤْاد السّقيمِ» ، أَي: يكْشف عنْ فُؤَاده، يُقَال: سروتُ الثَّوْب، وسريتهُ: إِذا نضوتهُ، وَمِنْه قوْله: «سُرِّي عنْهُ» ، أَي: كُشِف عنْهُ الْخَوْف.
2857 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ» .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَعْنِي مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالضَّمُّ فِيهِ أَفْصَحُ
بابُ الْمرقِ والدُّبّاءِ
2858 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ(11/302)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ، وَقَدِيدٌ، قَالَ أَنَسٌ: «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ» ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «يَتَّبِعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حُرُوفِ الْقَصْعَةِ» .
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ: «فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، جَعَلْتُ أُلْقِيهِ إِلَيْهِ، وَلا أَطْعَمُهُ» .
وَقَالَ ثَابِتٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: «فَمَا صُنِعَ لِي طَعَامٌ بَعْدُ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ دُبَّاءٌ إِلا صُنِعَ»
2860 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ،(11/303)
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ مَعِي أُمُّ سُلَيْمٍ بِشَيْءٍ مِنْ رُطَبٍ فِي مِكْتَلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي بَيْتِهِ، فَذَهَبْتُ قَرِيبًا، فَإِذَا هُوَ عِنْدَ خَيَّاطٍ مَوْلًى لَهُ صَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ لَحْمٌ، وَدُبَّاءٌ، «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الدُّبَّاءُ، فَجَعَلْتُ أَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَوَضَعْتُ الْمِكْتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يَأْكُلُ، وَيَقْسِمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمِكْتَلِ شَيْءٌ»
قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أَن الطَّعَام إِذا كَانَ مُخْتَلفا يجوز أَن يمدّ يَده إِلى مَا لَا يَلِيهِ، أوْ إِذا لمْ يعرف من صَاحبه كَرَاهِيَة.
ورُوِي بِإِسْنَاد غَرِيب عنْ عُبيْد الله بْن عكراش، عنْ أبِيهِ عكراش بْن ذُؤَيْب، قَالَ: أَتَيْنَا بجفنةٍ كَثِيرَة الثَّرِيد، فخبطتُّ بيَدي فِي نَوَاحِيهَا، فَقَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلْ مِنْ موْضِعٍ واحِدٍ فإِنّهُ طعامٌ واحِدٌ» ، ثُمّ أُتينا بطبق فِيهِ ألوان التَّمْر، فَجعلت آكلُ من بيْن يديّ، وجالت يدُ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّبَق، فَقَالَ: «يَا عِكْراشُ، كُلْ مِنْ حيْثُ شِئْت، فإِنّهُ غيْرُ لوْنٍ» .
2861 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،(11/304)
أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الدُّبَّاءُ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، وَدُعِيَ لَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ، فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ»
قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ يجوز أَن يُناول بعضُ الضَّيْف بَعْضًا، قَالَ ابْن الْمُبَارك: لَا بَأْس أَن يناول بعضُهم بَعْضًا، وَلَا يناولُ من هَذِه الْمَائِدَة إِلى مائدة أُخْرَى.
2862 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ دُبَّاءً يُقَطَّعُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «نُكَثِّرُ بِهِ طَعَامَنَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَجَابِرٌ هَذَا هُو جَابِرُ بْنُ طَارِقٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي طَارِقٍ، وَهُو رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يُعْرَفُ لَهُ إِلا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَكِيمُ بْنُ جَابِرِ بْنِ طَارِقِ بْنِ عَوْفٍ الْكُوفِيُّ الأَحْمَسِيُّ، سَمِعَ أَبَاهُ وَعُمَرَ(11/305)
وَحدثنَا المطّهر بْن علِي، أَنا مُحمّد بْن إِبْراهِيم الصالحاني، أَنا عبْد الله بْن مُحمّد بْن جعْفر، حدّثنِي مُحمّد بْن يعْقُوب الْأَهْوَازِي، نَا أحْمد بْن الْمِقْدَام، نَا عثّام، نَا إِسْماعِيل بْن أبِي خالِد، بِهذا الْإِسْنَاد مثله.
بابُ السِّلْقِ والشّعِيرِ
2863 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ عَلِيٌّ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «مَهْ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ نَاقِهٌ» ، قَالَ: فَجَلَسَ عَلِيٌّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا، وَشَعِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، مِنْ هَذَا فَأَصِبْ، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ» .(11/306)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُليْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ
الدوالي: بُسرٌ يُعلّقُ، فإِذا أرطب، أُكِل، واحدتها: داليةٌ.
2864 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «إِنَّا كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا، زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى، وَلا نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلا وَدَكٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(11/307)
بابُ الحلْواءِ والْعسلِ
2865 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالُوا: أَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، وَالْعَسَلَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ، مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ
2866 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، نَا سِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَسَلَ، وَالْحَلْوَاءَ»(11/308)
بابُ الخلِّ
2867 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: معنى هَذَا الْكَلَام مدحُ الاقتصاد فِي المآكِل، وَمنع النَّفس عنْ ملاذ الْأَطْعِمَة، وفِيهِ من الْفِقْه أَن من حلف لَا يأتدمُ، وَلَا يأكلُ خبْزًا بإدامٍ، فَأَكله بخلِّ يحنثُ.
2868 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،(11/309)
عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صحِيحٌ أخْرجهُ مُسْلِم، عنْ أبِي بكْر بْن أبِي شيْبة، عنْ يزِيد بْن هارُون
2869 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَنَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: لَا، إِلَّا خُبْزٌ يَابِسٌ وَخَلٌّ، فَقَالَ: «هَاتِي، مَا أَقْفَرَ بَيْتٌ مِنْ أُدُمٍ فِيهِ خَلٌّ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
قوْله: «مَا أقفر» ، مَأْخُوذ من القفار، وهُو كلُّ طعامٍ يُؤكل بِلَا أُدمٍ، يُقَال: أكلتُ طَعَاما قفارًا، إِذا أَكلته غيْر مأدوم، وَمِنْه الأرْض القفرُ الّتِي لَا شيْء فِيها.(11/310)
بِابُ أكْلِ الزّيتِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 20] ، أيْ: تُنْبِتُ مَا يكُونُ فِيهِ الدُّهْنُ، وَقَالَ الأزْهرِيُّ: تنْبُتُ وفِيها دُهْنٌ، وَمَعَهَا دُهْنٌ، كَمَا يُقالُ: جَاءَ زيْدٌ بالسَّيْفِ، أيْ: معهُ السّيْفُ، وَقَالَ اللهُ عزّ وجلّ: {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 20] ، يعْني الزّيْت يصْطبِغُ بِهِ الآكِلُ، ويُقالُ لمِا يُؤْتدمُ بِهِ: صِبْغٌ وصِباغٌ.
2870 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَاسِمُ بْنُ بَكْرٍ الطَّيَالِسِيُّ، نَا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيُّ، نَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَطَاءٍ الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ، وَلَيْسَ بِابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَوْ أَبِي أَسِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الزَّيْتَ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» .(11/311)
قَال الإِمامُ: وَهَكَذَا قَالَ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ عَلَى الشَّكِّ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ الأنْصَارِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالأَصَحُّ بِالْفَتْحِ
2871 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الزَّيْتَ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى
وَيُرْوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَدَاوَى مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ، وَالزَّيْتِ» .
وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْعَتُ الزَّيْتَ، وَالْوَرْسَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ.(11/312)
بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مِنْ وسطِ القصْعةِ
2873 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَقَالَ: «كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا، وَلا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ.(11/313)
بابُ لعْقِ الأصابِعِ
2873 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا أَكَلَ، لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ» .
وَبِهِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِسْلاتِ الْقَصْعَةِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يُدْرَى فِي أَيِّ طَعَامِهِ يُبَارَكُ فِيهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ حَمَّادٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيلْعَقْ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ»
2874 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو خَالِدٍ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبٍ،(11/314)
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْكُلُ بِثَلاثَةِ أَصَابِعَ، وَلا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ
2875 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ
2876 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «(11/315)
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ، فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فِإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
2877 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، نَا الْمُعَلَّى الْهُذَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عَاصِمٍ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِسِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُ: نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ، وَنَحْنُ نَأْكُلُ فِي قَصْعَةٍ، فَقَالَ لَنَا: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ، ثُمَّ لَحَسَهَا، اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ» .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الْمُعَلَّى بْنِ رَاشِدٍ الْهذلِيِّ أَبُو الْيَمَانِ(11/316)
بابُ كراهِيةِ الْبيْتوتةِ وَفِي يدِهِ غمرٌ
2878 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ لَمْ يَغْسِلْهُ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
بابُ المُؤْمِنُ يأْكُلُ فِي معي واحِدٍ
2879 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ(11/317)
الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ
2880 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى، فَشَرِبَ حِلابَهَا حَتَّى شَرِبَ حِلابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ، فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى، فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ(11/318)
الْمُؤْمِنَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ هَذَا خَاصًّا لِهَذَا الرَّجُلِ، لأَنَّكَ تَرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَكْثُرُ أَكْلُهُ، مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يَقِلُّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَحَدِيثُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خُلف لَهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: نُرى ذلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِتَسْمِيَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ الْبَرَكَةُ، وَقِيلَ: هُو مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيا، وَلِلْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَى الدُّنْيا، فَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بُلغةً وَقُوتًا عِنْد الْحَاجَةِ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ شَهْوَةً وَحِرصًا طَلَبًا لِلَذَّةٍ، فَهَذَا يُشْبِعُهُ الْقَلِيلُ، وَذَلِكَ لَا يُشْبِعُهُ إِلا كَثِيرٌ(11/319)
بابُ طعامِ الاثْنيْنِ يكْفِي الثَّلَاثَة
2881 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي ثَلاثَةٍ، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
2882 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، نَا رَوْحٌ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يكْفِي الثَّمَانِيَةَ» .(11/320)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَمِثْلُهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَكَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ، عَنْ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: تَأْوِيلُهُ: شِبَعُ الْوَاحِدِ قُوتُ الاثْنَيْنِ، وَشِبَعُ الاثْنَيْنِ قُوتُ أَرْبَعٍ
قَالَ عبْد الله بْن عُرْوَة: تَفْسِير هَذَا مَا قَالَ عُمر عَام الرَّمَادَة: لقدْ هممتُ أَن أُنْزِل على أهل كلِّ بيتٍ مثل عَددهمْ، فإِن الرجل لَا يهلِك على نصف بَطْنه.
بابُ التّمْرِ
2883 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِسْحَاقُ هُوَ الأَزْرَقُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلَّا إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ،(11/321)
عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، وَقَالَ: قَالَتْ: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ يَوْمَيْنِ مِنْ خُبْزٍ بُرٍّ إِلا وَأَحَدهُمَا تَمْرٌ»
2884 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
2885 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ طَحْلاءُ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ» .
قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(11/322)
2886 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الأَعْوَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْرِ الشَّعِيرِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، فَقَالَ: هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ "، وَأَكَلَ
قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ لَو حلف أَن لَا يَأْكُل خبْزًا بإدام، فَأَكله بِتَمْر يَحْنَث، وكذلِك الْملح، والثومُ، والبصلُ، وَقَالَ أبُو حنِيفة رَحمَه الله: لَا يحنثُ إِلَّا بمائع يُصطبغ بِهِ مثل الْخلّ، وَالزَّيْت، والمُرِّي، وَاللَّبن، وَمَا أشبه ذلِك.
2887 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ فَضَالَةَ، نَا ابْنُ مُصَفًّى، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ، يَقُولُ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ أَبِي بِتَمْرٍ وَسُوَيْقٍ، «فَجَعَلَ يَأْكُلُ التَّمْرَ،(11/323)
وَيُلْقِي النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إِصْبُعَيْهِ، ثُمَّ يُلْقِيهِ» .
يَعْنِي: السَّبَّابَةَ، وَالْوُسْطَى.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَّنَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ شُعْبَةَ
وَقَالَ أنس: رَأَيْت عُمر بْن الخطّاب، وهُو يؤمئذ أمِير الْمُؤْمِنيِن يطْرَح لهُ صاعٌ من تمرٍ، فيأكلها حتّى يَأْكُل حشفها.
بابُ مَا فِي التّمْرِ مِن الشِّفاءِ
2888 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِيَالِيُّ، حَفِيدُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَيَّالِ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْخُزَاعِيُّ يُعْرَفُ بِفَضْلانَ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ(11/324)
تَمَرَاتٍ عَجْوَةً مِمَّا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ أَبِي طَوَالَةَ
2889 - أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، وَإِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ
2890 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، سَمِعْتُ سَعْدًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ» .(11/325)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ
قوْله: «منْ تصبّح» ، أَي: أكل صباحًا قبل أَن يطعم شيْئًا، وَكَونهَا نافعة من السمِّ وَالسحر، قِيل: إِنّما هُو من طَرِيق التَّبَرُّك بدعوة سبقت من النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورُوِي بِإِسْنَاد غَرِيب عنْ أبِي سَلمَة، عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العجْوةُ مِن الجنّةِ فِيها شِفاءٌ مِنَ السُّمِّ، والكمْأةُ مِن المنِّ، وماؤُها شِفَاءٌ لِلْعيْنِ» .(11/326)
ورُوِي عنْ مُجَاهِد، عنْ سعدٍ، قَالَ: مَرضت مَرضا أَتَانِي رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودنِي، فَوضع يَده بيْن ثدييّ حتّى وجدتُ بردهَا على فُؤَادِي، وَقَالَ: «إِنّك رجُلٌ مفْئُودٌ، وأْتِ الحارِث بْن كلدة أَخا ثقيفٍ، فإِنّهُ رجُلٌ يتطبّبُ، فلْيأْخُذْ سبْع تمراتٍ مِنْ عجْوةِ المديِنةِ، فلْيجأْهُنّ بِنواهُنّ ثُمّ لِيلدك بِهِنّ» .
قوْله: «فلْيجأهُنّ» أَي: فليدقهُنّ، وَمِنْه أُخِذت الوجيئة، وهِي المدقوقة حتّى يلْزم بعضه بَعْضًا، وَمِنْه أُخِذ الوِجاء، كَمَا جَاءَ فِي الْحدِيث: «الصّوْمُ لهُ وِجاءٌ» .
بابُ النَّهْي عنْ أَن يقرن بيْن تمرتين
2891 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ، نَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرِنَ(11/327)
الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ
قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز المناهدة فِي الطَّعَام، وَكَانَ المُسْلِمُون لَا يرَوْنَ بِها بَأْسا، وَإِن تفاوتوا فِي الْأكل عَادَة إِذا لمْ يقْصد مغالبة صَاحبه.
قَالَ أبُو سُليْمان: إِنّما جَاءَ النَّهْي عنِ القِران لعلةٍ معلومةٍ، وهِي مَا كَانَ القومُ فِيهِ من شدَّة الْعَيْش، وضيق الطَّعَام، فإِذا اجْتَمعُوا على الْأكل وَكَانَ الطَّعَام مشفوهًا، وفِي الْقَوْم من بلغ بِهِ الجوعُ الشدَّة، فهُو يُشفق من فنائه قبل أَن يَأْخُذ حَاجته مِنْهُ، فَرُبمَا قرن بيْن التمرتين، أوْ عظّم اللُّقْمَة، فأرشد النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى الْأَدَب فِيهِ، وَأمر بالاستئذان ليستطيب بِهِ أنفس أصْحابه، وأمّا الْيَوْم، فقدْ كثر الْخَيْر، واتسعت الْحَال، وَصَارَ النّاس إِذا اجْتَمعُوا، تلاطفوا على الْأكل، فهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلى الاسْتِئْذَان، فِي مثل ذلِك إِلَّا أَن يحدث حَال من الضّيق تَدْعُو الضَّرُورَة فِيها إِلى مثل ذلِك، واللهُ أعْلمُ.
2892 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا(11/328)
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، نَا عَبْدُ السَّلامِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَنْبِذُ إِلَيْنَا التَّمْرَ تَمْرَ الْعَجْوَةِ، وَكُنَّا عُزَّابًا، فَكَانَ إِذَا قَرَنَ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ قَرَنْتُ، فَأَقْرِنُوا»
بابُ الجمْع بيْن الشّيْئيْنِ فِي الأكْلِ
2893 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
2894 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ(11/329)
الْبَصْرِيُّ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنِ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَزَادَ وَيَقُولُ: «يَكْسِرُ حَرُّ هَذَا بَرْدَ هَذَا، وَبَرْدُ هَذَا حَرَّ هَذَا»
2895 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: بَعَثَنِي مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، وَعَلَيْهِ أَجْرٌ مِنْ قِثَّاءٍ زُغْبٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُحِبُّ الْقِثَّاءَ» ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا «وَعِنْدَهُ حِلْيَةٌ قَدْ(11/330)
قَدِمَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَمَلأَ يَدَهُ مِنْهَا، فَأَعْطَانِيهِ»
قَوْله: «أجْرٍ» ، الأجري: هِي الْجمع الْأَدْنَى للجِرو، وهِي صغَار القِثّاء وَالرُّمَّان، والجِراء جمع الْجمع، يُقَال لشجرته: قدْ أجرت، فإِذا قوي، فهُو الحدجُ، وقدْ أحدجت شجرتُه.
ويُرْوى: أُهْدِي إِلى رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضغابِيس.
قَالَ أبُو عبيدٍ: هُو شبة صغارِ القثاء تُؤْكَل وهِي الشعارير أيْضًا
بابُ الْكمْأةِ
2896 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ،(11/331)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءُ الْعَيْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحّتِهِ، ورواهُ مُسْلِم، عنِ ابْن أبِي عُمر، عنْ سُفْيان، وَقَالَ: الكمْأةُ مِن المنِّ الّذِي أنْزلِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرائِيلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ للْعيْنِ
قوْله: «مِن الْمنِّ» ، قِيل: مَعْنَاهُ أنّهُ شيْء يُنْبِتُهُ الله من غيْر سعي أحد، وَلَا مُؤنَة بِمَنْزِلَة المنِّ الّذِي كَانَ يُنزّلُ على بني إِسْرَائِيل، وقوْله: «وماؤُه شِفاءٌ للعين» ، مَعْنَاهُ أَن مَاؤُهَا يُخْلطُ بالأدوية فينفع، ليْس مَعْنَاهُ أَن يُقطر مَاؤُهَا بحتًا فِي الْعين، ورُوِي عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: أخذْتُ ثلاثةُ أكْمُؤ، أوْ خمْسًا، أوْ سبْعًا، فعصرْتُهُنّ، فجعلْتُ ماءهُنّ فِي قارُورةٍ، كحّلْتُ بِها جارِيةً لي فبرأتْ.
2897 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ»(11/332)
2898 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِيُّ، نَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الأَرْضِ، وَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ، وَالْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
بابُ الْكباثِ وهُو ثمرُ الأراكِ
2899 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/333)
بِمَرِّ الظِّهَرانِ نَجْنِي الْكَبَاثِ، فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُ» ، فَقِيلَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا رَعَاهَا؟» .
هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قوْله: نجْنِي الكِباث، أَي: النّضيج من ثَمَر الْأَرَاك، والكباث: ثمرُ الْأَرَاك، وَيُقَال لهُ: البريز أيْضًا، وقوْله: «وهلْ مِنْ نبيٍّ إِلّا رعاها» ، قَالَ الْخطّابِيُّ، يُرِيد أَن الله لمْ يضع النُّبُوَّة فِي أَبنَاء الدُّنْيا وملوكها، لَكِن فِي رعاء الشَّاء وَأهل التَّوَاضُع من أصْحاب الحِرفِ، كَمَا رُوِي أَن أَيُّوب كَانَ خياطًا، وزكرِيّا كَانَ نجارًا، وقدْ قصّ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى من نبإ مُوسى، وكونِه أَجِيرا لشعيب عَلَيْهِمَا السّلام فِي رعي الْغنم مَا قصّ
بابُ كيْلِ الطّعامِ
3000 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ،(11/334)
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبْارَكْ لَكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
بابُ إِكْرامِ الضّيْفِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] ، قِيل: أكْرمهُمْ إِبْراهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتعْجيلِ قِراهُمْ، والقِيامِ بنفْسِهِ عليْهِمْ، وطلاقةِ الوجْهِ، وقِيل: كانُوا مكرمِين عِنْد الله عزّ وجلّ، لأنهُمْ كانُوا ملائِكةً، كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 26] .
3001 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفِرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا شُعَيْبُ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُخْبِرُ،(11/335)
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ» ، وَفِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى: " أَوْ لِيَسْكُتْ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
3002 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالَيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ(11/336)
بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ» حَتَّى يُخْرِجَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
قوْله: «جائِزتُهُ يوْمٌ وليْلةٌ» ، سُئِلَ عنْ ذلِك مالِك بْن أنس، فَقَالَ: يُكرمه ويتحفه يَوْمًا وَلَيْلَة.
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: يُرِيد أَن يتَكَلَّف لهُ فِي الْيَوْم الأول بِمَا اتَّسع لهُ من برِّ وإلطاف، وَيقدم لهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ، وَلَا يزِيد على عَادَته، وَمَا كَانَ بعد الثَّلَاث، فهُو صَدَقَة، ومعروفٌ، إِن شَاءَ فعل، وَإِن شَاءَ ترك.
قُلْت: قدْ صَحَّ عنْ عبْد الحميد بْن جعْفر، عنْ سعِيد المقبريِّ، عنْ أبِي شُرَيْح، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الضِّيافةُ ثلاثةُ أيّامٍ وجائِزتُهُ يوْمٌ وليْلةٌ» .
قَالَ الإِمامُ: فَهَذَا يدل على أَن الْجَائِزَة بعد الضِّيَافَة، وهِي أَن يُعْطِيهِ(11/337)
مَا يجوز بِهِ مَسَافَة يوْم وَلَيْلَة، والجيزة قدر مَا يجوز بِهِ الْمُسَافِر من منهلٍ إِلى منهلٍ.
وقوْله: «وَلَا يحل لهُ أَن يثوي عِنْده حتّى يُخرجه» ، ويُرْوى: «أنْ يُقِيم عِنْدهُ حتّى يُؤْثِمهُ» ، يُرِيد أنّهُ لَا يحل للضيف أَن يُقيم بعد الثَّلَاث من نزل بِهِ من غيْر استدعاء مِنْهُ حتّى يضيق صَدره، وأصل الْحَرج: الضّيق.
قوْله: «حَتَّى يُؤْثِمهُ» ، يُقَال: آثمهُ بالمدِّ: إِذا أوقعه بالإثم، وأثّمهُ بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ لهُ: أثِمت.
فإِن حبسهُ عذرٌ من مطر، أوْ علةٍ، أنْفق من مَال نَفسه.
وَلَو أَن رجُلا خَافَ أمرا، فأوى إِلى رجل، فهُو ضيفٌ، عليْهِ إيواؤهُ وإكرامه إِن لمْ يكن أحدث حَدثا، فإِنّهُ جَاءَ فِي الْحدِيث: «منْ أحْدث حَدثا، أوْ آوى مُحْدِثًا، فعليْهِ لعْنةُ الله» .
قَالَ جابِر بْن عبْدِ اللهِ: هَلَاك الرجل أَن يدخُل عليْهِ الرجل من إخوانه، فيحتقر مَا فِي بَيته أَن يقدمهُ إليْهِ، وهلاك الْقَوْم أَن يحتقروا مَا قُدِّم إِلَيْهِم.
وَكَانَ سلمَان إِذا دخل عليْهِ رجل، فَدَعَا بِمَا حضر خبْزًا ومِلحًا، وَقَالَ: لَوْلَا أنّا نُهينا أَن يتَكَلَّف بَعْضنَا لبَعض، لتكلّفتُ لَك، وقِيل للأوزاعي: مَا إكرام الضَّيْف؟ قَالَ: بشاشةُ الْوَجْه.(11/338)
بابُ حقِّ الضّيْفِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النِّسَاء: 148] ، قَالَ مُجاهِدٌ: هُو الرّجُلُ ينْزِلُ بالرّجُلِ، فَلَا يُضيِّفُهُ، وَلَا يقْرِيهِ، فَلَا بَأْس أنْ يقُول: لمْ تُضِفْني ولمْ تقْرِني.
3003 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِالْقَوْمِ، فَلا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ، فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ، فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» .(11/339)
هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ أَيْضًا، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ
قَالَ أبُو عِيسى: معنى هَذَا الْحدِيث: أَنهم كانُوا يخرجُون فِي الْغَزْو، ويمرُّون بِقوم، وَلَا يَجدونَ من الطَّعَام مَا يشْتَرونَ بثمنٍ، فَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَبَوا أنْ يبيعُوا إِلّا أنْ تأْخُذُوا كرْهًا فخُذُوا» .
هَكَذَا رُوِي فِي بعْض الْحدِيث مُفسرًا، وقدْ رُوِي عنْ عُمر بْن الخطّاب أنّهُ كَانَ يأمرُ نَحْو هَذَا.
قَالَ الإِمامُ: وقدْ يكُون مُرروهم على جمَاعَة من أهل الذِّمَّة، وقدْ شَرط الإِمام عَلَيْهِم ضِيَافَة من يمرّ بِهِمْ، فإِن لمْ يَفْعَلُوا، أخذُوا مِنْهُم حقّهم كرها، فَأَما إِذا لمْ يكن شَرط عَلَيْهِم، والنازل غيرُ مُضْطَر، فَلَا يجوز أَخذ مَال الْغَيْر بِغَيْر طيبَة نفس مِنْهُ.
3004 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدَّارَابَجَرْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْجُودِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْمُهَاجِرِ، أَنَّهُ(11/340)
سَمِعَ الْمِقْدَامَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ ضَافَ قَوْمًا، فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرُهُ حَتَّى يَأْخُذَ لَهُ بِقِرَاهُ مِنْ مَالِهِ وَزَرْعِهِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «أَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا، فَلَمْ يُقْرُوهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» ، وَهَذَا فِي الْمُضْطَرِ الَّذِي يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلا يَجِدُ طَعَامًا، فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَالَ الْغَيْرِ
واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أنّهُ هَل يجب ضمانُ قِيمَته أم لَا؟ فَذهب قوم إِلى وجوب الْقيمَة وهُو قِيَاس الشّافِعِي، وَذهب جمَاعَة من أهل الْحدِيث إِلى أنّهُ لَا ضَمَان عليْهِ، فَأَما من لَا ضَرُورَة بِهِ، فَلَا يجوز لهُ أَن يَأْخُذ مَال الْغَيْر إِلَّا بطيبِ نفس مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُضْطَر إِذا وجد ميتَة وَمَال الْغَيْر، فَقَالَ قوم: يَأْكُل مَال الْغَيْر، وَيضمن قِيمَته، وبِهِ قَالَ عبْد الله بْن دِينار، وَقَالَ قوم: يأكلُ الْميتَة، وهُو قوْل سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، وَزيد بْن أسلم.(11/341)
بابُ دُعاءِ الضّيْفِ لِصاحِبِ الطّعامِ
أكل رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيْتِ سعْدِ بنِ عُبادة زبيبًا، فلمّا فرغ، قَالَ: «أكل طعامكُم الأبْرارُ، وصلّتْ عليْكُم الملائِكةُ، وأفْطر عِنْدكُم الصّائِمُون» .
3005 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجُ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(11/342)
ورُوِي عنْ عبْد الله بْن بُسرٍ، قَالَ: نزل رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبِي، فَقَرَّبْنَا إِليْهِ طَعَاما ووطبة، فَأكل مِنْهَا، ثُمّ أُتِيِ بِتمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلهُ، ويُلقي النَّوَى بيْن إصبعيه، وَيجمع السبابَة وَالْوُسْطَى، ثُمّ أُتِي بشراب، فشربه، ثُمّ نَاوَلَهُ الّذِي عنْ يَمِينه.
قَالَ: فَقَالَ أبِي: وَأخذ بلجام دَابَّته، ادعُ الله لنا، فَقَالَ: «اللُّهُم بارِكْ لهُمْ فِيما رزقْتهُمْ، وأَغْفِرْ لهُمْ، وارْحَمْهُمْ» .
بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْأَنْعَام: 145] ، قوْلُهُ: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، قِيل: معْناهُ لَا يبْغِي، فيأْكُلهُ غيْر مُضْطرٍّ إليْهِ، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: لَا يعْدُو شِبعهُ.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: لَا يتجاوزُ القدْر الّذِي أُبِيح لهُ، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: لَا يقصرُ عنْهُ، فَلَا يأْكُلُ.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: غيْر طالِبِها وهُو يجِدُ غيْرها، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: غيْر مُتعدّ(11/343)
مَا حُدّ لهُ.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: غيْر ظالِمٍ بِتحْلِيلِ مَا حرّم الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145] ، أيْ: غيْر مُجاوِزٍ القصْد.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] أيْ: غيْر خارِجٍ عنِ السُّلْطانِ، أَو قاطِعٍ للطّريقِ، فإِنْ خرج لِمعْصِيةٍ لِفسادٍ فِي الأرْضِ، أوْ لِقطْعِ طريقٍ، فاضْطُرّ إِلى ميْتةٍ لَا يحِلُّ لهُ تناوُلُها، وهُو قوْلُ مُجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبيْرٍ، وإِليهِ ذهب الشّافِعِيُّ، ولمْ يُجوِّزِ التّرخُّص لأحدٍ خرج لِسفرِ معْصِيةٍ، وجوّز أصْحابُ الرّأْيِ الترخُّص للعاصِي بِسفرِهِ، وقالُوا: البغْيُ والعُدْوانُ راجِعانِ إِلى الأكْلِ.
وَقَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَة: 3] ، والمخْمصةْ: المجاعةُ، لِأَن البطْن يضْمُرُ بِها، قوْلُهُ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [الْمَائِدَة: 3] ، أيْ: غيْر مائِلٍ إِلى حرامٍ، ويُقالُ للمائِلِ: أجْنفُ، ومِنْهُ قوْلُهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [الْبَقَرَة: 182] قَالَ مسروقٌ: من اضْطُرّ إِلى الميْتةِ وَالدّمِ ولحْمِ الخنْزيرِ، فلمْ يأْكُلُ ولمْ يشْربُ حتّى يمُوت، دخل النّار.
قَالَ معْمرٌ: ولمْ أسْمعُ فِي الخمْرِ رُخْصةً، قَالَ(11/344)
الزهْريُّ: لَا يحِلُّ شُرْبُ أبْوالِ النّاسِ لِشِدّةٍ تنْزِلُ بِهِ، لأنهُ رِجْسٌ، قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [الْمَائِدَة: 4] .
3006 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيِّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُقْبَةَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنِ الْفُجَيْعِ الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: «مَا طَعَامُكُمْ؟» قُلْنَا: نَغْتَبِقُ، وَنصْطَبِحُ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَسَّرَهُ لِي عُقْبَةُ: قَدَحٌ غُدْوَةً، وَقَدَحٌ عَشِيَّةً.
قَالَ: «ذَلِكَ وَأَبِي الْجُوعُ، فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ» عَلَى هَذِهِ الْحَالِ
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: الغبوقُ: الْعشَاء، والصّبُوح: الْغَدَاء، والقدحُ من اللَّبن بالغداةِ، والقدحُ بالعشيِّ يُمسكُ الرّمق ويُقيم النَّفس،(11/345)
وَإِن كَانَ لَا يُشْبعُ الشِّبع التَّام، وقدْ أَبَاحَ لهُمْ مَعَ ذلِك تنَاول الْميتَة، فَكَانَ دلَالَته أَن تنَاول الْميتَة مُبَاح إِلى أَن تَأْخُذ النَّفس حَاجَتهَا من الْقُوت، وتشبع، وَإِلَى هَذَا ذهب مالِك بْن أنس، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، لِأَن الْحَاجة مِنْهُ قَائِمَة إِلى الطَّعَام.
وَقَالَ أبُو حنِيفة: لَا يجوز أَن يتَنَاوَل مِنْهُ إِلَّا قدر مَا يُمسك رمقه وهُو القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ، وإِليْهِ ذهب المزنيُّ، وذلِك لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الِابْتِدَاء بِهذِهِ الْحَال، لمْ يجز لهُ أَن يَأْكُل شيْئًا مِنْهَا، فَكَذَلِك إِذا بلغَهَا بعد تنَاولهَا، ورُوِي نَحْو هَذَا عنِ الْحسنِ الْبصْرِيِّ، وَقَالَ قَتَادَة: لَا يتضلعُ مِنْهَا.
قَالَ الإِمامُ الْحدِيث يدل على أَن الْمُضْطَر إِذا وجد من الطَّعَام الْمُبَاح مَا يُمسك رمقه، فتناوله، ولمْ يحصل مِنْهُ الشِّبَع، جَازَ لهُ تناولُ الْميتَة أيْضًا حتّى يشْبع، لِأَن الْقدح من اللَّبن بِالْغَدَاةِ، والقدح بالعشيِّ يمسك رمقه، وَمَعَ ذلِك أَبَاحَ لهُ الْميتَة، فَأَما من كَانَ مُحْتَاجا إِلى الطَّعَام، ولمْ يبلغ حَالَة الِاضْطِرَار بِأَن كَانَ لَا يخَاف على نَفسه التّلف، فاتفقوا على أنّهُ لَا يحلُّ لهُ تنَاول الْميتَة، وَقَالَ مالِك: الْمُضْطَر إِلى الميتةِ يَأْكُل مِنْهَا حتّى يشْبع ويتزود مِنْهَا، فإِن وجد عنْها غنى، طرحها.
3007 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَكُونُ(11/346)
بِالأَرْضِ فَيُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ، فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: «مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا، أَوْ تَحْتَفِئُوا بِهَا بَقْلا، فَشَأْنَكُمْ بِهَا»
قوْله: «أوْ تحْتفِئُوا بِها بقْلا» ، قَالَ أبُو عُبيْد: أنّهُ من الحفاء مَهْمُوز مَقْصُور، وهُو أصل البردي الْأَبْيَض الرطب مِنْهُ، وهُو يُؤْكَل، يقُول: مَا لمْ تقتلعوا هَذَا بِعَيْنِه، فتأكلوه، وقِيل: صَوَابه «مَا لمْ تحتفوها بِها بقلا» مخفف الْفَاء غيْر مَهْمُوز وكل شيْء استؤصل فقد احتفى، وَمِنْه إحفاء الشّعْر، يُقَال: احتفى الرجل يحتفي: إِذا أَخذ من وَجه الأرْض بأطراف أصابِعه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أعرف «تحتفئوا» ، وَلَكِن أَرَاهَا «تختفوا» ، يقُول بِالْخَاءِ مُعْجمَة، أَي: تقتلعونه من الأرْض وتظهرونه، يُقَال: اختفيت الشَّيْء، أَي: أخرجته، وَمِنْه سمي النباش المختفي، لِأَنَّهُ يسْتَخْرج الأكفان، يُقَال: خفيت الشَّيْء: إِذا أظهرته، وأخفيته: إِذا سترته.
وَقَرَأَ الْحسن: 0 أكاد أخفيها 0، بِالْفَتْح، أَي: أظهرها.
قَالَ أَعْرَابِي: لَعَلَّهَا تجتفئوا، يعْنِي بِالْجِيم، أَي: تقتلعونه وترمون بِهِ من قَوْلك: جفأتُ الرجل: إِذا ضربت بِهِ الأرْض، وجفأتِ القِدرُ بزبدها، إِذا رمت.
قَالَ أبُو عُبيْد: معنى الْحدِيث إِنّما لكم مِنْهَا، يعْنِي من الْميتَة الصبوحُ: وهُو الْغَدَاء، أوِ الغبوق: وهُو الْعشَاء، يقُول: فليْس لكم أَن تجمعوهما من الميتةِ، وأنكروا هَذَا عنْ أبِي عُبيد،(11/347)
وقالُوا: مَعْنَاهُ إِذا لمْ تَجدوا صَبُوحًا أوْ غبوقًا، ولمْ تَجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الْميتَة، فإِذا اصطبح الرجل لَبَنًا، أوْ تغدى بِطَعَام لمْ يحلّ لهُ نَهَاره ذلِك أكل الْميتَة، وكذلِك إِذا تعشّى، أوْ شرب غبوقًا، فَلم يحل لهُ ليلته تِلْك، لِأَنَّهُ يتبلّغ بِتِلْكَ الشربة.
وإِذا مرّ الْمُضْطَر بِتَمْر، أوْ زرع، أوْ مَاشِيَة للْغَيْر، أكل مِنْهَا ولمْ يكن لمَالِكه منعهُ، فإِن منع، كَانَ فِي دَمه.(11/348)
كِتابُ الأشْرِبةِ
بِابُ تحْرِيمِ الْخمْرِ
قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [الْمَائِدَة: 90] ، وَقَالَ اللهُ عزّ وجلّ: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النَّحْل: 67] ، قِيل: نزل هَذَا قبْل تحْرِيم الخمْرِ.
قَالَ ابنُ عبّاسٍ: السّكرُ: مَا حُرِّم وهُو الخمْرُ، والرِّزْقُ الحسنْ، مَا بقِي حَلَالا وهُو الأعْنابُ، والتُّمورُ، والسّكرُ: اسْمٌ لِما يُسْكِرُ.
3008 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْدَةَ الْعَطَّارِيُّ، أَدَامَ اللَّهُ ظِلَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ(11/349)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ، فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
3009 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
وصحّ عنْ أبِي مُوسى، قَالَ: بَعَثَنِي رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنا ومعاذ بْن جبل إِلى الْيمن، فقُلْتُ: يَا رسُول اللهِ، إِن شرابًا يُصنعُ بأرضنا يُقَال لهُ: المِزرُ، من الشّعير، وشرابٌ يُقال لهُ: البِتعُ من الْعَسَل، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ» .
3010 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ(11/350)
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
3011 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، نَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وَثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ، وَالْكَلالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ".(11/351)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وقوْله: «الخمْرُ مَا خامر العقْل» ، أَي: خالطه، وخمر الْعقل، أَي: ستره، وهُو الْمُسكر من الشَّرَاب، وَالْخمر بِفَتْح الْمِيم: مَا سترك من شجر، أوْ بِنَاء، أوْ غَيره، والبِتعُ: نَبِيذ الْعَسَل، والمِزرُ، نَبِيذ الشّعير، وَيُقَال: هُو من الذّرة، والجِعةُ: نَبِيذ الشّعير، والسّكرُ: نَبِيذ التَّمْر الّذِي لمْ تمسهُ النَّار.
قَالَ الإِمامُ: فِي هَذِه الأحادِيث دلِيل وَاضح على بطلَان قوْل من زعم أَن الْخمر إِنّما هِي عصير الْعِنَب، أوِ الرطب النيء الشَّديد مِنْهُ، وعَلى فَسَاد قوْل من زعم، أَن لَا خمر إِلَّا من الْعِنَب، أوِ الزَّبِيب، أوِ الرُّطب، أوِ التَّمْر، بل كُل مُسْكِرٍ خمرٌ، وَأَن الْخمر مَا يخَامر الْعقل.
وقدْ رُوِي عنِ الشّعْبِيِّ، عنِ النُّعْمَان بْن بشير، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنّ مِن العِنبِ خمْرًا، وإِنّ مِن التّمْرِ خمْرًا، وإِنّ مِن العسلِ خمْرًا، وإِنّ مِن البُرِّ خمْرًا، وإِنّ مِن الشّعيرِ خمْرًا» .
فَهَذَا تَصْرِيح بِأَن الْخمر قدْ تكون من غيْر الْعِنَب وَالتَّمْر، وَتَخْصِيص هَذِه الْأَشْيَاء بِالذكر ليْس لما أَن الْخمر لَا تكون(11/352)
إِلَّا من هَذِه الْخَمْسَة، بل كُل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا من ذُرة، وسُلتٍ، وعُصارة شجر، فَحكمه حكمهَا، وتخصيصها بِالذكر، لكَونهَا معهودة فِي ذلِك الزّمان.
وقدْ رُوِي عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخمْرُ مِنْ هاتيْنِ الشّجرتيْنِ: النّخْلةِ، والعِنبةِ "، وَهَذَا لَا يُخَالف حَدِيث النُّعْمَان بْن بشير، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَن مُعظم الْخمر يكُون مِنْهُمَا، وهُو الْأَغْلَب على عادات النّاس فِيمَا يتخذونه من الْخُمُور.
وفِي قوْله: «مَا أسْكر كثِيرُهُ، فقلِيلُهُ حرامٌ» ، دلِيل على أَن التَّحْرِيم فِي جنس الْمُسكر لَا يتَوَقَّف على السُّكر، بل الشّربة الأولى مِنْهُ فِي التَّحْرِيم وَلُزُوم الحدِّ فِي حكم الشّربة الْآخِرَة الّتِي يحصل بِها السكر، لِأَن جمِيع أَجْزَائِهِ فِي المعاونة على السكر سواءٌ، كالزعفران لَا يصْبغ القليلُ مِنْهُ حتّى يُمدّ بِجُزْء بعد جُزْء، فإِذا كثر وَظهر لَونه، كَانَ الصِّبغُ مُضَافا إِلى جمِيع أَجْزَائِهِ لَا إِلى آخر جُزْء مِنْهُ، وَهَذَا قوْل عَامَّة أهل الْحدِيث، وقالُوا: لَو حلف أَلا يشرب الْخمر، فَشرب شرابًا مُسكرًا، يَحْنَث.
قَالَ السَّائِب بْن يزِيد: إِن عُمر، قَالَ: إِنِّي وجدت مِنْ فُلان رِيح شرابٍ، وَزعم أنّهُ شرِب الطِّلاء، وَأَنا سائِلٌ عمّا شرِب، فإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جلدْتُهُ، فجلدهُ الحدّ تامًّا.
وَقَالَ علِي: لَا أُوتي بأحدٍ شرب خمرًا وَلَا نبيذًا مُسكرا إِلَّا جلدته الحدّ.
وَقَالَ ابْن عُمر: كُل مُسكر خمر، وَهَذَا قوْل مالِك، والشّافِعِي.(11/353)
وَقَالَ عبْد الله بْن مسْعُود: السّكرُ خمرٌ، وَمثله عنْ إِبْراهِيم، والشّعْبِي، وَأبي رزين، قالُوا: السّكر خمرٌ.
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك فِي رجل صلى، وفِي ثَوْبه من النَّبِيذ المُسكر بِقدر الدِّرْهَم، أوْ أكْثر: إنّه يُعِيد الصَّلَاة.
وَقَالَ معنٌ: سَأَلت مَالِكًا عنِ الفُقاع، فَقَالَ: إِذا لمْ يُسكر، فَلَا بَأْس بِهِ.
وَسُئِلَ طلْحة بْن مُصرف عنِ النَّبِيذ، فَقَالَ: هِي الْخمر، هِي الْخمر.
بابُ وعيدِ شارِبِ الْخمْرِ
3012 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،(11/354)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
وفِي قوْله: «حُرِمها فِي الآخِرةِ» ، وعيدٌ بِأَنَّهُ لَا يدْخل الْجنّة، لِأَن شراب أهل الْجنّة خمرٌ، إِلَّا أَنهم لَا يُصدّعون عنْها، وَلَا يُنْزِفُون، وَمن دخل الْجنّة لَا يُحرم شرابها.
3013 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ» .(11/355)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3014 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفُورَانِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْمَحْمُودِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجَسِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا صَالِحُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ حَتْمًا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إِلا سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، هَلْ تَدْرُونَ مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ "
3015 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرِ أَنْ يُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» ، قَالُوا: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ(11/356)
أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3016 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟(11/357)
قَالَ: «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
بابُ الْخلِيطيْنِ
3017 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمِّهِ، وَكَانَتْ قَدْ صَلَّتِ الْقِبْلَتَيْنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنِ الْخَلِيطَيْنِ، وَقَالَ: انْبِذُوا كُلَّ وَاحْدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ "(11/358)
3018 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمٌ، نَا هِشَامٌ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَة» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَقَالَ: «لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ، وَالرُّطَبَ»
قَالَ الإِمامُ: اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيم الخليطين، فَذهب جمَاعَة إِلى تَحْرِيمه، وَإِن لمْ يكن الشَّرَاب الْمُتَّخذ مِنْهُ مُسكرًا، لظَاهِر الْحدِيث، وإِليْهِ ذهب عَطاء، وطاوسٌ، وبِهِ قَالَ مالِك، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وقالُوا: من شرب الخليطين قبل حُدُوث الشدَّة فِيهِ، فهُو آثم بِجِهَة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ مشتدًا، فبجهتين إِحْداهُما: شُرب الخليطين، وَالْأُخْرَى: شربُ المُسكر.
رُوِي عنْ جابِر، أنّهُ قَالَ: البُسرُ وَالتَّمْر إِذا خُلِطا خمرٌ.
وَرخّص أصْحاب الرّأْيِ فِي شربه على الْإِطْلَاق، وَرخّص فِيهِ الْأَكْثَرُونَ إِلَّا أَن يكُون مشتدًا مُسكرا.
قَالَ اللَّيْث بْن سعْد: إِنّما جَاءَت الْكَرَاهِيَة أَن يُنبذا جَمِيعًا، لِأَن أَحدهمَا يشدُّ صَاحبه، وَاحْتج من(11/359)
أَبَاحَهُ إِذا لمْ يكن مُسكرًا بِمَا رُوِي عنْ صَفِيَّة بنت عَطِيَّة، عنْ عائِشة، قالتْ: «كنتُ آخذُ قَبْضَة من تمرٍ، وقبضة من زبيب، فألقيه فِي إِنَاء، فأمرُسُهُ، ثُمّ أسقيه النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
بابُ إِباحةِ مَا لَا يُسْكِرُ مِن الأنْبِذةِ
3019 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِم ٍعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ، وَهِيَ الْعَرُوسُ، قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَكَلَ، سَقَتْهُ إِيَّاهُ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ(11/360)
وَقَالَ أبُو غَسَّان، عنْ أبِي حَازِم: بلّتْ تمراتٍ فِي توْرٍ مِنْ حِجارةٍ مِن اللّيْلِ، فلمّا فرغ مِن الطّعامِ، ماثتْهُ لهُ، فسقتْهُ.
ماثته، أَي: مرستهُ بِالْيَدِ، يُقَال: ماث يميث، وماث، يموث: إِذا أذابه فِي المَاء فانماث، أَي: ذاب وانحلّ.
3020 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا حُمَيْدٌ، وَثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْقَدَحِ الشَّرَابَ كُلَّهُ: الْمَاءَ، وَالنَّبِيذَ، وَالْعَسَلَ، وَاللَّبَنَ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ
3021 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ،(11/361)
نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا الثَّقَفِيُّ، نَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ لَهُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ
3022 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيذِ، فَدَعَتْ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً، فَقَالَتْ: سَلْ هَذِهِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: كُنْتُ «أَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَأُوكِئُهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيِّ(11/362)
3023 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، نَا عُبَيْدُ بْنُ عُقَيْلٍ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَيَشْرَبُهُ مِنْ يَوْمِهِ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ يَأْمُرُ أَنْ يُهْرَاقَ» ، وَإِمَّا أَنْ يَشْرَبَهُ بَعْضُ الْخَدَمِ
3024 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنْزِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ أَعْلاهُ، وَلَهُ عَزْلاءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(11/363)
3025 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْبَهْرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُنْبَذُ لَهُ نَبِيذٌ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ، وَاللَّيْلَةَ، وَالْغَدَ، وَلَيْلَتَهُ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَإِذَا أَمْسَى، سَقَاهُ الْخَدَمَ، أَوْ يُهْرِيقُهُ» .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ الْبَهْرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ، وَاللَّيْلَةَ الأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ» .
الْعَزْلاءُ: فَمُ الْمَزَادَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلسِّقَاءِ مِنْ أَسْفَلِهِ
بابُ أحبِّ الشِّرابِ إِلى رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3026 - أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ(11/364)
الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوَ الْبَارِدَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: إِنَّمَا أَسْنَدَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا.
وَهَكَذَا رَوَى يُونُسُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا
بابُ الأوْعِيةِ
3027 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالْحَنْتَمَةِ، وَالنَّقِيرِ» .
وَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .(11/365)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَاهُ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَغَيْرِهِمْ
والدباءُ: القرعُ، والمزفتُ: السقاء الّذِي قدْ زفت، أَي: رُبِّب بالزِّفتِ وهُو القِيرُ، وكذلِك المُقيّرُ.
والحنتمةُ: الجرةُ.
قَالَ أبُو عُبيد: هِي جِرارٌ خضرٌ كَانَت يحملُ فِيها الخلُّ إِلى الْمدِينة.
والنقير: أصل النَّخْلَة ينقرُ، فيتخذُ مِنْهُ أوعية ينبذُ فِيها.
وَالنَّهْي عنْ هَذِه الأوعية، لِأَنَّهَا أوعية متينة، وَلها ضراوة يشتدُّ فِيها النبيذُ، وَلَا يشُعُر بِذلِك صاحبُها، فَيكون على غررٍ من شرِبها.
فَأَما غيْر المربوب من أسقية الأدمِ جلدٌ رقيقٌ إِذا اشْتَدَّ فِيهِ النبيذُ، تقطع وانشقّ، فَلَا يخفى على صَاحبه أمره.(11/366)
وَقد اخْتلف النّاس فِي الانتباذ فِي هَذِه الأوعية، فَذهب قومٌ إِلى بَقَاء الْحَظْر فِيها، يُروى ذلِك عنِ ابْن عُمر، وَابْن عبّاس، وإِليْهِ ذهب مالِك، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَذهب آخَرُونَ إِلى أَن التَّحْرِيم كَانَ فِي صدر الإسْلام، ثُمّ صَار مَنْسُوخا بِحَدِيث بُريْدة الْأَسْلَمِيّ وهُو مَا.
3028 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ إِلَّا فِي ظُرُوفِ الأَدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ
3029 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،(11/367)
عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُنْبَذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَتَوْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ
بابُ تَحْرِيم الشّرْب من آنِية الْفضة
3030 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ(11/368)
مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
قوْله: «يُجرْجِر» ، أَي: يحدُرُ فِيهِ نَار جَهَنَّم.
والجرجرة: صَوت وُقُوع المَاء فِي الْجوف، وَيكون ذلِك عِنْد شدَّة الشّرْب، وأصل الجرجرة الصَّوْت، وَمِنْه قِيل للبعير إِذا صَوت: هُو يُجرجرُ.
3031 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ، وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَيْفٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
3032 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،(11/369)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ «قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» ، قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ، وَشَرِبْتُ مِنْهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وفِي رِوَايَة: قَالَ عاصمٌ: هُو قدحٌ جيدٌ عريضٌ من نُضارٍ، يُقال: النضارُ: شجرُ الأثلِ، وَأَرَادَ أنّهُ من هَذِه الأقداح الحُمرِ، وَيُقَال: النضارُ: النبعُ، وهُو شجرٌ يُتخذُ مِنْهُ القِسِيُّ.
قَالَ الإِمامُ: فِيهِ بَيَان أَن تضبيب الْإِنَاء بقليلٍ من الْفضة عِنْد الْحَاجة جائزٌ، فَأَما الْكثير للزِّينَة، فحرامٌ، أما الْقَلِيل للزِّينَة أوِ الْكثير للْحَاجة فمكروهٌ.
3033 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ الْبَغْدَادِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَدَحَ خَشَبٍ غَلِيظٍ مُضَبَّبٍ بِحَدِيدٍ، فَقَالَ: «يَا ثَابِتُ، هَذَا قَدَحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(11/370)
بابُ كَرَاهِيَة التنفس فِي الْإِنَاء والنفخ فِي الشَّرَاب
3034 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدُّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ، فَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاءَ، فَلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
3035 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَسَنِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرُّوذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَتَنَفَّسْ فِي(11/371)
الإِنَاءِ، وَلا تَنْفُخْ فِيهِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ
3036 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حَبِيبٍ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَبِنِ الْقَدَحَ مِنْ فِيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ» ، فَقَالَ: فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ، قَالَ: «فَأَهْرِقْهَا» .(11/372)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رُوِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمةِ الْقَدحِ، وَأَنْ يُنْفخَ فِي الشَّرَابِ»
قَالَ الخطّابي: إِنّما نهى عنِ الشّرْب من ثلمة الْقدح، لِأَن الثلمة لَا يتماسك عَلَيْهَا شفةُ الشَّارِب، فإِذا شرب مِنْهَا، تصبّب المَاء، وسال على وَجهه وثوبه.
رُوِي عنْ أبِي هُريْرة، «أنّهُ كَانَ يكْرهُ أنْ يشْرب الرّجُلُ مِنْ كسرِ القدحِ، أَو يتوضّأ مِنْهُ» .
وَالنَّهْي عنِ التنفس فِيهِ من أجل مَا يُخاف أَن يبرز من رِيقه، فَيَقَع فِي المَاء، وقدْ تكون النّكهة من بعْض من يشرب متغيرة، فَتعلق الرَّائِحَة بِالْمَاءِ لرقته ولطفه، ثُمّ إِنَّه من فعل الدَّوَابّ إِذا كرعت فِي الْأَوَانِي، جرعت، ثُمّ تنفست فِيها، ثُمّ عَادَتْ فَشَرِبت، فَيكون الْأَحْسَن فِي الْأَدَب أَن يتنفس بعد إبانة الْإِنَاء عنْ فَمه، والنفخ فِيهِ يكُون لأحد مَعْنيين، فإِن كَانَ من حرارة الشَّرَاب، فليصبر حتّى يبرد، وَإِن كَانَ من أجل قذًى، فليُمِطهُ بإصبع، أوْ خلالٍ، أوْ نَحوه.
قَالَ الإِمامُ: وَإِن تعذّر، فليُرِقْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحدِيث.(11/373)
بابُ التّنفُّسِ فِي الشُّرْبِ ثَلَاثًا
3037 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا، وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، كُلٌّ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ
قَالَ الإِمامُ: المُرَاد من الْحدِيث أَن يشرب ثَلَاثًا كلُّ ذلِك يُبينُ الْإِنَاء عنْ فِيهِ، فيتنفس، ثُمّ يعود، وَالْخَبَر الّذِي روينَا أنّهُ نهى عنِ التنفس فِي الْإِنَاء من غيْر أَن يُبينهُ من فِيهِ.
3038 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ(11/374)
حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَمْرَأُ "، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، وَقَالَ: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرأُ، وَأَمْرأُ»
3039 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو يَعْلَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: «هُوَ أَهْنَأُ، وَأَبْرَأُ، وَأَشْفَى» ، قَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا(11/375)
كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى، وَثُلاثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ»
بابُ النّهُيِ عَن الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء وعنِ اخْتِناثِ الأسقية
3040 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3041 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْمُقْرِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،(11/376)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ: اخْتِنَاثُهَا: أَنْ يُقْلَبَ رَأْسُهَا ثُمَّ يُشَرَبَ مِنْهُ
قَالَ الإِمامُ: تَفْسِير الاختناث مَا جَاءَ فِي الْحدِيث، وهُو أَن يثني رَأس السقاء، ويعطفه، وأصل الاختناث: التكسُّر والتثني، وَمِنْه سُمي المخنّثُ لتكسُّرهِ وتثنيِّه.
وَالْمعْنَى فِي النَّهْي عنِ الشّرْب مِنْهُ أنّهُ إِذا دَامَ الشُّرب فِيها، تخنث وتغيرت رائحتها، وقِيل: لِأَنَّهُ رُبّما يكُون فِيهِ دابةٌ، رُوِي عنْ أيُّوب، قَالَ: نُبِّئتُ أَن رجُلا شرب من فِي السقاء، فَخرجت مِنْهُ حيةٌ.
وقدْ رُوِي أَن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لرجل: «اخْنِثْ(11/377)
فَم الإِداوةِ، ثُمّ اشْربْ مِنْ فِيها» .
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكُون النَّهْي إِنّما جَاءَ عنْ ذلِك إِذا شرب من السقاء الْكَبِير دُون الأداوي وَنَحْوهَا، وَيحْتَمل أَن يكُون إِنّما أَبَاحَهُ للضَّرُورَة وَالْحَاجة إليْهِ فِي الْوَقْت، وَإِنَّمَا الْمنْهِي عَنهُ أَن يَتَّخِذهُ الإِنْسان عَادَة.
وقِيل: النَّهْي لِئَلَّا ينصبّ عليْهِ المَاء لسعة فَم الْإِنَاء.
ورُوِي عنْ عِكْرِمة، عنْ أبِي هُريْرة، النهيّ عنِ الشّرْب من فَم السقاء، فَقيل لعكرمة: فَمن الرصاصةِ تُجعلُ فِي السقاء؟ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ إِنّما يُمصُّ مثل الثدي.
بابُ الرُّخْصَة فِيهِ
3042 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ،(11/378)
عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا» ، فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا، فَقَطَعْتُهُ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَيَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ هُو أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ مَوْتًا
3043 - أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ ابْنِ بِنْتِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ» ، فَقَطَعْتُ فَاهَا، فَإِنَّهُ لَعِنْدِي
3044 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا حَسَنُ بْنُ هَارُونَ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ،(11/379)
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، «فَرَأَى قِرْبَةً مُعَلَّقَهً فِيهَا مَاءٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ» ، فَقَامَتْ إِلَيْهَا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَطَعَتْهَا بَعْدَ شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَا يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ بَعْدَ شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بابُ النّهْيِ عنِ الشّرْبِ قائِمًا
3045 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، أَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ
ورُوِي عنْ قَتَادَة، عنْ أنس، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى أنْ يشْرب الرّجُلُ(11/380)
قائِمًا، فَقيل: الأكْلُ؟ قَالَ: ذَاك أشدُّ ".
قَالَ الإِمامُ: وَهَذَا النهيُ نهيُ أدبٍ وإرفاقٍ، ليَكُون تنَاوله على سكونٍ وطمأنينة، فَيكون أبعد من أَن يكُون مِنْهُ فسادٌ.
بابُ الرُّخْصةِ فِيهِ
3046 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَخْلَدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، «فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ(11/381)
3047 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا صَلَّى الظُّهْرَ ثُمّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحْبَةِ الْكُوفَةِ حَتَّى إِذَا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ يَعْنِي الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، أَوْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ: وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ»
ورُوِي عنِ ابْن عُمر، قَالَ: كُنّا «نأْكُلُ على عهْدِ رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحْنُ نمْشِي، ونشْربُ، ونحْنُ قِيامٌ» .
رُوِي عنْ عُمر، وَعُثْمَان، وَعلي، أَنهم كانُوا يشربون قيَاما.(11/382)
3048 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا» .
وَسُئِلَ مَعْمَرٌ عَنِ الرَّجُلِ يَأْكُلُ، وَهُوَ يَمْشِي، فَقَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْمُسَافِرِ.
وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا عَلِيٌّ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ.
وَكَانَ حُذَيْفَةُ يَأْكُلُ رَاكِبًا
بَاب استِعْذابِ الماءِ
3049 - حَدَّثَنَا مُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْفِرْيَابِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسْتَعْذَبُ لَهُ(11/383)
الْمَاءُ مِنْ بِئْرِ سُقْيَا»
3050 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ «يُسْتَعْذَبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّقْيَا» ، وَالسُّقْيَا مِنْ طَرَفِ الْحرَّةِ عِنْد أَرْضِ بَنِي فُلانٍ
بابُ الْبداءة بِالأيْمنِ وشُرْبِ اللّبنِ
قَالَ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النَّحْل: 66] .
3051 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيَرزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،(11/384)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
3052 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَرِبَ قَائِمًا، وَعَلَى يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَاهُ الأَعْرَابِيُّ، وَقَالَ: الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ "
3053 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،(11/385)
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ، وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَتِهِ، «فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا، فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ، وَسَقَيْنَاهُ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ فِي الدَّارِ» ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ نَاحِيَةً، فَقَالَ عُمَرُ: أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ، فَنَاوَلَ الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: «الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ
الدَّاجِن من الشَّاء: الّذِي لَا يخرج إِلى الرَّعْي، وقوْله: «الأيْمنُ فالأيْمنُ» ، فِي إعرابه وَجْهَان، أَحدهمَا: نصبُ النُّون على إِضْمَار «ناوِل» الأيْمن، أوْ «عليْك» ، بالأيمن، ورفعها على معنى الِابْتِدَاء أَي: الأيمنُ أولى.
3054 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بِشَرَابٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟» فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ(11/386)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
قوْله: فتّله فِي يَده، أَي: دَفعه إليْهِ، وأصل التلٌ: الإلقاءُ والصرع، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] ، أَي: أَلْقَاهُ وصرعه، وقوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُتِيتُ بِمفاتِيحِ خزائِنِ الأرْضِ، فتُلّتْ فِي يدِي» .
3055 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ هُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا(11/387)
وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ، فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، «فَشَرِبَ اللَّبَنَ» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ، وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ، آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا» ، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ لَبَنًا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ "، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِي مَكَانَ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَيْمُوَنَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِي خَالَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالَةُ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ
3056 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَيِّخِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْخَمِيسِيُّ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْقِي(11/388)
أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ شَرِبْتَ، فَقَالَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ» ، يَعْنِي شُرْبًا
بابُ إيْكاء الأسْقِيةِ وتخْمِيرِ الآنِيةِ
3057 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا، وَلا يَحِلُّ وِكَاءً،(11/389)
وَلا يَكْشِفُ إِنَاءً، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ
والتخمير: التغطية، والإيكاء: الشدُّ، والوِكاء: الْخَيط الّذِي يُشدُّ بِهِ السقاءُ.
3058 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ(11/390)
جنح اللَّيْل: أول مَا يظلم.
وقوْله: «ولوْ أنْ تعْرضُوا عليْهِ شَيْئا» ، يُرِيد: أَن لمْ تطبقه بغطاء، فَلَا أقل من أَن تعرض عليْهِ شيْئًا، يُقال: عرضتُ الْعود على الْإِنَاء، أعرِضه بِكَسْر الرَّاء فِي قوْل عَامَّة النّاس، إِلَّا الأصمعيّ، فإِنّهُ قَالَ: أعرُضهُ مَضْمُومَة الرَّاء فِي هَذَا خَاصَّة.
3059 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرٍ هُوَ ابْنُ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَفَعَهُ قَالَ: «خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا، وَخَطْفَةً، وَاطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيَلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَكْفِتُوا» ، أَيْ: ضُمُّوهُمْ إِلَيْكُنَّ وَأَدْخِلُوهُمُ الْبُيُوتَ
3060 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، بِهَا،(11/391)
أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلابِ، وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَقِلُّوا الْخُرُوجَ إِذَا هَدَأَتِ الأَرْجُلُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبُثُّ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ لَيْلِهِ مَا يَشَاءُ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا إِذَا أُجِيفَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَغَطُّوا الْجِرَارَ، وَاكْفُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الْقِرَبَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قوْله: «إِذا هدأتِ الأرْجُلُ» ، يعْنِي: إِذا سكنت عنِ الْمَشْي بِاللَّيْلِ، والهدأة: السّكُون.
قوْله: «واكْفُوا الْإِنَاء» ، قَالَ الكِسائي: يُقَال: كفأتُ الْإِنَاء: إِذا كببته، وأكفأته، وكفأته أيْضًا: إِذا أملته.
3061 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو(11/392)
النَّاقِدُ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» .
قَالَ اللَّيْثُ: وَالأَعَاجِمُ يَتّقُّونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الأَوّلِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3062 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُبْعَثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(11/393)
الفواشي: كُل شيْء ينتشر من المَال كالغنم وَالْإِبِل السَّائِمَة، وهِي جمع فَاشِية، يُقَال: أفشى الرجل: إِذا كثر فواشيه.
وَفَحْمَة الْعشَاء: شدَّة سَواد اللَّيْل، وذلِك يكُون فِي أول اللَّيْل، حتّى إِذا سكن فورُه، قلّتِ الظلمَة، شبّه سوَاده بسواد الفحم.
يقُولُ: لَا تسيروا فِي أول اللَّيْل حِين تفورُ الظلمَة، وَلَكِن أمهلوا حتّى تعتدل الظلمَة.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للظلمة بيْن الصَّلَاتَيْنِ: الفحمة، وللظلمة الّتِي بيْن الْعَتَمَة والغداة، العسعسة.
3063 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَذْكُرُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ النَّقيعِ بِإِنَاءٍ مِنَ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمِشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ(11/394)
3064 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ
3065 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ»(11/395)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ
بعونه وَتَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الْحَادِي عشر من شرح السّنة
ويليه الْجُزْء الثَّانِي عشر وأوله
كتاب اللبَاس.(11/396)
كِتَابُ اللِّبَاسِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا} [الْأَعْرَاف: 26] وَقُرِئَ: «وَرِيَاشًا» ، قَالَ القُتَيْبِيُّ: الرِّيشُ وَالرِّيَاشُ: مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ، مِثْلُ اللِّبْسِ وَاللِّبَاسِ، وَالْحَرَمِ وَالْحَرَامِ.
وَقِيلَ: الرِّيَاشُ: الْخِصْبُ وَالْمَعَاشُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرِيشًا} [الْأَعْرَاف: 26] أَيْ: مَالا، وَكُلُّ مَا سَتَرَ الإنْسَانَ، فَهُوَ رِيشٌ، ومِنْهُ رِيشُ الطَّائِرِ، يُقَالُ: تَرَيَّشَ الرَّجُلُ: إِذَا صَارَ ذَا مَالٍ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ.
3066 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ» .(12/3)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ.
3067 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو يَعْلَى نَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " قُلْتُ: أَيُّ اللِّبَاسِ كانَ أَحَبَّ، أَوْ أَعْجَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: الْحِبَرَةُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ.
3068 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصُ» .(12/4)
3069 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ، نَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهُ الْقَمِيصُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ مَرْوَزِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ.
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، يَقُولُ: عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُ أَبِي تُمَيْلَةَ لَا يَذْكُرُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أُمِّهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَصَحُّ.
بَابُ الْجُبَّةِ
3070 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا وَكِيعٌ، نَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ،(12/5)
عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ: «جُبَّةً مِنْ صُوفٍ» .
3071 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ العَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ، وَثَمَّ وَزَّانٌ يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ: «إذَا وَزَنْتَ فَأَرْجِحْ» .(12/6)
بَابُ تَقْصِيرِ الثِّيَابِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] قِيلَ: مَعْنَاهُ: قَصِّرْ، فَإِنَّ تَقْصِيرَهَا طُهْرُهَا، فَإِنَّهُ أَبْقَى، وَأَنْقَى.
3072 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: «كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّصْغِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
الرُّصْغُ: مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ.
3073 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ،(12/7)
وَقَالَ: «كَانَ يَدُ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنَ الرُّصْغِ» .
3074 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
3075 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، كُلُّهُمْ يُخْبِرُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ.(12/8)
3076 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الإِسْبَالُ فِي الإِزَارِ، وَالْقَمِيصِ، وَالْعِمَامَةِ، مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
3077 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ جَرَّ إزَارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، لَمْ ينَظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ:(12/9)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُ لِلْخُيَلاءِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
بَابُ مَوْضِعِ الإِزَارِ
3078 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ نُذَيْرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَضَلَةِ سَاقِي، أَوْ سَاقِهِ، هَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، فَقَالَ: «هذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَهَذَا، وَطَأْطَأَ قَبْضَةً، فَإِنْ أَبَيْتَ(12/10)
فَهَذَا، وَطَأْطَأَ قَبْضَةً، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَلا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3079 - أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْعَلائِيُّ الْبَغَوِيُّ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، بِجُرْجَانَ، نَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، نَا عَمْرٌو، وَهُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ عَمِّهَا، قَالَ: " كُنْتُ أَمْشِي وَعَلَيَّ بُرْدٌ لِي أَجُرُّهُ، قَالَ: فَقَالَ لِي رَجُلٌ: ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى وَأَبْقَى.
قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ.
قَالَ: أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ".
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِشَابٍّ يَمَسُّ إِزَارُهُ الأَرْضَ: «ابْنَ أَخِي! ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ» .(12/11)
3080 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ عَنِ الإِزَارِ، فقَالَ: أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِعِلْمٍ.
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي النَّارِ.
قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا» .
وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاءِ، وَقَالَ: «مَا كَانَ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ، فَهُوَ فِي النَّارِ» .
3081 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فِي النَّارِ» .(12/12)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «فَهُوَ فِي النَّارِ» يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِه فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالآخَرُ: أَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ فِي النَّارِ، أَيْ: هُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فِي النَّارِ» ، أَمِنَ الإِزَارِ، أَمْ مِنَ الْقَدَمِ؟ قَالَ: وَمَا ذَنْبُ الإِزَارِ؟ وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَالْقَمِيصُ فَوْقَ الإِزَارِ، وَالرِّدَاءُ فَوْقَ الْقَمِيصِ» .
بَابُ الرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ فِي جَرِّ الإِزَارِ وَإِسْبَالِ الثَّوْبِ، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُنَّ، وَالنَّهْيِ عَنِ الرَّقِيقِ مِنَ الثِّيَابِ
3082 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ " ذَكَرَ الإِزَارَ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُرْخِي شِبْرًا.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمةَ: إِذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا.
قَالَ:(12/13)
فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ ".
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النُّور: 31] شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فاخْتَمَرْنَ بِهِ ".
وَالْمِرْطُ: كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ.
3083 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاتٌ مُمِيلاتٌ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مائَةِ سَنَةٍ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا.(12/14)
وَدَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ، وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ، وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا.
بَابُ إِطْلاقِ الأَزْرَارِ
3084 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَبَايَعُوهُ، وَإنَّهُ لَمُطْلَقُ الأَزْرَارِ، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، فَمَسَسْتُ الْخَاتَمَ» ، قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلا ابْنَهُ قَطُّ فِي شِتَاءٍ وَلا حَرٍّ، إِلا مُطْلِقَيْ أَزَرَارِهِمَا ".
بَابُ النَّهْيِ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ
3085 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ،(12/15)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، أَوْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ.
أَرَادَ بِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ: أَنْ يَتَجَلَّلَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ، فَلا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: صَمَّاءُ، لأَنَّهُ إِذَا اشْتَمَلَ بِهِ، سَدَّ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ الْمَنَافِذَ، كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلا صَدْعٌ.
وَأَرَادَ «بِالاحْتِبَاءِ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ» : أَنْ يَحْتَبِيَ بِالثَّوْبِ، وَرِجْلاهُ مُتَجَافِيَتَانِ عَنْ بَطْنِهِ، فَيَبْدُو مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ فَرْجِهِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّوْبُ وَاسِعًا قَدْ أَسْبَلَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَى فَرْجِهِ.
قَالَ الإِمَامُ: إِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا لَا يُظْهِرُ عَوْرَتَهُ، فَلا بَأْسَ بِالاحْتِبَاءِ فِيهِ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْتَبٍ بِشَمْلَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ هُدْبُهَا عَلَى قَدَمَيْهِ» .
3086 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ،(12/16)
أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمَيْنِ، وَعَنَ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلاتَيْنِ: صَلاةٍ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنْ صَلاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ صِيَامِ يَوْمِ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَالاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
بَابُ لُبْسِ الْبِيضِ مِنَ الثِّيَابِ
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ» .
3087 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ(12/17)
عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ، فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» .
3088 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلانِ يُقَاتِلانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَن مِسْعَرٍ، عَن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ يَعْنِي: جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ.(12/18)
بَابُ الثِّيَابِ المَصْبُوغَةِ
قَالَ جَابِرٌ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» .
3089 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعْرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ(12/19)
قَالَ الإِمَامُ: الْحُلَّةُ: هِيَ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ، وَهِيَ مِمَّا يُصْبَغُ غَزْلُهَا، ثُمَّ يُنْسَجُ، وَيُسَمَّى عَصْبًا، لأَنَّ غَزْلَهَا يُعْصَبُ، ثُمَّ يُصْبَغُ، ثُمَّ يُنسَجُ، وَمَا رُوِيَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ، وَكَرَاهِيَةِ الْحُمْرَةِ فِي اللِّبَاسِ، فَمُنْصَرِفٌ إِلَى مَا صُبِغَ مِنَ الثِّيَابِ بَعْدَ النَّسْجِ لِلزِّينَةِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لِلزِّينَةِ مِثْلُ الأَسْوَدِ وَالأَكْهَبِ الْمُشْبَعِ، فَغَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ النَّهْيِ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْحُمْرَةَ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ» .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
3090 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي(12/20)
الشَّيْخِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، نَا إِيَادٌ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ»
3091 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّيْمِيِّ: تَيْمِ الرَّبَابِ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي ابْنٌ لِي فَأُرِيتُهُ، فقُلْتُ لَمَّا رَأَيْتُهُ: هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعَرٌ قَدْ عَلاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ.(12/21)
وَأَبُو رِمْثَةَ التَّيْمِيُّ اسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ، وَيُقَالُ: حَبِيبُ بْنُ حَيَّانَ
3092 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَاكِيًا، فَخَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى أُسَامَةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ»
3093 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو خَلِيفَةَ، نَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ حَمَّادٌ: وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى أُسَامَةَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قِطْرِيٌّ»(12/22)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ
3094 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ لُبْسِ القَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ
والقَسِّيُّ: ثِيَابٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا حَرِيرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى بِلادٍ يُقَالُ لَهَا: الْقَسُّ مَفْتُوحَةُ الْقَافِ، وَمُشَدَّدَةُ السِّينِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا الْقَزِّيَّةُ، أَيِ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْقَزِّ، أُبْدِلَتِ الزَّاءُ سِينًا.
قَالَ الإِمَامُ: وَالنَّهْيُ عَنِ القَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ، فَأَمَّا النِّسَاءُ، فَمُبَاحٌ لَهُنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءُ، قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ سِتًّا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسْنَ الْمُعَصْفَرَ» .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَأَى عَلَى رَجُلٍ ثَوْبًا(12/23)
مُعَصْفَرًا، فَقَالَ: «دَعُوا هَذِهِ الْبراقَاتِ لِلنِّسَاءِ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: " مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ؟ فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا، فَقَذَفْتُهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: أَفَلا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلنِّسَاءِ ".
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُعَصْفَرِ: الْمَصْبُوغُ بَعْدَ النَّسْجِ لِلزِّينَةِ، فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ، فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَوْبَيْنِ مُوَرَّدَيْنِ قَدْ مَسَّهُمَا الْعُصْفُرُ، وَكَرِهَ قَوْمٌ مَا صُبِغَ بِالْعُصْفُرِ دُونَ مَا صُبِغَ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ الإِمَامُ: لأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ الأَحْمَرِ زِينَةٌ، وَلا لَهُ رَائِحَةٌ.
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ، وَالمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ»(12/24)
بَابُ لِبَاسِ الصُّوفِ
قَالَ الْمُغِيرَةُ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ»
3095 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: " دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْبَغُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ، فَقَالَتْ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسدَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ(12/25)
بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
قَوْلُهُ: «مُلَبَّدًا» أَيْ: مُرَقَّعًا، وَقَدْ لَبَدْتُ الثَّوْبَ، وَلَبَّدْتُهُ، وَأَلْبَدْتُهُ، يُقَالُ لِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرْقَعُ بِهَا قَبُّ الْقَمِيصِ: الْقَبِيلَةُ، وَلِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرْقَعُ بِهَا صَدْرُ الْقَمِيصِ: اللِّبْدَةُ
3096 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نَا أَبِي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطُ شَعْرٍ أَسْوَدَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا.
وَالْمِرْطُ: كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ
3097 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَطِيبُ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيِّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ أَيُّوبَ الْقُرَشِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَسْلَمَةَ الأَعْوَرِ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ(12/26)
الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ المَمْلُوكِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ»
3098 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا مُسدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: «يَا بُنَيَّ لَوْ رَأَيْتَنَا وَنحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصَابَتْنَا السَّمَاءُ، لَحَسِبْتَ أَنَّ رِيحَنَا رِيحُ الضَّأْنِ»
يُرِيدُ أَنَّ ثِيَابَهُمْ كَانَتْ مِنَ الصُّوفِ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ: رَأَيْتُ سِتَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُونَ الْخَزَّ: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَنَسًا.(12/27)
وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ بُرْنُسًا أَصْفَرَ مِنْ خَزٍّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كِسَاءَ خَزٍّ أَغْبَرَ، كَسَاهُ إِيَّاهُ مَرْوَانُ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِطْرَفًا مِنْ خَزٍّ أَخْضَرَ، كَسَتْهُ إِيَّاهُ عَائِشَةُ.
بَابُ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ عَلَى الرِّجَالِ
3099 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، " رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا(12/28)
وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ» . . . بِهَذَا، وَقَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ.
وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً، وَقَالَ: «شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ»
السِّيَرَاءُ: الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ، وَتُسَمَّى الْمُسَيَّرَ لِلْخُطُوطِ الَّتِي فِيهَا كَالسُّيُورِ، وَقِيلَ: حُلَّةٌ سِيَرَاءُ، كَمَا قَالُوا: نَاقَةٌ عُشَرَاءُ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: السِّيَرَاءُ: بُرودٌ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ.
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ صِلَةِ الأَخِّ الْمُشْرِكِ، وَأَنْ يَبَرَّ مَعَهُ بِالْمَالِ دُونَ الطَّاعَةِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَفِي الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ.
3100 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ(12/29)
بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ، يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» .
وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: لَا تُلْبِسُوا نِسَائَكُمُ الْحَرِيرَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْبُسوا الحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» .
هَذَا حَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ
3101 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ دَاوُدَ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ، فَإِنْ دَخَلَ(12/30)
الجَنَّةَ، لَبِسَهُ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَلَمْ يَلْبَسْهُ هُوَ»
3102 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ «نَهَانَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، أَوْ أَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا: «وَأَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ» وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ ابْنًا لَهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَخَرَّقَهُ(12/31)
بَابُ قَدْرِ مَا يُرَخَّصُ فِيهِ مِنَ الحَرِيرِ
3103 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ النَّهْدِيَّ يَقُولُ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَنَحْنُ بأَذْرَبيِجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدِ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ إِلا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إِلا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ» .
وَقَالَ قَتَادَةُ: «رَخَّصَ عُمَرُ فِي مَوْضِعِ أُصْبُعٍ وَأُصْبُعَيْنِ وَثَلاثٍ وَأَرْبَعٍ مِنْ أَعْلامِ الْحَرِيرِ» .(12/32)
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَخْرَجَتْ أَسْمَاءُ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةً، لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَلَمَّا قُبِضَتْ، قَبْضَتُهَا، «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا» ، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى لِيُسْتَشْفَى بِهَا
3104 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبَانٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا حَجَّاجٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ خَتِنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَتْ لَهُ جُبَّهٌ مِنْ طَيَالِسَةٍ مَكْفُوفَةٌ بِالدِّيبَاجِ يَلْقَى فِيهَا العَدُوَّ» .
وَرُوِيَ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّمَا نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُصْمَتِ مِنَ الْحَرِيرِ، فَأَمَّا الْعِلْمُ مِنَ الْحَرِيرِ، وَسُدَى الثَّوْبِ، فَلا بَأْسَ بِهِ» .
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، إِنَّهُ أُتِيَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ سَاجٌ مَزْرُورٌ بِالدِّيبَاجِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَعْلامَ الْحَرِيرِ فِي الثِّيَابِ»(12/33)
بَابُ الرُّخْصَةِ للرِّجَالِ فِي لِبْسِ الحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ والقَمْلِ
3105 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا، حَدَّثَهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حَكَّةٍ كانَتْ بهِمَا» .
حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ
3106 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامُ، نَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسًا، أَخْبَرَهُ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ(12/34)
العَوَّامِ شَكَوْا إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القَمْلَ، فَرخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فيِ غَزَاةٍ لَهُمَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ثَابِتٌ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ لَبِسَ رَانَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ فِي فَزْعَةٍ فَزِعَهَا النَّاسُ
بَابُ الرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ فِي لِبْسِ الْحَرِيرِ
3107 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَهْدَى إِلَيَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقَتْها بَيْنَ نِسَائِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ(12/35)
3108 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ» .
قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفُوا فِي افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ(12/36)
بَابُ الْعِمَامَةِ وَالتَّقَنُّعِ
قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: «هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلا مُتَقَنِّعًا» .
3109 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَمَّ، سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» ، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَرَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمًا يَفْعَلانِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
3110 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ(12/37)
الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ التَّوْزِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَمَّ، سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» .
قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعلُ ذَلِكَ
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ» .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ خُرَّبُوذَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: «عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ مُعْتَمًّا، قَدْ أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ(12/38)
وَمِنْ خَلْفِهِ، فَلا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَطْوَلُ، وَرَأَيْتُهُ مُصَفِّرَ لِحْيَتَهُ، وَرَأَيْتُهُ مُحَلِّلَ أَزْرَارَ الْقَمِيصِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ جَالِسٌ.
قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ فِي الَّذِي يُلْوِي الْعِمَّةَ، وَلا يَجْعَلَهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، قَالَ: تِلْكَ عِمَّةُ الشَّيْطَانِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ» ، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ» .
وَأَرَادَ بِالْعِصَابَةِ: الْعِمَامَةَ.
قَوْلُهُ: دَسْمَاءُ، أَيْ: سَوْدَاءُ.
وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُكْرَهُ الْقِنَاعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلا مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، وَمَا عَلِمْتُهُ حَرَامًا، وَلَيْسَ التَّقْنِيعُ مِنْ لِبَاسِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَكُنْتُ أَرَى أَبَا النَّضْرِ يُقنِّعُ رَأْسَهُ فِي الشِّتَاءِ مِنَ الْبَرْدِ.
قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ رَأَتْ بَعْضَ وَلَدِهَا مُقَنِّعًا رَأْسَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْشِفْ عَنْ رَأْسِكَ، فَإِنَّ الْقِنَاعَ زِينَةٌ بِاللَّيْلِ، مَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ.(12/39)
بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا
3111 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: " كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ باسْمِهِ عِمَامَةً، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ، وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ ".(12/40)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنَا أَبُو يَعْلَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا الْجُرَيْرِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِزَارًا كَانَ، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ عِمَامَةً»
3112 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ،(12/41)
فَقَالَ: أَجَدِيدٌ قَمِيصُكَ هَذَا، أَمْ غَسِيلٌ؟ قَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، فَقَالَ: الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا "
3113 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ: " أُتِيَ النُّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ الخَمِيصَةَ؟ فَأُسْكِتَ القَوْمُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ، فَأُتِيَ بِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: أَبْلِي وَأَخْلِقِي مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ،(12/42)
وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا، وَيا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا "، وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْحَسَنُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: " قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَا جُوَيْرِيَةٌ، فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصةً لَهَا أَعْلامٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الأَعْلامَ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: سَنَاهُ "
3114 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخُشَاشُ، حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، قَالا: نَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/43)
إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا لَبِسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .
عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ
بَابُ تَرْقِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَذَاذَةِ وَالاحْتِرَازِ عَنِ الشُّهْرَةِ
3115 - حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً، أَنا أَبُو بِشْرٍ طَاهِرُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَبَّادِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ ظَفْرٍ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، نَا صَالِحُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي، فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ،(12/44)
وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ، وَلا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: صَالِحُ بْنُ حَسَّانٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ.
قَالَ أَنَسٌ: «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلاثٍ، لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ» .
وَعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تَسْمَعُونَ أَلا تَسْمَعُونَ، الْبَذَاذَةُ مِنَ الإِيمَانِ، إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ» .
الْبَذَاذَةُ: الْقَهْلُ، وَرَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ.
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا»(12/45)
3116 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ مُهَاجِرٍ الشَّامِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ»
3117 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْديَّ يَقُولُ: " أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَنَحْنُ بأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّزِرُوا، وَارْتَدُوا، وَانْتَعِلُوا، وَأَلْقُوا الْخِفَافَ، وَأَلْقُوا السَّرَاوِيلاتِ، وَعَليْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ، فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ، وَتَمَعْدَدُوا، وَاخْشَوْشِنُوا، وَاخْشَوْشِبُوا،(12/46)
وَاخْلَوْلِقُوا، وَاقْطَعُوا الرُّكَبَ، وَانْزُوا نَزْوًا، وَارْمُوا الأَغْرَاضَ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَانْزُوا عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ نَزْوًا، وَاسْتَقْبِلُوا بِوُجُوهِكُمُ الشَّمْسَ، فَإِنَّها حَمَّامَاتُ الْعَرَبِ»
قَوْلُهُ: «تَمَعْدَدُوا» قِيلَ: هُوَ مِنَ الْغِلَظِ، يُقَالُ لِلْغُلامِ إِذَا شَبَّ وَغَلُظَ: تَمَعْدَدَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَشَبَّهُوا بِعَيْشِ مَعْدٍ، وَكَانُوا أَهْلَ غِلَظٍ وَقَشَفٍ، يَقُولُ: كُونُوا مِثْلَهُمْ وَدَعُوا التَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ.
وَقَوْلُهُ: «وَاخْشَوْشِنُوا» أَرَادَ الْخُشُونَةَ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ.
وَقَوْلُهُ: «وَاخْشَوْشِبُوا» بِالْبَاءِ فَهُوَ مِنَ الصَّلابَةِ، يُقَالُ: اخْشَوْشَبَ الرَّجُلُ: إِذَا كَانَ صَلْبًا، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ مِنَ الْجَشَبِ، وَهُوَ الْخُشُونَةُ فِي الْمَطْعَمِ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرَّجُلِ
3118 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " رَآنِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعلَيَّ أَطْمَارٌ، قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ ،(12/47)
قَالَ: قُلْتُ: مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنَ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، قَالَ: فَلْيُرَ نِعْمَةُ اللَّهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُنْتَجُ إِبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُها؟ قَالَ: وَهَلْ تُنْتَجُ إِلا كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئذٍ، قَالَ: فَلَعلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ، فَتقْطَعُ أُذُنَ بَعْضِهَا، وَتَقُولُ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّ أُذُنَ أُخرَى، فَتَقُولُ: هَذِهِ صُرُمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلا تَفْعَلْ، فَإِنَّ كُلَّ مَا آتَاكَ اللَّهُ حِلٌّ، وَإِنَّ مُوسَى اللَّهِ أَحدُّ، وَسَاعِدَ اللَّهِ أَشَدُّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَلَمْ يَقْرِنِي، وَلَمْ يُضِفْنِي، ثُمَّ مرَّ بِي بَعْدَ ذَلكَ أَقْرِيهِ، أَمْ أَجْزِيهِ؟ قَالَ: بَلِ اقْرِهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَأَبُو الأَحْوَصِ: اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ
قَوْلُهُ: «تُنْتِجُ إِبِلُكَ» ، يُقَالُ: نُتِجَتِ النَّاقَةُ: إِذَا وَلَدَتْ، فَهِيَ مَنْتُوجَةٌ، كَمَا يُقَالُ: نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ، فَهِيَ مَنْفُوسَةٌ، وَنتجت النَّاقَةُ، أَنْتَجُهَا: وَهُوَ أَنْ تَلِيَ نِتَاجَهَا، وَالنَّاتِجُ لِلإِبِلِ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ،(12/48)
وَأَنْتَجَتِ الْفَرَسُ: حَمَلَتْ، فَهِيَ نَتُوجٌ، وَلا يُقَالُ مُنْتِجٌ.
وَقَوْلُهُ: «هَذِهِ بُحْرٌ» هِيَ مِنَ الْبُحَيْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [الْمَائِدَة: 103] وَهِيَ النَّاقَةُ، كَانَتْ إِذَا نُتِجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، نَظَرُوا فِي الْخَامِسِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، نَحَرُوهُ، فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، بَحَرُوا أُذُنَهَا، أَيْ: شَقُّوهَا، فَكَانَتْ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا وَرُكُوبُهَا، فَإِذَا مَاتَتْ، حَلَّتْ لِلنِّسَاءِ.
وَالصُّرَمُ جَمْعُ الصَّرِيمِ: وَهُوَ الَّذِي صُرِمَ أُذُنُهُ، أَيْ: قُطِعَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَتَقُولُ: «هَذِهِ صُرُمٌ فَتُحَرِّمَهَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِكَ» ، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَطْعِ آذَانِ الأَنْعَامِ، وَتَحْرِيمِ بَعْضِهِنَّ، وَتَحْلِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى خِلافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» .
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا فِي تَحْسِينِ الثِّيَابِ بِالتَّنْظِيفِ، وَالتَّجْدِيدِ عِنْدَ الإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي النَّعَامَةِ وَالدِّقَّةِ، وَمُظَاهَرَةُ الْمَلْبَسِ عَلَى الْمَلْبَسِ عَلَى مَا هُوَ عَادَةِ الْعَجَمِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ» يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
3119 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الإِخْمِيمِيُّ، بِمَكَّةَ، حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، نَا عِمْرَانُ بْنُ الْخَطَّابِ،(12/49)
نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلا شَعِثًا، فَقَالَ: مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ؟ ! وَرَأَى رَجُلا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟ ! "
3120 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُنَيْفِيُّ أَنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَبْصَرَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ثِيَابًا خُلْقَانًا، فَقَالَ لِي: أَلَكَ مَالٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْعِمْ عَلَى نَفْسِكَ، كَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، قُلْتُ: إِنَّ رَجُلا مَرَّ بِي فَقَرَيْتُهُ، فَمَرَرْتُ بِهِ، فَلَمْ يَقْرِنِي، أَفَأَقْرِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ "(12/50)
بَابُ الأَنْمَاطِ وَالرُّخْصَةِ فِي اتِّخَاذِهَا
3121 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، نَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النبَّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنا الأنْمَاطُ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَتكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ، فَأَنَا أَقُولُ لَهَا، يَعْنِي: امْرَأَتَهُ، أَخِّرِي عَنَّا أَنْمَاطَكِ، فَتقُولُ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّها سَتكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ "، فَأَدَعُهَا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ
قَالَ الإِمَامُ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " خَرَجَ فِي غَزَاةٍ، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ نَمَطًا، فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ، فَرَأَى النَّمَطَ، جَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الحِجَارَةَ(12/51)
وَالطِّينَ، قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلِيَّ "
بَابُ الفِرَاشِ
3122 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ
3123 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،(12/52)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ وِسَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَتَّكِئُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3124 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيف» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رُفْقَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ رِحَالُهُمُ الأَدَمُ، فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ رُفْقَةٍ كَانُوا بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَؤُلاءِ»(12/53)
3125 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ، نَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، نَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ»
3126 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ عَلَى يَسَارِهِ» .
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا «عَلَى يَسَارِهِ»
3127 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الَّرحْمنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/54)
لِجَابِرٍ: «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ» .
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسلا، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِّيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي أَدَبِ السُّنَّةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى فِرَاشٍ، وَزَوْجَتُهُ عَلَى فِرَاشٍ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يَبِيتَا مَعًا عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي اتِّخَاذِ فِرَاشَيْنِ لِنَفْسِهِ وَلِزَوْجَتِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا يُحَسِّنُ لَهُ مَذْهَبَ الاقْتِصَادِ، وَالاقْتِصَادُ أَقَلُّ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ إِبِلٌ لِلشَّيَاطِينِ، وَبُيُوتٌ لِلشَّيَاطِينِ فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ بِنَجِيبَاتٍ مَعَهُ قَدْ أَسْمَنَهَا، فَلا يَعْلُو بَعِيرًا مِنْهَا، وَيَمُرُّ بِأَخِيهِ قَدِ انْقَطَعِ بِهِ، فَلا يَحْمِلُهُ، وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ، فَلَمْ أَرَهَا» .
كَانَ سَعِيدٌ يَقُولُ: لَا أَرَاهَا إِلا هَذِهِ الأَقْفَاصَ الَّتِي يَسْتُرُ النَّاسَ بِالدِّيبَاجِ.(12/55)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ
3129 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ.
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا النَّهْيُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، أَمَّا النِّسَاءُ، فَقَدْ رُخِّصَ لَهُنَّ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَرِيرًا، فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا، فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» ، وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ، لأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلا خَاتَمَ فِضَّةٍ تُصَفِّرُهُ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ(12/56)
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ، وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلا مُقَطَّعًا» .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ بِالْمُقَطَّعِ الشَّيْءَ الْيَسِيرِ نَحْوَ الشَّنَفِ، وَالْخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ، وَكُرِهَ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ الَّذِي هُوَ عَادَةً أَهْلُ السَّرْفِ، وَزِينَةُ أَهْلِ الْخُيَلاءِ وَالْكِبْرِ، وَالْيَسِيرُ هُوَ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
3129 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَمِينِهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَطَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعٍ.
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ تَبَدَّلَ الْحُكْمُ فِيهِمَا مِنْ(12/57)
بَعْدُ: أَحَدُهُمَا: لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَصَارَ الْحُكْمُ فِيهِ إِلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي: لُبْسُ الْخَاتَمُ فِي الْيَمِينِ، وَكَانَ آخِرُ الأَمْرَينِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَهُ فِي الْيَسَارِ
3130 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَلِيٍّ: «نَهَى النبّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ القَسِّيِّ، وَعَنْ قَطِيفَةِ الأُرْجُوَانِ وَالْمِيثَرَةِ»
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّهْيُ عَنْ قَطِيفَةِ الأُرْجُوانِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ، وَالْمِيثَرَةِ: هِيَ مِرْفَقَةٌ تُتَّخَذُ كَصُفَّةِ السِّرْجِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ دِيبَاجٍ فَحَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَالْحَمْرَاءُ مِنْهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا، رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ» .(12/58)
وَذَلِكَ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيهِ، فَقَالَ زِيَادٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ خَاتَمِي مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: ذَاكَ أَنْتَنُ وَأَنْتَنُ ".
وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ خَاتَمَ الْحَدِيدِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ: «أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» ، فَطَرَحَهُ، فَقَالَ: «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلا تُتِمَّهُ مِثْقَالا» .
وَرَخَّصَ فِيهِ الآخَرُونَ، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الصَّدَاقِ: «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(12/59)
بَابُ إِبَاحَةِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ
3131 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا أَرَادَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكنْ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يدِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
3132 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو، نَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ،(12/60)
عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةٌ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَخَالِدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ أَخُو نُوحِ بْنِ قَيْسٍ
3133 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَهُو الَّذِي سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فِي بِئْرِ أَرِيسَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ(12/61)
اللَّهِ، وَقَالَ: «لَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِي»
3134 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ
3135 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ، أَنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الأَنْصَارِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ،(12/62)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، فَطَرَحَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ، ثُمَّ اتَّخَذَ بَعْدُ ذَلِكَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلا يَلْبَسُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ، وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ» .
قَالَ الإِمَامُ: طَرحه خَاتَمُ الْفِضَّةِ حَتَّى طَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ مَعَ جَوَازِ لُبْسِهِ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَبُوسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ» ، فَأَبَاحَهُ لِذِي سُلْطَانٍ، لأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِخَتْمِ الْكُتُبِ، وَكَرِهَ لِغَيْرِ ذِي السُّلْطَانِ، لأَنَّهُ يَكُونُ زِينَةً مَحْضَةً، لَا لِحَاجَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.(12/63)
بَابُ نَقْشِ الْخَاتَمِ
3136 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ
3137 - أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: «لَا تَنْقُشُوا عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ(12/64)
بَابُ فَصِّ الخَاتَمِ
3139 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَنا مُعْتَمِرٌ، سُمعتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنهْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3140 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الْمِصْرِيِّ.
وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ: عَنْ يُونُسَ، «كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ»(12/65)
3141 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو يَعْلَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ لَبِسَ خَاتَمًا فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، وَكَانَ فَصُّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
بَابُ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ
3142 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي رَافِعٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: كَانَ النبَّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ ".(12/66)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ
3143 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَهْ، وَأَبُو الْحُرَيْشِ، قَالا: نَا هُدْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ»
3144 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى.
ح وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو الْخَطَّابِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ»
3145 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا أَبُو(12/67)
الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمِهْرَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النبَّيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ»
3146 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ الْبَاهِلِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النبَّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَار إِلَى خِنْصَرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3147 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رُسْتَهْ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ،(12/68)
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النبَّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى خِنْصِرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارِهِمَا» .
وَعَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى»
3148 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبِي، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النبَّيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: «كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ»
3149 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ،(12/69)
نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ أَسَدٍ الْبَجَلِيُّ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «نَهَانِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ
قَالَ الإِمَامُ: وَلُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، فَأَمَّا النِّسَاءُ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ لُبْسُهُ، وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي» .
وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ الذَّهَبَ، وَيُلْبِسُ نِسَاءَهُ الإِبْرِيسَمَ وَأَكْسِيَةَ الْخَزِّ» .
وَكَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلادَةً مِنْ ذَهَبٍ، قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا امْرَأةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خُرْصًا مِنْ ذَهَبٍ، جَعَلَ اللَّهُ فِي أُذنِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ» .(12/70)
وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ لابْنَتِهِ: لَا تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكِ اللَّهَبَ.
وَالأَكْثَرُونَ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ.
وَقِيلَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: إِنَّهُ وَعِيدٌ جَاءَ فِيمَنْ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، وَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ، ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الْخُفِّ
3150 - أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى النبَّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.(12/71)
حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ الْمَدِينِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَوْنٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
3151 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «أَهْدَى دِحْيَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ فَلَبِسَهُمَا» .
قَالَ إِسْرَائِيلُ: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ: وَجُبَّةً يَلْبَسُهُمَا حَتَّى تَخَرَّقَا لَا يَدْرِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَكِيٌّ هُمَا أَمْ لَا.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الشَّيْبَانِيُّ، وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ.
وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ(12/72)
بَابُ النَّعْلِ
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا» .
3152 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: «أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالانِ، فَحَدَّثَنيِ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ،» أَنَّهُمَا نَعْلا النبَّيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَوْلُهُ: «جَرْدَاوَيْنِ» أَيْ: خَلَقَيْنِ، وَثَوْبٌ جَرْدٌ، أَيْ: خَلَقٌ
3153 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزْنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ،(12/73)
نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَعْلُهُ لَهَا قِبَالانِ» .
وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا عَبْدَانُ، نَا هُدْبَةُ، نَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ هَمَّامٍ
وَقَوله: «قِبَالانِ» أَيْ: زِمَامَانِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقِبَالُ مِثْلُ الزِّمَامِ بَيْنَ الإِصْبَعِ الْوُسْطَى، وَالَّتِي تَلِيهَا، قِيلَ: قِبَالُ النَّعْلِ: مَا يُشَدُّ بِهِ الشِّسْعُ.
3154 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالانِ مُثَنّى شِرَاكُهُمَا» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ» .
صَحِيحٌ(12/74)
بَابُ البَدَاءَةِ بِالْيُمْنَى إِذَا انْتَعَلَ
3155 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا نَزَعَ، فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، فَلْتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُما تُنْعَلُ، وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلامٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
3156 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفُ بِبِدْعَةٍ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا بَدَأَ بِمَيَامِنِهِ» .(12/75)
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا» .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَلا يَصِحُّ.
قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَعَلَ الرَّجُلُ قَائِمًا مِنْ أَجْلِ الْعَنَتِ
بابُ لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ
3157 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُريَرةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدةٍ، لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ ليَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ(12/76)
3158 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا انقْطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ، أَوْ شِرَاكُهُ، فَلا يَمْشِ فِي إِحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَاحِدٍ، وَالأُخْرَى حَافِيَةٌ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3159 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ، فَلا يَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ، وَلا يَأْكُلْ بِشِمَالِهِ، وَلا يَمْشِ فِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ، قَالَ: وَلا يَحْتَبِ أَحَدُكُمْ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلا يَشْتَمِلِ الصَّمَّاءَ «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرٍ(12/77)
وَرُوِيَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،» أَنَّهَا مَشَتْ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ «، رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَفَعَهُ لَيْثٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْوَقْفُ أَصَحُّ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ،» أَنَّهُ مَشَى فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَسَطَ السِّمَاطَينِ "، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا.
قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ النَّاسِ إِخْرَاجَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ مِنَ الْكُمِّ، وَإِرْسَالَ الرِّدَاءَ عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الْكَرَاهِيَةِ بِلُبْسِ إِحْدَى النَّعْلَيْنِ وَأَحَدِ الْخُفَّيْنِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ، فَيَضَعَهُمَا بِجَنْبِهِ» .
بَابُ نَهْيِ الرِّجَالِ عَنِ التَّزَعْفُرِ
3160 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِسْمَاعِيلُ، الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» .(12/78)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُليَّةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: مَعْنَى كَرَاهِيَةِ التَّزَعْفُرِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِهِ
3161 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ رَجُلا مِنْ آلِ أَبِي عُقَيْلٍ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَفْصِ بْنُ عَمْرٍو، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيْهِ خَلُوقًا، فَقَالَ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ لَا تَعُدْ "
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرَّجُلِ يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ مِنْهُ، أَمَّا الْقَلِيلُ مِنْهُ، فَقَدْ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ لِلْمُتَزَوِّجِ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَلَيْهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ» .
وَرُوِيَ عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَسْمَالُ مُلْيَتَيْنِ كَانَتَا(12/79)
تُزَعْفَرَانِ وَقَدْ نَفَضَتْهُ» .
وَالأَسْمَالُ بِالسِّينِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ: الأَخْلاقُ، وَاحِدُهَا سَمْلٌ، وَالْمُلَيَّةُ: تَصْغِيرُ الْمُلاءَةِ.
وَقَوْلُهَا: «نَفَضَتْهُ» تُرِيدُ نَفَضَتِ لأَسْمَالُ لَوْنَ الزَّعْفَرَانِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلا الأَثَرُ، وَالأَصْلُ فِي النَّفْضِ التَّحْرِيكُ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّقُونَ، وَلا يَرَوْنَ بِالْخَلُوقِ بَأْسًا.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ: رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ دَخَلَ الْحَمَّامَ تَخَلَّقَ بِخَلُوقٍ ثُمَّ غَسَلَهُ.
قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا النِّسَاء، فَمُبَاحٌ لَهُنَّ التَّزَعْفُرُ.
3162 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طِيبُ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ، وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيحُهُ» .(12/80)
قَالَ أَبُو عِيسَى: نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الطَّفَاوِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَاهُ.
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ سَعِيدٌ: أَرَاهُ حَمَلُوا قَوْلَهُ: «وَطِيبُ النِّسَاءِ» إِذَا أَرَادَاتْ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا، فَلْتَطَيَّبْ بِمَا شَاءَتْ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، فَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ، فَمرَّتْ بِالْمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي: زَانِيَةً ".(12/81)
بَابُ تَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَتَدْهِينِهِ
3163 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ
3164 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا وَكِيعٌ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ، وَتَسْرِيحَ لِحْيَتَهُ، وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ، كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ» .(12/82)
الْقِنَاعُ: الْخِرْقَةُ الَّتِي تُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ مِنَ الدُّهْنِ
3165 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّرَجُّلِ إِلا غِبًّا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ» .
قِيلَ: مَعْنَاهُ: التَّرَجُّلَ كُلَّ يَوْمٍ، وَأَصْلُ الإِرْفَاهِ مِن الرَّفَهِ، وَهُوَ أَنْ تَرِدَ الإِبِلُ الْمَاءَ كُلَّ يَوْمٍ، وَمِنْهُ أُخِذَتِ الرَّفَاهِيَةُ، وَهِي الْخَفْضُ، وَالدَّعَةُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِفْرَاطَ فِي التَّنَعُّمِ مِنَ التَّدْهِينِ وَالتَّرْجِيلِ، وَفِي مَعْنَاهُ مُظَاهَرَةِ اللِّبَاسِ عَلَى اللِّبَاسِ، وَالطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ عَلَى مَا هُوَ(12/83)
عَادَةِ الأَعَاجِمِ، وَأَمْرَ بِالْقَصْدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَرْكُ الطَّهَارَةِ وَالتَّنَظُّفِ، فَإِنَّ النَّظَافَةَ مِنَ الدِّينِ.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا، فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَرَجَّلَهَا مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَكْرِمْهَا ".
وَرُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: التَّرَجُّلُ يَوْمٌ، وَيَوْمٌ لَا.
بَابُ التَّطَيُّبِ
3166 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ،(12/84)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا نَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3167 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا»
3168 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ، اسْتَجْمَرَ بِأَلُوَّةٍ غَيْرِ مُطَرَّاةٍ، وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".(12/85)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْمِسْكِ أَيُجْعَلُ فِي الْحَنُوطِ؟ فَقَالَ: «أَوَلَيْس الْمِسْكُ مِنْ أَطْيَبِ طِيبِكُمْ» ؟ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِالْمِسْكِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَوْصَى فِي غَسْلِهِ أَلا يُقَرِّبُوهُ مِسْكًا.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ الْمِسْكَ لِلْمَيِّتِ، وَلا يَكْرَهُهُ لِلْحَيِّ.
3169 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ خُلَيْدٍ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَشَتْ خَاتَمًا مِسْكًا، قَالَ: ذَاكَ أَطْيَبُ الطِّيبِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ»
3170 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،(12/86)
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3171 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا الْمُبَارَكُ، هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَرَدَّهُ» .
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ أَخُو إِسْحَاقَ
3172 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ حَنَانٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ، فَلا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ» .(12/87)
قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا يُعْرَفُ لِحَنَانٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ حَنَانٌ الأَسَديُّ صَاحِبُ الرَّقِيقِ عَمُّ وَالِدِ مُسَدَّدٍ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ، فَلا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ، طَيِّبُ الرِّيحِ» .
وَيُرْوَى: «لَا تَرُدُّوا الطِّيبَ، فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ، خَفِيفُ الْمَحْمَلِ» .
3173 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثٌ لَا تُرَدُّ: الْوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالدُّهْنِ: الطِّيبَ
بَابُ الْخِضَابِ
3174 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبْذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ،(12/88)
أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبِغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
3175 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو يَعْلَى، نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»(12/89)
3176 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ، وَلَكِنْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَخَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
3177 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَلامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْضُوبًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(12/90)
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّهُ كَانَ يَصْبِغُ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ»
3178 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ هُوَ الدُّؤَلِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ: الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ ".
قَالَ الإِمَامُ: الْكَتَمُ: الْوَسْمَةُ، وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ آخَرُ
بَابُ كَرَاهِيَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْضَبَ بِهِ
3179 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،(12/91)
أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ كَأَنَّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ بَيْضَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيِّرُوهُ وَجَنِّبُوا السَّوَادَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: «وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، كَالثُّغَامَةِ بَيَاضًا» .
وَالثُّغَامَةُ: نَبَاتٌ لَهُ ثَمَرٌ أَبْيَضُ يُشْبِهُ بَيَاضَ الشَّيْبِ
3180 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو عَلِيٍّ الأَزْدِيُّ، بِغَزَّةَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِهذا السَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَجِدُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّة» .(12/92)
قَالَ الإِمَامُ: وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرَسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبِغُ بِهَا يَعْنِي بِالصُّفْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَكَانَ يَصْبِغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتِهِ»
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنِ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ قَدْ خُضِّبَ بِالْحِنَّاءِ، قَالَ: «مَا أَحْسَنُ هَذَا!» قَالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خُضِّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا» ، ثُمَّ مَرَّ آخَرُ قَدْ خُضِّبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ» .
وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ حِينًا ثُمَّ تَرَكَهُ.
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَفِّرُونَ لُحَاهُمْ.
وَكَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، يَفْعَلانِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ: كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لَا يَخْضِبُ، وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ بَيْضَاءَ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَى(12/93)
الْمِنْبَرِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: رَأَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ، وَمَكْحُولا، وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ لُحَاهُمْ بِيضٌ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى نُورٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي وَجْهِهِ فَيُطْفِئُهُ، وَكَانَ شَدِيدَ بَيَاضِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
وَكَرِهَ قَوْمٌ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ قَوْمٌ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ خُضِبَ بِالسَّوَادِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ يُخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَرَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يُغَلَّفُ بِالسَّوَادِ، وَكَانَ قَمِيصًا.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، إِنَّهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْوَسْمَةِ؟ فَقَالَ: هُوَ خِضَابُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، رَخَّصَ فِي صِبَاغِ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ لِلنِّسَاءِ.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ، قَالَتْ: " سَأَلْنَا عَائِشَةَ عَنْ تَسْوِيدِ الشَّعْرِ؟ قَالَتْ: لَوَدَدْتُ أَنَّ عِنْدِي شَيْئًا سَوَّدْتُ بِهِ شَعْرِي ".
وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَبْغِ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ: لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصَّبْغِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَتَرْكُ الصَّبْغِ كُلِّهِ وَاسِعٌ لِلنَّاسِ.
وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، لَا أَعْلَمُ بِخِضَابِ السَّوَادِ بَأْسًا إِلا أَنْ يَغُرَّ بِهِ رَجُلٌ امْرَأَةً.(12/94)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ
3181 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ، مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَكَفَّرَ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .(12/95)
وَعَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ هُوَ أَبُو نَجِيحٍ السُّلَمِيُّ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ نَتْفَ الشَّيْبِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلْيُقْرِضْهُ قَرْضًا.
رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، " أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَقَالَ: رَبِّ مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَقَارٌ، فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا "
بَابُ فَرْقِ الرَّأْسِ
3182 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمَلِيحِيِّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْد، نَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدَهُ» .(12/96)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
3183 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، أَنا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَنَا فَرَقْتُ لِرسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، صَدَعْتُ فَرْقَهٌ عَنْ يَافُوخِهِ، وَأَرْسلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيِه»
3184 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: «قَدِم رَسوُلُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: مَكِّيٌّ، وَأَبُو نَجِيحٍ اسْمُهُ: يَسَارٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لَا أَعْرِفُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ هَانِئٍ.
وَالْغَدَائِرُ: الضَّفَائِرُ، وَاحِدَتُهَا: غَدِيرَةٌ وَضَفِيرَةٌ(12/97)
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَزَعِ
3185 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: يُحْلَقُ بَعْضَ رَأْسِ الصَّبِيِّ، وَيُتْرَكُ الْبَعْضُ.
وَرَوَاهُ رَوْحٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، وَأَلْحَقَ التَّفْسِيرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ» ، وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ، وَيُتْرَكَ لَهُ ذُؤَابَةٌ.(12/98)
وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، وَقَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: إِذَا حُلِقَ الصَّبِيُّ، يُتْرَكُ هَهُنَا شَعْرٌ، وَهَهُنَا، وَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ، وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: أَمَّا الْقِصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلامِ، فَلا بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعْرٌ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شِقُّ رَأْسِهِ هَذَا، أَوْ هَذَا.
وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ الْقَزَعِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَ الصَّبِيِّ، وَيَتْرُكَ لَهُ ذُؤَابَةً.
وَأَصْلُ الْقَزَعِ: قَطْعُ السَّحَابِ الْمُتَفَرِّقَةِ، شَبَّهَ تَفَارِيقَ الشَّعْرِ فِي رَأْسِهِ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
3186 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى غُلامًا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ رَأْسِهِ، وَتُرِكَ بَعْضُهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذلِكَ، قَالَ: إِمَّا أَنْ تَحْلِقُوا كُلَّهُ، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوا كُلَّهُ "(12/99)
بَابُ اتِّخَاذِ الْجُمَّةِ
3187 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ، وَدُونَ الْوَفْرةِ»
وَصَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ» .
قَالَ الإِمَامُ: يُقَالُ: الْوَفْرَةُ: الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَةِ الأُذُنِ، وَالْجُمَّةُ: إِلَى الْمَنْكِبِ، وَاللِّمَّةُ: الَّتِي أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ.(12/100)
قَالَ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلِ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ، وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ» .
فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا، فَعَجِلَ وَأَخَذَ شَفْرَةً، فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إِزَارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ.
ثُمَّ هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ، أَمَّا النِّسَاءُ: فَإِنَّهُنَّ يُرْسِلْنَ شُعُورَهُنَّ لَا يَتَّخِذْنَ جُمَّةً.
وَرُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذُبَابٌ ذُبَابٌ» ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَجَزَزْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ، وَهَذَا أَحْسَنُ» .
قِيلَ: الذُّبَابُ: الشُّؤْمُ، وَرَجُلٌ ذُبَابِيٌّ، مَأْخُوذٌ مِنَ الذُّبَابِ، وَهُوَ الشُّؤْمُ.
وَرُوِيَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَتْ لِي ذُؤَابَةٌ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: لَا أَجُزُّهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُدُّهَا وَيَأْخُذُهَا ".
بَابُ النَّهْيِ عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ وَالْوَشْمِ
3188 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ(12/101)
مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدِينِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَتْهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ امْرأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي بِنْتًا عَرُوسًا، وَإِنَّ الْحَصْبَةَ أَخَذَتْهَا، فَسَقَطَ شَعْرُهَا، أفَأَصِلُ شَعَرَ رَأْسِهَا؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ هِشَامٍ
3189 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُستَوْشِمَةَ» .
قَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،(12/102)
وَغَيْرِهِ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
3190 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3191 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، والْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ؟(12/103)
فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ! فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ، لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْر: 7] ، قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ
الْوَاشِمَةُ مِنَ الْوَشْمِ: وَهُوَ أَنْ تَغْرِزَ الْمَرْأَةُ ظَهْرَ كَفِّهَا، أَوْ مِعْصَمَهَا بِإِبْرَةٍ حَتَّى تُدْمِيَهُ، ثُمَّ تَحْشُوَهُ بِالْكُحْلِ، فَيَخْضَرَّ، أَوْ تَجْعَلَ فِي وَجْهِهَا الْخِيلانِ بِكُحْلٍ، أَوْ مِدَادٍ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ: هِيَ الَّتِي تَسْأَلُ وَتَطْلُبُ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِهَا.
وَالْوَاصِلَةُ: الَّتِي تَصِلُ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا، تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُظَنَّ بِهَا طُولُ الشَّعْرِ، أَوْ يَكُونَ شَعْرُهَا أَصْهَبَ، فَتَصِلُهُ بِشَعْرٍ أَسْوَدَ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الزُّورِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَخَّصَتِ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَرَامِلِ وَكُلِّ(12/104)
شَيْءٍ وُصِلَ بِهِ الشَّعْرُ مَا لَمْ يَكُنِ الْوَصْلُ شَعْرًا، فَلا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: الْقَرَامِلُ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ.
وَالْمُتَنَمِّصَةُ مِنَ النَّمَصِ: وَهُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْوَجْهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِنْقَاشِ: الْمِنْمَاصُ، فَالنَّامِصَةُ: الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ: الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ.
وَالْمُتَفَلِّجَاتُ: هُنَّ اللَّوَاتِي يُعَالِجْنَ أَسْنَانَهُنَّ بَعْدَ مَا شَرَعْنَ فِي السِّنِّ حَتَّى يَكُونَ لَهَا تَحددٌ وَرِقَّةٌ وَأَشَرُّ، فَيَتَشَبَّهْنَ بِالشَّوَابِّ.
يُقَالُ: ثَغْرٌ أَفْلَجُ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِرَةَ وَالْمُؤْتَشِرَةَ» .
فَالْوَاشِرَةُ: هِيَ الَّتِي تَشِرُ أَسْنَانَهَا وَتُحَدِّدُهَا.
3192 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ، يَقُولُ: يَأَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤكُمْ؟ ! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» .(12/105)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
كُلُّ خَصْلَةٍ مِنَ الشَّعْرِ: قُصَّةٌ
بَابُ قَصِّ الشَّارِبِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [الْبَقَرَة: 124] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ: الْمَضْمَضَةُ، وَالاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَفَرْقُ الشَّعْرِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَالاسْتِنْجَاءُ، وَالْخِتَانُ ".(12/106)
3193 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ، وَإِعْفَاءِ اللِّحَى» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ نَافِعٍ
3194 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَوْفُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ، قَبَضَ عَلى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ، أَخَذَهُ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ
وَإِحْفَاءُ الشَّارِبِ: أَنْ يُؤْخَذَ حَتَّى يَحْفَى وَيَرِقَّ، وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الاسْتِقْصَاءِ فِي الأَخْذِ مِنْ قَوْلِكَ: أَحْفَيْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ:(12/107)
إِذَا اسْتَقْصَيْتُ فِيهَا، وَيُرْوَى: «أَنْهِكُوا الشَّوَارِبَ» ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: حَلْقُ الشَّارِبِ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ فِي النَّاسِ.
وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ: تَوْفِيرُهَا، مِنْ قَوْلِكَ: عَفَا النَّبْتُ: إِذَا طَالَ، يَعْفُو عَفْوًا، وَيُقَالُ: عَفَا الشَّيْءُ، بِمَعْنَى: كَثُرَ، وَأَعْفَيْتُ أَنَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى عَفَوْا} [الْأَعْرَاف: 95] أَيْ كَثُرُوا، وَيُقَالُ فِي غَيْرِ هَذَا: عَفَا الشَّيْءُ: إِذَا دَرَسَ وَانْمَحَى، وَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ، وَعَفَا إِذَا أَتَى الرَّجُلُ يَطْلُبُ حَاجَةً، وَمِنْهُ الْعَافِيَةُ، وَهِيَ كُلُّ طَالِبِ رِزْقٍ مِنْ إِنْسَانٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ غَيْرِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا» .
وَرَوَى عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا» .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عُمَرُ بْنُ هَارُونَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ لَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ قَالَ: يَنْفَرِدُ بِهِ إِلا هَذَا الْحَدِيثِ.
وَرُوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا جَاوَزَ(12/108)
الْقَبْضَةَ، وَمِثْلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ جَوَانِبِهَا.
بَابُ الْخِتَانِ
3195 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ»
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا سُنَنٌ إِلا الْخِتَانَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ(12/109)
أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فِي وُجُوهٍ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ وَاجِبٌ.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَشْدُدُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: الأَقْلَفُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلا تَؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلا تُقْبَلُ صَلاتُهُ.
وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: لَا خِلافَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ، فَلَوْلا أَنَّ الْخِتَانَ فَرْضٌ، لَمَا جَازَ كَشْفُ عَوْرَةِ الْمَخْتُونِ لأَجْلِ الْخِتَانِ، فَلَمَّا جَازَ، دَلَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ.
قَالَ الْحَسَنُ فِي الْخِتَانِ: هُوَ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ، وَلِلنِّسَاءِ طُهْرَةٌ.
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ» .(12/110)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلُ مِنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ.
وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرِّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ.
وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ خِتَانِ الْغُلامِ يَوْمَ سُبُوعِهِ، فَكَرِهَهُ خِلافًا لِلْيَهُودِ.
وَسُئِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ خَفْضِ الْجَارِيَةِ إِلَى مَتَى يُؤَخَّرُ؟ قَالَ: إِلَى ثَمَانٍ سِنِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ النِّسَاءَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبَّ إِلَى الْبَعْلِ» .
قَوْلُهُ: «لَا تَنْهِكِي» تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَشِمِّي، أَيْ: لَا تَسْتَقْصِي.(12/111)
بَابُ التَّوْقِيتِ فِي تَقْلِيمِ الأَظَافِرِ وَقَصِّ الشَّارِبِ
3196 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا صَدَقَةُ الدَّقِيقِيُّ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَقَّتَ لَنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي حَلْقِ الْعَانَةِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ، وَقَصِّ الأَظَافِرِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى أَبُو مُحَمَّدٍ صَاحِبُ الدَّقِيقِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِالْحَافِظِ
قَالَ الإِمَامُ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «وَقَّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظَافِرِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» .
وَهَذَا أَصَحُّ.
3197 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ،(12/112)
نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَسَدِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَسْمُولِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ»
3198 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا بَهْلُولٌ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ، عَنْ أَبيِ عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إِلَى صَلاةِ الجُمُعَةِ»
3199 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ، فَإِذَا كَثُرَ(12/113)
شَعْرُهُ حَلَقَهُ» .
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَنَوَّرْ، وَلا أَبُو بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، وَلا عُثْمَانُ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: كَانَ لِي عَمَّانِ قَدْ شَهِدَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذَانِ مِنْ شَوَارِبِهِمَا وَأَظْفَارِهِمَا كُلَّ جُمُعَةٍ.
عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ أَظْفَارِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كُنْتُ أَطْلِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَإِذَا بَلَغْتُ عَوْرَتَهُ، تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ.
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طُلِيَ، وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ» .
وَعَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، مُرْسَلا، «أَنَّ رَجُلا نَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَ الْعَانَةَ، كَفَّ الرَّجُلُ، وَنَوَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ» .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُنَوِّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، أَوْ سَرِيَّتَهُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَمِسُّونَ الْحِنَّاءَ بَعْدَ النُّورَةِ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الأَظْفَارِ(12/114)
بَابُ شَدِّ الأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ وَاتِّخَاذِ الأَنْفِ
3200 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرْفَةَ، «أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ نَتُنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَرْفَةَ، وَعَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ جَدَّهُ.
وَقَدْ أَبَاحَ أَهْلُ الْعِلْمِ اتِّخَاذَ الأَنْفِ، وَرَبْطَ الأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ، لأَنَّهُ لَا يَنْتُنُ.
قَالَ شُعْبَةُ: رَأَيْتُ أَبَا حَمْزَةَ نَصْرَ بْنَ عِمْرَانَ، وَأَبَا التَّيَّاحِ، وَأَبَا نَوْفَلِ بْنَ أَبِي عَقْرَبٍ يُضَبِّبُونَ أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ(12/115)
بَابُ الاكْتحَالِ
3201 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ» ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، ثَلاثَةً فِي هذِهِ، وَثَلاثَةً فِي هَذِهِ» .
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فِيهِ: " إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ: اللَّدُودُ، وَالسَّعُوطُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْمَشْيُ، وَخَيْرَ مَا اكْتَحَلْتُمْ بِه الإِثْمِدُ "
3202 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،(12/116)
أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ»
3203 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتَحِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ بِالإِثْمِدِ، ثَلاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا نَعْرِفُهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(12/117)
عَلَيْكُمْ بِالإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ»
3204 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ، وَمَنِ استَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَما تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ» .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرٍ، فَقَالَ: حُصَيْنٌ الْحِمْيَرِيُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ ثَوْرٍ، فَقَالَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخَيْرُ، قَالَ: أَبُو(12/118)
سَعِيدٍ الْخَيْرُ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3205 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الثَّقَفِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُونُسَ الْحَرَمِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ فِي عَيْنِهِ الْيُمْنَى ثَلاثًا، وَفِي الْيُسْرَى اثْنَتَيْنِ بِالإِثْمِدِ» .
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا اكْتَحَلْتُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ ثَلاثًا، وَفِي هَذِهِ ثَلاثًا، فَهُوَ شَفْعٌ، وَلَكِنِ اجْعَلِ الْمَيْلَ بَيْنَهُمَا.
وَكَانَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، يَقُولانِ: إِذَا اكْتَحَلْتُ ثَلاثًا فِي هَذِهِ، وَثَلاثًا فِي هَذِهِ، فَهُوَ وَتْرٌ
بَابُ لَعْنِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَإِخْرَاجِهِمْ وَإِخْرَاجِ أَهْلِ الرِّيبِ
3206 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،(12/119)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3207 - أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَنِّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3208 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَخْرِجُوا الْمُخَنَّثِينَ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ مُخَنَّثًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ،(12/120)
عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ
وَعَنْ سَهْلٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ» .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: امْرَأَةٌ تَلْبَسُ النَّعْلَ؟ قَالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْلَةَ مِنَ النِّسَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَخْتَمِرُ، فَقَالَ: «لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ» .
قَالَ الإِمَامُ: وَإِنَّمَا كَرِهَ لَهَا أَنْ تَزِيدَ عَلَى لَيَّةٍ، حَتَّى لَا تَتَشَبَّهُ بِالْمُتَعَمِّمِ مِنَ الرِّجَالِ.
3209 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالَا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا(12/121)
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ، فَدَخَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً، فَقَالَ: إِنَّها إِذَا أَقْبَلَتْ، أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ، أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ هذَا، فَحَجَبُوهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَزَادَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يَدْخُلُ كُلَّ جُمُعَةٍ يَسْتَطْعِمُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، يَعْنِي أَرْبَعَ عُكَنٍ فِي بَطْنِهَا، فَهِيَ تَقْبِلُ بِهِنَّ.
وَقَوْلُهُ: تُدْبِرُ بِثَمَانٍ، يَعْنِي أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأَرْبَعِ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ بِالْمَتْنَيْنِ مِنْ مُؤَخِّرِهَا مِنْ(12/122)
كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ، فَهَذِهِ ثَمَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَهِيَ الأَطْرَافُ، وَوَاحِدُهَا طَرَفٌ، وَهُوَ ذِكْرٌ، لأَنَّ الطَّرَفَ فِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا الثَّوْبُ سَبْعٌ فِي ثَمَانٍ، وَيُرِيدُ بِهِ الأَشْبَارَ، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْهَا، لأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الأَشْبَارَ.
وَفِيهِ إِخْرَاجُ أَهْلِ الرِّيبِ، وَأَخْرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ بِهِ.
بَابُ نَهْيِ النِّسَاءِ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ
3210 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَنا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، قَالَ: " قَدِمَ عَلَى عَائِشَةَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، فَقَالَتْ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنَ الْكُورَةِ الَّتِي يَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَخْلَعُ امْرَأَةٌ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلا هَتَكَتْ سِتْرَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".(12/123)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
3211 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عُذْرَةَ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ، ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِالْمَيَازِرِ» .
وَرَوَى أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي عُذْرَةَ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،(12/124)
وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَائِمِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَيَقُولُ: نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الصِّنَّةَ، وَيُذَكِّرُ النَّارَ.
قَالَ الأَزْهَرِيُّ: أَرَادَ بِالصِّنَّةِ الصُّنَانَ، وَهِيَ رَائِحَةُ الْمَغَابِنِ إِذَا فَسَدَتْ.
وَيُرْوَى: يُذْهِبُ الصَّنْخَةَ وَهِيَ الصُّنانُ وَالدَّرَنُ، يُقَالُ: صَنَخَ بَدَنُهُ وَسَنِخَ.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُضَيْرٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالشَّامِ: لَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ إِلا بِمِئْزَرٍ، وَلا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ إِلا مِنْ سَقَمٍ، وَاجْعَلُوا اللَّهْوَ فِي ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: الْخَيْلِ، وَالنِّسَاءِ، وَالنِّصَالِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ: بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يَنْزِعُ عَنْ أَهْلِهِ الْحَيَاءَ.
وَكَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، فَيَعْتَزِلُ فِي نَاحِيَةٍ، وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ مَا يَلِي الْجِدَارَ
بَابُ التَّصَاوِيرِ وَوَعِيدِ الْمُصَوِّرِينَ
3212 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ(12/125)
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلا صُورَةُ تَمَاثِيلَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالُوا: «لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ»
3213 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ(12/126)
فِيهَا، فَذَهَبَتِ السَّاعَةُ، وَلَمْ يَأْتِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ كَلْبًا، وَإِنَّا لَا نَدْخُلَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلْبِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِلابِ أَنْ تُقْتَلَ ".
هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ الإِمَامَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكِلابِ، وَقِيلَ: مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ مِنَ الْكِلابِ، وَكَذَلِكَ الصُّوَرُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لَهَا أَشْخَاصٌ، أَوْ مَا لَا شَخْصَ لَهَا، كَالْمَنْقُوشَةِ فِي الْجُدُرِ وَالْفُرُشِ وَالأَنْمَاطِ، أَوِ الْمَنْسُوجَةِ فِيهَا.
وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا كَانَ مِنْهَا فِي الأَنْمَاطِ الَّتِي تُوطَأُ وَتُدَاسُ بِالأَرْجُلِ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَّا مَا عُفِّرَ عَلَى الأَرْضِ فَلا بَأْسَ، وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ
3214 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،(12/127)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلامُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلامِ قَطُّ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ
3215 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَتَكَهُ، وَقَالَ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِيَن يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.(12/128)
وَالْقِرَامُ: السِّتْرُ الرَّقِيقُ، وَالسَّهْوَةُ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: هِيَ كَالصُّفَّةِ بَيْنَ يَدَيِ الْبَيْتِ، وَيُقَالُ: هِيَ بَيْتٌ صَغِيرٌ شِبْهُ الْمَخْدَعِ، وَيُقَالُ: هِيَ شِبْهُ الرَّفِّ، وَالطَّاقُ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: السَّهْوَةُ: الْكَوَّةُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، وَهِيَ: الْكُنْدُوجُ أَيْضًا
3216 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدِ , أَنا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى , نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ عَلَيَّ بَابِي دُرْنُوكًا، فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِي، فَنَزَعْتُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
3217 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً ".(12/129)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ
3218 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّم بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيَرتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً، عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» .
قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ، وَذَكَرَ خَالِدٌ وَهِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ
3219 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ:(12/130)
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُصَوِّرُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَمَا تَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ
3220 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , أَنّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمُصَوِّرُونَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعٍ.
قَوْلَهُ: «أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» أَيْ: مَا صَوَّرْتُمْ.
وَصَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» .(12/131)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، تَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ "
3221 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَالتَّصَالِيبُ: مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الصَّلِيبِ.
وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الثِّيَابَ الْمُصَلَّبَةَ، يَعْنِي: الَّتِي صُوِّرَ فِيهَا الصَّلِيبُ
3222 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(12/132)
قَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ» .
قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ ! فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلا رَقَمًا فِي ثَوْبٍ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَعُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْخَوْلانِيُّ، كَانَ فِي حِجْرِ مَيْمُونَةَ.
قَوْلُهُ: «إِلا رَقَمًا فِي ثَوْبٍ» أَصْلُ الرَّقَمِ: الْكِتَابَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 9] وَالصُّورَةُ غَيْرُ الرَّقَمِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إِنَّمَا هِيَ: مَا كَانَ لَهُ شَخْصٌ، دُونَ مَا كَانَ مَنْسُوجًا فِي ثَوْبٍ، أَوْ مَنْقُوشًا فِي جِدَارٍ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْمٌ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ يُفْسِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ
قَالَ الإِمَامُ: الصُّوَرُ إِذَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِأَنْ قُطِعَ رَأْسُهَا، أَوْ حُلَّتْ أَوْصَالُهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا أَثَرٌ لَا عَلَى شَبَهِ الصُّوَرِ، فَلا بَأْسَ.
3223 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، " أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(12/133)
فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ، فَقَالَ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِي الْحَائِطِ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَاقْطَعُوا رُءُوسَهَا، وَاجْعَلُوهُ بُسْطًا وَوَسائِدَ، فَأَوْطِئُوهُ، فَإِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ ".
وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ، إِلا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَفِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التَّمَاثِيلِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ، فَلْيُقْطَعْ، فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيَخْرُجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ التَّصْوِيرِ إِذَا نُقِضَ حَتَّى يَنقَطِعَ أَوْصَالُهُ، جَازَ اسْتِعْمَالُهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ مِنَ النَّصَارَى، صَنَعَ لَهُ طَعَامًا بِالشَّامِ وَدَعَاهُ: «إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ، مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا»
قَالَ الإِمَامُ: وَفِي لُعَبِ الصِّبْيَانِ رُخْصَةً، رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلْمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ، فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ: لُعَبٍ، فَقَالَ:(12/134)
مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جِنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا وَسَطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ! قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ ".
قَالَ الإِمَامُ: وَأَمَّا صُورَةُ الأَشْجَارِ وَالنَّبَاتُ، فَلا بَأْسَ بِهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنِ الصُّوَرِ: عَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رَوْحٌ.
قَالَ الإِمَامُ: وَيُكْرَهُ سَتْرُ الْجُدُرِ بِالثِّيَابِ الْمُلَوَّنَةِ وَتَنْقِيشُهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ نَمَطًا، فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ، فَرَأَى النَّمَطَ، عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ، أَوْ قَطَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ، قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ ".
صَحِيحٌ.
وَرَوَى أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرُ أَنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَتَرَتْ بُيُوتَهَا بِقِرَامٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَهْدَاهَا لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَذَهَبَ عُمَرُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَهْتِكَهُ، فَبَلَغَهُمْ، فَنَزَعُوهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُميَّةَ تَزَوَّجَ، فَدَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا بَيْتُهُ قَدْ سُتِرَ بِهَذِهِ الأُدُمِ الْمَنْقُوشَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كُنْتُمْ جَعَلْتُمْ مَكَانَ هَذَا مُسُوحًا، كَانَ أَحْمَلَ لِلْغُبَارِ مِنْ هَذَا.(12/135)
بَابُ الأُرْجُوحَةِ
3224 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، أَنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " تَزَوَّجَنِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ، فَتَمَرَّقَ شَعْرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي، أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي، فَأَتَيْتُهَا، مَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ مِنِّي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ، فَمَسَحَتْ بِه وَجْهِي، وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(12/136)
قَوْلُهَا: «وُعِكَتْ» ، أَيْ: حُمِمَتْ، وَالْوَعْكُ: الْحُمَّى.
قَوْلُهَا: «تَمَرَّقَ شَعْرِي» ، أَيِ: انْتَثَرَ مِنَ الْمَرَضِ، وَمِثْلُهُ تَمَرَّطَ.
فَوَفَى، أَيْ: تَمَّ، وَالْجُمَيْمَةُ: تَصْغِيرُ الْجُمَّةِ مِنَ الشَّعْرِ.
قَوْلُهَا: «لأَنْهَجُ» ، أَيْ: أَرْبُو، وَأَتَنَفَّسُ، يُقَالُ: نَهَجَ، يَنْهَجُ، وَأَنْهَجَ: إِذَا عَلاهُ الْبُهْرُ، وَالنَّفَسُ مِنَ الإِعْيَاءِ، ونَهَجَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، يَنْهَجُ: إِذَا أَوْضَحَ وَأَبَانَ، يُقَالُ: نُهِجَ لَكَ مَنْهَجٌ، فَالْزَمْهُ، وَالْمَنْهَجُ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [الْمَائِدَة: 48] .
قَوْلُهَا: لَمْ يَرُعْنِي، أَيْ لَمْ يُفَاجِئْنِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الشَّيْءِ لَا تَتَوَقَّعَهُ فَيَهْجِمَ عَلَيْكَ(12/137)
كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى
بَابُ الدَّوَاءِ
3225 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، نَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3226 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتِ الأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،(12/138)
أَعَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: عِبَادَ اللَّهِ وَضَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ إِلا مَنِ اقْتَرضَ امْرَأً مُسْلِمًا، فَذَلِكَ الَّذِي هَلَكَ، وَحَرَجَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْزِلْ، أَوْ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمِ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ، أَوِ الْمُسْلِمُ؟ قَالَ: «الْخُلُقُ الْحَسَنُ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ شَرِيكٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، يُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، هُوَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، لَا يُعْرَفُ عَنْهُ رَاوٍ غَيْرُ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ
وَقَوْلُهُ: «إِلا مَنِ اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِمًا» ، أَيْ: نَالَ مِنْهُ، وَعَابَهُ، وَقَطَعَهُ بِالْغَيْبَةِ، وَأَصْلُ الْقَرْضِ: الْقَطْعُ.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنْ قَارَضْتَ النَّاسَ، قَارَضُوكَ، يَقُولُ: إِنْ سَابَبْتَهُمْ، سَابُّوكَ، وَإِنْ نِلْتَ مِنْهُمْ، نَالُوا مِنْكَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» .(12/139)
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّدَاوِي بِالشَّيْءِ النَّجِسِ، فَأَبَاحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ النَّجِسِ لِلتَّدَاوِي إِلا الْخَمْرَ، «لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلرَّهْطِ الْعُرَنِيِّينَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ» ، وَحَرَّمَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَنَاوُلَ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَدْ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ خَبْثَ النَّجَاسَةِ، بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ مُحَرَّمٌ مِنْ خَمْرٍ، أَوْ لَحْمٍ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، إِلا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ مِنْ أَبْوَالِ الإِبِلِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخَبْثَ مِنْ جِهَةِ الطَّعْمِ وَالْمَذَاقِ، وَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الطِّبَاعِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ طُعُومَ الأَدْوِيَةِ كَرِيهَةٌ، وَلَكِنَّ بَعْضَهَا أَيْسَرُ احْتِمَالا، وَأَقَلُّ كَرَاهِيَةً.
وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتَهَا أَصَابَهَا الْبِرْسَامُ، فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا، فَوَصَفَ أَنْ أُمَشِّطَهَا بِالْخَمْرِ، فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ فِي شَعْرِهَا.
وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا(12/140)
نَهَتْ عَنْ ذَلِكَ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُدَاوِى الدّبرَ بِالْخَمْرِ، وَكَرِهَهُ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْقُوا دَوَابَّهُمُ الْخَمْرَ، وَنَهَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ.
وَسُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَنِ التِّرْيَاقِ، قَالَ: أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُسْقَى، وَلَوْ عَلِمَ مَا فِيهِ، مَا أَمَرَ بِهِ.
وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ التِّرْيَاقَ إِذَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحُمَّةِ شَيْءٌ.
وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنِ التِّرْيَاقِ يُسْقَى الْمَلْدُوغَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِن أَيِّ شَيْءٍ يُصْنَعُ.
قِيلَ: مِنَ الْوَزَغِ، قَالَ: لَا تَقْرِبَنَّ مَا يُصْنَعُ بِالأَوْزَاغِ.
وَكَانَ الشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُولُ لَا يَرَيَانِ بِشُرْبِ التِّرْيَاقِ بَأْسًا.
بَابُ الشُّونِيزِ
3227 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ دَاءٍ إِلا فِي الْحَبَّةِ السَّوْداءِ مِنْهُ شِفَاءٌ، إِلا السَّامَ» .
يَعْنِي الْمَوْتَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ
3228 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،(12/141)
عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِلشُّونِيزِ: «عَلَيْكُم بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلا السَّامَ» .
يُرِيدُ الْمَوْتَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
وَمَرِضَ غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ، فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، فَاسْحَقُوهَا، ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ، وَفِي هَذَا الْجَانِبِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلا مِنَ السَّامِ» .
وَكَانَ قَتَادَةُ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَبَّةٍ، يَجْعَلُهُنَّ فِي خِرْقَةٍ، فَيَنْقَعُهَا، فَيُسْعِطُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْخِرِهِ الأَيْمَنِ قَطْرَتَيْنِ، وَفِي الأَيْسَرِ قَطْرَةٌ، وَالثَّانِي: فِي الأَيْسَرِ قَطْرَتَيْنِ، وَفِي الأَيْمَنِ قَطْرَةٌ، وَالثَّالِثُ: فِي الأَيْمَنِ قَطْرَتَيْنِ، وَفِي الأَيْسَرِ قَطْرَةٌ.
وَقِيلَ: عَنَى بِالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ: الْحَبَّةَ الْخَضْرَاءَ، لأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الأَسْوَدَ أَخْضَرَ، وَالأَخْضَرَ أَسْوَدَ.(12/142)
بَابُ الْمُدَاوَاةِ بِالْعَسَلِ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " إِنَّمَا الشِّفَاءُ فِي شَيْئَيْنِ: فِي الْعَسَلِ، وَفِي الْقُرْآنِ: شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَشِفَاءٌ لِلنَّاسِ ".
3229 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ يُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ الأَنْصَارِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ(12/143)
3230 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، نَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا الْكَيُّ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَيِّ، فَابْتُلِينَا، فَاكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَا، وَلا أَنْجَحْنَا» .
وَقَدْ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ.
3231 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَاحِبًا لَنَا اشْتَكَى، أَفَنَكْوِيهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ فَاكْوُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَارْضِفُوهُ، يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ» .(12/144)
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِيَدِهِ مِنْ رَمْيَتِهِ بِمِشْقَصٍ، ثُمَّ وَرِمَتْ، فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ» .
وَالْمِشْقَصُ: نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلا غَيْرَ عَرِيضٍ، فَإِنْ كَانَ عَرِيضًا، فَهُوَ الْمِعْبَلَةُ.
وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رُمِيَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ إِلَيْهِ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ» .
وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَ الشَّوْكَةِ» .
وَرُوِيَ، «أَنَّهُ كَوَاهُ فِي حَلْقِهِ مِنَ الذَّبْحَةِ» .
وَقَالَ أَنَسٌ: «كُوِيتُ مِنْ(12/145)
ذَاتِ الْجُنُبِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ، وَشَهِدَنِي أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِي» .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ اكْتَوَى فِي أَصْلِ أُذُنِهِ مِنَ اللِّقْوَةِ، وَكَوَى ابْنَهُ وَاقِدًا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَيُّ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْعِلاجِ وَالتَّدَاوِي الْمَأْذُونُ فِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ أَمْرَهُ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَحْسِمُ الدَّاءَ وَيُبَرِّئَهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ، هَلَكَ صَاحِبُهُ، وَيَقُولُونَ: آخَرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبَاحَ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى مَعْنَى طَلَبِ الشِّفَاءِ وَالتَّرَجِّي لِلْبُرْءِ بِمَا يُحْدِثُ اللَّهُ مِنْ صُنْعِهِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْكَيُّ وَالدَّوَاءُ سَبَبًا لَا عِلَّةً.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنِ الْكَيِّ، هُوَ أَنْ يَفْعَلَهُ احْتِرَازًا عَنِ الدَّاءِ قَبْلَ وُقُوعِ الضَّرُورَةِ، وَنُزُولِ الْبَلِيَّةِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ الْعِلاجُ، وَالتَّدَاوِي عِنْدَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ، وَدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ،(12/146)
وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا نَهَى عِمْرَانَ عَنِ الْكَيِّ فِي عِلَّةٍ بِعَيْنِهَا لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَنْجَعُ، أَلا تَرَاهُ يَقُولُ: فَمَا أَفْلَحْنَا، وَقَدْ كَانَ بِهِ الْبَاسُورُ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا نَهَاهُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْكَيِّ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْبَدَنِ، وَالْعِلاجِ إِذَا كَانَ فِيهِ الْخَطَرُ الْعَظِيمِ كَانَ مَحْظُورًا، وَالْكَيُّ فِي بَعْضِ الأَعْضَاءِ يَعْظُمُ خَطَرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِهَا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا إِلَى النَّوْعِ الْمَخُوفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ اكْتَوَى مِنَ اللِّقْوَةِ، وَرُقِيَ مِنَ الْعَقْرَبِ
3232 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ؟ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلا، فَسَقَاهُ، فَقَالَ: سَقَيْتُهُ، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسِتطْلاقًا، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، أَيْضًا بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ قَالَ: فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلا، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا، قَالَ: اسْقِهِ عَسَلا، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلا، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(12/147)
صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلا» ، فَسَقَاهُ فَبَرِئَ.
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَشْكُو قُرْحَةً، وَلا شَيْئًا إِلا جَعَلَ عَلَيْهِ عَسَلا حَتَّى الدِّمِّلَ
بَابُ الْحِجَامَةِ
قَالَ أَنَسٌ: «حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» .
3233 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ» .(12/148)
وَيُرْوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى خَادِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا فِي رَأْسِهِ، إِلا قَالَ: احْتَجِمْ، وَلا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ، إِلا قَالَ: اخْضِبْهُمَا "، يَعْنِي: بِالْحِنَّاءِ.
وَيُرْوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَتْ: «مَا كَانَ يَكُونُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْحَةٌ، وَلا نَكْبَةٌ إِلا أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ» .
وَإِسْنَادُهُ غَرِيبٌ، يَرْوِيهِ فَائِدٌ، عَنْ مَوْلاهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ صُدِعَ، فَغَلَّفَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ
3234 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، نَا هَمَّامٌ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالا: نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/149)
احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَثِيٍّ كَانَ بِهِ» .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَخْدَعَيْنِ، وَبَيْنَ الْكَتِفَيْنِ» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَافُوخِ»
بَابُ وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الْحِجَامَةِ
3235 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ الْطُوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّعْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، نَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ الْحِجَامَةَ لِسَبْعَ(12/150)
عَشْرةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَنْهَى أَهْلَهُ عَنِ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ» .
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَصَابَهُ وَضَحٌ، فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ»
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ أُسْنِدَ، وَلا يَصِحُّ.
وَرُوِيَ عَنْ عَوْنٍ، مَوْلًى لأُمِّ حَكِيمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(12/151)
مَنِ احْتَجَمَ، أَوِ اطْلَى يَوْمَ السَّبْتِ، أَوِ الأَرْبِعَاءِ، فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ فِي الْوَضَحِ» .
وَأَذِنَ جَمَاعَةٌ فِي بَطِّ الْجُرْحِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «بَعَثَ طَبِيبًا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ» .
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَكَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مَا تَلْقَى امْرَأَتُهُ مِنْ إِهْرَاقِهَا الدَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ كَانَ يَحِلُّ لِي مِنْهَا مَا يَحِلُّ لَكَ، لَقَطَعْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: بِأَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَا عِرْقٌ، فَلَوْ كُوِيَ، ذَهَبَ، فَبَرَأَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: وَلا يُذْهِبْهُ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ عُمَرُ: أَلْبِسُوهَا ثَوْبًا، وَشُقُّوا عَلَيْهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي يُرِيدُ، وَعَالِجْهَا.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، فِي الْمَرْأَةِ تَنْكَسِرُ فَخْذُهَا، وَلا يَجِدُونَ امْرَأَةً تُجَبِّرُهَا، قَالَ: يُجَبِّرُهَا رَجُلٌ، وَيُسْتَرُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَسُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ الْمَرْأَةِ بِرَأْسِهَا سِلْعَةٌ، قَالَ: يُخْرَقُ مِنْ خِمَارِهَا قَدْرُ السِّلْعَةِ، ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرِّجَالُ.
وَمِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ فِي مُدَاوَاةِ جُرْحِ الْمَرْأَةِ.
بَابُ تَبْرِيدِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» .(12/152)
3236 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا يَحْيَى، نَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ
3237 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ، " أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ، دَعَتْ بِمَاءٍ صَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَنْبَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يأْمُرُنَا أَنْ نُبَرِّدَهَا بِالْمَاءِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ(12/153)
بَابُ الْمُدَاوَاةِ بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْقَسْطُ
3238 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ، قَالَتْ: " دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَنْهُ مِنَ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ: عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلادَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاقِ؟ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ ".
فَسَمعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا خَمْسَةً.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ
وَعُبَيْدُ اللَّهِ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وَأُمُّ قَيْسٍ بِنْتِ مُحْصِنٍ الأَسَدِيَّةُ، أَسَدُ خُزَيْمَةَ، وَهِيَ أُخْتُ عُكَاشَةَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالإِعْلاقُ: مُعَالَجَةُ عُذْرَةَ الصَّبِيِّ، وَرَفْعُهَا بِالإِصْبَعِ، وَالدَّغْرُ مِثْلُهُ،(12/154)
وَهُوَ غَمْزُ الْحَلْقِ.
وَالْعُذْرَةُ: وَجَعٌ يَهِيجُ فِي الْحَلْقِ مِنَ الدَّمِ، فَإِذَا عُولِجَ مِنْهُ صَاحِبُهُ، يُقَالُ: عَذَرْتُهُ، فَهُوَ مَعْذُورٌ.
وَقَوْلُهُ: «أَعْلَقْتَ عَنْهُ» ، أَيْ: رَفَعْتَ عَنْهُ الْعُذْرَةَ بِالإِصْبَعِ، وَالْعُلُقُ: الدَّوَاهِي، وَالْعُلُقُ: الْمَنَايَا، وَالْعُلُقُ: الأَشْغَالُ.
وَيُرْوَى: «قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ» ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا: عَنْهُ.
وَقَدْ يَجِيءُ «عَلَى» بِمَعْنَى: «عَنْ» ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] ، أَيْ: عَنِ النَّاسِ.
وَالْعُودُ الْهِنْدِيُّ: هُوَ الْقِسْطُ الْبَحَرِيُّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ: الْحِجَامَةُ، وَالْقَسْطُ الْبَحْرِيُّ لِصِبْيَانِكُمْ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَلا تُعَذِّبُوهُمْ بِالْغَمْزِ ".
وَيُقَالُ لَهُ: الْكُسْتُ، كَمَا يُقَالُ: كَافُورٌ وَقَافُورٌ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: وَإِذَا السَّمَاءُ قُشِطَتْ، بِالْقَافِ.
وَالسَّعُوطُ: مَا يُجْعَلُ فِي الأَنْفِ، وَالْوَجُورُ: مَا يُصَبُّ فِي وَسَطِ الْفَمِ، وَذَاتِ الْجُنُبِ: هِيَ الدُّبَيْلَةُ، وَهِيَ قُرْحَةٌ قَبِيحَةٌ تَثْقُبُ الْبَطْنَ، وَاللَّدُودُ: مَا يُصَبُّ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الْفَمِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أُخِذَ مِنْ لَدِيدِي الْوَادِي، وَهُمَا جَانِبَاهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرِّجَالِ: هُوَ يَتَلَدَّدُ: إِذَا الْتَفَتَ مِنْ جَانِبَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالا، يُقَالُ: لَدَدْتُهُ، أَلُدُّهُ: إِذَا سَقَيْتُهُ ذَلِكَ.(12/155)
بَابُ اللَّدُودِ وَالسَّعُوطِ وَالْمَشْيِ
3239 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربندكشائي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ اللَّدُودُ، وَالسَّعُوطُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْمشي» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَالْمَشْيُ: الدَّوَاءُ الْمُسْهِلُ، يُقَالُ: شَرِبْتُ مَشْيًا، وَمَشَوْا، يَعْنِي: دَوَاءَ الْمَشْيِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحُقْنَةَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلِهِ، وَكَرِهَهَا مُجَاهِدٌ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ كَانَ يَحْتَقِنُ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْحُقْنَةِ بَأْسًا
بَابُ الرُّقْيةِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا وَتَعْلِيقِ التَّمَائِمِ
3240 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ(12/156)
يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْنَبَ، قَالَتْ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَنْزِلَ، تَنَحْنَحَ، وَبَزَقَ، لِيُعْلِمَنَا مَخَافَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، وَإِنَّهُ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعِنْدِي عَجُوزٌ تَرْقِي مِنَ الْحُمْرَةِ، قَالَتْ: فَلَمَّا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ، تَنَحْنَحَ، قَالَتْ: فَأَدْخَلْتُهَا تَحْتَ السَّرِيرِ، قَالَتْ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ مَعِي عَلَى السَّرِيرِ، قَالَتْ: فَرَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَيْطُ؟ فَقُلْتُ: خَيْطٌ رُقِيَ لِي فِيهِ، قَالَتْ: فَأَخَذَهُ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ آلُ عَبْدِ اللَّهِ لأَغْنِيَاءُ عَنِ الشِّرْكِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَقُولُ هَكَذَا؟ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلانٍ الْيَهُودِيِّ، فَإِذَا رَقَاهَا، سَكَنَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَلِكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ، كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رُقِيَ فِيهَا، كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ، أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا "(12/157)
التَّمَائِمُ: جَمْعُ التَّمِيمَةِ، وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ بِزَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهَا الشَّرْعُ، وَيُقَالُ: التَّمِيمَةُ: قِلادَةٌ يُعَلَّقُ فِيهَا الْعُودُ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «قَطَعَ التَّمِيمَةَ مِنْ عُنُقِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ» .
وَرُوِيَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ دُمْلُجٌ مِنْ صِفْرٍ، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ قَالَ: جَعَلْتُهُ مِنَ الْوَاهِنَةِ، فَقَالَ عِمْرَانُ: فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا.
وَقَالَ حَمَّادٌ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَكْرَهُ كُلَّ شَيْءٍ يُعَلَّقُ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنَ التَّمَائِمِ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلاءِ، وَلَكِنَّ التَّمِيمَةَ مَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلاءِ، لِيَدْفَعَ بِهِ مَقَادِيرَ اللَّهِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُعَدُّ مِنَ التَّمَائِمِ مَا يُكْتَبُ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنِ الصُّحُفِ الصِّغَارِ يَكْتُبُ فِيهِ الْقُرْآنُ، فَيُعَلَّقُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا جُعِلَ فِي كِيرٍ مِنْ وَرَقٍ، أَوْ حَدِيدٍ، أَوْ يُخَرَّزُ عَلَيْهِ.
وَالتِّوَلَةُ: ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ.
فَأَمَّا التُّوَلَةُ بِضَمِّ التَّاءِ: فَهُوَ الدَّاهِيَةُ.(12/158)
قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَادَ بِقُرَيْشٍ التِّوَلَةَ، يَعْنِي: الدَّاهِيَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» .
وَالنُّشْرَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الرُّقْيَةِ يُعَالَجُ بِهَا مِنْ كَانَ يَظُنُّ بِهِ مَسَّ الْجِنِّ، سُمِّيَتْ نُشْرَةً، لأَنَّهُ يُنْشَرُ بِهَا عَنْهُ، أَيْ: يُحَلُّ عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنَ الدَّاءِ، وَكَرِهَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ.
وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: النُّشْرَةُ مِنَ السِّحْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا بَأْسَ بِهَا.
وَقَالَ الإِمَامُ: وَالْمَنْهِيُّ مِنَ الرُّقَى مَا كَانَ فِيهِ شِرْكٌ، أَوْ كَانَ يُذْكَرُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، أَوْ مَا كَانَ مِنْهَا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلا يُدْرَى مَا هُوَ، وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهُ سِحْرٌ، أَوْ كُفْرٌ، فَأَمَّا مَا كَانَ بِالْقُرْآنِ، وَبِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ» .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي رَقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى غَنَمٍ: «مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا رُقَيَّةٌ؟ أَحْسَنْتُمْ، اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» ، وَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ «.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ،» أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ(12/159)
مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ".
وَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» .
3241 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الشَّرِيحِيُّ، أَنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ الصَّيْرَفِيُّ، بِالْكُوفَةِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَقَّارِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيَرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اكْتَوَى، أَوِ اسْتَرْقَى، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكيْمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ»(12/160)
بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنَ الرُّقَى
3242 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَنِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمَرَ أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ
3243 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ، " أَنَّ أسَمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي(12/161)
جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَضَاءَ، لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3244 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْحُمَّةِ، وَالنَّمْلَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَّةٍ» .
وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيُ جَوَازِ الرُّقْيَةِ فِي غَيْرِهِمَا، بَلْ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جَمِيعِ الأَوْجَاعِ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعَ مِنْهُمَا.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهِيَ عِنْدَ حَفْصَةٍ: «(12/162)
أَلا تَعْلَمِينَ هَذِهِ رُقْيَةُ النَّمْلَةِ، كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ» .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْحُمَّةِ سُمُّ ذَوَاتِ السُّمُومِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ اسْتَرْقَى مِنَ الْعَقْرَبِ» .
وَالنَّمْلَةِ: قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ، وَقَدْ تَخْرُجُ فِي غَيْرِ الْجَنْبِ، فَتُرْقَى، فَتَذْهَبُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنُّمْلَةُ بِضَمِّ النُّونِ: النَّمِيمَةُ، يُقَالُ لِلنَّمَّامِ: نَمِلٌ.
وَصَحَّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً، فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ» .
قَوْلُهُ: سَفْعَةٌ، أَيْ: نَظْرَةٌ، يَعْنِي: مِنَ الْجِنِّ، وَقِيلَ: عَلامَةٌ.
وَأَرَادَ بِالنَّظْرَةِ: الْعَيْنَ، يَقُولُ: بِهَا عَيْنٌ أَصَابَتْهَا مِنْ نَظَرِ الْجِنِّ، وَقِيلَ: عُيُونُ الْجِنِّ أَنْفَذُ مِنْ أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ.
3245 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو(12/163)
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: " رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، قَالَ: فَلُبِطَ سَهْلٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ؟ فَقَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا؟ فَقَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيَعَةَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا، فَتَغَلَّظَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَلا بَرَّكْتَ، اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ لَهُ عَامِرٌ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ".
وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَفِي رِوَايَتِهِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ» .
فَتَوَضَّأَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: فَلُبِطَ، أَيْ صُرِعَ، يُقَالُ: لُبِطَ بِالرَّجُلِ، فَهُوَ مَلْبُوطٌ(12/164)
3246 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ، لَسَبقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَغْسِلْ» .
هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مُرْسَلا، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ، فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ
قَالَ الزُّهْرِيُّ: يُؤْتَى الرَّجُلُ الْعَائِنُ بِقَدَحٍ، فَيُدْخِلُ كَفَّهُ فِيهِ، فَيُمَضْمِضُ، ثُمَّ يَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَغْسِلُ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَلا يُوضَعُ الْقَدَحُ(12/165)
فِي الأَرْضِ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَى رَأْسِ الرَّجُلِ الَّذِي أُصِيبَ بِالْعَيْنِ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً.
وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ دَاخِلَةِ الإِزَارِ، ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَذَاكِيرِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى الأَفْخَاذِ وَالْوَرِكِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا أَرَادَ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، طَرَفَ إِزَارِهِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ، مِمَّا يَلِي جَانِبَ الأَيْمَنِ، فَهُوَ الَّذِي يُغْسَلُ، قَالَ: وَلا أَعْلَمُهُ إِلا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ هَكَذَا.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ رُئِيَ فِيكُمُ الْمُغَرِّبُونَ؟ قُلْتُ: وَمَا الْمُغَرِّبُونَ؟ قَالَ: الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْجِنُّ ".
قِيلَ: سُمُّوا مُغَرِّبِينَ، لأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِمْ عِرْقٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى صَبِيًّا مَلِيحًا، فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ كَيْلا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ.
وَمَعْنَى دَسِّمُوا، أَيْ: سَوِّدُوا، وَالنُّونَةُ: الثُّقْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَقَنِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ.
وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ، أَوْ دَخَلَ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهِ، قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى بَأْسًا أَنْ يُعَوَّذَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يُعَالَجَ بِهِ الْمَرِيضُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ وَيَغْسِلَهُ، وَيَسْقِيَهُ الْمَرِيضَ.
وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَكْتُبَ لامْرَأَةٍ تَعَسَّرُ عَلَيْهَا وِلادَتُهَا، آيَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَلِمَاتٍ، ثُمَّ يُغْسَلَ وَتُسْقَى.
وَقَالَ أَيُّوبُ: رَأَيْتُ أَبَا قِلابَةَ كَتَبَ كِتَابًا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءٍ، وَسَقَاهُ رَجُلا كَانَ بِهِ وَجَعٌ.
يَعْنِي: الْجُنُونَ.(12/166)
بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الطِّيَرَةِ وَاسْتِحْبَابِ الْفَأْلِ
3247 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ عَفَّانُ: نَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، نَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3248 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ، قَالَ: فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: فَمَا بَالُ الإِبِلِ(12/167)
تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ ".
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلي مُصحٍّ» ، قَالَ: فَرَاجَعَهُ الرَّجُلُ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَدَّثْتَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ» .
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أُحَدِّثْكُمُوهُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ، وَمَا سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَا كِلا الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا عَدْوَى» ، فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَمْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الآخَرَ.
قَوْلُهُ: «لَا يورِدُ مُمْرَضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ، فَالْمُمْرَضُ: الَّذِي مَرِضَتْ(12/168)
مَاشِيَتُهُ، وَالْمُصِحُّ: صَاحِبُ الصِّحَاحُ مِنْهَا، كَمَا يُقَالُ: مُضْعِفٌ لِمَنْ ضَعُفَتْ دَوَابُّهُ، وَمُقْوٍ لِمَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ أَقْوِيَاءَ.
قَالَ الْخَطَابِيُّ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ أَنَّ الْمَرِيضَ يُعْدِي، وَلَكِنَّ الصِّحَاحَ إِذَا مَرِضْتَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَقَعَ فِي نَفْسِ صَاحِبِهَا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ قَبْلِ الْعَدْوَى، فَيَفْتِنُهُ، وَيُشَكِّكُهُ فِي أَمْرِهِ، فَأَمَرَهُ بِاجْتِنَابِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُ هَذَا، عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلْمَخَافَةِ عَلَى الصَّحِيحَةِ مِنْ ذَاتِ الْعَاهَةِ، وَهَذَا شَرُّ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، لأَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي التَّطَيُّرِ، وَكَيْفَ لَا يَنْهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا التَّطَيُّرِ، وَهُوَ يَقُولُ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» ، وَلَكِنَّ وَجْهَهُ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَنْزِلَ بِهَذِهِ الصِّحَاحِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا يَنْزِلُ بِتِلْكَ، فَيَظُنُّ الْمُصِحُّ أَنَّ تِلْكَ أَعْدَتْهَا، فَيَأْثَمُ.
قَالَ الإِمَامُ: الْعَدْوَى أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ، أَوْ بِإِنْسَانِ بَرَصٌ، أَوْ جُذَامٌ، فَتَتَّقِي مُخَالَطَتَهُ حَذَرًا أَنْ يَعْدُوَ مَا بِهِ إِلَيْكَ، وَيُصِيبَكَ مَا أَصَابَهُ.
فَقَوْلُهُ: «لَا عَدْوَى» يُرِيدُ أَنَّ شَيْئًا لَا يُعْدِي شَيْئًا بِطَبْعِهِ، إِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَابِقِ قَضَائِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِلأَعْرَابِيِّ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ» ، يُرِيدُ أَنَّ أَوَّلَ بَعِيرٍ جَرِبٍ مِنْهَا، كَانَ جَرَبُهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، لَا بِالْعَدْوَى، فَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ بِسَائِرِ الإِبِلِ مِنْ بَعْدُ.
3249 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ(12/169)
بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ بِذَنَبِهِ فِي الإِبِلِ الْعَظِيمَةِ، فَتَجْرَبُ كُلُّهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا أَجْرَبَ الأَوَّلَ "
وَالنُّقْبَةُ: أَوَّلُ الْجَرَبِ حِينَ يَبْدُو، وَجَمْعُهَا نُقُبٌ.
وَالطِّيَرَةُ: مَعْنَاهَا التَّشَاؤُمُ، يُقَالُ: تَطَيَّرَ الرَّجُلُ طِيرَةً، كَمَا يُقَالُ: تَخَيَّرْتُ الشَّيْءَ خِيرَةً، وَلَمْ تَجِئِ الْمَصَادِرُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ غَيْرَهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: 18] ، أَيْ: تَشَاءَمْنَا، {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: 19] ، أَيْ: شُؤْمُكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [الْأَعْرَاف: 131] ، أَيْ: حَقُّهُمُ الْمَكْتُوبُ لَهُمْ، وَطَائِرُ الإِنْسَانِ: مَا طَارَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا قُدِّرَ لَهُ، وَأُخِذَتِ الطِّيَرَةُ مِنَ اسْمِ الطَّيْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَطَيَّرُ بِبُرُوحِ الطَّيْرِ وَسُنُوحِهَا فَيَصُدُّهُمْ ذَلِكَ عَمَّا يَمَّمُوهُ مِنْ مَقَاصِدِهِمْ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ مِنْهَا تَأْثِيرٌ فِي اجْتِلابِ نَفْعٍ، أَوْ ضُرٍّ، وَيُقَالُ: الطِّيَرَةُ أَنْ يَخْرُجَ لأَمْرٍ، فَإِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ مَضَى، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ انْصَرَفَ، فَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْ مَحْبُوبِ ذَلِكَ وَمَكْرُوهِهِ، فَلَيْسَ بِطِيَرَةٍ، إِذَا مَضَى لِحَاجَتِهِ، وَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ مَضَيْتَ فَمُتَوَكِّلٌ، وَإِنْ نَكَصْتَ فَمُتَطَيِّرٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تَضُرُّ الطِّيَرَةُ إِلا مِنْ تَطَيَّرَ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا هَامَةَ» فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ عِظَامَ الْمَوْتَى تَصِيرُ هَامَةً، فَتَطِيرُ، فَيَقُولُونَ: لَا يُدْفَنُ مَيِّتٌ إِلا وَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ(12/170)
هَامَةٌ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ الصَّدَى، وَمِنْ ذَلِكَ تَطَيُّرُ الْعَامَّةِ بِصَوْتِ الْهَامَةِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا صَفَرَ» مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: الصَّفَرُ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الإِنْسَانَ وَالْمَاشِيَةَ، تُؤْذِيهِ إِذَا جَاعَ، وَهِيَ أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ أَنَّهَا تَعْدِي، وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ: إِنَّهُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحْرِمِ إِلَى صَفَرٍ، وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَشْئِمُونَ بِصَفَرٍ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» قَالَ الإِمَامُ: لَعَلَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ، وَقِيلَ: هُوَ رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الطَّاعُونِ: «إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ فَلا تُقَدِّمُوا عَلَيْهِ» ، فَمَنْ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهُ مُتَوَكِّلا، فَحَسَنٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، «أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ» .
وَقِيلَ: إِنَّ الْجُذَامَ عِلَّةٌ لَهَا رَائِحَةٌ تُسْقِمُ مَنْ أَطَالَ مُجَالَسَةِ صَاحِبِهَا، وَمُؤَاكَلَتِهِ، لاشْتِمَامِ تِلْكَ الرَّائِحَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُضَاجِعُ الْمَجْذُومَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَرُبَّمَا تُجْذَمُ مِنَ الأَذَى الَّذِي يُصِيبُهَا، وَقَدْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي النَّسْلِ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ الْجَرِبُ يُخَالِطُ الإِبِلَ وَيُحَاكُّهَا، فَيَصِلُ إِلَيْهَا بَعْضُ مَا يَسِيلُ مِنْ جَرَبِهِ، فَيَظْهَرُ عَلَيْهَا أَثَرٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى، بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ، كَمَا أَنَّ أَكْلَ مَا يُعَافِهِ الإِنْسَانُ، وَاشْتِمَامَ مَا يَكْرَهُ رِيحَهُ، وَالْمَقَامَ فِي بَلَدٍ لَا يُوَافِقُ هَوَاهُ طَبْعُهُ يَضُرُّهُ، وَمَا يُوَافِقُهُ يَنْفَعُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ(12/171)
جَلَّ ذِكْرُهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 102] .
3250 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قَدِمَ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، مَجْذُومٌ لِيُبَايِعَهُ، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ائْتِهِ فَأَخْبِرْهُ، فَإِنِّي قَدْ بَايَعْتُهُ، فَلْيَرْجِعْ «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَرَوَى يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ،» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ، وَقَالَ: كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلا عَلَيْهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، وَالْمُفَضَّلُ هَذَا شَيْخٌ بَصْرِيٌّ، وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ آخَرُ مِصْرِيٌّ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَشْهَرُ.
وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عُمَرَ أَخذ بِيَدِ مجْذِومٍ، وَحَدِيثُ شُعْبَةَ عِنْدِي أَشْبَهُ وَأَصَحُّ.(12/172)
قَالَ الإِمَامُ: وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأَجْذَمِ.
3251 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا غُولَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ.
قَوْلُهُ: «وَلا غَوْلَ» لَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْغَوْلِ كَوْنًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ الْغِيلانَ تَظْهَرُ لِلنَّاسِ فِي الْفَلَوَاتِ فِي الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَتُضِلُّهُمْ وَتُهْلِكُهُمْ، وَيُقَالُ: تَغَوَّلَ تَغَوُّلا، أَيْ: تَلَوَّنَ
فَأَخْبَرَ الشَّرْعُ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الإِضْلالِ وَالإِهْلاكِ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلانُ، فَبَادِرُوا بِالأَذَانِ» ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْغِيلانَ سَحَرَةُ الْجِنِّ، تَسْحَرُ النَّاسَ، وَتَفْتِنُهُمْ(12/173)
بِالإِضْلالِ عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْغَوْلُ وَالْغُولُ يَقَعَانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْبُعْدُ، وَالآخَرُ: الإِهْلاكُ، فَالْغَوْلُ: الْمَصْدَرُ، وَالْغُولُ: الاسْمُ.
3252 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِي، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا عَدْوَى، وَلا هَامَةَ، وَلا نَوْءَ، وَلا صَفَرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
قَوْلُهُ: «لَا نَوْءَ» أَرَادَ بِهِ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَنْسِبُ الْمَطَرَ إِلَى أَنْوَاءِ الْكَوَاكِبِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ، وَتَقُولُ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ أَنْ يَكُونَ بِنَوْءِ النُّجُومِ شَيْءٌ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: " مِنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ "
3253 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ،(12/174)
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَن مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ
3254 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَفَاءَلُ، وَلا يَتَطَيَّرُ، كَانَ يُحِبُّ الاسْمَ الْحَسَنَ»
الْفَأْلُ مَهْمُوزٌ: وَجَمْعُهُ فُئُولٌ، وَالْفَأْلُ قَدْ يَكُونُ فِيمَا يَحْسُنُ وَيَسُوءُ، وَالطَّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلا فِيمَا يَسُوءُ، وَإِنَّمَا أَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَأْلَ، لأَنَّ فِيهِ رَجَاءُ الْخَيْرِ وَالْعَائِدَةُ، وَرَجَاءُ الْخَيْرِ أَحْسَنُ بِالإِنْسَانِ مِنَ الْيَأْسِ وَقَطْعِ الرَّجَاءِ عَنِ الْخَيْرِ.
3255 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،(12/175)
عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، عَنْ أَبِي يَمَانٍ.
حُكِيَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَوْنٍ عَنِ الْفَأْلِ؟ قَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا، فَيَسْمَعُ يَا سَالِمُ، أَوْ يَكُونُ طَالِبًا، فَيَسْمَعُ يَا وَاجِدُ
قَالَ الإِمَامُ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ «.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ، فَإِذَا بَعَثَ عَامِلا يَسْأَلُ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ، فَرِحَ بِهِ، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً، سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا، فَرِحَ بِهَا، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا، رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ".(12/176)
وَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَخْتَارَ لِوَلَدِهِ وَخَدَمِهِ الأَسْمَاءَ الْحَسَنَةَ، فَإِنَّ الأَسْمَاءَ الْمَكْرُوهَةَ قَدْ تَوَافَقَ الْقَدَرُ، رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِرَجُلٍ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ، قَالَ: ابْنُ مِنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: مِمَّنْ، قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ، قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ، قَالَ: بِأَيِّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَكَ، فَقَدِ احْتَرَقُوا، فَكَانَ كَمَا قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
3256 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَوْفٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ حَيَّانَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْعِيَافَةُ، وَالطَّرْقُ، وَالطِّيَرَةُ مِنَ الْجِبْتِ» .
وَأَرَادَ بِالْعِيَافَةِ: زَجْرَ الطَّيْرِ.
وَالطَّرْقُ: هُوَ الضَّرْبُ بِالْحَصَى، وَأَصْلُ الطَّرْقِ: الضَّرْبُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مِطْرَقَةُ الصَّائِغِ وَالْحَدَّادِ، لأَنَّهُ يَطْرِقُ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ، وَالطَّارِقُ: الْكَاهِنُ
3257 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ(12/177)
بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، أَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيسَى الأَسَدِيِّ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَمَا مِنَّا إِلا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ»
قَوْلُهُ: «وَمَا مِنَّا إِلا» مَعْنَاهُ: إِلا وَقَدْ يَعْتَرِيهِ التَّطَيُّرُ، وَيَسْبِقُ إِلَى قَلْبِهِ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِ، فَحَذَفَهُ اخْتِصَارًا، وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: قَوْلُهُ: «مَا مِنَّا» لَيْسَ قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «لَا هَامَةَ، وَلا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ، فَفِي الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ، وَالدَّارِ» .
فَقَدْ قِيلَ: وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ، أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْخُرُوجِ مِنْ كَلامٍ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ لأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا، أَوِ امْرَأَةٌ يُكْرَهُ صُحْبَتَهَا، أَوْ فَرَسٌ لَا يُعْجِبُهُ.
فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الدَّارِ، وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ، وَيَبِيعَ الْفَرَسَ حَتَّى يَزُولَ(12/178)
عَنْهُ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا، وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ قَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَأَمْوَالُنَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» .
فَأَمَرَهُمْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا، لأَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا عَلَى اسْتِثْقَالٍ لِظِلِّهَا، وَاسْتِيحَاشٍ، فَأَمَرَهُمْ بِالانْتِقَالِ لِيَزُولَ عَنْهَا مَا يَجِدُونَ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ، لَا أَنَّهَا سَبَبٌ فِي ذَلِكَ.
بَابُ الْكَهَانَةِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النِّسَاء: 51] ، قَالَ عُمَر: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ، وَقَالَ جَابِرٌ: الطَّوَاغِيتُ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، كَانَ فِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ، وَقِيلَ: الْجِبْتُ:(12/179)
كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
3258 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْكُهَّانَ قَدْ كانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّيْءِ، فَيَكُونَ حَقًّا، قَالَ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَزِيدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَوْلُهُ: «يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ» أَيْ: يَأْخُذُهَا وَيَسْتَلِبُهَا بُسُرْعَةٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ(12/180)
وَتَعَالَى: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10] ، أَيِ: اسْتَرَقَ السَّمْعَ بِسُرْعَةٍ
3259 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ، نَا أَبْوُ بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: " قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: ذَلِكَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَلا يَصُدَّنَّكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ؟ قَالَ: فَلا تَأْتُوهُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: خَطَّ نَبيٌّ، فَمَنْ وَافَقَ عِلْمَهُ عَلِمَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَوْلُهُ فِي الطِّيَرَةِ: «ذَلِكَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ» يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يُوجَدُ فِي النُّفُوسِ مِنَ الْبَشَرِيَّةِ، وَمَا يَعْتَرِي الإِنْسَانُ مِنْ قِبَلِ الظُّنُونِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ مِنْ جِهَةِ الطِّبَاعِ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ.
قَالَ الإِمَامُ: وَفِعْلُ الْكَهَانَةِ بَاطِلٌ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .(12/181)
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، «مِنْ أَتَى كَاهِنًا فَسَأَلَهُ وَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبِعِينَ لَيْلَةً» .
فَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأَسْرَارِ، وَمُطَالَعَةَ عِلْمَ الْغَيْبِ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ الأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَئِيسًا مِنَ الْجِنِّ، وَتَابِعةً تَلْقِي إِلَيْهِ الأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ الأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيهِ.
وَالْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا، كَالْمَسْرُوقِ مِنَ الَّذِي سَرَقَهَا، وَمَعْرِفَةُ مَكَانِ الضَّالَّةِ، وَتُتَّهَمُ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَى، فَيَقُولُ: مِنْ صَاحِبِهَا؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ» .(12/182)
قَالَ الإِمَامُ: وَالْمَنْهِيُّ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، مِثْلَ إِخْبَارِهِمْ بِوَقْتِ هُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَوُقُوعِ الثَّلْجِ، وَظُهُورِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ وَنَحْوِهَا، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَدْرِكُونَ مَعْرِفَتِهَا بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ، وَاجْتِمَاعِهَا وَافْتِرَاقِهَا، وَهَذَا عِلْمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لُقْمَان: 34] ، فَأَمَّا مَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الزَّوَالُ، وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الْأَنْعَام: 97] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النَّحْل: 16] ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ النُّجُومَ طُرُقٌ لِمَعْرِفَةِ الأَوْقَاتِ وَالْمَسَالِكِ، وَلَوْلاهَا لَمْ يَهْتَدِ النَّائِي عَنِ الْكَعْبَةِ إِلَى اسْتِقْبَالِهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ، ثُمَّ أَمْسِكُوا» .
وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْمٍ يَكْتُبُونَ أَبَاجَادٍ، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ، قَالَ: مَا أَرَى مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلاقٍ.
قَوْلُهُ: «وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَطُّ الَّذِي يَخُطُّهُ الْحَازِي، وَهُوَ عَلْمٌ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ، قَالَ: يَأْتِي صَاحِبُ الْحَاجَةِ إِلَى الْحَازِي، فَيُعْطِيهِ حُلْوَانًا، فَيَقُولُ لَهُ: اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ، وَبَيْنَ(12/183)
يَدَيِ الْحَازِي غُلامٌ مَعَهُ مَيْلٌ، فَيَأْمُرُهُ الْحَازِي أَنْ يَخُطَّ خُطُوطًا كَثِيرَةً عَلَى رَمْلٍ، أَوْ تُرَابٍ فِي خِفَّةٍ وَعَجَلَةٍ لِئَلا يَلْحَقَهَا الْعَدَدُ وَالإِحْصَاءُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ، فَيَمْحُوهَا خَطَّيْنِ خَطَّيْنِ عَلَى مَهْلٍ، وَهُوَ يَقُولُ: ابْنَيْ عَيَانٍ أَسْرِعَا الْبَيَانَ.
ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى آخِرِ مَا يَبْقَى مِنْهَا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا خَطَّانِ، فَهُوَ عَلامَةُ النَّجَاحِ، وَإِنْ بَقِيَ خَطٌّ وَاحِدٌ، فَهُوَ دَلِيلُ الْخَيْبَةِ وَالْحِرْمَانِ.
وَقَوْلُهُ: «فَمَنْ وَافَقَ عِلْمُهُ عِلْمَ» ، وَيُرْوَى «فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ» ، قَالَ الْخطابِيُّ: فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الزَّجْرُ عَنْهُ، إِذْ كَانَ مِنْ بَعْدِهِ لَا يُوَافِقُ خَطَّهُ، وَلا يَنَالُ حَظَّهُ مِنَ الصَّوَابِ، لأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ آيَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ، وَعِلْمًا لِنُبُوَّتِهِ، فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدِهِ أَنْ يَتَعَاطَاهُ طَمَعًا فِي نَيْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: إِنَّ قَوْمًا يَحْسَبُونَ بِأَبِي جَاد، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ، وَمَا أَرَى لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلاقٍ.
بَابُ السِّحْرِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا(12/184)
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [الْبَقَرَة: 102] ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] ، وَالنَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ تَنْفِثُ، أَيْ: تَتْفُلُ بِلا رِيقٍ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] ، أَيْ: يُشَبَّهُ، وَالتَّخَايِيلُ: كُلُّ مَا لَا أَصْلَ لَهُ.
3260 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ شَيْئًا، وَمَا صَنَعَهُ، وَأَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلانِ، فَجَلَسَ أَحَدهُما عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ: عِنْدَ رِجْلِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ الآخَرُ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ:(12/185)
فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوَانَ، وذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلا أَخْرَجْتُهُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنَّ أثير عَلَيَّ النَّاسَ مِنْهُ شَرًّا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، نَحْوُهُ، وَزَادَ فِيهِ: " إِنَّ الْمَلَكَيْنِ قَالَا لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى الْبِئْرِ، فَاسْتَخْرِجْ مِنْهَا سِحْرًا، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَإِذَا بِئْرٌ مَاؤُهَا كَثِيرُ الْخَنَافِسِ، فَاسْتَخْرَجَ السِّحْرَ، فَبرأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وَقَوْلُهَا: «طُبَّ» أَيْ: سُحِرَ، وَيُقَالُ: رَجُلٌ مَطْبُوبٌ، أَيْ: مَسْحُورٌ، كُنِيَ بِالطِّبِّ الَّذِي هُوَ لِلْعِلاجِ عَنِ السِّحْرِ، كَمَا كُنِيَ بِالسَّلِيمِ عَنِ اللَّدِيغِ تَطَيُّرًا مِنَ اللَّدْغِ إِلَى السَّلامَةِ، وَكُنِيَ عَنِ الْفَلاةِ،(12/186)
وَهِيَ الْمُهْلِكَةُ بِالْمَفَازَةِ، تَطَيُّرًا مِنَ الْهَلاكِ إِلَى الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الأَضْدَادِ، يُقَالُ لِعِلاجِ الدَّاءِ: طُبَّ، وَلِلسِّحْرِ: طُبَّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَدْوَاءِ.
وَالْمُشَاطَةُ: الشَّعْرُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عِنْدَ التَّسْرِيحِ بِالْمِشْطِ.
وَيُرْوَى فِي مِشْطٍ وَمُشَاقَةٍ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ وَالْجُفُّ: وَعَاءُ الطَّلْعِ، وَيُرْوَى: وَجُبَّ طَلْعَةِ ذِكْرٍ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: يُقَالُ لِوِعَاءِ الطَّلْعِ: جُفٌّ وَجُبٌّ مَعًا، يُقَالُ: أَرَادَ بِالْجُبِّ دَاخِلَهَا، كَمَا يُقَالُ لِدَاخِلَةِ الرَّكِيَّةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى أَسْفَلِهَا جُبٌّ.
وَيُرْوَى: «تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ» ، وَالرَّاعُوفَةُ: صَخْرَةٌ تُتْرَكُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ إِذَا احْتُفِرَتْ نَاتِئَةٌ يَجْلِسُ عَلَيْهَا مَنْ يُنَقِّي الْبِئْرَ، وَكَذَلِكَ الرَّاعُوثَةُ.
وَقَوْلُهُ: «كَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» أَيْ: أَنَّهَا مُسْتَدَقَّةٌ كَرُءُوسِ الْحَيَّاتِ، وَالْحَيَّةُ يُقَالُ لَهَا: الشَّيْطَانُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهَا وحشةُ الْمَنْظَرِ، قَبِيحَةُ الأَشْكَالِ، كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ الْمُشَوَّهَةُ الْخَلْقِ، الْهَائِلَةُ لِلنَّاظِرِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَائِعِ السِّحْرَ، وَأَبْطَلُوا حَقِيقَتَهُ، وَدَفَعَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِيمَا يُوحَى إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ، فَيَكُونَ فِيهِ ضَلالُ الأُمَّةِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ السِّحْرَ ثَابِتٌ، وَحَقِيقَتُهُ مَوْجُودَةٌ، اتَّفَقَ أَكْثَرُ الأُمَمِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْفُرْسِ، وَالْهِنْدِ، وَبَعْضِ الرُّومِ عَلَى إِثْبَاتِهِ، وَهَؤُلاءِ أَفْضَلُ سُكَّانِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا وَحِكْمَةً، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [الْبَقَرَة: 102] ، وَأَمَرَ بِالاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ(12/187)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ لَا يُنْكِرُهَا إِلا مِنْ أَنْكَرَ الْعِيَانَ وَالضَّرُورَةَ، وَفَرَّعَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمِ السَّاحِرِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ وَالاسْتِفَاضَةِ، فَنَفْيُ السِّحْرِ جَهْلٌ، وَالرَّدُّ عَلَى مِنْ نَفَاهُ لَغْوٌ وَفَضْلٌ.
فَأَمَّا مَا زَعَمُوا مِنْ دُخُولِ الضَّرَرِ فِي الشَّرْعِ بِإِثْبَاتِهِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لأَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِي أَبْدَانِهِمْ وَهُمْ بَشَرٌ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِلَلِ وَالأَمْرَاضِ مَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ تَأْثِيرُ السِّحْرِ فِي أَبْدَانِهِمْ بِأَكْثَرَ مِنَ الْقَتْلِ، وَتَأْثِيرِ السُّمِّ، وَعَوَارِضِ الأَسْقَامِ فِيهِمْ، وَقَدْ قَتَلَ زَكَرِيَّا وَابْنَهُ، وَسُمَّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ.
فَأَمَّا أَمْرُ الدِّينِ، فَإِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَأَرْصَدَهُمْ لَهُ، وَهُوَ جَلَّ ذِكْرُهُ حَافِظٌ لِدِينِهِ، وَحَارِسٌ لِوَحْيِهِ أَنْ يَلْحَقَهُ فَسَادٌ أَوْ تَبْدِيلٌ، وَإِنَّمَا كَانَ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ خُصُوصًا، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [الْبَقَرَة: 102] ، فَلا ضَرَرَ إِذَا يَلْحَقُهُ فِيمَا لَحِقَهُ مِنَ السِّحْرِ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالسِّحْرُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَفْعَلُهُ فِي الإِنْسَانِ بِنَفْثِهِ، وَنَفْخِهِ، وَهَمْزِهِ، وَوَسْوَسَتِهِ، وَيَتَلَقَّاهُ السَّاحِرُ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، وَمَعُونَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَلَقَّاهُ عَنْهُ، اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ بِالْقَوْلِ وَالنَّفْثِ فِي الْعُقَدِ، وَلِلكَّلامِ تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ، وَلِذَلِكَ صَارَ الإِنْسَانُ إِذَا سَمِعَ مَا كَرِهَ يَحْمَى وَيَغْضَبُ، وَرُبَّمَا حُمَّ مِنْهُ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلامٍ سَمِعُوهُ، وَبِقَوْلٍ امْتَعَضُوا مِنْهُ، وَلَوْلا طُولُ الْكِتَابِ لَذَكَرْنَاهُمْ.
هَذَا كَلامُ الْخَطَّابِيِّ فِي كِتَابِهِ.
3261 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،(12/188)
عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أنَّها أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ مَرِضَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا سِنْدِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّكِ مَطْبُوبَةٌ، فَقَالَتْ: مَنْ طَبَّنِي؟ قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَالَ فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ادْعُوا لِي فُلانَةً لِجَارِيَةٍ لَهَا تَخْدُمُهَا، فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ جِيرَانٍ لَهَا، فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ قَدْ بَالَ، فَقَالَتْ: حَتَّى أَغْسِلَ بَوْلَ هَذَا الصَّبِيِّ، فَغَسَلَتْهُ: ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَت لَهَا عَائِشَةُ: أَسَحَرْتِينِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: لِمَ؟ قَالَتْ: أَحْبَبْتُ الْعِتْقَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: واللَّهِ لَا تَعْتِقِي أَبَدًا، فَأَمَرَتِ ابْنَ أَخِيهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلَكَتَهَا، ثُمَّ ابْتَعْ بِثَمَنِهَا رَقَبَةً حَتَّى أعْتَقَهَا، فَفَعَلَتْ ".
قَالَتْ عَمْرَةُ: فَلَبِثَتْ عَائِشَةَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ إِنَّهَا رَأَتْ فِي النَّوْمِ أَنِ اغْتَسِلِي مِنْ ثَلاثِ أَبْؤُرٍ يَمُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّكِ تُشْفَيْنَ، فَاغْتَسَلَتْ، فَشُفِيَتْ.
وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: هَلْ عَلِيَّ حَرَجٌ أَنْ(12/189)
أُقَيِّدَ جَمَلِي؟ قَالَتْ: قَيِّدِي جَمَلَكِ، قَالَتْ: فَأَحْبِسُ عَلِيَّ زَوْجِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَخْرِجُوا عَنِّي السَّاحِرَةَ، فَأَخْرَجُوهَا.
وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَؤُخِّذُ جَمَلِي، وَمَعْنَاهُ هَذَا، يُقَالُ: أَخَذَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا تَأْخِيذًا، إِذَا حَبَسَتْهُ عَنْ سَائِرِ النِّسَاءِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّجُلِ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: «اتَّئِدُوا لَمْ تَنْهُوا عَمَّا يَنْفَعُكُمْ، إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» .
قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: رَجُلُ بِهِ طِبٌّ أَيُحَلُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» .
وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، وَالْمَسْحُورُ مَنْ يُطْلِقُ عَنْهُ(12/190)
بَابُ قَتْلِ الْحَيَّاتِ
3262 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ» .
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْتُلُ حَيَّةً، فَقِيلَ لَهُ: نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
3263 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا تُسْقِطَانِ الْحَبَلَ، وَتَطْمِسَانِ الْبَصَرَ» .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَأَى أَبُو لُبَابَةَ، أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً، فَنَهَانِي، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِهِنَّ، قَالَ: «إِنَّهُ(12/191)
قَدْ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهُنَّ الْعَوَامِرُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلُهَا، فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلْهَا، فَقُلْتُ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ ".
وَهُنَّ الْعَوَامِرُ
أَرَادَ بِذِي الطُّفْيَتَيْنِ: الْحَيَّةُ الَّتِي فِي ظَهْرِهَا خَطَّانُ، وَالطُّفْيَةُ: خَوْصُ الْمُقْلِ، وَهِيَ وَرَقَةٌ، وَجَمْعُهَا طُفِيٌّ، فَشَبَّهَ الْخَطَّيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَوْصَتَيْنِ مِنْ خُوصِ الْمُقْلِ، وَهُوَ شَرُّ الْحَيَّاتِ فِيمَا يُقَالُ.
وَالأَبْتَرُ: الْقَصِيرُ الذَّنَبِ، وَالْبَتُرُ: شِرَارُ الْحَيَّاتِ.
وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُمَا تَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ» أَيْ: تَخْطَفَانِهِ وَتَطْمِسَانِهِ، وَذَلِكَ لِخَاصِيَّةٍ فِي طِبَاعِهِمَا إِذَا وَقَعَ بَصَرُهَا عَلَى بَصَرِ الإِنْسَانِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا تَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ وَالنَّهْسِ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ صَرِيحًا أَنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلِ، يُرِيدُ أَنَّهَا إِذَا لَحَظَتِ الْحَامِلَ، أَسْقَطَتْ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، «نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَانِ الْبُيُوتِ» .
يُقَالُ: إِنَّ الْجِنَانَ، هَذِهِ(12/192)
الْحَيَّاتُ، الْبِيضُ الطِّوَالُ، وَقُلْ مَا يَضُرُّ شَيْئًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتَ كُلَّهَا، إِلا الْجَانَّ الأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ» .
3264 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَيْفِيٍّ، مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: " دَخَلْتُ عَلى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بَيْتَهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا حَيَّةٌ، فَقُمْتُ لأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: تَرَى هذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ، قَالَ: فَكَانَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ بِأَنْصَافِ النَّهارِ يَرْجِعُ إِلَى أَهَلِهِ، فَاسْتَأْذَنَ يَوْمًا، فَقَالَ: خُذْ سِلاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتِهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَهَيَّأَ لَهَا الرُّمْحَ لِيَطْعَنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ الْغَيْرَةُ، فَقَالَتِ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ حَتَّى تَرَى مَا فِي بَيْتِكَ، فَدَخَلَ، فَإِذَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى(12/193)
فِرَاشِهِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ، فَانْتَظَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ، فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ، وَخَرَّ الْفَتى صَرِيعًا، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا، الْفَتَى، أَمِ الْحَيَّةُ؟ قَالَ: فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يحيه، قَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ أَبُو لَيْلَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ظَهَرَتِ الْحَيَّةُ فِي الْمَسْكَنِ، فَقُولُوا لَهَا: إِنَّا نَسْأَلُكَ بِعَهْدِ نُوحٍ، وَبِعَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ أَلا تُؤْذِينَا، فَإِنْ عَادَتْ، فَاقْتُلُوهَا «.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.(12/194)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ يَرْفَعُهُ» الْجِنُّ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ ".
3265 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلا رَفَعَ الْحَدِيثَ أَنهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ، وَقَالَ: «مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةً، أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ، فَلَيْسَ مِنَّا» ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْجَانَّ مَسْخُ الْجِنِّ، كَمَا مُسِخَتِ الْقِرَدَةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ
قَالَ الإِمَامُ: وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ «مِنْ خَشِيَ إِرْبَهُنَّ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَالإِرْبُ: الدَّهَاءُ، مَعْنَاهُ: مِنْ خَشِيَ غَائِلَتَهُنَّ، وَجَبُنَ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى قَتْلِهِنَّ لِلَّذِي قِيلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: إِنَّهَا تُخَيِّلُ قَاتِلَهَا، فَقَدْ فَارَقَنَا، وَخَالَفَ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَزَادَ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي الْحَدِيثِ «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ» ، وَرُفِعَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.(12/195)
بَابُ قَتْلِ الْوَزَغِ
3266 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سخْتَوَيْهِ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَيْشِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُعَدَّلُ الصَّفَّارُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، نَا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الأَوَّلِ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الثَّانِيَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ، كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ
3267 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ(12/196)
بْنُ مُوسَى، أَوِ ابْنِ سَلامٍ عَنْهُ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، قَالَ: وَكَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ".
وَقَالَ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، وَيَقُولُ: هُوَ شَيْطَانٌ "
بَابُ قَتْلِ الذَّرِّ
3268 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَزَلَ نَبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجِهَازِهَا فأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: فَهَلا نَمْلةً وَاحِدَةً ".(12/197)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ، أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ»
وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ، أَمَّا النَّمْلُ، فَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنْهَا، وَهِيَ الطُّوَالُ الأَرْجُلِ، فَلا يَجُوزُ قَتْلُهَا، فَأَمَّا الصِّغَارُ الْمُؤْذِيَةُ، فَدَفَعَ عَادِيَتَهَا بِالْقَتْلِ جَائِزٌ وَيُكْرَهُ التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيقُ بُيُوتِ الزَّنَابِيرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ» ، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: النَّمْلُ مَا كَانَ لَهَا قَوَائِمُ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَهِيَ الذَّرُّ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ؟ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا» .(12/198)
بَابُ الدِّيكِ
3269 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: " لَعَنَ رَجُلٌ دِيكًا صَاحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلاةِ "
3270 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَاجِشُونِيُّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الدِّيكِ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُؤَذِّنُ للِصَّلاةِ ".
وَيُرْوَى: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ»(12/199)
بَابُ قَتْلِ الْفَأْرَةِ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مِنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ: الْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَّأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ".
3271 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَقدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لَا أَرَاهَا إِلا الْفَأْرَ، إِذا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ، لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاةِ، شَرِبَتْ» ، فَحَدَّثْتُ كَعْبًا، فَقَالَ: أَأَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِي مِرَارًا، فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ ! .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ(12/200)
عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الْفَأْرَةُ مَسْخٌ وَآيَةُ ذَلِكَ» ، بِمَعْنَاهُ(12/201)
كِتَابُ الرُّؤْيَا
بَابُ تَحْقِيقِ الرُّؤْيَا
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] .
3272 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُولُ: " لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [(12/202)
يُونُس: 64] ، قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ» .
وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا
3273 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَوْلُهُ: «جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ» أَرَادَ تَحْقِيقَ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَأْكِيدِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ الأَنْبِيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ(12/203)
أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، وَعِلْمُ النُّبُوَّةِ بَاقٍ، وَالنُّبُوَّةُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، أَوِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَالنُّبُوَّةِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الْهَدْيُ الصَّالِحُ، وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ، وَالاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةِ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» أَيْ: هَذِهِ الْخِصَالُ فِي الْحَسَنِ وَالاسْتِحْبَابِ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ فَضَائِلِهِمْ، فَاقْتَدُوا فِيهَا بِهِمْ، لَا أَنَّهَا حَقِيقَةُ نُبُوَّةٍ، لأَنَّ النُّبُوَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَلا نُبُوَّةَ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ، وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ، الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ» .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةِ وَأَرْبَعِينَ» إِنَّ مُدَّةَ وَحْيِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينِ بُدِئَ إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، كَانَ ثَلاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْهَا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، يُوحَى إِلَيْهِ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ نِصْفُ سِنَةٍ، فَكَانَتْ مُدَّةُ وَحْيِهِ فِي النَّوْمِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ الْوَحْيِ.
بَابُ مِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ
3274 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ(12/204)
أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ إِذَا اسْتَيْقَظَ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
3275 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا تَهُمُّنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ أَرَى(12/205)
الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ، وَلْيَتْفُلْ عَلى يَسَارِهِ، وَلْيَتَعوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَمِنْ شَرِّ مَا رَأَى، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلادٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ
3276 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رُؤْيَا الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» .
وَقَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَخَافُهُ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَسْتعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ» .
صَحِيحٌ(12/206)
قَوْلُهُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ» يُرِيدُ: بِشَارَةً مِنَ اللَّهِ لِيُحْسِنَ بِهِ ظَنَّهُ، وَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا.
وَأَرَادَ بِالْحَلَمِ: الرُّؤْيَا الْكَاذِبَةَ، يُرِيهَا الشَّيْطَانُ لِيُحْزِنَهُ بِسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَلِذَلِكَ أُمِرَ بِأَنْ يَبْصِقَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْهُ، كَأَنَّهُ يَقْصُدُ بِهِ طَرْدَهُ وَإِخْزَاءَهُ.
قَوْلُهُ: «فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا» يُقَالُ: حَلَمَ، يَحْلُمُ، حُلْمًا، إِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا، وَحَلُمَ بِضَمِّ اللَّامِ، يَحْلُمُ حُلْمًا: إِذَا تَوَقَّرَ فَلَمْ يَخَفْ بِسَمَاعِ مَا يَكْرَهُ، وَحِلْمَ الأَدِيمِ بِكَسْرِ اللَّامِ، يَحْلَمُ: إِذَا فَسَدَ قَبْلَ الدِّبَاغِ.
3277 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي آمُرُكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ الْقُرْآنُ، وَأَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآمُرُكُمْ(12/207)
بِاتِّبَاعِ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَالتَّفَهُّمِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى أَخِيهِ، فَلْيَقُلْ: خَيْرًا لَنَا، وَشَرًّا لأَعْدَائِنَا.
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَى الرَّجُلُ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلِهِ مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ اللَّيْلَةُ أَنْ تَضُرَّنِي فِي دِينِي، أَوْ دُنْيَايَ يَا رَحْمَانُ.
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي الْيَقَظَةِ، وَلا تُبَالِ مَا رَأَيْتَ فِي النَّوْمِ.
بَابُ أَقْسَامِ الرُّؤْيَا
3278 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورْبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ، لَمْ تَكَدْ رُؤيَا المُؤمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: رُؤْيَا بُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا مِنْ تَحْزِينِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ، وَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّ، وَالْقَيْدُ فِي الْمَنَامِ ثَبَاتٌ فِي(12/208)
الدِّينِ، وَالْغُلُّ أَكْرَهُهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَرَوَاهُ قَتَادَةُ أَيْضًا، وَأَدْرَجَ الْكُلَّ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ عَوْفٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: «الرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ» مِنْ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ إِلَى آخِرِهِ، وَأَدْرَجَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، الْكُلَّ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ: وَأُحِبُّ الْقَيْدَ، وَأَكْرَهُ الْغُلَّ، وَالْقَيْدُ ثَابِتٌ فِي الدِّينِ، فَلا أَدْرِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ، أَمْ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ.
وَجَعَلَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ
3279 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: الرُّؤيَا الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ(12/209)
عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَا يُحَدِّثُ الرَّجُلُ بِهَا نَفْسَهُ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، وَلْيَقُمْ، فَلْيُصَلِّ ".
قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ: يُعْجِبُنِي الْقَيْدُ، وَأَكْرَهُ الْغُلَّ، الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَرَوَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ، أَوْ إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنُ تَكْذِبُ» ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ قُرْبَ زَمَانِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّ وَقْتِهَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا وَلَّى وَأَدْبَرَ: تَقَارَبَ يُقَالُ: تَقَارَبَتْ إِبِلُ فُلانٍ: إِذَا قَلَّتْ وَأَدْبَرَتْ، وَيُقَالُ لِلْقَصِيرِ: مُتَقَارِبٌ، وَقِيلَ: مَعْنَى اقْتِرَابِ الزَّمَانِ: اعْتِدَالُهُ حِينَ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
وَالْمُعَبِّرُونَ يَقُولُونَ: أَصْدَقُ الرُّؤْيَا فِي وَقْتِ الرَّبِيعِ، أَوِ الْخَرِيفِ عِنْدَ خُرُوجِ الثِّمَارِ وَعِنْدَ إِدْرَاكُهَا، وَهُمَا وَقْتَانِ يَتَقَارَبُ فِيهِمَا الزَّمَانُ، وَيَعْتَدِلُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
قَالُوا: وَرُؤْيَا اللَّيْلِ أَقْوَى مِنْ رُؤْيَا النَّهَارِ، وَأَصْدَقُ سَاعَاتِ الرُّؤْيَا وَقْتُ السَّحَرِ.
رُوِيَ عَنْ(12/210)
أَبِي الْهَيْثَمِ، عَن أَبِي سَعِيدٍ، يَرْفَعُهُ قَالَ: «أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالأَسْحَارِ» .
وَقَوْلُهُ: «الرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ» فِيهِ بَيَانٌ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَرَاهُ الإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ يَكُونُ صَحِيحًا، وَيَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، إِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْهَا مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتِيكَ بِهِ مَلَكُ الرُّؤْيَا مِنْ نُسْخَةِ أُمِّ الْكِتَابِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ لَا تَأْوِيلَ لَهَا.
وَهِيَ عَلَى أَنْوَاعٍ قَدْ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ يَلْعَبُ بِالإِنْسَانِ، أَوْ يُرِيهِ مَا يُحْزِنُهُ، وَلَهُ مَكَايِدٌ يُحْزِنُ بِهَا بَنِي آدَمَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10] ، وَمِنْ لَعِبِ الشَّيْطَانِ بِهِ الاحْتِلامُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَلا يَكُونُ لَهُ تَأْوِيلٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، كَمَنْ يَكُونُ فِي أَمْرٍ، أَوْ حِرْفَةٍ يَرَى نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الأَمْرِ، وَالْعَاشِقُ يَرَى مَعْشُوقَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مِزَاجِ الطَّبِيعَةِ، كَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الْفَصْدَ، وَالْحِجَامَةَ، وَالرِّعَافِ، وَالْحُمْرَةَ، وَالرَّيَاحِينَ، وَالْمَزَامِيرَ وَالنَّشَاطِ وَنَحْوَهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَبِيعَةُ الصَّفْرَاءِ يَرَى النَّارَ، وَالشَّمْعَ، وَالسِّرَاجَ، وَالأَشْيَاءَ(12/211)
الصُّفْرَ، وَالطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوَهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ، يَرَى الظُّلْمَةَ وَالسَّوَادَ، وَالأَشْيَاءَ السُّودَ، وَصَيْدَ الْوُحُوشِ، وَالأَهْوَالِ، وَالأَمْوَاتِ، وَالْقُبُورَ، وَالْمَوَاضِعَ الْخَرِبَةَ، وَكَوْنُهُ فِي مَضِيقٍ لَا مَنْفَذَ لَهُ، أَوْ تَحْتَ ثِقَلٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ، يَرَى الْبَيَاضَ، وَالْمِيَاهَ، وَالأَنْدَاءَ، وَالثَّلْجَ، وَالْجَمَدَ، وَالْوَحْلَ وَنَحْوَهَا، فَلا تَأْوِيلَ لِشَيْءٍ مِنْهَا.
3280 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ الْبَارِحَةَ كَأَنَّ عُنُقِي ضُرِبَتْ، فَسَقَطَ رَأْسِي، فاتَّبَعْتُهُ، فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَعَدْتُهُ مَكَانَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ، فَلا يُحَدِّثَنَّ بِهِ النَّاسَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الأَشَجِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ
قَالَ الإِمَامُ: قَوْلُهُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحِبُّ» فِيهِ إِرْشَادُ الْمُسْتَعْبِرِ لِمَوْضِعِ رُؤْيَاهُ، فَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ حَتَّى لَا يَسْتَقْبِلَهُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا يَزْدَادُ بِهِ هَمًّا، وَإِنْ(12/212)
رَأَى مَا يُحِبُّهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحِبُّهُ، لأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِمَّنْ لَا يُحِبُّهُ أَنْ يُعَبِّرْهُ حَسَدًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، فَيَغُمُّهُ، أَوْ يُكِيدُهُ بِأَمْرٍ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قَصَّ عَلَيْهِ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ رُؤْيَاهُ: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يُوسُف: 5] .
3281 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عَدَسٍ، عَنْ أَبي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ، أَوْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، فَإِذَا حُدِّثَ بِهَا، وَقَعَتْ» ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: «لَا يُحَدِّثُ إِلا حَبِيبًا، أَوْ لَبِيبًا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ(12/213)
3282 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ورمويهِ، نَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ، وَقَعَتْ» .
قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: «وَلا يَقُصُّهَا إِلا عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَأْيٍ، وَالرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: «لَا يَقُصُّهَا إِلا عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَأْيٍ» الْوَادُّ لَا يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَكَ فِي تَفْسِيرِهَا إِلا بِمَا تُحِبُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْعِبَارَةِ، لَمْ يَعْجَلْ لَكَ بِمَا يَغُمُّكَ، وَأَمَّا ذُو الرَّأْيِ، فَمَعْنَاهُ ذُو الْعِلْمِ بِعِبَارَتِهَا، فَهُوَ يُخْبِرُكَ بِحَقِيقَةِ تَفْسِيرِهَا، أَوْ بِأَقْرَبِ مَا يَعْلَمُ مِنْهَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَفْسِيرِهَا مَوْعِظَةً تَرْدَعُكَ عَنْ قَبِيحٍ أَنْتَ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ فِيهَا بُشْرَى، فَتَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: «وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ» وَذَلِكَ لأَنَّ الْقَيْدَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنِ النُّهُوضِ وَالتَّقَلُّبِ، كَذَلِكَ الْوَرَعُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ النُّهُوضِ وَالتَّقَلُّبِ فِيمَا لَا يُوَافِقُ الدِّينَ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مُقَيَّدًا فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ(12/214)
الْخَيْرِ، أَوْ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَإِنْ رَآهُ مُسَافِرٌ، فَهُوَ إِقَامَةٌ عَنِ السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا رَأَى دَابَّتَهُ مُقَيَّدَةً، فَإِنْ رَآهُ مَرِيضٌ، أَوْ مَحْبُوسٌ، طَالَ مَرَضُهُ وَحَبْسُهُ، أَوْ مَكْرُوبٌ طَالَ كَرْبُهُ.
وَرَوَى أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، مُرْسَلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا عُبِّرَ، وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَفَعَ رِجْلَهُ، فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا، فَلا يُحَدِّثُ بِهَا إِلا نَاصِحًا، أَوْ عَالِمًا» .
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَعْشَبْتُ، ثُمَّ أَجْدَبْتُ، ثُمَّ أَعْشَبْتُ، ثُمَّ أَجْدَبْتُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ رَجُلٌ تُؤْمِنُ، ثُمَّ تَكْفُرُ، ثُمَّ تُؤْمِنُ، ثُمَّ تَكْفُرُ، ثُمَّ تَمُوتُ كَافِرًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ قُضِيَ لَكَ مَا قُضِيَ لِصَاحِبِ يُوسُفَ.
وَالْغُلُّ: كُفْرٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [الْمَائِدَة: 64] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا} [يس: 8] ، وَقَدْ يَكُونُ بُخْلا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الْإِسْرَاء: 29] ، وَقَدْ يَكُونُ كَفًّا عَنِ الْمَعَاصِي إِذَا كَانَ فِي الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلاحِ، بِأَنْ يَرَى ذَلِكَ لِرَجُلٍ صَالِحٍ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ، فَرَأَى سَلْمَانَ لأَبِي بَكْرٍ رُؤْيَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَخِي، مَا لَكَ قَدْ أَعْرَضْتَ عَنِّي؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ يَدَيْكَ قَدْ جُمِعَتَا إِلَى عُنُقِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، جُمِعَتْ يَدَايَ عَنِ الشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.(12/215)
بَابُ أَقْسَامِ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا
3283 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يُحَدَّثُ " أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ ظُلَّةً يَنْطِفُ مِنْهَا السَّمْنُ وَالْعَسَلُ، وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَأَرَاكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذْتَ بِهِ، فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَانْقَطَعَ بِهِ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ، فَعَلا.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلأَعْبُرْهَا.
فَقَالَ: اعْبُرْهَا.
فَقَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسْلامِ، وَأَمَّا مَا يَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَهُوَ القُرْآنُ لينهُ وَحَلاوَتُهُ،(12/216)
وَأَمَّا الْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، فَهُوَ الْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْمُسْتَقِلُّ مِنْهُ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ بَعْدَكَ رَجُلٌ آخَرُ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ آخَرُ بَعْدَهُ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَهُ، فَيُقْطَعُ بِهِ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ، فَيَعْلُو.
أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا.
قَالَ: أَقْسَمْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُقْسِمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَن يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ» .
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَن سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ أَحْيَانًا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،(12/217)
وَأَحْيَانًا: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي أَرَى اللَّيْلَةَ» .
قَوْلُهُ: «إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ» ، يُقَالُ مَا بَيْنَ الصُّبْحِ إِلَى الظُّهْرِ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ، وَبَعْدَ الظُّهْرِ إِلَى اللَّيْلِ: رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ.
وَالظُّلَّةُ: كُلُّ مَا أَظَلَّكَ مِنْ فَوْقِكَ، وَأَرَادَ بِالظُّلَّةِ هَهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: سَحَابَةٌ يَنْطِفُ مِنْهَا، أَيْ: يَقْطُرُ مِنْهَا السَّمْنُ وَالْعَسَلُ، وَالنِّطْفُ: الْقَطْرُ، وَيُقَالُ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ: نُطْفَةٌ، وَلِلْقَلِيلِ: نُطْفَةٌ.
وَقَوْلُهُ: يَتَكَفَّفُونَ، أَيْ: يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَكُفِّهِمْ وَيَأْخُذُونَهُ، يُقَالُ: تَكَفَّفَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ، وَاسْتَكَفَّهُ: إِذَا مَدَّ كَفَّهُ فَتَنَاوَلَ بِهَا، وَالسَّبَبُ: الْحَبْلُ، وَالْوَاصِلُ بِمَعْنَى الْوُصُولِ، سُمِّيَ الْحَبْلُ سَبَبًا، لأَنَّهُ يُوَصِّلُهُ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الْكَهْف: 84] ، أَيْ: عِلْمًا يُوَصِّلُهُ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ.
وَقَوْلُهُ: «تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابِ» أَيِ: الْوَصَلاتِ وَالْمَوَدَّاتِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كُلُّ سَبَبٍ يَنْقَطِعُ إِلا سَبَبِي» .
وَفِي قَوْلِهِ لأَبِي بَكْرٍ: «لَا تُقْسِمْ» وَلَمْ يُخْبِرْهُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلُ أَقْسَمْتُ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى يَقُولُ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، لأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَوْ كَانَ يَمِينًا، لأَشْبَهُ أَنْ يَبَرَّهُ(12/218)
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالإِخْبَارِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ، لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَرَ بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: «أَقْسَمْتُ» يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ بِاسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، لَكَانَ لَا يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْسِمْ» .
وَالأَمْرُ بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ خَاصٌّ فِيمَا يَجُوزُ وَيَتَيَسَّرُ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ الإِصَابَةَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الرُّؤْيَا، وَالْخَطَأَ فِي بَعْضِهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: أَرَادَ بِالإِصَابَةِ: مَا تَأَوَّلَهُ فِي عِبَارَةِ الرُّؤْيَا، فَقَدْ خَرَجَ الأَمْرُ عَلَى وِفَاقِ قَوْلِهِ، وَأَرَادَ بِالْخَطَأِ: مَسْأَلَتُهُ الإِذْنَ لَهُ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، وَمُبَادَرَتِهِ إِلَى الْجَوَابِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُعَبِّرُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الإِمَام: تَأْوِيلُ جُمْلَةِ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا عَبَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَا تَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ، إِذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ صَاحِبِهِ، انْصَرَفَ تَأْوِيلُهُ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا يَتَغَيَّرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.(12/219)
فَالسَّحَابُ فِي التَّأْوِيلِ حِكْمَةٌ، فَمَنْ رَكِبَ السَّحَابَ وَلَمْ يَهُلْهُ، عَلا فِي الْحِكْمَةِ، فَإِنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا، أَصَابَ حِكْمَةً، وَإِنْ خَالَطَ وَلَمْ يُصِبْ شَيْئًا، خَالَطَ الْحُكَمَاءَ، فَإِنْ كَانَ فِي السَّحَابِ سَوَادٌ، أَوْ ظُلْمَةٌ، أَوْ رِيَاحٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَيْئَةِ الْعَذَابِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ عَذَابٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَيْثٌ، فَهُوَ رَحْمَةٌ.
وَالسَّمْنُ وَالْعَسَلُ قَدْ يَكُونُ مَالا فِي التَّأْوِيلِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي أَلْعَقُ عَسَلا مِنْ جَامٍ مِنْ جَوْهَرٍ.
فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَعَاوِدِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّكَ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ نَسِيتَهُ.
وَالْعُلُوُّ إِلَى السَّمَاءِ رِفْعَةٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مَرْيَم: 57] ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ قَدْ صَعِدَ السَّمَاءَ فَدَخَلَهَا، نَالَ شَرَفًا وَذِكْرًا، وَنَالَ الشَّهَادَةَ.
وَالطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ عَرْضًا: سَفَرٌ وَنَيْلُ شَرَفٍ، فَإِنْ طَارَ مُصْعَدًا، أَصَابَهُ ضُرٌّ عَاجِلٌ، فَإِنْ بَلَغَ السَّمَاءَ كَذَلِكَ يَبْلُغُ غَايَةَ الضُّرِّ، فَإِنْ تَغَيَّبَ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَرْجِعْ، مَاتَ، فَإِنْ رَجَعَ نَجَا بَعْدَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ.
وَالْحَبْلُ: الْعَهْدُ وَالأَمَانُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 103] ، وَقَالَ: {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمرَان: 112] ، أَيْ: أَمَانٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا ينْقَسِمُ أَقْسَامًا، فَقَدْ يَكُونُ بِدَلالَةٍ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ، أَوْ مِنَ الأَمْثَالِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ يَقَعُ التَّأْوِيلُ عَلَى الأَسْمَاءِ وَالْمَعَانِي، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الضِّدِّ وَالْقَلْبِ.
فَالتَّأْوِيلُ بِدَلالَةِ الْقُرْآنِ، كَالْحَبْلِ يُعَبَّرُ بِالْعَهْدِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 103] .
وَالسَّفِينَةُ تُعَبِّرُ بِالنَّجَاةِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] .
وَالْخَشَبُ يُعَبَّرُ(12/220)
بِالنِّفَاقِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المُنَافِقُونَ: 4] .
وَالْحِجَارَةُ تُعَبَّرُ بِالْقَسْوَةِ، لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [الْبَقَرَة: 74] .
وَالْمَرِيضُ بِالنِّفَاقِ، لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الْبَقَرَة: 10] .
وَالْبَيْضُ يُعَبَّرُ بِالنِّسَاءِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] ، وَكَذَلِكَ اللِّبَاسُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَة: 187] .
وَاسْتِفْتَاحُ الْبَابِ يُعَبَّرُ بِالدُّعَاءِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} [الْأَنْفَال: 19] ، أَيْ: تَدْعُوا.
وَالْمَاءُ يُعَبَّرُ بِالْفِتْنَةِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا {16} لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الْجِنّ: 16-17] .
وَأَكْلُ اللَّحْمِ النِّيءِ يُعَبَّرُ بِالْغَيْبَةِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] .
وَدُخُولِ الْمَلِكِ مَحَلَّةً، أَوْ بَلْدَةً، أَوْ دَارًا تَصْغُرُ عَنْ قَدْرِهِ، وَيُنْكَرُ دُخُولُ مِثْلِهِ مِثْلَهَا، يُعَبَّرُ بِالْمُصِيبَةِ وَالذُّلِّ يَنَالُ أَهْلَهَا، لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النَّمْل: 34] .
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِدَلالَةِ الْحَدِيثِ كَالْغُرَابِ، يُعَبَّرُ بِالرَّجُلِ الْفَاسِقِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ فَاسِقًا.
وَالْفَأْرَةُ يُعَبَّرُ بِالْمَرْأَةِ الْفَاسِقَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا فُوَيْسِقَةَ.
وَالْضِلْعُ يُعَبَّرُ بِالْمَرْأَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ» .
وَالْقَوَارِيرُ تُعَبَّرُ بِالنِّسَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنْجَشَةُ،(12/221)
رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» .
وَالتَّأْوِيلُ بِالأَمْثَالِ، كَالصَّائِغِ يُعَبَّرُ بِالْكَذَّابِ، لِقَوْلِهِمْ: أَكْذَبُ النَّاسِ الصَّوَّاغُونَ.
وَحَفْرُ الْحُفْرَةِ يُعَبَّرُ بِالْمَكْرِ، لِقَوْلِهِمْ: مَنْ حَفَرَ حُفْرَةً وَقَعَ فِيهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] .
وَالْحَاطِبُ يُعَبَّرُ بِالنَّمَّامِ، لِقَوْلِهِمْ لِمَنْ وَشَى: إِنَّهُ يَحْطِبُ عَلَيْهِ، وَفَسَّرُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] بِالنَّمِيمَةِ.
وَيُعَبَّرُ طُولُ الْيَدِ بِصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ، لِقَوْلِهِمْ: فُلانٌ أَطْوَلُ يَدًا مِنْ فُلانٍ.
وَيُعَبَّرُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَبِالسَّهْمِ بِالْقَذْفِ، لِقَوْلِهِمْ: رَمَى فُلانًا بِفَاحِشَةٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّور: 4] .
وَيُعَبَّرُ غَسْلُ الْيَدِ بِالْيَأْسِ عَمَّا يأملُ، لِقَوْلِهِمْ: غَسَلْتُ يَدَيَّ عَنْكَ.
وَالتَّأْوِيلُ بِالأَسَامِي، كَمَنْ رَأَى رَجُلا يُسَمَّى رَاشِدًا يُعَبَّرُ بِالرُّشْدِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى سَالِمًا يُعَبَّرُ بِالسَّلامَةِ.
3284 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ» .(12/222)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: نَوَى التَّمْرِ: نِيَّةُ السَّفَرِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ السَّفَرْجَلُ بِالسَّفَرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَرَضِ، لأَنَّ أَوَّلَهُ سَفَرٌ.
وَالسَّوْسَنُ بِالسُّوءِ، لأَنَّ أَوَّلَهُ سُوءٌ، إِذَا عَدَلَ بِهِ عَمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ فِي التَّأْوِيلِ.
وَالتَّأْوِيلُ بِالْمَعْنَى كَالأُتْرُجِّ يُعَبَّرُ بِالنِّفَاقِ، لِمُخَالَفَةِ بَاطِنِهِ ظَاهِرَهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَالِ.
وَكَالْوَرْدِ وَالنَّرْجِسِ يُعَبَّرُ بِقِلَّةِ الْبَقَاءِ إِنْ عُدِلَ بِهِ عَمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، لِسُرْعَةِ ذَهَابِهِ.
وَيُعَبَّرُ الآسُ بِالْبَقَاءِ، لأَنَّهُ يَدُومُ.
حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ مُعَبِّرًا بِالأَهْوَازِ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ زَوْجِي نَاوَلَنِي نَرْجِسًا، وَنَاوَلَ ضُرَّةً لِي آسًا.
فَقَالَ: يُطَلِّقُكِ وَيَتَمَسَّكُ بِضُرَّتِكِ، أَمَا سَمِعْتِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَيْسَ لِلنَّرْجِسِ عَهْدٌ ... إِنَّمَا الْعَهْدُ لآسِ
، وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِالضِّدِّ وَالْقَلْبِ، فَكَمَا أَنَّ الْخَوْفَ فِي النَّوْمِ يُعَبَّرُ بِالأَمْنِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النُّور: 55] ، وَالأَمْنُ فِيهِ يُعَبَّرُ بِالْخَوْفِ.
وَيُعَبَّرُ الْبُكَاءُ بِالْفَرَحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رنة.
وَيُعَبَّرُ الْضَحِكُ بِالْحُزْنِ، إِلا أَنْ يَكُونَ تَبَسُّمًا.
وَيُعَبَّرُ الطَّاعُونَ بِالْحَرْبِ، وَالْحَرْبُ بِالطَّاعُونِ.
وَيُعَبَّرُ الْعَجَلَةُ فِي الأَمْرِ بِالنَّدَمِ، وَالنَّدَمُ بِالْعَجَلَةِ.
وَيُعَبَّرُ الْعِشْقُ بِالْجُنُونِ، وَالْجُنُونُ بِالْعِشْقِ.
وَالنِّكَاحُ بِالتِّجَارَةِ، وَالتِّجَارَةِ بِالنِّكَاحِ.
وَيُعَبَّرُ الْحِجَامَةُ بِكِتَبَةِ الصَّكِّ، وَكِتَبَةُ الصَّكِّ بِالْحِجَامَةِ.
وَيُعَبَّرُ التَّحَوُّلُ عَنِ الْمَنْزِلِ بِالسَّفَرِ، وَالسَّفَرُ بِالتَّحَوُّلِ عَنِ الْمَنْزِلِ.(12/223)
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنَّ الْعَطَشَ فِي النَّوْمِ خَيْرٌ مِنَ الرِّيِّ، وَالْفَقْرُ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَالْمَضْرُوبُ، وَالْمَجْرُوحُ، وَالْمَقْذُوفُ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الضَّارِبِ، وَالْجَارِحُ، وَالْقَاذِفُ، وَقَدْ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ التَّأْوِيلِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْبُكَاءِ: إِنَّهُ فَرَحٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ صَوْتٌ وَرَنَّةٌ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ.
وَفِي الضَّحِكِ: إِنَّهُ حُزْنٌ، فَإِنْ كَانَ تَبَسُّمًا فَصَالِحٌ.
وَكَقَوْلِهِمْ فِي الْجَوْزِ: إِنَّهُ مَالٌ مَكْنُوزٌ، فَإِنْ سَمِعْتَ لَهُ قَعْقَعَةٌ، فَهُوَ خُصُومَةٌ.
وَالدُّهْنُ فِي الرَّأْسِ زِينَةٌ، فَإِنْ سَالَ عَلَى الْوَجْهِ، فَهُوَ غَمٌّ.
وَالزَّعْفَرَانِ ثَنَاءٌ حَسَنٌ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ لَوْنٌ أَوْ جَسَدٌ، فَهُوَ مَرَضٌ أَوْ هَمٌّ.
وَالْمَرِيضُ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَلا يَتَكَلَّمُ، فَهُوَ مَوْتُهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ برأَ.
وَالْفَأْرُ نِسَاءً، مَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَلْوَانُهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَ أَلْوَانُهَا إِلَى بِيضٍ وَسُودٍ، فَهِيَ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي.
وَالسَّمَكُ نِسَاءً إِذَا عُرِفَ عَدَدَهَا، فَإِنْ كَثُرَ فَغَنِيمَةٌ.
وَقَدْ يَتَغَيَّرُ التَّأْوِيلُ عَنْ أَصْلِهِ بِاخْتِلافِ حَالِ الرَّأْيِ كَالْغُلِّ فِي النَّوْمِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَبْضُ الْيَدِ عَنِ الشَّرِّ، وَكَانَ ابْنِ سِيرِينَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يُصِيبُ سُلْطَانًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ يُصْلَبْ، وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ، قَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أُؤَذِّنُ.
قَالَ: تَحَجُّ.
وَسَأَلَهُ آخَرُ، فَأَوَّلَ بِقَطْعِ يَدِهِ فِي السَّرِقَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِي التَّأْوِيلَيْنِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الأَوَّلَ عَلَى سِيمَاءَ حَسَنَةٍ، فَأَوَّلْتُ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الْحَج: 27] ، وَلَمْ أَرْضَ هَيْئَةَ الثَّانِي، فَأَوَّلْتُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يُوسُف: 70] ، وَقَدْ يَرَى الرَّجُلُ فِي مَنَامِهِ فَيُصِيبُهُ عَيْنُ مَا رَأَى حَقِيقَةً مِنْ وِلايَةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ، أَوْ خَيْرٍ، أَوْ نَكْبَةٍ، فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحَ، فَكَانَ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْح: 27] .(12/224)
3285 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَمِّهِ، " أَنَّ خُزَيْمَةَ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، أنَّهُ سَجَدَ عَلى جَبْهَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَاضْطَجَعَ لَهُ، وَقَالَ: صَدِّقْ رُؤْيَاكَ ".
فَسَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ.
وَقَدْ يُرَى الشَّيْءَ فِي الْمَنَامِ لِلرَّجُلِ، وَيَكُونُ التَّأْوِيلُ لِوَلَدِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ، أَوْ سَمِيِّهِ، فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ مُبَايَعَةَ أَبِي جَهْلٍ مَعَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ لابْنِهِ عِكْرِمَةَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «هُوَ هَذَا» .
وَرَأَى لأَسِيدِ بْنِ الْعَاصِ وِلايَةَ مَكَّةَ، فَكَانَ لابْنِهِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدِ وَلاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ.
بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ
3286 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(12/225)
الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْل البَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، نَا ثَابِتٌ، أَنا أَنَسٌ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي» .
وَقَالَ: «إِنَّ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبَوَّةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَن الْمُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ.
3287 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْد اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ:، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: تَابَعَهُ يُونُسُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.(12/226)
3288 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَسَيَرانِي فِي الْيَقَظَةِ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلا يَتَمَثُّلُ الشَّيْطَانُ بِي» .
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: «مَنْ رَآنِي، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، وَقَالَ: «مِنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ» .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ عَلَى الشَّكِّ.
قَالَ الإِمَامُ: رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ جَائِزَةٌ، قَالَ مُعَاذٌ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنِّي نَعَسْتُ فَرَأَيْتُ رَبِّي» .
وَتَكُونُ رُؤْيَتُهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ظُهُورَ الْعَدْلِ، وَالْفَرَجِ، وَالْخِصْبِ، وَالْخَيْرِ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ رَآهُ فَوَعَدَ لَهُ جَنَّةً، أَوْ مَغْفِرَةً، أَوْ نَجَاةً مِنَ النَّارِ، فَقَوْلُهُ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ صِدْقٌ، وَإِنْ رَآهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهُوَ رَحْمَتُهُ، وَإِنْ رَآهُ مُعْرِضًا عَنْهُ، فَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمرَان: 77] ، وَإِنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَأَخَذَهُ، فَهُوَ بَلاءٌ، وَمِحَنٌ، وَأَسْقَامٌ تُصِيبُ بَدَنَهُ، يَعْظُمُ بِهَا أَجْرُهُ(12/227)
لَا يَزَالُ يَضْطَرِبُ فِيهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَى الرَّحْمَةِ، وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ.
وَرُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ حَقٌّ، وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالنُّجُومُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّحَابُ الَّذِي فِيهِ الْغَيْثُ، لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَمَنْ رَأَى نُزُولَ الْمَلائِكَةِ بِمَكَانٍ، فَهُوَ نُصْرَةٌ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفَرَجٌ إِنْ كَانُوا فِي كَرْبٍ، وَخِصْبٌ إِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ وَقَحْطٍ، وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَمَنْ رَأَى مَلَكًا يُكَلِّمُهُ بِبِرٍّ، أَوْ بِعِظَةٍ، أَوْ بِصِلَةٍ، أَوْ يُبَشِّرُهُ، فَهُوَ شَرَفٌ فِي الدُّنْيَا، وَشَهَادَةٌ فِي الْعَاقِبَةِ.
وَرُؤْيَةُ الأَنْبِيَاءِ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْمَلائِكَةِ إِلا فِي الشَّهَادَةِ، لأَنَّ الأَنْبِيَاءَ كَانُوا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَالْمَلائِكَةُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَرَاهُمُ النَّاسُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الْأَعْرَاف: 206] ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الشُّهْدَاءِ: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الْحَدِيد: 19] .
وَرُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَانٍ سَعَةٌ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ إِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ، وَفَرَجٌ إِنْ كَانُوا فِي كَرْبٍ، وَنُصْرَةٌ إِنْ كَانُوا فِي ظُلْمٍ، وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَرُؤْيَةُ أَهْلِ الدِّينِ بَرَكَةٌ وَخَيْرٌ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ فِي الدِّينِ، وَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا فِي الْمَنَامِ، لَمْ يَزَلْ خَفِيفَ الْحَالِ، مُقِلا فِي دُنْيَاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَادِحَةٍ، وَلا خِذْلانٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مِنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ» .
وَرُؤْيَةُ الإِمَامِ إِصَابَةُ خَيْرٍ وَشَرَفٍ.(12/228)
بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهَا
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يُوسُف: 4] ، وَقَالَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يُوسُف: 100] .
3289 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: " كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ(12/229)
الْمَدِيَنَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلى وَجْهِهِ أَثَرُ خُشُوعٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ، قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلى عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا، وَسَطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ.
قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ.
فَأَتَانِي مِنْصَفٌ، فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلاهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لِي: اسْتَمْسِكْ، فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ، وَقَالَ: الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ ".(12/230)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ.
وَالْمِنْصَفُ: الْخَادِمُ، وَالْجَمْعُ الْمَنَاصِفُ، يُقَالُ نَصَفْتُ الرَّجُلَ، فَأَنَا أَنْصِفُهُ نِصَافَةً: إِذَا خَدَمْتُهُ.
قَالَ الإِمَامُ: مِنْ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ قَدْ صَعِدَ السَّمَاءَ فَدَخَلَهَا، نَالَ شَرَفًا وَذِكْرًا، وَنَالَ الشَّهَادَةَ، فَإِنْ رَأَى نَفْسَهُ فِيهَا، لَمْ يَدْرِ مَتَى صَعِدَ إِلَيْهَا، فَهُوَ شَرَفٌ مُعَجَّلٌ، وَشَهَادَةٌ مُؤَجَّلَةٌ.
وَالشَّمْسُ مَلِكٌ عَظِيمٌ، وَمَا رَأَى فِيهَا مِنْ تَغَيُّرٍ أَوْ كُسُوفٍ، فَهُوَ حَدَثٌ بِالْمَلِكِ مِنْ هَمٍّ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْقَمَرُ وَزِيرُ الْمَلِكِ فِي التَّأْوِيلِ، وَالزُّهْرَةُ امْرَأَتُهُ، وَعُطَارِدَ كَاتِبُهُ، وَالْمِرِّيخُ صَاحِبُ حَرْبِهِ، وَزُحَلَ صَاحِبُ عَذَابِهِ، وَالْمُشْتَرِي صَاحِبُ مَالِهِ، وَسَائِرُ النُّجُومِ الْعِظَامِ أَشْرَافُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَمَرُ وَزِيرًا مَا رُئِيَ فِي السَّمَاءِ، فَإِنْ رَآهُ عِنْدَهُ أَوْ فِي حَجَرِهِ، أَوْ فِي بَيْتِهِ تَزَوَّجَ زَوْجًا بِقَدْرِ ضَوْئِهِ وَنُورِهِ رَجُلا كَانَ أَوِ امْرَأَةً.
رَأَتْ عَائِشَةُ ثَلاثَةُ أَقْمَارٍ سَقَطَتْ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَصَّتِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا.(12/231)
وَكَانَتِ الشَّمْسُ فِي تَأْوِيلِ رُؤْيَا يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهُ، وَالْقَمَرُ خَالَتَهُ، وَالْكَوَاكِبُ الأَحَدَ عَشَرَ إِخْوَتَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يُوسُف: 100] ، وَكَانَتْ رُؤْيَاهُ فِي حَالِ صِبَاهُ، وَظَهَرَ تَأْوِيلُهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْجَوْزَاءَ تَقَدَّمَتِ الثُّرَيَّا، فَأَخَذَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَقَالَ: يَمُوتُ الْحَسَنُ وَأَمُوتُ بَعْدَهُ هُوَ أَشْرَفُ مِنِّي.
وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ قَالَ: أَنْتَ رَجُلٌ كَثِيرُ الْمُنَى.
بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ
3290 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، "(12/232)
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِهِ قِطْعَةَ اسْتَبْرَقٍ لَا يُريدُ مِنَ الْجَنَّةِ مَوْضِعًا إِلا طَارَتْ بِهِ إِلَيْهِ، وَرَأَى كَأَنَّهُ ذُهِبَ بِهِ إِلَى النَّارِ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّهُ نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ.
قَالَ: فَقَصَّتْ حَفَصَةُ إِحْدَى الرُّؤْيَايَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ» .
قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بَعْدُ يُطِيلُ الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الإِسْتَبْرَقِ، عَن أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ.
وَحَدِيثَ النَّارِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ الإِمَامُ: مَنْ رَأَى الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ فِي مَوْضِعٍ، فَإِنَّ الْعَدْلَ يُبْسَطُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ نُصِرُوا، وَإِنْ كَانُوا ظَالِمِينَ انْتُقِمَ مِنْهُمْ، لأَنَّهُ الْعَدْلُ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْفَصْلِ وَالْعَدْلِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [(12/233)
الْأَنْبِيَاء: 47] ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَهُوَ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْجَنَّةِ، فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ثِمَارِهَا أَوْ أَصَابَهَا، فَهُوَ خَيْرٌ يَنَالُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَعِلْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهَا غَيْرَهُ، يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ غَيْرُهُ.
وَدُخُولُ جَهَنَّمَ إِنْذَارُ الْعَاصِي لِيَتُوبَ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهَا أَوْ شَرَابِهَا، فَهُوَ خِلافُ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْهُ، أَوْ عِلْمٌ يَصِيرُ عَلَيْهِ وَبَالا.
بَابُ تَأْوِيلِ الْوُضُوءِ وَالْعِبَادَاتِ فِي النَّوْمِ
3291 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لَمِنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالَ: لِعُمَرَ.
فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: عَلَيْكَ، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغَارُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،(12/234)
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ: تَوْبَةٌ وَشِفَاءٌ مِنَ الْمَرَضِ، وَخُرُوجٌ مِنَ الْحَبْسِ، وَقَضَاءٌ لِلدَّيْنِ، وَأَمْنٌ مِنَ الْخَوْفِ، غَيْرَ أَنَّ الْغُسْلَ أَقْوَى مِنَ الْوُضُوءِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لأَيُّوبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ، خَرَجَ مِنَ الْمَكَارِهِ.
وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ هَمٌّ أَوْ مَرَضٌ.
وَالأَذَانُ حَجٌّ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الْحَج: 27] ، وَرُبَّمَا كَانَ سُلْطَانًا فِي الدِّينِ وَقُوَّةً.
وَالصَّلاةُ فِي النَّوْمِ اسْتِقَامَةُ الرَّأْيِ فِي الدِّينِ وَالسُّنَّةِ إِذَا كَانَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَالإِمَامَةُ رِيَاسَةٌ وَوِلايَةٌ إِنِ اسْتَقَامَتْ قِبْلَتُهُ، وَتَمَّتْ صَلاتُهُ.
وَالرُّكُوعُ تَوْبَةٌ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] ، وَالسُّجُودُ قُرْبَةٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] ، فَإِنْ صَلَّى مُنْحَرِفًا عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا، فَإِنَّهُ انْحِرَافٌ عَنِ السُّنَّةِ، فَإِنْ جَعَلَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَهُوَ نَبْذُهُ الإِسْلامَ، لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمرَان: 187] ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ فَهُوَ حِيرَةٌ مِنْهُ فِي الدِّينِ.
وَمَنْ رَأَى نَفْسَهُ يُصَلِّي فَوْقَ الْكَعْبَةِ، فَلا دِينَ لَهُ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَالْكَعْبَةُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، فَمَنْ أَمَّ الْكَعْبَةَ فَقَدْ أَمَّ الإِمَامَ.
وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ هُوَ السُّلْطَانُ.
وَمَنْ رَأَى نَفْسَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمَنَاسِكِ، فَهُوَ صَلاحٌ فِي دِينِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ.
وَدُخُولُ الْحَرَمِ أَمْنٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمرَان: 97] .(12/235)
وَالأُضْحِيَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ، فَمَنْ ضَحَّى بِأُضْحِيَةٍ وَكَانَ عَبْدًا، عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا نَجَا، أَوْ خَائِفًا أُمِّنَ، أَوْ مَدْيُونًا قُضِيَ دَيْنُهُ، أَوْ مَرِيضًا شَفَاهُ اللَّهُ، أَوْ صَرُورَةٌ حَجَّ.
بَابُ تَأْوِيلِ النِّكَاحِ فِي النَّوْمِ
3292 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُرِيتُكِ فِي الْمَنَام مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ(12/236)
قَالَ الإِمَامُ: مَنْ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَايَنَهَا أَوْ عَرَفَهَا أَوْ نُسِبَتْ لَهُ، أَصَابَ سُلْطَانًا بِقَدْرِ جَمَالِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُعَايِنُهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا وَلَمْ تُنْسَبْ لَهُ إِلا أَنَّهُ سَمَّى عَرُوسًا، فَهُوَ مَوْتُهُ، أَوْ يَقْتُلُ إِنْسَانًا، وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، عُزِلَ عَنْ سُلْطَانِهِ.
وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَيِّتَةً ظَفَرَ بِأَمْرِ مَيِّتٍ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَنْكِحُ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّهُ يَصِلُ رَحِمَهَا، وَمَنْ أَصَابَ امْرَأَةً زَانِيَةً، أَصَابَ دُنْيَا حَرَامًا، فَإِنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ أَصَابَ عِلْمًا.
وَإِنْ رَأَتِ امْرَأَةٌ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ، أَصَابَتْ خَيْرًا، فَإِنْ رَأَتْ مَيِّتًا نَكَحَهَا، فَهُوَ نُقْصَانُ مَالِهَا، أَوْ تَشَتُّتُ أَمْرِهَا.
بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ الإِنْسَانِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ وَأَعْضَاءِ الإِنْسَانِ
3293 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُوسَى، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فِي رُؤْيَا النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ مَهْيَعَةَ، فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةَ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ، وَهِيَ الْجُحْفَةُ» .(12/237)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: الرَّجُلُ الْمَعْرُوفُ فِي النَّوْمِ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ أَوْ سَمِيُّهُ أَوْ نَظِيرُهُ، وَالرَّجُلُ الْمَجْهُولُ إِنْ كَانَ شَابًّا، فَهُوَ عَدُوٌّ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، فَهُوَ جَدُّهُ، وَالْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ الْمَجْهُولَةُ هِيَ الدُّنْيَا، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ وَسَمْتٍ حَسَنٍ، كَانَتْ حَلالا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ عَلَى غَيْرِ سَمْتِ الإِسْلامِ، كَانَتْ دُنْيَا حَرَامًا، وَإِنْ كَانَتْ شَعَثَةً قَبِيحَةً، فَلا دِينَ وَلا دُنْيَا.
وَقَدْ فَسَّرَ الْحَدِيثُ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ الثَّائِرَةَ رَأْسِهَا بِالْوَبَاءِ.
وَالْمَرْأَةُ سُنَّةٌ، وَالْجَارِيَةُ خَيْرٌ، وَالصَّبِيُّ هَمٌّ، وَالْمَرْأَةُ الزَّانِيَةُ هِيَ الدُّنْيَا لِطَالِبِ الدُّنْيَا، وَعِلْمٌ لأَهْلِ الصَّلاحِ وَالْعِلْمِ، وَالْخِصْيَانُ هُمُ الْمَلائِكَةُ إِذَا رَآهُمْ فِي سَمْتٍ حَسَنٍ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ صَبِيًّا فِي حِجْرِي يَصِيحُ؟ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَضْرِبْ بِالْعُودِ.
وَأَمَّا أَعْضَاءُ الإِنْسَانِ، فَرَأْسُ الرَّجُلِ فِي التَّأْوِيلِ رِيَاسَتُهُ، وَالْوَجْهُ جَاهُهُ، وَالشَّيْبُ وَقَارٌ، وَطُولُ شَعْرِ الإِنْسَانِ هَمٌّ، إِلا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَلْبَسُ السِّلاحَ، فَهُوَ لَهُ زِينَةٌ.
وَحَلْقُ الرَّأْسِ كَفَّارَةُ الذُّنُوبِ إِنْ كَانَ فِي حَرَمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ أَيَّامِ مَوْسَمٍ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ فِي كَرْبٍ، فَفَرَجٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ هَتْكُ سِتْرِهِ، أَوْ عَزْلُ رَئِيسِهِ، وَطُولُ اللِّحْيَةِ فَوْقَ الْقَدْرِ دَيْنٌ أَوْ هَمٌّ، وَخِضَابُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ تَغْطِيَةُ أَمْرٍ.
وَشَعْرُ الشَّارِبِ وَالإِبِطِ زِيَادَتُهُ مَكْرُوهَةٌ، وَنُقْصَانُهُ مَحْمُودٌ.
وَالأُذُنُ: امْرَأَةُ الرَّجُلِ أَوِ ابْنَتُهُ.
وَالسَّمَعُ وَالْبَصَرُ دِينُهُ، وَالصَّوْتُ صِيتُهُ فِي(12/238)
النَّاسِ، وَمَا حَدَثَ فِي شَيْءٍ مِنْهَ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَالْعَيْنُ دِينُ الرَّجُلِ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَعْمَى، ضَلَّ عَنِ الإِسْلامِ، وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَعْوَرُ ذَهَبَ نِصْفُ دِينِهِ، أَوْ أَصَابَ إِثْمًا عَظِيمًا.
وَالرَّمَدُ حَدَثٌ فِي الدِّينِ.
وَالاكْتِحَالُ صَلاحٌ يَتَعَهَّدُ بِهِ دِينَهُ.
وَأَشْفَارُ الْعَيْنِ وِقَايَةُ الدِّينِ، وَالْجَبْهَةُ وَالأَنْفُ مِنَ الْجَاهِ، وَالْفَمُ مِفْتَاحُ أَمْرِهِ وَخَاتِمَتُهُ.
وَالْقَلْبُ الْقَائِمُ بِأَمْرِهِ وَمُدَبِّرُهُ، وَاللِّسَانُ تُرْجُمَانُهُ وَالْمُبَلِّغُ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ اللِّسَانُ حُجَّتُهُ، وَقَطْعُهُ انْقِطَاعُ حُجَّتِهِ فِي الْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ اللِّسَانُ ذِكْرُهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ} [الشُّعَرَاء: 84] .
وَقَطْعُ اللِّسَانِ لِلنِّسَاءِ مَحْمُودٌ يَدُلُّ عَلَى السّترِ وَالْحَيَاءِ.
وَالأَسْنَانُ أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْقَرَابَاتِ لِتَقَارُبِهَا وَتَلاصُقِهَا، فَالثَّنَايَا أَقْرَبُهُمْ، وَالأَبْعَدُ مِنْهَا أَبْعَدُهُمْ، وَالأَسْنَانُ الْعُلْيَا رِجَالُ الْقَرَابَةِ، وَالسُّفْلَى نِسَاؤُهَا، وَمَا حَدَثَ فِي الأَسْنَانِ مِنْ حسن أَوْ فَسَادٍ أَوْ كَلالٍ، فَفِي الْقَرَابَةِ، فَإِنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ سَقَطَتْ، فَصَارَتْ فِي يَدِهِ يَكْثُرُ نِسَاءُ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنْ سَقَطَتْ وَذَهَبَتْ، فَهُوَ مَوْتُهُمْ قَبْلَهُ.
وَالْعُنُقُ مَوْضِعُ الأَمَانَةِ وَالدِّينِ، وَضَعْفُهُ عَجْزُهُ عَنِ احْتِمَالِ الأَمَانَةِ وَالدِّينِ، وَالْعَضُدُ أَخُ أَوْ وَلَدٌ قَدْ أَدْرَكَ، وَالْيَدُ أَخٌ، وَقَطْعُهَا مَوْتُ أَخِيهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ طُولُ الْيَدِ بِصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا نُسِبَتِ الْيَدُ إِلَى الأَخِ كَانَتِ الأَصَابِعُ أَوْلادُ الأَخِ، وَإِذَا انْفَرَدَتِ الأَصَابِعُ عَنْ ذِكْرِ الْيَدِ، فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَنُقْصَانُهَا حَدَثٌ فِي الصَّلَوَاتِ، فَالإِبْهَامُ مِنْهَا صَلاةُ الصُّبْحِ، وَالسَّبَّابَةُ هِيَ الظُّهْرُ، وَالْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، وَالْبِنْصِرُ الْمَغْرِبُ، وَالْخِنْصَرُ الْعِشَاءُ.
وَالصَّدْرُ حِلْمُ الرَّجُلِ وَاحْتِمَالُهُ.
وَالثَّدْيُ(12/239)
الْبِنْتُ، وَالْبَطْنُ مَالٌ وَوَلَدٌ، وَكَذَلِكَ الأَمْعَاءُ، فَإِنْ رَأَى ظُهُورَ شَيْءٍ مِنْ أَمْعَائِهِ مِنْ جَوْفِهِ، فَهُوَ ظُهُورُ مَالِهِ.
وَالْكَبِدِ كَنْزٌ، وَفِي الْحَدِيثِ «تُخْرِجُ الأَرْضُ أَفْلاذَ كَبِدِهَا» ، أَيْ كُنُوزِهَا وَكَذَلِكَ الدِّمَاغُ وَالْمُخُّ.
وَالأَضْلاعُ النِّسَاءُ، لأَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنَ الضِّلَعِ.
وَالظَّفْرُ سَنَدُ الرَّجُلِ وَقُوَّتُهُ، وَمِنَ الْمَمْلُوكِ سَيِّدُهُ.
وَالصُّلْبُ هُوَ الْقُوَّةُ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَلَدَ، لأَنَّ الْوَلَدَ يَخْرُجُ مِنْهُ.
وَالذَّكَرُ ذِكْرُهُ، وَقَدْ يَكُونُ وَلَدَهُ.
وَالْخِصْيَتَانِ: مَجْرَى الأَعْدَاءِ الَّتِي بِهَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى قَطْعَهَا، ظَفَرَ بِهِ أَعْدَاؤُهُ، وَإِنْ عَظُمَتَا، كَانَ مَنِيعًا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ، وَقَدْ يَكُونُ انْقِطَاعُ الْخِصْيَتَيْنِ انْقِطَاعَ إِنَاثِ الْوَلَدِ.
وَالْفَخِذُ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ وَقَوْمُهُ.
وَالرُّكْبَةُ: مَوْضِعُ كَدِّهِ وَنَصَبِهِ فِي مَعِيشَتِهِ.
وَالسَّاقُ عُمْرُهُ، وَرُبَّمَا كَانَ السَّاقُ وَالْقَدَمُ مَالُهُ وَمَعِيشَتُهُ.
وَالْقُرُوحُ، وَالْبَثَرُ، وَالْجِرَاحُ، وَالْوَرَمُ فِي الْبَدَنِ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذامُ كُلُّهَا مَالٌ.
وَالْبَرَصُ مَالٌ وَكِسْوَةٌ.
بَابُ تَأْوِيلِ الثِّيَابِ وَالْفُرُشِ
3294 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْقُوبُ(12/240)
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَما أَنَا نَائَمُ رَأَيْتُ النًّاسَ يُعْرِضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِم قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ وَرَقَةَ؟ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ صَدَّقَكَ وَلَكِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرَ ذَلِكَ» .(12/241)
قَالَ الإِمَامُ: الْقَمِيصُ عَلَى الرَّجُلِ دِينُهُ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلامُهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ الْقَمِيصُ عَلَى الرَّجُلِ بِشَأْنِهِ فِي مَكْسَبِهِ وَمَعِيشَتِهِ، وَمَا رَأَى فِي قَمِيصِهِ مِنْ صَفَاقَةٍ أَوْ خَرْقٍ أَوْ وَسَخٍ، فَهُوَ صَلاحُ مَعِيشَتِهِ أَوْ فَسَادُهُ.
وَالسَّرَاوِيلُ جَارِيَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ.
وَالإِزَارُ امْرَأَةٌ وَأَفْضَلُ الثِّيَابِ مَا كَانَ جَدِيدًا صَفِيقًا وَاسِعًا.
وَالْبَيَاضُ فِي الثِّيَابِ جَمَالٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَالْحُمْرَةُ فِي الثِّيَابِ صَالِحَةٌ لِلنِّسَاءِ، وَتُكْرَهُ لِلرِّجَالِ، إِلا أَنْ تَكُونَ فِي مِلْحَفَةٍ أَوْ إِزَارٍ أَوْ فِرَاشٍ، فَهُوَ حِينَئِذٍ سُرُورٌ وَفَرَحٌ.
وَالصُّفْرَةُ فِي الثِّيَابِ مَرَضٌ، وَالْخُضْرَةُ حَيَاةٌ فِي الدِّينِ، لأَنَّهَا لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَالسَّوَادُ سُؤْدُدٌ وَسُلْطَانٌ لِمَنْ يَلْبَسُ السَّوَادَ فِي الْيَقَظَةِ، أَوْ يُنْسَبُ إِلَى مَنْ يَلْبَسُهَا وَلِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ.
وَثِيَابُ الصُّوفِ مَالٌ كَثِيرٌ.
وَالْبُرْدُ مِنَ الْقُطْنِ يَجْمَعُ خَيْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَأَجْوَدُ الْبُرُودِ الْحِبْرَةُ، فَإِنْ كَانَ الْبُرْدُ مِنْ إِبْرَيْسِمٍ، فَهُوَ مَالٌ حَرَامٌ، وَفَسَادٌ فِي الدِّينِ.
وَالْقُطْنُ، وَالْكَتَّانُ، وَالشَّعْرُ، وَالْوَبَرُ كُلُّهَا مَالٌ.
وَالْعِمَامَةُ وِلايَةٌ.
وَالْفِرَاشُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ.
وَالْوَسَائِدُ، وَالْمَرَافِقُ، وَالْمَقَارِمُ، وَالْمَنَادِيلُ خَدَمٌ.
وَالسَّرِيرُ سُلْطَانٌ.
وَالْمِنْبَرُ سُلْطَانٌ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِك، وَإِلا فَهُوَ شُهْرَةٌ، وَهُوَ لِلْمَرْأَةِ فَضِيحَةٌ.
وَالسُّتُورُ عَلَى الأَبْوَابِ هَمٌّ وَحَزَنٌ.
وَالْكُرْسِيُّ امْرَأَةٌ.
وَالنَّعْلُ امْرَأَةٌ.
وَخِمَارُ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَوَلِيُّهَا.(12/242)
بَابُ رُؤْيَةِ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ
3295 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ الْعَلاءِ الأنْصَارِيَّةُ، تَقُول: " لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ، اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَاهُمْ، قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، فَمَرِضَ، فَمَرَّضْنَاهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي أَنْ قَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدْرِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هُوَ، فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ الْيَقِينَ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يَفْعَلُ بِهِ وَلا بِكُمْ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا، قَالَتْ:(12/243)
ثُمَّ رَأَيْتُ لِعُثْمَانَ بَعْدُ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَقَصَصْتُهَا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ذَاكَ عَمَلُهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: فَسَمِعْتُ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ: كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ حَتَّى تُوُفِّيَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «الْحَقِي بِفَرْطِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ»
قَالَ الإِمَامُ: «الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ» عَبَّرَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الْجَارِي.
وَالسَّاقِيَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُغْرَقُ فِي مِثْلِهَا حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ.
وَالْبَحْرُ هُوَ الْمِلْكُ الأَعْظَمُ، فَإِنِ اسْتَقَى مِنْهُ مَاءً، أَصَابَ مِنَ الْمِلْكِ مَالا.
وَالنَّهْرُ رَجُلٌ بِقَدْرِ عِظَمِهِ.
وَالْمَاءُ الصَّافِي إِذَا شُرِبَ، فَهُوَ خَيْرٌ وَحَيَاةٌ طَيِّبَةٌ، فَإِنْ كَانَ كَدَرًا، أَصَابَهُ مَرَضٌ.
وَشُرْبُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ هَمٌّ وَمَرَضٌ.
وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ أَضْعَفُ فِي التَّأْوِيلِ مِنَ الْجَارِي.
وَالْمَطَرُ غِيَاثٌ وَرَحْمَةٌ إِنْ كَانَ عَامًّا، فَإِنْ كَانَ خَاصًّا فِي مَوْضِعٍ، فَهُوَ أَوْجَاعٌ تَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعُ.
وَالطِّينُ وَالْوَحْلُ وَالْمَاءُ الْكَدِرُ هَمٌّ وَحَزَنٌ.
وَالسَّيْلُ(12/244)
عَدُوٌّ يَتَسَلَّطُ.
وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْجَلِيدُ هَمٌّ وَعَذَابٌ إِلا أَنْ يَكُونَ الثَّلْجَ قَلِيلا فِي مَوْضِعِهِ وَحِينِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ خِصْبًا لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
وَالسِّبَاحَةُ فِي الْمَاءِ احْتِبَاسُ أَمْرٍ.
وَالْمَشْيُ عَلَى الْمَاءِ قُوَّةُ يَقِينٍ.
وَمَنْ غَمَرَهُ الْمَاءُ أَصَابَهُ هَمٌّ غَالِبٌ.
وَالْغَرَقُ فِيهِ إِذَا لَمْ يَمُتْ غَرَقٌ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا.
وَانْفِجَارُ الْعُيُونِ مِنَ الدَّارِ وَالْحَائِطِ وَحَيْثُ يُنْكَرُ انْفِجَارُهَا هَمٌّ، وَحَزَنٌ، وَمُصِيبَةٌ، وَبُكَاءٌ بِقَدْرِ قُوَّةِ الْعَيْنِ.
وَالْخَمْرُ مَالٌ حَرَامٌ، فَإِنْ سَكِرَ مِنْهَا، أَصَابَ مَعَهُ سُلْطَانًا.
وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِ الشَّرَابِ خَوْفٌ.
وَالنَّبِيذُ الَّذِي يَحِلُّ شُرْبُهُ مَالٌ حَلالٌ وَفِيهِ نَصَبٌ لِمَا نَالَهُ مِنَ النَّارِ.
وَمَنِ اعْتَصَرَ خَمْرًا، خَدَمَ السُّلْطَانَ وَأَخْصَبَ، وَجَرَتْ عَلَى يَدِهِ أُمُورٌ عِظَامٌ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ رُؤْيَا صَاحِبِ السِّجْنِ: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يُوسُف: 36] ، فَأَوَّلَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يُوسُف: 41] .
وَشُرْبُ اللَّبَنِ فِطْرَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ مَالا حَلالا، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ» ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ» .
وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّهَا تَحْلِبُ حَيَّةً، فَسَأَلَتِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَهْلُ الأَهْوَاءِ، اللَّبَنُ فِطْرَةٌ، وَالْحَيَّةُ عَدُوٌّ لَيْسَتْ مِنَ الْفِطْرَةِ فِي شَيْءٍ.
وَالْأَشْجَار كلهَا رجال أَحْوَالهم كأحوال الشّجر فِي الطَّبْع والنفع، فَمن رَأَى شَجرا، وَأصَاب شَيْئا مِن ثمره، أصَاب مَالا مِن رَجُل فِي مثل حَال ذَلِكَ الشّجر، فالنخلة رَجُل شرِيف، وَالتَّمْر مَال، وَشَجر الْجَوْز رَجُل أعجمي شحيح، والجوز نَفسه مَال مكنوز.(12/245)
وشجرة السدر رَجُل شرِيف.
وشجرة الزَّيْتُون رَجُل مبارك نفاع.
وثمر الزَّيْتُون هُم وحزن.
وَالزَّيْت خير وبركة.
وَشَجر الرُّمَّان رَجُل عَلَى قدرهَا، وَالرُّمَّان مَال مَجْمُوع إِذا كَانَ حلوا.
والحامض هُم وحزن.
وَالْكَرم والبستان امْرَأَة.
وَالْعِنَب الْأَبْيَض فِي وقته غضارة الدّنيا وَخَيرهَا، وَفِي غير وقته مَال يَنَالهُ قبل الْوَقْت الَّذِي يرجوه.
وَالْأَشْجَار الْعِظَام الّتي لَا ثَمَر لَهَا كالدلب والصنوبر إِن رَأَى شَيْئا مِنْهَا، فَهُوَ رَجُل ضخم بعيد الصَّوْت، قَلِيل الْخَيْر وَالْمَال.
وَالشَّجر ذَات الشوك رَجُل صَعب المرام.
والصفر مِن الثِّمَار مثل المشمش، والكمثرى، والزعرور الْأَصْفَر، وَنَحْوهَا أمراض.
والحامض مِنْهَا هُم وحزن.
والحبوب كلهَا مَال.
والحشيش والكلأ مَال.
وَالزَّرْع عمله فِي دينه أَو دُنْيَاهُ.
والثوم، والبصل، والجزر، والشلجم هُم وحزن.
والرياحين كلهَا بكاء وحزن إِلَّا مَا يرى مِنْهَا نابتا فِي مَوْضِعه مِن غير أَن يمسهُ وَهُوَ يجد رِيحه فَيكون ولدا.
بَاب تَأْوِيل رُؤْيَة الْبَقر وَسَائِر الْحَيَوَان
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قصَّة يُوسُف: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [يُوسُف: 43] .
3296 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النّعيمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا(12/246)
حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أُرَاهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ، وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ
قَوْله: «فَذهب وهلي أَو وهمي» يقَالَ وَهل الرجل يهل: إِذا وهم(12/247)
الشَّيْء، وَفِيه أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى الْمَدِينَة يثرب، وَقد نهى عَنْهُ بعده وسماها طابة، لِأَنَّهُ كَانَ يُغير الِاسْم الْقَبِيح إِلَى الْحَسَن عَلَى التَّبَرُّك والتفاؤل.
قَالَ الْإِمَام: هَذَا الحَدِيث يشْتَمل عَلَى أَنْوَاع مِن الرُّؤْيَا مِنْهَا السَّيْف، وَالسيف السّلطان، فَإِن رَآهُ قد رَفعه فَوق رَأسه، نَالَ سُلْطَانا مَشْهُورا، فَإِن لم يكن مِمَّن يَنْبَغِي لَهُ، فَهُوَ وُلِدَ، وَكَذَلِكَ كل مِن أعطي سكينا، أَو رمحا، أَو قوسا لَيْسَ مَعَه سلَاح، فَهُوَ وُلِدَ، فَإِن كَانَ مَعَه سلَاح، فَهُوَ سُلْطَان، وَمَا حدث فِي السَّيْف مِن انكسار أَو ثلمة أَو كدورة، فَهُوَ حدث فِيمَا ينْسب السَّيْف إِلَيْهِ فِي التَّأْوِيل، فَإِن رَأَى أَنَّهُ سل سَيْفا مِن غمد، ولدت امْرَأَته غُلَاما، فَإِن انْكَسَرَ السَّيْف فِي الغمد، مَاتَ الْوَلَد، وَإِن انْكَسَرَ الغمد دون السَّيْف، مَاتَت الْأُم، وَسلم الْوَلَد.
وَالرَّمْي عَن الْقوس نُفُوذ كتبه فِي سُلْطَانه بِالْأَمر وَالنَّهْي.
وانكسار الْقوس مُصِيبَة.
وَالْبَقر سنُون، فَإِن كَانَت سمانا، كَانَت مخاصيب، وَإِن كَانَت عِجَافًا كَانَت مجاديب، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قصَّة يُوسُف: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يُوسُف: 48] ، فَأول يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أكل الْبَقَرَات الْعِجَاف الْبَقَرَات السمان بِالسِّنِينَ المجاديب تَأْكُل مَا جمع لَهَا فِي السنين المخاصيب.
وَمن ركب ثورا، أصَاب مَالا مِن عمل السّلطان، واستمكن مِن عَامل.
وَإِن رَأَى ثورا مِن العوامل ذبح وقيم لَحْمه، فَهُوَ موت عَامل وَقِسْمَة تركته.
فَإِن كَانَت مِن غير العوامل، كَانَ رجلا ضخما.
وَالْبَعِير رَجُل ضخم.
والناقة امْرَأَة.
وَمن رَأَى أَنَّهُ رَاكب بعير مَجْهُول سَافر، وَإِن نزل عَنْهُ(12/248)
مرض.
وَإِن دخل جمَاعَة مِن الْإِبِل أَرضًا، دَخلهَا عَدو، وَرُبمَا كَانَ سيلا، وَرُبمَا كَانَ أوجاعا.
وَمن رَأَى أَنَّهُ يرْعَى غنما سُودًا، فهم أنَاس مِن الْعَرَب، فَإِن كَانَت بيضًا، فَمن الْعَجم، رُوِيَ عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أريت غنما كَثِيرَة سُودًا دخلت فِيهَا غنم كَثِيرَة بيض» ، قَالُوا: فَمَا أولته يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعَجم يشركونكم فِي دينكُمْ وأنسابكم، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ الْإِيمَان مُعَلّقا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رَجُل مِن الْعَجم وأسعدهم بِهِ فَارس» .
والكبش رَجُل ضخم.
والنعجة امْرَأَة شريفة.
والعنز يجْرِي مجْرى النعجة إِذا كَانَ فِي الرُّؤْيَا مَا يدل عَلَى الْمَرْأَة، إِلَّا أَن العنز دون النعجة فِي الشّرف والحسب، وَقد يجْرِي العنز مجْرى الْبَقَرَة فِي كَونهَا سنة مخصبة إِن كَانَت سَمِينَة، أَو مُجْدِبَة إِن كَانَت عجفاء.
وَالْفرس عز(12/249)
وسلطان.
وَالْأُنْثَى امْرَأَة شريفة.
والبغل سفر.
وَالْحمار جد الرجل يسْعَى بِهِ، فَمن رَأَى أَنَّهُ ذبح حِمَاره ليَأْكُل مِن لَحْمه، أصَاب مَالا بجده.
والفيل سُلْطَان أعجمي، فَإِن رَكبه فِي أَرض حَرْب، كَانَت الدبرة عَلَى أَصْحَاب الْفِيل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الْفِيل: 1] .
وَمن أصَاب حمَار وَحش أَو وَعلا وضميره أَنَّهُ يُرِيد أكله يُصِيب غنيمَة.
وَمن رَأَى أَنَّهُ رَاكب حمَار وَحش يصرفهُ كَيفَ يَشَاء، فَهُوَ رَاكب مَعْصِيّة، أَو يُفَارق رَأْي جمَاعَة الْمُسلمين.
والأسد عَدو قاهر.
وَالْخِنْزِير رَجُل دني شَدِيد الشَّوْكَة.
والضبع امْرَأَة سوء قبيحة.
والدب عَدو دنيء أَحمَق.
وَالذِّئْب سُلْطَان غشوم، أَو لص ضَعِيف كَذَّاب.
والثعلب: كثير الِاخْتِلَاف فِي التَّأْوِيل، فَمن رَأَى أَنَّهُ ينازعه خَاصم ذَا قرَابَة، وَإِن طلب ثعلبا، أَصَابَهُ وجع، وَإِن طلبه ثَعْلَب أَصَابَهُ فزع، وَمن رَأَى ثعلبا يهرب مِنْهُ فَهُوَ غَرِيم يراوغه، وَمن أصَاب ثعلبا، أصَاب امْرَأَة يُحِبهَا حبا ضَعِيفا، وَابْن آوى يجْرِي مجْرى الثَّعْلَب، إِلَّا أَنَّهُ أَضْعَف.
وَالْكَلب عَدو دنيء غير مبالغ فِي عداوته.
والقرد عَدو مَلْعُون.
والحية عَدو مكاتم الْعَدَاوَة.
وَالْعَقْرَب عَدو ضَعِيف لَا تجَاوز عداوته لِسَانه.
وَكَذَلِكَ سَائِر الْهَوَام أَعدَاء عَلَى مَنَازِلهمْ، وَذُو السم مِنْهَا أبلغ فِي الْعَدَاوَة.
والنسر، وَالْعِقَاب سُلْطَان قوي.
والحدأة ملك خامل الذّكر، شَدِيد الشَّوْكَة.
والبازي سُلْطَان ظَالِم.
والصقر قريب مِنْهُ.
والغراب إِنْسَان فَاسق كذوب.
والعقعق إِنْسَان لَا عهد لَهُ، وَلَا حفاظ وَلَا دين.(12/250)
والطاوس الذّكر ملك أعجمي.
وَالْأُنْثَى امْرَأَة حسناء أَعْجَمِيَّة.
والحمامة امْرَأَة أَو خادمة.
والفاختة امْرَأَة غير ألفة.
والدجاج خدم.
والديك رَجُل أعجمي مِن نسل الْمُلُوك، قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم أَن ديكا نقرني نقرة أَو نقرتين، فأولت أَن رجلا مِن الْعَجم سيقتلني، فَقتله أَبُو لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة.
والعصفور رَجُل ضخم عَظِيم الْقدر.
والبلبل غُلَام صَغِير.
والببغاء وُلِدَ يناغي.
والطاوس أنيس مِن وَحْشَة.
والخفاش عَابِد مُجْتَهد.
والزرزور صَاحب أسفار.
والهدهد كَاتب يتعاطى دَقِيق الْعلم، وَلَا دين لَهُ، وَالثنَاء عَلَيْهِ قَبِيح لنتن رِيحه.
والزنابير والذباب سفلَة النّاس وغوغاؤهم.
والنحلة إِنْسَان كسوب عَظِيم الْخطر وَالْبركَة.
وطير المَاء أفضل الطير فِي التَّأْوِيل، لِأَنَّهَا أَكْثَرهَا ريشا، وأقلها غائلة، وَله سلطانان سُلْطَان فِي الْبر، وسلطان فِي المَاء.
والسمك الطري الْكِبَار مِنْهُ إِذا كثر عَددهَا مَال وغنيمة.
وصغارها هموم كالصبيان.
وَمن أصَاب سَمَكَة طرية أَو سمكتين، أصَاب امْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ، فَإِن أصَاب فِي بَطنهَا لؤلؤة، أصَاب مِنْهَا غُلَاما.
والضفدع إِنْسَان عَابِد مُجْتَهد، فَإِن كثرت الضفادع، فعذاب.
وَالْجَرَاد جند، والجنود إِذا دخلت موضعا فَهِيَ جَراد.(12/251)
بَاب السوار والحلي
3297 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، إذْ أُوتِيتُ مِنْ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدِي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ،(12/252)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَالَ الْإِمَام: مِن رَأَى عَلَيْهِ سِوَارَيْنِ مِن ذهب، أَصَابَهُ ضيق فِي ذَات يَده، وَإِن كَانَ مِن فضَّة، فَهُوَ خير مِن الذَّهَب.
وَمن رَأَى عَلَيْهِ خلخالا مِن ذهب أَو فضَّة، أَصَابَهُ خوف أَو حبس، أَو قيد، وَلَيْسَ يصلح للرِّجَال فِي الْمَنَام مِن الْحلِيّ شَيْء إِلَّا القلادة، والتاج، وَالْعقد، والقرط، والخاتم، فَأَما النِّسَاء، فالحلي كُله زِينَة لَهُنَّ، فالقلادة ولَايَة، أَو تقلد أَمَانَة.
واللؤلؤ المنظوم كَلَام اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَو مِن كَلَام الْبر، فَإِن كَانَ اللُّؤْلُؤ غير منظوم، فَإِنَّهُ وَلَدٌ أَو غلْمَان، وَرُبمَا كَانَ اللُّؤْلُؤ جَارِيَة أَو امْرأة، والقرط زِينَة وجمال، والخاتم إِذا كَانَ مَعْرُوف الصِّنَاعَة والنقش سُلْطَان صَاحبه، فَإِن أعطي خَاتمًا، فتختم بِهِ، ملك شَيْئا لم يملكهُ، وَرُبمَا كَانَ الْخَاتم امْرَأَة أَو مَالا أَو ولدا، وفص الْخَاتم وَجه مَا يعبر الْخَاتم بِهِ، وَإِن كَانَ الْخَاتم مِن ذهب، كَانَ مَا نسب إِلَيْهِ حَرَامًا، وَإِن رَأَى أَن حَلقَة خَاتمه انْكَسَرت وَسَقَطت، وَبَقِي الفص ذهب سُلْطَانه وَبَقِي الذّكر وَالْجمال.
وَمن رَأَى أَنَّهُ أصَاب ذَهَبا، يُصِيبهُ غرم، أَو يذهب مَاله، فَإِن كَانَ الذَّهَب مَعْمُولا مِن إِنَاء أَو نَحوه، كَانَ أَضْعَف فِي التَّأْوِيل.
وَالدَّرَاهِم مُخْتَلفَة التَّأْوِيل عَلَى اخْتِلَاف الطباع، فَمنهمْ مِن يَرَاهَا فِي الْمَنَام، فيصيبها فِي الْيَقَظَة، وَمِنْهُم مِن يعبرها بالْكلَام، فَإِن كَانَت بَيْضَاء، فَهِيَ كَلَام حَسَن، وَإِن كَانَت رَدِيئَة، فَكَلَام سوء، وَمِنْهُم مِن لَا يُوَافقهُ شَيْء مِنْهَا، وَالدَّرَاهِم فِي الْجُمْلَة خير مِن الدَّنَانِير، وَقد يكون الدِّينَار الْوَاحِد وَالدِّرْهَم الْوَاحِد ولدا صَغِيرا.(12/253)
كتاب الاسْتِئْذَان
بَاب بَدْء السَّلَام
3298 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ: اذْهَبْ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ، وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قَالَ: فَذَهَبَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ(12/254)
يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ ".
وَفِي رُوَايَةِ الرَّمَادِيِّ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَا: فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ: " فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خلق اللَّه آدم عَلَى صورته» ، الْهَاء مرجعها إِلَى آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْمَعْنى: أَن ذُرِّيَّة آدم خلقُوا أطوارا كَانُوا فِي مبدإ الْخلق نُطْفَة، ثُمَّ علقَة، ثُمَّ مُضْغَة، ثُمَّ صَارُوا صورا أجنة إِلَى أَن تتمّ مُدَّة الْحمل، فيولدون أطفالا، وينشئون صغَارًا إِلَى أَن يكبروا، فَيتم طول أَجْسَادهم، يَقُولُ: إِن آدم لم يكن خلقه عَلَى هَذِه الصّفة، وَلكنه أول مَا تناولته الْخلقَة، وجد خلقا تَاما طوله سِتُّونَ ذِرَاعا.
وَذكر بَعضهم مِن فَوَائده أَن الْحَيَّة لما أخرجت مِن الجنّة، شوهت خلقتها، وَإِن آدم كَانَ مخلوقا فِي الأول عَلَى صورته الّتي كَانَ عَلَيْهَا بعد الْخُرُوج مِن الجنّة لم تشوه صورته، وَلم تغير خلقته.
قَالَ الْإِمَام: التَّسْلِيم عَلَى الْأَخ الْمُسلم سنة، وَالرَّدّ وَاجِب، فَيَقُول الْمُبْتَدِئ: السَّلَام عَلَيْكُم، هَذَا أَقَله، وكماله أَن يَقُولُ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته.
ثُمَّ الْمُجيب فِي الرَّد إِذا قَالَ: وَعَلَيْك وَاقْتصر عَلَيْهِ،(12/255)
جَازَ، وَالْأَفْضَل لمن يَقُولُ فِي الْجَواب: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته.
وَإِن كَانَ قد اقْتصر الْمُبْتَدِئ عَلَى قَوْله: سَلام عَلَيْكُم، لقَوْل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النِّسَاء: 86] .
وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْجَواب أَيْضا «السَّلَام عَلَيْكُم» حُكيَ ذَلِكَ عَن الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ إِذا رد، قَالَ: سَلام عَلَيْكُم، وَالْأَكْثَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْجَواب: وَعَلَيْكُم السَّلَام، بِتَقْدِيم الْخَطَّاب، لما رُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَن رجلا دخل الْمَسْجِد فصلى، ثُمَّ جَاءَ فَسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْك السَّلَام، ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل» .
وَعَن رِفَاعَة بْن رَافع فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْك فَارْجِع فصل» .
وَعَن عمار بْن يَاسر أَنَّهُ سلم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرد عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «وَعَلَيْكُم السَّلَام» ، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك السَّلَام» ، فقَالَت: وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه.(12/256)
وَرُوِيَ عَن يَحْيَى بْن سَعِيد أَن رجلا سلم عَلَى عَبْد اللَّه بْن عُمَر فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته والغاديات والرائحات، فَقَالَ: وَعَلَيْك ألفا، ثُمَّ كَأَنَّهُ كره ذَلِكَ.
وَرُوِيَ أَن رجلا سلم عَلَى ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته، ثُمَّ زَاد شَيْئا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن السَّلَام انْتهى إِلَى الْبركَة.
3299 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا غِرَارَ فِي صَلاةٍ، وَلا تَسْلِيمٍ»
قَالَ أَحْمَد: يَعْنِي فِيمَا أرى أَلا تسلم، وَلَا يسلم عَلَيْك، ويغرر الرجل بِصَلَاتِهِ، فَيَنْصَرِف وَهُوَ فِيهَا شَاك.
قَالَ الْخطابِيّ: أصل الغرار: نُقْصَان لبن النَّاقة، فَقَوله: لَا غرار، أَي: لَا نُقْصَان فِي التَّسْلِيم، وَمَعْنَاهُ: أَن ترد كَمَا يسلم عَلَيْك وافيا لَا نقص فِيهِ، مثل أَن يَقُولُ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه، فَتَقول: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه، وَلَا تقتصر عَلَى أَن تَقُولُ: عَلَيْكُم السَّلَام، أَو عَلَيْكُم.(12/257)
وَأما الغرار فِي الصَّلَاة، فعلى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَلا يتم رُكُوعه وَسُجُوده، وَالْآخر: أَن يشك هَل صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا؟ فَيَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ، وينصرف بِالشَّكِّ، وَقد جَاءَت السّنة أَن يطْرَح الشَّك، وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِين، وَيُصلي رَكْعَة حَتَّى يعلم أَنَّهُ قد أكملها أَرْبعا.
بَاب فضل السَّلَام
3300 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلي شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ(12/258)
أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٍ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُور السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَر الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
3301 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ، رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ".
وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/259)
3302 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النعيمي، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّد بْن رُمْحٍ، عَنْ لَيْثٍ
قَوْله: «أَي الْإِسْلَام خير» يُرِيد أَي خِصَال الْإِسْلَام خير، وَكَأن السُّؤَال وَقع عَمَّا يتَّصل بِحُقُوق الْآدَمِيّين مِن الْخِصَال دون غَيرهَا، بِدَلِيل أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أجَاب عَنْهَا دون غَيرهَا مِن الْخِصَال.
وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَأْخُذ بيَدي، فَيخرج إِلَى السُّوق، فَيَقُول: إِنِّي لأخرج، وَمَا لي حَاجَة إِلَّا لأسلم، وَيسلم عَلِيّ، فَأعْطِي وَاحِدَة وآخذ عشرا، يَا مُجَاهِد، إِن السَّلَام اسْم مِن أَسمَاء اللَّه تَعَالَى، فَمن أَكثر السَّلَام، أَكثر ذكر اللَّه.
وَرُوِيَ عَن ابْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو فَلَا يمر بسقاط، وَلَا صَاحب بيعَة إِلَّا سلم عَلَيْهِ.
السقاط: بياع السقط.
والبيعة مِن البيع كالركبة والقعدة.(12/260)
وَقَالَ عمار بْن يَاسر: ثَلَاث مِن جمعهن جمع الْإِيمَان، ويروى وجد حلاوة الْإِيمَان: الْإِنْصَاف مِن نَفسك، وبذل السَّلَام للْعَالم، والإنفاق مِن الإقتار.
بَاب مِن الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ
3303 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ(12/261)
مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هَرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ
3304 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، أَنَّ ثَابِتًا، أَخْبَرَهُ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ رَوْحٍ
وَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يتَقَدَّم إِلَى الحرس أَلا يقومُوا لَهُ إِذا خرج عَلَيْهِم، وَلَا يبدءوه بِالسَّلَامِ، وَيَقُول: إِنَّمَا السَّلَام عَلِيَّ.(12/262)
قَالَ الْإِمَام: ورد السَّلَام فرض عَلَى الْكِفَايَة، والابتداء سنة عَلَى الْكِفَايَة، وَإِذا مر قوم عَلَى قوم، فَسلم وَاحِد مِنْهُم كَانَ كَافِيا، وَإِذا رد مِن الآخرين وَاحِد، سقط الْفَرْض عَنْهُمْ.
ويروى عَن أَبِي أُمَامَة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن أولى النّاس بِاللَّه مِن بدأهم بِالسَّلَامِ» .
وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: إِن مِمَّا يصفي لَك ود أَخِيك ثَلَاثًا: «أَن تبدأه بِالسَّلَامِ إِذا لَقيته، وَأَن تَدعُوهُ بِأحب أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ، وَأَن توسع لَهُ فِي الْمجْلس» .
وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ: إِن أبخل النّاس مِن بخل بِالسَّلَامِ، والمغبون مِن لم يرد، وَإِن حَال بَيْنك وَبَين أَخِيك شَجَرَة، فاستطعت أَن تبدأ بِالسَّلَامِ، فافعل.
بَاب التَّسْلِيم عَلَى الصّبيان
3305 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ الأَنْصَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(12/263)
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَدَّثَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
3306 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الأَنْصَارَ، وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ بِرُءُوسِهِمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
3307 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،(12/264)
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَ الصِّبْيَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ، فَقَالَ: لَا تُخْبِرْ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
بَاب التَّسْلِيم عَلَى النِّسَاء
3308 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَسَدٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ طَارِقٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ»(12/265)
قَالَ سهل بْن سعد: كَانَت امْرَأَة تنْزع أصُول السلق، فتجعله فِي قدر، وَتجْعَل عَلَيْهِ قَبْضَة مِن الشّعير تطحنها، وَكُنَّا ننصرف مِن صَلَاة الْجُمُعَة، فنسلم عَلَيْهَا، فتقرب إِلَيْنَا.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْنَا أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ، تُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا، وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ، فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ» .
وَقَالَ معمر: عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير، قَالَ: بَلغنِي أَنَّهُ يكره أَن يسلم الرِّجَال عَلَى النِّسَاء، فَقَالَ: مَا كَانَ الرِّجَال يسلمُونَ عَلَى النِّسَاء، إِنَّمَا النِّسَاء يسلمن عَلَى الرِّجَال.
وَقَالَ مَنْصُور: عَن إِبْرَاهِيم، كَانُوا يسلمُونَ عَلَى النِّسَاء.
وَقَالَ مَالك: أما الشَّابَّة، فَلَا أحب ذَلِكَ، وَلم يكره عَلَى غير الشَّابَّة.(12/266)
وَحكي عَن قَتَادَة: إِن كَانَت مِن الْقَوَاعِد، فَلَا بَأْس أَن يسلم الرجل عَلَيْهَا، وَأما الشَّابَّة، فَلَا.
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى بِالأَكُفِّ» .
وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَلم يرفعهُ بَعضهم.
بَاب تَبْلِيغ السَّلَام
3309 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ، ابْنَا عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا أَبُو النَّصْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ، وَلَيْسَ لِي مَالٌ أَتَجَهَّزُ بِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ إِلَى فُلانٍ الأَنْصَارِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ،(12/267)
فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: ادْفَعْ إِلَيَّ مَا تَجَهَّزْتَ "، فَأتَاهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا فُلانَةُ، ادْفَعِي إِلَيْهِ مَا تَجَهَّزْتِنِي بِهِ، وَلا تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئًا، فَوَاللَّهِ لَا تَحْبِسِينَ مِنْهُ شَيْئًا، فَيُبَارِك اللَّهُ لَكِ فِيهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادٍ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَائِشَةَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ» ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
وَعَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ رَجُلا أَتَى سَلْمَانَ الْفَارِسي فَقَالَ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، فَقَالَ: مَتَّى قَدِمْتَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَلاثٍ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تُؤَدِّهَا، كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَكَ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَاتَبَهُ رَجُلٌ فِي جَوَابِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَرَاهُ عَلَيَّ حَقًّا كَرَدِّ السَّلامِ، أَوْ قَالَ: وَاجِبًا(12/268)
بَاب كَرَاهِيَة التَّسْلِيم عَلَى أهل الْكتاب وَكَيْفِيَّة الرَّد عَلَيْهِم إِن بدءوا
3310 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ سُهَيْلٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى يَهُودِيٍّ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَأُخْبِرَ، فَرَجَعَ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ سَلامِيَ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ
3311 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،(12/269)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّمَا يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: عَلَيْكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: فَقُلْ: وَعَلَيْكَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَمَالِك، وَقَالَ: «فَقُلْ عَلَيْكَ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَالَ: فَقُلْ: عَلَيْكَ.
قَوْلُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ.
يُرِيدُونَ الْمَوْتَ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ
3312 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: " فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3313 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،(12/270)
نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ» .
قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، يُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَأَرَادَ بِالْفُحْشِ: عُدْوَانُ الْجَوَابِ، لَا الْفُحْش الَّذِي هُوَ مِن قَدْحِ الْكَلامِ
3314 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(12/271)
فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» .
قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ: قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ، بِلا وَاوٍ
قَالَ الْإِمَام: قد ذهب قَوْمٌ إِلَى أَن الصَّوَاب فِيهِ حذف الْوَاو حَتَّى يصير قَوْلهم الَّذِي قَالوه بِعَيْنِه مردودا عَلَيْهِم، وبإدخال الْوَاو يَقع الِاشْتِرَاك مَعَهم فِيمَا قَالوه، لِأَن الْوَاو للْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ حَتَّى قَالَ بَعضهم: لَو سلم عَلَيْهِ مُسْلِم يُجيب بِالْوَاو ليَقَع الِاشْتِرَاك فِيهِ بَينهمَا، وَلَا يصير قَوْله بِعَيْنِه مردودا عَلَيْهِ، بِخِلَاف الرَّد عَلَى أهل الشّرك.
والسام: هُوَ(12/272)
الْمَوْت.
وَقَالَ قَتَادَة: التَّسْلِيم عَلَى أهل الْكتاب إِذا دخلت عَلَيْهِم بُيُوتهم، أَن تَقُولُ: السَّلَام عَلَى مِن اتبع الْهدى.
قَالَ الْإِمَام: وَكتب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم «سَلام عَلَى مِن اتبع الْهدى» .
وَسُئِلَ مَالك عَمَّن سلم عَلَى الْيَهُودِيّ، أَو النَّصْرَانِي: هَل يستقيله ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا.
قلت: أما الدُّعَاء لأهل الْكتاب، فَلَا بَأْس بِهِ، فقد رُوِيَ أَن يَهُودِيّا حلب للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقحة، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ جمله، فاسود شعره، وعاش نَحوا مِن تسعين سنة لم يشب» .
بَاب التَّسْلِيم عَلَى قوم فيهم أخلاط مِن الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين
3315 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ،(12/273)
وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، فَخَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَقَرأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ حَقًّا، فَلا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ، فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَثَّبُوا، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: " أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، قَالَ: كَذَا وكَذَا " قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصْفَحْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدْ أَصْبَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ،(12/274)
فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
قلت: الْبحيرَة تَصْغِير البحرة، وَهِي الْقرْيَة يُرِيد الْمَدِينَة.
قَوْله: «فَيعصبُونَهُ» أَي: يسودونه، وَكَانُوا يسمون السَّيِّد المطاع معصب، لِأَنَّهُ يعصب بالتاج، أَو يعصب أُمُور النّاس.
وَقَوله: «شَرق بذلك» ، أَي غص بِهِ، يقَالَ: شَرق بِالْمَاءِ، وغص بِالطَّعَامِ، وشجي بالعظم.
وَفِيه جَوَاز التكني بِأبي حباب.
ويروى أَن رجلا كَانَ اسْمه الْحباب، فَسَماهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه، وَقَالَ: «إِن الْحباب اسْم شَيْطَان» .
وَفِيه جَوَاز تكنية الْكَافِر، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يظْهر عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْإِسْلَام، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] ، وَقَالَ الْحَسَن: إِذا مَرَرْت بِمَجْلِس فِيهِ مُسلمُونَ وكفار، فَسلم عَلَيْهِم.(12/275)
بَاب الْكتاب إِلَى الْكفَّار
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النَّمْل: 29] ، قِيلَ فِي قَوْله: {كَرِيمٌ} [النَّمْل: 29] ، أَي مختوم، وَقيل: حَسَن مَا فِيهِ، وَقيل: جعله كَرِيمًا لكرم صَاحبه، وَقيل: لابتدائه بِبسْم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم.
3316 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةَ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ(12/276)
أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ {يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمرَان: 64] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَغَيْرِهِمَا، كُلٌّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَوْله: «ماد فِيهَا» أَي جعل الْحَرْب فِيهَا مَعَهم إِلَى مُدَّة.
قَوْله: «إِلَى عَظِيم الرّوم» أَي: مِن يعظمه الرّوم أَخذ بأدب اللَّه فِي تليين(12/277)
القَوْل لمن يبتدئه بالدعوة إِلَى دين الْحق.
قَالَ الْخطابِيّ: وَلم يكْتب ملك الرّوم فَيكون ذَلِكَ مقتضيا لتسليم الْمَلِك إِلَيْهِ، وَهُوَ بِحكم الدّين مَعْزُول عَنْهُ.
وَقَوله: «أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام» ، أَي: بِدَعْوَى الْإِسْلَام، مِن دَعَا يَدْعُو دعاية وَدَعوى، مثل شكا يشكو شكاية وشكوى.
وَقَوله: «إِثْم اليريسيين» فالياء فِيهَا بدل عَن الْهمزَة، ويروى «إِثْم الأريسيين» ، الأريس الأكار، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرس يأرس أرسا: إِذا صَار أريسيا وَهُوَ وَاحِد الأريسيين بتَخْفِيف الْيَاء، وَمن شدد الْيَاء قَالَ: وَاحِدهَا أريسي مَنْسُوب إِلَى الأريس وَهُوَ الأكار، وَهُوَ الأريس أَيْضا، وَجمعه أريسون وأرارسة، وَمَعْنَاهُ أَنَّك إِن لم تسلم ودمت عَلَى دينك، كَانَ عَلَيْك إِثْم الزراعين والأجراء الّذين هُم خول وَأَتْبَاع.
وَفِي الحَدِيث دَلِيل عَلَى جَوَاز الْكتاب إِلَى الْكفَّار، وَأَن نكتب إِلَيْهِم آيَة أَو آيَتَيْنِ مِن الْقُرْآن مِمَّا تقع بِهِ الدعْوَة، وَلَا يدْخل ذَلِكَ تَحت النَّهْي عَن المسافرة بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو، بل النَّهْي رَاجع إِلَى حمل الْمُصحف إِلَيْهِم، وَفِيه تَقْدِيم اسْم الْكَاتِب عَلَى اسْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ.
وَقَالَ معمر: عَن أيّوب، قَرَأت كتابا مِن الْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أيّوب: عَن نَافِع، أَو غَيره، قَالَ: كَانَ عُمَّال عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذا كتبُوا إِلَيْهِ، بدءوا بِأَنْفسِهِم، قَالَ: وَوجد زِيَاد كتابا مِن النُّعْمَان بْن مقرن إِلَى عَبْد اللَّه عُمَر أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ زِيَاد: مَا كَانَ هَؤُلَاءِ إِلَّا أعرابا.
قَالَ معمر: وَكَانَ أيّوب رُبمَا بَدَأَ باسم الرجل قبله إِذا كتب إِلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ الرجل عريفا.(12/278)
3317 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ، أَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَاقَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/279)
بَاب الاسْتِئْذَان بِالسَّلَامِ وَأَن الاسْتِئْذَان ثَلَاث
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النُّور: 27] ، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا.
3318 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَرَجَعَ فَأَرْسلَ عُمَرَ فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ: لِمَ رَجَعْتَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُجَبْ، فَلْيَرْجِعْ» ، فَقَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِيَنَّ عَلَى مَا تَقُولُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَوْعَدَهُ.
قَالَ: فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ وَأَنَا فِي حَلْقَةٍ جَالِسٌ، فَقُلْنَا: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ:(12/280)
سَلَّمْتُ عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَنَا خَبَرَهُ، فَهَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، كُلُّنَا قَدْ سَمِعَهُ.
قَالَ: فَأَرْسَلُوا مَعَهُ رَجُلا مِنْهُمْ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَن بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ قَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ» .
وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ: هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ يُكَنَّى أَبَا مَسْعُودٍ.
وَرَوَى أَبُو بُرْدَةَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لأَبِي مُوسَى: إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ
قَالَ الْإِمَام: وَقد رُوِيَ عَن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «اسْتَأْذَنت عَلَى رَسُول(12/281)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَأذن لي» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: قد كَانَ عُمَر اسْتَأْذن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، وَلم يكن علم هَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَبُو مُوسَى «فَإِن أذن لَك وَإِلَّا فَارْجِع» .
3319 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهِّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا حَسَنُ بْنُ هَارُونَ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، نَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَحْصُبِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى الْمَنْزِلَ، لَمْ يَأْتِهِ مِنْ قِبَلِ الْبَابِ، وَلَكِنْ يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ جَانِبِهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ» .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن مُؤَمّلِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ بَقِيَّةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ، لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ، وَيَقُولُ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ» ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ
3320 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ،(12/282)
عَنْ أَنَسٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَلَمْ يُسْمِعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى سَلَّمَ ثَلاثًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ ثَلاثًا، وَلَمْ يُسْمِعْهُ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ مَا سَلَّمْتَ تَسْلِيمَةً إِلا هِيَ بِأُذُنِي، وَلَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ، وَلَمْ أُسْمِعْكَ، أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَكْثِرَ مِنَ سَلامِكَ، وَمِنَ الْبَرَكَةِ، ثُمَّ دَخَلُوا الْبَيْتَ، فَقَرَّبَ لَهُ زَبِيبًا، فَأَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ "
قَالَ الْإِمَام: فِيهِ بَيَان أَن الاسْتِئْذَان يكون بِالسَّلَامِ، وَاخْتلفُوا فِي أَنَّهُ يقدم الاسْتِئْذَان أم السَّلَام؟ فَقَالَ قوم: يقدم الاسْتِئْذَان، يَقُولُ: أَأدْخل سَلام عَلَيْكُم، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النُّور: 27] ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَي تستأذنوا وتسلموا عَلَى أَهلهَا.
وَقَالَ قوم: يقدم السَّلَام، فَيَقُول: سَلام عَلَيْكُم أَأدْخل، وَهُوَ الأولى، وَقَوله عز وَجل: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النُّور: 27] ، قِيلَ مَعْنَاهُ: وتستأذنوا، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، أَي تسلموا وتستأذنوا، وَقيل: هُوَ(12/283)
أَن يتَكَلَّم بتسبيحة أَو تَكْبِيرَة، أَو يَتَنَحْنَح ينظر هَل فِيهَا أحد يَأْذَن لَهُ مِن قَوْلهم: {آنَسْتُ نَارًا} [طه: 10] ، أَي أبصرتها، وَقيل: الِاسْتِئْنَاس طلب الْأنس، وَمَعْنَاهُ هَذَا أَيْضا، وَهُوَ أَن ينظر هَل فِيهِ إِنْسَان يَأْذَن لَهُ؟ وَقد رُوِيَ عَن كلدة بْن حَنْبَل، أَن صَفْوَان بْن أُميَّة بَعثه بِلَبن وجداية وضغابيس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى الْوَادي، قَالَ: فَدخلت عَلَيْهِ، وَلم أسلم وَلم أَسْتَأْذن، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْجع فَقل: السَّلَام عَلَيْكُم أَأدْخل؟ ".
والجداية الصَّغِير مِن الظباء بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا، والضغابيس صغَار القثاء، وَاحِدهَا ضغبوس.
وَرُوِيَ عَن ابْن عُمَر اسْتَأْذن عَلَيْهِ رَجُل، فَقَالَ: أَدخل؟ قَالَ ابْن عُمَر: لَا، فَأمر بَعضهم الرجل أَن يسلم، فَسلم، فَأذن لَهُ.
وَرُوِيَ مثل هَذَا عَن ابْن سِيرِين مُرْسلا مَرْفُوعا.
وَقيل: إِن وَقع بَصَره عَلَى إِنْسَان، قدم السَّلَام، وَإِلَّا قدم الاسْتِئْذَان.
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة، أَنَّهُمَا قَالَا: إِذا دخلت بَيْتا لَيْسَ فِيهِ أحد، فَقل: السَّلَام علينا وعَلى عباد اللَّه الصَّالِحين، فَإِن الْمَلَائِكَة ترد.
وَرُوِيَ عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النُّور: 61] ، قَالَ: بَيْتك إِذا دَخلته، فَقل: سَلام عَلَيْكُم، وَعَن الزُّهْرِيّ مثله.(12/284)
بَاب إِذا دعِي الرجل فجَاء هَل يسْتَأْذن
3321 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، أَنا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ، الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ، فَادْعُهُمْ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِذْنٌ» .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(12/285)
قَالَ: «رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُمَا» .
بَاب
3322 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربَنْدكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا حَفْصٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الْحِجَابَ، وَتَسْتَمِعَ سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
والسواد: السرَار، يقَالَ: ساودت الرجل سوادا ومساودة: إِذا(12/286)
ساررته، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَيجوز الرّفْع وَهُوَ بِمَنْزِلَة جوَار وَجوَار، فالجوار الْمصدر، والجوار الِاسْم، وَهُوَ مِن إدناء سوادك مِن سوَاده، وَهُوَ الشَّخْص، فَإِن السوَاد لَا يكون إِلَّا بإدناء السوَاد مِن السوَاد.
بَاب كَرَاهِيَة أَن يَقُولُ أَنا
3323 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا، " اسْتَأْذَنْتَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: «أَنَا أَنَا! !» كَأَنَّهُ كَرِهَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
3324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، نَا عَمْرُو بْنُ حَكَّامٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: قُلْتُ: أَنَا.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَنَا أَنَا! !» كَأَنَّهُ كَرِهَهُ.(12/287)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ
وَقيل: يحْتَمل أَن تكون كراهيته مِن أجل تَركه الاسْتِئْذَان بِالسَّلَامِ، وَيحْتَمل أَن يكون مِن أجل أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «مِن هَذَا؟» ، كَانَ استكشافا للإبهام، وَقَوله: «أَنَا» لم يكن يَزُول بِهِ الْإِشْكَال والإبهام، لِأَن المكاني تكون بَيَانا عِنْد الْمُشَاهدَة، لَا مَعَ المعاينة، فَكَانَ وَجه الْجَواب أَن يَقُولُ: أَنَا جَابِر ليَقَع بِهِ التَّعْرِيف، وَيَزُول الْإِشْكَال.
وَرُوِيَ عَن عُمَر، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مشربَة لَهُ، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّهِ، السَّلَام عَلَيْكُم، أَيَدْخُلُ عُمَر؟ فقد جمع بَين السَّلَام والإبانة عَن الِاسْم، وَهُوَ كَمَال الاسْتِئْذَان.
بَاب المصافحة وفضلها وَمَا قِيلَ فِي المعانقة والقبلة
3325 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(12/288)
النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: " أَكَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3326 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيُصَافِحَانِ إِلا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْبَرَاءِ.
وَابْنُ نُمَيْرٍ: هُوَ عَبْدُ اللَّه بْنُ نُمَيْرٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ: «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ» .(12/289)
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مِن تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْمُصَافَحَةُ» .
وَصَافَحَ حَمَّادَ بْنَ زَيْدِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِيَدَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
وَالالْتِزَامُ: هُوَ الْمُعَانَقَةُ.
وَكَرِهَ قَوْمٌ الْمُعَانَقَةَ، وَرَخَّصَ فِيهَا قَوْمٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَالْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3327 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْمَرْوَزِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ التَّاجِرُ، أَنا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَأَتَاهُ، فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/290)
عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ، فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَرُوِيَ عَن جَعْفَر بْن أَبِي طَالب فِي قصَّة رُجُوعه مِن أَرض الْحَبَشَة، قَالَ: فخرجنا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَة، فتلقاني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتنقني، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْح خَيْبَر أفرح، أم بقدوم جَعْفَر» .
وَوَافَقَ ذَلِكَ(12/291)
فتح خَيْبَر.
وَعَن البياضي، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَالْتَزَمَهُ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ» .
وَدخل أَبُو بَكْر عَلَى عَائِشَة وَهِي مُضْطَجِعَة، قد أَصَابَهَا حمى، فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا بنية؟ وَقبل خدها.
وَقَالَ زارع، وَكَانَ فِي وَفد عَبْد الْقَيْس: فَجعلنَا نتبادر بَين رواحلنا، «فنقبل يَد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرجله» .
وَعَن تَمِيم بْن سَلمَة، قَالَ: لما قدم عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّام، استقبله أَبُو عُبَيدة بْن الْجراح، فَأخذ بِيَدِهِ، فقبلها.
قَالَ تَمِيم: كَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا سنة.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَافح بَعضهم بَعْضًا، وَإِذا جَاءَ أحدهم مِن سفر، عانق صَاحبه.
وَقدم سلمَان، فَدخل الْمَسْجِد، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو الدَّرْدَاء، فَالْتَزمهُ.
وَقَالَ عُمَر بْن ذَر: كنت إِذا ودعت عَطاء بْن أَبِي رَبَاح، التزمني بِيَدِهِ، وضمني إِلَى جلده.
قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: قد جَاءَ عَن النَّبِيّ أَنَّهُ «نهى عَن المعانقة والتقبيل، وَجَاء أَنَّهُ عانق جَعْفَر بْن أَبِي طَالب، وَقَبله عِنْد قدومه مِن أَرض الْحَبَشَة، وَأمكن مِن يَده حَتَّى قبلت» ، وَفعل ذَلِكَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بمختلف، وَلكُل وَجه عندنَا،(12/292)
فَأَما الْمَكْرُوه مِن المعانقة والتقبيل، فَمَا كَانَ عَلَى وَجه الملق والتعظيم، وَفِي الْحَضَر، فَأَما الْمَأْذُون فِيهِ، فَعِنْدَ التوديع، وَعند الْقدوم مِن السّفر، وَطول الْعَهْد بالصاحب، وَشدَّة الْحبّ فِي اللَّه.
وَمن قبل، فَلَا يقبل الْفَم، وَلَكِن الْيَد وَالرَّأْس والجبهة، وَإِنَّمَا كره ذَلِكَ فِي الْحَضَر فِيمَا يرى، لِأَنَّهُ يكثر، وَلَا يستوجبه كل أحد، فَإِن فعله الرجل بِبَعْض النّاس دون بعض، وجد عَلَيْهِ الّذين تَركهم، وظنوا أَنَّهُ قد قصر بحقوقهم وآثر عَلَيْهِم، وَتَمام التَّحِيَّة المصافحة.
بَاب التَّسْلِيم عِنْد الْقيام
3328 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّغَرْتَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، بِالْبَصْرَةِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ، فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا قَامَ وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ، فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنَّ الأُولَى لَيْسَتْ بأْحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ» .(12/293)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، مُرْسَلا، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلْتُمْ بَيْتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهِ، وَإِذَا خَرَجْتُمْ، فَأوْدِعُوا أَهْلَهُ بِسَلامٍ» .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسُلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ» .
وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ قَوْمًا جَلَسُوا إِلَى حُذَيْفَةَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ، اسْتَأْذَنَهُمْ
بَاب كَرَاهِيَة الْقيام
3329 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ الأَزْهَرِ الْبَلْخِيُّ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ رُؤيَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ، لَمْ يَقُومُوا، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ» .(12/294)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
3330 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، سَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ يُحَدِّثُ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسَانِ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ، وَقَعَدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا فِي النَّارِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
قَالَ الْإِمَام: وَهَذَا فِيمَن سلك فِيهِ طَرِيق التكبر، فَأَما الْقيام عَلَى وَجه الاحترام، فَغير مَكْرُوه، فقد قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني قُرَيْظَة حِين أقبل سعد: «قومُوا إِلَى سيدكم» .(12/295)
بَاب لَا يُقيم الرجل مِن مَجْلِسه إِذا حضر
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَافْسَحُوا} [المجادلة: 11] .
3331 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَامَ لَهُ الرَّجُلُ عَنْ مَجْلِسِهِ، لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ
3332 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمِّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ،(12/296)
نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَخْلُفُهُ فِيهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَلادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، رَفَعَهُ وَقَالَ: «يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: قُلْتُ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا»
بَاب مِن قَامَ مِن مَجْلِسه ثُمَّ رَجَعَ كَانَ أَحَق بِهِ
3333 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ(12/297)
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ
بَاب مِن وجد فُرْجَة فِي الْحلقَة فَجَلَسَ فِيهَا
3334 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى رَسُولِ(12/298)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُمْ، فَأَوَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
وأَبُو وَاقد اللَّيْثِيّ: اسْمه الْحَارِث بْن عَوْف، وأَبُو مرّة مولى أم هَانِئ بِنْت أَبِي طَالب اسْمه: يزِيد، ويقَالَ لَهُ: مولى عقيل بْن أَبِي طَالب.
قَوْله: فاستحيا، فاستحيا اللَّه مِنْهُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ جازاه عَلَى استحيائه بِأَن ترك عُقُوبَته عَلَى ذنُوبه، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا} [الْبَقَرَة: 26] ، أَي: لَا يتْرك، لِأَن الْحيَاء سَبَب للترك.
قَالَ الْإِمَام: فِيهِ بَيَان أَن مِن حضر جمَاعَة، فَوجدَ فِي الْحلقَة فُرْجَة، أَو حضر الصَّلَاة، وَفِي الصَّفّ فُرْجَة، فَالْأولى أَن يدْخل الفرجة،(12/299)
فَإِن لم يجد، فَلَا يزاحمهم إِلَّا أَن يتفسحوا لَهُ، بل يجلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلا بِإِذْنِهِمَا» .
وَقَالَ جَابِر بْن سَمُرَة: كُنَّا إِذا أَتَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جلسنا حَيْثُ يَنْتَهِي.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مجلز، عَنْ حُذَيْفَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ» .
وَهَذَا يتَأَوَّل عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يَأْتِي حَلقَة قوم فيتخطى رقابهم، وَيقْعد وَسطهَا، وَلَا يقْعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، وَالثَّانِي: أَن يقْعد وسط الْحلقَة، فيحول بَين الْوُجُوه، ويحجب بَعضهم عَن بعض، فيتضررون.(12/300)
بَاب الْجُلُوس بَين الظل وَالشَّمْس
3335 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْفَيْءِ، فَقَلَصَ عَنْهُ، فَلْيَقُمْ، فَإِنَّهُ مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ» .
هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مَوْقُوفًا.
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مِن سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ.
قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ بَعْضُهُ فِي الظِّلِّ، وَبَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ(12/301)
بَاب مِن ألقِي لَهُ وسَادَة فَلم يجلس عَلَيْهَا
3336 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قُلابَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فحدَّثَنَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: خَمْسًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: سَبْعًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: تِسْعًا، قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ، شَطْرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ(12/302)
بَاب التحلق
3337 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟ !» .
قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي حَلَقًا.
قَالَ الْإِمَام: وَرَوَاهُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، فَقَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، وَهُمْ حِلَقٌ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟»
قَوْله: «عزين» يَعْنِي: مُتَفَرّقين مُخْتَلفين لَا يجمعكم مجْلِس وَاحِد، وَوَاحِد العزين عزة، يقَالَ: عزة وعزون، كَمَا يقَالَ: ثبة وثبون وثبات، وَهِي الْجَمَاعَات المتميزة بَعْضهَا عَن بعض.(12/303)
قَالَ الْإِمَام: إِذا تحلق الْقَوْم لقِرَاءَة الْقُرْآن، أَو مذاكرة الْعلم، أَو عِنْد واعظ، أَو معلم يَعِظهُمْ وَيُعلمهُم، فوسط حلقتهم حمى لَيْسَ لأحد أَن يجلس فِيهِ، فيحجب بَعضهم عَن بعض، أَو يحجب بَعضهم عَن رُؤْيَة معلمهم، بل إِن لم يكن فِي الْحلقَة فُرْجَة، وَسعوا الْحلقَة حَتَّى يجلس مَعَهم فِيهَا، فَإِن لم يكن، قعد خَلفهم مِن جَاءَ مِن بعدهمْ كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الصَّلَاة.
بَاب كَرَاهِيَة الْجُلُوس عَلَى الطّرق
3338 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَبُو عَامِرٍ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» .
قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» .(12/304)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
3339 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، نَا أَسَدٌ يَعْنِي ابْنَ مُوسَى، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا خَيْرَ فِي جُلُوسٍ فِي الطُّرُقَاتِ إِلا لِمَنْ هَدَى السَّبِيلَ، وَرَدَّ التَّحِيَّةَ، وَغَضَّ الْبَصَرَ، وَأَعَانَ عَلَى الْحُمُولَةِ» .
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «إِيَّاكُمْ وَالْقُعُودَ بِالصُّعُدَاتِ إِلا مَنْ أَدَّى حَقَّهَا»(12/305)
وَالْمرَاد بالصعدات: الطّرق مَأْخُوذَة مِن الصَّعِيد، وَهُوَ التُّرَاب، وَجمع الصَّعِيد صعد، ثُمَّ صعدات جمع الْجمع، كَمَا يقَالَ: طَرِيق وطرق وطرقات.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: نعم صومعة الْمَرْء الْمُسلم بَيته يحفظ عَلَيْهِ سَمعه وبصره، وَإِيَّاكُم ومجالس السُّوق، فَإِنَّهَا تلْغي وتلهي.
بَاب تشميت الْعَاطِس وكيفيته
3340 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْدُدْهُ مَا اسْتَطَاعَ،(12/306)
فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَاهْ، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: " كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ، أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ "، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْنُ عَجْلانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيدِ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ عِنْدَه حَتَّى يَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ
وَقَوله: «حق عَلَى كل مُسْلِم» يُرِيد أَنَّهُ مِن فروض الْكِفَايَة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى حب العطاس وحمده وكراهية التثاؤب وذمه، أَن العطاس إِنَّمَا يكون مَعَ انفتاح المسام، وخفة الْبدن، وتيسر الحركات، وَسبب هَذِه الْأُمُور تَخْفيف الْغذَاء، والإقلال مِن الْمطعم، والتثاؤب إِنَّمَا يكون مَعَ ثقل الْبدن، وامتلائه، وَعند استرخائه للنوم، وميله إِلَى الكسل، فَصَارَ العطاس مَحْمُودًا، لِأَنَّهُ يعين عَلَى الطَّاعَات، والتثاؤب مذموما، لِأَنَّهُ يثنيه عَن الْخيرَات، فالمحبة والكراهية تَنْصَرِف إِلَى الْأَسْبَاب الجالبة لَهما، وَإِنَّمَا أضيف إِلَى الشَّيْطَان، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يزين للنَّفس شهوتها، فَإِذا قَالَ: هَا، يَعْنِي: إِذا بَالغ فِي التثاؤب، ضحك الشَّيْطَان فَرحا بذلك، وَقيل: «مَا تثاءب نَبِي قطّ» .
والتشميت: هُوَ الدُّعَاء للعاطس بِالْخَيرِ، يقَالَ: شمت الْعَاطِس وسمته بالشين وَالسِّين غير الْمُعْجَمَة، والشين الْمُعْجَمَة(12/307)
أَعلَى اللغتين، وَالسِّين مِن السمت، وَهُوَ الْقَصْد وَالْهَدْي.
3341 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3342 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلِ الَّذِي يُشَمِّتُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ: يَهْدِيكَ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكَ ".(12/308)
هَكَذَا رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَضْطَرِبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ أَحْيَانًا: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ نَافِع: عَن ابْن عُمَر، " إِنَّه كَانَ إِذا عطس، فَقيل لَهُ: يَرْحَمك اللَّه، يَقُولُ: يَرْحَمنَا اللَّه وَإِيَّاكُم، وَيغْفر لنا وَلكم ".
وَعَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، قَالَ: " إِذا عطس الرجل، فَلْيقل: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَليقل مِن يرد عَلَيْهِ: يَرْحَمك اللَّه، وَليقل هُوَ: يغْفر اللَّه لي وَلكم ".
وعطس الْحَسَن، فَقَالَ: «الْحَمد لله عَلَى كل حَال» .
فَرد الْقَوْم عَلَيْهِ: يَرْحَمكُمْ اللَّه، فَقَالَ الْحَسَن: «يهديكم اللَّه، وَيصْلح بالكم، ويدخلكم الجنَّة عرفهَا لكم» .
وَرُوِيَ أَن رجلا عطس عِنْد عَبْد اللَّه بْن عُمَر، فَقَالَ: الْحَمد لله رب(12/309)
الْعَالمين، فَقَالَ ابْن عُمَر: لَوْلَا أتمهَا: وَالسَّلَام عَلَى رَسُول اللَّهِ.
قلت: لَعَلَّه اسْتحبَّ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْحَمد، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشَّرْح: 4] ، قَالَ مُجَاهِد: لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي.
قلت: وَفِي تشميت الْعَاطِس لَا يبْدَأ بِنَفسِهِ، بل يخص الْعَاطِس، لِأَنَّهُ مِن حق الْمُسلم عَلَى الْمُسلم، كَمَا يَخُصُّهُ بِالسَّلَامِ إِذا لقِيه، فَإِن دَعَا لِأَخِيهِ بدعوة مُوَاجهَة، أَو فِي كتاب كتب إِلَيْهِ، أَو فِي غيبته، فَيُسْتَحَب أَن يبْدَأ بِنَفسِهِ، رُوِيَ عَن أَبِي بْن كَعْب، قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا دَعَا لأحد، بَدَأَ بِنَفسِهِ، فَقَالَ ذَات يَوْم: «يَرْحَمنَا اللَّه وأخانا مُوسَى» .
وَلَا بَأْس أَن يَقُولُ فِي رد جَوَاب مِن شمته: يغْفر اللَّه لنا وَلكم.
وَقَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: إِذا عطس الرجل فِي مجْلِس كَبِير، أَو سلم عَلَى جمَاعَة، فشمته بَعضهم، أَو رد عَلَيْهِم بَعضهم، أَجْزَأَ عَن كلهم، وَكَانَ الْفَضْل للَّذين شمتوا وردوا، فَإِن تركُوا تشميته، أَو الرَّد عَلَيْهِم كلهم، أثموا كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَة.
وَرُوِيَ عَن أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ الْيَهُود يتعاطسون عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجون أَن يَقُولُ لَهُم: يَرْحَمكُمْ اللَّه، فَيَقُول: «يهديكم اللَّه، وَيصْلح بالكم» .(12/310)
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: إِذا عطس الْيَهُودِيّ، فَحَمدَ اللَّه، فَقل: يهديك اللَّه.
وَقَالَ: إِذا شمتك الْمُشرك، فَقل: هداك اللَّه.
وَسُئِلَ معمر: هَل يشمت الْمَرْأَة الرجل إِذا عطست؟ قَالَ: نعم، لَا بَأْس بذلك.
قلت: وَكَذَلِكَ تشميت الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَالْمَرْأَة الرجل.
بَاب ترك تشميت مِن لم يحمد اللَّه عز وَجل
3343 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " عَطَسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَمَّتَّ فُلانًا، وَلَمْ تُشَمِّتْنِي، فَقَالَ: إِنَّ هذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ "
3344 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، أَنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،(12/311)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّ هَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، فَلا تُشَمِّتُوهُ»
قلت: فِي الحَدِيث بَيَان أَن الْعَاطِس إِذا لم يحمد اللَّه لَا يسْتَحق التشميت.
حُكيَ أَن رجلا عطس عِنْد الْأَوْزَاعِيّ، فَلم يحمد الله، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: كَيفَ تَقُولُ إِذا عطست؟ فَقَالَ: أَقُول: الْحَمد لله، فَقَالَ: يَرْحَمك اللَّه.
فَأَرَادَ الْأَوْزَاعِيّ أَن يسْتَخْرج مِنْهُ الْحَمد، ليستحق التشميت.
وَقَالَ يَحْيَى بْن أَبِي كثير عَن بَعضهم: حق عَلَى الرجل إِذا عطس أَن يحمد اللَّه، وَأَن يرفع بذلك صَوته، وَأَن يسمع مِن عِنْده، وَحقّ عَلَيْهِم أَن يشمتوه.
قَالَ مَكْحُول: كنت إِلَى جنب ابْن عُمَر، فعطس(12/312)
رجل مِن نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَالَ: يَرْحَمك اللَّه إِن كنت حمدت اللَّه.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: إِذا سَمِعْتُ الرجل يعطس مِن وَرَاء جِدَار، فَحَمدَ اللَّه، فشمته.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا عطست وَلَيْسَ عنْدك أحد، فاحمد اللَّه، ثُمَّ قل: يغْفر اللَّه لي وَلكم.
فَإِنَّهُ يشمتك مِن سَمعك مِن الْمُسلمين.
3345 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ مَزْكُومٌ ".
وَيُرْوَى أَنُّه قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: أَنْتَ مَزْكُومٌ «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا» شَمِّتِ الْعَاطِسَ ثَلاثًا، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ "،(12/313)
وَيُرْوَى: «فَإِنْ شِئْتَ، فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَلا» .
وَسُئِلَ إِبْرَاهِيم عَن الرجل بِهِ زكام، فعطس مرَارًا؟ قَالَ: أَنَا أشمته ثَلَاثًا ثُمَّ أتركه، وَعَن الْحَسَن مثله.
وَقَالَ مُجَاهِد: نشمته مرّة إِذا عطس مرَارًا كَمَا إِذا قَرَأَ سَجْدَة، ثُمَّ قَرَأَ الثَّانِيَة، لم يسْجد.
3346 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو الْحُرَيْشِ الْكِلابِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الْوَاسِطِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ، غَطَّى وَجْهَهُ بِثَوْبِهِ، أَوْ بِيَدِهِ، ثُمَّ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ مُجَاهِد: عطس ابْن لعبد اللَّه بْن عُمَر، فَقَالَ: أَب أَو أَشهب، فَقَالَ ابْن عُمَر: لَا تقل أَب أَو أَشهب، فَإِنَّهُ اسْم شَيْطَان.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِن شَيْطَانا يُسمى أهاب، فَمن عطس، فليخفض مِن صَوته، وَلَا يقل: أهاب.(12/314)
بَاب التثاؤب
3347 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " سَبْعٌ مِنَ الشَّيْطَانِ: شِدَّةُ الْغَضَبِ، وَشِدَّةُ الْعُطَاسِ، وَشِدَّةُ التَّثَاؤُبِ، وَالْقَيْءُ، وَالرُّعَافُ، وَالنَّجْوَى، وَالنَّوْمُ عِنْدَ الذِّكْرِ ".
وَقَالَ مُجَاهِد: إِذا تثاءبت وَأَنت تقْرَأ، فَأمْسك حَتَّى يذهب عَنْك.(12/315)
بَاب الضحك
3348 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَنا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3349 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: " مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُذْ أَسْلَمْتُ، وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ".(12/316)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ
3350 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
3351 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانُوا يَجْلِسُونَ، فَيَتَحَدَّثُونَ وَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ إِذَا ضَحِكُوا، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .(12/317)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ، هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الْجَبَلِ.
وَقَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُهُمْ يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الأَغْرَاضِ، وَيَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ، كَانُوا رُهْبَانًا
3352 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا قَيْسٌ هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ، نَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: " أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَجْلِسُونَ فَيَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ، وَيَذْكُرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ إِذَا ضَحِكُوا "، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(12/318)
بَاب صفة الْمَشْي وكراهية التَّبَخْتُر
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لُقْمَان: 19] ، وَقَالَ عز وَجل: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الْإِسْرَاء: 37] .
قَالَ يزِيد بْن أَبِي حبيب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لُقْمَان: 19] ، قَالَ: السرعة.
3353 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، نَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفِّيًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا(12/319)
مَشَى تَقَلَّعَ» .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
قَوْله: «تكفيا» أَي: تمايل إِلَى قُدَّام، كَمَا تتكفأ السَّفِينَة فِي جريها.
وَقَوله: «تقلع» أَي: كَانَ قوي المشية يرفع رجلَيْهِ مِن الأَرْض رفعا بَائِنا بِقُوَّة، لَا كمن يمشي اختيالا، وَيُقَارب خطاه تنعما.
3354 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا الْمُقَدَّمِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْهِنْدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى، مَشَى مَشْيًا مُجْتَمِعًا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْيِ عَاجِزٍ وَلا كَسْلانَ»
3355 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ، وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، خُسِفَ بِهِ(12/320)
الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَوْله: «يتجلجل فِيهَا» أَي: يسوخ فِيهَا، والجلجلة: الْحَرَكَة مَعَ صَوت، أَي: يَتَحَرَّك فِيهَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْخُيَلاءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ، فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَاخْتِيَالِهِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ، فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ» .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى الاختيال فِي الصَّدَقَة: أَن تهزه أريحية السخاء، فيعطيها طيبَة نَفسه بهَا مِن غير مِن وَلَا تصريد، واختيال الْحَرْب: أَن يتَقَدَّم فِيهَا بنشاط نفس، وَقُوَّة جنان.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الاختيال أَصله التجبر وَالْكبر والاحتقار للنَّاس، والاختيال فِي الْحَرْب أَن تكون هَذِه الْخلال مِن التجبر عَلَى الْعَدو، فيستهين بقتالهم، وتقل هيبته لَهُم، فَيكون أجرأ عَلَيْهِم، وَفِي الصَّدَقَة أَن تعلو نَفسه وتشرف، فَلَا(12/321)
يستكثر كثيرها، وَهَذَا مثل الحَدِيث الْمَرْفُوع «وَإِن اللَّه يحب معالي الْأَخْلَاق وَيكرهُ سفسافها» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ، وَيَقُولُ: هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ، وَأَسْرَعُ فِي الْحَاجَةِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى أَنْ يَمْشِيَ، يَعْنِي الرَّجُلَ، بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ» .
وَعَن أَبِي أسيد الْأَنْصَارِيّ، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ للنِّسَاء: «لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تُحَقِّقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ» .
«تحققن الطَّرِيق» : أَي تركبنه.
بَاب كَيْفيَّة الْجُلُوس
قَالَ جَابِر بْن سَمُرَة: «رَأَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتكئا عَلَى(12/322)
وسَادَة عَلَى يسَاره» .
3356 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ جَدَّتَيْهِ، عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، " أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَشِّعَ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ "
قَالَ الْإِمَام: جدتا عَبْد اللَّه بْن حسان: هما صَفِيَّة ودحيبة ابنتا عليبة، وكانتا ربيبتي قيلة بِنْت مخرمَة، وَكَانَت جدة أَبِيهِمَا.
والقرفصاء: جلْسَة المحتبي، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يحتبي بِثَوْبِهِ، لكنه الَّذِي يحتبي بيدَيْهِ يضعهما عَلَى سَاقيه.
3357 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ،(12/323)
عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ احْتَبَى بِيَدَيْهِ»
3358 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ هَكَذَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَرُوِيَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ، تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ» .
بَاب كَيْفيَّة النّوم
رُوِيَ عَن الْبَراء، «أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أَخذ(12/324)
مضجعه، وضع كَفه الْيُمْنَى تَحت خَدّه الْأَيْمن» .
وَعَن عباد بْن تَمِيم، عَن عمّه، «أَنَّهُ رَأَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيا فِي الْمَسْجِد واضعها إِحْدَى رجلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى» .
3359 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرِيرِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ، نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ»
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مُضْطَجِعًا عَلَى(12/325)
بَطْنِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ ضَجْعَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ» .
وَقَالَ أيّوب: عَن ابْن سِيرِين، يكره للرجل أَن يضطجع عَلَى بَطْنه، وَالْمَرْأَة عَلَى قفاها.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجًى، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» .
ويروى هَذَا الْحَرْف بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَالْمرَاد مِنْهُ: السّتْر والحجاب، فَمن كسر الْحَاء شبه بالحجى، الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْعقل، وَذَلِكَ أَن الْعقل يمْنَع الْإِنْسَان مِن التَّعَرُّض للهلاك، فَكَذَلِك السّتْر عَلَى السَّطْح يمنعهُ مِن التردي والسقوط، وَمن فتح الْحَاء ذهب إِلَى الطّرف والناحية، وأحجاء الشَّيْء: نواحيه وَاحِدهَا حجا مَقْصُور مَفْتُوح، ويروى: «مِن بَات عَلَى إجار» ، والإجار: السَّطْح الَّذِي لَيْسَ حواليه مَا يرد المشفي، وَجمعه أجاجير وأجاجرة، والإنجار لُغَة فِيهِ.
وَجَاء فِي حَدِيث المبعث: فَتلقى النّاس رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوق وعَلى الأناجير يَعْنِي: السطوح.
بَاب(12/326)
تَحْسِين الْأَسْمَاء
3360 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ»
3361 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا سَلْمُ بْنُ عِصَامٍ، نَا عَبْدَةُ الصَّفَّارُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَعَثْتُمْ إِلَيَّ رَسُولا، فَابْعَثُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الاسْمِ»
عُمَر بْن رَاشد ضَعِيف.(12/327)
بَاب التَّسْمِيَة باسم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْمَاء الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
قَالَ أنس: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» .
3362 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مَرْيَم: 28] ، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ» .(12/328)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقيل فِي قَوْله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مَرْيَم: 28] ، أَي: شبيهته فِي الزّهْد وَالصَّلَاح، وَكَانَ رجلا زاهدا عَظِيم الذّكر فِي زَمَانه، ويقَالَ: كَانَ لِمَرْيَم أَخ يقَالَ لَهُ: هَارُون.
3363 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تكتنوا بِكُنْيَتِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
3364 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نَادَى رَجُلٌ بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ،(12/329)
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَعْنِكَ، إِنَّمَا عَنَيْتُ فُلانًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي»
3364 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ
3365 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ(12/330)
شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ
قَالَ الْإِمَام: قد اخْتلف أهل الْعلم فِي التكني بكنية النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ لَا يجوز، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث، رُوِيَ ذَلِكَ عَن الْحَسَن وَابْن سِيرِين وَطَاوُس، وَقَالَ ابْن عون: سَأَلت مُحَمَّدا عَن الرجل يكتني بكنية النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يتسم باسمه أيكره؟ قَالَ: نعم.
وَقَالَ زبيد: كُنَّا نكنيهم بِأبي الْقَاسِم، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي قَالَ: لَا يجوز لأحد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم، سَوَاء كَانَ اسْمه مُحَمَّدا أَو لم يكن.
قَالَ الْإِمَام: وَهَذَا أولى الْأَقَاوِيل.
وَكره قوم الْجمع بَين اسْم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنيته، وَجوز التكني بِأبي الْقَاسِم إِذا لم يكن اسْمه مُحَمَّدا وَأَحْمَد، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَيُسَمَّى مُحَمَّدًا أَبَا الْقَاسِمِ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ تَسَمَّى بِاسْمِي، فَلا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي، وَمَنِ اكْتَنَى بِكُنْيَتِي، فَلا يَتَسَمَّى(12/331)
بِاسْمِي» .
وَرُوِيَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
وَكَانَت رخصَة لي.
وَقد رخص بَعضهم فِي الْجمع، وَقَالَ: إِنَّمَا كره ذَلِكَ عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يشْتَبه، يرْوى ذَلِكَ عَن مَالك.
وَكَانَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة يكنى أَبَا الْقَاسِم، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الصّديق، وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَبِي طَالب، وَمُحَمَّد بْن سعد بْن أَبِي وَقاص، وَمُحَمَّد بْن الْأَشْعَث، وَمُحَمَّد بْن حَاطِب جمع كل وَاحِد مِنْهُم بَين اسْم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنيته.
قلت: وَالْأَحَادِيث فِي النَّهْي الْمُطلق أصح.
3366 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بن يحيى، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: " وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقُلْنَا: لَا نُكَنِّيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلا نُنْعِمُ عَيْنًا،(12/332)
فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
قَوْله: «لَا ننعم عينا» ، ويروى «لَا ننعمك عينا» .
مَعْنَاهُ: لَا نكرمك وَلَا نقر عَيْنك بِهَذَا الِاسْم، تَقُولُ الْعَرَب فِي الْكَرَامَة وَحسن الْقبُول: نعم ونعمة عين بِضَم النُّون، فَأَما النِّعْمَة بِالْفَتْح، فالتنعم، وَالنعْمَة بِالْكَسْرِ: مَا أنعم اللَّه عَلَى العَبْد مِن فَضله، يقَالَ: كم مِن ذِي نعْمَة لَا نعْمَة لَهُ، أَي: لَا مُتْعَة لَهُ بِمَالِه.
3367 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِسَبَلانَ، نَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، يُحَدِّثَانِ , عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ(12/333)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» .
قِيلَ: إِنَّمَا صَار الْحَارِث وَهَمَّام مِن أصدق الْأَسْمَاء مِن أجل مُطَابقَة الِاسْم مَعْنَاهُ، لِأَن الْحَارِث الكاسب، يقَالَ: حرث الرجل: إِذا كسب، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20] .
وَهَمَّام: مِن هَمَمْت بالشَّيْء: إِذا أردته، وَمَا مِن أحد إِلَّا وَهُوَ فِي كسب أَو يهم بِشَيْء، وَإِنَّمَا صَار حَرْب وَمرَّة مِن أقبح الْأَسْمَاء لما فِي الْحَرْب مِن المكاره، وَفِي مرّة مِن المرارة والبشاعة، «وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب الفأل الْحَسَن وَالِاسْم الْحَسَن» .
3368 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ الْعَطَّارِ،(12/334)
حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: «سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوسُفَ، وَأَقْعَدَنِي فِي حِجْرِهِ، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي»
وَرُوِيَ عَن عُمَر، أَنَّهُ كَانَ يكره أَن يُسمى باسم الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، قِيلَ: إِنَّمَا كره ذَلِكَ أَن يلعن أَو يشْتم باسمه، فيقَالَ: فعل اللَّه بفلان كَذَا، أَو يصغر اسْم وَاحِد مِنْهُم.
سُئِلَ أَبُو الْعَالِيَة عَن شَيْء ذكره، فَقَالَ: إِنَّكُم تَفْعَلُونَ مَا هُوَ شَرّ مِن ذَلِكَ، تسمون أَوْلَادكُم أَسمَاء الْأَنْبِيَاء، ثُمَّ تلعنونهم.
قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: لَا بَأْس بأسماء الْأَنْبِيَاء، وَيسْتَحب أَن يُسمى بهَا غير أَنَّهُ يكره أَن يلعن أحد اسْمه اسْم نَبِي، أَو يَدعِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِب، فَإِن كَانَ مُوَاجهَة، فَقَالَ: فعل الله بك وَفعل وَلم يسمه كَانَ أيسر.(12/335)
وَيكرهُ التسمي بأسماء الْمَلَائِكَة مثل جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، لِأَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قد كره ذَلِكَ، وَلم يأتنا عَن أحد مِن الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين أَنَّهُ سمى ولدا لَهُ باسم أحد مِنْهُم، هَذَا قَول حميد بْن زَنْجوَيْه.
بَاب مَا يكره مِن الْأَسْمَاء
3369 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ» .
وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، «أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ» .
قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ «شَاهانشَاه» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: «إِنَّ أَخْنَعَ الأَسْمَاءِ»
قَوْله: «أخنع الْأَسْمَاء» أَي: أذلها وأوضعها، والخنوع: الذلة والمسكنة، والخانع: الذَّلِيل الخاضع، وأخنى الْأَسْمَاء أَي: أفحشها(12/336)
وأقبحها.
ويروى «أنخع الْأَسْمَاء أَن يتسمى الرجل باسم ملك الْأَمْلَاك» ، يُرِيد: أقتل الْأَسْمَاء وأهلكها، والنخع: هُوَ الْقَتْل الشَّديد.
وَتَأَول بَعضهم قَوْله: «باسم ملك الْأَمْلَاك» أَن يتسمى بأسماء اللَّه عز وَجل، كَقَوْلِه: «الرَّحْمَن الجَبّار الْعَزِيز» ، وَالَّذِي قَالَه سُفْيَان أشبه، وكل لَهُ وَجه.
3370 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ، وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لَا مَلِكَ إِلا اللَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
3371 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ خِلاسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ(12/337)
يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ لَا مَلِكَ إِلا اللَّهُ»
وَرُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَارًا، وَلا رَبَاحًا، وَلا نَجِيحًا، وَلا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ، فَيَقُولُ: لَا ".
قلت: معنى هَذَا أَن النّاس إِنَّمَا يقصدون بِهَذِهِ الْأَسْمَاء التفاؤل بِحسن ألفاظها ومعانيها، وَرُبمَا يَنْقَلِب عَلَيْهِم مَا قصدوه إِلَى الضِّدّ إِذا سَأَلُوا وقَالُوا: أَثم يسَار أَو نجيح، فَقيل: لَا، فتطيروا بنفيه، وأضمروا الْإِيَاس مِن الْيُسْر والنجاح، فنهاهم عَن السَّبَب الَّذِي يجلب سوء الظَّن، والإياس مِن الْخَيْر.
قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: فَإِذا ابْتُلِيَ رَجُل فِي نَفسه أَو أَهله بِبَعْض هَذِه الْأَسْمَاء، فليحوله إِلَى غَيره، فَإِن لم يفعل، فَقيل: أَثم يسَار، أَثم بركَة، فَإِن مِن الْأَدَب أَن يقَالَ: كل مَا هَهُنَا يسر وبركة وَالْحَمْد لله، ويوشك أَن يَأْتِي الَّذِي تُرِيدُ، وَلَا يقَالَ: لَيْسَ هَهُنَا، وَلَا خرج.(12/338)
وَمِمَّا لَا يحسن مِن الْأَسْمَاء إِن سُئِلَ عَنْهُ أَن يقَالَ: لَيْسَ هَهُنَا أَو خرج، كل اسْم عَبْد وحامد وَمُسلم ومبارك وَمَيْمُون.
وَمن أَسمَاء النِّسَاء سَلامَة وعافية ومَيْمُونَة وَمَا أشبههَا، وَلَكِن يَقُولُ: كلنا عُبَيْد اللَّه وحامدون ومسلمون ومباركون وميمونون، وَقد خرج صَاحبك، وكل مَا هَهُنَا عَافِيَة وسلامة وكلهن ميمونات.
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نعم: يكره أَن يُسمى الرجل مرّة، ويكتنى بِأبي مرّة، وَجَاء فِي الحَدِيث «شَرّ الْأَسْمَاء حَرْب وَمرَّة» .
ويروى عَن جَابِر، قَالَ: «أَرَادَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن ينْهَى عَن أَن يُسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ سكت عَنْهَا، فَلم يقل شَيْئا، ثُمَّ قبض النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم ينْه عَن ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَر أَن ينْهَى عَن ذَلِكَ، ثُمَّ تَركه» .
وَكره بَعضهم مَالِكًا والْحَارث، وَقَالَ: مَالك صَاحب النَّار، والْحَارث كَانَ اسْم إِبْلِيس.
قَالَ عَطاء: بَلغنِي ذَلِكَ، وَقد روينَا «إِن أصدق الْأَسْمَاء الْحَارِث وَهَمَّام» ، ويروى النَّهْي عَن تَسْمِيَة الْوَلِيد.
وَرُوِيَ عَن عُمَر أَنَّهُ أَرَادَ أَن يكْتب إِلَى رَجُل مِن الْعَجم اسْمه: جوان بِهِ، فَقَالَ: مَا جوان بِهِ؟ قَالُوا: خير الفتيان، قَالَ: فَاكْتُبْ إِلَى شَرّ الفتيان، فَلَعَلَّ مِن أسمائهم مَا لَا يَنْبَغِي لنا أَن نتكلم بِهِ.
قِيلَ: يكره مثل هَذِه الْأَسْمَاء لما فِيهِ مِن التكبر، وتزكية النَّفس مثل مردان بِهِ، ومردانشاه.
وَفِي أَسمَاء النِّسَاء: دختانشاه وشاه زنان وَمَا أشبه ذَلِكَ.(12/339)
بَاب تَغْيِير الْأَسْمَاء
3372 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: حَزْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ "، فَقَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي ".
قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا حُزُونَةٌ بَعْدُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
3373 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، " أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ ".(12/340)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: " كَانَ اسْمِي بُرَّةَ، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ.
قَالَتْ: وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بُرَّةُ، فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ اسْمُ مَيْمُونَةَ بُرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ
3374 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بَرَّةُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ» أَنَّ بِنْتًا لِعُمَرَ كَانَ يُقَالُ لَهَا(12/341)
عَاصِيَةُ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ "
3375 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَيِّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ إِلَى الاسْمِ الْحَسَنِ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يُغَيِّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ»
وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، " أَنَّ رَجُلا كَانَ اسْمُهُ أَسْوَدَ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ.
وَرُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ، أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ: أَصْرَمُ، قَالَ(12/342)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: أَنَا أَصْرَمُ.
قَالَ: «بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ» .
قلت: إِنَّمَا غير اسْم الأصرم، لِأَن معنى الصرم القطيعة، فكره لهَذَا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَغير النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْم الْعَاصِ وعزيزا وعتلة وشيطانا وَالْحكم وغرابا وحبابا وشهابا، فَسَماهُ هشاما، وسمى حَربًا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وَأَرْض تسمى عفرَة سَمَّاهَا خضرَة، وَشعب الضَّلَالَة سماهم بني الرشد، وسمى بني مغواة بني رشد.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: أما الْعَاصِ، فَإِنَّمَا غَيره كَرَاهِيَة لِمَعْنى الْعِصْيَان، وَإِنَّمَا سمة الْمُؤمن الطَّاعَة والاستسلام، والعزيز إِنَّمَا غَيره، لِأَن الْعِزَّة لله، وشعار العَبْد الذلة والاستكانة، وعتلة: مَعْنَاهَا الشدَّة والغلظ، وَمِنْه قَوْلهم: رَجُل عتل، أَي: شَدِيد غليظ، وَمن صفة الْمُؤمن اللين والسهولة، وَشَيْطَان: اشتقاقه مِن الشطن، وَهُوَ الْبعد مِن الْخَيْر، وَهُوَ اسْم المارد الْخَبيث مِن الْجِنّ وَالْإِنْس، وَالْحكم: هُوَ الْحَاكِم الَّذِي إِذا حكم لَا يرد حكمه، وَهَذِه الصّفة لَا تلِيق بِغَيْر اللَّه عز وَجل، وَمن أَسْمَائِهِ الحكم.
وغراب مَأْخُوذ مِن الغرب، وَهُوَ الْبعد، ثُمَّ هُوَ حَيَوَان خَبِيث الْفِعْل، خَبِيث الطّعْم، أَبَاحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتله فِي الْحل(12/343)
وَالْحرم.
وحباب: نوع من الْحَيَّات، وَرُوِيَ إِن الْحباب اسْم الشَّيْطَان، والشهاب: الشعلة مِن النَّار، وَالنَّار عُقُوبَة اللَّه.
وَأما عفرَة: فَهِيَ نعت الأَرْض الّتي لَا تنْبت شَيْئا، فسماها خضرَة عَلَى معنى التفاؤل حَتَّى تخضر.
وَرُوِيَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ هَانِئٍ، أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحَكَمُ، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟» قَالَ: شُرَيْحٌ وَسَلْمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ.
قَالَ: «فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟» قَالَ: شُرَيْحٌ.
قَالَ: «فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» .
قلت: إِن الأولى أَن يكتني الرجل بأكبر بنيه، فَإِن لم يكن لَهُ ابْن، فبأكبر بَنَاته، وَكَذَلِكَ المراة تكتني بأكبر بنيها، فَإِن لم يكن لَهَا ابْن، فبأكبر بناتها، وَكَانَ اسْم أم سَلمَة هِنْد، فتكنت بِابْن لَهَا يقَالَ لَهُ: سَلمَة، وَأم حَبِيبَة اسْمهَا رَملَة، فتكنت بحبيبة.
وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تسموا الحكم، وَلَا أَبَا الحكم، فَإِن اللَّه هُوَ الحكم» .
وَرُوِيَ أَن ابْنا لعمر يكنى أَبَا(12/344)
عِيسَى، فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِن عِيسَى لَا أَب لَهُ.
وَكَانَ اسْم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي الْجَاهِلِيَّة عَبْد الْكَعْبَة، فَسَماهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن.
3376 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: " أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ، فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا اسْمُهُ؟» قَالَ: فُلانٌ.
قَالَ: «لَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ» ، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ المُنْذِرَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ التَّمِيمِيِّ،(12/345)
عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ
وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَسْرُوقٌ ابْنُ مَنْ؟ قُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ.
قَالَ: الأَجْدَعُ اسْمُ شَيْطَانٍ، أَنْتَ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ".
بَاب الكنية للصَّغِير قبل أَن يُولد لَهُ
3377 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: " إِنْ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ،(12/346)
عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ
3378 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أَبَا طَلْحَةَ كَثِيرًا، قَالَ: فَجَاءَ يَوْمًا، وَقَدْ مَاتَ نُغَيْرٌ لابْنِهِ، فَوَجَدَهُ حَزِينًا، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
النغير: تَصْغِير النغر، وَهُوَ طَائِر صَغِير، وَيجمع عَلَى النغران.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد وأنواع مِن الْفِقْه، مِنْهَا أَن صيد الْمَدِينَة مُبَاح بِخِلَاف صيد مكَّة، وَأَنه لَا بَأْس أَن يعْطى الصَّبِي الطير ليلعب بِهِ مِن غير أَن يعذبه، فقد روى ثَابت، عَن أنس، فِي هَذَا الحَدِيث " ولي أَخ صَغِير لَهُ نغر يلْعَب بِهِ فَمَاتَ.
قِيلَ فِي قَوْله: يلْعَب: أَي يتلهى بِهِ بحبسه وإمساكه.
وَفِيه إِبَاحَة السجع فِي الْكَلَام، وَإِبَاحَة تَصْغِير الْأَسْمَاء، وَفِيه إِبَاحَة الدعابة مَا لم تكن إِثْمًا، فقد رُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّك تداعبنا، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُول إِلَّا حَقًا» .(12/347)
وَفِيه جَوَاز أَن يكنى الصَّبِي، وَأَنه لَا يعد مِن بَاب الْكَذِب.
وَقَالَ أنس بْن سِيرِين: لما ولدت انْطلق بِي إِلَى أنس بْن مَالك، فسماني باسمه وَكَنَّانِي بكنيته.
وَعَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنه كنى عَلْقَمَة أَبَا شبْل، وَلم يُولد لَهُ.
3379 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ نِسَائِكَ لَهَا كُنْيَةٌ غَيْرِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكْتَنِي أَنْتِ بِأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى مَاتَتْ، وَلَمْ تَلِدْ قَطُّ ".
وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «اكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ»
فَفِيهِ أَن الْمَرْأَة إِذا لم يكن لَهَا وُلِدَ تكتني بِبَعْض وُلِدَ أخواتها، لِأَن الْخَالَة أم.
فَإِن لم يكن لَهَا ابْن أُخْت، فببعض وُلِدَ إخوتها، لِأَن(12/348)
الْعمة تقوم مقَام الْأُم فِي بعض الْحَالَات، وَكَذَلِكَ الرجل يكتني بِبَعْض وُلِدَ إخْوَته إِذا لم يكن لَهُ وُلِدَ، لِأَن الْعم أَب، فَإِن لم يكن لَهُ وَلَا لأحد مِن إخْوَته وُلِدَ، فبولد أخواته، لِأَنَّهُ خَال لَهُم، فَإِن لم يكن أحد مِن أهل النّسَب، فَمن الرَّضَاع عَلَى مَا وَصفنَا.
بَاب لَا يَقُولُ العَبْد لمَالِكه رَبِّي وَلَا الْمَالِك عَبدِي
3380 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اسْقِ رَبَّكَ، أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبِّي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَوْلايَ، وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، وَفَتَاتِي، وَغُلامِي ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ(12/349)
3381 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، أَرَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، فَإنَّ كُلَّكُمْ عَبْدٌ، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، وَلا يَقُولَنَّ: رَبِّي، فَإِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ وَلَمْ يَذْكُرْ» فَإِنَّ رَبَّكَم اللَّهُ «.
وَقَالَ وَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ،» وَلا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلايَ «، زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ» فَإِنَّ مَوْلاكُمُ اللَّهُ "
قِيلَ: إِنَّمَا منع مِن أَن يَقُولُ: رَبِّي أَو اسْقِ رَبك، لِأَن الْإِنْسَان مربوب متعبد بإخلاص التَّوْحِيد، فكره لَهُ المضاهاة بِالِاسْمِ لِئَلَّا يدْخل فِي معنى الشّرك، وَالْعَبْد وَالْحر فِيهِ بِمَنْزِلَة وَاحِدَة، فَأَما مَا لَا تعبد عَلَيْهِ مِن سَائِر الْحَيَوَان والجماد، فَلَا يمْنَع مِنْهُ، كَقَوْلِك: رب الدَّار، وَرب الدَّابَّة وَالثَّوْب، وَلم يمْنَع العَبْد أَن يَقُولُ: سَيِّدي ومولاي، لِأَن مرجع السِّيَادَة إِلَى معنى الرياسة عَلَى مِن تَحت يَده، والسياسة لَهُ، وَحسن التَّدْبِير لأَمره، وَلذَلِك سمي الزَّوْج سيدا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {(12/350)
وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يُوسُف: 25] ، وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحسنِ بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِن ابْني هَذَا سيد، وسيصلح اللَّه بِهِ بَين فئتين عظيمتين» .
وَكَانَ مَا جرى مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت حَسَن التَّدْبِير وَالنَّظَر، وَإِن كَانَ أَحَق بِالْأَمر مِن غَيره.
وَالْمولى كثير التَّصَرُّف مِن ولي، وناصر، وَابْن عَم، وحليف، ومعتق، وَأَصله مِن ولَايَة أَمر وإصلاحه، فَلم يمْنَع مِن أَن يُوصف بِهِ مَالك الرَّقَبَة عَلَى أَنَّهُ قد جَاءَ فِي رِوَايَة " وَلَا يقل العَبْد: مولَايَ "، وَمنع السَّيِّد مِن أَن يَقُولُ: عَبدِي، لِأَن هَذَا الِاسْم مِن بَاب الْمُضَاف، وَمُقْتَضَاهُ الْعُبُودِيَّة لَهُ، وَصَاحبه عَبْد لله، متعبد بأَمْره وَنَهْيه، فإدخال مَمْلُوكه تَحت هَذَا الِاسْم يُوهم التَّشْرِيك، وَمعنى هَذَا الِاسْم رَاجع إِلَى الْبَرَاءَة مِن الْكبر، والتزام الذل والخضوع، فَلم يحسن لعبد أَن يَقُولُ: فلَان عَبدِي، بل يَقُولُ: فَتَاي، وَإِن كَانَ قد ملك فتاه امتحانا وابتلاء مِن اللَّه لخلقه، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الْفرْقَان: 20] ، وعَلى هَذَا امتحان اللَّه أنبياءه، ابْتُلِيَ يُوسُف بِالرّقِّ، ودانيال صلى اللَّه عَلَيْهِمَا حِين سباه بخْتنصر.(12/351)
3382 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلكِنْ لِيَقُلْ: غُلامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ
قَالَ الْإِمَام: قِيلَ فِي كَرَاهِيَة هَذِه الْأَلْفَاظ: هِيَ أَن تَقُولُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيق التطاول عَلَى الرَّقِيق، والتحقير لشأنه، وَإِلَّا قد جَاءَ بِهِ الْقُرْآن، فَقَالَ عز ذكره: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النُّور: 32] ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النَّحْل: 75] ، وَقَالَ عز وَجل: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يُوسُف: 42] ، كَمَا قَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النِّسَاء: 25] ، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يُوسُف: 25] .(12/352)
وروى أَبُو معشر، عَن إِبْرَاهِيم، أَنَّهُ كَانَ يكره أَن يُسمى العبيد عَبْد اللَّه وَعَبْد الْمَلِك، وَالْإِمَاء أمة اللَّه، وكل اسْم يُضَاف إِلَى اللَّه عز وَجل.
بَاب
3383 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: " كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا، وَأَنعِمْ صَبَاحًا، فَلَمَّا كَانَ الإسْلامُ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ ".
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ: " يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا، وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَيْنَكَ "
بَاب
3384 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا(12/353)
الْعَذَافِرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَمَّنْ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كُنْتُ رَدِيفَهُ عَلَى حِمَارٍ، فَعَثَرَ الْحِمَارُ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، فَإِذَا قُلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ حَتَّى تَكُونَ أَصْغَرَ مِنَ الذُّبَابِ ".
وَرَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا لُعِنَ، ضَحِكَ، وَإِذَا تُعُوِّذَ مِنْهُ، هَرَبَ»(12/354)
بَاب مَا يكره مِن أَلْفَاظ الْعَادة وَحفظ الْمنطق
3385 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ، إِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ»
3385 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " لَا يَقُلِ ابْنُ آدَمَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
3386 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُولُوا: الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ «.(12/355)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَرَوَاهُ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،» لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ، وَلَكِنْ قُولُوا حَدَائِقَ الأَعْنَابِ «.
وَرَوَاهُ عَلْقَمَة بْن وَائِل، عَن أَبِيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،» وَلَكِن قُولُوا الْعِنَب والحبلة ".
قَالَ الْإِمَام: قد قِيلَ فِي معنى نَهْيه عَن تَسْمِيَة هَذِه الشَّجَرَة كرما: أَن هَذَا الِاسْم عِنْدهم مُشْتَقّ مِن الْكَرم، سموا شَجَرَة الْعِنَب كرما، لِأَنَّهُ يتَّخذ مِنْهُ الْخمر، وَهِي تحث عَلَى السخاء وَالْكَرم، فاشتقوا لتِلْك الشَّجَرَة اسْما مِن الْكَرم، فكره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمِيَته لشَيْء حرمه الشَّرْع باسم مَأْخُوذ مِن الْكَرم، وأشفق أَن يَدعُوهُم حَسَن الِاسْم إِلَى شرب الْخمر المتخذة مِن ثَمَرهَا، فسلبها هَذَا الِاسْم تحقيرا لشأنها وتأكيدا لحرمتها، وَجعله صفة للْمُسلمِ الَّذِي يتوقاها، وَيمْنَع نَفسه عَن محارم الشَّرْع عزة وتكرما، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صفة عباده: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الْفرْقَان: 72] ، أَي: معرضين عَنْهُ، قد أكْرمُوا أنفسهم مِن الدُّخُول فِيهِ، وَقَالَ جلّ ذكره: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وَقَوله: «إِن الْكَرم قلب الْمُؤمن» ، لما فِيهِ مِن نور الْإِيمَان، وتقوى الْإِسْلَام.(12/356)
وَقَوله: " لَا يقل ابْن آدم: يَا خيبة الدَّهْر "، فَمَعْنَاه: أَن الْعَرَب كَانَ مِن شَأْنهَا ذمّ الدَّهْر، وسبه عِنْد النَّوَازِل، لأَنهم كَانُوا ينسبون إِلَيْهِ مَا يصيبهم مِن المصائب والمكاره، فَيَقُولُونَ: أَصَابَهُم قوارع الدَّهْر، وأبادهم الدَّهْر، وَذكر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابه عَنْهُمْ، فَقَالَ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] ، وَإِذا أضافوا إِلَى الدَّهْر مَا نالهم مِن الشدائد، سبوا فاعلها، فَكَانَ مرجع سبهم إِلَى اللَّه عز وَجل، إِذْ هُوَ الْفَاعِل فِي الْحَقِيقَة للأمور الّتي يضيفونها إِلَى الدَّهْر، فنهوا عَن سبّ الدَّهْر.
3387 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْله: «فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر» ، أَي: هُوَ صَاحب الدَّهْر، ومدبر الْأُمُور المنسوبة إِلَيْهِ.(12/357)
3388 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ، وَلا يَقُولَنَّ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ هُوَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
وَكَانَ ابْن دَاوُد يُنكر رِوَايَة أَصْحَاب الحَدِيث هَذَا الْحَرْف «وَأَنا الدَّهْر» ، مَضْمُومَة الرَّاء، وَيَقُول: لَو كَانَ كَذَلِك، لَكَانَ الدَّهْر اسْما معدودا مِن أَسمَاء اللَّه عز وَجل، وَكَانَ يرويهِ «وَأَنا الدَّهْر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار» ، مَفْتُوحَة الرَّاء عَلَى الظّرْف، يَقُولُ: أَنَا طول الدَّهْر وَالزَّمَان أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار، وَالْأول هُوَ وَجه الحَدِيث وَمَعْنَاهُ، إِذْ لَا يحسن هَذَا التَّأْوِيل، لقَوْله: «فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر» .
3389 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ،(12/358)
نَا سُفْيَانُ، نَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ
8890 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
قَوْله: «لقست نَفسِي» ، وتمقست: إِذا غثت، وَمعنى قَوْله: خبثت هَذَا أَيْضا، وَلكنه كره لفظ الْخبث، فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْأَحْسَن وهجران الْقَبِيح مِنْهُ.(12/359)
8891 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: " خَطَبَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْكُتْ فَبِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ غَوَى، وَلا تَقُلْ: مَنْ يَعْصِهِمَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ
وَفِيه تَعْلِيم الْأَدَب فِي الْمنطق، وكراهية الْجمع بَين اسْم اللَّه تَعَالَى وَاسم غَيره تَحت حرفي الْكِنَايَة، لِأَنَّهُ يتَضَمَّن نوعا مِن التَّسْوِيَة، وَقد رُوِيَ عَن حُذَيْفَة، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلانٌ، وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ «، وَهَذَا قريب مِن الأول، وَذَلِكَ أَن الْوَاو لما كَانَ حرف الْجمع والتشريك، منع مِن عطف إِحْدَى المشيئتين(12/360)
عَلَى الْأُخْرَى بِحرف الْوَاو، فَأمر بِتَقْدِيم مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى، وَتَأْخِير مَشِيئَة مِن سواهُ بِحرف» ثُمَّ " الَّذِي هُوَ للتراخي.
وَرُوِيَ بِإِسْنَاد مُنْقَطع أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقولُوا مَا شَاءَ اللَّه وَشاء مُحَمَّد، وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّه وَحده ".
وَرُوِيَ أَن عُثْمَان، قَالَ لرجل: «مَا شِئْت» ، ثُمَّ قَالَ: «بل اللَّه أملك بل اللَّه أملك» .
وَكَانَ إِبْرَاهِيم لَا يرى بَأْسا، أَن يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ شِئْت، وَكَانَ يكره أَن يَقُولُ: أعوذ بِاللَّه وَبِك حَتَّى يَقُولُ: ثُمَّ بك.
قَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان: قَالَ الشّافعيّ: الْمَشِيئَة إِرَادَة اللَّه، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْإِنْسَان: 30] ، فَأعْلم اللَّه خلقه أَن الْمَشِيئَة لَهُ دون خلقه، وَأَن مشيئتهم لَا تكون إِلَّا أَن يَشَاء، فيقَالَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ شِئْت، وَلَا يقَالَ: مَا شَاءَ اللَّه وشئت، قَالَ: ويقَالَ: مِن يطع اللَّه وَرَسُوله، فَإِن اللَّه تعبد الْعباد بِأَن فرض طَاعَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذا أطيع رَسُول اللَّهِ، فقد أطيع اللَّه بِطَاعَة رَسُوله.
8892 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي «زَعَمُوا» : «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ»(12/361)
قِيلَ: إِنَّمَا ذمّ هَذِه اللَّفْظَة، لِأَنَّهَا تسْتَعْمل غَالِبا فِي حَدِيث لَا سَنَد لَهُ، وَلَا ثَبت فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْء يحْكى عَن الألسن، فَشبه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يقدمهُ الرجل أَمَام كَلَامه، ليتوصل بِهِ إِلَى حَاجته مِن قَوْلهم: «زَعَمُوا» ، بالمطية الّتي يتَوَصَّل بهَا الرجل إِلَى مقْصده الَّذِي يؤمه، فَأمر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتثبت فِيمَا يحكيه، وَالِاحْتِيَاط فِيمَا يرويهِ، فَلَا يروي حَدِيثا حَتَّى يكون مرويا عَن ثِقَة، فقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» .
بَاب إِن مِن الْبَيَان لسحرا
8893 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ(12/362)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا»
قَالَ الْإِمَام: اخْتلف النّاس فِي تَأْوِيل قَوْله: «إِن مِن الْبَيَان سحرًا» ، فَمنهمْ مِن حمله عَلَى الذَّم، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذمّ التصنع فِي الْكَلَام، والتكلف لتحسينه، ليروق السامعين قَوْله، ويشتمل بِهِ قُلُوبهم، وأصل السحر فِي كَلَامهم الصّرْف، وَسمي السحر سحرًا، لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 89] ، أَي: تصرفون عَن الْحق، وَقَوله عز وَجل: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الْإِسْرَاء: 47] أَي: مصروفا عَن الْحق، فَهَذَا الْمُتَكَلّم ببيانه يصرف قُلُوب السامعين إِلَى قبُول قَوْله، وَإِن كَانَ غير حق.
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد، قَالَ: قَامَ شَاب، فَاسْتَأْذن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخطْبَة، فَأذن لَهُ، فطول الْخطْبَة، حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيهْ قطّ الآنَ» ، أَو كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلا مُبَلِّغًا، وَإِنَّ تَشْقِيقَ الْكَلامِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا» .
وَرُوِيَ أَن رجلا خطب فَأكْثر،(12/363)
فَقَالَ عُمَر: إِن كثيرا مِن الْخطب مِن شقاشق الشَّيْطَان.
شبه الَّذِي يتفيهق فِي كَلَامه، وَلَا يُبَالِي بِمَا قَالَ مِن صدق أَو كذب بالشيطان.
قَالَ اللَّيْث: الشقشقة لهاة الْجمل الْعَرَبِيّ، وَلَا يكون ذَلِكَ إِلَّا للعربي.
وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلامِ، لِيُسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوِ النَّاسِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا» .
وَالْمرَاد مِن صرف الْكَلَام: فَضله وَمَا يتكلفه الْإِنْسَان مِن الزِّيَادَة فِيهِ مِن وَرَاء الْحَاجة، وَقد يدْخلهُ الرِّيَاء، ويخالطه الْكَذِب، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد يحِيل الشَّيْء عَنْ ظَاهره ببيانه، ويزيله عَن مَوْضِعه بِلِسَانِهِ، إِرَادَة التلبيس عَلَيْهِم، فَيصير بِمَنْزِلَة السحر الَّذِي هُوَ تخييل لما لَا حَقِيقَة لَهُ.
وَقيل: أَرَادَ إِن مِن الْبَيَان مَا يكْسب بِهِ صَاحبه مِن الْإِثْم مَا يكْتَسب السَّاحر بسحره.
وَقيل: مَعْنَاهُ: الرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، وَهُوَ أَلحن بحجته مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقِّ، وَشَاهده قَول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ(12/364)
مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» .
وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن المُرَاد مِنْهُ مدح الْبَيَان، والحث عَلَى تَحْسِين الْكَلَام، وتحبير الْأَلْفَاظ، لِأَن أحد القرينين، وَهُوَ قَوْله: «إِن مِن الشّعْر حكما» ، عَلَى طَرِيق الْمَدْح، فَكَذَلِك القرين الآخر، رُوِيَ عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، أَن رجلا طلب إِلَيْهِ حَاجَة كَانَ يتَعَذَّر عَلَيْهِ إسعافه بهَا، فاستمال قلبه بالْكلَام، فأنجزها لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ السحر الْحَلَال.
وَرُوِيَ عَن بُرَيْدَة، عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا» ، فَقَالَ صعصعة بْن صوحان: صدق نَبِي اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أما قَوْله: «إِن مِن الْبَيَان سحرًا» فالرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، فَهُوَ أَلحن بالحجج مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقِّ.
وَقَوله: «إِن مِن الْعلم جهلا» فيتكلف الْعَالم إِلَى علمه مَا لَا يعلم، فيجهله ذَلِكَ.
وَأما قَوْله: «مِن الشّعْر حكما» ، فَهِيَ هَذِه الْأَمْثَال والمواعظ الّتي يتعظ النّاس بهَا.
وَأما قَوْله: «مِن القَوْل عيالا» ، فعرضك كلامك وحديثك عَلَى مِن لَيْسَ مِن شَأْنه وَلَا يُريدهُ.(12/365)
بَاب ذمّ الْبَيَان والتنطع
3394 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنَ الإِيمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي غَسَّانَ.
3395 - أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا دَاوُدُ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَسَاوِئُكُمْ أَخْلاقًا، الثَّرْثَارُونَ(12/366)
الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ» .
الثرثار: المكثار فِي الْكَلَام، يقَالَ: عين ثرثارة، إِذا كَانَت وَاسِعَة المَاء، وَأَرَادَ بِهِ الّذين يكثرون الْكَلَام تكلفا.
والمتفيهق: الَّذِي يتوسع فِي كَلَامه، ويفهق بِهِ فَمه، أَي: يَفْتَحهُ، مَأْخُوذ مِن الفهق، وَهُوَ الامتلاء، يقَالَ: أفهقت الْإِنَاء ففهق، وبئر مفهاق كَثِيرَة المَاء.
وَفِي بعض الرِّوَايَات: «أحاسنكم أَخْلَاقًا، الموطئون أَكْنَافهم الّذين يألفون ويؤلفون» .
3396 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلْيَمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» ، قَالَهَا ثَلاثًا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
المتنطع: المتعمق فِي الْكَلَام الغالي، وَيكون الَّذِي يتَكَلَّم بأقصى حلقه مَأْخُوذ مِن النطع.
3397 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ، ابْنَا عَلِيِّ بْنِ(12/367)
أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن بْنِ شَاذَوَيْهِ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا» .
بَاب الشّعْر وَالرجز
3398 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، أَخْبَرَهُ , أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ،(12/368)
أَخْبَرَهُ أنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
ويروى «إِن مِن الشّعْر حُكمًا» ، وَالْمرَاد مِنْهُ الْحِكْمَة أَيْضا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مَرْيَم: 12] ، أَي: الْحِكْمَة، وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشُّعَرَاء: 21] ، أَي: الْحِكْمَة، وَمَعْنَاهُ: أَن مِن الشّعْر كلَاما نَافِعًا يمْنَع عَن الْجَهْل والسفه، وأصل الْحِكْمَة: الْمَنْع، وَبهَا سميت حِكْمَة اللجام، لِأَنَّهُ بهَا تمنع الدَّابَّة، وَسمي الْحَاكِم حَاكما، لِأَنَّهُ يمْنَع الظَّالِم عَن الظُّلم، وَأَرَادَ بِهِ مَا نظمه الشُّعَرَاء مِن المواعظ والأمثال الّتي ينْتَفع بهَا النّاس.
قَالَ الشّافعيّ: وَالشعر كَلَام، فحسنه كحسن الْكَلَام، وقبيحه كقبيحه، وفضله عَلَى الْكَلَام أَنَّهُ سَائِر، فَإِذا كَانَ الشَّاعِر لَا يعرف بشتم الْمُسلمين وأذاهم، وَلَا يمدح، فيكثر الْكَذِب الْمَحْض، وَلَا يشبب بِامْرَأَة بِعَينهَا، وَلَا يبتهرها بِمَا يشينها، فَجَائِز الشَّهَادَة، وَإِن كَانَ عَلَى خلاف ذَلِكَ، لم يجز.
قَالَ مطرف بْن عَبْد اللَّه بْن الشخير: صَحِبت عمرَان بْن الحُصَيْن مِن الْبَصْرَة إِلَى مكَّة، فَكَانَ ينشدني كل يَوْم، ثُمَّ قَالَ لي: إِن الشّعْر كَلَام، وَإِن مِن الْكَلَام حَقًا وباطلا.
3399 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ(12/369)
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ
".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، وَزَادَا: «وَكَادَ أُميَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ.
3400 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَدْتُهُ مِائَةَ قَافِيَةٍ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيهِ» .
حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةً، يَعْنِي مِائَةَ بَيْتٍ،(12/370)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَادَ ليسلم» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن الطَّائِفِيِّ، وَقَالَ: فَلَقَدْ كَادَ يُسْلِمُ فِي شِعْرِهِ.
قَوْله: «هيه» يرْوى «إيه» ، أَي: زد، وَهِي كلمة استزادة.
يرْوى أَنَّهُ قِيلَ لعبد اللَّه بْن الزبير: يَابْنَ ذَات النطاقين، فَقَالَ: إيه، أَي: زِدْنِي مِن هَذِه النقيبة.
ويروى «إيها» بِالنّصب، وَهِي كلمة تَصْدِيق يَقُولُ: صدقت.
3401 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جُنْدُبًا، يَقُولُ: " بَيْنَما النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ، فَعَثَرَ، فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَصَحَّ عَن الْبَراء بْن عَازِب، أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(12/371)
قَالَ يَوْم حنين: «أَنَا النَّبِيّ لَا كذب أَنَا ابْن عَبْدِ الْمطلب» .
قَالَ الإِمَام: قد ذهب قوم مِن أهل الْعلم إِلَى أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحسن الشّعْر، وَلَكِن كَانَ لَا يَقُوله، وَتَأَول قَوْله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] ، أَنَّهُ رد عَلَى الْمُشْركين فِي قَوْلهم: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الْأَنْبِيَاء: 5] ، فبرأه اللَّه عَن ذَلِكَ، وَأخْبر أَنَّهُ لَيْسَ بشاعر، وَمن ذكر بَيْتا وَاحِدًا لَا يلْزمه هَذَا الِاسْم إِنَّمَا الشَّاعِر الَّذِي يقْصد الشّعْر، ويشبب، ويصف، ويمدح، ويتصرف تصرف الشُّعَرَاء.
وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يحسن الشّعْر، وَهُوَ الْأَصَح، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] ، حَتَّى قِيلَ: " إِنَّه لم ينشد بَيْتا تَاما قطّ، أَلا ترَاهُ أَنَّهُ حِين ذكر بَيت طرفَة، وَقَالَ:
ويأتيك مِن لم تزَود بالأخبار
".
وَحين ذكر قَول الْعَبَّاس بْن مرداس الْأَقْرَع وعيينة، فَقدم الْمُؤخر.
وَاخْتلفُوا فِي الرجز هَل هُوَ شعر أم لَا؟ فَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشعر، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرتجز كَمَا روينَا، وَلَو كَانَ الرجز شعرًا لَكَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ.
وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ شعر، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر هَذِه الْكَلِمَات عَلَى طَرِيق النّظم، بل قَالَ: «هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت» ، مِن غير مد «دميت» ، وَقَالَ: «أَنَا النَّبِيّ لَا كذب» ، بِنصب الْبَاء «أَنَا ابْن عَبْدِ الْمطلب» ، بالخفض أَو لم يكن مصدره عَن نِيَّة وروية، وَإِن اسْتَوَى عَلَى وزن الشّعْر، وَمثله مَوْجُود فِي الْقُرْآن.(12/372)
أما التمثل بِبَيْت مِن الشّعْر، فَكَانَ مُبَاحا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3402 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ شَيْئًا مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: " كَانَ يَتَمَثَّلُ مِنْ شِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ.
قَالَتْ: وَرُبَّمَا قَالَ:
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3403 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ الضَّبِّيُّ، نَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى مَا أَرَى جِلْدَةَ بَطْنِهِ مِمَّا غَطَّاهُ التُّرَابُ، وَهُوَ يَقُولُ: «(12/373)
وَاللهّ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» رَفَع بِهَا صَوْتَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ: رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: «أَبَيْنَا أَبَيْنَا» .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
3404 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابنَ رَوَاحَةَ، بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(12/374)
وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ شِعْرًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3405 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ» .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرَّةً: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِغَرْزِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... فَقَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ(12/375)
بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ
"
3406 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي أَيَّدَكَ اللَّهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» .
فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ ".
وَبِهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: " أَنْشَدَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ، فَلَحَظَهُ، وَقَالَ: فِي الْمَسْجِدِ؟ ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْشَدْتُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، قَالَ: فَخَشِيَ أَنْ يَرْمِيَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ وَتَرَكَهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.(12/376)
3407 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ.
3408 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالا: نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُؤَكِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا يُنَافِحُ أَوْ يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .(12/377)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَوْله: «ينافح» ، أَي: يدافع، وَمِنْه قَوْلهم: نفحت الرجل بِالسَّيْفِ: إِذا تناولته بِهِ مِن بعد، ونفحته الدَّابَّة: إِذا أَصَابَته بِحَدّ حافرها، ويروى: «مَا كافحت عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
والمكافحة: الْمُضَاربَة تِلْقَاء الْوَجْه.
3409 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ» .
3410 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» .(12/378)
وَقَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» .
3411 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «جَالَسْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ، وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ سَاكِتٌ، وَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَقَتَادَةَ يَنْشُدَانِ الشِّعْرَ، وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَفْعَلُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنِّي لأَبْغَضُ الْغِنَاءَ، وَأُحِبُّ الرَّجَزَ.
بَاب مَا يكره أَن يكون الْغَالِب عَلَى الْإِنْسَان الشّعْر حَتَّى يصده عَن ذكر اللَّه عز وَجل
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ {224} أَلَمْ(12/379)
تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ {225} } [الشُّعَرَاء: 224-225] ، قَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّمَا هُوَ مثل كَمَا تَقُولُ: أَنَا لَك فِي وَاد، وَأَنت لي فِي وَاد، أَي: أَنَا فِي صنف، وَأَنت فِي صنف آخر، وَالْمعْنَى: أَنهم يغلون فِي الْمَدْح والذم، يمدحون فيكذبون، ويذمون فيظلمون.
3412 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» .
3413 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ الرَّجُلِ قَيْحًا يرِيه خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» .(12/380)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «يرِيه» أَي: يفْسد رئته بِالْفَتْح، يقَالَ: ورى الْقَيْح جَوْفه، أَي: أكله، قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من الوري وَهُوَ أَن يروي جَوْفه، يقَالَ مِنْهُ: رجل موري مشدد غير مَهْمُوز، ويروى عَن أَبِي عبيد فِي معنى هَذَا الحَدِيث، قَالَ: هُوَ أَن يمتلئ جَوْفه شعرًا حَتَّى يغلب عَلَيْهِ، ويشغله عَن الْقُرْآن وَالْعلم.
وَحمله بَعضهم على مهاجي النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ فِي حَدِيث عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا ودما خير لَهُ من أَن يمتلئ شعرًا قد هجيت بِهِ» .
وَلَا يَصح إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَأنكر أَبُو عبيد هَذَا التَّفْسِير، وقَالَ:(12/381)
من حفظ مهاجي النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يكون مُسلما، فَمن حمل الحَدِيث على امتلاء الْقلب مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ رخص فِي الْقَلِيل مِنْهُ.
وقَالَ معمر: عَن الْمُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب.
ويروى عَن ابْن مَسْعُود مثله: إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع.
وَقيل: الْغناء رقية الزِّنَى.
قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِن كَانَ يديم الْغناء ويغشاه المغنون مُعْلنا، هَذَا سفه ترد بِهِ شَهَادَته، وَإِن كَانَ يقل، لم ترد.
فَأَما اسْتِمَاع الحداء، ونشيد الْأَعْرَاب، فَلَا بَأْس بِهِ، وَسمع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحداء وَالرجز، وَقَالَ لِابْنِ رَوَاحَة: «حرك بالقوم» .
فَانْدفع يرتجز.
قلت: وَقَالَ سَعِيد بْن الْمسيب: إِنِّي لأبغض الْغناء، وَأحب الرجز.
قلت: وَمن ترنم بِبَيْت مِن الشّعْر مَعَ نَفسه، فَلَا بَأْس بِهِ.
رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين، عَن أنس، قَالَ: اسْتلْقى برَاء بْن مَالك عَلَى ظَهره، ثُمَّ ترنم، فَقَالَ لَهُ أنس: اذكر اللَّه أَي أخي.
فَاسْتَوَى جَالِسا، وَقَالَ: أَي أنس، أَترَانِي أَمُوت عَلَى فِرَاشِي، وَقد قتلت مائَة مِن الْمُشْركين(12/382)
مبارزة سوى مِن شاركت فِي قَتله.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبير: مَا أعلم رجلا مِن الْمُهَاجِرين إِلَّا قد سَمِعْتُهُ يترنم.
ويروى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَأي رَجُل مِن الْمُهَاجِرين لم أسمعهُ يتَغَنَّى النصب.
وَالنّصب: ضرب مِن أغاني الْعَرَب، وَهُوَ شبه الحداء، يقَالَ: نصب الرَّاكِب.
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نَوْفَل، أَنَّهُ رَأَى أُسَامَة بْن زيد فِي مَسْجِد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضجعا رَافعا إِحْدَى رجلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى يتَغَنَّى النصب.
وَكَانَ عُمَر لَا يُنكر مِن الْغناء النصب والحداء وَنَحْوهمَا.
وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيم المزامير والملاهي وَالْمَعَازِف، وَرُوِيَ عَن نَافِع، قَالَ: " سَمِعَ ابْن عُمَر مِزْمَارًا، فَوضع إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، ونأى عَن الطَّرِيق، وَقَالَ: كنت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسمع مثل هَذَا، وصنع مثل هَذَا ".
وَكَانَ الَّذِي سَمِعَ ابْن عُمَر صفارة الرُّعَاة، وَقد جَاءَ مَذْكُورا فِي الحَدِيث، وَإِلَّا لم يكن يقْتَصر فِيهِ عَلَى سد المسامع دون الْمُبَالغَة فِي الزّجر والردع، وَقد رخص بَعضهم فِي صفارة الرُّعَاة.(12/383)
بَاب تَحْرِيم اللّعب بالنرد
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [الْمَائِدَة: 90] ، الميسر: الْجَزُور الَّذِي كَانُوا يتقامرون عَلَيْهِ، سمي ميسرًا، لِأَنَّهُ يجزأ أَجزَاء، وكل شَيْء جزأته، فقد يسرته، والياسر: الجازر، لِأَنَّهُ يُجزئ لحم الْجَزُور، يقَالَ: يسر الْقَوْم: إِذا قامروا، وَرجل يسر وياسر.
3414 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ حَرَامٌ.
3415 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدِ , أَنا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ(12/384)
حَرْبٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَكَانَ ابْن عمر إِذا وجد أحدا يلْعَب بالنرد، ضربه، وَكسرهَا.
وَبلغ عَائِشَة أَن أهل بَيت فِي دارها عِنْدهم نرد، فَأرْسلت: لَئِن لم تخرجوها لأخرجنكم من دَاري.
وَرُوِيَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ، قَالَ: «من لعب بالكعبتين على الْقمَار، فَكَأَنَّمَا أكل لحم الْخِنْزِير، وَمن لعب على غير قمار، فَكَأَنَّمَا ادهن بشحم الْخِنْزِير» .
وَاخْتلف أهل الْعلم فِي إِبَاحَة اللّعب بالشطرنج، فَرخص فِيهِ بَعضهم، لِأَنَّهُ قد ينتصر بِهِ فِي أَمر الْحَرْب ومكيدة الْعَدو، وَلَكِن بِثَلَاث شَرَائِط: أَلا يقامر بِهِ، وَلَا يُؤَخر الصَّلَاة عَن وَقتهَا، وَأَن يحفظ لِسَانه عَن الْخَنَا وَالْفُحْش، فَإِذا فعل شَيْئا مِنْهَا، فَهُوَ سَاقِط الْمُرُوءَة، مَرْدُود الشَّهَادَة، وَإِلَى الرُّخْصَة فِيهِ ذهب سعيد بْن جُبَير، وَرُوِيَ أَنه كَانَ يلْعَب بِهِ استدبارا.
وَكَانَ الشّعبِيّ يلْعَب بِهِ.
وَكره الشَّافِعِي اللّعب(12/385)
بالشطرنج وَالْحمام كَرَاهِيَة تَنْزِيه، لَا كَرَاهِيَة تَحْرِيم إِلَّا أَن يقامر بِهِ فَيحرم، وَحرمه جمَاعَة كالنرد.
قَالَ مُجَاهِد: الميسر الْقمَار كُله حَتَّى الْجَوْز الَّذِي يلْعَب بِهِ الصّبيان.
وَعَن الْحسن، أَن عُثْمَان كَانَ يَأْمر بقتل الْكلاب وَالْحمام.
وَعَن نَافِع، أَن ابْن عمر كَانَ يكره أَن يلْعَب أحد بِهَذِهِ الشهاردة الَّتِي تلعب بهَا النِّسَاء.
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.
بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الثَّانِي عشر من " شرح السّنة "
ويليه الْجُزْء الثَّالِث عشر وأوله:
كتاب الْبر والصلة(12/386)
بَاب بر الْوَالِدين
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] ، وَأثْنى الله على يَحْيَى صلوَات الله عَلَيْهِ، فقَالَ جلّ ذكره: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} [مَرْيَم: 14] ، وعَلى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ عز وَجل: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [مَرْيَم: 32] ، وَالْبر: الصِّلَة، يقَالَ: بررت وَالِدي أبره، وبررت فِي يَمِيني، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الْإِسْرَاء: 23] ، قَالَ مُجَاهِد: وَأمر رَبك: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الْإِسْرَاء: 23] .
3416 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْحَكَمِ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:(13/3)
أَنْبِئْنِي بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، قَالَ: «نَعَمْ وَاللَّهِ لَتُنَبَّأَنَّ» .
قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» .
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» .
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» .
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ» .
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَبِّئْنِي عَنْ مَالِي كَيْفَ أَتَصَدَّقُ بهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَاللَّهِ لَتُنَبَّأَنَّ، تَصَدَّقْ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا كَانَ نَفَسُكَ هَاهُنَا» ، وَأَشَارَ شَرِيكٌ إِلَى حَلْقِهِ، قُلْتُ: مَالِي لِفُلانٍ، وَلِفُلانٍ، وَهُوَ لَهُمْ، وَإِنْ كَرِهْتُ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَا حَدِيثَ الْبِرِّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَارَةَ، وَأَخْرَجَا الْحَدِيثَيْنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الْبِرِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ.
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ لِمِيقَاتِهَا» .
قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»(13/4)
3417 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ» .
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمَّكَ» .
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ» .
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا، أَمْ مَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» .
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ فَقَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ، فَلا يَرَاهَا» ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَالِيًا؟ قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» ، وَسَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ، فَيَضْحَكُ مِنْهُ الْقَوْمُ، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ» ، وَسَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَأْتِي رَجُلٌ مَوْلاهُ، فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ إِلا دُعِيَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ فَضْلَهُ»(13/5)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ.
وَيَرْوِي سُفْيَانُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، هَذَا الْحَدِيثَ الأَخِيرَ، وَقَالَ: «إِلا دُعِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَ شُجَاعًا أَقْرَعَ» ، وَأَرَادَ بِالشُّجَاعِ: الْحَيَّةَ.
وَالتَّلَمُّظَ: أَنْ يَتَتَبَّعَ بِلِسَانِهِ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ بَعْدَ الأَكْلِ.
3418 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» .
وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ آخِرَ الْحَدِيثِ، عَنْ سُفْيَانَ، قُلْتُ: ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ(13/6)
السِّجِسْتَانِيُّ أَنَّ دَوَامَ الْمَرْءِ عَلَى الدُّعَاءِ يُطَيِّبُ لَهُ وُرُودَ الْقَضَاءِ، فَكَأَنَّهُ رَدَّهُ، وَالْبِرُّ يُطَيِّبُ عَيْشَهُ، فَكَأَنَّهُ زِيدَ فِي عُمْرِهِ، وَالذَّنْبُ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ صَفَاءَ رِزْقِهِ إِذَا فَكَّرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ، فَكَأَنَّهُ حُرِمَهُ.
3418 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: حَارثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ "
3419 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ» ، وَزَادَ: وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بأُمِّهِ.
3420 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَمَا ثَلاثَةُ(13/7)
نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ، أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجَعْتُ عَلَيْهِمْ، فَحَلَبْتُ، بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ قَدْ نَأَى بِيَ الشَّجَرُ، فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمِي، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبُهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَّجَ اللَّهُ لَهُمْ حَتَّى يَرَوْنَ السَّمَاءَ.
قَالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَت: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ،(13/8)
فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَّجَ لَهُمْ فُرْجَةً.
وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَراعِيَهَا، فَأَخَذَهُ، فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِيَ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُسَيّبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، هُوَ ابْنُ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، سَمِعَ نَافِعًا.(13/9)
قَوْله: «نأى بِي الشّجر» ، أَي: بعد المرعى، وَالرُّجُوع عَنْهُ «يتضاغون» ، أَي: يصوتون بَاكِينَ.
3421 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ مِنَّا بَرًّا بِوَالِدَيْهِ فَأَمَرَاهُ، أوْ أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ شَرٌّ، وَوَافَقَهُ أَهْلُهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: طَلِّقْهَا، قَالَ: فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعُقَّ أُمَّهُ، قَالَ: فَرَحَلَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ آمُرُكَ أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتَكَ، وَلا أنْ تَعُقَّ أُمَّكَ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَحَافِظْ إِنْ شِئْتَ، أَوْ ضَيِّعْ» .
قَالَ: فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا طَالِقٌ.
فَرَجَعَ وَقَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3422 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، نَا أَبُو(13/10)
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا يُوسُفُ بْنُ حَبِيبٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ، فَحَافِظْ عَلَى الْبَابِ، أَوْ ضَيِّعْ»
قَالَ الْقشيرِي: «أَوسط أَبُواب الجنَّة» ، أَي: خير أَبُوابها، يقَالَ: فلَان مِن أَوسط قومه، أَي: مِن خيارهم.
3423 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا شُعْبَةُ، نَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبَّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ»(13/11)
وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ سَائِرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَهُوَ الأَصَحُّ.
وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ.
3424 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ»
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قَالَ: لَا.
قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟» قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَبِرَّهَا ".
وَرَوَاهُ بَعضهم عَن أَبِي بَكْر بْن حَفْص، عَن ابْن عُمَر، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَصح.(13/12)
وأَبُو بَكْر بْن حَفْص: هُوَ ابْن عُمَر بْن سعد بْن أَبِي وَقاص.
وَقد صَحَّ عَن الْبَراء، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» .
وَقَالَ مَكْحُول: بر الْوَالِدين كَفَّارَة للكبائر، وَلَا يزَال الرجل قَادِرًا عَلَى الْبر مَا دَامَ فِي فصيلته مِن هُوَ أكبر مِنْهُ.
بَاب صلَة الْوَالِد الْمُشرك
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لُقْمَان: 15] .
3425 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: " أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ ".(13/13)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ.
قَوْلهَا: راغبة أَي طامعة، طالبة لبري تَسْأَلنِي شَيْئا، وأصل الرَّغْبَة: الْحِرْص عَلَى الشَّيْء، وَفِي الحَدِيث «الرغب شُؤْم» ، مَعْنَاهُ: الشره والحرص عَلَى الدّنيا، وَرجل رغيب الْجوف: إِذا كَانَ أكولا، وحوض رغيب: كثير الْأَخْذ للْمَاء.
وَفِيه مستدل لمن رَأَى وجوب نَفَقَة الْأَب الْكَافِر، وَالأُم الْكَافِرَة عَلَى الْوَلَد الْمُسلم.
ويروى أَنَّهَا قَالَتْ: قدمت أُمِّي راغمة، بِالْمِيم، أَي: هاربة مِن قَومهَا.
وَقيل: مَعْنَاهُ: كارهة إسلامي وهجرتي.
قَالَ سَلام بْن مِسْكين: سَأَلت الْحَسَن، قلت: يَا أَبَا سَعِيد، الرجل يَأْمر وَالِديهِ بِالْمَعْرُوفِ، وينهاهما عَن الْمُنكر، قَالَ: يأمرهما إِن قبلاه، وَإِن كرها، سكت عَنْهُمَا.(13/14)
بَاب تَحْرِيم العقوق
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِمَّا يبلغان عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ الْإِسْرَاء 23.
يُرِيد: لَا تقل لَهما مَا يكون فِيهِ أدنى تبرم.
والأف والتف: وسخ الْأَظْفَار، ويقَالَ لكل مَا يستثقل ويضجر مِنْهُ: أُفٍّ لَهُ.
قَالَ مُجَاهِد: لَا تقذرهما كَمَا كَانَا لَا يقذرانك، وَقَوله عز وَجل: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الْإِسْرَاء: 24] ، قَالَ عَطاء: لَا يَنْبَغِي لَك أَن ترفع يَديك عَلَى والديك، وَلَا إِلَيْهِمَا تَعْظِيمًا لَهما، وَقَالَ عُرْوَة: لَا تمْتَنع مِن شَيْء أحباه.
وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ".(13/15)
3426 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ.
وأد الْبَنَات: هُوَ دفنهن أَحيَاء، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] ، سُئِلَ سَعِيد بْن جُبَير عَن إِضَاعَة المَال، قَالَ: أَن ينْفق الطّيب فِي الْخَبيث.
قَوْله: «منع وهات» ، يُرِيد منع الْوَاجِب عَلَيْهِ مِن الْحُقُوق، وَأخذ مَا لَا يحل لَهُ مِن أَمْوَال النّاس.
3427 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ أَكْبَرِ(13/16)
الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» .
قَالَ: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يُسَابُّ الرَّجُلَ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
3428 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ الشَّرْقِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلا عَاقٌّ، وَلا مُدْمِنٌ» .
قَالَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رِوَايَتِهِ: «وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ» .(13/17)
بَاب ثَوَاب صلَة الرَّحِم وإثم مِن قطعهَا
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النِّسَاء: 1] ، أَي: اتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها.
وَمن خفض، أَرَادَ تساءلون بِهِ وبالأرحام، وَهُوَ قَوْلك: نشدتك بِاللَّه وبالرحم.
3429 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ(13/18)
أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْغَافِقِيُّ، نَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
قَوْله: «ينسأ فِي أَثَره» ، مَعْنَاهُ: يُؤَخر فِي أَجله، يقَالَ: نسأ اللَّه فِي عمرك، وأنسأ عمرك، والأثر هَهُنَا: آخر الْعُمر، وَسمي الْأَجَل أثرا، لِأَنَّهُ يتبع الْعُمر، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] ، أَي: سنوا بعدهمْ مِن السّنَن، فَعمل بهَا.
3430 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو ضَمْرَةَ: لَا أًعْلَمُهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ،(13/19)
فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
3431 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوَيِ(13/20)
الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَهْ.
قَالَتْ: هذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ.
قَالَتْ: بَلَى يَا رب.
قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [مُحَمَّد: 22] ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «فَأَخَذَتْ بِحَقْوَيِ الرَّحْمَنِ» .
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ: «فَأَخَذَتْ بَحَقْوِ الرَّحْمَنِ» .
وَقَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [مُحَمَّد: 22] .
قِيلَ فِي معنى التَّعَلُّق بحقو الرَّحْمَن: إِنَّه الاستجارة والاعتصام بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يقَالَ: عذت بحقو فلَان: إِذا استجرت بِهِ.
وَقيل: الحقو: الْإِزَار، وَإِزَاره عزه، ولاذت الرَّحِم بعزه مِن القطيعة.
قَالَ الْإِمَام: كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي دُعَاء المشتكي: «أعوذ بعزة اللَّه مِن شَرّ مَا أجد» .(13/21)
3432 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَادَ أَبَا الرَّدَّادِ، قَالَ: يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ جَلالُهُ: «أَنَا اللَّهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا، وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا، بتَتُّهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ: اشْتَكَى الرَّدَّادُ اللَّيْثِيُّ، فَعَادَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قُلْتُ: وَهُوَ الأَصَحُّ.
3433 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: القُرْآنُ يُحَاجُّ الْعِبَادَ لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَالأَمَانَةُ،(13/22)
وَالرَّحِمُ تُنَادِي: أَلا مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3434 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْله: «شجنة مِن الرَّحْمَن» ، وَهِي بِضَم الشين وَكسرهَا، وَمِنْه قَوْلهم: شجر متشجن: إِذا التف بعضه بِبَعْض، ويقَالَ: الحَدِيث ذُو شجون: يُرَاد تمسك بعضه بِبَعْض، فَقَوله: «شجنة» ، أَي: قرَابَة مشتبكة كاشتباك الْعُرُوق.
3435 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، نَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،(13/23)
عَنْ جَدِّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الرَّحِمُ شُجْنَةٌ كَمَا يَنْبُتُ الْعُودُ فِي الْعُودِ، فَمَنْ وصَلَهَا، وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ، وَتُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ذَلْقٍ: اللَّهُمَّ فُلانٌ وَصَلَنِي، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَتَقُولُ: إِنَّ فُلانًا قَطَعَنِي، فَأَدْخِلْهُ النَّارَ ".
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ".
3436 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ(13/24)
أَبِي أُوَيْسٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ، وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلا تَزَالُ تَرَى مَعَكَ ظَهِيرًا مِنَ اللَّهِ مَا زِلْتَ عَلَى ذَلِكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْعَلاءِ.
قَوْله: «تسفهم المل» .
أَي تسفي فِي وُجُوههم المل مِن السفوف، قَالَ الْأَزْهَرِي: أصل الْملَّة: التربة المحماة تدفن فِيهَا الخبزة.
وَقَالَ القتبي: المل الْجَمْر، ويقَالَ للرماد الْحَار أَيْضا: المل، فالملة مَوضِع الخبزة، يَقُولُ: إِذا لم يشكروك، فَإِن عطاءك إيَّاهُم حرَام عَلَيْهِم، ونار فِي بطونهم
3437 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفًّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،(13/25)
عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
3438 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»
وَسُئِلَ الْحَسَن: مَا بر الْوَالِدين؟ قَالَ: أَن تبذل لَهما مَا ملكت، وتطيعهما فِيمَا أمراك مَا لم يكن مَعْصِيّة، قِيلَ: فَمَا العقوق؟ قَالَ: أَن تهجرهما وتحرمهما، ثُمَّ قَالَ: أما علمت أَن نظرك فِي وُجُوه والديك(13/26)
عبَادَة، فَكيف بِالْبرِّ بهما.
وَقَالَ عُرْوَة بْن الزبير: مَا بر وَالِده مِن سد الطّرق إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لرجل وَهُوَ يعظه فِي بر أَبِيهِ: «لَا تمش أَمَام أَبِيك، وَلَا تجْلِس قبله، وَلَا تَدعه باسمه» .
وَقَالَ ابْن محيريز: مِن مَشى بَين يَدي أَبِيهِ، فقد عقه إِلَّا أَن يميط لَهُ الْأَذَى عَن الطَّرِيق، وَإِن كناه، أَو سَمَّاهُ باسمه، فقد عقه إِلَّا أَن يَقُولُ: يَا أبه.
وَقَالَ طَاوس: مِن السّنة أَن يوقر أَرْبَعَة: الْعَالم، وَذُو الشيبة، وَالسُّلْطَان، وَالْوَالِد، وَمن الْجفَاء أَن يَدْعُو الرجل وَالِده باسمه.
3439 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا أَبُو إِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي حَلْقَةٍ، فَقَالَ: «إِنَّا لَا نُحِلُّ لِرَجُلٍ أَمْسَى قَاطِعَ رَحِمٍ إِلا قَامَ عَنَّا» ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ إِلا فَتًى كَانَ فِي أَقْصَى الْحَلْقَةِ، فَأَتَى خَالَتَهُ، فَقَالَتْ: مَا جَاءَ بِكَ؟ مَا هذَا عَنْ أَمْرِكَ، فَأَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْحَلْقَةِ غَيْرَكَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لِخَالَتِهِ، وَمَا قَالَتْ لَهُ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، أَمَا إِنَّهُ لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ(13/27)
فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ "
أَبُو إدام ضَعِيف، قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل: سُلَيْمَان بْن زيد أَبُو إدام الْمحَاربي، كُوفِي، نَا عُبَيْد اللَّه، أَنَا سُلَيْمَان، عَن ابْن أَبِي أوفى.
3440 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الذُّهْلِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَمْرٍو النَّحْوِيُّ الرَّازِيُّ، بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنْظَلِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ زَيْدٍ الْمَحَارِبِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ»
3441 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا، غَيْرَ(13/28)
سِرٍّ، يَقُولُ: " إِنَّ آلَ أَبِي، قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ".
زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبِلالِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،(13/29)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: «إِنَّ آلَ أَبِي، يَعْنِي فُلانًا، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاء» ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ عَنْبَسَةَ.
قَوْله: «أبلها بِبلَالِهَا» ، أَي أَصْلهَا، يقَالَ: بل الرَّحِم، إِذا وَصلهَا، وَفِي الحَدِيث: «بلوا أَرْحَامكُم» ، أَي صلوها وندوها، وهم يَقُولُونَ للقطيعة: يبس.
بَاب لَيْسَ الْوَاصِل بالمكافئ
3442 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: نَا فِطْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ «إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» .(13/30)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فِطْرٍ، وَقَالَ: «إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ»
3443 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَبَدَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، أَوْ بَدَرَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: «يَا عُقْبَةُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الآخِرَةِ؟ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، أَلا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَيُبْسَطَ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَصِلْ ذَا رَحِمِهِ»(13/31)
بَاب بر أم الرَّضَاع
3444 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَمِّهِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ وَأَنَا غُلامٌ شَابٌّ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَقَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ "
وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا، فَلا تَظْلِمُوا "(13/32)
3445 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيِّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، جَمِيعًا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ، فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ» .
قَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي روّاد: إِذا كَانَ الرجل بارًّا بأَبُويه فِي حياتهما، ثُمَّ لم يَفِ بعد مَوْتهمَا بنذورهما، وَلم يقضِ ديونهما، كُتب عِنْد اللَّهِ عاقًا، وَإِذا كَانَ لم يَبرهُمَا فِي حياتهما، ثُمَّ أوفى بنذورهما، وَقضى ديونهما، كتب عِنْد اللَّه بارًّا.(13/33)
بَاب رَحْمَة الْوَلَد وَتَقْبِيله
3446 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النّاقِدِ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
3447 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ،(13/34)
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
3448 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، قَالا: أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَزْمُويَه، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ، فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ، وَإِنَّهُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»(13/35)
قَوْله: «مِن ريحَان الله» ، قِيلَ: مِن رزق اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرَّحْمَن: 12] .
أَرَادَ الرزق، وَهُوَ الْحبّ.
قَوْله: «مَبْخَلَة مَجْبَنَة» ، أَرَادَ أَن الرجل إِذا كثر وَلَده، بخل بِمَالِه إبْقَاء عَلَيْهِم، وَجبن عَن الحروب اسْتِبْقَاء لنَفسِهِ.
وَفِي الحَدِيث عَن أَبِي سَلمَة، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدلع لِسَانه للحسين بْن عَلِيّ» ، فَإِذا رَأَى الصَّبِي حمرَة لِسَانه، بهش إِلَيْهِ، وتناوله.
بهش إِلَيْهِ: يقَالَ للْإنْسَان إِذا نظر إِلَى الشَّيْء، فأعجبه فأسرع إِلَيْهِ وتناوله: بهش إِلَيْهِ.
وَقَالَ نَافِع: كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر يلقى ابْنه سالما فيقبله، وَيَقُول: «شيخ يقبل شَيخا» .(13/36)
وَقَالَ ابْن عُمَر: «إِنَّمَا سماهم اللَّه أبرارا، لأَنهم بروا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، كَمَا أَن لوالدك عَلَيْك حَقًا، كَذَلِك لولدك عَلَيْك حق» .
بَاب رَحْمَة الْخلق
3449 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ، نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الأَشَجِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ.
3450 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ(13/37)
الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابْجِرْدِيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ، يَقُولُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلا مِنْ شَقِيٍّ، وَمَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أَبُو عُثْمَانَ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ يُقَالُ: هُوَ وَالِدُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
3451 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَخْتَوَيْهِ، الْمَعْرُوفُ بِالصَّغِيرِ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الشِّيرْنَخْشِيرِيُّ، أَنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيَّاتُ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلامُ بْنُ سُلَيْمٍ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا الْقَاضِي جَنَاحُ بْنُ نَذِيرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، أَنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،(13/38)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ»
بَاب رَحْمَة الصَّغِير وإجلال الْكَبِير
3452 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،(13/39)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
3453 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْبَادِي، نَا أَبُو بَكْرٍ مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّقَاشِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْمُعَلِّمُ، نَا أَبُو الرِّجَالِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَكْرَمَ شَابُّ شَيْخًا مِنْ أَجْلِ سِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ عِنْدِ سِنِّهِ مَنْ يُكْرِمُهُ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «لِسِنّهِ» ، وَلَمْ يَقُلْ: «مِنْ أَجْلِ سِنِّهِ»(13/40)
قَوْله: «إِلَّا قيَّض الله لَهُ» ، أَي: سَبَب وقدَّر، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت: 25] ، أَي: سَبَّبْنَا.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غريبٌ لَا يعرف إِلَّا مِن حَدِيث يزِيد بْن بَيَان.
وَقَالَ طَاوس: مِن السّنة أَن يوقر أَرْبَعَة: الْعَالم، وَذُو الشيبة، وَالسُّلْطَان، وَالْوَالِد.
قلت: إِذا اجْتمع قوم، فالأمير أولاهم بالتقديم، ثُمَّ الْعَالم، ثُمَّ أكبرهم سنا، وَلَا يَنْبَغِي للْعَالم أَن يتَقَدَّم أَبَاهُ وأخاه الْأَكْبَر لما عَلَيْهِ مِن حق الْوَالِد وَالْأَخ الْأَكْبَر.
قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: يَنْبَغِي للمرء أَن يوقر عمّه، وَإِن كَانَ أَصْغَر مِنْهُ، ولبنت الْأُخْت أَن توقر خَالَتهَا، وَإِن كَانَت أَصْغَر مِنْهَا، لِأَن الْعم أَب، وَالْخَالَة أم.
وَإِذا كَانَت للرجل نسْوَة، فَأَرَادَ أَن يقسم بَينهُنَّ شَيْئا، أَو يسلم عَلَيْهِنَّ، أَو يَأْتِي إلَيْهِنَّ مَعْرُوفا، بَدَأَ بأكبرهن سنا، ثُمَّ الّتي تَلِيهَا فِي السن حَتَّى تكون الصُّغْرَى آخِرهنَّ.
قَالَتْ عَائِشَة: «كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا صلى الظّهْر، دخل عَلَى نِسَائِهِ وَاحِدَة وَاحِدَة، وَكَانَ أولهنَّ يبْدَأ بهَا أم سَلمَة، لِأَنَّهَا أكبرهن حَتَّى تكون عَائِشَة آخِرهنَّ، وَإِذا قسم بَين جمَاعَة مِن الصغار شَيْئا، بَدَأَ بأصغرهم سنا، ثُمَّ الثَّانِي حَتَّى يكون أكبرهم آخِرهم» ، وَذَلِكَ لضعف الصَّغِير، وَقلة صبره، وَسُرْعَة بكائه، وَالْكَبِير يوقر لفضل سنه، وَالصَّغِير يرحم لصغره وَضَعفه.(13/41)
وَجَاء فِي الحَدِيث عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن مِن إجلال اللَّه تَعَالَى إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم، وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ، وَلَا الجافي عَنْهُ، وإكرام ذِي السّلطان المقسط» .
قَالَ الشَّعْبِيّ: أمسك ابْن عَبَّاس بركاب زيد بْن ثَابت، وَقَالَ: هَكَذَا يفعل بالعلماء.
بَاب ثَوَاب كافل الْيَتِيم
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْأَنْعَام: 152] .
وَقَالَ عز وَجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [الْبَقَرَة: 220] .
وَقَالَ جلّ ذكره: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 2] ، أَي: يَدْفَعهُ بعنف، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطّور: 13] .(13/42)
3454 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا» ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُما شَيْئًا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
3455 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عتَّابٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بأُصْبُعَيْهِ: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا «، وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ»(13/43)
3456 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ، لَمْ يَمْسَحْهُ إِلا لِلَّهِ، كَانَ لَهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ تَمَسُّ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» ، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ "
3457 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آوَى يَتِيمًا إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ، وَمَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ أَوْ مِثْلَهُنَّ مِنَ الأَخَوَاتِ، فَأَدَّبَهُنَّ وَرَحِمَهُنَّ حَتَّى يُغْنِيَهُنَّ اللَّهُ، أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: أَوِ اثْنَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قَالُوا:(13/44)
وَوَاحِدَةً، لَقَالَ: وَاحِدَةً، وَمَنْ أَذْهَبَ اللَّهُ بِكَرِيمَتَيْهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا كَرِيمَتَاهُ؟ قَال: عَيْنَاهُ ".
وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحبِيُّ، لَقَبُهُ: حَنَشٌ، ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ.
وَلَهُ نُسْخَةٌ يَرْوِيهَا عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَكْثَرُهَا مَقْلُوبَةٌ.
بَاب السَّاعِي عَلَى الأرملة
3458 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَنا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ، يَشُكُّ الْقَعْنَبِيُّ: «كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ.(13/45)
بَاب تعاون الْمُؤمنِينَ وتراحمهم
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [الْمَائِدَة: 2] .
3459 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، وَالصَّغَانِيُّ، وَعَمَّارٌ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا
3460 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا زَيْدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّرِيفُ،(13/46)
بِالْكُوفَةِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، نَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ، تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ.
3461 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُ، وَطَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَأَبُو بُرْدَةَ الأَوَّلُ: هُوَ بُرَيْدُ بْنُ(13/47)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَوَّلَهُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَآخِرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، كُلٌّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى
بَاب ثَوَاب المتحابين فِي الله
قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، قَالَ: وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ".
وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَة: «آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ» .
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف: «لما قدمنَا الْمَدِينَة، آخى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وَبَين سعد بْن الرّبيع» .
وَقَالَ أنس: «آخى بَين أبي عُبَيدة وَأَبِي طَلْحَة» .
3462 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعْدِ بْنِ يَسَارٍ،(13/48)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلِّي ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَة بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ.
3463 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لأُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَقَالَ: اللَّهَ؟ فَقُلْتُ: اللَّهَ، فَقَالَ: اللَّهَ، فَقُلْتُ: اللَّهَ، وَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي، فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ(13/49)
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ "
3464 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [الْمَائِدَة: 101] ، قَالَ: فَنَحْنُ نَسْأَلُهُ إِذْ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهِمْ وَمَقْعَدِهِمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَفِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ أَعْرَابِيٌّ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَمَى بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْهُمْ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: فَرَأَيْتُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِشْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى، وَقَبَائِلَ شَتَّى مِنْ شُعُوبِ الْقَبَائِلِ، لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلا دُنْيَا يَتَبَاذَلُونَ(13/50)
بِهَا، يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ، يَجْعَلُ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ نُورًا، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ قُدَّامَ الرَّحْمَنِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلا يَخَافُونَ " وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بهْرَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3465 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّ رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا عَلَى مَدْرَجَتِهِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: فَهَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا إِلا أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ: إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَ لَهُ ".(13/51)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
3465 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْمُقْرِي، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ إِنَّهُ يُحِبُّكَ بِحُبِّكَ إِيَّاهُ»
3466 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْبُوشَنْجِيُّ، وَمُوسَى بْنُ الْمُهْتَدِي الْمَرُّوذِيُّ، قَالا: نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَحَابَّ رَجُلانِ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلا كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ» .
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3467 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ.
ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ،(13/52)
وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الإِيمَانِ، فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ» .
وَيَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ كُنْيَتُهُ أَبُو بَلْجٍ.
3468 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، نَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، نَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي ذَرٍّ: " يَا أَبَا ذَرٍّ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: الْمُوَالاةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ "(13/53)
3469 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، نَا سُوَيْدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَإِنَّ أَفْضَلَكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ مِنَ الإِيمَانِ حُسْنَ الْخُلُقِ»(13/54)
بَاب الْحبّ فِي اللَّه عز وَجل
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مَرْيَم: 96] ، قَالَ ابْن عَبَّاس: أَي: محبَّة فِي قُلُوب الصَّالِحين.
3470 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: قَدْ أَحْبَبْتُ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ الْعَبْدَ "، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْسَبُهُ إِلا قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةِ الدَّاوُدِيِّ: «ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ» .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ،(13/55)
أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّد الصفَّار، نَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّماديّ، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «وَإِذَا أَبْغَضَ بِمِثْلِ ذلِكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَذَكَرَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْحُبِّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُبِّ، وَقَالَ: " وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا، فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ "
وَكتب أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى مسلمة بْن مخلد: سَلام عَلَيْك أما بعد، فَإِن العَبْد إِذا عمل بِطَاعَة الله، أحبه الله، فَإِذا أحبه الله، حببه إِلَى عباده، وَإِن العَبْد إِذا عمل بِمَعْصِيَة الله أبغضه الله، فَإِذا أبغضه، بغضه إِلَى عباده.
3471 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمِ بْنِ حَسَّانٍ الْبَزَّازُ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،(13/56)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: «الْأَرْوَاح جنود مجندة تلاقى، فتشام كَمَا تشام الْخَيل، فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف، وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف» .
وَفِي الحَدِيث بَيَان أَن الْأَرْوَاح خلقت قبل الأجساد، وَأَنَّهَا مخلوقة على الائتلاف وَالِاخْتِلَاف، كالجنود المجندة إِذا تقابلت وتواجهت، وَذَلِكَ على مَا جعلهَا الله عَلَيْهِ من السَّعَادَة والشقاوة، ثمَّ الأجساد الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح تلتقي فِي الدُّنْيَا، فتأتلف وتختلف على حسب مَا جعلت عَلَيْهِ من التشاكل والتناكر فِي بَدْء الْخلق، فترى الْبر الْخَيْر يحلب مثله، والفاجر يألف شكله، وينفر كل عَن ضِدّه.
وَفِيه دَلِيل على أَن الْأَرْوَاح لَيست بأعراض، أَنَّهَا قد كَانَت مَوْجُودَة قبل الأجساد، وَأَنَّهَا تبقى بعد فنَاء الأجساد، كَمَا أخبر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الشُّهَدَاء: «أَن أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر، تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت» .(13/57)
بَاب زِيَارَة الإخوان
3472 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: " إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلا ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَأَبُو سِنَانٍ اسْمُهُ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ الشَّامِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَاهِلِيُّ بَصْرِيٌّ تَكَلَّمُوا فِيهِ.
3473 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّامِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ،(13/58)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ، أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مَنْزِلا فِي الْجَنَّةِ "
قلت: زِيَارَة الإخوان مُسْتَحبَّة، وَينظر الزائر فِي ذَلِكَ، فَإِن رَأَى أَخَاهُ يحب زيارته، ويأنس بِهِ، أَكثر زيارته، وَالْجُلُوس عِنْده، وَإِن رَآهُ مشتغلا بِعَمَل، أَو رَآهُ يحب الْخلْوَة، يقل زيارته حَتَّى لَا يشْغلهُ عَن عمله، وَكَذَلِكَ عَائِد الْمَرِيض، لَا يُطِيل الْجُلُوس عِنْده إِلَّا أَن يكون الْمَرِيض يسْتَأْنس بِهِ.
قَالَ الشَّعْبِيّ: عِيَادَة نوكى الْقُرَّاء أَشد عَلَى الْمَرِيض مِن مَرضه يجيئون فِي غير حِينه، ويطيلون الْجُلُوس.
وَاحْتج مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل فِي المداومة عَلَى الزِّيَارَة بِحَدِيث عَائِشَة، قَالَتْ: «لم أَعقل أَبَوي، وهما يدينان الدّين، وَلم يمر عَلَيْهِمَا يَوْم إِلَّا يأتينا فِيهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفِي النَّهَار بكرَة وَعَشِيَّة» .
وَقَالَ جرير بْن حَازِم: كُنَّا عِنْد الْحَسَن، فَقَالَ ابْنه: خففوا عَن الشَّيْخ، فَإِنَّهُ لم يطعم وَقد انتصف النَّهَار، فانتهره الْحَسَن، وَقَالَ: مَه فوَاللَّه إِن كَانَ الرجل مِن الْمُسلمين ليزور أَخَاهُ، فيتحدثان ويذكران ربهما حَتَّى تَمنعهُ القائلة.
بَاب يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ
3474 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ(13/59)
مُنِيبٍ، نَا هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحفيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبجلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَك، أَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَرٍ، نَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: «مِنَ الْخَيْرِ»
بَاب
الْمَرْء مَعَ مَن أحب
3475 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ،(13/60)
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرُّجُلُ يُحِبُّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى.
3476 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ " يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ كَثِيرًا إِلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ".
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْكُوفَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،(13/61)
عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ.
3477 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ فَقَالَ: أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ لَهُ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ".
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ مِمَّا فَرِحُوا يَوْمَئِذٍ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، كُلٌّ عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ الْخطابِيّ: كَانَ سُؤال الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن وَقت قيام السَّاعَة عَلَى وَجْهَيْن، أَحدهمَا: عَلَى معنى التعنت والتكذيب بهَا، وَالْآخر: عَلَى سَبِيل التَّصْدِيق بهَا والشفق مِنْهَا، فَلَمَّا امتحن الْأَعرَابِي، فَوَجَدَهُ يسْأَل تَصْدِيقًا، قَالَ لَهُ: «أَنْت مَعَ مَن أَحْبَبْت» ، فألحقه بِحسن النِّيَّة مِن غير زِيَادَة عمل بأصحاب الْأَعْمَال الصَّالِحَة.
3478 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ(13/62)
زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ.
3479 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاةِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ؟ قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرَ صَلاةٍ وَلا صَوْمٍ، وَلَكِنْ أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ(13/63)
مَنْ أَحَبَّ، وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحَهُمْ بِهَا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَنَسٍ.
3480 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " ثَلاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا لَبَرَرْتُ: لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الإِسْلامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَلا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، فَوَلاهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلا جَاءَ مَعَهُمْ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا لَبَرَرْتُ: لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ ".
وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خَالِطُوا النَّاسَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَجْسَادِكُمْ، وَزَايلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّ لامْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ، وَهُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»(13/64)
بَاب الْقَصْد فِي الْحبّ والبغض
3481 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " يَا أَسْلَمُ لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلا بُغْضُكَ تَلَفًا.
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا أَحْبَبْتَ فَلا تَكْلَفْ كَمَا يُكَلف الصَّبِيُّ بِالشَّيْءِ يُحِبُّهُ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَلا تُبْغِضْ بُغْضًا تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُكَ وَيَهْلِكَ ".
وَقَالَ الْحَسَن: أَحِبُّوا هَوْنًا، وَأَبْغِضُوا هَوْنًا، فَقَدْ أَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي حُبِّ أَقْوَامٍ، فَهَلَكُوا، وَأَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي بُغْضِ أَقْوَامٍ فَهَلَكُوا.
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ(13/65)
يَوْمًا مَا.
وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
بَاب إِعْلَام مِن يُحِبهُ
3482 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نَاسٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ عِنْدَهُ: إِنِّي لأُحِبُّ هَذَا لِلَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: قُمْ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ،(13/66)
فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ» .
وَرُوِيَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
وَمعنى الْإِعْلَام: هُوَ الْحَث عَلَى التودد والتآلف، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذا أخبرهُ، استمال بذلك قلبه، واجتلب بِهِ وده.
وَفِيه أَنَّهُ إِذا علم أَنَّهُ محب لَهُ، قبل نصحه فِيمَا دله عَلَيْهِ مِن رشده، وَلم يرد قَوْله فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِن صَلَاح خَفِي عَلَيْهِ بَاطِنه.
قَالَ ابْن عُمَر: لَيْسَ الْمعرفَة أَن تعرف الرجل بِوَجْهِهِ حَتَّى تعرف اسْمه وَاسم أَبِيهِ، وَإِذا مَاتَ شهِدت جنَازَته.(13/67)
بَاب الجليس الصَّالح وَالْأَمر بِصُحْبَة الصَّالِحين
3483 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ.
قَوْله: «يحذيك» أَي: يعطيك، يقَالَ: أحذى يحذي إحذاء، والحذيا والحذية: الْعَطِيَّة.
3484 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(13/68)
الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ غَيْلانَ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ سَالِمٌ: أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي طَعَام الدعْوَة دون طَعَام الْحَاجة، وَذَلِكَ أَن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الْإِنْسَان: 8] ، وَمَعْلُوم أَن أسراءهم كفار غير مُؤمنين، وَإِنَّمَا حذر مِن صُحْبَة مِن لَيْسَ بتقي، وزجر عَن مخالطته، ومؤاكلته، لِأَن المطاعمة توقع الألفة والمودة فِي الْقُلُوب.
3485 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْخُزَاعِيِّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَمَثَلُ الإِيمَانِ، كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي آخِيَّتِهِ يَجُولُ، ثُمَّ(13/69)
يَرْجِعُ إِلَى آخِيَّتِهِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْهُو، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الإِيمَانِ، فَأَطْعِمُوا طَعَامَكُمُ الأَتْقِيَاءَ، وَأَوْلُوا مَعْرُوفَكُمُ الْمُؤْمِنِينَ»
الآخية: عُوَيْد يعرض فِي الْحَائِط تشد إِلَيْهِ الدَّابَّة، والجميع: الأواخي والأخايا، وَهِي مِن الْفِعْل فاعولة.
قَالَ الْأَزْهَرِي: تَقُولُ الْعَرَب للحبل الَّذِي يدْفن مثنيا، ويبرز طرفاه، وَيجْعَل شبه حَلقَة، وتشد إِلَيْهِ الدَّابَّة آخية.
3486 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِشْكَابٍ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّمْلِيُّ، أَنا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُرَاسَانِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أُبْصِرَ النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ.(13/70)
بَاب حق الْجَار
3487 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ.
3488 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»
دَاوُد بْن فَرَاهِيجَ: مولى قيس بْن الْحَارِث بْن فهر.(13/71)
3489 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أًنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
قَوْله: «بوائقه» ، يُرِيد غوائله وشره، يقَالَ: أَصَابَتْهُم بائقة، أَي: داهية.
وَرُوِيَ عَن عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» .(13/72)
3490 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَوْ إِذَا أَسَأْتُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ أَسَأْتَ، فَقَدْ أَسَأْتَ ".
وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَمِدَ الرَّجُلَ جَارُهُ، وَذُو قَرَابَتِهِ، وَرَفِيقُهُ، فَلا تَشُكُّوا فِي صَلاحِهِ.
بَاب الرِّفْق
قَالَتْ عَائِشَة: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» .(13/73)
3491 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي عَائِشَةُ، قَالَتْ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، نَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْمُطَّوِّعِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» .
عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَةَ الْمُلَيْكِيُّ، يُضَعَّفُ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَمِّهِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالْقَاسِمِ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(13/74)
3492 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا عَائِشَةَ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3493 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمِقْدَامِ، وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(13/75)
بَاب حُسْنِ الْخُلُقِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [الْقَلَم: 4] ، قَالَتْ عَائِشَة: «كَانَ خلقه الْقُرْآن» .
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الْأَعْرَاف: 199] ، أَي: خُذ الميسور مِن أَخْلَاق النّاس، وَلَا تستقص عَلَيْهِم.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبير فِي قَوْله عز وَجل: {خُذِ الْعَفْوَ} [الْأَعْرَاف: 199] ، وَقَالَ: أَمر نَبِي اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَأْخُذ الْعَفو مِن أَخْلَاق النّاس.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] ، قَالَ: الصَّبْر عِنْد الْغَضَب، وَالْعَفو عِنْد الْإِسَاءَة، فَإِذا فعلوا، عصمهم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وخضع لَهُم عدوهم كَأَنَّهُ ولي حميم.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] ، وَقيل فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الْأَعْرَاف: 145] ، هُوَ أَن الِانْتِصَار، وَإِن كَانَ جَائِزا عَن الظَّالِم، فالعفو أحسن.
3494 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ(13/76)
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ، فَقَالَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ".
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الداوُديّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْخضرِ السّوسَنجِرْديُّ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ.
قَوْله: «مَا حاك فِي نَفسك» ، أَي: أَخذ قَلْبك، يقَالَ: الحائك الراسخ فِي قَلْبك الَّذِي يهمك.
ويروى «الْإِثْم مَا حاك فِي نَفسك» ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: يقَالَ: حك فِي نَفسِي الشَّيْء: إِذا لم تكن منشرح الصَّدْر بِهِ، وَكَانَ فِي قَلْبك مِنْهُ شَيْء.
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه «الْإِثْم حواز الْقُلُوب» ، يَعْنِي: مَا حز فِي صدرك وحاك، وَلم يطمئن عَلَيْهِ الْقلب، فاجتنبه،(13/77)
فَإِنَّهُ الْإِثْم.
وَقَالَ ابْن عُمَر: لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة التَّقْوَى حَتَّى يدع مَا حاك فِي الصَّدْر.
3495 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ.
ح، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3496 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، تُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَثْقَلَ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُلُقٌ حَسَنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ(13/78)
يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
والبذي: الْفَاحِش السَّيئ القَوْل.
قَالَ الشَّعْبِيّ: إِذا عظمت الْحلقَة، فَإِنَّمَا هِيَ بذاء ونجاء، الْبذاء: المباذأة، وَهِي الْفَاحِشَة، والنجاء: الْمُنَاجَاة.
3497 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الأَوْدِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: " أَتَدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ الأَجْوَفَانِ: الْفَرْجُ وَالْفَمُ.
أَتَدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ".(13/79)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ أَبُو يَزِيدَ، عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ.
وَرَوَى أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
3498 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ جَنَاحِ بْنِ جَبْرَئِيلَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مَحْمُودُ بْنُ مَحْمُودٍ، نَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ.
ح، وَحَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، أَنا الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَامِرِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفِرْيَانَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي , وَعَمِّي يَذْكُرَانِ، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ.
قِيلَ: فَمَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ قَالَ: الأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ "
3499 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، نَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ(13/80)
بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ السَّاهِرِ بِاللَّيْلِ، الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ»
3500 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَنا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، قَالا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ»
3501 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ،(13/81)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ الصَّائِمِ»
3502 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ، وَهُوَ بَاطِلٌ، بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَهُوَ مُحِقٌّ، بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ، بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاهَا» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ.
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
3503 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،(13/82)
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَمَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
وسفساف الْأُمُور: مداقها وملايمها، شبهت بِمَا دق مِن سفساف التُّرَاب، وَهُوَ مَا تهبى مِنْهُ، وسفساف الدَّقِيق: مَا ارْتَفع مِن غباره عِنْد النّخل، وسفساف الشّعْر: رديئه.
بَاب طلاقة الْوَجْه
3504 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي سَلامٌ هُوَ ابْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ شَهِدَ عَامَّةَ الْمَشَاهِدِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ، قَالَ: قُلْنَا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَنُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنَا عَمَلا لَعَلَ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ، قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ(13/83)
مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ، وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ الْخُيَلاءِ، وَلا يُحِبُّ اللَّهُ الْخُيَلاءَ، وَإِنْ سَبَّكَ رَجُلٌ بِمَا يَعْلَمُ مِنْكَ، فَلا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ مِنْهُ، فَيَكُونُ لَكَ أَجْرُ ذَلِكَ، وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ»
مَاتَ سَلام بْن مِسْكين وَحَمَّاد بْن سَلمَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وكنية سَلام أَبُو رَافع.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلْوَ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»
بَاب حَسَن الْمُعَامَلَة مَعَ النَّاس
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشُّعَرَاء: 215] ، أَي: ليكن جناحك لَهُم لينًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الْإِسْرَاء: 24] الْآيَة، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} [(13/84)
الْأَعْرَاف: 199] ، قَالَ مُجَاهِد: مِن أَخْلَاق النّاس وأعمالهم بِغَيْر تجسس.
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صفة أهل الْإِيمَان: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الْمَائِدَة: 54] ، أَي: جانبهم لين مَعَ الْمُؤمنِينَ، وَلم يرد بِهِ الهوان، وَقَوله عز وَجل: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الْمَائِدَة: 54] ، أَي: جانبهم غليظ عَلَيْهِم.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل: 159] ، أَي: تفَرقُوا مِن حولك، والفظ: الغليظ السَّيئ الْخلق، وأصل الْفظ: مَاء الكرش يعتصر، فيشرب عِنْد عوز المَاء، سمي فظا لغلظ مشربه.
3505 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَزاِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ الْمِصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْخَضِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّيُوطِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ، وَبِمَنْ تُحَرَّمُ النَّارُ عَلَيْهِ: عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ ".(13/85)
هَذَا حَدِيث حسنٌ غريبٌ
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ، مُرْسَلا، قَالَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ، إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ» قَوْله: «هَينُونَ لَينُونَ» ، الأَصْل فِيهَا التثقيل، فَخفف.
الْأنف: الَّذِي قد عقره الخطام أَو الْبرة، فَلَا يمْتَنع على قائده فِي شَيْء للوجع الَّذِي بِهِ، وَقيل: الْجمل الْأنف: الذلول.
3506 - أَخْبَرَنَا
أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، أَنا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، بِمَكَّةَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ(13/86)
كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِيمٌ» .
هَذَا حَدِيث غريبٌ
والغر: هُوَ الَّذِي ينخدع لانقياده وَلينه، وضده الخب، يَقُول: إِن الْمُؤمن الْمَحْمُود من كَانَ طبعه وشيمته الغباوة، وَقلة الفطنة للشر، وَترك الْبَحْث عَنهُ، وَلَا يكون ذَلِك مِنْهُ جهلا، وَلكنه كرم وَحسن خلق.
والفاجر: من كَانَت عَادَته الدهاء، والبحث عَن الشَّرّ، وَلَا يكون ذَلِك عقلا، وَلكنه خبث ولؤم.
وقَالَ صعصعة بْن صوحان لِابْنِ أَخِيه: خَالص الْمُؤمن، وخالق الْفَاجِر، فَإِن الْفَاجِر يرضى مِنْك بالخلق الْحسن، وَأما الْمُؤمن فَحق عَلَيْك أَن تخالطه.
بَاب الحذر
3507 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ،(13/87)
عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» .
هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، أخرجه مُسلم، أَيْضا عَن قُتَيْبَة
وَمعنى الحَدِيث: أَن الْمُؤمن الممدوح هُوَ الْكيس الحازم الَّذِي لَا يُؤْتى من نَاحيَة الْغَفْلَة مرّة بعد أُخْرَى، وَهُوَ لَا يشْعر، وَقيل: أَرَادَ بِهِ الخداع فِي أَمر الْآخِرَة دون أَمر الدُّنْيَا، وَهُوَ بِالرَّفْع على معنى الْخَبَر.
ويروى بِكَسْر الْغَيْن على معنى النَّهْي: لَا يخدعن الْمُؤمن، وَليكن متيقظا حذرا حَتَّى لَا يَقع فِي مَكْرُوه، وَهُوَ لَا يشْعر.
وقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تأمن عَدوك، وَاحْذَرْ صديقك إِلَّا الْأمين، والأمين إِلَّا مِن خشِي اللَّه عز وَجل.
بَاب لَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الثَّالِث
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المجادلة: 9] .
3508 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،(13/88)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ ثَلاثَةٌ، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» .
هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن عَبْد اللَّه بْن يُوسُفَ، وَأخرجه مُسْلِم، عَن يَحْيَى بْن يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَن مَالك
3509 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يُنَاجِيَهُ، وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غيَرْيِ وغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ، فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلا حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً، فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَا: اسْتَرْخِيَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ(13/89)
وَاحِدٍ»
3510 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةًَ، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِلا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ ذلِكَ يُحْزِنُهُ» .
هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، واتفقا عَلَى إِخْرَاجه، عَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الآخر حَتَّى يختلطوا بِالنَّاسِ مِن أجل أَن يحزنهُ»
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: إِنَّمَا يحزنهُ ذَلِكَ لأحد مَعْنيين، أَحدهمَا: أَنَّهُ رُبمَا يتَوَهَّم أَن نجواهما لتبييت رَأْي فِيهِ، أَو دسيس غائلة لَهُ.
وَالْآخر: أَن ذَلِكَ مِن أجل الِاخْتِصَاص بالكرامة، وَهُوَ يحزن صَاحبه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد بْن حَرْب: هَذَا فِي السّفر، وَفِي الْموضع الَّذِي لَا يَأْمَن الرجل فِيهِ صَاحبه عَلَى نَفسه، فَأَما فِي الْحَضَر، وَبَين ظهراني الْعِمَارَة، فَلَا بَأْس بِهِ، وَالله أعلم.(13/90)
قلت: وَقد صَحَّ عَن عَائِشَة: إِنَّا كُنَّا أَزوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْده، فَأَقْبَلت فَاطِمَة، فَلَمَّا رَآهَا، رحب، ثُمَّ سَارهَا.
فَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَن المسارة فِي الْجمع، وَحَيْثُ لَا رِيبَة جَائِزَة، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.
بَاب النَّصِيحَة
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التَّوْبَة: 91] ، وَقَالَ جلّ ذكره إِخْبَارًا عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الْأَعْرَاف: 62] ، وَعَن هود: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الْأَعْرَاف: 68] ، وَعَن صَالح وَشُعَيْب: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الْأَعْرَاف: 79] .
3511 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَفَدَةُ الْعَطَّارِيُّ، أَدَامَ اللَّهُ ظِلَّهُ، نَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ، وَعَبْدُ السَّلامِ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ النصيبيني، قَالُوا: أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ،(13/91)
سَمِعَ جَرِيرًا، يَقُولُ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ»
3512 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، سَمِعَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .
هَذَا حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن أَبِي نعيم، وَأخرجه مُسْلِم، عَن أَبِي بَكْر بْن أَبِي شيبَة، وَزُهَيْر بْن حربٍ، كلّ عَن سُفْيَان
3513 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةٌ لأَخِيهِ، فَإِذَا رَأَى بِهِ شَيْئًا، فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ»(13/92)
3514 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَارِفِ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، لِلَّهِ وَلِكُتُبِهِ وَلِنَبِيِّهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» .
هَذَا حَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن مُحَمَّد بْن عباد الْمَكِّيّ، عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: النَّصِيحَة كلمة جَامِعَة يعبر بهَا عَن جملَة(13/93)
هِيَ إِرَادَة الْخَيْر، وَلَيْسَ يُمكن أَن يعبر عَن هَذَا الْمَعْنى بِكَلِمَة وَاحِدَة تحصرها، وَتجمع مَعْنَاهَا غَيرهَا، كَمَال قَالُوا فِي الْفَلاح: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة أجمع لخير الدّنيا وَالْآخِرَة مِنْهُ، وَلذَلِك قَالُوا: أَفْلح الرجل: إِذا فَازَ بِالْخَيرِ الدَّائِم الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ، وأصل النصح فِي اللُّغَة: الخلوص، يقَالَ: نصحت الْعَسَل: إِذا خلصته مِن الشمع، ويقَالَ: هُوَ مَأْخُوذ مِن: نصح الرجل ثَوْبه، أَي: خاطه، شبهوا فعل الناصح فِيمَا يتحراه مِن صَلَاح المنصوح لَهُ بِفعل الْخياط فِيمَا يسد مِن خلل الثَّوْب.
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «الدّين النَّصِيحَة» ، يُرِيد عماد أَمر الدّين إِنَّمَا هُوَ النَّصِيحَة، وَبهَا ثباته، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: «الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ» ، أَي: صِحَّتهَا وثباتها بِالنِّيَّةِ.
فَمَعْنَى نصيحة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: الْإِيمَان بِهِ، وَصِحَّة الِاعْتِقَاد فِي وحدانيته، وَترك الْإِلْحَاد فِي صِفَاته، وإخلاص النِّيَّة فِي عِبَادَته، وبذل الطَّاعَة فِيمَا أَمر بِهِ، وَنهى عَنْهُ، وموالاة مِن أطاعه، ومعاداة مِن عَصَاهُ، وَالِاعْتِرَاف بنعمه، وَالشُّكْر لَهُ عَلَيْهَا، وَحَقِيقَة هَذِه الْإِضَافَة رَاجِعَة إِلَى العَبْد فِي نصيحة نَفسه لله، وَالله غَنِي عَن نصح كل نَاصح.
أما النَّصِيحَة لكتاب اللَّه، فالإيمان بِهِ، وَبِأَنَّهُ كَلَام اللَّه ووحيه وتنزيله، لَا يقدر عَلَى مثله أحد مِن المخلوقين، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة، والتصديق بوعده ووعيده، وَالِاعْتِبَار بمواعظه، والتفكر فِي عجائبه، وَالْعَمَل بمحكمه، وَالتَّسْلِيم لمتشابهه.
وَأما النَّصِيحَة لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ التَّصْدِيق بنبوته، وَقبُول مَا جَاءَ بِهِ، ودعا إِلَيْهِ، وبذل الطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمر وَنهى، والانقياد لَهُ فِيمَا حكم(13/94)
وأمضى، وَترك التَّقْدِيم بَين يَدَيْهِ، وإعظام حَقه، وتعزيزه وتوقيره ومؤازرته ونصرته وإحياء طَرِيقَته فِي بَث الدعْوَة، وإشاعة السّنة، وَنفي التُّهْمَة فِي جَمِيع مَا قَالَه ونطق بِهِ، كَمَا قَالَ جلّ ذكره: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاء: 65] ، وَقَالَ عز اسْمه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النَّجْم: 3] .
وَأما النَّصِيحَة لأئمة الْمُسلمين، فالأئمة هُم الْوُلَاة مِن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فَمن بعدهمْ مِمَّن يَلِي أَمر هَذِه الْأمة، وَيقوم بِهِ، فَمن نصيحتهم بذل الطَّاعَة لَهُم فِي الْمَعْرُوف، وَالصَّلَاة خَلفهم، وَجِهَاد الْكفَّار مَعَهم، وَأَدَاء الصَّدقَات إِلَيْهِم، وَترك الْخُرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ إِذا ظهر مِنْهُم حيف، أَو سوء سيرة، وتنبيههم عِنْد الْغَفْلَة، وَألا يغروا بالثناء الْكَاذِب عَلَيْهِم، وَأَن يدعى بالصلاح لَهُم.
وَقد يتَأَوَّل ذَلِكَ أَيْضا فِي الْأَئِمَّة الَّذين هُم عُلَمَاء الدّين، فَمن نصيحتهم قبُول مَا رَوَوْهُ إِذا انفردوا، وتقليدهم ومتابعتهم عَلَى مَا رَوَوْهُ إِذا اجْتَمعُوا.
وَأما نصيحة الْمُسلمين، فجماعها إرشادهم إِلَى مصالحهم مِن تَعْلِيم مَا يجهلونه مِن أَمر الدّين، وَأمرهمْ بِالْمَعْرُوفِ، ونهيهم عَن الْمُنكر، والشفقة عَلَيْهِم، وتوقير كَبِيرهمْ، والترحم عَلَى صَغِيرهمْ، وتخولهم بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة، كَمَا أرشد اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النَّحْل: 125] ، قِيلَ: إِن المجادلة بِالَّتِي هِيَ أحسن: مَا كَانَ نَحْو قَوْله عز وَجل حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مَرْيَم: 42] ، وَقَوله(13/95)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [الشُّعَرَاء: 72] ، فَإِن مثل هَذِه المجادلة يُقيم الحجّة، وَلَا يُورث الوحشة، وَهُوَ معنى الدُّعَاء إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَن.
وَالله أعلم
3515 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ: أَحَبُّ مَا تَعَبَّدَنِي بِهِ عَبْدِي إِلَيَّ النُّصْحُ لِي "
قَالَ الْحَسَن: لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حَتَّى تَأمره بِمَا يعجز عَنْهُ
بَاب نصْرَة الإخوان
3516 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،(13/96)
عَنْ أَنَسٍِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصَرْتُهُ مَظًلُومًا، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَذَلِكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ "
هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، مِن رِوَايَة أنس.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الصَّالِحِيّ، أَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن الْحَسَن الْحِيرِي، أَنَا حَاجِب بْن أَحْمَد الطوسي، نَا عَبْد الرَّحِيم بْن منيب، نَا يزِيد بْن هَارُون، أَنَا حميد، بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله، وَلم يقل: «فَذَلِك نصرك إِيَّاه»
3517 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " اقْتَتَلَ غُلامَانِ: غُلامٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَغُلامٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَنَادَى الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وَنَادَى الأَنْصَاريُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، فَخَرجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ أَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا أَنَّ غُلامَيْنِ اقْتَتَلا، فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، فَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، إِنْ كَانَ ظَالِمًا، فلينهه، فَإِنَّهُ لَهُ نُصْرَةً، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا، فَلْيَنْصُرْهُ ".(13/97)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن يُونُسَ، عَن زُهَيْرٍ.
بَاب
السّتْر
3518 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلا يَشْتِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن يَحْيَى بْن بُكَيْر، عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: «لَا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيدٍ.(13/98)
3519 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمَةَ، نَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ، عَنْ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرَى الْمُؤْمِنُ مِنْ أَخِيهِ عَوْرَةً فَسَتَرَهَا عَلَيْهِ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ»
3520 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَجُلا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: سَرَقْتَ؟ فَقَالَ: كَلا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنَيَّ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.(13/99)
بَاب النَّهْي عَن هجران الإخوان
3521 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
3522 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا،(13/100)
وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن عَبْد اللَّه بْن يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن يَحْيَى بْن يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
قَوْله: «لَا تدابروا» ، مَعْنَاهُ: التهاجر والتصارم مَأْخُوذ مِن تَوْلِيَة الرجل دبره إِذا رَأَى أَخَاهُ، وإعراضه عَنْهُ.
وَقَالَ المورج: قَوْله: «لَا تدابروا» ، مَعْنَاهُ: آسوا، وَلَا تستأثروا، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا قِيلَ للمستأثر مستدبر.
لِأَنَّهُ يولي عَن أَصْحَابه، إِذا اسْتَأْثر بِشَيْء دونهم.
فَأَما النَّهْي عَن الهجران أَكثر مِن ثَلَاث، إِنَّمَا جَاءَ فِي هجران الرجل أَخَاهُ لعتب وموجدة، أَو لنبوة تكون مِنْهُ، فَرخص لَهُ فِي مُدَّة الثَّلَاث لقلتهَا، وَحرم مَا وَرَاءَهَا.
فَأَما هجران الْوَالِد الْوَلَد، وَالزَّوْج الزَّوْجَة، وَمن كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، فَلَا يضيق أَكثر مِن ثَلَاث، وَقد هجر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شهرا.
هَذَا قَول الْخطابِيّ فِي كِتَابه.
قلت: فَأَما هجران أهل الْعِصْيَان، وَأهل الريب فِي الدّين، فشرع إِلَى أَن تَزُول الرِّيبَة عَن حَالهم، وَتظهر تَوْبَتهمْ، قَالَ كَعْب بْن مَالك حِين تخلف عَن غَزْوَة تَبُوك: وَنهى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن كلامنا، وَذكر خمسين لَيْلَة.
وَجعل مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، رَحمَه اللَّه، الْخمسين حدا لتبين تَوْبَة العَاصِي.
وَقَالَ(13/101)
عَبْد اللَّه بْن عُمَر: لَا تسلموا عَلَى شربة الْخمر.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: لن تفقه كل الْفِقْه حَتَّى تمقت النّاس فِي ذَات اللَّه، ثُمَّ تقبل عَلَى نَفسك، فَتكون لَهَا أَشد مقتا مِنْك للنَّاس.
بَاب وَعِيد المتهاجرين والمتشاحنين
3523 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَوِ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ عَن أَبِي الطَّاهِرِ، عَن ابْنِ وَهْبٍ، عَن مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِم بْن أَبِي مَرْيَم،(13/102)
عَن أَبِي صَالِحٍ، وَقَالَ: «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ»
والشحناء: الْعَدَاوَة، والمشاحن: المعادي.
وَقَوله: «اركوا» ، أَي: أخروا، يقَالَ: ركاه يركوه: إِذا أَخّرهُ.
«حَتَّى يفيئا» ، أَي: حَتَّى يرجعا إِلَى الصُّلْح
3524 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو غَسَّانَ مُطَرِّفٌ، سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ فَرَاهِيجَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةَ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، وَيُغْفَرُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا "
3525 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» .(13/103)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قُلْتُ: التَّحْرِيشُ: إِيقَاعُ الْخُصُومَةِ وَالْخُشُونَةِ بَيْنَهُمْ.
بَاب النَّهْي عَن تتبع عورات الْمُسلمين
3526 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، فَيَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ "، قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ.(13/104)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْن بْنِ وَاقِدٍ.
قُلْتُ: وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَنَالُونَ نَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُخْلِصِ الْإِيمَانَ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوَرَاتِهِمْ» ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ.
3527 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ يَعِيبُهُ، بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قفى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ، حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ»
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى(13/105)
الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ» وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّكَ إِذَا اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ»
بَاب الذب عَن الْمُسلمين
3528 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو شَيْخٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرّوم: 47] "(13/106)
3529 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَاصِمٍ، وَالْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْمَعِيبَةِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ»
3530 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ، وَهُوَ يقْدِرُ عَلَى نَصْرِهِ، فَنَصَرَهُ، نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» .
وَأَخْبَرَنَا الصَّالِحِيُّ، أَنا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل الصفَّار، نَا الرَّمادي، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبَانٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.(13/107)
3532 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمِ بْنِ زَيْدٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ، مَوْلَى بَنِي مَغَالَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ، يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ»
قَالَ طَارق: كَانَ بَين خَالِد بْن الْوَلِيد وَبَين سعد بْن أَبِي وَقاص كَلَام، فَتَنَاول رَجُل خَالِدا عِنْد سعد، فَقَالَ: إِن الَّذِي بَيْننَا لم يبلغ ديننَا.(13/108)
بَاب مَا لَا يجوز مِن الظَّن وَالنَّهْي عَن التحاسد والتجسس
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] .
وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 54] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية: 17] ، وَالْبَغي: الْحَسَد، وَسمي الظُّلم بغيا، لِأَن الْحَاسِد ظَالِم، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يُونُس: 23] .
3533 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَافَسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ(13/109)
إِخْوَانًا» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّان بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَد بْن يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعمر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ» ، ذَكَرَهُ ثَلاثًا، قَالَ: «وَلَا تَنَاجَشُوا» ، بَدَلَ قَوْلِهِ: «وَلا تَجَسَّسُوا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
وَزَادَ: «وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا»
قَوْله: «إيَّاكُمْ وَالظَّن» ، أَرَادَ بِهِ سوء الظَّن، وتحقيقه دون مبادي الظنون الّتي لَا تملك.
لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] ، وَلم يَجْعَل كُله إِثْمًا.
وَحكي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، أَنَّهُ قَالَ: الظَّن ظنان: ظن إِثْم، وَظن لَيْسَ بإثم، فَأَما الَّذِي هُوَ إِثْم، فَالَّذِي يظنّ ظنا، وَيتَكَلَّم بِهِ.
وَالَّذِي لَيْسَ بإثم، فَالَّذِي يظنّ، وَلَا يتَكَلَّم بِهِ.(13/110)
قلت: فَأَما اسْتِعْمَال سوء الظَّن إِذا كَانَ عَلَى وَجه الحذر وَطلب السَّلامَة مِن شَرّ النّاس، فَلَا يَأْثَم بِهِ الرجل، فَإِن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعَمْرو بْن الفغواء الْخُزَاعِيّ: «التمس صاحبا» ، وَأَرَادَ أَن يبْعَث بِمَال إِلَى أَبِي سُفْيَان يقسمهُ فِي قُرَيْش بِمَكَّة بعد الْفَتْح، فجَاء إِلَيْهِ عَمْرو بْن أُميَّة الضمرِي، وَقَالَ: «أَنَا لَك صَاحب» ، قَالَ: فَأخْبرت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِذا هَبَطت بلاط قومه، فاحذره، فَإِنَّهُ قد قَالَ الْقَائِل: «أَخُوك الْبكْرِيّ وَلَا تأمنه» ، وَذَلِكَ مثل شهير للْعَرَب فِي الحذر.
وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «احتجزوا مِن النّاس بِسوء الظَّن، وَلَا تثقوا بِكُل أحد، فَإِنَّهُ أسلم لكم» .
وَقَالَ سلمَان: «إِنِّي لأعد هراق الْقدر عَلَى خادمي مَخَافَة الظَّن» .
قَالَ أَبُو خلدَة: «كُنَّا نؤمر بالختم عَلَى الْخَادِم والكيل وَالْعدَد، خشيَة أَن يُصِيب أَحَدنَا إِثْمًا فِي الظَّن، أَو يتعود الْخَادِم خلق سوء» .
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مَا يزَال الَّذِي يسرق يسيء الظَّن حَتَّى يكون أعظم إِثْمًا مِن السَّارِق» .
والتجسس بِالْجِيم: الْبَحْث عَن عُيُوب النّاس، والتحسس بِالْحَاء: طلب الْخَيْر، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يُوسُف: 87] ، فالتجسس فِي الشَّرّ، وَبِالْحَاءِ فِي الْخَيْر.(13/111)
قلت: نهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن تتبع أَخْبَار النّاس لِئَلَّا يَقع فِي حسده إِن كَانَ خيرا، وَلَا يظْهر عَلَى عَوْرَته إِن كَانَ شرا.
وَقيل: التحسس بِالْحَاء: أَن يَطْلُبهُ لنَفسِهِ، والتجسس بِالْجِيم: أَن يَطْلُبهُ لغيره، وَمِنْه الجاسوس.
وَقيل: التَّجَسُّس، بِالْجِيم: الْبَحْث عَن العورات، والتحسس: الِاسْتِمَاع لحَدِيث الْقَوْم، وَأَصله مِن الْحس.
لِأَنَّهُ يتتبعه بحسه، وَقيل: هما سَوَاء، وَقَرَأَ الْحَسَن «وَلَا تحسسوا» بِالْحَاء.
3535 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ مَرَّتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى،(13/112)
فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَلا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الثَّلاثَةُ، فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ "، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، قَال: فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ، وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلا خَيْرًا.
قَالَ: فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ، وَلا هَجْرٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ.
قَالَ: فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ، دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي(13/113)
لَا تُطَاقُ.
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لَا يُعْجِزُهُنَّ ابْنُ آدَمَ: الطِّيَرَةُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، وَالْحَسَدُ، فَيُنْجِيكَ مِنَ الطِّيَرَةِ أَلا تَعْمَلَ بِهَا، وَيُنْجِيكَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ أَلا تَتَكَلَّمَ، وَيُنْجِيكَ مِنَ الْحَسَدِ أَلا تَبْغِيَ أَخَاكَ سُوءًا "
3536 - نَا
الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فِي الْمُؤْمِنِ ثَلاثُ خِصَالٍ، لَيْسَ مِنْهَا خَصْلَةٌ إِلا لَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ: الطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ وَالظَّنُّ، فَمَخْرَجُهُ مِنَ الطِّيَرَةِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الظَّنِّ أَلا يُحَقِّقَ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَسَدِ أَلا يَبْغِيَ "، مُرْسَلٌ.
بَاب(13/114)
مَا يجوز مِن الِاغْتِبَاط فِي الْخَيْر
3537 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا، فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ".(13/115)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهِ مِنْ طُرُقٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود.
بَاب إصْلَاح ذَات الْبَين وَإِبَاحَة الْكَذِب فِيهِ
3538 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلاةِ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، قَال: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ".(13/116)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
أَرَادَ بِفساد ذَات الْبَين: الْعَدَاوَة والبغضاء.
وَمعنى الحالقة: أَنَّهَا تحلق الدّين، فقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ الْحَسَد والبغضاء هِيَ الحالقة، لَا أَقُول تحلق الشّعْر، وَلَكِن تحلق الدّين» .
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ»
3539 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ خَيْرًا، أَوْ نَمَى خَيْرًا» .(13/117)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن عَمْرٍو الزَّاهِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَزَادَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذب إِلا فِي ثَلاثٍ: الْحَرْبِ، وَالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا ".
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن عَمْرو النَّاقِدِ، عَن يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ، وَقَالَتْ يَعْنِي أُمَّ كُلْثُومٍ: «وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النّاسُ إِلا فِي ثَلاثٍ»
قَوْله: «نمى خيرا» ، أَي: أبلغ وَرفع، وكل شَيْء رفعته، فقد نميته، يقَالَ: نميت الحَدِيث: إِذا بلغته عَلَى وَجه الْإِصْلَاح، أنميه، فَإِذا بلغته عَلَى وَجه النميمة وإفساد ذَات الْبَين، قلت: نميته بتَشْديد الْمِيم.
3540 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَصْلُحُ(13/118)
الْكَذِبُ إِلا فِي ثَلاثٍ: الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ لِلْمَرْأَةِ لِيُرْضِيَهَا بِذَلِكَ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذِه أُمُور قد يضْطَر الْإِنْسَان فِيهَا إِلَى زِيَادَة القَوْل، ومجاوزة الصدْق، طلبا للسلامة ورفعا للضَّرَر، وَقد رخص فِي بعض الْأَحْوَال فِي الْيَسِير مِن الْفساد، لما يؤمل فِيهِ مِن الصّلاح، فالكذب فِي الْإِصْلَاح بَين اثْنَيْنِ: هُوَ أَن ينمي مِن أَحدهمَا إِلَى صَاحبه خيرا، ويبلغه جميلا، وَإِن لم يكن سَمعه مِنْهُ، يُرِيد بذلك الْإِصْلَاح، وَالْكذب فِي الْحَرْب: هُوَ أَن يظْهر مِن نَفسه قُوَّة، ويتحدث بِمَا يُقَوي أَصْحَابه، ويكيد بِهِ عدوه، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْحَرْب خدعة» ، وَأما كذب الرجل زَوجته: فَهُوَ أَن يعدها ويمنيها، وَيظْهر لَهَا مِن الْمحبَّة أَكثر مِمَّا فِي نَفسه، يستديم بذلك صحبتهَا، ويستصلح بِهِ خلقهَا، وَالله أعلم.
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة: لَو أَن رجلا اعتذر إِلَى رَجُل، فحرف الْكَلَام وَحسنه ليرضيه بذلك، لم يكن كَاذِبًا يتَأَوَّل الحَدِيث: «لَيْسَ بالكاذب(13/119)
مِن أصلح بَين النّاس» ، قَالَ: فإصلاحه مَا بَينه وَبَين صَاحبه أفضل مِن إِصْلَاحه مَا بَين النّاس.
وَرُوِيَ أَن رجلا قَالَ فِي عهد عُمَر لامْرَأَته: نشدتك بِاللَّه هَل تحبيني؟ فقَالَت: أما إِذْ نشدتني بِاللَّه، فَلَا، فَخرج حَتَّى أَتَى عُمَر، فَأرْسل إِلَيْهَا، فَقَالَ: أَنْت الّتي تَقُولِينَ لزوجك: لَا أحبك؟ فقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نشدني بِاللَّه، أفأكذب؟ قَالَ: نعم، فاكذبيه، لَيْسَ كل الْبيُوت تبنى عَلَى الْحبّ، وَلَكِن النّاس يتعاشرون بِالْإِسْلَامِ والأحساب.
بَاب التعزي بعزاء الْجَاهِلِيَّة
3541 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنَاهُ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عتي بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا، قَالَ: يَا لَفُلانٍ، وَيَا لَبَنِي فُلانٍ، فَقَالَ لَهُ: اعْضَضْ بِهَنِ أَبِيكَ، وَلَمْ يُكْنِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، مَا كُنْتَ فَحَّاشًا، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ تَعزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ(13/120)
وَلا تَكْنُوا»
قَوْله: «مِن تعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة» ، أَي: انتسب وانتمى، كَقَوْلِهِم: يَا لفُلَان، وَيَا لبني فلَان، يقَالَ: عزوت الرجل وعزيته: إِذا نسبته، وَكَذَلِكَ كل شَيْء تنسبه إِلَى شَيْء.
وَقيل لعطاء فِي حَدِيث حدّثه، إِلَى مِن تعزيه؟ أَي: إِلَى مِن تسنده.
ويروى فِي حَدِيث آخر «مِن لم يتعز بعزاء اللَّه، فَلَيْسَ منا» ، وَله وَجْهَان: أَحدهمَا أَن لَا يتعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة وَدَعوى الْقَبَائِل، وَلَكِن يَقُولُ: يَا للْمُسلمين، فَهَذَا عزاء الْإِسْلَام، وَالْوَجْه الآخر: أَن معنى التعزي فِي هَذَا الحَدِيث، التأسي والتصبر عِنْد الْمُصِيبَة، فَيَقُول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [الْبَقَرَة: 156] ، كَمَا أَمر اللَّه عز وَجل.
وَقَوله: بعزاء اللَّه، أَي: بتعزية اللَّه إِيَّاه، فأقيم الِاسْم مقَام الْمصدر.
قَوْله: «بِهن أَبِيهِ» ، يَعْنِي: ذكره، قلت: يُرِيد يَقُولُ لَهُ: اعضض بأير أَبِيك، يجاهره بِمثل هَذَا اللَّفْظ الشنيع ردا لما أَتَى بِهِ مِن الانتماء إِلَى قبيلته، والافتخار بهم.
وكنيت الرجل، وكنوته لُغَتَانِ.(13/121)
بَاب العصبية
3542 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، نَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمُ الْمُدَافِعُ عَنْ عَشِيرَتِهِ مَا لَمْ يَأْثَمْ»
3543 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، نَا عَمْرَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَمَانٍ الْغَافِقِيُّ، نَا رَوْحُ بْنُ شَبَابَةَ أَبُو الْحَارِثِ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ» .(13/122)
وَرُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْعَصَبِيَّةُ؟ قَالَ: «أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ»
بَاب الافتخار بِالنّسَبِ
3544 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَجِدْهُ مُنَاخًا، فَنَزَلَ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَكَبُّرَهَا بِآبَائِهَا، النَّاسُ رَجُلانِ: بَرٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ "، ثُمَّ تَلا: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] ، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ(13/123)
لِي وَلَكُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخرء بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»
العبية: الْكبر، والنخوة، بِضَم الْعين وَكسرهَا.
قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِنَّا قوم أكرمنا اللَّه بِالْإِسْلَامِ، فَمن يلْتَمس الْعِزّ بِغَيْر الْإِسْلَام، يذله اللَّه.(13/124)
3545 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سَلامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَسَبُ: الْمَالُ، وَالْكَرَمُ: التَّقْوَى ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ وَكِيع فِي قَوْله: " الْحسب: المَال "، يُرِيد أَن الرجل إِذا صَار ذَا مَال، عظمه النّاس.
وَقَالَ سُفْيَان: «إِنَّمَا هُوَ قَول أهل الْمَدِينَة إِذا لم يجد الرجل نَفَقَة امْرَأَته، فرق بَينهمَا» ، وَرُوِيَ عَن عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: «حسب الرجل مَاله، وَكَرمه دينه، وَأَصله عقله، ومروءته خلقه» .
3546 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدٌ، هُوَ ابْنُ سَلامٍ، أَنا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:(13/125)
فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
3547 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
فَإِن قِيلَ: أَلَيْسَ قد افتخر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجده، حَيْثُ قَالَ: «أَنَا النَّبِيّ(13/126)
لَا كذب أَنَا ابْن عَبْدِ الْمطلب» ، قِيلَ: إِنَّه لم يذهب بِهَذَا القَوْل مَذْهَب الانتساب إِلَى شرف الْآبَاء عَلَى سَبِيل الافتخار، وَلكنه ذكرهم رُؤْيا كَانَ رَآهَا عَبْد الْمطلب لَهُ أَيَّام حَيَاته، فَأخْبر بهَا قُريْشًا، فعبروها عَلَى أَنَّهُ سَيكون لَهُ وُلِدَ يسود النّاس، وَيهْلك أعداؤه عَلَى يَدَيْهِ، وَكَانَت إِحْدَى دَلَائِل نبوته، وَكَانَت الْقِصَّة فِيهَا مَشْهُورَة، فعرفهم شَأْنهَا، وَخُرُوج الْأَمر عَلَى الصدْق فِيهَا، ليتقوى بهَا مِن انهزم مِن أَصْحَابه، ويرجعوا واثقين بِأَن الْعَاقِبَة لَهُ.
وَالله أعلم.
وَجَوَاب آخر: أَن الافتخار والاعتزاء الْمنْهِي مَا كَانَ فِي غير جِهَاد الْكفَّار، وَقد رخص النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُيَلَاء فِي الْحَرْب، مَعَ نَهْيه عَنْهَا فِي غَيرهَا، وَقد كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصر بِالرُّعْبِ، فَإِذا أخبر باسمه، وَقع الرعب فِي قُلُوبهم، فَكَانَ ذَلِكَ سَببا لنفرتهم، كَمَا رُوِيَ أَن عليا لما بارز مرْحَبًا يَوْم خَيْبَر، قَالَ: «أَنَا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة» ، قِيلَ: كَانَ السَّبَب فِيهِ أَن مرْحَبًا كَانَ قد أنذر أَن قَاتله، يقَالَ لَهُ: حيدر، وَكَانَ عَلِيّ حِين وَلدته أمه سمته أسدا، وَكَانَ أَبُو طَالب غَائِبا وَقت مولده، فَلَمَّا بلغه خَبره، سَمَّاهُ عليا، فَعدل عَلِيّ عَن اسْمه الْمَشْهُور إِلَى الآخر ينذره أَنَّهُ سيقتله، لِأَنَّهُ أَسد، والأسد يُسمى حيدرا، وَالله أعلم.
وَقد قِيلَ فِي قصَّة ضمام بْن ثَعْلَبَة: إِنَّه حِين دخل الْمَسْجِد، فَقَالَ:(13/127)
يَا ابْن عَبْدِ الْمطلب، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أَجَبْتُك» ، أَنَّهُ إِنَّمَا لم يسْتَأْنف لَهُ الْجَواب.
لِأَنَّهُ كره نسبته إِلَى جَدّه الَّذِي مضى فِي الْكفْر، وَأحب أَن يَدعُوهُ باسم النُّبُوَّة والرسالة الّتي خصّه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بهَا، وَالله أعلم.
قلت: وإكرام كريم الْقَوْم، وإنزال النّاس مَنَازِلهمْ مِن السّنة.
وَفِي صفة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يكرم كريم كل قوم، ويوليه عَلَيْهِم» .
وأتى جرير بْن عَبْد اللَّه البَجلِيّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يجد مَكَانا، فَألْقى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ رِدَاءَهُ ليجلس عَلَيْهِ، وَقَالَ: «إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه» .
وَكَانَت عَائِشَة فِي سفر فَوضع طعامها، فجَاء سَائل، فقَالَت: " ناولوه قرصا، ثُمَّ مر رَجُل عَلَى دَابَّة، فقَالَت: «ادعوهُ إِلَى الطَّعَام» ، فَقيل لَهَا فِيهِ، فقَالَت: «إِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل النّاس منَازِل لَا بُد لنا أَن ننزلهم تِلْكَ الْمنَازل، هَذَا الْمِسْكِين يرضى بقرص، وقبيح بِنَا أَن نعطي الْغَنِيّ ذَا الْهَيْئَة قرصا» .(13/128)
بَاب وَعِيد مِن سبّ مُسلما أَو رَمَاه بِكفْر
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] ، والنبز: اللقب، يَقُولُ: لَا تداعوا بهَا.
3548 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ، فَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
قلت: المرجئة: هُم الّذين لَا يرَوْنَ الطَّاعَة مِن الْإِيمَان، وَيَقُولُونَ: الْإِيمَان لَا يزِيد بِالطَّاعَةِ، وَلَا ينقص بالمعصية، وَيحكم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَن قتال الْمُسلم كفر إِشَارَة إِلَى أَن ترك الْقِتَال مِن الْإِيمَان، وَفعله ينقص(13/129)
الْإِيمَان، والْحَدِيث فِيمَن سبّ مُسلما، أَو قَاتله مِن غير تَأْوِيل، أَو معنى مِن مَعَاني الدّين، أما المتأول، فخارج عَن هَذَا الْوَعيد، كَمَا قَالَ عُمَر لحاطب بْن أَبِي بلتعة حِين كتب إِلَى قُرَيْش يُخْبِرهُمْ بشأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق، فَلم يعنفه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرأ حَاطِبًا مِن النِّفَاق.
وَقَوله: «وقتاله كفر» ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَن يستبيح دَمه، وَلَا يرى الْإِسْلَام عَاصِمًا لدمه، فَهَذَا مِنْهُ ردة، وَحَقِيقَة كفر، وَقد يحمل ذَلِكَ عَلَى تَشْبِيه أفعالهم بِأَفْعَال الْكفَّار دون حَقِيقَة الْكفْر إِذا قَتله غير مستبيح لدمه، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض» ، أَي: لَا تَكُونُوا مِن الّذين عَادَتهم ذَلِكَ.
3549 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا دَاوُدُ، يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ".(13/130)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3550 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، أَوْ أَنْتَ كَافِرٌ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلا رَجَعَتْ إِلَى الأَوَّلِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
3551 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: كَافِرٌ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ".(13/131)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ دِينَارٍ.
قَوْله: «بَاء بهَا أَحدهمَا» ، أَي: الْتَزمهُ وَرجع بِهِ، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ} [الْبَقَرَة: 90] ، أَي: لَزِمَهُم، وَرَجَعُوا بِهِ، وَهَذَا أَيْضا فِيمَن كفر أَخَاهُ خَالِيا عَن التَّأْوِيل، أما المتأول، فخارج عَنْهُ.
3552 - أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِالْفُسُوقِ، وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3553 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ،(13/132)
نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَم يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
قَالَ مُجَاهِد: مِن أربى الربى مِن سبّ سبتين بسبة.
بَاب تَحْرِيم اللَّعْن
قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمن لعن مُؤمنا فَهُوَ كقتله» .
3554 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا» .(13/133)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
3555 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا بِاللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيِّ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3556 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُرْسِلُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَتَبِيتُ عِنْدَ نِسَائِهِ، وَيُسَائِلُهَا عَنِ الشَّيْءِ، قَالَ: فَقَامَ لَيْلَةً، فَدَعَا خَادِمَةً، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ، فَلَعَنَهَا، فَقَالَتْ: لَا تَلْعَنْ، فَإِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي، أَنَّهُ سَمِعَ(13/134)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي حَازِمٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
قِيلَ فِي قَوْله: «لَا يكونُونَ شُهَدَاء» ، أَي: لَا يكونُونَ فِي الْجُمْلَة الّتي يستشهدون يَوْم الْقِيَامَة عَلَى الْأُمَم الّتي كذبت أنبياءها عَلَيْهِم السَّلَام.
لِأَن مِن فَضِيلَة هَذِه الْأمة أَنهم يشْهدُونَ للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام بالتبليغ إِذا كذبهمْ قَومهمْ.
3557 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ، قَالَ: «لَا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلا بِجَهَنَّمَ»(13/135)
3558 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: لَعَنَتِ امْرَأَةٌ نَاقَةً لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، فَخَلُّوا عَنْهَا» ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا تَتَّبِعُ الْمَنَازِلَ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ، نَاقَةٌ وَرْقَاءُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: زعم بعض أهل الْعلم أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمر بذلك.
لِأَنَّهُ قد اسْتُجِيبَ لَهَا الدُّعَاء باللعن، وَاسْتدلَّ بقوله: «إِنَّهَا ملعونة» ، وَقد يحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا فعل ذَلِكَ عُقُوبَة لصاحبتها لِئَلَّا تعود إِلَى مثل قَوْلهَا، وَالله أعلم.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ، عَن سَالم: مَا لعن ابْن عُمَر خَادِمًا لَهُ قطّ إِلَّا وَاحِدًا فَأعْتقهُ، وَقَالَ: وسمعته يَقُولُ: كَانُوا يضْربُونَ رقيقهم وَلَا يلعنونهم.
وَاشْترى وهب بْن مُنَبّه حطبا، فلعن صَاحب الْحَطب حِمَاره، قَالَ وهب: لَا يدْخل بَيْتِي دَابَّة ملعونة.
وَقَالَ حُذَيْفَة: مَا تلاعن قوم(13/136)
قطّ إِلَّا حق عَلَيْهِم القَوْل.
3559 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا، فَلا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا لَا نَقُولُ فِي أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى نَعْلَمَ عَلَى مَا يَموتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ، عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ، خِفْنَا عَلَيْهِ عَمَلَهُ "
وَرُوِيَ أَن أَبَا الدَّرْدَاء مر عَلَى رَجُل قد أصَاب ذَنبا، فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُم لَو وجدتموه فِي قليب، ألم تَكُونُوا مستخرجيه؟ قَالُوا: بلَى، قَالَ: فَلَا تسبوا أَخَاكُم، واحمدوا اللَّه الَّذِي عافاكم، قَالُوا: أَفلا تبْغضهُ؟ قَالَ: إِنَّمَا أبْغض عمله، فَإِذا تَركه، فَهُوَ أخي.(13/137)
قلت: اللَّعْن الْمنْهِي عَنْهُ أَنَّهُ يلعن رجلا بِعَيْنِه مُوَاجهَة، برا كَانَ أَو فَاجِرًا.
لِأَن عَلَيْهِ أَن يوقر الْبر، وَيرْحَم الْفَاجِر، فيستغفر لَهُ، فَإِذا لَعنه فِي وَجهه، زَاده ذَلِكَ شرا، فَأَما لعن الْكفَّار عَلَى الْعُمُوم، والفجار كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث، مِن لعن شَارِب الْخمر، وَلعن الْوَاصِلَة، وَالْمسْتَوْصِلَة، وآكل الرِّبَا وَنَحْوهَا، فَغير مَنْهِيّ عَنْهُ.
بَاب تَحْرِيم الْغَيْبَة
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الْهمزَة: 1] ، قِيلَ: اللمزة: الَّذِي يعيبك فِي وَجهك، والهمزة: الَّذِي يعيبك بِالْغَيْبِ، وَقيل: هما شَيْء وَاحِد.
3560 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَتَدْرُونَ(13/138)
مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدْ بَهَتَّهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
قَوْله: «بَهته» ، أَي: كذبت عَلَيْهِ، يقَالَ: بهت صَاحبه يبهت بهتا وبهتانا، والبهتان: الْبَاطِل الَّذِي يتحير من بُطْلَانه، وَشدَّة نكره، يقَالَ: بهت يبهت: إِذا تحير، فَهُوَ مبهوت.
3561 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَامَوَيْهِ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ، بِمَكَّةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قُلْتَ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتَّهُ»
وَاحْتج مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل فِي جَوَاز ذكر النَّاس، وتعريفهم بِبَعْض صفاتهم، كالطويل والقصير إِذا لم يرد بِهِ شين الرجل بقول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ» ، فقَالَ الْقَوْم: صدق ذُو الْيَدَيْنِ.(13/139)
3562 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الْحَادِثِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا، فَقَالُوا: " لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُطْعَمَ، وَلا يَرْحَلُ حَتَّى يُرْحَلَ لَهُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْتَبْتُمُوهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا حَدَّثْنَا بِمَا فِيهِ، قَالَ: حَسْبُكَ إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا فِيهِ ".
وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَجُلا لَقِيَ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَصْلَعَ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَقْرَعُ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَغَنِيًّا عَنْ أَنْ تَلْعَنَكَ الْمَلائِكَةُ.
وَرُوِيَ عَن خَالِد بْن معدان، عَن معَاذ بْن جبل، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من عير أَخَاهُ بذنب، لم يمت حَتَّى يعمله» ، وَإِسْنَاده هَذَا الحَدِيث غير مُتَّصِل، وخَالِد بْن معدان لم يدْرك معَاذًا.
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ(13/140)
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَوْ سَخِرْتُ كَلْبًا، خَشِيتُ أَنْ أَحُورَ كَلْبًا» .
وقَالَ إِبْرَاهِيم: إِنِّي لأرى الشَّيْء، فأكره أَن أعيبه مَخَافَة أَن أبتلى بِهِ، إِن عَبْد اللَّهِ، كَانَ يَقُول: إِن الْبلَاء مُوكل بالْقَوْل.
وقَالَ سعيد بْن الْمسيب: إِن أربى الرِّبَا استطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه الْمُسلم.
بَاب ذكر أهل الْفساد بِمَا فيهم
3563 - أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
ح، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، إِمْلاءً، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ، " أَنَّ رَجُلا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ،(13/141)
فَلَمَّا دَخَلَ، أَلانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، فَلَمَّا دَخَلَ، أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ، النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَيُرْوَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ لاتِّقَاءِ أَلْسِنَتِهِمْ»
قلت: فِيهِ دَلِيل على أَن ذكر الْفَاسِق بِمَا فِيهِ ليعرف أمره، فيتقي، لَا يكون من الْغَيْبَة، وَلَعَلَّ الرجل كَانَ مجاهرا لسوء أَفعاله، وَلَا غيبَة لمجاهر.
وقَالَ إِبْرَاهِيم: كَانُوا يَقُولُونَ: ثَلَاثَة لَيست لَهُم غيبَة: السُّلْطَان الجائر، وَذُو الْهوى، وَالْفَاسِق الْمُعْلن لفسقه.
وَمثله عَن الْحسن، وقَالَ الْحسن: لَيْسَ لأهل الْبدع غيبَة.
وَفِي الحَدِيث اسْتِعْمَال حسن الْعشْرَة، حَيْثُ لم يواجه الرجل بِمَا أسره غيبَة، وعد اسْتِقْبَال الرجل بعيوبه من بَاب الْفُحْش.
وَقد رُوِيَ فِي(13/142)
هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا عَائِشَة إِن الله لَا يحب الْفَاحِش الْمُتَفَحِّش» .
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا بلغه عَن الرجل الشَّيْء لم يقل: مَا بَال فلَان يَقُول، وَلَكِن يَقُول: «مَا بَال أَقوام يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا» .
وَيذكر عَن أَبِي الدَّرْدَاء: «إِنَّا لَنكشر فِي وُجُوه أَقوام، وَإِن قُلُوبنَا لَتَلْعَنهُمْ» .
بَاب من قَالَ هلك النَّاس
3564 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،(13/143)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ.
3565 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الخطابيُّ: معنى هَذَا: أَلا يزَال الرجُلُ يعيب النّاس، وَيذكر مساوئهم، وَيَقُول: قد فسد النّاس وَهَلَكوا وَنَحْو ذَلِكَ مِن الْكَلَام، وَإِذا فعل الرجل ذَلِكَ، فَهُوَ أهلَكُهُم وأسوَؤُهم حَالا فِيمَا يلْحقهُ مِن الْإِثْم فِي عيبهم، والإزراء بهم، وَرُبمَا أدَّاه ذَلِكَ إِلَى العُجب بِنَفسِهِ، وَيرى أَن لَهُ فضلا عَلَيْهِم، وَأَنه خيرٌ مِنْهُم، فيهلِك.
قلتُ: وَرُوِيَ معنى هَذَا عَن مالكٍ، قَالَ: إِذا قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لما يرى فِي النّاس يَعْنِي فِي أَمر دينهم، فَلَا أرى بِهِ بَأْسا، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ عُجْبًا بِنَفسِهِ، وتصاغرًا للنَّاس، فَهُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي نهي عَنْهُ.(13/144)
وَقيل: هُم الّذين يؤيسون الناسَ مِن رَحْمَة الله، يَقُولُونَ: هلك النّاس، أَي: استوجبوا النَّار والخلودَ فِيهَا بسوءِ أَعْمَالهم، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ، فَهُوَ أهلكَهم بِفَتْح الْكَاف أَي: أوجب لَهُم ذَلِكَ.
بَاب وَعِيد ذِي الْوَجْهَيْنِ
3566 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
3567 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،(13/145)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا الْوَجْهَيْنِ»
وقَالَ أنَاس لِابْنِ عمر: إِنَّا ندخل على سلطاننا، فَنَقُول لَهُم بِخِلَاف مَا نتكلم إِذا خرجنَا من عِنْدهم، قَالَ: كُنَّا نعد هَذَا نفَاقًا.
3568 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: «مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ» .
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، مَرْفُوعًا.(13/146)
بَاب وَعِيد النمام
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [الْقَلَم: 11] ، وقَالَ عز وَجل: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] ، قَالَ: تمشي بالنميمة، {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 5] ، يقَالَ: لِيف الْمقل وَأَرَادَ السلسلة الَّتِي فِي النَّار.
3569 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا خَالِي أَبُو عَقِيلٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَعْقِلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُور.
3570 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ(13/147)
بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» ، صَحِيحٌ.
3571 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَذَّاءُ، أَنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ»
والقتات: النمام وَهُوَ القساس أَيْضا، والنميمة: نقل الحَدِيث على وَجه التضريب بَين الْمَرْء وَصَاحبه.(13/148)
ويقَالَ: النمام الَّذِي يكون مَعَ الْقَوْم يتحدثون، فينم حَدِيثهمْ، والقتات: الَّذِي يتسمع على الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ، ثمَّ ينم حَدِيثهمْ، والقساس: الَّذِي يقس الْأَخْبَار، أَي: يسْأَل النَّاس عَنْهَا، ثمَّ يبثها على أَصْحَابهَا.
بَاب مَا يكره من التمادح
3572 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ رَجُلا مَدَحَ رَجُلا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا وَلا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، حَسِيبُهُ اللَّهُ إِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ(13/149)
مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ.
قَوْله: «قطعت عنق صَاحبك» ، إِنَّمَا كره ذَلِك لِئَلَّا يغتر الْمَقُول لَهُ بِهِ، فيستشعر الْكبر، وَذَلِكَ جِنَايَة عَلَيْهِ، فَيصير كَأَنَّهُ قطع عُنُقه فَأَهْلَكَهُ.
وَقَوله: «حسيبه الله» ، يَعْنِي أَن الله يحاسبه على أَعماله، ويعاقبه على ذنُوبه إِن شَاءَ.
وقَالَت عَائِشَة: إِذا أعْجبك حسن عمل امْرِئ، فَقل: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التَّوْبَة: 105] وَلَا يستخفنك أحد.
3573 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ أَبِي شَبِيبٍ، أَنَّ رَجُلا جَعَلَ يُثْنِي عَلَى عَامِلٍ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْمِقْدَادِ.(13/150)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: المداحون هم الَّذين اتَّخذُوا مدح النَّاس عَادَة، وجعلوه بضَاعَة يستأكلون بِهِ الممدوح، فَأَما من مدح الرجل على الْفِعْل الْحسن، وَالْأَمر الْمَحْمُود يكون مِنْهُ ترغيبا لَهُ فِي أَمْثَاله، وتحريضا للنَّاس على الِاقْتِدَاء بِهِ فِي أشباهه، فَلَيْسَ بمداح.
وَقد اسْتعْمل الْمِقْدَاد الحَدِيث على ظَاهره فِي تنَاول عين التُّرَاب، وحثيه فِي وَجه المادح، وَقد يتَأَوَّل أَيْضا على وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون مَعْنَاهُ: الخيبة والحرمان، أَي: من تعرض لكم بالثناء والمدح، فَلَا تعطوه واحرموه.
كني بِالتُّرَابِ عَن الحرمان، كَقَوْلِهِم: مَا فِي يَده غير التُّرَاب، وَكَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا جَاءَك يطْلب ثمن الْكَلْب، فاملأ كَفه تُرَابا» .
قلت: وَفِي الْجُمْلَة الْمَدْح وَالثنَاء على الرجل مَكْرُوه.
لِأَنَّهُ قَلما يسلم المادح عَن كذب يَقُوله فِي مدحه، وقلما يسلم الممدوح، من عجب يدْخلهُ.
وَرُوِيَ أَن رجلا أثنى على رجل عِنْد عمر، فقَالَ عمر: عقرت الرجل، عقرك الله.
بَاب الصدْق وَالْكذب
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التَّوْبَة: 119] ، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ(13/151)
وَتَعَالَى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] ، أَي: لعن الكذابون الَّذين يَقُولُونَ على الله ظنا وحدسا مَا لَا يعلمُونَ، وَمِنْه خرص النخيل، وَهُوَ حزر ثَمَرهَا.
لِأَنَّهُ تَقْدِير بِظَنّ لَا بإحاطة.
3574 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.(13/152)
3575 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدُوسٍ الْمُزَكِّي، بِنَيْسَابُورَ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْبَزَّازُ، بِبَغْدَادَ، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ: الْهَدْيُ وَالْكَلامُ، فَأَفْضَلُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ، وَأَفْضَلُ الْهَدْيِ هَدْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، فَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ، وَلا يُلْهِيَنَّكُمُ الأَمَلُ، فَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَريبٌ، أَلا إِنَّ بَعِيدًا مَا لَيْسَ بِآتٍ، أَلا وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ، وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيَعُودَهُ إِذَا مَرِضَ، وَإِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ، لَا يَصْلُحُ مِنْهُ هَزْلٌ وَلا جِدٌّ، وَلا يَعِدَنَّ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ شَيْئًا، ثُمَّ لَا يُنْجِزُهُ لَهُ، أَلا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، أَلا وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، أَلا وَإِنَّهُ يُقَالُ للِصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ،(13/153)
أَلا وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، أَلا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِالْعَضْهِ مَا هِيَ، هِيَ النَّمِيمَةُ الَّتِي تُفْسِدُ مِنَ النَّاسِ» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاق الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: «أَلا وَإِنَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ» ، إِلَى قَوْلِهِ: «وَيَعُودَهُ إِذَا مَرِضَ» ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْعَضْهَ، أَتَدْرُونَ مَا الْعَضْهُ؟ النَّمِيمَةُ وَنَقْلُ الأَحَادِيثِ»
قَوْله: «وَأفضل الْهَدْي هدي مُحَمَّد» ، أَرَادَ بِهِ أفضل الطَّرِيق، وَالْهَدْي الطَّرِيق.(13/154)
3576 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِذْبَةَ، فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً»
قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: " أَربع خلال إِذا أَعطيتهنَّ، فَلَا يَضرك مَا عزل عَنْك من الدُّنْيَا: حسن خَلِيقَة، وعفاف طعمة، وَصدق حَدِيث، وَحفظ أَمَانَة ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: " من قَالَ لصبي: تعال هاك تَمرا، ثمَّ لم يُعْطه شَيْئا فَهِيَ كذبة ".
بَاب فِي المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب
قَالَه عمرَان بْن حُصَيْن، قَالَ عمر: «أما فِي المعاريض(13/155)
مَا يُغني الرجل عَن الْكَذِب» فالمعاريض: مَا يعرض بِهِ وَلَا يُصَرح.
مندوحة، أَي سَعَة وفسحة، أَي: فِيهَا مَا يَسْتَغْنِي بِهِ الرجل عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب، يقَالَ: ندحت الشَّيْء ندحا: إِذا وسعته.
3577 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا هِشَام بْن عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ وَرَجُلٌ يَسُوقُ بِنِسَائِهِ، يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
3578 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِجَاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، نَا شَبَابَةُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،(13/156)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ مَعَهُمْ حَادٍ وَسَائِقٌ، قَالَ: فَقَدَّمَ النِّسَاءَ، فَقَالَ: يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ "
3579 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ الْحَجَّاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالا: نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: " بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ وَحَادٍ يَحْدُو بِالنِّسَاءِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ.
المُرَاد بِالْقَوَارِيرِ: النِّسَاء شبههن بِالْقَوَارِيرِ، لضعف عزائمهن، والقوارير يسْرع إِلَيْهَا الْكسر.
وَكَانَ أَنْجَشَة غُلَاما أسود وَفِي سوقه عنف، فَأمره أَن يرفق بِهن فِي السُّوق، كَمَا يرفق بالدابة الَّتِي عَلَيْهَا قَوَارِير.
وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن أَنْجَشَة كَانَ حسن الصَّوْت بالحداء، فَكَانَ يَحْدُو لَهُنَّ، وينشد من القريض وَالرجز مَا فِيهِ تشبيب، فَلم يَأْمَن أَن يَقع فِي(13/157)
قلوبهن حداؤه، فَأمر بالكف عَن ذَلِك، وَشبه ضعف عزائمهن، وَسُرْعَة تَأْثِير الصَّوْت فِيهِنَّ بِالْقَوَارِيرِ فِي سرعَة الآفة إِلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْن أسيد الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «كَبرت خِيَانَة أَن تحدث أَخَاك حَدِيثا هُوَ لَك بِهِ مُصدق وَأَنت بِهِ كَاذِب» .
وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ متواريا، فَكَانَ أَصْحَابه يدْخلُونَ عَلَيْهِ، فَإِذا خَرجُوا من عِنْده، يَقُول لَهُم: إِذا سئلتم عني، فَقولُوا: لَا نَدْرِي أَيْن هُوَ، فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ إِذا خَرجْتُمْ إِلَى أَيْن أتحول، وَكَانَ تحوله من مَوضِع من الدَّار إِلَى مَوضِع آخر.
بَاب مَا يحذر من الْغَضَب وَمَا يجوز مِنْهُ فِي أَمر الدَّين
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] ، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [(13/158)
آل عمرَان: 134] ، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَة: 73] .
3580 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْقَاضِي، أَنا مُسَدَّدُ بْنُ قَطنٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوْصِنِي، وَلا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَحْفَظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَغْضَبْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ.
وأَبُو حُصَيْنٍ: اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الأَسَدِيّ.
3581 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،(13/159)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
الصرعة مَفْتُوحَة الرَّاء: وَهُوَ الَّذِي يصرع الرِّجَال، ويغلبهم فِي الصراع.
كالخدعة: كثير الخداع، واللعبة: كثير التلعب، وَهَذَا عَلَى طَرِيق ضرب الْمثل، فحول معنى الِاسْم عَن أَمر الدّنيا إِلَى أَمر الدّين، فَجَعلهَا اسْما للحليم الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب، كَمَا قَالَ فِي الْمُفلس: «الَّذِي يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة، وَقد ضرب هَذَا، وَشتم هَذَا، فَيُؤْخَذ مِن حَسَنَاته لَهُم، وَيُؤْخَذ مِن سيئاتهم، فَتلقى عَلَيْهِ» ، وكما أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الْخمر، وَقيل: إِنَّهَا دَوَاء، فَقَالَ: «لَا وَلكنهَا دَاء» ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا دَاء فِي أَمر الدّين لما فِي شربهَا مِن الْإِثْم، وَإِن كَانَت دَوَاء فِي بعض الأسقام مِن جِهَة الطِّبّ.
3582 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ»(13/160)
بَاب الْوضُوء عِنْد الْغَضَب
3583 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ السَّهْلِيُّ، بِطُوسَ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا أَبِي، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّ، نَا أَبُو وَائِلٍ، صَنْعَانِيٌّ مُرَادِيٌّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ بِكَلامٍ أَغْضَبَهُ، فَلَمَّا أَنْ غَضِبَ، قَامَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْنَا وَقَدْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ»
وَعُرْوَة: هُوَ عُرْوَة بْن مُحَمَّد بْن عَطِيَّة بْن عُرْوَة السَّعْدِيّ، مِن سعد بْن(13/161)
بَكْر، وعطية لَهُ صُحْبَة.
3584 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو سُهَيْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ»
قِيلَ: إِنَّمَا أمره بالقعود والاضطجاع، لِئَلَّا يحصل مِنْهُ فِي حَال غَضَبه مَا ينْدَم عَلَيْهِ، فَإِن المضطجع أبعد فِي الْحَرَكَة والبطش مِن الْقَاعِد، والقاعد مِن الْقَائِم.
بَاب الصَّبْر عَلَى أَذَى الْمُسلمين والتجاوز عَنْهُم
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} [(13/162)
آل عمرَان: 120] ، وَقَالَ عز وَجل: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمرَان: 134] .
3585 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: ابْنُ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» .
3586 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَجُلا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ لَا يَقُولُ شَيْئًا، فَلَمَّا سَكَتَ، ذَهَبَ أَبُو(13/163)
بَكْرٍ يَتَكَلَّمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ يَسُبُّنِي، وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ أَتَكَلَّمُ، قُمْتَ.
قَالَ: إِنَّ الْمَلَكَ كَانَ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ، ذَهَبَ الْمَلَكُ، وَوَقَعَ الشَّيْطَانُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَجْلِسَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: لَيْسَ عَبْدٌ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ، فَيُغْضِي عَنْهَا إِلا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَلَيْسَ عَبْدٌ يَفْتَحُ بَابَ مَسْأَلَةٍ يَبْتَغِي بِهَا كَثْرَةً إِلا زَادَهُ بِهَا قِلَّةً، وَلَيْسَ عَبْدٌ يَفْتَحُ بَابَ عَطِيَّةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ أَوْ صِلَةً إِلا زَادَهُ اللَّهُ بِهِ كَثْرَةً ".
قَالَ عَلِيّ: أملاه علينا سُفْيَان.
قلت: الِانْتِصَار عَن الْمَظَالِم جَائِز.
لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النِّسَاء: 148] ، وَقَالَ عز وَجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] .
وَلَكِن الصَّبْر أجمل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] ، وَقَالَ جلّ ذكره: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى: 41] ، إِلَى أَن قَالَ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] ،(13/164)
قَالَ إِبْرَاهِيم: «كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يستذلوا، فَإِذا قدرُوا عفوا» .
وَقَالَ مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ، قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يستذلوا، فيجترئ عَلَيْهِم الْفُسَّاق.
بَاب الْكبر ووعيد المتكبرين
3587 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بَكْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِيٍّ الْبِسْطَامِيُّ الْكِسَائِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَخْتَوَيْهِ، أَنا أَبُو الْفَضْلِ سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الْهِلالِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ، وَغَمصَ النَّاسَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ.(13/165)
قَوْله: «لَا يدْخل الْجنَّة مثقَالَ ذرة من كبر» ، قيل: أَرَادَ بِهِ كبر الْكفْر، أَلا ترى أَنه قد قابله فِي نقيضه بِالْإِيمَان، وَقيل: أَرَادَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينْزع الْكبر من قلبه إِذا أَرَادَ أَن يدْخلهُ الْجنَّة حَتَّى يدخلهَا بِلَا كبر، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الْأَعْرَاف: 43] .
وَقَوله: «الْكبر من بطر الْحق» ، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [الْبَقَرَة: 177] ، مَعْنَاهُ: وَلَكِن الْبر بر من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر.
والبطر: الطغيان عِنْد النِّعْمَة، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [الْقَصَص: 58] ، أَي: فِي معيشتها.
وقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: " البطر سوء احْتِمَال الْغنى، وبطر الْحق هَهُنَا: أَن يَجْعَل الْحق بَاطِلا "، ويقَالَ: هُوَ أَن يتكبر عِنْد الْحق فَلَا يقبله، وَغَمص النَّاس، وغمطهم: أَن يحتقرهم فَلَا يراهم شَيْئا، وَفِيه لُغَتَانِ: غمط وَغَمص بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا فيهمَا جَمِيعًا، ويقَالَ: غمص النِّعْمَة وغمطها: إِذا لم يشكرها.
قَالَ الْحسن: «التَّوَاضُع أَن تخرج من بابك، فَلَا يتلقاك مُسلم إِلَّا رَأَيْت لَهُ عَلَيْك فضلا» .
3588 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، " أَنَّهُ أَتَاهُ مَالِكُ بْنُ مِرَارَةَ الرَّهَاوِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ(13/166)
أُوتِيتُ مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَحَدًا يَفْضُلُنِي بِشِرَاكَيْنِ، فَمَا فَوْقَهُمَا، فَهَلْ هَذَا مِنَ الْبَغْيِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَغَمَطَ النَّاسَ» .
قَوْله: «سفه الْحق» ، أَي: يرى الْحق سفها وجهلا.
وَقَوله: {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [الْبَقَرَة: 130] ، قِيلَ: سفه فِي نَفسه، أَي: صَار سَفِيها، وَقيل: جهل نَفسه، وَلم يفكر فِيهَا.
3589 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ، أَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ، فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ» .
3590 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ(13/167)
الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ مِنْ جَهَنَّمَ يُسَمَّى يُولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3591 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا الأَصَمُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ الْقَصَّارُ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُتَكَبِّرٌ «.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ» وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".(13/168)
3592 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَّاءُ، وَقَطَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: نَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَدْخَلْتُهُ النَّارَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ.
3593 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ زَنْجُوَيْهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلالِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» .(13/169)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبدٍ.
العتل: الشَّديد الْخُصُومَة الجافي اللَّئِيم، وَقيل: هُوَ الْفظ الغليظ الَّذِي لَا ينقاد لخير.
والجواظ: هُوَ الجموع المنوع، وَقيل: الْكثير اللَّحْم، المختال فِي مَشْيه، وَقيل: الْقصير البطين.
وروى حَارِثَة بْن وهب، عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يدْخل الْجنَّة الجواظ الجعظري» .
يقَالَ: الجعظري: الْفظ الغليظ، وَجَاء تَفْسِيره فِي بعض الْأَحَادِيث: هم الَّذين لَا تصدع رُءُوسهم، ويقَالَ: رجل جعظري وجعظار: وَهُوَ الَّذِي يتنفج بِمَا لَيْسَ عِنْده، وَفِيه قصر.
وَعَن سليم بْن حَنْظَلَة، قَالَ: نظر عمر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أبي بْن كَعْب، وَمَعَهُ نَاس، فعلاه بِالدرةِ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا تصنع؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا فتْنَة للمتبوع، ومذلة للتابع» .
وَعَن يَحْيَى بْن جعدة أَن نَاسا كَانُوا يتبعُون سلمَان، فَقَالَ: «هَذَا خير لكم، وَشر لي» .(13/170)
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مِن تطاول تَعَظُّمًا، خفضه اللَّه، وَمن تواضع تخشعا، رَفعه اللَّه» .
وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ: " إِن الرجل إِذا تواضع، رفع اللَّه حكمته.
وَقَالَ: انْتَعش نَعشك اللَّه، فَهُوَ فِي نَفسه صَغِير، وَفِي أعين النّاس كَبِير، وَإِذا بطر وَعدا طوره، وهصه اللَّه إِلَى الأَرْض، وَقَالَ: اخس أخساك اللَّه، فَهُوَ فِي نَفسه كَبِير، وَفِي أعين النّاس صَغِير حَتَّى يكون أَهْون عَلَى اللَّه مِن الْخِنْزِير ".
بَاب الْحيَاء
3594 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، أَنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَيَسْتَحِي.
يَعْنِي كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ،(13/171)
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَيُقَالَ: اسْتَحْيَا يَسْتَحْيِي، وَاسْتَحَى يَسْتَحِي.
3595 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3596 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا شَانَهُ، وَلا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا زَانَهُ» .(13/172)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قلت: الْحيَاء مَحْمُود، وَهُوَ مِن الْإِيمَان، كَمَا أخبر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِن الْحيَاء يمْنَع الرجل عَن الْمعاصِي، كالمؤمن يمنعهُ إيمَانه مِن الْمعاصِي، خوفًا مِن اللَّه عز وَجل.
وَرُوِيَ عَن عمرَان بْن حُصَيْن، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحيَاء لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَير» .
قلت: أما الْحيَاء فِي التَّعَلُّم، والبحث عَن أَمر الدّين، فمذموم، قَالَتْ عَائِشَة: «نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار، لم يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدّين» .
وَقَالَ مُجَاهِد: «لَا يتَعَلَّم الْعلم مستح وَلَا مستكبر» .
3597 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ.
نَا ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ(13/173)
مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَوله: «مِن كَلَام النُّبُوَّة الأولى» ، مَعْنَاهُ: اتِّفَاق كلمة الْأَنْبِيَاء صلوَات اللَّه عَلَيْهِم عَلَى اسْتِحْسَان الْحيَاء، فَمَا مِن نَبِي إِلَّا ندب إِلَيْهِ، وَبعث عَلَيْهِ.
وَقَوله: «فافعل مَا شِئْت» ، فِيهِ أقاويل، أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ معنى الْخَبَر، وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذا لم يمنعك الْحيَاء، فعلت مَا شِئْت مِمَّا تدعوك إِلَيْهِ نَفسك مِن الْقَبِيح، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب أَبِو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلام، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَحْيَى: مَعْنَاهُ الْوَعيد، كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] ، أَي: اصْنَع مَا شِئْت، فَإِن اللَّه مجازيك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيّ: مَعْنَاهُ: أَن تنظر إِلَى مَا تُرِيدُ أَن تَفْعَلهُ، فَإِن كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يستحيا مِنْهُ، فافعله، وَإِن كَانَ مِمَّا يستحيا مِنْهُ، فَدَعْهُ، وَالله أعلم.
وروى هَذَا الحَدِيث جرير، عَن مَنْصُور، بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ جرير: مَعْنَاهُ: أَن يُرِيد الرجل أَن يعْمل الْخَيْر، فيدعه حَيَاء من النَّاس، كَأَنَّهُ يخَاف مَذْهَب الرِّيَاء، يَقُول: فَلَا يمنعك الْحيَاء من الْمُضِيّ لما أردْت.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ شَبيه بِالْحَدِيثِ الآخر: " إِذا جَاءَك الشَّيْطَان وَأَنت تصلي، فقَالَ: إِنَّك ترائي فزدها طولا ".
وَكَذَلِكَ قَالَ الْحسن:(13/174)
مَا أحد أَرَادَ شَيْئا من الْخَيْر إِلَّا سَارَتْ فِي قلبه سورتان، فَإِذا كَانَت الأولى مِنْهُمَا لله، فَلَا تهيدنه الْآخِرَة.
قَالَ أَبُو عبيد: إِنَّمَا وَجهه عِنْدِي على جِهَة الذَّم لترك الْحيَاء.
بَاب التأني والعجلة
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرّوم: 60] ، أَي: لَا يستفزنك وَلَا يستجهلنك، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54] ، أَي: حملهمْ على الخفة وَالْجهل، يقَالَ: استخفه عَن رَأْيه: إِذا حمله على الْجَهْل، وأزاله عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الصَّوَاب.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الْأَنْبِيَاء: 37] ، أَي: ركب على العجلة، وَقيل: «من عجل» : من طين.
3598 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حسَّانِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُلْقَابَاذِيُّ، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّجَّارُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ،(13/175)
نَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» .
وقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ الْعَبَّاسِ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: «أَلا إِن التبين من الله، والعجلة من الشَّيْطَان» .
وَالْمرَاد من التبين: التثبت فِي الْأُمُور، والتأني فِيهَا.
وَقُرِئَ: إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَثَبَّتُوا، من التثبت.
وَقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأشج عَبْد الْقَيْس: " إِن فِيك لخصلتين يحبهما الله: الْحلم والأناة ".
وَرُوِيَ أَن الْمُنْذر الْأَشَج، قَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَنَا أتخلق بهما أم اللَّه جبلني عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بل اللَّه جبلك عَلَيْهِمَا» .
قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جبلني عَلَى خلقين يحبهما اللَّه وَرَسُوله ".(13/176)
ويروى عَن مُصعب بْن سعد، عَن أَبِيهِ، وَرُبمَا رَفعه: «التؤدة فِي كل شَيْء إِلَّا فِي عمل الْآخِرَة» .
وَرُوِيَ عَن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: التؤدة فِي كل شَيْء خير إِلَّا مَا كَانَ مِن أَمر الْآخِرَة.
3599 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ، وَالاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» .
هدي الرجل: حَاله ومذهبه، وَكَذَلِكَ سمته، والاقتصاد: سلوك الْقَصْد فِي الْأُمُور، وَالدُّخُول فِيهَا بِرِفْق عَلَى سَبِيل يُمكن الدَّوَام عَلَيْهَا.
يُرِيد: أَن هَذِه الْخِصَال مِن شمائل الْأَنْبِيَاء صلى اللَّه عَلَيْهِم، وَأَنَّهَا جُزْء(13/177)
مِن أَجزَاء فضائلهم، فاقتدوا بهم فِيهَا، وتابعوهم عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن النُّبُوَّة تتجزأ، وَلَا أَن مِن جمع هَذِه الْخلال كَانَ نَبيا، فَإِن النُّبُوَّة غير مكتسبة، وَإِنَّمَا هِيَ كَرَامَة يخص اللَّه بهَا مِن يَشَاء مِن عباده، وَالله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته.
وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ، أَن هَذِه الْخلال مِمَّا جَاءَت بِهِ النُّبُوَّة، ودعت إِلَيْهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، يُرِيد أَن هَذِه الْخلال جُزْء مِن خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا مِمَّا جَاءَت بِهِ النبوات، ودعا إِلَيْهَا الْأَنْبِيَاء.
وَقيل: مَعْنَاهُ أَن مَنْ جمع هَذِه الْخِصَال، لقِيه النّاس بالتوقير والتعظيم، وَألبسهُ اللَّه لِبَاس التَّقْوَى الَّذِي ألبس أنبياءه عَلَيْهِم السَّلَام، فَكَأَنَّهَا جُزْء مِن النُّبُوَّة.
ذكرهَا الْخطابِيّ رَحمَه اللَّه.
3600 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِ الأَمْرَ بِالتَّدْبِيرِ، فَإِنْ رَأَيْتَ فِي عَاقِبَتِهِ خَيْرًا، فَأَمْضِهِ، وَإِنْ خِفْتَ غَيًّا، فَأَمْسِكْ» .
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: مَا قلد اللَّه عبدا قلادة أفضل مِن السكينَة.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: السكينَة مغنم، وَتركهَا مغرم.(13/178)
3601 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَبْدِيُّ، قَالا: نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدَبٍ، عَنْ حُذَيْقَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ لِلْبَلاءِ بِمَا لَا يُطِيقُ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
بَاب المزاح
قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فعل النغير؟» .
3602 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،(13/179)
أَنا شَقِيقٌ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا؟ قَالَ: لَا أَقُولُ إِلا حَقًّا ".
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَوْله: «تداعبنا» ، أَي: تمازحنا، والدعابة: المزاح بِكَسْر الْمِيم: مصدر مازحته مزاحا، وبضمه مصدر مزحته مزحا ومزاحا.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: «خالط النّاس وَدينك فَلَا تكلمنه» .
3603 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا ابنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدْلَعُ لِسَانَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَبْهَشُ إِلَيْهِ»
يقَالَ للْإنْسَان إِذا نظر إِلَى شَيْء فأعجبه، فأسرع إِلَيْهِ، وتناوله: بهش إِلَيْهِ.(13/180)
3604 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرَ بْنَ حَرَامٍ، وَكَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْزَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ، أَوْ قَالَ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ "
3605 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى(13/181)
التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَجُلا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلا النُّوقُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
3606 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «يَا ذَا الأُذُنَيْنِ» .
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: يَعْنِي يُمَازِحُهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقد يحْتَمل أَن يكون قَصده بِهِ الحض والتنبيه عَلَى حَسَن الِاسْتِمَاع، والتلقف لما يَقُوله، لَا المزاح.
لِأَن الِاسْتِمَاع يكون بحاسة الْأذن، وَلذَلِك خلق اللَّه الْأُذُنَيْنِ، وَالله أعلم.(13/182)
وَرُوِيَ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعجوز: «إِن الجنَّة لَا يدخلهَا عَجُوز» ، فَوَلَّتْ تبْكي، قَالَ: " أَخْبرُوهَا أَنَّهَا لَا تدْخلهَا وَهِي عَجُوز، إِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً {35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا {36} } [الْوَاقِعَة: 35-36] ".
3607 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو يَعْلَى، وَجَعْفَرُ بْنُ عُمَرَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالا: نَا جُبَارَةُ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآنِي رَجُلا أَحْمَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو الْوَرْدِ ".
قَالَ جُبَارَةُ: مَازَحَهُ.
قَالَ عُمَر: إِنَّه ليعجبني أَن يكون الرجل فِي أَهله مثل الصَّبِي، ثُمَّ إِذا بغي مِنْهُ، وجد رجلا.
وَقَالَ ثَابت بْن عُبَيْد: كَانَ زيد بْن ثَابت مِن أفكه النّاس فِي بَيته، فَإِذا خرج، كَانَ رجلا مِن الرِّجَال.
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، أَنَّهُ قَالَ لقوم قعُود لَدَيْهِ: أحمضوا.
يقَالَ: أحمض الْقَوْم إحماضا: إِذا أفاضوا فِيمَا يؤنسهم مِن الْكَلَام، وَالْأَصْل فِيهِ هُوَ الحمض الَّذِي فِيهِ فَاكِهَة الْإِبِل، وَهِي أَنَّهَا ترعى الْخلَّة، وَهِي مَا حلا مِن النَّبَات، فَإِذا ملتها، مشقت مِن الحمض مشقات، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْخلَّة، والحمض: مَا ملح مِن النَّبَات، تَقُولُ الْعَرَب: الْخلَّة خبز(13/183)
الْإِبِل، والحمض فاكهتها، فَلَمَّا خَافَ ابْن عَبَّاس عَلَيْهِم الملال أحب أَن يجمعهُمْ، فَأَمرهمْ بِالْأَخْذِ فِي ملح الحكايات.
وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالب: أجموا هَذِه الْقُلُوب، فَإِنَّهَا تمل، كَمَا تمل الْأَبدَان.
وَعَن أَبِي الدَّرْدَاء: إِنِّي أستجم بِبَعْض الْبَاطِل، ليَكُون أنشط لي فِي الْحق.
وَقَالَ ربيعَة الرَّأْي: الْمُرُوءَة سِتّ خِصَال: ثَلَاثَة فِي الْحَضَر، وَثَلَاثَة فِي السّفر، فَفِي الْحَضَر تِلَاوَة الْقُرْآن، وَعمارَة مَسَاجِد اللَّه، واتخاذ الْقرى فِي اللَّه، وَالَّتِي فِي السّفر، فبذل الزَّاد، وَحسن الْخلق، وَكَثْرَة المزاح فِي غير مَعْصِيّة.
دخل الشَّعْبِيّ وَلِيمَة، فَرَأى أَهلهَا سكُوتًا، فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم كأنكم فِي جَنَازَة أَيْنَ الْغناء؟ أَيْنَ الدُّف؟ وَقيل لسُفْيَان بْن عُيَيْنَة: المزاح هجنة؟ قَالَ: بل سنة، وَلَكِن الشَّأْن فِيمَن يُحسنهُ ويضعه موَاضعه.
وَكَانَ ابْن سِيرِين يمزح ويضحك حَتَّى يسيل لعابه، ثُمَّ يقْرَأ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [مُحَمَّد: 36] .
وَقيل: كَانَ ابْن سِيرِين كثير الضحك بِالنَّهَارِ، كثير الْبكاء بِاللَّيْلِ.
قَالَ غَالب الْقطَّان: أتيت ابْن سِيرِين يَوْمًا، فَسَأَلت عَن هِشَام، فَقَالَ: تُوُفّي البارحة أما شَعرت، فَقلت: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، فَضَحِك، فَقلت: لَعَلَّه أَرَادَ النّوم.
وَقَالَ الْحَسَن: المزاح يذهب بالمروءة.
وَكتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إِلَى عدي بْن أَرْطَاة: أَن انْهَ مِن قبلك عَن المزاح، فَإِنَّهُ يذهب الْمُرُوءَة، ويوغر الصَّدْر.
وَقيل: سمي المزاح مزاحا.
لِأَنَّهُ أزيح عَن الْحق، أَي: بوعد.(13/184)
بَاب الدّلَالَة عَلَى الْخَيْر
3608 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبْدِعَ بِي، فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: مَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكَ، وَلَكِنِ ائْتِ فُلانًا، فَأَتَاهُ، فَحَمَلَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْله: أبدع بِي.
أَي: ظلعت ركابي، يقَالَ للرجل إِذا كلت ركابه، أَو عطبت وَبَقِي مُنْقَطِعًا: أبدع بِهِ.
بَاب شكر الْمَعْرُوف
3609 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِيٍّ الْكِسَائِيُّ(13/185)
الْبَسْطَامِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَخْتُوَيْهِ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّصْرَابَاذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، مَوْلَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ، فَلْيُثْنِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ، فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَانَ كَلابِسِ ثَوْبَيْنِ مِنْ زُورٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: «فَقَدْ كَفَرَ» كُفْرَانَ النِّعْمَةِ.(13/186)
ويروى: «مِن أزلت إِلَيْهِ نعْمَة، فليشكرها» ، أَي: أسديت إِلَيْهِ.
والزلة: اسْم مَا يرفع عَن الْمَائِدَة لقريب أَو صديق.
3610 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَن عَبْد اللَّه بْن عُمَر، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِن أَتَى إِلَيْكُم مَعْرُوفا، فكافئوه، فَإِن لم تَجدوا، فَادعوا لَهُ حَتَّى تعلمُوا أَن قد كافأتموه» .
وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مِن قَالَ لِأَخِيهِ: جَزَاك اللَّه خيرا، فقد أبلغ فِي الثَّنَاء ".(13/187)
بَاب المشورة وَأَن المستشار مؤتمن
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] ، وَقَالَ جلّ ذكره: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمرَان: 159] .
3611 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَقَانَعِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، نَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَكْثَرَ اسْتِشَارَةً لِلرِّجَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
3612 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ إِيَاسٍ، نَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،(13/188)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا، وَلا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ، وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا لامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ فَقَالَتِ: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا، فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ، فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَجَاءَ بِقِنْوٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْبُرُوا أَوْ تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظِلٌّ بَارِدٌ، وَرُطَبٌ طَيَّبٌ، وَمَاءٌ(13/189)
بَارِدٌ، فانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ، فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا، فَأَتَاهُمْ بِهَا، فَأَكَلُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ أبُو الْهَيْثَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْ مِنْهُمَا، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اخْتَرْ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي، وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا، فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ تُعْتِقَهُ، قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلا خَلِيفَةً إِلا وَلَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالا، وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ، فَقَدْ وُقِيَ ".(13/190)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيِّ، وَشَيْبَانُ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَهُوَ صَحِيحُ الْحَدِيثِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِك بْنُ عُمَيْرٍ: إِنِّي لأُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ، فَمَا أَدَعُ مِنْهُ حَرْفًا.
والقنو: العذق، وَهُوَ الكباسة، وتثنيته وَجمعه: قنوان، وَمثله صنو وصنوان للجذوع الّتي أَصْلهَا وَاحِد، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الْأَنْعَام: 99] ، والبطانة: الْأَوْلِيَاء والأصفياء.
قَوْله: «لَا يألوه خبالا» ، أَي: لَا يقصر وَلَا يتْرك جهده فِيمَا يورثه الشَّرّ وَالْفساد، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمرَان: 118] .
والخبال: الشَّرّ وَالْفساد، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} [التَّوْبَة: 47] .
وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تصْحَب الْفَاجِر، فيحملك عَلَى الْفُجُور، وَلَا تفش إِلَيْهِ سرك، وشاور فِي أَمرك الّذين يَخْشونَ اللَّه.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: قُولُوا خيرا تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِن أَهله، وَلَا تَكُونُوا عجلاء مذاييع بذرا.
المذاييع وَالْبذْر وَاحِد: هُم الّذين يفشون لما يسمعُونَ مِن السِّرّ، يقَالَ: أذاع السِّرّ، إِذا أفشاه، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: {أَذَاعُوا بِهِ} [النِّسَاء: 83] ، وَالْبذْر مِن قَوْلهم: بذرت الْكَلَام بَين النّاس كَمَا يبذر الْحُبُوب، وَاحِدهَا بذور.
وَرُوِيَ عَن جَابِر، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذا حدث الرجل حَدِيثا(13/191)
فَالْتَفت، فَهُوَ أَمَانَة» .
وَفِي بعض الْأَحَادِيث «الْمجَالِس أَمَانَة، وإفشاؤها خِيَانَة» .
وَقَالَ مَكْحُول: إِذا حَدثَك الرجل بِحَدِيث، ثُمَّ الْتفت هَل يسمعهُ أحد، فقد لزمك كِتْمَانه.(13/192)
كتاب الْفَضَائِل
بَاب فَضَائِل سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد صلوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ وشمائله
وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمطلب بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن قصي بْن كلاب بْن مرّة بْن كَعْب بْن لؤَي بْن غَالب بْن فهر بْن مَالك بْن النَّضر بْن كنَانَة بْن خُزَيْمَة بْن مدركة بْن إلْيَاس بْن مُضر بْن نزار بْن معد بْن عدنان.
وَلَا يَصح حفظ النّسَب فَوق عدنان.
وقريش: هُم أَوْلَاد النَّضر بْن كنَانَة تفَرقُوا فِي الْبِلَاد، فَجَمعهُمْ قصي بْن كلاب فِي مكَّة، سموا قُريْشًا.
لِأَنَّهُ قرشهم، أَي: جمعهم، ولكنانة وُلِدَ سوى النَّضر، وهم لَا يسمون قُريْشًا، لأَنهم لم يقرشوا.(13/193)
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الْأَحْزَاب: 45] الْآيَة.
وَقَالَ عز وَجل: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الْأَحْزَاب: 40] ، أَي: ختمهم، فَهُوَ خَاتم لَهُم، وَقُرِئَ خَاتم بِالنّصب.
وَقَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 107] ، أَي: عطفا وصنعا.
3613 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، نَا وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
3614 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ(13/194)
الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنٍ فَقَرْنٍ حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ مِنْهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَمْرٍو.
الْقرن: كل طبقَة مقترنين فِي وَقت، قِيلَ: سمي قرنا لِأَنَّهُ يقرن أمة بِأمة، وعالما بعالم، وَهُوَ مصدر: قرنت، جعل اسْما للْوَقْت أَو لأَهله، وَقيل: الْقرن: ثَمَانُون سنة، وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَقيل: مائَة سنة.
3615 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِلا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ،(13/195)
فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ.
3616 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا سَيَّارٌ، نَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، أَنا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ.(13/196)
قَوْله: «نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر» ، مَعْنَاهُ: أَن الْعَدو يخافني، وبيني وَبَينه مَسَافَة شهر، وَذَلِكَ مِن نصر اللَّه إِيَّاه.
وَقَوله: «جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا» ، أَرَادَ أَن أهل الْكتاب مَا أبيحت لَهُم الصَّلَاة إِلَّا فِي بيعهم وكنائسهم، وأباح اللَّه عز وَجل لهَذِهِ الْأمة الصَّلَاة حَيْثُ كَانُوا تَخْفِيفًا عَلَيْهِم وتيسيرا، ثُمَّ خص مِنْهَا الْمقْبرَة وَالْحمام، وَالْمَكَان النَّجس، فنهوا عَن الصَّلَاة فِيهَا.
وَقَوله: «وَطهُورًا» ، أَرَادَ بِهِ التُّرَاب، كَمَا بَينه فِي حَدِيث حُذَيْفَة «جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا» .
وَقَوله: «وَأحلت لي الْمَغَانِم» ، أَرَادَ أَن الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة مِنْهُم مِن لم يكن أُبِيح لَهُم جِهَاد الْكفَّار، فَلم يكن لَهُم مَغَانِم، وَمِنْهُم مِن أُبِيح لَهُم الْجِهَاد، وَلَكِن لم تبح لَهُم الْغَنَائِم، فَكَانَت غنائمهم تُوضَع، فتأتي نَار فتحرقها، وأباحها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهَذِهِ الْأمة.
وَقَوله: «أَعْطَيْت الشَّفَاعَة» ، فَهِيَ الْفَضِيلَة الْعُظْمَى الّتي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد يَوْم الْقِيَامَة، وَبهَا سَاد الْخلق كلهم حَتَّى قَالَ: «أَنَا سيد وُلِدَ آدم» ، وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي أعطَاهُ اللَّه عز وَجل.
3617 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ،(13/197)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ.
قَوْله: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم» ، قِيلَ: يَعْنِي: الْقُرْآن، جمع اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلُطْفِهِ مَعَاني كَثِيرَة فِي أَلْفَاظ يسيرَة، وَقيل: مَعْنَاهُ: إيجاز الْكَلَام فِي إشباع مِن الْمَعْنى، فالكلمة القليلة الْحُرُوف مِنْهَا يتَضَمَّن كثيرا مِن الْمعَانِي، وأنواعا مِن الْأَحْكَام.
3618 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَتُلَّتْ فِي يَدِي» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،(13/198)
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَوْله: «أتيت بمفاتح خَزَائِن الأَرْض فتلت فِي يَدي» ، يحْتَمل أَن يكون هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا فتح لأمته وَجُنُوده مِن الخزائن، كخزائن كسْرَى وَقَيْصَر، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مِنْهُ معادن الأَرْض الّتي فِيهَا الذَّهَب وَالْفِضَّة وأنواع الفلز، أَي: ستفتح الْبلدَانِ الّتي فِيهَا هَذِه الْمَعَادِن والخزائن، فَتكون لأمته.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ذهب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُم تنتثلونها.
أَي: تستخرجونها.
وَقَوله: «تلت فِي يَدي» ، أَي: ألقيت فِي يَدي.
3619 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا، فَأَحْسَنَهَا، وَأَجْمَلَهَا، وَأَكْمَلَهَا إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ، وَيُعجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ، فَيَقُولُونَ: أَلا وُضِعَتْ هَاهُنَا لَبِنَةٌ، فَتَمَّ بِنَاؤُهُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ "(13/199)
3619 - وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَوْله: «إخْوَة مِن علات» ، مَا ذكر فِي الحَدِيث أَن أمهاتهم شَتَّى وَدينهمْ وَاحِد، يقَالَ لإخوة بني أَب وَأم: بَنو الْأَعْيَان، فَإِن كَانُوا لأمهات شَتَّى، فهم بَنو العلات، فَإِن كَانُوا لآباء شَتَّى، فهم أخياف، يُرِيد: أَن أصل دين الْأَنْبِيَاء وَاحِد، وَإِن كَانَت شرائعهم مُخْتَلفَة، كَمَا أَن أَوْلَاد العلات أَبُوهم وَاحِد، وَإِن كَانَت أمهاتهم شَتَّى.
3620 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،(13/200)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، الأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ مَرْيَمَ نَبِيٌّ»
3620 - قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ قَصْرٍ أُحْسِنَ بُنْيَانُهُ، تُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ، فَطَافَ بِهَا النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنٍ بِنَائِهِ إِلا مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، لَا يَعِيبُونَ سِوَاهَا، فَكُنْتُ أَنَا سَدَدْتُ مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، خُتِمَ بِيَ الْبُنْيَانُ، وَخُتِمَ بِيَ الرُّسُلُ»
3621 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا، فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ.
قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ".(13/201)
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ مجرٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ.
3622 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، نَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، نَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي الْكُوفِيَّ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي لِتَمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَتَمَامِ مَحَاسِنِ الأفْعَالِ» ، وَذَكَرَ مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ»
3623 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، نَا دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ، وَكَمَالِ مَحَاسِنِ الأَفْعَالِ "(13/202)
3624 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّوَيْهِ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أًوَّلُهُمْ خُرُوجًا، وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا مُسْتَشْفِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا الْكَرَامَةَ، وَالْمَفَاتِيحُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي يَطُوفُ عَلَيَّ ألْفُ خَادِمٍ، كَأَنَّهُمْ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ» ، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
3625 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَنا هِقْلٌ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ.(13/203)
حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» ، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي، فَيُدْخِلُنِيهَا، وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ عَلَى اللَّهِ وَلا فَخْرَ» قلت: وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَة أَبِي سعيد الْخُدْرِيّ: «لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ(13/204)
اللَّهِ» وَلَيْسَ معنى النَّهْي عَن التَّخْيِير أَن يعْتَقد التَّسْوِيَة بَينهم فِي درجاتهم، فَإِن الله عز وَجل قد أَخْبَرَنَا أَنه فضل بَعضهم على بعض، فقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الْبَقَرَة: 253] الْآيَة، بل مَعْنَاهُ ترك التَّخْيِير على الإزراء ببعضهم، والإخلال بِالْوَاجِبِ من حُقُوقهم، فَإِنَّهُ يكون سَببا لفساد الِاعْتِقَاد فِي بَعضهم وَذَلِكَ كفر.
فَإِن قيل: قد روى عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تفضلوا بَين أَنْبيَاء الله، وَلَا أَقُول: إِن أحدا أفضل من يُونُس بْن مَتى ".
وَعَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: إِنِّي خير من يُونُس بْن مَتى «فَكيف وَجه الْجمع بَين هَذَا، وَبَين قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام» أَنا سيد ولد آدم " قيل: التَّوْفِيق بَين الْمُحدثين وَاضح، وَذَلِكَ أَن قَوْله «أَنا سيد ولد آدم» إِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَمَّا أكْرمه الله بِهِ من الْفَضْل والسؤدد، وتحديث بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: 11] وإعلام لأمته وَأهل دَعوته علو مَكَانَهُ عِنْد ربه، وَكَانَ بَيَان ذَلِك للْأمة من اللَّازِم الْمَفْرُوض عَلَيْهِ، ليَكُون إِيمَانهم بِهِ على حسب ذَلِك.(13/205)
وَقَوله: «لَا فَخر» أَي: إِنَّمَا أقوله مُعْتَمدًا بِالنعْمَةِ لَا فخرا واستكبارا، أَو قَوْله تبليغا لما أمرت بِهِ لَا افتخارا.
وَقَوله: " لَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: إِنِّي خير من يُونُس، ويروى من قَالَ: أَنا خير من يُونُس بْن مَتى، فقد كذب، فقد قيل: أَرَادَ بِهِ من سواهُ من النَّاس دون نَفسه، وَقيل: هُوَ عَام فِيهِ وَفِي غَيره، وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ على سَبِيل إِظْهَار التَّوَاضُع لرَبه، يَقُول: لَا يَنْبَغِي لي أَن أقوله، لِأَن الْفَضِيلَة الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله وخصوصية مِنْهُ، لم أنلها من قبل نَفسِي، وَلَا بلغتهَا بحولي وقوتي، وَإِنَّمَا خص يُونُس بِالذكر، وَالله أعلم، لما قد قصّ الله علينا من شَأْنه، وَمَا كَانَ من قلَّة صبره على أَذَى قومه، حَتَّى قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [الْقَلَم: 48] {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الْأَحْقَاف: 35] ، وَالله أعلم.(13/206)
3626 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْبَلْخِيُّ، مُشَافَهَةً، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، نَا عَمِّي، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ هِلالٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي: دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي، وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ "
قَوْله: لمجدل، أَي: مطروح على وَجه الأَرْض صُورَة من طين، لم يجر فِيهِ الرّوح بعد، ودعوة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، قَوْله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} [الْبَقَرَة: 129] ، وَبشَارَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، قَوْله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّفّ: 6] .(13/207)
3627 - نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا فُلَيْحٌ، نَا هِلالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا " تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلالٍ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ(13/208)
هِلالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ سَلامٍ.
صَحِيحٌ.
قَوْله: " لَيْسَ بفظٍ " أَي: غليظ الْجَانِب، سيئ الْخلق، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَوْ كُنْتَ فظّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضَوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمرَان: 159] .
3628 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: " إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَا فَظٌّ وَلا غَلِيظٌ، وَلا سَخَّابٌ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ، وَيُكَبِّرُونَهُ عَلَى كُلِّ(13/209)
نَجْدٍ، يَأْتَزِرُونَ إِلَى أَنْصَافِهِمْ، وَيُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ، صَفُّهُمْ فِي الصَّلاةِ، وَصَفُّهُمْ فِي الْقِتَالِ سَوَاءٌ، مُنَادِيهِمْ يُنَادِي فِي جَوِّ السَّمَاءِ، لَهُمْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَمُهَاجَرُهُ بِطَابَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ "
وَرُوِيَ عَن أَبِي صَالح ذكْوَان، عَن كَعْب يَحْكِي، عَن التوارة، قَالَ: نجد مَكْتُوبًا: مُحَمَّد رَسُول الله، عَبدِي الْمُخْتَار، لَا فظ وَلَا غليظ، وَلَا سخاب بالأسواق، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة، وَلَكِن يعْفُو وَيغْفر، مولده بِمَكَّة، وهجرته بِطيبَة، وَملكه بِالشَّام، وَأمته الْحَمَّادُونَ، يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء، يحْمَدُونَ الله فِي كل منزلَة، ويكبرونه على كل شرف، رُعَاة للشمس، يصلونَ الصَّلَاة إِذا جَاءَ وَقتهَا، يتأزرون على أَنْصَافهمْ، ويتوضئون على أَطْرَافهم، مناديهم يُنَادي فِي جو السَّمَاء، صفهم فِي الْقِتَال، وَصفهم فِي الصَّلَاة سَوَاء، لَهُم بِاللَّيْلِ دوِي كَدَوِيِّ النَّحْل.(13/210)
بَاب أَسمَاء النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3629 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِي أَسْمَاءَ، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَالْعَاقِبُ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.(13/211)
3630 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ لِي أَسْمَاءَ: أَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ ".
قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: مَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَوْله: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي» أَيْ: أَنَّهُ يُحْشَرُ أَوَّل النَّاسِ، كَقَوْلِهِ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ» .
وَ «الْعَاقِبُ» الآخِرُ، يُرِيدُ خَاتمَ الأَنْبِيَاءِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَلذَلِك كل شَيْء خلف بعد الشَّيْء، فَهُوَ عاقب، وَقد عقب يعقب عقبا وعقوبا، وَلِهَذَا قيل لولد الرجل بعده: هُوَ عقبه.
3631 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،(13/212)
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: لَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَأَنَا الْمُقَفَّى، وَأَنَا الْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ»
وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: «المقفي» : المتبع لِلنَّبِيِّينَ، وقَالَ شمر: المقفي وَالْعَاقِب وَاحِد، وَهُوَ الْمولي الذَّاهِب، يقَالَ: قفي عَلَيْهِ: إِذا ذهب، فَكَأَن الْمَعْنى أَنه آخر الْأَنْبِيَاء، فَإِذا قفي، فَلَا نَبِي بعده، فَإِن قيل: قد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أَنا نَبِي الرَّحْمَة، وَنَبِي الْمَلَاحِم» كَيفَ وَجه الْجمع بَينهمَا؟ وقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّمَا أَنا رَحْمَة مهداة» ، وقَالَ: «بعثت بِالرَّحْمَةِ» .
وقَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 107] ، فَكيف يكون مَبْعُوثًا بِالرَّحْمَةِ، وَقد(13/213)
بعث بِالسَّيْفِ؟ قيل: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ كَمَا ذكر، وكما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذَلِكَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وأيدهم بالمعجزات، فَمن أنكر من تِلْكَ الْأُمَم الْحق بعد الْحجَّة والمعجزة عذبُوا بِالْهَلَاكِ والاستئصال، وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِالْجِهَادِ مَعَهم بِالسَّيْفِ، ليرتدعوا عَن الْكفْر، وَلم يجتاحوا بِالسَّيْفِ، فَإِن للسيف بَقِيَّة، وَلَيْسَ مَعَ الْعَذَاب الْمنزل بَقِيَّة، وَقد رُوِيَ أَن قوما من الْعَرَب، قَالُوا: يَا رَسُول الله، أفنانا السَّيْف، فقَالَ: «ذَلِك أبقى لآخرتكم» ، فَهَذَا معنى الرَّحْمَة الْمَبْعُوث بهَا ذكره الْخطابِيّ.
قلت: وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك حَدِيث عَائِشَة: إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث إِلَيْهِ ملك الْجبَال، فقَالَ: إِن شِئْت أَن أطبق عَلَيْهِم الأخشبين، فقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بل أَرْجُو أَن يخرج الله من أصلابهم من يعَبْد اللَّهِ وَحده لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا» .
قلت: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ أَيْضا، من حَيْثُ إِن الله وضع فِي شَرِيعَته عَن أمته مَا كَانَ فِي شرائع الْأُمَم السالفة عَلَيْهِم من الآصار والأغلال، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابه فِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الْأَعْرَاف: 156] إِلَى قَوْله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الْأَعْرَاف: 157] وَأعْطى أمته فِي الْأَعْمَار القصيرة على الْأَعْمَال الْيَسِيرَة ضعف مَا أعْطى الْأُمَم الْمَاضِيَة فِي الْأَعْمَار الطَّوِيلَة على الْأَعْمَال الْكَثِيرَة الثَّقِيلَة، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث(13/214)
ابْن عمر: " إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالُوا: مَا لنا أَكثر عملا وَأَقل عَطاء؟ قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَذَلِك فضلي أوتيه من أَشَاء ".
فقد أكمل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الْخَلَائق بإرساله الرَّحْمَة، وَأتم عَلَيْهِم النِّعْمَة، وَأعظم عَلَيْهِم الْمِنَّة، فَلهُ الْحَمد أَولا وآخرا، وظاهرا وَبَاطنا.
بَاب خَاتم النُّبُوَّة
3632 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ: " ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ زِرِّ الْحَجَلَةِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَأَرَادَ(13/215)
بزر الحجلة: الأزرار الَّتِي تشد على مَا يكون فِي حجال العرائس من الكلل والستور.
قَالَ الْخطابِيّ: وَسمعت من يَقُول: زر الحجلة بَيْضَة حجل الطير، يقَالَ للْأُنْثَى مِنْهَا: الحجلة، وللذكر: اليعقوب، وَهَذَا شَيْء لَا أحقه.
3633 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ، نَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أخرجه مُسلم، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن إِسْرَائِيل، عَن سماك، وَقَالَ: مثل بَيْضَة الْحَمَامَة يشبه جسده.
3634 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ،(13/216)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرِبْتُ مِنْ شَرَابِهِ، وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهُ جَمْعُ خِيلانٍ سُودٍ، كَأَنَّهَا ثَآلِيلُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَامِدٍ الْبكرَاوِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمٍ.
نغض الْكَتف: هُوَ الْعظم الرَّقِيق على طرفها، والناغض من الْإِنْسَان أصل الْعُنُق حَيْثُ ينغض رَأسه، وَقيل: الناغض: فرع الْكَتف، سمي ناغضا لتحركه، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الْإِسْرَاء: 51] أَي: يحركونها على سَبِيل الهزء.
بَاب صفة النَّبِي
3635 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(13/217)
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ.
قَوْله: «لَيْسَ بالأبيض الأمهق» : الشَّديد الْبيَاض الَّذِي لَا يخالط بياضه شَيْء من الْحمرَة كلون الجص.
والجعد القطط: الشَّديد الجعودة مثل أشعار الْحَبَش، والسبط: لَيْسَ لَهُ تكسر، يَقُول: هُوَ جعد رجل.
3636 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو النُّعْمَانِ، أَنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلا قَبْلَهُ، وَكَانَ بَسْطَ الْكَفَّيْنِ» .(13/218)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3637 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلا لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلا الْجَعْدِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ.
3638 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى بْنُ حُجْرٍ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ» .(13/219)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ عُلَيَّةَ.
3639 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بِشْرَانُ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
3640 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً، وَلَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ، حَسَنَ الْجِسْمِ، وَكَانَ شَعَرُهُ لَيْسَ بِجَعْدٍ وَلا سَبْطٍ، أَسْمَرَ اللَّوْنِ، إِذَا مَشَى يَتَوَكَّأُ»
قَوْله: ربعَة: هُوَ الرجل بَين الرجلَيْن، كَمَا قَالَ: لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير.(13/220)
3641 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، نَا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَلا بِالْقَصِيرِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ، مُشْرَبٌ حُمْرَةً، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفِّيًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْله: «شثن الْكَفَّيْنِ» ، أَي: غليظهما، يقَالَ مِنْهُ: شثن وشثن شثنا، وشنث شنثا.
قَوْله: مشرب حمرَة، إِذا كَانَ فِي بياضه.
وَقَوله: «ضخم الكراديس» .
أَرَادَ: ضخم الْأَعْضَاء، والكراديس: رُءُوس الْعِظَام، وَقيل لكتائب الْخَيل: كراديس.
وَقَوله: «طَوِيل المسربة» .
وَفِي حَدِيث هِنْد بْن أَبِي هَالة: دَقِيق المسربة، فالمسربة: الشّعْر المستدق من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة.
وَقَوله: «إِذا مَشى(13/221)
تكفأ تكفيا» ، أَي: تمايل إِلَى قُدَّام، كَمَا تتكفأ السَّفِينَة فِي جريها، والصبب: الحدور، وَهُوَ مَا انحدر من الأَرْض وَجمعه أصباب، يُرِيد: أَنه كَانَ يمشي مشيا قَوِيا، يرفع رجلَيْهِ من الأَرْض رفعا بَائِنا، لَا كمن يمشي اختيالا، وَيُقَارب خطاه تنعما.
3642 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، أَنا الْحَجَّاجُ، وَهُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلا تَبَسُّمًا، فَكُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ، قُلْتُ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَالْحُمُوشَةُ: الدِّقَّةُ.
3643 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوشَ الْعَقِبِ، قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ(13/222)
الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ.
قُلْتُ: مَا مَنْهُوشُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى.
قَالَ أَبُو عبيد: الشكلة حمرَة فِي بَيَاض الْعين، والشهلة: حمرَة فِي سَواد الْعين، ويروى: منهوس الْقَدَمَيْنِ بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ أَيْضا: قَلِيل لَحمهَا، والنهس: أَخذ مَا على الْعظم من اللَّحْم بأطراف الْأَسْنَان، والنهش بالأضراس، ويقَالَ: نهشت عضداه: إِذا دقتا.
3644 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ»
3645 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،(13/223)
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَمْ يَكُنْ بِالْقَصِيرِ، وَلا بِالطَّوِيلِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ وَكِيعٍ.
اللمة: دون الجمة، سميت لمة، لِأَنَّهَا ألمت بالمنكبين، فَإِذا زَادَت، فَهِيَ الجمة.
3646 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: «عَظِيمَ الجمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ»
3647 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:(13/224)
سُئِلَ الْبَرَاءُ " أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3648 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَ: نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ رَآهُ غَيْرِي، قُلْتُ: صِفْهُ لِي، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ.
قَوْله: مقصدا، أَي: لَيْسَ بجسيم، وَلَا قصير، قيل: هُوَ الْقَصْد من الرِّجَال نَحْو الربعة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [فاطر: 32] أَي: بَين الظَّالِم نَفسه، وَالسَّابِق بالخيرات.
3649 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ،(13/225)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ» .
وأَبُو يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
3650 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا أَبُو الْجَوْشَنِ الْكِلابِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى غَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرَأَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ ذِمَّةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ فَعَرَفَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ(13/226)
مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
3651 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ.
قَوْله: ضرب من الرِّجَال، يقَالَ: ضرب، أَي: خَفِيف اللَّحْم.
بَاب شَيْبه وخضابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3652 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،(13/227)
أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ شَيْبًا فِي صُدْغَيْهِ، وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ.
3653 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ»
3654 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:(13/228)
قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: " أَكَانَ فِي رَأْسِ رسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْبٌ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْبٌ إِلا شَعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، إِذَا ادَّهَنَ، وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ.
3655 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، نَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3656 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،(13/229)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شعْرَةً» .
وَأَخْبَرَنَاه أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرَ بنِ الوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، نَا يَحْيَى بْن آدَمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
3657 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو رِمْثَةَ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنٍ لِي، فَقَالَ: ابْنُكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلا تَجْنِي عَلَيْهِ "، قَالَ: وَرَأَيْتُ الشَّيْبَ أَحْمَرَ "
3657 - وقَالَ
سُفْيَان
، عَنْ
إِيَادٍ، عَنْ أَبِي رَمْثَةَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَ قَدْ لَطَّخَ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ "(13/230)
بَاب طيب رِيحه عَلَيْهِ السَّلَام
3658 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ خَزَّةً، وَلا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنْ حُمَيْدٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهَا، فَيُقَيِّلُ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ»
3659 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ(13/231)
عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، نَا أَسْبَاطٌ، وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا، فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3660 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، " أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطْعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطْعِ، قَالَ: فَإِذَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعْرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَر أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ، أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي(13/232)
حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3661 - وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا هَاشِمٌ، يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، فَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3662 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا أَبُو يَعْلَى، أَنا بِشْرُ بْنُ سَيْحَانَ، نَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الأَبَحُّ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،(13/233)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا نَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْبَلَ بِطِيبِ رِيحِهِ»
بَاب حسن خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [الْقَلَم: 4] ، قَالَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ: أدب الْقُرْآن، وقَالَت عَائِشَة: كَانَ خلقه الْقُرْآن.
3663 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خُلُقًا، لَيْسَ بالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلا بِالْقَصِيرِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(13/234)
3664 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضّبعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، وَلا مَسسْتُ خَزًّا قَطُّ، وَلا حَرِيرًا، وَلا شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا شَمِمْتُ مِسْكًا، وَلا عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ آخِرَهُ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَا أَوَّلَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ.
3665 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِهْرَجَانِيُّ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَنْدُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ لَيْسَ(13/235)
كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ يَكُونَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَمَا قَالَ لِي: لِمَ فَعَلْتَ هذَا؟ أَوْ أَلا فَعَلْتَ "
3666 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا "
3667 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا ضَرَب خَادِمًا وَلا امْرَأَةً» .(13/236)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ.
3668 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَنا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَلا سَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو أَوْ يَصْفَحُ»
الْفَاحِش: ذُو الْفُحْش فِي كَلَامه.
والمتفحش: الَّذِي يتَكَلَّف ذَاك ويتعمده.
3669 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلِيطٍ الْعَبْدِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا فُلَيْحٌ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلالِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: " لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلا فَحَّاشًا،(13/237)
وَلا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
3670 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ،(13/238)
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ: وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ
3671 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَنا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ، فَتَمعَّرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، فَضَبَرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ.(13/239)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»
بَاب تواضعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3672 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلانٍ، اجْلِسِي فِي أَيِّ سِكَكِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسُ إِلَيْكِ، قَالَ: فَفَعَلَتْ، فَقَعَدَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حُمَيْدٍ،(13/240)
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.
3673 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ , أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَنا مُسْلِمٌ الأَعْوَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتَّبِعُ الْجِنَازَةَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ لِيفٌ»
3674 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنا أَبُو(13/241)
الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، نَا أَبُو عِصَامٍ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْحَسَنِ، هُوَ ابْنُ عُمَارَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعُرْيَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَنَامُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَقُولُ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ جِئْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ "
3675 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ(13/242)
أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ "
قَوْلهَا: يخصف نَعله، أَي: يطبق طَاقَة على طَاقَة، وأصل الخصف: الْجمع وَالضَّم، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الْأَعْرَاف: 22] أَي: يطبقان على بدنهما ورقة ورقة.
3676 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: قِيلَ لِعَائِشَةَ " مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ "
3677 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمٌ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ،(13/243)
يَعْنِي هَاشِمَ بْنَ الْقَاسِمِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3678 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: نَا شُعْبَةُ: «فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ، خَرَجَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.(13/244)
3679 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: «مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ؟ كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ، فَكَانَ إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا، ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الآخِرَةَ، ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا أُحدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
3680 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا عِمْرَانُ بْنُ زَيْدٍ التَّغْلِبِيُّ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَافَحَ الرَّجُلَ، لَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ، وَلا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي(13/245)
يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
3681 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ , أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ.
قَوْله: «لَا تطروني» الإطراء: مُجَاوزَة الْحَد فِي الْمَدْح وَالْكذب فِيهِ، وَذَلِكَ أَن النَّصَارَى أفرطوا فِي مدح عِيسَى وإطرائه بِالْبَاطِلِ، وجعلوه ولدا، فَمَنعهُمْ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَن يطروه بِالْبَاطِلِ.
3682 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْحَارِثِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ،(13/246)
نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَكَثَ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَذَهَبَ بِي إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَعَدْتُ فِي الآخَرِ، فَنَشَأَتْ بِنَا حَتَّى مَلأَتِ الأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدِي إِلَى السَّمَاءِ، لَنِلْتُهَا، ثُمَّ دُلِّيَ سَبَبٌ، فَهَبَطَ النُّورُ، فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَبِيًّا عَبْدًا، أَوْ نَبِيًّا مَلِكًا وَإِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ؟ فَأَوْمَى إِلَيَّ جِبْريِلُ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ: بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
3683 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، نَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَقْبُرِيَّ،(13/247)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، لَوْ شِئْتُ، لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ، جَاءَنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: إنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ، فَقُلْتُ: نَبِيًّا عَبْدًا ".
قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا، يَقُولُ: «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ»
3684 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، نَا سَلَمَةُ بْنُ الْخَلِيلِ الْكَلاعِيُّ، نَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ، " أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ، مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: يَا رَسُولَ(13/248)
اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، بَلْ عَبْدًا نَبِيًّا، فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
بَاب جوده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3685 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يقُولُ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَالَ: لَا ".(13/249)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
3686 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سِبْطُ الصَّالْحَانِيِّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْقُرَشِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: لَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3687 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدَ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،(13/250)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
3688 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، إِمْلاءً، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحِيدَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَجْوَدِ النَّاسِ، وَأَشْجَعِ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَرَّةً، فَرَكِبَ فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيًا، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا وَجَدْنَاهُ بَحْرًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ،(13/251)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
قَوْله: فزع أهل الْمَدِينَة، أَي: اسْتَغَاثُوا، والفزع: بِمَعْنى الْخَوْف، وَيكون بِمَعْنى الإغاثة، وَقَوله: «عري» ، يقَالَ: فرس عري، وخيل أعراء، وَلَا يقَالَ: رجل عري، وَلَكِن عُرْيَان.
قَوْله: «لن تراعوا» مَعْنَاهُ: لَا فزع وَلَا روع، فاسكنوا، يقَالَ: ريع فلَان: إِذا فزع، ويروى: «لم تراعوا» وتضع الْعَرَب لم، وَلنْ بِمَعْنى لَا.
3689 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ تَبِعَهُ الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، فَأَلْجَئُوهُ إلَى شَجَرَةٍ، فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَتخْشَوْنَ عَلَيَّ الْبُخْلَ؟ فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلا، وَلا جَبَانًا، وَلا كَذَّابًا ".(13/252)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ.
3690 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ»
3691 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سِبْطُ الصَّالْحَانِيِّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا أَبُو يَعْلَى، أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ، فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى الرَّجُلُ قَوْمَهُ، فَقَالَ: أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ رَجُلٍ مَا يَخَافُ فَاقَةً ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
3692 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلالُ،(13/253)
نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ: «أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ صَفْوَانَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ هَذَا أَصَحَّ وَأَشْبَهَ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سرحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
بَاب حيائه وَقلة كَلَامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3693 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ، مَوْلَى أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَشَدَّ(13/254)
حَيَاءً مِنْ عَذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا، رَأَيْنَاهُ فِي وَجْهِهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ.
3694 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ.
3695 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا قَيْسٌ، هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، أَنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ،(13/255)
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَ الصَّمْتِ»
3696 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْلهَا: يسْرد سَرْدكُمْ، أَي: يُتَابِعه، وَمثله: فلَان يسْرد الصّيام سردا، أَي: يواليه، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] وَهُوَ مُتَابعَة حلق الدرْع شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى يتناسق، معنى التَّقْدِير فِي السرد، أَي: لَا تجْعَل المسامير دقاقا، فتفلق، وَلَا غلاظا فتفصم الْحلق.(13/256)
بَاب شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَنَسٌ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَجْوَدِ النَّاسِ، وَأَشْجَعِ النَّاسِ»
3697 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ، نَا إِبْرَاهِيمُ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا، وَاللَّهِ، إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، نَتَّقِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا الَّذِي يُحَاذِي بِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا.
3698 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ(13/257)
أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ»
قَوْله: احمر الْبَأْس، أَي: اشْتَدَّ الْحَرْب، يقَالَ: موت أَحْمَر، أَي: شَدِيد.
وَقَوله: اتقينا برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي: جَعَلْنَاهُ واقية لنا من الْعَدو.
3699 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا جُبَيْرُ بْنُ هَارُونَ، نَا عَلِيٌّ الطَّنَافِسِيُّ، نَا وَكِيعٌ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ بَدْرٍ، وَنَحْنُ نَلُوذُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا»
3700 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَارِثِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ شُعْبَةَ، نَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، نَا صَدَقَةُ الزِّمَّانِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَسْمَحَ النَّاسِ»(13/258)
بَاب تبسمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3701 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَنا عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
3702 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا(13/259)
أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
بَاب اخْتِيَاره أيسر الْأَمريْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3703 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا» .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، أَنا أَبُو إِسْحَاق الهاشميُّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ،(13/260)
وَقَالَ: «فَيَنْتَقِمُ بِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ.
بَاب جَامع صِفَاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3704 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الأَنْبَارِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي دَارِهِ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَكَرِيَّا الْبَاذِنْجَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ نَصْرٍ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالا: نَا مُكَرَّمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُوَيْلِدٍ الْخُزَاعِيُّ , ثُمَّ الْكَعْبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي مُحْرِزُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ جُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ بِنْتِ خَالِدٍ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مَعْبَدٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ(13/261)
خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأُرَيْقِطِ اللَّيْثِيُّ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الخَيْمَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا، قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلَبًا، فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ، وَاجْتَرَّتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ، ثُمَّ أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا، يَتَسَاوَكْنَ هَزْلَى(13/262)
ضُحًى، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ، عَجِبَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ لَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، إِنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صُقْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَجْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ المَنْطِقِ، فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلا هَذَرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لَا يَأْسَ مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إنْ قَالَ: أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا لأَمْرِهِ، مَحْشُودٌ مَحْفُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ.
قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى(13/263)
ذَلِكَ سَبِيلا، وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فَعَالٍ لَا يُجَازَى وَسُؤْدَدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُم إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ
فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ(13/264)
قَوْله: «بَرزَة» أَي: هِيَ كهلة لَا تحتجب احتجاب الشواب، وَقَوله: مُرْمِلِينَ: أَي: نفد زادهم، يقَالَ: أرمل الرجل: إِذا ذهب طَعَامه.
وَقَوله: «مُسنَّتَيْنِ» ، أَي: أَصَابَهُم الْقَحْط، يقَالَ: أَسِنَت الْقَوْم، فهم مسنتون، ويروى: مشتين، أَي: أَصَابَتْهُم المجاعة، وَتجْعَل الْعَرَب الشتَاء مجاعَة.
ويقَالَ: مشتين: داخلين فِي الشتَاء، يقَالَ: أشتى الْقَوْم: إِذا دخلُوا فِي الشتَاء، وأصافوا: إِذا دخلُوا فِي الصَّيف.
وَكسر الْخَيْمَة: جَانب مِنْهَا، وَفِيه لُغَتَانِ: كِسرٌ وكَسرٌ، مثل نِفط ونَفط، وبِزر وبَزر.
وَقَوْلها: «خلفهَا الْجهد» ، أَي: الهزال، يقَالَ: جهد الرجل، فَهُوَ مجهود: إِذا هزل.
وَقَوله: فتفاجت، أَي: فتحت مَا بَين رِجْلَيْهَا للحلب.
قَوْله: «دَعَا بِإِنَاء يربض الرَّهْط» ، أَي: يرويهم حَتَّى يثقلوا فيربضوا ويناموا، يقَالَ: أربضت الشَّمْس: إِذا أَشْتَدّ حرهَا حَتَّى تربض الْوَحْش فِي كناسها.
والرهط: مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَكَذَلِكَ النَّفر،(13/265)
والعصبة: مَا بَين ذَلِك إِلَى الْأَرْبَعين.
وَقَوله: «فَحلبَ فِيهِ ثجاجا» ، فالثج: السيلان، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] أَي: سيالا.
وَقَوله: حَتَّى علاهُ الْبَهَاء، يُرِيد علا الإناءَ بهاءُ اللَّبن، وَهُوَ وبيض رغوته، تُرِيدُ أَنه ملأَهُ.
وَقَوله: «ثمَّ أراضوا» ، أَي: شربوا عللا بعد نهل، مَأْخُوذ من الرَّوْضَة، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يستنقع فِيهِ المَاء، يُرِيد شربوا حَتَّى رووا فنقعوا بِالريِّ، يقَالَ: أراض الْوَادي، واستراض: إِذا استنقع فِيهِ المَاء، ويقَالَ: حَتَّى أراضوا، أَي: نَامُوا على الإراض، وَهُوَ الْبسَاط.
وَقَوله: «يتساوكن هزلى» أَي: تتمايل من الضعْف والهزال، وَفِي رِوَايَة: «تشاركن هزلى» أَي: عمهن الهزال، فاشتركن فِيهِ، وَفِي رِوَايَة: «لَا نقي بِهن» ، والنقي: المخ.
وَقَوله «وَالشَّاء عَازِب» ، أَي: بعيد فِي المرعى، يقَالَ: عزب فلَان، أَي: بعد، والحيال: الَّتِي لم تحمل، يقَالَ: حَالَتْ الشَّاة تحول حيالا: إِذا لم تحمل بعد الضراب.
وَقَوْلها: «أَبْلَج الْوَجْه» ، تُرِيدُ مشرق الْوَجْه مضيئه، يقَالَ: تبلج الصُّبْح وانبلج: إِذا أَسْفر، وَلم ترد بلج الْحَاجِب، أَلا ترى أَنَّهَا تصفه بالقرن.
وَقَوْلها: «لم تَعبه نحلة» ، أَي: دقة من نحول الْجِسْم، ويروى: «ثجلة» بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْجِيم، وَهُوَ عظم الْبَطن، يقَالَ: رجل أثجل، أَي: عَظِيم الْبَطن، وَكَذَلِكَ العثجل.
وَقَوْلها: «وَلم تزر بِهِ صقلة» أَي: دقة، وَقيل: أَرَادَت بِهِ(13/266)
أَنه لم يكن منتفخ الخاصرة جدا، وَلَا ناحلا جدا، وَلَكِن كَانَ رجلا ضربا، والصقلة: الخاصرة، يقَالَ: فرس صقل: إِذا كَانَ طويلها، وَهُوَ عيب، تُرِيدُ أَنه رجل لَيْسَ بناحل وَلَا منتفخ، ويروى: لم تزر بِهِ صعلة بِالْعينِ وَهِي صغر الرَّأْس، يقَالَ للظليم: صعل لصِغَر رَأسه.
وَقَوْلها: «وسيم قسيم» ، فالوسيم: الْحسن الوضي، يقَالَ: وسيم بَين الوسامة، والقسيم: الْحسن أَيْضا، والقسامة: الْحسن.
والدعج: السوَاد فِي الْعين وَغَيرهَا.
وَقَوْلها: وَفِي أَشْفَاره وَطف أَي: طول، يقَالَ: وَطف، فَهُوَ أَوْطَفُ، ويروى عطف وغطف بِالْعينِ والغين جَمِيعًا، وَالْمرَاد مِنْهُ الطول أَيْضا.
وَقَوْلها: «وَفِي صَوته صَهل» أَي: حِدة وصلابة، وَمِنْه صَهِيل الْخَيل، وَفِي رِوَايَة صَحِلَ، أَي: بحة، وَهُوَ أَلا يكون حاد الصَّوْت، وَذَلِكَ حسن إِذا لم يكن شَدِيدا.
وَقَوْلها: «وَفِي عُنُقه سَطَعَ» .
أَي: طول، يقَالَ: رجل أسطع، وعنق سطعاء: إِذا كَانَت منتصبة، وَمِنْه قيل للصبح أول مَا ينشق مستطيلا: سَطَعَ يسطع.
وَقَوْلها: «أَزجّ أقرن» فالزج فِي الْحَاجِب: تقوس فِيهَا مَعَ طول فِي أطرافها، وسبوغ فِيهَا، والقرن: التقاء الحاجبين.
ويروى فِي صفته عَلَيْهِ السَّلَام خِلَافه عِنْد هِنْد بْن أَبِي هَالة: أَزجّ الحواجب، سوابغ من غير قرن.
وَقَوْلها: «إِن تكلم سما» ، تُرِيدُ علا بِرَأْسِهِ، وارتفع من جُلَسَائِهِ.
وَقَوْلها فِي صفة مَنْطِقه: «فصل» ، أَي: بَين.
«لَا نزر وَلَا هذر»(13/267)
تُرِيدُ: وسط لَيْسَ بِقَلِيل وَلَا كثير، فالنزر: الْقَلِيل، والهذر: الْكثير، وَهُوَ معنى صفته فِي حَدِيث هِنْد: «يتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فصل لَا فضول وَلَا تَقْصِير» .
وَقَوْلها: «لَا بَأْس من طول» ، مَعْنَاهُ: أَن قامته لَا يؤيس من طولهَا، لِأَنَّهُ كَانَ إِلَى الطول أقرب، أَي: لَيْسَ بالطويل الَّذِي يؤيس من مطاولته لإفراط طوله، كَمَا فِي حَدِيث أنس «لَيْسَ بالطويل الْبَائِن وَلَا بالقصير» .
وَقَوْلها: «وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر» ، أَي: لَا تحتقره وَلَا تزدريه فيتجاوز مِنْهُ إِلَى غَيره، يقَالَ: اقتحمت فلَانا عَيْني: إِذا احتقرته واستصغرته.
وَقَوْلها: «محشود مَحْفُودٌ» ، مَعْنَاهُ: أَن أَصْحَابه يَجْتَمعُونَ عَلَيْهِ، ويخدمونهم، ويسرعون فِي طَاعَته، يقَالَ: رجل محشود عِنْده حشد من النَّاس، أَي: جمَاعَة، والمحفود: المخدوم، والحفدة: الخدم.
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النَّحْل: 72] أَي: هم بنُون، وهم خدم، ويقَالَ: الحفدة الأعوان، فأصله من حفد يحفد: إِذا أسْرع فِي سيره.
وَقَوْلها: «لَا عَابس» ، مَعْنَاهُ: غير عَابس الْوَجْه.
وَقَوْلها: «وَلَا مُفند» وَهُوَ الَّذِي لَا فَائِدَة فِي كَلَامه لخرف أَصَابَهُ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يُوسُف: 94] أَي: تخرفوني، تَقولُونَ: قد خرفت، وَفِي الحَدِيث: «مَا ينْتَظر أحدكُم إِلَّا هرما مفندا» وَفِي رِوَايَة «وَلَا مُعْتَد» من الاعتداء،(13/268)
وَهُوَ الظُّلم.
وَقَول الْهَاتِف فِي الشّعْر: «فيال قصي مَا زوى الله عَنْكُم» .
أَي: باعد ونحى عَنْكُم من الْخَيْر والْفَضْل.
وَقَوله: «فتحلَّبت عَلَيْهِ صَرِيحًا» ، ويروى: فتحلبت لَهُ بِصَرِيح، والصريح: اللَّبن الْخَالِص الَّذِي لم يمذق، وَمِنْه قَوْلهم: صرح فلَان بِالْأَمر: إِذا كشفه وأوضحه.
والضرة: لحم الضَّرع، أَي: تحلبت ضرَّة الشَّاة بِلَبن مُزْبِد، وَقَوله: «فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب» ، يُرِيد أَنه ترك الشَّاة مرتهنة بِأَن تدر.
وَالصَّوْت الَّذِي سمعُوا بِمَكَّة بالشعر: صَوت بعض مُسْلِمِي الْجِنّ، أقبل من أَسْفَل مَكَّة، وَالنَّاس يتبعونه يسمعُونَ الصَّوْت، وَمَا يرونه حَتَّى خرج بِأَعْلَى مَكَّة، قَالَت أَسمَاء: فَلَمَّا سمعناه، عَرفْنَاهُ حَيْثُ وَجه رَسُول الله، وَإِن وَجهه إِلَى الْمَدِينَة.
3705 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو(13/269)
عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ، زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْقَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ، وَإِلا فَلا يُجَاوِزُ شَعَرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ، وَاسِعُ الْجَبِينِ، أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ، سَوَابِغُ مِنْ غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ، مُفَلَّجُ الأَسْنَانِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءٌ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ(13/270)
الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرُ المُتَجَرَّدِ، مُوَصَّلُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعَرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، أَشْعَرُ الذّرَاعَيْنِ وَالمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلُ الأَطْرَافِ، أَوْ قَالَ: شَائِلُ الأَطْرَافِ، خُمْصَانُ الأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلِعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، فَإِذَا الْتَفَتَ، الْتَفَتَ جَمْعًا، خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلامِ، قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلْتُ خَالِي، قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مُتَوَاصِلُ الأَحْزَانِ، دَائِمُ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، طَوِيلُ السَّكْتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ لَا فُضُولٌ وَلا تَقْصِيرٌ، لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمَهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ، وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ(13/271)
ذَوَاقًا وَلا يَمْدَحُهُ، وَلا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تَعَدَّى الْحَقَّ، لَمْ يَقُمْ بِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ، وَلا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، وَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَطْنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ» .
قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهُ الْحُسَيْنَ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ، وَعَنْ مَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ الْحُسَيْنُ: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جُزْأً جَزَّأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا.
وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَدَبِهِ وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ، وَالأَمَّةُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ(13/272)
بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ، وَلا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا، وَلا يَفْتَرِقُونَ إِلا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً، يَعْنِي عَلَى الْخَيْرِ.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْزُنُ لِسَانَهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلا يُفَرِّقُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ، وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّمُهُ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّنُهُ، مُعْتَدِلُ الأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، يَغْفلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمِيلُوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلا يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً» .
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(13/273)
لَا يَقُومُ وَلا يَجْلِسُ إِلا عَنْ ذِكْرٍ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، لَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِمَّنْ جَالَسَهُ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ، وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، يَتَعَاطَوْنَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ» .
قَالَ الْحُسَيْنُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا صَخَّابٍ، وَلا فَحَّاشٍ، وَلا عَيَّابٍ، وَلا مَدَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَلا يُؤْيَسُ مِنْهُ، وَلا يُجِيبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ: الرِّيَاءِ،(13/274)
وَالإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ: لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلا يَعِيبُهُ، وَلا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، لَا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، لَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لِيَسْتَجْلِبُونَهُمْ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ ".
وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ جُمَيْعٍ: «وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتُرُّ عَنْ مِثْلِ حَبَّةِ الْغَمَامِ» .
3706 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ جَمِيلٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، بِإِسْنَادِ أَبِي عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَليٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ، فَسَاقَ الْحَدِيثَ.(13/275)
وَقَالَ: كَانَ لَا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا ذَكَرَ اللَّهَ، لَا يُوطِنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَقَالَ: لَا يَحْسِبُ أَحَدٌ مِنْ جُلَسَائِهِ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَقَالَ: وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُعْتَدِلِينَ يَتَوَاصَوْنَ فِيهِ بِالتَّقْوَى.
وَقَالَ: قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ.
وَزَادَ فِي آخِرِهِ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفْكِيرِ، فَأَمَّا تَقْدِيُرهُ، فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرُ وَالاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَفْكِيرُهُ، فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ، وَلا يَسْتَفِزُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْذِهِ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُتَنَاهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامِ فِيمَا خِيرَ لَهُمْ فِيمَا يَجْمَعُ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ "
قَوْله: «كَانَ فخما مفخما» .
أَي: كَانَ عَظِيم الْقدر مُعظما فِي الصُّدُور والعيون، وَلم يرد بِهِ ضخامة الْجِسْم، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الفخامة(13/276)
نبله وامتلاؤه، مَعَ الْجمال والمهابة.
قَوْله: «أطول من المربوع» ، المربوع والربعة: هُوَ الرجل بَين الرجلَيْن، والمشذب: الطَّوِيل الْبَائِن الطول، وأصل التشذيب: التَّفْرِيق، فيقَالَ: شذبت المَال: إِذا فرقته، فالمفرط فِي الطول، كَأَنَّهُ فرق خلقه وَلم يجْتَمع.
قَوْله: «إِن انفرقت عقيقته فرق» ، فالعقيقة: اسْم للشعر الَّذِي يخرج الْمَوْلُود من بطن أمه وَهُوَ عَلَيْهِ، سمي عقيقة، لِأَنَّهُ يحلق، وأصل العق: الشق وَالْقطع، وَمِنْه قيل للذبيحة الَّتِي تذبح عِنْد الْولادَة: عقيقة.
لِأَنَّهُ يشق حلقومها، ثمَّ قيل للشعر الَّذِي ينْبت بعد ذَلِك الشّعْر: عقيقة أَيْضا عَن طَرِيق الِاسْتِعَارَة، وَذَلِكَ مَعْنَاهُ هَا هُنَا، يَقُول: إِن انفرق شعر رَأسه من ذَات نَفسه، فرقه فِي مفرقه، وَإِن لم ينفرق، تَركه وفرة وَاحِدَة على حَالهَا، يقَالَ: فرقت الشَّيْء أفرقه فرقا.
وَقيل: الْعَقِيقَة اسْم للشعر قبل أَن يحلق، فَإِذا حلق ثمَّ نبت، زَالَ عَنهُ اسْم الْعَقِيقَة، وَسمي شعره عَلَيْهِ السَّلَام عقيقة، لِأَن عقيقته كَانَت على رَأسه، لم ينْقل أَنه قد حلق فِي صباه.
ويروى: «إِن انفرقت عقيصته فرق» ، والعقيصة: الشّعْر المعقوص، وَهُوَ نَحْو من المضفور، والوفرة: الشّعْر إِلَى شحمة الْأذن، والجمة إِلَى الْمنْكب، واللمة: الَّتِي ألمت بالمنكبين.
وَقَوله.
«أَزْهَر اللَّوْن» ، أَي: نير اللَّوْن، والزهرة: الْبيَاض النير وَهُوَ أحسن الألوان.
وَقَوله: «بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب» .
يَعْنِي بَين(13/277)
حاجبيه عرق يمتلئ دَمًا إِذا غضب، يقَالَ: درت الْعُرُوق: إِذا امْتَلَأت دَمًا، كَمَا يقَالَ: در الضَّرع إِذا امْتَلَأَ لَبَنًا.
قَوْله: «كث اللِّحْيَة» الكثوثة فِيهَا: أَن تكون غير دقيقة وَلَا طَوِيلَة، وَلَكِن فِيهَا كَثَافَة.
قَوْله: «ضليع الْفَم» ، يقَالَ: عَظِيم الْفَم، وَالْعرب تحب ذَلِك، وتذم صغر الْفَم، وَمِنْه قَوْله فِي وصف كَلَامه: يفْتَتح الْكَلَام، ويختتمه بأشداقه، وَقيل فِي ضليع الْفَم شدَّة أَسْنَانه وتراصفها.
وَقَوله: «مفلج الْأَسْنَان» ، أَرَادَ أفلج الْأَسْنَان، والفلج: فُرْجَة بَين الثنايا والرباعيات.
وَقَوله «دَقِيق المسربة» ، فالمسربة: الشّعْر المستدق مَا بَين اللبة إِلَى السُّرَّة، كَمَا ذكره بعده موصل مَا بَين اللبة بِشعر يجْرِي كالخط.
قَوْله: «عاري الثديين» ، ويروى: «عاري الثندوتين» .
يُرِيد أَنه لم يكن على ذَلِك الْموضع مِنْهُ شعر، وَقيل: أَرَادَ أَنه لم يكن عَلَيْهِمَا كثير لحم، والثندوة للرجل كالثدي للْمَرْأَة من ضم الثَّاء مِنْهَا همزها، وَمن فتحهَا لم يهمز الْوَاو.
وَقَوله: «كَأَن عُنُقه جيد دمية» ، الدمية: الصُّورَة المصورة، وَجَمعهَا دمى.
وَقَوله: «بادن متماسك» ، أَي: معتدل الْخلق يمسك بعض أَعْضَائِهِ بَعْضًا، لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ بدانة السّمن، وَلَا ضخامة الْبدن بِدَلِيل قَوْله: «سَوَاء الْبَطن والصدر» .
«ضخم الكراديس» ، أَي الْأَعْضَاء.
وَقَوله: «أنور المتجرد» ، أَي: مشرق الْجَسَد، والمتجرد من جسده: الَّذِي تجرد عَنهُ الثِّيَاب، والأنور: النير، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {(13/278)
وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرّوم: 27] ، أَي: هَين عَلَيْهِ.
«رحب الرَّاحَة» : وَاسع الْكَفّ.
«شثن الْكَفَّيْنِ» : غليظهما.
قَوْله: «سَائل الْأَطْرَاف» ، أَي: ممتد الْأَصَابِع وَهِي بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَرَوَاهُ بَعضهم «ساين» بالنُّون، ومعناهما وَاحِد، مثل جِبْرِيل وجبرين.
وَقَوله: «خمصان الأخمصين» ، الأخمص من الْقدَم: الَّذِي لَا يلصق بِالْأَرْضِ فِي الْوَطْء من بَاطِنهَا، أَرَادَ أَن ذَلِك الْموضع من رجله كَانَ شَدِيد التَّجَافِي عَن الأَرْض، وَأَنه لم يكن «أروح» وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِن رجله، وَسمي الأخمص أَخْمص لضموره، ودخوله فِي الرجل.
قَوْله: «مسيح الْقَدَمَيْنِ» .
يُرِيد استواءهما من غير وسخ، وَلَا شقَاق، وَلَا تكسر فيهمَا، فَإِذا أصابهما المَاء نبا عَنْهُمَا، وَقيل: أَرَادَ بِهِ الملاسة واللين.
قَوْله: " إِذا زَالَ، زَالَ قلعا.
بِفَتْح الْقَاف وَكسر اللَّام، يُرِيد: يرفع رجلَيْهِ رفعا بَائِنا يخطو تكفيا، ويروى تكفؤا، فالانحدار من الصبب، والتكفؤ إِلَى قُدَّام، والتقلع من الأَرْض قريب بعضه من بعض، وَالْمرَاد مِنْهُ الْقُوَّة فِي الْمَشْي بِرَفْع الرجلَيْن، وامتداد الخطى، لَا كمن يمشي مختالا، وَهِي المشية المحمودة للرِّجَال.
وَقَوله: «ذريع المشية» أَي سريع الْمَشْي، وَاسع الخطو، وَلم يكن بِحَيْثُ يتَبَيَّن مِنْهُ فِي هَذِه الْحَال استعجال ومبادرة شَدِيدَة، أَلا ترَاهُ يَقُول: «وَيَمْشي هونا» .
والهون مَعْنَاهُ: الترفق والتثبت، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الْفرْقَان: 63] .
قَالَ مُجَاهِد: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار، يدل عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: «إِنَّا لنجهد أَنْفُسنَا وَإنَّهُ لغير مكترث» .
وَقَوله: «إِذا الْتفت، الْتفت جمعا» ويروى «جَمِيعًا» ، يُرِيد: لَا يلوي(13/279)
عُنُقه يمنة ويسرة نَاظرا إِلَى شَيْء، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك الطائش الْخَفِيف، وَلَكِن يقبل جَمِيعًا، وَيُدبر جَمِيعًا.
قَوْله: جلّ نظره الملاحظة وَهُوَ أَن ينظر الرجل بلحاظ عينه إِلَى الشَّيْء شزرا، وَهُوَ شقّ الْعين الَّذِي يَلِي الصدغ، فَأَما الَّذِي يَلِي الْأنف، فَهُوَ الموق والماق، يقَالَ: لحظ إِلَيْهِ ولحظه: إِذا نظر إِلَيْهِ بمؤخر عينه.
قَوْله: «يتَكَلَّم بجوامع الْكَلم» .
يُرِيد: كثير الْمعَانِي، قَلِيل اللَّفْظ، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم» وَقيل معنى قَوْله: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم» يَعْنِي الْقُرْآن، جمع الله تَعَالَى بِلُطْفِهِ فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ مَعَاني كَثِيرَة.
قَوْله: «لَيْسَ بالجافي، وَلَا المهين» .
أَي: لَيْسَ بالغليظ الْخلقَة، وَلَا المحتقر، كَمَا قَالَ أنس: «لَيْسَ بالطويل الْبَائِن، وَلَا الْقصير» .
وَفِي رِوَايَة على، رضى الله عَنهُ، فِي وَصفه عَلَيْهِ السَّلَام: «لَيْسَ بالطويل الممغط وَلَا الْقصير المتردد» ، ويروى: «وَلَا المهين» بِرَفْع الْمِيم، فَيكون مَعْنَاهُ: لَيْسَ بِالَّذِي يجفو أَصْحَابه ويهينهم.
وَقَوله: «لم يكن يذم ذواقا» .
أَي: شَيْئا مِمَّا يذاق، وَيَقَع على الْمَأْكُول والمشروب، فعال بِمَعْنى مفعول.
وَقَوله: «إِذا غضب، أعرض وأشاح» أَي: أقبل.
وَقَوله: «ثمَّ جزأ جزأه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة» ، مَعْنَاهُ: أَن الْعَامَّة لَا تصل إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْوَقْت، بل يدْخل عَلَيْهِ الْخَاصَّة، ثمَّ تخبر الْعَامَّة(13/280)
بِمَا سَمِعت من الْعُلُوم مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أوصل الْفَوَائِد إِلَى الْعَامَّة بالخاصة.
وَقيل: قَوْله «بالخاصة» ، أَي: من الْخَاصَّة، أَي: يَجْعَل وَقت الْعَامَّة بعد وَقت الْخَاصَّة الَّذِي يخص بِهِ الْأَهْل، فَإِذا انْقَضى ذَلِك الزَّمَان، رد الْأَمر من الْخَاصَّة إِلَى الْعَامَّة فأفادهم.
قَوْله: «يدْخلُونَ رَوَّادًا» .
جمع رائد وَهُوَ الطَّالِب، أَي: يدْخلُونَ عَلَيْهِ طَالِبين الْعلم، وملتمسين الحكم من جِهَته.
قَوْله: «وَلَا يفترقون إِلَّا عَن ذواق» .
أصل الذواق من الطّعْم، وَلَكِن ضربه مثلا لما ينالون عِنْده من الْخيرَات، قيل: أَرَادَ لَا يفترقون إِلَّا عَن علم يتعلمونه يقوم لَهُم مقَام الطَّعَام وَالشرَاب.
وَقَوله فِي وصف مَجْلِسه «لَا تؤبن فِيهِ الْحرم» ، أَي: لَا تذكرن بقبيح، كَانَ مَجْلِسه مصونا عَن رفث القَوْل، وفحش الْكَلَام، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْإِفْك: أَشِيرُوا عَليّ فِي أنَاس أَبَنُوا أَهلِي، أَي: اتهموها، والأبن: التُّهْمَة، يقَالَ: أبن يأبن: إِذا اتهمَ.
قَوْله: «لَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا من مكافئ» ، قَالَ القتيبي: مَعْنَاهُ: أَنه إِذا أنعم على رجل نعْمَة، فكافأه بالثناء عَلَيْهِ، قبل مِنْهُ، وَإِذا أثنى عَلَيْهِ قبل أَن ينعم عَلَيْهِ، لم يقبله.
قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: هَذَا غلط.
لِأَن أحدا لَا يَنْفَكّ من إنعام رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ الله بَعثه إِلَى النَّاس كَافَّة، ورحم بِهِ، وأنقذ بِهِ، فنعمته سَابِقَة إِلَيْهِم، لَا يخرج مِنْهَا مكافئ، وَلَا غير مكافئ، هَذَا فالثناء عَلَيْهِ فرض لَا يتم الْإِسْلَام إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه كَانَ لَا يقبل الثَّنَاء عَلَيْهِ إِلَّا من رجل يعرف حَقِيقَة إِسْلَامه، وَلَا يدْخل عِنْده فِي جملَة الْمُنَافِقين الَّذين يَقُولُونَ بألسنتهم(13/281)
مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم، فَإِذا كَانَ الْمثنى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصّفة، قبل ثَنَاؤُهُ، وَكَانَ مكافئا مَا سلف من نعْمَة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْده.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَفِيه قَول «ثَالِث إِلَّا من مكافئ» ، أَي: مُقَارن فِي مدحه غير مجاوز بِهِ حد مثله، وَلَا مقصر بِهِ عَمَّا رَفعه الله إِلَيْهِ، أَلا ترى أَنه يَقُول: «لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى بْن مَرْيَم، وَلَكِن قُولُوا عَبْد اللَّهِ وَرَسُوله» ، فَإِذا قيل: نَبِي الله وَرَسُوله، فقد وصف بِمَا لَا يجوز أَن يُوصف بِهِ أحد من أمته، فَهُوَ مدح مكافئ لَهُ.
وَقَوله: «وَلَا تنثى فلتاته» .
أَي: لَا تذاع وَلَا تشاع فلتاته، أَي: زلاته، مَعْنَاهُ: لم يكن فِي مَجْلِسه فلتات فتنثى.
وَقَوله: «يفتر عَن مثل حب الْغَمَام» .
يُرِيد أَنه يكشر حَتَّى تبدو أَسْنَانه من غير قهقهة من قَوْلك: فَرَرْت الدَّابَّة أفرها: إِذا كشفت عَن أسنانها لتعرفها.
وَأَرَادَ بحب الْغَمَام: الْبرد، شبه بِهِ بَيَاض أَسْنَانه.
3707 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَلِيمَةَ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغِّطِ، وَلا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ(13/282)
الْقَطَطِ، وَلا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ، وَلا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِدِ، أَجْرَدُ، ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتِمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لمَ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
قَالَ أَبُو عِيسَى: سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْنِ يَقُول: سَمِعت الْأَصْمَعِي فِي تَفْسِير صفة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الممغط: الذَّاهِب طولا بالغين الْمُعْجَمَة، وَقيل: بِالْعينِ والغين جَمِيعًا، يقَالَ: امَّعَطَ النَّهَار: إِذا امْتَدَّ، وامَّعط الْحَبل وامَّغط.
والمتردد: الدَّاخِل بعضه فِي بعضه قصرا، وَأما القطط: فشديد الجعودة، وَالرجل الَّذِي فِي شعره حجونة، أَي: تثني قَلِيلا، والمطهم: البادن الْكثير اللَّحْم، والمكلثم: المدور الْوَجْه، يَقُول: لَيْسَ كَذَلِك، وَلكنه مسنون، وَقيل: المكلثم من الْوُجُوه، الْقصير الحنك، الداني الْجَبْهَة، المستدير الْوَجْه، وَلَا يكون إِلَّا مَعَ كَثْرَة اللَّحْم.(13/283)
وَالْمشْرَب: الَّذِي فِي بياضه حمرَة، والأدعج: الشَّديد سَواد الْعين، والأهدب: الطَّوِيل الأشفار، والكتد: مُجْتَمع الْكَفَّيْنِ، وَهُوَ الْكَاهِل، والمسربة: هُوَ الشّعْر الدَّقِيق الَّذِي كَأَنَّهُ قضيب من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة.
والشثن: الغليظ الْأَصَابِع من الْكَفَّيْنِ والقدمين.
والتقلع: هُوَ أَن يمشي بِقُوَّة، والصبب: الحدور.
جليل المشاش: يُرِيد عَظِيم رُءُوس المناكب وَالْعِظَام، والمشاس: رُءُوس الْعِظَام مثل الرُّكْبَتَيْنِ والمرفقين.
وَالْعشرَة: الصُّحْبَة، والعشير: الصاحب، والبديهة: المفاجأة، تَقول: بدهته بِأَمْر: فجأته.
بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة
قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التَّوْبَة: 33] .
قَالَ الشَّافِعِي: فقد أظهر الله رَسُوله على الْأَدْيَان بِأَن أبان لكل من سمع أَنه الْحق، وَمن خَالفه من الْأَدْيَان فَهُوَ بَاطِل، وأظهره بِأَن جماع الشّرك دينان: دين أهل الْكتاب، وَدين الْأُمِّيين، فقهر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمِّيين حَتَّى دانوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكرها، وَقتل من أهل الْكتاب وسبى حَتَّى دَان بَعضهم بِالْإِسْلَامِ، وَأعْطى بعض الْجِزْيَة صاغرين، وَجرى عَلَيْهِم(13/284)