الِاثْنَيْنِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ عَبَّادٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ. قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سبع مِائَةٌ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ [ (5) ] .
كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ، فَأَجْمَعُ حَدِيثَهُمْ. قَالُوا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَهُ أَنَّ بَنِيَ الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ: الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، أَبُو جُوَيْرِيَةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِالْمُرَيْسِيعِ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَعَدُّوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَنَفَّلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ [فَأَفَاءَهُمْ] [ (6) ] ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ [ (7) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ فِي
__________
[ (5) ] سيرة ابن هشام (3: 247) .
[ (6) ] الزيادة من (ص) فقط، وثابتة في السيرة لابن هشام.
[ (7) ] الخبر أورده ابن هشام في السيرة (3: 248) .(4/46)
آخَرِينَ [ (8) ] ، قَالُوا: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، كَانُوا يَنْزِلُونَ نَاحِيَةَ الْفُرْعِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي مُدْلِجٍ، وَكَانَ رَأْسَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، وَكَانَ قَدْ صَارَ فِي قَوْمِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَرَبِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وابْتَاعُوا خَيْلًا وَسِلَاحًا وَتَهَيَّئُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَعَلَتِ الرُّكْبَانُ تَقْدَمُ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ، فَيُخْبِرُونَ بِسَيْرِهِمْ، فَبَلَغَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّ فَعَلِمَ عِلْمَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْقَوْمِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَأَسْرَعُوا الْخُرُوجَ [ (9) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ، وَهِيَ مَوْلَاةُ جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، تَقُولُ:
أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَنَحْنُ عَلَى الْمُرَيْسِيعِ، فَأَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ: أَتَانَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَرَى مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ، وَالسِّلَاحِ، مَا لَا أَصِفُ مِنَ الْكَثْرَةِ.
فَلَمَّا أَنْ أَسْلَمْتُ وَتَزَوَّجَنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْنَا، جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسُوا كَمَا كُنْتُ أَرَى، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ رُعْبٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، يَقُولُ: لَقَدْ كُنَّا نَرَى رِجَالًا بِيضًا، عَلَى خُيُولٍ بُلْقٍ، مَا كُنَّا نَرَاهُمْ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ [ (10) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُرَيْسِيعِ، وَهُوَ الْمَاءُ، فَنَزَلَ وَضَرَبَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَّةً لَهُ مِنْ أَدَمٍ، وَمَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ: عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى الْمَاءِ، وَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَصَفَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
__________
[ (8) ] الْوَاقِدِيُّ (1: 404) عَنْ «مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله» ، وعبد الله بن جعفر، وابن أبي سبرة، ومحمد بن صالح وعبد الحميد بن جعفر، وابن ابي حبيبة، وهشام بن سعد، ومعمر بن راشد، وأبو معشر، وخالد بن إلياس، وعائذ بن يحيى، وعمر بن عثمان المخزومي، وعبد اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قسيط، وعبد اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْهُذَلِيَّ، كل هؤلاء حدثوه بطائفة، وغير هؤلاء قد حدّثه قالوا ... » .
[ (9) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 404- 405) .
[ (10) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 408- 409) .(4/47)
أَصْحَابَهُ، وَدَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ، إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَيُقَالُ: كَانَتْ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَنَادَى فِي النَّاسِ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ تَمْنَعُوا بِهَا أَنْفُسَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، فَفَعَلَ عُمَرُ، فَأَبَوْا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ. فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنَّبْلِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوا، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ، وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ، وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ، وَسَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ، وَالذُّرِّيَّةَ وَالنَّعَمَ، وَالشَّاءَ، وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ صَفْوَانُ ذُو الشَّفْرَةِ، فَلَمْ تَكُنْ لِي نَاهِيَةٌ حَتَّى شَدَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَتَلْتُهُ وَكَانَ الْفَتْحُ وَكَانَ شِعَارُهُمْ. يَا مَنْصُورُ أَمِتْ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى سَبْيَهُمْ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، قَالَ نَافِعٌ:
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ- يَعْنِي بِذَلِكَ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ. مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ [ (12) ] .
__________
[ (11) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 407) ، و (يا منصور أمت) معناه: أمر بالموت، والمراد به:
التفاؤل بالنصر، بعد الإماته، مع حصول الغرض للشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل.
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 49- كتاب العتق،، (13) باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية، الحديث (2541) ، فتح الباري (5: 170) ، وأخرجه مسلم في:(4/48)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَسَبَيْنَا كِرَامَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ، وَنَعْزِلَ [ (13) ] ، فَقُلْنَا نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ! فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا [ (14) ] مَا كَتَبَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [ (15) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَسَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ لابن عمّ له،
__________
[ (32-) ] كتاب الجهاد والسير (1) باب جواز الإغارة على الكفار، الحديث (1) ، ص (1356) وأخرجه ابو داود في الجهاد عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ.
[ (13) ] (العزل) هو نزع الذكر من الفرج وقت الإنزال، خوفا من الإنجاب.
[ (14) ] (لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تفعلوا) معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل، لأن كل نفس قدّر الله خلقها لا بد ان يخلقها سواء عزلتم أم لا، فلا فائدة في عزلكم.
[ (15) ] أخرجه البخاري في: 34- كتاب البيوع (109) باب بيع الرقيق، فتح الباري (4: 420) ، ومسلم في: 16- كتاب النكاح، (22) باب حكم العزل، الحديث (125) ، ص (1061) .(4/49)
فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَاحَةً، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عائشة: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَكَرِهْتُهَا، وَقُلْتُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ مَا رَأَيْتُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعِنِّي عَلَى كِتَابَتِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خير مِنْ ذَلِكَ أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ: رَأَيْتُ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، كَأَنَّ الْقَمَرَ يَسِيرُ مِنْ يَثْرِبَ حَتَّى وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَ بِهَا أَحَدًا، مِنَ النَّاسِ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سُبِينَا رَجَوْتُ الرُّؤْيَا، قَالَتْ: فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوَّجَنِي وَاللهِ مَا كَلَّمْتُهُ فِي قَوْمِي، حَتَّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ، وَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمِّي تُخْبِرُنِي الْخَبَرَ، فَحَمِدْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حدثنا
__________
[ (16) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 252) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 159) .
[ (17) ] أخرجه الواقدي في مغازيه (1: 411- 412) .(4/50)
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بِالْمُرَيْسِيعِ، قَالَ: فَهَزَمَهُمُ اللهِ، وَسَبَى فِي غَزْوَتِهِ تِلْكَ جويرية بنت الحارث، ابن أَبِي ضِرَارٍ، فَقَسَمَ لَهَا فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، أَنَّ أَبَاهَا طَلَبَهَا فَافْتَدَاهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَطَبَهَا، فزوجها إياه [ (18) ] .
__________
[ (18) ] أشار ابن كثير إلى رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ في البداية والنهاية (4: 159) .(4/51)
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ نِفَاقِ عبد الله بن أبي بن سَلُولَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ ابن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، فِي قِصَّةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمٌ هُنَاكَ، إِذَا اقْتَتَلَ عَلَى الْمَاءِ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ أَجِيرًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسِنَانُ بْنُ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، قَالَ: ازْدَحَمَا عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَقَالَ سِنَانٌ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْجَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَلَمَّا سَمِعَهَا قَالَ: قَدْ ثَاوَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللهِ مَا عِزُّنَا وَجَلَابِيبُ قُرَيْشٍ هَذِهِ، إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ [ (1) ] ، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا صَنَعْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كَفَفْتُمْ عَنْهُمْ، لتحوّلوا
__________
[ (1) ] هذا مثل من أمثال العرب، وفي ضده تقول العرب «جوع كلبك يتبعك» .(4/52)
عَنْكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، إِلَى غيرها، فَسَمِعَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَيِّمٌ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! خُذْ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ، فَلْنَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ يَا عُمَرُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، لَا. وَلَكِنْ نَادِ يَا عُمَرُ فِي الرَّحِيلِ، فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ بَلَغَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ مَا قَالَ مَا قَالَ! عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَكَانَ عِنْدَ قَوْمِهِ بِمَكَانٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الغلام أو هم، وَلَمْ يُثْبِتْ مَا قَالَ الرَّجُلُ، وَرَاحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُهَجِّرًا فِي سَاعَةٍ كَانَ لَا يَرُوحُ فِيهَا، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ، مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكَ ابْنُ أُبَيٍّ، زَعَمَ أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ سَيُخْرِجُ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَأَنْتَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ الْعَزِيزُ، وَهُوَ الذَّلِيلُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ارْفُقْ به، فو الله لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِكَ، وَإِنَّا لَنَنْظِمُ الْخَرَزَ لِنُتَوِّجَهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنْ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، حَتَّى أَمْسَوْا وَلَيْلَتَهُ، حَتَّى أَصْبَحُوا وَصَدْرَ يَوْمِهِ، حَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ لِيَشْغَلَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنِ الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَأْمَنِ النَّاسُ أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الْأَرْضِ، فَنَامُوا وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ [ (3) ] رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا
__________
[ (2) ] سيرة ابن هشام (3: 248- 249) .
[ (3) ] (كسع) : الكسع: ان تضرب بيدك او برجلك عجز إنسان، وقيل: الضرب بالسيف على المؤخر.(4/53)
لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ،! فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبيّ بن سلول، أو قد فَعَلُوهَا، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم دَعْهُ. لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ [ (4) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَعَنَا أُنَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَكُنَّا نَبْتَدِرُ الْمَاءَ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ يَسْبِقُونَا فَيَسْبِقُ الْأَعْرَابِيُّ أَصْحَابَهُ، فَيَمْلَأُ الْحَوْضَ، وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ حِجَارَةً، وَيَجْعَلُ النِّطْعَ [ (6) ] عَلَيْهِ، حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْأَعْرَابِيَّ، فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَفَاضَ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الْأَنْصَارِيِّ، فَشَجَّهُ فَأَتَى عَبْدَ اللهِ بْنَ أبي بن سَلُولَ، رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَغَضِبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، ثُمَّ قَالَ: [لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ
__________
[ (4) ] أخرجه البخاري عن الحميدي في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة المنافقين، (7) باب يقولون: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فتح الباري (8: 652) .
[ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب الأدب، (16) باب نصر الأخ ظالما ومظلوما، الحديث (63) ، ص (1998) .
[ (6) ] (النطع) : بساط من الجلد.(4/54)
حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ] يَعْنِي الْأَعْرَابَ وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ إِذَا انْفَضُّوا مِنْ عِنْدِ محمد فأتوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ، فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلْيُخْرِجِ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدٌ: وَأَنَا رِدْفُ عَمِّي [ (7) ] فَسَمِعْتُ، عَبْدَ اللهِ وَكُنَّا أَخْوَالَهُ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي فَانْطَلَقَ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَفَ وَجَحَدَ فَصَدَّقَهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَنِي فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي، فَقَالَ مَا أَرَدْتَ أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْغَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَقَدْ خَفَفْتُ بِرَأْسِي مِنَ الْهَمِّ، إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ بِهَا الْخُلْدَ أَوِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا غَيْرَ أَنْ عَرَكَ أُذُنِي، وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَقَالَ أَبْشِرْ، ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَرُ، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ، قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ... حَتَّى بَلَغَ.. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا.. حَتَّى بَلَغَ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.. [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي تَفْسِيرِ آدَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي بِهَمَذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ ابن أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبي بن سَلُولَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ:
لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَقَالَ: لَئِنْ رجعنا
__________
[ (7) ] كذا في الأصول وفي الترمذي: ردف رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
[ (8) ] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة المنافقين، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، الحديث (3313) ، ص (5: 415- 417) بطوله.(4/55)
إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَهُ عَمِّي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الله ابن أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَكَذَّبَنِي فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، وَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.. إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ.. إِلَى قَوْلِهِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا.. إِلَى قَوْلِهِ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ... فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ صَدَّقَكَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ آدَمَ [ (9) ] .
وذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِمَا هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَزَعَمَا أَنَّ أَوْسَ بْنَ أَقْرَمَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، هُوَ الَّذِي سَمِعَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ عَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ، فَحَلَفَ بِاللهِ، مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ سَبَقَ مِنْكَ قَوْلٌ، فَتُبْ، فَجَحَدَ وَحَلَفَ، فَوَقَعَ رِجَالٌ بِأَوْسِ بْنِ أَقْرَمَ، وَقَالُوا أَسَأْتَ بِابْنِ عَمِّكَ، وَظَلَمْتَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ، إِذْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى اللهُ قَضَاءَهُ فِي مَوْطِنِهِ ذَلِكَ، وَسُرِّيَ عَنْهُ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِأَوْسِ بْنِ أَقْرَمَ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ فَعَصَرَهَا، حَتَّى اسْتَشْرَفَ الْقَوْمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرْ فَقَدْ صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ، حَتَّى بَلَغَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي ابْنِ أُبَيٍّ.. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى يَنْفَضُّوا..
حَتَّى بَلَغَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [ (10) ] .
__________
[ (9) ] أخرجه البخاري في تفسير سورة المنافقين، (2) باب اتخذوا ايمانهم جنّة ... ، فتح الباري (8:
646) .
[ (10) ] نقله ابن عبد البر مختصرا في الدرر (189) .(4/56)
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَاهُ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِيمَا سَمِعَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن عُقْبَةَ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ مِنْ قَوْمِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ، يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَ:
هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللهُ لَهُ بِأُذُنِهِ [ (11) ] قَالَ: وَذَاكَ حِينَ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، لَئِنْ كَانَ هَذَا صَادِقًا، لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَهُوَ وَاللهِ صَادِقٌ وَلَأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْحِمَارِ، ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَحَدَهُ الْقَائِلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَصْدِيقًا لِزَيْدٍ يَعْنِي قَوْلَهُ:.. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا ... الْآيَةُ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ إِلَى قَوْلِهِ هذا
__________
[ (11) ] كأنه جعل اذنه ضامنة بتصديق ما ذكرت انها سمعت.(4/57)
الَّذِي أُوفِيَ لَهُ بِأُذُنِهِ [ (12) ] ، وَلَعَلَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (13) ] . وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِإِسْنَادِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذَكَرَ مَا بَعْدَهُ، عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شهاب.
__________
[ (12) ] فتح الباري (8: 650) في تفسير سورة المنافقين.
[ (13) ] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8: 651) : «وقع في رواية الإسماعيلي في آخر هذا الحديث من رواية مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: «قال ابن شهاب سَمِعَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلّم يخطب: لئن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير، فقال زيد: قد والله صدق، ولانت شر من الحمار، ورفع ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلّم فجحده القائل، فأنزل الله على رسوله: «يحلفون بالله ما قالوا» الآية، فكان مما انزل الله في هذه الآية تصديقا لزيد» انتهى.
عقب ابن حجر بقوله:
«وهذا مرسل جيد، وكأن البخاري حذفه لكونه على غير شرطه، ولا مانع من نزول الآيتين في القصتين في تصديق زيد» .(4/58)
بَابُ هُبُوبِ الرِّيحِ الَّتِي دَلَّتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على مَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا ظَهَرَ فِي رَاحِلَتِهِ الَّتِي ضَلَّتْ وَتَكَلَّمَ الْمُنَافِقُ فِيهَا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالَا: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ صَنْعَاءَ مِنْ طَرِيقِ عُمَانَ، سَرَّحَ النَّاسُ ظَهْرَهُمْ، وَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، حَتَّى أَشْفَقَ النَّاسُ مِنْهَا، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَأْنُ هَذِهِ الرِّيحِ؟ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: مَاتَ الْيَوْمَ مُنَافِقٌ عَظِيمُ النِّفَاقِ، وَلِذَلِكَ عَصَفَتِ الرِّيحُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَأْسٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ- وَكَانَ مَوْتُهُ غَائِظًا لِلْمُنَافِقِينَ.
زَادَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَجَدْنَا مُنَافِقًا عَظِيمَ النِّفَاقِ قَدْ مَاتَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا وَسَكَنَتِ الرِّيحُ آخِرَ النَّهَارِ، فَجَمَعَ النَّاسُ ظَهْرَهَمْ، وَفُقِدَتْ رَاحِلَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ، فَسَعَى لَهَا الرِّجَالُ(4/59)
يَلْتَمِسُونَهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ فِي رُفْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَيْنَ يَسْعَى هَؤُلَاءِ؟ قَالَ أَصْحَابُهُ: يَلْتَمِسُونَ رَاحِلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّتْ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ ضَلَّتْ. فَقَالَ الْمُنَافِقُ: أَفَلَا يُحَدِّثَهُ اللهُ بِمَكَانِ رَاحِلَتِهِ؟ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ مَا قَالَ. وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللهُ، نَافَقْتَ فَلِمَ خَرَجْتَ وَهَذَا فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: خَرَجْتُ لِأُصِيبَ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا! وَلَعَمْرِي إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُحَدِّثُنَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ شَأْنِ النَّاقَةِ، فَسَبَّهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: وَاللهِ مَا نَكُونُ مِنْكَ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِكَ مَا صَحِبْتَنَا سَاعَةً، فَمَكَثَ الْمُنَافِقُ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهُمْ، فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَوَجَدَ اللهَ قَدْ حَدَّثَهُ حَدِيثَهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: وَالْمُنَافِقُ يَسْمَعُ: إِنَّ رَجُلًا مِنِ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ حُلَّتْ أَوْ ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أفلا يحدثه الله بمكان نَاقَتِهِ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَنِي بِمَكَانِهَا وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ، وَهِيَ فِي الشِّعْبِ الْمُقَابِلِ لَكُمْ، وَقَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ،
فَعَمَدُوا إِلَيْهَا فجاؤوا بِهَا، وَأَقْبَلَ الْمُنَافِقُ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى النَّفَرَ الَّذِينَ قَالَ عِنْدَهُمْ مَا قَالَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُحَمَّدًا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قُلْتُ؟
قَالُوا: اللهُمَّ لَا، وَلَا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا بَعْدُ، قَالَ: فَإِنِّي وَجَدْتُ عِنْدَ الْقَوْمِ حَدِيثِي، وَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلَّا الْيَوْمَ وَإِنْ كُنْتُ لَفِي شَكٍّ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ قَالَ أَصْحَابُهُ: فَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّصِيبِ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنُ اللَّصِيتِ أَوِ ابْنُ اللَّصِيتِ، وَلَمْ يَزَلْ- زَعَمُوا- فَشِلًا حَتَّى مَاتَ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِيَ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ، عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ، زَيْدُ بْنُ رفاعة بن التابوت [ (1) ] .
__________
[ (1) ] مغازي الواقدي (2: 423) .(4/60)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ قِصَّةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَقْعَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ دُونَ الْبَقِيعِ، هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَخَافَهَا النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَافُوهَا فَإِنَّهَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفْرِ،
فَوَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ كَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ [ (2) ] .
وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حدثنا حفص ابن غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدِمَ مِنَ سَفَرٍ، فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ، فَزَعَمَ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ، قَالَ: فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ.
لَفْظُ حَدِيثِ حَفْصٍ،
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. فَقَالَ: هَذِهِ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، إِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ عَظِيمٌ مِنْ عظماء المنافقين.
__________
[ (2) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 250) .(4/61)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بن عبد الله ابن أُبَيٍّ، قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَأْمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ [ (4) ] فو الله لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ بِهَا رَجُلٌ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا فَيَقْتُلَهُ فلا تذعني نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتَلِ عَبْدِ اللهِ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ حَيًّا حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: بَلْ نُحْسِنُ صُحْبَتَهُ وَنَتَرَفَّقُ بِهِ مَا صَحِبَنَا [ (5) ] .
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن أبي بكر، قا ل: كان عبد الله ابن أُبَيٍّ إِذَا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقَدْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا ضِغْنَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعْجِبُهُمْ أَنْ يَعْرِفَ لَهُ شَرَفَهُ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ لَهُ، لِمَا تَعْرِفُونَ مِنْ ضِغْنِهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ادنه.
__________
[ (3) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ في: 50- كتاب صفات المنافقين، الحديث (15) ص (4:
2145- 2146) .
[ (4) ] وفي هذا البرهان النير من أعلام النبوة، فإن العرب كانت اشدّ خلق الله حميّة وتعصبا، فبلغ الإيمان منهم، ونور اليقين، الى ان يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده تقربا إلى الله، وتزلفا الى رسوله.
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 250) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 158) .(4/62)
بَابُ حَدِيثِ الْإِفْكِ [ (1) ]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بن مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَنَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عن النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا. أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ [ (2) ] . قَالَتْ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ فَخَرَجَ سَهْمِي، فَهَلَكَ [فيّ] [ (3) ] من هلك.
__________
[ (1) ] انظر في خبر الإفك: سيرة ابن هشام (3: 254) ، تاريخ الطبري (2: 610- 619) ، مغازي الواقدي (2: 426) ، الدرر في اختصار المغازي والسير ص (190) ، عيون الأثر (2: 128) ، البداية والنهاية (4: 160) .
[ (2) ] الحديث أخرجه ابن ماجة في: 9- كتاب النكاح، (47) باب القسمة بين النساء، الحديث (1970) ، ص (1: 633) ، واعاده في: 13- كتاب الأحكام (20) باب القضاء بالقرعة، الحديث (2347) ، ص (2: 786) .
[ (3) ] الزيادة من (ح) .(4/63)
قُلْتُ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي: مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّاهُ حَدِّثِينِي حَدِيثَكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ وَابْنُ مِلْحَانَ فَرَّقَهُمَا (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ.
وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وَزَعَمُوا فِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ وَزَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ [ (4) ] أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ.
__________
[ (4) ] في (أ) : «إذا أراد الرحل» .(4/64)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا [ (5) ] ، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا نَزَلَ [ (6) ] الْحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلُ فِيهِ، وَسِرْنَا، حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ [ (7) ] وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ [ (8) ] بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ، إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ [ (9) ] ، قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي، وَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إذ ذاك خفاقا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ [ (10) ] اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ [ (11) ] مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ. وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بعد ما اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَأَقَمْتُ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَيَوجِّهُونُ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ [ (12) ] مِنْ وراء الجيش،
__________
[ (5) ] هي غزوة بني المصطلق، وتعرف بغزوة المريسيع.
[ (6) ] في البخاري: «أنزل» .
[ (7) ] (قفل) رجع.
[ (8) ] (آذن) أعلم.
[ (9) ] (جزع ظفار) : خرز يمان يوجد في اليمن في معادن العقيق، ومنه ما يؤتى به من الصين وهو أصناف.
[ (10) ] لم يكنّ سمينات، وفي رواية: «لم يغشهن اللحم» .
[ (11) ] (العلقة) القليل مما يسد الرمق.
[ (12) ] صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ صفوان اما من الصفا او من صفن ففي الاول النون زائدة والمعطل بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الطاء المهملة ابن وبيصة بن المؤمل بن خزاعى بن محارب بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهنة بن سليم ذكره الكلبي وغيره ونسبه خليفة رحيضة موضع وبيصة وفي محارب محاربي قولها «السلمى» بضم السين المهملة وفتح(4/65)
فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً، غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا موغر بين فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ [ (12) ] ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حين قدمت
__________
[ () ] اللام نسبة الى سليم المذكور في نسبة وهو من شواذ النسب لان القياس فيه السليمي قولها «ثم الذكواني» بفتح الذال المعجمة نسبة الى ذكوان المذكور في نسبه وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده إليهم وقيل انه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس وقد جاء في سنن ابي داود «شكت امرأته ذلك منه لسيدنا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا اهل بيت نوم عرف لنا ذلك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس» وذكر القاضي ابو بكر بن العربي انه كان حصور لم يكشف كنف أنثى قط وفي السير لقد سئل عن صفوان فوجدوه لا يأتي النساء وأول مشاهده المريسيع وذكر الواقدي انه شهدا الخندق وما بعدها وكان شجاعا خيرا شاعرا وعن ابن إسحاق قتل في غزوة ارمينية شهيدا سنة تسع عشرة وقيل توفي في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات ولما ضرب حسان بن ثابت بسيفه لما هجاه ولم يقتصه منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم استوهب من حسان جنايته فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فعوضه منها حائطا من نخيل.
[ (12) ] ان الذين جاؤ بالإفك هم عبد الله بن أبي وحمنة بنت جحش وعبد الله ابو احمد أخوها ومسطح وحسان وقيل حسان لم يكن منهم وقال النسفي في هذه الآية اهل الافك هم عبد الله بن ابي رأس المنافقين ويزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وفي صحيح مسلم وكان الذين تكلموا مسطح وحمنة وحسان واما المنافق عبد الله بن ابي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة قوله يستوشيه اي يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد وقال النسفي في قوله تعالى:
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ هو عبد الله بن أبي الذي تولى عظمه وبدا به ومعظم الشر كان منه قال الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ لا معانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وانتهازه الفرص وطلبه سبيلا الى الغميزة.(4/66)
شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ [ (13) ] فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كَنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي،
إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ
فَذَلِكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ يَوْمًا بَعْدَ مَا نَقِهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاجِعِ، وَهُوَ مَبْرَزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى اللَّيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفُ [ (14) ] قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا، وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا [ (15) ] ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ [ (16) ] ! أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَمَاذَا قَالَ، وَفِي رواية القطان: رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قالت: أو ما عَلِمْتِ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا وَاللهِ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ.
قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي،
قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ [ (17) ] ؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يا
__________
[ (13) ] أي يخوضون فيه، من الإفاضة، وهي التكثير والتوسعة.
[ (14) ] جمع كنيف، وهو مكان الغائط.
[ (15) ] (المرط) : كساء من صوف يؤتزر به.
[ (16) ] (يا هنتاه) هذه الكلمة تختص بالنداء، ومعناها يا هذه، وقيل: يا امرأة.
[ (17) ] (كيف تيكم) إشارة الى المؤنث(4/67)
بنية هوّني عليك. فو الله لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ، وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ [ (18) ] عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا تَرْقَأُ لِي [ (19) ] دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ.
قَالَتْ: ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَأْمُرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فأما أسامة ابن زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، النِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ.
قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ مِنَ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ [ (20) ] عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ [ (21) ] فَتَأْكُلُهُ.
فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ [ (22) ] يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُنَا مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنَا أَذَاهُ فِي أَهْلِ بيتي، فو الله مَا عَلِمْتُ فِي أَهْلِي إلا خيرا، ولقد
__________
[ (18) ] في (أ) : «كثرن عليها» .
[ (19) ] (لا يرقأ) لا ينقطع.
[ (20) ] (أغمصه) أعيبها عليه.
[ (21) ] (الداجن) الشاة التي تألفت البيت ولا تخرج للمرعى.
[ (22) ] (استعذر) أي قال: من يعذرني فيمن آذاني في اهلي، وقيل: معناه: «من ينصرني» ، والعذير: الناصح.(4/68)
ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ [ (23) ] ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ.
قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وهو سيد الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُو اللهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ! فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ [ (24) ] ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،
__________
[ (23) ] فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ قال ذلك لان الأوس من قومه وهم بنو النجار ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجب قتله ثم ان الموجود في الأصول سعد بن معاذ ووقع في موضع آخر سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَقَالَ ابن حزم هذا عندنا وهم لان سعد بن معاذ مات اثر غزوة بني قريظة بلا شك وبنو قريظة كان في آخر ذي القعدة من سنة اربع فبين الغزوتين نحو من سنتين والوهم لم يعر منه احد من البشر وقال ابن العربي ذكر سعد بن معاذ هنا وهم اتفق فيه الرواة وقال ابن عمر هو وهم وخطأ وتبعه على ذلك جماعة وقال القاضي عياض قال بعض شيوخنا ذكر سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هذا وهم الأشبه انه غيره ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في السير وانما قال ان المتكلم أولا وآخر أسيد بن حضير وقال القاضي هذا مشكل لان هذه القصة كانت في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست وسعد بن معاذ مات في أثر غزاة الخندق من الرمية التي اصابته وذلك في سنة اربع ولهذا قيل ان ذكره وهم والأشبه انه غيره وقال القاضي في الجواب ان موسى بن عقبة ذكر ان المريسيع كانت سنة اربع وهي سنة الخندق فيحتمل ان المريسيع وحديث الافك كانا في سنة اربع قبل الخندق قلت هذا يبين صحة ما ذكره البخاري من انه سعد بن معاذ وهو الذي في الصحيحين.
[ (24) ] أسيد بضم الهمزة فهو ابن حضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ابن سماك بن عتيك ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الانصاري الاوسي الاشهلي ابو يحيى اسلم على يد مصعب بن عمير بالمدينة بعد العقبة الاولى وقيل الثانية واختلف في شهوده بدرا فنفاه ابن إسحاق والكلبي وأثبته غيرهما وشهدا أحدا وما بعدها من المشاهد وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح البيت المقدس مات بالمدينة سنة عشرين وصلى عليه عمر رضي الله عنه قولها «وكان قبل ذلك رجلا صالحا» وفي مسلم وكان رجلا صالحا يعني لم يكن قبل ذلك يحمي لمنافق قولها «ولكن احتملته الحمية» بحاء مهملة وميم اي أغضبته وعند مسلم اجتهلته بجيم وهاء اي أغضبته وحملته على الجهل فالروايتان صحيحتان.(4/69)
فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُو اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ.
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ:
فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كبدي.
قالت: فبينا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي. قَالَ: فبينا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: فَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ
قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيبَرِّئُكِ اللهِ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ،
قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَقَالَتُهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى ما تصفون» [ (25) ] .
__________
[ (25) ] [سورة يوسف- 18] .(4/70)
قَالَتْ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَإِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ سَيُبَرِّئُنِي بَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: أَمْرٌ يُتْلَى- وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا.
قالت: فو الله مَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شاتي، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ،
قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا يَا عَائِشَةُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ،
قَالَتْ: فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ، إِلَّا اللهَ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [ (26) ] . الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا.
فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (27) ] ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
__________
[ (26) ] [سورة النور- 11] .
[ (27) ] [سورة النور- 22] .(4/71)
قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: يَا زَيْنَبُ مَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْقَطَّانِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله بن بكير [ (28) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، فَقُلْتُ: لَا، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كُلُّهُمْ سَمِعَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَقُولُ:
الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، قَالَ فَقَالَ لِي: فَمَا كَانَ جُرْمُهُ؟ قال قلت:
__________
[ (28) ] البخاري عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ في تفسير سورة النور فتح الباري (8: 452) ،
وفي التوحيد بَابُ (52) ، قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم «الماهر بالقرآن مع الكرام البررة» ،
وأخرجه البخاري ايضا في: 52- كتاب الشهادات (15) باب تعديل النساء بعضهن بعضا، الحديث (2661) ، فتح الباري (5: 269- 272) بطوله، وفي تفسير سورة النور كلاهما من طريق الليث،، وانظر تحفة الأشراف (11: 413- 414) .
[ (29) ] أخرجه مسلم في: 49- كتاب التوبة (10) باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف، الحديث (56) ، ص (4: 2129) ، عن حبان بن موسى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المبارك، عن يونس ابن يزيد الأيلي.(4/72)
سُبْحَانَ اللهِ! مِنْ قَوْمِكَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا عَائِشَةَ، تَقُولُ: كَانَ مُسِيئًا فِي أَمْرِي.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ [ (30) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْمُقْرِئُ بِوَاسِطَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةَ، وعُبَيْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَلَمَةَ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزَادَ: قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، وَمَا ذَاكَ قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَسَاهَمَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَخَرَجَ سَهْمِي، وَسَهْمُ أُمِّ سَلَمَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، فَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لحوم الفوافل [ (31) ]
قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ، قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ من العمى.
__________
[ (30) ] البخاري في تفسير سورة النور، فتح الباري (8: 451) .
[ (31) ] (حصان) محصنة عفيفة، (رزان) كاملة العقل، (ما تزنّ) ما تتهم (غرثى) جائعة.(4/73)
قَالَ وَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ [ (32) ] .
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا تلى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَّةَ الَّتِي نَزَلَ بِهَا عُذْرِي عَلَى النَّاسِ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ كَانَ بَاءَ بِالْفَاحِشَةِ فِي عَائِشَةَ فَجُلِدُوا الْحَدَّ، قَالَ: وَكَانَ رَمَاهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانُ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَمَوْهَا بِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيِّ [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ قَدْ كَثَّرَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ يُعَرِّضُ بِهِ فيه وبأشباهه، فقال:
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أمسى بيضة البلد [ (35) ]
__________
[ (32) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ في تفسير سورة النور، فتح الباري (8: 485) ، وعن عثمان بن أبي شيبة في المغازي، فتح الباري (7: 436) .
[ (33) ] أخرجه مسلم عن ابن المثنى في: 44- فضائل الصحابة، الحديث (155) ، ص (4:
1934) .
[ (34) ] سيرة ابن هشام (3: 259) ، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (4: 163) .
[ (35) ] (الجلابيب) هذا القب كان المشركون في مكة يلقبون به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، (والفريعة) أم حسان بن ثابت، و (بيضة البلد) انه أصبح وحيدا لا نظير له، ولا يقوى على أحد، وهذه عبارة تقال للردح والذم.(4/74)
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً، وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ على رأسه، فيعدوا عَلَيْهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ عَدَا عَلَى حَسَّانَ بِالسَّيْفِ، فو الله مَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عَلِمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، خَلِّ سبيله، فستغدوا علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ، فَقَامَ إِلَيْهِ، فقال: ها أنا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ آذَانِي وَكَثَّرَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عَرَّضَ فِي الْهِجَاءِ، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، وها أنا ذا. فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ادعو إِلَيَّ حَسَّانَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: يَا حَسَّانُ! أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، يَقُولُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِمْ، يَا حَسَّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَكَ، فَقَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيرِينَ الْقِبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ، وَأَعْطَاهُ أَرْضًا كَانَتْ لِأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (36) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، قَالَ حِينَ ضَرَبَ حَسَّانَ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنْكَ فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إِذَا هو جيت لَسْتُ بِشَاعِرِ
وَقَالَ حَسَّانُ لعائشة:
رَأَيْتُكِ وَلْيَغِفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ... مِنَ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غرثى من لحوم الفوافل
__________
[ (36) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 261- 262) ، ونقله ايضا ابن كثير في التاريخ (4: 163) .(4/75)
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... بِكِ الدَّهْرَ بَلْ قِيلُ امْرِئٍ مُتَمَاحِلِ [ (37) ]
فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوكُمْ كَمَا بَلَّغُوكُمُ ... فَلَا رَجَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
فَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ
وَإِنَّ لَهُمْ عِزًّا يُرَى النَّاسُ دُونَهُ ... قِصَارٌ وَطَالَ الْعِزُّ كُلَّ التَّطَاولِ [ (38) ]
وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، في ذِكْرِ مَا جَرَى بَيْنَ جَهْجَاهٍ وَبَيْنَ فِتْيَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْمَاءِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالَ: وَبَلَغَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الشَّاعِرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ جَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ وَبَيْنَ الْفِتْيَةِ الْأَنْصَارِيِّينَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ وَهُوَ يُرِيدُ الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ يَقْدَمُونَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلّم للإسلام:
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ زَاغُوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مُغْضَبًا مِنْ قَوْلِ حَسَّانَ فَرَصَدَهُ فَلَمَّا خَرَجَ ضَرَبَهُ السُّلَمِيُّ حَتَّى قِيلَ قَتَلَهُ لَا يُرَى إِلَّا أَنَّهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ ضَرَبَ حَسَّانَ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ضَرْبِهِ إِيَّاهُ بِالسَّيْفِ فَبَلَغَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ضَرْبَ السُّلَمِيِّ حَسَّانَ فَقَالَ لَهُمْ خُذُوهُ فَإِنْ هَلَكَ حَسَّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ فَخُذُوهُ فَأْسِرُوهُ وَأَوْثِقُوهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَرْسِلُوا الرَّجُلَ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ عَمَدْتُمْ إِلَى قَوْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشْتُمُونَهُمْ وَتُؤذُونَهُمْ وَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ نَصَرْتُمُوهُمْ فَغَضِبَ سَعْدٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَلِقَومِهِ فَقَالَ أَرْسِلُوا الرجل
__________
[ (37) ] في سيرة ابن هشام: «ولكنه قول امرئ بي ماهل» .
[ (38) ] سيرة ابن هشام (3: 263) .(4/76)
فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَخَرَجَ بِهِ سَعْدٌ إِلَى أَهْلِهِ فَكَسَاهُ حُلَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَبَلَغَنَا أَنَّ السُّلَمِيَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ كَسَاكَ كَسَاهُ اللهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: كَسَانِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.
ثُمَّ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ إِذَا جاءك المنافقون، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْجَمَاعَةِ عَنْ عَائِشَةَ حَتَّى اسْتَعْذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ رَمْيِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي أَكْحَلِهِ وَوَفَاتِهِ مِنْ تِلْكِ الرَّمِيَّةِ بَعْدَ قُرَيْظَةَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ قِصَّةَ الْإِفْكِ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مَحْفُوظًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَنْفَجِرْ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمُرَيْسِيعِ، وَحَدِيثِ الْإِفْكِ.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنِ مَنْدَةَ الْحَافِظُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَأَنَّ سَعْدًا مَاتَ بَعْدَ شَعْبَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ.(4/77)
بَابُ سَرِيَّةِ نَجْدٍ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ فِي الْمُحْرِمِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، بُعِثَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَجَاءَ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ وَمَا ظَهَرَ فِي أَخْذِهِ وَإِسْلَامِهِ مِنَ الْآثَارِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ،
فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كان دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ(4/78)
الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى، فَيَسَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَأْتَ [ (1) ] يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم فو الله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم.
واه الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَكَذَا [ (2) ] .
وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (3) ] عَنِ الْمَقْبُرِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ، وَذَكَرَ أَوَّلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ كَانَ رَسُولَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا اللهَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ.
ثُمَّ رُوِيَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ موسى ابن الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ إِسْلَامُ ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا اللهَ حِينَ عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَرَضَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ اللهُ مِنْهُ، وَكَانَ عَرَضَ لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَأَرَادَ قَتْلَهُ فَأَقْبَلَ ثُمَامَةُ مُعْتَمِرًا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَتَحَيَّرَ فِيهَا، حَتَّى أُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا ثُمَامُ؟ هَلْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا محمد: إن تقتل تقتل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تسأل مالا تعطه
__________
[ (1) ] في الأصول: «صبوت» وهو صحيح، وصبأ إذا خرج من دينه، وصبأت النجوم: إذا خرجت من مطالعها.
[ (2) ] رواه البخاري مختصرا في صحيحه (6: 2) ، ومسلم مطولا (12: 87) شرح مسلم للنووي.
[ (3) ] رواية ابن إسحاق ذكرها ابن هشام في السيرة (4: 246- 247) .(4/79)
فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ مَرَّ بِهِ، فَقَالَ: مالك يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ: خَيْرًا يا محمد: إن تقتل تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تَسْأَلْ مَالًا تُعْطَهْ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَعَلْنَا الْمَسَاكِينَ نَقُولُ: بَيْنَنَا مَا يَصْنَعُ بِدَمِ ثُمَامَةَ، وَاللهِ لَأَكْلَةٌ مِنْ جَزُورٍ سَمِينَةٍ مِنْ فِدَائِهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مالك يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ خَيْرًا يا محمد إن تقتل تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تَسْأَلْ مَالًا تُعْطَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامُ.
فَخَرَجَ ثُمَامَةُ حَتَّى أَتَى حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَاغْتَسَلَ بِهِ وَتَطَهَّرَ، وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ وَمَا وَجْهٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَلَا دِينٌ أبغض إلي من دينك، وَلَا بَلَدٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، ثُمَّ لَقَدْ أَصْبَحْتُ وَمَا وَجْهٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَلَا دِينٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، وَلَا بَلَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ خَرَجْتُ معمرا، وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي فَيَسِّرْنِي صَلَّى الله عَلَيْكَ فِي عُمْرَتِي، فَيَسَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ وَعَلَّمَهُ، فَخَرَجَ مُعْتَمِرًا.
فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَتْهُ قُرَيْشٌ يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، قَالُوا: صَبَأَ ثُمَامَةُ فَأَغْضَبُوهُ فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَوْتُ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا، وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ. لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ- وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ- مَا بَقِيتُ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّي حَمْلَ الطَّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [ (4) ] .
__________
[ (4) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (4: 246- 247) .(4/80)
وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي ثُمَامَةَ- فَرُبِطَ بِعَمُودٍ مِنْ عَمَدِ الْحُجْرَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوهِمُ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ، وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَصَحُّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ وَالَّذِي رُوِيَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي إِرَادَةِ فِدَائِهِ يَدُلُّ عَلَى شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قِصَّةُ ثُمَامَةَ فِيمَا بَيْنَ خَيْبَرَ وَفَتَحِ مَكَّةَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ: سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْآدَمِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثميلة يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ لَمَّا أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسِيرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَسْلَمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ يَعْنِي ثُمَّ رَجَعَ فَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ الْمِيرَةِ مِنَ الْيَمَامَةِ، حَتَّى أَكَلَتْ قُرَيْشٌ الْعِلْهِزَ [ (5) ] ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ قَالَ بَلَى قَالَ: فَقَدْ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (6) ] .
__________
[ (5) ] (العلهز) شيء كانوا يتخذونه في سني المجاعة، يخلطون فيه الدم بأوبار الإبل، ثم يشوونه بالنار ويأكلونه.
[ (6) ] [المؤمنون- 76] .(4/81)
بَابُ ذِكْرِ السَّرَايَا [ (1) ] الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ
أَخْبَرَنَا أبو عبد اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
__________
[ (1) ] (السرايا) جمع سرية، وهي الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها اربعمائة تبعث الى العدو، وسمّوا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السّري: النفيس.
وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا، وخفية، وليس بالوجه، لأن لام السرّ راء وهذا ياء.
النهاية لابن الأثير.
وقال الصالحي في السيرة الشامية (6: 9- 11) : «ذكر ابن إسحاق السرايا والبعوث ثمانية وثلاثون، وذكرها ابو عمر (ابن عبد البر) في أول الاستيعاب سبعة وأربعين وذكرها محمد بن عمر الواقدي ثمانية وأربعين، ونقل المسعودي عن بعضهم انها ستون، وعلى ذلك جرى الحافظ العراقي.
وذكر الحافظ أبو عبد الله الحاكم- رحمه الله تعالى في الإكليل أنها فوق المائة. قال العراقي: ولم أجد هذا القول لأحد سواه. قال الحافظ: لعل الحاكم أراد بضم المغازي إليها.
قلت عبارة الحاكم كما رواها عنه ابن عساكر بعد ان روى عن قتادة ان مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسراياه كانت ثلاثين وأربعين. قال الحاكم: هكذا كتبناه. وأظنه أراد السرايا دون الغزوات، فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسراياه زيادة على المائة. قال:
«وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين» انتهى.
قال في البداية: وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا، وحمله كلام قتادة على ما قال، فيه نظر فقد روى الإمام أحمد عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي عن قتادة أن مغازي(4/82)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، أَوْ قَالَ: الْآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ [ (2) ] فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا إِلَى الْغَمْرِ [ (3) ] ، وَفِيهِمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ وَسِبَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَأَغَذَّا السَّيْرَ وَنَذِرَ الْقَوْمُ بِهِمْ، فَهَرَبُوا فَنَزَلَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَبَعَثَ الطَّلَائِعَ، فَأَصَابُوا مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى بَعْضِ مَاشِيَتِهِمْ، فَوَجَدُوا مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَسَاقُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ [ (4) ] .
قَالَ: وَفِيهَا بعث سريّة أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى الْقَصَّةِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَسَارُوا لَيْلَهُمْ مُشَاةً، وَوَافَوْا ذَا الْقَصَّةِ مَعَ عمائة الصُّبْحِ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا فِي الْجِبَالِ، وَأَصَابُوا رَجُلًا وَاحِدًا فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (5) ] .
وَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ، فَكَمَنَ الْقَوْمُ بِهِمْ. حَتَّى نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقَوْمِ
__________
[ () ] رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ ثَلَاثٌ وأربعون.
وانظر في هذه السرايا: سيرة ابن هشام (4: 218- 248) ، ومغازي الواقدي بطوله، والمغازي من صحيح البخاري، وتاريخ الطبري في الجزأين الثاني والثالث، والجزء الثاني من طبقات ابن سعد، نهاية الأرب، الجزء السابع عشر، عيون الأثر، (2: 108- 266) ، البداية والنهاية (4:
2- 356) ، تاريخ الخميس (1: 355- 470) و (2: 67- 146) ، الزرقاني على المواهب (1: 387- 460) و (2: 8- 349) و (3: 2: 112) .
[ (2) ] عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ حليف قريش، من السابقين الأولين البدريين اهل الجنة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلّم على سرية الغمر، فلم يلقوا كيدا.
واستشهد فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصديق، وفي بدر انكسر سَيْفُهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم عرجونا من نخل، أو عودا، فعاد في يده سيفا.
[ (3) ] الغمر: ماء لبني اسد على ليلتين من فيد.
[ (4) ] ذكره الواقدي في المغازي (2: 550) ، واختصرها المصنف عنه هنا.
[ (5) ] من مغازي الواقدي (2: 552) .(4/83)
فَقُتِلَ أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَفْلَتَ مُحَمَّدٌ جَرِيحًا [ (6) ] .
وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِالْحَمُومِ فَأَصَابَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ، فَدَلَّتْهُمْ عَلَى مَحِلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً وَأُسَرَاءَ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْأُسَرَاءِ زَوْجُ حَلِيمَةَ، فَلَمَّا قَفَلَ بِمَا أَصَابَ وَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، لِلْمُزَنِيَّةِ نَفْسَهَا وَزَوْجَهَا [ (7) ] .
قَالَ: وَفِيهَا- يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الطَّرْفِ فِي جُمَادَى الْأُولَى إِلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَهَرَبَتِ الْأَعْرَابِ، وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، سَارَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْ نَعَمِهِمْ عِشْرِينَ بَعِيرًا قَالَ: وَغَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ.
قَالَ: وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. إِلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى الْأُولَى وَفِيهَا أُخِذَتِ الْأَمْوَالُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أَبِي الْعَاصِ، فَاسْتَجَارَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَارَتْهُ [ (8) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى، فَأَقْبَلَ حَتَّى كَانَ بِحِسْمَى فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَتْرُكُوا مَعَهُ شَيْئًا، فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى حِسْمَى.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مِائَةِ رَجُلٍ إِلَى فَدَكٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر، وذلك
__________
[ (6) ] عن مغازي الواقدي باختصار (2: 551) .
[ (7) ] الخبر مطولا في الواقدي (2: 553) .
[ (8) ] المصدر السابق.(4/84)
أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يَمُدُّوا يَهُودَ خَيْبَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ، وَأَصَابَ عَيْنًا وَأَقَرَّ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى خَيْبَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَصْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ ثَمَرَ خَيْبَرَ [ (9) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ سَرِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنْ أَطَاعُوا فَتَزَوَّجِ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ، فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَعِ وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ أَبُوهَا رَأْسَهُمْ وَمَلِكَهُمْ [ (10) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ إِلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا.
أَمَا قِصَّةُ أَبِي الْعَاصِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَاقِدِيُّ فَفِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، وَكَانَتْ مَعَهُ بَضَائِعُ لِقُرَيْشٍ، فَأَقْبَلَ قَافِلًا فَلَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَاسْتَاقُوا عِيرَهُ، وَأَفْلَتَ، وقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَصَابُوا فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ، وَأَتَى أَبُو الْعَاصِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، وَسَأَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَدَّ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّرِيَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا وَلِغَيْرِهِ مِمَّا كَانَ مَعَهُ، وَهُوَ فَيْءُ اللهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تردوا
__________
[ (9) ] المغازي للواقدي (2: 562) .
[ (10) ] عن مغازي الواقدي (2: 560) .(4/85)
عَلَيْهِ، فَافْعَلُوا، وَإِنْ كَرِهْتُمْ فَأَنْتُمْ وَحَقُّكُمْ، قَالُوا: بَلْ نَرُدُّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ،
فَرَدُّوا- وَاللهِ عَلَيْهِ- مَا أَصَابُوا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي بِالشَّنَّةِ وَالرَّجُلَ بِالْإِدَاوَةِ، وَالرَّجُلَ بِالْحَبْلِ، فَمَا تَرَكُوا قَلِيلًا أَصَابُوهُ وَلَا كَبِيرًا إِلَّا وَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى النَّاسِ بَضَائِعَهُمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مَعِي مَالٌ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَيْهِ. قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، قَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْكُمْ، إِلَّا تَخَوُّفًا مِنْ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَسْلَمْتُ لِأَذْهَبَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ [ (11) ] .
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أَمْوَالَ أَبِي الْعَاصِ إِنَّمَا أَخَذَهَا أَبُو نُصَيْرٍ فِي الْهُدْنَةِ وَذَلِكَ يَرِدُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] وَأَمَّا قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ مِنْ أَهْلِ رِيفٍ فَاسْتَوخَمْنَا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَوْدٍ وَزَادٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فيها فيشربون مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الزَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، حَتَّى مَاتُوا وَهُمْ كَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ يَعْنِي قَوْلَهُ: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ المثلة.
__________
[ (11) ] المغازي (2: 553) .
[ (12) ] الزيادة من (ص) .(4/86)
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ هَمَّامٌ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا قَالَ حدثنا محمد ابن عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُومُ وَهُوَ الْبِرْسَامُ فَقَالُوا هَذَا الْوَجَعُ. قَدْ وَقَعَ يَا رَسُولَ اللهِ فَلَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَرُحْنَا إِلَى الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَاخْرُجُوا وَكُونُوا فِيهَا
فَخَرَجُوا فَقَتَلُوا أَحَدَ الرَّاعِيَيْنِ وَذَهَبُوا بِالْإِبِلِ وَجَاءَ الْآخَرُ وَقَدْ جُرِحَ قَالَ قَدْ قَتَلُوا صَاحِبِي وَذَهَبُوا بِالْإِبِلِ وَعِنْدَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ فَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُكْلٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابن الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الْهِلَالِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن الوليد القدني قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا وَاجْتَوَوَا الْأَرْضَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقُوا بِالْإِبِلِ وَاشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا
قَالَ: فَذَهَبُوا فَكَانُوا فِيهَا مَا شَاءَ اللهُ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ قَالَ: فَجَاءَ الصَّرِيخُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشَّمْسُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ لَهُمْ فَكَوَاهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى(4/87)
مَاتُوا وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. زَادَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ فقال اللهم عمّي عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ قَالَ فَعَمَّى الله عَلَيْهِمُ السَّبِيلَ فَأُدْرِكُوا فَأُتِيَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمل أعينهم [ (13) ] .
__________
[ (13) ] الحديث أخرجه البخاري في: 86- كتاب الحدود (17) باب لم يسق المرتدون حتى ماتوا.
فتح الباري (12: 111) ، كما أخرجه البخاري أطرافه في (14) موضعا من صحيحه.
وأخرجه مسلم في: 28- كتاب القسامة (2) باب حكم المحاربين والمرتدين، حديث (9) ، ص (1296) .
وأخرجه ابو داود في كتاب الحدود، (بَابُ) مَا جَاءَ فِي المحاربة حديث رقم (4364) ، ص (4:
130) .
أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة (بَابُ) مَا جَاءَ فِي بول ما يؤكل لحمه، حديث رقم (72) ، صفحة (1: 106- 107) .
وأخرجه النسائي في كتاب التحريم في ثلاثة أبواب متتابعة (7- 8- 9) من صفحة (7: 93- 101) - جامعا طرقه كلها.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الحدود، حديث رقم (20) ، والإمام أحمد في «مسنده» (3:
163- 177- 198) .
(اجتووا) المدينة أي: كرهوا المقام فيها لسقم أصابهم، من الجوى، وهو داء في الجوف، وقيل: تضرروا، وقال القزاز: «لم يوافقهم طعامها» ، وقال ابن العربي: «الجوى داء يأخذ من الوباء يؤيده رواية: استوضحوا» .
(سمل أعينهم) : فقأها وأذهب ما فيها. قال أنس: «إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاء.
(فائدة- 1) : هذا الحديث منسوخ بالحدود، (وأيضا) بالنهي عن المثلة.(4/88)
__________
[ () ] قال ابن شاهين- عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة» .
ويدل عليه ما رواه البخاري في كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التهذيب بالنار، بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي.
وقد نسخت المثلة بالآية الكريمة «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله.. [الآية 33 من سورة المائدة] .
وقال قتادة، عن محمد بن سيرين ان الحدود لما نزلت نسخت المثلة.
وما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلّم- بعد آية الحدود- ونهى عن المثلة، فقال: لا تمثلوا بشيء.
وراجع الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي من تحقيقنا.
(فائدة- 2) : كلمة ألبانها وأبوالها: لقد وقع الترخيص في إصابة بول الإبل للتداوي لهؤلاء خاصة، وذلك في صدر الإسلام ثم نسخ، وقيل: «للمتداوي أن يصيبه كأكل الميتة لكسر عادية الجوع.(4/89)
جُمَّاعُ أَبْوَابِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ [ (1) ]
بَابُ تَارِيخِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
__________
[ (1) ] انظر في عمرة الحديبية:
- طبقات ابن سعد (2: 95) .
- سيرة ابن هشام (3: 265) .
- المغازي للواقدي (1: 383) .
- صحيح البخاري (5: 121) .
- صحيح مسلم بشرح النووي (12: 135) .
- تاريخ الطبري (2: 620) .
- الدرر لابن عبد البر (191) - ابن حزم (207) .
- البداية والنهاية (4: 164) .
- نهاية الأرب (17: 217) .
- عيون الأثر (2: 148) .
- شرح المواهب (4: 164) .
- السيرة الشامية (5: 55) .
[ (2) ] الحديبية: بحاء مهملة مضمومة، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة. قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وأهل اللغة وبعض أهل الحديث- رحمهم الله- التحتية مخففة. وقال اكثر أهل الحديث مشددة. قال النووي- رحمه الله- فهما وجهان مشهوران.(4/90)
جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ [النَّحْوِيُّ] [ (3) ] قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ سَنَةَ سِتٍّ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ [ (4) ] .
__________
[ () ] وقال في المطالع: ضبطنا التخفيف عن المتقنين واما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها. وقال البكري- رحمه الله- أهل العراق يشددون، وأهل الحجاز يخففون.
وقال النحاس- رحمه الله- سألت كلّ من لقيت ممن أثق بعلمه عن «الحديبية» فلم يختلفوا عن قراءتها مخففة.
قال أحمد بن يحيى- رحمه الله- لا يجوز فيها غيره، ونص في البارع على التخفيف. وحكى التشديد ابن سيده- رحمه الله- في المحكم، قال في تهذيب المطالع: ولم أره لغيره، وأشار بعضهم الى أنّ التثقيل لم يسمع حتى يصح، ووجهه ان التثقيل إنما يكون في المنسوب، نحو الإسكندرية فإنها منسوبة الى الإسكندر وأما الحديبية» فلا تعقل فيها النسبة، وياء النسبة في غير منسوب قليلة، ومع قلته موقوف على السماع. والقياس ان يكون أصلها حدباء بزيادة «ألف للإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغرت انقلبت الألف ياء، وقيل: حديبة وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتصغير ولم يرد لها مكبر فقدره الأئمة ليلة لأن المصغر فرع المكبر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله.
قال المحب الطبري- رحمه الله-: هي قريبة من مكة أكثرها في الحرم.
وفي صحيح البخاري عن البراء «الحديبية» بئر. قال الحافظ- رحمه الله- يشير إلى ان المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك، هذا اسمها، ثم عرف المكان كله بذلك، وبينها وبين مكة نحو مرحلة واحدة، وبين المدينة تسع مراحل وانظر حول المسافة التي بين الحديبية وكل من مكة والمدينة في شرح المواهب (2: 179) .
[ (3) ] الزيادة من (ح) .
[ (4) ] قالوا كانت سنة ستّ، قاله الجمهور، في ذي القعدة، وقال هشام بن عروة عن أبيه- رحمهما الله- في شوال، وشذّ بذلك هشام عن الجمهور. وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور. وفي البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا في ذي القعدة، وفيه عن أنس- رضي الله عنه- اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة، فذكر منها عمرة «الحديبية» .(4/91)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ.
قَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ حَسَّانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تجهز يُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَتَجَهَّزَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ.
أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عمر كلهن في ذي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الْعُمْرَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجعرانة حيث قسم غنائم حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وعمرة مع حجته.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (5) ] .
__________
[ (5) ] البخاري عن هدبة في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4148) ، فتح الباري (7: 439) ، وأخرجه مسلم عن هدبة في كتاب الحج، (35) باب بيان عدد عُمُرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، الحديث (217) ، ص (2: 916) .
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الحج عن أبي الوليد، وعن هدبة، والترمذي في الحج عن حبان، وقال: «حسن صحيح» .(4/92)
بَابُ عَدَدِ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قال: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزهري، عن عروة ابن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ [ (1) ] قَلَّدَ الْهَدْيَ [ (2) ] وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [ (3) ] .
وَاخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ فِي الْبِضْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
كانوا ألفا وثلاثمائة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (ذو الحليفة) قرية بينها وبين المدينة ستة أميال.
[ (2) ] (قلّد الهدي) علّق في عنقها قطعة من حبل ليعلم أنها هدي، فيكف الناس عنها.
[ (3) ] أخرجه البخاري في المغازي في باب الحديبية، فتح الباري (7: 444) .
[ (4) ] وقال الصالحي في السيرة الشامية:
اختلفت الروايات في عدة مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- فيها، ففي رواية عبد العزيز الأفاقي عن الزّهري في حديث المسور، ومروان: ألف وثمانمائة.(4/93)
__________
[ () ] وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء: كنّا أربع عشرة مائة.
وفي رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر.
وفي رواية لسالم بن أبي الجعد عن جابر: أنهم كانوا خمس عشرة مائة، وكذلك رواية سعيد بن المسيّب عنه، وكذلك رواية ابن أبي شيبة عن مجمّع بن جارية.
قال الحافظ- رحمه الله- والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألف وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه. ويؤيده قول البراء في رواية عنه:
كنّا ألفا وأربعمائة أو أكثر، واعتمد على هذا الجمع النووي- رحمه الله. وأما البيهقي- رحمه الله- فمال إلى التّرجيح، وقال: إن رواية من قال ألفا وأربعمائة أرجح، ثم روى من طريق أبي الزبير ومن طريق سفيان بن عمر بن دينار، كلاهما عن جابر كذلك.
ومن رواية معقل بن يسار عن سلمة بن الأكوع، والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيّب عن أبيه، ومعظم هذه الطرق عن مسلم.
ووقع عند ابن سعد- رحمه الله- في حديث معقل بن يسار: زهاء ألف وأربعمائة، وهو أيضا في عدم التحديد.
وأما قول عبد الله بن أبي أوفى- رحمه الله-، كنّا ألفا وثلاثمائة كما رواه البخاري، فيمكن حمله على ما اطّلع عليه، واطلع غيره على زيادة أناس لم يطّلع هو عليهم، والزيادة من الثّقة مقبولة.
أو العدد الّذي ذكره عدد المقاتلة. والزّيادة عليها من الأتباع من الخدم والنّساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا الحكم.
وأمّا قول ابن إسحاق- رحمه الله- إنّهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه [أحد] عليه، لأنّه قاله استنباطا من قول جابر- رضي الله عنه-: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة. وهذا لا يدلّ على أنّهم لم ينحروا غير البدن. مع أنّ بعضهم لم يكن أحرم أصلا. وقال ابن القيّم: ما ذكره ابن إسحاق غلط بيّن، واستدلّ به من أنّهم نحروا سبعين بدنة، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله فإنّه قد صرّح أن البدنة في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السّبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: إنّهم كانوا ألفا وأربعمائة.
وأمّا ما وقع في حديث المسور ومروان عن البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأنّ الّذين بايعوا كانوا كما تقدم. وأمّا الّذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها، كمن توجّه مع عثمان- رضي الله عنه- إلى مكة، على أنّ لفظ البضع يصدق على الخمس(4/94)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ يَوْمَئِذٍ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ [ (5) ] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ [ (6) ] ، فَذَكَرَهُ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقِيلَ عنه: ألف وخمس
__________
[ () ] والأربع، فلا تخالف.
وجزم ابن عقبة بأنّهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة. وحكى ابن سعد: أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وهذا إن ثبت تحرير بالغ.
وزاد ابن مردويه عن ابن عبّاس، وفيه ردّ على ابن دحية، حيث زعم أنّ سبب الاختلاف في عددهم، أنّ الّذي ذكر عددهم لم يقصد التّحديد، وإنما ذكره بالحدس والتّخمين.
[ (5) ] مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ، في: 33- كتاب الإمارة (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (75) ، ص (1485) .
[ (6) ] البخاري في المغازي، باب الحديبية تعليقا، الحديث (4155) ، فتح الباري (7: 443) .(4/95)
مائة، وقيل: ألف وأربع مائة.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا [ (7) ] : كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ [ (8) ] .
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عن حُصَيْنٍ كَذَلِكَ [ (9) ] .
وَخَالَفَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ، فَقَالَ: كَمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا وأربع مائة أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ [ (10) ] ، واستشهد البخاري بهذه
__________
[ (7) ] (لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لكفانا) هذا مختصر من الحديث الصحيح في بئر الحديبية، ومعناه أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنز مثل الشراك، فبصق النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةَ، فجاشت، فهي إحدى المعجزات لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فقال جابر: كنا ألفا وخمسمائة، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لكفانا.
[ (8) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، الحديث (73) عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ، عن خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ..، ص (1484) .
[ (9) ] فتح الباري (7: 441) باب غزوة الحديبية، ومسلم (3: 1484) ، الحديث (72) .
[ (10) ] مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة، في الموضع السابق، الحديث (74) ، ص (1484) .(4/96)
الرِّوَايَةِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخَرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ كَانَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؟
قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ- يَرْحَمُهُ اللهُ- وَهِمَ، هُوَ حَدَّثَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (11) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَهْمَ، فَقَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: كُنَّا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ أُبْصِرُ لرأيتكم مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ [ (12) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَذَكَرَهُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
__________
[ (11) ] فتح الباري (7: 443) ، الحديث (4153) . ط. السلفية.
[ (12) ] البخاري في الموضع السابق، الحديث (4154) ، فتح الباري (7: 443) .(4/97)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ رُمْحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قال: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة [ (13) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقُلْنَا لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ألفا وأربع مائة بِخَيْلِنَا وَرِجَالِنَا.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ فَكَذَلِكَ قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربع مائة [ (14) ] .
__________
[ (13) ] صحيح مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الليث ... في الإمارة، ح (67) ، ص (1483) .
[ (14) ] راجع الحاشية (4) من هذا الباب.(4/98)
بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِيهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِيمَا حَدَّثَنَا عَنِ الْمَغَازِي، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ [ (1) ] ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيِهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ [ (2) ] عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رسول
__________
[ (1) ] (أشعره) وخز سنامها حتى يعلم أنها هدي.
[ (2) ] في (ح) : «تخبره» .(4/99)
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ [ (3) ] قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ [ (4) ] أَتَاهُ عُيَيْنَةُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ، قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ [ (5) ] ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَهُمْ قَاتِلُوكَ أَوْ مُقَاتِلُوكَ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زِيَادٍ: وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ، قَالَا: جَمِيعًا: وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشِيرُوا عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ [ (6) ] الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ؟.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا جِئْنَا معتمرين، ولم نجيء لِقِتَالِ [أَحَدٍ] [ (7) ] ، وَلَكِنْ مَنْ حَالِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرُوحُوا إذا» .
الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فخذوا ذات اليمين» ،
فو الله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ [ (8) ] ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ
__________
[ (3) ] (الأشطاط) : «جمع شط، وهو جانب الوادي» .
[ (4) ] (عسفان) قرية بينها وبين مكة ثلاث مراحل.
[ (5) ] (الأحابيش) هم: بنو الهون بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وبنو الحارث، وبنو عبد مناة، وبنو المصطلق من خزاعة، وجاء في شرح المواهب (2: 182) : «الأحابيش كانوا تحالفوا مع قريش تحت جبل يقال له: الحبش، أسفل مكة، وقيل: سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم» .
[ (6) ] رسمت في (ح) : «هاؤلاء» .
[ (7) ] الزيادة من (ح) فقط.
[ (8) ] (قترة الجيش) الغبار الأسود الذي تثيره حوافر الدواب» .(4/100)
رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ [ (9) ] ، فَأَلَحَّتْ [ (10) ] ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ [ (11) ] الْقَصْوَاءُ [ (12) ] ، خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زِيَادٍ فِي حَدِيثِهِ: لَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُوحُوا إِذًا
قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْمِسْوَرُ وَمَرْوَانُ فِي حَدِيثِهِمَا: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ، رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً [ (13) ] يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا [ (14) ] ، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ، قَالَ: فَعَدَلَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ [ (15) ] قَلِيلِ الْمَاءِ إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ [ (16) ] الناس تبرضا،
__________
[ (9) ] (حل حل) كلمة تقال للناقة إذا تركت السير، قال الخطابي «إن قلت «حل» واحدة فبالسكون، وإن أعدتها نونت الأولى وسكّنت الثانية.
[ (10) ] (ألحّت) تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح الإصرار على الشيء.
[ (11) ] (خلأت) بخاء معجمة والمد للإبل كالحران للخيل، قال ابن قتيبة: «لا يكون الخلأ إلا للنوق خاصة» .
[ (12) ] في شرح المواهب (2: 184) : «القصو: قطع طرف الأذن، ويقال: بعير أقصى، وناقة قصواء، وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها القصواء.
[ (13) ] (خطّة) أي خصلة يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ، ومعنى قوله: يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ: أي ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة، والكف عن إراقة الدماء.
[ (14) ] (أعطيتهم إياها) : أجبتهم إليها.
[ (15) ] (الثمد) حضيرة فيها ماء قليل، ويقال: «ماء مثمود» قَلِيلِ الْمَاءِ.
[ (16) ] (إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ الناس) يأخذونه قليلا قليلا، وقال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفين.(4/101)
فَلَمْ يُلْبِثْهُ [ (17) ] النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَطَشَ فَانْتَزَعَ سَهْمًا من كنانة ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فيه قال فو الله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّمِيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ [ (18) ] نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ [ (19) ] مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «إنا لم نجيء لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ [ (20) ] الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ [ (21) ] مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وإن هم أبوا فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهُ» .
فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ نَعْرِضُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ:
هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ، يَقُولُ: قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا بَلَى قَالَ: أَلَسْتُ بِالْوَلَدِ [ (22) ] ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لا،
__________
[ (17) ] أي لم يتركوه أن يقيم.
[ (18) ] (عيبة نصح) أي أنهم موضع النصح له، والأمانة على سره.
[ (19) ] (الأعداد) الذي لا انقطاع له.
[ (20) ] (نهكتهم) أي أضعفتهم.
[ (21) ] (ماددتهم) جعلت بينك وبينهم مدة بترك الحرب.
[ (22) ] (ألستم بالوالد وأ لست بالولد) : أنتم حي قد ولدني، لكون أمي منكم. [كانت أمه: سبيعة بنت عبد شمس] .(4/102)
قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا [ (23) ] عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنْ تكن الأخرى فو الله إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَوْشَابًا [ (24) ] مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ [ (25) ] ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، قَالَ: مَنْ ذَا [ (26) ] ؟ قال أبو بكر: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ [ (27) ] كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ (28) ] وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ:
أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ [ (29) ] ؟ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟
قَالَ: وَكَانَ
__________
[ (23) ] (بلّحوا عليّ) امتنعوا من الإجابة.
[ (24) ] (الأوشاب) الأخلاط.
[ (25) ] (امصص بظر اللات) البظر) القطعة التي تبقى بعد ختان المرأة ... ، (واللات) اسم أحد الأصنام، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، وبلفظ الأمر: أراد أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عنه- المبالغة في ذلك.
[ (26) ] في (ص) : «من هذا» .
[ (27) ] (اليد) : النعمة والإحسان.
[ (28) ] كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه، ولا سيما عند الملاطفة، وفي الغالب:
إنما يفعل ذلك النظير بالنظير، لكن كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا، والمغيرة يمنعه إجلالا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
[ (29) ] (غدر) على وزن عمر، مبالغة في الوصف بالغدر، وهو ترك الوفاء.(4/103)
الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ.
ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ [ (30) ] صَحَابَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم، فو الله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا لِأَمْرِهِ، وَإِذَا تَوَضَّأَ ثَارُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُجِدُّنَ [ (31) ] إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
قَالَ: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ: وَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهُ،
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كنانة: دعوني ءاته، فقالوا ائتيه، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبَعَثَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَرَجَعَ لِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ.
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ دَعُونِي آتِهِ. قالوا: ائتيه
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ
[ (32) ] ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ
__________
[ (30) ] (يرمق) يلحظ.
[ (31) ] في (ح) : «وما يحدون» .
[ (32) ] استشكل قَوْلِهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- في مكرز هذا رجل فاجر أو غادر مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر، بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سبق في القصة، وفي إجازته أبا جندل لأجل رسول(4/104)
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كِتَابًا، فَدَعَا الْكَاتِبَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل أما الرحمن فو الله مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَطُوفَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيودِهِ،
__________
[ () ] الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا امتنع سهيل بْنِ عَمْرٍو- رَضِيَ اللهُ عنه- قبل إسلامه، وأجيب: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ في مغازيه في غزوة «بدر» أن عتبة بن ربيعة قال لقريش كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا؟ قال: وذلك أنّ حفص بن الأخيف- بخاء معجمة فتحتية وبالفاء- والد مكرز كان له ولد وضيء فقتله رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ ابن عبد مناة بدم لهم، كان في قريش، فتكلّمت قريش في ذلك. ثمّ اصطلحوا، فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد، سيّد بني بكر غرّة فقتله، فنفرت من ذلك كنانة، فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك، وكان مكرز معروفا بالغدر وتقدّم في القصة أنه أراد أن يبيّت المسلمين بالحديبية، فكأنّه- صلى الله عليه وسلم- أشار إلى هذا.(4/105)
قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكتاب بعد، قال: فو الله إِذًا لَا نُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَأَجِرْهُ لِي، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيرِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَرْنَاهُ.
قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا! أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ! وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَاللهِ، مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي. قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى أَنَا أَخْبَرْتُكُ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ،
قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بلى، قلت: فلم نعط الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغرزة [ (33) ] حتى تموت، فو الله إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أو ليس كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّهُ سَيَأْتِي الْبَيْتَ وَيَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَتَطُوفُ بِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا، قَالَ: فو الله ما قام
__________
[ (33) ] في (أ) «بغرزم» ، والغرز هو ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب.(4/106)
مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ثَلَاثَ مِرَارٍ،
فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ بِحَالِقِكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ حَتَّى بَلَغَ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (34) ] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حتى بلغ بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرّجلين: والله إني لا أرى سيفك جيّد جِدًّا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ،
فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «وَيْلُ امِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ [ (35) ] ، لَوْ كَانَ لَهُ أحد،
فلما
__________
[ (34) ] [الممتحنة- 10] .
[ (35) ] ويل أمّه- بضم اللّام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة: وهي كلمة ذمّ تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذّمّ، لأنّ الويل الهلاك، فهو كقولهم: لأمّه الويل قال الفرّاء:
أصل ويل وي لفلان، أي حزن له: فكثر الاستعمال، فألحقوا بها اللّام، فصارت كأنها منها، وأعربوها، وتبعه ابن مالك، إلّا أنه قال تبعا للخليل إن وي كلمة تعجب، وهي من أسماء(4/107)
سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ.
وَيَتَفَلَّتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ.
قَالَ: فو الله لَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ خَرَجَتْ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللهَ وَالرَّحِمَ، لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ، فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأُنْزِلَ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ [ (36) ] حَتَّى بَلَغَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (37) ] ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ شَوَاهِدُ وَفِيهَا زِيَادَاتٌ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ مُفَصَّلَةً فِي أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَّامِيِّ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْخُطَبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قال:
__________
[ () ] الأفعال، واللام بعدها مكسورة، ويجوز ضمها إتباعا للهمزة، وحذفت الهمزة تخفيفا.
مسعر حرب- بكسر الميم، وسكون السّين، وفتح العين المهملتين وبالنّصب على التمييز، وأصله من مسعر حرب أي مسعرها، قال الخطابي: كأنّه يصفه بالإقدام في الحرب، والتّسعير لنارها.
[ (36) ] [الفتح- 24] .
[ (37) ] الحديث بطوله أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ في: 54- كتاب الشروط، (15) باب الشروط في الجهاد، فتح الباري (5: 329) .(4/108)
حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ [ (38) ] فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ ثُمَّ تَبَادَرَ النَّاسُ بَعْدُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«كُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» [ (39) ] فَقُلْنَا تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ [ (40) ] .
__________
[ (38) ] (ثنية المرار) : أصل الثنية: الطريق بين الجبلين، قال الحازمي: هي مهبط الحديبية.
[ (39) ] (إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ) هو: الجد بن قيس المنافق.
[ (40) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ في: 50- كتاب المنافقين، الحديث (12) ، ص (2144) .(4/109)
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي دَعَا فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ: بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أربع عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا، فَلَمْ نَتْرُكْ [ (2) ] فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا [ (3) ] ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ مِنْهَا، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكَهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا نَحْنُ وركائبنا.
__________
[ (1) ] في (ح) : «قال حدثنا» .
[ (2) ] في الأصول: «فما ترك» وأثبتّ ما في الصحيح.
[ (3) ] (شفير البئر) حرفها.(4/110)
لَفْظُ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رَجَاءٍ مِثْلُهُ إِلَى قَوْلِهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، قَالَ: نَزَلْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ بِئْرٌ فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ نَزَحُوهَا، فَلَمْ يدعو فِيهَا قَطْرَةً، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِدَلْوٍ فَنَزَعَ مِنْهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ بِفِيهِ فَمَجَّهُ فِيهَا، وَدَعَا اللهَ فَكَثُرَ مَاؤُهَا حَتَّى صَدَرْنَا وَرَكَائِبُنَا وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (4) ] وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أبي إسحاق.
وأخبرنا الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ أَحْمَدُ وَحَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى هَوُ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا. قال: فعقدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى جَبَاهَا [ (5) ] : فَإِمَّا دَعَا، وأمَّا بَزقَ فِيهَا، فَجَاشَتْ [ (6) ] فَسَقَيْنَا، وَاسْتَقَيْنَا.
لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
__________
[ (4) ] في: 64- كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4150) ، فتح الباري (7:
441) .
[ (5) ] كذا بالأصول، وفي صحيح مسلم: جبا الرّكيّة، ومعناها: حول البئر.
[ (6) ] (فجاشت) ارتفعت وفاضت.
[ (7) ] هو جزء من حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ الحديث (132) ، ص (1433) .(4/111)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ والمسور بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ حَرْبًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ فِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ انْزِلُوا» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا بِالْوَادِي مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْقُلُبِ [ (8) ] فَاغْرِزْهِ فِي جَوْفِهِ، فَفَعَلَ، فَجَاشَ بِالْمَاءِ بِالرَّوَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ [عَنْهُ] بِعَطَنٍ [ (9) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: فَذَكَرَ خُرُوجَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ فَسَبَقُوهُ إِلَى بَلْدَحَ، وَإِلَى الْمَاءِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ سُبِقَ نَزَلَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ، فَأَشْفَقَ الْقَوْمُ مِنَ الظَّمَاءِ وَالْقَوْمُ كَثِيرٌ، فَنَزَلَ فِيهَا رجال يميجونها، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ فِي الدَّلْوِ، وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمَّ مَجَّ بِهِ وَأَمَرَ أَنْ يُصَبَّ فِي الْبِئْرِ، وَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ وَدَعَا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَفَارَتْ بِالْمَاءِ، حَتَّى جَعَلُوا يَغْتَرِفُونَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَفَتَيْهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن ابن
__________
[ (8) ] جمع قليب وهو البئر.
[ (9) ] العطن مبرك الإبل، والخبر في سيرة ابن هشام (3: 267) .(4/112)
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ صَاحِبُ بُدْنِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ أَنَا الَّذِي نَزَلْتُ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتَ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ، فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ [ (10) ] عَلَى النَّاسِ، فقالت:
يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا ... إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا [ (11) ]
يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجِّدُونَكَا [ (12) ]
فَقَالَ نَاجِيَةُ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النَّاسِ:
قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ... أَنِّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ
وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ... طَعَنْتُهَا تَحْتَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ [ (13) ]
وَذَكَرَ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْبِئْرِ خَلَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْغِفَارِيُّ، وَدَلَّاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِعِمَامَتِهِ، فَمَاحَ فِي الْبِئْرِ، فَكَثُرَ الْمَاءُ، حَتَّى روي الناس، قال:
__________
[ (10) ] يميح على الناس: يملأ لهم الدلاء.
[ (11) ] المائح: هو الرجل يكون في أسفل البئر يملأ الدلاء للقوم، والماتح بالتاء المثناة- هو الذي يكون في أعلى البئر ينتزع الدلاء المملوءة، وقولها «دلوي دونكا» هو من شواهد بعض النحاة على جواز تقديم معمول اسم الفعل عليه، وتأوله قوم بأنه من باب حذف العامل، وأصله: خذ دلوي دونكا
[ (12) ] يمجدونكا: يشرفونك، والتمجيد: التشريف ويروى الرجز هكذا:
إنّي رأيت النّاس يمنحونكا ... يثنون خيرا ويمجّدونكا
ويمنحونك: أي يعطونك، والمنحة: العطية، تريد أنهم يعطونه دلاءهم.
[ (13) ] سيرة ابن هشام (2: 267- 268) ، والبداية والنهاية (4: 165) .(4/113)
وَيُقَالُ بَلِ الْمَائِحُ فِي الْبِئْرِ: نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: لَيْسَ لَنَا مَاءٌ، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي قَعْرِ قَلِيبٍ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، فَرَوِيَ النَّاسُ حَتَّى ضَرَبُوا بِعَطَنٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ؟ فَنَزَلَ خَلَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْغِفَارِيُّ فذكره نحوه.
__________
[ (14) ] الدرر لابن عبد البر (193) ، وسيرة ابن هشام (3: 267) ، والبداية والنهاية (4:
165) .(4/114)
بَابُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِخُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهِ ماء يشربونه ويتوضّؤون بِهِ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرْجِعَهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ دَعَا فِي أَزْوَادِهِمْ بِالْبَرَكَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ.
قال شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كنا ألفا وخمس مائة، وَذَكَرَ عَطَشًا أَصَابَهُمْ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيونُ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَوَسِعَنَا وَكَفَانَا، قَالَ قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا. كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4152) عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى، عن ابن فضيل، عن حصين، عن سالم، عن جابر. فتح الباري (7:
441) ، وأخرجه مسلم في المغازي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن نمير، كلاهما عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إدريس، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن حصين، وعن أبي موسى وبندار، عن غندر، عن شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ.(4/115)
أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا، إِذْ جَهَشَ الناس نحوه، فقال: مالكم؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَشْرَبُ، وَلَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ، إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ [ (2) ] بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِثْلَ الْعُيونِ، قَالَ:
فَشَرِبُوا، وَتَوَضَّئُوا، قَالَ: قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْمَاءَ يَغُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، كَأَمْثَالِ الْعُيونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. ثُمَّ ذَكَرَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
__________
[ (2) ] في البخاري: «يفور» .
[ (3) ] أنظر (1) ، وأخرجه عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ في علامات النبوة في الإسلام من كتاب المناقب، فتح الباري (6: 581) .
[ (4) ] فتح الباري (7: 441) .(4/116)
الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرُ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، وَقَالَ: حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ من بين أَصَابِعِهِ قَالَ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ، وَشَرِبُوا، قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا آلوا مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ، قَالَ قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ، قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، غَزَوْنَا أَوْ سَافَرْنَا، ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ طَهُورٍ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ مَاءٌ غَيْرُهُ، فَعَبَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَدَحٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ، قَالَ فَرَكِبَ الناس ذلك القدح، وقال: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: على رسلكم
__________
[ (5) ] البخاري من حديث الأعمش، عن سالم، عن جابر، في: 74- كتاب الأشربة (31) باب شرب البركة، والماء المبارك، الحديث (5639) ، فتح الباري (10: 101) .(4/117)
حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، ثُمَّ قال: أسبغوا الوضوء.
فو الذي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي، لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيونَ: عُيونَ الْمَاءِ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ وَلَمْ يَرْفَعْهَا حَتَّى تؤووا أَجْمَعُونَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، يَعْنِي [ابْنُ] [ (7) ] إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ [ (8) ] ، حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا، فَأَمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا [ (9) ] ، فَبَسَطْنَا [ (10) ] لَهُ نِطْعًا [ (11) ] فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النِّطْعِ، قال: فتطاولت لأحزركم [ (12) ] هو؟
__________
[ (6) ] سنن الدارمي، باب ما أكرم اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم من تفجير الماء بين أصابعه من المقدمة (1: 21) .
[ (7) ] سقطت من (أ) .
[ (8) ] (جهد) بفتح الجيم، وهو المشقة.
[ (9) ] (مزاودنا) هكذا هو في بعض النسخ أو أكثرها. وفي بعضها: أزوادنا. وفي بعضها: تزاودنا، بفتح التاء وكسرها. والمزاود جمع مزود، كمنبر، وهو الوعاء الذي يحمل فيه الزاد، وهو ما تزوده المسافر لسفره من الطعام. والتزاود معناه ما تزودناه.
[ (10) ] (فبسطنا له) أي للمجموع مما في مزاودنا.
[ (11) ] (نطعا) أي سفرة من أديم، أو بساطا.
[ (12) ] (فتطاولت لأحزره) أي أظهرت طولي لأحزره، أي لأقدّره وأخمنه.(4/118)
فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ [ (13) ] ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ لَهُ فِيهَا نُطْفَةٌ فَأَفْرَغَهَا فِي قَدَحٍ، فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً [ (14) ] أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَهُورٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم:
فَرَغَ الْوَضُوءُ لَفْظُ حَدِيثِ النَّضْرِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَلَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا جَهَدْنَا، وَفِي النَّاسِ ظَهْرٌ فَانْحَرْهُ لَنَا فَنَأْكُلَ مِنْ لُحُومِهِ وَلِنَدَّهِنَ مِنْ شُحُومِهِ، وَلِنَحْتَذِيَ مِنْ جُلُودِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّ النَّاسَ إِنْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَقِيَّةُ ظَهْرٍ أَمْثَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْسُطُوا أَنْطَاعَكُمْ، وَعَبَاكُمْ. فَفَعَلُوا ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ زَادٍ وَطَعَامٍ فَلْيَنْثُرْهُ وَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: قَرِّبُوا أَوْعِيَتَكُمْ فَأَخَذُوا مَا شَاءَ اللهُ.
يُحَدِّثُهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
__________
[ (13) ] (كربضة العنز) أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة. والعنز الأنثى من المعز إذا أتى عليها حول.
[ (14) ] أي نصبه صبا شديدا.(4/119)
وَحَدَّثَنِيهِ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا نَزَلَ مَرَّ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ قَالَ أَصْحَابُ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولُ اللهِ لَوِ انْتَحَرْنَا مِنْ ظُهُورِنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَحَسَوْنَا مِنَ الْمَرَقِ أَصْبَحْنَا غَدًا إِذَا غَدَوْنَا عَلَيْهِمْ وَبِنَا جَمَامٌ قَالَ لَا وَلَكِنِ ائْتُونِي بِمَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِكُمْ، فَبَسَطُوا أَنْطَاعًا، ثُمَّ صَبُّوا عَلَيْهَا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، فَأَكَلُوا حَتَّى تَضَلَّعُوا شِبَعًا، ثُمَّ لَفَّفُوا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ فِي جُرُبِهِمْ [ (15) ] .
__________
[ (15) ] أخرجه مسلم في: 31- كتاب اللقطة، (5) باب استحباب خلط الأزواد إذا قلّت، الحديث (19) ، ص (1354) .(4/120)
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَزِيَادَةَ مَاءِ الْبِئْرِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ كَانَتْ لَهُ عَادَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو زَكَرِيَّا [ (1) ] بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، وَأَمَرَ الناس أن يتوضؤوا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في (أ) رسمت: «زكرياء» .
[ (2) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسلمة القعنبي في: 61- كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3573) ، فتح الباري (6: 580) .(4/121)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْنٍ، وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ [ (4) ] ، فَجَعَلَ الْقَوْمَ يتوضأون، فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الرَّبِيعِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن مسدد [ (5) ] .
__________
[ (3) ] مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ موسى الأنصاري، عن معن، عن مالك فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (5) ، ص (1783) .
وأخرجه النسائي في الطهارة، والترمذي في المناقب، وقال: «حسن صحيح» .
[ (4) ] «رحراح» الواسع القصير الجدار.
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 4- كتاب الوضوء (46) باب الوضوء من التّور، الحديث (200) ، فتح الباري (1: 304) .(4/122)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الرَّبِيعِ [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ:
الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَى قُبَاءَ، فَأُتِيَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهِمْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ، قَالَ:
فَأَدْخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَلَمْ يَسَعْهُ الْقَدَحُ، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ إِبْهَامَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: هَلُمُّوا إِلَى الشَّرَابِ، قَالَ أَنَسٌ: بَصُرَ عَيْنِي يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَلَمْ يَزَلِ الْقَوْمُ يَرِدُونَ الْقَدَحَ حَتَّى رَوَوْا مِنْهُ جَمِيعًا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ يَتَوَضَّأُ وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ. قُلْنَا: كم هم [ (8) ] ؟ قال: ثمانين وَزِيَادَةٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ السهمي [ (9) ] .
__________
[ (6) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (4) ، ص (1783) .
[ (7) ] ذكره الحافظ ابن كثير في التاريخ (6: 94) وعزاه للإمام أحمد، وقال: «وهكذا رواه البخاري عن بندار بن أبي عدي، ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ غندر.
[ (8) ] في الصحيح: «كم كنتم» .
[ (9) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن منير في: 4- كتاب الوضوء (45) باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح ... الحديث (195) ، فتح الباري (1: 301) ، وأعاده في: 61- كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الْفَتْحِ (6: 581) .(4/123)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجِدِ القوم ماء يتوضؤون فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ أَمَرَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ قال للقوم: هلموا فتوضؤوا، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَسُئِلَ أَنَسٌ كَمْ بَلَغُوا؟ قَالَ: كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ [ (10) ] .
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَنَسٍ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ إِلَى قُبَاءَ، وَرِوَايَةُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ أُخْرَى وَاللهُ أعلم.
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله، حدثنا علي بن جمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ بِالزَّوْرَاءِ [ (11) ] دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بين
__________
[ (10) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، فتح الباري (6: 581) .
[ (11) ] (الزّوراء) بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فيها ثمّة.(4/124)
أَصَابِعِهِ، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ:
ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (12) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (13) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ.
وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه كَانُوا بِالزَّوْرَاءِ وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فَدَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ جَمِيعًا فَقُلْتُ لِأَنَسٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ كَمْ كَانُوا فَقَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ عَنْ مُعَاذٍ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّيْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زياد، قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، قَالَ: أتيت
__________
[ (12) ] فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (7) ، ص (1783) .
[ (13) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3572) ، فتح الباري (6: 580) .
[ (14) ] هذه الرواية في صحيح مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (6) ، ص (1783) .(4/125)
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (15) ] إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَشَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، قَالَ بِشْرٌ: يَعْنِي سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَلَزِمْتُهُ وَكُنْتُ قَوِيًّا وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَيَسْتَأْخِرُونَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كَانَ أَذَانُ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلَاحَقَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أخا صداء؟ فَقُلْتُ: لَا، إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ. قَالَ الصُّدَائِيُّ فَرَأَيْتُ بَيْنَ إصبعين من أصابعه عينا تَفُورُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، نَادِ فِي أَصْحَابِي مَنْ كان له
__________
[ (15) ] بقية الحديث وسيأتي تخريجه بعد قليل:
فأخبرت أنه قد بَعَثَ جَيْشًا إِلَى قَوْمِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ارْدُدِ الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِإِسْلَامِ قَوْمِي وَطَاعَتِهِمْ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَرُدَّهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رَاحِلَتِي قد كلّت، ولكن ابعث إليهم رجلا، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، وكتبت معه إليهم، فردّهم، قال الصدائي: فَقَدِمَ وَفْدُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَخَا صُدَاءَ، إِنَّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ، قلت: بَلِ اللهُ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا أؤمّرك عليهم؟ قلت:
بلى، فكتب لي كتابا بذلك، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مر لي بشيء من صدقاتهم، فَكَتَبَ لِي كِتَابًا آخَرَ بذلك، وكان ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فأتى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَشْكُونَ عاملهم، يقولون: أَخَذَنَا بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَنَا وبينه في الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ فعل؟ قالوا: نعم، فالتفت إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَدَخَلَ قَوْلُهُ فِي نفسي، قال: ثم أتاه آخر، فقال: يا رسول الله، أعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، فقال السائل: فأعطني من الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله لم يرض بحكم نبيّ ولا غيره [في الصدقات] حتى حكم هو فيها، فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك- أو أعطيناك- حقك،
قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي، لأني سألته من الصدقات وأنا غنيّ.(4/126)
حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ، فَنَادَيْتُ فِيهِمْ فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ هُوَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (16) ] وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْنَا يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا، فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا لَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا: أَنْ يَسْقِيَنَا مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعَ عَلَيْهَا وَلَا نتفرق، فدعا بسبع حصيات فَعَرَكَهُنَّ فِي يَدِهِ، وَدَعَا فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ، فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ.
قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى قَعْرِهَا يَعْنِي الْبِئْرَ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ:
__________
[ (16) ] وتتمته: فأقمت،
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم صلاته أَتَيْتُهُ بِالْكِتَابَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْفِنِي مِنْ هَذَيْنِ، فقال: وما بدا لك؟ فقلت: إني سمعتك تَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ، وَأَنَا أو من بالله ورسوله، وَسَمِعْتُكَ تَقُولُ لِلسَّائِلِ: مَنْ سأل عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَهُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ في البطن، وقد سألتك وأنا غنيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ ذاك، إن شِئْتَ فَاقْبَلْ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ [فَقُلْتُ: أَدَعُ] فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَدُلَّنِي على رجل أؤمّره عليهم، فَدَلَلْتُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ، فأمّره علينا، ثم قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ.
[ (17) ] الحديث أخرجه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم، الحديث (199) .
ص (1: 383- 385) ، مختصرا، وأبو داود في الصلاة باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر، الحديث (514) ، ص (1: 142) مختصرا أيضا من طريق عبد الله بن عمر بن غانم.
وأخرجه ابن ماجة في: 3- كتاب الآذان، (3) باب السنة في الآذان، الحديث (717) ، ص (1: 237) .
ورواه أحمد في المسند (4: 169) عن وكيع، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد.
وقد رواه البيهقي في السنن (1: 381) ، و (1: 399) .(4/127)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ يَعْنِي الطَّرَسُوسِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْعُيونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: الوضوء المبارك [ (18) ] .
__________
[ (18) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 251) ، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (6:
97) ،، وقال: تفرد به أحمد، ورواه الطبراني من حديث عامر الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.(4/128)
بَابُ شُهُودِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِحْدَى هَذِهِ الْمَرَّاتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّتِي خَرَجَ الْمَاءُ فِيهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَسَمَاعِهِمْ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ مَعَهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (1) ] أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَعُدُّونَ الْآيَاتِ عَذَابًا، وَكُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَأُتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيَّ عَلَى الطهور المبارك، والبركة مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى تَوَضَّأْنَا كُلُّنَا [ (2) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي أَحْمَدَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَرْقَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3579) ، فتح الباري (6: 587) .(4/129)
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، وَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: حَيَّ عَلَى الْوَضُوءِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ. فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ [ (3) ] .
__________
[ (3) ] أخرجه الترمذي في المناقب، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عن إسرائيل، وقال:
«حسن صحيح» ، وأشار إليه الحافظ ابن كثير في التاريخ (6: 98) .(4/130)
بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ مُطِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَعْفَرُ بْنُ هارون ابن إِبْرَاهِيمَ النَّحْوِيّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (1) ] الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قُلْنَا:
اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللهِ وَبِفَضْلِ اللهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كافر بي.
__________
[ (1) ] في (ح) : «أخبرني» .(4/131)
وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ [ (2) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4147) ، فتح الباري (7: 439) .
وأخرجه البخاري في الصلاة عن القعنبي، وفي صلاة الاستسقاء عن إسماعيل بن أبي أويس، كلاهما عن مالك، وفي التوحيد مختصرا عن مسدد.
وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (32) باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء، عن يحيى بن يحيى، الحديث (125) ، ص (1: 83) .(4/132)
بَابُ إِرْسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ حِينَ نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَدُعَائِهِ أَصْحَابَهُ إِلَى الْبَيْعَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: محمد ابن عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي نُزُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: وَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ لِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَحَبَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِيَبْعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَا آمَنُهُمْ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ يَغْضَبُ لِي إِنْ أُوذِيتُ فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ (رَضِيَ الله عَنْهُ) فَإِنَّ عَشِيرَتَهُ بِهَا وَإِنَّهُ مُبَلِّغٌ لَكَ مَا أَرَدْتَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَقَالَ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا وَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ رِجَالًا بِمَكَّةَ مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ فَيَدْخُلَ عَلَيْهِمْ وَيُبَشِّرَهُمْ بِالْفَتْحِ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَشِيكٌ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ بِمَكَّةَ حَتَّى لَا يُسْتَخْفَى فِيهَا بِالْإِيمَانِ تَثْبِيتًا يُثَبِّتُهُمْ،
فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَمَرَّ عَلَى قُرَيْشٍ بِبَلْدَحَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ. أَيْنَ؟، فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ لِأَدْعُوَكُمْ إِلَى اللهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- وَإِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا، فَدَعَاهُمْ عُثْمَانُ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالُوا:
قَدْ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ فَانْفُذْ لِحَاجَتِكَ، وَقَامَ إِلَيْهِ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَرَحَّبَ(4/133)
بِهِ، وَأَسْرَجَ فَرَسَهُ، فَحُمِلَ عُثْمَانُ عَلَى الْفَرَسِ فَأَجَارَهُ وَرَدَفَهُ أَبَانُ، حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ، وَأَخَا بَنِي كِنَانَةَ، ثُمَّ جَاءَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَمَا قَالُوا وَقِيلَ لَهُمْ وَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ إِنَّمَا جَاءَ الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ عُمَّارًا فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَلْيَطُوفُوا، فَشَتَمُوهُ، ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ: سُهَيْلَ بن عمرو، وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ، لِيُصْلِحُوا عَلَيْهِمْ فَكَلَّمُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُ إِلَى الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ، فَلَمَّا لَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ، وَقَدْ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَزَاوَرُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ وَطَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُشْرِكِينَ لَا يَخَافُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَنْتَظِرُونَ الصُّلْحَ وَالْهُدْنَةَ، إِذْ رَمَى رَجُلٌ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ رَجُلًا مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ فَكَانَتْ مُعَارَكَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَصَاحَ الْفَرِيقَانَ كِلَاهُمَا، وَارْتَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ فِيهِمْ، فَارْتَهَنَ الْمُسْلِمُونَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَارْتَهَنَ الْمُشْرِكُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَمَنْ كَانَ أَتَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْعَةِ، ونَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ، فَاخْرُجُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فَبَايعُوا، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا أَبَدًا، فَرَغَّبَهُمُ اللهُ تَعَالَى فَأَرْسَلُوا مَنْ كَانُوا ارْتَهَنُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعَوْا بِالْمُوَادَعَةِ وَالصُّلْحِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي كَيْفِيَّةِ الصُّلْحِ وَالتَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ،
قَالَ: وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: خَلَصَ عُثْمَانُ مِنْ بَيْنِنَا إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظُنُّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ مَحْصُورُونَ» ، قَالُوا: وَمَا يَمْنَعُهُ يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ خَلَصَ، قَالَ: «ذَلِكَ ظَنِّي بِهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى يَطُوفَ مَعَنَا» ،
فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ:
اشْتَفَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: بِئْسَ مَا ظَنَنْتُمْ بي، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ مَكَثْتُ بِهَا مُقِيمًا سَنَةً وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُقِيمٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَا(4/134)
طُفْتُ بِهَا حَتَّى يَطُوفَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَأَبَيْتُ قَالَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللهِ وَأَحْسَنَنَا ظَنًّا [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُلِّغَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانُوا قَتَلُوهُ لَأُنَاجِزَنَّهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْقِتَالِ، عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بَعْضُ آلِ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ: هَذِهِ لِي وَهَذِهِ لِعُثْمَانَ إِنْ كَانَ حَيًّا، ثُمَّ بَلَغَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ بَاطِلٌ فَرَجَعَ عُثْمَانُ [ (3) ] .
قَالَ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ.
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقٌ بِإِبِطِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ صَبَا إِلَيْهَا يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمْ نُبَايِعِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم على الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نفر.
__________
[ (1) ] نقل بعضها الصالحي في السيرة الشامية (5: 77) وقال: «روى البيهقي عن عروة» .
[ (2) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 272) ، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 167) .
[ (3) ] سيرة ابن هشام (3: 272) .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 272) .(4/135)
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ وَجَدْنَا رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ مُخْتَبِئًا تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ [ (5) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ.
وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ [ (6) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة، فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ سَمُرَةٌ [ (7) ] ، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (8) ] .
وحَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، قَالَ:
__________
[ (5) ] الحديث الأول «لم نبايع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتِ ... » أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة (18) باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. الحديث (68) ، ص (1483) .
[ (6) ] في الموضع السابق الحديث (69) ، ص (1483) من صحيح مسلم.
[ (7) ] (سمرة) واحدة السمر، كرجل، شجر الطلح.
[ (8) ] (بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الموت) وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت وهو معنى رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيد بن عاصم. وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد. وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله. وفي رواية ابن عمر، في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر قال العلماء:
هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات. فالبيعة عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل. وهو معنى البيعة على الموت. أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت.
لا أن الموت مقصود في نفسه. وكذا البيعة على الجهاد، أي والصبر فيه، وَاللهُ أَعْلَمُ.(4/136)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَعْرَجِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ [ (11) ] ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى مَا تُبَايعُنِي؟ فَقَالَ أَبُو سِنَانٍ: عَلَى ما في نفسك.
__________
[ (9) ] مضى بمعناه، وراجع الحاشية (5) من هذا الباب، وسيأتي في الحديث التالي أيضا.
[ (10) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (76) ، ص (1485) .
[ (11) ] الخبر أخرجه أيضا الحافظ ابن حجر في الإصابة (4: 195) (في ترجمة أبي سنان بن وهب، واسمه عبد الله، ويقال: وهب بن عبيد الله الأسدي، شهد بدرا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ بيعة الرضوان، وبقية الخبر: قال: فتح أو شهادة، قال: نعم، فبايعه، فخرج الناس يبايعون على بيعة أبي سنان.(4/137)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ يَزِيدُ [بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ] ذَكَرَهُ- عَنْ سلمة، [ابن الْأَكْوَعِ] ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ يَزِيدُ قُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:
عَلَى الْمَوْتِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ؟ قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ، قَالَ: أَقْبِلْ فَبَايِعْ، قَالَ: فَدَنَوْتُ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عَلَى مَا [ (13) ] بَايَعْتَهُ يَا سَلَمَةُ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (14) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قال:
__________
[ (12) ] أخرجه البخاري في 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4169) ، فتح الباري (7: 449) .
[ (13) ] في البخاري: «عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تبايعون؟» .
[ (14) ] البخاري عن أَبِي عَاصِمٍ فِي: 93- كِتَابٍ الأحكام (44) باب من بايع مرتين، فتح الباري (13: 199) .
[ (15) ] أخرجه مسلم من هذا الوجه عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عبيد، عن سلمة في: 33- كتاب الإمارة، (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (80) ، ص (1486) .(4/138)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا. فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَاهَا يَعْنِي الرَّكِيَّةَ [ (16) ] فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ [ (17) ] فِيهَا فَجَاشَتْ [ (18) ] ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانَا إِلَى الْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ فَبَايَعَهُ أَوَّلُ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ النَّاسِ، قَالَ: «بَايِعْنِي يَا سَلَمَةُ!» قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قَدْ بَايَعْتُكَ أَوَّلَ النَّاسِ، قَالَ وَأَيْضًا، قَالَ: وَرَآنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزِلًا [ (19) ] فَأَعْطَانِي حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً [ (20) ] ، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ أَلَا تُبَايِعُ يَا سَلَمَةُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ، قَالَ: وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَقِيَنِي عَامِرٌ عَزِلًا فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ [ (21) ] اللهُمَّ ابغني [ (22) ] حبيبا
__________
[ (16) ] (جبا الركية) الجبا ما حول البئر. والركيّ البئر. والمشهور في اللغة ركيّ، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعيّ وغيره.
[ (17) ] (وإما بسق) هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعنى. والسين قليلة الاستعمال.
[ (18) ] (فجاشت) أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
[ (19) ] (عزلا) ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
[ (20) ] (حجفة أو درقة) هما شبيهتان بالترس.
[ (21) ] (إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ) الذي صفة لمحذوف. أي أنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول، بالرفع، فاعل، والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
[ (22) ] (أبغني) أي أعطني.(4/139)
هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي،
ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ [ (23) ] حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ [ (24) ] فَاصْطَلَحْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ [ (25) ] أَسْتَقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ [ (26) ] ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكَتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا [ (27) ] وَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْغَضْتُهُمْ ثُمَّ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى فَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الوادي [] الْمُهَاجِرِينَ قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ قَالَ فَاخْتَرَطْتُ [ (28) ] سَيْفِي، فَشَدَدْتُ [ (29) ] عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقَّدٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا [ (30) ] فِي يَدَيَّ ثُمَّ قُلْتُ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِي عَيْنَاهُ [ (31) ] ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ [ (32) ] يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُودُهُ [على فرس
__________
[ (23) ] ( [] ) هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
[ (24) ] (مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ) في هنا بمعنى إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع [] المعنى مشى بعضنا مع بعض.
[ (25) ] (كنت تبيعا لطلحة) أي خادما أتبعه.
[ (26) ] (وأحسه) أي أخك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
[ (27) ] (فكسحت شوكها) أي كنست ما تحتها من الشوك.
[ (28) ] (فاخترطت سيفي) أي سللته.
[ (29) ] (شددت) حملت وكررت.
[ (30) ] (ضغثا) الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
[ (31) ] (الذي فيه عيناه) يريد رأسه.
[ (32) ] (العبلات) قال الجوهريّ في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. تردّه إلى الواحد.(4/140)
مُجَفَّفٍ [ (33) ]] حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعُوهُمْ يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ [ (34) ] فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ [ (35) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ لِيُقَاتِلُوهُ [ (37) ] ، قَالَ: فَأَخَذَهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلْمًا [ (38) ] ، قَالَ: فَأَعْتَقَهُمْ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ (39) ] .
قَالَ حَمَّادٌ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ الْكَلْبِيَّ قَالَ كَذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ [ (40) ] آخَرَ عَنْ حَمَّادِ.
__________
[ (33) ] (مجفف) أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
[ (34) ] (يكن لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ) البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية:
أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
[ (35) ] الآية الكريمة (24) من سورة الفتح.
[ (36) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، الحديث (132) ، ص (1433- 1435) .
[ (37) ] في صحيح مسلم: «يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه» .
[ (38) ] في الأصول: «أخذا» وأثبت ما في صحيح مسلم.
[ (39) ] الآية (24) من سورة الفتح.
[ (40) ] الحديث في صحيح مسلم، في: 32- كتاب الجهاد والسير، (46) باب قول اللهُ تَعَالَى:
«وَهُوَ الَّذِي كفّ أيديهم عنكم ... الآية» ، الحديث (133) ، ص (1442) .(4/141)
بَابُ فَضْلِ مَنْ بَايَعَ تَحْتِ الشَّجَرَةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة، قَالَ: فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ.
قَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ، قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِهَا.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ أبي
__________
[ (1) ] [الفتح- 18] .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية.
وأخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (71) ، ص (1484) .(4/142)
مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عِنْدَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فِي قَابِلٍ [ (3) ] حَاجِّينَ فَخَفِيَ عَلَيْنَا مَكَانُهَا [ (4) ] فَإِنْ كَانَتْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ [ (5) ] .
ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ، يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:
«لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ» ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [ (7) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» [ (8) ] .
__________
[ (3) ] (في قابل) : صفة لمحذوف. تقديره: في عام قابل أي قادم.
[ (4) ] حتى لا يفتتن الناس بها.
[ (5) ] مسلم عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ في: 33- كتاب الإمارة، الحديث (77) ، ص (1485) .
[ (6) ] البخاري في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية.
[ (7) ] [مريم- 71] .
[ (8) ] [مريم- 72] .(4/143)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَجَّاجٍ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَشْكُو حَاطِبًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» [ (10) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عن قتيبة.
__________
[ (9) ] أخرجه مسلم فِي: 14- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (37) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، الحديث (163) ، ص (1942) .
[ (10) ] أخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (36) باب من فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، الحديث (162) ، ص (1942) .(4/144)
بَابُ كَيْفَ جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَا: فَدَعَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالُوا اذْهَبْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُونَنَّ فِي صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، لَا تَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً.
فَخَرَجَ سُهَيْلٌ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مُقْبِلًا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلُ،
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقَوْلُ، حَتَّى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَدِمَهَا خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ، وَالسُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَانَا مِنْ أَصْحَابِكَ بِغَيْرِ إِذَنِ وَلِيِّهِ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَاكَ مِنَّا بِغَيْرِ إِذَنِ وَلِيِّهِ رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُكْتَبَ الْكِتَابُ، قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كما مضى [ (1) ] .
__________
[ (1) ] تقدم الحديث في بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فيها، وسبق تخريجه في الحاشية رقم (37) من ذلك الباب.(4/145)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، كَتَبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. قَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ، فَأَبَى، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُوا مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ [ (2) ] . قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: السَّيْفُ بِقِرَابِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لِعَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ،
__________
[ (2) ] (جلبان السلاح) هو ألطف من الجراب يكون من الأدم، يوضع فيه السيف مغمدا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته يعلقه في الرحل.
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 53- كتاب الصلح، (6) باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان.
وأخرجه مسلم في موضعين منهما: 32- كتاب الجهاد، (34) باب صلح الحديبية، الحديث (91) ، ص (1410) .
كما أخرجه أبو داود في الحج عن الإمام أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، عَنِ غندر نحوه.(4/146)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ سهيل بن عمرو: او نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَصَدَّقْنَاكَ، وَلَمْ نُكَذِّبْكَ، اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَكَتَبَ: مَنْ أَتَانَا مِنْكُمْ رَدَدْنَاهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ أَتَاكُمْ مِنَّا تَرَكْنَاهُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُعْطِيهِمْ هَذَا قَالَ: «مَنْ أَتَاهُمْ مِنَّا فَأَبْعَدَهُ اللهُ وَمَنْ أَتَانَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ كَاتِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الصُّلْحِ، كَانَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو» ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ يَتَلَكَأُ وَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ إِلَّا مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهَا تُعْطِيهَا وَأَنْتَ مُضْطَهَدٌ» ، فَكَتَبَ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنِ عَمْرٍو [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سياه.
__________
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (34) باب صلح الحديبية، الحديث (93) ، ص (1411) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عفّان، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
[ (5) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 273) .(4/147)
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ، قَالَ:
بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ. قَالَ: بَلَى. قَالَ:
فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي أَنْفُسِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا، وَبَيْنَهُمْ. قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ ابْنُ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَى مَا نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ قال: يا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ فتح هُوَ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَجَعَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْلَى [ (6) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (7) ] .
__________
[ (6) ] أخرجه البخاري في: 58- كتاب الجزية، (18) باب حدثنا عَبْدَانَ.
[ (7) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد، (34) باب صلح الحديبية، الحديث (94) ، ص (1411)(4/148)
بَابُ قَوْلِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هشام جار أحمد ابن حَنْبَلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَضَرَنَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَ الْهَوَامُّ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَمَرَّ بِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ. قُلْتُ نَعَمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً، أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ... الْآيَةَ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَإِيَّايَ عُنِيَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَ أَبُو بِشْرٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيِّ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] [البقرة- 196] .
[ (2) ] أخرجه البخاري في المغازي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بن عجرة، وأعاده في تفسير سورة البقرة، فتح الباري (8: 186) باسناد آخر. وفي مواضع أخرى. وبأسانيد مختلفة. تحفة الأشراف (8:
300) .(4/149)
بَابُ مَا جَرَى فِي إِحْرَامِهِمْ وَتَحَلُّلِهِمْ حِينَ وَقَعَ الْحَصْرُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَا: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قوموا فانحروا، وحلوا، فو الله مَا قَامَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! أَلَا تَرَيْنَ إِلَى النَّاسِ، أَيْ آمُرُهُمْ بِالْأَمْرِ لَا يَفْعَلُونَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَلُمْهُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ دَخَلَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِمَّا رَأَوْكَ حَمَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ فِي الصُّلْحِ، وَرَجْعَتِكَ وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْكَ، فَاخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، حَتَّى تَأْتِيَ هَدْيَكَ فَتَنْحَرَ، وَتَحُلَّ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَعَلُوا كَالَّذِي فَعَلْتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدَهَا، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا، حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ، فَنَحَرَ، وَحَلَقَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، قَامُوا فَفَعَلُوا، وَنَحَرُوا، وَحَلَقَ بَعْضُهُمْ، وَقَصَّرَ بَعْضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ:(4/150)
«وَلِلْمُقَصِّرِينَ» [ (1) ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لِمَ ظَاهَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَشْكُوا.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: حَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُلُّهُمْ، غَيْرَ رَجُلَيْنِ قَصَّرَا وَلَمْ يَحْلِقَا.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حَيْثُ حَلَّ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَانْصَرَفَ.
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَارِبٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالْمُقَصِّرِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ، قَالَ:
وَالْمُقَصِّرِينَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ.
__________
[ (1) ] راجع الحاشية (37) من بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وأخرجه البخاري في المغازي. فتح الباري (7: 453) .
[ (2) ] نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 169) عن ابن إسحاق، وهو في سيرة ابن هشام (3: 275) .(4/151)
قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُحِرَ أَوْ نَحَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فِيهَا جَمَلُ أبي جهل، فلما صدّق عَنِ الْبَيْتِ، حَنَّتْ كَمَا تَحِنُّ إِلَى أَوْلَادِهَا.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ:
أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلَيْهِ خِشَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ الزِّمَامُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الزِّمَامَ يَكُونُ فِي اللَّحْمِ، وَالْخِشَاشُ يَكُونُ فِي الْعَظْمِ، وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا لِيَغِيظَ بِهِ قُرَيْشًا [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهَا إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ قَامَ بِهَا ثَلَاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ فليح [ (4) ] .
__________
[ (3) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 276) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 169) .
[ (4) ] أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عن سريج بن النعمان، عن فليح ... في: 53- كتاب الصلح، (7) باب الصلح مع المشركين، الحديث (2701) ، فتح الباري (5: 305) .(4/152)
أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي المعروف الفقيه الاسفرائني بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ: قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَيَحْيَى بْنِ يحيى [ (5) ] .
__________
[ (5) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يحيى في المناسك (62) باب الاشتراك في الهدي، الحديث (350) ص (2: 955) .(4/153)
بَابُ نُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي وَعْدِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمِ،
وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَدُعَاءِ الْمُحَلِّقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَوَجَدَ تَصْدِيقَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمَ الْكَثِيرَةِ، وَدُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ تَصْدِيقَ الدُّعَاءِ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ. فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ الْفَارُوقِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ، وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ فِي الرِّسَالَةِ وَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ وُجِدَ تَصْدِيقُ غَلَبَةِ الرُّومِ فَارِسَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ... وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (1) ] ، ويقال أن أوتي بَأْسٍ شَدِيدٍ» هَوَازِنُ فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُهُ أَيْضًا.
فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله البوسنجيّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ! نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، حَتَّى تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فلَمْ أَنْشِبْ أَنْ
__________
[ (1) ] [الروم- 2] .(4/154)
سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ، قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (2) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وحديث القعبني نَحْوُهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ [ (3) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، جَعَلَتْ نَاقَتُهُ تَثْقُلُ، فَتَقَدَّمْنَا فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ مِنَ السُّرُورِ مَا شَاءَ اللهُ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ عَرَّسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْرُسُنَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَدْرَكَنِي النَّوْمُ فَنِمْتُ، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إِلَّا بِالشَّمْسِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظْنَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ لَوْ شَاءَ أَنْ لَا تَنَامُوا عَنْهَا، لَمْ تَنَامُوا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ، ثُمَّ ذَهَبَ الْقَوْمُ فِي طَلَبِ رواحلهم، فجاؤوا بِهِنَّ غَيْرَ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اذْهَبْ هَاهُنَا، فَوَجَّهَنِي وَجْهًا، فَذَهَبْتُ حَيْثُ وَجَّهَنِي، فَوَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى بِشَجَرَةٍ، فَجِئْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى بِشَجَرَةٍ مَا كَانَ يَحُلُّهَا إِلَّا يد.
__________
[ (2) ] أول سورة الفتح.
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح، الحديث (4833) ، فتح الباري (8: 582) .(4/155)
كَذَا قَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ أَقْبَلُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا كُنَّا، فَذَكَرَ مَوْضِعًا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ، قَالَ، بِلَالٌ: أَنَا. قَالَ: إِذًا تَنَامَ. قَالَ: فَنَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَيْقَظَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَقِيلَ: تَكَلَّمُوا لَعَلَّهُ يَسْتَيْقِظُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، وَكَذَلِكَ يفعل من نام أونسى.
قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمَسْعُودِيِّ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ، تَأْرِيخَ نُزُولِ السُّورَةِ، حِينَ أَقْبَلُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَطْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعَهُ حَدِيثَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثَ الرَّاحِلَةِ، وَكَانَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعٌ، يَعْنِي ابْنَ يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا، إِذَا النَّاسُ يُوجِفُونَ الْأَبَاعِرَ، [ (4) ] قَالَ:
فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ ما لوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نُوجِفُ مَعَ النَّاسِ، حَتَّى وَجَدْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا عَنْ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَعْضُ مَا يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ، قَرَأَ عَلَيْهِمْ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
__________
[ (4) ] يوجفون الأباعر: يحركون رواحلهم.(4/156)
قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. أَوْ فتح هُوَ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَتْحٌ.
قَالَ: ثُمَّ قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الجيش ألفا وخمس مائة، فيهم ثلاث مائة فارس، فكان للفارس سهمين. كَذَا رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ فِي قِسْمَةِ خَيْبَرَ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى وَبُنْدَارٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بُنْدَارٍ [ (6) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (7) ] أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. [ (8) ] قَالَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ [ (9) ] ، فَقَالَ: رَجُلٌ: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللهِ. هَذَا لَكَ، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... ، قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَحَدَّثْتُهُمْ، عَنْ قَتَادَةَ،
__________
[ (5) ] أخرجه أبو داود في الجهاد، باب فيمن أسهم له سهما عن محمد بن عيسى، الحديث (2736) ، ص (3: 76) .
[ (6) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن بندار في: 65: كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح، الحديث (4834) ، فتح الباري (8: 583) .
[ (7) ] في (ح) : «أخبرنا» .
[ (8) ] أول سورة الفتح.
[ (9) ] الحديث في فتح الباري (8: 583) .(4/157)
عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ، فَعَنْ أَنَسٍ، وَأَمَّا الثَّانِي لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... [ (10) ] ، فَعَنْ عِكْرِمَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ. عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الرَّصَاصِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ فَجَعَلَ الْأَوَّلَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَجَعَلَ الثَّانِيَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [ (11) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ إِمْلَاءً، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مَرْجِعَهُ من الحديبية، وأصحابه مخالطوا [ (12) ] الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ [ (13) ] فَقَالَ:
نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا تَلَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مَا يَفْعَلُ، بِكَ فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (14) ] مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَشَيْبَانَ بن عبد الرحمن، عن قَتَادَةَ هَكَذَا، وَفِي رِوَايَةِ شيبان وأصحابه،
__________
[ (10) ] [الفتح- 5] .
[ (11) ] ليس لعكرمة بن أبي جهل سوى حديث واحد في الترمذي. وهو ضعيف. تحفة الأشراف (7: 344) .
[ (12) ] في الصحيح: «وهم يخالطهم» .
[ (13) ] (الكآبة) تغير النفس بالانكسار من شدة الحزن.
[ (14) ] في: 32- كتاب الجهاد والسير (34) باب صلح الحديبية، الحديث (97) ، ص (1413) .(4/158)
مخالطوا الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ، وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَكَرَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ «وَلَمَّا نَزَلَتْ: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [ (15) ] . نَزَلَ بَعْدَهَا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ. قَدْ عَلِمْنَا مَا يُفْعَلُ بِكَ، مَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً.. [ (16) ] ،
قَالَ: وَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ: الْجَنَّةُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَا: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَاجِعًا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَتْحِ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فَكَانَتِ الْقَضِيَّةُ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، وَمَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ بَيْعَةِ رَسُولِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا أَمِنَ النَّاسُ وَتَفَاوَضُوا، لَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ، بالإسلام
__________
[ (15) ] [الأحقاف- 9] .
[ (16) ] [الأحزاب- 47] .(4/159)
إِلَّا دَخَلَ فِيهِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا عَظِيمًا [ (17) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (18) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله بن الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالُوا وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ رَاجِعًا، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا. بِفَتْحٍ، لَقَدْ صُدِدْنَا عَنِ الْبَيْتِ وَصُدَّ هَدْيُنَا، وَعَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَرَجَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِفَتْحٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ الْكَلَامُ! هَذَا أَعْظَمُ الْفَتْحِ، لَقَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ بِالرَّاحِ عَنْ بِلَادِهِمْ، وَيَسْأَلُونَكُمُ الْقَضِيَّةَ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَانِ، وَقَدْ رَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا وَقَدْ أَظْفَرَكُمُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِمْ، وَرَدَّكُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مَأْجُورِينَ، فَهَذَا أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا؟
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، والله
__________
[ (17) ] تقدم الحديث في سياق قصة الحديبية، وراجع الحاشية (37) من ذلك الباب.
[ (18) ] في (ح) : «أخبرنا» .(4/160)
يَا نَبِيَّ اللهِ مَا فَكَّرْنَا فِيمَا فَكَّرْتَ فِيهِ، وَلَأَنْتَ أَعْلَمُ بِاللهِ- عَزَّ وَجَلَّ، وَبِالْأُمُورِ مِنَّا، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةَ الْفَتْحِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. إِلَى قَوْلِهِ:
صِراطاً مُسْتَقِيماً [ (19) ] فَبَشَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِمَغْفِرَتِهِ، وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ، وَفِي طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ، وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا الْمُنَافِقُونَ مُعْتَلُّونَ بِهِ إِذَا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنْ لَنْ يَرْجِعَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا، وَظَنُّوا السُّوءَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ إِذَا انْطَلَقُوا إِلَى مَغَانِمَ لِيَأْخُذُوهَا، الْتَمَسُوا الْخُرُوجَ مَعَهُمْ لِعَرَضِ الدُّنْيَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ سَيُدْعَونَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، يُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ مَا يَبْتَلِيهِمْ، فَإِنْ أَطَاعُوا، أَثَابَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ.
وَإِنْ تَوَلَّوْا كَفِعْلِهِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، عَذَّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَثَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفَتْحِ، وَالْمَغَانِمِ الْكَثِيرَةِ، «وَعَجَّلَ لَهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً» ، ثُمَّ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِكَفِّ أَيْدِي الْعَدُوِّ عَنْهُمْ، ثُمَّ بَشَّرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْ «لَوْ قَاتَلَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ، ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، ولأعطيّنكُم النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَيْهِمْ» .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَصَدَّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، وَأَخْبَرَ أَنْ لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَوْ كَانَ قِتَالٌ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (20) ] .
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَمِيَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قلوبهم حين أبو أَنْ يُقِرُّوا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِاسْمِهِ، وَلِلرَّسُولِ بِاسْمِهِ، وَذَكَرَ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى
__________
[ (19) ] [الفتح: 1- 5] .
[ (20) ] [الفتح- 25] .(4/161)
الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السَّكِينَةِ حَتَّى لَا يَحْمُوا كَمَا حَمِيَ الْمُشْرِكُونَ لِوَقْعِ الْقِتَالِ، فَيَكُونَ فِيهِ مَعَرَّةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أنه قد دق رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ إِلَى فَتْحاً قَرِيباً [ (21) ] هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة بمعناه.
قَالَ: وَالْفَتْحُ الْقَرِيبُ، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنَ الظَّفَرِ عَلَى عَدُوِّهِ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ آمِنًا هُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَيَقُولُ نَاسٌ: الْفَتْحُ الْقَرِيبُ خَيْبَرُ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا. وَقَدْ سَمَّى اللهُ فَتْحَ خَيْبَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَتْحًا قَرِيبًا، قَالَ:
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [ (22) ] فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ سَنَتَيْنِ، يَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة، وحديث عروة بمعناه.
وَقَولُهُمَا سَنَتَيْنِ، يُرِيدَانِ بَقَاءَهُ، حَتَّى نَقْضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: قَوْلُهُ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللهِ، وَظُهُورِ أهل الكتاب على المجوس.
__________
[ (21) ] [الفتح- 27] .
[ (22) ] [الفتح- 18] .(4/162)
قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً، قَالَ: خَيْبَرُ، قَالَ: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها، قَالَ: فَارِسُ وَالرُّومُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَوْلُهُ، وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها. قَالَ: هُوَ مَا أَصَبْتُمْ بعده [ (24) ] .
__________
[ (23) ] قال الزهري: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما أمن الناس كلهم، كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلّم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه فلقد دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك وأكثر.
قال ابن هشام: ويدل عليه أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف.
[ (24) ] نقله القرطبي في التفسير (16: 279) ، وقال: وهو قول الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى.
وعن ابن عباس أيضا والضحاك وابن زيد وابن إسحاق: هي خيبر، وعدها الله نبيّه قبل أن يفتحها، ولم يكونوا يرجونها حتى أخبرهم الله بها. وعن الحسن أيضا وقتادة: هو فتح مكة.
وقال عكرمة: حنين، لأنه قال: «لم تقدروا عليها» . وهذا يدل على تقدم محاولة لها وفوات درك المطلوب في الحال كما كان في مكة، قاله القشيري. وقال مجاهد: هي ما يكون إلى يوم القيامة. ومعنى «قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا» : أي أعدّها لكم، فهي كالشيء الذي قد أحيط به(4/163)
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ قَدْ أحاط الله بها أَنَّهَا سَتَكُونُ، لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا عِلْمًا أَنَّهَا لَكُمْ [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أُرِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ آمِنِينَ محلقين رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ حِينَ نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَيْنَ رُؤْيَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (26) ] يَعْنِي النَّحْرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَفَتَحُوا خَيْبَرَ ثُمَّ اعْتَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ تَصْدِيقُ رُؤْيَاهُ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ [ (27) ] .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابَ: شغلتنا
__________
[ () ] من جوانبه، فهو محصور لا يفوت، فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم. وقيل: «أحاط الله بها» علم أنها ستكون لكم، كما قال: «وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بكل شيء علما» . وقيل: حفظها الله عليكم، ليكون فتحها لكم. وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.
[ (25) ] راجع الحاشية السابقة.
[ (26) ] [الفتح- 37] .
[ (27) ] كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة، فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ ارتاب المنافقون حتى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إنه يدخل مكة، فأنزل الله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ فأعلمهم أنهم سيدخلون في غير ذلك العام، وأن رؤياه صلى الله عليه وسلم حق.
وقيل: إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت، وأنه سيدخل. وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية، وأن رؤيا الأنبياء حق. والرؤيا أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء.(4/164)
أموالنا [ (28) ] يَعْنِي أَعْرَابَ الْمَدِينَةِ: [ (29) ] جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَتْبَعَهُمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ فَقَالُوا أَنَذْهَبُ مَعَهُ إِلَى قَوْمٍ جَاءُوهُ فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ فَيُقَاتِلُهُمْ فِي دِيَارِهِمْ فَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ غَافِلِينَ، فَأَرْسَلَهُمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَلِكَ الْإِظْفَارُ بِبَطْنِ مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَعَدَهُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً، وَعَجَّلَ لَهُ خَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ الْمُخَلَّفُونَ: ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ، وَهِيَ الْمَغَانِمُ الَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ وَأَمَّا الْمَغَانِمُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي وُعِدُوا فَمَا يَأْخُذُونَ إِلَى الْيَوْمِ وَقَوْلُهُ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، قَالَ:
هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:
فَارِسُ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قال:
__________
[ (28) ] [الفتح- 11] .
[ (29) ] قال مجاهد وابن عباس: يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدّيل، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أراد السفر إلى مكة عام الفتح، بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه حذرا من قريش، وأحرم بعمرة وساق معه الهدي، ليعلم النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ حربا فتثاقلوا عنه واعتلّوا بالشّغل، فنزلت. وإنما قال: «المخلّفون» لأن الله خلّفهم عن صحبة نبيّه. والمخلّف المتروك. وقد مضى في براءة» . شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا أي ليس لنا من يقوم بهما. فَاسْتَغْفِرْ لَنا جاءوا يطلبون الاستغفار واعتقادهم بخلاف ظاهرهم، ففضحهم الله تعالى بقوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وهذا هو النفاق المحض. قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا.(4/165)
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يَقُولُ فَارِسُ.
وَقِيلَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ [ (30) ] .
قَالَ سَعِيدٌ: قِيلَ لِهُشَيْمٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَنْ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ أَقُولُ فَهُوَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَعَلَى هَذَا أُوجِدَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي إِيَاسِ بْنِ بَكْرٍ، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى حَرْبِ مُسَيْلِمَةَ، وَبَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي أَيَّامِ عَمْرٍو، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى حَرْبِ كِسْرَى، وَأَهْلِ فَارِسَ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: فَارِسُ وَالرُّومُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ تَنْحِيَةَ أَهْلِ الرُّومِ عَنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَتَصْدِيقُ أَوَائِلِهِ وُجِدَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ تَمَّ فِي أَيَّامِ عُمَرَ مَعَ فَتْحِ فَارِسَ [ (31) ] .
__________
[ (30) ] لخص المسألة القرطبيّ في تفسيره (6: 272) ، فقال: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخرساني: هم فارس. وقال كعب والحسن وعبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: الروم. وعن الحسن أيضا: فارس والروم. وقال ابن جبير: هوازن وثقيف. وقال عكرمة: هوازن. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزّهري ومقاتل: بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة. وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم. وقال أبو هريرة: لم تأت هذه الآية بعد. وظاهر الآية يردّه.
[ (31) ] في هذه الآية دليل على صحة إمامة أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم. وأما قول عكرمة وقتادة إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا، لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول عليه السلام، لأنه(4/166)
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ هَوَازِنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ: هَوَازِنُ، وَبَنُو حَنِيفَةَ. فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا فِي زَمَانِهِ وَالْآخَرُ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سفيان، عن سلمة ابن كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [ (32) ] . قَالَ السَّكِينَةُ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ هِيَ بعد ريح هفّافة.
__________
[ () ] قال: «لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوّا» فدلّ على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلّم. ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم إلا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ الله عنهما.
الزّمخشري: فإن صحّ ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبدا ما دمتم عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ من مرض القلوب والاضطراب في الدّين.
أو على قول مجاهد كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا متطوّعين لا نصيب لهم في المغنم.
[ (32) ] [الْفَتْحِ- 4] .(4/167)
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: السَّكِينَةُ مِنَ اللهِ كَهَيْئَةِ الرِّيحِ لَهَا رَأْسٌ مِثْلُ رَأْسِ الْهِرَّةِ وَجَنَاحَانِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابن صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ السَّكِينَةُ هِيَ: الرَّحْمَةُ [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْقَارِعَةُ:
السَّرَايَا، أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دارهم، قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ وَنَحْوُهَا حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ [ (34) ] ، قال: القارعة
__________
[ (33) ] السكينة: هي السكون والطمأنينة، قال ابن عباس: قل سكينة في القرآن هي الطمأنينة إلا التي في البقرة.
[ (34) ] [الرعد- 31] .(4/168)
السَّرِيَّةُ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قَالَ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ، قال: فتح مكة [ (35) ] .
__________
[ (35) ] وقال القرطبي في تفسير هذه الآية (9: 321) : أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوّهم، ويقال: قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع الضرب، قال:
أفنى تلادي وما جمّعت من نشب ... قرع القواقيز أفواه الأباريق
أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، كما نزل بالمستهزءين، وهم رؤساء المشركين. وقال عكرمة عن ابن عباس: القارعة النكبة. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة: القارعة الطلائع والسرايا التي كان ينفذها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم. «أو تحلّ» أي القارعة. «قريبا من دارهم» قاله قتادة والحسن. وقال ابن عباس: أو تحلّ أنت قريبا من دارهم. وقيل: نزلت الآية بالمدينة، أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كقرى المدينة ومكة.
حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ في فتح مكة، قاله مجاهد وقتادة. وقيل: نزلت بمكة، أي تصيبهم القوارع، وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد، فتحلّ قريبا من دارهم، او تحلّ بهم محاصرا لهم، وهذه المحاصرة لأهل الطائف، ولقلاع خيبر، ويأتي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم. وقال الحسن: وعد الله يوم القيامة.(4/169)
بَابُ إِسْلَامِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ ابن أَبِي مُعَيْطٍ [ (1) ] وهِجْرَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهُدْنَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قاضى رسول
__________
[ (1) ] قال ابن عبد البر في الاستيعاب:
(أُمُّ كُلْثُومٍ) بِنْتُ عُقْبَةَ بن أبي معيط واسم أبي معيط ابان بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ذكوان بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مناف. أمها أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عبد مناف أسلمت أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بمكة قبل أن يأخذ النساء في الهجرة إلى المدينة ثم هاجرت وبايعت فهي من المهاجرات المبايعات وقيل هي أول من هاجر من النساء كانت هجرتها في سنة سبع في الهدنة التي كانت بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وبين المشركين من قريش وكانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن يرد عليهم من جاء مؤمنا وفيها نزلت إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية وذلك أنها لما هاجرت لحقها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة ليرداها فمنعها الله منهما بالإسلام. قال ابن إسحاق وهاجرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط في هدنة الحديبية فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية فلم يفعل وقال أبى الله ذلك، قال أبو عمر يقولون أنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة فلما قدمت المدينة تزوجها زيد بن حارثة فقتل عنها يوم مؤتة فتزوجها الزبير بن العوام فولدت له زينب ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميدا ومنهم من يقول أنهم ولدت لعبد الرحمن إبراهيم وحميدا ومحمدا وإسماعيل ومات عنها فتزوجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهرا وماتت وهي أخت عثمان لأمه.(4/170)
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِيمَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ، كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَخَلَّيْتَ بينهما وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّ يَوْمَئِذٍ: أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَ الْمُؤْمِنَاتُ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ الله فيهم: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2) ] .
قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ، وَلا يَزْنِينَ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ [ (3) ] الْآيَةَ.
قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (4) ] .
__________
[ (2) ] الآية (10) من سورة الممتحنة، والحديث تقدم بالحاشية (37) من بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ.
[ (3) ] [الممتحنة- 12] .
[ (4) ] تقدم تخريج الحديث في سياق قصة الحديبية.(4/171)
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ الثَّقَفِيِّ وَأَصْحَابِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، قَالَ: ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ انْغَلَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ له: أبو بصير ابن أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي مُنْقِذٍ: أَحَدُهُمَا زَعَمُوا مَوْلًى، وَالْآخَرُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ اسْمُهُ جَحْشُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ذَا جَلَدٍ، وَرَأْيٍ فِي أَنْفُسِ الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلَ لَهُمَا الْأَخْنَسُ فِي طَلَبِ أَبِي بَصِيرٍ جُعْلًا فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَ أَبَا بَصِيرٍ إِلَيْهِمَا، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ سَلَّ جَحْشٌ سَيْفَهُ، ثُمَّ هَزَّهُ فَقَالَ:
لَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي هَذَا فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: أو(4/172)
صارم سَيْفُكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْنِيهِ أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَبَضَ عَلَيْهِ ضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَيُقَالُ: بَلْ تَنَاوَلَ أَبُو بَصِيرٍ سَيْفَ الْمُنْقِذِيِّ بِفِيهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فَقَطَعَ إِسَارَهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَطَلَبَ الْآخَرَ فَجَمَزَ مَذْعُورًا مُسْتَخْفِيًا حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَأَقْبَلَ حَتَّى اسْتَغَاثَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ يَتْلُوهُ، فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَفَتْ ذِمَّتُكَ: دَفَعْتَنِي إِلَيْهِمَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ.
سَيُعَذِّبُونَنِي وَيَفْتِنُونَنِي عَنْ دِينِي، فَقَتَلْتُ الْمُنْقِذِيَّ، وَأَفْلَتَنِي هَذَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ» ، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، بِسَلَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَمِّسْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ إِنِّي إِذَا خَمَّسْتُهُ لَمْ أُوَفِّ لَهُمْ بِالَّذِي عَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ شَأْنَكَ بِسَلَبِ صَاحِبِكَ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ،
فَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ مَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ كَانُوا قَدِمُوا مَعَهُ مُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ حَيْثُ قَدِمُوا فَلَمْ يَكُنْ طَلَبَهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ تُرْسِلْ قُرَيْشٌ كَمَا أَرْسَلُوا فِي أَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى كَانُوا بَيْنَ الْعِيصِ، وَذِي الْمَرْوَةِ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ عَلَى طَرِيقِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ مِمَّا يَلِي سِيفَ الْبَحْرِ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ يُكْثِرُ أَنْ يقول:
اللهُ رَبِّيَ الْعَلِيُّ الْأَكْبَرُ ... مَنْ يَنْصُرِ اللهُ فَسَوْفَ يُنْصَرُ
وَيَقَعُ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُقَدِّرُ
وَانْفَلَتَ أَبُو جندل ابن سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَرِهُوا الثَّوَاءَ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَ أَبِي بَصِيرٍ فِي مَنْزِلٍ كَرِيهٍ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَطَعُوا بِهِ مَادَّاتِهِمْ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ زَعَمُوا وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ يُصَلِّي لِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو جَنْدَلٍ كَانَ هُوَ يَؤُمُّهُمْ، وَاجْتَمَعَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ حِينَ سَمِعُوا بِقُدُومِهِ نَاسٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَأَسْلَمَ، وَجُهَيْنَةَ، وَطَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى بَلَغُوا ثلاث مائة مُقَاتِلٍ، وَهُمْ مُسْلِمُونَ.(4/173)
قَالَ: فَأَقَامُوا مَعَ أَبِي جَنْدَلِ وَأَبِي بَصِيرٍ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرُ قُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ يَسْأَلُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَمَنْ مَعَهُ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَأَمْسِكْهُ غَيْرَ حَرِجٍ أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَالرَّكْبَ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا يَصْلُحُ إِقْرَارُهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعَ أَبَا جَنْدَلٍ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُمْ فِيمَا أَحَبُّوا وَفِيمَا كَرِهُوا مِنْ رَأْيِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً هِيَ أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَصْحَابُهُمَا الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا هُنَالِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَانَ تَحْتَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذُوهُمْ وَمَا مَعَهُمْ وَأَسَرُوهُمْ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا لِصِهْرِ أَبِي الْعَاصِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الْعَاصِ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا، وَخَلَّوْا سَبِيلَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَبِيهَا كَانَ أَذِنَ لَهَا أَبُو الْعَاصِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ أَنْ تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهَا أَبُو الْعَاصِ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَسَرَ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَمَا أَخَذُوا لَهُمْ، فَكَلَّمَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ،
فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّا صَاهَرْنَا نَاسًا، وَصَاهَرْنَا أَبَا الْعَاصِ، فَنِعْمَ الصِّهْرُ وَجَدْنَاهُ، وَإِنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي أَصْحَابٍ لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذَهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ، فَأَسَرُوهُمْ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَإِنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتَنِي أَنْ أُجِيرَهُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُجِيرُونَ أَبَا الْعَاصِ وَأَصْحَابَهُ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ،
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَصْحَابَهُ قول رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي الْعَاصِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ مِنَ الْأَسْرَى رَدَّ إِلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُمْ حَتَّى الْعِقَالَ، وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جندل وأبي بصير يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُمَا مِمَّنِ اتَّبَعَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْجِعُوا(4/174)
إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَلَا يَعْتَرِضُوا لِأَحَدٍ مَرَّ بِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَعِيرَانِهَا، فَقَدِمَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَعَمُوا عَلَى أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ، وَأَبُو بَصِيرٍ يَمُوتُ، فَمَاتَ وَكِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ يَقْرَؤُهُ، فَدَفَنَهُ أَبُو جَنْدَلٍ مَكَانَهُ، وَجَعَلَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَقَدِمَ أَبُو جَنْدَلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَرَجَعَ سَائِرُهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَأَمِنَتْ عِيرَاتُ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ مَا أَدْرَكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ الْفَتْحَ، وَرَجَعَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَدِمَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الْمَدِينَةَ أَوَّلَ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَكَثَ بِالْمَدِينَةِ شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ مُجَاهِدًا إِلَى الشَّامِ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، هُوَ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَاصْطَحَبَا جَمِيعًا، وَخَرَجَ أَبُو جَنْدَلٍ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمْ يَزَالَا مُجَاهِدَيْنِ بِالشَّامِ، حَتَّى مَاتَا جَمِيعًا، وَمَاتَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهِ إِلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَاخِتَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا بَكْرِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَكَابِرَ وَلَدِهِ، فَهَذَا حَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَفْلَتَهُمْ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَصِيرٍ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَطَلَبَهُ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصٍ، فَرَدَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا، فَأَوْثَقَاهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَامَا، فَتَنَاوَلَ السَّيْفَ بِفِيهِ فأمرّه على
__________
[ (1) ] ذكرها ابن عبد البر عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ باختصار شديد في الدرر (195) ، ونقل بعضها ابن كثير في البداية والنهاية (4: 176) ، كما نقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 98- 103) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وعن غيره.(4/175)
الْإِسَارِ فَقَطَعَهُ، فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا، وَطَلَبَ الْآخَرَ فَسَبَقَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو بَصِيرٍ فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى طَرِيقِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ، وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَخَرَجُوا مُسْلِمِينَ فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُدَّةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَرِهُوا الثَّوَاءَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَنَزَلُوا مَنْزِلًا قَطَعُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَادَّتَهُمْ مِنَ الشَّامِ وَطَرِيقِ عِيرَانِهِمْ، فَأَرْسَلُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ غَيْرُ حَرِجٍ أَيْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي جَنْدَلٍ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ أَيْدِي الْقَوْمِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ: أَنَّ طَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ فِيمَا كَرِهُوا وَفِيمَا أَحَبُّوا مِنْ رَأْيِ مَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ،
فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ مِثْلَ سِنِي يُوسُفَ» ،
فَجَهَدُوا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ قَطَعْتَ وَأَخَفْتَ مَنْ كَانَ يَحْمِلُ إِلَيْنَا حَتَّى هَلَكَ قَوْمُكَ فَأَمِّنِ النَّاسَ حَتَّى يَحْمِلُوا، فَأَمَّنَ النَّاسَ حَتَّى حَمَلُوا.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ نَصَبَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ ابن أَبِي رَبِيعَةَ، اللهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ مِثْلَ سِنِيِّ يُوسُفَ،
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو حَتَّى نَجَّاهُمُ اللهُ(4/176)
عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَذَكَرَ الدُّعَاءَ لِلِمُسْتَضْعَفِينَ [ (3) ] ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَخُذْهُمْ بِسِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ، فَأَكَلُوا الْعِلْهِزَ،
قَالَ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قال الوبر والدّم.
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، (21) باب فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوّا غفورا، الحديث (4598) ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، فتح الباري (8: 264) .
وأخرجه مسلم في: 5- كتاب المساجد، (54) باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، الحديث (295) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرازي، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابن أبي كثير، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ص (467) .
وأخرجه أبو داود في صلاة الوتر، الحديث (1442) ، ص (2: 68) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبراهيم، عن الوليد، عن الأوزاعي ...
[ (3) ] راجع الحاشية السابقة.(4/177)
بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ [ (1) ] حِينَ أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ أَوِ ابْنُهُ فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغَابَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
__________
[ (1) ] راجع في هذه الغزوة:
- طبقات ابن سعد (2: 80) ويسميها: الغابة.
- سيرة ابن هشام (3: 239) .
- صحيح البخاري (5: 130) .
- مسلم بشرح النووي (12: 173) .
- مغازي الواقدي (2: 537) .
- أنساب الأشراف (1: 167) .
- تاريخ الطبري (2: 596) .
- ابن حزم (201) .
- البداية والنهاية (4: 105) .
- نهاية الأرب (17: 201) .
- شرح المواهب (2: 148) .
- عيون الأثر (2: 113) .
- السيرة الحلبية (3: 4) .
- السيرة الشامية (5: 149) .
وذو قرد بفتح القاف وقيل بضمها: ماء، على نحو بريد من المدينة مما يلي بلاد غطفان، وقيل:
على مسافة يوم منها.(4/178)
__________
[ () ] يسردها المصنف هنا بعد الحديبية، وقبل خيبر، وأكثر الكتب على أنها قبل الحديبية، وقال البخاري في صحيحه في غزوة ذي قرد: كانت قبل خيبر بثلاث، وذكرها بعد الحديبية، قبل خيبر، وعلى هذا ساقها البيهقي قبل خيبر، ويعد الحديبية، متتبعا أثر البخاري في ذلك.
ورجح هذا ابن حجر، فقال:
ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فذكر قصة الحديبية، ثم قصة ذي قرد، وقال في آخرها: فرجعنا- أي من الغزوة- إلى المدينة، فو الله ما لبثنا بالمدينة إلّا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر.
وأما ابن إسحاق، ومحمد بن عمر وابن سعد فقالوا: كانت غزوة ذي قرد في سنة ستّ قبل الحديبية.
قال محمد بن عمر وابن سعد في ربيع الأوّل.
وقيل في جمادى الأولى.
وقال ابن إسحاق في شعبان فيها، فإنه قال: كانت غزوة بني لحيان في شعبان سنة ست، فلمّا رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى المدينة لم يقم إلّا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه- صلى الله عليه وسلّم- قال ابن كثير: وما ذكره البخاريّ أشبه بما ذكره ابن إسحاق.
وقال أبو العباس القرطبي- وهو شيخ صاحب التذكرة والتفسير- تبعا لأبي عمر- رحمهم الله: لا يختلف أهل السّير أنّ غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، يكون ما وقع في حديث سلمة وهم من بعض الرّواة.
قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون- صلى الله عليه وسلّم- أغزى سريّة فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمّن خرج معه، يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرّتين. انتهى.
قال الحافظ- رحمه الله- تعالى: وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه بعد قوله: خرجنا إلى خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعل عمّي يرتجز بالقوم، وفيه
قول النبي- صلى الله عليه وسلّم- من السّائق
وفيه مبارزة عمه لمرحب وقتل عامر، وغير ذلك ممّا وقع في غزوة خيبر حيث خرج إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فعلى هذا ما في الصحيح أصحّ مما ذكره أهل السّير.
قال الحافظ: ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللّقاح وقعت مرّتين، الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر.(4/179)
الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يؤَذَّنَ بِالْأُولَى [ (2) ] وَكَانَتْ لِقَاحُ [ (3) ] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟
قَالَ: غَطَفَانُ، فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وكنت راميا وأقول:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ [ (4) ]
وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ [منهم] [ (5) ] ثلاثين بردة [ (6) ] .
__________
[ () ] وكان رأس الذين أغاروا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيّده أنّ الحاكم ذكر في الإكليل أنّ الخروج إلى ذي قرد تكرّر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إِلَيْهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سنة خمس، والثّالثة هذه المختلف فيها- انتهى.
[ (2) ] يعني صلاة الصبح، ويدل عليه قوله في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس.
[ (3) ] (اللقاح) ذوات الدر من الإبل، (واللقوح) : الحلوب، وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة.
[ (4) ] أي يوم هلال اللئام.
[ (5) ] الزيادة من البخاري.
[ (6) ] اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ منهم ثلاثين بردة، في رواية مسلم «فما زلت كذلك حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ من ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من بعير إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، ثم اتبعتهم أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها، قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن، فقال لهم: من هذا؟ فقالوا لقينا من هذا البرج، قال فليقم إليهم منكم أربعة، فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا، قال: فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلّم أولهم الأخرم الأسدي، فقلت له احذوهم، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول(4/180)
قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ [ (7) ] فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ حَمَيْتُ [ (8) ] الْقَوْمَ [الْمَاءَ] وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ [ (9) ] ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا فَيُرْدِفُنِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْتُ أُرِيدُ الْغَابَةَ، فَسَمِعْتُ غُلَامًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَقُولُ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، قَالَ: فَصَعِدْتُ الثَّنِيَّةَ، فَنَادَيْتُ يَا صَبَاحَاهُ، يَا
__________
[ () ] على فرسه، فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس، قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا، فعدلوا قبل غروب الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش، قال فجلاهم عنه حتى طردهم، وتركوا فرسين على ثنية فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَذَكَرَ ابن إسحاق نحو هذه القصة وقال «أن الأخرم لقب، واسمه محرز بن نضلة» لكن وقع عنده «حبيب بن عيينة بن حصن، بدل عبد الرحمن، فيحتمل أن يكون كان له اسمان.
[ (7) ] قوله (وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم والناس) في رواية مسلم «وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن، فتوضأت وشربت» ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا هو قد أخذ كل شيء استنقذته منهم، ونحر له بلال ناقته.
[ (8) ] أي منعتهم من الشرب.
[ (9) ] أي سهل، (والسجامة) : السهولة.
[ (10) ] أخرجه البخاري في، 64- كتاب المغازي، (37) باب غزوة ذات القرد، الحديث (4194) ، فتح الباري (7: 460) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) باب غزوة ذي قرد، الحديث (131) ، ص (1432) .(4/181)
صَبَاحَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَسْعَى فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ أَعْجَلْنَاهُمْ أَنْ يَسْقُوا لِشَفَتِهِمْ قَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ فِي غَطَفَانَ يُقْرَوْنَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (11) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي.
(ح) قَالَ: وأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامٌ يَعْنِي بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أُنَدِّيهِ [ (12) ] مَعَ الْإِبِلِ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَتَلَ رَاعِيًا فَخَرَجَ فَطَرَدَهَا وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ أَنْ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ، وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ، فَجَعَلْتُ وَجْهِي مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَا صَبَاحَاهُ! ثُمَّ، اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ، جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُ فَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ، فجعلت أرميهم وأقول:
__________
[ (11) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، (166) باب من رأى العدو فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا صباحاه حتى يسمع الناس، فتح الباري (6: 164) .
[ (12) ] (أنديه) أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.(4/182)
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ فَأَرْمِيهِ، وَهُوَ عَلَى رَحْلِهِ فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ، حَتَّى انْتَظَمْتُ كَتِفَهُ، قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَإِذَا كنت بالشجرة أحرقتهم بالنبل، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَدَدْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَا شَأْنِي وَشَأْنُهُمْ أَتْبَعُهُمْ وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (13) ] إِلَّا خَلَّفْتُهُ وراء ظهري [ (14) ] واستنفذته مِنْ أَيْدِيهِمْ.
قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَزَلْ [ (15) ] أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، يَسْتَخِفُّونَ [ (16) ] مِنْهَا وَلَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ [ (17) ] وَجَمَعْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضحى أتاهم
__________
[ (13) ] (حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ من بعير من ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم) من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم.
وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
[ (14) ] (إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي) خلفته أي تركته، يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
[ (15) ] (ثم اتبعتهم) هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتّبع بمعنى مشى خلفه على الإطلاق.
وأما اتبع الرباعيّ فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فأتبعهم فرعون بجنوده، أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أَنَّه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف على اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
[ (16) ] (يستخفون) أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
[ (17) ] (آراما من الحجارة) الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها.
واحدها إرم كعنب وأعناب.(4/183)
عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ مَدًّا لَهُمْ وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ [ (18) ] ، ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَأَنَا فَوْقَهُمْ.
قَالَ عُيَيْنَةُ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحِ [ (19) ] مَا فَرَّقَنَا بِسَحَرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَقَالَ عُيَيْنَةُ لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ وَقَالَ لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ فَقَامَ إِلَيَّ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَلَمَّا أَسْمَعَهُمُ الصَّوْتُ قُلْتُ لَهُمْ أَتَعْرِفُونِي قَالُوا وَمَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ اللهُ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِنِّي أَظُنُّ يَعْنِي فَرَجَعُوا فَقَالَ فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي ذَلِكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ [ (20) ] الشَّجَرَ فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَعَلَى أَثَرِ أَبِي قَتَادَةَ المقداد الكندي قال فولوا الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ وَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ فَأَعْرِضُ لِلْأَخْرَمِ فَآخُذُ عِنَانَ فَرَسِهِ قُلْتُ يَا أَخْرَمُ انْذَرِ الْقَوْمَ يَعْنِي احْذَرْهُمْ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ فَاتَّئِدْ حَتَّى تَلْحَقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، قَالَ فَخَلَّيْتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، فَيَلْحَقُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ إِلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ، حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَيعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شعب فيه
__________
[ (18) ] (حتى أتوا متضايقا من ثنية) الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
[ (19) ] (البرح) أي الشدة.
[ (20) ] (يتخللون الشجر) أي يدخلون من خلالها، أي بينها.(4/184)
مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو قَرَدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَعَطَفُوا عَنْهُ واسندوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِيَّةِ ذِي شر وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيهِ، قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، قَالَ يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ [ (21) ] أَكْوَعُهُ بُكْرَةً [ (22) ] ، قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ، وَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بُكْرَةً فَاتَّبَعْتُهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَعَلِقَ بِهِ سَهْمَانِ وَيُخَلِّفُونَ فَرَسَيْنِ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الماء الذي حلّيتهم عَنْهُ ذُو قَرَدٍ، فَإِذَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَإِذَا بِلَالٌ قَدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم من كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةَ رَجُلٍ، فَآخُذَ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْعَشْوَةِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخَمِّرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُمْ فَقَالَ: «أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَاكَ يَا سَلَمَةُ» قُلْتُ نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَ وَجْهَكَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمْ يُقْرَوْنَ [ (23) ] الْآنَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ مَرُّوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هُرَّابًا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وبينها قريب من ضمرة وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ فَجَعَلَ يُنَادِي هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ الْمَدِينَةَ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرْدِفِي قُلْتُ لَهُ أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا، قَالَ: لَا، إِلَّا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي خَلِّنِي فَلْأُسَابِقِ الرَّجُلَ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ.
قُلْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَطَفَرَ عَنْ راحلته وثنيت رجلي
__________
[ (21) ] في (أ) و (ص) : «يا ثكلتي» .
[ (22) ] أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم، وبكرة منصوب غير منون.
[ (23) ] (يقرون) : يضافون.(4/185)
فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ، ثُمَّ رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي، ثُمَّ عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ فَأَصُكَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدِي فَقُلْتُ سَبَقْتُكَ وَاللهِ، قَالَ: فَضَحِكَ وَقَالَ إِنْ أَظُنُّ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (24) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (25) ] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ عَقِيبَ غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، وَأَنَّهُمْ فَاتُوا بِبَعْضِ النَّعَمِ حَتَّى انْفَلَتَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَسَرُوهَا عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَكِبَتْهَا، وَجَاءَتْ بِهَا، وَذَلِكَ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قَتَادَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ بَنِي لِحْيَانَ لَمْ يَقُمْ بَعْدَ قُدُومِهِ إِلَّا لَيَالِيَ [قَلَائِلَ] حَتَّى أَغَارَتْ بَنُو فَزَارَةَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَى لِقَاحِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِالْغَابَةِ، وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي
__________
[ (24) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، الحديث (132) ، ص (1435) ، وسبق أن ذكر المصنف جزأه الأول في بَابُ إِرْسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بن عفان حين نزل الحديبية، وللحديث تتمة عن غزوة خيبر، وستأتي في سياق قصة غزوة خيبر.
[ (25) ] مسلم في الموضع السابق، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة.(4/186)
غِفَارٍ وَامْرَأَتُهُ، فَقَتَلُوا الْغِفَارِيَّ، وَاحْتَمَلُوا امْرَأَتَهُ، وَسَاقُوا لِقَاحَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عمرو بن الأكوع الْأَسْلَمِيُّ عَدَا وَمَعَهُ قَوْسُهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَابَةَ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَظَرَ إِلَى الْخَيْلِ تَجُوسُ فِي الْإِبِلِ فَعَلَا فِي سَلْعٍ ثُمَّ صَرَخَ: وَاصَبَاحَاهُ! الْفَزَعَ، الْفَزَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ فِي الْمَدِينَةِ: يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبُوا، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ثُمَّ تَرَامَتْ إِلَيْهِ الْخُيُولُ حَتَّى كَانُوا ثَمَانِيَةً فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى الْخَيْلِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ امْضِ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ فَإِنِّي بِالْأَثَرِ،
فَمَضَتِ الْخَيْلُ حَتَّى لَحِقُوا بِالْقَوْمِ، فَقَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ حَبِيبَ بْنَ قُتَيْبَةَ، وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بْنُ محصن بن عمرو او بار وَأَبَاهُ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ عَلَى بَعِيرٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ الْخَيْلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لَهُ: الْأَخْرَمُ حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَكَانَ عَلَى فَرَسٍ جَامٍّ، فَقَالَ: قِفُوا يَا بَنِي اللَّكِيعَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِكُمْ أَرْبَابُكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ [ (26) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ يُقَالُ لَهُ: ذُو اللِّمَّةِ، فَلَمَّا قُتِلَ الرَّجُلُ جَالَ الْفَرَسُ فَلَمْ تقدر عَلَيْهِ حَتَّى أَتَى أَرِيَّةً [ (27) ] فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَدْ عَارَضَهُمْ بِرَمْيِهِمْ بِنَبْلِهِ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَإِذَا أُحْمِلَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَرَّ مِنْهَا، وَكَانَ مِثْلَ السَّبْعِ وَنَضَحَهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ، ثُمَّ يُعَارِضُهُمْ حَتَّى تَلَاحَقَ النَّاسُ، وَقَدْ فَاتُوا بِبَعْضِ النَّعَمِ، وَتَلَاحَقَ النَّاسُ،
وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بن
__________
[ (26) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 239- 241) .
[ (27) ] (الآرية) : الحبل الذي تشد به الدابة، وقد يسمى الموضع الذي تقف فيه الدابة (أريا) أيضا.(4/187)
الْأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلِّ سَبِيلِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ آخُذُ بِأَعْنَاقِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُغْبَقُونَ الْآنَ فِي غَطَفَانَ،
فَأَقَامَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ لِكُلِّ مِائَةٍ جَزُورٌ فَأَكَلُوهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا [ (28) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا كَانَ الْأَخْرَمُ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ لِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، يُقَالُ لَهُ: الجناح فقيل وَاسْتُلِبَهُ يَوْمَئِذٍ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ نَذَرْتُ لِلَّهِ نَذْرًا أَنْ أَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّانِي اللهُ عَلَيْهَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَكِ اللهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا، إِنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا تَمْلِكِينَ، إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي، ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ [ (29) ] .
قُلْتُ: وَزَعَمَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتِ الْعَضْبَاءَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ.
(ح) قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ [ (30) ] لِرَجُلٍ من بني
__________
[ (28) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 242) .
[ (29) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 242- 243) .
[ (30) ] (وأصابوا معه العضباء) أي أخذوها. وهي ناقة نجيبة كانت لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ. ثم انتقلت إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.(4/188)
عَقِيلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ، فَأُسِرَ الرَّجُلُ وَأُخِذَتِ الْعَضْبَاءُ. قَالَ: فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي وَثَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَأْخُذُونَنِي وَتَأْخُذُونَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ [ (31) ] ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ، قَالَ: وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا تَشَهَّدَ، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ [ (32) ] أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ. وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي. وَإِنِّي ظَمْآنُ فَاسْقِنِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ حَاجَتُكَ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ فُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ، وَحَبَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءَ لِرَحْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا عَلَى مَسْرَحِ الْمَدِينَةِ، فَذَهَبُوا بِهِ، وَكَانَتِ الْعَضْبَاءُ فِي ذَلِكَ السَّرْحِ، وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَرَاحُوا إِبِلَهُمْ بِأَفْنِيَتِهِمْ، قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ مَا نَوَّمُوا، وَكَانَتْ كُلَّمَا وَضَعَتْ عَلَى بَعِيرٍ رَغَا، حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ، فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ فَرَكِبَتْهَا، ثُمَّ وَجَّهَتْهَا قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَنَذَرَتْ إِنِ اللهُ أَنْجَاهَا عليها لتنحرها، فَلَمَّا قَدِمَتْ عُرِفَتِ النَّاقَةُ، فَقِيلَ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَذْرِهَا. وَأَتَتْهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا، أَوْ بِئْسَمَا. جَزَتْهَا. إِنِ اللهُ تَعَالَى أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزهراني [ (33) ] .
__________
[ (31) ] (سابقة الحاج) أراد بها العضباء. فإنها كانت لا تسبق، أو لا تكاد تسبق. معروفة بذلك.
[ (32) ] (لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أمرك) معناه لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر، حين كنت مالك أَمْرَكَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ. لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر، فكنت فزت بالإسلام وبالسلامة من الأسر ومن اغتنام مالك. وأما إذا أسلمت بعد الأسر فيسقط الخيار في قتلك، ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمنّ والفداء.
[ (33) ] أخرجه مسلم في: 26- كتاب النذور (3) باب لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي معصية، الحديث (8) ، ص (3: 1262- 1263) .(4/189)
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ الْفَزَارِيَّ، أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْغَابَاتِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَيُقَالُ إِنَّ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ كَانَ رَئِيسَ الْقَوْمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ يَطْلُبُونَهُمْ، وَأَسْرَعَ نَفَرٌ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ، أَمِيرُهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَدْرَكُوا الْقَوْمَ، فَاعْتَنَقَ أَبُو قَتَادَةَ مَسْعَدَةَ فَقَتَلَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بِيَدِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَخَذَ أَبُو قَتَادَةَ بُرْدَةً لَهُ حَمْرَاءَ، كَانَتْ عَلَيْهِ فَسَجَّاهَا عَلَى مَسْعَدَةَ. حِينَ قَتَلَهُ، ثُمَّ نَفَذُوا فِي أَثَرِ السَّرْحِ، وَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ. فَلَمَّا رَأَوْا رِدَاءَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى الْقَتِيلِ، ظَنُّوا أَنَّهُ أَبُو قَتَادَةَ فَاسْتَرْجَعَ أَحَدُهُمْ وَقَالَ: هَذَا أَبُو قَتَادَةَ قَتِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ قَتِيلُ أَبِي قَتَادَةَ، جَعَلَ عَلَيْهِ رِدَاءَهُ لِتَعْرِفُوهُ، فَخَلُّوا عَنْ قَتِيلِهِ، وَسَلَبِهِ.
ثُمَّ إِنَّ فَوَارِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكُوا الْعَدُوَّ وَالسَّرْحَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَاسْتَنْقَذُوا السَّرْحَ، وَهَزَمَ اللهُ الْعَدُوَّ، وَيُقَالُ: قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ قِرْفَةَ امْرَأَةَ مَسْعَدَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَجْدَعُ: مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ [ (34) ] ، قَتَلَهُ أَوْبَارٌ، فَشَدَّ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَتَلَ أَوْبَارًا وَابْنَهُ عَمْرًا، وَيُقَالُ: كَانَا رَدِيفَيْنِ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَهُ، وَمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، فِي شَأْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَقَتْلِهِ مَسْعَدَةَ، وَقَتْلِ الْأَخْرَمِ أَوْبَارٌ: مُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ الْأَجْدَعِ، وَقَتْلِ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنَ أَوْبَارًا وَابْنَهُ.
__________
[ (34) ] في الأصول: «الأجدع بن محرز بن نضلة» ، وليس بصحيح، فالأجدع صفة له، واسمه:
محرز بن نضلة بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسَدِيُّ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خزيمة، شهد بدرا، وحكى البغوي عن ابن إسحاق: «محرز بن عون بن نضلة» وبعضهم يقول: ابن ناضلة.(4/190)
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنِ زَيْدٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَزْرَقِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ قَيْسِ بْنِ رَيْحَانَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اشْتَرَى فَرَسَهُ مِنْ دَوَابَّ دَخَلَتِ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ مَسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ:
يَا أَبَا قَتَادَةَ! مَا هَذَا الْفَرَسُ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَرَسٌ أَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَهْوَنَ قَتْلَكُمْ وَأَشَدَّ جُرْأَتَكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ أَلْقَيَنَّكَ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالَ: آمِينَ.
فَبَيْنَا أَبُو قَتَادَةَ ذَاتَ يَوْمٍ يَعْلِفُ فَرَسَهُ تَمْرًا فِي طَرَفِ بُرْدَتِهِ، إِذْ رَفَعَتْ رَأْسَهَا، وَصَرَّتْ أُذُنَهَا، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ حَسَّتْ بِرِيحِ خَيْلٍ، فَقَالَتْ لَهُ [أُمُّهُ] : [ (35) ] وَاللهِ يَا بُنَيَّ مَا كُنَّا نُرَامُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ حِينَ جَاءَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَفَعَتِ الْفَرَسُ أَيْضًا رَأْسَهَا، وَصَرَّتْ أُذُنَيهَا، فَقَالَ أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ حَسَّتْ بِرِيحِ خَيْلٍ. فَوَضَعَ عَلَيْهَا سَرْجَهَا، فَأَسْرَجَهَا وَأَخَذَ سِلَاحَهُ، ثُمَّ نَهَضَ، حَتَّى أَتَى مَكَانًا يُقَالُ لَهُ الزَّوْرَاءُ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ تُسَوِّطُ دَابَّتَكَ وَقَدْ أُخِذَتِ اللِّقَاحُ! وَقَدْ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا وَأَصْحَابُهُ.،
فَقَالَ: أَيْنَ فَأَشَارَ لَهُ نَحْوَ الثَّنِيَّةِ، فَإِذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ جُلُوسًا عِنْدَ دِبَابٍ، فَقَمَعَ دَابَّتَهُ ثُمَّ خَلَّاهَا،
فَمَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ لَهُ: امْضِ يَا أَبَا قَتَادَةَ صَحِبَكَ اللهُ.
__________
[ (35) ] الزيادة من (ح) .(4/191)
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فَخَرَجْتُ، فَإِذَا بِإِنْسَانٍ يُحَاكُّنِي، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ هَجَمْنَا عَلَى الْعَسْكَرِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا قَتَادَةَ! مَا تَقُولُ، أَمَّا الْقَوْمُ فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: تَقُولُ إِنِّي وَاقِفٌ حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ أَنْ تَشُدَّ فِي نَاحِيَةٍ وَأَشُدَّ فِي نَاحِيَةٍ، فَوَثَبَ أَبُو قَتَادَةَ، فَشَقَّ الْقَوْمَ وَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي جَبْهَتِهِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فترعت فِدْحَهُ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنِّي قَدْ نَزَعْتُ الْحَدِيدَةَ [ (36) ] . وَمَضَيْتُ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ طَلَعَ عَلَيَّ فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ فَارِهٍ، وَأَدَاةٍ كَلِيلَةٍ عَلَى وَجْهِهِ مِغْفَرٌ لَهُ، فأَثْبَتَنِي وَلَمْ أُثْبِتْهُ، قَالَ: لَقَدْ لَقَّانِيكَ اللهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا مَسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مُجَالَدَةٌ، أَوْ مُطَاعَنَةٌ أَوْ مُصَارَعَةٌ، قَالَ:
فَقُلْتُ ذَاكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكَ، قَالَ: فَقَالَ صِرَاعٌ، فَأَحَالَ رِجْلَهُ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَحَلْتُ رِجْلِي عَنْ دَابَّتِي، ثُمَّ عَلَّقْتُ دَابَّتِي وَسِلَاحِي إِلَى شَيْءٍ، وَعَلَّقَ دَابَّتَهُ وَسِلَاحَهُ إِلَى شَيْءٍ، ثُمَّ تَوَاثَبْنَا فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ رَزَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الظَّفَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أنا على صدره فو الله إِنِّي لَمِنْ أَهَمِّ النَّاسِ مِنْ رَجُلٍ مُتَأَبِّطٍ قَدْ عَالَجْتُ مِنْهُ مَا عَالَجْتُ أَنْ أَقُومَ فَآخُذَ سَيْفِي أَنْ يَقُومَ فَيَأْخُذَ سَيْفَهُ وَأَنَا بَيْنَ عَسْكَرَيْنِ لَا آمَنُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيَّ أَحَدُهُمَا إِذَا شَيْءٌ يَمَسُّ رَأْسِي، فَإِذَا نَحْنُ قَدْ تَعَالَجْنَا، حَتَّى بَلَغْنَا سِلَاحَ مَسْعَدَةَ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى سَيْفِهِ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ السَّيْفَ قَدْ وَقَعَ بِيَدِي، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ اسْتَحْيِنِي، قَالَ: قُلْتُ لَا وَاللهِ، أَوَ تَرِدَ أُمُّكَ الْهَاوِيَةَ، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ النَّارُ، قَالَ ثُمَّ قَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَدْرَجْتُهُ فِي بُرْدِي، ثُمَّ أَخَذْتُ ثِيَابَهُ فَلَبِسْتُهَا، وَأَخَذْتُ سِلَاحَهُ ثُمَّ اسْتَوَيْتُ عَلَى فَرَسِهِ وَكَانَتْ فَرَسِي نَفَذَتْ حِينَ تَعَالَجْنَا، فرجعت راجعة إِلَى الْعَسْكَرِ، قَالَ فَعَرْقَبُوهَا ثُمَّ مَضَيْتُ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَنْشِبْ أَنَا حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا قَالَ فَأَلَحْتُ لَهُمْ فَوَقَفُوا فَلَمَّا أَنْ دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَمَلْتُ عَلَيْهِمْ حَمْلَةً فَطَعَنْتُ ابْنَ أَخِيهِ طَعْنَةً دَقَّقَتْ صُلْبَهُ، قَالَ: وَأَكْشَفَ مَنْ مَعَهُ، قَالَ: وَخَشِيتُ اللقاح برمحي.
__________
[ (36) ] في (أ) : المديدة.(4/192)
قَالَ: وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ومن مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْعَسْكَرُ فَرُّوا، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْعَسْكَرِ إِذَا بِفَرَسِ أَبِي قَتَادَةَ قَدْ عُرْقِبَتْ، قَالَ: فقال الرجل مِنَ الصَّحَابَةِ يَا رَسُولَ اللهِ عُرْقِبَتْ فَرَسُ أَبِي قَتَادَةَ! قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحُ أُمِّكَ رُبَّ عَدُوٍّ لَكَ فِي الْحَرْبِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَالَجْنَا فِيهِ إِذَا هُمْ بِأَبِي قَتَادَةَ فِيمَا يَرَوْنَ سُجِّيَ فِي ثِيَابِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتُشْهِدَ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا قَتَادَةَ عَلَى آثَارِ الْقَوْمِ يَرْتَجِزُ فَدَخَلَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى فَرَسٍ قَدْ عُرْقِبَتْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ مُسَجًّى عَلَى ثِيَابِي، قَالَ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَسْعَى حَتَّى كَشَفَ الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مَسْعَدَةُ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ: مَسْعَدَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَبَّرَ النَّاسُ وَلَمْ يَنْشِبْ أن طلع عليكم أَبُو قَتَادَةَ يَحُوشُ اللِّقَاحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَجْهُكَ أَبَا قَتَادَةَ، أَبُو قَتَادَةَ سَيِّدُ الْفُرْسَانِ، بَارَكَ اللهُ فِيكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، وَفِي وَلَدِكَ، وَفِي وَلَدِ وَلَدِكَ، وَأَحْسَبُ عِكْرِمَةَ قَالَ:
وَفِي وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِكَ، مَا هَذَا بِوَجْهِكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي سَهْمٌ أَصَابَنِي وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِمَا أَكْرَمَكَ، لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنِّي نَزَعْتُهُ، قَالَ: ادْنُ مِنِّي يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ فَنَزَعَ النَّصْلَ نَزْعًا رَفِيقًا، ثُمَّ بَزَقَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ راحته عليه، فو الذي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ مَا ضَرَبَ عَلَيَّ سَاعَةً قَطُّ وَلَا قَرَحَ عَلَيَّ
.(4/193)
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ
بَابُ التَّارِيخِ لِغَزْوَةِ خَيْبَرَ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ حَدَّثَنَا كما الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: ولَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم المدينة من الحديبية، مكث
__________
[ (1) ] أنظر في هذه الغزوة:
- طبقات ابن سعد (2: 106) .
- سيرة ابن هشام (3: 283) .
- مغازي الواقدي (2: 633) .
- صحيح البخاري (5: 130) .
- مسلم بشرح النووي (12: 163) .
- تاريخ الطبري (3: 5) .
- أنساب الأشراف (1: 169) .
- ابن حزم (211) .
- عيون الأثر (2: 168) .
- البداية والنهاية (4: 181) .
- شرح المواهب (2: 217) .
- السيرة الشامية (5: 180) .(4/194)
بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا غَازِيًا إِلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ اللهُ وَعَدَهُ إِيَّاهَا وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] يَعْقُوبُ وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
هَذَا ذِكْرُ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا، فَذَكَرَهُنَّ وَقَالَ فِي جُمْلَتِهِنَّ: ثُمَّ قاتل يوم خيبر [ (4) ]
__________
[ (2) ] الخبر رواه ابن عبد البر في الدرر (196) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، ونقله الحافظ ابن كثير عنه، وعن الحاكم في البداية والنهاية (4: 181) .
[ (3) ] من (ح) .
[ (4) ] خيبر- بخاء معجمة، فتحتية، فموحدة، وزن جعفر: وهي اسم ولاية تشتمل على حصون ومزارع، ونخل كثير، على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاجّ الشّام. والخيبر بلسان اليهود، الحصن، ولذا سمّيت خيابر أيضا- بفتح الخاء، قاله ابن القيم مما ذكر ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ ابْنُ عقبة ومحمد بن عمر وأبو سعد النيسابوري في الشرف: أنها بجبلة- بفتح الجيم والموحدة ابن جوال بفتح الجيم وتشديد الواو، بعدها ألف ولام، وقيل: سمّيت بأول من نزلها، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن آدم بن عبيل، وهو أخو عاد.
وذكر جماعة من الأئمة: أنّ بعضها فتح صلحا، وبعضها فتح عنوة. وبه يجمع بين الرّوايات المختلفة في ذلك.
وروي عن الإمام مالك- رحمه الله تعالى- أن الكتيبة أربعون ألف عذق. ولابن زبالة حديث «ميلان في ميل من خيبر مقدس، وحديث «خيبر مقدسة، والسوار فيه مؤتفكة، وحديث «نعم القرية في سنيّات الدجال خيبر» وتوصف خيبر بكثرة التمر.
قال حسان بن ثابت- رضي الله عنه:
وإنّا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر
وروى البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قال: لما فتحت خيبر، قلنا: الآن نشبع من(4/195)
مِنْ سَنَةِ سِتٍّ [ (5) ] . وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ فحدثني عبد الله ابن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ افتتاح خيبر
__________
[ () ] التمر. وعن ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ما شبعنا من التّمر حتّى فتحت خيبر، وتوصف خيبر بكثرة الحمّى، قدم خيبر أعرابي بعياله فقال:
قلت لحميّ خيبر استقري ... هاك عيالي فاجهدي وجدّي
وباكري بصالد وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فحمّ ومات، وبقي عياله.
قال أبو عبيد البكري- رحمه الله- في معجمه وفي الشّق عين تسمى الحمّة، وهي الّتي سمّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قسمة الملائكة، يذهب ثلثا مائها في فلج، والثلث الآخر في «فلج» والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها، وواحدة في الفلج الثاني، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليردّ الماء إلى الفلج الثاني غليه الماء وفاض، ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على قدر الثلث وتشتمل خيبر على حصون كثيرة، ذكر منها في القصّة كثير.
[ (5) ] اختلف في أي سنة كانت غزوتها: قال ابن إسحاق: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم- في بقية المحرّم سنة سبع، فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر.
وقال يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق من حديث المسور ومروان، قالا: «انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة» فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ويعني خيبر، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم.
وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أنه- صلى الله عليه وسلّم- أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر.
وعند ابن عائذ عن ابن عباس: أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال.
وعند سليمان التيمي خمسة عشر يوما.
قال الإمام مالك رحمه الله- تعالى-: كان فتح خيبر سنة ست.
والجمهور- كما في زاد المعاد: أنها في السابعة، وقال الحافظ: إنه الراجح قالا: ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ابتداء السّنة من شهر الهجرة الحقيقي، وهو ربيع الأول.
وابن حزم- رحمه الله- يرى أنه من شهر ربيع الأول.(4/196)
فِي عَقِبِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ صَفَرٍ [ (6) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، والمسور بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا، قَالَا: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَتْحِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْبَرَ وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه خَيْبَرَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى سَارَ إِلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجِيعِ- وَادٍ بَيْنَ خَيْبَرَ وَغَطَفَانَ- فَتَخَوَّفَ أَنْ تَمُدَّهُمْ غَطَفَانُ، فَبَاتَ بِهِ حَتَّى أَصْبَحَ فَغَدَا إِلَيْهِمْ [ (7) ] .
قُلْتُ: وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ فِي خُرُوجِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ [ (8) ] .
__________
[ (6) ] سيرة ابن هشام (3: 283) .
[ (7) ] الحديث تقدم في سياق قصة الحديبية، حاشية (37) .
[ (8) ] مغازي الواقدي (2: 633) .(4/197)
بَابُ اسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ «سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ» [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بْنُ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالُوا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ سِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ، قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَجَدْنَاهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى «كهيعص» وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَقُولُ: وَيْلٌ فِي صَلَاتِي وَيْلٌ لِأَبِي فُلَانٍ، لَهُ مِكْيَالَانِ إِذَا اكْتَالَ اكتال بالواف، وإذا كال كال
__________
[ (1) ] فال الحافظ ابن حجر في الإصابة (2: 13) :
سباع بن عرفطة الغفاري ويقال له الكناني.. له ذكر فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فروى ابن خزيمة والبخاري في التاريخ الصغير والطحاوي من طريق جشم بْنُ عِرَاكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قدمت المدينة وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم وآله وسلم بخيبر وقد استخلف على المدينة سباع بن عرفطة فشهدنا معه الصبح وجهرنا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم وآله وسلم بخيبر وقال البخاري ورواه وهيب عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا قَدِمَ أبو هريرة فذكره. (قلت) وطريق وهيب هذه وصلها البيهقي في الدلائل وقال أبو حاتم استعمله النبي صلى الله عليه وسلّم وآله وسلم على المدينة في غزوة دومة الجندل.(4/198)
بِالنَّاقِصِ [ (2) ] ، قَالَ فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ صَلَاتِنَا أَتَيْنَا سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ فَزَوَّدَنَا شَيْئًا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سهماتهم [ (3) ] .
__________
[ (2) ] في (ص) : «إذا كان لنفسه كال بالوافي، وإذا كال للغير كال بالناقص، وذكر ما في نسخة (أ) في حاشيته.
[ (3) ] راجع مقالة ابن حجر، في الحاشية السابقة حول الحديث الذي وصله البيهقي.(4/199)
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسِيرِهِ إِلَى خَيْبَرَ وَوُصُولِهِ إِلَيْهَا وَوَعْدِهِ أَصْحَابَهُ قَبْلَ فَتْحِهَا بِفَتْحِهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِأَزْوَادٍ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ- مَوْلَى سَلَمَةَ- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ: أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، وَكَانَ عَامِرٌ رجلا شاعرا، فنزل
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (38) باب غزوة خيبر، الحديث (4195) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسلمة، فتح الباري (7: 463) ، وأخرجه البخاري ايضا في الطهارة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وفي الطهارة أيضا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، وفي الجهاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى.(4/200)
يحدو بالقوم، ويقول:
اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَاخْفِرْ فِدًا لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَنْ هَذَا السَّابِقُ؟ قَالُوا: عَامِرٌ- قَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ.
قَالَ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ. يَعْنِي (الْجُوعَ) . الشَّدِيدَ ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ، قَالُوا لَحْمُ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهْرِيقُوهَا، وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟
قَالَ: أَوْ ذَلِكَ [ (2) ] .
__________
[ (2) ] وذلك إنما نهى عن أكل لحوم الخيل يوم خيبر لأنهم تسارعوا في طبخها قبل ان تخمس، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم بإكفاء القدور تشديدا عليهم، وإنكارا لصنيعهم، ولذلك امر بكسر القدور أولا، ثم تركها.
وروينا نحو هذا المعنى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي اوفى: فلما رأوا انكار النبي صلى الله عليه وسلّم، ونهيه عن تناول لحوم الخيل والبغال والحمير اعتقدوا ان سبب التحريم في الكل واحد، حتى نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنها رجس
فحينئذ فهموا ان سبب التحريم مختلف، وان الحكم بتحريم الحمار الأهلي على التأييد، وان الخيل انما نهى عن تناول ما لم يخمس، كما ذكرنا فيكون قوله رخص واذن دفعا لهذه الشبهة.
وقال آخرون ممن ذهب الى جواز الأكل: الاعتماد على الأحاديث التي تدل على جواز الأكل:
لثبوتها وكثرة رواتها، (ومنها) ما رواه أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ امرأته فاطمة بنت المنذر، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بكر قالت: نحرنا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فرسا وأكلناه.(4/201)
قَالَ. فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ مَسَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيُرْجِعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِبًا، قَالَ: مالك، قُلْتُ:
فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ: مَنْ قَالَهُ، قُلْتُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَهُ! لَهُ أَجْرَانِ. وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ [ (3) ] .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ حَاتِمٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ حَدَّثَنَا عبدوس ابن الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا [ (5) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى خَيْبَرَ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَصَلَّيْنَا الْغَدَاةَ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكِبَ
__________
[ () ] هذا حديث ثابت مخرج في الصحيح، وفي رواية اخرى أكلنا لحم فرس عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ ينكره.
وأخرجه البخاري في كتاب الذبائح باب (28) ، ومسلم في 34- كتاب الصيد حديث 38 ص 1541، والنسائي في كتاب الضحايا 23، 33، وابن ماجة في كتاب الذبائح باب 12، والإمام أحمد في مسنده: 6/ 345، 346، 353.
[ (3) ] مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عباد في: 34- كتاب الصيد، (5) باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، الحديث (33) ، ص (1540) .
[ (4) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسلمة في: 64- كتاب المغازي، (38) باب غزوة خيبر، فتح الباري (7: 463- 464) .
[ (5) ] أخرجه البخاري مختصرا من حديث انس، في: 64- كتاب المغازي، (38) باب غزوة خيبر، الحديث (4197) ، فتح الباري (7: 467) .(4/202)
الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ، وَخَرَجَ أَهْلُ خَيْبَرَ حِينَ أَصْبَحُوا بِمَسَاحِيهِمْ ومكاتلهم كما كانوا يصنعوا فِي أَرَضِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَالْجَيْشَ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ، ثُمَّ رَجَعُوا هَارِبِينَ إِلَى مَدِينَتِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
قَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمَيَّ لَتَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قُلْتُ لِلْأَنْصَارِيِّ مَا الْخَمِيسُ؟ قَالَ: الْجُنْدُ، الْجَيْشُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إذا أنزلنا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ [ (6) ] .
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ العزيز ابن صُهَيْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ الْأَنْصَارِيِّ، عن صالح بن
__________
[ (6) ] راجع الحاشية السابقة.
[ (7) ] أخرجه البخاري في الجهاد الباب (101) عن القعبني، والترمذي في السير، باب (3) عن إسحاق ابن موسى، ونقله ابن كثير في تاريخه (4: 183) .(4/203)
كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا وَأَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: قِفُوا فَوَقَفَ النَّاسُ فَقَالَ: اللهُمَّ رَبَّ السموات السبع وما اظللنا وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقْدِمُوا بِسْمِ اللهِ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتْبَعُ الْجَنَازَةَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَكَانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ عَلَى حِمَارٍ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِرَسَنٍ مِنْ لِيفٍ وَتَحْتَهُ، إِكَافٌ مِنْ ليف [ (9) ] .
__________
[ (8) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 284) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 183) .
[ (9) ] نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 184) . عن المصنف.(4/204)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَعْثِ السَّرَايَا إِلَى حُصُونِ خَيْبَرَ وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَفَتْحِهَا عَلَى يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَدُعَائِهِ لَهُ وَمَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ [ (1) ] لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ:
أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَانَ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، قَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فو الله لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
__________
[ (1) ] حاشية في (ص) : يدركون: اي يخوضون، ويموجون، يقال: وقع الناس في دوكة اي اختلاط وخوض.(4/205)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ، قَالَ عُمَرُ: فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَطُّ حَتَّى يَوْمِئِذٍ، فَدَعَا عَلِيًّا فَبُعِثَ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَقَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلَا تَلْتَفِتْ، قَالَ عليّ: على ما أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ:
قَاتِلْهُمْ حتى يشهدوا وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابو بكر ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا، فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ! فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ فِي صَبَاحِهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ.
__________
[ (2) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي المغازي (38) باب غزوة خيبر، ومسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (4) باب من فضائل علي بن أبي طالب، الحديث (34) ، ص (1872) .
[ (3) ] صحيح مسلم. الموضع السابق، الحديث (33) ، ص (1871) .(4/206)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (4) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ،، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا [ (5) ] وَذَكَرَ فِيهِ رُجُوعَهُمْ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي فَزَارَةَ قَالَ فَلَمْ نَمْكُثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ وَخَرَجَ عَامِرٌ فَجَعَلَ يقول:
تَالَلَّهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا الْقَائِلُ، فَقَالُوا: عَامِرٌ، فَقَالَ: غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ.
قَالَ: وَمَا خَصَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَحَدًا بِهِ إِلَّا اسْتُشْهِدَ، فَقَالَ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابٍ] وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَالَ: فقدمنا خيبر فخرج مرحبا وَهُوَ يَخْطِرُ [ (6) ] بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
__________
[ (4) ] البخاري في باب غزوة خيبر، ومسلم في الموضع السابق، الحديث (35) ، ص (1872) .
[ (5) ] تقدم الحديث في غزوة ذي قرد، وهذا جزء منه.
[ (6) ] (يخطر بسيفه) أي يرفعه مرة ويضعه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه اخرى.(4/207)
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي [ (7) ] السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ [ (8) ]
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَبَرَزَ لَهُ عَامِرٌ وَهُوَ يَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ [ (9) ]
قَالَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفَلُ [ (10) ] لَهُ فَرَجَعَ بِسَيْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، وَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ.
قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَنْفُرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أبكي، فقال: مالك؟
فَقُلْتُ: قَالُوا إِنَّ عَامِرًا بَطَلَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ [ (11) ] ، بَلْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ أَرْمَدُ [ (12) ] فَقَالَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ قَالَ فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، قَالَ: فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
__________
[ (7) ] (شاكي السلاح) أي تام السلاح. يقال: شاكي السلاح، وشاك السلاح، وشاكّ في السلاح، من الشوكة وهي القوة. والشوكة ايضا السلاح، ومنه قوله تعالى: وتؤدون أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تكون لكم.
[ (8) ] (بطل مجرب) أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع. يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا.
[ (9) ] (بطل مغامر) أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها.
[ (10) ] (يسفل له) أي يضربه من أسفله.
[ (11) ] (كذب من قال) كذب، هنا بمعنى أخطأ.
[ (12) ] (وهو أرمد) قال أهل اللغة: يقال رمد الإنسان يرمد رمدا فهو رمد وأرمد. إذا هاجت عينه.(4/208)
قَالَ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيٌّ وهو يقول
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ [ (13) ] ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ [ (14) ] كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوَفِّيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ [ (15) ]
فَضَرَبَ مرحبا فغلق رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ الْفَتْحُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ فَقَاتَلَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ، وَقَدْ جَهَدَ ثُمَّ بَعَثَ الْغَدَ عمر رؤي اللهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، ليس بفرار.
__________
[ (13) ] (أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حيدرة) حيدرة اسم للأسد. وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه قد سمى أسدا في أول ولادته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذكره علي رضي الله عنه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. وسمى الأسد حيدرة لغلظه والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته.
[ (14) ] (غابات) جمع غابة. وهي الشجر الملتف. وتطلق على عرين الأسد اي مأواه. كما يطلق الغرين على الغابة أيضا ولعل ذلك لاتخاذه إياه داخل الغاب غالبا.
[ (15) ] (أُوَفِّيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ) معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع.
وقيل: هي العجلة. أي اقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة: وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسىّ.
[ (16) ] الحديث في صحيح مسلم، في 32- كتاب الجهاد، (بَابُ) غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، ص (1439- 1441) وقد مضى في الحديبية، وذي قرد.(4/209)
قَالَ سَلَمَةُ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الرَّايَةَ فَامْضِ بِهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، فَخَرَجَ بِهَا وَاللهِ يَأْنَحُ [ (17) ] يَقُولُ يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً وَإِنَّا لَخَلْفَهُ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ حَتَّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: «عَلَيْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى» فَمَا رَجَعَ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَخَذَهُ عُمَرُ فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ وَقُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لأدفعن لو أتى غَدًا لِرَجُلٍ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ لَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ فَبِتْنَا طَيِّبَةً أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَاةَ، ثُمَّ دَعَا بِاللِّوَاءِ وَقَامَ قَائِمًا فَمَا مِنَّا مِنْ رَجُلٍ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى تَطَاوَلَتْ أَثَالُهَا، وَرَفَعْتُ رَأْسِي لِمَنْزِلَةٍ كَانَتْ لِي مِنْهُ فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ يَشْتَكِي عَيْنَهُ فَمَسَحَهَا ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ فَفَتَحَ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُرَيْدَةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ مَرْحَبٍ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَ أَوَّلُ حُصُونِ خَيْبَرَ فَتْحًا حِصْنَ نَاعِمٍ وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحًا مِنْهُ فَقَتَلَتْهُ [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
__________
[ (17) ] (يأنح) : يجد ثقلا من مرض ونحوه.
[ (18) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 289- 290) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 186) . وعبارة: «وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى» المراد بها القسم بما أنزل عليه.
[ (19) ] نقله ابن كثير في التاريخ (4: 186) عن المصنف وعن الحاكم.(4/210)
ابن عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ [ (20) ] ، فَيَلْبَثُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَا يَخْرُجُ وَلَمَّا نَزَلَ خَيْبَرَ أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخَذَ رَايَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَضَ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَقَاتَلَ قِتَالًا أَشَدَّ مِنَ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَأُعْطِيَنَّهَا غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ يَأْخُذُهَا عَنْوَةً» ، وَلَيْسَ ثَمَّ عَلِيٌّ، فَتَطَاوَلَتْ لَهَا قُرَيْشٌ وَرَجَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ ذَلِكَ، فَأَصْبَحَ وَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى أَنَاخَ قَرِيبًا وَهُوَ أَرْمَدُ قَدْ عَصَبَ عَيْنَهُ بِشَقَّةِ بُرْدٍ قَطَرِيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم مالك؟ قَالَ: رَمِدْتُ بَعْدَكَ، قَالَ ادْنُ مِنِّي، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ فَمَا وَجِعَهَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَنَهَضَ بِالرَّايَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ أُرْجُوَانٍ حَمْرَاءُ، قَدْ أَخْرَجَ خَمْلَهَا فَأَتَى مَدِينَةَ خَيْبَرَ مَرْحَبٌ صَاحِبُ الْحِصْنِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مُظَهَّرٌ يَمَانِيٌّ، وَحَجَرٌ قَدْ نَقَبَهُ مِثْلَ الْبَيْضَةِ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكٍ سِلَاحِي بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا اللُّيوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلِهِ الْمُغَلَّبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْهُ أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ شَدِيدِ الْقَسْوَرَهْ
أَكِيلُهُمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ بِضَرْبَةٍ فَقَدَّ الْحَجَرَ وَالْمِغْفَرَ وَرَأْسَهُ وَوَقَعَ فِي
__________
[ (20) ] وهو الصداع وراجع الطب النبوي من تحقيقنا، وجاء في حاشية (ص) : صداع يعرض في مقدم الرأس(4/211)
الْأَضْرَاسِ وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ مِنْ سَبْعَةٍ أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ [ (22) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَافْتَتَحُوهَا وَأَنَّهُ حَرِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا.
تَابَعَهُ فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ زِيَادٍ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ رَجُلًا فَكَانَ جُهْدَهُمْ أَنْ أَعَادُوا الْبَابَ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ،
__________
[ (21) ] نقله ابن كثير في التاريخ (4: 187) عن المصنف. وشطره الاول أخرجه الحاكم في المستدرك (3: 37) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
[ (22، 23) ] : سيرة ابن هشام (3: 290) ، وقال ابن كثير بعد ان نقل الخبر (4: 189) : فيه جهالة وانقطاع ظاهر.(4/212)
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، والْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَلْبَسُ فِي الْحَرِّ وَالشِّتَاءِ الْعَبَاءَ الْمُخَشَّمَ الثَّخِينَ وَمَا يُبَالِي الْحَرَّ، فَأَتَانِي أَصْحَابِي، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا فَهَلْ رَأَيْتَهُ، فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا:
رَأَيْنَاهُ يَخْرُجُ إِلَيْنَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ فِي الْعَبَاءِ الْمَحْشُوِّ الثَّخِينِ، وَمَا يُبَالِي الْحَرَّ وَيَخْرُجُ عَلَيْنَا فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ فِي الثَّوْبَيْنِ الْخَفِيفَيْنِ وَمَا يُبَالِي الْبَرْدَ، فَهَلْ سَمِعْتَ فِيَ ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالُوا: سَلْ لَنَا أَبَاكَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْمُرُ مَعَهُ فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيَ ذَلِكَ شَيْئًا فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَسَمَرَ مَعَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَمَا شَهِدْتَ مَعَنَا خَيْبَرَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ:
فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا أَبَا بَكْرٍ فَعَقَدَ لَهُ وَبَعَثَهُ إِلَى الْقَوْمِ فَانْطَلَقَ فَلَقِيَ الْقَوْمَ ثُمَّ جَاءَ بِالنَّاسِ وَقَدْ هُزِمُوا فَقَالَ: بَلَى، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَعَقَدَ لَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى الْقَوْمِ فَانْطَلَقَ فَلَقِيَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ هُزِمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ويحب الله ورسوله يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ غَيْرَ فَرَّارٍ» فَدَعَانِي فَأَعْطَانِي الرَّايَةَ ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ اكْفِهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ» فَمَا وَجَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بَرْدًا وَلَا حَرًّا [ (24) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ عَنْ أُمِّ مُوسَى، قَالَتْ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ لَا رَمِدْتُ وَلَا صُدِعْتُ مُذْ دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر [ (25) ] .
__________
[ (24) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9: 122) ، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.
[ (25) ] ذكره الهيثمي في الزوائد (9: 122) ، وقال: رواه ابو يعلى، وأحمد باختصار، ورجالهما رجال الصحيح، غير ام موسى، وحديثها مستقيم.(4/213)
بَابُ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ قَاتِلَ مَرْحَبٍ وَمَا جَاءَ فِي قَتْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ بَارَزَ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ [ (26) ] .
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَوَعَظَ النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوْعِظَتِهِ دعا عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَرْمَدُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَاتَّبَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَاتَّبَعَتْهُمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الصَّبْرٍ، فَلَمَّا أَنْ
__________
[ (26) ] هذه الرواية عن الواقدي، وسيأتي تفصيلها بعد.(4/214)
دَنَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ خَرَجَتْ إِلَيْهِ الْيَهُودُ بَغَادِيَتِهَا فَقُتِلَ صَاحِبُ غَادِيَةِ الْيَهُودِ، فَانْقَطَعُوا وَقَتَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جابر ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يبَارِزُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: مَنْ لِهَذَا؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا وَاللهِ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ، قَتَلُوا أَخِي بِالْأَمْسِ، فَقَالَ:
قُمْ إِلَيْهِ اللهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ [ (27) ] مِنْ شَجَرِ الْعُشْرِ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ مِنْ صَاحِبِهِ بِهَا كُلَّمَا لَاذَ بِهَا أَحَدُهُمَا اقْتَطَعَ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ، حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ، [ (28) ] ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا فَغَضَّتْ بِهِ، فَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتَّى قَتَلَهُ.
فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا ارْتَجَزَ حِينَ ضَرَبَهُ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَاضِ ... حُلْوٌ إِذَا شِئْتُ وَسُمٌّ قَاضِ
وَكَانَ ارْتِجَازُ مرحب:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مجرّب
__________
[ (27) ] (عمرية) اي قديمة طويلة العمر.
[ (28) ] (الفنن) : الغصن.(4/215)
إِذَا اللُّيوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلِهِ الْمُغَلَّبُ
أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ ... إِنَّ حِمَايَ الْحِمَى لَا يُقْرَبُ [ (29) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، وَحَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ، وَمُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ قَالُوا [ (30) ] جَمِيعًا: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَتَلَ مَرْحَبًا [ (31) ] .
قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حمل مرحب فَقَطَّرَهُ عَلِيٌّ بِالْبَابِ، وَفَتَحَ عَلِيٌّ الْبَابَ الْآخَرَ وَكَانَ لِلْحِصْنِ بَابَانِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ضَرَبَ سَاقَيْ مَرْحَبٍ فَقَطَعَهُمَا، فَقَالَ مَرْحَبٌ: أَجْهِزْ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: ذُقْ ذُقِ الْمَوْتَ كَمَا ذَاقَهُ أَخِي مَحْمُودٌ، وَجَاوَزَهُ وَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَلَبِهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا قَطَعْتُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَرَكْتُهُ إِلَّا لِيَذُوقَ الْمَوْتَ، وَقَدْ كُنْتُ قَادِرًا أَنْ أُجْهِزَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: صَدَقَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ سَلَبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ، وَكَانَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ سَيْفُهُ فِيهِ كِتَابٌ لَا يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى قَرَأَهُ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ فَإِذَا فِيهِ هَذَا سَيْفُ مَرْحَبْ. من يذقه يعطب [ (32) ] .
__________
[ (29) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 289) .
[ (30) ] سيرة ابن هشام (3: 288) ، ومغازي الواقدي (2: 655) .
[ (31) ] مغازي الواقدي (2: 657) .
[ (32) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 655- 656) .(4/216)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ قُصُورِ خَيْبَرَ مُبَارِزًا الْحَارِثُ أَخُو مَرْحَبٍ فِي غَادِيَتِهِ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَرَجَعَ أَصْحَابُ الْحَارِثِ الْحِصْنَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَرَزَ عَامِرٌ وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلًا جَسِيمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَزَ وَطَلَعَ عَامِرٌ: «أَتَرَوْنَهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ» ، فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا حَتَّى ضَرَبَ سَاقَيْهِ، فَبَرَكَ ثُمَّ ذَفَّفَ [ (33) ] عَلَيْهِ وَأَخَذَ سِلَاحَهُ [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَاسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ.
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي يَاسِرُ ... شاك السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَاوِرُ
إِذَا اللُّيوثُ أَقْبَلَتْ تُبَادِرُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلِهِ الْمَسَاوِرُ
إِنَّ حِمَايَ فِيهِ مَوْتٌ حَاضِرُ
فَقَالَتْ صَفِيَّةُ، لَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اللهِ يَقْتُلُ ابْنِي [يَا رَسُولَ اللهِ] ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ» .
فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي زَبَّارْ ... قَدِمَ لِقَوْمٍ غَيْرُ نَكِسٍ فَرَّارْ
__________
[ (33) ] (ذفف عليه) أجهز عليه.
[ (34) ] الخبر في المغازي (2: 657) .(4/217)
ابْنُ حُمَاةِ الْمَجْدِ وَابْنُ الْأَخْيَارْ ... يَاسِرُ لَا يَغْرُرْكَ جَمْعُ الْكُفَّارْ
فَجَمْعُهُمْ مِثْلُ السَّرَابِ الْجَارْ
ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ: وَكَانَ ذكر أنه عَلِيًّا هُوَ قَتَلَ يَاسِرًا [ (35) ] .
__________
[ (35) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 289) دون ذكر الرجز.
وقد جزم جماعة من أصحاب المغازي: بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هو الذي قتل مرحبا.
ولكن ثبت في صحيح مسلم ما تقدم عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هو الذي قتل مرحبا.
وورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة، فما في صحيح مسلم مقدم عليه من وجهين: أحدهما أنه أصح إسنادا، والثاني. أن جابرا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة وبريدة وأبو رافع- رضي الله عنهم، - وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من ان محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه، ومر به علي فأجهز عليه، يأباه حديث سلمة وأبي رافع والله اعلم. وصحح أبو عمر- رحمه الله- أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا، وقال ابن الأثير: إنه الصحيح.(4/218)
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ [ (1) ] الَّذِي أَسْلَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى بَابِ خَيْبَرَ وَقُتِلَ وَشَهَادَةِ الْمُصْطَفَى لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقِصَّةِ الْمُهَاجِرِ الَّذِي أَسْلَمَ طَلَبَ الشَّهَادَةِ فَأَدْرَكَهَا بِخَيْبَرَ
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عقبة، قال: وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، فَذَكَرَ قِصَّةَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلُوا يَعْنِي الْيَهُودَ حِصْنًا لَهُمْ مَنِيعًا يُقَالُ لَهُ الْعَمُوصُ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَتْ أَرْضًا وَخِمَةً شَدِيدَةَ الْحَرِّ، فَجَهَدَ الْمُسْلِمُونَ جَهْدًا شَدِيدًا فَوَجَدُوا أَحْمِرَةً إِنْسِيَّةً لِيَهُودَ، فَذَكَرَ قِصَّتَهَا وَنَهْيَ النبي صلى الله عليه وسلّم عن أكلها [ (2) ] ،
__________
[ (1) ] تراجع قصته في سيرة ابن هشام (3: 293) ، والبداية والنهاية (4: 191) ، والسيرة الحلبية (3:
45) ، والسيرة الشامية (5: 201) .
[ (2) ] الخطر متقدم، والرخصة متأخرة فتعين المصير إليها، وراجع الناسخ والمنسوخ في الحديث للحازمي، من تحقيقنا ص (245) .(4/219)
ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوجَ مَرْحَبٍ وَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِعْطَاءِ الرَّايَةِ رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، قَالَ: وَجَاءَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَسْوَدُ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ كَانَ فِي غَنَمٍ لِسَيِّدِهِ فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ قَدْ أَخَذُوا السِّلَاحَ سَأَلَهُمْ مَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ حَتَّى عَهِدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: مَاذَا تَقُولُ وَمَاذَا تَدْعُو إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ وأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَأَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ، قَالَ الْعَبْدُ: فَمَاذَا إِلَيَّ إِنْ أَنَا شَهِدْتُ وَآمَنْتُ بِاللهِ؟ قَالَ: لَكَ الْجَنَّةُ إِنْ مُتَّ عَلَى ذَلِكَ، فَأَسْلَمَ.
قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ هَذِهِ الْغَنَمَ عِنْدِي أَمَانَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم:
«أخرجها من عسكرنا وارميها بِالْحَصْبَاءِ فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ» فَفَعَلَ فَرَجَعَتِ الْغَنَمُ إِلَى سَيِّدِهَا فَعَرَفَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ غُلَامَهُ قَدْ أَسْلَمَ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَوَعَظَ النَّاسَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِعْطَاءِ الرَّايَةِ عَلِيًّا وَدُنُوِّهِمْ مِنَ الْحِصْنِ وَقَتْلِ مَرْحَبٍ، قَالَ: وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ وَرَجَعَتْ عَادِيَةُ الْيَهُودِ وَاحْتَمَلَ الْمُسْلِمُونَ الْعَبْدَ الْأَسْوَدَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ فَأُدْخِلَ فِي الْفُسْطَاطِ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ هَذَا الْعَبْدَ وَسَاقَهُ إِلَى خَيْرٍ قَدْ كَانَ الْإِسْلَامُ مِنْ نَفْسِهِ حَقًّا، وَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ.
زَادَ عُرْوَةُ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ هَذِهِ الْغَنَمُ عِنْدِي أَمَانَةٌ، قَالَ:
أَخْرِجْهَا مِنَ الْمُعَسْكَرِ ثُمَّ صِحْ بها وارميها بِالْحَصْبَاءِ فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ، وَأَعْجَبَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَلِمَتُهُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [ (3) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بن محمد العنزي،
__________
[ (3) ] البيهقي عن جابر، والبيهقي عن انس، والبيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 190- 191) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 201- 202) .(4/220)
قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ، فَأَخَذُوا إِنْسَانًا معه غنم يرعاها، فجاؤوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَكَلَّمَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَكَيْفَ بِالْغَنَمِ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَهِيَ لِلنَّاسِ الشَّاةُ وَالشَّاتَانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:
«احْصِبْ وُجُوهَهَا تَرْجِعْ إِلَى أَهْلِهَا» ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءَ أَوْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهِ وُجُوهَهَا فَخَرَجَتْ تَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلَتْ كُلُّ شَاةٍ إِلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى الصيف فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ سَجْدَةً قَطُّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخِلُوهُ الْخِبَاءَ، فَأُدْخِلَ خِبَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: لَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُ صَاحِبِكُمْ، لَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَإِنَّ عِنْدَهُ لَزَوْجَتَيْنِ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ قَالَ [ (4) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ قَبِيحُ الْوَجْهِ مُنْتِنُ الرِّيحِ لَا مَالَ لِي فَإِنْ قَاتَلْتُ هَؤُلَاءِ حَتَّى أُقْتَلَ أَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَالَ: نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَأَتَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ مَقْتُولٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَحْسَنَ اللهُ وَجْهَكَ وَطَيَّبَ رُوحَكَ وَكَثَّرَ مَالَكَ قَالَ: وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَيْهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ تُنَازِعَانِهِ جُبَّتَهُ عَنْهُ يَدْخُلَانِ فِيمَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَجُبَّتِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المحمّدابادي، قال:
__________
[ (4) ] رواه النسائي عن سويد بن نصر عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المبارك نحوه، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
191) عن البيهقي.(4/221)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَآمَنَ وَاتَّبَعَهُ، فَقَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ غَنِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَسَّمَ، وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ قَالَ: قَسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ، ثُمَّ نَهَضُوا إِلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ» ، فَكَفَّنَهُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدَّمَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ، مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ اللهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ قُتِلَ شَهِيدًا أَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ.
قَالَ عَطَاءٌ وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ
.(4/222)
بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ بَعْضِ حُصُونِهَا مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ بَعْضِ أَسْلَمَ أَنَّ بَعْضَ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ جُهِدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا شَيْءٌ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ حَالَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَيْسَ بِيَدِي مَا أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حِصْنٍ بِهَا غِنًى أَكْثَرَهُ طَعَامًا وَوَدَكًا، فَغَدَا النَّاسُ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا بِخَيْبَرَ حِصْنٌ أَكْثَرُ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَجَازَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا جَازَ انْتَهَوْا إِلَى حُصَيْنِهِمُ الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (1) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (3: 287) .(4/223)
الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: لَمَّا تَحَوَّلَتِ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ وَحِصْنِ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ إِلَى قَلْعَةِ الزُّبَيْرِ، حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حِصْنٌ مَنِيعٌ إِنَّمَا هُوَ فِي رَأْسِ قُلَّةٍ فَأَقَامَ عَلَى مُحَاصَرَتِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ غَزَالٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! تُؤَمِّنُنِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ مِنْ أَهْلِ النَّطَاةِ وَتَخْرُجُ إِلَى أَهْلِ الشَّقِّ فَإِنَّ أَهْلَ الشَّقِّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْكَ، قَالَ: فَأَمَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ شَهْرًا مَا بَالَوْا لَهُمْ دُبُولٌ [ (2) ] تَحْتَ الْأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْكَ فَإِنْ قَطَعْتَ مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ أَصْحَرُوا [ (3) ] لَكَ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دُبُولِهِمْ فَقَطَعَهَا فَلَمَّا قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَشَارِبَهُمْ خَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ نَفَرٌ [ (4) ] وَأُصِيبَ مِنْ يَهُودَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَشَرَةٌ وَافْتَتَحَهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ هَذَا آخِرَ حُصُونِ النَّطَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من النَّطَاةِ تَحَوَّلَ إِلَى أَهْلِ الشَّقِّ [ (5) ] .
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِيُّ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ. مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: لَمَّا تَحَوَّلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى الشَّقِّ وَبِهِ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ مِنْهَا حِصْنُ أُبَيٍّ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلْعَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَمْوَانُ فَقَاتَلَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْحِصْنِ قِتَالًا شَدِيدًا، وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ [يُقَالُ لَهُ] [ (6) ] غَزَالٌ، فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ ثُمَّ حَمَلَ عليه الحباب عليه فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ، فَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ غَزَالٍ وَكَانَ أعزل فبادر راجعا
__________
[ (2) ] في حاشية (أ) : «ما لهم دبول» قال ابن الأثير: اي جداول ماء.
[ (3) ] في حاشية (ص) : اصحروا: اي خرجوا إلى الصحراء.
[ (4) ] في حاشية (أ) : قال ابن الأثير: الانفار جمع نفر، وهم رهط الإنسان وعشيرته، وهم اسم يقع على جماعة من الرجال خاصة مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى العشرة لا واحد له.
[ (5) ] مغازي الواقدي (2: 646- 647) .
[ (6) ] الزيادة من الواقدي (2: 666) .(4/224)
مُسْتَهْزِمًا إِلَى الْحِصْنِ وَتَبِعَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ عَرْقُوبَيْنِ فَوَقَعَ فَذَفَّفَ عَلَيْهِ.
فَخَرَجَ آخَرُ فَصَاحَ مَنْ يبَارِزُ فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ من آل جحش فقيل الْجَحْشِيُّ، وَقَامَ مَكَانَهُ يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ، فَبَرَزَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ فَوْقَ الْمِغْفَرِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَبَدَرَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ذَفَّفَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ سَلَبَهُ وَدِرْعَهُ وَسَيْفَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ وأحجوا عَنِ الْبِرَازِ فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ إناثا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا وَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَتَقَحَّمُوا الْجُدُرَ كَأَنَّهُمُ الطَّبَاءُ حَتَّى صَارُوا إِلَى حِصْنِ النَّزَارِ بِالشَّقِّ وَجَعَلَ يَأْتِي مَنْ بَقِيَ مِنْ فَلِّ النَّطَاةِ إِلَى حِصْنِ النَّزَارِ فَغَلَّقُوهُ وَامْتَنَعُوا فِيهِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ وَزَحَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ فَقَاتَلَهُمْ فَكَانُوا أَشَدَّ أَهْلِ الشَّقِّ رَمْيًا لِلْمُسْلِمِينَ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ حَتَّى أَصَابَ النَّبْلُ ثِيَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَقَتْ بِهِ فَأَخَذَ النَّبْلَ فَجَمَعَهَا ثُمَّ أَخَذَ لَهُمْ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَحَصَبَ بِهِ حِصْنَهُمْ، فَرَجَفَ الْحِصْنُ بِهِمْ ثُمَّ سَاخَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى جَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوا أَهْلَهُ أَخْذًا [ (7) ] .
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ قَالُوا ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الْكُتَيْبَةِ وَالْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ حِصْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ الَّذِي، كَانُوا فِيهِ فَحَصَّنُوا أشد التحصين وجأهم كُلُّ فَلٍّ [ (8) ] كَانَ انْهَزَمَ مِنَ النَّطَاةِ وَالشَّقِّ فَتَحَصَّنُوا مَعَهُمْ فِي الْقَمُوصِ وَهُوَ فِي الْكُتَيْبَةِ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا فِي الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ وَجَعَلُوا لَا يَطْلُعُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ حَتَّى هَمَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
__________
[ (7) ] مغازي الواقدي (2: 667) .
[ (8) ] (فل القوم) : منهزموهم يستوي فيه الواحد والجمع.(4/225)
الصُّلْحَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَنَزَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَصَالَحَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِي حُصُونِهِمْ مِنَ المقابلة، وَتَرْكِ الذُّرِّيَّةِ لَهُمْ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيِّهِمْ وَيُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ وَعَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ، وَعَلَى الْبِرِّ الْأَثْوَبِ كَانَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إن كتمتوني شَيْئًا فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِهِ وَحَدَّثَنِيهِ مُكْنَفٌ، قَالَا: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنِهِمُ الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ حَتَّى إِذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا: الشَّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكُتَيْبَةَ، وَجَمَعَ حُصُونَهَمْ إِلَّا مَا كَانَ فِي ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكٍ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ، فَفَعَلَ فَكَانَ مِمَّنْ مَشَى بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُعَامِلَهُمُ الْأَمْوَالَ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ وَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ أَمْوَالُ خيبر فيأ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكٌ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ ولا ركاب [ (10) ] .
__________
[ (9) ] مغازي الواقدي (2: 670- 671) .
[ (10) ] سيرة ابن هشام (3: 292) .(4/226)
بَابُ مَا جَرَى بَعْدَ الْفَتْحِ فِي الْكَنْزِ الَّذِي كَتَمُوهُ وَاصْطِفَاءِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْخُمْسِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ السُّنَنِ مَا احْتَجْنَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ تَصْدِيقُ وَعْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ وَتَصْدِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أُمَّتَهُ مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ ثُمَّ إِجْلَاءِ مَنْ أَجْلَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا جَرَى فِي الْحُمَّى الَّتِي أَصَابَتْهُمْ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمَقْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ،
فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، قَالَ حَمَّادٌ وَالْخَمِيسُ: الْجَيْشُ.
قَالَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ:
أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا، وَتَبَسَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن مسدد [ (1) ] .
__________
[ (1) ] البخاري عن مسدد في 8- كتاب الصلاة، (12) باب ما يذكر في الفخذ.(4/227)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادٍ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحٍ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ الْتَمِسْ لِي غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ فَرَدَفَنِي وَأَنَا غُلَامٌ قَدْ رَاهَقْتُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ خَدَمْتُهُ، فَسَمِعْتُهُ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.
فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ، وَكَانَتْ عَرُوسًا وَقُتِلَ زَوْجُهَا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَدِّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَاتَّخَذَ حَيْسًا فِي نِطْعٍ صَغِيرٍ، وَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا بِعَبَاءَةٍ خَلْفَهُ، وَيَجْلِسُ عِنْدَ نَاقَتِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَجِيءُ صَفِيَّةُ فَتَضَعُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ تَرْكَبُ، فَلَمَّا بَدَا لَنَا أُحُدٌ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ اللهُمَّ وَإِنِّي أُحَرِّمُ لَابَتَيْهَا اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ لَفْظُ حَدِيثِ سعيد بن منصور.
__________
[ (2) ] وأخرجه مسلم في: 16- كتاب النكاح (13) باب فضيلة إعتاق أمته ثم يتزوجها.(4/228)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُدَ [ (3) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ [ (4) ] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا، قَالَ:
أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ وَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ، وَالْأَقِطَ، وَالسَّمْنَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وبَيْنَ النَّاسِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ [ (5) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الاسفرائيني بِهَا، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عمر، فيما يحب أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ فَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجْلُوا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ [وَالْحَلْقَةُ] [ (6) ]
__________
[ (3) ] في: 64- كتاب المغازي، (38) باب غزوة خيبر، الحديث (4211) ، فتح الباري (7:
478) .
[ (4) ] أخرجه مسلم في المناسك (85) ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وسعيد بن منصور. تحفة الأشراف (1:
294) .
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (38) باب غزوة خيبر، الحديث (4213) ، فتح الباري (7: 479) .
[ (6) ] مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.(4/229)
وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لِعَمِّ حُيَيٍّ: مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ، فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةً فَقَالَ قَدْ رَأَيْتُ حُسًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَاهُنَا، فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي حُقَيْقٍ وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ كُلَّ عَامٍ فيخرصها عليهم ثم يضمّينهم الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَرْصَهُ، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ، فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللهِ تُطْعِمُونِي السُّحْتَ، وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ.
قَالَ وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خُضْرَةً فَقَالَ يَا صَفِيَّةُ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ؟
فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَرَأَيْتُ كَأَنْ وَقَعَ فِي حِجْرِي فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَالَ تَمَنَّيْنَ مَلِكَ يَثْرِبَ، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبْغَضِ النَّاسِ إِلَيَّ قَتَلَ زَوْجِي وَأَبِي فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكِ أَلَّبَ عَلَيَّ الْعَرَبَ، وَفَعَلَ وَفَعَلَ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ(4/230)
وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ غَشُّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَلْقَوَا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَفَدَغُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ خَيْبَرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ رَئِيسُهُمْ لَا تُخْرِجْنَا دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِرَئِيسِهِمْ أَتُرَاهُ سَقَطَ عَنِّي قَوْلُ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ تُخُومَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، وَقَسَمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ.
اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا الْيَهُودَ أَشَدَّ الْحِصَارِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَنَةَ عَلَى دِمَائِهِمْ، وَيَبْرُزُونَ لَهُ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ فَقَاضَاهُمْ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَهُوَ الدِّينَارُ
__________
[ (7) ] والحديث اخرج شطره الأول ابو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء، بَابُ مَا جَاءَ فِي حكم ارض خيبر، الحديث (3006) ، ص (3: 157- 158) .
وما أشار اليه المصنف أن البخاري أشار إليه مستشهدا به، فقد ورد في: 54- كتاب الشروط، (14) إذا اشترط في المزارعة «إذا شئت أخرجتك» ، قال البخاري:
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أبو غسان الكناني أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ «لما فدع اهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أموالهم وَقَالَ: نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ، وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ فَفُدِعَتْ يَدَاهُ ورجلاه، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ. فَلَمَّا أجمع عمر عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بني أبي الْحُقَيْقِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلّم وَعَامَلَنَا عَلَى الْأَمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بعد ليلة.
فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم. فقال: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ. فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الثمر مَالًا وَإِبِلًا وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ» .(4/231)
وَالدِّرْهَمُ، وَعَلَى الْحَلْقَةِ وَهِيَ الْأَدَاةُ، وَعَلَى الْبَزِّ، إِلَّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ اللهِ مِنْكُمْ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْمَلُوا فِي أَمْوَالِكُمْ عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ كُلَّ عَامٍ مَا أَقْرَرْنَاكُمْ، فَإِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ، فَنَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَمَ بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ آنِيَةً مِنْ فِضَّةٍ، وَمَالًا كَثِيرًا كَانَ فِي مَسْكِ جَمَلٍ عِنْدَ كِنَانَةَ ابن رَبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْآنِيَةُ وَالْمَالُ الَّذِي خَرَجْتُمْ بِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ حِينَ أَجْلَيْنَاكُمْ؟ قَالُوا: ذَهَبَ وَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَعْلَمَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُمَا، فَدَفَعَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الزُّبَيْرِ يُعَذِّبُهُمَا فَاعْتَرَفَ ابْنُ عَمِّ كِنَانَةَ فَدَلَّ عَلَى الْمَالِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَمَرَ الزُّبَيْرَ فَدَفَعَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَتَلَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ كِنَانَةَ هُوَ قَتَلَ مَحْمُودَ بْنَ مَسْلَمَةَ.
وَاسْتَحَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَابْنَةِ عَمِّهَا وَكَانَتْ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَأَعْطَى ابْنَةَ عَمِّهَا دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَدَهَا دِحْيَةَ وَأَمْسَكَ صَفِيَّةَ وَسَبَاهَا، وَهِيَ عَرُوسٌ حِدْثَانٌ مَا دَخَلَتْ بَيْتَهَا، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إِلَى الرَّحْلِ، فَمَرَّ بِهَا بِلَالٌ وَسْطَ الْقَتْلَى، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَذَهَبَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ، وعُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَدَخَلَ بِهَا، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ رِجَالٌ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهَا إِيَّاهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعْرِضُوا عَنْهَا وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُضْرَةً فِي وَجْهِهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا بِوَجْهِكِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ رُؤْيَا قَبْلَ قُدُومِكَ عَلَيْنَا وَلَا وَاللهِ مَا أَذْكُرُ مِنْ شَأْنِكَ مِنْ شَيْءٍ قَصَصْتُهَا عَلَى زَوْجِي، فَلَطَمَ وَجْهِي، وَقَالَ تَمَنَّيْنَ هَذَا الْمَلِكَ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «وَمَاذَا رَأَيْتِ؟» قَالَتْ: رَأَيْتُ الْقَمَرَ زَالَ مِنْ مَكَانِهِ فَوَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأُعْجِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤيَاهَا.
فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَرْتَحِلَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا رَكِبَ جَعَلَ ثَوْبَهُ الَّذِي(4/232)
ارْتَدَى بِهِ عَلَى ظَهْرِهَا وَوَجْهِهَا ثُمَّ شَدَّ طَرَفَهُ تَحْتَهُ فَأَخَّرُوا عَنْهُ فِي الْمَسِيرِ وَعَلِمُوا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ نِسْوَتِهِ، ولَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذَهُ لِيَحْمِلَهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ أَجَلَّتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَضَعَ قَدَمَهَا عَلَى فَخِذِهِ، فَوَضَعْتُ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ رَكِبَتْ وَقَدْ بَاتَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةَ دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا قَرِيبًا مِنْ قُبَّتِهِ آخِذًا بِقَائِمِ السَّيْفِ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكْرَةً كَبَّرَ أَبُو أَيُّوبَ حِينَ أَبْصَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ قَالَ: لَمْ أَرْقُدْ لَيْلَتِي هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟» قَالَ: لَمَّا دَخَلْتَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ ذَكَرْتُ أَنَّكَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا وَعَامَّةَ عَشِيرَتِهَا فَخِفْتُ لعمر واللهِ أَنْ تَغْتَالَكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ.
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي هَذِهِ الْقِصَّةَ بِمَعْنَى مَا رَوَيْنَا إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي قِصَّةِ الْكَنْزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَأَلَ كِنَانَةَ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ عَنْ ذَلِكَ، وَسَأَلَ مَعَ كِنَانَةَ حُيَيَّ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَا: أَنْفَقْنَاهُ فِي الْحَرْبِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَحَلَفَا لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَتْ مِنْكُمَا ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إِنْ كَانَ عِنْدَكُمَا أَوْ قَالَ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَا: نَعَمْ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَنْ يُعَذِّبَ كِنَانَةَ فَعَذَّبَهُ حَتَّى خَافَهُ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ وَلَا نَدْرِي أعذب حييّ أَوْ لَا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ غُلَامًا لَهُمَا يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ كَانَ كَالضَّعِيفِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِهِ غَيْرَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَى كِنَانَةَ يَطُوفُ كُلَّ غَدَاةٍ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ فِيهَا فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تِلْكَ الْخَرِبَةِ فَوَجَدُوا فِيهَا ذَلِكَ الْكَنْزَ فَأُتِيَ بِهِ وَذَكَرَ قصة صفيّة [ (8) ] .
__________
[ (8) ] اختصر رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ابن عبد البر في الدرر (202) وساق بعضه ابن كثير في التاريخ (4:
197) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 205) .(4/233)
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، قَالَ مُوسَى:
حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» فَكَانُوا فِيهَا كَذَلِكَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ عُمَرَ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ محمد ابن إسحاق الاسفرائيني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمِرَارُ بْنُ حَمُّوَيْهِ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُدِعْتُ [ (10) ] بِخَيْبَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فِي النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهَا، وَقَالَ: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ» وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ فَفُدِعَتْ يَدَاهُ، وَلَيْسَ لنا هنا كعدوّ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ تُهْمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُخْرِجُنَا وَقَدْ أَمَّرَنَا مُحَمَّدٌ وَعَامَلَنَا عَلَى الْأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ [ (11) ] لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ، فأجلاهم وأعطاهم مالهم مِنَ التَّمْرِ مَالًا وَإِبِلًا وعروضا من أقتاب
__________
[ (9) ] ذكره الصالحي في السيرة الشامية (5: 207) وعزاه للبخاري وللبيهقي، والحديث أخرجه البخاري في المزارعة والحرث باب (17) .
[ (10) ] القوا عبد الله بن عمر من فوق بيت، ففدعوا يديه، ويقال: بل سحروه بالليل وهو نائم على فراشه فكوع حتى أصبح كأنه في وثاق، وجاء أصحابه فأصلحوا من يديه.
والفدع: اعوجاج الرسغ من اليد او الرجل فينقلب الكف او القدم الى الجانب الآخر.
[ (11) ] (القلوص) : بفتح القاف من الإبل بمنزلة الجارية من النساء، وهي الشابة. الجمع: قلص.(4/234)
وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (12) ] عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، وَهُوَ مِرَارُ بْنُ حَمُّوَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ كُلَّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَكَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ وَعَزَلَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاسِ [ (13) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ:
[حَدَّثَنَا] [ (14) ] سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْبَرَ قَسَمَهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ فَعَزَلَ لِلْمُسْلِمِينَ الشَّطْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا يَجْمَعُ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم مَعَهُمْ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ، وَعَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُوَ الشَّطْرُ لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَطِيحَ وَالْكُتَيْبَةَ وَالسَّلَالِمَ وَتَوَابِعَهَا فَلَمَّا صَارَتِ الْأَمْوَالُ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُمَّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم اليهود فعاملهم [ (15) ] .
__________
[ (12) ] فتح الباري (5: 327) .
[ (13) ] تفرد به أبو داود في كتاب الخراج، بَابُ مَا جَاءَ فِي حكم ارض خيبر، الحديث (3012) ، صفحة (3: 159) .
[ (14) ] من (ح) -.
[ (15) ] الحديث في سنن ابي داود رقم (3014) ص (3: 160) .(4/235)
قُلْتُ: وَهَذَا لِأَنَّ بَعْضَ خَيْبَرَ فُتِحَ عَنْوَةً وَبَعْضَهَا صُلْحًا فَقَسَمَ مَا فُتِحَ عَنْوَةً بَيْنَ أَهْلِ الْخُمْسِ وَالْغَانِمِينَ وَعَزَلَ مَا فُتِحَ صُلْحًا لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ الشرفي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ خَيْبَرَ يَوْمَ أَشْرَكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ فِيهَا زَرْعٌ وَنَخْلٌ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مائة وسق تمر وعشرين وسق شعير لِكُلِّ امْرَأَةٍ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ:
حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانَتِ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ عَلَى الشَّقِّ وَالنَّطَاةِ وَالْكُتَيْبَةِ، وَكَانَتِ الشَّقُّ وَالنَّطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتِ الْكُتَيْبَةُ خُمُسَ اللهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَطَعَامَ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَطَعَامَ رِجَالٍ مَشَوْا فِي الصُّلْحِ، مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ فَدَكٍ، مِنْهُمْ، مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَعْطَاهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ وَسْقًا شَعِيرًا وَثَلَاثِينَ وَسْقًا تَمْرًا، وَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ خَيْبَرَ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إِلَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا، فكان واديها: وادي
__________
[ (16) ] هنا انتهت نسخة دار الكتب المصرية ذات الرقم [212- حديث] ، والمرموز إليها بالحرف (ص) والتي بلغت (471) لوحة.، وفي وصفها يمكن مراجعة تقدمتنا للسفر الأول من هذا الكتاب.(4/236)
السُّرَيِّرِ، وَوَادِي خَاصٍ [ (17) ] ، وَهُمَا اللَّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ، وَكَانَتْ نَطَاةُ، وَالشَّقُّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا: نَطَاةُ عَنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَالشَّقُّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَقَسَمَهَا على ألف وثماني مائة سَهْمٍ، وَكَانَ ذَلِكَ عَدَدَ الَّذِينَ قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، خَيْلُهُمْ وَرِجَالُهُمُ: الرِّجَالُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ، وَالْخَيْلُ مِائَتَا فَرَسٍ، فَكَانَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ رَاجِلٍ سَهْمٌ، وَكَانَ لِكُلِّ مِائَةِ سَهْمٍ رَأْسٌ جُمِعَ إِلَيْهِ مِائَةُ رَجُلٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ في ذلك الرؤوس [ (18) ] .
قَالَ: ثُمَّ قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خُمُسَهُ لِلْكُتَيْبَةِ وَهِيَ وَادِي خَاصٍ بَيْنَ أَهْلِ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ، وَبَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَسَامِيهِمْ [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ يَعْنِي ابْنَ عمرو ابن السَّرْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عباس.
__________
[ (17) ] وادي خاص- بالخاء المعجمة، فألف، فصاد مهملة، كذا عند أبي إسحاق وجرى عليه ياقوت والسيد وغيرهما، وقال أبو الوليد الوقشي: إنما هو وادي خلص باللام قال البكري: وهو بضم أوله، وإسكان ثانيه، وبالصاد المهملة.
[ (18) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 304) ، وقال: «فكان علي بن أبي طالب رأسا، والزبير ابن العوام وطلحة بن عبيد الله، وعمر بن الخطاب، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وعاصم بْنُ عَدِيٍّ، أَخُو بَنِي العجلان، وأسيد (بن الحضير) وسهم الحرث بن الخزرج، وسهم ناعم، وسهم بني بياضة وسهم بني عبيدة، وسهم بني حرام من بني سلمة، وعبيد السهام.
[ (19) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 304) ، وذكر أساميهم واستغرق ذلك من صفحة (304- 306) ، ثم ذكر ما أعطى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ من قمح خيبر.(4/237)
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ: أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ: سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: كَانَ مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ فَرَسٍ، فَقَسَمَ لِكُلِّ فَرَسٍ سهمين.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: كَانُوا يَوْمُ خَيْبَرَ أَلْفًا وأربع مائة، وَكَانَتِ الْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، وَالْبَغَوِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَنْفَالِ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ [ (20) ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ يَذْكُرُ خَيْبَرَ فِيهِ.
__________
[ (20) ] الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ، عن زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي،(4/238)
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَغَازِي.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعٍ، يَذْكُرُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَكَانَ أحد القراء الذين قرأوا الْقُرْآنَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ [ (21) ] الْأَبَاعِيرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ مَا لِلنَّاسِ قَالُوا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ [ (22) ] ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَتْحٌ هُوَ، قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ، فَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الجيش ألفا وخمس مائة فِيهِمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سهما.
__________
[ () ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، في: 64- كتاب المغازي (38) باب غزوة خيبر.
وأما بالإسناد الذي ساقه المصنف، وفيه: سليم بن اخضر البصري، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ أبي عمر، فقد أخرجه مسلم في 32- كتاب الجهاد والسير، (17) باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين الحديث (57) ، ص (1383) ، وكذا أخرجه الترمذي في السير، وقال:
«حسن صحيح» .
[ (21) ] اي يحركون رواحلهم.
[ (22) ] أول سورة الفتح.(4/239)
كَذَا رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ،
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ حُفَّاظِ الرُّوَاةِ قَالُوا كانوا ألفا وأربع مائة وَرُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَرَسٍ وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْبَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ [ (23) ] : أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمًا لَهُ، وَسَهْمًا لِلْقَرَابَةِ.
قُلْتُ: يُرِيدُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهِيَ كَانَتْ حَيَّةً يَوْمَئِذٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلَاءِ إِخْوَتُكَ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي جَعَلَكَ اللهُ بِهِ مِنْهُمْ أَرَأَيْتَ إِخْوَتَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلٍ أَحَدٍ. فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ثُمَّ شَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى.
اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ [ (24) ] بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَيُونُسَ عَنِ الزهري.
__________
[ (23) ] الحديث تقدم، وانظر فهرس الأحاديث في نهاية الكتاب، وقد أخرجه ابو داود في الجهاد (3:
76) .
[ (24) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (38) باب غزوة خيبر، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وأخرجه ابو داود في الخراج عن القواريري، عن ابن مهدي وابن ماجة في الجهاد عن يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى.(4/240)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ دُلِّيَ جِرَابٌ [ (25) ] مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَالْتَزَمْتُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: لَا أُعْطِي مِنْ هَذَا أَحَدًا شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَبْتَسِمُ إِلَيَّ [ (26) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ: هَذَا لِي لَا أُعْطِي أَحَدًا شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قُلْتُ: أَكُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ الطَّعَامَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ [ (28) ] .
__________
[ (25) ] الجراب وعاء من الجلد، وفي مسلم: «أصيب جرابا» . وفي رواية اخرى: «رمي إلينا» .
[ (26) ] أخرجه البخاري في باب غزوة خيبر، ومسلم في الجهاد والسير (25) باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب، الحديث (72) ، ص (1393) .
[ (27) ] راجع الحاشية السابقة.
[ (28) ] أخرجه ابو داود في: كتاب الجهاد، باب في النهي عن النّهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو، الحديث (2704) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ، ص (3: 66) .(4/241)
أخبرنا أبو محمد عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، قَدِمَ وَالثَّمَرَةُ خَضِرَةٌ، قَالَ: فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِيهَا، فَحُمُّوا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقْرِسُوا [ (29) ] الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ [ (30) ] ، ثُمَّ يُحْدِرُونَ [ (31) ] عَلَيْهِمْ بَيْنَ أَذَانَيِ الْفَجْرِ، وَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، قَالَ: فَفَعَلُوا فَكَأَنَّمَا نَشَطُوا مِنْ عُقُلٍ [ (32) ] .
وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَوْصُولًا، وَرُوِيَ عَنْهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنَ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَمَرَنِي فَقُلِّدْتُ سَيْفًا، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ [ (34) ] الْمَتَاعِ [ (35) ] .
وَهُوَ فِيمَا بِهِ إِجَازَةٌ
وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَلَمْ أَجِدْ نسخة
__________
[ (29) ] (يقرسوا) : يبردوا.
[ (30) ] (الشنان) : الأسقية.
[ (31) ] (احدروا) : صبوا الماء.
[ (32) ] (العقل) : جمع عقال.
[ (33) ] كلاهما نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 195) وعزاهما للمصنف.
[ (34) ] (خرثي المتاع) هو أثاث البيت كالقدر ونحوه.
[ (35) ] أخرجه ابو داود، في كتاب الجهاد، باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة، ح (2730) ، ص (3: 75) ، وقال أبو داود: «معناه انه لم يسهم له» .(4/242)
السَّمَاعِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيَّ أَخْبَرَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ ابن مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى خَيْبَرَ وَمَعِي زَوْجَتِي وَهِيَ حُبْلَى فَنُفِسَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ [لِي: «انْقَعْ] [ (36) ] لَهَا تَمْرًا فَإِذَا انْغَمَرَ بُلَّهُ، فَأْمُرْ بِهِ لِتَشْرَبَهُ» فَفَعَلَتْ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، فلما فتحنا خيبر أجذى النِّسَاءَ، وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنَّ فَأَجْدَى [ (37) ] زَوْجَتِي وَمَوْلُودِي الَّذِي وُلِدَ.
قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ لَسْتُ أَدْرِي أَغُلَامٌ أَمْ جارية [ (38) ] .
__________
[ (36) ] الزيادة من المغازي للواقدي.
[ (37) ] في الواقدي «فأحذى» وفي النهاية «فأجدى» .
[ (38) ] الخبر رواه الواقدي في مغازيه (2: 686) ، ونقله ابن كثير فِي التَّارِيخِ (4: 205) .(4/243)
بَابُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وأصحابه والأشعريين عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَا جَرَى فِي قِسْمَتِهِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ وَمَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ: أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ: أَحَدُهُمْ أَبُو رُهْمٍ، وَالْآخَرُ أَبُو بُرْدَةَ، إِمَّا قَالَ: بِضْعًا وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا، (أَيْ فِي الْحَبَشَةِ) فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ فَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَصْحَابِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بالعجرة.
قَالَ: وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم زائدة، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ:(4/244)
أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ:
نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلِمَةً: كَذَبْتَ يَا عُمَرُ! كَلَّا وَاللهِ! كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبَغْضَاءِ [ (1) ] بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ، وَايْمُ اللهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنَخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ، وَاللهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا قُلْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا، قَالَ: لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ.
قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى، وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ، وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي، وَقَالَ: لَكُمُ الْهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ: هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهَاجَرْتُمْ إِلَيَّ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (البعداء البغضاء) قال العلماء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين، لأنهم كفار إلا النجاشي، وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم.
[ (2) ] رواه البخاري مقطعا في الخمس، وفي هجرة الحبشة (المناقب) ، وفي المغازي (38) باب غزوة خيبر، فتح الباري (7: 487) ، وأخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (41) باب من فضائل جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم، الحديث (169) ، ص (1946- 1947) .(4/245)
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّبِيعِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَبْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَرَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَدِمَ جَعْفَرُ مِنَ الْحَبَشَةِ تَلَقَّاهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَاللهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَفْرَحُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ؟
وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَجْلَحَ مُرْسَلًا دُونَ ذِكْرِ جَابِرٍ فِيهِ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْرُوتِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد ابن أَبِي طَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ تَلَقَّاهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ جَعْفَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حَجَلَ، قَالَ:
يَعْنِي يَمْشِي عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ إِعْظَامًا مِنْهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
فِي إِسْنَادِهِ إِلَى الثَّوْرِيِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَلَمْ يَقْسِمْ
__________
[ (3) ] نقله ابن كثير في «التاريخ» (4: 206) عن المصنف، وكذا الصالحي في السيرة الشامية (5:
212) .
[ (4) ] راجع الحاشية السابقة.(4/246)
مِنْ خَيْبَرَ شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يَأْذَنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ تَخَلَّفَ عَنْهُ مَخْرَجَهُ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي شُهُودِ خَيْبَرَ.
وَذَكَرُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِخَيْبَرَ نَفَرٌ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ فِيهِمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ كَانُوا مِمَّنْ يُذْكَرُ أَنَّهُمْ قَدِمُوا مُهَاجِرَةَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانُوا مَعَهُمْ وَنَفَرٌ مِنْ دَوْسٍ فِيهِمُ: الطُّفَيْلُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَرَأَى- وَرَأْيُهُ الْحَقُّ- أَنْ لَا يُخَيِّبَ مَسِيرَهُمْ، وَلَا يُبْطِلَ سَفَرَهُمْ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَشْرَكَهُمْ فِي مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فَفَعَلُوا وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَحَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ الْقُرَشِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُسْهِمَ لِي فَتَكَلَّمَ بَعْضُ وَلَدَيْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا قَاتِلُ ابْنُ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: أَظُنُّهُ ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ يَا عَجَبِي لِوَبْرٍ قَدْ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَالٍّ يُعَيِّرُنِي بِقَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ تهنّى عَلَى يَدَيْهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (5) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بعد ما افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لليف.
__________
[ (5) ] رواه البخاري في غزوة خيبر، فتح الباري (7: 491) ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 208) ، وقال: ففي هذا الحديث التصريح من أبي هريرة بأنه لم يشهد خيبر.(4/247)
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتٌ يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَقْسِمْ لَهُمْ، فَقَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبَرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَالٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَانُ اجْلِسْ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عمرو والْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ مِثْلِهِ وَقَالَ: مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَتْ بَنُو فَزَارَةَ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ لِيُعِينُوهُمْ، فَرَاسَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُعِينُوهُمْ وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهُمْ وَلَكُمْ مِنْ خَيْبَرَ كَذَا وَكَذَا، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَتَاهُ مَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، فَقَالُوا: حَظَّنَا وَالَّذِي وَعَدْتَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَظُّكُمْ أَوْ قَالَ: «لَكُمْ ذُو الرُّقَيْبَةِ» [ (7) ] جَبَلٌ من
__________
[ (6) ] ورد الحديث عند أبي داود (3: 73) هكذا: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى البلخي، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا الزُّهْرِيُّ، وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ فَحَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ الْقُرَشِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُسْهِمَ لِي، فتكلم بعض ولد سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا قَاتِلُ بن قوقل، فقال سعيد ابن العاص: يا عجبا لِوَبْرٍ [قَدْ] تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَالٍّ، يُعَيِّرُنِي بِقَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ يهنى على يديه [قال أبو داود هؤلاء كانوا نحو عشرة فقتل منهم ستة ورجع من بقي.
[ (7) ] (ذو الرقيبة: جبل مطل على خيبر.(4/248)
جِبَالِ خَيْبَرَ، فَقَالُوا: إِذًا تقاتلك، فَقَالَ: «مَوْعِدُكُمْ جَنَفًا» [ (8) ] فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ خَرَجُوا هَارِبِينَ [ (9) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ: جَنْفَاءُ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي فَزَارَةَ يُقَالُ لَهُ جَنْفَاءُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي لَمْ أَجِدْ نُسْخَةَ سَمَاعِي وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ قَالُوا كَانَ أَبُو شُيَيْمٍ الْمُزَنِيُّ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يُحَدِّثُ، يَقُولُ: لَمَّا نَفَرْنَا إِلَى أَهْلِهَا [بِحَيْفَاءَ] [ (10) ] مَعَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، رَجَعَ بِنَا عُيَيْنَةُ، فَلَمَّا كَانَ دُونَ خَيْبَرَ [بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْحُطَامُ] عَرَّسْنَا مِنَ اللَّيْلِ، فَفَزِعْنَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أَبْشِرُوا إِنِّي أَرَى اللَّيْلَةَ فِي النَّوْمِ أَنِّي أُعْطِيتُ ذَا الرُّقَيْبَةِ- جَبَلًا بِخَيْبَرَ- قَدْ وَاللهِ أَخَذْتُ بِرَقَبَةِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ فَوَجَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنِي مَا غَنِمْتَ مِنْ حُلَفَائِي، فَإِنِّي انْصَرَفْتُ عَنْكَ وَعَنْ قِتَالِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ وَلَكِنَّ الصِّيَاحَ الَّذِي سَمِعْتَ أَنْفَرَكَ إِلَى أَهْلِكَ» ، قَالَ أَجِزْنِي يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «لَكَ ذُو الرُّقَيْبَةِ» ، قَالَ عُيَيْنَةُ: مَا ذو
__________
[ (8) ] (جنفا) : ماء من مياه بني فزارة بين خيبر وفدك.
[ (9) ] نقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 213) عن المصنف.
[ (10) ] الزيادة من مغازي الواقدي (2: 675) .(4/249)
الرُّقَيْبَةِ، قَالَ: «الْجَبَلُ الَّذِي رَأَيْتَ فِيَ النَّوْمِ، أَنَّكَ أَخَذْتَهُ» ! فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ [ (11) ] .
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ تُوضَعُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، وَاللهِ لَيَظْهَرَنَّ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، يَهُودُ كَانُوا يُخْبِرُونَنَا هَذَا، أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ سَلَّامَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ يَقُولُ: إِنَّا نَحْسُدُ مُحَمَّدًا عَلَى النُّبُوَّةِ، حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ بَنِي هَارُونَ، وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَيَهُودُ لَا تُطَاوِعُنِي عَلَى هَذَا، وَلَنَا مِنْهُ ذِبْحَانِ: وَاحِدٌ بِيَثْرِبَ، وَآخَرُ بِخَيْبَرَ.
قَالَ الْحَارِثُ: قُلْتُ لِسَلَّامٍ: يَمْلِكُ الْأَرْضَ جميعا؟ قال نعم والتوراة الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى وَمَا أُحِبُّ أَنْ تَعْلَمَ يهود بقولي فيه [ (12) ] .
__________
[ (11) ] جاء بعده في مغازي الواقدي هذه الفقرة، ولم يوردها المصنف.
فجعل يتدسس الى اليهود ويقول: ما رأيت كاليوم امرا، والله ما كنت أرى أحدا يصيب محمدا غيركم. قلت: أهل الحصون والعدة والثروة، أعطيتم بأيديكم وأنتم في هذه الحصون المنيعة، وهذا الطعام الكثير ما يوجد له آكل، والماء الواتن. قالوا: قد أردنا الامتناع في قلعة الزبير ولكن الدبول قطعت عنا، وكان الحر، فلم يكن لنا بقاء على العطش. قال: قد وليتم من حصون ناعم منهزمين حتى صرتم إلى حصن قلعة الزبير وجعل يسأل عمن قتل منهم فيخبر، قال: قتل والله أهل الجد والجلد، لا نظام ليهود بالحجاز أبدا. ويسمع كلامه ثعلبة بن سلام ابن أبي الحقيق، وكانوا يقولون إنه ضعيف العقل مختلط، فقال: يا عيينة، أنت غررتهم وخذلتهم وتركتهم وقتال محمد، وقبل ذلك ما صنعت ببني قريظة، فقال عيينة: إن محمدا كادنا في أهلنا، فنفرنا إليهم حيث سمعنا الصريخ ونحن نظن أن محمدا قد خالف إليهم، فلم نر شيئا فكررنا إليكم لننصركم. قال ثعلبة: ومن بقي تنصره؟ قد قتل من قتل وبقي من بقي فصار عبدا لمحمد، وسبانا، وقبض الأموال! قال: يقول رجل من غطفان لعيينة: لا أنت نصرت حلفاءك فلم يعدوا عليك حلفنا! ولا أنت حيث وليت- كنت أخذت تمر خيبر من محمد سنة! والله إني لأرى أمر محمد أمرا ظاهرا، ليظهرن على من ناوأه.
[ (12) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 675- 677) .(4/250)
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُرْحِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ يَوْمَ خَيْبَرَ وبروه مِنْ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَسَوِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ، سَلَمَةُ أُصِيبَ سَلَمَةُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ مَعًا فَمَا اشْتَكَيْتُ مِنْهَا حَتَّى السَّاعَةِ.
لَفْظُ حَدِيثِ الْقَاضِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (38) باب غزوة خيبر، الحديث (4206) ، فتح الباري (7: 475) ، عن المكي بن ابراهيم، وأخرجه ابو داود في الطب عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سريح الرازي.(4/251)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمَا صَارَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالْقَاسِمُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً ولا فاذّة إلّا اتبعتها يضر بها بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ الْيَوْمَ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ الْقَوْمُ ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لَا يَمُوتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أَبَدًا، فَاتَّبَعَهُ كُلَّمَا أَسْرَعَ أسرع، وإذا أَبْطَأَ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ، فَاشْتَدَّتْ جِرَاحَتُهُ وَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فيما يبدوا لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الجنة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (38) باب غزوة خيبر، الحديث (4207) ، فتح الباري (7: 475) . وفي نفس الباب الحديث (4202) عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عن أبي حازم.(4/252)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ.
وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْيَمَانِ أَنَّ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَهُ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا مَرَّتَيْنِ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (2) ] شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يُدْعَى بِالْإِسْلَامِ إِنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ! فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، حَتَّى كَثُرَ بِهِ الْجِرَاحُ، فَأَثْبَتَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرْتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَدْ وَاللهِ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ! فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فاستخرج منهما أَسْهُمًا، فَانْتَحَرَ بِهَا، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بِلَالُ! قُمْ فَأَذِّنْ:
لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَإِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] عَنْ أَبِي الْيَمَانِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
__________
[ (2) ] فِي (ح) : «أخبرني» .
[ (3) ] فتح الباري (7: 471) تعليقا، وقال البخاري عقبة: تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن سعيد.(4/253)
قُلْتُ: وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ، وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَفِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ كَالدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اسْتَحَلَّ قَتْلَ نَفْسِهِ أَوْ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ مِنْهُ نِفَاقًا نَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ
.(4/254)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ [فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:] [ (1) ] إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ» فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ الْيَهُودِ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] الزيادة من موطأ مالك (2: 458) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود في: 15- كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول.
والنسائي في: 21- كتاب الجنائز (66) باب الصلاة على من غلّ.
وأخرجه ابن ماجة في: 24- كتاب الجهاد، (34) باب الغلول.
وأخرجه مالك في الموطأ في: 21- كتاب الجهاد (13) بَابُ مَا جَاءَ فِي الغلول، الحديث (23) ، (2: 458) .
وأخرجه الإمام احمد في مسنده (4: 114) و (5: 192) .(4/255)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِخَيْبَرَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ عِصْمَةِ اللهِ جَلَّ ثناؤه وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرَرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ حَتَّى بَلَغَ فِيهِ أَمْرُهُ وَإِخْبَارِ ذِرَاعِهَا إِيَّاهُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمْسَكَ عَنِ الْبَقِيَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَكَ أَبُوكَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: اجْمَعُوا مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنَ الْيَهُودِ، فَجَمَعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلَانٌ، قَالَ: كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ، قَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، قَالَ لَهُمْ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي آبَائِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَئُوا فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.(4/256)
لَفْظُ حَدِيثِ شُعَيْبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن قتيبة وغيره [ (1) ] .
__________
[ (1) ] فتح الباري (7: 497) مختصرا «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم شاة فيها سمّ» كما أخرجه البخاري مطولا في: 58- كتاب الجزية (7) باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم،
فتح الباري (6: 272) ، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم، اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود، فجمعوا له:
فقال: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟ فقالوا: نعم. قال لهم النبي صلى الله عليه وسلّم: من أبوكم؟ قالوا: فلان، فقال النبي: كذبتم، بل أبوكم فلان. قالوا: صدقت. قال: فهل أنتم صادقي عن شيء ان سألت عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: من أهل النار، قالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم:
أخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها ابدا. ثم قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟
قالوا: نعم يا أبا القاسم قال: هل جعلتم في هذه الشاة سما؟ قالوا نعم، قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وان كنت نبيا لم يضرك» وأعاده في: 76- كتاب الطب
(55) باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلّم، الفتح (10: 244) ، (20: 451) .
قال البدر العيني: قوله «أهديت للنبي صلى الله عليه وسلّم شاة» وكان الذي اتى بها امرأة يهودية صرح بذلك في صحيح مسلم وقال النووي في شرح مسلم وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم، اسمها زينب بنت الحارث اخت مرحب اليهودي قلت كذا رواه الواقدي عن الزهري،
وانه صلى الله عليه وسلّم قال لها ما حملك على هذا؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي،
قال محمد: فسألت ابراهيم بن جعفر عن هذا فقال أبوها الحارث وعمها بشار وكان أجبن الناس وهو الذي انزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم.
قال القاضي عياض: واختلفت الآثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلّم أم لا فوقع في مسلم أنهم قالوا الا نقتلها؟ قال لا ومثله عن أبي هريرة وجابر وعن جابر من رواية أبي سلمة انه صلى الله عليه وسلّم قتلها وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلّم دفعها الى اولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها وفي لفظ قتلها وصلتها وفي جامع معمر عن الزهري لما أسلمت تركها قال معمر كذا قال الزهري أسلمت والناس يقولون قتلها وأنها لم تسلم وقال السهيلي قيل انه صفح عنها قال القاضي وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل انه لم يقتلها إلا حين اطلع على سحرها وقيل له اقتلها فقال لا فما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا فصح قولهم لم يقتلها اي في الحال ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله اعلم وفيه ان الإمام مالكا احتج به على أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الذي يوجب القصاص وقال الكوفيون لا قصاص فيه وفيه الدية العاقلة قالوا ولو دسه في طعام او شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته وقال الشافعي إذ فعل ذلك ففيه قولان في وجوب القود أصحهما لا وفيه معجزة ظاهرة له عليه السلام حيث لم يؤثر فيه السم والذي أكل(4/257)
__________
[ () ] معه مات وفيه ان السم لا يؤثر بذاته بل بإن الرب جل جلاله ومشيئته ألا ترى ان السم اثر في بشر ولم يؤثر في النبي صلى الله عليه وسلّم فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال والله أعلم.
وفي المجلة العربية السنة الثالثة العدد الثالث كشف رئيس تحرير المجلة العربية الغراء الأستاذ الدكتور منير العجلاني عن مخطوطة ارمنية قديمة تثبت ان تسميم النبي كان بقرار من رؤساء اليهود.
ظفر رئيس تحرير هذه المجلة- خلال مطالعاته في «دار الكتب الوطنية» في باريس- بوثيقة- ارمنية، مخطوطة، قديمة جدا، تتحدث عن ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلّم في جزيرة العرب، وما وقع من أحداث في عهده واكثر ما جاء فيها يشبه الأساطير، ولا يعتد به ولكننا وجدنا في مطلع هذه الوثيقة- التي قام بترجمتها الى الفرنسية مسيو «ماكلر» - اشارة الى حادثة تسميم النبي، وهي من تدبير رؤساء اليهودية في المدينة وبقرار منهم!.
وليس ذلك بمستغرب منهم، فقد تآمروا على قتل الرسول وقتاله غير مرة.
ترجمة مطلع الوثيقة:
(يقال ان الأمة اليهودية تحسد أمة النصارى، ولما جاء محمد وعظم أمره اجتمع رؤساء اليهود وقالوا في أنفسهم.
لنضمه إلينا، بأن نزوده بأحكام ديننا فينشرها بين الناس وبذلك نتغلب على النصارى وأناجيلهم.
ولكن المسلمين الذين انتصروا على أعدائهم وفتحوا الفتوحات العظيمة لم يكترثوا لليهود ولم يقيموا لهم وزنا، بل اضطروا أحيانا الى قتالهم!.
فعاد رؤساء اليهود الى الاجتماع والتفكير في أسلوب يتخلصون به من محمد ... فاختاروا من نسائهم فتاة جميلة، وقالوا لها: يجب عليك ان تدعي محمدا الى وليمة وتقتليه! ففعلت المرأة ما أمرها الرؤوساء به) . هذه الوثيقة تلقي اضواء جديدة على حادثة تسميم النبي فقد كان يظن أنها من صنع امرأة حمقاء أو مهووسة، فإذا هي بأمر من الرؤوساء وتصميم.
صورة صفحة من الوثيقة الأرمنية ومن يدري ... فقد يكون مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه صنع متآمرين لا صنع رجل واحد.(4/258)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ قَالَ: عَلَيَّ، قَالُوا: أَلَا تَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا. فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَجَبِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] [ (3) ] الْعَبَّاسِ: محمد بن
__________
[ (2) ] رواه الشيخان عن أنس، والإمام أحمد، وابن سعد، وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمي، والبيهقي عن جابر، والبيهقي بسند صحيح- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، والطبراني عنه عن أبيه، والبزار والحاكم، وأبو نعيم عن أبي سعيد، والبيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ الله عنهم- والبيهقي عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى-:
انظر السيرة النبوية لابن هشام (3: 293) ، وشرح المواهب للزرقاني 2: 239، والسيرة الحلبية 3: 63 والبداية والنهاية لابن كثير 4: 208- 211 والسيرة النبوية لابن كثير 3: 394، والمغازي للواقدي 2: 677.
[ (3) ] سقطت من (أ) .(4/259)
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ هُوَ ابْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم شَاةً مَسْمُومَةً، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَمْسِكُوا فَإِنَّهَا مَسْمُومَةٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَيُطْلِعُكَ اللهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ، قَالَ: فَمَا عَرَضَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (4) ] .
حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ- رَحِمَهُ- اللهُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزَامٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَبْدِ العزيز ابن عُثْمَانَ، عَنْ جَدِّي: عُثْمَانَ بن أبي جَبَلَةَ، قَالَ: كَمَا أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا شَاةً مَسْمُومَةً، وَإِمَّا بَرَقًا مَسْمُوطًا مَسْمُومًا، فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ إِلَيْهِ وَبَسَطَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ، قَالَ: أَمْسِكُوا، فَإِنَّ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا يُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ فَدَعَا صَاحِبَتَهَا، فَقَالَ: أَسَمَمْتِ هَذَا؟، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَيْهِ؟
قَالَتْ: أَحْبَبْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ أُرِيحَ النَّاسَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ رَسُولًا أَنَّكَ سَتُطْلَعُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُعَاقِبْهَا [ (5) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالك:
__________
[ (4) ] راجع الحاشية (2) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 209) .
[ (5) ] راجع الحاشية (2) ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 208) .(4/260)
أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً [ (6) ] بِخَيْبَرَ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَقَالَتْ هَدِيَّةٌ وَحَذِرَتْ أَنْ تَقُولَ: مِنَ الصَّدَقَةِ فَلَا يَأْكُلُ، قَالَ: فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكُوا، ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: هَلْ سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟
قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْعَظْمُ لِسَاقِهَا، وَهُوَ فِي يَدِهِ. قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ، قَالَ فَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكَاهِلِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ مَعْمَرٌ وَأَمَّا النَّاسُ فَيَقُولُونَ قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم [ (7) ] .
__________
[ (6) ] (مصلية) مشوية.
[ (7) ] نقلة ابن كثير في التاريخ (4: 210) عن المصنف وقد اختلف في: إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشاة المسمومة، وفي قتلها:
اختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشاة المسمومة وفي قتلها، «أما إسلامها، فروى عبد الرزاق في مصنفه عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ انها أسلمت، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم- تركها. قال معمر: والناس يقولون قتلها. وجزم بإسلامها سليمان التيمي في مغازية ولفظه بعد قولها: «وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك، وقد استبان لي أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك، وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قال: وانصرف عنها حين أسلمت.
وأما قتلها وتركها، فروى البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم ما عرض لها، وعن جابر قال: فلم يعاقبها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر بأسانيد له متعددة هذه القصة، وفي آخرها فدفعها إلى اولياء بشر بن البراء فقتلوها قال محمد بن عمر: وهو أثبت وروى أبو داود من طريق الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، والزهري لم يسمع من جابر، ورواه ايضا عن أبي هريرة.
قال البيهقي- رحمه الله- يحتمل ان يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها. وبذلك أجاب السّهيلي- رحمه الله تعالى- وزاد: أنه تركها، لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ثم قتلها ببشر قصاصا.
قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: يحتمل ان يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه.
وروى أبو سعد النيسابوري: أنه- صلى الله عليه وسلّم- قتلها وصلبها، فالله أعلم.(4/261)
هَذَا مُرْسَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَمَلَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحسين بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ جَابِرُ ابن عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً مَصْلِيَّةً ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَهُودِيَّةِ فَدَعَاهَا، فَقَالَ لَهَا: أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟ قَالَتِ الْيَهُودِيَّةُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ فِي يَدِي لِلذِّرَاعِ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَرَدْتِ إِلَى ذَلِكَ؟
قَالَتْ: قُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَنْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ. فَعَفَا عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُعَاقِبْهَا، وَتُوُفِّيَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَاحْتَجَمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ حَجَمَهُ أَبُو هند بالقرية وَالشَّفْرَةِ، وَهُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قال حدثنا وهب ابن بَقِيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ ابن مَعْرُورٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟ يَذْكُرُ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَتْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الْحِجَامَةِ.
قُلْتُ وَرُوِّينَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بن البراء
__________
[ (8) ] في (ح) مولى لبني بياضة من الأنصار، والخبر نقله ابن كثير عن المصنف في البداية والنهاية (4: 210) .(4/262)
أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد بن الفضل ابن مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَهْدَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْيَهُودِيَّةُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مَرْحَبٍ لِصَفِيَّةَ شَاةً مَصْلِيَّةً، وَسَمَّتْهَا وَأَكْثَرَتْ فِي الْكَتِفِ وَالذِّرَاعِ لِأَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّهُ أَحَبَّ أَعْضَاءِ الشَّاةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على صَفِيَّةَ وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِمُ الشَّاةَ الْمَصْلِيَّةَ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْكَتِفَ وَانْتَهَشَ مِنْهَا، وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا فَانْتَهَشَ مِنْهُ، فَلَمَّا اسْتَرَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُقْمَتَهُ اسْتَرَطَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّ كَتِفَ هَذِهِ الشَّاةِ يُخْبِرُنِي أَنْ قَدْ بُغِيَتْ فِيهَا،
فَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ فِي أَكْلَتِي الَّتِي أَكَلْتُ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَلْفِظَهَا إِلَّا أَنِّي أَعْظَمْتُ أَنْ أُنْغِصَكَ طَعَامَكَ، فَلَمَّا أَسَغْتَ مَا فِي فِيكَ، لَمْ أَكُنْ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِكِ، وَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ اسْتَرَطْتَهَا وَفِيهَا بَغْيٌ، فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى عَادَ لَوْنُهُ مِثْلَ الطَّيْلَسَانِ،
__________
[ (9) ] راجع الحاشية (7) .(4/263)
وماطله وَجَعُهُ حَتَّى كَانَ لَا يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا حُوِّلَ [ (10) ] .
قَالَ جَابِرٌ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاحْتَجَمَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكَاهِلِ يَوْمَئِذٍ حَجَمَهُ مَوْلَى بَيَاضَةَ بالقون وَالشَّفْرَةِ، وَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَعْدَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ: مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ عَدَدًا حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانُ انْقَطَعَ الْأَبْهَرُ مِنِّي، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم شَهِيدًا [ (11) ] .
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله في الحجامة [ (12) ] .
__________
[ (10) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ نقل بعضها ابن كثير في التاريخ (4: 210) ، واختصرها ابن عبد البر في الدرر (204) .
[ (11) ] فتح الباري (8: 131) .
[ (12) ] الحجامة «Cupping» هي فصد قليل من الدم من على سطح الجلد باستخدام كأس زجاجي خاص، وهو ما يطلق عليه اسم «كاسات الهواء» .
والحجامة على نوعين: حجامات جافة، وحجامات رطبة.
ففي الحجامة الجافة يسخن الهواء بداخل الكأس فيتمدد بالحرارة وعند ملامسته للجلد يبرد الهواء فينكمش ويقل حجمه فيحدث فراغا داخل الكأس يجذب الجلد الى داخل الكأس وبه كمية من الدم.
تفيد في تخفيف الآلام (الروماتيزمية) ، وأوجاع الصدر، حيث تنشط الدورة الدموية، وتفيد حالات عسر البول، Anuria الناتجة عن التهاب الكلية.
أما الحجامة الرطبة فتختلف عن الحجامة الجافة بإحداث جروح سطحية بالمشرط طول كل منها حوالي 3 سم، ثم توضع الكأس بنفس الطريقة السابقة فتمتص بعض الدم من مكان المرض، وتستعمل الطريقة الرطبة على ظهر القفص الصدري في حالات هبوط القلب المصحوب بارتشاح في الرئتين، وفي بعض امراض القلب لتخفيف الاحتقان الدموي، وفي آلام المفاصل.(4/264)
بَابُ وُقُوعِ الْخَبَرِ بِمَكَّةَ وورود الحجاج ابن عِلَاطٍ [ (1) ] عَلَى أَهْلِهَا لِأَخْذِ مَالِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: وَكَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حِينَ سَمِعُوا بِخُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ تَرَاهُنٌ عَظِيمٌ، وَتَبَايُعٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَظْهَرُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَظْهَرُ الْحَلِيفَانِ، وَيَهُودُ خَيْبَرَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ ابن عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الْبَهْزِيُّ أَسْلَمَ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ أُمُّ شَيْبَةَ أُخْتُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ كَانَتْ لَهُ معادية أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا ظَهْرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْبَرَ قال الحجاج بن
__________
[ (1) ] في السيرة النبوية لابن هشام (3: 299) «السلمي ثم البهزي. وفي السيرة الحلبية 3: 60 هو أبو نصر بن حجاج الذي نفاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع ام الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ تهتف به وتقول.
هل من سبيل إلى خمر فأشربها* أم من سبيل إلى نصر بن حجاج(4/265)
عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأَتِي، وَإِنْ تَعْلَمْ هِيَ وَأَهْلُهَا بِإِسْلَامِي، فَلَا مَالَ لِي فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأُسْرِعَ السَّيْرَ، وَلِأَسْبِقَ الْخَبَرَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَمَعْنَاهُ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن نور، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا، وَأَنَا أُرِيدُ إِتْيَانَهُمْ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ، وَقُلْتُ شَيْئًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَقَالَ:
لِامْرَأَتِهِ حِينَ قَدِمَ: أَخْفِ عَلَيَّ وَاجْمَعِي مَا كَانَ عِنْدَكَ لِي، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فإنهم قد استجيبوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ فَفَشَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَاشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَبْلَغَ مِنْهُمْ وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْعَبَّاسَ فَعُقِرَ، وَجَعَلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ قُثَمُ، وَاسْتَلْقَى وَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
حيّ قُثَمْ شِبْهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ ... نَبِيِّ ذِي النِّعَمْ بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ
قَالَ مَعْمَرٌ: فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَأَرْسَلَ الْعَبَّاسُ غُلَامًا لَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ وَيْلَكَ مَا جِئْتَ بِهِ وَمَا تَقُولُ فَالَّذِي وَعَدَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتَ بِهِ، قَالَ الْحَجَّاجُ: يَا غُلَامُ أَقْرِئْ أَبَا الْفَضْلِ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: فَلْيَخَلُ لِي فِي بَعْضِ بُيوتِهِ فَآتِيَهِ فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْعَبْدُ بَابَ الدَّارِ، قَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرِحًا حَتَّى قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْحَجَّاجِ، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحَجَّاجُ فَأَخْبَرَهُ بِافْتِتَاحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَغُنْمِ أَمْوَالِهِمْ وَأَنَّ سِهَامَ اللهِ قَدْ جَرَتْ فِيهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ لِنَفْسِهِ وَخَيَّرَهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ، أَوْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ، وَلَكِنْ(4/266)
جِئْتُ لِمَالٍ كَانَ هَاهُنَا أَنْ أَجْمَعَهُ، فَأَذْهَبَ بِهِ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُولَ، فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْتُ، فَأَخْفِ عَلَيَّ يَا أَبَا الْفَضْلِ ثَلَاثًا، ثُمَّ اذْكُرْ مَا شِئْتَ.
قَالَ فَجَمَعَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَتَاعَهُ، ثُمَّ انْشَمَرَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ زَوْجُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ وَقَالَتْ: لَا يُحْزِنُكَ اللهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ، فَقَالَ: أَجَلْ لَا يُحْزِنُنِي اللهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللهِ إِلَّا مَا أَحْبَبْنَا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللهِ فِي خَيْبَرَ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ، لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ لَكِ فِي زَوْجِكِ حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ، قَالَتْ: أَظُنُّكَ وَاللهِ صَادِقًا. قَالَ: فَإِنِّي وَاللهِ صَادِقٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ لَكِ.
ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى أَتَى مَجَالِسَ قُرَيْشٍ وَهُوَ يَقُولُ إِذَا مَرَّ بِهِمْ: لَا يُصِيبُكَ إِلَّا خَيْرٌ يَا أَبَا الْفَضْلِ، قَالَ: لَا يُصِيبُنِي إِلَّا خَيْرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ خَبَّرَنِي الْحَجَّاجُ بِكَذَا وَكَذَا، وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِحَاجَتِهِ، فَرَدَّ اللهُ مَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ، حَتَّى دَخَلُوا عَلَى الْعَبَّاسِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ.
وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فَدَعَا الْعَبَّاسُ ابْنًا لَهُ يُدْعَى قُثَمَ وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ بِهِ تَشَدُّدًا لِأَعْدَاءِ اللهِ وَيَقُولُ. وَهُوَ يَرْتَجِزُ.
يَا ابْنَ شَيْبَةَ ذِي الْكَرَمْ ... فَحُزْتَ بِالْأَنْفِ الْأَشَمْ
يا بن ذِي نَعَمْ ... بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ
وَسَقَطَ الرَّجَزُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ فِي الرَّجَزِ.(4/267)
حيي قُثَمْ شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ ... نَبِيُّ ذِي النِّعَمْ بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ
أَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ [ (2) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 138- 139) ، عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وأخرجه ابن هشام في السيرة (3: 299) عن ابن إسحاق، وعنه نقله المصنف، وعن المصنف نقله ابن كثير في تاريخه (4: 215) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 216) .(4/268)
بَابُ انْصِرَافِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ خَيْبَرَ وَتَوَجُّهِهِ إِلَى وَادِي الْقُرَى [ (1) ] وَمَا قَالَ فِي شَأْنِ مَنْ أُصِيبَ وَقَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجل
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ، قَالَ: فَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَحْوَ وَادِي الْقُرَى وَقَدْ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ [ (2) ] الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ وَشِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عن القعنبي.
__________
[ (1) ] وادي القرى: واد كثير القرى بين المدينة والشام، وقيل: مدينة قديمة بين المدينة والشام..
[ (2) ] الشملة: كساء غليظ يلتحف به.(4/269)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ ابن الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُذَامِيُّ، قَدْ وَهَبَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، وَكَانَ يُرَحِّلُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِوَادِي الْقُرَى انْتَهَيْنَا إِلَى يَهُودَ، وَقَدْ ثَوى إِلَيْهَا نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَدِ اسْتَقْبَلَتْنَا يَهُودُ بِالرَّمْيِ حَيْثُ نَزَلْنَا، وَلَمْ نَكُنْ عَلَى تَعْبِئَةٍ وَهُمْ يَصِيحُونَ فِي آطَامِهِمْ [ (3) ] ، فَيُقْبِلُ سَهْمٌ عَائِرٌ [ (4) ] أَصَابَ مِدْعَمًا فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمقسم لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ وَشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ.
وَعَبَّى [ (5) ] رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، وَصَفَّهُمْ وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَرَايَةً إِلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إِلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَرَايَةً إِلَى عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ، وَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ، فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ، حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، كُلَّمَا قُتِلَ مِنْهُمْ رجل دعا من
__________
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (38) باب غزوة خيبر، وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الايمان، (46) باب غلظ تحريم الغلول وانه لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا المؤمنون.
[ (4) ] (سهم عائر) : لا يدرى راميه.
[ (5) ] في (أ) و (ح) : رسمت: «فعبا» .(4/270)
بَقِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْضُرُ يَوْمَئِذٍ فَيُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَمْسَوْا، وَغَدَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ حَتَّى أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَفَتَحَهَا عَنْوَةً، وَغَنَّمَهُ الله أموالهم وأصابوا إناثا وَمَتَاعًا كَثِيرًا.
فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْقُرَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَسَمَ مَا أَصَابَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَادِي الْقُرَى وَتَرَكَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِأَيْدِي يَهُودَ، وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا فَلَمَّا بَلَغَ يَهُودُ تَيْمَاءَ مَا وَطِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفَدَكَ وَوَادِيَ الْقُرَى، صَالَحُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ، وأقاموا بِأَيْدِيهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ.
فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخْرَجَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَلَمْ يُخْرِجْ أَهْلَ تَيْمَاءَ وَوَادِي الْقُرَى، لِأَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي أَرْضِ الشَّامِ، وَيَرَى أَنَّ مَا دُونَ وَادِي الْقُرَى إِلَى الْمَدِينَةِ حِجَازٌ، وَأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الشَّامِ.
فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ خَيْبَرَ، وَمِنْ وَرَاءِ وَادِي الْقُرَى وَغَنَّمَهُ اللهُ [ (6) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْجُرْفِ وَهُوَ يَقُولُ لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ،
قَالَتْ:
فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَطَرَقَ أَهْلَهُ فَوَجَدَ مَا يَكْرَهُ، فَخَلَّى سَبِيلَهَا وَلَمْ يَهِجْهُ [ (7) ] وَضَنَّ بِزَوْجَتِهِ أَنْ يُفَارِقَهَا وَكَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ وَكَانَ يُحِبُّهَا فَعَصَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فرأى ما يكره [ (8) ] .
__________
[ (6) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 709- 711) ، ونقله ابن كثير (4: 212) .
[ (7) ] اي لم يزعجه وينفره.
[ (8) ] مغازي الواقدي (2: 711- 712) .(4/271)
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى انْصَرَفُوا مِنْ خَيْبَرَ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ [ (1) ] مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَسَارَ لَيْلَةً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَنَا الْكَرَى عَرَّسَ [ (2) ] وَقَالَ لِبِلَالٍ «اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ» [ (3) ] قَالَ فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ [مُوَاجِهُ الْفَجْرِ] [ (4) ] فَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا
__________
[ (1) ] (قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) اي رجع. والقفول الرجوع. ويقال: غزوة وغزاة.
[ (2) ] (أدركه الكرى عرس) الكرى النعاس. وقيل: النوم. يقال منه: كرى، كرضى، يكرى كرى، فهو كر وامرأة كرية. والتعريس نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة. هكذا قاله الخليل والجمهور. وقال ابو زيد: هو النزول اي وقت كان من ليل او نهار.
[ (3) ] (اكلأ لنا الفجر) اي ارقبه واحفظه واحرسه. ومصدره الكلاء.
[ (4) ] (مواجه الفجر) أي مستقبله.(4/272)
بِلَالُ! قَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:
فَاقْتَادُوا [ (5) ] رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى لَهُمُ الصُّبْحَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ تعالى قال: أقم الصلاة لذكري» . [ (6) ] .
قَالَ يُونُسُ وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَأُهَا كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ قَالَ عَنْبَسَةُ يَعْنِي عَنْ يُونُسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِذِكْرِي لَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ [ (7) ] يَحْيَى كَذَا فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا.
وأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ المهرجاني الْعَدْلُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوسنجي، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا، حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ فَرَغُوا فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ، فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إن ينزلوا، وأن يتوضؤوا، وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ، وَيُقِيمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ
__________
[ (5) ] (اقتادوا) اي قودوا رواحكم لأنفسكم آخذين بمقاودها.
[ (6) ] [طه- 14] .
[ (7) ] مسلم في: 5- كتاب المساجد، (55) باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها الحديث (309) ، ص (1: 471) ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى.(4/273)
إِلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمْ يزل يهدّئه كما يهدي الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (8) ] .
فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَ رَجَعُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: مَنْ يَكْلَؤُنَا فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، قَالَ: فَفَعَلْنَا قَالَ فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ [ (9) ] .
كَذَا قَالَ غُنْدَرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ الَّذِي حَرَسَهُمْ لَيْلَتَئِذٍ كَانَ بِلَالًا، وَكَذَلِكَ قَالَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ الْحَارِسَ كَانَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ.
أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن سَهْلٍ الْمُجَوَّزُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، قَالَ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جامع بن
__________
[ (8) ] مالك في الموطأ في كتاب الصلاة، (26) .
[ (9) ] أخرجه ابو داود في الصلاة، الحديث (447) صفحة (1: 122) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى(4/274)
شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنْ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ إِنَّكَ تَنَامُ ثُمَّ عَادَ مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا ثُمَّ أَعَادَهُ مِرَارًا فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْتَ قَالَ فَحَرَسْتُهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ أَدْرَكَنِي قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ تَنَامُ، فَنِمْتُ فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فِي ظُهُورِنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى بِنَا الصُّبْحَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا تَنَامُوا عَنْهَا لَمْ تَنَامُوا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، فَهَكَذَا مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ إِبِلَ الْقَوْمِ تَفَرَّقَتْ، فَخَرَجَ النَّاسُ فِي طلبها فجاؤوا بِإِبِلِهِمْ إِلَّا نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: فخذها هَاهُنَا، فَأَخَذْتُ حَيْثُ قَالَ لِي فَوَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى عَلَى شَجَرَةٍ وَاللهِ مَا كَانَتْ تَحُلُّهَا يَدٌ، فَجِئْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، ونَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مبينا.
كَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ يُوسُفَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ هَذِهِ الْقِصَّةُ بَعْدَ ذِكْرِ نُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ
فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ لِنُزُولِ السُّورَةِ دُونَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنْ كَانَ التَّارِيخُ لَهُمَا جَمِيعًا فَيُشْبِهُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ وَقَعَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ وَقَعَ مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَا فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ حَدِيثًا فِي الْمِيضَأَةِ، وَلَا أَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ مَرْجِعَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ أَوْ وَقْتًا آخَرَ وَاسْتَخَرْتُ اللهَ تَعَالَى فِي اسْتِخْرَاجِ حَدِيثِهِمَا هَاهُنَا فَوَقَعَتِ الْخِيَرَةُ عَلَى ذَلِكَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَرْجِعَهُمْ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَرَوَى زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَاللهُ أَعْلَمُ.(4/275)
بَابُ ذِكْرِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمَا ظَهَرَ فِي خَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ صَاحِبَةِ الْمَزَادَتَيْنِ، ثُمَّ فِي مَاءِ الْمَزَادَتَيْنِ حِينَ أُتِيَ بِهِ وَفِي بَقِيَّةِ الْمَاءِ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ:
فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَأَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا، قَالَ: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِ امْرَأَةً بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، امْرَأَةً مَعَهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ مَزَادَتَانِ [ (1) ] فَأْتِيَانِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَيَا الْمَرْأَةَ فَوَجَدَاهَا قَدْ رَكِبَتْ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ، فَقَالَا لَهَا: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَمَنْ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَهُوَ الصابئي، قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، فجاء بِهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ فِي إِنَاءٍ مِنْ مَزَادَتَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ عَادَ الْمَاءُ فِي الْمَزَادَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِعَزْلَاءِ الْمَزَادَتَيْنِ فَفُتِحَتْ ثُمَّ أَمَرَ الناس فملؤوا آنِيَتَهُمْ وَأَسْقِيَتَهُمْ، فَلَمْ يَدَعُوا يَوْمَئِذٍ إِنَاءً وَلَا سِقَاءً الا ملؤوه.
قَالَ عِمْرَانُ: فَكَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهَا لَمْ تَزْدَدْ إِلَّا امْتِلَاءً، قَالَ: فَأَمَرَ النبي
__________
[ (1) ] المزاد أكبر من القربة، والمزادتان حمل بعير.(4/276)
صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهَا فَبُسِطَ ثُمَّ أَمَرَ أصحابه فجاؤوا مِنْ زَادِهِمْ حَتَّى مَلَأَ لَهَا ثَوْبَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي فَإِنَّا لَمْ نَأْخُذْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَقَانَا، قَالَ:
فَجَاءَتْ أَهْلَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ، فَقَالَتْ: جِئْتُكُمْ مِنْ أَسْحَرِ النَّاسِ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، قَالَ: فَجَاءَ أَهْلُ ذَلِكَ الْحِوَاءِ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أحمد ابن حَنْبَلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِيَانِ ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا تِلْكَ الْوَقْعَةَ وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، قَالَ: فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ: فُلَانٌ- كَانَ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ ثُمَّ فُلَانٌ، وَنَسِيَهُمْ عَوْفٌ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا أَجْوَفَ جَلِيدًا، قَالَ: فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوَا الَّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ: لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ.
ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ النَّاسُ الْعَطَشَ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ وَنَسِيَهُ عَوْفٌ، وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: اذْهَبَا فَابْغِيَانَا الْمَاءَ، قَالَ:(4/277)
فَانْطَلَقَا فَيَلْقَيَانِ امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا:
أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، قَالَ: فَقَالَا لَهَا فَانْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ لِي: أَيْنَ؟ قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي إِذًا.
فَجَاءَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ يَعْنِي فَمَضْمَضَ فِي الْمَاءِ وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ، أَوِ السطيحتين، وأوكا أفواههما وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ [ (2) ] وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أَنِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا فسقا مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شاء، فكان آخر من ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ:
اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ، قَالَ: وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ بِمَائِهَا، قَالَ: وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أَقْلَعَ عَنْهَا وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْئًا [ (3) ] مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْمَعُوا لَهَا فَجَمَعَ لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا طَعَامًا كَثِيرًا وَجَعَلُوهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْلَمِينَ وَاللهِ مَا رَزَيْنَاكِ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ سَقَانَا» .
قَالَ: فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتِ:
الْعَجَبُ! لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ بِمَائِي كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَدْ كان، قال: فو الله أنه لا سحر مَنْ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ، وَقَالَتْ بِأُصْبُعِهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ تَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا، قَالَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ يُغِيرُونَ عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ
__________
[ (2) ] وفي البخاري: «العزلاوين» ، وهو المتعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء.
[ (3) ] وفي البخاري أنها تنض من الملء.(4/278)
الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ [ (4) ] الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أَدْرِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا فَهَلْ لَكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عند مُسَدَّدٍ [ (5) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ [ (6) ] عَوْفٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّاجِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا فَسَارَ بِأَصْحَابِهِ وَأَنَّهُمْ عَرَّسُوا قَبْلَ الصُّبْحِ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ فَسَبَّحَ وَكَبَّرَ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُوقِظَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَاسْتَيْقَظَ رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ، فَسَبَّحَ وَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ جِدًّا، حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
يَا رَسُولَ اللهِ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ، فَقَالَ: لَمْ تَفُتْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَرَكِبُوا وَسَارُوا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلُوا مَعَهُ، وَكَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي نَامَ فِيهِ عَنِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «ائْتُونِي بِمَاءٍ» ، فَأَتَوْهُ بِجُرَيْعَةٍ مِنْ مَاءٍ فِي مَطْهَرَةٍ، فَصَبَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَوَضَّئُوا، فَتَوَضَّأَ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ أمر
__________
[ (4) ] (الصرم) : أبيات مجتمعة.
[ (5) ] البخاري عن مسدد في كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم بكفيه الماء فتح الباري (1: 447) .
[ (6) ] مسلم في: 5- كتاب المساجد الحديث (312) ، ص (1: 476) .(4/279)
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ، فَنُودِيَ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَائِمٌ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، قَالَ فَتَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَصَلِّ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ الْمَاءُ مِنْهُمْ، فَبَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَطْلُبُونَ لَهُ الْمَاءَ، فَانْطَلَقَ فِي نَفَرٍ فَسَارَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ثُمَّ لَقِيَ امْرَأَةً عَلَى رَاحِلَةٍ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ فَقَالَتْ: أَقْبَلْتُ إِنِّي اسْتَقَيْتُ لِأَيْتَامٍ، فَلَمَّا قَالَتْ لَهُ وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَاللهِ لَئِنِ انْطَلَقْنَا لَا نَبْلُغُ حَتَّى تَهْلِكَ دَوَابُّنَا، وَيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: بَلْ نَنْطَلِقُ بِهَاتَيْنِ الْمَزَادَتَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تنظر فِي ذَلِكَ.
فَلَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه وَأَصْحَابُهُ وَجَاءُوا بِالْمَرْأَةِ عَلَى بعيرها بين مزادتيهما فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللهِ: بِأَبِي وَأُمِّي إِنَّا وَجَدْنَا هَذِهِ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمَاءِ فَزَعَمَتْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ أَوْ زِيَادَةً، فَظَنَنَّا أَنْ لَمْ نَبْلُغْهُ حَتَّى يَهْلِكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَنِيخُوا لَهَا بَعِيرَهَا، فَأَنَاخُوا بِهَا بَعِيرَهَا، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَتِ: اسْتَقَيْتُ لِأَيْتَامٍ، وَقَدِ احْتبَسْتُ عَلَيْهِمْ جِدًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي بإناء فجاؤوا بِإِنَاءٍ، فَقَالَ: افْتَحُوا عَزْلَاءَ هَذِهِ الْمَزَادَةِ فَخُذُوا مِنْهَا مَاءً يَسِيرًا، ثُمَّ افْتَحُوا عَزْلَاءَ هَذِهِ فَخُذُوا مِنْهَا مَاءً يَسِيرًا أَيْضًا، فَفَعَلُوا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَعَا فِيهِ وَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَ: افْتَحُوا لِي أَفْوَاهَ الْمَزَادَتَيْنِ، فَفَتَحُوا فَحَثَا فِي هَذِهِ قَلِيلًا وَفِي هَذِهِ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: اشْرَبُوا، فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ قَالَ: اسْقُوا ظَهْرَكُمْ فَسَقَوَا الظَّهْرَ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاتُوا مَا كَانَ لَكُمْ مِنْ قِرْبَةٍ أَوْ مطهرة فاملؤوها» فجاؤوا بقربهم ومطاهرهم فملؤوها، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «شُدُّوا عَزْلَاءَ هَذِهِ، وَعَزْلَاءَ هَذِهِ، ثُمَّ قَالَ: ابْعَثُوا الْبَعِيرَ» فَبَعَثُوهَا فَنَهَضَتْ وَإِنَ المزادتين لتكاد ان تَفُطَّانِ مِنْ مَلْئِهِمَا ثُمَّ اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِسَاءَ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ(4/280)
قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَاتُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ بِالْكُسَيْرَةِ مِنَ الْخُبْزِ، وَالشَّيْءِ مِنَ التَّمْرِ، حَتَّى جَمَعَ لَهَا، ثُمَّ أَخَذَ كِسَاءَهَا ذَلِكَ فَشَدَّهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: خُذِي هَذَا لِأَيْتَامِكِ، وَهَذَا مَاؤُكِ وَافِرًا،
فَجَعَلَتْ تَعْجَبُ مِمَّا رَأَتْ ثُمَّ انْطَلَقَتْ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا فَقَالُوا قَدِ احْتبَسْتِ عَلَيْنَا فَمَا حَبَسَكِ؟ قَالَتْ حَبَسَنِي أَنِّي رَأَيْتُ عَجَبًا مِنَ الْعَجَبِ! أَرَأَيْتُمْ مَزْادَتَيَّ هَاتَيْنِ فو الله لَقَدْ شَرِبَ مِنْهُمَا قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ بَعِيرًا وَأَخَذُوا مِنَ الْقِرَبِ وَالْمَزَادِ وَالْمَطَاهِرِ مالا أُحْصِي، ثُمَّ إِنَّهُمَا الْآنَ أَوْفَرُ مِنْهُمَا يَوْمَئِذٍ فَلَبِثَتْ شَهْرًا أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.(4/281)
بَابُ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي أَمْرِ الْمِيضَأَةِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ احْتَبَسَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ: أَنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَرْشُدُوا، ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو محمد عبد الله بن يوسف الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، ثُمَّ تَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ [ (1) ] فِي الْمَسِيرِ.
قال أبو قتادة: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ [ (2) ] اللَّيْلُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ فَنَعَسَ [ (3) ] النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَالَ عَلَى رَاحِلَتِهِ [فَأَتَيْتُهُ] ، فَدَعَمْتُهُ [ (4) ] مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا تَهَوَّرَ اللَّيْلُ [ (5) ] مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ
__________
[ (1) ] (لَا يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ) : أي لا يعطف.
[ (2) ] (ابهار الليل) اي انتصف.
[ (3) ] (فنعس) النعاس مقدمة النوم.
[ (4) ] (فدعمته) أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدمامة للبناء فوقها.
[ (5) ] (تهور الليل) اي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده.(4/282)
السَّحَرِ، فَمَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ [ (6) ] فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ قَالَ مُذْ كَمْ كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ: قُلْتُ مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مِنْكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ: حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ [ (7) ] ، ثُمَّ قَالَ: تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ ثُمَّ قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ فَاجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ [ (8) ] ، فَمَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، فَقُمْنَا فَزِعِينَ، فَقَالَ: ارْكَبُوا، فَسِرْنَا حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ.
قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ [ (9) ] كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأْنَا مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ [ (10) ] ، وَبَقِيَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ.
ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ، سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ، ثُمَّ نَادَى بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبْنَا فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ [ (11) ] مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا الَّذِي تَهْمِسُونَ دُونِي، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللهِ تَفْرِيطُنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ [ (12) ] ثم قال:
__________
[ (6) ] (ينجفل) أي يسقط.
[ (7) ] (بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ) أي بسبب حفظك نبيه.
[ (8) ] (سبعة ركب) هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره.
[ (9) ] (بميضأة) هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة.
[ (10) ] (وضوءا دون وضوء) أي وضوءا خفيفا.
[ (11) ] (يهمس إلى بعض) أي يكلمه بصوت خفي.
[ (12) ] (أسوة) الأسوة كالقدوة والقدوة، هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا وان سارا وإن ضارا. ولهذا قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله حسنة. فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب.(4/283)
«إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ [ (13) ] إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَسْتَيْقِظُ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا [قَالَ] ثُمَّ قَالَ [ (14) ] :
أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَسُولُ اللهِ بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَالَ نَاسٌ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ أَوْ قَالَ حِينَ ذَهَبَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا نَبِيَّ اللهِ هَلَكْنَا وَعَطِشْنَا، فَقَالَ: لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ [ (15) ] ثُمَّ قَالَ: أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي [ (16) ] يَعْنِي الْقَدَحَ الصَّغِيرَ فَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ فَلَمْ يَعُدْ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَا فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا [ (17) ] عَلَيْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسِنُوا الْمَلْأَ [ (18) ] كُلُّكُمْ سَيَرْوَى، ثُمَّ قَالَ: أَحْسِنُوا الرُّعَةَ، فَفَعَلُوا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ، حَتَّى مَا بَقِيَ أَحَدٌ غَيْرِي، وَغَيْرُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ صَبَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اشْرَبْ فَقُلْتُ لَا أَشْرَبُ حَتَّى يَشْرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ان ساقي
__________
[ (13) ] (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) أي تقصير في فوت الصلاة لانعدام الاختيار من النائم.
[ (14) ] (مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا قَالَ ثُمَّ قَالَ.. إلخ) قال النووي: معنى هذا الكلام أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم لما صلى بهم الصبح، بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس. وانقطع النبي صلى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم
قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ فسكت القوم. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم: أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم وراءكم. ولا تطيب نفسه ان يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم. فينبغي لكم ان تنتظروه حتى يلحقكم. وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنهما على الصواب.
[ (15) ] (لأهلك عليكم) أي لا هلاك.
[ (16) ] (أطلقوا لي غمرى) أي ايتوني به. والغمر القدح الصغير.
[ (17) ] (فَلَمْ يَعُدْ أَنْ رَأَى الناس ماء فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا) أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، اي تزاحمهم عليها، مكبا بعضهم على بعض.
[ (18) ] (أحسنوا الملأ) الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما احسن ملأ فلان اي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم. ذكره الجوهري وغيره. وانشد الجوهري:
تنادوا يال بهثة إذ رأونا* فقلنا: أحسني ملأ جهينا(4/284)
الْقَوْمِ آخِرُهُمْ فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً [ (19) ] .
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ إِنِّي لَأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ [ (20) ] فَقَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قُلْتُ يَا أَبَا نُجَيْدٍ حَدِّثْ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ، قُلْتُ: مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حِفْظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ [ (21) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ (22) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ.
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَخَلَّفَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، وَتَخَلَّفْتُ عَنْهُ بِمِيضَأَةٍ، وَهِيَ الْإِدَاوَةُ، قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَنِي فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيضَأَةِ فَتَوَضَّأَ، وَقَالَ لِي احْفَظْهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لِبَقِيَّتِهَا شَأْنٌ وَسَارَ الْجَيْشُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أن يطيعوا أبا بكر وَعُمَرَ يَرْفُقُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ يَعْصُوهُمَا يَشُقُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَشَارَا عَلَيْهِمْ أَنْ لا
__________
[ (19) ] (جامين رواء) أي مستريحين قد رووا من الماء. والرواء ضد العطاش جمع ريان وريّا مثل عطشان وعطشى.
[ (20) ] (في مسجد الجامع) هو من باب إضافة الموصوف الى صفته. فعند الكوفيين يجوز ذلك بغير تقدير. وعند البصريين لا يجوز إلا بتقدير. ويتأولون ما جاء بهذا بحسب مواطنه. والتقدير هنا:
مسجد المكان الجامع. وفي قول الله تعالى: وما كنت بجانب الغربي، اي المكان الغربي.
وقوله تعالى: ولدار الآخرة، أي الحياة الآخرة.
[ (21) ] (حفظته) ضبطناه، حفظته بضم التاء وفتحها. وكلاهما حسن.
[ (22) ] أخرجه مسلم في: 5- كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، (55) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، الحديث (311) عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، ص (1: 472) .(4/285)
يَنْزِلُوا حَتَّى لَا يَبْلُغُوا الْمَاءَ، وَقَالَ بَقِيَّةُ النَّاسِ: بَلْ نَنْزِلُ حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا فَجِئْنَاهُمْ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَقَدْ هَلَكُوا مِنَ الْعَطَشِ فَدَعَانِي بِالْمِيضَأَةِ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَاصْطَبَّها ثُمَّ جَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ فَشَرِبُوا حَتَّى رووا، وتوضئوا وملؤوا كُلَّ إِنَاءٍ مَعَهُمْ، حَتَّى جَعَلَ يَقُولُ: هَلْ مِنْ مَائِي؟ قَالَ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهَا كَمَا أَخَذَهَا وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلًا.(4/286)
بَابُ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا مَنَحَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَا فَتَحَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ النَّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ وخَيْبَرَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَدِمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، وَكَانَ الْأَنْصَارُ أَهْلَ أَرْضٍ وَعَقَارٍ [ (1) ] فَقَاسَمَهُمُ الْأَنْصَارُ عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ والمؤونة، وَكَانَتْ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تُدْعَى أُمَّ سُلَيْمٍ، وَكَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ أَخَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا [ (2) ] لَهَا فَأَعْطَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتُهُ: أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ الى المدينة ردّ المهاجرون إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ [ (3) ] الَّتِي
__________
[ (1) ] (العقار) أراد بالعقار هنا النخل،
[ (2) ] (العذاق) جمع عذق، وهي النخلة.
[ (3) ] (منائح) جمع منيحة وهي المنحة.(4/287)
كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ، وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّي عِذَاقَهَا وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضِنُهُ حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى وَالْمَنِيعِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابُ بْنُ خَيَّاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لَهُ مِنْ مَالِكِ النَّخَلَاتِ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ قَالَ فَجَعَلَ يَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ [أَنَسٌ] وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنِّي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ أَوْ كَمَا شَاءَ اللهُ، قَالَ:
فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِيهِنَّ، قَالَ: فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي وَجَعَلَتْ تَقُولُ: كَلَّا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُعْطِيكَهُنَّ وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ، قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ أَيْمَنَ اتْرُكِي وَلَكِ كَذَا وَكَذَا» ، تَقُولُ: كَلَّا، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: كَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا عَشْرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْ عشرة أمثالها.
__________
[ (4) ] مسلم عن حرملة في: 32- كتاب الجهاد والسير، (24) باب رَدَّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ منائحهم من الشجر والتمر، حين استغنوا عنها بالفتوح، الحديث (70) ، ص (1391) .(4/288)
وَقَالَ شَبَابٌ فَلَوَتِ الثَّوْبَ مِنْ عُنُقِي وَقَالَ أَيْضًا، قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِ كَذَا لَكِ كَذَا» حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَهِيَ تَقُولُ: كَلَّا، وَاللهِ حَتَّى أُعْطَى عشرة أَمْثَالِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَهُوَ شَبَابٌ [ (5) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (6) ] .
__________
[ (5) ] أخرجه البخاري عن شباب، في المغازي، (30) بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم من الأحزاب، الحديث (4120) ، فتح الباري (8: 410) .
[ (6) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (24) باب رَدَّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ منائحهم، الحديث (71) ص (1392) .(4/289)
جُمَّاعُ أَبْوَابِ السَّرَايَا الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَبْلَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِالْوَاضِحِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى نَجْدٍ قِبَلَ بَنِي فَزَارَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عِكْرِمَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إياس ابن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى فَزَارَةَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ عَرَّسَ بِنَا أَبُو بَكْرٍ حَتَّى إِذَا مَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ أَمَرَنَا فَشَنَنَّا الْغَارَةَ فَوَرَدْنَا الْمَاءَ، فَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ قَتَلَ، وَنَحْنُ مَعَهُ.
قَالَ سَلَمَةُ فَرَأَيْتُ عُنُقًا [ (1) ] مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ [ (2) ] فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ فَأَدْرَكْتُهُمْ فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوَا السَّهْمَ، قَامُوا فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فِيهِمْ عَلَيْهَا قِشَعٌ [ (3) ] مِنْ أَدَمٍ مَعَهَا ابْنَتُهَا مِنْ أَحْسَنِ
__________
[ (1) ] (عنق من الناس) جماعة.
[ (2) ] (الذراري) النساء والصبيان.
[ (3) ] (القشع) : النطع.(4/290)
الْعَرَبِ فَجِئْتُ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ بَاتَتْ عِنْدِي فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» .
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ وَاللهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، قَالَ يَا سَلَمَةُ:
هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ، قُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَا بِهَا أَسْرَى [ (4) ] مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ.
__________
[ (4) ] في مسلم: «ناس» .
[ (5) ] صحيح مسلم في: 32 كتاب الجهاد والسير، (14) باب التنفيل، الحديث (46) ص (1375) .(4/291)
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى عَجُزِ هَوَازِنَ وَرَاءَ مَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى تُرَبَةِ عَجُزِ [ (1) ] هَوَازِنَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فَخَرَجَ عُمَرُ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُونَ النَّهَارَ، فَأَتَى الْخَبَرُ هَوَازِنَ فَهَرَبُوا، وَجَاءَ عُمَرُ مَحَالَّهُمْ، فَلَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَانْصَرَفَ عُمَرُ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى سَلَكَ النَّجْدِيَّةَ فَلَمَّا كَانُوا بِالْجَدَدِ، قَالَ الْهِلَالِيُّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: هَلْ لَكَ فِي جَمْعٍ آخَرَ تَرَكْتُهُ مِنْ خَثْعَمٍ جَاءُوا سَائِرِينَ قَدْ أَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، إِنَّمَا أَمَرَنِي أَنْ أَصْمُدَ لِقِتَالِ هَوَازِنَ بِتُرَبَةَ، فَانْصَرَفَ عُمَرُ راجعا الى المدينة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (عجز هوازن) بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم بن بكر. (وتربة) : موضع بناحية العبلاء على اربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران.
[ (2) ] الخبر بهذا الاسناد رواه الواقدي في الْمَغَازِي (2: 722) .(4/292)
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ [ (1) ] إِلَى يسير [ (2) ] بن رزام اليهودي وَمَا ظَهَرَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ مِنَ الصِّحَّةِ بِبَرَكَةِ بُصَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِيهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا كَذَا قَالَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ابي
__________
[ (1) ] قال الصالحي في السيرة الشامية (6: 178) :
ذكر البيهقي وتبعه في زاد المعاد: هذه السرية بعد خيبر. قال في النور: (وهو الذي يظهر فإنهم قالوا أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إليك ليستعملك على خيبر، وهذا الكلام لا يناسب أن يقال إنها قبل الفتح والله اعلم) . قلت: كونها قبل خيبر أظهر، قال في القصة إنه سار في غطفان وغيرهم لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بموافقة يهود ذلك. وذلك قبل فتح خيبر قطعا إذ لم يصدر من يهود بعد فتح خيبر شيء من ذلك. وقول الصحابة لأسير بن رزام أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إليك ليستعملك على خيبر لا ينافي ذلك لأن مرادهم باستعماله المصالحة وترك القتال والاتفاق على أمر يحصل له بذلك والله اعلم.
[ (2) ] وقيل: أسير.(4/293)
أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ السُّلَمِيُّ إِلَى اليسير ابن رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ، حَتَّى أَتَوْهُ بِخَيْبَرَ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِيَغْزُوهُ بِهِمْ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَعْمِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى تَبِعَهُمْ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَدِيفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغُوا قَرْقَرَةَ ثِبَارٍ [ (3) ] وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ البشير، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى سَيْفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَفَطِنَ لَهُ عَبْدُ اللهِ فَزَجَرَ بَعِيرَهُ ثُمَّ اقْتَحَمَ يَسُوقُ بِالْقَوْمِ حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنَ من السّير ضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا وَاقْتَحَمَ الْيُسَيْرُ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ [ (4) ] مِنْ شَوْحَطٍ فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ عَبْدِ اللهِ شَجَّةً مأمومة [ (5) ] كل رجل كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَدِيفِهِ فَقَتَلَهُ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ أَعْجَزَهُمْ شَدًّا وَلَمْ يُصَبْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ وقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَلَمْ تَقْحُ وَلَمْ تُؤْذِهِ حَتَّى مَاتَ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة [ (6) ] .
__________
[ (3) ] (ثبار) : موضع على ستة أميال من خيبر. معجم البلدان (3: 5) .
[ (4) ] (المخرش) عصا معوجة الرأس.
[ (5) ] الشجة المأمومة: التي تبلغ ام الرأس والدماغ.
[ (6) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ نقلها ابن كثير في التاريخ (4: 221) .(4/294)
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ إِلَى بَنِي مُرَّةَ، وَسَرِيَّةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا إِلَى بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكٍ، فَخَرَجَ فَلَقِيَ رِعَاءَ الشَّاءِ [ (1) ] فَاسْتَاقَ الشَّاءَ وَالنَّعَمَ مُنْحَدِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَدْرَكَهُ الطَّلَبُ عِنْدَ اللَّيْلِ، فباتوا يرامونهم بِالنَّبْلِ، حَتَّى فَنِيَتْ نَبْلُ أَصْحَابِ بَشِيرٍ، فَأَصَابُوا أَصْحَابَهُ وَوَلَّى مِنْهُمْ مَنْ وَلَّى، وَقَاتَلَ بَشِيرٌ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى ضُرِبَ كَعْبَاهُ، وَقِيلَ: قَدْ مَاتَ، وَرَجَعُوا بِنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمْ وَتَحَامَلَ بَشِيرٌ حَتَّى انْتَهَى إِلَى فَدَكَ، فَأَقَامَ عِنْدَ يَهُودِيٍّ حَتَّى ارْتَفَعَ مِنَ الْجِرَاحِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَيْهِمْ حَتَّى أَتَاهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْخُدْرِيُّ بِالْخَبَرِ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في المغازي بعده: فسأل: أين الناس؟ فقالوا: هم في بواديهم، والناس يومئذ شاتون لا يحضرون الماء، فاستاق النعم..
[ (2) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 723) .(4/295)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَحَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ الْأذَانُ قَالَ كَانَ مَعَ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا دَنَا غَالِبٌ مِنْهُمْ بَعَثَ الطَّلَائِعَ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُ فَأَقْبَلَ غَالِبٌ يُشِيرُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ مِنْهُمْ لَيْلًا وَقَدِ احْتَلَبُوا وَهَدَءُوا [ (3) ] قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِي وَلَا تَعْصُونِي، وَلَا تُخَالِفُوا لِي أَمْرًا، فَإِنَّهُ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ، ثُمَّ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلَانُ،! أَنْتَ وَفُلَانُ، وَقَالَ: يا فلان! أنت، وفلان لَا يُفَارِقْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ زَمِيلَهُ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يُرْفَعَ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَقُولَ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، وَإِذَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، وَجَرِّدُوا السُّيُوفَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِحَاطَتِهِمْ بِهِمْ قَالَ وَوَضَعْنَا السُّيُوفَ حَيْثُ شينا مِنْهُمْ وَنَحْنُ نَصِيحُ بِشِعَارِنَا أمت أمت، وخرج وَخَرَجَ أُسَامَةُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ مِرْدَاسٍ، فَأَبْعَدَ فقاله أَمِيرُنَا: أَيْنَ أُسَامَةُ فَجَاءَنَا بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَامَهُ أَمِيرُنَا، فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُ وَلَحَمْتُهُ السَّيْفَ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ أَمِيرُنَا: أَغْمَدْتَ سَيْفَكَ؟
قَالَ: لَا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُ حَتَّى أَوْرَدْتُهُ شَعُوبَ، قَالَ: قُلْنَا بِئْسَ وَاللهِ مَا صَنَعْتَ وَمَا جِئْتَ به تقتل امرءا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَنَدِمَ وَسُقِطَ فِي يَدَيْهِ.
قَالَ فَاسْتَقْنَا الْغَنَمَ وَالنِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ، وَكَانَتْ سِهَامُهُمْ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الْغَنَمِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابن
__________
[ (3) ] في المغازي: «وقد اجتلبوا وعطنوا وهدأوا» والمعنى: انهم سقوا الإبل ثم أناخوها وحبسوها عند الماء.
[ (4) ] مغازي الواقدي (2: 724- 725) .(4/296)
إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عبد الله الكلبي كلب لَيْثٍ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ ابن نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنَ الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أسامة ابن زَيْدٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعْنِي مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السِّلَاحَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَاهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ! مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَقَالَ: فَمَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلَامِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهْدًا أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ فَقُلْتُ بَعْدَكَ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ، يُحَدِّثُ قَالَ أَتَيْنَا الْحُرَقَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا
__________
[ (5) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 231) .(4/297)
كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْبَزَّازُ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ ابراهيم البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم غالب بن عبد الله الْكَلْبِيَّ- كَلْبَ لَيْثٍ- إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ، وَكُنْتُ فِي سَرِيَّتِهِ فَمَضَيْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِقُدَيْدٍ لَقِينَا بِهِ الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيَّ، فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ مُسْلِمًا فَلَا يَضُرُّكَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ قَالَ فَأَوثَقَهُ رِبَاطًا وَخَلَّفَ عَلَيْهِ رُوَيْجِلًا أَسْوَدَ كَانَ مَعَنَا، قَالَ: امْكُثْ مَعَهُ حَتَّى نَمُرَّ عَلَيْكَ فَإِنْ نَازَعَكَ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ الْكَدِيدِ فَنَزَلْنَا عَشِيَّةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَبَعَثَنِي أَصْحَابِي إِلَيْهِ فَعَمِدْتُ إِلَى تَلٍّ يُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ فَانْبَطَحْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَنَظَرَ فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَّلِّ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ، إِنِّي لَأَرَى سَوَادًا عَلَى هَذَا التَّلِّ مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لَا تَكُونُ الْكِلَابُ اجْتَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَفْقِدُ شيئا. قال: فناولني قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ نَبْلِي، فَنَاوَلَتْهُ فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي جَبِينِي أَوْ قَالَ في جنبي،
__________
[ (6) ] أخرجه البخاري في المغازي، فتح الباري (7: 517) ، ومسلم في الإيمان عن يعقوب الدورقي.(4/298)
فَنَزَعْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ، وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، ثم رماني بالآخر فوضعته فِي رَأْسِ مَنْكِبِي، فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَانِ وَلَوْ كَانَ رِيبَةً لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتُ فَابْتَغِي سَهْمَيَّ فَخُذِيهِمَا لَا تَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكِلَابُ قَالَ: وَمَهَّلْنَا حَتَّى إِذَا رَاحَتْ روايحهم، وَحَتَّى إِذَا أَحْلَبُوا وَعَطَنُوا وَسَكَنُوا وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ فَقَتَلْنَا مَنْ قَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ بِهِ، وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُغَوِّثًا قَالَ وَخَرَجْنَا سراعا حتى تمرّ بالحارث ابن مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَتَانَا صريخ الناس فجاءنا مالا قِبَلَ لَنَا بِهِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلَّا بَطْنُ الْوَادِي من قديد، فبعثه اللهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مطرا ولا حال، فَجَاءَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أحد يُقْدِمَ عَلَيْهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وقُوفًا يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا، مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا وَنُحْذِرُهَا- شَكَّ النُّفَيْلِيُّ- فَذَهَبْنَا سِرَاعًا حَتَّى أَسْنَدْنَا بِهَا فِي الْمَسْلَكِ، ثُمَّ حَدَرْنَا عَنْهُ، فَأَعْجَزْنَا الْقَوْمَ بِمَا فِي أَيْدِينَا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: كَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَرِيَّةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيِّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ أَمِتْ أَمِتْ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قال: حدثنا
__________
[ (7) ] رواه ابو داود مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ في روايته عبد الله بن غالب، والصواب: غالب بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَذَكَرَ الواقدي هذه القصة بإسناد آخر، وقال فيه: كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مائة وثلاثون رجلا، وعنهما وعن المصنف نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 223) .
[ (8) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 220) .(4/299)
الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ عُتْبَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَهُ يَسَارٌ مَوْلَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ غِرَّةً مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَأَرْسِلْ مَعِي إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَذَكَرَ قِصَّةً فِي كَيْفِيَّةِ مَسِيرِهِمْ حَتَّى فَنِيَتْ أَزْوَادُهُمْ وَاقْتَسَمُوا التَّمْرَ عَدَدًا وَانْتَهَوْا إِلَى ضِرْسٍ [ (9) ] مِنَ الْحَرَّةِ قَالَ غَالِبٌ انْطَلِقْ بِنَا يَا يَسَارُ أَنَا وَأَنْتَ [وَنَدَعَ الْقَوْمَ] [ (10) ] كمينّا، فَفَعَلَا حَتَّى إِذَا كُنَّا مِنَ الْقَوْمِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ سَمِعْنَا حِسَّ النَّاسِ وَالرِّعَاءِ وَالْحَلْبِ، فَرَجَعَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى أَصْحَابِهِمَا، فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ الْحَيِّ قَرِيبًا وَقَدْ وَعَظَهُمْ أَمِيرُهُمْ غَالِبٌ وَرَغَّبَهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْإِمْعَانِ فِي الطَّلَبِ، وَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ: إِذَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، قَالَ: وَكَبَّرَ فَكَبَّرُوا مَعَهُ جَمِيعًا وَرَفَعُوا وَسْطَ مَحَالِّهِمْ، فَاسْتَاقُوا نَعَمًا وَشَاءً، وَقَتَلُوا مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ، وَصَادَفُوهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ:
الْمَيْضَعَةُ [ (11) ]
__________
[ (9) ] (الضرس) : الأكمة.
[ (10) ] الزيادات في النص المشار إليها بالحاصرتين من مغازي الواقدي.
[ (11) ] رواه الواقدي في الْمَغَازِي (2: 726- 727) .(4/300)
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى جَنَابٍ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عبادة، عن بشير ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ حُسَيْلُ بْنُ نُوَيْرَةَ [ (2) ] وَكَانَ دَلِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيْنَ يَا حُسَيْلُ» ؟ قَالَ مِنْ يَمَنٍ وَجَنَابٍ قَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ تَرَكْتُ جَمْعًا مِنْ يَمَنٍ وَغَطَفَانَ وَجَنَابٍ [ (3) ]
قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ عُيَيْنَةَ: إِمَّا أَنْ يَسِيرُوا إِلَيْنَا، وَإِمَّا أَنْ نَسِيرَ إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلُوا أَنْ سِرْ إِلَيْنَا، وَهُمْ يُرِيدُونَكَ أَوْ بَعْضَ أَطْرَافِكَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَذَكَرَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَقَالَا جَمِيعًا: ابْعَثْ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، فَعَقَدَ لَهُ لواء،
__________
[ (1) ] في الأصل: «الجنان» ، مصحفا، والجناب من ارض غطفان.
[ (2) ] (حسيل بن نويرة) : ترجم له ابن حجر في الإصابة، وقال: «حسيل بالتصغير»
وقيل: ابن نويرة الأشجعي، قال: قدمت المدينة في جلب أبيعه، فأتى بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا حسيل! هل لك ان أعطيك عشرين صاع من تمر على أن تدل اصحابي على طريق خيبر؟» ففعلت،
قال:
فأعطاني، فذكر القصة، قال: فأسلمت.
[ (3) ] في المغازي: «تركت جمعا من غطفان بالجناب» .(4/301)
وَبَعَثَ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا اللَّيْلَ وَيَكْمُنُوا النَّهَارَ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ حُسَيْلٌ دَلِيلًا فَسَارُوا اللَّيْلَ وَكَمَنُوا النَّهَارَ حَتَّى أَتَوْا أَسْفَلَ خَيْبَرَ، فَنَزَلُوا سِلَاحَ [ (4) ] ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْقَوْمِ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِغَارَتِهِمْ عَلَى سَرْحِ الْقَوْمِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ جَمْعَهُمْ فَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ فَخَرَجَ بَشِيرٌ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى مَحَالَّهُمْ فَيَجِدُوهَا وَلَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، فَرَجَعَ بِالنَّعَمِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِسِلَاحَ رَاجِعِينَ لَقُوا عَيْنًا [ (5) ] لِعُيَيْنَةَ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ لَقُوا جَمْعَ عُيَيْنَةَ وَعُيَيْنَةُ لَا يَشْعُرُ بِهِمْ، فَنَاوَشُوهُمْ حَتَّى انْكَشَفَ جَمْعُ عُيَيْنَةَ، وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فَأَسَرُوهُمَا، فَقَدِمُوا بِهِمَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَا، فَأَرْسَلَهُمَا.
قَالَ وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَلَقِيَهُ مُنْهَزِمًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَتِيقٍ يعدوا بِهِ عَدْوًا سَرِيعًا فَاسْتَوْقَفَهُ الْحَارِثُ فَقَالَ: لَا، مَا أَقْدِرُ! خَلْفِي الطَّلَبُ، أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ يَرْكُضُ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ أَمَا آنَ لَكَ تَبْصُرُ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَطِئَ الْبِلَادَ وَأَنْتَ مُوضِعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، قَالَ الْحَارِثُ: فَتَنَحَّيْتُ عن سنين خَيْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي، فَأَقَمْتُ مِنْ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى اللَّيْلِ مَا أَرَى أَحَدًا وَمَا طَلَبُوهُ إِلَّا الرُّعْبَ الَّذِي دَخَلَهُ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: قَدْ أَقَمْتَ فِي مَوْضِعِي حَتَّى اللَّيْلِ مَا رَأَيْتُ مِنَ طَلَبٍ، قَالَ عُيَيْنَةَ: هُوَ ذَاكَ أَنِّي خِفْتُ الْإِسَارَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَ لَهُ الْحَارِثُ مِنْ نُصْرَةِ اللهِ تَعَالَى مُحَمَّدًا وَجَوَابِهِ بِأَنَّ نَفْسَهُ لَا تُقِرَّهُ، ثُمَّ ارْتِيَادَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هم فيها [ (6) ] .
__________
[ (4) ] قال البكري: بكسر السين والحاء المهملة، وتبعه في عيون الأثر، وهي موضع أسفل خيبر.
«معجم ما استعجم» (2: 744) .
[ (5) ] العين: الجاسوس.
[ (6) ] وكله مبسوط في مغازي الواقدي (2: 727- 731) .(4/302)
بَابُ سَرِيَّةِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ [ (1) ] إِلَى الْغَابَةِ
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ وَغَزْوَتِهِ إِلَى الْغَابَةِ مَا حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَأَصْدَقْتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي، فَقَالَ: كَمْ أَصْدَقْتَ؟ فَقُلْتُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ، لَوْ كُنْتُمْ تأخذونها من وادي مَا زَادَ، لَا، وَاللهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُكَ بِهِ [ (2) ] ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، أَوْ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي بَطْنٍ عَظِيمٍ مِنْ جُشَمٍ حَتَّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ قَيْسًا عَلَى حَرْبِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَا اسم
__________
[ (1) ] هو أبو حدرد الاسلمي: اختلف في اسمه فقيل: سلامة بن عمير بن سلامة.. كذا قال خليفة، وقال علي بن المديني: اسمه عبيد من اهل الحجاز. له ترجمة في الإصابة (4: 42) .
[ (2) ] هذه عبارة (ح) وفي (أ) : «من وادي عندي مَا زَادَ، لَا، وَاللهِ ما أعنيك به» .(4/303)
وَشَرَفٍ فِي جُشَمٍ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ:
اخْرُجُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى تَأْتُوا مِنْهُ بِخَبَرٍ وَعِلْمٍ، وَقَدَّمَ لَنَا شَارِفًا [ (3) ] عَجْفَاءَ،
فَحَمَلَ عليها أحدنا فو الله مَا قَامَتْ بِهِ ضَعْفًا، حَتَّى دَعَمَهَا [ (4) ] الرِّجَالُ مِنْ خَلْفَهَا بِأَيْدِيهِمْ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ وَمَا كَادَتْ، وَقَالَ: تَبَلَّغُوا عَلَى هَذِهِ، فَخَرَجْنَا، وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنَ النَّبْلِ، وَالسُّيُوفِ حَتَّى إِذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنَ الْحَاضِرِ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَكَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ وَأَمَرْتُ صَاحِبَيَّ فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ وَقُلْتُ لَهُمَا: إِذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبَّرْتُ وَشَدَدْتُ فِي الْعَسْكَرِ فَكَبِّرُوا وَشُدَّا معي، فو الله إِنَّا لَكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ أَنْ نَرَى غُرَّةً أَوْ نَرَى شَيْئًا وَقَدْ غَشِيَنَا اللَّيْلُ حَتَّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ [ (5) ] ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرَحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَخَوَّفُوا عَلَيْهِ، فَقَامَ صَاحِبُهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَتَّبِعَنَّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرٌّ فَقَالَ نَفَرٌ مِمَّنْ مَعَهُ: وَاللهِ لَا تَذْهَبُ نَحْنُ نَذْهَبُ نَكْفِيكَ، فَقَالَ: لَا يَذْهَبُ إِلَّا أَنَا، قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَكَ فَقَالَ وَاللهِ لَا يَتَّبِعُنِي مِنْكُمْ أَحَدٌ، وَخَرَجَ حَتَّى يَمُرَّ بِي فَلَمَّا أَمْكَنَنِي نَفَحْتُهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعْتُهُ فِي فُؤَادِهِ، فو الله مَا تَكَلَّمَ فَوَثَبْتُ إِلَيْهِ فاحترزت رَأْسَهُ، ثُمَّ شَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَكَبَّرْتُ وَشَدَّ صاحباي، وكبروا فو الله مَا كَانَ إِلَّا النَّجَاءُ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ عِنْدَكَ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا خَفَّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَاسْتَقْنَا إِبِلًا عَظِيمَةً، وَغَنَمًا كَثِيرَةً، فَجِئْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِئْتُ بِرَأْسِهِ أَحْمِلُهُ مَعِي، فَأَعْطَانِي مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي فَجَمَعْتُ إِلَيَّ أهلي [ (6) ] .
__________
[ (3) ] الشارف: الناقة المسنة.
[ (4) ] اي قووها بأيديهم.
[ (5) ] فحمة العشاء: أول ظلام الليل.
[ (6) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 238) ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (4: 223- 224) .(4/304)
بَابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ عَامِرًا بَعْدَ مَا حَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله البوسنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عبد الله ابن قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمٍ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ: الْحَارِثُ بْنُ ربعيّ، ومحلّم ابن جثّامة بن قيس، فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمٍ مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ [ (1) ] ، مَعَهُ مُتَيِّعٌ [ (2) ] لَهُ وَوَطْبٌ [ (3) ] مِنْ لَبَنٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَاهُ الْخَبَرَ، فَنَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً إلى آخر الآية [ (4) ] .
__________
[ (1) ] العقود: البعير المتخذ للركوب.
[ (2) ] المتيع: تصغير متاع.
[ (3) ] الوطب: وعاء اللبن.
[ (4) ] [النساء- 93] .(4/305)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ: إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَبَا قَتَادَةَ وَمُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى إِضَمٍ فَلَقِيَنَا عامر ابن الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ فَحَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَكَفَّ أَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو حَدْرَدٍ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمٌ فَقَتَلَهُ وَسَلَبَهُ بَعِيرًا لَهُ وَسِقَاءً وَوَطْبًا مِنْ لَبَنٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: آمَنْتُ» ؟
وَنَزَلَ الْقُرْآنُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (5) ] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ بْنِ سَعْدٍ الضَّمْرِيَّ يُحَدِّثُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَقَامَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَعَدَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، يَطْلُبُ بِدَمِ عامر بن الأضبط الأشجعي، وَهُوَ سَيِّدُ قَيْسٍ، وَجَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَرُدُّ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ وهو سيد خندق فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِ عَامِرِ بْنِ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيِّ: «هَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنَّا خَمْسِينَ بَعِيرًا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؟» ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: وَاللهِ لَا أَدَعُهُ حَتَّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنَ الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ مُكَيْتِلٍ وَهُوَ قَصْدٌ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَجِدُ لِهَذَا الْقَتِيلِ مَثَلًا فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ [ (6) ] إِلَّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فرميت
__________
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 235) ، وابن كثير في البداية والنهاية (4: 224- 226) .
[ (6) ] (غرة الإسلام) : أوله.(4/306)
أُولَاهَا فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا [ (7) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا خَمْسِينَ بَعِيرًا الْآنَ، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى رَضُوا بِالدِّيَةِ، قَالَ قَوْمُ مُحَلِّمٍ: ائْتُوا بِهِ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَجَاءَ رَجُلٌ طُوَالٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ فِي حُلَّةٍ قَدْ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: زَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدُ كَذَا فِي كِتَابِي عَنِ ابْنِ حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ الضُّمَيْرِيَّ (ح) .
وحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ سَعْدِ بْنِ ضُمَيْرَةَ السُّلَمِيَّ وَهَذَا حَدِيثُ وَهْبٍ وَهُوَ أَتَمُّ يُحَدِّثُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ قَالَ مُوسَى وَجَدِّهِ: وكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا يَعْنِي أَبَاهُ وَجَدَّهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ وَهْبٍ أَنَّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ غِيَرٍ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمَ عُيَيْنَةُ فِي قَتْلِ الْأَشْجَعِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ
__________
[ (7) ] (اسْنُنِ الْيَوْمَ، وَغَيِّرْ غَدًا) اي: يريد احكم لنا اليوم بالدم، واحكم غدا بالدية لمن شئت.
[ (8) ] سيرة ابن هشام (4: 236- 237) .(4/307)
غَطَفَانَ وَتَكَلَّمَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لِأَنَّهُ مِنْ خندق، فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُيَيْنَةُ أَلَا تَقْبَلُ العير فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللهِ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ من الخرب وَالْحُزْنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي، قَالَ: ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عيينة لا تقبل العير» فَقَالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى أَنْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ وَفِي يَدِهِ دَرَقَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإسلام مثلا إلا غنم وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «خَمْسُونَ فِي فَوْرِنَا هَذَا، وَخَمْسُونَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ فِي طَرَفَيِ النَّاسِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي بَلَغَكَ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ.
فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ بِسِلَاحِكَ فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ: اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» بِصَوْتٍ عَالٍ زَادَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النّصر، قَالَ: لَمْ يَقْبَلُوا الدِّيَةَ حَتَّى قَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَخَلَا بِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ سَأَلَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا تَتْرُكُونَهُ لِيُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنَعْتُمُوهُ إِيَّاهُ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَيَغْضَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ، أَوْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْعَنَكُمُ اللهُ بِلَعْنَتِهِ، لَكُمْ وَاللهِ، وَاللهِ لَتُسْلِمُنَّهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآتِيَنَّ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ الْقَتِيلَ كَافِرٌ مَا صَلَّى قَطُّ فَلَأُطِلَنَّ دَمَهُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ: أَخَذُوا الديّة [ (9) ] .
__________
[ (9) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 237) .(4/308)
بَابُ ذِكْرِ الرَّجُلِ الَّذِي قتل رجلا بعد ما شَهِدَ بِالْحَقِّ ثُمَّ مَاتَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الحالق الْمُؤَذِّنُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عتيق، وموسى ابن عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَوْهَبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: أَغَارَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَانْهَزَمَتْ، فَغَشِيَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْلُوهُ بِالسَّيْفِ قَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَتْلِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا نَقَّبْتَ عَنْهُ قَلْبَهُ» ، يُرِيدُ أَنْ يعَبِّرَ عَنِ الْقَلْبِ اللِّسَانُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تُوُفِّيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْقَاتِلُ، فَدُفِنَ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ أَهْلُهُ فَحَدَّثُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ادْفِنُوهُ، فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ أَهْلُهُ(4/309)
فَحَدَّثُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْفِنُوهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فجاؤوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُوهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ الْأَرْضَ قَدْ أَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ فَاطْرَحُوهُ فِي غَارٍ مِنَ الْغِيرَانِ» .
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْخَالِقِ ذَكَرَ دَفْنَهُ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَذْكُرِ الثَّالِثَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْغَنَوِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَذَكَرَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ قَبِيصَةُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَمِمَّا زَادَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (1) ] . فَبَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مَاتَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَاتَ فُلَانٌ فَدَفَنَّاهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ لَفَظَتْهُ، ثُمَّ دَفَنَّاهُ فَلَفَظَتْهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْعِظَةً لَكُمْ لِكَيْلَا يُقْدِمَ رَجُلٌ مِنْكُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَوْ يَقُولُ: إِنِّي مُسْلِمٌ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى شِعْبِ بَنِي فُلَانٍ فَادْفِنُوهُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ سَتَقْبَلُهُ فَدَفَنُوهُ فِي ذَلِكَ الشعب [ (2) ] .
__________
[ (1) ] [النساء- 93] .
[ (2) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 237) .(4/310)
بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ [ (1) ] بْنِ قَيْسِ ابن عَدِيِّ بْنِ السَّهْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ (2) ] نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ ابن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَبْسِيُّ، قال أخبرنا وكيع،
__________
[ (1) ] عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السهمي: من السابقين الأولين، يقال إنه شهد بدرا، وكان من المهاجرين الأولين، هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الهجرة الثانية مع أخيه قيس بن حذافة،
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى بكتاب الإسلام، فمزق كسرى الكتاب، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ مزق ملكه.
[ (2) ] [النساء- 59] .
[ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، ومسلم في: 33- كتاب الإمارة، (8) باب وجوب طاعة الأمراء النساء، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، الحديث (31) ، ص (1465) .(4/311)
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى سَرِيَّةٍ بَعَثَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا قَالَ فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ:
اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا. فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ وَكِيعٍ [ (4) ] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخر عن الأعمش [ (5) ] .
__________
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (8) باب وجوب طاعة الأمراء، الحديث (40) ، ص (1469) .
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (59) بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بن حذافة السهمي، فتح الباري (8: 58) .(4/312)
بَابُ مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ [ (1) ] وَتَصْدِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعْدَهُ بِدُخُولِهِمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ آمِنِينَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ الْقَضِيَّةُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ.
__________
[ (1) ] انظر في عمرة القضية.
- سيرة ابن هشام (3: 319) .
- طبقات ابن سعد (2: 120) .
- صحيح البخاري (5: 141) .
- تاريخ الطبري (3: 23) .
- المغازي للواقدي (2: 731) .
- انساب الأشراف (1: 169) .
- ابن حزم (219) .
- عيون الأثر (2: 192) .
- البداية والنهاية (4: 226) .
- شرح المواهب (2: 370) .
- السيرة الحلبية (3: 71) .
- السيرة الشامية (5: 288) .(4/313)
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى [ (2) ] الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بَعَثَ سَرَايَا وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى اسْتَهَلَّ ذُو الْقَعْدَةِ، ثُمَّ نَادَى فِي النَّاسِ أَنْ تَجَهَّزُوا فِي الْعُمْرَةِ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَخَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ مِنْ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي صَدَّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ يَأْجِجَ [ (3) ] ، وَضَعَ الْأَدَاةَ كُلَّهَا الْحَجَفَ وَالْمَجَانَّ وَالرِّمَاحَ وَالنَّبْلَ، وَدَخَلُوا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ السُّيُوفِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ حزن العامرية،
__________
[ (2) ] رسمت في (أ) و (ح) : «الأعلا» .
[ (3) ] (يأجج) واد قريب من مكة.(4/314)
فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ أُخْتُهَا أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَزَوَّجَهَا الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ «اكْشِفُوا عَنِ الْمَنَاكِبِ وَاسْعَوْا فِي الطَّوَافِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ» وَكَانَ يُكَابِدُهُمْ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ فَاسْتَكَفَّ أَهْلُ مَكَّةَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وهو يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَشِّحًا بالسيف، يقول:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ. ... أَنَا الشَّهِيدُ أَنَّهُ رَسُولُهْ.
قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهْ. ... فِي صُحُفٍ تتلى: رَسُولِهْ.
فَالْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ. ... كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ.
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عن مقتله. ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهْ.
قَالَ وَتَغَيَّبَ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْظًا وَحَنْقًا [ (4) ] وَنَفَاسَةً وَحَسَدًا، خَرَجُوا إِلَى الْخَنْدَمَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَأَقَامَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْقَضِيَّةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فِي مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَصَاحَ حُوَيْطِبٌ نُنَاشِدُكَ اللهَ وَالْعَقْدَ لَمَا خَرَجْتَ مِنْ أَرْضِنَا فَقَدْ مَضَتِ الثَّلَاثُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَا أُمَّ
__________
[ (4) ] الحنق: الغيظ.(4/315)
لَكَ لَيْسَ بِأَرْضِكَ وَلَا أَرْضِ آبَائِكَ وَاللهِ لَا يَخْرُجُ، ثُمَّ نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم سهيل وَحُوَيْطِبًا، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نَكَحْتُ فِيكُمُ امْرَأَةً، فَمَا يَضُرُّكُمْ أَنْ أَمْكُثَ حَتَّى أَدْخُلَ بِهَا، وَنَصْنَعُ وَنَضَعُ الطَّعَامَ فَنَأْكُلُ وَتَأْكُلُونَ مَعَنَا، قَالُوا: نُنَاشِدُكَ اللهَ وَالْعَقْدَ إِلَّا خَرَجْتَ عَنَّا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بَطْنَ سَرِفَ [ (5) ] ، وَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ وَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رَافِعٍ لِيَحْمِلَ مَيْمُونَةَ إِلَيْهِ حِينَ يُمْسِي، فَأَقَامَ بِسَرِفَ، حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ مَيْمُونَةُ، وَقَدْ لَقِيَتْ مَيْمُونَةُ وَمَنْ مَعَهَا عَنَاءً وَأَذًى مِنْ سُفَهَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَصِبْيَانِهِمْ، فَقَدِمَتْ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ أَدْلَجَ فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدَّرَ اللهُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ، فَمَاتَتْ حَيْثُ بَنَى بِهَا، وَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ [ (6) ] حَمْزَةَ، وَذُكِرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [ (7) ] ، فَاعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشهر الحرام صُدَّ فِيهِ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عِنْدَ قَوْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَاللهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إِلَّا طَائِعًا رَاضِيًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحِكَ لَا تُؤْذِ قَوْمًا زَارُونَا فِي رِحَالِنَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رَجَزَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَلَا قَوْلَ مَنْ قَالَ فَزَوَّجَهَا الْعَبَّاسُ.
وَلِحَدِيثِهِمَا هَذَا شَوَاهِدُ وَفِيهَا زِيَادَاتٌ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ مُفَصَّلَةً فِي أبواب.
__________
[ (5) ] بطن سرف: ما بين التنعيم وبطن مرو، وهو إلى التنعيم أقرب.
[ (6) ] في (أ) و (ح) : «ابنت حمزة» ، وستأتي قصتها بعد قليل.
[ (7) ] [البقرة- 194] .(4/316)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهِمْ، إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا. فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ قَامَ بِهَا ثَلَاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ سُرَيْجٍ [ (1) ] .
وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُمْ كَتَبُوا: هَذَا مَا قاضى عليه محمد [ (2) ] .
__________
[ (1) ] الحديث أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (43) باب عمرة القضاء، الحديث (4252) ، فتح الباري (7: 499) . وسريج: هو ابن النعمان، ابو الحسين البغدادي الجوهري، وهو شيخ البخاري روى عنه بواسطة، وفاته (217) وهو يروي عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي المغيرة، وقد ورد اسمه في (ح) : «شريح» مصحفا.
[ (2) ] حديث البراء رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ(4/317)
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ يَعْنِي ابْنَ بُطَّةَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً، وَلَكِنْ شَرْطًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يعتمروا قابل فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُمُ المشركون فيه [ (3) ] .
__________
[ () ] عن البراء- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لما اعتمر النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله ... إلخ الحديث. فتح الباري (7: 499) .
[ (3) ] البداية والنهاية (4: 230) .(4/318)
بَابُ مَا جَرَى فِي أَمْرِ الْهَدَايَا وَالْأَسْلِحَةِ وَالرُّعْبِ الَّذِي وَقَعَ فِي قُلُوبِ المشركين من قدم الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَاضِرٍ الْحِمْيَرِيَّ، يُحَدِّثُ أَبِي: مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ، قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا عَامَ حَاصَرَ أَهْلُ الشَّامِ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَبَعَثَ مَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي بِهَدْيٍ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنَعُونَا أَنْ نَدْخُلَ الْحَرَمَ، فَنَحَرْتُ الْهَدْيَ مَكَانِي، ثُمَّ أَحْلَلْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ خَرَجْتُ لِأَقْضِيَ عُمْرَتِي، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَبْدِلِ الْهَدْيَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ [ (2) ] .
خَالَفَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْأَمْرِ بِالْإِبْدَالِ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
__________
[ (1) ] في (أ) : «من قدومه» .
[ (2) ] رواه الحاكم في المستدرك (1: 485) . ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 230) ، وقال:
«تفرد به ابو داود من حديث ابي حاضر عثمان بن حاضر الحميري، عن ابن عباس» .(4/319)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَسْأَلُ كَثِيرًا هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْدَلَ هَدْيَهُ الَّذِي نَحَرَ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ؟ فَلَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، حَتَّى سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا حَاضِرٍ الْحِمْيَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ: حَجَجْتُ عَامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحَصْرِ الْأَوَّلِ فَأَهْدَيْتُ هَدْيًا، فَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتَ، فَنَحَرْتُ فِي الْحَرَمِ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْيَمَنِ، وَقُلْتُ: لِي بِرَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ، فَلَمَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلِ حَجَجْتُ فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا نَحَرْتُ عَلَيَّ بَدَلُهُ [أَمْ لَا] ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَبْدِلْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَدْ أَبْدَلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَبْدَلُوا ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَعَزَّتِ الْإِبِلُ عَلَيْهِمْ، فَرَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْبَقَرِ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَانِمُ بْنُ أَبِي غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ عَلَى هَدْيِهِ يَسِيرُ بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ يَطْلُبُ الرَّعْيَ فِي الشَّجَرِ مَعَهُ أَرْبَعَةُ فِتْيَانٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي [عُمْرَةِ] الْقَضِيَّةِ سِتِّينَ بَدَنَةً [ (4) ] .
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ صَاحِبِ الْبُدْنِ أَسُوقُهَا [ (5) ] .
__________
[ (3) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1: 485- 486) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وابن حاضر شيخ من اهل اليمن مقبول صدوق» . ووافقه الذهبي.
[ (4) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 732) ، والبداية والنهاية (4: 230- 231) .
[ (5) ] مغازي الواقدي (2: 733) ، والبداية والنهاية (4: 231) .(4/320)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يُلَبِّي وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ يُلَبُّونَ، وَمَضَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالْخَيْلِ إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، فَيَجِدُ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلُوا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَبِّحُ هَذَا الْمَنْزِلَ غَدًا إِنَّ شَاءَ اللهُ، وَرَأَوْا سِلَاحًا كَثِيرًا مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا حَتَّى أَتَوْا قُرَيْشًا، فَأَخْبَرُوهُمْ بِالَّذِي رَأَوْا مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ وَقَالُوا: وَاللهِ مَا أَحْدَثْنَا حَدَثًا، وَإِنَّا عَلَى كِتَابِنَا وَهُدْنَتِنَا، فَفِيمَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ؟ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّلَاحَ إِلَى بَطْنِ يَأْجِجَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَحْنَفِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتَّى لَقُوهُ بِبَطْنِ يَأْجِجَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالْهَدْيُ وَالسِّلَاحُ
قَدْ تَلَاحَقُوا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا عُرِفْتَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا بِالْغَدْرِ! تَدْخُلُ بِالسِّلَاحِ فِي الْحَرَمِ عَلَى قَوْمِكَ، وَقَدْ شَرَطْتَ لَهُمْ أَلَّا تَدْخُلَ إِلَّا بِسِلَاحِ الْمُسَافِرِ السُّيُوفُ فِي الْقُرُبِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا أُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السِّلَاحَ [ (6) ] ،
فَقَالَ: مِكْرَزٌ هَذَا الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ سَرِيعًا بِأَصْحَابِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَدْخُلُ بِسِلَاحٍ وَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ لَكُمْ، فَلَمَّا جَاءَ مِكْرَزٌ بِخَبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إلى رؤوس الْجِبَالِ، وَخَلَّوْا مَكَّةَ وَقَالُوا لا تنظر إِلَيْهِ وَلَا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ حَتَّى حُبِسَ بِذِي طُوًى، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ، يَتَحَدَّقُونَ [ (7) ] بِهِ، والمسلمون متوشحوا السُّيُوفِ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ [وَالْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي تُطْلِعُهُ عَلَى الْحَجُونِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ [ (8) ]] ، وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِزِمَامِ راحلته.
__________
[ (6) ] في المغازي: «لا ندخلها إلا كذلك» .
[ (7) ] في المغازي للواقدي «محدقون» .
[ (8) ] الزيادة من مغازي الواقدي، والخبر رواه الواقدي (2: 734- 735) ، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (4: 231) .(4/321)
بَابُ كَيْفَ كَانَ قُدُومُهُ بِمَكَّةَ [ (1) ] وَطَوَافُهُ بِالْبَيْتِ وَطَوَافُ أَصْحَابِهِ وَإِطْلَاعُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبِسْطَامِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ: أَبُو الْقَاسِمِ اللَّخْمِيُّ بِأَصْبَهَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ [أَبِي] [ (2) ] سُوَيْدٍ الشَّبَامِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَشَى عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يقول:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ ... قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ [ (3) ] فِي تَنْزِيلِهْ
بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهْ ... نَحْنُ قَاتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ
كَمَا قَاتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ
[ (4) ] وحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَنْبَأَنَا
__________
[ (1) ] في (ح) : «باب كيف قدومه مكة» .
[ (2) ] ليست في (ح) .
[ (3) ] (ح) : «الرحمن» .
[ (4) ] مغازي الواقدي (2: 736) باختلاف، والبداية والنهاية (4: 231) مختصرا.(4/322)
أَبُو الْأَزْهَرِ السَّلِيطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بغرزه، وهو يقول:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تنزيله
ضربا يزيل الهمام عَنْ مَقِيلِهْ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهْ
يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهْ
[ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ [ (6) ] اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ ... إِنِّي شَهِدْتُ [ (7) ] أَنَّهُ رَسُولُهْ
خَلُّوا فَكُلُّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهْ ... يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهْ
إِنِّي رَأَيْتُ الْحَقَّ فِي قُبُولِهْ ... نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ
كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ ... ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهْ
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خليله
[ (8) ]
__________
[ (5) ] نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 228) ، عن المصنف.
[ (6) ] في (ح) : «عبيد» مصحفا.
[ (7) ] في البداية والنهاية (4: 229) : «أنا الشهيد أنه» ، وفي (ح) : «إني شهدت أني رسوله» .
[ (8) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 320- 321) ، باختلاف في ترتيب أبيات الشعر، وقد نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 229) ، وقد روى البخاري تعليقا، وعبد الرزاق، والترمذي، والنسائي، وابن حبان عن انس- رضي الله عنه- وابن عقبة عن الزهري، أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مكة عام القضية على ناقته، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخذ بزمامها، وهو يقول:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سبيله* نحن ضربناكم على تأويله(4/323)
__________
[ () ] ضربا يزيل الهام عن مقيله* ويذهل الخليل عن خليله قد أنزل الرّحمن في تنزيله* في صحف تتلى على رسوله يا ربّ إنّي مؤمن بقيله* إنّي رأيت الحقّ في قبوله
فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يا ابن رواحة بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفي حرم الله- تعالى- تقول الشعر؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خل عنه يا عمر فهلى اسرع فيهم من نضح النبل. وفي رواية «يا عمر إني اسمع، فاسكت يا عمر» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا ابن رواحة قل: «لا إلا الله وحده نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده» .
فقالها ابن رواحة فقالها الناس كما قالها.
وقال ابن هشام: قوله: «نحن قتلناكم على تأويله» الى آخر الأبيات لعمار بن ياسر، قال السهيلي: يعني يوم صفين.
قال ابن هشام: والدليل على ذلك ان ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقروا بالتنزيل، يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل. قال في البداية: وفيما قاله ابن هشام نظر، فإن البيهقي روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول الأبيات السابقة. ورواه عن يزيد بن أسلم- كما سبق- وقد تابع ابن إسحاق على ذلك ابن عقبة وغيره، وقال الحافظ- رحمه الله تعالى- إذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام: نحن ضربناكم على تأويله اي حتى تذعنوا الى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملا، وثبتت الرواية سقط الاعتراض. نعم الرواية التي جاء فيها.
«فاليوم نضربكم على تأويله» يظهر انه قول عمار، ويبعد ان يكون من قول ابن رواحة، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية.
«نحن ضربناكم على تأويله. كما ضربناكم على تنزيله» .
يشير بكل منهما الى ما مضى، ولا مانع من ان يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول: هذه اللفظة، ومعنى قوله: «نضربكم على تأويله» اي الآن، وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور.
قال الحافظ أبو عيسى الترمذي- رحمه الله- تعالى! بعد ان ذكر رجز ابن رواحة، ثم قال: وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك، وهو الأصم، لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك، قال الحافظ- رحمه الله- وهو ذهول شديد، وغلط(4/324)
قَالَ: وحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْقَضِيَّةِ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ قَالَ هِشَامٌ- مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ- وَالْمُسْلِمُونَ يُنْشِدُونَ حَوْلَهُ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَقُولُ:
بِاسْمِ الَّذِي لَا دِينَ إِلَّا دِينُهْ ... بِاسْمِ الَّذِي مُحَمَّدٌ رَسُولُهْ
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهْ
[ (9) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا، فَأَطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالُوا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ [ (10) ] وَأَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا، قَالُوا: هؤلاء الذين
__________
[ () ] مردود، وما ادري كيف وقع الترمذي في ذلك، ومع أنّ في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه عليّ، وزيد بن حارثة في بنت حمزة، اي كما سبق، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، فكيف يخفى على الترمذي مثل هذا. ثم وجدت عند بعضهم ان الذي عند الترمذي من حديث أنس: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراض الترمذي، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي على ما تقدم. قلت: وكذلك رأيته في عدة نسخ من جامع الترمذي، قاله الصالحي في السيرة الشامية (5: 299- 300) .
[ (9) ] البداية والنهاية (4: 228- 229) .
[ (10) ] المقصود هنا: الطواف حول الكعبة:(4/325)
ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا لِلْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا وَلَا الْإِطْلَاعَ، وَقَالَ: فَقَعَدُوا لَهُمْ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، قَالَ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (11) ] .
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ حَمَّادٍ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَكُمْ فَلَمَّا رَمَلُوا قَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا وَهَنَتْهُمْ [ (13) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عاصم
__________
[ (11) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ في: 25- كتاب الحج، (55) بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرّمل،؟
الحديث (1602) ، فتح الباري (3: 469- 470) ، واعاده في المغازي (باب) عمرة القضاء.
[ (12) ] مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزهراني، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عن أيوب بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: 15- كتاب الحج (29) باب استحباب الرمل في الطواف، الحديث (240) ، ص (923) .
[ (13) ] أشار اليه النسائي في المغازي، وأخرجه ابو داود في سننه (2: 178) .(4/326)
الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا [قُلْتُ: مَا صَدَقُوا وَمَا كَذَبُوا] ؟ [ (14) ] فَقَالَ: صَدَقُوا أَنَّهُ قَدْ رَمَلَ، وَكَذَبُوا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ: دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ [حَتَّى] تموتوا مَوْتَ النَّغَفِ [ (15) ] ، قَالَ:
فَلَمَّا صَالَحُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَجِيئُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعقعان، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ، وَلَيْسَ [ (16) ] بِسُنَّةٍ [ (17) ] (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد رَمَلَ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ: قُلْتُ: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ والمشركون على قعقعان، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ قَوْمًا حُسَّدًا فَجَعَلُوا يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ أصحاب رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُعَفَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرُوهُمْ مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُونَ، فَرَمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُ وَقُوَّةَ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (18) ] .
وَقَدْ بَقِيَ الرَّمَلُ مَشْرُوعًا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ زَالَتْ فقد حكى
__________
[ (14) ] ليست في (أ) ، وثابتة في سنن ابي داود كما سيأتي في تخريج الحديث.
[ (15) ] (النغف) : دود يسقط من أنوف الدواب، والواحدة: نغفة، ويقال للرجل إذا استضعف،: ما هو إلا نغفة.
[ (16) ] في (ح) : «ليست بسنة» .
[ (17) ] أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب في الرمل، ح (1885) ، ص (2: 177- 178) .
[ (18) ] الحديث أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المثنى في: 15- كتاب الحج، (39) باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة، الحديث، (237) ، ص (922) .(4/327)
جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رَمَلَ وَرَمَلُوا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: اعْتَمَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ حِينَ طَافَ مَعَ [ (20) ] صِبْيَانِ مَكَّةَ لَا يُؤذُونَهُ، قَالَ:
سُفْيَانُ أُرَاهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قال إسماعيل، فرءانا ابْنُ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً أَصَابَتْهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (22) ] الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسُكَهُ فِي الْقَضَاءِ، دَخَلَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى أَذَّنَ بِلَالٌ الظُّهْرَ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ أَبَا الْحَكَمِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ [هَذَا] [ (23) ] الْعَبْدَ يَقُولُ مَا يَقُولُ، وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: الحمد لله الذي
__________
[ (19) ] كما أخرج ايضا أبو داود من حديث ابن عباس وابن عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ من الحجر الى الحجر. سنن ابي داود (2: 179) .
[ (20) ] في (ح) : «من» .
[ (21) ] الحديث: الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله المديني في: 64- كتاب المغازي (43) باب عمرة القضاء، الحديث (4255) ، فتح الباري (7: 508) ، مختصرا، ومطولا في: 25- كتاب الحج، (53) باب من لم يدخل الكعبة، الحديث (1600) عن مسدد، فتح الباري (3:
467) .
[ (22) ] من (ح) .
[ (23) ] سقطت من (أ) .(4/328)
أَذْهَبَ أَبِي قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أُسَيْدٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ أَبِي فَلَمْ يَشْهَدْ هَذَا الْيَوْمَ حِينَ يَقُومُ بِلَالُ بْنُ أُمِّ بِلَالٍ يَنْهَقُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ، وأما سهيل ابن عَمْرٍو وَرِجَالٌ مَعَهُ لَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ غَطَّوْا وُجُوهَهُمْ. قُلْتُ وَقَدْ رَزَقَ اللهُ تعالى أكثرهم الإسلام [ (24) ] .
__________
[ (24) ] ذكره الواقدي في المغازي (2: 737- 738) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 232) ، ونقل قول البيهقي: «قد أكرم الله أكثرهم بالإسلام» وعقب بقوله:
«كذا ذكره البيهقي من طريق الواقدي أن هذا كان في عمرة القضاء، والمشهور أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عَامَ الْفَتْحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ» .
وجاء في نسخة (ح) في نهاية هذه الفقرة: «والله سبحانه وتعالى أعلم لجميع الأحكام» .(4/329)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي سَفَرِهِ هَذَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفْرَتِهِ فِي هَذِهِ الْعُمْرَةِ، وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهُ الْعَبَّاسُ إبن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى ابن أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ [وَكَانَتْ قُرَيْشٌ] [ (2) ] قَدْ وَكَّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالُوا: قَدِ انْقَضَى أَجَلُكَ فَاخْرُجْ عَنَّا، فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَعَرَّسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ» فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِطَعَامِكَ فَاخْرُجْ عَنَّا فَخَرَجَ وَخَلَّفَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ عَلَى مَيْمُونَةَ، حَتَّى أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفَ فَبَنَى [ (3) ] عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم هنالك [ (4) ] .
__________
[ (1) ] في (ح) : «أنبأنا» .
[ (2) ] ليست في (ح) .
[ (3) ] في (أ) و (ح) : رسمت: «فبنا» .
[ (4) ] سيرة ابن هِشَامٍ (3: 321- 322) .(4/330)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ [ (5) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ الشَّرْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ لِيَ الثَّوْرِيُّ: لَا تَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قُلْتُ: لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَى سُفْيَانُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ خُثَيْمٍ فَحَدَّثَنَا هَاهُنَا- يَعْنِي بِالْيَمَنِ- وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا ثَمَّ يَعْنِي بِمَكَّةَ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ [ (6) ] .
وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ غَيْرَهُ فِي تَزَوُّجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ..
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف
__________
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (43) باب عمرة القضاء، الحديث (4258) عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فتح الباري (7: 509) .
[ (6) ] أخرجه البخاري في: 28- كتاب الصيد، (12) باب تزويج المحرم، ومسلم في: 16- كتاب النكاح، (4) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، من حديث ابن عباس، الحديث (46) ، ص (1031) .(4/331)
السُّوسِيُّ، قَالَ: [ (7) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سُفْيَانَ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَهِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَالَتَهُ مَا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَا أَحَلَّ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ أَنَّ ابْنَ الْمَرْزُبَانِ الْجَلَّابَ بِهَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن حبيب ابن الشَّهِيدِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ.
وَفِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ بِسَرِفَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصحيح [ (9) ] .
__________
[ (7) ] في (ح) : «قالا» .
[ (8) ] أخرجه البخاري في: 28- كتاب الصيد، (12) باب تزويج المحرم. فتح الباري (5: 51)
[ (9) ] حديث ميمونة أخر مسلم في: 16- كتاب النكاح (5) باب تحريم نكاح المحرم، الحديث (48) ، ص (1032) .
وهذا الحديث أخرجه ابو داود في الحج، باب المحرم يتزوج، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عن حماد، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ نحوه: تزوجني النبي(4/332)
__________
[ () ] صلى الله عليه وسلّم ونحن حلالان بسرف.
وأخرجه الترمذي في الحج، باب ما جاء في الرخصة في ذلك، عن إسحاق بن منصور، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه نحوه، وقال: «غريب» .
وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلا.
قال الزيلعي في نصب الراية (3: 173) : وهذا الحديث رواه الإمام احمد في «مسنده» وابن حبان في صحيحه، عن ابن خزيمة بسنده عن حماد بن زيد به، قال الترمذي: حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد عن مطر، رواه مالك عن ربيعة عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلّم مرسلا، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا، انتهى. قال الترمذي: وقد اختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلّم ميمونة، لأنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة، فقال بعضهم: تزوجها حلالا، وظهر أمر تزويجها، وهو محرم ثم بنى بها، وهو حلال بسرف في طريق مكة، وماتت ميمونة بسرف حيث بنى بها، ودفنت بسرف، انتهى. وقال ابن حبان: وليس في هذه الأخبار تعارض، ولا أن ابن عباس وهم، لأنه أحفظ واعلم من غيره، ولكن عندي ان معنى قوله: تزوج وهو محرم، اي داخل في الحرم، كما يقال: أنجد، واتهم، إذا دخل نجدا، وتهامة، وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلّم عزم على الخروج الى مكة في عمرة القضاء، فبعث من المدينة أبا رافع، ورجلا من الأنصار الى مكة ليخطبا ميمونة له، ثم خرج وأحرم، فلما دخل مكة طاف وسعى وحل من عمرته، وتزوج بها.
وأقام بمكة ثلاثا، ثم سأله اهل مكة الخروج، فخرج حتى بلغ سرف، فبنى بها، وهما حلالان، فحكى ابن عباس نفس العقد، وحكت ميمونة عن نفسها القصة على وجهها، وهكذا اخبر ابو رافع، وكان الرسول بينهما، فدل ذلك- مع نهيه عليه السلام عن نكاح المحرم وإنكاحه- على صحة ما ادعيناه، انتهى كلامه.
حديث آخر: رواه الطبراني في «معجمه» حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي عن أبيه عن سلام أبي المنذر عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة، وهو حلال، انتهى. ثم أخرجه عن ابن عباس من خمسة عشر طريقا ان النبي صلى الله عليه وسلّم تزوجها، وهو محرم، وفي لفظ: وهما حرامان، وقال: هذا هو الصحيح، انتهى.
حديث آخر: أخرجه الطبراني في «معجمه» عن صفية بنت شيبة ان النبي صلى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو حلال.
حديث يخالف ما تقدم: رواه مالك في «الموطأ» نقلا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان ابن يسار، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث أبا رافع مولاه، ورجلا من الأنصار، فزوجاه ميمونة ابنة الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة قبل ان يخرج، انتهى. قال النووي في(4/333)
__________
[ () ] «شرح مسلم» : وعن حديث ميمونة أجوبة، أنه إنما تزوجها حلالا هكذا رواه اكثر الصحابة، قال القاضي، وغيره: لم يرو أنه تزوجها محرما غير ابن عباس وحده، وروت ميمونة وأبو رافع، وغيرهما أنه تزوجها حلالا، وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به، وهم أضبط وأكثر، الثاني: انه تزوجها في الحرم وهو حلال، ويقال لمن هو في الحرم: محرم، وإن كان حلالا، قال الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
أي في الحرم، انتهى. قلت: وجدت في «صحاح الجوهري» ما يخالف ذلك، فانه قال: أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام، وانشد البيت المذكور على ذلك، وايضا فلفظ البخاري: أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، يدفع هذا التفسير، أو يبعده، وقال صاحب «التنقيح» . وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عباس: وهو محرم، اي في شهر حرام، ثم انشد البيت، ثم نقل عن الخطيب البغدادي أنه روى بسنده عن إسحاق الموصلي، قال: سأل هارون الرشيد الاصمعي الكسائي، عن قول الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما. فقال الأصمعي: ليس معنى هذا أنه احرم بالحج، ولا أنه في شهر حرام، ولا أنه في الحرم، فقال الكسائي: ويحك، فما معناه؟ قال الاصمعي: فما أراد عدي بن زيد بقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمنع بكفن
أي إحرام لكسرى؟ فقال: الرشيد: فما المعنى؟ قال: كل من لم يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو محرم، لا يحل منه شيء، فقال له الرشيد: أنت لا تطاق، انتهى. قال النووي: والثالث من الأجوبة عن حديث ميمونة: ان الصحيح عند الأصوليين تقديم القول إذا عارضه الفعل، لأن القول يتعدى الى الغير والفعل قد يقتصر عليه، قال: والرابع: انه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلّم، انتهى وقال الطحاوي في كتابه «الناسخ والمنسوخ» : والأخذ بحديث أبي رافع اولى، لأنه كان السفير بينهما، وكان مباشرا للحال، وابن عباس كان حاكيا، ومباشر الحال مقدم على حاكيه، ألا ترى عائشة كيف أحالت على عليّ حين سئلت عن مسح الخف، وقالت: سلوا عليا، فانه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، انتهى.
وقال ابن الهمام في «الفتح» ص 375- ج 2: وما عن يزيد بن الأصم انه تزوجها، وهو حلال لم يقو قوة هذا، فانه مما اتفق عليه الستة، وحديث يزيد لم يخرجه البخاري، ولا النسائي، وأيضا لا يقاوم بابن عباس حفظا وأتقانا، ولذا قال عمرو بن دينار للزهري: وما يدري ابن الأصم كذا وكذا- لشيء قاله- أتجعله مثل ابن عباس؟! وما روى عن أبي رافع انه صلى الله عليه وسلّم تزوجها وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت انا الرسول بينهما، لم يخرج في واحد من «الصحيحين» ، وإن روى في «صحيح ابن حبان» فلم يبلغ درجة الصحة، ولذا لم يقل فيه الترمذي سوى: حديث حسن، قال: ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد عن مطر، وما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما(4/334)
__________
[ () ] انه صلى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو حلال، فمنكر عنه، لا يجوز النظر اليه بعد ما اشتهر الى ان كاد يبلغ اليقين عنه في خلافه، ولذا بعد أن اخرج الطبراني ذلك عارضه بأن أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنه من خمسة عشر طريقا: انه تزوجها وهو محرم، وفي لفظ: وهما محرمان، وقال: هذا هو الصحيح: وما أول به حديث ابن عباس بأن المعنى وهو في الحرم، فانه يقال: انجد، إذا دخل أرض نجد، وأحرم إذا دخل أرض الحرم، بعيد، ومما يبعده حديث البخاري: تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال.
والحاصل انه قام ركن المعارضة بين حديث ابن عباس، وحديثي يزيد بن الأصم، وأبان بن عثمان بن عفان، وحديث ابن عباس أقوى منهما سندا، فان رجحنا باعتباره كان الترجيح معناه، ويعضده ما قال الطحاوي: روى ابو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: قالت: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعض نسائه وهو محرم، قال: ونقله هذا الحديث كلهم ثقات يحتج بروايتهم، انتهى: ومحصل كلام الطحاوي في شرح الآثار، 443- ج 1، والذين رووا: ان النبي صلى الله عليه وسلّم تزوجها وهو محرم، اهل علم، وأثبت اصحاب ابن عباس: سعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم أئمة فقهاء، يحتج برواياتهم وآرائهم، والذين نقلوا عنهم فكذلك ايضا، منهم: عمرو بن دينار، وأيوب السختياني، وعبد الله بن ابي نجيح، فهؤلاء ايضا أئمة يفتدي برواياتهم، ثم قد روى عن عائشة ايضا ما قد وافق ما روى عن ابن عباس، وروى ذلك عنها من لا يطعن احد فيه: أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق، فكل هؤلاء ائمة يحتج برواياتهم، فما رووا من ذلك اولى مما روى من ليس كمثلهم في الضبط والثبت، والفقه، والأمانة، واما حديث عثمان فإنما رواه نبيه بن وهب، وليس كعمرو بن دينار، ولا كجابر بن زيد، ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن مسروق عن عائشة، ولا لنبيه موضع في العلم كموضع احد ممن ذكرنا، فلا يجوز- إن كان كذلك- أن يعارض به جميع من ذكرنا ممن روى بخلاف الذي روى، انتهى كلامه.
ثم أخرج الطحاوي في آخر الباب آثارا عن ابن مسعود، وابن عباس، وانس أنهم لا يرون بأسا أن يتزوج المحرمان، انتهى. وقال شيخنا حجة الإسلام إمام العصر «محمد أنور الكشميري» رحمه الله تعالى- في إملائه على جامع الترمذي- الموسوم» بعرف الشذى» أقول: يلزم عليه [أي قول الترمذي: إنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة، وظهر امر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف] أنه عليه السلام تجاوز عن الميقات بلا إحرام وهو يريد الحج، لأن في الروايات انه عليه السلام نكح بسرف، وهو بين مكة وذي الحليفة، وكانت المواقيت مؤقتة.
كيف! وفي البخاري في «غزوة الحديبية» ص 600- ج 2 في حديث المسور بن مخرمة، ومروان ابن الحكم: فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدى، وأشعر وأحرم منها بعمرة، الحديث انتهى.(4/335)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، [عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ] [ (10) ] قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فَكَانَ الْحِلُّ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى الناس.
__________
[ (10) ] ما بين الحاصرتين ساقط من (ح) .(4/336)
بَابُ مَا جَرَى فِي خُرُوجِ ابْنَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (1) ]- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَلْفَهُمْ مِنْ مَكَّةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ] [ (2) ] الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن البراء،
__________
[ (1) ] أمامة بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المطلب القرشية الهاشمية، لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ من عمرة القضية، أخذ معه امامة بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المطلب، فلما قدمت امامة طفقت تسأل عن قبر أبيها، فبلغ ذلك حسان بن ثابت، فقال:
تسأل عن قرن هجان سميدع ... لدى البأس منوار الصباح جسور
فقلت لها: إن الشهادة راحة ... ورضوان رب يا إمام غفور
دعاه إله الخلق ذو العرش دعوة ... إلى جنة فيها رضا وسرور
وثبت في الصحيحين من حديث البراء في قصة عمرة الحديبية: «فلما خرجوا تبعتهم بنت حمزة تنادي: يا ابن عم! فقال علي لفاطمة: دونك ابنة عم أبيك فاختصم فيها علي، وجعفر، وزيد بن حارثة، ... وقال جعفر: عندي خالتها اسماء بنت عميس، وكانت أم أمامة سلمى بنت عميس، وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الخالة بمنزلة الأم» ،
وسيأتي الحديث قريبا.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .(4/337)
قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ: [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (3) ] قَالُوا: لَا نُقِرُّ [بِهَذَا] [ (4) ] لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رسول الله ما منعاك شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَنَا رَسُولُ [اللهِ] [ (5) ] وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، يَا عَلِيُّ امْحُ رَسُولَ اللهِ قَالَ: وَاللهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يكتب، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ السِّلَاحُ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ، أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَحَضَرَ الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ فَلْيَخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ تَتْبَعَهُمُ [ (6) ] ابْنَةُ حَمْزَةَ فَنَادَتْ: يَا عَمِّ! يَا عَمِّ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ- عَلَيْهَا السَّلَامُ-[ (7) ] دُونَكِ فَحَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي: [وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي] [ (8) ] وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: [هِيَ] ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا، وَقَالَ:
الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ.
وَقَالَ: لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ.
وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلقي وخُلقي.
وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا ومولانا.
__________
[ (3) ] من (ح) فقفط.
[ (4) ] رسمت في (أ) : «بهذا» .
[ (5) ] في (أ) : «أنا رسول» .
[ (6) ] في البخاري: «فتبعته» .
[ (7) ] في (ح) : (رضي الله عنها) .
[ (8) ] ما بين الحاصرتين من (ح) فقط، وكذا في الصحيح.(4/338)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (9) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ وَغَيْرُهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن هاني بن هاني: وهبيرة بن يريم، عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ وَحْدَهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْقَضِيَّةِ وَرَوَى زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قِصَّةَ الْقَضِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ: وحدثني هانئ بن هاني وهبيرة بن يريم، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب فَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ.
قَدْ أَخْرَجْتُهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ [بْنِ] [ (11) ] مَصْعَلَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَارَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ، كَانَتْ بِمَكَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم [فقال] : [ (12) ] على ما نَتْرُكُ ابْنَةَ عَمِّنَا يَتِيمَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِخْرَاجِهَا، فَخَرَجَ بِهَا فَتَكَلَّمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَكَانَ [وَصِيَّ حَمْزَةَ وَكَانَ] [ (13) ] النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا حِينَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا: ابْنَةُ أَخِي، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ جَعْفَرٌ قَالَ: الْخَالَةُ وَالِدَةٌ، وَأَنَا أَحَقُّ بِهَا لِمَكَانِ خَالَتِهَا عِنْدِي أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَا أَرَاكُمْ تَخْتَصِمُونَ هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَأَنَا أَخْرَجْتُهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَيْسَ لَكُمْ
__________
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (43) باب عمرة القضاء، الحديث (4251) ، فتح الباري (7: 499) .
[ (10) ] أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (8: 5- 6) .
[ (11) ] في (ح) «عن» .
[ (12) ] الزيادة من (ح) .
[ (13) ] ليست في (ح) .(4/339)
إِلَيْهَا نَسَبٌ دُونِي، وَأَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ: أَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَمَوْلَى اللهِ وَمَوْلَى رسول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . [ (14) ] وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيٌّ فَأَخِي وَصَاحِبِي وَأَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَتُشْبِهُ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَنْتَ يَا جَعْفَرُ أَوْلَى بِهَا تَحْتَكَ خَالَتُهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى عَمَّتِهَا، فَقَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ [ (15) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَلَمَّا قَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ قَامَ جَعْفَرٌ فَحَجَلَ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ النَّجَاشِيُّ إِذَا أَرْضَى أَحَدًا قَامَ فَحَجَلَ حَوْلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَزَوَّجْهَا، فَقَالَ ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ هَلْ جَزَيْتُ سلمة [ (16) ] .
__________
[ (14) ] من (ح) .
[ (15) ] الخبر رواه الواقدي في المغازي (2: 738) ،
[ (16) ] وذلك ان سلمة هو الذي كان زوج أم سلمة مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(4/340)
بَابُ ذِكْرِ سَرِيَّةِ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ [ (1) ] إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
ثُمَّ غَزَا أَبُو الْعَوْجَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ [ (2) ] الْقَطَّانِ ثُمَّ غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي [ (3) ] الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ فِي نَاسٍ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ فَقُتِلَ هُوَ وأَصْحَابِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (1) ] هو الأخرم بن أبي العوجاء السلمي رضي الله عنه، ترجم له ابن حجر في الإصابة، وأغرب الذهبي، فقال: «أبو العوجاء» ، عن الزهري.
[ (2) ] في (ح) : «حسب رواية القطان» .
[ (3) ] في (ح) : «ثُمَّ غَزَا أَبُو الْعَوْجَاءِ» .(4/341)
الْوَاقِدِيُّ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ رَجَعَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ بَعَثَ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيَّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا، فَخَرَجَ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ عَيْنُ بَنِي سُلَيْمٍ مَعَهُ فَلَمَّا فَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ خَرَجَ الْعَيْنُ إِلَى قَوْمِهِ، فَحَذَّرَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ فَجَمَعُوا جَمْعًا كَثِيرًا، وَجَاءَهُمُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ، وَالْقَوْمُ مُعِدُّونَ، فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَوْا جَمْعَهُمْ دَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَرَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُمْ، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى مَا دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ، فَرَمَوْهُمْ سَاعَةً وَجَعَلَتِ الْأَمْدَادُ تَأْتِي حَتَّى أَحْدَقُوا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى قُتِلَ عَامَّتُهُمْ، وَأُصِيبَ صَاحِبُهُمُ [ (4) ] ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ جَرِيحًا مَعَ الْقَتْلَى، ثُمَّ تَحَامَلَ حَتَّى بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (5) ] .
__________
[ (4) ] في (أ) : «صاحبكم» .
[ (5) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 741) .(4/342)
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَا ظَهَرَ لَهُ عَلَى لِسَانِ النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ آثَارِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّسَالَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ، أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كُنْتُ لِلْإِسْلَامِ مُجَانِبًا مُعَانِدًا، حَضَرْتُ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَنَجَوْتُ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُدًا فَنَجَوْتُ، ثُمَّ حَضَرْتُ الْخَنْدَقَ فَنَجَوْتُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَمْ أَوْضَعَ اللهُ لِيُظْهِرَنَّ مُحَمَّدًا عَلَى قُرَيْشٍ فَلَحِقْتُ بِمَالِي بِالرَّهْطِ [ (1) ] وَأَقْلَلْتُ مِنَ النَّاسِ، يَقُولُ: أَقْلَلْتُ مِنْ لِقَائِهِمْ، فَلَمَّا حَضَرَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَكَّةَ جَعَلْتُ أَقُولُ: يَدْخُلُ مُحَمَّدٌ قَابِلًا مَكَّةَ بِأَصْحَابِهِ، مَا مَكَّةُ بِمَنْزِلٍ، وَلَا الطَّائِفُ، وَمَا شَيْءٌ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَنَا بَعْدُ نَاءٍ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَرَى لَوْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا لَمْ أُسْلِمْ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَجَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قَوْمِي وَكَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي وَيَسْمَعُونَ مِنِّي وَيُقَدِّمُونِي فِيمَا نَابَهُمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: كَيْفَ أَنَا فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: ذُو رَأْيِنَا ومد رهنا فِي [ (2) ] يُمْنِ نَقِيبَةٍ وَبَرَكَةِ أمر،
__________
[ (1) ] في المغازي للواقدي: «فخلّفت مالي بالرّهط، وأفلتّ- يعني من الناس» .
[ (2) ] (مدرهنا) المدره: السيد الشريف.(4/343)
قَالَ: قُلْتُ: تَعْلَمُونَ أَنِّي وَاللهِ لَا أَرَى أَمْرَ محمد أمرا يعلوا الْأُمُورَ عُلُوًّا مُنْكَرًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَلْحَقُ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونُ مَعَهُ فَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَنَكُونُ تَحْتَ يَدِ النَّجَاشِيِّ أَحَبَّ إِلَيْنَا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَظْهَرْ قُرَيْشٌ فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، قَالُوا: «هَذَا الرَّأْيُ» قَالَ: فَاجْمَعُوا مَا تُهْدُونَهُ لَهُ وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ، فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فو الله إنا لعنك إِذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ يُزَوِّجُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَلَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ قَدْ سَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ سَرَرْتُ قُرَيْشًا، وَكُنْتُ قَدْ أَجْزَأْتُ [ (3) ] عَنْهَا حين قلت رَسُولَ مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (4) ] فَدَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَجَدْتُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَقَالَ مَرْحَبًا بِصَدِيقِي أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا قُلْتُ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَهْدَيْتُ لَكَ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَرَّبْتُهُ، إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ، فَفَرَّقَ مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بَطَارِقَتِهِ، وَأَقَرَّ بِسَائِرِهِ فَأُدْخِلَ فِي مَوْضِعٍ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُحْتَفَظَ بِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُ طِيبَ نَفْسِهِ، قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ رَسُولُ عَدُوٍّ لَنَا، قَدْ وَتَرَنَا، وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا، فَأَعْطِنِيهِ فَأَقْتُلَهُ، فَغَضِبَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَسَرَهُ، فَابْتَدَرَ مَنْخِرَايَ فَجَعَلْتُ أَتَلَقَّى الدَّمَ بِثِيَابِي فَأَصَابَنِي مِنَ الذُّلِّ مَا لَوِ انْشَقَّتْ لِيَ الْأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ.
ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ مَا قُلْتُ مَا سَأَلْتُكَهُ، قَالَ:
وَاسْتَحْيَا وَقَالَ: يَا عَمْرُو تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ مَنْ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَالَّذِي كَانَ يَأْتِي عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِتَقْتُلَهُ! قَالَ عَمْرٌو: وَغَيَّرَ
__________
[ (3) ] في (أ) : «أجرأ» ومعنى: أجزأت عنها: أي: كفيتها.
[ (4) ] من (ح) .(4/344)
اللهُ قَلْبِي عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقَّ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ، وَتُخَالِفُ أَنْتَ! قُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَيُّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا قَالَ: نَعَمْ أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ اللهِ [تَعَالَى] [ (5) ] ، يَا عمرو فأطعني واتبعه، فو الله إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قُلْتُ: أفتيا يعني لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَنِي عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَعَا بِطَسْتٍ فَغَسَلَ عَنِّي الدَّمَ، وَكَسَانِي ثِيَابًا وَكَانَتْ ثِيَابِي [قَدِ] امْتَلَأَتِ الدَّمَ فَأَلْقَيْتُهَا ثُمَّ خَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي فَلَمَّا رَأَوْا كِسْوَةَ النَّجَاشِيِّ سُرُّوا بِذَلِكَ، وَقَالُوا: هَلْ أَدْرَكْتَ مِنْ صَاحِبِكَ مَا أَرَدْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، وَقُلْتُ أَعُودُ إِلَيْهِ. قَالُوا: الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ.
فَفَارَقْتُهُمْ وَكَأَنِّي أَعْمِدُ لِحَاجَةٍ، فَعَمَدْتُ إِلَى مَوْضِعِ السُّفُنِ، فَأَجِدُ سَفِينَةً قَدْ شُحِنَتْ تُدْفَعُ فَرَكِبْتُ مَعَهُمْ، وَدَفَعُوهَا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشُّعَيْبَةِ [ (6) ] وَخَرَجْتُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَعِي نَفَقَةٌ فَابْتَعْتُ بَعِيرًا، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ، حَتَّى خَرَجْتُ عَلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، ثُمَّ مَضَيْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالْهَدَاةِ فَإِذَا رَجُلَانِ قَدْ سبقاني بغير كثير يريد أن مَنْزِلًا وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ، وَالْآخَرُ قَائِمٌ يُمْسِكُ الرَّاحِلَتَيْنِ، نَظَرْتُ فَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقُلْتُ: أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَعْمٌ وَاللهِ لَوْ أَقَمْتُ لَأَخَذَ بِرِقَابِنَا كَمَا يُؤْخَذُ بِرَقَبَةِ الضَّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا، قُلْتُ: وَأَنَا وَاللهِ قَدْ أَرَدْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَدْتُ الْإِسْلَامَ. فَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَرَحَّبَ بِي فَنَزَلْنَا جَمِيعًا فِي الْمَنْزِلِ، ثُمَّ رَافَقَنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لَقِيَنَا بِبِئْرِ أَبِي عَنَبَةَ يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ، يَا رَبَاحُ فَتَفَاءَلْنَا بِقَوْلِهِ، وَسِرْنَا ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ قَدْ أَعْطَتْ مَكَّةُ الْمَقَادَةَ بَعْدَ هَذَيْنِ! فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِينِي وَيَعْنِي خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَوَلَّى مُدْبِرًا إِلَى المسجد
__________
[ (5) ] من (ح) .
[ (6) ] (الشعيبة) : على شاطئ البحر بطريق اليمن.(4/345)
سَرِيعًا فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَشَّرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِنَا، فَكَانَ مَا ظَنَنْتُ وَأَنَخْنَا بِالْحَرَّةِ، فَلَبِسْنَا مِنْ صَالِحٍ ثِيَابًا، وَنُودِيَ بِالْعَصْرِ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ وَإِنَّ لِوَجْهِهِ تَهَلُّلًا وَالْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ قَدْ سُرُّوا بِإِسْلَامِنَا وَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَايَعَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فبايع، ثم تقدمت فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرْفَعَ طَرْفِي [إِلَيْهِ] حَيَاءً مِنْهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَا تَأَخَّرَ،
فَقَالَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَالْهِجْرَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا،
فو الله مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَمْرِ حزبه مُنْذُ أَسْلَمْنَا [ (7) ] وَلَقَدْ كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَلَقَدْ كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بِتِلْكَ الْحَالِ، وَكَانَ عُمَرُ عَلَى خَالِدٍ كَالْعَاتِبِ.
قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَاشِدٌ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرٍو نَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: فَقُلْتُ لِيَزِيدَ فَلَمْ يُوَقِّتْ لَكَ مَتَى قَدِمَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَبْلَ الْفَتْحِ، قُلْتُ: إِنَّ أبي أخبرني أن عمروا وَخَالِدًا وَعُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتُ: والله إني لا أرى
__________
[ (7) ] في (أ) : «أسلمت» .
[ (8) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 741- 745) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 236) .(4/346)
أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوًا مُنْكَرًا، وَاللهِ مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا مَا أَدْرِي كَيْفَ رَأْيُكُمْ فِيهِ قَالُوا: وَمَا هُوَ فَقُلْتُ: رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ عَلَى حَافَتِنَا، فَإِنْ ظَفَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا نَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ، فَنَكُونَ تَحْتَ يَدِ النَّجَاشِيِّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ [ (9) ] مُحَمَّدٍ فَقَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ قُلْتُ:
فَابْتَاعُوا لَهُ هَدَايَا، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ، فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا وَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فَوَافَقْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، قَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ لِصَاحِبِي:
هَذَا رَسُولُ مُحَمَّدٍ لَوْ قَدْ أَدْخَلْتُ هَدَايَاهُ سَأَلْتُهُ أَنْ يُعْطِيَنِيهِ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِصَدِيقِي هَلْ أَهْدَيْتَ لِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ الْهَدَايَا، فَلَمَّا تَعَجَّبَ لَهَا وَأَخَذَهَا. قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ دَخَلَ عَلَيْكَ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ وَتَرَنَا وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا، فَأَعْطِنِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَغَضِبَ أَشَدَّ غَضَبٍ خَلَقَهُ اللهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَ نَفْسِهِ [ (10) ] ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ وَلَوِ انْشَقَّتْ لِيَ الْأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا لَمْ أسألك [فقال] [ (11) ] تسئلني أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ تَقْتُلَهُ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ وَاللهِ وَيْحَكَ يَا عَمْرُو إِنِّي لَكَ نَاصِحٌ فَاتَّبِعْهُ وأسلم معه فو الله لَيَظْهَرَنَّ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ فَبَايِعْنِي أَنْتَ لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ فَقُلْتُ خَيْرًا فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جلست
__________
[ (9) ] في (ح) : «يد» .
[ (10) ] في سيرة ابن هشام: «أنفه» .
[ (11) ] في الزيادة من (ح) .(4/347)
عَلَى رَاحِلَتِي فَانْطَلَقْتُ وَتَرَكْتُهُمْ فو الله إِنِّي لَأَهْوِي إِذْ لَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ: أَذْهَبُ وَاللهِ أُسْلِمُ إِنَّهُ وَاللهِ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ [ (12) ] إِنَّ الرَّجُلَ لِنَبِيٌّ مَا أَشُكُّ فِيهِ فَقُلْتُ وَأَنَا وَاللهِ مَا جِئْتُ إلا لأني مسلم فقدقنا علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَتَقَدَّمَ خَالِدٌ فَبَايَعَ ثُمَّ تَقَدَّمْتُ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لِي: يَا عَمْرُو بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَالْهِجْرَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قبلها [ (13) ] .
__________
[ (12) ] «لقد استقام المنسم» هذا مثل معناه: لقد بين الأمر ووضح، ولم يعد فيه لبس ولا شك.
[ (13) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 234- 237) .(4/348)
بَابُ ذِكْرِ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِيَ يُحَدِّثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرَادَ بِي مِنَ الْخَيْرِ، قَذَفَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَحَضَرَنِي رُشْدِي، وَقُلْتُ: قَدْ شَهِدْتُ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ إِلَّا أَنْصَرِفُ وَأَنَا أَرَى فِي نَفْسِي أَنِّي مُوضِعٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَظْهَرُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجْتُ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسقان، فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ، وَتَعَرَّضْتُ لَهُ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ أَمَامَنَا فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعْزَمْ لَنَا، وَكَانَتْ فِيهِ خِيَرَةٌ، فَأُطْلِعَ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِنَا مِنَ الْهُمُومِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَّا مَوْقِعًا وَقُلْتُ: الرَّجُلُ مَمْنُوعٌ، فَافْتَرَقْنَا وَعَدَلَ عَنْ سَنَنِ خَيْلِنَا [ (1) ] وَأَخَذْتُ ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَدَافَعَتْهُ قُرَيْشٌ بِالرَّاحِ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ؟ أين المذهب
__________
[ (1) ] (عن سنن الخيل) : عن وجهه.(4/349)
إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا، وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ آمِنُونَ، فَأَخْرُجُ إِلَى هِرَقْلَ فَأَخْرُجُ مِنْ دِينِي إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ يَهُودِيَّةٍ فَأُقِيمُ مَعَ عجم تابع مَعَ عَيْبِ ذَلِكَ، أَوْ أُقِيمُ فِي دَارِي فِيمَنْ بَقِيَ.
فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ فَتَغَيَّبْتُ وَلَمْ أَشْهَدْ دُخُولَهُ، فَكَانَ أَخِي الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، فَطَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدْنِي وَكَتَبَ إِلَيَّ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ! فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَقْلُكَ عَقْلُكَ، وَمِثْلُ الْإِسْلَامِ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ؟
قَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأْتِي اللهُ بِهِ فَقَالَ: مَا مِثْلُهُ جَهِلَ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَجِدَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ،
فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا قَدْ فَاتَكَ، وَقَدْ فَاتَتْكَ مَوَاطِنُ صَالِحَةٌ، فَلَمَّا جَاءَنِي كِتَابُهُ نَشَطْتُ لِلْخُرُوجِ وَزَادَنِي رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنِّي فِي بِلَادٍ ضَيِّقَةٍ جَدْبَةٍ فَخَرَجْتُ إِلَى بِلَادٍ خَضْرَاءَ وَاسِعَةٍ. قُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْتُ لَأَذْكُرَنَّهَا لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُهَا فَقَالَ: هُوَ مَخْرَجُكَ الَّذِي هَدَاكَ اللهُ لِلْإِسْلَامِ وَالضِّيقُ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ الشِّرْكُ.
فَلَمَّا أَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أُصَاحِبُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَلَقِيتُ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا وَهْبٍ أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ إِنَّمَا نَحْنُ كَأَضْرَاسٍ وَقَدْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَلَوْ قَدِمْنَا عَلَى مُحَمَّدٍ فَاتَّبَعْنَاهُ فَإِنَّ شَرَفَ مُحَمَّدٍ لَنَا شَرَفٌ فَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ وَقَالَ لِي: لَوْ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي مَا اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا، فَافْتَرَقْنَا وَقُلْتُ: [ (2) ] هَذَا رَجُلٌ قُتِلَ أَخُوهُ وَأَبُوهُ بِبَدْرٍ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ مَا قُلْتُ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ صَفْوَانُ، قُلْتُ: فاكتم
__________
[ (2) ] في (ح) : «قال» وهو تحريف.(4/350)
ذِكْرَ مَا قُلْتُ لَكَ قَالَ: لَا أَذْكُرُهُ فَخَرَجْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَأَمَرْتُ بِرَاحِلَتِي تَخْرُجُ إِلَى أَنْ أَلْقَى عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لِي صَدِيقٌ فَلَوْ ذَكَرْتُ لَهُ مَا أَرْجُو ثُمَّ ذَكَرْتُ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ وَأَنَا رَاحِلٌ مِنْ سَاعَتِي فَذَكَرْتُ لَهُ مَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ إِنَّمَا نَحْنُ بِمَنْزِلَةِ ثَعْلَبٍ في حجر لَوْ صُبَّ فِيهِ ذَنُوبٌ [ (3) ] مِنْ مَاءٍ خَرَجَ وَقُلْتُ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قُلْتُ لِصَاحِبِي فَأَسْرَعَ الْإِجَابَةَ وَقَالَ إِنِّي غَدَوْتُ الْيَوْمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْدُوَ وَهَذِهِ رَاحِلَتِي بِفَخٍّ مُنَاخَةٌ [ (4) ] قَالَ:
فَاتَّعَدْتُ أَنَا وَهُوَ بِيَأْجِجَ إِنْ سَبَقَنِي أَقَامَ وَإِنْ سَبَقْتُهُ أَقَمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَدْلَجْنَا سَحَرًا فَلَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ حَتَّى الْتَقَيْنَا بِيَأْجِجَ فَغَدَوْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْهَدْأَةِ فَنَجِدُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِهَا فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ فَقُلْنَا وَبِكَ قَالَ: أَيْنَ مَسِيرُكُمْ قُلْنَا مَا أَخْرَجَكَ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمْ قُلْنَا الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
وَذَاكَ الَّذِي أَقْدَمَنِي
قَالَ: فَاصْطَحَبْنَا جَمِيعًا حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَأَنَخْنَا بِظَهْرِ الْحَرَّةِ رِكَابَنَا فَأُخْبِرَ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَسُرَّ بِنَا، فَلَبِسْتُ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِي، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنِي أَخِي فَقَالَ أَسْرِعْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُخْبِرَ بِكَ فَسُرَّ بِقُدُومِكَ وَهُوَ يَنْتَظِرُكُمْ، فَأَسْرَعْنَا الْمَشْيَ فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يَتَبَسَّمُ إِلَيَّ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ، قَدْ كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلًا رَجَوْتُ أَنْ لَا يُسْلِمَكَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ رَأَيْتَ مَا كُنْتُ أَشْهَدُ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ عَلَيْكَ مُعَانِدًا عَنِ الْحَقِّ فَادْعُ اللهَ يَغْفِرْهَا لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّ [ (5) ] مَا كَانَ قَبْلَهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ كُلَّ مَا أَوْضَعَ فِيهِ مِنْ صَدٍّ عن سبيلك
__________
[ (3) ] (الذنوب) : «الدلو العظيمة» .
[ (4) ] في ابن كثير عن الواقدي: «بفج» وهو واد بمكة.
[ (5) ] يجبّ: يقطع.(4/351)
قَالَ: خَالِدٌ وَتَقَدَّمَ عَمْرٌو وَعُثْمَانُ فَبَايَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قُدُومُنَا فِي صَفَرٍ سنة ثمان فو الله مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ يَوْمِ أَسْلَمْتُ يَعْدِلُ بِي أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فيما حذبه [ (6) ] .
__________
[ (6) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 746- 748) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 239) .(4/352)
بَابُ سَرِيَّةِ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ [ (1) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ ...
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا إِلَى جَمْعٍ مِنْ هَوَازِنَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَكَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ حَتَّى صَبَّحَهُمْ غَارِّينَ وَقَدْ أَوْعَزَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَلَّا يُمْعِنُوا فِي الطَّلَبِ فَأَصَابُوا نَعَمًا كَثِيرًا وَشَاءً فَاسْتَاقُوا ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَعَدَلُوا الْبَعِيرَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْغَنَمِ، وَغَابَتِ السَّرِيَّةُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
قَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: كَذَبُوا قَدْ أَصَابُوا فِي ذَلِكَ الْحَاضِرِ نِسْوَةً فَاسْتَاقُوهُنَّ [ (2) ] فكانت
__________
[ (1) ] شجاع بن وهب من السابقين الأولين، وفيمن هاجر الى الحبشة، وشهد بدرا، استشهد باليمامة وكنيته: «أبو وهب» . له ترجمة في الإصابة (2: 138) .
[ (2) ] في (ح) : «فاستاقهن» .(4/353)
فِيهِنَّ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ فَقَدِمُوا بِهَا الْمَدِينَةَ ثُمَّ قَدِمَ وَفْدُهُمْ مُسْلِمِينَ، فَكَلَّمُوا [ (3) ] رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي السَّبْيِ فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعًا وَأَصْحَابَهُ فِي رَدِّهِنَّ فَسَلَّمُوهُنَّ وَرَدَّهُنَّ إِلَى أَصْحَابِهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ فَأَخْبَرْتُ شَيْخًا مِنَ الْأَنْصَارِ بِذَلِكَ فَقَالَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ الْوَضِيئَةُ فَكَانَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ، فَأَصَابَهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْوَفْدُ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتِ الْمُقَامَ عِنْدَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَهِيَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ له منها ولد [ (4) ] .
__________
[ (3) ] في (ح) : «فسلّموا» .
[ (4) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 753- 754) .(4/354)
بَابُ سَرِيَّةٍ أُخْرَى قِبَلَ نَجْدٍ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (1) ] عَنْهُ [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا [بَعِيرًا] [ (3) ] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى ابن سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ (ح) .
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] في (ح) : «عنهم أجمعين» .
[ (3) ] ليست في (ح) .
[ (4) ] أخرجه البخاري في: 57- كتاب فرض الخمس (15) باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين.
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (12) باب الأنفال، الحديث (35) .
وأخرجه مالك في الموطأ، في: 21- كتاب الجهاد، (6) باب جامع النفل في الغزو، الحديث (15) ، ص (2: 450) .(4/355)
قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ وَفِيهِمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا سِوَى ذَلِكَ بَعِيرًا، بَعِيرًا، فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ [ (5) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (6) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَنَفَّلَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَيْ أَقَرَّنَا عَلَى مَا نَفَّلَنَا صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ نَافِعٍ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهَا فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرًا، فَنَفَّلَنَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَقَسَمَ بَيْنَنَا غَنِيمَتَنَا، فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا اثنا عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ، وَمَا حَاسَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي أَعْطَانَا صَاحِبُنَا وَلَا عَابَ عَلَيْهِ مَا صَنَعَ فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا بِنَفْلِهِ.
__________
[ (5) ] راجع الحاشية السابقة.
[ (6) ] راجع الحاشية (4) .(4/356)
بَابُ سَرِيَّةِ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيِّ [ (1) ] إِلَى قُضَاعَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيَّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَاتِ أَطْلَاحٍ [ (2) ] مِنَ الشَّامِ فَوَجَدُوا جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ كَثِيرًا فَدَعَوْهُمْ، إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَشَقُوهُمْ مِنَ النَّبْلِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى قُتِلُوا فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ جَرِيحٌ فِي الْقَتْلَى، فَلَمَّا بَرَدَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ تَحَامَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَمَّ بِالْبَعْثَةِ إِلَيْهِمْ فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ سَارُوا إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَتَرَكَهُمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: كَانَ كَعْبٌ يَكْمُنُ النَّهَارَ وَيَسِيرُ بِاللَّيْلِ حَتَّى دَنَا مِنْهُمْ فَرَآهُ عَيْنٌ لَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ بقتلهم فجاؤوا على الخيول فقتلوهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] كعب بن عمير الغفاري.. من كبار الصحابة، وله ترجمة في الإصابة (3: 301) .
[ (2) ] ذات أطلاع من أرض الشام. معجم ما أستعجم (3: 893) .
[ (3) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 752- 753) .(4/357)
بَابُ مَا جَاءَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِي تَأْمِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَها ثُمَّ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْوَقْعَةِ قَبْلَ مَجِيءِ خَبَرِهَا مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ [ (2) ] في المدينة
__________
[ (1) ] انظر في غزوة مؤتة.
- سيرة ابن هشام (3: 322) .
- طبقات ابن سعد (2: 128) .
- صحيح البخاري (5: 141) .
- تاريخ الطبري (3: 23) .
- أنساب الأشراف (1: 169) .
- ابن حزم (219) .
- عيون الأثر (2: 198) .
- البداية والنهاية (4: 241) .
- السيرة الشامية (6: 228) .
ومؤتة موضع بالشام (بالهمز) وبه جزم المبرد وهي قرى من قرى البلقاء من اعمال دمشق.
[ (2) ] في (ح) : «حتى أقام) .(4/358)
حَتَّى بَعَثَ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى [الْأُولَى] [ (3) ] مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، قَالَ وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ فِي مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ [ (4) ] .
فَتَجَهَّزَ النَّاسُ وَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَوَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا وَدَّعُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا بِي حُبٌّ لِلدُّنْيَا، وَلَا صَبَابَةٌ إِلَيْهَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [ (5) ] فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللهُ وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ، وَدَفَعَ عَنْكُمْ. فقال ابن رواحة.
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا [ (6) ]
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبَدَا [ (7) ]
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَهُ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا [ (8) ]
ثُمَّ أَتَى عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعَهُ، فَقَالَ:
وَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاهُ مِنْ حَسَنٍ ... تَثَبُّتَ مُوسَى ونصرا كالذي نصرا [ (9) ]
__________
[ (3) ] التكملة من سيرة ابن هشام (3: 322) .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 322) ، والبداية والنهاية (4: 241) .
[ (5) ] [سورة مريم- 71] .
[ (6) ] ذات فرغ يريد طعنة واسعة، والزبد أصله ما يعلو الماء إذا غلا، وأراد هنا ما يعلو الدم الذي ينفجر من الطعنة.
[ (7) ] مجهزة: سريعة القتل. تقول: أجهز على الجريح إذا أسرع في قتله، وتنفذ الأحشاء: تخرقها وتصل إليها.
[ (8) ] الجدث: القبر.
[ (9) ] تفرست: تبينت، ونافلة: هبة من الله.(4/359)
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ [ (10) ]
أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ [ (11) ]
ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ بِمَأْرِبَ فِي مِائَةِ، أَلْفٍ مِنَ الروم وماية أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ فَأَقَامُوا بِمُعَانَ يَوْمَيْنِ فَقَالُوا نَبْعَثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ بِكَثْرَةِ عَدُوِّنَا، فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا أَمْرًا، فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ وَاللهِ إِنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ لَهَا إِيَّاهَا تَطْلُبُونَ: الشَّهَادَةُ، وما تقاتل النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا كَثْرَةٍ وَإِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَإِنْ يُظْهِرْنَا اللهُ بِهِ فَرُبَّمَا فَعَلَ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَهِيَ الشَّهَادَةُ وَلَيْسَتْ بِشَرِّ الْمَنْزِلَيْنِ، فَقَالَ النَّاسُ: وَاللهِ لَقَدْ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَانْشَمَرَ النَّاسُ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ حَتَّى لَقُوا جُمُوعَ الرُّومِ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا شَرَافٌ ثُمَّ انْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُؤْتَةَ قَرْيَةٌ فَوْقَ أَحْسَاءَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ كَاسِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَإِنْ قتل زيد فجعفر،
__________
[ (10) ] (ازرى به القدر) : قصر به.
[ (11) ] في الأبيات الثلاثة إقواء، وقال ابن هشام: أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات:
أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ ازرى به القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن ... في المرسلين، وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... فراسة خالفت فيك الذي نظروا
[ (12) ] سيرة ابن هشام (3: 324) .(4/360)
وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَفَتَّشْنَاهُ فَوَجَدْنَا فِيمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ بِضْعًا وَسَبْعِينَ [بَيْنَ] [ (13) ] طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٌ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْهَيْثَمُ الدُّورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرًا فَوَجَدْنَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ أَوْ بِضْعًا وَسَبْعِينَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ.
أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحِ هَكَذَا الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِضْعًا وَتِسْعِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ مَهْصٍ الْيَهُودِيُّ فَوَقَفَ عَلَى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ
__________
[ (13) ] من (ح) .
[ (14) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (44) باب غزوة مؤتة من أرض الشام، الحديث (4261) ، فتح الباري (7: 510) .(4/361)
جعفر فعبد لله ابن رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرحمن بن رواحة فليرتضي الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ،
فَقَالَ النُّعْمَانُ: أَبَا الْقَاسِمِ! إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَمَّيْتَ مَنْ سَمَّيْتَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أُصِيبُوا جَمِيعًا، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا اسْتَعْمَلُوا الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا إِنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَفُلَانٌ فَلَوْ سَمَّوْا مِائَةً أُصِيبُوا جَمِيعًا، ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ لِزَيْدٍ اعْهَدْ فَلَا تَرْجِعْ إِلَى مُحَمَّدٍ أَبَدًا إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا قَالَ زَيْدٌ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ صَادِقٌ [ (15) ] بَارٌّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَضَى النَّاسُ فَتَعَبَّأَ [ (17) ] لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنَ الأنصار يقال عباية ابن مَالِكٍ فَالْتَقَى النَّاسُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ربيعة بن عثمان، عن الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْتُ مُؤْتَةَ فَلَمَّا رَآنَا الْمُشْرِكُونَ رَأَيْنَا مَا لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ مِنَ الْعُدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالدِّيبَاجِ [ (18) ] وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ فَبَرَقَ بَصَرِي فَقَالَ لِي ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ: مالك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَأَنَّكَ تَرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً قُلْتُ نَعَمْ قَالَ تَشْهَدُ مَعَنَا بَدْرًا إِنَّا لَمْ نُنْصَرْ بالكثرة [ (19) ] .
__________
[ (15) ] في (ح) : «صدّيق» .
[ (16) ] الخبر رواه الواقدي (2: 756) .
[ (17) ] رسمت في الأصول: «فتعبّى» .
[ (18) ] في (أ) : «والدنيا» .
[ (19) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 760) .(4/362)
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ مُؤْتَةَ حِينَ الْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ وهو يقول.
يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيِّبَةٌ بَارِدَةٌ شَرَابُهَا
وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... عَلَيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا [ (20) ]
فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَالْتَوَى بِهَا بَعْضَ الِالْتِوَاءِ ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بِهَا بَعْضَ التَّرَدُّدِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ. [رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنه] [ (21) ] .
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ ... طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ
__________
[ (20) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 327) .
[ (21) ] الزيادة من (ح) .(4/363)
أن أنجلب الناس وشدّوا الرّنه ... مالي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّةْ [ (22) ]
قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّةْ ... هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
ثُمَّ نَزَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أَيْضًا.
يَا نَفْسُ إِلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ
وَمَا تمنيت فقد أعطيتي ... إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ
وإن تأخرت فقد شقيتي
يُرِيدُ جَعْفَرًا وَزَيْدًا، ثُمَّ نَزَلَ فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقِ لَحْمٍ [ (23) ] ، فَقَالَ: شُدَّ بِهَا صُلْبَكَ فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ يَوْمَكَ هَذَا مَا لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ فَنَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، قَالَ: وَأَنْتِ فِي الدُّنْيَا فَأَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِسَيْفِهِ فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [ (24) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: اصْطَلِحُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: أَنْتَ لَهَا فَقَالَ لَا وَلَكِنِ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَجَاسَ بِالنَّاسِ فَدَافَعَ وَانْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنَّاسِ [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ صَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
__________
[ (22) ] الرنة: صوت فيه ترجيع يشبه البكاء.
[ (23) ] وهو العظم الذي عليه بعض اللحم.
[ (24) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 227- 228) .
[ (25) ] سيرة ابن هشام (3: 228) .(4/364)
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى مُؤْتَةَ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُهُمْ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَمِيرُهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى لَقُوا ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ الْغَسَّانِيَّ بِمُؤتَةَ وَبِهَا جُمُوعٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَالرُّومِ تَنُوخَ وَبَهْرَاءَ فَأَغْلَقَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ الْحِصْنَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ خَرَجُوا فَالْتَقَوْا عَلَى ذَرْعٍ أَحْمَرَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ ابن حَارِثَةَ، فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلَ ثم اصطلحوا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ فَهَزَمَ اللهُ الْعَدُوَّ وَأَظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَعَتَهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّ عَلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَلَائِكَةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا يَطِيرُونَ لَهُ جَنَاحَانِ قَالَ وَزَعَمُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُنْيَةَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نخبر أَهْلِ مُؤْتَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ، قَالَ: أَخْبِرْنِي [ (26) ] يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُمْ كُلَّهُ وَوَصَفَهُ [ (27) ] لَهُمْ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَرَكْتَ مِنْ حَدِيثِهِمْ حَرْفًا لَمْ تَذْكُرْهُ وإن أمرهم كلما ذَكَرْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفَعَ لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مُعْتَرَكَهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي المقبري الأسفرايني، قَالَ:
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال:
__________
[ (26) ] في (ح) : (فأخبرني) .
[ (27) ] في (ح) : (ووصفهم) .(4/365)
نعى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ نَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ نَعَاهُمْ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن زَيْدٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهِسِنْجَانِيُّ وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حميد ابن هِلَالٍ عَنْ، أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَعَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَى زَيْدٍ فَأُصِيبُوا جَمِيعًا قَالَ أَنَسٌ: فَنَعَاهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْخَبَرُ قَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدُ سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قال: فَجَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ وَعَيْنَاهُ تذرفان لفظ حديث البسطاني.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَنِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْكَلْبِيُّ وَيَعْقُوبُ قالوا أخبرنا [ (30) ] إسماعيل
__________
[ (28) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ في: 64- كتاب المغازي، (44) باب غزوة مؤتة، الحديث (4262) ، فتح الباري (7: 512) .
[ (29) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ واقد، في الموضع السابق، فتح الباري (7: 512) .
[ (30) ] في (ح) : «حدثنا» .(4/366)
ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ، قَالَ: مَا سَرَّنِي أَنَّهُمْ عِنْدَنَا أَوْ سَرَّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا شَكَّ أَيُّوبُ لَفْظُ الْمَنِيعِيِّ وَقَالَ: الْآخَرُ وَمَا يَسُرُّهُمْ أَوْ يَسُرُّنِي أَنَّهُمْ عِنْدَنَا وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو ابن مَطَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ حُبَابٍ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنَ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ فَغَشِيَهُ النَّاسُ فَغَشِيتُهُ فِيمَنْ غَشِيَهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم جَيْشَ الْأُمَرَاءِ، وَقَالَ عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَوَثَبَ جَعْفَرٌ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كُنْتُ أَرْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ زَيْدًا عَلَيَّ، قَالَ: امْضِ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ، فَانْطَلَقُوا فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللهُ فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَأَمَرَ فَنُودِيَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا أَنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا شَهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ، [عَبْدُ الله] [ (32) ] ، ابن رَوَاحَةَ فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَهُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
__________
[ (31) ] صحيح البخاري (5: 294) .
[ (32) ] ليست في (أ) .(4/367)
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: اللهُمَّ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيوفِكَ فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ. فَمِنْ يَوْمِئِذٍ سُمِّي خَالِدٌ سَيْفَ اللهِ [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا بلغني أخذ زيد ابن حَارِثَةَ الرَّايَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا» ، ثُمَّ صَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ كَانَ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، مَا يَكْرَهُونَ فَقَالَ: ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ لَقَدْ رُفِعُوا إِلَيَّ فِي الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِيَ سَرِيرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ فَقُلْتُ عَمَّ هَذَا فَقِيلَ لِي مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ مَضَى [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُطَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ أَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ وَقَاتَلَ النَّاسُ مَعَهُ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَقُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: مَا قُتِلَ إِلَّا طَعْنًا بِالرِّمَاحِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ عَنْ عَاصِمِ بن عمر
__________
[ (33) ] رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وذكره الزهري، وعروة، وابن عقبة.
[ (34) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 328) .(4/368)
ابن [ (35) ] قَتَادَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَدِيثِ قَالَا: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤتَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على الْمِنْبَرِ وَكُشِفَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مُعْتَرَكِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الدُّنْيَا فَقَالَ الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يُحَبَّبُ إِلَيَّ الدُّنْيَا فَمَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى [ (36) ] » .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ زَيْدٌ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَمَنَّاهُ الدُّنْيَا فَقَالَ: الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُمَنِّينِي الدُّنْيَا ثُمَّ مَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ مُعْتَرِضًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَا اعْتِرَاضُهُ قَالَ: لَمَّا أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ نَكَلَ فَعَاتَبَ نَفْسَهُ فَتَشَجَّعَ فَاسْتُشْهِدَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ فَسُرِّيَ عَنْ قَوْمِهِ [ (37) ] .
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا أَخَذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّايَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» [ (38) ] ،
قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: لَمَّا قتل
__________
[ (35) ] تصحفت في (ح) الى: «عن» .
[ (36) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 761) .
[ (37) ] مغازي الواقدي (2: 762) .
[ (38) ] حمي الوطيس: اشتدت الحرب.(4/369)
ابْنُ رَوَاحَةَ مَسَاءً بَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا وَقَدْ جَعَلَ مُقَدَّمَتَهُ سَاقَتَهُ، وَسَاقَتَهُ مُقَدَّمَتَهُ، وميمنته ميسرته، وميسرته ميمنة فَأَنْكَرُوا مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ رَايَاتِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، وَقَالُوا قَدْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ فَرُعِبُوا فَانْكَشَفُوا مُنْهَزِمِينَ فَقُتِلُوا مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا قَوْمٌ [ (39) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى الْجَزَّارِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَدْ عَجَنْتُ عَجِينِي وَغَسَّلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ» ، فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَشَمَّهُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا يُبْكِيكَ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ، فَقُمْتُ أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ [ (40) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، يَقُولُ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ إِذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ تَكَلَّفَ جِيرَانُهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ طَعَامَهُمْ فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ قَدْ خَبَزُوا خُبْزًا صِغَارًا وَصَنَعُوا لَحْمًا فَجُعِلَ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ يَأْتُونَ بِهِ أَهْلَ الْمَيِّتِ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى مَيِّتِهِمْ مُشْتَغِلِينَ فَيَأْكُلُونَهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ حِينَ أُصِيبَ جَعْفَرٌ: لَا تُغْفِلُوهُمْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا يَوْمَهُمْ هَذَا ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ تركوا ذلك.
__________
[ (39) ] الخبر في مغازي الواقدي (2: 764) .
[ (40) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 329) .(4/370)
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي حِكَايَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْخَبَرِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْلَى قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، يَقُولُ أَنَا أَحْفَظُ حِينَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّي فَنَعَى لَهَا أَبِي فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِي وَرَأْسِ أَخِي وَعَيْنَاهُ تُهْرَاقَانِ الدُّمُوعَ، حَتَّى تَقْطُرَ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنَّ جَعْفَرًا قَدْ قَدِمَ إِلَيْكَ إِلَى أَحْسَنِ الثَّوَابِ، فَاخْلُفْهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا خَلَفْتَ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ يَا أَسْمَاءُ أَلَا أُبَشِّرُكِ؟ قَالَتْ: بَلَى بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ ... إِنَّ اللهَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ، قَالَتْ: فَأَعْلِمِ النَّاسَ ذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي يَمْسَحُ بِيَدِهِ رَأْسِي حَتَّى رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَجْلَسَنِي أَمَامَهُ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ الْمَرْءَ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ، أَلَا إِنَّ جَعْفَرًا قَدِ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ جُعِلَ لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَدْخَلَنِي مَعَهُ، فَأَمَرَ بِطَعَامٍ فَصَنَعَ لِأَهْلِي وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِي فَتَغَدَّيْنَا عِنْدَهُ غَدَاءً طَيِّبًا مُبَارَكًا، عَمَدَتْ سَلْمَى خَادِمَتُهُ إِلَى شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ثُمَّ نَسَفَتْهُ ثُمَّ أَنْضَجَتْهُ وَأَدَمَتْهُ بِزَيْتٍ وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا فَتَغَدَّيْتُ أَنَا وَأَخِي مَعَهُ فَأَقَمْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَيْتِهِ نَدُورُ مَعَهُ كُلَّمَا صَارَ فِي بَيْتِ إِحْدَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى بَيْتِنَا فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُسَاوِمُ شَاةَ أَخٍ لِي، فَقَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَتِهِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَا بِعْتُ شَيْئًا وَلَا اشْتَرَيْتُ شَيْئًا إِلَّا بُورِكَ لِي فِيهِ [ (41) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ يعقوب
__________
[ (41) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 766- 767) .(4/371)
الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بكر [ (42) ] .
وَذَلِكَ يُصَحِّحُ مَا رُوِّينَا. عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي فِي أَمْرِ الْجَنَاحَيْنِ وَيُؤَكِّدُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ جَعْفَرٍ، وَابْنِ حَارِثَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ نِسَاءَ جعفر وذكر بكاهنّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ. [فَذَهَبَ الرَّجُلُ] [ (43) ] . ثُمَّ أَتَى فَقَالَ [يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ] [ (44) ] . [قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ] [ (45) ] ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَتْ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ تُرِيدُ الرَّجُلَ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْعَنَاءِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثقفي
__________
[ (42) ] زواه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (5: 90، 91) .
[ (43) ] ليست في (أ) .
[ (44) ] سقطت العبارة من (أ) .
[ (45) ] سقطت العبارة من نسخة (ح) .(4/372)
فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ لَمْ يَقُلِ الْمَسْجِدَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (46) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ [وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ] [ (47) ] بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْدَقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ [ (48) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَمْتِعَةِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ مِمَّا غَنِمُوا خَاتَمٌ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
قَتَلْتُ صَاحِبَهُ يَوْمَئِذٍ فَنَفَّلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ [ (49) ] .
وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ: لَقِينَاهُمْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ فَصَافُّوا فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ يَشْتَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سِلَاحٌ مُذْهَبٌ وَسَرْجٌ مُذْهَبٌ فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي مَنْ لِهَذَا وَقَدْ رَافَقَنِي رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ كَانَ مَعَنَا فِي مَسِيرِنَا ذَلِكَ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا السَّيْفُ إِذْ
__________
[ (46) ] سيرة ابن هشام (3: 329) .
[ (47) ] ليست في (ح) وبدلها: وابن الحسن.
[ (48) ] فتح الباري (7: 515) .
[ (49) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 768) .(4/373)
نَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ فَوَهَبَهُ مِنْهُ فَجَعَلَهُ فِي الشَّمْسِ وَأَوْتَدَ عَلَى أَطْرَافِهِ أَوْتَادًا، فَلَمَّا جَفَّ اتَّخَذَ مِنْهُ مَقْبَضًا وَجَعَلَهُ دَرَقَةً، فَلَمَّا رَأَى الْمَدَدِيُّ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الرُّومِيُّ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَنَ لَهُ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ خَرَجَ عَلَيْهِ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ فَقَعَدَ الْفَرَسُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَخَرَّ عَنْهُ الْعِلْجُ [ (50) ] فَشَدَّ عَلَيْهِ فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ [ (51) ] .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بُكَيْرُ بن مسمار عن عمار بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حَضَرْتُ مُؤْتَةَ فَبَارَزَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ فَأَصَبْتُهُ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ لَهُ فِيهَا يَاقُوتَةٌ فَلَمْ تَكُنْ هِمَّتِي إِلَّا الْيَاقُوتُ فَأَخَذْتُهَا فَلَمَّا انْكَشَفْنَا فَانْهَزَمْنَا رَجَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَّلَنِيهَا يَعْنِي فَبِعْتُهَا زَمَنَ عُثْمَانَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَاشْتَرَيْتُ بِهَا حَدِيقَةَ نَخْلٍ [ (52) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (53) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَجَعَلُوا يَحْثُونَ عَلَيْهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللهُ.
وبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [ (54) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حزم عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ لامرأة سلمة بن
__________
[ (50) ] العلج: الرجل من كفار العجم.
[ (51) ] رواه الواقدي (2: 768) .
[ (52) ] رواه الواقدي في المغازي (2: 769) .
[ (53) ] سيرة ابن هشام (3: 330- 331) .
[ (54) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 331) .(4/374)
هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَا لِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النَّاسُ يَا فُرَّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَانَ فِي غَزَاةِ مُؤْتَةَ.
قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي فِرَارِهِمْ وَانْحِيَازِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ فَفُتِحَ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِ عَلَيْهِمْ وَاللهُ [تَعَالَى] أَعْلَمُ [مَا الصواب] [ (55) ] .
__________
[ (55) ] الزيادات من (ح) .(4/375)
بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إلى الْجَبَّارِينَ يَدْعُوهُمْ [إِلَى الْإِسْلَامِ] [ (1) ] وَإِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَبْلَ مُؤْتَةَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ حَمَّادٍ [ (2) ] . [وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] من (ح) فقط.
[ (2) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد، (27) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلّم الى ملوك الكفار، الحديث (75) ، ص (1397) .
[ (3) ] من (ح) فقط.(4/376)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَةَ بْنَ [ (1) ] خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى قَيْصَرَ وَهُوَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ وَمَا جَرَى فِي سُؤَالِهِ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا رَأَى قَيْصَرُ فِي مَنَامِهِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ عَلَى رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ عليه [الصلاة و] [ (2) ] السلام
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابن حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى
__________
[ (1) ] هو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي: صحابي، مشهور، أول مشاهد الخندق، وقيل احد، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ينزل على صورته، وبقي الى خلافة معاوية، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى قيصر كما سيأتي.
[ (2) ] من (ح) .(4/377)
مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللهُ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا إِلَيَّ ها هنا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ [ (3) ] لِنَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي قَالَ: وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي، قال قيصرا: أَدْنُوهُ مِنِّي، ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفَيَّ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِلُهُ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثِرَ [ (4) ] أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: فَهُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ فَهَلْ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ: قَالَ:
قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا قَالَ:
فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ وَنَحْنُ نَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَغْدِرَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهَا لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي
__________
[ (3) ] في (ح) : «أحدا من قومه ها هنا» .
[ (4) ] (مخافة أَنْ يَأْثِرَ أَصْحَابِي عَنِّي الكذب) لولا خفت أنّ رفقتي ينقلون عني الكذب الى قومي، ويتحدثون به في بلادي لكذبت عليه، لبغضي إياه ومحبتي نقصه.(4/378)
غَيْرُهَا قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ قَالَ: فَقَالَ: لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ: فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُوهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ: فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدِرُونَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلًا يُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ: فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وأمر بِهِ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي(4/379)
أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تسلم وأسلم يؤتك الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فعليك إثم الأريسيين يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فلما أن قضى مقاتله عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ قَلْبِيَ الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ.
لَفْظُ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ [ (5) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعد عَنْ أَبِيهِ [ (6) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (7) ] قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ: هَلْ ها هنا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ: قَالُوا: نَعَمْ قَالَ:
فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قال: أيكم
__________
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد (102) بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ الى الإسلام والنبوة، الحديث (2941) ، فتح الباري (6: 109- 110) .
[ (6) ] مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (26) بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إلى هرقل يدعوه الى الإسلام، حديث (74) ، ص (1393- 1397) .
[ (7) ] المدة: يعني من صلح الحديبية.(4/380)
أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ صَالِحٍ وقال: فما يأمرهم بِهِ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ قَالَ: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْكِتَابَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (8) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ [ (9) ] وَغَيْرِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ] [ (10) ] بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مِنْ فِيهِ قَالَ كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَضَرَتْنَا حَتَّى نَهَكَتْ أَمْوَالَنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَمْ نَأْمَنْ أَنْ وَجَدْنَا أَمْنًا فَخَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قريش فو الله مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا قَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً وَكَانَ وَجْهُ مَتْجَرِنَا مِنَ الشَّامِ غَزَّةَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَاهَا وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ قَيْصَرُ صَاحِبُ الرُّومِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي بِلَادِهِ مِنَ الْفُرْسِ فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَرُدَّ عَلَيْهِ صَلِيبَهُ الْأَعْظَمُ وَقَدْ كَانَ اسْتَلَبُوهُ إِيَّاهُ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَخَرَجَ مِنْهَا
__________
[ (8) ] رواه البخاري في: 65- كتاب التفسير، (3) سورة آل عمران، (4) باب قل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ.
[ (9) ] مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (26) بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إلى هرقل، ص (1393) .
[ (10) ] ليست في (ح) .(4/381)
يَمْشِي مُتَشَكِّرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ تُبْسَطُ لَهُ الْبُسْطُ وَتُطْرَحُ لَهُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ فَصَلَّى بِهَا فَأَصْبَحَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَهُوَ مَهْمُومٌ يُقَلِّبُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَتْ لَهُ بَطَارِقَتُهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَهْمُومًا فَقَالَ:
أَجَلْ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أُرِيتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ فَقَالُوا: وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تَخْتَتِنُ إِلَّا يهودوهم تَحْتَ يَدَيْكَ فِي سُلْطَانِكَ فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُمْ فَابْعَثَ فِي مَمْلَكَتِكَ كُلِّهَا فَلَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ إِلَّا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ فَتَسْتَرِيحَ مِنْ هَذَا الْهَمِّ، فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ يُدَبِّرُونَهُ إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ يُحَدِّثُكَ [ (11) ] عَنْ حَدَّثٍ كَانَ بِبِلَادِهِ فَسَلْهُ عَنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي بِلَادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدِ اتَّبَعَهُ أَقْوَامٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلَاحِمُ فِي مَوَاطِنَ فَخَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: جَرِّدُوهُ فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ فَقَالَ: هَذَا وَاللهِ الَّذِي أُرِيتُ لَا مَا تَقُولُونَ أَعْطِهِ ثَوْبَهُ انْطَلِقْ لِشَأْنِكَ، ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَقَالَ لَهُ:
قَلِّبْ لِيَ الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عن شأنه فو الله إني وأصحابي لبغرّة إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَأَلَنَا مِمَّنْ أَنْتُمْ، فَأَخْبَرَنَاهُ، فَسَاقَنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فو الله مَا رَأَيْتُ مِنَ رَجُلٍ قَطُّ أَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الْأَغْلَفِ يُرِيدُ هِرَقْلَ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ: أَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا فَقُلْتُ: أَنَا قَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَأَجْلَسَهُمْ خَلْفِي وَقَالَ: إِنْ كَذَبَ فَرُدُّوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَقَدْ عَرَفْتُ أَنْ لَوْ كَذَبْتُ مَا رَدُّوا عَلَيَّ وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ وَأَسْتَحِي مِنَ الْكَذِبِ وَعَرَفْتُ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْوُوهُ عَنِّي ثُمَّ يَتَحَدَّثُوا [بِهِ عَنِّي] [ (12) ] بِمَكَّةَ فَلَمْ أَكْذِبْهُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا
__________
[ (11) ] في (ح) : «يحدث» .
[ (12) ] ليست في (ح) .(4/382)
الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ فَزَهَّدْتُ لَهُ شَأْنَهُ وَصَغَّرْتُ له أمره فو الله مَا الْتَفَتَ إِلَى ذَلِكَ مِنِّي وَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ فَقُلْتُ سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: مَحْضًا مِنْ أَوْسَطِنَا نَسَبًا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ فَهُوَ يَتَشَبَّهُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ لَهُ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ مُلْكَهُ؟ فَقُلْتُ: لَا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَتْبَاعِهِ مَنْ هُمْ فَقُلْتُ الْأَحْدَاثُ وَالضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَأَمَّا أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَذَوُو الْأَسْنَانِ مِنْهُمْ فَلَا قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَمَّنْ يَصْحَبُهُ أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ؟ قُلْتُ: قَلَّ مَا صَحِبَهُ رَجُلٌ فَفَارَقَهُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ: سِجَالٌ تُدَالُ عَلَيْنَا وَتُدَالُ عَلَيْهِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ يَغْدِرُ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَغْمِزُ فِيهِ إِلَّا هِيَ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ منه في مدّة ولا نأمن غدره فو الله مَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا مِنِّي فَأَعَادَ عَلَىَّ الْحَدِيثَ فَقَالَ: زَعَمْتَ أَنَّهُ مِنْ أَمْحَضِهِمْ نَسَبًا وَكَذَلِكَ يَأْخُذُ اللهُ النَّبِيَّ إِذَا أَخَذَهُ لَا يَأْخُذُهُ إِلَّا مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ لَهُ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوا عليه ملكه فقلت: لا وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمُ الْأَحْدَاثُ وَالْمَسَاكِينُ وَالضُّعَفَاءُ وكذلك وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَسَأَلْتُكَ عَمَّنْ يَتْبَعُهُ أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَصْحَبُهُ فَيُفَارِقُهُ وَكَذَلِكَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجَ مِنْهُ وَسَأَلْتُكَ كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فَزَعَمْتَ أَنَّهَا سِجَالٌ يذال عليكم وتذالون عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ تَكُونُ حَرْبُ الْأَنْبِيَاءِ وَلَهُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أنه لا يغدر فلين كُنْتَ صَدَقْتَنِي لَيَغْلِبَنِّي عَلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَغْسِلُ قَدَمَيْهِ الْحَقْ بِشَأْنِكَ فَقُمْتُ وَأَنَا أَضْرِبُ بِإِحْدَى يَدَيَّ عَلَى الْأُخْرَى [أَقُولُ] [ (13) ] أَيْ عِبَادَ اللهِ لَقَدْ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَصْبَحَ مُلُوكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُونَهُ في سلطانهم [ (14) ] .
__________
[ (13) ] من (أ) فقط.
[ (14) ] نقله ابن كثير عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي البداية والنهاية (4: 262) .(4/383)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْقُفٌ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دِحْيَةُ [الْكَلْبِيُّ] [ (15) ] بْنُ خَلِيفَةَ عَلَى هِرَقْلَ بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ وأسلم يؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ عَلَيْكَ
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ كِتَابُهُ وَقَرَأَهُ أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَ فَخِذِهِ وَخَاصِرَتِهِ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْعِبْرَانِيَّةِ مَا يَقْرَأُ يُخْبِرُهُ مِمَّا جَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ النَّبِيُّ يُنْتَظَرُ لَا شَكَّ فِيهِ فَاتَّبِعْهُ فَأَمَرَ بِعُظَمَاءِ الرُّومِ فَجُمِعُوا لَهُ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُشْرِجَتْ عَلَيْهِمْ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ عُلَيَّةٍ لَهُ وَهُوَ مِنْهُمْ خَائِفٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنَّهُ جَاءَنِي كِتَابُ أَحْمَدَ وَإِنَّهُ وَاللهِ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِنَا نَعْرِفُهُ بِعَلَامَاتِهِ وَزَمَانِهِ فَأَسْلِمُوا وَاتَّبِعُوهُ تَسْلَمْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ وإخوتكم فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَابْتَدَرُوا أَبْوَابَ الدَّسْكَرَةِ فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً دُونَهُمْ فَخَافَهُمْ فَقَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ فَكَرَّهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ:
لَهُمْ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَغْمِزُكُمْ لَأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمْ مَا سَرَّنِي فَوَقَعُوا لَهُ سُجَّدًا ثُمَّ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ الدَّسْكَرَةِ فَخَرَجُوا.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ:
وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَبَلَغَ هِرَقْلَ شَأْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا بَلَغَهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فأرسل إلى صاحب
__________
[ (15) ] من (ح) .(4/384)
الْعَرَبِ الَّذِي بِالشَّامِ فِي مُلْكِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرِجَالٍ مِنَ الْعَرَبِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَخَلُوا عليه في كنيسة إيليا الَّتِي فِي جَوْفِهَا فَقَالَ هِرَقْلُ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ لِتُخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الَّذِي بِمَكَّةَ مَا أَمْرُهُ، قَالُوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ قَالَ: فَأَخْبِرُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِهِ وَأَقْرَبِكُمْ بِهِ رَحِمًا قَالَ: قَالُوا: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّهِ وَقَدْ قَاتَلَهُ فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ ذَلِكَ أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهُ ثُمَّ أَجْلَسَ أَبَا سُفْيَانَ فَاسْتَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ [هُوَ] سَاحِرٌ كَذَّابٌ، قَالَ هِرَقْلُ: إِنِّي لَا أُرِيدُ شَتْمَهُ وَلَكِنْ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ: هُوَ وَاللهِ مِنْ بَيْتِ قُرَيْشٍ قَالَ: كَيْفَ عَقْلُهُ وَرَأْيُهُ؟ قَالَ: لَمْ نُعِبْ لَهُ عَقْلًا قَطُّ وَلَا رَأْيًا قَطُّ قَالَ هِرَقْلُ: هَلْ كَانَ حَلَّافًا كَذَّابًا مُخَادِعًا فِي أَمْرِهِ؟ قَالَ:
لَا وَاللهِ مَا كَانَ كَذَلِكَ قَالَ: فَلَعَلَّهُ يَطْلُبُ مُلْكًا أَوْ شَرَفًا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَبْلَهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَتَّبِعُهُ مِنْكُمْ هَلْ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ؟
قَالَ: لَا قَالَ: هِرَقْلُ: يَغْدِرُ إِذَا عَاهَدَ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَغْدِرَ مَرَّتَهُ هَذِهِ فَقَالَ هِرَقْلُ: وَمَا يُخَافُ مِنْ مَرَّتِهِ هَذِهِ، قَالَ: إِنَّ قَوْمِي أَمَدُّوا حُلَفَاءَهُمْ عَلَى حُلَفَائِهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ هِرَقْلُ: إِنْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ فَأَنْتُمْ أَغْدَرُ فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ: لَمْ يَغْلِبْنَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غَائِبٌ وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ ثُمَّ غَزَوْتُهُ مَرَّتَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ نَبْقَرُ الْبُطُونَ وَنَجْدَعُ الْآذَانَ وَالْفُرُوجَ فَقَالَ هِرَقْلُ: أَكَاذِبًا تَرَاهُ أَمْ صَادِقًا؟
فَقَالَ: بَلْ هُوَ كَاذِبٌ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيكُمْ نَبِيٌّ فَلَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ أَفْعَلَ النَّاسِ لِذَلِكَ الْيَهُودُ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فَقَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ يسئله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ أَكُلَّ مَرَّةٍ يَظْهَرُ عَلَيْكُمْ قَالَ: مَا(4/385)
ظَهَرَ عَلَيْنَا قَطُّ إِلَّا وَأَنَا غَائِبٌ ثُمَّ قَدْ [ (16) ] غَزْوَتُهُمْ مَرَّتَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ فَبَقَرْنَا الْبُطُونَ وَجَدَعْنَا الْأُنُوفَ وَقَطَعْنَا الذُّكُورَ قَالَ قَيْصَرُ: أَتُرَاهُ كَاذِبًا أَوْ صَادِقًا، قَالَ: بَلْ هُوَ كَاذِبٌ قَالَ قَيْصَرُ: لَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَظْهَرُ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ فِيكُمْ نَبِيٌّ فَلَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ أَفْعَلَ النَّاسِ لذلك اليهود.
__________
[ (16) ] من (ح) .(4/386)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى ابن هُرْمُزَ وَكِتَابِهِ إِلَيْهِ وَدُعَائِهِ عنده تَمْزِيقِ كِتَابِهِ عَلَيْهِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ وَتَصْدِيقِهِ قَوْلَهُ فِي هَلَاكِهِ وَهَلَاكِ جُنُودِهِ وَفَتْحِ كُنُوزِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (1) ] ، وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ فِيمَا لَمْ أَجِدْ نُسْخَةَ سَمَاعِي وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بن هاني أَخْبَرَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في الجهاد، فتح الباري (6: 108) .(4/387)
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِئُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُمْ إِلَى مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ فَقَالَ: الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولُ اللهِ وَاللهِ لَا نَخْتَلِفُ عَلَيْكَ أَبَدًا عَلَى شَيْءٍ فَمُرْنَا وَابْعَثْنَا فَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إِلَى كِسْرَى فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى كِسْرَى وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَأَذَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ كِسْرَى بإيوائه أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ ثُمَّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ فَارِسَ ثُمَّ أَذِنَ لِشُجَاعٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَمَرَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَضَ مِنْهُ قَالَ شُجَاعٌ: لَا حَتَّى أَدْفَعَهُ أَنَا كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كسرى: أذنه فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الْكِتَابَ ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ فَأَغْضَبَهُ حِينَ بَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَصَاحَ وَغَضِبَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ بِشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فَأُخْرِجَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَعَدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ سَارَ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ الطَّرِيقَيْنِ أَكُونُ إِذَا أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ كِسْرَى سَوْرَةُ غَضَبِهِ بَعَثَ إِلَى شُجَاعٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ فَطُلِبَ إِلَى الْحِيرَةِ فَسَبَقَ فَلَمَّا قَدِمَ شُجَاعٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ كِسْرَى وَتَمْزِيقِهِ كِتَابَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «مَزَّقَ كِسْرَى مُلْكَهُ» .
اتَّفَقَ هَذَا الْمُرْسَلُ وَالْمَوْصُولُ قَبْلَهُ فِي تَمْزِيقِهِ كِتَابَهِ فِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَخْبَرَ عَنْ تَمْزِيقِهِ مُلْكَهُ وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يَدْفَعُ كِتَابَهُ إِلَى كِسْرَى وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَوْصُولَةٌ فَهِيَ أَوْلَى وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كُنُوزَ(4/388)
كِسْرَى الَّتِي فِي الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (2) ] وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ زيان الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَيَفْتَتِحَنَّ رَهْطٌ مِنْ أُمَّتِي كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَضِ» فَكُنْتُ أَنَا وَأَبِي فِيهِمْ فَأَصَبْنَا مِنْ ذَلِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
__________
[ (2) ] أخرجه مسلم في: 52- كتاب الفتن، (18) باب لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى ان يكون مكان الميت، الحديث (78) ، ص (2237) .(4/389)
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَوْتِ كِسْرَى وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَسْوَدُ ابن عَامِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ» يَعْنِي كِسْرَى.
قَالَ: وَقِيلَ لَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ ابْنَتَهُ فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ» .
وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ وَجَدَ عِنْدَهُ رُسُلَ عَامِلِ كِسْرَى عَلَى صَنْعَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى صَاحِبِهِ بِصَنْعَاءَ يَتَوَعَّدُهُ وَيَقُولُ: أَلَا تَكْفِينِي رَجُلًا خَرَجَ بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دِينِهِ لتكفينه أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ فَبَعَثَ صَاحِبُ صَنْعَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَلَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللهُ عليه وسلم] [ (1) ] كِتَابَ صَاحِبِهِمْ تَرَكَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ ربك الليلة فانطلقوا
__________
[ (1) ] من (أ) .(4/390)
فَأَخْبَرُوهُ قَالَ دِحْيَةُ: ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ كِسْرَى قُتِلَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ بِمَعْنَاهُ وَسَمَّى الْعَامِلَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى فَقَالَ بَاذَانُ صَاحِبُ الْيَمَنِ فَلَمَّا جَاءَ بَاذَانَ الْكِتَابُ اخْتَارَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَتَبَ بِهِ كِسْرَى مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى دِينِ قَوْمِهِ أَوْ تَوَاعُدِهِ يَوْمًا بِلِقَائِهِ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْلِغَاهُ أَنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّهُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابن عَيَّاشٍ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنَّ وَجْهَ سَعْدٍ خَيْرٌ أَوْ قَالَ الْخَيْرُ قَالَ، قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَ أَوْ قَالَ قُتِلَ كِسْرَى، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ كِسْرَى أَوَّلُ النَّاسِ هَلَاكًا فَارِسُ، ثُمَّ الْعَرَبُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النبي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ الرَّسُولَ بِهَلَاكِ كِسْرَى فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ سَعْدًا مِنْ غَيْرِهِ فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَخْبَرَهُ بِتَصْدِيقِ اللهِ قَوْلَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، قَالَ [ (2) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ بُعِثَ لَهُ أَوْ قُيِّضَ لَهُ عَارِضٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْحَقَّ فَلَمْ يَفْجَأْ كِسْرَى إِلَّا الرَّجُلُ يَمْشِي وَفِي يَدَيْهِ عَصًا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أن
__________
[ (2) ] في (ح) : «قالا» .(4/391)
أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا [ (3) ] ؟ قَالَ كِسْرَى: نَعَمْ فَلَا تَكْسِرْهَا فَوَلَّى الرَّجُلُ فَلَمَّا ذَهَبَ أَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى حُجَّابِهِ فَقَالَ: مَنْ أَذِنَ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَيَّ، فَقَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ قَالَ: كَذَبْتُمْ [قَالَ] [ (4) ] ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَتَلْتَلَهُمْ ثُمَّ تَرَكَهُمْ فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ [الْمَعْهُودُ] [ (5) ] مَعَهُ الْعَصَا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا، قَالَ: نَعَمْ لَا تَكْسِرْهَا لَا تَكْسِرْهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ دَعَا كِسْرَى حُجَّابَهُ فَسَأَلَهُمْ مَنْ أَذِنَ لَهُ فَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَقُوا مِنْ كِسْرَى مِثْلَ مَا لَقُوا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حَتَّى إِذَا كَانَ الْحَوْلُ الْمُسْتَقْبَلُ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَهُ الْعَصَا فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ يَا كِسْرَى فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ الْعَصَا، قَالَ: لَا تَكْسِرْهَا فَكَسَرَهَا فَأَهْلَكَ اللهُ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حُدِّثْنَا عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ صَالِحٍ قَالَ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ بُعِثَ إِلَيْهِ وَقُيِّضَ لَهُ عَارِضٌ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْحَقَّ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا.
وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْفَارِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ [بْنُ] [ (6) ] الشَّرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ دُونَ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ.
__________
[ (3) ] رسمت في الأصل: «العصي» .
[ (4) ] ليست في (أ) .
[ (5) ] ليست في (أ) .
[ (6) ] سقطت من (ح) .(4/392)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدُ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي قَيْصَرَ حِينَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ثَبَّتَ مُلْكَهُ وَمَا ظَهَرَ مِنْ صِدْقِهِ فِيهِمَا وَفِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ هَلَاكِ كِسْرَى [وَهُوَ الصَّادِقُ الصَّدُوقُ صلى الله عليه وسلم] [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ [ (2) ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَمَّا أُتِيَ كِسْرَى بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَّقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمَزَّقَ مُلْكُهُ وَحَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ثَبَتَ مُلْكُهُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (3) ] .
وَأَمَّا مَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مِنْ تَمْزِيقِ كِسْرَى كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] انظر صحيح مسلم في: 52- كتاب الفتن الحديث (77) ، ص (4: 2227) .
[ (3) ] تقدم الحديث في الباب السابق.(4/393)
فِيهِ فَقَدْ مَضَى إِسْنَادُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَمَّا مَا قَالَ فِي قَيْصَرَ فَفِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَأَمَّا قَيْصَرُ فَوَضَعَهُ وَأَمَّا كِسْرَى فَمَزَّقَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُمَزَّقُونَ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَسَتَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ مَعَاشِهَا مِنْهُ وَتَأْتِي الْعِرَاقَ فَيُقَالُ لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفَهَا مِنِ انْقِطَاعِ مَعَاشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إِذْ فَارَقَتِ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ خِلَافِ مَلِكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ» [فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى يَثْبُتْ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ] [ (4) ] ، وَقَالَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَأَجَابَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا لَهُ وَكَانَ كَمَا قَالَ لَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعَ اللهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ عَنِ الشَّامِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي كِسْرَى مُزِّقَ مُلْكُهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ وَقَالَ فِي قَيْصَرَ ثَبَّتَ اللهُ مُلْكَهُ فَثَبَتَ لَهُ ملك ببلاد الرُّومِ إِلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عَنِ الشَّامِ وَكُلُّ هَذَا مُؤتَفِقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بعضا.
__________
[ (4) ] ليست في (ح) .(4/394)
بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُقَوْقِسَ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فيما لم أجد سَمَاعِي، وَقَدْ أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسَ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَمَضَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُقَوْقِسَ فَقَبَّلَ الْكِتَابَ وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ وَسَرَّحَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً وَبَغْلَةً بِسَرْجِهَا وَخَادِمَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَهْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ فَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ [ (1) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بن الحمامي المقري بِبَغْدَادَ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَانِيُّ قَاضِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الدُّولَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ، قَالَ: حدثنا
__________
[ (1) ] انظر سيرة ابن هشام (4: 216) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 272) .(4/395)
هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمُقَوْقِسَ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ قَالَ: فَحَيَّيْتُهُ بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ وَقَدْ جَمَعَ بَطَارِقَتَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَأُكَلِّمُكَ بِكَلَامٍ وَأُحِبُّ أَنْ تَفْهَمَهُ مِنِّي قَالَ: قُلْتُ: هَلُمَّ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِكَ أَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ، قُلْتُ: بَلَى هُوَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ أَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهَا، قَالَ: فقلت عيسى بن مَرْيَمَ أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخَذَهُ قَوْمُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ [ (2) ] أَلَّا يَكُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: أَنْتَ حَكِيمٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ هَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَكَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بِبَذْرَقَةٍ يُبَذْرِقُونَكَ إِلَى مَأْمَنِكَ، قَالَ: فَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ جَوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِطُرَفٍ مِنْ طُرَفِهِمْ.
قَالَ هَارُونُ: تُوُفِّيَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
__________
[ (2) ] فِي (ح) : «يصلبوه» .(4/396)
بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قال: أخبرنا أبو بكر محمد
__________
[ (1) ] انظر في هذه الغزوة:
- طبقات ابن سعد (2: 131) .
- سيرة ابن هشام (4: 232) .
- المغازي للواقدي (2: 769) .
- تاريخ الطبري (3: 32) .
- عيون الأثر (2: 204) .
- البداية والنهاية (4: 273) .
- الروض الأنف (2: 359) .
- السيرة الحلبية (3: 190) .
- السيرة الشامية (6: 262) .
- شرح المواهب (3: 278) .(4/397)
ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَا: غَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتُ السَّلَاسِلِ [ (2) ] مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ فِي بَلِيٍّ وَسَعْدِ اللهِ، وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قُضَاعَةَ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَلِيٍّ وَهُمْ أَخْوَالُ الْعَاصِ [ (3) ] بْنِ وَائِلٍ وَبَعْثَهُ فِيمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قُضَاعَةَ وَأُمِّرَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ مُوسَى: فَخَافَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْتَمِدُّهُ فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَانْتُدِبَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ،
__________
[ (2) ] السلاسل بسينين مهملتين الاولى مفتوحة على المشهور الذي جزم به أبو عبيد البكري، وياقوت والحازمي، وصاحب القاموس، والسيد وخلق لا يحصون، والثانية مكسورة واللام مخففة. وقال ابن الأثير بضم السين الاولى. وقال في زاد المعاد بضم السين وفتحها لغتان كذا قال. وصاحب القاموس مع اطلاعه لم يحك في الغزوة إلا الفتح، وعبارته: «السلسل كجعفر وخلخال الماء العذب او البارد كالسلاسل بالضم» . ثم قال: «وتسلسل الماء جرى في حدور ... والسلسلة اتصال الشيء بالشيء، والقطعة الطويلة من السنام، ويكسر وبالكسر دائر من حديد ونحوه.. والسلاسل رمل يتعقد بعضه على بعض وينقاد.. وثوب مسلسل فيه وشيء مخطط، وغزوة ذات السلاسل هي وراء وادي القرى» .
وقال النووي في التهذيب: أظن ان ابن الأثير استنبطه من صحاح الجوهري من غير نقل عنده فيه ولا دلالة في كلامه. قلت وعبارة الجوهري: «وماء سلسل وسلسال سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه، والسلاسل بالضم مثله، ويقال معنى يتسلسل أنه إذا جرى او ضربته الريح يصير كالسلسلة» .
وقال ابن إسحاق وجمع: «وهو ماء بأرض جذام وبه سميت الغزوة» . وقال أبو عبيد البكري:
« [ذات السلاسل بفتح أوله على لفظ جمع سلسلة] رمل بالبادية» . انتهى. فعلى هذا سمى المكان بذلك لأن الرمل الذي كان به كان بعضه على بعض كالسلسلة. وأغرب من قال: سميت الغزوة بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم الى بعض مخافة ان يغزوا.
وذكر الجمهور ومنهم ابن سعد انها كانت في جمادي الآخرة سنة ثمان وقيل كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في صحيح التاريخ.
[ (3) ] في (ح) : «عمرو بن العالي بن وائل» .(4/398)
فَأَمَدَّ بِهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ [ (4) ] .
قَالَ عُرْوَةُ: وَعَمْرٌو يَوْمَئِذٍ فِي سَعْدِ اللهِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنْ قُضَاعَةَ.
قَالَ مُوسَى: فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عَمْرٍو، قَالَ: أَنَا أَمِيرُكُمْ وَأَنَا أَرْسَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَمِدُّهُ بِكُمْ، قال المهاجرون: بل أَنْتَ أَمِيرُ أَصْحَابِكَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرُ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا أَنْتُمْ مَدَدٌ أُمْدِدْتُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الْخُلُقِ لِيِّنَ الشِّيمَةِ سَعَى لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلَيْهِ] [ (5) ] ، وَعَهْدِهِ
قَالَ: تَعْلَمُ يَا عَمْرُو أَنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى صَاحِبِكَ فَتَطَاوَعَا» وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي لَأُطِيعَنَّكَ فَسَلَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْإِمَارَةَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ غَزْوَةِ ذات السلاسل من أرض بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لِيَسْتَنْفِرَ الْعَرَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتِ امْرَأَةً مِنْ بَلِيٍّ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ
__________
[ (4) ] ليس في تأمير رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما تفضيله عليهما بل السبب في ذلك معرفته بالحرب كما ذكر ذلك أبو بكر لعمر كما في حديث بريدة، فإن عمرا كان أحد دهاة العرب، وكون العرب الذين أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إن يستعين بهم أخوال أبيه كما ذكر في القصة فهم أقرب إجابة اليه من غيره.
وروى البيهقي عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ بعض شيوخه أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إني لأومر الرجل على القوم وفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَيْقَظُ عَيْنًا وَأَبْصَرُ بالحرب» .
[ (5) ] ليست في (أ) .
[ (6) ] خبر موسى بن عقبة نقله ابن كثير في التاريخ (4: 273) .(4/399)
عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ يُقَالُ لَهَا السَّلَاسِلُ وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزَاةُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَسْتَمِدُّهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجَّهَهُ لَا تَخْتَلِفَا فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتَّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا جِئْتَ مَدَدًا إِلَيَّ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلًا لَيِّنًا [سَهْلًا] [ (7) ] هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي
فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا عَمْرُو إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَخْتَلِفَا
وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: فَإِنِّي أَمِيرٌ عَلَيْكَ وَإِنَّمَا أَنْتَ مَدَدٌ لِي قَالَ:
فَدُونَكَ فَصَلَّى عَمْرٌو بِالنَّاسِ [ (8) ] .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي سَرِيَّةٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَكَانِ الْحَرْبِ أَمَرَهُمْ عَمْرٌو أَنْ لَا يُنَوِّرُوا نَارًا فَغَضِبَ عُمَرُ فَهَمَّ أَنْ يَأْتِيَهُ فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالْحَرْبِ فَهَدَّأَ عَنْهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا [يُونُسُ] [ (9) ] عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ بَعْضِ مَشْيَخَتِهِمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأُؤمِّرُ الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ فِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَيْقَظُ عَيْنًا وَأَبْصَرُ بِالْحَرْبِ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ أن خالد
__________
[ (7) ] الزيادة من (ح) .
[ (8) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 232) .
[ (9) ] الزيادة من (أ) .
[ (10) ] رواه البيهقي عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ بعض شيوخه.(4/400)
الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَيْشِ ذِي السَّلَاسِلِ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا لِمَنْزِلَةٍ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكِ قَالَ: فَأَبُوهَا قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ حَتَّى عَدَّ رَهْطًا قَالَ: قُلْتُ: فِي نَفْسِي لَا أَعُودُ أَسْأَلُ عَنْ هَذَا.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّ عُبَيْدَةَ لَمَّا آبَ إِلَى عَمْرٍو، فَصَارُوا خَمْسَ مِائَةٍ سَارَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ حَتَّى وَطِئَ بِلَادَ بَلِيٍّ وَدَوْحَةَ وَكُلَّمَا انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ جَمْعٌ فَلَمَّا سَمِعُوا بِكَ تَفَرَّقُوا حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَقْصَى بِلَادِ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقِينَ وَلَقِيَ فِي آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَرُمِيَ يَوْمَئِذٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَأُصِيبَ ذِرَاعُهُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَهَرَبُوا وَأَعْجَزُوا هَرَبًا فِي الْبِلَادِ وَتَفَرَّقُوا وَدَوَّخَ عَمْرٌو مَا هُنَاكَ وَأَقَامَ أَيَّامًا لَا يُسْمَعُ لَهُمْ بِجَمْعٍ وَلَا مَكَانٍ صَارُوا فِيهِ فَكَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَ الْخَيْلِ فَيَأْتُونَ بِالشَّاءِ وَالنِّعَمِ وَكَانُوا يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ [لَهُمْ] [ (12) ] غَنَائِمُ تُقْسَمُ إِلَّا مَا لا ذكر له [ (13) ] .
بإسناده قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عن سعيد بن
__________
[ (11) ] رواه البخاري في المناقب، في باب فضائل أبي بكر الصديق، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل ابي بكر، الحديث 8، ص (1856) .
[ (12) ] الزيادة من (ح) .
[ (13) ] رواه الواقدي (2: 77) من المغازي.(4/401)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ قَفَلُوا احْتَلَمَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ كَأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَرْدِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ قَدْ وَاللهِ احْتَلَمْتُ وَإِنِ اغْتَسَلْتُ مُتُّ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَعَثَ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ بَرِيدًا قَالَ عَوْفٌ: فَقَدِمْتُ علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: صَاحِبُ الْجَزُورِ، قُلْتُ: نَعَمْ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ مِنْ مَسِيرِنَا وَمَا كَانَ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَبَيْنَ عَمْرٍو وَمُطَاوَعَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ أَخْبَرَتُهُ أَنَّ عَمْرًا صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ مَاءٌ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَيَمَّمَ فَأَسْكَتَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرٌو عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اغْتَسَلْتُ لَمُتُّ لَمْ أَجِدْ بَرْدًا قَطُّ مِثْلَهُ وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (14) ] وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً [ (15) ] فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ شَيْئًا [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بأصحابك وأنت جنب
__________
[ (14) ] في (ح) : «تعالى» .
[ (15) ] [النساء- 29] .
[ (16) ] مغازي الواقدي (2: 773- 774) .(4/402)
فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- يَقُولُ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وعَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قبيس مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ قَالَ: فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ لَمْ يَذْكُرِ التَّيَمُّمَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ:
فِيهِ فَتَيَمَّمَ
.(4/403)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَزُورِ الَّتِي نُحِرَتْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَمَا جَرَى لِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ فِيهَا وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَوْفًا بِعِلْمِهِ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَوْفُ [بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ وَهُمْ عَلَى جَزُورٍ قَدْ نَحَرُوهَا وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعُضُّوهَا، وَكُنْتُ امرءا جَازِرًا فَقُلْتُ لَهُمْ: تُعْطُونِي مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ أَقْسِمَهَا بَيْنَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَأَخَذْتُ الشَّفْرَتَيْنِ فَجَزَيْتُهَا مَكَانِي وَأَخَذْتُ مِنْهَا [ (2) ] جُزْءًا فَحَمَلْتُهُ إِلَى أَصْحَابِي فَأُطْعِمْنَا وَأَكَلْنَا، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: أَنَّى لَكَ هَذَا اللَّحْمُ يَا عَوْفُ؟ فَأَخْبَرْتُهُمَا فَقَالَا: لَا وَاللهِ مَا أَحْسَنْتَ حِينَ أَطْعَمَتْنَا هَذَا، ثُمَّ قَامَا يَتَقَيَّآنِ مَا فِي بُطُونِهِمَا مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كُنْتُ أَوَّلَ قَادِمٍ عَلَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ
فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ:
عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَقُلْتُ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
فَقَالَ: صَاحِبُ الْجَزُورِ لَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] في (ح) : «منهم» .(4/404)
شَيْئًا [ (3) ] .
قَصَّرَ
بِإِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ هَدْمٍ أَظُنُّهُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَزَوْنَا وَعَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَفِينَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ فَانْطَلَقْتُ أَلْتَمِسُ الْمَعِيشَةَ فالتقيت قوما يريدون ينحرون جَزُورًا لَهُمْ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ كَفَيْتُكُمْ نَحْرَهَا وَعَمَلَهَا وَأَعْطُونِي مِنْهَا فَفَعَلْتُ فَأَعْطَوْنِي مِنْهَا شَيْئًا فَصَنَعْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلَنِي مِنْ أَيْنَ هُوَ [فَأَخْبَرْتُهُ] [ (4) ] فَقَالَ: أَسْمَعُكَ قَدْ تَعَجَّلْتَ أَجْرَكَ وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يَعْنِي ابْنَ الْجَرَّاحِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَرَكْتُهَا قَالَ: ثُمَّ أَبْرَدُونِي فِي فَتْحٍ لَنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَزُورِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيَّ شَيْئًا.
وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ لَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: يَعْقُوبُ، وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فذكره.
__________
[ (3) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 234) ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 275) .
[ (4) ] ليست في (ح) .(4/405)
بَابُ سَرِيَّةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ [ (1) ] رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] عَنْهُ إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ وَمَا رَزَقَ اللهُ تِلْكَ السَّرِيَّةَ مِنَ الْبَحْرِ حِينَ أَصَابَتْهُمْ مَخْمَصَةٌ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ ابن عَبْدِ اللهِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ، وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ [ (3) ] صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، حتى
__________
[ (1) ] قال جماعة من اهل المغازي كانت هذه السرية سنة ثمان. قال في زاد المعاد، والبداية والنور:
وفيه نظر لما رواه الشيخان من حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بعثهم يرصدون عيرا لقريش، وظاهر هذا الحديث ان هذه السرية كانت قبل الهدنة بالحديبية، فإنه من حين صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قريشا لم يكن ليرصد لهم عيرا بل كان زمن أمن وهدنة إلى حين الفتح. ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه اتفقت مرتين [مرة] قبل الصلح ومرة بعده. قلت وسيأتي في الثالث من كلام الحافظ ما يروي الغليل.
[ (2) ] الزيادة من (ح) .
[ (3) ] في (ح) : «رسول الله» .(4/406)
أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّي جَيْشَ الْخَبَطِ ذَلِكَ الْجَيْشُ، قَالَ: وَنَحَرَ رَجُلٌ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ، قَالَ: فَأَلْقَى إِلَيْنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْهُ حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا، وَصَلُحَتْ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ وَمَرَّ تَحْتَهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ الْجَرْجَرَائِيِّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي رِوَايَتِهِ فِي نَحْرِ الْجَزَائِرِ وَكَانَ يَرَوْنَهُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ (ح) .
وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ قَالَ جَابِرٌ: وَأَنَا فِيهِمْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ: فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا تَعْنِي تَمْرَةٌ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ قال:
__________
[ (4) ] أخرجه البخاري في المغازي، 65- باب غزوة سيف البحر، الحديث (4361) ، فتح الباري (8: 77) ، وأخرجه مسلم في الذبائح (4) باب إباحة ميتات البحر، الحديث (18) ، ص (1536) .(4/407)
ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُجِّلَتْ ثُمَّ مرّ تحتها فلم يصيبهما لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بن هاني، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَشِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً قَالَ:
فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بَعْضُنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَوُضِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا دَابَّةٌ تُدْعَا الْعَنْبَرَ فَقَالَ أَبُو عبيد: مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْتِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدْرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ.
وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ
__________
[ (5) ] البخاري في الذبائح، ومسلم في: 34- كتاب الصيد والذبائح، 4- باب اباحة ميتات البحر، الحديث (21) ، ص (1537) .(4/408)
أضلاعه فأقامتها ثُمَّ رَحَّلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مِنْهَا فَمَرَّ تَحْتَهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَهُ [ (6) ] فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا؟ قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَ.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَحْمَدَ ابن يونس [ (7) ] .
__________
[ (6) ] (وشائق) : هو اللحم يؤخذ فيغلي، إغلاء، ولا ينضج، ويحمل في الأسفار.
[ (7) ] صحيح مسلم في: 31- كتاب الصيد، (4) باب إباحة ميتات البحر، الحديث (17) ص (1535) .(4/409)
بَابُ نَعْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم النجاشي النجاشي في اليوم الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وأبو سعيد محمد ابن مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ ابن سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، أَنْبَأَنَا مُوسَى الْأَعْينُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى وَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
أَخْرَجَاهُ [ (1) ] فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [ (2) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ ابْنَ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
__________
[ (1) ] فِي (أ) : أخرجه.
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 23- كتاب الجنائز (4) باب الرجل ينعي الى اهل الميت نفسه، ومسلم في: 11- كتاب الجنائز (22) باب التكبير على الجنازة، حديث (62) ، والحديث أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الجنائز الحديث (14) ، صفحة (1: 226- 227) .(4/410)
عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمُ الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاتَ الْيَوْمَ رجل طالح فَصَلُّوا عَلَى أَصْحَمَةَ [ (4) ] .
حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ سُفْيَانَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر عن أبي جُرَيْجٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
__________
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 23- كتاب الجنائز، (4) باب الرجل ينعي الى اهل بيته، ومسلم في:
11- كتاب الجنائز (22) باب التكبير على الجنازة.
[ (4) ] حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في 23- كتاب الجنائز، (65) باب التكبير على الجنازة أربعا، ومسلم في: 11- كتاب الجنائز، (22) باب التكبير على الجنازة.(4/411)
[كَانَ] [ (5) ] لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِ النَّجَاشِيِّ نُورٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، وأَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ البوسنجيّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قِرْفَةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الزَّنْجِيَّ لِحُمْرَتِهِ وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُفْتِي بِمَكَّةَ بَعْدَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ، أُمِّ كُلْثُومٍ قَالَتْ لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَ: إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَوَاقٍ مِنْ مِسْكٍ وَحُلَّةً، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ مَاتَ، وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ إِلَّا سَتُرَدُّ عَلَيَّ، فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ أَظُنُّهُ قَالَ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُنَّ أَوْ فَهِيَ لَكُنَّ، قَالَ: فَكَانَ كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَاتَ النَّجَاشِيُّ وَرُدَّتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رُدَّتْ عَلَيْهِ أَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَلِكَ الْمِسْكِ، وَأَعْطَى سَائِرَهُ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَعْطَاهَا الْحُلَّةَ [ (6) ] .
قَوْلُهُ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ مَاتَ يُرِيدُ وَاللهُ أَعْلَمُ قَبْلَ بُلُوغِ الْهَدِيَّةِ إِلَيْهِ وَهَذَا الْقَوْلُ صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ نَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ.
تم السفر الرابع من كتاب دلائل النبوة ومعرفة احوال صاحب الشريعة ويليه الخامس وأوله: جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ حرسها الله. وآخر دعوانا ان الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
__________
[ (5) ] ليست في (ح) .
[ (6) ] في (ح) : «وأعطى الحلة لها» .(4/412)
الجزء الخامس
السفر الخامس من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة تكملة أبواب جمّاع الغزوات جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ حرسها الله.
غزوة حنين.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ وُفُودِ الْعَرَبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَجَّةَ الوداع.(5/3)
جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ [ (1) ] حَرَسَهَا اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] بَابُ نَقْضِ قُرَيْشٍ مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ [ (3) ] قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: [ (4) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
__________
[ (1) ] انظر في فتح مكة:
- طبقات ابن سعد (2: 134) .
- سيرة ابن هشام (4: 3) .
- مغازي الواقدي (2: 780) .
- انساب الأشراف (1: 170) .
- صحيح البخاري (5- 145) .
- صحيح مسلم بشرح النووي (12: 126) .
- تاريخ الطبري (3: 42) .
- ابن حزم (223) .
- عيون الأثر (2: 212) .
- البداية والنهاية (4: 278) .
- نهاية الأرب (17: 287) .
- شرح المواهب للزرقاني (2: 288) .
- السيرة الحلبية (3: 81) .
- السيرة الشامية (5: 304) .
[ (2) ] الزيادة من (ح) .
[ (3) ] في (أ) : «الحبري» .
[ (4) ] في (ح) : «قالا» .(5/5)
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا، قَالَا: كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ أَنَّهُ [ (5) ] مَنْ شَاءَ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنَوْ بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. [وَثَبُوا] [ (6) ] عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ لَيْلًا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: «الْوَتِيرُ» [ (7) ] قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَهَذَا اللَّيْلُ وَمَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانَوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، فَقَاتَلُوهُمْ مَعَهُ لِلطَّعْنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ عمر بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ما كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتَ شِعْرٍ،
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنشده إياها: [ (8) ] .
اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا [ (9) ]
كُنَّا وَالِدًا وَكُنْتَ وَلَدَا ... ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ الله يأتوا مددا [ (10) ]
__________
[ (5) ] في (ح) : «أنّ» .
[ (6) ] سقطت من (ح) .
[ (7) ] «الوتير» بفتح الواو، هو الورد الأبيض سمي به الماء (شرح المذاهب 2: 289) ، وهذا الماء في موضع في ديار خزاعة.
[ (8) ] الأبيات (في سيرة ابن هشام) (4: 8) . باختلاف يسير عما أورده المصنف.
[ (9) ] ناشد: طالب ومذكر، والأتلد: القديم.
[ (10) ] نصرا اعتدا: أي حاضرا، والمدد: العون.(5/6)
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا [ (11) ]
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا [ (12) ]
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا ... وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَرْجُو أَحَدَا
فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا ... قَدْ جَعَلُوا لِي بِكَدَاءَ مَرْصَدَا [ (13) ]
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... فَقَتَّلُونَا رُكَّعَا وَسُجَّدَا [ (14) ]
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ» .
فَمَا بَرِحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ عَنَانَةٌ [ (15) ] فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ.
وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ، وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ، وَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُعْمِيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ [ (16) ] .
زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ يَشُدُّ الْعَقْدَ وَيَزِيدُ فِي الْمُدَّةِ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، حَتَّى قَدِمُوا
__________
[ (11) ] «قد تجردا» : تروى هذه الكلمة بالجيم وبالحاء المهملة، فأما من رواه بالجيم فمعناه شمر وتهيأ لحربهم، وأما من رواه بالحاء المهملة فمعناه غضب وثار، وسيم خسفا: معناه طلب منه وكلفه، والخسف- بفتح فسكون- الذل، وتربد: تغير.
[ (12) ] الفيلق: العسكر الكثير.
[ (13) ] كداء: موضع بمكة، «ورصدا» : يروى بضم الراء وتشديد الصاد مفتوحة فهو جمع راصد، مثل راكع وركع، والراصد: الذي يترصد للأمر ويطلبه، ويروى «رصدا» بفتح الراء والصاد جميعا.
[ (14) ] الوتير: اسم ماء، وهجد: جمع هاجد، ويطلق على النائم أو المستيقظ.
[ (15) ] (عنانة) : سحابة.
[ (16) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 8- 9) .(5/7)
علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَمُظَاهَرَةِ [ (17) ] بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، حَتَّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بِعُسْفَانَ قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَهُ فِي الْمُدَّةِ، وَقَدْ تَرَهَّبُوا لِلَّذِي صَنَعُوا، فَلَمَّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلًا قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَتَ يَا بُدَيْلُ؟ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سِرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السَّاحِلِ، وَفَى بَطْنِ هَذَا الْوَادِي، فَعَمَدَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَبْرَكِ راحلته، فأخذ من بعدها قُفَّتَهُ فَرَأَى فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ:
أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلٌ مُحَمَّدًا.
ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ: «أُمِّ حَبِيبَةَ» ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَتْهُ، فَقَالَ:
يَا بُنَيَّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْتِ بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ، أَوْ رَغِبْتِ بِهِ عَنِّي؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجِسٌ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ وَاللهِ لَقَدْ أَصَابَكِ شَيْءٌ بَعْدِي، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ، يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ، عُمَرُ: أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم! فو الله لَوْ لَمْ أَجِدْ لَكُمْ إِلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ،
ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهَا حَسَنٌ غُلَامٌ يَدِبُّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّكَ أَمَسُّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا، وَأَقْرَبُهُمْ مِنِّي قَرَابَةً، وَقَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَلَا أَرْجِعَنَّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا، فَاشْفَعْ لِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، وَاللهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ، فَالْتَفَتَ إِلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ! هَلْ لَكِ أَنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكِ هَذَا فَيَجِيرُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا بَلَغَ بُنَيِّيَ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ
__________
[ (17) ] (المظاهرة) : المعاونة.(5/8)
علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنِّي أَرَى الْأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ فَانْصَحْنِي، قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ، وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ الْحَقْ بِأَرْضِكَ، فَقَالَ: أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا، قَالَ: لَا، وَاللهِ مَا أَظُنُّهُ وَلَكِنْ لَا أَجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ.
ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ، فَانْطَلَقَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا مَا وَرَاءَكَ، قَالَ: جِئْتُ محمدا فكلمته فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قحافة فو الله مَا وَجَدْتُ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ جِئْتُ عُمَرَ فَوَجَدْتُهُ أَعْدَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ جِئْتُ عَلِيًّا فَوَجَدْتُهُ أَلْيَنَ الْقَوْمِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ صنعته، فو الله مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي عَنِّي شَيْئًا أَمْ لَا؟
قَالُوا: بِمَاذَا أَمَرَكَ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ فَفَعَلْتُ فَقَالُوا: هَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لَا فَقَالُوا: وَيْحَكَ وَاللهِ إِنْ زَادَ الرَّجُلُ عَلَى أن لعبت بِكَ، فَمَا يُغْنِي عَنَّا مَا قُلْتَ فَقَالَ: لَا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا. الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي فَتْحِ مَكَّةَ، قَالَ [ (19) ] : ثُمَّ إِنَّ بَنِي نُفَاثَةَ مِنْ بَنِي الدِّئَلِ أَغَارُوا عَلَى بَنِي كَعْبٍ، وَهُمْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ بَنُو كَعْبٍ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ بَنُو نُفَاثَةَ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ، فَأَعَانَتْ بَنُو بَكْرٍ بَنِي نُفَاثَةَ، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ وَالرَّقِيقِ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ بَنُو مُدْلَجٍ، وَوَفَّوْا بِالْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بني الدّئل
__________
[ (18) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 10- 11) ، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4:
280) .
[ (19) ] ليست في (ح) .(5/9)
رَجُلَانِ هُمَا سَيِّدَاهُمْ: سَلْمُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكُلْثُومُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ مِمَّنْ أَعَانَهُمْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ، وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو! فَأَغَارَتْ بَنُو الدِّئَلِ عَلَى بَنِي عَمْرٍو وَعَامَّتُهُمْ- زَعَمُوا نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وضعفاء الرجال- فالجؤهم، وَقَتَلُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ دَارَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «ارْجِعُوا فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ» وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَتَخَوَّفَ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْدُدِ الْعَقْدَ، وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِذَلِكَ قَدِمْتَ هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ قِبَلَكُمْ؟ قَالَ مَعَاذَ اللهِ نَحْنُ عَلَى عَهْدِنَا وَصُلْحِنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، لَا نُغَيِّرُ وَلَا نُبَدِّلُ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: جَدِّدِ الْعَقْدَ وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جِوَارِي فِي جِوَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ الذَّرَّ تُقَاتِلُكُمْ لَأَعَنْتُهَا عَلَيْكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كَانَ مِنْ حَلِفِنَا جَدِيدًا فَأَخْلَقَهُ اللهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُثْبَتًا [ (20) ] فَقَطَعَهُ اللهُ، وَمَا- كَانَ مِنْهُ- مَقْطُوعًا فَلَا وَصَلَهُ اللهُ، فَقَالَ- لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: جُزِيتَ مِنْ ذِي رَحِمٍ سُوءًا [ (21) ] ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ عُثْمَانُ: جِوَارِي فِي جِوَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ اتَّبَعَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارَ يُكَلِّمُهُمْ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: عَقْدُنَا فِي عَقْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا يَئِسَ مِمَّا عِنْدَهُمْ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهَا فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ، وَإِنَّمَا ذَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأْمُرِي أَحَدَ ابْنَيْكِ، قَالَتْ: إِنَّمَا هُمَا صَبِيَّانِ لَيْسَ مِثْلُهُمَا يُجِيرُ، قَالَ: فَكَلِّمِي عَلِيًّا، قَالَتْ: أَنْتَ فَكَلِّمْهُ، فَكَلَّمَ عَلِيًّا، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَفْتَاتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِجِوَارٍ، وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ
__________
[ (20) ] في (ح) : «متينا» .
[ (21) ] وفي رواية: «شرا» .(5/10)
وَأَكْبَرُهَا وَأَمْنَعُهَا، فَأَجِرْ بَيْنَ عَشِيرَتِكَ، قَالَ: صَدَقْتَ وَأَنَا كَذَلِكَ، فَخَرَجَ فَصَاحَ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا وَاللهِ لَا أَظُنُّ أَنْ يَخْفِرَنِي أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا وَاللهِ مَا أَظُنُّ أَنْ يَخْفِرَنِي أَحَدٌ وَلَا يُرَدُّ جِوَارِي، فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى ذَلِكَ فَزَعَمُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أَدْبَرَ أَبُو سُفْيَانَ:
«اللهُمَّ خُذْ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَلَا يَرَوْنَا إِلَّا بَغْتَةً وَلَا يَسْمَعُونَ بِنَا إلا فجأة» .
وقد أَبُو سُفْيَانَ مَكَّةَ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: مَا وَرَاءَكَ؟ هَلْ جِئْتَ بِكِتَابٍ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ عَهْدِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ لَقَدْ أَبَى عَلَيَّ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ أَصْحَابَهُ فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا لِمَلِكٍ عَلَيْهِمْ أَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ قَالَ لِي: لِمَ تَلْتَمِسُ جِوَارَ النَّاسِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَلَا تُجِيرُ أَنْتَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِكَ وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَأَكْبَرُهَا وَأَحَقُّهَا أَنْ لَا يُخْفَرَ جِوَارُهُ، فَقُمْتُ بِالْجِوَارِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَذَكَرْتُ لَهُ أَنْ قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقُلْتُ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَخْفِرَنِي، فَقَالَ:
أَنْتَ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: رَضِيتَ بِغَيْرِ رِضًا وَجِئْتَنَا بِمَا لَا يُغْنِي عَنَّا وَلَا عَنْكَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَعِبَ بِكَ عليّ لعمر اللهِ مَا جِوَارُكَ بِجَائِرٍ، وَإِنَّ إِخْفَارَكَ عَلَيْهِمْ لَهَيِّنٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَحَدَّثَهَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ: فَتَحَ اللهُ مِنْ وَافِدِ قَوْمٍ فَمَا جِئْتَ بِخَيْرٍ، وَرَأَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَابًا فَقَالَ: إِنَّ هَذَا السَّحَابَ لَيَنْصَبُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ.
فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ أَعْذَرَ فِي الْجِهَازِ، وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُجَهِّزَهَ وَتُخْفِيَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى بَعْضِ حَاجَاتِهِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا حِنْطَةً تُنْسَفُ، أَوْ تُنَقَّى، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ لِمَاذَا تَصْنَعِينَ هَذَا الطَّعَامَ؟ فَسَكَتَتْ، فَقَالَ أَيُرِيدُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَ؟ فَصَمَتَتْ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ(5/11)
يُرِيدُ بَنِي الْأَصْفَرِ- وَهُمُ الرُّومُ- فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا فِيهِ مِنْهُمْ بَعْضُ الْمَكْرُوهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَصَمَتَتْ، قَالَ: [فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَهْلَ نَجْدٍ فَذَكَرَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَصَمَتَتْ] [ (22) ] قَالَ: فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ قُرَيْشًا وَإِنَّ لَهُمْ مُدَّةً فَصَمَتَتْ قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ مَخْرَجًا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ بَنِي الْأَصْفَرِ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَتُرِيدُ أَهْلَ نَجْدٍ، قَالَ: لَا قَالَ: فلعل تُرِيدُ قُرَيْشًا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟
قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ، وَأَذَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، وكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ وَأَطْلَعَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى الْكِتَابِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُغَرْبِلُ حِنْطَةً لَهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بِالْجِهَازِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ فَتَجَهَّزْ، فَقَالَ: وَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَتْ: مَا سَمَّى لَنَا شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالْجِهَازِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَازِ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهِّزُوهُ، وَأَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى مَكَّةَ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ شِعْرَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي نَقْضِ قُرَيْشٍ عَهْدَهُمْ [ (24) ] .
__________
[ (22) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (23) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر مختصرة في الدرر (211- 213) ، ونقلها كاملة ابن كثير في البداية والنهاية (4: 281- 282) .
[ (24) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 11- 12) ، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 283) ،(5/12)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو [ (25) ] ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَتْ خُزَاعَةُ:
اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يأتوا مددا
__________
[ () ] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
عناني ولم أشهد ببطحاء مكّة ... رجال بني كعب تحزّ رقابها
بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم ... وقتلى كثير لم تجنّ ثيابها
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تنالنّ نصرتي ... سهيل بن عمرو حرّها وعقابها
وصفوان عود حزّ من شعر استه ... فهذا أوان الحرب شدّ عصابها
فلا تأمننّا يا ابن أمّ مجالد ... إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
ولا تجزعوا منها فإنّ سيوفنا ... لها وقعة بالموت يفتح بابها
[ (25) ] في (ح) : «عمر» وهو تصحيف، وهو محمد بن عمرو بن وقاص الليثي.(5/13)
بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِطْلَاعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه وسلم على ذَلِكَ وَإِجَابَتِهِ دَعْوَتَهُ بِتَعْمِيَةِ خَبَرِهِ عَلَى قُرَيْشٍ حَتَّى بَغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ بَغْتَةً [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (1) ] في (ح) : «رسول الله» .
[ (2) ] قال ابن عبد البر في ترجمة حاطب في الاستيعاب:
(حاطب) بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي في قول بعضهم يكنى أبا عبد الله وقيل يكنى أبا محمد واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي حليف قريش.
* ويقال انه من مذحج وقيل هو حليف للزبير بن العوام وقيل بل كان عبدا لعبيد اللهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زهير ابن الحرث بن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصي فكاتبه فادي كتابته يوم الفتح، وهو من أهل اليمن والأكثر انه حليف لبني أسد بن عبد العزى.
* شهد بدرا والحديبية ومات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلّى عليه عثمان.
* وقد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بالايمان في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم الآية وذلك أن حاطبا كتب إلى أهل مكة قبل حركة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إليها عام الفتح يخبرهم ببعض ما يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهم من الغزو إليهم وبعث كتابه مع امرأة فنزل جبريل بذلك على النبي صلّى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في طلب المرأة علي بن أبي طالب وآخر معه قيل المقداد بن الأسود وقيل الزبير بن العوام فأدركا المرأة بروضة خاخ فأخذا الكتاب
ووقف رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاطبا فاعتذر وقال ما فعلته رغبة عن ديني فنزلت فيه آيات من صدر سورة الممتحنة وأراد عمر بن الخطاب قتله فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه قد شهد بدرا الحديث.
أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أحمد بن يونس ويونس بن محمد، قالا حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر: أن عبد الحاطب جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يشتكي حاطبا فقال يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليدخلن حاطب الناس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذبت لا يدخل أحد النار شهد بدرا والحديبية.
* وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وسلم مثله.(5/14)
__________
[ () ] *
وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاء غلام لحاطب بن أبي بلتعة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لا يدخل حاطب الجنة وكان شديدا على الرقيق فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية.
* وقال أبو عمر رضي الله عنه ما ذكر يحيى بن أبي كثير في حديثه هذا من أن حاطبا كان شديدا على الرفيق يشهد لما في الموطأ من قول عمر بن الخطاب لحاطب حين انتحر رقيقه ناقة لرجل من مزينة أراك تجيعهم وأضعف عليه القيمة على جهة الأدب والردع له.
* وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد بعث حاطب بن أبي بلتعة في سنة ست من الهجرة الى المقوقس صاحب مصر والاسكندرية فأتاه من عنده بهدية منها مارية القبطية وسيرين أختها فاتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مارية لنفسه فولدت له إبراهيم ابنه على ما ذكرنا من ذلك في صدر هذا الكتاب ووهب سيرين لحسان فولدت له عبد الرحمن وبعث أبو بكر الصديق حاطب بن أبي بلتعة أيضا الى المقوقس بمصر فصالحهم فلم يزالوا كذلك حتى دخلها عمرو بن العاص فنقض الصلح وقاتلهم وافتتح مصر وذلك سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب.
*
وروى حاطب بن أبي بلتعة عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي ومن مات في أحد الحرمين بعث في الآمنين يوم القيامة أسلم له غير هذا الحديث.
* روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الاسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله وأقمت عنده ليالي ثم بعث إليّ وقد جمع بطارفته فقال اني سأكلمك بكلام أحب أن تفهمه مني قال قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي قال قلت بلى هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته الى غيرها فقلت له فعيسى بن مريم أتشهد أنه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا صلبه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله اليه في سماء الدنيا قال أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد وأرسل معك من يبلغك الى مأمنك قال فأهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم ابراهيم ابن رسول الله وأخرى وهبها لأبي جهم بن حذيفة العدوي وأخرى وهبها لحسان بن ثابت الانصاري وأرسل اليه بثياب مع طرف من طرفهم.
وانظر ترجمة له في: طبقات ابن سعد (3: 114) ، الجرح والتعديل (3: 303) ، المستدرك (3: 300) ، مجمع الزوائد (9: 303) ، تهذيب التهذيب (2: 168) ، الاصابة (1:
300) ، شذرات الذهب (1: 37) .(5/15)
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ السَّيْرِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، وَخَرَجَتْ بِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ [ (3) ] فَقَالَ: أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبٌ كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ يحَذِّرُهُمْ مَا قَدِ اجْتَمَعْنَا لَهُ فِي أَمَرِهِمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، - رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ:
أَخْبَرَنَا [أَبُو] [ (5) ] عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبي رافع، وَهُوَ كَاتِبٌ لِعَلِيٍّ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ. (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن حسن
__________
[ (3) ] اختلفت الروايات فيمن أرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليأتي بكتاب حاطب: ففي رواية أبي رافع عن علي قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنا والزبير والمقداد.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بن العوام،
قال الحافظ: فيحتمل ان يكون الثلاثة كانوا معه، وذكر احد الراويين عنه ما لم يذكر الآخر، ثم قال: والذي يظهر، أنه كان مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخر تبعا له.
[ (4) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 12) .
[ (5) ] سقطت من (ح) .(5/16)
ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رافع وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أنا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [ (6) ] فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً [ (7) ] مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. [قَالَتْ: مَا مَعِيَ كِتَابٌ، قُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ] [ (8) ] أَوْ لتلقين الثياب فأخرجت مِنْ عِقَاصِهَا [ (9) ] فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا [ (10) ] فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ وَلَمْ تَكُنْ لِي قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ
__________
[ (6) ] روضة خاخ- بخاءين معجمتين بينهما ألف: على بريد من المدينة، وصحفه أبو عوانة كما في الصحيح فقال: حاج بحاء مهملة وجيم، ووهم في ذلك.
[ (7) ] الظعنية: الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن، والجمع الظعن بضمتين وتسكن [العين] وظعائن.
والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، وكل بعير يوطأ للنساء ظعينة، وقال في النهاية: الظعينة المرأة في الهودج، ثم قيل للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة.
[ (8) ] هذه العبارة سقطت من (ح) .
[ (9) ] عقاصها- بكسر العين المهملة، وبالقاف والصاد المهملة المكسورة: وهو الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب، والشعر المضفور، وفي رواية: أخرجته من حجزتها- بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم، وفتح الزاي: وهو معقد الإزار، قال في النور: وأيضا ان الكتاب كان في ضفائرها وجعلت الضفائر في حجزتها.
[ (10) ] الملصق- بضم الميم وفتح الصاد المهملة: الرجل المقيم في الحي والحليف لهم.(5/17)
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ [ (11) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ قَالَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الْآيَةَ [ (12) ] ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَا أَدْرِي: أَذَاكَ فِي الْحَدِيثِ، أَمْ قَوْلٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ [ (13) ] رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (14) ] عنه.
__________
[ (11) ] الحديث في قصة حاطب بن أبي بلتعة أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 79) ،.
وأخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، (141) باب الجاسوس، الحديث (3007) ، فتح الباري (6: 143) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله المديني.
وأخرجه البخاري أيضا في تفسير سورة الممتحنة، (1) باب لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أولياء، الحديث (4890) ، فتح الباري (8: 633) عن الحميدي.
وأخرجه البخاري أيضا في: 6- كتاب المغازي، (46) باب غزوة الفتح، وما بعث به حاطب لأهل مكة، فتح الباري (7: 519) عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ.
وأخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (36) باب من فضائل أهل بدر، الحديث 161، ص (1941) .
وأخرجه أبو داود في الجهاد، والترمذي في تفسير سورة الممتحنة.
وأخرجه أبو يعلى، والحاكم، والضياء عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ جابر، وابن مردويه عن أنس، وعن سعيد بن جبير وابن إسحاق عن عروة، والواقدي عن شيوخه.
[ (12) ] أول سورة الممتحنة.
[ (13) ] راجع الحاشية (11) من هذا الباب.
[ (14) ] الزيادة من (ح) .(5/18)
بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ الْفَتْحِ [ (1) ] وَاسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَوَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَدُخُولِهِ مَكَّةَ وَصَوْمِهِ وَفِطْرِهِ فِي مَسِيرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسلم بن
__________
[ (1) ] لا خلاف أَنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ في رمضان، كما في الصحيح، وغيره، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ابْنُ شهاب كما عند البيهقي من طريق عقيل: لَا أَدْرِي أَخَرَجَ فِي شَعْبَانَ فَاسْتَقْبَلَ رَمَضَانَ، أَوْ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ ما دخل؟ ورواه البيهقي من طريق ابن أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسناد صحيح. قال:
صبح رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي سعيد- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خرجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، وهذا يدفع التردد الماضي، ويعين يوم الخروج وقول الزهري يعين يوم الدخول، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما.
قال الحافظ: وأما ما قاله الواقدي أنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه، قلت: قد وافق الواقدي على ذلك ابن إسحاق وغيره، ورواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس، وعند مسلم أنه دخل لست عشرة، ولأحمد لثماني عشرة، وفي أخرى لثنتي عشرة، والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي، والذي في المغازي: دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر.
ووقع في أخرى: بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من طريق الحسن عن جماعة من مشايخه: أن الفتح كان في عشرين من رمضان، فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط قبل أن يدخل الأخير.(5/19)
شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيَّ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَامَ النَّاسُ [ (2) ] مَعَهُ حَتَّى أَتَى الْكَدِيدَ [ (3) ] مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ [ (4) ] وَأَمَجَ [ (5) ] أَفْطَرَ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى مَكَّةَ مُفْطِرًا، فَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ وَأَنَّهُ نُسِخَ مَا كَانَ قَبْلَهُ [ (6) ] .
هَكَذَا ذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَوْلَهُ: فَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: خَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سنة
__________
[ (2) ] في (ح) : «وصام معه الناس» .
[ (3) ] الكديد- بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة الأولى، بعدها تحتية فدال مهملة: موضع بين مكة والمدينة بين منزلتي أمج وعسفان، وهو اسم ماء، وهو أقرب الى مكة من عسفان.
[ (4) ] عسفان- بضم العين، وسكون السين المهملتين، وبفاء ونون، قرية جامعة على ثلاث مراحل من مكة.
[ (5) ] أمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم المخففة: اسم واد.
[ (6) ] ورد أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أفطر بالكديد، وفي رواية بغيره كما سبق في القصة، والكل في سفرة واحدة، فيجوز أن يكون فطره صلى الله عليه وسلم في أحد هذه المواضع حقيقة إما كديد، وإما كراع الغميم، وإما عسفان، وإما قديد. وأضيف إلى الآخر تجوزا لقربه منه، ويجوز أن يكون قد وقع منه صلى الله عليه وسلم الفعل في المواضع الأربعة، والفطر في موضع منها، لكن لم يره جميع الناس فيه، لكثرتهم، وكرره ليتساوى الناس في رؤية الفعل، فأخبر كل عن رؤية عين وأخبر كل عن محل رؤيته.(5/20)
ثَمَانٍ [ (7) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ لَا أَدْرِي أَخَرَجَ فِي ليالي مِنْ شَعْبَانَ، فَاسْتَقْبَلَ رَمَضَانَ، أَوْ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا دَخَلَ، غَيْرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْصَرَفَ [ (8) ] الشَّهْرُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، [ (9) ] عَنِ اللَّيْثِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ عَلَى رأس ثمان سنين ونصف مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بمن
__________
[ (7) ] راجع الحاشية (1) من هذا الباب.
[ (8) ] في البخاري: «انسلخ» .
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (47) باب غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، الحديث (4275) فتح الباري (8: 3) .(5/21)
مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ [ (10) ] وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَلَمْ يَصُومُوا مِنْ بَقِيَّةِ رَمَضَانَ شَيْئًا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْآخِرُ فَالْآخِرُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (11) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ دُونَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ في دخوله مكة [ (12) ] .
__________
[ (10) ] خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد) يعني بالفتح فتح مكة وكان سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ والكديد عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها. وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين. وهي أقرب الى المدينة من عسفان. قال القاضي عياض: الكديد عين جارية على اثنين وأربعين ميلا من مكة. قال: وعسفان قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلا من مكة.
قال: والكديد ماء بينها وبين قديد. وفي الحديث الآخر: فصام حتى بلغ كراع الغميم، وهو ود أمام عسفان بثمانية أميال. يضاف إليه هذا الكراع. وهو جبل أسود متصل به. والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة. قال القاضي. وهذا كله في سفر واحد، في غزاة الفتح. قال: وسميت هذه المواضع، في هذه الأحاديث لتقاربها وإن كانت عسفان متباعدة شيئا عن هذه المواضع، لكنها كلها مضافة إليها ومن عملها. فاشتمل اسم عسفان عليها، قال: وقد يكون علم حال الناس ومشقتهم في بعضها فأفطر وأمرهم بالفطر في بعضها. قال الإمام النووي: هذا كلام القاضي كما قال، إلا في مسافة عسفان، فإن المشهور أنها على أربعة برد من مكة. وكل بريد أربعة فراسخ. وكل فرسخ ثلاثة أميال) فالجملة ثمانية وأربعون ميلا. هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الجمهور صحيح مسلم (2: 784) .
[ (11) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (47) باب غزوة الفتح في رمضان الحديث (4276) ، فتح الباري (8: 3) .
[ (12) ] أخرجه مسلم في: 13- كتاب الصيام، (15) باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية ... ، الحديث (88) ، ص (784) .(5/22)
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ لِبِضْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ [ (13) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ فَذَكَرَهُ وَأَدْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ.
حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْفَتْحُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَكَانَ الْفَتْحُ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ.
وَهَذَا الْإِدْرَاجُ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم غزوة
__________
[ (13) ] جزم ابن إسحاق بأن جميع من شهد الفتح مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةُ آلَافٍ. ورواه البخاري في صحيحه عن عروة، وإسحاق بن راهويه من طريق آخر بسند صحيح عن ابن عبّاس، وقال عروة أيضا والزهري وابن عقبة كانوا اثنى عشر ألفا، وجمع بأن العشرة آلاف خرج بها من نفس المدينة. ثم تلاحق الألفان.(5/23)
الْفَتْحِ: فَتْحِ مَكَّةَ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ، وَمَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفِ سَنَةٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَافْتَتَحَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ [ (14) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ ابن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنُ أَبِي بكر، وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي [عَشْرٍ] [ (15) ] بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ: أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّبَرَانِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي الْيَمَانِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: آذَنَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحِيلِ عَامَ الْفَتْحِ فِي لَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صُوَّامًا حَتَّى بَلَغْنَا الْكَدِيدَ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفِطْرِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ شَرْجَيْنِ مِنْهُمُ الصَّائِمُ وَالْمُفْطِرُ، حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا الْمَنْزِلَ الَّذِي نَلْقَى الْعَدُوَّ فِيهِ أَمَرَنَا بالفطر فأفطرنا أجمعون [ (17) ] .
__________
[ (14) ] قول الزهري هذا يدفع التردد في تحديد يوم الفتح، ويعين يوم الخروج، ويوم الدخول، ويعطي انه اقام في الطريق اثني عشر يوما، وانظر إرشاد الساري شرح صحيح البخاري (6: 388) .
[ (15) ] سقطت من (ح) .
[ (16) ] راجع الحاشية (1) من هذا الباب.
[ (17) ] في جامع الترمذي، (24) كتاب الجهاد، (13) بَابُ مَا جَاءَ فِي الفطر عند القتال من طريق أحمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المبارك، عَنْ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عن قزعة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: «لما بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ مرّ الظهران، فآذننا بلقاء العدو، فأمرنا بالفطر، فأفطرنا أجمعون» وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .(5/24)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محرز، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ.
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ صَائِمًا حَتَّى أَتَى كُرَاعَ الْغَمِيمِ، والنَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاةً وَرُكْبَانًا، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ كَيْفَ فَعَلْتَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَرَفَعَهُ وَشَرِبَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. فَصَامَ بَعْضُ النَّاسِ، وَأَفْطَرَ بَعْضٌ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّ [بَعْضَهُمْ] [ (18) ] . صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» [ (19) ] .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ [ (20) ] .
وَفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَمَا حَلَّ عُقْدَةً حَتَّى انْتَهَى إِلَى الصُّلْصُلِ [ (21) ] وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوَا الْإِبِلَ وَكَانُوا عَشَرَةَ آلاف [ (22) ] .
__________
[ (18) ] في (ح) : «بعض الناس» ، وكذا في صحيح مسلم.
[ (19) ] (أولئك العصاة، أولئك العصاة) هكذا هو مكرر مرتين في صحيح مسلم، وهذا محمول على من تضرر بالصوم، أو إنهم أمروا بالفطر امرا جازما لمصلحة بيان جوازه، فخالفوا الواجب.
[ (20) ] أخرجه مسلم في: 13- كتاب الصيام، (15) باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، الحديث (90) ، ص (785) .
[ (21) ] (الصلصل) موضع عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ المدينة.
[ (22) ] الخبر في مغازي الواقدي: (2: 801) .(5/25)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ مِنْ أَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
.(5/26)
بَابُ إِسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَمَا جَاءَ فِيهِ [وَفِي] غَيْرِهِ فِي مَسِيرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عشرة آلاف من المسلمين، فَسَبَّعَتْ [ (1) ] سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ، وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المهاجرون وَالْأَنْصَارَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ صَانِعٌ.
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِثَنِيَّةِ الْعُقَابِ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ، فَقَالَ:
لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا: أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ، فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بن
__________
[ (1) ] (سبّعت) : أي كانت سبعمائة، وقوله: «ألفت» أي كانت ألفا.(5/27)
الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ [ (2) ]
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أظلم ليله ... فهذا أواتي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي [ (3) ]
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ [ (4) ]
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ [ (5) ]
هُمُ مَا هُمُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهِمُ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدِ [ (6) ]
أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ [ (7) ]
فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَكُمْ ... وَقُلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ: غِيْرِي وَأَوْعِدِي [ (8) ]
فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَلَا كَانَ عَنْ جَرْيٍ لِسَانِي وَلَا يَدِي
قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدُدِ
قَالَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ومن طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مطرّد [ (9) ] .
__________
[ (2) ] احمل راية: كنى بذلك عن شهود الحرب ودعوته إليها، واللات صنم من أصنام العرب، وأراد بخيل اللات جيش الكفر والشرك، وخيل محمد: أراد بها جيش المسلمين.
[ (3) ] المدلج: الذي يسير ليلا.
[ (4) ] مطرد: مصدر ميمي بمعنى الطرد، وذلك كما في قوله تعالى: «انكم إذا مزقتم كل ممزق» .
[ (5) ] أصد: أمنع الناس عن الدخول في الإيمان، وأنأى: ابعد بنفسي عنه، وجاهدا: مجتهدا.
[ (6) ] يفند: ينسب إلى الفند، وهو الكذب، أو يلام.
[ (7) ] لائط: ملصق، يقال: لاط حبه بقلبي، إذا لصق به.
[ (8) ] أوعدي: هددي.
[ (9) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 15) ، ونقله ابن كثير في التَّارِيخَ (4: 287) .(5/28)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ أَهْلُ مُؤْتَةَ، وَرَجَعُوا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّسْيرِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ بِالْعَقَبَةِ وَأَرْسَلَ الْجُنَاةَ يَجْتَنُونَ الْكَبَاثَ [ (10) ] فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ثَمَرُ الْأَرَاكِ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَنْ يَجْتَنِي فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ حَبَّةً طَيِّبَةً قَذَفَهَا فِي فِيهِ، وَكَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى دِقَّةِ سَاقَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَرْقَى فِي الشَّجَرَةِ فَيَضْحَكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «تَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فو الذي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ [ (11) ] مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا اجْتَنَى مِنْ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ وَخِيَارُهُ فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهْ ... إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهْ [ (12) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ» قَالُوا: كُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ، قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَاهَا» ، وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رمضان.
__________
[ (10) ] (الكباث) : النضيج من ثمر الأراك، حبة فويق حب الكزبرة في القدر.
[ (11) ] المستدرك للحاكم (3: 317) ، وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي:
«صحيح» .
[ (12) ] ونقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 288) .(5/29)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ مُخْتَصَرًا لَمْ يَذْكُرِ التَّارِيخَ فيه [ (13) ] .
__________
[ (13) ] أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، وترجم له بقوله: «باب الكباث وهو ورق الأراك» وعلق عليه الحافظ ابن حجر، فقال: «كذا وقع في رواية أبي ذر عن مشايخه، وقال: كذا في الرواية، والصواب ثمر الأراك، ثم تتبع باقي الروايات على هذا النحو.
وقال الحافظ ابن القيم: الكباث (بفتح الكاف والباء الموحدة المخففة والثاء المثلثة) ثمر الأراك، وهو بأرض الحجاز، وطبعه حار يابس منافعه كمنافع الأراك، يقوي المعدة، ويجيد الهضم، ويجلو البلغم، وينفع من أوجاع الظهر، وكثير من الأدواء» .
وانظر الطب النبوي ص (540) من تحقيقنا.(5/30)
بَابُ نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَمَا جَرَى فِي أَخْذِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء وَإِسْلَامِهِمْ وَعَقْدِ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا شَرَطَ وَدُخُولِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَكَّةَ وَتَصْدِيقِ اللهِ تَعَالَى مَا وَعَدَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا، أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة بَابُ مَا جَاءَ فِي خبر مكة، الحديث (3021) ، ص (3:
162) بإسناده.(5/31)
جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَبُو سُفْيَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْفَضْلِ انْصَرِفْ بِضَيْفِكَ اللَّيْلَةَ إِلَى أَهْلِكَ وَاغْدُ بِهِ» ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الشَّرَفَ وَالذِّكْرَ فَأَعْطِهِ شَيْئًا يَتَشَرَّفُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَمَا تَسَعُ دَارِي؟ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ: وَمَا تَسَعُ الْكَعْبَةُ فَقَالَ: من دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ: وَمَا يَسَعُ الْمَسْجِدُ فَقَالَ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ هَذِهِ وَاسِعَةٌ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ! [ (3) ] وَاللهِ لَإِنْ بَغَتَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِلَادِهَا فَدَخَلَ عَنْوَةً [ (4) ] مَكَّةَ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدهر، فجلس على
__________
[ (2) ] مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عقبة، نقلها باختصار ابن عبد البر في الدرر (217) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 330) .
[ (3) ] واصباح قريش: منادى مستغاث، يقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه.
[ (4) ] (عنوة) : أخذ الشيء قهرا.(5/32)
بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، وَقَالَ: أَخْرُجُ إِلَى الْأَرَاكِ لَعَلِّي أَرَى حَطَّابًا أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ دَاخِلًا يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، فخرجت فو الله إِنِّي لَأَطُوفُ بِالْأَرَاكِ أَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَقَدْ خَرَجُوا يَتَحَسَّبُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا، فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَذِهِ وَاللهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا [ (5) ] الْحَرْبُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَلْأَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَذَلُّ، فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! وَهُوَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: أَبَا الْفَضْلِ! فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: لَبَّيْكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فَمَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَقَدْ دَلَفَ إِلَيْكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ فَقُلْتُ.
تَرْكَبُ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ لَئِنْ [ (6) ] ظَفَرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَرَدَفَنِي، فَخَرَجْتُ أَرْكُضُ بِهِ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرُوا إِلَيَّ قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ فَرَآهُ خَلْفِي، فَقَالَ عُمَرُ: أَبُو سُفْيَانَ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، ثُمَّ اشْتَدَّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ حَتَّى اقْتَحَمْتُ عَلَى بَابِ الْقُبَّةِ وَسَبَقْتُ عُمَرَ بِمَا تَسْبِقُ بِهِ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ، وَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللهِ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ وَقُلْتُ: وَاللهِ لَا ينَاجِيهِ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ فِيهِ عُمَرُ، قُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ، فو الله لَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
__________
[ (5) ] (حمشتها الحرب) : أحرقتها، وتروى هذه الكلمة: «حمستها» بالسين المهملة، فمعناها اشتتدت عليها، مأخوذة من الحماسة، وهي الشجاعة والشدة.
[ (6) ] في (ح) : «فإن» .(5/33)
عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْلًا يَا عَبَّاسُ، فو الله لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (7) ] : «اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ أَمَّنَّاهُ حتى تغدوا عَلَيَّ بِهِ بِالْغَدَاةِ» ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ- أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» ، [فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ] [ (8) ] وَاللهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَوَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ» ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ، أَمَا وَاللهِ هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْئًا.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: فَقُلْتُ: وَيْلَكَ تَشَهَّدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَبْلَ وَاللهِ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ، فَتَشَهَّدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ حِينَ تَشَهَّدَ أَبُو سُفْيَانَ: «انْصَرِفْ بِهِ يَا عَبَّاسُ فَاحْبِسْهُ عِنْدَ خَطْمِ [ (9) ] الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي حِينَ تَمُرُّ عَلَيْهِ جُنُودُ اللهِ» .
فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا يَكُونُ لَهُ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتُهُ عِنْدِ خَطْمِ الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي فمرّت عليه
__________
[ (7) ] الزيادة من (ح) ، وسقطت من (أ) .
[ (8) ] ما بين الحاصرتين من (ح) .
[ (9) ] خطم الجبل: شيء يخرج منه ويضيق معه الطريق، وفي رواية في الصحيح: حطم، بالحاء المهملة، الخيل، بالخاء المعجمة، وهو موضع ضيق تتزاحم الخيل فيه حتى يحطم بعضهم بعضا.(5/34)
الْقَبَائِلُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَأَقُولُ سُلَيْمٌ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِسُلَيْمٍ، وَتَمُرُّ بِهِ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: أَسْلَمُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِأَسْلَمَ، وَتَمُرُّ جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ: مِنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِجُهُيْنَةَ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْحَدِيدِ لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا.
قُلْتُ: الْحَقِ الْآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ، فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ [ (10) ] يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَقَالُوا: فَمَهْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ. [قَالُوا وَيْحَكَ وَمَا دَارُكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا قَالَ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ هُوَ آمِنٌ] [ (11) ] وَمَنْ غَلَّقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَمَّا أَيُّوبُ فَإِنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ وَلَمْ يَسُقْ شَيْخُنَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي عَقْدِ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا قَالَ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ سَائِرِ أَهْلِ الْمَغَازِي مِنْهَا [ (12) ] .
مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (10) ] في (ح) : «فصرخ في البيت» .
[ (11) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (12) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (4: 16) ، وإسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عباس، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية، (4:
290) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 326) .(5/35)
أَبُو عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَغِفَارٍ، وَأَسْلَمَ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ، وَقَادُوا الْخُيُولَ حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَلَمْ تَعْلَمْ بِهِمْ قُرَيْشٌ، وَبَعَثُوا أَبَا سفيان وحكيم بْنَ حِزَامٍ فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْأَرَاكِ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ عِشَاءً، وَإِذَا الْفَسَاطِيطُ وَالْعَسْكَرُ وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، وَفَزِعُوا مِنْهُ، وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ بَنُو كَعْبٍ حَاشَتْهَا الْحَرْبُ، قَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مَا بَلَغَ تَأْلِيبُهَا هَذَا أَفَتَنْجَعُ هَوَازِنُ أَرْضَنَا، وَاللهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَيْضًا.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلًا تَقْبِضُ الْعُيونَ وَخُزَاعَةُ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَمْضِي، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَتْهُمُ الْخَيْلَ تَحْتَ اللَّيْلِ وَأَتَوْا بِهِمْ خَائِفِينَ لِلْقَتْلِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَوَجَأَ عُنُقَهُ وَالْتَزَمَهُ الْقَوْمُ وَخَرَجُوا بِهِ لِيَدْخُلُوا بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَبَسَهُ الْحَرَسُ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَخَافَ الْقَتْلَ، وَكَانَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً [ (13) ] لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فنادى بأعلا صَوْتِهِ: أَلَا تَأْمُرُ بِي إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَدَفَعَ عَنْهُ وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنْ يُقَيِّضَهُ إِلَيْهِ، وَفَشَا فِي الْقَوْمِ مَكَانُهُ أَنَّهُ عِنْدَ عَبَّاسٍ، فَرَكِبَ بِهِ عَبَّاسٌ تَحْتَ اللَّيْلِ وَسَارَ بِهِ فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ حَتَّى أَبْصُرُوهُ أَجْمَعَ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَجَأَ عُنُقَهُ: وَاللهِ لا تدنوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمُوتَ، فَاسْتَغَاثَ بِعَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنِّي مَقْتُولٌ، فَمَنَعَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَنْتَهِبُوهُ، فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ الْجَيْشِ، وَطَاعَتَهُمْ، قَالَ: لَمْ أَرْ كَاللَّيْلَةِ جَمْعًا لقوم.
__________
[ (13) ] في (أ) : «خالصة أو خاصة» .(5/36)
فخلّصن عَبَّاسٌ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ، إِنْ لَمْ تُسْلِمْ وَتَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِهِ عَبَّاسٌ، فَلَا يَنْطَلِقُ بِهِ لِسَانُهُ، فَبَاتَ مَعَ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا حَكِيمُ بْنُ حزام، وبديل بْنُ وَرْقَاءَ فَدَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْتَخْبِرُهُمَا عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فما نُودِيَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَحَشْحَشَ الْقَوْمُ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ! مَاذَا يُرِيدُونَ؟ فَقَالَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ، فيسّروا بِحُضُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ بِهِ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ يَمُرُّونَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَبْصَرَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا فَعَلُوهُ قَالَ لَهُ عَبَّاسٌ لَوْ نَهَاهُمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَأَطَاعُوهُ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ فَكَلِّمْهُ فِي قَوْمِكَ هَلْ عِنْدَهُ مِنْ عَفْوٍ عَنْهُمْ، فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدِ اسْتَنْصَرْتُ إِلَهِي وَاسْتَنْصَرْتَ إِلَهِكَ فو الله مَا لَقِيتُكَ مَرَّةً إِلَّا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كَانَ إلهي محقا وإلهك مُبْطِلًا لَظَهَرْتُ عَلَيْكَ، فَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ عَبَّاسٌ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي إِلَى قَوْمِكَ فَأُنْذِرَهُمْ وَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَأَذِنَ لَهُ،
فَقَالَ عَبَّاسٌ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ؟ بَيِّنْ لِي مِنْ ذَلِكَ أَمْنًا يَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهِ، قَالَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَقُولُ لَهُمْ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّنَا وَأُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ مَعِي وَقَدْ خَصَصْتَهُ بِمَعْرُوفٍ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَدَارُ أَبِي سفيان بأعلا مَكَّةَ، وَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دار حكيم ابن حِزَامٍ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَدَارُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ.
وَحَمَلَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَبَّاسًا عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ بْنُ(5/37)
خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ، فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ أَرْدَفَهُ فَلَمَّا سَارَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَقْفِ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمَضِيقِ دُونَ الْأَرَاكِ حَتَّى مَرَّتْ بِهِ الْخَيْلُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ وُجُوهًا كَثِيرَةً لَا يَعْرِفُهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرْتَ أَوْ كَثَّرْتَ هَذِهِ الْوُجُوهُ عَلَيَّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَقَوْمُكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ صَدَّقُونِي إِذْ كَذَّبْتُمُونِي، وَنَصَرُونِي إِذْ أَخْرَجْتُمُونِي، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ:
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةْ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةْ
إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه بَعْضَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ.
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةْ ... الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةْ
فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟
قَالَ: مَا قَالَ: قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أبيه، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَقَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ إبن مُطْعِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟
قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَذَا أو دخل
__________
[ (14) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ اخرج بعضها ابن عبد الدر في الدرر (216- 217) باختصار، ونقلها ابن كثير في البداية والنهاية (4: 290- 291) والصالحي في السيرة الشامية (5: 328- 329) .(5/38)
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ كَذَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل ابن مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم ابن عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ: مِنْ أَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَادُوا الْخُيُولَ، فَأَخْفَى الله عَزَّ وَجَلَّ مَسِيرَهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَمَعَهُمَا بديل ابن وَرْقَاءَ، فَلَمَّا طَلَعُوا عَلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ بَلَغُوا الْأَرَاكَ، وَذَلِكَ عِشَاءً رَأَوُا النِّيرَانَ وَالْفَسَاطِيطَ وَالْعَسْكَرَ، وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ، فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا:
هَذِهِ بَنُو كَعْبٍ حَشَّتْهَا الْحَرْبُ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، قَالُوا: فَلَعَلَّهُمْ هَوَازِنُ انْتَجَعُوا الْغَيْثَ بِأَرْضِنَا وَلَا وَاللهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَيْضًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى أَخَذَهُمْ نَفَرٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ عُيُونًا لَهُ بِخَطِيمِ أَبْعِرَتِهِمْ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ، قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وأصحابه، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَلْ سَمِعْتُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْجَيْشِ نَزَلُوا عَلَى أَكْبَادِ قَوْمٍ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِمْ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهِمُ الْعَسْكَرُ لَقِيَهُمْ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَجَارَهُمْ وَقَالَ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَعَشِيرَتُكَ، هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ فَادْخِلُوا [عَلَيْهِ(5/39)
فَأَسْلَمُوا فَدَخَلُوا] [ (15) ] عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَمَكَثُوا عِنْدَهُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُحَادِثُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُمُ: اشْهَدُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَشَهِدُوا، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَشَهِدَ حَكِيمٌ، وَبُدَيْلٌ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ فَلَمَّا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ ثَارَ النَّاسُ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: مَاذَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: الصَّلَاةَ وَرَأَى أَبُو سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ [ (16) ] يَتَلَقَّوْنَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ مُلْكًا قَطُّ كَاللَّيْلَةِ وَلَا مُلْكَ كِسْرَى، وَلَا مُلْكَ قَيْصَرَ، وَلَا مُلْكَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَسَأَلَ أَبُو سُفْيَانَ الْعَبَّاسَ أَنْ يُدْخِلَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْخَلَهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمَّدُ قَدِ اسْتَنْصَرْتُ آلِهَتِي، واستنصرت إلهك فو الله مَا لَقِيتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كان إلهي محقا وإلهك مُبْطِلًا، لَقَدْ غَلَبْتُكَ فَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَجِئْتَ بِأَوْبَاشِ [ (17) ] النَّاسِ مَنْ يُعْرَفُ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ إِلَى أَصْلِكَ وَعَشِيرَتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ أَظْلَمُ وَأَفْجَرُ، قَدْ غَدَرْتُمْ بِعَقْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَظَاهَرْتُمْ عَلَى بَنِي كَعْبٍ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي حَرَمِ اللهِ وَأَمْنِهِ، فَقَالَ بُدَيْلٌ: قَدْ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ غَدَرُوا بِنَا وَاللهِ لَوْ أَنَّ قُرَيْشًا خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا مَا نَالُوا مِنَّا الَّذِي نَالُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ قَدْ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ حَقِيقًا أَنْ تَجْعَلَ عِدَّتَكَ وَكَيْدَكَ لِهَوَازِنَ، فَإِنَّهُمْ أَبْعَدُ رَحِمًا وَأَشَدُّ عَدَاوَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْمَعَهُمَا لِي رَبِّي: فَتْحَ مَكَّةَ، وَإِعْزَازَ الْمُسْلِمِينَ [ (18) ] بِهَا وَهَزِيمَةَ هَوَازِنَ، وَغَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ لَنَا [ (19) ] بِالْأَمَانِ، أَرَأَيْتَ إِنِ اعْتَزَلَتْ قُرَيْشٌ فَكَفَّتْ أَيْدِيَهَا آمِنُونَ هُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، مَنْ كَفَّ يَدَهُ وَأَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ
__________
[ (15) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (16) ] في (ح) : «المسلمون» !
[ (17) ] (الأوباش) : الأخلاط.
[ (18) ] في (ح) : «المسلمين» .
[ (19) ] في (ح) : «الناس» .(5/40)
آمِنٌ، قَالُوا: فَابْعَثْنَا نُؤْذِنُ بِذَلِكَ فِيهِمْ: قَالَ: انْطَلِقُوا فَمَنْ دَخَلَ دَارَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ وَدَارَكَ يَا حَكِيمُ، وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ،
وَدَارُ أَبِي سُفْيَانَ بأعلا مَكَّةَ، وَدَارُ حَكِيمٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا تَوَجَّهَا ذَاهِبَيْنِ، قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي لَا آمَنُ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَيَكْفُرَ فَارْدُدْهُ حَتَّى نَقِفَهُ فَيَرَى جُنُودَ اللهِ مَعَكَ، فَأَدْرَكَهُ عَبَّاسٌ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَغَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
سَتَعْلَمُ أَنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ وَلَكِنْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، فَأَصْبِحْ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى جُنُودِ اللهِ وَإِلَى مَا عَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ فَحَبَسَهُمْ بِالْمَضِيقِ دُونَ الْأَرَاكِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى أَصْبَحُوا وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى لِتُصْبِحْ كُلُّ قَبِيلَةٍ قَدِ ارْتَحَلَتْ وَوَقَفَتْ مَعَ صَاحِبِهَا عِنْدَ رَايَتِهِ وَتُظْهِرْ مَا مَعَهَا مِنَ الْأَدَاةَ وَالْعُدَّةِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ عَلَى ظَهْرٍ وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَتَائِبُ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ أَفِي هَذِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قُضَاعَةُ، ثُمَّ مَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، فَرَأَى أَمْرًا عَظِيمًا رَعَّبَهُ اللهُ بِهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَخَيْلِهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَأَعْطَاهُ رَايَتَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَهَا بِالْحَجُونِ وَلَا يَبْرَحُ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَهَا حَتَّى يَأْتِيَهُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِيمَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ قُضَاعَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ وَنَاسًا أَسْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَ رَايَتَهُ عِنْدَ أَدْنَى الْبُيُوتِ، وَبِأَسْفَلِ مَكَّةَ: بَنُو بَكْرٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَهُذَيْلٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَحَابِيشِ قَدِ اسْتَنْصَرَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَكُونُوا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي كَتِيبَةِ الْأَنْصَارِ فِي مُقَدِّمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعَ سَعْدٌ رَايَتَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَلَا يقَاتِلُونَ أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ:
عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ، وَابْنُ خطل، ومقيس بن صبابة أَحَدِ بَنِي لَيْثٍ وَهُوَ مِنْ كَلْبِ بْنِ عَوْفٍ وَأَمَرَ بِقَتْلِ قَيْنَتَيْنِ لِابْنِ خَطَلٍ كَانَتَا(5/41)
تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (20) ] ، فَمَرَّتِ الْكَتَائِبُ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا عَلَى أَبِي
__________
[ (20) ] هم عبد العزى ابن خطل- بفتح الخاء المعجمة، والطّاء المهملة، وآخره لام وكان قد أسلم، وسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله وهاجر إلى المدينة، وبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ساعيا، وبعث معه رجلا من خزاعة، وكان يصنع له طعامه ويخدمه فنزلا في، مجمع- والمجمع حيث تجتمع الأعراب يؤدون فيه الصدقة فأمره أن يصنع له طعاما، ونام نصف النهار، واستيقظ، والخزاعي نائم: ولم يصنع له شيئا، فعدى عليه فضربه، فقتله، وارتدّ عن الإسلام، وهرب إلى مكة، وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان له قينتان، وكانتا فاسقتين، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وعن [أنس] قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقتلوه» رواه الإمام مالك والشّيخان.
قال محمد بن عمر: لمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى ذي طوى، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدجّجا في الحديد على فرس وبيده قناة، فمرّ ببنات سعيد بن العاص فقال لهن: أما والله لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد، ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة، فرأى خيل الله، ورأى القتال فدخله رعب، حتّى ما يستمسك من الرّعدة، فرجع حتّى انتهى الى الكعبة، فنزل عن فرسه، وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره، فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وأدرك فرسه عائرا فاستوى عليه، ولحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم بالحجون.
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح- بفتح السّين، وإسكان الرّاء، وبالحاء المهملات- كان أسلم، ثمّ ارتد، فشفع فيه عثمان يوم الفتح، فحقن دمه، وأسلم بعد ذلك فقبل إسلامه، وحسن إسلامه بعد ذلك، وولّاه عمر بعض أعماله، ثمّ ولّاه عثمان، ومات وهو ساجد في صلاة الصّبح، أو بعد انقضائها، وكان أحد النّجباء الكرماء العقلاء من قريش، وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم، وسيأتي خبره مبسوطا في أبواب كتّابه- صلّى الله عليه وسلم.
وعكرمة بن أبي جهل، أسلم فقبل إسلامه.
والحويرث- بالتصغير- بن نقيدر بضم النون، وفتح القاف، وسكون التّحتية، فدال مهملة، فراء مهملة، كان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونخس بزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما هاجرت إلى المدينة، فأهدر دمه، فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه، فسأله عنه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-.
فقيل هو بالبادية، فأخبر الحويرث أنّه يطلب، فتنحى عليّ عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر، فتلقّاه عليّ، فضرب عنقه.
قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة، وأم كلثوم بنتي رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكّة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث فرمى بهما الأرض.(5/42)
سُفْيَانَ وَحَكِيمٍ وَبُدَيْلٍ لَا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ كَتِيبَةٌ إِلَّا سَأَلُوا عَنْهَا حَتَّى مَرَّتْ عَلَيْهِمْ كَتِيبَةُ الْأَنْصَارِ فِيهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَنَادَى سَعْدٌ أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ:.
__________
[ () ] قال البلاذري- رحمه الله تعالى- وكان يعظم الْقَوْلَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وينشد الهجاء فيه، ويكثر أذاه وهو بمكة.
ومقيس. بميم، فقاف، فسين مهملة- بن صبابة، بصاد مهملة، وموحدتين، الأولى خفيفة-، كان أسلم، ثم أتى على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ في غزوة ذي قرد، ظنّه من العدوّ، فجاء مقيس، فأخذ الدّية، ثم قتل الأنصاري، ثم ارتد، فقتله نميلة- تصغير نملة، بن عبد الله يوم الفتح.
وهبّار- بفتح الهاء، وتشديد الموحدة بن الأسود، أسلم، وكان قبل ذلك شديد الأذى للمسلمين، وعرض لزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا هاجرت فنخس بها، فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتّى ماتت، فلمّا كان يوم الفتح، وبلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهدر دمه، فأعلن بالإسلام، فقبله منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعفا عنه.
والحويرث بن الطلاطل الخزاعي، قتله عليّ- رضي الله عنه- ذكره أبو معشر. وكعب بن زهير، وجاء بعد ذلك فأسلم، ومدح. ذكره الحاكم.
ووحشيّ بن حرب، وتقدّم شأنه في غزوة أحد، فهرب إلى الطائف، فلما أسلم أهلها جاء فأسلم.
وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت مغّنية نوّاحة بمكة، وكانت قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل الفتح، وطلبت منه الصّلة وشكت الحاجة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «ما كان في غنائك ما يغنيك؟»
فقالت: إنّ قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء، فوصلها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأوقر لها بعيرا طعاما، فرجعت إلى قريش. وكان ابن خطل يلقي عليها هجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتغني به. وهي التي وجد معها كتاب حاطب بن أبي بلتعة، فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب.
وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب، وهي التّي شقّت عن كبد حمزة بن عبد المطّلب عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلمت، فعفا عنها.
وأرنب مولاة ابن خطل، وقينتان لابن خطل، كانت تغنيان بهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسم أحدهما فرتنى- بفتح الفاء، وسكون الرّاء وفتح الفوقية، فنون، فألف تأنيث مقصورة، والأخرى قريبة- ضدّ بعيدة، ويقال: هي أرنب السابقة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت، وقتلت الأخرى، وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت، وأن قريبة قتلت.
وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق، ويحتمل كما قال الحافظ- رحمه الله تعالى أن تكون أرنب، وأم سعد القينتان. واختلف في اسميهما باعتبار الكنية واللّقب.(5/43)
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةُ
فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ فِي الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَ بِقَوْمِكَ أَنْ يُقْتَلُوا، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ مَرُّوا بِي نَادَانِي سعاد فَقَالَ:
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةُ
وَإِنِّي أُنَاشِدُكَ اللهَ فِي قَوْمِكَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَعَزَلَهُ، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ مَكَانَهُ عَلَى الْأَنْصَارِ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ، فَسَارَ الزُّبَيْرُ بِالنَّاسِ حَتَّى وَقَفَ بِالْحَجُونِ وَغَرَزَ بِهَا رَايَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَانْدَفَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ فَلَقِيَتْهُ بَنُو بَكْرٍ فَقَاتَلُوهُ فَهُزِمُوا، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَمِنْ هُذَيْلٍ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَانْهَزَمُوا وَقُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ حَتَّى بَلَغَ قَتَلُهُمْ بَابَ الْمَسْجِدِ، وَفَرَّ بَعْضُهُمْ حَتَّى دَخَلُوا الدُّورَ، وَارْتَفَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى الْجِبَالِ، وَأَتْبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسُّيُوفِ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأُخْرَيَاتِ النَّاسِ، وَصَاحَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ: مَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ، وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَتْ لَهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ- وَهِيَ امْرَأَتُهُ- قَبَّحَكَ اللهُ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ، وَقَبَّحَ عَشِيرَتَكَ مَعَكَ، وَأَخَذَتْ بِلِحْيَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَنَادَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الْأَحْمَقَ هَلَّا قَاتَلْتُمْ وَدَفَعْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَبِلَادِكُمْ فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَانَ:
وَيْحَكِ اسْكُتِي، وَادْخُلِي بَيْتَكِ فَإِنَّهُ جَاءَنَا بِالْخَلْقِ،
وَلَمَّا عَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَنِيَّةَ كَدَاءٍ نَظَرَ إِلَى الْبَارِقَةِ عَلَى الْجَبَلِ مَعَ فَضَضِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ وَقَدْ نَهَيْتُ عَنِ الْقِتَالِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: نَظُنُّ أَنَّ خَالِدًا قُوتِلَ وَبُدِئَ بِالْقِتَالِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَمَا كَانَ يَا رَسُولَ اللهِ لِيَعْصِيَكَ وَلَا يُخَالِفَ أَمْرَكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنِيَّةِ فَأَجَازَ عَلَى الْحَجُونِ،
فَانْدَفَعَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَجُرِحَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(5/44)
كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ [ (21) ] أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَحُبَيْشُ بْنُ خَالِدٍ وَخَالِدٌ يُدْعَى الْأَشْعَرَ [ (22) ] وَهُوَ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ فِي قَتْلِ النَّفِيرِ أَنْ يُقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَكَانَ قَدِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ كَافِرًا فَاخْتَبَأَ [ (23) ] حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّاسُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُرِيدُ أَنْ يُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ لِيَقُومَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَشْعُرُوا بِالَّذِي كَانَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: لَوْ أَشَرْتَ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ،
وَيُقَالُ: أَجَارَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَقُتِلَتْ إِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ وَكُتِمَتِ الْأُخْرَى حَتَّى اسْتُؤْمِنَ لَهَا.
وَدَخَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ زَعَمُوا بِمِحْجَنٍ، وَكَثُرَ النَّاسُ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَاسْتَكَفَّ [ (24) ] الْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ نَزَلَ، وَأُخْرِجَتِ الرَّاحِلَةُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى زَمْزَمَ فَاطَّلَعَ فِيهَا وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ تُغْلَبَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى سِقَايَتِهِمْ لَنَزَعْتُ مِنْهَا بِيَدِي [دَلْوًا] [ (25) ] »
ثُمَّ انْصَرَفَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنَ الْمَقَامِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ الْمَقَامُ- زعموا-
__________
[ (21) ] هو كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ: أسلم بعد الهجرة، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش الذي بعثه في اثر العرنيين الذين قتلوا راعيه.
[ (22) ] هو حبيش بن خالد بن ربيعة بن الأشعر الكعبي، وهو أخو أم معبد.
[ (23) ] رسمت في (أ) : «فاختبى» .
[ (24) ] استكف له الناس- بفتح أوّله، وسكون السّين المهملة، وفتح الكاف، وبالفاء: أي استجمع، من الكافة، وهي الجماعة، وقد يجوز أن يكون استكفّ هنا بمعنى نظروا إليه، وحدقوا أبصارهم فيه، كالّذي ينظر في الشّمس، من قولهم: استكف بالشّيء إذا وضعت كفّك على حاجبك ونظرت إليه، وقد يجوز أن يكون استكف هذا بمعنى استمد،
[ (25) ] الزيادة من السيرة الحلبية، والمعنى: اي يغلبهم الناس على وظيفتهم، وهي النزع من زمزم.(5/45)
لَاصِقًا بِالْكَعْبَةِ. فَأَخَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَانَهُ هَذَا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بسحل مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ، وَتَوَضَّأَ وَالْمُسْلِمُونَ يَبْتَدِرُونَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّونَهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَالْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ يَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا مُلْكًا قَطُّ بَلَغَ هَذَا وَلَا سَمِعْنَا بِهِ.
وَمَرَّ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَامِدًا لِلْبَحْرِ، وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ هَرَبَ فَارًّا نَحْوَ الْبَحْرِ، وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ، فَأَرْسِلْنِي إِلَيْهِ بِأَمَانٍ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّكَ قَدْ أَمَّنْتَ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْرِكِ ابْنَ عَمِّكَ فَهُوَ آمِنٌ، فَطَلَبَهُ عُمَيْرٌ فَأَدْرَكَهُ، فَقَالَ: قَدْ أَمَّنَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ لَا وَاللهِ لأقر لَكَ حَتَّى أَرَى عَلَامَةً بِأَمَانٍ أَعْرِفُهَا، فَقَالَ عُمَيْرٌ: امْكُثْ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ بِهَا، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ صَفْوَانَ أَبَى أَنْ يُوقِنَ لِي حَتَّى يَرَى مِنْكَ آيَةً يَعْرِفُهَا، فَانْتَزَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بُرْدَ حَبَرَةٍ كَانَ مُعْتَجِرًا بِهَا حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، فَدَفَعَهُ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَمَّا رَأَى صَفْوَانُ الْبُرْدَ أَيْقَنَ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ وَأَقْبَلَ مَعَ عُمَيْرٍ حَتَّى دَخَلَ [ (26) ] الْمَسْجِدَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ:
أَعْطَيْتَنِي مَا يَقُولُ هَذَا مِنَ الْأَمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اجْعَلْ لِي شَهْرًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ لَكَ شَهْرَانِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَكَ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم صَفْوَانَ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَمَّنْتَنِي كَمَا قَالَ هَذَا إِنْ رَضِيتَ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنْزَلَ أَبَا وَهْبٍ، قَالَ: لَا وَاللهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي، قَالَ: فَلَكَ تسير اربعة أشهر [ (27) ] .
__________
[ (26) ] في (ح) : «دخلا» .
[ (27) ]
وقد روى قصته ابن إسحاق عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، والواقدي عن شيوخه، قالوا: خرج صفوان بن أميّة يريد جدّة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يَا نَبِيَّ اللهِ- إِنَّ صفوان بن أميّة سيّد قومي وقد خرج هاربا منك، ليقذف نفسه في البحر، فأمنه صلى الله عليه وسلم قال: «هو آمن» فخرج عمير حتّى أدركه- وهو يريد أن يركب البحر- وقال صفوان لغلامه يسار- وليس معه(5/46)
وَأَقْبَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ يَوْمَئِذٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا، وَأَمَّنَهُ فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ مِنْ عَكٍّ، فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ لَهَا، وَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِكْرِمَةَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عليه ردأ حَتَّى بَايَعَهُ وَأَدْرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ بِتِهَامَةَ، فَأَقْبَلَ مَعَهَا وَأَسْلَمَ وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ حِينَ هُزِمَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَارًّا فَلَامَتْهُ وَعَجَّزَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ:
وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانٌ وَفَرَّ عِكْرِمَةْ
وَلَحِقَتْنَا بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ ... يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ
لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أدنى كلمه
__________
[ () ] غيره- ويحك!! أنظر من ترى؟ قال: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، قال صفوان: ما أصنع بعمير بن وهب، والله ما جاء إلّا يريد قتلي قد ظاهر علّي محمّدا، فلحقه فقال: يا أبا وهب جعلت فداك، جئت من عند أبرّ النّاس، وأوصل النّاس، فداك أبي وأمّي الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قد جئتك به. قال: ويحك أغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان فداك أبي وأمي. أفضل النّاس وأبرّ النّاس وخير النّاس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، قال: ولا أرجع معك حتّى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال: امْكُثْ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ به، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ صَفْوَانَ أبى أن يأنس لِي حَتَّى يَرَى مِنْكَ أمارة يعرفها، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته فأعطاه إيّاها، وهي البرد الّذي دخل فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم معتجرا به برد حبرة، فرجع معه صفوان حتّى انتهى إلى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلّي بالمسلمين العصر في المسجد، فلمّا سلّم رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاح صفوان: يا محمد، إنّ عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنّك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيّرتني شهرين. فقال: «انزل أبا وهب» قال: لا والله حتّى تبيّن لي قال: «بل لك تسيير أربعة أشهر» فنزل صفوان، ولمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى هوازن وفرق غنائمها فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم صفوان ينظر الى شعب ملآن نعما وشاء ورعاء، فأدام النّظر اليه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يرمقه فقال: «يا أبا وهب يعجبك هذا الشّعب؟» قال: نعم قال: «هو لك وما فيه» فقبض صفوان ما في الشّعب، وقال عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلّا نفس نبيّ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأسلم مكانه(5/47)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَهَا حِمَاسٌ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ [ (28) ] .
قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: لِمَ قَاتَلْتَ وَقَدْ نهيتك عَنِ الْقِتَالِ؟ فَقَالَ هُمْ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ، وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاحَ وَأَشْعَرُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَدْ كَفَفْتُ يَدِي مَا اسْتَطَعْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ.
قَالَ وَكَانَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَالْفَتْحُ فِي رَمَضَانَ سَنَةِ ثَمَانٍ.
وَيُقَالُ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ أُرَانِي فِي الْمَنَامِ وَأَرَاكَ دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ، فَخَرَجَتْ إِلَيْنَا كَلْبَةٌ تَهِرُّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهَا اسْتَلْقَتْ عَلَى ظَهْرِهَا فَإِذَا هِيَ تَشْخَبُ لَبَنًا، فَقَالَ: ذَهَبَ كَلْبُهُمْ، وَأَقْبَلَ دَرُّهُمْ، وَهُمْ سَائِلُوكُمْ بِأَرْحَامِكُمْ، وَإِنَّكُمْ لَاقُونَ بَعْضَهُمْ، فَإِنْ لَقِيتُمْ أَبَا سُفْيَانَ فَلَا تَقْتُلُوهُ، فَلَقُوا أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمًا بِمَرٍّ،
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الشِّعْرَ فِي مَخْرَجِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ:
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ [ (29) ]
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْفِيَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [ (30) ]
__________
[ (28) ] حرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته: أغلقي عليّ بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنّك لو شهدت يوم الخندمة* إِذْ فَرَّ صَفْوَانٌ وَفَرَّ عكرمة وأبو يزيد قائم كالمؤتمة* واستقبلتهم بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ يَقْطَعْنَ كُلَّ ساعد وجمجمة* ضربا فلا يسمع إلّا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة* لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أدنى كلمة
[ (29) ] النقع: الغبار، وكداء: الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر، وورد البيت في سيرة ابن هشام هكذا:
عدمنا خيلنا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا* تُثِيرُ النّقع موعدها كداء
[ (30) ] المراد ان الخيل تجاري الأعنة، وذلك كناية عن لينها وسرعة انقيادها، وورد البيت في سيرة ابن هشام:
ينازعن الأعنة مصفيات ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ(5/48)
فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ [ (31) ]
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... يُعِينُ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ [ (32) ]
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [ (33) ]
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ [ (34) ]
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ [ (35) ] ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وبحري لا تكيّده الدِّلَاءُ
قَالَ: فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ. قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَانَ نَازِلًا بِذِي طُوًى، فَقَالَ: كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَالَ.
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ
فَأَمَرَهُمْ فَأَدْخَلُوا الْخَيْلَ مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابو
__________
[ (31) ] اعتمرنا: أدينا مناسك العمرة، وانكشف الغطاء: ظهر ما كان خافيا.
[ (32) ] الجلاد: المضاربة بالسيوف، وقوله «يعين الله» يروى في مكانه «يعز الله» .
[ (33) ] أصل القدس الطهارة، والمراد بروح القدس جبريل عليه السلام، وليس له كفاء: اي ليس له مثل ولا نظير، يريد لا يقوم له احد.
[ (34) ] الجزاء: المكافأة على الشيء، سواء أكان خيرا أم شرا.
[ (35) ] في (ح) : «فينا» .
[ (36) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر باختصار شديد في الدرر (215- 217) ، ونقل بعضها الحافظ ابن كثير في التاريخ في مواضع متفرقة في صفة دخول مكة، والصالحي في السيرة الشامية.(5/49)
عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَى قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي رُؤْيَاهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ مَا بَعْدَهَا، وَزَادَ فِي فِرَارِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [ (37) ] فَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بِتِهَامَةَ وَقَدْ كَانَ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَحَدٌ يَدْعُو شَيْئًا إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ. وَاللهِ لَئِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَحْدَهُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ، أُقْسِمُ بِاللهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ، مَعَ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الْقِيَامِ لَهُ.
وَتَمَامُ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ:
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ [ (38) ] ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ، فَلَمْ يَرْضَ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ [عَلَيْهِ] قال: قد آن
__________
[ (37) ] ستأتي قصة إسلام عكرمة بعد.
[ (38) ] (رشق بالنبل) : بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرّشق، بالكسر، فهم اسم للنبل التي ترمي دفعة واحدة.(5/50)
لَكُمْ [ (39) ] أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [ (40) ] ، ثُمَّ أَدْلَعَ [ (41) ] لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِهِ فَرْيَ الْأَدِيمِ [ (42) ] ، فَقَالَ:
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يَخْلُصَ [ (43) ] لَكَ نَسَبِي فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أُخْلِصَ لَكَ نَسَبُكَ فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرُ مِنَ الْعَجِينِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
وقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى [ (44) ] .
قال حسان:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الوفاء [ (45) ]
__________
[ (39) ] (لقد آن لكم) أي حان لكم.
[ (40) ] (الضارب بذنبه) قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه، فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه، فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه.
[ (41) ] (أدلع لسانه) أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه.
[ (42) ] (لأفرينهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
[ (43) ] في صحيح مسلم: «حتى يلخّص لك نسبي» .
[ (44) ] (فشى واشتفى) أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين.
[ (45) ] (هجوت محمدا برا تقيا) وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيا. فالبر الواسع الخير والنفع.
وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل:
البر، هنا، بمعنى المتنزه عن المآثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.(5/51)
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي [ (46) ] ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ [ (47) ]
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي [ (48) ] إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ [ (49) ] مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ [ (50) ]
وَأَظُنُّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ مُوعِدُهَا كَدَاءُ.
يُبَارِينَ الْأَسِنَّةَ مُشْرَعَاتٍ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ صَالِحٍ.
يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ [ (51) ] مُصْعِدَاتٍ [ (52) ] ... عَلَى أكتافها الأسل الظّماء [ (53) ]
__________
[ (46) ] (فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي) هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه.
[ (47) ] (وقاء) هو ما وقيت به الشيء.
[ (48) ] (ثكلت بنيتي) قال السنوسيّ: الثكل فقد الولد، وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء، وعند النوويّ بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي.
[ (49) ] (تثير النقع) أي ترفع الغبار وتهيجه.
[ (50) ] (كتفي كداء) أي جانبي كداء، وكداء ثنية على باب مكة.
وعلى هذه الرواية، في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء.
[ (51) ] (يبارين الأعنة) ويروى: يبار عن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها، وهي منازعتها لها أيضا.
وقال الأبيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوّتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة.
وقال البرقوقيّ في شرحه للديوان: أي أنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضنها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها.
قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقيّ: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان.
[ (52) ] (مصعدات) أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا.
ولا يقال للراجع.
[ (53) ] (الأسل الظماء) الأسل الرماح. والظماء الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقيّ: من قولهم أنا ظمآن إلى لقائك.(5/52)
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ [ (54) ] ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [ (55) ]
فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا [ (56) ] ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ ... يَوْمٍ يُعِزُّ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللهُ قَدْ أَرْسَلْتَ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا [ (57) ] ... هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ [ (58) ]
تُلَاقِي مِنْ مَعَدٍّ كُلَّ يَوْمٍ ... سِبَابٌ أَوْ قتال أو هجاء
__________
[ (54) ] (تظل جنودنا متمطرات) أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا.
[ (55) ] (تلطمهن بالخمر النساء) الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقيّ: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن سيدنا حسان رضي الله عنه أوحي إليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها.
[ (56) ] (فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... إلخ) قال البرقوقيّ: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة، والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها. والحج في وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة، يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول، إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة.
وقال الأبيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صدّ عن البيت.
[ (57) ] (يسرت جندا) أي هيأتهم وأرصدتهم.
[ (58) ] (عرضتها اللقاء) أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقيّ: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قويّ عليه، وفلان عرضة للشر أو قويّ عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد.(5/53)
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ:
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ [ (59) ] ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [ (60) ]
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سعد [ (61) ] .
__________
[ (59) ] (لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ من معدّ) قال البرقوقيّ: لنا، يعني معشر الأنصار، وقوله من معدّ، يريد قريشا لأنهم عدنانيون.
[ (60) ] (ليس له كفاء) : أي ليس له مماثل ولا مقاوم.
[ (61) ] أخرجه مسلم من طريق عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ... في: 44- كتاب فضائل الصحابة، (34) باب فضائل حسان بن ثابت- رضي الله عنه- الحديث (157) ، ص (1935) .(5/54)
بَابُ مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ بِمَا اشْتَرَطَ، وَإِطْلَاعُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا قَالُوا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ.
وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ [ (1) ] ، وَمَعَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضِنَا الطَّعَامَ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يَصْنَعُ لَنَا، فَيُكْثِرُ فَيَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتُ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى رَحْلِي فَفَعَلْتُ وَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْعَشِيِّ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ فَقَالَ: سَبَقْتَنِي يَا أَخَا الْأَنْصَارِ فَدَعَوْتُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَعِنْدِي إِذْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ أَنْصَارِيًّا [قَالَ] [ (2) ] فَذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، وقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ [ (3) ] وَبَعَثَ زُبَيْرًا عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ [ (4) ] ، ثُمَّ رَآنِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فقلت: لبيك وسعديك
__________
[ (1) ] في الصحيح: «وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وذلك في رمضان، فكان يصنع....» .
[ (2) ] من (ح) .
[ (3) ] (المجنبتين) : الميمنة والميسرة.
[ (4) ] (الحسّر) : أي الذين لا دروع لهم.(5/55)
رَسُولَ اللهِ قَالَ: اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا تَأْتِينِي إِلَّا بِأَنْصَارِيٍّ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا قُرَيْشًا وَأَوْبَاشَهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يُرِيدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَخَذُوهُ [ (5) ] قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، فَهُوَ آمِنٌ، فَأَلْقَى النَّاسُ سِلَاحَهُمْ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَ وَمَعَهُ الْقَوْسُ آخِذٌ بِسِيَتِهَا [ (6) ] فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوَقًا» .
ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الصَّفَا فَعَلَا مِنْهُ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُوهُ وَالْأَنْصَارُ عِنْدَهُ يَقُولُونَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَجَاءَ الْوَحْيُ وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رُفِعَ الْوَحْيُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ فِي عَشِيرَتِهِ، كَلَّا فَمَا اسْمِي إِذًا (ثَلَاثَ مرات) كلّا إ! إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا قُلْنَا إِلَّا الضَّنَّ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ [ (7) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (8) ] شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ،
__________
[ (5) ] في (ح) : «أخذه» .
[ (6) ] (سية القوس) : أي طرفها المنحني.
[ (7) ] الحديث بهذا الإسناد أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (31) باب فتح مكة، الحديث (86) ، باختلاف يسير، صفحة (3: 1407) .
[ (8) ] ليست في (ح) .(5/56)
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ لَفْظًا وَيُنْقِصُ آخَرَ فَمِمَّا زَادَ قَالَ: وَأَوْبَشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وأَتْبَاعًا فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أُعْطِينَا الَّذِي سُئِلْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ فِي الْوَحْيِ: فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ قَالَ قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ، قَالَ: كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (9) ] .
وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ [ (10) ] ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَفِيهِ مِنِ الزِّيَادَةِ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بن سلمة عن ثابت [ (11) ] وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ
وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِالْقَتْلِ قَبْلَ عَقْدِ الْأَمَانِ لَهُمْ بِمَا شَرْطَ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي.
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ يَسْتَفْتِحُهَا وَفَتَحَ الله عليكم
__________
[ (9) ] في باب فتح مكة، الحديث (84) ، ص (1405- 1407) .
[ (10) ] في باب فتح مكة، الحديث (85) ، ص (3: 1407) .
[ (11) ] الموضع السابق، الحديث (86) ، ص (1407) .(5/57)
قال: فَمَا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ، قَالَ: وَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ:
«لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» [ (12) ] قَالَ: فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ
[وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (13) ] .
__________
[ (12) ] الآية الكريمة (92) من سورة يوسف.
[ (13) ] الزيادة من (ح) .(5/58)
بَابُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا عَقَدَ مِنَ الْأَمَانِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ [ (1) ] : عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خطل، ومقيس بن صبابة، وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ.
فَأَمَّا عبد الله بن خطل فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ ابن حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ.
وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ.
وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ: أَهْلُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَاللهِ لَئِنْ لَمْ ينجيني فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ مَا يُنَجِّي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إن
__________
[ (1) ] راجع الحاشية (20) من بَابُ نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بمرّ الظهران.(5/59)
أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدَيْهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ [ (2) ] .
وَأَمَّا
عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رأتى كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ لِيَقْتُلَهُ، قَالَ: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لبني خَائِنَةُ أَعْيُنٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَمَّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَّا أَرْبَعَةً مِنَ النَّاسِ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خطل، ومقيس بن صبابة الْكِنَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سعد ابن أَبِي سَرْحٍ، وَأُمُّ سَارَةَ، فَأَمَّا عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خَطَلٍ فَإِنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ آخِذٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: وَنَذَرَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللهِ بْنِ سَعْدِ إِذَا رَآهُ، وَكَانَ أَخَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْفَعَ لَهُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ اشْتَمَلَ عَلَى السَّيْفِ ثُمَّ أَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي حَلْقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ يَتَرَدَّدُ وَيَكْرَهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حَلْقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: قَدِ انْتَظَرْتُكَ أَنْ تُوَفِّيَ نَذْرَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هِبْتُكَ أَفَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيَّ؟ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِئَ.
قَالَ: وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ خطأ فبعث
__________
[ (2) ] وسيأتي خبر عكرمة في بَابُ قِصَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وقصة امرأتيهما.(5/60)
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ لِيَأْخُذَ عَقْلَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْعَقْلَ، وَرَجَعَ، نَامَ الْفِهْرِيُّ فَوَثَبَ مِقْيَسٌ فَأَخَذَ حَجَرًا فَجَلَدَ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَأَقْبَلَ يَقُولُ:
شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرِّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ
وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمُّ وَتُنْسِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ
قَتَلْتُ بِهِ فِهْرًا وغرّمت عقله ... سرات بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ
حَلَلْتُ بِهِ نَذْرِي وَأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتِي ... وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ
وَأَمَّا أُمُّ سَارَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِقُرَيْشٍ، وَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَكَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَأَعْطَاهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَتَاهَا رَجُلٌ فَبَعَثَ مَعَهَا بِكِتَابٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ حَاطِبٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] [ (3) ] الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَخُو هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يَطْلُبُ بِدَمِ أَخِيهِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَلَا يَحْسَبَنَّ إِلَّا مُشْرِكًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّمَا قُتِلَ أَخُوكَ خَطَأً فَأَمَرَ لَهُ بِدِيَتِهِ، فَأَخَذَهَا فَمَكَثَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِمَكَّةَ كَافِرًا، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بِقَتْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ ثُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبْيَاتَهُ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ [ (4) ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
__________
[ (3) ] سقطت من (أ) .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 250- 251) و (4: 24- 25) .(5/61)
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ وَفَرَّقَ جُيُوشَهُ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلُوا أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ إِلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ ابن خَطَلٍ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِابْنِ أَبِي سَرْحٍ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ الْوَحْيَ، فَرَجَعَ مُشْرِكًا وَلَحِقَ بِمَكَّةَ [ (5) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَطَلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَةٌ وَصَاحِبَتُهَا فَكَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ.
وَالْحُوَيْرِثُ وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
ومقبس بْنُ صُبَابَةَ لِقَتْلِهِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً.
وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ مِمَّنْ تُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ.
وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَهَرَبَ وَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَهُوَ أَبُو كُرَيْبٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
__________
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 23) .(5/62)
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ النَّاسَ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ لَا يُؤَمَّنُونَ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ: ابْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ وَابْنُ نُقَيْدِرٍ يَعْنِي الْحَارِثَ، فَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأَمَّا ابْنُ سَرْحٍ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ عُثْمَانُ فَأُومِنَ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَلَمْ يُقْتَلْ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ قَتَلَهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ نُقَيْدِرٍ.
وَقَيْنَتَيْنِ كَانَتَا لِمَقْيَسٍ فَقُتِلَتْ إِحْدَاهُمَا، وَأَفْلَتَتِ الْأُخْرَى، فَأَسْلَمَتْ.
قَالَ الْقِتْبَانِيُّ أَبُو جَدِّهِ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعَ الْمَخْزُومِيُّ.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ قَتَادَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى الْأَعْينُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ فَلَمَّا نَزَعَهُ] [ (6) ] جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: اقْتُلُوهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عن القعنبي وغيره [ (7) ] .
__________
[ (6) ] الزيادة من (ح) .
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 28- كتاب جزاء الصيد. (18) باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام.(5/63)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الصَّدُوقُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فقال: اقتلوه [ (8) ] .
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (84) باب جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث 450.
وأخرجه مالك في الموطأ، في 20- كتاب الحج، (81) باب جامع الحج، الحديث (247) ، ص (1: 423) ، وقال مالك: «ولَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ محرما.
[ (8) ] راجع الحاشية السابقة.(5/64)
بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَيْئَتِهِ يَوْمَئِذٍ وَطَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَدُخُولِهِ الْكَعْبَةَ وَمَا فَعَلَ بِالْأَصْنَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بأعلا مَكَّةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءَ مِنْ أَعْلَى مكة [ (1) ] .
قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ أَبِي يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَحْمُودٍ عن أبي أسامة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سيرة ابن هشام (4: 20) .
[ (2) ] الحديث أخرجه البخاري في: 25- كتاب الحج، (41) باب من أين يخرج من مكة، الحديث (1579) ، فتح الباري (3: 437) ، وأخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (37) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، الحديث (225) ، ص (2: 919) .(5/65)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّقْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ [جَعْفَرِ بْنِ] [ (3) ] حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ، فَتَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُسْرَجَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ادخلوها مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْجُمَحِيُّ، أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا وَضَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ قِيلَ هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ قَالَ: اقْتُلُوهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْوَلِيدِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ابن خطل.
__________
[ (3) ] الزيادة من (ح) .(5/66)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا معاوية ابن عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ (ح) .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ، عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أبي الزبير، عن جابر ابن عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَكِيمٍ [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم دخل
__________
[ (4) ] تقدم الحديث في الباب السابق، وانظر الحاشية (7) منه.
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (84) باب جواز دخول مكة بغير إحرام، الحديث (451) ، ص (2: 990) .
[ (6) ] مسلم في الموضع السابق، الحديث (451) عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ.(5/67)
يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الطُّوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاضِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو ابن حُرَيْثٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ حَرَقَانِيَّةٌ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ، عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَبْيَضَ وَرَايَتُهُ سَوْدَاءَ قِطْعَةَ مِرْطٍ مُرَجَّلٍ وَكَانَتِ الرَّايَةُ تُسَمَّى الْعُقَابُ.
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوًى وَرَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَتَوَاضَعُ لِلَّهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ قَدْ كَادَ عُثْنُوَنُهِ أَنْ يُصِيبَ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دخل
__________
[ (7) ] سنن النسائي (8: 211) .
[ (8) ] مسلم في: 15- كتاب الحج، الحديث (453) ، ص (2: 990) .
[ (9) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 19) .(5/68)
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِّنْ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.
كَذَا رَوَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ هَذَا مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ مَوْصُولًا.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ:
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكَلِّمُهُ فَأُرْعِدَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكِ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.
هَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ:
قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سُورَةَ الْفَتْحِ، فَرَجَّعَ فَلَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ لَأَخَذْتُ فِي ذَلِكَ الصَّوْتِ [ (10) ] .
__________
[ (10) ] سيأتي تخريجه بعد قليل.(5/69)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَرَجَّعَ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْحٍ عَنْ شَبَابَةَ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجَ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَأَتَى إِلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعَنُ فِي عُنُقِهِ، وَيَقُولُ: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
__________
[ (11) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أبي سريح في: 97- كتاب التوحيد، (50) باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، وله طرق أخرى عند البخاري، فقد رواه عن أبي الوليد في المغازي، وعن مسلم بن إبراهيم في التفسير، وعن حجاج بن المنهال في فضائل القرآن.
وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ذكر قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة، عن أبي موسى وبندار، كلاهما عن غندر، وفي نفس الباب عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ، بن عربي، عن خالد ابن الحارث، وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إدريس، ووكيع، خمستهم عن شعبة به.(5/70)
زهوقا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ [جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ] [ (13) ] جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (14) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ [ (15) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (16) ] ، وغيره كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عباس، قال:
__________
[ (12) ] في 32- كتاب الجهاد والسير، الحديث (84) ص (1406) ، وقد تقدم.
[ (13) ] الزيادة من (أ) فقط.
[ (14) ] [سورة الاسراء- 81] .
[ (15) ] أخرجه البخاري في: 46- كتاب المظالم، (32) باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر.
[ (16) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فِي: 32- كتاب الجهاد والسير، (32) باب إزالة الأصنام من حول الكعبة الحديث (87) ، ص (1408) .(5/71)
دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ قَالَ: فَأَخَذَ قَضِيبَهُ فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى صَنَمٍ صَنَمٍ وَهُوَ يَهْوِي حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا [ (17) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ابن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَجَدَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا فَأَشَارَ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ بِعَصًا، وَقَالَ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (18) ] فَكَانَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ إِلَّا سَقَطَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ بِعَصًا [ (19) ] .
قُلْتُ: هَذَا الْإِسْنَادُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَالَّذِي قَبْلَهُ يُؤكِّدُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: قَاتَلَهُمُ اللهُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ.
__________
[ (17) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 176) ، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، ورواه البزار باختصار.
[ (18) ] [الإسراء- 81] .
[ (19) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 176) ، وقال: «رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه عاصم بن عمر العمري، وهو متروك، ووثقه ابن حبان، وقال: «يخطئ ويخالف» ، وبقية رجاله ثقات.(5/72)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَخَرَجَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (20) ] عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ:
الْبُخَارِيُّ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ لَمْ يَدْخُلْهُ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ فَقَالَ قَاتَلَهُمُ اللهُ وَاللهِ مَا اسْتَقْسَمَا بِالْأَزْلَامِ قَطُّ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي فِي آخَرِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ] [ (22) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ قَالَ: قال. ابن جريح أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ زَمَنَ الْفَتْحِ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا وَلَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيهِ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر.
__________
[ (20) ] أخرجه البخاري في الحج، باب من كبّر في نواحي الكعبة، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عبد الوارث، وفي المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عن هشام.
[ (21) ] فتح الباري (6: 387) ، عن ابن عباس، الحديث (3352) .
[ (22) ] سقطت من (ح) .
[ (23) ] السيرة الشامية (5: 359) .(5/73)
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ، عَبْدُ اللهِ فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (24) ] فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عَيْدَانٍ فَاكْتَسَرَهَا ثُمَّ قَامَ بِهَا عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَأَنَا أَنْظُرُ فَرَمَى بها [ (25) ] .
__________
[ (24) ] فتح الباري (8: 18) .
[ (25) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 25- 26) .(5/74)
بَابُ دُعَاءِ نَائِلَةَ بِالْوَيْلِ حِينَ فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَقَوْلِهِ: لَا تُغْزَوْا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا فَكَانَ كَمَا قَالَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ [ (2) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَاءَتْ عَجُوزٌ حَبَشِيَّةٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَا عَجُوزًا شَمْطَاءَ حَبَشِيَّةً تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ فَقَالَ: تِلْكَ نَائِلَةُ أَيَسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، يقول: لا تغزا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللهُ أَعْلَمُ أنها لا تغزا بَعْدَهُ عَلَى كُفْرِ أَهْلِهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
__________
[ (1) ] ليست في (ح) .
[ (2) ] في (ح) : «لما فتح» .(5/75)
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [عَبْدِ] اللهِ بْنِ [أَبِي] [ (3) ] يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ قال: حدثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطِيعًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ]
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ النَّهْيُ وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى إِسْلَامِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّهَا لَا تغزا بَعْدَهَا أَبَدًا كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ مالك بن برصاء.
__________
[ (3) ] من (ح) .
[ (4) ] أخرجه مسلم، في: 32- كتاب الجهاد والسير، (33) باب لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بعد الفتح.
الحديث (88) ، ص (1409) .(5/76)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بِعْثِهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةٍ كَانَتْ بِهَا الْعُزَّى وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد ابن فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى، فأتاها خالد ابن الْوَلِيدِ وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ [ (1) ] ، وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا، فَرَجَعَ خَالِدٌ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ السَّدَنَةُ وَهُمْ حُجَّابُهَا أَمْعَنُوا فِي الْجَبَلِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ [ (2) ] ، يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ وَإِلَّا فَمُوتِي بَرَغْمٍ، قَالَ: فَأَتَاهَا خَالِدٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعَرَهَا تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: تِلْكَ الْعُزَّى [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في الأصول: شجرات، وفي القاموس: السمر: الشجر، وانظر شرح المواهب (2: 348) .
[ (2) ] (خبلية) الخبال: النقصان والهلاك.
[ (3) ] ذكر هذه السرية ابن سعد (2: 145) ، وابن إسحاق، والواقدي، وعنهم نقله الصالحي في السيرة الشامية (6: 300) .(5/77)
بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَأْذِينِ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مكة أمر بلالا فعلى الْكَعْبَةَ عَلَى ظَهْرِهَا فَأَذَّنَ عَلَيْهَا بِالصَّلَاةَ، فَقَالَ: بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ سَعِيدًا إِذْ قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا الْأَسْوَدَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ [ (2) ] فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ [ (3) ] . [يَغِيظُ الْمُشْرِكِينَ] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] رواه ابن هشام في السيرة (2: 27) .
[ (2) ] في (ح) : يوم الفتح.
[ (3) ] سيرة ابن هشام (2: 27) .
[ (4) ] من (ح) .(5/78)
[أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو محمد أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوهاب قال: أنبأنا جعفر ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ] [ (5) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَذَّنَ فَوْقَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَلَا تَرَى: إِلَى هَذَا الْعَبْدِ أَيْنَ صَعِدَ فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنْ يَكُنِ اللهُ يَكْرَهُهُ فَسَيُغَيِّرُهُ [وَاللهُ أعلم] [ (6) ] .
__________
[ (5) ] هذه الفقرة سقطت من (أ) .
[ (6) ] الزيادة من (ح) .(5/79)
بَابُ اغْتِسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ وَصَلَاتِهِ وَقْتَ الضُّحَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَى.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ [ (1) ] بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ فَرَّ إِلَيْهَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَأَجَارَتْهُمَا قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَقْتُلُهُمَا؟ [ (2) ] قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى [ (3) ] مَكَّةَ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَّبَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ يَا أُمَّ هَانِئٍ؟
قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ كُنْتُ قَدْ أَمَّنْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي [ (4) ] فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتَلَهُمَا، فَقَالَ
__________
[ (1) ] هي بنت أبي طالب الهاشمية، قيل اسمها فاختة، وقيل: هند، أسلمت عام الهجرة، ولها صحبة، ولها أحاديث، وفاتها في خلافة معاوية، شرح المواهب (2: 326) .
[ (2) ] في سيرة ابن هشام «والله لأقتلنّهما» .
[ (3) ] في (أ) و (ح) : «بأعلا» .
[ (4) ] الرجلان هما: الحارث بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بن مخزوم القرشي المخزومي أبو عبد الرحمن المكي. شقيق أبو جهل. من مسلمة الفتح. استشهد في خلافة عمر، روى له ابن ماجة. والثاني: هو زهير بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ المخزومي أخو أم سلمة أم المؤمنين- ذكر في المؤلفة قلوبهم. وقال عنه ابن إسحاق، كان ممن قام في نقض الصحيفة، وأسلم وحسن إسلامه كما قال ابن هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وقيل الثاني هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي ربيعة. وقيل أنهما: الحارث وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ- وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند الفتح. وقيل(5/80)
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا فَالْتَحَفَ بِهِ ثم صلّى ثمان رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] مُخْتَصَرًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي الْوَلِيدِ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: ما أخبرنا أحمد أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يصلى الضحى إلا أمّ هاني فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بيتها وصلّى ثمان رَكَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ، قال: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا الشَّعْثَاءُ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ وقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جهل وبالفتح.
__________
[ () ] الثاني جعدة بن هبيرة، وفيه أنه كان صغير السن فلا يكون مقاتلا عام الفتح. (شرح المواهب 2:
327) .
[ (5) ] رواه ابن هشام. في السيرة (4: 25) .
[ (6) ] أخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين، (13) باب استحباب صلاة الضحى، حديث (82) و (83) .
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 8- كتاب الصلاة، (4) باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به.(5/81)
بَابُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَفَتَاوِيهِ وَأَحْكَامِهِ بِمَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ.
«أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا تَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ. وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَاكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يعيذ عاصيا [ (1) ] ولا
__________
[ (1) ] (لا يعيذ عاصيا) أي لا يجيره ولا يعصمه، أراد بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.(5/82)
فَارًّا بِدَمٍ [ (2) ] ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ [ (3) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ اللَّيْثِ [ (4) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (5) ] عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ.
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْبَعْثَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَتَيْتُهُ فَدَخَلَتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا هَذَا إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ يُبَلِّغَهُ الشَّاهِدُ مِنَّا الْغَائِبَ أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ يُحَرِّمُهَا اللهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَنْ تَحِلَّ لِي إِلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ، غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا، أَلَا ثُمَّ قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَمَنْ قَالَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ قَاتَلَ بِهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ يا معشر
__________
[ (2) ] (ولا فارا بدم) أي ولا يعيذ الحرم هاربا التجأ إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل.
[ (3) ] (ولا فارا بخربة) هي بفتح الخاء وإسكان الراء. هذا هو المشهور. ويقال بضم الخاء أيضا، حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون. وأصلها سرقة الإبل. وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو اللص المفسد في الأرض.
[ (4) ] أخرجه الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عن الليث، في: 64- كتاب المغازي، الحديث (4925) ، فتح الباري (8: 20) ، وأخرجه في كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وفي الحج، باب لا يعضد شجرة الحرم، عن قتيبة.
[ (5) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ في: 15- كتاب الحج، (82) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ... الحديث (446) ص (2: 987) .
وأخرجه الترمذي في أول كتاب الحج، عن قتيبة، وقال: «حسن صحيح» .(5/83)
خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنِ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَثُرَ أَنْ يَقَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا، لَأَدِيَنَّهُ، فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ فَدَمُ قَاتَلِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ فَعَقْلُهُ [ (6) ] .
قَالَ. لِيَ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ: إِنَّهَا لَا تَمْنَعُنَا سَافِكَ دَمٍ وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ، وَلَا مَانِعَ خَرْبَةٍ، فَقُلْتُ: قَدْ شَهِدْتُ وَغِبْتَ، وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ مِنَّا، فَقَدْ بَلَّغْتُكَ مَا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فِي الْقَتْلِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ.
أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَرْبٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ، وَالْمُؤْمِنِينَ أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ. لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولا يلتقط ساقطتها إِلَّا مُنْشِدٌ [ (7) ] وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاةٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اكْتُبُوا لِأَبِي شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا الْإِذْخَرُ.
__________
[ (6) ] الحديث في جامع الترمذي، في كتاب الديات، بَابُ مَا جَاءَ فِي حكم ولي القتيل في القصاص والعفو الحديث (1406) ، ص (4: 21) . ورواه أبو داود مختصرا في كتاب الديات، باب ولي العمد يرضى بالدية، الحديث (4504) ، ص (4: 172) .
[ (7) ] (المنشد) هو المعرّف.(5/84)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً، فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَدَمٍ وَمَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ [ (9) ] ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، فَقَدْ أَمْضَيْتُهَا لِأَهْلِهَا [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ.
إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةَ، وَالْخِنْزِيرَ وَالْأَصْنَامَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عند
__________
[ (8) ] أخرجه البخاري في: 45- كتاب اللقطة، (7) باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، وأخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (82) باب تحريم مكة وصيدها، الحديث (448) ، ص (2: 989) .
[ (9) ] في (ح) : «سدانة الكعبة» .
[ (10) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 26) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 301) عن الإمام أحمد.(5/85)
ذَلِكَ: قَاتَلَ اللهُ الْيَهُوَدَ، إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ [ (11) ] ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي:
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً، وَالْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ تُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير عن سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَكَّةَ نَادَى مَنْ وَضَعَ السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيهِ وَفِيمَنْ لَمْ يؤَمِّنْهُمْ، وَفِي الِاغْتِسَالِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُونَ أَوْ مَاذَا يَظُنُّونَ؟ فقالوا: نبيّ وابن
__________
[ (11) ] (أجملوه) : أذابوه.
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 34- كتاب البيوع (112) باب بيع الميتة والأصنام، الحديث (2236) ، فتح الباري (4: 424) ، ومسلم في: 22- كتاب المساقاة، (13) باب تحريم بيع الخمر، الحديث (71) ص (3: 1207) .(5/86)
عَمٍّ كَرِيمٍ، فَقَالَ: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين» [ (13) ] أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ [ (14) ] وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَضْعِ الدِّمَاءِ وَالرِّبَا أَوْ تَحْرِيمِ مَكَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، يَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَلَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا صَلَاةَ فِي سَاعَتَيْنِ، وَلَا صِيَامَ فِي يَوْمَيْنِ، وَلَا يُتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قُتِلَ رَجُلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَعْتَى [ (15) ] النَّاسِ عَلَى اللهِ [ثَلَاثَةٌ] [ (16) ] : مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي قَدْ عَاهَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ عَاهَرَ بِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا أَوْ بِأَمَةِ قَوْمٍ آخَرِينَ لَا يَمْلِكُهَا، ثُمَّ ادَّعَى وَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ، وَإِيَّاكُمْ وَاللَّبَّتَيْنِ، وَالطُّعْمَتَيْنِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا اللُّبَّتَانِ؟ قَالَ: أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدُكُمْ وَلَيْسَ بَيْنَ سَوْأَتِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، أَوْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ [ (17) ] يَخْرُجُ شِقُّهُ، فَقُلْتُ: فَمَا الطُّعْمَتَانِ؟ فَقَالَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عمرو والْأَدِيبُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ (ح) .
__________
[ (13) ] [سورة يوسف- 92] .
[ (14) ] في (ح) : «الكعبة» .
[ (15) ] رسمت في (أ) : «أعتا» .
[ (16) ] سقطت من (ح) .
[ (17) ] (اشتمال الصماء) : أي يجلّل جسده كله بكساء أو إزار لا يرفع شيئا من جوانبه.
[ (18) ] أخرجه الإمام أحمد مختصرا (2: 187) .(5/87)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرِ اللهَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ [تَعَالَى] بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا اسرق فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا.
قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: عُرْوَةُ قَالَتْ: عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد الصفار،
__________
[ (19) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (53) باب، الحديث (4304) ، فتح الباري (8:
24- 25) ، وأخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب (54) ، وفي كتاب الحدود، باب (12) ، وأخرجه مسلم في: 29- كتاب الحدود، (2) باب قطع السارق الشريف وغيره، الحديث (8) ، ص (3: 1315) .(5/88)
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا فَتَحُوا مَكَّةَ أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، قَالَ: فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ [ (20) ] ، وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ، فَمَا رَآهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (21) ] فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَطَّارُ بِبَغْدَادَ إِمْلَاءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أَوْطَاسٍ [ (22) ] فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (23) ] عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَامُ أَوْطَاسٍ وَعَامُ الْفَتْحِ وَاحِدٌ فَهَذَا وَحَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ سواء [ (24) ] .
__________
[ (20) ] أي إنما ثبت الولد لصاحب الفراش، وهو الزوج، وللعاهر الخيبة، لأن بعض العرب كان يثبت النسب من الزاني فأبطله الشرع.
[ (21) ] في كتاب المغازي، الحديث (4302) ، فتح الباري (8: 24) .
[ (22) ] (عام أوطاس) هذا تصريح بأنها أبيحت يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ ويوم أوطاس شيء واحد، وأوطاس واد بالطائف..
[ (23) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي (16) كتاب النكاح، (3) باب نكاح المتعة، الحديث (18) ، ص (2: 1023) .
[ (24) ]
قال الزيلعي في نصب الراية (3: 177) : أخرج مسلم أيضا عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الجهني. قال: أذن لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليّ(5/89)
__________
[ () ] أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكث معها ثلاثا، ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن، فليخل سبيله،
انتهى.
وفي لفظ: أنه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الفتح، فأذن لنا في متعة النساء، الحديث. وفي لفظ: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم يخرج حتى نهانا عنها، انتهى. وفي لفظ: أنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وان الله عز وجل قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، انتهى. وفي لفظ: قال: نهى عن المتعة، وقال: ألا إنها حرام، من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه،
انتهى.
وطوله ابن حبان في «صحيحة» فقال: ذكر البيان بأن المصطفى عليه السلام حرم المتعة عام حجة الوداع، أخبرنا محمد بن خزيمة بسنده عن سبرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما قضينا عمرتنا قال لنا: استمتعوا من هذه النساء، قال: والاستمتاع عندنا يومئذ التزوج، فعرضنا بذلك النساء أن نضرب بيننا وبينهن أجلا، قال:
فذكرنا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلم فقال: افعلوا، فخرجت أنا، وابن عم لي، معي بردة ومعه بردة، وبردة أجود من بردي، وأنا أشب منه، فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت: برد كبرد، فتزوجتها، وكان الأجل بيني وبينها عشرا، فلبثت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غاديا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوجدته بين الحجر والباب قائما يخطب الناس، وهو يقول:
أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع في هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا،
انتهى.
ورواه أبو داود في «سننه» من حديث إسماعيل بن أمية عن الزهري، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل: قال الربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع،
انتهى. وبهذا استدل الحازمي في «كتابه الناسخ والمنسوخ» على نسخ المتعة وبحديث على من جهة الدارقطني الآتي.
حديث آخر:
روى البخاري، ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبد الله، والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية،
انتهى.
وفي لفظ مسلم: إن عليا سمع ابن عباس يلين في المتعة، فقال: مهلا يا ابن عباس، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية،
انتهى. أخرجه البخاري في غزوة خيبر، ومسلم في «النكاح» ، وفي «الذبائح» ، ورواه الباقون خلا أبو داود.
وقال الحازمي في الاعتبار (270) : «أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه بطول الغربة، وقلة اليسار والجدة، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به. وأوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي رضي الله عنه وإنكاره عليه. وقد ذكرنا رواية محمد بن(5/90)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ [ (25) ] :
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: [حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ عَمْرِو ابن عُثْمَانَ، عَنْ] [ (26) ] أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ؟ أَوْ قِيلَ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ: وَذَلِكَ زَمَنَ الْفَتْحِ، قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ، وَقَالَ زَمْعَةُ: «الْمُسْلِمَ» ، وَلَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَقَالَ: زَمْعَةُ «الْمُسْلِمُ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: فَقِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: فَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عن روح عنهما.
__________
[ () ] كعب القرظي عنه، ونذكر رواية أخرى تدل عليه.
قرئ على أبي المحاسن محمد بن عبد الخالق وأنا أسمع، أخبرك أبو المحاسن الروياني في كتابه، أنا أحمد بن محمد البلخي، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سليمان الخطابي، ثنا ابن السماك ثنا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ، ثنا الفضل بن دكين، ثنا عبد السلام، عن الحجاج، عن أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي المنهال، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هل تدري ما صنعت وبما أفتيت؟ قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء، قال: وما قالت؟ قلت: قالوا.
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه* يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة* تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال ابن عباس: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون، والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت ولا أحللت الا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير، ولا تحل الا للمضطر. وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير.
قال الخطابي في معالم السنن (3: 191) (353) : فهذا؟ بين؟ لك أنه سلك فيه مذهب القياس. وشبهه بالمضطر الى الطعام الذي به قوام الأنفس وعدمه يكون التلف، وانما هذا من باب غلبة الشهوة ومصابرتها ممكنة، وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر.
[ (25) ] في (ح) : «قال» .
[ (26) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (27) ] أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم في (15) كتاب [] نزول بمكة للحاج وتوريث دورها، الحديث (440) ص (2: 985) .(5/91)
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (28) ] مِنْ وَجْهٍ آخرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَقَالَ: مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ [ (29) ] .
__________
[ (28) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: 64- كتاب المغازي الحديث (4282) ، فتح الباري (8: 13) ، وانظر تحفة الأشراف (1: 57) ، و (1: 55) .
[ (29) ] والحديث المشار اليه
عن أسامة أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/ 201، عن محمد بن حفصة عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله أين تنزل غدا- إن شاء الله؟ وذلك زمن الفتح، فقال: هل ترك لنا عقيل من منزل؟ ثم قال: لا يرث الكافر المؤمن، ولا المؤمن الكافر» .
وأخرجه أيضا في 5/ 202 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة. وفيه زيادة: نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة (والخيف:
الوادي) .
وأخرج الحديث مسلم في صحيحه 15- كتاب الحج، (80) باب النزول بمكة للحاج، وتوريث دورها بإسنادين عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد بن حارثة، أنه قال: يا رسول الله،! أين تنزل غدا- إن شاء الله- وذلك زمن الفتح- قال:
وهل ترك لنا عقيل من منزل؟» وفي رواية «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» ؟
كما أخرجه مسلم ح: 440، ص: 984 عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد.
وأخرجه ابن ماجة في 25- كتاب المناسك (26) باب دخول مكة 2/ 981، ح: 2942 بإسناده عن عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، وفيه زيادة: ثم قال: نحن نازلون غدا بخيف (وادي) بني كنانة» .
وذكره الرازي في 1/ 288 العلل وعقب عليه بقوله: تفرد الزهري برواية هذا الحديث، وتفرد الثقة بالحديث لا يعله.
وقد أورد الخبر الواقدي في المغازي ص 828: عن جابر بن عبد الله قال: كنت ممن لزم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدخلت معه يوم الفتح من أذاخر، فلما أشرف على أذاخر نظر إلى بيوت مكة، ووقف عليها فحمد الله وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبته فقال: هذا منزلنا يا جابر، حيث تقاسمت علينا قريش في كفرها. قال جابر: فذكرت حديثا كنت أسمعه منه صلّى الله عليه وسلم قبل ذلك بالمدينة: «فنزلنا غدا إن شاء الله إذا فتح الله علينا مكة في الخيف حين تقاسموا عليّ الكفر» . وكنا بالأبطح وجاه شعب أبي طالب حيث حصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبنو هاشم ثلاث سنين.
قال: حدثني عبد الله بن زيد، عن أبي جعفر، قال: كان أبو رافع قد ضرب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبة(5/92)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (30) ] إِذَا فَتَحَ اللهُ الْخَيْفَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ.
أَخْرَجَهُ البخاري هكذا [ (31) ] .
__________
[ () ] بالحجون من ادم، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إلى القبة، ومعه أم سلمة وميمونة.
قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عبد الله بن عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قيل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
ألا تنزل منزلك من الشّعب؟ قال: فهل ترك لنا عقيل منزلا؟ وكان عقيل قد باع مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة. فقيل لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فأنزل في بعض بيوت مكة في غير منازلك! فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لا أدخل البيوت، فلم يزل مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي الى المسجد من الحجون.
والحكمة في نزول النبي صلّى الله عليه وسلم بخيف بني كنانة الذي تقاسموا فيه على الشّرك، أي تحالفوا عليه من إخراج النبي صلّى الله عليه وسلم وبني هاشم إلى شعب أبي طالب، وحصروا بني هاشم وبني المطلب فيه، ليتذكّر ما كان فيه من الشّدّة فيشكر الله تعالى على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، وتمكنه من دخول مكّة ظاهرا على رغم من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصّفح عن الذين أساءوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
[ (30) ] من (ح) .
[ (31) ] فتح الباري (8: 14) ، الحديث (4284) .(5/93)
بَابُ بَيْعَةِ النَّاسِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جريح، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ: الْأَسْوَدَ حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْفَلَةَ [ (1) ] ، قَالَ: وَقَرْنُ مَسْفَلَةَ الَّذِي إِلَيْهِ بُيُوتُ ابْنِ أَبِي ثُمَامَةَ، وَهُوَ دَارُ ابْنِ سَمُرَةَ، وَمَا حَوْلَهَا. قَالَ الْأَسْوَدُ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ النَّاسُ: الصِّغَارُ، وَالْكِبَارُ، وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ. قُلْتُ: مَا الشَّهَادَةُ؟ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في الأصل: «مسقلة» وفي أسد الغابة «مصقلة» ، وفي تاج العروس: «مسفلة» محلة بأسفل مكة.
[ (2) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 415) .(5/94)
بَابُ إِسْلَامِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- زَمَنَ الْفَتْحِ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ، عَنْ أَبِيهِ: عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لَابْنَةٍ لَهُ كَانَتْ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ! أَشْرِفِي [ (1) ] بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ! مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا وَأَرَى رَجُلًا يَشْتَدُّ بَيْنَ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، فَقَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ يَا بُنَيَّةُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ: الْوَازِعُ [ (2) ] ، ثُمَّ قَالَ مَاذَا تَرَيْنَ فَقَالَتْ: أرى السواد انتشر قال: فَقَالَ: فَقَدْ وَاللهِ إِذًا دُفِعَتِ الْخَيْلُ فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي فَخَرَجَتْ سَرِيعًا حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ بِهِ إِلَى الْأَبْطَحِ لَقِيَتْهَا الْخَيْلُ، وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ [ (3) ] لَهَا مِنْ وَرِقٍ [ (4) ] فَاقْتَطَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ عُنُقِهَا، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى جَاءَ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
__________
[ (1) ] (أشرفي) : ارتفعي، وأبو قبيس: جبل بمكة.
[ (2) ] (الوازع) : الذي تلف الجيش، وفي هامش (أ) : الوازع: الذي يكون قدام الجيش.
[ (3) ] الطوق: القلادة.
[ (4) ] أي من فضة.(5/95)
قَالَ: هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَجِيئَهُ؟ فَقَالَ: يَمْشِي هُوَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَقَالَ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ طَوْقَ اختي، فو الله مَا أَجَابَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَمَا أَجَابَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ احْتَسِبِي طَوْقَكِ، فو الله إِنَّ الْأَمَانَةَ الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَقَلِيلٌ [ (5) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جريح، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي قُحَافَةَ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ سَوَادًا [ (6) ] قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنَّأَ أَبَا بَكْرٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ [ (7) ] .
__________
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 19- 20) .
[ (6) ] نقلها الصالحي في السيرة الشامية (5: 352) .
[ (7) ] وخبر إسلام أبي قحافة رواه الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات، والواقدي، عن أسماء، وانظر الواقدي (2: 824) ، البداية والنهاية (4: 294) ، نهاية الأرب (17: 310) .(5/96)
بَابُ قِصَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَقِصَّةِ امْرَأَتَيْهِمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نِسَاءً كُنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ: ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ، وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ، وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رؤوس النَّاسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ، وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْتَهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
أنزل أَبَا وَهْبٍ، فَقَالَ: لَا، وَاللهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَكَ تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا كَانَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا، فَقَالَ: بَلْ طَوْعًا، فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا،(5/97)
وَالطَّائِفَ، وَهُوَ كَافِرٌ، وَامْرَأَتُهُ مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ.
قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ [ (1) ] .
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تحت عكرمة ابن أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ وقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِهِمَا قَبْلَ هَذَا، وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَحَدٌ يَدْعُو شَيْئًا إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فَقَالَ: عِكْرِمَةُ وَاللهِ لَئِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَحْدَهُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ أُقْسِمُ بِاللهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ فَرَجَعَ فَبَايَعَهُ قَالَا:
وَأَرْسَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي أَدَاةٍ ذُكِرَتْ لَهُ عِنْدَهُ فَسَأَلَهُ إياها
__________
[ (1) ] سيرة ابن هشام (4: 31- 32) ، ومغازي الواقدي (2: 852) .(5/98)
فقال: صفوان أين الأمان أَتَأْخُذُهَا غَصْبًا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُمْسِكَ أَدَاتَكَ فَأَمْسِكْهَا، وَإِنْ أَعَرْتَنِيهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ عَلَيَّ حَتَّى تُؤَدَّى إِلَيْكَ، قَالَ صَفْوَانُ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ وَقَدْ أَعَرْتُكَهَا فَأَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ زَعَمُوا مِائَةَ دِرْعٍ وَأَدَاتَهَا وَكَانَ صَفْوَانُ كَثِيرَ السِّلَاحِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: اكْفِنَا حَمْلَهَا فَحَمَلَهَا صَفْوَانُ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ [ (2) ] أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْهُذَلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ وَمِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ [وَمِنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ] [ (3) ] فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الضَّعْفِ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بَعَثَ إِلَى جَذِيمَةَ وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ عَنِ الواقدي.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ولَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ هَرَبَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إِلَى نَجْرَانَ، فَأَمَّا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ فَأَقَامَ بِنَجْرَانَ حَتَّى مَاتَ، مُشْرِكًا وَأَمَّا ابْنُ الزِّبَعْرَى، فَإِنَّهُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبْيَاتًا فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِنْهَا قوله:
وَلَقَدْ شَهِدْتُ بِأَنَّ دِينَكَ صَادِقٌ ... حَقٌّ، وَإِنَّكَ فِي العباد جسيم
فاغفر فذا لَكَ وَالِدَايَ كِلَاهُمَا ... زَلَلِي، فَإِنَّكَ رَاحِمٌ مَرْحُومُ
وَذَكَرَ أبياتا كثيرة [ (4) ] .
__________
[ (2) ] في المغازي (2: 851) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (4) ] والخبر والأبيات في سيرة ابن هشام (4: 32- 33) .(5/99)
بَابُ إِسْلَامِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَخْبَاءٌ أَوْ أَهْلُ خباء- الشك من مِنَ ابْنِ بُكَيْرٍ- أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ، أَوْ خِبَائِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أَطْعَمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (1) ] ، وَرَوَاهُ ابْنُ المبارك عن
__________
[ (1) ] البخاري عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ في: 83- كتاب الايمان والنذور (83) باب كيف كانت يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، الحديث (6641) ، فتح الباري (11: 535) .(5/100)
يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ: وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ لَمْ يَشُكَّ وَقَالَ: فِي آخِرِهِ: من الذي له عيالا.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد بن حَلِيمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ فَذَكَرَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثم أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثم قال: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ [ (3) ] فَهَلْ عَلَيَّ خرج أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟
فَقَالَ لَهَا: لَا عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَابْنِ أَخِي الزهري عن الزهري.
__________
[ (2) ] رواية البخاري عن عبدان، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المبارك في المناقب، باب ذكر هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ ربيعة تعليقا.
[ (3) ] (مسيك) : شحيح.
[ (4) ] وقد تقدم تخريجه بالحاشيتين (1) و (2) .
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 30- كتاب الاقضية، (4) باب قضية هند، الحديث (8) ، ص (3:
1339) .(5/101)
وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِسْلَامِهِ.
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ [ (6) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عن إسماعيل ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانَ جَالِسًا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ جَمَعْتُ لِمُحَمَّدٍ جَمْعًا إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَالَ إِذًا يُخْزِيَكَ اللهُ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ مَا أَيْقَنْتُ أَنَّكَ نَبِيٌّ حَتَّى السَّاعَةِ، إِنْ كُنْتُ لَأُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو السَّفَرِ وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلًا فِي مَعْنَاهُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِجَازَةً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَى أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَالنَّاسُ يطؤون عَقِبَهُ، فَقَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَوْ عَاوَدْتُ هَذَا الرَّجُلَ الْقِتَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ إِذًا يُخْزِيَكَ اللهُ قَالَ أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِمَّا تَفَوَّهْتُ بِهِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي مَوْصُولًا فِي أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ كِتَابِ الْإِكْلِيلِ [ (7) ] .
وَفِيمَا
أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَامِيُّ إِجَازَةً، قَالَ [أَنْبَأَنِي أَبُو عُمَرَ] [ (8) ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (6) ] في الأصول: «محمد بن سعد الواقدي» وهو خلط من النساخ، والخبر رواه ابن سعد عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، والحاكم في الإكليل عن ابن عباس.
[ (7) ] ونقله الصالحي عنه وعن الحاكم في السيرة الشامية (5: 370) .
[ (8) ] الزيادة من (ح) .(5/102)
إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ.
(ح) وَأَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْفَارِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَمْدُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ موسى ابن أَعْيَنَ- يَعْنِي الْجَزَرِيَّ-، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ.
لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ دَخَلَ النَّاسُ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْفَتْحِ لَمْ يَزَالُوا فِي تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِهِنْدَ: أَتَرَيْنَ هَذَا مِنَ اللهِ؟ ثُمَّ أَصْبَحَ فَغَدَا أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتَ لِهِنْدَ: أَتَرَيْنَ هَذَا مِنَ اللهِ! نَعَمْ، هُوَ مِنَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ مَا سَمِعَ قَوْلِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وجل وهند [ (9) ] .
__________
[ (9) ] رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذهلي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5:
370) .(5/103)
بَابُ مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (1) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ فَقِيلَ هَكَذَا وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْمَعْنِيُّ.
(ح) وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قالا: حدثنا
__________
[ (1) ] فتح الباري (8: 21) ، والحديث رقم (4299) .(5/104)
حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشَرَةَ قَصَرَ وَمَنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَتَمَّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الفتح فأقام بمكة ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا [قَوْمٌ] سَفْرٌ [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابن عباس [ (4) ] .
__________
[ (2) ] سنن أبي داود (2: 10) ، الحديث (1230) .
[ (3) ] سنن أبي داود (2: 9- 10) الحديث (1229) .
[ (4) ] سنن أبي داود (2: 10) ، الحديث (1231) .(5/105)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رُهْمٍ، قَالُوا: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْبُخَارِيُّ [ (5) ] رَحِمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ أَخْبَرَكَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَاقِفٌ
__________
[ (5) ] قال الصالحي (5: 408) : اختلف في قدر إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة، وجمع الإمام البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عدّ يوم الدّخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عدّ أحدهما. وأما رواية خمس عشرة فضعفّها النّوويّ من الخلاصة. قال الحافظ: وليس بجيّد لأنّ رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق كما تقدم بيانه في القصة، وإذا ثبت أنّها صحيحة فلتحمل على أن الرّاوي ظنّ أنّ الأصل سبعة عشر فحذف منها يومي الدّخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر، أرجح الرّوايات، ويرجّحها أيضا أنها أكثر الروايات الصحيحة، قال الحافظ ابن حجر: وحديث أنس لا يعارض حديث ابن عباس أي السابق في آخر القصة، لأن حديث ابن عباس في الفتح وحديث أنس كان في حجة الوداع، وبسط الكلام على بيان ذلك، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الذي اعتقده أنّ حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فإنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرة أيام، لأنه دخل اليوم الرابع وخرج اليوم الرابع عشر، ثم قال الحافظ: ولعل البخاري أدخله في هذا الباب إشارة الى ما ذكرت، ولم يفصح بذلك تشحيذا للأذهان، ووقع في رواية الإسماعيلي: فأقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة، وكذا هو في باب قصر الصلاة عند البخاري، وهو يؤيد ما ذكرته، فإن مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا الى المدينة اكثر من ثمانين يوما.
[ (6) ] الزيادة من (ح) .(5/106)
بِالْحَزْوَرَةِ [ (7) ] فِي سُوقِ مَكَّةَ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ [ (8) ]
__________
[ (7) ] الحزورة: هي التل الصغير.
[ (8) ] أخرجه الترمذي في المناقب، في باب فضل مكة، الحديث (3925) ، ص (5: 722) ، وقال:
«هذا حديث حسن غريب صحيح» ، ورواه ابن ماجة في المناسك عن عيسى بن حماد.(5/107)
بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ مَكَّةَ لَمَّا فُتِحَتْ صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ عَنْهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن بكر بن داسة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحُ- فَتْحُ مَكَّةَ-.
لَا هِجْرَةَ [ (1) ] ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ [ (2) ] وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا [ (3) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (4) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى
__________
[ (1) ] (لا هجرة) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب الى دار الإسلام باقية الى يوم القيامة! وتأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما لَا هِجْرَةَ، بَعْدَ الْفَتْحِ، من مكة، لأنها صارت دار إسلام، فلا تتصور منها الهجرة. والثاني، وهو الأصح، إن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازا ظاهرا انقطعت بفتح مكة، ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة لأن الإسلام قوي وعزّ بعد فتح مكة عزا ظاهرا، بخلاف ما قبله.
[ (2) ] (ولكن جهاد ونية) معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة، ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة. وفي هذا، الحثّ على نية الخير مطلقا، وانه يثاب على النية.
[ (3) ] (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا طلبكم الإمام للخروج الى الجهاد فاخرجوا. وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين بل فرض كفاية، إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين.
وإن تركوه كلهم أثموا كلهم.
[ (4) ] أخرجه البخاري، في: 56- كتاب الجهاد، (194) - باب لا هجرة بعد الفتح.(5/108)
ابن يَحْيَى عَنْ جَرِيرٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ إِمْلَاءً قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاشِعٌ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِأَخِي مَعْبَدٍ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايَعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، قَالَ: ذَهَبَتِ الْهِجْرَةُ بِمَا فِيهَا قَالَ: قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ قَالَ: فَلَقِيتُ مَعْبَدًا بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ [ (6) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ عَاصِمٍ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ [ (8) ] يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَأَصْحَابِي خَيْرٌ وَالنَّاسُ خَيْرٌ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَحَدَّثْتُ بِهِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَعِنْدَهُ: رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَانَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا حَدَّثَاكَ وَلَكِنَّ
__________
[ (5) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يحيى، في: 33- كتاب الإمارة، (20) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام، الحديث (85) ، ص (1487) .
[ (6) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (53) باب وقال الليث.
[ (7) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة (20) باب المبايعة على، بعد فتح مكة، الحديث (84) ، ص (3: 1487) .
[ (8) ] أبو البختري لم يسمع من ابي سعيد الخدري.(5/109)
هَذَا يَعْنِي زَيْدًا يَخَافُ أَنْ تَنْتَزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا يَخَافُ أَنْ تَنْتَزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ، يَعْنِي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، قَالَ فَشَدَّ عَلَيْهِ بِالدِّرَّةِ فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ، قَالَ:
صَدَقْتَ
.(5/110)
بَابُ إِسْلَامِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ [ (1) ] بَعْدَ الْفَتْحِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الحسن ابن أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَيٌّ، أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْمَعَ مِنْهُ؟ فَلَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِالْحَدِيثِ قَالَ كُنَّا بِمَمَرِّ النَّاسِ فَيَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ: فَنَسْأَلُهُمْ مَا هَذَا الْأَمْرُ وَمَا لِلنَّاسِ فَيَقُولُونَ: نَبِيٌّ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ وَيَقُولُونَ انْظُرُوهُ فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ نَبِيٌّ فَصَدِّقُوهُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْعَةُ الْفَتْحِ نَادَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، فَانْطَلَقَ أَبِي فَبَدَرَ قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَقَدِمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ فَتَلَقَّيْنَاهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، وَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا، وَصَلَاةِ كَذَا وَكَذَا وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فِي أَهْلِ حِوَائِنَا فَلَمْ يَجِدُوا أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ بُرْدَةٌ عَلَيَّ تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ غَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ هَذَا، قَالَ:
فَكُسِيتُ مُعَقَّدَةً مِنْ معقّر الْبَحْرَيْنِ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِسَبْعَةٍ فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ كفرحي بذلك.
__________
[ (1) ] له ترجمة في الإصابة (2: 68) .(5/111)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (2) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي باب (53) حدثنا الليث، الحديث (4302) ، فتح الباري (8: 22- 23) ، وقال الحافظ ابن حجر.
زاد أبو داود في رواية له «قال عمرو بن سلمة: فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم» وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلّى الله عليه وسلم على ذلك لأنها شهادة نفي» ، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل ابو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة، ويجزي بدون ذلك لأنها واقعة حال فيحتمل ان يكون ذلك بعد علمهم بالحكم.(5/112)
بَابُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرَايَا فِيمَا حَوْلَ مَكَّةَ يَدْعُونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالٍ، وَكَانَ مِمَّنْ بَعَثَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ، دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ وَابْنَ زَنْجُوَيْهِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي- أَحْسَبُهُ قَالَ: جَذِيمَةَ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ إلى
__________
[ (1) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 43) .(5/113)
الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ بِهِمْ أَسْرًا وَقَتْلًا، قَالَ: وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، قَالَ: فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ لَهُ صَنِيعُ خَالِدٍ. [فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (2) ] وَرَفَعَ يَدَيْهِ اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُمْ عَلَى مَائِهِمْ، وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَمَّهُ الْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَعَوْفَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَخْذِهِمُ السِّلَاحَ ثُمَّ وَضْعِهِمُ السِّلَاحَ، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ فَأُسِرُوا وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا عَمِلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ [ (4) ] .
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَدِّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَاجْعَلِ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ، وَقَدْ
__________
[ (2) ] ما بين الحاصرتين ليست في (ح) .
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (58) بَابُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جذيمة، الحديث (4339) ، فتح الباري (8: 56) .
[ (4) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 43- 44) .(5/114)
أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا فَوَدَى لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْطِيهِمْ ثَمَنَ مِيلَغَةِ [ (5) ] الْكَلْبِ فَبَقِيَ مَعَ عَلِيٍّ بَقِيَّةٌ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ: أُعْطِيكُمْ هَذَا احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيمَا لَا تَعْلَمُونَ، فَأَعْطَاهُمْ، إِيَّاهُ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابن بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عقبة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ فِي خَيْلِ ابْنِ الْوَلِيدِ الَّتِي أَصَابَ بِهَا بَنِي جَذِيمَةَ إِذَا فَتًى مِنْهُمْ مَجْمُوعَةٌ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ بِرُمَّةٌ يَقُولُ بِحَبْلٍ فَقَالَ لِي: يَا فَتَى هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرُّمَّةِ فَمُقَدِّمِي إِلَى هَذِهِ النِّسْوَةِ حَتَّى أَقْضِيَ إِلَيْهِنَّ حَاجَةً ثُمَّ تَصْنَعُونَ مَا بَدَا لَكُمْ، فَقُلْتُ لَيَسِيرٌ مَا سَأَلْتَ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِرُمَّتِهِ فَقَدَّمْتُهُ إِلَيْهِنَّ فَقَالَ: أَسْلَمِي حُبَيْشْ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشْ، ثُمَّ قال:
أَرَيتُكِ إِذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بُّحلية أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ [ (7) ]
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ [ (8) ]
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ إِحْدَى الصَّفَائِقِ [ (9) ]
أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ المفارق [ (10) ]
__________
[ (5) ] (ميلغة الكلب) شيء يحضر من خشب ويجعل فيه الماء ليلغ الكلب فيه اي ليشرب.
[ (6) ] سيرة ابن هشام (4: 44- 45) .
[ (7) ] حلية والخوانق: اسماء موضعين.
[ (8) ] الإدلاج: مصدر أدلج، إذا سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، والودائق جمع وديقة، وهي شدة الحر، وأراد بالادلاج ههنا مجرد السير، والسرى: أصله السير ليلا فأراد منه ههنا الليل، يقول: تكلفت السير في الليل وفي شدة الحر.
[ (9) ] الصفائق: أراد بها النوائب.
[ (10) ] تشحط: تبعد، وينأى: يبعد أيضا.(5/115)
فَإِنِّي لَا ضَيَّعْتُ سِرَّ أَمَانَةٍ ... وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْكِ بَعْدَكِ رَائِقُ [ (11) ]
سِوَى أَنَّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنِ الْوُدِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَامُقُ [ (12) ]
فَقَالَتْ: وَأَنْتَ حُيِيتَ عَشْرَا وَسَبْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيًا تَتْرَى [ (13) ] ، ثُمَّ قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ.
قَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنَا أَبُو فِرَاسٍ مِنْ بَنِي أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ وَقَدْ شَهِدُوا هَذَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالُوا فَلَمَّا قُتِلَ قَامَتْ إِلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تَرْشُفُهُ حَتَّى مَاتَتْ عَلَيْهِ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ لَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي مَا فِي آخِرِهِ عَنْ أَبِي فِرَاسٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [الْحُسَيْنُ ابن] [ (14) ] الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ عِصَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا
قَالَ: فَبَعَثَنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَخَرَجْنَا قِبَلَ تِهَامَةَ فَأَدْرَكْنَا رَجُلًا يَسُوقُ بِظَعَائِنَ فَقُلْنَا لَهُ أَسْلِمْ قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ فَأَخْبَرَنَاهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَعْرِفُهُ قَالَ:
أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ قَالَ: قُلْنَا نَقْتُلُكَ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرِيَّ حَتَّى أُدْرِكَ الظَّعَائِنَ قَالَ: قُلْنَا نَعَمْ وَنَحْنُ مُدْرِكُوكَ قَالَ: فَأَدْرَكَ الظَّعَائِنَ فَقَالَ اسلم حُبَيْشُ قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشِ، فَقَالَتِ الْأُخْرَى: أَسْلَمْ عَشْرَا وَتِسْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيًا تَتْرَى، ثم قال.
__________
[ (11) ] راق: اعجب، يريد لم يعجبني بعدك احد.
[ (12) ] التوامق: الحب.
[ (13) ] ثمانيا تترى: اي تتوالى.
[ (14) ] ليست في (ح) .(5/116)
أَرَيتُكِ إِذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قبل إحدى الصّفائق
أثني بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: شَأْنُكُمْ فَقَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَانْحَدَرَتِ الْأُخْرَى مِنْ هَوْدَجِهَا فَحَنَتْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْقَاضِي الْبَسْتِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْبَكْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ عَنِ ابْنِ عِصَامٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَاهُنَّ فَدَنَا إِلَى هَوْدَجِ ظَعِينَةٍ مِنْهُنَّ قَدْ وَصَفَهَا مِنْ حُسْنٍ وَجَمَالٍ فَأَنْشَأَ يَقُولُ.
أَرَأَيْتِ إِنْ طَالَبْتُكُمْ فَلَحِقْتُكُمْ.
فَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَقَالَتْ: بَلَى: قَالَ: فَقَالَ فَلَا ذَنْبَ لِي فَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَثِيبِي بِوُدٍّ، ثُمَّ قال اسلم حُبَيْشْ، قَبْلَ انْقِطَاعِ الْعَيْشْ، وقال: فَقَالَتِ: أَسْلِمْ عَشْرَا وَتِسْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيَةً تَتْرَى، ثُمَّ جَاءَ فَمَدَّ عُنُقَهُ فَقَالَ: شَأْنُكُمْ فَاصْنَعُوا مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ [فَنَزَلْنَا] [ (15) ] فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ تِلْكَ الظَّعِينَةَ نَزَلَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا فَحَنَتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَرَاغِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
__________
[ (15) ] الزيادة من (ح) .(5/117)
الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ فَغَنِمُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ فَقَالَ: لَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِنْهُمْ إِنِّي عَشِقْتُ امْرَأَةً فَلَحِقْتُهَا، فَدَعُونِي أَنْظُرْ إِلَيْهَا نَظْرَةً، ثُمَّ اصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ أَدْمَاءُ طَوِيلَةٌ، فَقَالَ. لَهَا أَسْلِمِي حُبَيْشْ قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشْ وَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِمَعْنَاهُمَا ثُمَّ قَالَ: قَالَتْ: نَعَمْ فَدَيْتُكَ قَالَ فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَشَهِقَتْ شَهْقَةً أَوْ شَهْقَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَحِيمٌ.(5/118)
بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ [ (1) ] وَمَا ظَهَرَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
__________
[ (1) ] انظر في هذه الغزوة:
- طبقات ابن سعد (2: 149) .
- سيرة ابن هشام (4: 51) .
- صحيح البخاري (5: 153) .
- صحيح مسلم بشرح النووي (12: 113) .
- مغازي الواقدي (3: 885) .
- ابن حزم (236) .
- عيون الأثر (2: 242) .
- البداية والنهاية (4: 322) .
- شرح المواهب للزرقاني (3: 5) .
- السيرة الحلبية (3: 121) .
- السيرة الشامية (5: 459) . وتسمى أيضا غزوة هوازن، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر الأسلمي: حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه: أقامت هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب تجمعهم- انتهى.
قال ائمة المغازي: لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة مشت اشراف هوازن، وثقيف بعضها الى بعض، وأشفقوا أن يغزوهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقالوا: قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا، والرأي ان نغزوه، فحشدوا وبغوا وقالوا: والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فأجمعوا أمركم، فسيروا في الناس وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم، فأجمعت هوازن أمرها، وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النصري بالصاد المهملة- وأسلم بعد ذلك، وهو- يوم حنين- ابن ثلاثين سنة، فاجتمع إليه(5/119)
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ [عُمَرَ بْنِ] [ (2) ] قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ الْمُكَدَّمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَدِيثِ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَسَارُوا إِلَيْهِ فَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ مَا لَا يُحَدِّثُ بِهِ بَعْضٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حديثهم:
__________
[ () ] مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وناس مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قليل. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: لا يبلغون مائة، ولم يشهدها من قيس عيلان- أي بالعين المهملة- إلا هؤلاء، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، مشى فيها ابن أبي براء فنهاها عن الحضور وقال: والله لو ناوءوا محمدا من بين المشرق والمغرب لظهر عليهم.
قال في زاد المعاد: كان الله تعالى قد دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصادق الوعد- أنه إذا فتح مكة دخل الناس في دينه أفواجا، ودانت له العرب بأسرها، فلما تم له الفتح المبين، اقتضت حكمة الله- تعالى- ان امسك قلوب هوازن ومن تبعها عن الإسلام وأن يتجمعوا ويتأهبوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم- والمسلمين، ليظهر أمر الله- سبحانه وتعالى- وتمام إعزازه، لرسوله صلّى الله عليه وسلم ونصره لدينه، ولتكون غنائمهم شكرا لأهل الفتح، ليظهر الله ورسوله وعباده وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد احد من العرب. ويتبين ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتأملين واقتضت حكمته- تعالى- أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكبوة مع كثرة عددهم وعددهم وقوة شوكتهم ليطأ من رؤوس رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله صلّى الله عليه وسلم واضعا رأسه منحنيا على فرسه، حتى إن ذقنه تكاد أن تمس سرجه تواضعا لربه تبارك وتعالى، وخضوعا لعظمته، واستكانة لعزته أن أحل له حرمة بلده، ولم يحله لأحد قبله، ولا لأحد من بعده، وليبين عز وجل لمن قال: لن نغلب اليوم من قلة ان النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه- تعالى- هو الذي تولى نصر رسوله ودينه لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الجبر مع مزيد ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وقد اقتضت حكمته- تبارك وتعالى- أن خلع النصر وجوائزه إنما تفضي على أهل الانكسار وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.
[ (2) ] الزيادة من (ح) .(5/120)
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، جَمَعَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ بَنِي نَصْرٍ، وَبَنِي جُشَمَ، وَبَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَوْزَاعًا مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عامر، وعوف بن عامر، وَأَوْعَيَتْ مَعَهُ ثَقِيفٌ الْأَحْلَافَ، وَبَنُو مَالِكٍ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَسَاقَ مَعَهُ الْأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ حَتَّى تَعْلَمَ لَنَا مِنْ عِلْمِهِمِ فَدَخَلَ فِيهِمْ فَمَكَثَ فِيهِمْ يَوْمًا أَوِ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَذَبَ، فَقَالَ: ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ وَاللهِ لَئِنْ كَذَّبَتْنِي يَا عُمَرُ لَرُبَّمَا كَذَّبْتَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَقَالَ: «قَدْ كُنْتَ يَا عُمَرُ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللهُ» .
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا عِنْدَهُ مِائَةَ دِرْعٍ وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عِدَّتِهَا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فقال: بل عادية مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا عَلَيْكَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سَائِرًا- زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ:
ابْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى حُنَيْنٍ فِي أَلْفَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَعَشَرَةِ آلَافٍ كَانُوا مَعَهُ فَسَارَ بِهِمْ [ (3) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ ابن أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ أَمِيرًا [ (4) ] .
وَزَادَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ أَقْبَلَ فِيمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جَمَعَ مِنْ قَبَائِلِ قَيْسٍ وَثَقِيفٍ، وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فِي شِجَارٍ [ (5) ]
__________
[ (3) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 55) .
[ (4) ] ابن هشام. الموضع السابق.
[ (5) ] شجار: بزنة كتاب، شبه الهودج إلا انه مفتوح الأعلى.(5/121)
لَهُ يُعَادُ بِهِ حَتَّى نَزَلَ النَّاسُ بِأَوْطَاسٍ [ (6) ] فَقَالَ دُرَيْدٌ حِينَ نَزَلُوا بِأَوْطَاسٍ فَسَمِعَ رُغَاءَ الْبَعِيرِ [ (7) ] ، وَنَهِيقَ الحمير [ (8) ] ، وبعار الشَّاءِ [ (9) ] ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟
فَقَالُوا: بِأَوْطَاسٍ، قَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ، لَا حَزْنٌ [ (10) ] ضَرِسٌ [ (11) ] وَلَا سهل [ (12) ] دهس [ (13) ] مالي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَبُكَاءَ الصغير، ونهيق الحمار، وبعار الشَّاءِ؟
فَقَالُوا: سَاقَ مَالِكٌ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. قَالَ: فَأَيْنَ مَالِكٌ؟
فَدُعِيَ مَالِكٌ، فَقَالَ يَا مَالِكُ! إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ، فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسُوقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ؟، قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَأَمْوَالَهُ [ (14) ] لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ، قَالَ: فَانْقَضَّ [ (15) ] بِهِ دُرَيْدٌ، وَقَالَ: يَا رَاعِيَ ضَأْنٍ وَاللهِ وَهَلْ يَرُدُّ وَجْهَ الْمُنْهَزِمِ شَيْءٌ؟ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ فَارْفَعِ الْأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ إِلَى عَلْيَاءِ قَوْمِهِمْ وَمُمْتَنَعِ بِلَادِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ دُرَيْدٌ: وَمَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ فَقَالُوا: لَمْ يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ،
__________
[ (6) ] أوطاس: واد في ديار هوازن، كانت فيه وقعة حنين، وتسمى ايضا غزوة أوطاس وانظر شرح المواهب (3: 5) .
[ (7) ] رغاء الإبل- بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوتها.
[ (8) ] نهاق الحمير بضم النون وتخفيف الهاء وبالقاف: صوتها.
[ (9) ] بعار الشاء- بضم التحتية وبالعين المهملة المخففة وبالراء: صوتها
[ (10) ] الحزن- بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاى، وبالنون: ما غلظ من الأرض.
[ (11) ] الضرس- بكسر الضاد المعجمة، وسكون الراء، وبالسين المهملة: الأكمة الخشنة وفي الإملاء:
هو الموضع فيه حجارة محددة.
[ (12) ] السهل: ضد الحزن.
[ (13) ] دهس- بفتح الدال المهملة، والهاء، وبالسين المهملة، والدهاس مثل الليث واللباث: المكان السهل اللين الذي لا يبلغ ان يكون رملا وهو بتراب. ولا طين، وفي الإملاء: لين كثير التراب.
[ (14) ] في (ح) : «وماله» .
[ (15) ] (فانقضّ) زجره كما تزجر الدابة.(5/122)
فَقَالَ: غَابَ الْحَدُّ وَالْجِدُّ [ (16) ] لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، [وَلَوَدِدْتُ لَوْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ] [ (17) ] فَمَنْ حَضَرَهَا؟ فَقَالُوا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ [ (18) ] لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا رَأْيٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ كَبِرَتْ وَكَبِرَ عِلْمُكَ وَاللهِ لَتُطِيعُنَّ يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ أَوْ لَأَتِّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي، فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ.
ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ [ (19) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهَ حُدِّثَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ بَعَثَ عُيُونًا مِمَّنْ مَعَهُ فَأَتَوْهُ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَتَأَنَا رِجَالٌ بِيضٌ على خيل بلق، فو الله مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا تَرَى، فَمَا رَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عِيسَى الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يوم حنين لن تغلب مِنْ قِلَّةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [ (21) ]
__________
[ (16) ] (الحد) يريد الشجاعة والحدّة.
[ (17) ] ما بين الحاصرتين سقط من (ح) .
[ (18) ] (الجذعان) يريد انهما ضعيفان بمنزلة الجذع في سنه.
[ (19) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 52- 53) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 323) .
[ (20) ] سيرة ابن هشام (4: 54) .
[ (21) ] في (ح) «تعالى» .(5/123)
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [ (22) ] قَالَ الرَّبِيعُ [ (23) ] وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْهُمْ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ.
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَكَانَتْ لِقُرَيْشٍ شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ عظيمة،
__________
[ (22) ] [التوبة- 25] .
[ (23) ] أخرجه يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زيادات المغازي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 469) . وأضاف:
وروى ابن المنذر عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا اجتمع اهل مكة وأهل المدينة قالوا: الآن نقاتل حين اجتمعنا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قالوا مما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد على أحد.
وروى أبو الشيخ والحاكم- وصححه- وابن مردويه والبزار عن أنس- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة واهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم: اليوم والله نقاتل، ولفظ البزار، فقال غلام من الأنصار يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم، وولوا مدبرين.
وروى محمد بن عمر عن ابن شهاب الزهري، قال رجل من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم احد من قلة. قال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل مكة: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة الى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله تعالى: «لن نغلب اليوم من قلة» ،
كذا في هذه الرواية.
والصحيح أن قائل ذلك غير النبي صلّى الله عليه وسلم كما سبق.
قال ابن إسحاق: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قالها.
وروى محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- أن أبا بكر- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة كذا في هذه الرواية، وبذلك جزم ابن عبد البر.
قال ابن عقبة: ولما أصبح القوم ونظر بعضهم الى بعض، أشرف أبو سفيان، وابنه معاوية، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام على تل ينظرون لمن تكون الدائرة.(5/124)
يَأْتُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ فَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا سِلَاحَهُمْ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَكَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ خَضْرَاءَ، فَتَنَادَيْنَا مِنْ جَنْبَيِ الطَّرِيقِ، وَنَحْنُ نَسِيرُ إِلَى حُنَيْنٍ يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ أَكْبَرُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلهة إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَأْخُذُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» [ (24) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَى حُنَيْنًا مَرَّ بِشَجَرَةٍ تَعَلَّقَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (25) ] لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ [ (26) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّلُولِيُّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ سهل بن الْحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَ عَشِيَّةً فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَارِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي انْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبَائِهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمُ
__________
[ (24) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 56) ، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 325) .
[ (25) ] [الأعراف- 138] .
[ (26) ] أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، (18) باب لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قبلكم، الحديث (2180) ، ص (4: 475) .(5/125)
اجْتَمَعُوا إِلَى حُنَيْنٍ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَارْكَبْ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ، وَلَا تَغُرَّنَّ مَنْ قِبَلِكَ، اللَّيْلَةَ» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَحْسَسْنَاهُ، فَثَوَّبَ بِالصَّلَاةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ» ، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى الشَّجَرَةِ [ (27) ] فِي الشِّعْبِ فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «هَلْ نَزَلْتَ [اللَّيْلَةَ] [ (28) ] ؟» قَالَ: لَا إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَوْجَبْتَ فَلَا عَلَيْكَ أَلَّا تَعْمَلَ بَعْدَهَا» [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ فَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عوف بمن
__________
[ (27) ] في (ح) : «خلال الشجر» .
[ (28) ] ليست في (ح) .
[ (29) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في فضل الحرس في سبيل الله تعالى، الحديث (2501) ، ص (3: 9- 10) ، من طريق أبي توبة، عن مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زيد بن سلام..
ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 225- 226) ، وقال: «وهكذا رواه النسائي عن محمد ابن يحيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الحراني، عن أبي تَوْبَةَ: الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ.(5/126)
مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَسَبَقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَدُّوا، وَتَهَيَّئُوا فِي مَضَايِقِ الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ [ (30) ] وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه فَانْحَطَّ بِهِمُ الْوَادِي فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ [ (31) ] فَلَمَّا انْحَطَّ النَّاسُ ثَارَتْ فِي وُجُوهِهِمِ الْخَيْلُ فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاسُ مُنْهَزِمِينَ لَا يُقْبِلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَانْحَازَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ اللهِ، أَنَا رَسُولُ اللهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، فَلَا شَيْءَ،
وَرَكِبَتِ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِحَكَمَةِ [ (32) ] بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَهُوَ عَلَيْهَا قَدْ شَجَرَهَا، قَالَ: وَثَبَتَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَرَبِيعَةُ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ وَهُوَ ابن عبيد، وأسامة ابن زَيْدٍ، وَثَبَتَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ [ (33) ] ، وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ أَمَامَ هَوَازِنَ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ إِذَا أَدْرَكَ النَّاسَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَأَتْبَعُوهُ [فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هَوَى لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، فَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيِ الْجَمَلِ، فَوَقَعَ على
__________
[ (30) ] (أحناؤه) : جوانبه.
[ (31) ] عماية الصبح: ظلامه قبل أن يتبين.
[ (32) ] الحكمة: ما أحاط بحنك الفرس من لجامه.
[ (33) ] وذكر النووي أن الّذين ثبتوا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- اثنا عشر رجلا، ووقع في شعر الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط، وذلك لقوله:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من قد فرّ عنه فأقشعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه ... لما مسّه في الله لا يتوجّع
قال الحافظ: ولعلّ هذا هو الأثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعدّ فيمن لم ينهزم.(5/127)
عَجُزِهِ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الرَّجُلِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَانْجَعَفَ عَنْ رَحْلِهِ، وَاجْتَلَدَ النَّاسُ فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأَسْرَى مُكَتَّفِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (34) ] . فَلَمَّا انْهَزَمَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ، تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضِّغْنِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبُحُورِ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ.
وَزَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: سَارَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ الَّتِي يَسْتَقْسِمُ بِهَا لَفِي كِنَانَتِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَصَرَخَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ مَعَ أَخِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وَصَفْوَانُ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ اسْكُتْ فَضَّ الله فاك، فو الله لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ.
قَالَ حسّان:
رَأَيْتُ سَوَادًا مِنْ بَعِيدٍ فَرَاعَنِي ... إِذَا حَنْبَلٌ يَنْزُو عَلَى أُمِّ حَنْبَلِ [ (35) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي- وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ- الْيَوْمَ أَقْتُلُ مُحَمَّدًا فَأَرَدْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ شَيْءٌ حَتَّى تَغَشَّى فُؤَادِي فَلَمْ أُطِقْ ذَلِكَ، فَعَرَفْتُ أنه ممنوع [ (36) ] .
__________
[ (34) ] ما بين الحاصرتين تكملة للخبر من سبل الهدى (5: 471) .
[ (35) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 58) .
[ (36) ] مغازي الواقدي (3: 910) .(5/128)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ رَأَى مِنَ النَّاسِ مَا رَأَى: يَا عَبَّاسُ! اصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ مِنْ عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ ثُمَّ يَؤُمُّ الصَّوْتَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ، فَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ فَاقْتَتَلُوا فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ بِالْأَنْصَارِ، ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ وَأَشْرَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي رَكَائِبِهِ فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ [ (37) ] الْقَوْمِ، فَقَالَ:
«الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ»
قَالَ: فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ إِلَّا وَالْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُكَتَّفُونَ فَقَتَلَ اللهُ مَا قَتَلَ مِنْهُمْ وَانْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْهُمْ وَأَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ: أَمْوَالَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، وَأَبْنَاءَهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
(ح) وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِدًا لِحُنَيْنٍ وَكَانَ أَهْلُ حُنَيْنٍ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَهْلُ مَكَّةَ يَظُنُّونَ حِينَ دَنَا مِنْهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَادِئٌ بِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بادئ
__________
[ (37) ] (مجتلد القوم) : موضع جلادهم.(5/129)
بِهَوَازِنَ، وَصَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَتَحَ اللهُ لَهُ مَكَّةَ، وَأَقَرَّ بِهَا عَيْنَهُ، وَكَبَتَ بِهَا [ (38) ] عَدُوَّهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى حُنَيْنٍ خَرَجَ مَعَهُ أَهْلُ مَكَّةَ لَمْ يَتَغَادَرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ: رُكْبَانًا، وَمُشَاةً حَتَّى خَرَجَ مَعَهُ النِّسَاءُ يَمْشِينَ عَلَى غَيْرِ دِينٍ، نُظَّارًا يَنْظُرُونَ، وَيَرْجُونَ الْغَنَائِمَ، وَلَا يَكْرَهُونَ الصَّدْمَةَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَلَا يَكْرَهُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصَّدْمَةُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ مُوسَى: وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ كُلَّمَا سَقَطَ تُرْسٌ أَوْ سَيْفٌ مِنْ مَتَاعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ أَعْطُونِيهِ أَحْمِلُهُ حَتَّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ.
زَادَ مُوسَى: وَسَارَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كافر وامرأته مسلمة، فلم يفرق رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى.
قَالَ مُوسَى، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَهْلِ حُنَيْنٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ وَمَعَهُ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ يُنْعَشُ مِنَ الْكِبَرِ.
وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ: يُرْعَشُ أَوْ يُنْعَشُ مِنَ الْكِبَرِ.
قَالَ مُوسَى: وَمَعَهُمُ: النِّسَاءُ، وَالذَّرَارِيُّ، وَالنَّعَمُ، والنساء، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَبْدَ اللهِ] [ (39) ] بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى عَسْكَرِ الْقَوْمِ عَيْنًا، فَخَرَجَ حَتَّى دَنَا مِنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ لَيْلًا، فَسَمِعَ مَالِكًا وَهُوَ يُوصِي أَصْحَابَهُ، يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحْتُمْ فَاحْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَاكْسِرُوا أَغْمَادَ السُّيُوفِ، وَاجْعَلُوا مَوَاشِيَكُمْ صَفًّا وَنِسَاءَكُمْ صَفًّا، ثُمَّ احْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ.
وَإِنَّ ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[ (38) ] فِي (أ) : «به» .
[ (39) ] ليست في (أ) .(5/130)
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَمَا مَضَى.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ اعْتَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ [وَصَفْوَانُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ] [ (40) ] وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَرَاءَ تَلٍّ يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدُّبْرَةُ. وَصَفَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَغْلَةً لَهُ شَهْبَاءَ، فَاسْتَقْبَلَ الصُّفُوفَ فَأَمَرَهُمْ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَشَّرَهُمُ بِالْفَتْحِ إِنْ صَبَرُوا، وَصَدَقُوا فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، ثُمَّ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: لَقَدْ حَزَرْتُ مَنْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ النَّاسُ فَقُلْتُ مِائَةُ رَجُلٍ، وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِهَزِيمَةِ مُحَمَّدٍ وأصحابه فو الله لَا يَجْتَبِرُوَنَها أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: أَتُبَشِّرُنِي بِظُهُورِ الأعراب، فو الله لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنَ الْأَعْرَابِ.
زَادَ عُرْوَةُ: وَغَضِبَ صَفْوَانُ لِحَسَبِهِ.
قَالَ مُوسَى: وَبَعَثَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ غُلَامًا لَهُ، فَقَالَ: اسْمَعْ لِمَنِ الشِّعَارُ فَجَاءَهُ الْغُلَامُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ يَا بَنِي عُبَيْدِ اللهِ فَقَالَ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ وَكَانَ ذَلِكَ شِعَارُهُمْ فِي الْحَرْبِ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَشِيَهُ الْقِتَالُ قَامَ فِي الرِّكَابَيْنِ وَهُوَ عَلَى الْبَغْلَةِ وَيَقُولُونَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَدْعُوهُ، يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» ، وَنَادَى أَصْحَابَهُ وَذَمَّرَهُمْ: يَا أَصْحَابَ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ! اللهَ، اللهَ، الْكَرَّةَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، وَيُقَالُ: قَالَ يَا أَنْصَارَ اللهِ! وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ، وَأَمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يُنَادِيهِمْ بِذَلِكَ، وقبض قبضة من الحصاء فحصب بها وجوه
__________
[ (40) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .(5/131)
الْمُشْرِكِينَ وَنَوَاحِيَهِمْ كُلَّهَا وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ سِرَاعًا يُقَالُ إِنَّهُمْ يَبْتَدِرُونَ، وَقَالَ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، فَهَزَمَ اللهُ أَعْدَاءَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَصَبَهُمْ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَأَتْبَعَهُمْ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَغَنَّمَهُمُ اللهُ نِسَاءَهُمْ، وَذَرَارِيَّهُمْ، وَشَاءَهُمْ.
وَفَرَّ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي نَاسٍ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ رَأَوْا نَصْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رسوله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَإِعْزَازَهُ دِينَهُ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ قِيَامُهُ فِي الرِّكَابَيْنِ وَلَا قَوْلُهُ: يَا أَنْصَارَ اللهِ، وَقَالَ فِي الْحَصْبَاءِ فَرَمَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لَا يَرْمِي نَاحِيَةً إِلَّا انْهَزَمُوا وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَعَطَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَزَمَهُمُ اللهُ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَذَكَرَهُ [ (41) ] .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي رَمْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الموصولة [ (42) ] .
__________
[ (41) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر باختصار شديد في الدرر (226) .
[ (42) ] وستأتي بعد قليل، وفي جمّاع أبواب دلائل النبوة.(5/132)
بَابُ ثُبُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِنْصَارِهِ رَبَّهُ وَدُعَائِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ الْبَرَاءُ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، (52) باب من قاد دابّة في الحرب، الحديث (2864) ، فتح الباري (6: 69) ، وأعاده بعده في باب بغلة النبي البيضاء، الحديث (2874) ، فتح الباري (6: 75) ، وفي المغازي، (54) باب قوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ... [25- التوبة] ، الحديث (4315) ، فتح الباري (8: 27) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (28) باب في غزوة حنين، الحديث (78) ، ص (3: 1400) .(5/133)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَاءُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سعيد الاسفرائيني، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ الاسفرائيني، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ أَبَا عُمَارَةَ أَلَسْتُمْ فَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِمْ وَخِفَافِهِمْ حُسَّرًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ أَوْ كَبِيرُ سِلَاحٍ، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً، لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، جَمْعَ هَوَازِنَ، وَبَنِي نَصْرٍ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا، مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، وَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ، وَقَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
فَصَفَّهُمْ [ (2) ] رَوَاهُ الخاري [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ ابن خَيْثَمَةَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (4) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (2) ] في البخاري: «ثم صفّ أصحابه» .
[ (3) ] الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الحرّاني، عن زهير، في: 56- كتاب الجهاد، (97) باب من صفّ أصحابه عن الهزيمة، الحديث (2930) ، فتح الباري (6: 105) .
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (28) باب في غزوة حنين، الحديث (78) ، ص (3: 1400) .(5/134)
أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمَّ [ (5) ] يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ [ (6) ]
اللهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ، قَالَ: وَكُنَّا وَاللهِ إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي يُحَاذِي بِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ زَكَرِيَّا [ (7) ] .
وَرُوِّينَاهُ فِي حَدِيثِ شَبَابَةَ بْنِ عَاصِمٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أنا
__________
[ (5) ] قال الصالحي في السيرة الشامية (5: 610) .
تضمّن قول السّائل للبراء في الرواية الثانية أولّيتم مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثالثة أفررتم مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ البراء رضي الله عنه، فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إنه لم يولّ، وقوله في الرّواية الثانية «لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لم يقر إثبات الفرار، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أنّ إطلاق السّائل يشمل الجميع حتّى النبي صلى الله عليه وسلم بظاهر الرّواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثّانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أن البراء فهم أنّ السائل اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع، ومررت برسول الله صلّى الله عليه وسلم منهزما، فلذلك حلف البراء أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لم يولّ، ودلّ على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى «ومررت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته» فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، ويحتمل أن يكون السائل أخذ العموم من قوله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فبيّن البراء أنه من العموم الّذي أريد به الخصوص.
[ (6) ] انتسب صلّى الله عليه وسلم إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله لشهرة عبد المطلّب بين النّاس لما رزق من نباهة الذّكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابّا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما في حديث حماد في الصحيح وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله تعالى الخلق على يديه، ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوّج عبد الله آمنة وأراد صلّى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بدّ من ظهوره، وإن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه صلّى الله عليه وسلم ثابت غير منهزم.
[ (7) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (79) ، ص (3: 1401) عن أحمد بن جناب المصصي، عن عيسى بن يونس، عن زكريا، عن أبي إسحاق السبيعي.(5/135)
ابْنُ الْعَوَاتِكِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبُرُلُّسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا شَبَابَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ وَقَدْ قِيلَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَعْضِ [الْمَغَازِي] [ (8) ] أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ [ (9) ] .
قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مِنْ سُلَيْمٍ اسْمُهُنَّ عَاتِكَةُ فَكَانَ إِذَا افْتَخَرَ قَالَ أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ [ (10) ] .
قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ إِحْدَاهُنَّ أُمُّ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْأُخْرَى أُمُّ هَاشِمٍ، وَالثَّالِثَةُ جَدَّتُهِ مِنْ قِبَلِ زهرة.
__________
[ (8) ] الزيادة من (ح) .
[ (9) ] أخرجه سعيد بن منصور، والطبراني في الكبير، عن شبابة بن عاصم، وأشار إليه السيوطي بالصحة.
[ (10) ] قال المنذري في فيض القدير (3: 38) : (أنا ابن العواتك) جمع عاتكة (من سليم) قال في الصحاح ثم القاموس العواتك من جداته تسع وقال غيره كان له ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مِنْ سُلَيْمٍ كل تسمى عاتكة وهنّ عاتكة بنت هلال بن فالج بالجيم بن ذكوان أم عبد مناف وعاتكة بنت مرة بنت هلال بن فالج أم هاشم وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة وبقية التسع من غير بني سليم قال الحليمي لم يرد بذلك فخرا بل تعريف منازل المذكورات ومنازلهنّ كمن يقول كان أبي فقيها لا يريد به إلا تعريف حاله ويمكن أنه أراد به الإشارة بنعمة الله في نفسه وآبائه وأمهاته قال بعضهم وبنو سليم تفخر بهذه الولادة وفي رواية لابن عساكر أنا ابن الفواطم وهذا قاله يوم حنين قاله في الروض وعاتكة اسم منقول من الصفات يقال امرأة عاتكة وهي المصفرة بالزعفران والطيب وفي القاموس العاتك الكريم والخالص من الألوان وقال ابن سعد العاتكة في اللغة الطاهرة، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال الذهبي كابن عساكر في التاريخ اختلف علي هشيم فيه.(5/136)
بَابُ رَمْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَ الْكُفَّارِ وَالرُّعْبِ الَّذِي أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ (ح) .
وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [قَالَ] [ (1) ] : قَالَ الْعَبَّاسُ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم حنين، فلزمت أنا وأبو سفان بْنُ الْحَارِثِ [ (2) ] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عَلَى بَغْلَةٍ [لَهُ بَيْضَاءَ [ (3) ] أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] (أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ) أبو سفيان هذا هو ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ جماعة من العلماء: اسمه هو كنيته. وقال آخرون: اسمه المغيرة.
[ (3) ] (عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ) كَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الرواية ورواية أخرى بعدها إنها بغلة بيضاء. وقال في آخر الباب على بغلته الشهباء، وهي واحدة. قال العلماء: لا يعرف لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بغلة سواها، وهي التي يقال لها: دلدل.(5/137)
بَغْلَتَهُ [ (4) ] قِبَلَ الْكُفَّارِ. قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (5) ] أَكُفُّهَا ارادة ان لا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (6) ] : أَيْ عَبَّاسُ! نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ [ (7) ] فَقَالَ عَبَّاسٌ: وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا [ (8) ] فقلت بأعلا صوتي أي أصحاب السّمرة! قال: فو الله لَكَأَنَّمَا عَطْفَتُهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا [ (9) ] ، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَاهُ! يَا لَبَّيْكَاهُ! فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ [ (10) ] وَالدَّعْوَةُ فِي الْأَنْصَارِ [ (11) ] يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ:! فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
__________
[ (4) ] (يركض بغلته) أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين سقط من الأصول، وأثبتناه من صحيح مسلم (3: 1398) .
[ (6) ] ليست في الأصول، وأثبتها من صحيح مسلم.
[ (7) ] (أصحاب السمرة) هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه: ناد أهل بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ.
[ (8) ] (صيّتا) أي قويّ الصوت. ذكر الحازميّ في المؤتلف أن العباس رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل، وهم في الغابة، فيسمعهم. قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال.
[ (9) ] (لكأن عَطْفَتُهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا) : أي عودهم لمكانتهم وإقبالهم إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا. أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمّات حين حنّت على الأولاد.
قال النوويّ: قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا. وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا. وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام. ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه وممن يتربص بالمسلمين الدوائر. وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم. فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على أخراهم. إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في القرآن.
[ (10) ] (والكفار) هكذا هو في النسخ. وهو بنصب الكفار. أي مع الكفار.
[ (11) ] (والدعوة في الأنصار) هي بفتح الدال. يعني الاستغاثة والمناداة إليهم.(5/138)
عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ [ (12) ] قَالَ ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ قَالَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هيية فيما ارى قال فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا [ (13) ] وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ [ (14) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ الْجُذَامِيُّ، وَقَالَ: انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ عَلَى الْخَيْلِ خَيْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ أَزْهَرَ: ثُمَّ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَزَمَ اللهُ الْكُفَّارَ وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رِجَالِهِمْ يَمْشِي في
__________
[ (12) ] (هذا حين حمي الوطيس) قال الأكثرون: هو شبه تنور يسجر فيه. ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره. وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعيّ: هي حجارة مدورة، إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس. وقيل: هو الضرب في الحرب. وقيل: هو الجرب الذي يطيس الناس، أي يدقهم. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (13) ] (فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كليلا) أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
[ (14) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (28) باب غزوة حنين، الحديث (76) ، ص (3: 1398) .(5/139)
الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى رَجْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ ومحمد بْنِ رَافِعٍ، دُونَ رِوَايَةِ ابْنِ أَزْهَرَ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ [بْنُ سَلَمَةَ] [ (16) ] قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم حُنَيْنًا، فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تقدمت فاعلو ثَنِيَّةً، فَأَسْتَقْبِلُ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ وَتَوَارَى عَنِّي، فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَإِذَا [هُمْ] [ (17) ] قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى فَالْتَقُوا هُمْ وَصَحَابَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِإِحْدَاهُمَا، مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى، قَالَ: فَاسْتَطْلَقَ إزاري [ (18) ] فجمعتها جمعا، ومَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مُنْهَزِمًا [ (19) ] وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَى ابْنُ الْأَكْوَعِ فَزَعًا» فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ [ (20) ] فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَهَزَمَهُمُ اللهُ وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين.
__________
[ (15) ] صحيح مسلم (3: 1399) .
[ (16) ] ليست في (ح) .
[ (17) ] الزيادة من (ح) .
[ (18) ] (فاستطلق إزاري) أي انحلّ لاستعجالي.
[ (19) ] (منهزما) قال العلماء: قول منهزما، حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم انهزم. وقد قالت الصحابة كلهم رضي الله عنهم: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ما انهزم، ولم ينقل أحد قط أنه انهزم صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن. وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ذلك عليه.
[ (20) ] (شاهت الوجوه) أي قبحت.(5/140)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ، وَيُكَنَّى أَبَا هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي حُنَيْنٍ فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ، قَدْ حَانَ الرَّوَاحُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ أَجَلْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بِلَالُ! فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَيْرٍ! فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ قَالَ:
أَسْرِجْ لِي فَرَسِي، فَأَتَاهُ بِدَفَّتَيْنِ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلَا بَطَرٌ، قَالَ: فَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ سِرْنَا يَوْمَنَا فَلَقِينَا الْعَدُوَّ وَتَشَامَّتِ الْخَيْلَانُ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللهِ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاقْتَحَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسِهِ.
وَحَدَّثَنِي مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فَحَثَا بِهَا وُجُوهَ [ (22) ] الْقَوْمِ، وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ.
قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ فَأَخْبَرَنَا أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ مِنَ التُّرَابِ، وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَرِّ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْحَدِيدِ فَهَزَمَهُمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [ (23) ] .
__________
[ (21) ] أَخْرَجَهُ مسلم في باب غزوة حنين، الحديث (81) ، ص (1402) ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ.
[ (22) ] في (ح) ، «في وجوه العدو» .
[ (23) ] في (ح) : «تعالى» ، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، وعنه ابن كثير في البداية والنهاية (4: 331- 332) .(5/141)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ [ (24) ] ، وَبَقِيتُ مَعَهُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَنَكَصْنَا عَلَى أَقْدَامِنَا نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ قَدَمًا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ قَالَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ يَمْضِي قُدُمًا، فَحَادَتْ بَغْلَتُهُ فَمَالَ عَنِ السَّرْجِ فَشَدَّ نَحْوَهُ فَقُلْتُ ارْتَفِعْ رَفَعَكَ اللهُ فَقَالَ نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَنَاوَلْتُهُ فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَامْتَلَأَ أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا، قَالَ: أَيْنَ الْمُهَاجِرَونَ وَالْأَنْصَارُ؟ قُلْتُ:
هُمْ هُنَا قَالَ: اهْتِفْ فَهَتَفْتُ بِهِمْ فجاؤوا سُيُوفُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، كَأَنَّهُمُ الشُّهُبُ وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارَهُمْ [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَتَى هَوَازِنَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِثْلُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهَا وُجُوهَنَا فَانْهَزَمْنَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَلَمْ ينسب عياضا [ (26) ] .
__________
[ (24) ] في (ح (، «فولى عنه الناس يوم حنين» .
[ (25) ] تفرد به الإمام أحمد وأخرجه في «مسنده» (1: 454) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
332) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، (6: 180) ، وقال: «رواه: أحمد، والبزار، والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة» .
[ (26) ] ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 332) .(5/142)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، عَمَّنْ شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا قَالَ: لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلْبَ شَاةٍ فَجِئْنَا نَهُشُّ سُيُوفَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا غَشِينَاهُ فَإِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رِجَالٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا:
شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَارْجِعُوا، فَهُزِمْنَا مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ: عَبْدُ الرحمن ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ الشعبي عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بَدَلٍ النَّصْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ شَهِدَ ذَاكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَعَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، قَالَا: انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قبضة من الحصا فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ فَانْهَزَمْنَا، فَمَا خُيِّلَ إِلَيْنَا إِلَّا أَنَّ كُلَّ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ فَارِسٌ يَطْلُبُنَا. قَالَ الثَّقَفِيُّ فَأَعْجَزْتُ عَلَى فَرَسِي حَتَّى دَخَلَتُ الطَّائِفَ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السايب الطائفيّ عن السايب بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَزِيدَ بن عامر السّواي أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَ انْكِشَافِهِ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَتَبِعَهُمُ الْكُفَّارُ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَبْضَةً مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ ارجعوا شاهت
__________
[ (27) ] رواه مسدد في مسنده، وابن عساكر عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ برثن، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 332) عن المصنف، والزرقاني في المواهب (3: 15) .
[ (28) ] نقله ابن كثير عن المصنف في البداية والنهاية (4: 332) .(5/143)
الْوُجُوهُ، قَالَ فَمَا أَحَدٌ يَلْقَاهُ أَخُوهُ، إِلَّا وَهُوَ يَشْكُو قَذًى [ (29) ] فِي عَيْنَيْهِ وَيَمْحُ عَيْنَيْهِ [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَامِيِّ الْمُقْرِئُ- رَحِمَهُ اللهُ- بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي: السائب يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بن عامر السّواي، وَكَانَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، قَالَ: فَنَحْنُ نَسْأَلُهُ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَيْفَ كَانَ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ لَنَا الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْتِ فَيَطِنُّ قَالَ كُنَّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عامر السوايّ قَالَ:
سَأَلْنَاهُ كَيْفَ كَانَ الرُّعْبُ فَذَكَرَهُ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَعْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ (ح) .
وحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَنْبَأَنَا
__________
[ (29) ] رسمت في الأصول: «قذى» .
[ (30) ] نقله ابن كثير في التاريخ (4: 333) عن المصنف.
[ (31) ] نقلهما ابن كثير (4: 333) عن المصنف.(5/144)
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ همام ابن مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (32) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَدْ عَرِيَ ذَكَرْتُ أَبِي وَعَمِّي وَقَتْلَ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ إِيَّاهُمَا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ قال فذهب لأجئه عَنْ يَمِينِهِ فَإِذَا أَنَا بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ بَيْضَاءُ. كَأَنَّهَا فِضَّةٌ يُكْشَفُ عَنْهَا الْعَجَاجُ، فَقُلْتُ عَمُّهُ وَلَنْ يَخْذُلَهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ عَنْ يَسَارِهِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقُلْتُ ابْنُ عَمِّهِ وَلَنْ يَخْذُلَهُ، قَالَ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أن أسوره سَوْرَةً بِالسَّيْفِ إِذْ رُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَأَنَّهُ بَرْقٌ فَخِفْتُ تَمْحَشَنِي فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْتُ الْقَهْقَرَى، وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا شَيْبُ يَا شَيْبُ ادْنُ مِنِّي اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ قَالَ: فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي وَلَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَقَالَ: يَا شَيْبُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ قَدْ مَضَى لَهُ شاهد عن مَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (33) ] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا:
__________
[ (32) ] أخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق في: 5- كتاب المساجد، الحديث (8) ، ص (1:
372) .
[ (33) ] نقله ابن كثير في تاريخه (4: 333) عن المصنف، وله شاهد في سيرة ابن هشام (4: 58) ، وقد مضى هذا الشاهد في باب غزوة حنين، وراجع الحاشية (36) من ذلك الباب.(5/145)