ـ[دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة]ـ
المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى - 1405 هـ
عدد الأجزاء: 7
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع](/)
[المدخل إلى دلائل النبوة]
السفر الأول من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة يشمل:
1- التقدمة وترجمة المصنف ونسخ الكتاب المخطوطة.
2- المدخل إلى دلائل النبوة.
3- جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(المقدمة/3)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(المقدمة/4)
أقوال العلماء في الإمام البيهقي
قال ابن ناصر: «كان واحد زمانه، وفرد أقرانه حفظا وإتقانا وثقة، وهو شيخ خراسان» .
قال إمام الحرمين: «ما من شافعيّ إلا وللشافعيّ فضل عليه غير البيهقي، فإنّ له المنة والفضل على الشافعيّ لكثرة تصانيفه في نصرة مذهبه، وبسط موجزه، وتأييد آرائه» .
قال ابن خلكان: «الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور، واحد زمانه، وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله البيع في الحديث، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم» .
قال ابن الجوزي: «كان واحد زمانه في الحفظ والإتقان، وحسن التصنيف وجمع علم الحديث، والفقه، والأصول، وهو من كبار أصحاب الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، ومنه تخرج، وسافر، وجمع الكثير، وله التصانيف الكثيرة الحسنة» .
قال الذهبي: «لو شاء الذهبي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف» .
قال السبكي: «كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة(المقدمة/5)
المؤمنين، والداعي إلى حبل الله المتين، فقيه، جليل، حافظ، كبير، أصولي، نحرير، زاهد، ورع قانت لله، قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا، جبل من جبال العلم» .
قال ابن تيمية: «البيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث، وأنصرهم للشافعي» .
قال ابن كثير: «كان أوحد زمانه في الإتقان، والحديث، والفقه، والتصنيف، وكان فقيها محدثا، أصوليا.. وجمع أشياء كثيرة نافعة، لم يسبق إلى مثلها، ولا يدرك فيها، وكان فاضلا من أهل الحديث، مرضي الطريقة» .(المقدمة/6)
أقوال العلماء في «دلائل النبوة»
قال تاج الدين السبكي: أما كتاب «دلائل النبوة» وكتاب «شعب الإيمان» وكتاب «مناقب الشافعي» فأقسم ما لواحد منها نظير» .
قال الحافظ ابن كثير:
«دلائل النبوة لأبي بكر البيهقي من عيون ما صنّف في السيرة والشمائل» .(المقدمة/7)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
التّقدمة
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
(33: الأحزاب: 56) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
(9: التوبة: 33 و 48: الفتح: 28 و 61 الصف: 9) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.
(48: الفتح: 29) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ.
(47: محمد: 2) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ(المقدمة/9)
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً.
(33: الأحزاب: 40) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.
(21: الأنبياء: 107) اللهم صَلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وبعد، لم تعد مسألة إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بالمشكلة الدينية فوجود الله مركوز في الفطرة الإنسانية، واطراد التقدم العلمي يزيده إثباتا كل يوم.
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت- 53] وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات- 21] .
بيد أن المسألة الأساسية في الدين هي إثبات رسالة الرسول، ويعنينا هنا إثبات نبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم.
فالإيمان بالنبوة- أو الصلة بين الله تعالى ومجتمع الإنسان عن طريق الأنبياء- من خصائص هذا الدين، والنبي هو الإنسان الذي يختاره الله ليقوم بأداء رسالة معينة، وقد وجدت مذاهب تؤمن بالله وتنكر النبوّات، وتزعم أنه لا حاجة لوجود النّبيّ، لأنّ ما أتى به الأنبياء موافق للعقل، ففي العقل غنى عنه، أو مخالف له فلا حاجة لنا به، فالعقل طريق الاستدلال ولكننا لا نستطيع بالمنطق التجريبي، والرياضي التوصل إلى حقائق ما وراء المادة، فالعلم الصحيح بذات الله، وصفاته، وحساب الآخرة، من ثواب وعقاب، وكل ما يتعلق بعالم الغيب، كل ذلك لا يعرف إلا عن طريق الأنبياء.
وقد تمت الصلة بين الله والأنبياء بوسائل متعددة، وقد قصّ علينا القرآن(المقدمة/10)
الكريم طرفا من ذلك.
ففي أمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، قالَ: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، فَانْظُرْ ماذا تَرى، قالَ: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات- 102] فهذه الرؤية الصادقة.
وقد يكون الاتصال بأن يكلم الله تعالى النبي مباشرة كما حصل لموسى- عليه السلام- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص- 30] .
والواسطة العادية في حصول الوحي أن يكون عن طريق جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء- (163- 165) ] .
وأحيانا كان جبريل ينزل مجسدا يراه المسلمون كما حصل في حديث أركان الإيمان والإسلام والإحسان، وأشراط الساعة، الذي روي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وفي ختامه: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» .
وحين يدعي إنسان أنه يتصل بالله ويحمل منه إلى الناس رسالة ترتّب عليهم تكاليف وواجبات، فإن من الطبيعي أن يطالبه الناس بالدليل على صدقه، ولم ير القرآن في هذا أمرا خارجا عن المعقول، فالتساؤل حتى للتعليم مطلوب وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى؟ قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟
قالَ: بَلى، وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة- 260] .
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ما يثبت النبوة.(المقدمة/11)
طرق في إثبات النبوة
طريقة القرآن في إثبات النبوة:
الطريقة القرآنية في إثبات النبوة هي إيراد أدلة كثيرة تتكاتف لتؤدي إلى اليقين.
فالقرآن الكريم تحدى العرب والعجم، والإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... [البقرة- 23] وقد بعث رسول صلى الله عليه وسلم فيهم أربعين عاما، فلم يحدثهم بنبوة ولا برسالة! فهذا الأمر يخضع لمشيئة الله فقط.
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس- 16] . فهذا النبي صلى الله عليه وسلّم قد نشأ بينهم، وترعرع على مرأى ومسمع منهم بل كانوا يعرفونه بالصدق والأمانة، ورجاحة العقل، ولم يعهدوا عليه كذبا، قال تعالى:
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سبأ- 46] .
فلم الشك في أمره مع أنه قد تجرد عن كل مطمع دنيوي. قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [سبأ- 47] .
ولم الشك في أمره وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يمكن أن يستمدّ من كتاب.
وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ(المقدمة/12)
الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت- 48] .
1- طريقة الغزالي في اثبات النبوة:
وللإمام الغزالي في منقذه من الضلال طريقة في إثبات النبوة، قال:
«فإذا وقع لك شك في شخص معين: أنه نبي أم لا؟ فلا يحصل اليقين إلا بمعرفة أحواله:
إما بالمشاهدة، أو بالتواتر، والتسامع.
فإنك إذا عرفت الطب، والفقه، يمكنك أن تعرف الفقهاء، والأطباء، بمشاهدة أحوالهم، وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم.
ولا تعجز أيضا عن معرفة كون «الشافعي» - رحمه الله- فقيها وكون «وجالينوس» طبيبا، معرفة بالحقيقة لا بالتقليد عن الغير، بل بأن تتعلم شيئا من الفقه والطب، وتطالع كتبهما وتصانيفهما، فيحصل لك علم ضروري بحالهما.
فكذلك إذا فهمت معنى النبوة، فأكثرت النظر في القرآن، والأخبار يحصل لك العلم الضروري بكونه صلى الله عليه وسلم، على أعلى درجات النبوة واعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات، وتأثيرها في تصفية القلوب وكيف
صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» .
وكيف صدق في
قوله: «من أعان ظالما سلطه الله عليه» .
وكيف صدق في
قوله:(المقدمة/13)
«من أصبح وهمومه هم واحد، كفاه الله تعالى هموم الدنيا والآخرة
فإذا جرّبت في ألف، وألفين، وآلاف حصل لك علم ضروري لا تتمارى فيه.
فمن هذا الطريق: اطلب اليقين بالنبوة، لا من قلب العصا ثعبانا، وشق القمر، فإن ذلك إذا نظرت إليه وحده، ولم تنضم إليه القرائن الكثيرة الخارجة عن الحصر، ربما ظننت أنه سحر وتخييل وأنه من الله إضلال، فإن الله تعالى:
يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.
وترد عليك أسئلة المعجزات، فإن كان مستندا إيمانك إلى كلام منظوم في وجه دلالة المعجزة، فينخرم إيمانك بكلام مرتب في وجوه الأشكال والشبهة عليها.
فليكن مثل الخوارق، إحدى الدلائل والقرائن في مجلة نظرك حتى يحصل لك علم ضروري لا يمكنك ذكر مستنده على التعيين كالذي يخبره جماعة بخبر متواتر لا يمكنه أن يذكر أن اليقين مستفاد من قول واحد معين، بل من حيث لا يدري، ولا يخرج عن جملة ذلك ولا بتعيين الآحاد ... فهذا هو الإيمان القوي العملي» أ. هـ.
2- طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة:
قال ابن خلدون في المقدمة:
«اعلم أن الله- سبحانه- اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده: يعرفونهم بمصالحهم، ويحرضونهم على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلّونهم على طريق النجاة.
وكان- فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار- الكائنات، المغيبة عن البشر التي لا سبيل الى معرفتها، إلا من على(المقدمة/14)
ألسنتهم من الله بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم..
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم:
«ألّا وإنّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِيَ الله» .
واعلم أن خبرهم في ذلك، من خاصيّته وضرورته الصدق، لما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة.
وعلامة هذا الصنف من البشر: أن توجد لهم- في حال الوحي- غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين، وليست منهما في شيء، وإنما هي- في الحقيقة- استغراق في لقاء الملك الروحاني:
بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل الى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ الله.
ثم تنجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم، وقد سئل عن الوحي: «أحيانا يأتيني مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ. وأحيانا يتمثّل إليّ الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» .
ويدركه أثناء ذلك، من الشدة والغطّ ما لا يعبّر عنه. ففي الحديث:
«كان مما يعالج من التنزيل شدة» .
وقالت عائشة:
كان يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عرقا» وقال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا.
ولأجل هذه الحالة في تنزّل الوحي، كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون له رئي، أو تابع من الجن.. وإنما لبّس عليهم، بما شاهدوه من مظاهر تلك الأحوال:(المقدمة/15)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ*.
ومن علاماتهم أيضا: أنه يوجد لهم- قبل الوحي- خلق الخير والزكاة، ومجانبة المذمومات والرجس أجمع.
وهذا هو معنى العصمة. وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها. وكأنها منافية لجبلّته.
وفي الصحيح: أنه حمل الحجارة وهو غلام، مع عمه العباس، لبناء الكعبة، فجعلها في إزاره، فانكشف، فسقط مغشيا عليه، حتى استتر بإزاره، ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب. فأصابه غشي النوم إلى أن طلعت الشمس، ولم يحضر شيئا من شأنهم، بل نزّهه الله عن ذلك كله، حتى إنه- بجبلّته- يتنزه عن المطعومات المستكرهة.
فقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لا يقرب البصل والثوم، فقيل له في ذلك، فقال: «إني أناجي من لا تناجون» .
وانظر، لمّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، بحال الوحي أول ما فجأه وأراد اختباره.
فقالت: اجعلني بينك وبين ثوبك، فلما فعل ذلك، ذهب عنه.
فقالت: إنه ملك، وليس بشيطان، ومعناه: أنه لا يقرب النساء.
وكذلك سألته عن أحبّ الثياب إليه أن يأتيه فيها.
فقال البياض والخضرة.
فقالت: إنه الملك.
يعني: أن البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة. والسواد من ألوان الشر والشياطين، وأمثال ذلك.(المقدمة/16)
ومن علاماتهم أيضا: دعاؤهم إلى الدين والعبادة من: الصلاة والصدقة والعفاف.
وقد استدلت خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، على صدقه صلى الله عليه وسلم بذلك، وكذلك أبو بكر، ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه.
وفي الصحيح أن هرقل- حين جاءه كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الإسلام- أحضر من وجد ببلده من قريش، وفيهم أبو سفيان، ليسألهم عن حاله. فكان- فيما سأل- أن قال:
بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ، إلى آخر ما سأل. فأجابه فقال: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حقا فهو نبي، وسيملك مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ» .
والعفاف الذي أشار إليه أبو سفيان، هو العصمة.
فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة نبوته، ولم يحتج إلى معجزة، فدل على أن ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ!! ومن علاماتهم أيضا: أن يكونوا ذوي حسب في قومهم.
وفي الصحيح: «ما بعث الله نبيا، إلا فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ» .
وفي رواية أخرى: «في ثروة من قومه» .
استدركه الحاكم على الصحيحين.
وفي مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال:
«كيف هو فيكم» ؟
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
«هُوَ فينا ذو حسب» .
فقال هرقل:
«والرسل تبعث في أحساب قومها» .(المقدمة/17)
ومعناه: أن تكون له عصبة وشوكة تمنعه عن أذى الكفار، حتى يبلغ رسالة ربه، ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته.
3- دلائل النبوة في إسلام خَدِيجَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-:
ويتحدث ابن خلدون عن إسلام خديجة بنت خويلد، وعن إسلام أبي بكر الصديق، ويتعرض لإسلام ورقة بن نوفل وإسلام غيرهم مستدلا بيقينهم على دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
فكيف أسلمت خديجة؟
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يدعها إلى الإسلام! إنه قصّ عليها قصة الوحي، وهو
يقول: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ.
وهذه صورة لم تشهدها خديجة- من قبل- عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم ولقد عرفته شابا يعمل في مالها متاجرا به.
ومن هذه العلاقة- عرفت فيه الصدق والأمانة، والخصال الإنسانية الكاملة، والمثل الأعلى ...
ولقد سمعت من ميسرة حديثا يبعث شجون النفس، والإعجاب.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شريفة لبيبة، ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُ لَهُمْ منه، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ، فعرضت أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غيره، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ له: «ميسرة» .
فلما أخبرها «مَيْسَرَةُ» عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إظلال الملكين إياه في حرّ الهاجرة، وسموّ صحبته، وحسن خلقه، وصدق حديثه(المقدمة/18)
تبلورت فكرة الزواج بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم في ذهنها.
وقد ذهبت إلى ورقة بن نوفل- ابن عمها- وذكرت له ما سمعته وما لاحظته من صفات محمد صلى الله عليه وسلّم وأحواله، فَقَالَ وَرَقَةُ:
«لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةَ إنّ محمدا لنبيّ هذه الأمة، وقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ يُنْتَظَرُ ... هَذَا زمانه» .
فعادت خديجة من عند ورقة وقد اختمرت في ذهنها فكرة الزواج بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصبحت الفكرة أكثر جاذبية وإشراقا.
ولم تكن الجاذبية هدف خديجة في زواجها، وإن كان محمد أحسن الناس خلقا، ولا الثروة، فلم يكن محمد صاحب ثروة إنما صاحب سمات خلقية كريمة، وروحانية شفافة ظاهرة، واشراق أخاذ وسمو كريم.
وقد نقل ابن حجر عن الفاكهي في كتاب مكة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم كان عند أبي طالب فاستأذنه ان يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية يقال لها:
نبعة، فقال: انظري ما تقول له خديجة.
قالت نبعة: فرأيت عجبا، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سمعت به خديجة، فخرجت إلى الباب، وكان مما قالت: أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي، وادع الإله الذي يبعثك لي.
فقال لها:
«والله لئن كنت أنا هو، قد اصطفت عندي ما لا أخيّبه أبدا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيّعك أبدا» .
لقد أصبحت الفكرة جد متبلورة في عقل خديجة ولم يكن هناك إلا تنفيذها.
فأرسلت نفيسة بنت منبه دسيسا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم بعد عودته من الشام.(المقدمة/19)
قالت: يا محمد! ما يمنعك أن تتزوج؟
قال: ما بيدي ما أتزوج به.
قالت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟
قال: فمن هي؟
قالت: خديجة.
قال: وكيف لي ذلك؟
قالت: عليّ.
قال: فأنا أفعل.
قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: «أنا أعلم الناس بتزويج النبي صلى الله عليه وسلّم خديجة، إِنِّي كُنْتُ لَهُ تِرْبًا وَكُنْتُ لَهُ إِلْفًا وَخِدْنًا، وَإِنِّي خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَزْوَرَةِ- سوق مكة- أَجَزْنَا عَلَى أُخْتِ خَدِيجَةَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى أُدُمٍ تَبِيعُهَا، فَنَادَتْنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهَا، وَوَقَفَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: «أَمَا لِصَاحِبِكَ هَذَا مِنْ حَاجَةٍ فِي تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ؟» .
قَالَ عَمَّارٌ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ.
فَقَالَ: بَلَى، لعمري.
قال عمار: فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ: اغْدُوَا عَلَيْنَا إذا أصبحنا.
وجاء آل عبد المطلب وعلى رأسهم حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأبو طالب إلى بيت خديجة، وكان في استقبالهم عم خديجة: عمرو بن أسد، وابن عمها:
ورقة بن نوفل.
وقام أبو طالب خطيبا، فكان مما قَالَ:(المقدمة/20)
أما بعد، فإن محمدا ممن لا يوزن به فتى من قريش، إلا رجح به: شرفا ونبلا، وفضلا وعقلا، وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظل زائل، وعاريه مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك» .
ورضي عمرو، وقال:
«هو الفحل لا يقدع أنفه» .
وعند ما رجع إليها من غار حراء، وهو يقول: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: «يَا خَدِيجَةُ! مَالِي، فَأَخْبَرَهَا الخبر» . كان هذا شأنا جديدا عليه وتغيرا محسوسا، وعند ما سألته عن جلية الخبر، قال:
«لقد خشيت على نفسي!» .
قالت له: «كلا، والله ما يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وتحمل الكلّ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» .
لقد غمرت خديجة قوة نورانية عجيبة، وثقه واضحة جلية، واتجهت إلى زوجها بقوة المسؤولية، وأخذت تمسح عن وجهه، وتقول:
«أبشر، فو الله لقد كنت أعلم أنّ الله لن يفعل بك إلا خيرا، وأشهد أنك نبيّ هذه الأمة الذي تنتظره اليهود، قد أخبرني به ناصح غلامي، وبحيرى الراهب» .
ولم تزل بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم حتى طعم وشرب وضحك.
فلما ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت من مكانها فأتت غلاما لقيه رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ. فَقَالَتْ لَهُ:
يَا عَدَّاسٌ، أُذَكِّرُكَ بِاللهِ، إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي: هَلْ عِنْدَكَ عَلِمٌ مِنْ جبريل؟(المقدمة/21)
فقال: قُدُّوسٌ!! قُدُّوسٌ!! مَا شَأْنُ جِبْرِيلَ يُذْكَرُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَهْلُهَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ.
فقالت: أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكِ فِيهِ.
قَالَ: إنه أَمِينُ اللهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ.. وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وعيسى عليهما السلام.
ثم ذهبت إلى راهب بجوار مكة، فلما دنت منه وعرفها، قال: مالك يا سيدة نساء قريش؟.
فقالت: أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل.
فقال: سبحان الله! ربنا القدوس: ما بال جبريل يذكر في هذه البلاد التي يعبد أهلها الأوثان، جبريل أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله..
وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وَعِيسَى.
فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ مِنْ عِنْدِهِ، فَجَاءَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ كَرِهَ عبادة الأوثان، فسألته عن جبريل، فقال لها مثل ذلك، ثم سألها، ما الخبر؟
فأحلفته أن يكتم ما تقول له، فحلف لها، فقالت:
إن محمدا ذكر لي- وهو صادق- أحلف بالله ما كذب ولا كذب- أنه نزل عليه جبريل بحراء، وأنه أخبره أنه نبيّ هذه الأمة، وأقرأه آيات أرسل بها.
قال: فذعر ورقة لذلك، وقال:
قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، وَالَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ إِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ. ولكن يا خديجة أرسلي إليّ ابن عبد الله أسأله وأسمع من قوله، فإني أخاف أن يكون غير جبريل، فإن بعض الشياطين يتشبه به، ليفسد بعض بني آدم، حتى يصير الرجل بعد العقل مدلها.(المقدمة/22)
فقامت من عنده، وهي واثقة أن لا يفعل بصاحبها إلا خيرا.
وانطلقت خديجة بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى ورقة، فقالت له خديجة:
يا ابن عم! اسمع من ابْنِ أَخِيكَ.
فَقَالَ لَهُ ورقة: يا ابن أخي! ماذا ترى؟.
فَقَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خبره ...
فقال له وَرَقَةُ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيَأْتِيكَ النَّامُوسُ [1] الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وإنك نبي هذه الأمة، ولتؤذينّ، وَلَتُقَاتَلَنَّ، وَلَتُنْصَرَنَّ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ اللهُ.
ثُمَّ أَدْنَى إِلَيْهِ رَأْسَهُ فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انصرف إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقَدْ زَادَهُ الله مِنْ قَوْلِ وَرَقَةَ ثَبَاتًا، وَخَفَّفَ عَنْهُ بَعْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْهَمِّ.
أما ورقة، فقد قال:
وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ وَمِيكَالُ مَعْهُمَا ... مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلُ
أما خديجة فقد أحبت أن تضع جبريل موضع الاختبار، لتتبين أمره في وضوح
، فقالت خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تُثَبِّتُهُ- فِيمَا أَكْرَمَهُ اللهُ به في نُبُوَّتِهِ:
يَا ابْنَ عَمٍّ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَتْ: إِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ! هَذَا جِبْرِيلُ.
فَقَالَتْ: أَتُرَاهُ الآن؟
قال: نعم.
__________
[ (1) ] الناموس هو جبريل، وهو صاحب سر الخير. ومنه الجاسوس: صاحب سر الشر.(المقدمة/23)
قَالَتْ: فَاجْلِسْ إِلَى شِقِّي الْأَيْمَنِ، فَتَحَوَّلَ فَجَلَسَ، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي.
فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَجَلَسَ.
فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَتَحَسَّرَتْ رَأْسَهَا، فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا، وَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ الْآنَ؟
قَالَ: لَا.
قَالَتْ: مَا هَذَا شَيْطَانٌ، إِنَّ هَذَا لَمَلَكٌ يَا ابْنَ عَمٍّ، فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ، ثُمَّ آمَنَتْ بِهِ، وَشَهِدَتْ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَقَّ» .
قَالَ البيهقي (2: 152) بعد أن سرد الخبر:
«هذا شيء كانت خديجة تَصْنَعُهُ تَسْتَثْبِتُ بِهِ الْأَمْرَ احْتِيَاطًا لِدِينِهَا وَتَصْدِيقِهَا، فَأَمَّا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ قَدْ وَثِقَ بِمَا قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ وَأَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ» أ. هـ.
هكذا أسلمت خديجة، فكانت أول من اعتنق الإسلام بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يدعها رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ولم تكن لتحتاج إلى دليل خارج عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخلقه.
4- دلائل النبوة في إسلام أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
قَالَ ابن خلدون في المقدمة عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حال إسلامه.
«لم يحتاج في أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى دليل خارج عن حاله وخلقه» أ. هـ.
فكيف أسلم أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ؟(المقدمة/24)
قال البيهقي (2: 163- 164) : «ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ قُرَيْشٌ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَرْكِكَ آلِهَتَنَا، وَتَسْفِيهِكَ عُقُولَنَا، وَتَكْفِيرِكَ آبَاءَنَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
بَلَى، إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَنَبِيُّهُ، بَعَثَنِي لِأُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ وَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ بِالْحَقِّ، فو الله إِنَّهُ لَلْحَقُّ، أَدْعُوكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ، وَالْمُوَالَاةَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ القرآن.
فَأَسْلَمَ وَكَفَرَ بِالْأَصْنَامِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ، وَآمَنَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مؤمن مصدق.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ منه كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أبا بكر ما تردّد فيه» .
قال البيهقي: «وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى دَلَائِلَ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُ آثَارَهُ، قَبْلَ دَعْوَتِهِ، فَحِينَ دَعَاهُ كَانَ قَدْ سَبَقَ فيه تفكره ونظره وما تردد فيه» .
دلائل النبوة في إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
أخرج مسلم في الصحيح، في فضائل أبي ذر، ونقله البيهقي (2:
208) قال أبو ذر: كُنْتُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَأَنَا الرابع، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، فَرَأَيْتُ الِاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
وحديث إسلام أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللهُ عنه، حديث مستفيض جليل: روته كتب السنة الموثوق بها، أمثال البخاري ومسلم، وغيرهما.
ولقد روته هذه الكتب في زواياه المختلفة، الثرية بالعبر والمواعظ:
وذلك: أنه لما بلغ أبا ذر مَبْعَثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأخيه أنيس:(المقدمة/25)
«اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل: الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق «أنيس» إلى مكة وسمع من كلام الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أبي ذر فقال له: «رأيته يأمر بمكارم الأخلاق» . فقال له أبو ذر: مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قال: يقولون: إنه شاعر، وساحر- وكان أنيس شاعرا- وتابع أنيس حديثه قال:
لقد سمعت الكهان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أنواع الشعر، فو الله ما يلتئم لسان أحد أنه شعر، وو الله إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ...
فقال أبو ذر لأخيه: هل أنت كافيّ حتى أنطلق؟ قال: نَعَمْ، وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شنعوا له، وتجمعوا له.
فتزود وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يعرفه، واتبع نصيحة أخيه في أن لا يسأل عنه، وأن يحذر أهل مكة، حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع لينام، فرآه سيدنا علي فعرف أنّه غريب، فدعاه إلى المبيت عنده، فتبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، فلم ير النبي صلى الله عليه وسلّم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه،
فمر به علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟ وسار به إلى المنزل: لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، ومرّ اليوم الثالث على هذه الكيفية.
فلما كان في البيت، سأله علي رضي الله عنه قائلا:
ألا تحدثني بالذي أقدمك؟
قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا ليرشدنّني، ففعلت ... ففعل، فأخبره.(المقدمة/26)
وفي الصباح ذهبا- على حذر- إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ أبو ذر يستمع إلى القرآن الكريم، فأسلم في جلسته،. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ارْجِعْ إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فَقَالَ:
«وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأصرخنّ بها بين ظهرانيهم..
فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته:
«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله ... فقام إليه الحاضرون فاشتبكوا معه في معركة، حامية، واستمروا به حتى رموه أرضا، فأتى العباس وأنقذه منهم ... ولكنه عاد في الغد إلى مثلها، وعادوا إلى مثل ما فعلوا، وأنقذه من جديد العباس، وعاد أبو ذر إلى أخيه، وأعلن إسلامه، فأسلم أخوه، وذهبا إلى أمهما فأعلنت إسلامها، وأخذ أبو ذر يبشر الإسلام في قومه. رضي الله عنه.
دلائل النبوة في إسلام طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: «حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ هَذَا الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟
قَالَ طَلْحَةُ: قُلْتُ نَعَمْ أَنَا.
فَقَالَ: هَلْ ظهر أحمد.
قُلْتُ: وَمَنْ أَحْمَدُ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ.
قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قال، فخرجت مسرعا حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقُلْتُ:
هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟(المقدمة/27)
قَالُوا: نَعَمْ، مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله تَنَبَّأَ، وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟
قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ.
فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ، أَخَذَهُمَا نوفل بن خويلد بن الْعَدَوِيَّةِ فَشَدَّهُمَا فِي حَبَلٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمَا بَنُو تميم، وَكَانَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُدْعَى: أَسَدَ قُرَيْشٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ: «القرينين» .
دلائل النبوة في إسلام النجاشي الأصحم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عن أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بن المغيرة، زَوْجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
«لَمَّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار: النجاشي، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى: لا نؤذي ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم: أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هذايا مما يستطرف من متاع مكة، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما: ادفعا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قبل أن تكلما النجاشي فيهم، ثم قدّما إلى النجاشي هداياه، ثم أسألاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم، قالت:
فخرجا حتى قدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند خير جار. فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، قبل أن يكلّما النجاشي، وقالا لكل(المقدمة/28)
بطريق منهم: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يدخلوا في دينكم وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نعرفه نحن ولا أنتم. وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم.
فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قدّما هداياهما إلى النجاشي، فقبلها منهما، ثمّ كلّماه فقالا له:
أيها الملك، إنه قد ضوى الى بلدك منا غلمان سفهاء: فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه، قالت:
وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي ربيعة وعمرو بن العاص مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النجاشي، فقالت بطارقته حوله: صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليردّوهم إلى بلادهم وقومهم، قالت: فغضب النجاشي، ثم قال:
الله!! إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني، ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم، فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا:
نقول والله ما علمنا وما أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى الله عليه وسلّم كائنا. ذلك ما هو كائن. فلما جاءوا- وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم، فقال لهم:(المقدمة/29)
مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قد فارقتم فيه قَوْمِكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟ قالت: فكان الذي كلمه جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان.
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.
وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.
قالت: فعدد أمور الإسلام- فصدقناه وآمنّا به، واتّبعناه عَلَيَّ مَا جَاءَ بِهِ من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله تعالى، وأن نستحلّ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت:
فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قالت: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فقال النجاشي فاقرأه علي، قالت: فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ «كهيعص» قالت:(المقدمة/30)
فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ، حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي:
إن هذا والذي جاء به عيسى، ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون.
قالت: فلما خرجا من عنده، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: والله لأتينه غدا عنهم بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ.
قالت: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وكان أتقى الرجلين فينا- لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا، قال:
والله لأخبرته أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد الله، قالت: ثم غدا عليه من الغد.
فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فسلهم عما يقولون فيه.
قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. فقالت:
وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قط، فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا:
نقول: - والله- (فيه) ما قال الله، وما جاءنا به ننهينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. قالت: فلما دخلوا عليه قال لهم: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم؟
قالت: فقال له جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نقول فيه الذي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هُوَ عبد الله ورسوله، وروحه، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ العذراء البتول، قالت:
فضرب النجاشي بيده إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عودا ثُمَّ قَالَ:
وَاللهِ مَا عدا عيسى بن مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العود، قالت:(المقدمة/31)
فتناحرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال:
وإن نخرتم، والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي- والشيوم: الْآمِنُونَ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثم قال:
مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قال: من سبكم غرم، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي ديرا من ذهب، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ.
قال ابن هشام:
ويقال دبري من ذهب، ويقال: فأنتم شيوم، والدبر بلسان الحبشة الجبل- رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، قالت:
فخرجا من عنده مَقْبُوحَيْنِ، مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
قالت: فو الله، إنا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ به رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ في ملكه، قالت:
فو الله، ما علمتنا حُزْنًا حَزِنَّا قَطُّ، كَانَ أشدّ علينا من حزن حزنّاه عند ذلك، تخوّفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتي رجل لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت:
وسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل (النيل الأزرق) .
قالت: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم، ثم يأتينا بالخبر؟
قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا..
قالوا فأنت- وكان من أحدث القوم سنا- قالت:
فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، قالت:(المقدمة/32)
فو الله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن، إذ طلع الزبير، وهي يسعى فلمع بثوبه وهو يقول:
ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي، أهلك الله عدوه، ومكّن له في بلاده.
قالت: فو الله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها.
قالت: ورجع النجاشي وقد أهلك الله عدوّه، ومكّن له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ في مكة.
دلائل النبوة في إسلام زيد بن سعنة:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سلام: إن الله عز وجل، لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ، قَالَ زَيْدُ بن سعنة: إنه لم يبق من عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ، إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا. فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ، لِأَنْ أُخَالِطَهُ فاعرف حلمه وجهله. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بن أبي طالب، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إن قَرْيَةُ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فكنت حدثتهم: أنهم- إِنْ أَسْلَمُوا- أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وشدة وقحوط من الغيث. وإني أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينَهُمْ به؟ قال فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إليه، فقلت له يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تُبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا يَا يَهُودِيُّ، ولكن أُبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ، قال فقلت نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا. مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فأعطى الرجل،(المقدمة/33)
وقال: اعجل عليهم، وأغثهم بمال زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ. فَلَمَّا كَانَ قِبَلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بيومين أو ثلاثة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعثمان، في نفر في أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الجنازة ودنا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ إِلَيْهِ، أتيته فأخذت بجوامع قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بوجه غليظ، وقلت: ألا تقضيني يا محمد حقي. فو الله، ما علمتكم يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلا لمطلق، وقد كان لي بخالطتكم علم. قال فنظر إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعيناه تدوران في وجهه كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ. ثُمَّ رَمَانِي بطرفه وقال: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ؟ وتفعل به ما أرى؟ فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَوْلَا مَا أحاذر قوته، لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ. ثم قال: أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ الى غير هذا منك يا عمر» أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وتأمره بحسن التقاضي. اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فاقضه حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مَكَانَ مَا رُعْتَهُ.
قَالَ زَيْدٌ فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فقضاني حَقِّي، وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ مَا هَذِهِ الزيادة؟ فَقَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْ أُزِيدَكَ، مَكَانَ مَا رُعْتُكَ.
فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أنت؟ فقلت: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ.
قَالَ: الْحَبْرُ. قُلْتُ: الْحَبْرُ. قال فما دعاك أن تقول لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتِ، وتفعل به ما فعلت؟ قلت يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفت فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إلا حلما. فقد أخبرتهما. فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وبمحمد نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مالي- فإني أكثرها مَالًا- صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم. قال: فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، فآمن بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، مشاهد كثيرة. ثم قتل في غزاة(المقدمة/34)
تبوك: شهيدا مقبلا غير مدبر رحمه الله.
دلائل النبوة في إسلام الطبيب ضماد:
أتى صماد بن ثعلبة مكة معتمرا، فسمع كفار قريش، يقولون.
محمد مجنون. فقال: لو أتيت هذا الرجل فداويته، فجاءه فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أداوي من الريح فإن شئت داويتك لعلّ الله ينفعك، فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وحمد الله وتكلّم بكلمات فأعجب ذلك ضمادا فقال: أعدها عليّ فأعادها عليه فقال: لم أسمع مثل هذا الكلام قط، لقد سمعت كلام الكهنة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل هذا قط، لقد بلغ قاموس البحر، فأسلّم وبايع على نفسه وعلى قومه.
دلائل النبوة في إسلام الحبر: عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ:
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، وَعَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَهَيْئَتَهُ، والذي كنا نتوقف لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعْمَلُ فِيهَا، وَعَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةً. فَلَمَّا سَمِعَتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِيَ: لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا زاد؟ قَالَ قُلْتُ: لَهَا أَيْ عَمَّةُ، هُوَ وَاللهِ أَخُو موسى ابن عِمْرَانَ وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ، قَالَ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ بِهِ. أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ بَعْثِ السَّاعَةِ قَالَ: قُلْتُ لَهَا نَعَمْ. قَالَتْ فَذَاكَ إِذًا ... قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِي فَأَمَرْتُهُمْ، فَأَسْلَمُوا، وَكَتَمْتُ إِسْلَامِي مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقُلْتُ:(المقدمة/35)
إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمُ بُهْتٍ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ: تُغَيِّبُنِي عنهم، ثم تسألهم عنّي، فيخبرونك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ، بَهَتُونِي وَعَابُونِي،
قَالَ: فَأَدْخَلَنِي بَعْضَ بُيُوتِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ، وسألوه، قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا:
سَيِّدُنَا، وَابْنُ سيدنا، وحبرنا وَعَالِمُنَا.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ، خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللهَ وَاقْبَلُوا ما جاءكم به، فو الله إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ في التوراة، اسمه وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رسول الله، وأؤمن بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِفُهُ، قَالُوا: كَذَبْتَ.. ثُمَّ وَقَعُوا فِيَّ.
قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ؟ أَهْلُ غَدْرٍ، وَكَذِبٍ، وَفُجُورٍ؟ قَالَ: فَأَظْهَرْتُ إِسْلَامِي وَإِسْلَامَ أَهْلَ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي ابْنَةُ الْحَارِثِ فحسن إسلامها» .
وهذه رواية أخرى عن إسلام عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ لا تناقض الأولى وإنما تؤيدها وتفسرها.
سمع به (بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَبْدَ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ مِنْهُ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ التي يحترف فِيهَا، فَجَاءَ، وَهِيَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ،
فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ قَالَ:
فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي. فَقَالَ: اذهب فهيء لَنَا مَقِيلًا. فَذَهَبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ فَقِيلَا.
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ:(المقدمة/36)
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ، وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ، فَأَرْسَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَيْلَكُمُ اتقوا الله، فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، أَسْلِمُوا!!! قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ. فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا، وَابْنُ أَعْلَمِنَا.
قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قالوا: حاش الله، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ.
قَالَ: يَا ابْنَ سَلَامٍ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ! فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَيْلَكُمُ، اتقوا الله، فو اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ. فَقَالُوا: «كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» .
وعن الترمذي وابن نافع وغيرهما بأسانيدهم: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سلام قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم المدينة، جئته لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وَجْهُهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.
سلمان الفارسي يبحث عن الحقيقة:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ ابن لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قال:
كنت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: «جَيُّ» وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ. وَكَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا شَدِيدًا، لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَا وَلَدِهِ. فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حبسني في بيت كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قاطن النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو(المقدمة/37)
سَاعَةً. فَكُنْتُ كَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ. حَتَّى بَنَى أَبِي بُنْيَانًا لَهُ، وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ مِنِ اطِّلَاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا، فمرهم بكذا وكذا، ولا تحتبس عَنِّي، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي، شَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا هَؤُلَاءِ النَّصَارَى يُصَلُّونَ. فَدَخَلْتُ أَنْظُرُ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِمْ، فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كل وجه حَتَّى جِئْتُهُ حِينَ أَمْسَيْتُ، وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى ضَيْعَتِهِ، فَقَالَ أَبِي: أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ لا تحتبس عني، فَقُلْتُ:
يَا أَبَتَاهُ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُقَالُ لَهُمُ: النَّصَارَى، فأعجبني صلاتهم وَدُعَاؤُهُمْ فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ؟
فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ.
فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللهَ، وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا، وَحَبَسَنِي فِي بَيْتٍ عِنْدَهُ، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ:
أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: بِالشَّامِ. فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فأذنوني. فقالوا: نَفْعَلُ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ من تجارهم، فَبَعَثُوا إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا تُجَّارٌ مِنْ تُجَّارِنَا فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وأرادوا فأذنوني الخروج فَقَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَوْا حَوَائِجَهَمْ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ، بَعَثُوا إِلَيَّ بِذَلِكَ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ الَّذِي فِي رِجْلَيَّ، وَلَحِقْتُ بِهِمْ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا سألت: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا(المقدمة/38)
الدِّينِ؟ فَقَالُوا: الْأَسْقُفُّ صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ، فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدُ الله فيها مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ الْخَيْرَ. قَالَ: فَكُنْ مَعِي. قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، ويرغبهم فيها، فإذا جمعها إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ، وكان يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، حَتَّى إِذَا جَمَعْتُمُوهَا إِلَيْهِ، اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ، فَقَالُوا:
وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ لَكُمْ كنزها، فَقَالُوا: فَهَاتِهِ، فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَالُوا: وَاللهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا..
فَصَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَرَمَوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ فَلَا وَاللهِ- يَا ابْنَ عَبَّاسٍ- مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لا يصلي الخمس. رأى أنه أفضل منه وأشد اجتهادا ولا زهادة فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبَ ليلا ونَهَارًا مِنْهُ، مَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ. فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ قَدْ حَضَرَكَ، مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ وَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ فقال لِي: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا بالموصل فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي، فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ، لَحِقْتُ بِالْمَوْصِلِ فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقُلْتُ لَهُ: إن فلانا أوصى بي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ وَأَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضر لك مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قال: وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَيْ بني، إلا رجلا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ، فَلَمَّا دَفَنَّاهُ لَحِقْتُ بِالْآخَرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فلان، إن فلانا أوصى بي إلى فلان وفلان أوصى بي إِلَيْكَ. قَالَ: فَأَقِمْ يَا بُنَيَّ؟.
فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ،(المقدمة/39)
إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، وقد كان فلان أوصى بي إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إليك، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إلا رجلا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا وَارَيْتُهُ خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى صَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي غُنَيْمَةٌ وَبَقَرَاتٌ. ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا (كان) أوصى بي إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَيْكَ، وقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ (تَعَالَى) فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ، آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهَ. وَلَكِنَّهُ قَدْ أظلك زمانه نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مهاجره بين حراثين إِلَى أَرْضٍ سَبِخَةٍ ذَاتِ نَخِيلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلَامَاتٍ لَا تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ.
فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ بي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ. فَقُلْتُ لَهُمْ تحملونني معكم إلى أَرْضَ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ غَنِيمَتِي هَذِهِ وَبَقَرَاتِي؟ قَالُوا نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى، ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ بِوَادِي القرى. فو الله، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ وَطَمِعْتُ أن يكون الْبَلَدُ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي. وَمَا حَقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قريظة من وَادِيَ الْقُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي الَّذِي كُنْتُ عِنْدَهُ، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمَ بِي الْمَدِينَةَ، فو الله، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رأيتها فعرفت نعتها، فأقمت في رقي مَعَ صَاحِبِي، وَبَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، لَا يَذْكُرُ لي شيء مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي في نخلة له، فو الله رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم فقر لهما، فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بين يدي، فَفَقَّرْتُهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي. يَقُولُ: حَفَرْتُ لَهَا حَيْثُ تُوضَعُ- حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ(المقدمة/40)
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا فَخَرَجَ مَعِي حَتَّى جَاءَهَا، وَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَيْهِ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهَا، فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فأديت النخل وَبَقِيَتْ عَلَيَّ الدَّرَاهِمُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْفَارِسِيُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَاتَبُ، فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: هَذِهِ يَا سَلْمَانُ، فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُؤَدِّي بها عنك، فو الذي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، لَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فأديتها إليهم، وَكَانَ الرِّقُّ قَدْ حَبَسَنِي، حَتَّى فَاتَنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم «بدر» و «أحد» ثُمَّ عُتِقْتُ فَشَهِدْتُ، الْخَنْدَقَ ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مشهد» .
وقال النضر بن الحرث لقريش: قد كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ به، قُلْتُمْ: سَاحِرٌ. لَا وَاللهِ ما هو بساحر.
أخرج الواحدي، عن مقاتل، قال:
كان الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يكذب النبي صلى الله عليه وسلّم في العلانية، فإذا خلا مع أهل بيته، قال: ما محمد صلى الله عليه وسلّم من أهل الكذب، ولا أحسبه إلا صادقا، فأنزل الله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال: «بينما نحن جلوس مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ.. فقال له الرجل: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم: قد أجبتك. فقال الرجل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: إني سائلك، فمشدد عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تجد علي في نفسك.(المقدمة/41)
فقال سل عَمَّا بَدَا لَكَ.. فَقَالَ: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ .. فَقَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ..
قَالَ: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ .. قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ .. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُمَّ نَعَمْ.
فقال الرجل: آمنت بما جئت به وأنا رسول، من ورائي قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة: أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر» .
من هذه المقتطفات التي توسعنا في نقلها عن إسلام بعض الصحابة الكبار، وكانت علامات الرسالة المحمدية الصادقة واضطلاع النبي صلى الله عليه وسلّم بأمانتها في أوانها، وقد تجمعت عندهم هذه العلامات، أضف إليها حياة محمد صلى الله عليه وسلّم وما بلغته من سمو وكمال، دفعت الصحابة الأوائل إلى الإسلام.. لقد كانت طوالع النبوة، وشواهد ظهور النبي- عليه السلام- مكتوبة قبل أوان ظهوره.
نقل الأستاذ عباس محمود العقاد ما كتبه المؤرخ الهندي «مولانا عبد الحق فديارتي» في كتابه «محمد في الأسفار الدينية العالمية» كما ينقل عن الجماعة الاحمدية الهندية، ثم عن كتاب «فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام لمؤلفيه الأستاذين: أحمد ترجمان ومحمد حبيب، فيقول في مطلع النور:
يقول الأستاذ عبد الحق ان اسم الرسول العربي «أحمد» مكتوب بلفظه العربي في السامافيدا SamaVida من كتب البراهمة، وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ونصها ان «أحمد» تلقى الشريعة من(المقدمة/42)
ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست منه النور كما يقبس من الشمس» .
ولا يخفى المؤرخ وجوه الاعتراض التي قد تأتي من جانب المفسرين البرهميين، بل ينقل عن أحدهم «سينا اشاريا» SynaAcharya أنه وقف عند كلمة «أحمد» فالتمس لها معنى هنديا وركب منها ثلاثة مقاطع وهي «أهم» و «آت» و «هي» ... وحاول أن يجعلها تفيد «انني وحدي تلقيت الحكمة من أبي» .. قال الأستاذ عبد الحق ما فحواه أن العبارة منسوبة الى البرهمي «فاتزا كانفا» Kanva من أسرة كانفا، ولا يصدق عليه القول بأنه هو وحده تلقى الحكمة من أبيه.
ويزيد الأستاذ عبد الحق على ذلك أن وصف الكعبة المعظمة ثابت في كتاب الأثارفا فيدا AtharvaVida حيث يسميها الكتاب بيت الملائكة ويذكر من أوصافه أنه ذو جوانب ثمانية وذو أبواب تسعة.
والمؤلف يفسر الأبواب التسعة بالأبواب المؤدية إلى الكعبة وهي باب ابراهيم وباب الوداع وباب الصفا وباب علي وباب عباس وباب النبي وباب السلام وباب الزيارة وباب حرم، ويسرد أسماء الجوانب الثمانية حيث ملتقى الجبال، وهي في قوله: جبل خليج وجبل قعيقعان وجبل هندي وجبل لعلع وجبل كدا، وجبل أبي حديد وجبل أبي قبيس وجبل عمر.
ويضرب المؤلف صفحا عن تفسير البرهميين لمعنى البيت هنا بأنه جسم الإنسان ومنافذه، ولا يذكره لأنه- على ما يظهر- يخالف وصف القداسة الروحية في البرهمية، ولا يأتي بتفسير الجوانب الثمانية عند تفسيره للأبواب بذلك المعنى.
وفي مواضع كثيرة من الكتب البرهمية يرى المؤلف ان النبي محمدا مذكور بوصفه الذي يعني الحمد الكثير والسمعة البعيدة، ومن أسمائه الوصفية اسم سشرافا Sushrava الذي ورد في كتاب الأثارفا فيدا AtharvaVida حيث يشار(المقدمة/43)
الى حرب أهل مكة وهزيمة «العشرين والستين ألفا مع تسعة وتسعين» وهم على تقدير المؤلف عدة أهل مكة وزعماء القبائل الكبار ووكلائهم الصغار كما كانوا يوم قاتلوا النبي صلوات الله عليه.
وللمؤلف صبر طويل على توفيق هذه العلامات وأشباهها يستخرج منها الطالع بعد الطالع والنبوءة الى جانب النبوءة مما يغنى المثل عليه عن استقصاء جميع موافقاته وعلاماته.
وكذلك صنع بكتب زرادشت التي اشتهرت باسم الكتب المجوسية فاستخرج من كتاب زندافستا ZendAvesta نبوءة عن رسول يوصف بأنه رحمة للعالمين «سوشيانت» Soeshyant ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة أبا لهب AngraMainyu، ويدعو الى اله واحد لم يكن له كفؤا أحد (هيچ چيز باونمار) وليس لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ ولا ضريع ولا قريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا صاحبة ولا ولد ولا ابن ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة.
«جز آخاز وانجاز وانباز ودشمن ومانند ويار وبدر ومادر وزن وفرزند وحاي سوي وتن آسا وتناني ورنگ وبوي است» .
وهذه هي جملة الصفات التي يوصف بها الله سبحانه في الإسلام: أحد صمد، ليس كمثله شيء، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، ولم يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا.
ويشفع ذلك بمقتبسات كثيرة من كتب الزردشتية، تنبئ عن دعوة الحي التي يجيء بها النبي الموعود وفيها اشارة الى البادية العربية، ومترجم نبذة منها الى اللغة الانجليزية معناها بغير تصرف «أن أمة زردشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة ابراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين وسادة(المقدمة/44)
لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزردشتيين ومن جاورهم وان نبيهم ليكونن فصيحا يتحدث بالمعجزات» .
وقد أشار المؤلف بعد الديانات الآسيوية الكبرى الى فقرات من كتب العهد القديم والعهد الجديد فقال: ان النبي عليه السلام هو المقصود بما جاء في الاصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: «جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس ومن يمينه نار شريعة لهم» .
وجاء بالنص العبري كما يلي:
«ويومر يهووه مسينائي به وزارع مسعير لامو هو فيع مهر باران واتا مر ببوث قودش ميميفوايش داث لامو» .
فترجمه هكذا: «وقال ان الرب جاء من سيناء ونهض من سعير لهم وسطع من جبل فاران وجاء مع عشرة آلاف قديس، وخرج من يمينه نار شريعة لهم» .
وقال ان الشواهد القديمة جميعا تنبئ عن وجود فاران في مكة، وقد قال المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس Eusebius «ان فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام الى الشرق من ايلة» .
ونقل عن ترجمة التوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851، ان إسماعيل «سكن برية فاران بالحجاز، وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر» ، ثم قال ان سفر العدد من العهد القديم يفرق بين سيناء وفاران إذ جاء فيه ان بني إسرائيل ارتحلوا «من برية سيناء، فحلت السحابة في برية فاران» ... ولم يسكن أبناء إسماعيل قط في غرب سيناء فيقال ان جبل فاران واقع الى غربها.
وفي الاصحاح الثالث من كتاب حبقوق ان «الله جاء من تيمان والقدوس من(المقدمة/45)
جبل فاران» فهو اذن الى الجنوب حيث تقع تيمان بموضعها الذي تقع فيه اليمن مرادفتها بالعربية. ولم يحدث قط أن نبيا سار بقيادته عشرة آلاف قديس غير النبي محمد عليه السلام، وقوديش تترجم بقديس في رأي المؤلف الذي يناقش ترجمتها بالملائكة في الترجمات الأخيرة. كذلك لم يحدث قط أن نبيا غيره جاء بشريعة بعد موسى الكليم، فقول موسى الكليم «ان نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم أبناء إبراهيم» يصدق على النبي العربي صاحب الشريعة ولا يصدق على نبي من أبناء إبراهيم تقدمه في الزمن، ويرجح المؤلف أن المدينة التي تعلم فيها موسى عليه السلام في صحبة يثرون- أي شعيب- لم تكن هي مديان الأولى التي تخربت بالزلزال كما جاء في القرآن الكريم، ولكنها كانت «مدينة» الحجاز التي سميت يثرب على اسم يثرون، ومما يعزز ذلك ان بطليموس الجغرافي يقول بوجود موضعين باسم مديان وان كان قد أخطأ على رأي المؤلف في تعيين الموضعين. وقد جاء في سفر التكوين ان مديان بن إبراهيم الذي سميت مديان الأولى باسمه كان له أخ اسمه عفار، وهو الذي يقول نوبل Knoble شارح التوراة ان ذريته كانت تنزل في عهد البعثة الاسلامية الى جوار يثرب، ولعل موسى تلقى اسمه في ذلك الجوار. إذ كانت تسميته العربية أرجح من تسميته المصرية او العبرية، فإن ابنة فرعون لا تسميه بالعبرية ولا يسميه بها من يريد خلاصه من مصير المولودين العبريين، وصحيح ان كلمة ميسو Messu بالمصرية معناها الطفل كما يقول بعض الشراح المحدثين، ولكن اليهود لا يرتضون لنبيهم ومخرجهم من أرض مصر اسما مستعارا من المصريين.
ومن الجماعات التي عنيت عناية خاصة بهذه النبوءات جماعة الاحمدية الهندية التي ترجمت القرآن الكريم الى اللغة الانجليزية فإنها أفردت للنبوءات والطوالع عن ظهور محمد عليه السلام بحثا مسهبا في مقدمة الترجمة، شرحت فيه بعض ما تقدم شرحا مستفيضا، وزادت عليه ان نبوءة موسى الكليم تشتمل(المقدمة/46)
على ثلاثة أجزاء: وهي التجلي من سيناء وقد حصل في زمانه والتجلي من سعير أو جبل أشعر وقد تجلى في زمن السيد المسيح، لأن هذا الجبل- على قول الجماعة الاحمدية- واقع حيث يقيم أبناء يعقوب الذين اشتهروا بعد ذلك بأبناء أشعر، واما التجلي الثالث فمن أرض فاران وهي أرض التلال التي بين المدينة ومكة، وقد جاء في كتاب فصل الخطاب ان الأطفال يحيون الحجاج في تلك الأرض بالرياحين من «برية فاران» .. وقد أصبح أبناء إسماعيل أمة كبيرة كما جاء في وعد إبراهيم فلا يسعهم شريط من الأرض على تخوم كنعان، ولا وجه لانكار مقامهم حيث أقام العرب المنتسبون الى إسماعيل ولا باعث لهم على انتحال هذا النسب والرجوع به الى جارية مطروة من بيت سيدها. وقد جاء في التوراة اسماء ذرية إسماعيل الذين عاشوا في بلاد العرب، وأولهم نبايوت أو نبات أبو قبائل قريش، الذي يقرر الشارح كاتربكاري Katripikari أنه أقام بذريته بين فلسطين وينبع ميناء يثرب، ويقرر بطليموس وبليني ان أبناء قدور- وهو قيدار الابن الثاني لإسماعيل- قد سكنوا الحجاز، ويضيف المؤرخ اليهودي يوسفيوس إليهم أبناء ادبيل الابن الثالث في ترتيب العهد القديم، ولا حاجة الى البحث الطويل عن مقام أبناء دومة وتيماء وقدامة وأكثر إخوتهم الباقين فإن الأماكن التي تنسب إليهم لا تزال معروفة بأسمائها الى الآن، ومن نبوءة اشعيا التي سبقت مولد السيد المسيح بسبعمائة سنة يظهر جليا أن أبناء إسماعيل كانوا يقيمون بالحجاز، ففي هذه النبوءة يقول النبي اشعيا من الاصحاح الحادي والعشرين: «وحي من جهة بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين. هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء.. وافوا الهارب بخبزه فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب. فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار» .
ويعود المترجمون من الجماعة الأحمدية فيفسرون هزيمة قيدار بهزيمة(المقدمة/47)
المكيين في وقعة بدر، وهي الهزيمة التي حلت بهم بعد هجرة النبي الى المدينة بنحو سنة كسنة الأجير.
ويقرنون هذه النبوءة بنبوءة أخرى من الاصحاح الخامس في سفر اشعيا يقول فيها: «ويرفع راية الأمم من بعيد ويصفر لهم من أقصى الأرض فإذا هم بالعجلة يأتون.. ليس فيهم رازح ولا عاثر، لا ينعسون ولا ينامون ولا تنحل حزم احقائهم ولا تنقطع سيور أحذيتهم، سهامهم مسنونة وجميع قسيهم ممدودة. حوافر خيلهم كأنها الصوان وبكراتهم كالزوبعة..» .
وهذه نبوءة عن رسول يأتي من غير أرض فلسطين لم تصدق على احد غير رسول الإسلام.
وتلحق بهذه النبوءة نبوءة أخرى من الاصحاح الثامن في سفر اشعيا جاء فيها ان الرب أنذره أن لا يسلك في طريق هذا الشعب قائلا: «لا تقولوا فتنة لكل ما يقول له هذا الشعب فتنة ولا تخافوا خوفه ولا ترهبوا. قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم، ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبيتي إسرائيل وفخا وشركا لسكان أورشليم فيعثر بها كثيرون ويسقطون فينكسرون ويعلقون فيلقطون.. صرّ الشهادة. اختم الشريعة بتلاميذي. فاصطبر للرب الساتر وجهه عن بيت يعقوب وانتظره» .
فهذه النبوءة عن الرسول الذي يختم الشريعة تصدق على نبي الإسلام ولا تصدق على رسول جاء قبله ولا بعده.
وتلحق بهذه النبوءة أيضا نبوءة من الاصحاح التاسع عشر في سفر اشعيا يذكر فيها ايمان مصر بالرسول المنتظر «وفي ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر وعمود للرب عند تخمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود(المقدمة/48)
في أرض مصر لأنهم يصرخون الى الرب بسبب المضايقين، فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم فيعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرا ويوفون به، ويضرب الرب مصر ضاربا فشافيا، فيرجعون الى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم. وفي ذلك اليوم تكون سكة من مصر الى اشور فيجيء الاشوريون الى مصر والمصريون الى اشور ويعبد المصريون مع الأشوريين. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولأشور بركة في الأرض. بها يبارك رب الجنود قائلا: مبارك شعبي مصر وعمل يدي اشور وميراثي إسرائيل» .
فالذي حدث من قدوم أهل العراق الى مصر وذهاب أهل مصر الى العراق انما حدث في ظل الدعوة الاسلامية، ولم تتوحد العبادة بينهم قبل تلك الدعوة، وإن النبوءة ستتم غدا على غير ما يهواه بنو إسرائيل، إذ تكون البركة لمصر واشور ولا تكون إسرائيل الا لاحقة بكلتا الأمتين.
ثم ينتقلون بالنبوءات الى سفر دانيال حيث جاء في الاصحاح الثاني «أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم. هذا التمثال العظيم البهي جدا وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه من حديد، وقدماه بعضها من حديد والبعض من خزف، كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح، فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا، وملأ الأرض كلها» ..(المقدمة/49)
ويلي ذلك تفسير النبي دانيال لهذا الحلم إذ يقول: «أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها، فأنت هذا الرأس من ذهب، وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة وتكون فيها قوة كالحديد ومن حيث انك رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين وأصابع القدمين بعضها من حديد وبعضها من خزف فبعض المملكة يكون قويا والبعض قصما، وبما رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف، وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت الى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب ... الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين» .
وتعود الجماعة الأحمدية الى التاريخ لتستمد منه التعليق على تعبير النبي دانيال لتلك الرؤيا، فن كلام النبي دانيال يفهم أن الرأس الذهبي هو ملك بابل، وان الصدر والذراعين من الفضة تعبر عن مملكة فارس وميدية التي ارتفعت بعد دولة بابل، وان الرجلين من النحاس تعبران عن الدولة الاغريقية في ظل الإسكندر، لقيامها بعد زوال حكم الفارسيين والميديين، وان القدمين من الحديد تعبران عن الدولة الرومانية التي ارتفعت بعد ذهاب ملك الإسكندر، وتقول الرؤيا عن هذه الدولة الاخيرة ان قدما من قدميها خزف والأخرى حديد، وهو وصف يشير الى جزء من الدولة في القارة الأوروبية وجزء منها في القارة(المقدمة/50)
الاسيوية، فالقدم الحديد هي سيطرة الأمة الواحدة والعقيدة الواحدة وهذه السيطرة تستولي على أقطار شاسعة وموارد غزيرة ولكنها تنطوي على الضعف الكامن من جراء التفكك بين أوصال الشعوب، والرؤيا صريحة في وشك انحلال الدولة الرومانية في السنوات الأخيرة لهذا السبب، وتستطرد من ثم إلى أمور أهم وأخطر إذ تقول: «انك كنت تنظر الى ان قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فالمسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا وملأ الأرض كلها..» .
تقول الجماعة: «فهذه نبوءة بظهور الإسلام. فقد اصطدم الإسلام في صدر الدعوة بدولة الرومان ثم بدولة فارس، وكانت دولة الرومان يومئذ قد بسطت سلطانها على ملك الاغريق الاسكندري فبلغت من المنعة غايتها، وكانت دولة فارس قد بسطت سلطانها على بابل، ثم ضربتهما قوة الإسلام فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف، وهكذا ينبئ ترتيب الحوادث وتعبيرها في رؤيا دانيال أنباء لا ريب في معناه.. إذ كنا نعلم أن بابل خلفتها فارس وميدية وان سطوة فارس وميدية كسرتها سطوة الإسكندر، وان ملك الإسكندر خلفته الدولة الرومانية التي أقامت من عاصمتها القسطنطينية أركان مملكة أوروبية أسيوية، ثم انهزمت هذه المملكة وأدال منها الفتح الاسلامي وغزوات النبي والصحابة» .
وهذا الحجر الذي جاء في رؤيا دانيال يذكره اشعيا والحواري متى، ففي الاصحاح الثامن من سفر اشعيا انه «يكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لكل من بيتي إسرائيل، وفخا وشركا لسكان أورشليم، ويعثر بهما كثيرون(المقدمة/51)
ويسقطون ويعلقون فيلقطون» .
وفي الاصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى يقول: «لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه» .
كذلك يذكره المزمور الثامن عشر بعد المائة إذ يقول: «ان الحجر الذي رفضه البناءون قد أصبح عقد البناء وركن الزاوية» .
ويتبين من كلام السيد المسيح في الاصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى المتقدم ذكره ان هذه النبوءة تنبئ عن زمن غير زمن السيد المسيح، إذ يقول عليه السلام: «أما قرأتم قط في الكتب ان الحجر الذي يرفضه البناءون قد صار رأس الزاوية. فمن قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا» .
ثم تفضي النبوءة- نبوءة النبي دانيال- الى عقباها، فيصبح الحجر جبلا عظيما ويملأ الأرض كلها. فإن هذا هو الذي حدث بعد انتشار الدعوة المحمدية. فإن الرسول الكريم وصحابته هزموا قيصر وكسرى وأصبح المسلمون سادة للعالم المعمور كله في ذلك العصر، وصار الحجر جبلا عظيما فظل زمام العالم في أيدي اتباع محمد ألف سنة.
ثم تتم نبوءات العهد القديم بنبوءات العهد الجديد، ويستشهد جماعة الأحمدية بالاصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى حيث يقول السيد المسيح: «اسمعوا مثلا آخر. كان انسان رب بيت غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلمه إلى كرامين وسافر ولما قرب وقت الاثمار أرسل عبيده الى الكرامين ليأخذ أثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا، ثم أرسل إليهم ابنه أخيرا قائلا انهم يهابون ابني.(المقدمة/52)
فأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه، فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه، فمتى جاء صاحب الكرم فماذا يفعل بأولئك الكرامين؟ .. قالوا له انه يهلك أولئك الأردياء هلاكا رديئا ويسلم الكرم الى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها.. قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب ان الحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأس الزاوية؟ .. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا.. لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه. ولما سمع الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم، وإذ كانوا يريدون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي» .
هذا المثل يبحثه كتاب المقدمة لترجمة القرآن فيقولون ان السيد المسيح قد لخص به تاريخ الأنبياء والرسل أجمعين. فالكرم هو الدنيا والكرامون العاملون فيه هم الجنس البشري الكادح في دنياه، والثمرات التي يريد صاحب الكرم أن يحصلها هي ثمرات الفضيلة والخير والتقوى، والخدم الموفدون من صاحب الكرم الى الكرامين هم الرسل والأنبياء، ولما جاءهم السيد المسيح بعد اعراضهم عن الرسل والأنبياء فغدروا به وأنكروه عوقبوا بتسليم الكرم الى كرامين آخرين ونزع ملكوت الله منهم لتعطاه الأمة الأخرى الموعودة بالبركة مع أمة إسحاق، وهي أمة إسماعيل ونبيها العظيم محمد عليه السلام، وهو الذي يصدق عليه وعلى قومه أنهم كانوا الحجر المرفوض فأصبح هذا الحجر زاوية البناء من سقط عليه رضه ومن أصيب به فهو كذلك مرضوض.
وتتلو هذه النبوءة في إنجيل متى نبوءة متممة من الإنجيل نفسه حيث جاء في الاصحاح الثالث والعشرين منه خطابا لبني إسرائيل «هو ذا بيتكم يترك لكم(المقدمة/53)
خرابا، لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب» .
وفي الاصحاح الأول من إنجيل يوحنا نبأ يحيى المغتسل أو يوحنا المعمدان مع الكهنة واللاويين «إذ سألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر. وقال اني لست أنا المسيح. فسألوه: اذن ماذا؟ .. أأنت إيليا؟ .. فقال لا..
قالوا: أأنت النبي؟ .. فأجاب: لا.. فقالوا له: من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا؟ ..ماذا تقول عن نفسك؟ .. قال: أنا صوت صارخ في البرية، قوّموا طريق الرب كما قال أشعيا النبي» .
ويعقب أصحاب المقدمة للترجمة القرآنية على هذه النبوءات فيقولون انها كانت ثلاثا في عصر الميلاد المسيحي كما هو واضح من الاسئلة والأجوبة:
نبوءة عن عودة إيليا، ونبوءة عن مولد السيد المسيح، ونبوءة عن نبي موعود غير إيليا والسيد المسيح.
ولقد أعلن السيد المسيح كما جاء في الاصحاح الحادي عشر من إنجيل متى: «ان جميع الأنبياء والناموس الى يوحنا تنبئوا، وان أردتم أن تقبلوا فهذا- أي يحيى المغتسل- هو إيليا المزمع أن يأتي» .
وواضح من الاصحاح الأول من إنجيل لوقا ان الملك بشر زكريا بأن امرأته ستلد له ولدا وتسميه يوحنا.. «وانه يكون عظيما أمام الرب لا يشرب خمرا ولا مسكرا، ويمتلئ من بطن أمه بالروح القدس، ويرد كثيرين من بني إسرائيل الى الرب إلههم، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء الى الأبناء» .
وفي الاصحاح التاسع من إنجيل مرقس يقول السيد المسيح: «ان إيليا أيضا قد أتى وعملوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنه» .(المقدمة/54)
ويتكرر ذلك في إنجيل متى إذ يقول: «ان إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا» .
فالنبي إيليا قد تقدم اذن في عصر الميلاد، وقد جاء فيه المسيح أيضا ثم بقي ذلك النبي الموعود. ولم يظهر بعد السيد المسيح نبي صدقت عليه الصفات الموعودة غير محمد عليه السلام، وكلام السيد المسيح في الاصحاح السادس عشر من إنجيل يوحنا يبين للتلاميذ «انه خير لكم أن أنطلق لأنه ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن ان ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطيئة وعلى بر وعلى دينونة. فأما على خطيئة فلأنهم لا يؤمنون بي، واما على بر فلأني ذاهب الى أبي ولا ترونني أيضا، واما على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين، وان لدي أمورا كثيرة أقولها لكم ولكن لا تستطيعون ان تحتملوها الآن، واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى الحق جميعه، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية، وذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم، وكل ما للأب فهو لي. لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم وبعد قليل لا تبصرونني..» .
وقد جاء نبي الإسلام ممجدا للسيد المسيح يسميه روح الله ويجدد رسالته لأنها رسالة الله.
وبعد تأويلات شتى من قبيل ما تقدم تختتم الجماعة الأحمدية بحثها بالاشارة إلى ما جاء في الاصحاح الثالث من أعمال الرسل الذي ينبئ عن تتابع النبوءات من صمويل الى السيد المسيح بظهور نبي كموسى الكليم صاحب شريعة يحقق الوعد لأبناء إبراهيم ويبارك جميع قبائل الأرض، ويكون هذا النبي من اخوة بني إسرائيل لا منهم. فهو من ذرية إسماعيل لا من ذرية إسحاق.
ان أبناء الهند وأبناء فارس- كما قدمنا- قد توفروا على هذا الدأب في(المقدمة/55)
استخراج خفايا الكلمات والحروف والمقابلة بين المضامين والتأويلات وإتمام أجزاء منها بأجزاء متفرقة في شتى المصادر والروايات، ولكنهم لم ينفردوا بالبحث في هذه النبوءات وهذه الطوالع خاصة وجاراهم فيها الباحثون من سائر الأمم واجتمعت في كتاب «فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام» متفرقات لم ترد فيما أسلفناه من البحوث الهندية، أو وردت عن منهج غير منهجها، نلخص بعضه فيما يلي ولا مستقصيه لأنه يقع في أكثر من مائتين وستين صفحة.
يعتمد المؤلفان على الاصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين إذ جاء فيه ان أبناء إسماعيل سكنوا «من حويلة الى شور التي أمام مصر حينما تجيء نحو أشور» فهم اذن سكان الحجاز لأن الحجاز هو الأرض التي بين شور وحويلة إذ كانت حويلة في اليمن كما جاء في الاصحاح العاشر «ان يقطان ولد الموداد، وشالف، وحضرموت، ويارح، وهدورام، وأوزال، ودقلة، وعوبال، وابيمايل، وشبا، واوفير، وحويلة، ويوباب- جميع هؤلاء بنو يقطان» سكان الأرض اليمانية.
ويعتمدان كذلك على وعد إبراهيم الخليل في سفر التكوين «لأنه بإسحاق يدعى لك نسل وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك» .. وانما شرط الوعد لأبناء إسحاق باتباع وصايا الرب وأن لا يعبدوا إلها غيره وإلا فهم يبدون سريعا عن الأرض الجيدة كما جاء في الاصحاح الحادي عشر من سفر التثنية. وقد عبد القوم أربابا غير الله واتخذوا الأصنام والأوثان كما جاء في مواضع كثيرة من كتب العهد القديم.
ومما اعتمد عليه المؤلفان رؤيا النبي دانيال ...
وفي الاصحاح التاسع منها يقول: «سبعون أسبوعا مقضية على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى(المقدمة/56)
بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها الى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة، والى النهاية حرب وخراب.. وعلى جناح الأرجاس» .
وهذه الخاتمة هي التي تتم كما جاء في سفر اشعيا «على يد شعب بعيد من أقصى الأرض» أو كما جاء في سفر التثنية «ان الرب يجلب أمة من بعيد من أقصى الأرض ... ثم يردهم الى مصر في سفن» .
وقد تم ذلك حين استدعى الرومان حاكم بريطانيا الكبرى ومعه جيش نكل باليهود وحمل طائفة منهم اسرى إلى مصر وطائفة إلى روما من طريق البحر سنة 132. فلم تنته حرب الرومان سنة 70 ميلادية بل جاءت بعدها تلك الحرب التالية مصدقة لنبوءة الدمار على يد القادم من بعيد ونبوءة النقل على السفن الى الديار المصرية وما وراءها.
يقول المؤلفان، ويعتمدان في ذلك على اجماع الشراح، ان اليوم من أسابيع دانيال سنة، واننا إذا أضفنا أربعمائة وتسعين سنة الى 132 فتلك سنة 622 التي هاجر فيها النبي عليه السلام الى مدينة يثرب، وبعد أربع عشرة سنة دخل جيش الإسلام القدس الشريف وبنى المسجد الأقصى في مكان الهيكل، وكان الفرس قد ملكوا فلسطين أربع عشرة سنة أباحوا فيها لليهود اقامة شعائرهم ثم عاد الرومان وتلاهم المسلمون.. فكانت السنون التي مضت بعد الهجرة النبوية مقابلة لتلك السنين التي ارتفع فيها الحجز عن اليهود، على عهد الدولة الفارسية [1] ..
__________
[ (1) ] مطلع النور أو طوالع البعثة المحمدية. دار الهلال (12- 26) .(المقدمة/57)
هذه العلامات إنما هي نماذج لأضعاف أضعافها، وتتعاضد دلائل النبوة الأخرى التي قامت عليها الدعوة المحمدية ومن أهم هذه الدلائل: معجزة القرآن.
لقد كان أهل مكة يطلبون إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم أن يجري ربه على يديه المعجزات إذا أرادهم ان يصدقوه، ولم يرد في القرآن الكريم ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف عصورهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم إلا القرآن الكريم، هذا مع انه ذكر المعجزات التي جرت بإذن الله على أيدي من سبق محمدا من الرسل.
القرآن الكريم هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلّم الدائمة إلى يوم الدين وأهم دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم.
وقد فرض القرآن الكريم اعجازه على كل من سمعه على تفاوت مراتبهم في البلاغة، وقد تحير المشركون في وصفه وحرصوا على أن يصدوا العرب عن سماعه، عن يقين بأنه ما من عربي يخطئه ان يميز بين هذا القرآن، وقول البشر.
وقد أعجز الخلق في أسلوبه ونظمه، وفي علومه وحكمه، وفي تأثير هدايته وفي كشفه الحجب عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وفي كل باب من هذه الأبواب للاعجاز فصول، وفي كل فصل منها فروع ترجع الى أصول، وقد تحدى العرب بإعجازه، ونقل العرب هذا التحدي الى كل الأمم فظهر عجزها.
وقد نقل بعض أهل التصانيف عن بعض الموصوفين بالبلاغة في القول أنهم تصدوا لمعارضة القرآن في بلاغته، ومحاكاته في فصاحته دون هدايته، ولكنهم على ضعف رواية الناقلين عنهم لم يأتوا بشيء تقرّ به، أعين الملاحدة والزنادقة فيحفظوه عنهم، ويحتجوا به لإلحادهم وزندقتهم.(المقدمة/58)
ويظل اعجاز القرآن مطروحا ما دامت السموات والأرض تتعاقبه الأجيال كلما تقدمت العلوم فكشفت عن أسرار الله الكونية، وكلما حسب جيل أنه بلغ منه الغاية، امتدّ القرآن عاليا سامقا.
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [1] .
ولو أن أمّة غير مسلمة آمنت اليوم بهذا الدين ولم تحتج الى التصديق بمعجزة غير القرآن لتؤمن لما طعن ذلك في إيمانها، ولا نقص في إسلامها، وقد حمل القرآن كثيرا من المهتدين إلى أن يهتدوا، قديما في بدء الدعوة، وحديثا في العصر الذي نعيش فيه على اختلاف مشاربهم، وتباين تخصصاتهم، فقد استطاعوا أن ينهلوا من فيضه، ويقبسوا من نوره، ويرى كل واحد منهم به سرا من أسراره.
يقول ابن خلدون في علامات الأنبياء:
ومن علاماتهم أيضا، وقوع الخوارق لهم، شاهدة بصدقهم. وهي أفعال يعجز البشر عن مثلها، فسميت بذلك معجزة، وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم.
وإذا تقرر ذلك، فاعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها، وأوضحها دلالة:
القرآن الكريم، المنزل على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم فإن الخوارق- في الغالب- تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي، ويأتي بالمعجزة شاهدة مصدقة.
والقرآن هو بنفسه الوحي المدعي، وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر الى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه.
__________
[ (1) ] راجع اعجاز القرآن للرافعي، والاعجاز البياني في القرآن للدكتورة عائشة عبد الرحمن.(المقدمة/59)
وهذا معنى
قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
يشير إلى ان المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوة الدلالة، وهو كونها نفس الوحي، كان التصديق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق المؤمن، وهو التابع والأمة..
ويقول صاحب الشفاء:
وعن أبي هريرة، عَنْهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ من الأنبياء إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الذي أوتيت وحيا أوحى اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القيامة» .
معنى هذا عند المحققين: بقاء معجزته ما بقيت الدنيا، وسائر معجزات الأنبياء ذهبت للحين، ولم يشاهدها إلا الحاضر لها. ومعجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن إلى يوم القيامة..
وفي هذا المقام يمكن ان أوجز أوجه اعجاز القرآن الكثيرة فيما يلي:
1- ما يشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في الإيجاز والاطالة، فتارة يأتي بالقصة باللفظ الطويل، ثم يعيدها باللفظ الوجيز، فلا يخلّ بمقصود الأولى.
2- مقارنته لأساليب الكلام، وأوزان الأشعار، وبهذين المعنيين تحدثت العرب، فعجزوا وتحيروا، وأقروا بفضله.
3- ما تضمنه من أخبار الأمم السالفة، وسير الأنبياء التي عرفها أهل الكتاب مع كون الآتي بها أميا لا يكتب ولا يقرأ، ولا علم بمجالسة الأحبار والكهان.
4- إخباره عن الغيوب المستقبلة الدالة على صدقه قطعا، والكوائن في مستقبل(المقدمة/60)
الزمان نحو قوله سبحانه:
الم* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ.
وقوله سبحانه وتعالى:
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، ثم قوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً.
وقوله:
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وغلبوا.
وقوله:
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ودخلوا.
5- أنه محفوظ من الاختلاف والتناقض.
«ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا» .. وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
قال ابن عقيل: حفظ جميعه. وآياته وسوره التي لا يدخل عليها تبديل، من حيث عجز الخلائق عن مثلها، فكان القرآن حافظ نفسه من حيث عجز الخلائق عن مثله ...
قال أبو الوفا علي بن عقيل:
«إذا أردت أن تعلم أن القرآن ليس مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وإنما هو ملتقى اليه، فانظر إلى كلامه كيف هو إلى القرآن، وتلمّح ما بين الكلامين والأسلوبين، ومعلوم ان كلام الإنسان يتشابه، وما لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم كلمة تشاكل نمط القرآن..
قال ابن عقيل: ومن إعجاز القرآن، أنه لا يمكن لأحد أن يستخرج منه آية قد أخذ معناها من كلام قد سبق، فإنه ما زال الناس يكشف بعضهم عن بعض، فيقال: «المتنبي أخذ من البحتري» ..(المقدمة/61)
ويقول صاحب الوفا، عن إعجاز القرآن:
وقد استخرجت معنيين عجيبين:
أحدهما: أن معجزات الأنبياء ذهبت بموتهم، فلو قال ملحد اليوم: أي دليل على صدق محمد وموسى؟ .. فقيل له: محمد شق له القمر، وموسى شق له البحر.. لقال: هذا محال.. فجعل الله سبحانه هذا القرآن معجزا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم يبقى أبدا.. ليظهر دليل صدقه بعد وفاته، وجعله دليلا على صدق الأنبياء، إذ هو مصدّق لهم ومخبر عن حالهم.
والثاني: أنه أخبر أهل الكتاب بأن صفة محمد صلى الله عليه وسلّم مكتوبة عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وشهد لحاطب بالإيمان، ولعائشة بالبراءة، وهذه شهادات على غيب.. فلو لم يكن في التوراة والإنجيل صفته، كان ذلك منفرا لهم عن الإيمان به ولو علم حاطب وعائشة من أنفسهما خلاف ما شهد لهما به، نفرا عن الإيمان.
وعن إعجاز القرآن يقول الأستاذ المهتدي «أتيين دينيه» الكاتب الفرنسي الذي أسلم وحجّ وكتب الكثير عن الإسلام، من كتابه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، إن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمدا كانت في الواقع معجزات وقتية، وبالتالي معرضة للنسيان السريع، بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآية القرآنية..
«المعجزة الخالدة» .. ذلك أن تأثيرها دائم، ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان، أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة كتاب الله..
وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون، لأنهم يجهلون القرآن، أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة، فضلا عن أنها غير دقيقة..
إن الجاذبية الساحرة التي يمتاز بها هذا الكتاب، الفريد بين أمهات الكتب(المقدمة/62)
العالمية، لا تحتاج منا- نحن المسلمين- الى تعليل- ذلك أننا نؤمن بأنه كلام الله أنزله على رسوله، ولكننا نرى من الطريف أن نورد هنا رأيين لمستشرقيين ذاعت شهرتهما عن جدارة.. يقول «سفري» - وهو أول من ترجم القرآن الى الفرنسية: «كان محمد عليما بلغته، وهي لغة لا نجد على ظهر البسيطة ما يضارعها غنى وانسجاما- إنها بتركيب أفعالها، يمكنها أن تتابع الفكر في طيرانه البعيد، وتصفه في دقة دقيقة.. وهي بما فيها من نغم موسيقي تحاكي أصوات الحيوانات المختلفة، وخرير المياه المنسابة، وهزيم الرعد، وقصف الرياح.
كان محمد عليما- كما قلت- بتلك اللغة الأزلية التي تزينت بروائع كثير من الشعراء، فاجتهد محمد أن يحلي تعاليمه بكل ما في البلاغة من جمال وسحر..
ولقد كان الشعراء في الجزيرة العربية يتمتعون من التقدير بأسمى مكانة..
ولقد علق لبيد بن ربيعة، الشاعر المشهور، إحدى قصائده على باب الكعبة، وحالت شهرته وقدرته الشاعرية دون أن ينبري له المنافسون، ولم يتقدم احد لينازعه الجائزة..
وذات يوم علق بجانب قصيدته السورة الثانية من القرآن (وقيل السورة الخامسة والخمسين) فأعجب بها لبيد أيما إعجاب، رغم أنه مشرك، واعترف بمجرد قراءة الآيات الأولى بأنه قد هزم، ولم يلبث أن أسلم..
وفي ذات يوم سأله المعجبون به عن أشعاره، يريدون جمعها في ديوان، فأجاب:
«لم أعد أتذكر شيئا من شعري، إذ أن روعة الآيات المنزلة لم نترك لغيرها مكانا في ذاكرتي» .(المقدمة/63)
ويقول استانلي لين بول:
«إن أسلوب القرآن في كل سورة من سوره لأسلوب أبيّ يفيض عاطفة وحياة.. ان الألفاظ ألفاظ رجل مخلص للدعوة، وإنها لا تزال حتى الآن تحمل طابع الحماسة والقوة، وفي ثناياها تلك الجذوة التي ألقيت بها..
دلائل النبوة في سمو حياته صلى الله عليه وسلم وجهاده:
بلغت حياة النبي صلى الله عليه وسلم من السمو غاية ما يستطيع انسان ان يبلغ، وكانت حياته قبل الرسالة مضرب المثل في الصدق والكرامة والأمانة، كما كانت بعد الرسالة كلها تضحية، وصبر، وجهاد في سبيل الله، تضحية استهدفت حياته للموت مرات، ولولا صدق محمد في تبليغ رسالة ربه، وإيمانه بما ابتعثه الله به ويقينه المطلق برسالته، لرأينا الحياة على كر الدهور تنفي مما قال شيئا.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لما أنزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» فقالت قريش: محمد على الصّفا يهتف، فأقبلوا واجتمعوا فقالوا: مالك يا محمد؟ قال:
«أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ تصدقوني» ؟
قالوا: نعم، أنت عندنا غير متهم، وما جرّبنا عليك كذبا قط. قَالَ:
«فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يا بني زهرة، حتى عدد الأفخاذ من قريش:
«إن الله أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأقربين. وإني لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدنيا منفعة، ولا من الآخرة نصيبا، إلا أن تقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» .(المقدمة/64)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ من الله شيئا، ويا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لا أغني عنك من الله شيئا. ويَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» .
تتحدث كتب السيرة عن سعي قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، لينهى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم عن الاستمرار في الدعوة.
ولما التقى القرشيون به، قالوا: يا أبا طالب، ان ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه- فإنك عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عليه من خلافه- فنكفيكه؟ قال لهم أبو طالب، قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه.
وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، على ما هو عليه: «يظهر دين الله، ويدعو اليه.
ثم شرى الأمر بينه وبينهم، حتى تباعد الرجال، وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا، فتذامروا فيه، وحضّ بعضهم بعضا عليه، ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا. وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله، لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنا، أو تنازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه.
فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم ولا خذلانه.(المقدمة/65)
فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جاءُونِي، فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فَأَبْقِ عَلَيَّ، وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنَ الْأَمْرِ ما لا أطيق.
فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ فدو، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عم، والله، لو وضعوا الشَّمْسُ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرُ في يساري، على أن أترك هَذَا الْأَمْرَ- حَتَّى يُظْهِرَهُ الله أو أهلك فيه- ما تركته» .
قال: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فبكى، ثم قام. فلما ولّى، ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا ابن أخي، قال: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ:
اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله، لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا.
الرسول صلى الله عليه وسلّم في الطائف:
لما توفي أبو طالب، اجترأت قريش علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ونالت منه.
فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، وذلك في ليال بقية من شوال سنة عشر من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه. ومحمد دعاهم إلى الإسلام أخوة ثلاثة، وهم سادة ثقيف وأشرافهم، وهم عبد يا ليل، ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف.
فجلس إليهم فدعاهم إلى الله، وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو- يعني نفسه- بمرط ثياب الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللهُ أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا أرسله غيرك؟
وقال الثالث: والله، لا أكلمك أبدا ... لئن كنت رسولا من الله- كما تقول- لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام. وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى الله، ما ينبغي لي أن أكلمك.(المقدمة/66)
فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من عندهم، وقد يئس من خير ثقيف ... وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم: يسبونه ويصيحون به. حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه الى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه.
فعمد الى ظل حبلة من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران اليه، ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف.
فلما اطمأن قال فيما ذكر: «اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري؟
إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. ولكنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بك» .
فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقى، دعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له:
عدّاس فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في ذلك الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى وضعه بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما وضع رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، قال: بسم الله، ثم أكل.
فنظر عدّاس الى وَجْهُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، إِنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلد.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ومن أي البلاد أنت؟ وما دينك؟
قال: أنا نصراني، وأنا رجل مِنْ أَهْلِ نِينَوَى.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: من قرية الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ متّى؟(المقدمة/67)
قال: ذاك أخي، كان نبيا، وأنا نبيّ.
فأكب عدّاس علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ رأسه ويديه ورجليه.
قال: يقول ابنا ربيعة: أحدهما لصاحبه:
أما غلامك، فقد أفسده عليك.
فلما جاءهم عدّاس قالا له: ويلك يا عدّاس، مالك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل. لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.
دلائل النبوة في خصائص التصور الإسلامي:
لا يدرك الإنسان ضرورة الرسالة النبوية إلا عند ما يستعرض أحوال العالم قبل ظهور الإسلام، وكيف كانت البشرية تائهة في ظلمات الضلالات السائدة، والتصورات الوثنية، واللوثات القومية على السواء.
ولقد جاءت رسل بني إسرائيل بالتوحيد الخالص، ولكنهم انحرفوا على مدى الزمن وهبطوا الى مستوى الوثنيات وانتكسوا، بعد موسى وقبل موسى.
وقل ذلك عن النصرانية، فقد دخلتها الوثنية والشرك بتأثير المنافقين وفي هذا يقول الكاتب الامريكي درابر في كتابه «الدين والعلم» :
«دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين، الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومانية، بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين. ولم يخلصوا له يوما من الأيام. وكذلك كان قسطنطين.. فقد قضى عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إلا قليلا في آخر عمره سنة 337 ميلادية.
«إن الجماعة النصرانية، وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت(المقدمة/68)
قسطنطين الملك ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية، وتقتلع جرثومتها.
وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد، تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء.. هنالك يختلف الإسلام عن النصرانية، إذ قضى على منافسه (الوثنية) قضاء باتا، ونشر عقائده خالصة بغير غش.
«وإن هذا الامبراطور الذي كان عبدا للدنيا، والذي لم تكن عقائده الدينية تساوي شيئا، رأى لمصلحته الشخصية، ولمصلحة الحزبين المتنافسين- النصراني والوثني- أن يوحدهما ويؤلف بينهما. حتى أن النصارى الراسخين أيضا لم ينكروا عليه هذه الخطة. ولعلهم كانوا يعتقدون ان الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ونقحت بالعقائد الوثنية القديمة، وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها» .
يقول الباحث الاسلامي الكبير الأستاذ سيد قطب في خصائص التصور الاسلامي:
وقد وقع الانقسام في عقيدة النصارى، فقالت فرقة: ان المسيح انسان محض، وقالت فرقة: ان الأب والابن وروح القدس.
إن هي إلا صور مختلفة أعلن الله بها نفسه للناس. فالله- بزعمهم- مركب من أقانيم ثلاثة: الأب والابن وروح القدس (والابن هو المسيح) فانحدر الله، الذي هو الأب، في صورة روح القدس وتجسد في مريم إنسانا، وولد منها في صورة يسوع. وفرقة قالت: ان الابن ليس أزليا كالأب بل هو مخلوق من قبل العالم، ولذلك هو دون الأب وخاضع له. وفرقة أنكرت كون روح القدس أقنوما.. وقرر مجمع نيقية سنة 325 ميلادية، ومجمع القسطنطينية سنة 381 ان الابن وروح القدس مساويان للأب في وحدة اللاهوت، وأن الابن قد ولد منذ الأزل من الأب، وأن روح القدس منبثق من الأب.. وقرر مجمع طليطلة سنة 589 بأن روح القدس منبثق من الابن أيضا. فاختلفت الكنيسة(المقدمة/69)
الشرقية والكنيسة الغربية عند هذه النقطة وظلتا مختلفتين.. كذلك ألّهت جماعة منهم مريم كما ألهوا المسيح عليه السلام..
ويقول الدكتور ألفرد بتلر في كتابه: «فتح العرب لمصر. ترجمة الأستاذ محمد فريد أبو حديد» .
«إن ذينك القرنين- الخامس والسادس- كانا عهد نضال متصل بين المصريين والرومانيين. نضال يذكيه اختلاف في الجنس، واختلاف في الدين. وكان اختلاف الدين أشد من اختلاف الجنس. إذ كانت علة العلل في ذلك الوقت تلك العداوة بين الملكانية والمنوفيسية، وكانت الطائفة الأولى- كما يدل عليه اسمها- حزب مذهب الدولة الامبراطورية وحزب الملك والبلاد.
وكانت تعتقد العقيدة السنية الموروثة- وهي ازدواج طبيعة المسيح- على حين أن الطائفة الأخرى- وهي حزب القبط المنوفيسيين- أهل مصر- كانت تستبشع تلك العقيدة وتستفظعها، وتحاربها حربا عنيفة. في حماسة هوجاء، يصعب علينا أن نتصورها، أو نعرف كنهها في قوم يعقلون بل يؤمنون بالإنجيل» !.
ويقول «سيرت. و. أرنولد» في كتابه: «الدعوة إلى الإسلام» عن هذا الخلاف، ومحاولة هرقل لتسويته بمذهب وسط:
«ولقد أفلح جستنيان Justinian قبل الفتح الاسلامي بمئة عام في أن يكسب الامبراطورية الرومانية مظهرا من مظاهر الوحدة. ولكنها سرعان ما تصدعت بعد موته، وأصبحت في حاجة ماسة الى شعور قومي مشترك، يربط بين الولايات وحاضرة الدولة. أما هرقل فقد بذل جهودا لم تصادف نجاحا كاملا في اعادة ربط الشام بالحكومة المركزية. ولكن ما اتخذه من وسائل عامة في سبيل التوفيق قد أدى لسوء الحظ الى زيادة الانقسام بدلا من القضاء عليه. ولم يكن ثمة ما يقوم مقام الشعور بالقومية سوى العواطف الدينية. فحاول بتفسيره العقيدة تفسيرا يستعين به على تهدئة النفوس، أن يقف كل ما يمكن أن يشجر(المقدمة/70)
بعد ذلك بين الطوائف المتناحرة من خصومات، وأن يوحد بين الخارجين على الدين وبين الكنيسة الأرثوذكسية، وبينهم وبين الحكومة المركزية.
«وكان مجمع خلقيدونة قد أعلن في سنة 451 م «أن المسيح ينبغي أن يعترف بأنه يتمثل في طبيعتين، لا اختلاط بينهما، ولا تغير، ولا تجزؤ، ولا انفصال. ولا يمكن أن ينتفي اختلافهما بسبب اتحادهما. بل الأحرى ان تحتفظ كل طبيعة منهما بخصائصها، وتجتمع في أقنوم واحد، وجسد واحد، لا كما لو كانت متجزئة أو منفصلة في أقنومين، بل مجتمعة في أقنوم واحد: هو ذلك الابن الواحد والله والكلمة.
«وقد رفض اليعاقبة هذا المجمع. وكانوا لا يعترفون في المسيح الا بطبيعة واحدة. وقالوا: إنه مركب الأقانيم، له كل الصفات الإلهية والبشرية.
ولكن المادة التي تحمل هذه الصفات لم تعد ثنائية، بل أصبحت وحدة مركبة الأقانيم.
«وكان الجدل قد احتدم قرابة قرنين من الزمان بين طائفة الأرثوذكس وبين اليعاقبة الذين ازدهروا بوجه خاص في مصر والشام، والبلاد الخارجة عن نطاق الامبراطورية البيزنطية، في الوقت الذي سعى فيه هرقل في إصلاح ذات البين عن طريق المذهب القائل بأن للمسيح مشيئة واحدة «Monotheletism» ففي الوقت الذي نجد هذا المذهب يعترف بوجود الطبيعتين إذا به يتمسك بوحدة الأقنوم في حياة المسيح البشرية. وذلك بإنكاره وجود نوعين من الحياة في أقنوم واحد. فالمسيح الواحد الذي هو ابن الله، يحقق الجانب الإنساني، والجانب الإلهي. بقوة إلهية انسانية واحدة. ومعنى ذلك انه لا يوجد سوى إرادة واحدة في الكلمة المتجسدة.
«لكن هرقل قد لقى المصير الذي انتهى اليه كثيرون جدا، ممن كانوا يأملون أن يقيموا دعائم السلام، ذلك أن الجدل لم يحتدم مرة أخرى كأعنف ما(المقدمة/71)
يكون الاحتدام فحسب. بل إن هرقل نفسه قد وصم بالإلحاد، وجرّ على نفسه سخط الطائفتين سواء» ! وقد ورد في القرآن الكريم بعض الإشارات الى هذه الانحرافات، ونهى لأهل الكتاب عنها، وتصحيح حاسم لها، وبيان لأصل العقيدة النصرانية كما جاءت من عند الله، قبل التحريف والتأويل:
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. وَقالَ الْمَسِيحُ: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَأْواهُ النَّارُ، وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا.. إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ. وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ. انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ، ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. قُلْ:
أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً؟ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ، وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، وَأَضَلُّوا كَثِيراً، وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ ... [المائدة:
72- 77] .
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ، يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ* قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.. [التوبة 30] .
وَإِذْ قالَ اللَّهُ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ! ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ.
إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ* وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ* فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنْ(المقدمة/72)
تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ... [المائدة:
116- 118] .
وهكذا نرى مدى الانحراف الذي دخل على النصرانية، من جراء تلك الملابسات التاريخية، حتى انتهت الى تلك التصورات الوثنية الاسطورية، التي دارت عليها الخلافات والمذابح عدة قرون! أما الجزيرة العربية التي نزل فيها القرآن، فقد كانت تعج بركام العقائد والتصورات. ومن بينها ما نقلته من الفرس وما تسرب إليها من اليهودية والمسيحية في صورتهما المنحرفة ... مضافا إلى وثنيتها الخاصة المتخلفة من الانحرافات في ملة إبراهيم التي ورثها العرب صحيحة ثم حرفوها ذلك التحريف. والقرآن يشير إلى ذلك الركام كله بوضوح.
زعموا أن الملائكة بنات الله- مع كراهيتهم هم للبنات! - ثم عبدوا الملائكة- أو تماثيلها الأصنام- معتقدين أن لها عند الله شفاعة لا ترد، وأنهم يتقربون بها إليه سبحانه:
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً* إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ. أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ؟ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ؟! وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ- الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ- إِناثاً* أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ* وَقالُوا: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ* ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ... [الزخرف: 15- 20] .
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إِنَّ اللَّهَ لَا(المقدمة/73)
يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ* لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ* سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ... [الزمر: 3، 4] .
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ، وَيَقُولُونَ: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ* قُلْ: أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ؟
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ... [يونس: 18] وزعموا أن بين الله- سبحانه- وبين الجنة نسبا. وأن له- سبحانه- منهم صاحبة. ولدت له الملائكة! وعبدوا الجن أيضا.. قال الكلبي في كتاب الأصنام: «كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن» .
وجاء في القرآن الكريم عن هذه الأسطورة:
فَاسْتَفْتِهِمْ: أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ؟ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ: وَلَدَ اللَّهُ* وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ؟ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ...
[الصافات: 149- 159] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟ قالُوا: سُبْحانَكَ! أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ* بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ... [سبأ: 40، 41] وشاعت بينهم عبادة الأصنام إما بوصفها تماثيل للملائكة، وإما بوصفها تماثيل للأجداد، وإما لذاتها. وكانت الكعبة، التي بنيت لعبادة الله الواحد، تعج بالأصنام، إذ كانت تحتوي على ثلاثمائة وستين صنما. غير الأصنام الكبرى في جهات متفرقة. ومنها ما ذكر في القرآن بالاسم كاللات والعزى(المقدمة/74)
ومناة. ومنها هبل الذي نادى أبو سفيان باسمه يوم «أحد» قائلا: اعل هبل! ومما يدل على أن اللات والعزى ومناة كانت تماثيل للملائكة ما جاء في القرآن في سورة النجم:
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى؟ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى؟
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى! إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى. أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى؟ فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً، إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى.
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى * وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ...
[النجم: 19- 28] وانحطت عبادة الأصنام فيهم حتى كانوا يعبدون جنس الحجر! روى البخاري عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قال: «كنا نعبد الحجر. فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر! فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جمعنا حثوة مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بالشاة فحلبنا عليه، ثم طفنا به» .
وقال الكلبي في كتاب الأصنام: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار. فنظر إلى أحسنها، فجعله ربا، وجعل ثلاث أثافيّ لقدره. وإذا ارتحل تركه» .
وعرفوا عبادة الكواكب- كما عرفها الفرس من بين عباداتهم- قال صاعد:
كانت حمير تعبد الشمس. وكنانة القمر. وتميم الدبران. ولخم وجذام المشتري. وطيء سهيلا وقيس الشعرى العبور. وأسد عطارد» .
وقد جاء عن هذا في سورة فصلت:(المقدمة/75)
لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ* وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ... [فصلت: 37] .
وجاء في سورة النجم:
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ... [النجم: 49] .
وكثرت الإشارات إلى خلق النجوم والكواكب وربوبية الله سبحانه لها كبقية خلائقه. وذلك لنفي ألوهية الكواكب وعبادتها ...
وعلى العموم فقد تغلغلت عقائد الشرك في حياتهم. فقامت على أساسها الشعائر الفاسدة، التي أشار إليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة ... ومن ذلك جعلهم بعض ثمار الزروع، وبعض نتاج الأنعام خاصا بهذه الآلهة المدعاة، لا نصيب فيه لله- سبحانه- وأحيانا يحرمونها على أنفسهم. أو يحرمون بعضها على إناثهم دون ذكورهم. أو يمنعون ظهور بعض الأنعام على الركوب أو الذبح.
وأحيانا يقدمون أبناءهم ذبائح لهذه الآلهة في نذر. كالذي روى عن نذر عبد المطلب أن يذبح ابنه العاشر، إن وهب عشرة أبناء يحمونه. فكان العاشر عبد الله ... ثم افتداه من الآلهة بمئة ناقة! .. وكان أمر الفتوى في هذه الشعائر كلها للكواهن والكهان! وفي هذا يقول القرآن الكريم:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً. فَقالُوا: هذا لِلَّهِ- بِزَعْمِهِمْ- وَهذا لِشُرَكائِنا. فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ* وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ* ساءَ ما يَحْكُمُونَ! وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ، لِيُرْدُوهُمْ، وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ* وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ* فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ* وَقالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ، لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ- بِزَعْمِهِمْ- وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها* وَأَنْعامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا-(المقدمة/76)
افْتِراءً عَلَيْهِ- سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ. وَقالُوا: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا. * وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ* سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ* قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ..
[الأنعام: 136- 140] وكانت فكرة التوحيد الخالص هي أشد الأفكار غرابة عندهم، هي وفكرة البعث سواء. ذلك مع اعترافهم بوجود الله- سبحانه- وأنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما. ولكنهم ما كانوا يريدون أن يعترفوا بمقتضى الوحدانية هذه وهو أن يكون الحكم لله وحده في حياتهم وشؤونهم، وأن يتلقوا منه وحده الحلال والحرام، وأن يكون إليه وحده مرد أمرهم كله في الدنيا والآخرة. وأن يتحاكموا في كل شيء إلى شريعته ومنهجه وحده.. الأمر الذي لا يكون بغيره دين ولا إيمان.
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا حكاه القرآن الكريم من معارضتهم الشديدة لهاتين الحقيقتين:
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ* وَقالَ الْكافِرُونَ: هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ... [ص: 4- 7] .
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ- إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ- إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ.. [سبأ: 7، 8] .(المقدمة/77)
هذه هي الصورة الشائعة للتصورات في الجزيرة العربية نضيفها إلى ذلك الركام من بقايا العقائد السماوية المنحرفة، التي كانت سائدة في الشرق والغرب، يوم جاء الإسلام، فتتجمع منها صورة مكتملة لذلك الركام الثقيل، الذي كان يجثم على ضمير البشرية في كل مكان، والذي كانت تنبثق منه أنظمتهم وأوضاعهم وآدابهم وأخلاقهم كذلك.
ومن ثم كانت عناية الإسلام الكبرى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة، وتحديد الصورة الصحيحة التي يستقر عليها الضمير البشري في حقيقة الألوهية، وعلاقتها بالخلق، وعلاقة الخلق بها.. فتستقر عليها نظمهم وأوضاعهم، وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وآدابهم وأخلاقهم كذلك. فما يمكن أن تستقر هذه الأمور كلها، إلا أن تستقر حقيقة الألوهية، وتتبين خصائصها واختصاصاتها.
وعنى الإسلام عناية خاصة بإيضاح طبيعة الخصائص والصفات الإلهية المتعلقة بالخلق والإرادة والهيمنة والتدبير.. ثم بحقيقة الصلة بين الله والإنسان.. فلقد كان معظم الركام في ذلك التيه الذي تخبط فيه العقائد والفلسفات، مما يتعلق بهذا الأمر الخطير الأثر في الضمير البشري وفي الحياة الإنسانية كلها.
ولقد جاء الإسلام- وهذا ما يستحق الانتباه والتأمل- بما يعد تصحيحا لجميع أنواع البلبلة، التي وقعت فيها الديانات المحرفة، والفلسفات الخابطة في الظلام. وما يعد ردا على جميع الانحرافات والأخطاء التي وقعت فيها تلك الديانات والفلسفات.. سواء ما كان منها قبل الإسلام وما جدّ بعده كذلك..
فكانت هذه الظاهرة العجيبة إحدى الدلائل على مصدر هذا الدين.. المصدر الذي يحيط بكل ما هجس في خاطر البشرية وكل ما يهجس، ثم يتناوله بالتصحيح والتنقيح!(المقدمة/78)
والذي يراجع ذلك الجهد المتطاول الذي بذله الإسلام لتقرير كلمة الفصل في ذات الله- سبحانه- وفي صفاته. وفي علاقته بالخلق وعلاقة الخلق به..
ذلك الجهد الذي تمثله النصوص الكثيرة- كثرة ملحوظة- في القرآن المكي بصفة خاصة، وفي القرآن كله على وجه العموم..
الذي يراجع ذلك الجهد المتطاول، دون أن يراجع ذلك الركام الثقيل، في ذلك التيه الشامل، الذي كانت البشرية كلها تخبط فيه، والذي ظلت تخبط فيه أيضا كلما انحرفت عن منهج الله أو صدت عنه، واتبعت السبل، فتفرقت بها عن سبيله الواحد المستقيم..
الذي يراجع ذلك الجهد، دون أن يراجع ذلك الركام، قد لا يدرك مدى الحاجة إلى كل هذا البيان المؤكد المكرر في القرآن، وإلى كل هذا التدقيق الذي يتتبع كل مسالك الضمير وكل مسالك الحياة.
ولكن مراجعة ذلك الركام تكشف عن ضرورة ذلك الجهد، كما تكشف عن عظمة الدور الذي جاءت هذه العقيدة لتؤديه في تحرير الضمير البشري وإعتاقه، وفي تحرير الفكر البشري وإطلاقه، وفي تحرير الحياة. والحياة تقوم على أساس التصور الاعتقادي كيفما كان.
عندئذ ندرك قيمة هذا التحرر في إقامة الحياة على منهج سليم قويم، يستقيم به أمر الحياة البشرية، وتنجو به من الفساد والتخبط ومن الظلم أو الاستذلال ... وندرك قيمة قول عمر- رضي الله عنه- «ينقض الإسلام عروة عروة من نشأ في الإسلام ولم يعرف الجاهلية» .. فالذي يعرف الجاهلية هو الذي يدرك قيمة الإسلام، ويعرف كيف يحرص على رحمة الله المتمثلة فيه، ونعمة الله المتحققة به.
إن جمال هذه العقيدة وكمالها وتناسقها، وبساطة الحقيقة الكبيرة التي تمثلها.. إن هذا كله لا يتجلى للقلب والعقل، كما يتجلى من مراجعة ركام(المقدمة/79)
الجاهلية- السابقة للإسلام واللاحقة- عندئذ تبدو هذه العقيدة رحمة.. رحمة حقيقية.. رحمة للقلب والعقل. ورحمة بالحياة والأحياء. رحمة بما فيها من جمال وبساطة، ووضوح وتناسق، وقرب وأنس، وتجاوب مع الفطرة مباشر عميق..
وصدق الله العظيم:
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى؟ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟ [ (1) ] .
التوحيد معجزة الإسلام:
«الله- الرسول- القرآن- الكعبة» .
إن التصور الإسلامي هو التصور الوحيد الذي بقي قائما على أساس التوحيد الكامل الخالص، وإن التوحيد خاصية من خصائص هذا التصور، تفرده وتميزه بين سائر المعتقدات السائدة في الأرض كلها على العموم.
لقد انحسرت كل التصورات والفلسفات والمذاهب التي وجدت والتي قام عليها الفكر الغربي والتي جعلت الإنسان يتخبط في هذه الحياة بناء على تصوراتهم الضحلة التي تميل تارة ناحية المادة، وتارة ناحية الروح، وتارة ناحية القوة دون إدراك لطبيعة الإنسان وأشواقه ويقف التصور الإسلامي راسخا في شمولية تدرك خصائص الإنسان. وتضع له مناهج الحياة الثابتة حتى يعيش عيشة كريمة هانئة، يبني الحياة، ويبني الروح، ويوائم الفطرة، فلا يكلفها عنتا، ولا يفرقها مزقا.
من هنا تنادى كثير من المفكرين، ودرسوا الإسلام، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلّم،
__________
[ (1) ] لا تغني هذه المقتطفات عن مطالعة الكتاب لبيان شمولية المنهج الاسلامي.(المقدمة/80)
وسجلوا وكلماتهم بعد دراسة عميقة لقواعد هذا الدين، وأسلم أكثرهم، وصاروا يدعون إلى هذا الدين حتى بدأت أوربا تستعين به في حل مشاكلها.
يقول (برناردشو) بعد أن درس الإسلام:
«إني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثل محمد حكم العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة والطمأنينة التي هو في أشد الحاجة إليها» .
«لقد أفاد الإسلام التمدن أكثر من النصرانية، ونشر راية المساواة والأخوة. وهذه الأدلة نذكرها نقلا عن تقارير الموظفين الإنجليز، وعما كتبه أغلب السياح من النتائج الحسنة التي نتجت من الدين الإسلامي، وظهرت آياتها منه، فإنه عند ما تتدين به أمة من الأمم السودانية تختفي بينها- في الحال- عبادة الأوثان، واتباع الشيطان، والإشراك بالعزيز الرحمن، وتحرم أكل لحم الإنسان، وقتل الرجال ووأد الأطفال، وتضرب عن الكهانة، ويأخذ أهلها بأسباب الإصلاح وحب الطهارة، واجتناب الخبائث والرجس والسعي نحو إحراز المعالي، وشرف النفس.
ويصبح عندهم قرى الضيف من الواجبات الدينية. وشرب الخمر من الأمور البغيضة، ولعب الميسر والأزلام محرما. والرقص القبيح، ومخالطة النساء- اختلاطا دون تميز- بغيضا. ويحسبون عفة المرأة من الفضائل، ويتمسكون بحسن الشمائل.
أما الغلو في الحرية والتهتك وراء الشهوات البهيمية- فلا تجيزه الشريعة الإسلامية. والدين الإسلامي، هو الدين الذي يعمّم النظام بين الورى، ويقمع النفس عن الهوى، ويحرم إراقة الدماء، والقسوة في معاملة الحيوان والأرقاء، ويوصي بالإنسانية، ويحض على الخيرات والأخوة.(المقدمة/81)
ويقول بالاعتدال في تعدد الزوجات، وكبح جماح الشهوات» .
أما الفيلسوف الروسي المنصف فعند ما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الإسلامي هزّته الغيرة على الحق فوضع كتابا عن بني الإسلام، قال فيه:
«ولد نبيّ الإسلام في بلاد العرب من أبوين فقيرين. وكان- في حداثة سنه- راعيا يميل إلى العزلة والانفراد في البراري والصحارى، متأملا في الله خالق الكون..
لقد عبد العرب المعاصرون له أربابا كثيرة، وبالغوا في التقرب إليها واسترضائها، وأقاموا لها العبادات، وقدموا لها الضحايا المختلفة.
وكان- كلما تقدم به العمر- ازداد اعتقادا بفساد تلك الأرباب، وأن هناك إلها واحدا حقيقيا، لجميع الناس والشعوب.
وقد ازداد إيمان محمد بهذه الفكرة. فقام يدعو أمته وأهله إلى فكرته، معلنا: أن الله اصطفاه لهدايتهم، وعهد إليه إنارة بصائرهم، وهدم دياناتهم وعباداتهم الباطلة. وراح يعلن عن عقيدته وديانته.
وخلاصة هذه الديانة التي نادى بها هذا الرسول: هو أن الله واحد- لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ- ولذلك لا يجوز عبادة غيره، وأن الله عادل ورحيم بعباده، وأن مصير الإنسان النهائي، متوقف عليه وحده، فمن آمن به، فإن الله يؤجره في الآخرة أجرا حسنا. وإذا ما خالف شريعة الله، وسار على هواه، فإنه يعاقب في الآخرة عقابا أليما، وأن الله تعالى يأمر الناس بمحبته ومحبة بعضهم بعضا. ومحبة الله تكون بالصلاة، ومحبة الناس تكون بمشاركتهم في السراء والضراء. وإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ينبغي عليهم أن يبذلوا وسعهم لإيعاد كل ما من شأنه إثارة الشهوات النفسية، والابتعاد عن الملذات الدنيوية، وإنه يتحتم عليهم ألا(المقدمة/82)
يخدموا الجسد ويعبدوه» بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذّبوها. ومحمد لم يقل عن نفسه إنه نبي الله الوحيد. بل اعتقد أيضا، بنبوة موسى وعيسى. وقال: إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم.
وفي سنيّ دعوته الأولى، احتمل كثيرا من اضطهادات أصحاب الديانات القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق. ولكنّ هذه الاضطهادات لا تثن من عزمه، بل ثابر على دعوة أمته.
وقد امتاز المؤمنون كثيرا عن العرب: بتواضعهم وزهدهم في الدنيا، وحب العمل والقناعة، وبذلوا جهدهم في مساعدة إخوانهم في الدين: عند حلول المصائب بهم.
ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل، حتى أصبح الناس المحيطون بهم: يحترمونهم احتراما عظيما، ويعظمون قدرهم، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوما بعد يوم!! ومن فضائل الدين الإسلامي: أنه أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم. فقد أمر بحسن معاملتهم. وقد بلغ من حسن معاملته لهم: أنه سمح لأتباعه بالتزوج من أهل الديانات الأخرى. ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية، ما في هذا من التسامح العظيم» ثم ختم كلمته قائلا:
«لا ريب أن هذا النبيّ، من كبار الرجال المصلحين: الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة. ويكفيه فخرا: أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء، وتقديم الضحايا.
ويكفيه فخرا: أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم. وهذا عمل عظيم: لا يفوز به شخص أوتي قوة وحكمة وعلما. ورجل مثله، جدير بالإجلال والاحترام» .
ويستعرض الدكتور: «موريس بوكاي» عظمة القرآن، ويستدل على أَنَّ(المقدمة/83)
مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم نبي مرسل بسؤاله: كيف امتلك هذا القدر من المعارف العلمية الهائلة في القرن السابع من العصر المسيحي في وقت تفشي الجهل وعمومه، هذا القدر من المعارف العلمية التي سبقت بأكثر من أربعة عشر قرنا الثقافة العلمية المعاصرة. استمع إليه وهو يقول:
«لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية. فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع، ومطابقة تماما للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة. وإذا كان هناك تأثير ما قد مورس فهو بالتأكيد تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الغالبية تتحدث عن المسلمين وإنما المحمديين لتأكيد الإشارة إلى أن المعنى به دين أسسه رجل وبالتالي فهو دين عديم القيمة تماما إزاء الله. وككثيرين كان يمكن أن أظل محتفظا بتلك الأفكار الخاطئة عن الإسلام، وهي على درجة من الانتشار بحيث إنني أدهش دائما حين ألتقي خارج المتخصصين، بمحدثين مستنيرين في هذه النقاط أعترف إذن بأنني كنت جاهلا قبل أن تعطى لي عن الإسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيناها في الغرب.» .
«وعند ما استطعت قياس المسافة التي تفصل واقع الإسلام عن الصورة التي اختلقناها عنه في بلادنا الغربية شعرت بالحاجة الملحة لتعلم اللغة العربية التي لم أكن أعرفها، ذلك حتى أكون قادرا على التقدم في دراسة هذا الدين الذي يجهله الكثيرون. كان هدفي الأول هو قراءة القرآن ودراسة نصه جملة جملة مستعينا بمختلف التعليقات اللازمة للدراسة النقدية: وتناولت القرآن منتبها بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية.(المقدمة/84)
لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي، أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات والتي لم يكن ممكنا لأي إنسان في عصر محمد صلى الله عليه وسلّم أن يكوّن عنها أدنى فكرة ... » .
«إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه مثل هذا النص لأول مرة هو ثراء الموضوعات المعالجة، فهناك الخلق وعلم الفلك وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان وعالم النبات، والتناسل الإنسان، وعلى حين نكتشف في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكتشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل: لو كان كاتب القرآن إنسانا، كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟ ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلا نفس النص الأول. ما التعليل، إذ ليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان شبه الجزيرة العربية في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجويير استطاع أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالى عشرة قرون ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات» .
«ومن الثابت فعلا أن في فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاما تقريبا قبل وبعد عام الهجرة (622 م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقا لنهاية تنزيل القرآن. إن الجهل وحده بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي يسمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت بعضهم يصوغونه أحيانا والذي يقول: إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصرهم وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم بالتالي قد استلهم دراساتهم. إن من يعرف، ولو يسيرا، تاريخ(المقدمة/85)
الإسلام ويعرف أيضا أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحق لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم لن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية فلا محل لأفكار من هذا النوع وخاصة أن معظم الأمور العلمية الموحى بها أو المصاغة بشكل بين تماما في القرآن لم تتلق التأييد إلا في العصر الحديث» .
«من هنا ندرك كيف أن مفسري القرآن (بما في ذلك عصر الحضارة الإسلامية العظيم) قد أخطئوا حتما وطيلة قرون، في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق. إن ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكنا إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا. ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي وحدها لفهم هذه الآيات القرآنية. بل يجب، بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع. إن دراسة كهذه هي دراسة انسيكلوبيدية تقع على عاتق تخصصات عدة. وسندرك- كلما تقدمنا- في عرض المسائل المثارة، تنوع المعارف العلمية اللازمة لفهم معنى بعض آيات القرآن، ومع ذلك فليس القرآن كتابا يهدف إلى عرض بعض القوانين التي تتحكم في الكون. ان له هدفا دينيا جوهريا» .
وهكذا، فإدراك هذا السر البديع، والأدلة الساطعة لا يتسنّى إلا لمن تعمق في دراسة هذا الدين، فالجاهل بالسيء من المستحيل أن يدرك كنهه، وهذا نفس ما ذكرناه في أول التقدمة وطريقة الغزالي في إثبات دلائل النبوّة.
وبعد، فما هي طريقة البيهقي في إثبات دلائل النبوة؟.
يستعرض المصنف (أولا) معجزات الأنبياء السابقين في مدخل الكتاب(المقدمة/86)
كمعجزات موسى- عليه السّلام- ومعجزات داود، وعيسى بن مريم، ثم يقول: فأما النبي المصطفى، والرسول المجتبى، المبعوث بالحق إلى كافة الخلق من الجن والإنس، أبو الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب خاتم النبيين، ورسول رب العالمين صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آله الطيبين الطاهرين فإنه أكثر الرسل آيات وبينات، وذكر بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أعلام نبوته تبلغ ألفا.
ثم يقول المصنف:
«فأما العلم الذي اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أمته بعد وفاته فهو القرآن العظيم، المعجم المبين، وحبل الله المتين» .
ثم بعد أن يستعرض وجوه إعجاز القرآن يقول:
«ثم إن لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وراء القرآن من الآيات الباهرة، والمعجزات الظاهرة ما لا يخفى، وأكثر من أن يحصى» .
ثم يستعرض المعجزات إجمالا، فهو إذن يستند إلى المعجزات في كتابة (أولا) معجزة القرآن الكريم، (ثانيا) معجزات الرسول صلى الله عليه وسلّم التي هي دلائل نبوته، فيقول:
فمن دلائل نبوته التي استدل بها أهل الكتاب على صحة نبوته ما وجدوا في التوراة والإنجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته وخروجه بأرض العرب، وإن كان كثير منهم حرفوها عن مواضعها.
ومن دلائل نبوته ما حدث بين أيام مولده ومبعثه صلى الله عليه وسلم من الأمور الغريبة والأكوان العجيبة القادحة في سلطان أئمة الكفر والموهية لكلمتهم، المؤيدة لسان العرب، المنوهة بذكرهم كأمر الفيل وما أحل الله بحزبه من العقوبة والنكال.
ومنها خمود نار فارس وسقوط شرفات إيوان كسرى وغيض ماء بحيرة ساوة(المقدمة/87)
ورؤيا الموبذان وغير ذلك.
ومنها ما سمعوه من الهواتف الصاخرة بنعوته وأوصافه والرموز المتضمنة لبيان شأنه وما وجد من الكهنة والجن في تصديقه وإشارتهم على أوليائهم من الإنس بالإيمان به.
ومنها انتكاس الأصنام المعبودة وخرورها لوجوهها من غير دافع لها عن أمكنتها، تومي إلى سَائِرُ مَا رَوَى فِي الأخبار المشهورة من ظهور العجائب في ولادته وأيام حضانته وبعدها إلى أن بعث نبيا وبعد ما بعث.
ثم إن له من وراء هذه الآيات المعجزات انشقاق القمر، وحنين الجذع وخروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى توضأ منه ناس كثير وتسبيح الطعام، وإجابة الشجرة إياه حين دعاها، وتكليم الذراع المسمومة إياه، وشهادة الذئب والضب والرضيع والميت له بالرسالة، وازدياد الطعام والماء بدعائه حتى أصاب منه ناس كثير، وما كان من حلبه الشاة التي لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ ونزول اللبن لها، وما كان من أخباره عن الكوائن فوجد تصديقه في زمانه وبعده، وغير ذلك مما قد ذكر ودوّن في الكتب.
شرط البيهقي في كتابه وخصائص مصنّفه:
يشرح البيهقي شرطه في إخراج الأحاديث والأخبار فيقول في المدخل:
«وعادتي في كتبي المصنفة في الأصول والفروع- الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، فلا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الاخبار مغمزا فيما اعتمد عليه اهل السنة من الآثار» .
لذا فنرى المصنف يتعرض في مدخل الدلائل الى قبول الاخبار، والحجة(المقدمة/88)
في تثبيت الخبر الواحد، وعقد فصلا فيمن يقبل خبره، ويتكلم عن أنواع الأخبار، والمراسيل، واختلاف الحديث، والناسخ والمنسوخ من الأحاديث، ثم يخلص من ذلك إلى قوله أنه صنّف هذا الكتاب، وأورد فيه ما يشير إلى صحة كل حديث، أما الذي تركه مبهما فهو مقبول في مثل ما أخرجه، أما ما عساه أورده بإسناد ضعيف فقد أشار إلى ضعفه، وجعل الاعتماد على غيره، وذلك كقوله بعد قصة المعراج وقد رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا أَحَادِيثُ بِأَسَانِيدَ ضِعَافٍ وَفِيمَا ثبت غنية» .
ويعتمد البيهقي أساسا على الصحيحين، وينقل منهما كثيرا ويشير الى ذلك، ثم ينقل عن سنن أبي داود ولا يشير الى ذلك، وبعض الأحاديث رأيت أنه نقلها من سنن الترمذي وقد خرجتها كلها في الحواشي، كما ينقل من مسند الإمام أحمد، وموطأ مالك، وسنن ابن ماجة، وسنن النسائي الكبرى وسنن الدارمي.
ويأخذ عن مستدرك الحاكم، وعن شيخ الحاكم ابن حبان.
كما يأخذ عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ولم يصل إلينا منها الا نقول في كتب، كما يأخذ عن مغازي الواقدي، ويكثر من الأخذ من سيرة ابن إسحاق.
ويوجد عنده اخبار لم ترد إلا في كتابه، وإسنادها معول عليه كأبيات الشعر «طلع البدر علينا» وبعض الأخبار الأخرى الواردة فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ، وقوم تبع، وحفر زمزم، وغيرها، وعنه نقلها المصنفون بعده.
وقد يكرر في كتابه بعض الأخبار أو قد يسردها مختصرة في مكان، ومطولة في مكان آخر من كتابه، كتكراره قصة أصحاب الفيل، وتكراره لحنين الجذع فقد أوردها مرة في المنبر بعد الهجرة، وأعادها في الدلائل، وحديث أم معبد ساقه مرة فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، ومرة في هجرته صلى الله عليه وسلم، وغيرها.
هذه الدقة في تمحيص الأخبار، وشرطه أن لا يورد من الأحاديث الا(المقدمة/89)
الصحيح لأن الاعتماد لا ينبغي إلا على هذا الصحيح، من هنا حظي كتابه بتقدير العلماء، واتفقت كلمتهم على أنه أشمل كتاب في موضوعه من حيث الصحة والدقة والتهذيب والترتيب، فصار مصدرا أصيلا، اعتمده العلماء، وصاروا يكثرون من النقل منه، أو العزو عنه، فمنهم الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» التي شحنها نقلا عن هذا الكتاب، والسيوطي في «الخصائص الكبرى» ، «والدر المنثور» .
المصنفات في دلائل النبوة ومنهج المصنف:
لقد ألف في دلائل النبوة مؤلفون كثيرون من قبل عصر البيهقي، وبعده، ولعل أول من جمعها في باب واحد هو:
1- البخاري في كتاب المناقب، أفرد بابا كبيرا أسماه:
«علامات النبوة في الإسلام» جمع فيه ستين حديثا من دلائل النبوة وعلاماتها، ثم أتبعه بباب بقية أحاديث علامات النبوة في الإسلام، فكان أول من جمع هذه الأحاديث في موضع واحد، وكذا صنع مسلم في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلّم.
2- دلائل النبوة لأبي داود السجستاني المتوفي (275) على ما ذكره الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» .
3- أعلام النبوة لابن قتيبة الدينوري المتوفى (276) .
4- دلائل النبوة لأبي بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا المتوفى (281) .
5- دلائل النبوة للإمام أبي إسحاق إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ المتوفى (285) .
6- دلائل النبوة لأبي إسحاق- إبراهيم بن حماد البغدادي المالكي المتوفي (320) 7- دلائل النبوة لأبي أحمد العسال المتوفى (349) .(المقدمة/90)
8- الإحكام لسياق آيات النبي- عليه السّلام- لأبي الحسن القطان، المتوفى (359) .
9- دلائل النبوة لأبي الشيخ ابن حيان المتوفى (369) .
10- دلائل النبوة لأبي عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَهْ، المتوفى (395) .
11- دلائل النبوة لأبي سعيد الخركوشي المتوفى (407) ، وله ترجمة في شيوخ البيهقي، وستأتي بعد قليل.
12- تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار الهمداني، الشافعي قاضي الري، المتوفى (415) .
13- إثبات نبوة النبي لأحمد بن الحسين الزيدي المتوفى (421) .
14- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى (430) .
15- دلائل النبوة لأبي العباس جعفر بن محمد المعروف بالمستغفري النسفي الحنفي المتوفى (432) جعل فيه الدلائل سبعة أبواب قبل البعثة والمعجزات عشرة أبواب على ما في كشف الظنون.
16- دلائل النبوة لأبي ذر الهروي، المتوفى (434) .
17- أعلام النبوة لأبي الحسن الماوردي، المتوفى (450) .
18- دلائل النبوة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني الطلحي الملقب بقوام السنة المتوفى (535) .
19- دلائل النبوة لأبي بكر محمد بن حسن النقاش الموصلي المتوفى (851) .
20- الحافظ ابن كثير سرد هذه الدلائل كلها في كتابه البداية والنهاية.
21- جمعها السيوطي في «الخصائص الكبرى» .
22- اختصر كتاب البيهقي ابن الملقن (723- 804) في كتاب: «غاية السول في خصائص الرسول» .(المقدمة/91)
23- اختصره أيضا عالم مجهول في كتاب عنوانه «بغية السائل عما حواه كتاب الدلائل» يوجد الجزء الثاني منه في الظاهرية بدمشق.
أما منهج المصنف في الاستدلال على النبوة فهو أن يسرد الأخبار النبوية، وأحوال صاحب الشريعة، ويستنبط منها هذه الدلائل، وواضح هذا في عناوين الأبواب.
ثم جاء وأفرد الدلائل كلها مجتمعة في موضع واحد أفردناه في السفر السادس من طبعتنا هذه.
وبالإضافة الى أن فيه نصوصا كثيرة لم يسبق نشرها، وأنه نقل من كتب اخرى لم تصل إلينا، فهو خير كتاب صنف في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم، ودلائل نبوته من خلال الأحاديث الصحيحة، والأخبار الوثيقة.
حياة البيهقي ومكانته العلمية:
هو الإمام الحافظ العلامة، شيخ خراسان، الفقيه الجليل، والأصولي النّحرير الزاهد، القانت الورع، صاحب التصانيف القائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا، «أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسين البيهقي النيسابوري» ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
ولد في خسرو جرد (من قرى بيهق بنيسابور) ، ونشأ في بيهق [ (1) ] ، تعلم
__________
[ (1) ] قال ياقوت في معجم البلدان: بيهق: ناحية كبيرة، وكورة واسعة، كثيرة البلدان والعمارة من نواحي نيسابور.. وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء» .
وجاء في دائرة المعارف الاسلامية: «بيهق ناحية من أعمال نيسابور في خراسان، كانت حاضرتها أول الأمر «خسروجرد» على مسيرة اربعة أميال من سبزوار، ثم أصبحت سبزاوار قصتها بعد ذلك، ومن قرى بيهق «باشتين» موطن الأمير عبد الرزاق مؤسس اسرة سربدار، وعرف أهلها(المقدمة/92)
من شيوخه في سنة (399) وكان قد بلغ خمسة عشر عاما.
وعلى عادة المحدثين في الرحلة في طلب العلم، فقد مضى البيهقي الى بلاد شتى، رحل الى العراق، والحجاز، وسمع في نوقان، واسفرايين، وطوس، والمهرجان، وأسدآباد، وهمدان، والدامغان، وأصبهان، والري، والطبران، ونيسابور، وروذبار، وبغداد، والكوفة ومكة، وطوّف الآفاق.
وكان في كل ذلك يصدر عن نفس خاشعة ورعة، ترقب الله، وتطلب العلم لوجه العلم، راض صابر على بأساء الحياة، لا يشكو قلة ولا عوزا، فإن همته العالية، ونفسه السامية لا ترى فوق العلم مطلبا أنفس منه، وهو سبب القوة الوثيق، ونسبها العريق، وبه تسمو النفس، وهو الحقيقة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلّم مثل العلماء الأعلى، وأقرّها في أنفسهم بجميع أخلاقه وأعماله، وما العالم بفضائله الا امتداد من أثر النبوة تعيش حوله أمته كلها، لا إنسان ضيق مجتمع حول نفسه بمنافع الدنيا، ولن يكون الإسلام صحيحا تاما حتى يجعل حامله من نبيه مثله الكامل، يقهر نفسه، ولا يضطرب، ولا يخشى مخلوقا.
هذه الأخلاق السامية العليا التي اقتبسها البيهقي وتمكن منها بنزاهة قصده، وخلوص نيته، ومراقبته لله، وتقلله من أعباء الدنيا، وإيثاره الصيام ثلاثين سنة ليسمو بروحه، صقلت مواهبه، وبكرت بنبوغه، وسددت خطاه.
وكان لشيوخه الذين زاد عددهم على مائة شيخ الفضل الكبير خلفا من
__________
[ () ] بالتعصب للشيعة في جميع العصور، وكان بالناحية محاجر للرخام، وخرج من «باشتين» المحدث الشافعي «أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ بن علي» .
وقد فتحت بيهق سنة ثلاثين من الهجرة، ودخلها عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بن كريز حينما رجع من كرمان، واصطلح معه أهلها، ودخل فيها كثير من الصحابة واستوطن بها، ومات فيها ابو رفاعة تميم بن أسيد العدوي، وزهير بن ذؤيب، وابن بشر الأنصاري، وأقام فيها مدة: شهر بن حوشب، وعكرمة مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عباس، وقنبر مولى علي بن أبي طالب.(المقدمة/93)
بعدهم في تصنيف العلم، وتحرير الكتب التي تشرح اصول الإسلام وقواعد الإيمان.
شيوخ البيهقي:
1- الحاكم [ (2) ] الحافظ الكبير أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الضبي الطهماني النيسابوري (321- 405) إمام أهل الحديث في عصره، وصاحب كتاب «المستدرك على الصحيحين» «وعلوم الحديث» ، و «التاريخ» ، «والمدخل الى معرفة الإكليل» ، «ومناقب الشافعي» وغيرها.
قال الذهبي: «كان عند البيهقي منه وقر بعير» .
قال ابن قاضي شهبة في ترجمته للحاكم في طبقات الشافعية (1:
190) : «أخذ عنه أبو بكر البيهقي، فأكثر عنه، وبكتبه تفقه وتخرج، ومن بحره استمد، وعلى منواله مشى» .
2- أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الحسين العلوي الحسني النيسابوري [ (3) ] ، شيخ الاشراف، كان سيدا نبيلا، صالحا، وقد امتدحه الحاكم، وقال:
«شيخ شيوخ الأشراف، ذو الهمة العالية، والعبادة الظاهرة، والسجايا الطاهرة، وكان يعد في مجلسه ألف محبرة، وقد انتقيت عليه ألف حديث» .
وقد حدث عنه الحاكم، وأبو بكر البيهقي. وهو أكبر شيخ للبيهقي ومات فجأة في جمادى الآخرة سنة احدى وأربع مائة.
__________
[ (2) ] ترجمته في تاريخ بغداد (5: 473) ، وفيات الأعيان (3: 408) ، تذكرة الحفاظ (3:
1039) ، طبقات الشافعية (4: 155) ، البداية والنهاية (11: 355) ، المنتظم (7:
274) ، النجوم الزاهرة (4: 238) ، ميزان الاعتدال (3: 608) ، لسان الميزان (5:
232) العبر (3: 91) .
[ (3) ] ترجمته في العبر (3: 76) ، شذرات الذهب (3: 162) .(المقدمة/94)
3- أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ [ (4) ] : الحافظ العالم الزاهد، شيخ الصوفية المشهور مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ موسى الأزدي النيسابوري (303- 412) ، وهو مؤلف كتاب «طبقات الصوفية» وشيخ خراسان، وكبير الصوفية، وصاحب التصانيف، ورث التصوف عن أبيه وجده، وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه حتى بلغ فهرس كتبه المائة ذكره الخطيب البغدادي، فقال: «محلّه كبير، وكان مع ذلك صاحب تصانيف مجّودا، جمع شيوخا، وتراجم وأبوابا، وعمل ديورة للصوفية، وصنّف سننا وتفسيرا» .
4- أَبُو سَعْدٍ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الخركوشي النيسابوري [ (5) ] الواعظ: وخركوش: سكة بنيسابور، حدّث عنه الحاكم وهو أكبر منه، والحسن بن محمد الخلال، والبيهقي، وغيرهم.
قال الخطيب: «كان ثقة ورعا صالحا» .
وقال الحاكم: «إني لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا الى الله وإلى الزهد، زاده الله توفيقا، وأسعدنا بأيامه، وقد سارت مصنفاته.
له تفسير كبير، وكتاب «دلائل النبوة» وكتاب «الزهد» .
وتوفي في جمادى الأولى سنة سبع وأربعمائة
__________
[ (4) ] ترجمته في تاريخ بغداد (2: 248) ، المنتظم (8: 6) ، الكامل في التاريخ (9: 326) ، العبر (3: 109) ، البداية والنهاية (12: 12) ، تذكرة الحفاظ (3: 1046) ، طبقات الشافعية للسبكي (4: 143)
[ (5) ] له ترجمة في تاريخ بغداد (10: 432) ، تبيين كذب المفتري (233) ، المنتظم (7:
279) ، تذكرة الحفاظ (3: 1066) ، العبر (3: 96) ، شذرات الذهب (3: 184) ، طبقات السبكي (5: 222) .(المقدمة/95)
5- أبو إسحاق الطوسي: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم [ (6) ] ، أحد الأكابر المناظرين، كانت له ثروة زائدة وجاه وافر، تفقه على أبي الوليد النيسابوري، وعلى أبي سهل الصعلوكي، نقل عنه الرافعي، وفاته في رجب سنة احدى عشرة وأربعمائة.
6- عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ [ (7) ] : كان من كبار الصوفية، وثقات المحدثين (315- 409) أكثر عنه البيهقي.
7- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ النيسابوري [ (8) ] : الرئيس الأوحد، الثقة المسند، أبو محمد المزكيّ، حدث عن الأصم، وعن أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ القطان، وهو آخر أصحاب القطان موتا، وحدث عنه البيهقي، وأبو صالح المؤذن، ومحمد بن يحيى المزكي، وآخرون، وكان ثقة، وجيها، نبيلا توفي فجأة في شعبان سنة عشر واربعمائة وكان يملي في داره.
8- عبد الله بن يوسف، أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين: [ (9) ] شيخ الشافعية، الفقيه المدقق المحقق، النحوي المفسر، تصدّر للفتوى سنة سبع وأربعمائة وكان مجتهدا في العبادة، مهيبا بين التلامذة، صاحب جد ووقار وسكينة، وكان يلقب بركن الإسلام.
__________
[ (6) ] له ترجمة في طبقات ابن هداية الله (44) ، والعقد المذهب لابن الملقن ص (180) ، وطبقات الشافعية الوسطى للسبكي (ل 42) ، وطبقات الشافية لابن قاضي شهبة (1: 160) .
[ (7) ] ويقال له ابن بامويه، وله ترجمة في العبر (3: 100) ، وتذكرة الحفاظ (3: 1049) ، وشذرات الذهب (3: 188) .
[ (8) ] له ترجمة في العبر (3: 102) ، تذكرة الحفاظ (3: 1051) ، شذرات الذهب (3: 190) .
[ (9) ] ترجمته في الأنساب للسمعاني (3: 385) ط. عالم الكتب، تبيين كذب المفتري (257) ، المنتظم (8: 130) ، الكامل في التاريخ (9: 535) ، العبر (3: 188) ، مرآة الجنان لليافعي (3: 58) ، طبقات الشافعية للسبكي (5: 73) ، البداية والنهاية (12: 55) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 211) ، طبقات ابن هداية الله (144) شذرات الذهب (3: 261) .(المقدمة/96)
وله من التآليف: «التبصرة» في الفقه، وكتاب «التذكرة» ، وكتاب «التفسير الكبير» ، وغيرها.
وفاته في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
9- الإمام المحدث، مقرئ العراق، أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حفص بن الحمامي البغدادي [ (10) ] (328- 417) .
سمع من أبي سهل القطان، وابن قانع، ومحمد بن جعفر الأدمي، وتلا على النقاش، وهبة الله بن جعفر، وابن أبي هاشم وغيرهم حدث عنه الخطيب، والبيهقي، وعبد الواحد بن فهد، وغيرهم، قال الخطيب: «كان صدوقا ديّنا فاضلا، تفرد بأسانيد القراءات وعلوّها في وقته» .
10- الحافظ أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بْنُ أحمد المسعودي الهذلي النيسابوري الأعرج [ (11) ] العبدوي ابن المحدث أبي الحسن.
سمع إسماعيل بن نجيد وأبا بكر الإسماعيلي، وأبا الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ، وأبا أحمد الحاكم، وطبقتهم.
وقال الخطيب: «لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين: أبو نعيم، وأبو حازم العبدوي» .
وقال أيضا: «كان أبو حازم ثقة صادقا حافظا عارفا» وفاته يوم عيد الفطر سنة سبع عشرة وأربعمائة.
__________
[ (10) ] له ترجمة في «تاريخ بغداد» (11: 329) ، الأنساب (4: 207) الإكمال (3: 289) ، المنتظم (8: 28) ، الكامل (9: 356) ، العبر (3: 125) ، البداية (12: 21) ، شذرات الذهب (3: 208) .
[ (11) ] ترجمته في «تاريخ بغداد» (11: 272) ، الأنساب (8: 354) ، تبيين كذب المفتري (241) ، المنتظم (8: 27) ، تذكرة الحفاظ (3: 1072) ، العبر (3: 125) ، طبقات الشافعية للسبكي (5: 300) ، البداية (12: 12) ، النجوم الزاهرة (4: 265) شذرات الذهب (3: 208) .(المقدمة/97)
11- أبو طاهر الزيّادي: محمد بن محمد بن محمش [ (12) ] (317- 410) النيسابوري: الفقيه العلامة القدوة شيخ خراسان، كان والده من العابدين.
سمع من مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، وعبد اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، وأبي العباس الأصم، وأبي علي الميداني، وعليّ بن حمشاذ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وغيرهم.
وكان إماما في المذهب، متبحرا في علم الشروط، بعصيرا في العربية، كبير الشأن، وكان إمام أصحاب الحديث ومسندهم ومفتيهم.
روى عنه أبو بكر البيهقي، وعبد الجبار بن عبد الله بن برزة، والقاسم بن الفضل الثقفي، وقد روى عنه من أقرانه الحاكم.
12- الإمام الشريف أبو الفتح ناصر بن الحسين العمري: [ (13) ] الفقيه، شيخ الشافعية، ينتهي نسبه إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر بن الخطاب.
سمع أبا العباس السرخسي، وأبا محمد المخلدي، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابن عبد الوهاب الرازي، وتفقّه على أبي بكر القفّال، وابن محمش الزيّادي.
وبرع في المذهب، ودرّس في أيام مشايخه، وتفقّه به اهل نيسابور، وكان مدار الفتوى والمناظرة عليه.
أخذ عنه ابو بكر البيهقي، ومسعود بن ناصر السّجزي، وأبو صالح المؤذن، وآخرون.
__________
[ (12) ] الأنساب (6: 336) ، اللباب (2: 84) ، تذكرة الحفاظ (3: 1051) ، العبر (3: 103) ، طبقات الشافعية للسبكي (4: 198) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 191) ، شذرات الذهب (3: 192) .
[ (13) ] انظر ترجمته في العبر (3: 208) ، طبقات الشافعية للسبكي (5: 350) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 249) ، شذرات الذهب (3: 272) .(المقدمة/98)
وكان خيّرا متواضعا فقيرا، متعففا قانعا باليسير، كبير القدر ومات بنيسابور في ذي القعدة سنة اربع وأربعين وأربعمائة.
13- العلامة أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ بن أيوب النيسابوري [ (14) ] : المفسر الواعظ صاحب كتاب «عقلاء المجانين» ، وصنّف في التفسير والأدب سمع أبا العباس الأصم، ومحمد بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، وابن حبان وغيرهم وتوفي فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ستّ وأربعمائة.
14- أَبُو عُمَرَ، مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بن أحمد البسطامي: [ (15) ] الفقيه، الأديب، المحدث، كان يقرئ العربية، وثقفه على أبي سعيد الصعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، وفاته في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة.
15- هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر الحفّار [ (16) ] : أبو الفتح، الشيخ الصدوق (322- 414) سمع من إسماعيل الصفّار، وعثمان بن أحمد الدقاق، وإسماعيل ابن علي الخزاعي، وغيرهم وحدث عنه الخطيب، والبيهقي، وأبو نصر السّجزي، وخلق سواهم قال الخطيب: «كان صدوقا، مات في صفر سنة اربع عشرة واربعمائة» .
16- أَبُو الْحَسَنِ، عَلِيُّ بْنُ الحسن المصري: [ (17) ] القاضي، الفقيه، الشافعي: سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس، وأبا سعد الماليني، وانتهى إليه
__________
[ (14) ] ترجمته في العبر (3: 93) ، بغية الوعاة (1: 519) ، طبقات المفسرين للداوودي (1: 140) ، شذرات الذهب (3: 181) .
[ (15) ] انظر ترجمته في العبر (3: 160) ، وشذرات الذهب (3: 230) .
[ (16) ] ترجمته في تاريخ بغداد (14: 75) ، الأنساب (10: 428) ، المنتظم (8: 15) العبر (3:
118) ، تذكرة الحفاظ (3: 1057) ، شذرات الذهب (3: 201) .
[ (17) ] له ترجمة في العبر (3: 334) .(المقدمة/99)
علو الإسناد بمصر، وله تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوما، واستعفى، وانزوى.
17- أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الجبار البغدادي السكري [ (18) ] : الشيخ المعمر الثقة، سمع من إسماعيل الصفّار عدة أجزاء انفرد بعلوّ إسنادها، وسمع من جعفر الخلدي، وأبي بكر النّجاد، وجماعة.
روى عنه الخطيب، والبيهقي، والحسين بن علي البسري قال الخطيب:
«كتبنا عنه، وكان صدوقا» . وفاته في صفر سنة سبع عشرة وأربعمائة.
18- أحمد بن أبي علي الحسن بن الحافظ أبي عمرو أحمد بن محمد ابن حفص بن مسلم الحرشي الحيريّ النيسابوري الشافعي [ (19) ] : الإمام المحدث العالم، مسند خراسان، قاضي القضاة (325- 417) .
حدّث عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، وأبي أحمد بن عدي، وحاجب بن أحمد الطوسي، وأبي محمد الفاكهي، وغيرهم.
وتفقه على أبي الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدِ، ودرس الكلام والأصول على أصحاب أبي الحسن الأشتري، وكان فقيها، بصيرا بالمذهب.
حدث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وأبو محمد الجويني، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو بكر الخطيب، والحسن بن محمد الصفّار، وغيرهم.
أثنى عليه الحاكم، وفخمّ أمره، وصنّف في الأصول والحديث.
__________
[ (18) ] انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» (10: 199) ، العبر (3: 125) ، شذرات الذهب (3:
208) .
[ (19) ] له ترجمة في الأنساب (4: 108) ، والعبر (3: 141) ، طبقات الشافعية للسبكي (4: 6) ، شذرات الذهب (3: 217) .(المقدمة/100)
19- أبو الحسن: علي محمد الواعظ المصري [ (20) ]-: هو بغدادي، أقام بمصر مدة، روى عن أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ ناصح، وأبي يزيد القراطيسي، وطبقتهما، وكان صاحب حديث، وله مصنفات كثيرة في علم الحديث والزهد، وكان مقدم زمانه في الوعظ. وفاته في ذي القعدة سنة (438) .
20- أَبُو عَلِيٍّ، الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بن علي بن حاتم الرّوذباري الطّوسيّ: [ (21) ] راوي سنن أبي داود، عن ابن داسة، حدث بها بنيسابور، وسمع إسماعيل الصفّار، وعبد الله بن عمر بن شوذب، والحسين بن الحسن الطوسي وحدث عنه الحاكم وهو في أقرانه، وأبو بكر البيهقي، وأبو الفتح: نصر بن علي الطوسي، وفاطمة بنت أبي علي الدقاق، وعدد كثير نيّف على الثمانين.
وفاته فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثلاث واربعمائة.
21- أبو إسحاق الإسفراييني: [ (22) ] الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مهران الاسفراييني الأصولي الشافعي، ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة.
ارتحل في الحديث، وسمع من دعلج السّجزي، وعبد الخالق بن روبا، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، ومحمد بن يزداد، وغيرهم، حدث عنه ابو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو الطيب،
__________
[ (20) ] له ترجمة في شذرات الذهب (3: 3) .
[ (21) ] قال السمعاني (6: 180) : لفظ (الروذباري) نسبة لمواضع عند الأنهار الكبيرة، يقال لها:
«الروذبار» وهي في بلاد متفرقة، منها موضع على باب الطابران بطوس يقال له: الروذبار، وكنت قد نزلت مرة من المرار ببلاد الروذبار.
وله ترجمة أيضا في العبر (3: 85) ، وشذرات الذهب (3: 168) .
[ (22) ] انظر ترجمته في: الأنساب (1: 237) ، تبيين كذب المفتري (243) ، تهذيب الأسماء واللغات (2: 169) ، العبر (2: 128) ، طبقات الشافعية للسبكي (4: 256) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 158) ، البداية (12: 24) ، شذرات الذهب (3: 209) .(المقدمة/101)
الطبري، وغيرهم.
قال الحكم: «أبو إسحاق الأصولي الفقيه المتكلم المتقدم في هذه العلوم، انصرف من العراق، وقد أقرّ له العلماء بالتقدم، وبني له بنيسابور المدرسة التي لم يبن بنيسابور مثلها قبلها، فدرّس فيها.
وفاته في سنة ثماني عشرة وأربعمائة.
22- أبو ذر الهروي: [ (23) ] الحافظ الإمام المجوّد العلامة، شيخ الحرم، أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بن عبد الله الأنصاري المالكي، صاحب التصانيف، وراوي الصحيح عن الثلاثة: «المستملي والحموي، والكشمهيني» .
ولد سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة.
وسمع أبا الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ، وبشر بن محمد المزني، وأبا الحسن الدارقطني، والدينوري، وغيرهم وألف معجما لشيوخه، وحدّث بخراسان، وبغداد، والحرم.
كان ثقة، ضابطا، ديّنا، توفي في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة.
23- ابن فورك شيخ المتكلمين: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ الأصبهاني [ (24) ] :
هو الإمام الجليل: والحبر المهيب، العالم التقي الورع، الواعظ اللغوي
__________
[ (23) ] ترجمته في تاريخ بغداد (11: 141) ، المنتظم (8: 115) الكامل (9: 514) ، العبر (3:
180) ، تذكرة الحفاظ (3: 1103) ، البداية (12: 50) ، الديباج المذهب (2: 132) ، شذرات الذهب (3: 254) .
[ (24) ] ترجمته في العبر (1: 95) ، طبقات الشافعية للسبكي (4: 127) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 185) ، النجوم الزاهرة (4: 240) ، شذرات الذهب (3: 181) ، إنباه الرواة (3:
110) ، مرآة الجنان (3: 17) .(المقدمة/102)
النحوي، رافض الدنيا وزخرفها، المقبل على الله سيرا وعلانية، صاحب التصانيف المشحونة علما، والمؤلفات الضافية حكمة، الأستاذ الذي لا يبارى، والفيلسوف الذي لا يجارى: محمد بن الحسن ابن فورك أبو بكر، الأنصاري الاصبهاني، ولد حوالي سنة 332 هـ.
درس بالعراق- أول الأمر- مذهب الاشعرية على أبي الحسن الباهلي، ثم رحل الى نيسابور، فحقق مجدا وشهرة، وبنى له بها دارا ومدرسة، فحدث بها، وأحيا به الله تعالى أنواعا من العلوم، وظهرت بركته على أهل الفقه.
سمع ابن فورك مِنْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ جعفر الاصبهاني جميع مسند الطيالسي، وسمع من ابن خرزاذ الأهوازي، وروى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو بكر بن علي بن خلف.
ثم دعى الى مدينة غزنة بالهند، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، وذهب إليها، وناصر الحق، واستفاد الناس منه.
وكان- رحمه الله- فقيها، مفسرا، أصوليا، واعظا، أديبا نحويا، لغويا، عارفا بالرجال.
توفي عام: 406، وقد ذكر أنه مات مسموما على يد ابن سبكتكين، ذلك أنه كان قائما في نصرة الدين، وقد رد على المشبهة الكرامية، بسهام لا قبل لهم بها، فتحزبوا عليه.
24- أبو بكر الطوسي: محمد بن أبي بكر الطوسي النوقاني: [ (25) ] تفقه بنيسابور على الماسرجي، وببغداد على أبي محمد البافي الخوارزمي وكان إمام اصحاب الشافعي بنيسابور له الدرس والأصحاب ومجلس النظر وكان ورعا
__________
[ (25) ] انظر ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي (4: 121) ، طبقات ابن قاضي شهبة (1: 184) ، العقد المذهب لابن الملقن (46) .(المقدمة/103)
زاهدا، ترك طلب الجاه والدخول على السلاطين، وقبول الولايات، وكان حسن الخلق، تفقه به خلق كثير وظهرت بركته عليهم منهم أبو القاسم القشيري، وتوفى بنوقان سنة عشرين وأربعمائة.
25- أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ المعدّل [ (26) ] : (328- 415) سمع من أبي جعفر البختري، وإسماعيل الصفّار، وعثمان بن السّماك، وغيرهم.
حدث عنه البيهقي، والخطيب، والرئيس أبو عبد الله الثقفي، وغيرهم قال الخطيب: «كان تام المروءة، ظاهر الدّيانة، صدوقا ثبتا» .
26- أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَافِظُ: [ (27) ] قَالَ الذهبي: «هو مصنف السنن الذي يكثر البيهقي من التخريج منه في سننه، وقال الخطيب:
«روى عنه الدارقطني، وكان ثقة، ثبتا، صنّف المسند وجوّده» .
27- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ: [ (28) ] الشيخ المحدث الصدوق، الثقة، المشهور توفي بخراسان (415) .
28- أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ: [ (29) ] الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد بن حليم البخاري الشافعي القاضي العلامة، رئيس المحدثين والمتكلمين بما وراء النهر، أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب.
__________
[ (26) ] انظر تاريخ بغداد (12: 98) ، المنتظم (8: 18) ، العبر (3: 120) شذرات الذهب (3:
203) .
[ (27) ] تذكرة الحفاظ (876) .
[ (28) ] انظر ترجمته في تاريخ بغداد (11: 229) ، وتاريخ جرجان (503) .
[ (29) ] ترجمته في: الأنساب (4: 198) ، المنتظم (7: 264) .
تذكرة الحفاظ (3: 1030) ، العبر (3: 48) ، طبقات الشافعية للسبكي (4: 333) ، البداية (11: 349) ، شذرات الذهب (3: 167) .(المقدمة/104)
أخذ عن القفّال، والإمام أبي بكر الأودني، وأبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن خنب، والدّخميسي، وغيرهم.
وله مصنفات نفيسة.
حدث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وعبد الرحيم البخاري، وللحفاظ البيهقي اعتناء بكلام الحليمي، لا سيما في «شعب الإيمان» .
وتوفي سنة ثلاث وأربعمائة.
29- أبو سعد الماليني [ (30) ] : الإمام المحدث الصادق، الزاهد، الجوّال أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الهروي الماليني، الصوفي، الملقب بطاووس الفقراء.
جال في طلب العلم ولقاء المشايخ إلى نيسابور، وأصبهان، وبغداد، والشام، والحرمين، وجمع، وصنّف.
وحدث عنه الخطيب، والبيهقي، وأبو نصر السجزي، وغيرهم.
كان ذا صدق وورع، وإتقان، حصّل المسانيد الكبار.
وتوفي سنة تسع وأربعمائة.
30- أبو سعيد الصيرفي: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الفضل [ (31) ] المتوفي (421) شيخ، ثقة، مأمون، وهو من كبار تلاميذ الأصم، وقد روى عنه البيهقي كتب الشافعي.
31- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ [ (32) ] صاحب المدرسة:
__________
[ (30) ] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد (4: 371) ، المنتظم (8: 3) ، تذكرة الحفاظ (3:
1070) ، العبر (3: 107) طبقات السبكي (4: 59) ، البداية (12: 11) ، شذرات الذهب (3: 195) .
[ (31) ] ترجمته في العبر (3: 144) ، شذرات الذهب (3: 220) .
[ (32) ] تاريخ بيهق (297) .(المقدمة/105)
كان إماما محدثا قانتا، وأنشأ مدرسة في نيسابور.
32- أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بن فضل بْنِ نَظِيفٍ الْفَرَّاءُ الْمِصْرِيُّ [ (33) ] المتوفي (431) وهو مسند الديار المصرية، سمع منه بمكة.
33- أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الصعلوكي النيسابوري [ (34) ] :
سمع من الأصم، وأبي علي الرفاء، وطائفة، وقال الحاكم: هو من أنظر من رأينا، وحدث عنه الحاكم، وهو أكبر منه، والبيهقي، وكان بعض العلماء يعده المجدد لهذه الأمة دينها على رأس الأربعمائة، وبعدهم عدّ ابن الباقلاني.
34- أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن غالب الخوارزمي البرقاني [ (35) ] : الإمام العلامة الفقيه، الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، قال الخطيب: كان ثقة ورعا ثبتا فهما لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، صنف مسندا ضمّنه ما اشتمل عليه «صحيح» البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر ... وغيرهم، ولم يقطع التصنيف حتى مات، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمة إليه» .
وقال الخطيب: «أنا ما رأيت شيخا أثبت منه» .
ولادته سنة (336) ، وفاته (425) .
35- أبو منصور البغدادي: عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ بن محمد التميمي [ (36) ] :
__________
[ (33) ] شذرات الذهب (3: 249) ، العبر (3: 175) .
[ (34) ] الأنساب (8: 64) ، تبيين كذب المفتري (211) ، العبر (3: 88) ، طبقات السبكي (4: 393) ، البداية (11: 324) ، شذرات الذهب (3: 172) .
[ (35) ] ترجمته في تاريخ بغداد (4: 373) ، الأنساب (2: 156) ، المنتظم (8: 79) تذكرة الحفاظ (3: 1074) ، العبر (3: 156) ، طبقات السبكي (4: 47) .
[ (36) ] انظر ترجمته في: إنباه الرواة (2: 185) ، طبقات السبكي (5: 136) البداية والنهاية (12: 44) .(المقدمة/106)
العلامة البارع، المتفنن الأستاذ، صاحب التصانيف البديعة، وأحد أعلام الشافعية.
حدث عنه أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وخلق وكان من أئمة الأصول.
36- أبو عبد الله الغضائري: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد المخزومي البغدادي [ (37) ] : الإمام الصالح، الثقة، أبو عبد الله، سمع محمد بن يحيى الصولي، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وأبا جعفر البختري، وغيرهم.
وحدث عنه أبو بكر البيهقي، وأبو بكر الخطيب، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وآخرون.
قال الخطيب: «كان ثقة فاضلا، مات في المحرم سنة أربع عشرة وأربعمائة» .
37- أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بن محمد بن فنجويه [ (38) ] : الدينوري، المحدث المفيد، بقية المشايخ، حدث عن هارون العطار، وأبي بكر بن السني وأبي بكر القطيعي.
قال شيرويه في تاريخه: كان ثقة صدوقا، كثير الرواية للمناكير، حسن الخط، كثير التصانيف. مات بنيسابور في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وأربعمائة.
38- ابن البقال: عبيد الله بن عمر بن علي المقري [ (39) ] المتوفى ببغداد
__________
[ (37) ] تاريخ بغداد (8: 34) ، الأنساب (9: 155) ، المنتظم (8: 14) ، العبر (3:
116) ، شذرات الذهب (3: 200) .
[ (38) ] انظر ترجمته في: العبر (3: 116) ، شذرات الذهب (3: 200) .
[ (39) ] تاريخ بغداد (5: 382) ، طبقات السبكي (5: 233) .(المقدمة/107)
سنة (415) ، كان من الفقهاء الثقات، روى عنه الخطيب البغدادي.
39- محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الزرهاجي (341- 426) [ (40) ] : العلامة المحدث، الأديب، الفقيه، الشافعي، تلميذ أبي سهل الصعلوكي، وسمع أبا بكر الإسماعيلي، وأبا أحمد بن عدي، وأبا أحمد الحاكم.
حدّث عنه أبو بكر البيهقي، والرئيس الثقفي، وعلي بن محمد الفقاعي وغيرهم.
40- الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبِسْطَامِيُّ [ (41) ] : شيخ الشافعية، قاضي نيسابور، له رحلة واسعة، وفضائل، وولي القضاء، وروى عنه: الحاكم، والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم.
41- أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم بن منجويه اليزدي الأصبهاني [ (42) ] : من الحفاظ الأثبات، ارتحل الى بخارى، وسمرقند، وهراة، وجرجان، وحدث عنه أبو بكر البيهقي، والخطيب، وسعيد البقال، وغيرهم.
صنف على الصحيحين مستخرجا، وعلى جامع أبي عيسى، وسنن أبي داود، وفاته (428) .
42- أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ القطان البغدادي [ (43) ] : (334- 415) الشيخ العالم الثقة، مجمع على ثقته، حدّث
__________
[ (40) ] طبقات السبكي (4: 151) ، شذرات الذهب (3: 230) ، الأنساب (6: 110) ، والعبر (3: 160) .
[ (41) ] تاريخ بغداد (2: 247) ، الأنساب (2: 215) ، العبر (3: 99) ، شذرات الذهب (3: 187) ، طبقات السبكي (4: 140) ، المنتظم (7: 285) .
[ (42) ] تذكرة الحفاظ (3: 1085) ، العبر (3: 164) ، شذرات الذهب (3: 233) .
[ (43) ] ترجمته في تاريخ بغداد (2: 249) ، الأنساب (10: 186) ، المنتظم (8: 20) ، العبر (3: 120) ، شذرات الذهب (3: 203) .(المقدمة/108)
عنه البيهقي والخطيب، واللالكائي، وأبو عبد الله الثقفي ... وغيرهم.
تلاميذ البيهقي:
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (3: 1133- 1134) : «روى عنه خلق كثير» وقرأ كتبه على تلاميذه الكثيرين الذين نشروها في الأمصار، أما أشهر تلاميذه الذين نقلوا عنه العلم، وكثرت ملازمتهم له، وكان لهم به صلة وثيقة، منهم:
1- أبو عبد الله الفراوي: محمد بن الفضل [ (44) ] : (441- 530) تفرد برواية صحيح مسلم، وكان يعرف بفقيه الحرم، لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة ينشر العلم ويسمع الحديث وكان بارعا في الفقه والأصول، حافظا لقواعده، كما تفرد برواية «دلائل النبوة» والأسماء والصفات.
قال ابن السمعاني: هو إمام ثبت، مناظر، واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، جواد، مكرم للغرباء، ما رأيت في شيوخنا مثله.
2- أبو محمد: عبد الجبار بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ البيهقي الخواري [ (45) ] :
وكان إماما فاضلا مفتيا متواضعا، كتب عنه السمعاني الكثير بنيسابور، وقرأ عليه الكتب وفاته (533) .
3- أبو نصر علي بن مسعود بن محمد الشجاعي: وقد روى عن البيهقي رسالته إلى أبي محمد الجويني [ (46) ] .
__________
[ (44) ] له ترجمة في طبقات السبكي (4: 92) ، وطبقات ابن قاضي شهبة (1: 352) ، وشذرات الذهب (4: 96) ، والبداية والنهاية (12: 211) .
[ (45) ] طبقات السبكي (4: 243) ، العبر (4: 99) ، شذرات الذهب (3: 113) .
[ (46) ] طبقات الشافعية (3: 210) .(المقدمة/109)
4- زاهر بن طاهر بن محمد [ (47) ] : أبو القاسم المستملي الشحامي المعدل، روى عنه كتاب الزهد، ورواه ابن عساكر عن المستملي.
5- أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ أبي مسعود الصاعدي [ (48) ] : روى عنه ابن عساكر كما في تبيين كذب المفتري.
6- أبو المعالي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ محمد بن الحسين الفارسي النيسابوري [ (49) ] : راوي السنن الكبير عن البيهقي، وفاته (539) .
7- القاضي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بن علي بن فطيمة البيهقي قاضي خسروجرد [ (50) ] : المتوفي بها.
8- إسماعيل بن أحمد البيهقي [ (51) ] ابن المصنف (428- 507) سمع من أبيه، ورحل في طلب العلم، وتوفي «ببيهق» وكان فاضلا مرضي الطريقة.
9- حفيد البيهقي: أبو الحسن، عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد [ (52) ] ، وهو راوي كتاب «دلائل النبوة، ومعرفة أحوال صاحب الشريعة» ، كما روى عن جده عدة كتب، وكانت وفاته سنة (523) وله أربع وسبعون سنة.
10- الحافظ أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ عبد الوهاب بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بن مندة العبدي الأصبهاني المتوفي (511) ، وهو صاحب التاريخ، سمع من البيهقي في نيسابور، وقال السمعاني: «كان جليل القدر، وافر الفضل، واسع
__________
[ (47) ] البداية (12: 94) ، وشذرات الذهب (4: 102) .
[ (48) ] تبيين كذب المفتري (45) .
[ (49) ] شذرات الذهب (4: 125) .
[ (50) ] الأنساب (2: 413) ، طبقات السبكي (7: 73) .
[ (51) ] طبقات السبكي (7: 44) ، المنتظم (9: 175) .
[ (52) ] ترجمته في الميزان (3: 15) ، شذرات الذهب (4: 67) .(المقدمة/110)
الرواية، حافظ، ثقة، مكثر، صدوق، كثير التصانيف» .
مصنفاته:
1- السنن الكبرى الذي قال عنه الذهبي: «ليس لأحد مثله» .
2- السنن الصغرى، قال صاحب كشف الظنون: «السنن الكبيرة، والصغيرة كتابان لأبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي البيهقي، وهما على ترتيب «مختصر المزني» لم يصنف مثلهما في الإسلام.
3- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة وهو درة تصانيف البيهقي، ومن أنفس وأشمل ما صنف في هذا الموضوع.
4- أحكام القرآن: جمعه من كلام الشافعي.
5- كتاب الاعتقاد.
6- كتاب «القراءة خلف الإمام» .
6- حياة الأنبياء في قبورهم.
7- مناقب الشافعي.
8- كتاب الزهد الكبير.
9- المدخل إلى السنن.
10- البعث والنشور.
11- كتاب «القدر» .
12- كتاب «الآداب» .
13- كتاب «الترغيب والترهيب» .
14- كتاب «فضائل الصحابة» .
15- كتاب «الأربعين الكبرى» .
16- كتاب «مناقب الإمام أحمد» .(المقدمة/111)
17- كتاب «شعب الإيمان» ، أو المصنف الجامع في شعب الإيمان.
18- كتاب «الدعوات الكبير» .
19- كتاب «الدعوات الصغير» .
20- رسالة في حديث الجويباري.
21- رسالة أبي محمد الجويني.
22- جامع أبواب قراءة القرآن.
23- كتاب الأسرى.
24- كتاب الانتقاد عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الشافعي.
25- ينابيع الأصول.
26- كتاب «أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ» ذكره عند ما أتى على خبر من أخبار مسيلمة، في السفر الخامس من دلائل النبوة، وقال: «سنأتي عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وهو جزء قتل مسيلمة» .
ولا نتعجب من كثرة تصانيف البيهقي الكثيرة، فالرجل عاش أربعا وسبعين سنة، وكان أول سماعه للعلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وارتحل الى بلاد كثيرة، وسمع من شيوخها، حتى أربى عدد شيوخه عن المائة، وأفنى عمره في التصنيف والتأليف، وألف مؤلفات لم يسبق إليها وكان أول تصنيفه في سنة ست وأربعمائة [ (53) ] .
وكانت مصنفاته تتسم بسعتها وشمولها، وصحة ما جاء فيها لعدم اعتماده على الروايات المرجوحة والضعيفة مما جعلها تنتشر في الآفاق، ويقبل عليها طلاب الحديث.
__________
[ (53) ] طبقات الاسنوي (1: 199) .(المقدمة/112)
قال السبكي في طبقات الشافعية (4: 9) عن مصنفاته:
* أما «السنن الكبير» فما صنف في علم الحديث مثله، تهذيبا وترتيبا وجودة.
* وأما معرفة السنن والآثار» فلا يستغني عنه فقيه شافعي وسمعت الشيخ الإمام- رحمه الله- يقول: «مراده معرفة الشافعي بالسنن والآثار» .
* وأما المبسوط في نصوص الشافعي، فما صنّف في نوعه مثله.
* وأما كتاب «الأسماء والصفات» فلا أعرف له نظيرا.
* وأما كتاب «الاعتقاد وكتاب «دلائل النبوة» ، وكتاب «شعب الإيمان» وكتاب «مناقب الشافعي» وكتاب «الدعوات الكبير» فأقسم ما لواحد منها نظير.
* وأما كتاب «الخلافيات» فلم يسبق الى نوعه، ولم يصنّف مثله وهو طريقة مستقلة حديثية، لا يقدر عليها الا مبرّز في الفقه والحديث، قيّم بالنصوص.
* وله أيضا كتاب «مناقب الإمام أحمد» ، وكتاب «أحكام القرآن للشافعي» وكتاب «الدعوات الصغير» وكتاب «البعث والنشور» ، وكتاب «الزهد الكبير» وكتاب «الاعتقاد» وكتاب «الآداب» ، وكتاب «الأسرى» وكتاب «السنن الصغير» ، وكتاب «الأربعين» ، وكتاب «فضائل الأوقات» ، وغير ذلك.
وكلها مصنفات نظاف مليحة الترتيب والتهذيب، كثيرة الفائدة، يشهد من يراها من العارفين بأنها لم تتهيأ لأحد من السابقين.
وهذا التصنيف الجيد الباهر، الكثير الفائدة هو الذي دعا إمام الحرمين لأن يقول:
«ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منّة، إلا البيهقي فإنّ له على الشافعي منّة، لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله» .(المقدمة/113)
وقال ابنه شيخ القضاة «أبو علي» : «حدثني والدي، قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب، يعني- معرفة السنن والآثار- وفرغت من تهذيب أجزاء منه. سمعت الفقيه أبا محمد: أحمد بن علي، يقول: وهو من صالحي أصحابي، وأكثرهم تلاوة، وأصدقهم لهجة، يقول: «رأيت الشافعي في المنام وفي يده أجزاء من هذا الكتاب، وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء، أو قال: قرأتها» .
قال: «وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني يعرف بعمر بن محمد في منامه الشافعيّ قاعدا على سرير في مسجد الجامع بخسروجرد، وهو يقول: «استفدت اليوم من كتاب الفقيه أحمد كذا وكذا» .
قال شيخ القضاة: «وحدثنا والدي، قال: سمعت الفقيه أبا محمد الحسين بن أحمد السّمرقندي الحافظ، يقول: «سمعت الفقيه أبا بكر محمد ابن عبد العزيز المروزي الجنوجردي، يقول: «رأيت كأنّ تابوتا علا في السماء يعلوه نور، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟، فَقِيلَ: تصانيف البيهقي»
شهادة العلماء بفضله وعلمه:
قال ياقوت الحموي: «هو الإمام الحافظ الفقيه في أصول الدين الورع، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان مع الدين المتين، من أجلّ أصحاب ابن عبد الله الحاكم، والمكثرين عنه، ثم فاقه في فنون من العلم وتفرد بها» .
وقال ابن ناصر: «كان واحد زمانه، وفرد أقرانه حفظا وإتقانا وثقة، وهو شيخ خراسان [ (54) ] .
وقال ابن الجوزي: «كان واحد زمانه في الحفظ والإتقان، وحسن
__________
[ (54) ] شذرات الذهب (3: 304) .(المقدمة/114)
التصنيف، وجمع علوم الحديث والفقه والأصول، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله، ومنه تخرج، وسافر، وجمع الكثير، وله التصانيف الكثيرة الحسنة» [ (55) ] .
قال الذهبي: لو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومه ومعرفته بالاختلاف» [ (56) ] .
وقال ابن خلكان: «الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور واحد زمانه، وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله البيع في الحديث، ثم الزائد عليه في أنواع العلوم» [ (57) ] .
وقال السمعاني: «كان إماما فقيها، حافظا، جمع بين معرفة الحديث وفقهه» [ (58) ] .
قال ابن الأثير: «كان إماما في الحديث، وتفقه على مذهب الشافعي» [ (59) ] .
قال عبد الفاخر في «ذيل تاريخ نيسابور» [ (60) ] «أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي الدّين الورع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم ويزيد عليه بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه، وتفقه وبرع، وأخذ في الأصول، وارتحل إلى العراق، والجبال، والحجاز، ثم صنف، وتآليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه
__________
[ (55) ] المنتظم (8: 242) .
[ (56) ] تبيين كذب المفتري (266) .
[ (57) ] وفيات الأعيان (1: 57) .
[ (58) ] الأنساب (2: 412) .
[ (59) ] الكامل (8: 104) .
[ (60) ] ونقله الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ (3: 1133) .(المقدمة/115)
أحد، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمة الانتقال من الناحية الى نيسابور لسماع الكتب، فأتى في سنة إحدى وأربعين، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة، وحضره الأئمة، وكان على سيرة العلماء قانعا باليسير» .
وقال السبكي في ترجمته: كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة المؤمنين، والدّعاة، إلى حبل الله المتين، فقيه جليل، حافظ كبير، أصولي نحرير، زاهد ورع، قانت الله، قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا، جبل من جبال العلم» [ (61) ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «البيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي» [ (62) ] .
وقال الملا على القاري: «هو الإمام الجليل، الحافظ الفقيه، الأصولي الزاهد، الورع، وهو أكبر أصحاب الحاكم أبي عبد الله» [ (63) ] .
ورعه وزهده:
كان الإمام من العلماء العاملين، الذين يقتدون بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، ويسيرون على نهجه، وعلى سيرة الصحابة، وقد تأسى البيهقي بزهد النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة، فسار على منوالهم، فكان زاهدا متقللا من الدنيا، كثير العبادة والورع، ومراقبة الله في كل صغيرة وكبيرة.
قال عبد الغافر: «كان على سيرة العلماء، قانعا من الدنيا باليسير،
__________
[ (61) ] طبقات الشافعية للسبكي (4: 8) .
[ (62) ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (32: 240) .
[ (63) ] مرقاة المفاتيح (1: 21) .(المقدمة/116)
متجملا في زهده وورعه» [ (64) ] .
وقال الذهبي: «سرد الصوم ثلاثين سنة» [ (65) ] .
وقال ابن خلكان: «كان زاهدا متقللا من الدنيا بالقليل، كثير العبادة والورع، على طريقة السلف» [ (66) ] .
وقال ابن عساكر: «كان رحمه الله على سيرة العلماء، قانعا من الدنيا باليسير، متجملا في زهده وورعه، وبقي كذلك إلى ان توفي رحمه الله بنيسابور» [ (67) ] .
وقال ابن كثير: «كان زاهدا، متقللا من الدنيا، كثير العبادة والورع» [ (68) ] .
وقال ابن الأثير: «كان عفيفا زاهدا» [ (69) ] .
وقال القاري: «كان له غاية الإنصاف في المناظرة والمباحثة، وكان على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير، متجملا في زهده وورعه، صائم الدهر، قيل: «ثلاثين سنة» [ (70) ] .
أشعاره:
قال الشيخ عبد العزيز الدهلوي: «كان أحيانا يقرض الأشعار وينظمها ومنها:
__________
[ (64) ] تذكرة الحفاظ (3: 1133) .
[ (65) ] المصدر السابق.
[ (66) ] وفيات الأعيان (1: 58) .
[ (67) ] شذرات الذهب (3: 305) .
[ (68) ] البداية والنهاية (12: 92) .
[ (69) ] الكامل في التاريخ (8: 104) .
[ (70) ] مرقاة المفاتيح (1: 21) .(المقدمة/117)
من اعتزّ بالمولى فذاك جليل ... ومن رام عزا من سواه ذليل
ولو أن نفسي مذ برأها مليكها ... مضى عمرها في سجدة لقليل
أحب مناجاة الحبيب بأوجه ... لكن لسان المذنبين كليل [ (71) ]
وفاته:
قال ابن خلكان: «طلب إلى نيسابور لنشر العلم، فأجاب وانتقل إليها» [ (72) ] .
وقال ياقوت الحموي: «استدعي إلى نيسابور لسماع «كتاب المعرفة» مفاد إليها في سنة (441) ، ثم عاد إلى ناحيته، فأقام بها الى ان مات فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سنة (458) » [ (73) ] .
وقال الذهبي: توفي في عاشر جمادى الأولى في نيسابور، ونقل تابوته إلى بيهق، وعاش أربعا وسبعين سنة» [ (74) ] .
وقال الذهبي أيضا: «حضر في أواخر عمره من بيهق إلى نيسابور، وحدث بكتبه، ثم حضره الأجل في عاشر جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثمان وخمسين وأربعمائة، فنقل في تابوت، فدفن ببيهق» [ (75) ] .
رثاؤه:
قال أبو القاسم الزرهي البيهقي في الإمام أحمد من قصيدة مطلعها
__________
[ (71) ] بستان المحدثين (52) .
[ (72) ] وفيات الأعيان (3: 305) .
[ (73) ] معجم البلدان مادة بيهق.
[ (74) ] العبر (3: 242) .
[ (75) ] تذكرة الحفاظ (3: 1134- 1135) .(المقدمة/118)
يا أحمد بن الحسين البيهقي لقد ... دوخت أرض المساعي أي تدويخ [ (76) ]
والعقب منه شيخ القضاة إسماعيل، وتقدمت ترجمته في تلاميذ البيهقي، وكان قاضي خوارزم [ (77) ] .
__________
[ (76) ] تاريخ بيهق ص (318) .
[ (77) ] انظر ترجمة المصنف احمد بن الحسين البيهقي في:
1- الأنساب للسمعاني (2: 381) .
2- تبيين كذب المفتري (265) .
3- تذكرة الحفاظ (3: 1132) .
4- العبر (3: 342) .
5- مختصر دول الإسلام (1: 207) .
6- اللباب (1: 165) .
7- معجم البلدان: مادة بيهق.
8- وفيات الأعيان (1: 57) .
9- طبقات الشافعية للسبكي (4: 8) .
10- طبقات ابن هداية الله (55) .
11- المنتظم (8: 242) .
12- المختصر في أخبار البشر (2: 194) .
13- مفتاح دار السعادة (2: 15) .
14- البداية والنهاية (12: 94) .
15- شذرات الذهب (3: 304) .
16- النجوم الزاهرة (5: 77) .
17- مرآة الجنان (3: 81) .
18- الكامل في التاريخ (10: 18) .
19- طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 226) .
20- اعيان الشيعة للعاملي (8: 294) .
21- روضات الجنات (69) .
22- أبجد العلوم (2/ 833) .
23- اتحاف النبلاء (195) .
24- طبقات الشافعية للأسنوي (1: 199) .(المقدمة/119)
وصف النسخ المعتمدة في نشر الدلائل
1- النسخة الأم الأولى: (ح)
وهي نسخة المكتبة العثمانية بحلب، والمكتبة الأحمدية بحلب وتتكون من قسمين:
القسم الأول ويبلغ ثمان وثلاثين ومائة (138) لوحة وهي النسخة العثمانية، وتشمل المقدمة، والمدخل، وأبواب ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسمائه، وكنيته.... إلى غزوة بدر العظمى، وتقف في منتصف بَابُ مَا ظَهَرَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ من دلائل النبوة بنزول الملائكة وغيرها، وهي بخط: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عثمان بن سابق بن إسماعيل الدميري المالكي، وله ترجمة في الضوء اللامع (9: 125) وكان حيا (895) أما القسم الثاني فيشتمل على جزأين:
1- الجزء الاول وبدايته من بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ خُبَيْبًا، وَانقِلَابِ الْخَشَبِ فِي يَدِ مَنْ أَعْطَاهُ سيفا وينتهي هذا الجزء في بَابُ مَا جَاءَ فِي عمرة القضية، وعدد لوحات هذا الجزء (302) لوحة، وعند اللوحة مائتان وخمس وستون (265) يتغير شكل الخط، فتبدو النسخة بخط آخر أجمل من سابقه، وتستمر هكذا الى نهاية الجزء الثاني.
2- الجزء الثاني: ويتكون من (265) لوحة وتبدأ بباب ما يستدل عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ هَذِهِ العمرة بالقضاء والقضية، إلى نهاية الكتاب وقد جاء في نهاية هذا المجلد:
__________
[ () ] (25) دائرة المعارف الإسلامية مادة بيهق.
26- بستان المحدثين (51) .
27- معجم المؤلفين (1: 206) .
28- الأعلام (1: 116) الطبعة الرابعة (1979) .(المقدمة/120)
«كمل الخبر المبارك وبتمامه نجز كتاب دلائل النبوة للإمام العالم العلامة البحر الفهامة، الحافظ المدقق الزاهد: أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي سقى الله ثراه من سحائب الرحمة والرضوان، رواية ولد ولده الشيخ السديد:
أبي الحسن، عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي رحمه الله ورضي عنه، على يد الحقير المفتقر أحمد بن حسن شهاب الدين الخطيب المنياوي المالكي عفى عنه آمين، والحمد لله وحده.
ومرقوم عليه في أوله: «وقف المدرسة الأحمدية.
وهذه النسخة الأم تتميز بأنها أكمل النسخ، فقد اعتبرتها نسخة واحدة ورمزت لها بالحرف (ح) ، وعلى هذا النسخة ثم توثيق أبواب الكتاب بالنسبة للتقديم والتأخير، ولا تخلو هذه النسخة من سقط في بعض جملها وتعابيرها، فعبارات كثيرة سقطت منها. أشرب إلى ذلك في موضعه أثناء عملية المقابلة مع النسخ الأخرى، ولكنها بكمال جميع موضوعاتها تبقى النسخة الأم الأولى من ناحية الترتيب والتنسيق، والأجزاء الأولى.
2- النسخة الأم الثانية (أ)
هذه النسخة من النسخ الجيدة، وقد جزّأ ناسخها الكتاب كله الى تسعة أجزاء، والموجود منها من الرابع إلى التاسع فقط وبه ينتهي الكتاب، وبها إجازة رواية من الإمام الحافظ «محمد بن عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، وقرئت النسخة أيضا على الشيخ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي القاسم الميدومي، قرأها عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الحكم السعدي الشافعي، وصحح ذلك وكتب: محمد ابن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي.
وعلى سبيل المثال فقد جاء في طرة السفر السابع ما يلي: السفر السابع من كتاب «دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة» أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ رب العزة، والمصطفى من جميع البرية صَلَّى اللهِ(المقدمة/121)
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ وأصحابه الطاهرين، وسلم تسليما.
تأليف الشيخ الإمام الزاهد أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي- رحمه الله ورضي عنه- رواية ولد ولده الشيخ السديد: أبي الحسن عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي، رواية الشيخ الإمام الحافظ أبي محمد المبارك بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ البغدادي المعروف بابن الطباخ- رحمه الله- رواية الإمام الحافظ أبي نزار بن الحسين اليماني عنه إجازة، رواية الإمام الحافظ زين الدين أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري عنه، رواية محمد بن محمد بن أبي القاسم الميدومي رواية العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن عبد الحكم السعدي الشافعي عفا الله عنه ولطف به عنه.
وفي آخر هذا السفر جاء ما يلي:
قرأت جميع هذا السفر السابع مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ على الشيخ الحافظ الفقيه الإمام المحدث المقرئ النحو شرف الدين أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٍ بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي أمتع الله المسلمين ببقائه، بسنده المقدم في أول الكتاب، وأذن لي- رضي الله عنه- أن أرويه عنه وأن أروي عنه جميع ما يجوز له روايته بشرطه، وصحّ ذلك وثبت في مجالس آخرها يوم الأحد العاشر مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أربع وستين وستمائة. كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن عبد الحكم السعدي الشافعي- عفا الله عنه ولطف به- والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
صحح ذلك، وكتب: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي القاسم الميدومي لطف الله به، وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين برحمته.
وعلى هذه الصفحة الأخيرة قراءات للكتاب، وتملكات، واختام.
وهذه النسخة التي رمزت لها بالحرف (أ) هي أقدم النسخ الواضحة كتابتها، وكتبت بخط نسخ كبير واضح، ولا يزيد السطر عن ست كلمات فقط،(المقدمة/122)
وفي كل صفحة (21) سطرا، وقد ميزت أبواب الكتاب بخط نسخ أكبر متميز ويبلغ تعداد لوحاتها في كل الأجزاء من الرابع إلى التاسع وهو الأخير (1136) لوحة ولا يعلم أين الأجزاء الأولى منها، أما بدايتها في الجزء الرابع: «بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَغَازِي مِنْ دُعَائِهِ خُبَيْبًا وَانقِلَابِ الْخَشَبِ فِي يَدِ مَنْ أَعْطَاهُ سَيْفًا» .
وقد نسخت منها من هذا البداية حتى نهاية الكتاب، واعتمدته أصلا، وبينت بدايات ونهايات أجزاء هذا الكتاب في مواطنها في حواشي الكتاب أثناء قيد التعليقات.
وتاريخ نهاية نسخ هذه النسخة (666) هجرية، فهي اقدم من النسخة (ح) نسخة الأحمدية بحلب، وعليها إسناد رواية الكتاب، خاصة منها رواية الإمام المنذري المتوفي (656) .
وشيء آخر رأيت التنبيه إليه وهو التآكل الواضح بهذه النسخة خاصة في اللوحات الأولى والأخيرة من كل جزء منها، هذا استكملته من النسخ الأخرى.
نسخة كوبريللي: ورمزها (ك) :
تاريخ كتابة هذه النسخة سنة (471) فهي أقدم النسخ طرّا.
وتقع هذه النسخة في (337) لوحة، وتبدأ بوفود هوازن إلى نهاية الكتاب، وكتبت بخط نسخ مستعجل، غير واضح المعالم في بعض الأحيان، وعدد أسطر كل صفحة (21) سطرا، ومتوسط عدد كلمات كل سطر (12) كلمة، وقد ميزت أبواب الكتاب بمداد أسود قاتم، وخط مبسوط، وفي بعض لوحاتها حواشي، هذه الحواشي إما عبارات ناقصة من المتن، ومستدركة على الهامش، أو سماعات وإجازات للكتاب، أو شرح لبعض الكلمات الغامضة.
وجاء في نهاية الكتاب ما يلي: تم الكتاب بحمد الله والصلاة على رسوله محمد(المقدمة/123)
المصطفى وآله أجمعين، وفرغ من كتابته: الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن أحمد الأنصاري في التاسع من جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه غفور رحيم» .
سماعات النسخة (ك) :
«سمع الكتاب مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ من مصنفه وهو الشيخ الإمام الحافظ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ- رضي الله عنه- بقراءة الفقيه المظفر بن منصور الرازي أبو الحسين جامع بن الحسن الفارسي، ومسعود بن أبي العباس المهراني، وعلي بن أبي نصر التستري، ومحمد بن أبي الفوارس الجيلي، وصاحب النسخة «أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ علي الدباغ» ، وصح سماعهم منه في «جمادى الأولى» سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، ونقل السماع إلى هذه النسخة في رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة» .
«عارضت به نسخة الشيخ أبي الحسن المرادي من نسخة الوقف بالنظامية بنيسابور، وعارض بها نسخة الشيخ أبي سعد بن السمعاني وهما النسختان اللتان قرأنا منهما على الشيخ أبي عبد الله القزويني بقراءة الشيخ أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن الخضر القرشي على (مجالس) آخرها الخامس من جمادى الأولى سنة () وأربعين وخمسمائة، كتب عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هبة الله الشافعي، ولله الحمد.
سمع هذا المجلد مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ من لفظ الشيخ الأجل الإمام الحافظ الثقة العالم سعد الدين جمال () شمس الحفاظ أبي القاسم علي بن هبة الله أيده الله، قراءة الشيخ أبو محمد القاسم، والشيخ الفقيه الإمام أبو الحزم علي بن الحسن العراقي، وأبو النضر.......
... وذلك في مدة آخرها التاسع والعشرين من شهر رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ(المقدمة/124)
وثمانين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق.
ثم يليها سماعات بعد ذلك استغرقت لوحتين بخط دقيق باهت وتواريخ لاحقة.
هذا وقد قابلت ما جاء في هذه النسخة على النسخة (أ) وبينت الاختلافات وحتى نهاية الكتاب كما هو واضح في الحواشي من أول وفود هوازن إلى نهاية الكتاب.
نسخة دار الكتب المصرية (212) حديث المرموز لها بالحرف (ص)
تقع هذه النسخة في مجلد واحد يشتمل على (471) لوحة وجاء في اللوحة الأولى منه:
«المجلد الأول من دلائل النبوة للبيهقي» من كتب الحديث.
قد وقف هذا الكتاب السيد محمد بن السيد سليمان الأنطاكي على أن يستعمل في إسلامبول، ويكون الناظر مفتي داره، ثم أولاده.
وجاء من أوله «المدخل إلى دلائل النبوة» وكتب بخط نسخ جيد دقيق، وبه بعض الحركات، وقد ميزت أوائل الفقرات كقوله «أخبرنا» و «حدثنا» وكذا عناوين الأبواب وحرف (ح) الدال على انتقال سند الحديث بالمداد الأحمر.
وعدد أسطر كل صفحة (21) سطرا، ومتوسط كلمات كل سطر (15) كلمة، مقاسه 8 x 5، 15 سم، وينتهي بباب مَا جَرَى بَعْدَ الْفَتْحِ- فتح خيبر- فِي الْكَنْزِ الَّذِي كَتَمُوهُ، وَقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْخُمْسِ عَلَى طريق الاختصار.
وقد ساعدتني هذه النسخة لوضوحها في المقابلة من أول الكتاب إلى نهايتها- خاصة- أن نسخة العثمانية سقيمة الخط في أولها.(المقدمة/125)
نسخة الهيثمي المرموز لها بالحرف (هـ)
تحمل هذه النسخة الرقم (701) حديث بدار الكتب المصرية وكان الفراغ من كتابتها يوم الخميس ثمان عشر من شهر شوال سنة ست وخمسين وثمانمائة على يد أبي الجود خليل بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن الدمياطي القرشي نسبا، صحح ذلك وكتب عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الهيثمي الطنباوي.
وتقع هذه النسخة في ثلاثة مجلدات ويبدأ من أول الكتاب وينتهي في أبواب غزوة أحد.
وجاء في نهاية المجلد الثالث: آخر الجزء الثالث من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ رب العزة والمصطفى من جميع البرية صلى الله عليه وسلم تصنيف الشيخ الإمام الحافظ الفقيه أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي بن موسى البيهقي رضي الله عنه وأرضاه يتلوه إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى في الجزء الرابع بَابُ ذِكْرِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَعَدَدِ الْمُشْرِكِينَ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان الفراغ من تعليقه يوم الجمعة ثالث عشر صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى أبي الجود خليل بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن إبراهيم الدمياطي منشأ المنهاجي لقبا القرشي نسبا غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.
وتحتوي كل صفحة من هذه النسخة على واحد وعشرين سطرا، وكتبت بخط نسخ جيد، ومتوسط عدد الكلمات بالسطر ثمانية، وميزت أوائل الفقرات بمداد أحمر، وكذا الأبواب، وعلق عليها بعض حواشي لاستكمال نقص، أو تصويب كلمة، أو توضيح معنى.(المقدمة/126)
سماعات النسخة (هـ)
(السماعات) بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد.
يقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو الجود خليل بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن إبراهيم بن علي [الدمياطي] منشأ المنهاجي لقبا القرشي نسبا غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.
قرأت جميع هذا الجزء وهو الثاني من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وسلّم جمع الإمام الحافظ أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي البيهقي رحمه الله مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ على الشيخ الإمام العالم العامل المسلك المربي سيدي نور الدين أبي الحسن علي بن الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين يوسف بن الفقيه المحقق شهاب الدين أحمد الهيثمي ثم الطبناوي فسح الله في مدته ونفع المسلمين ببركته وبركة علومه آمين. في عشرة مجالس، فسمع المجلس الأول: الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد الأسيوطي والفقيه ناصر الدين بن محمد الغزولي والمعلم محمد بن محمد بن حجول المصري وولده نور الدين علي وأحمد بن جمعه البريدي وموسى بن أبي بكر المؤذن وعلي بن حسن الأرميوني وحوّاس بن محمود المسعودي. والمجلس الثاني: الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد [الأميوطي] وناصر الدين بن محمد الغزولي ومحمد بن محمد المصري ومحمد بن زيادة المؤذن وخضير بن محمد بن خضير الخزعلي السنبسي وعمر بن زين الدين السرسناوي.
والثالث: الفقيه عبد الواحد بن الفقيه شهاب الدين أحمد بن الشيخ برهان الدين البانوبي وناصر الدين بن محمد الغزولي والمعلم محمد بن محمد(المقدمة/127)
المصري وسيدي محمد بن ولي الدين من شبرا بسيون وحواس بن محمود المسعودي.
والرابع: الفقيه علي بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ العوام السخاوي العدل الرضي والمعلم أحمد بن محمد النحراوي وولده علي وموسى بن أبي بكر المؤذن والمعلم محمد بن محمد المصري والحاج أحمد بن عبد الغفار السفطي.
والخامس: الأمير جمال الدين جميل بن الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير زين الدين عميرة بن يوسف أمير عربان السخاوية عامله الله بلطفه والقاضي أبو السعادات بن القاضي قطب الدين بن القماح قاضي الناحية بإقليم السخاوية والفقيه عبد الله الأميوطي وموسى المؤذن والفقيه ناصر الدين بن محمد الغزولي والمعلم محمد المصري وسيدي محمد بن ولي الدين من شبرا بسيون والمعلم أحمد بن محمد البيطار وولده علي وعلي بن ناصر السخاوي وأحمد بن الفقيه شمس الدين محمد السخاوي وجماعة لم تضبط أسماءهم.
والسادس والسابع: الفقيه عبد الله الأميوطي والمعلم محمد المصري وناصر الدين الغزولي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم وعلي بن سالم العمي وعبد الله بن زين الدين السرسناوي وموسى المؤذن وولد خليل وعلي بن حامد السخاوي.
والثامن: الفقيه ناصر الدين الغزولي وموسى المؤذن والأمير مجد الدين إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عمر الخزعلي السنبسي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم وسيدي محمد بن ولي الدين البسيوني.
والتاسع: موسى المؤذن وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم وبدر الدين محمد بن خضير الخزعلي وسيدي محمد البسيوني والفقيه جمال الدين يوسف بن الفقيه علي القليبي وعلي بن عبد الله القليبي وناصر الدين الغزولي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المسلم المصري.(المقدمة/128)
والعاشر: وهو الأخير الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد الأميوطي والفقيه ناصر الدين بن محمد الغزولي والفقيه محمد بن عوّاض الطيبي وموسى بن أبي بكر المؤذن والمعلم محمد بن محمد بن حجول المصري وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المصري وعلي بن عبد الله التونسي.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وصح ذلك وثبت يوم الجمعة تاسع عشري ذي القعدة الحرام ثلاث [؟] ست وخمسين وثمانمائة أحسن الله عاقبتها.
وأحار المسمع المذكور أعلاه لكاتبه ولمن سمعه أو سمع شيئا منه أن يروى عنه جميع الكتاب وأن يروي عنه ما يجوز له وعنه روايته بشرطه عند أهله مسؤولا في ذلك متلفظا به وحسبنا الله ونعم الوكيل.
صحح [صحيح] ذلك وكتب على محمد بن أحمد الهيثمي، ثم الطنبادي.
النسخة (215) حديث دار الكتب المصرية، المرموز لها بالحرف (ف) .
تقع هذه النسخة في مائة وخمس وسبعين لوحة، وكتبت سنة (731) وهي بِخَطِّ «أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأنصاري البهنسي الشافعي» بالقاهرة المعزية.
وقياس الأوراق 17 x 25 سم، وكتبت بخط نسخ متمهل جيد، وعدد سطور الصفحة (29) سطرا، ومتوسط عدد الكلمات بكل سطر خمس عشرة كلمة، ورقم عليها أنها المجلد الثالث، وقد اشتمل هذا المجلد من أول بَابُ قِصَّةِ مُزَيْنَةَ وَمَسْأَلَتِهِمْ ... إلى نهاية الكتاب.
وقد جاء في أوله:
«الجزء الثالث من كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة(المقدمة/129)
محمد بن عبد الله رسول رب العزة والمصطفى من جميع البرية، صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
تأليف الإمام الحافظ المكثر الزاهد العالم العامل أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ البيهقي- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَعَنْ والديه، وجميع المسلمين آمين.
رواية ولد ولده الشيخ السديد أبي الحسن عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد عنه.
* رواية الإمام الحافظ أبي محمد المبارك بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ البغدادي- يعرف- بابن الطباخ، عنه.
* رواية الشيخ المسند الصالح أبي الكرم لا حق بن عبد المنعم الأرتاحي.
* رواية الشيخ الصالح المسند نجم الدين بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عبد العظيم المندري.
- عرف بابن الصياح، والشيخ الصالح المسند به، والد أبي المحاسن يوسف بن أبي حفص عمر بن الحسين الصوفي الحنفي، مجيزي الشيخ الإمام تاج الدين أبي الحسن علي بن محمد التبريزي الشافعي على النسخة المنقول منها هذه النسخة (الثلاثة أجزاء) نسخ العبد الفقير أبي بكر كاتب هذه النسخة.
تاريخ إجازة السماع آخر الجزء رابع ذي الحجة عام ست وعشرين وسبعمائة، قرئ على بدر الدين الصوفي الحنفي، والشيخ المنذري المذكورين بالقاهرة المعزية عمرها الله تعالى بمنه وكرمه آمين.
وجاء في آخر هذه النسخة:
«وهذا آخر الجزء السادس المنقول منه نسخة الأصل المنقول منها هذه النسخة، وآخر الثالث من نسخة الأصل ومن هذه النسخة من كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة وبتمامه تم جميع الكتاب بحمد الله وفضله وكرمه ومنه وعونه على يد كاتبه لنفسه العبد الفقير الى الله تعالى: أبي بكر بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأنصاري البهنسي الشافعي بالقاهرة المعزية صانها الله تعالى- ووافق(المقدمة/130)
الفراغ من نسخة في الرابع والعشرين من شهر شوال المبارك من شهور سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.
الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم تأتي سماعات للكتاب تستغرق بقية اللوحة، وحاشيتها، مكتوبة بخط نسخ مستعجل.
النسخة (م) بالمكتبة المحمودية بمكتبة المدينة المنورة العامة (9) سيرة نبوية:
تتكون هذه النسخة من مائة وثمان وثمانين لوحة خمسة عشر سطرا بالصفحة مقاسها 18 x 25 سم ومرقوم عليها: الجزء الثاني.
أول هذه النسخة: بَابُ ذِكْرِ اجْتِهَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَوْفِهِ مِنْهُ، على طريق الاختصار.
وآخر النسخة مبتور ينتهي أثناء بَابُ ذِكْرِ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ بِدُعَائِهِ عَلَى سَبْعَةٍ مِنْهُمْ، وآخر الموجود من هذه النسخة: عَنْ مُجَاهِدٍ:
قَالَ: أَوَّلُ شَهِيدٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أُمُّ عَمَّارٍ، سُمَيَّةُ، طَعَنَهَا أَبُو جَهْلٍ بِحَرْبَةٍ.
نسخة بقلم نسخي جيد، من خطوط القرن الثامن، وعلى حواشي النسخة سماعات، وقراءات كثيرة، بعضها سنة (188) ، وبعضها على الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وصف النسختين (ب) و (د) :
النسخة (ب) تحمل الرقم (213) حديث دار الكتب المصرية، وتتكون من (170) لوحة، وهي الجزء الثاني من تجزئة ثلاثة أجزاء ويشتمل الباب(المقدمة/131)
الأخير منها على وفد دوس، ويبدو أنها قطعة من النسخة (ف) ، وقد ضم إليها جزءا من نسخة (1012) حديث، وهي التي رمزنا لها بالرمز (د) . وهذه النسخة المرموز لها بالرمز (د) ليست إلا قطعة مفصولة عن نسخة (ص) أساسا.
وهناك النسخة (ن) ، وتحمل الرقم (214) حديث وهي نسخة متآكلة، وبها خرم كبير ولم نتمكن من الاستعانة بها.
هذا كتاب «دلائل النبوة» .. أحمد الله أن يسّر على إنجازه، نفع الله به المسلمين، وأجزل لي ثوابه، وآخر دعوانا.
أن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ولله الفضل والحمد.
والأمر مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
وكتبه الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي غرة صفر الخير 1405(المقدمة/132)
جريدة المصادر والمراجع التي جرى العزو إلى أرقام صفحاتها وإلى أجزائها، وتاريخ طبعاتها أثناء تحقيق كتاب دلائل النبوة(المقدمة/133)
المصادر، وجريدة المراجع التي جرى العزو إلى صفحاتها وإلى أجزائها وطبعاتها- الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم. الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة.
- الأدب المفرد للبخاري.
- أسد الغابة لابن الأثير. دار الشعب القاهرة.
- الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار لابن قدامة المقدسي. ط.
بيروت.
- الإصابة لابن حجر وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البر. ط. مصر.
- أصول الحديث: محمد عجاج الخطيب. دار الفكر بدمشق.
- الاعتبار في ناسخ الحديث ومنسوخه للحازمي. دار الوعي. حلب.
- إعجاز القرآن للرافعي ط. المكتبة التجارية الكبرى.
- اعجاز القرآن لبنت الشاطئ. ط. دار المعارف.
- أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيّم.
- الأغاني للأصفهاني. دار الكتب بالقاهرة.
- الإكمال لابن ماكولا. ط. الهند.
- إنجاء الوطن عن الازدراء بإمام الزمن. كراتشي 1387.(المقدمة/135)
- الأنساب للسمعاني. ط. بيروت.
- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون لبرهان الدين الحلبي. ط. القاهرة 1320.
- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لأحمد شاكر.
- البداية والنهاية لابن كثير. السعادة بمصر 1351.
- البرهان في علوم القرآن عيسى الحلبي 4 أجزاء.
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي.
- تاريخ الأمم والملوك للطبري ط. دار المعارف بمصر.
- تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي. القاهرة 1307.
- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. السعادة 1349.
- التاريخ لابن معين. تحقيق أحمد محمد نور سيف. ط الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1979.
- تاريخ التراث العربي: الجزء الأول والثاني- طبع الهيئة العامة للكتاب.
- التاريخ الصغير للبخاري. تحقيق محمود إبراهيم زايد. دار الوعي. حلب.
- التاريخ الكبير للبخاري. ط. الهند.
- تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الأندلسي.
ط. حسام الدين القدسي.
- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف. للمزي. ط. الهند.
- تذكرة الحفاظ للذهبي. ط. الهند.
- ترتيب ثقات العجلي: تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي. دار الكتب العلمية- بيروت.
- تعجيل المنفعة بزوائد الأئمة الأربعة لابن حجر العسقلاني. ط. الهند.(المقدمة/136)
- تفسير الفخر الرازي.
- تفسير ابن كثير. ط. عيسى الحلبي.
- تقريب التهذيب. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.
- تنزيه الشريعة لابن عراق. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.
- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني. ط. الهند.
- تهذيب تاريخ دمشق الكبير لعبد القادر بدران.
- تهذيب الآثار. لأبي جعفر الطبري. تحقيق محمود شاكر.
- تهذيب الأسماء واللغات للنووي. ط. منير الدمشقي بالقاهرة.
- تيسير الوصول الى جامع الأصول. ط. مصر.
- الثقات لابن حبان. ط. الهند. صدر الجزء الثامن 1402.
- جامع بين العلم وفضله لابن عبد البر- المنيرية 1346.
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- دار الكتب المصرية.
- الجرح والتعديل للرازي. ط. الهند.
- الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي. ط. الهند.
- جوامع السيرة لابن حزم. ط. دار المعارف.
- حياة محمد لهيكل. ط. دار المعارف.
- خصائص التصور الاسلامي. سيد قطب. عيسى البابي الحلبي بالقاهرة.
- الخصائص الكبرى للسيوطي تصوير دار الكتب العلمية- بيروت.
- حلية الأولياء لأبي نعيم. السعادة بمصر.
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي. ط. حلب.
- الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر تحقيق شوقي ضيف. دار المعارف.
- دلائل النبوة تأليف عبد الحليم محمود. دار الإنسان. القاهرة.(المقدمة/137)
- دلائل النبوة لأبي نعيم. ط. الهند.
- ديوان حسان بن ثابت. الهيئة العامة للكتاب. مصر.
- الرسالة للشافعي- تحقيق أحمد شاكر دار التراث. القاهرة.
- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة.
- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ط.
حلب.
- الروض الأنف للسهيلي.
- الزهد الكبير للبيهقي: دار القلم: الكويت.
- سبل الهدى والرشاد في هدي خير العباد (1: 6) . ط. المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية القاهرة.
- سنن ابن ماجة. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. البابي الحلبي.
- سنن أبي داود. مطبعة مصطفى محمد 1354.
- سنن النسائي ومعها شرح السيوطي والسندي. المصرية 1348.
- سنن الترمذي تحقيق أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي البابي الحلبي.
- سنن الدارمي. القاهرة 1386.
- السّنن الكبرى للبيهقي. الهند 1344.
- السّنة قبل التدوين. محمد عجاج الخطيب.
- سيرة ابن هشام. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. ط. المكتبة التجارية بمصر 1937.
- سير أعلام النبلاء للذهبي مكتبة الرسالة- بيروت.
- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. طبع القدسي.
- شرح النووي على صحيح مسلم المصرية 1347.(المقدمة/138)
- شروط الأئمة الخمسة للحازمي. بتعليق الكوثري. مكتبة القدسي 1357.
- شمائل الرسول للترمذي. ط. عيسى الحلبي بالقاهرة.
- الشفا في حقوق المصطفى للقاضي عياض الازهرية 1327.
- صبح الأعشى للقلقشندي دار الكتب بالقاهرة.
- صحيح ابن حبان. صدر منه الجزء الأول، والثاني تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي. حلب.
- صحيح البخاري. 9 أجزاء. طبعة بولاق.
- صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عيسى البابي الحلبي.
- صحيح مسلم بشرح النووي في 18 جزءا القاهرة 1349.
- ضحى الإسلام. لأحمد أمين- لجنة التأليف والترجمة.
- الضعفاء الصغير. البخاري. دار الوعي. حلب.
- الضعفاء الكبير للعقيلي تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي دار الكتب العلمية- بيروت.
- الطب النبوي لابن قيم الجوزية. تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي.
- طبقات الشافعية الكبرى- عيسى البابي الحلبي- القاهرة.
- الطبقات الكبرى لابن سعد ط. بيروت.
- طوالع البعثة المحمدية عباس العقاد دار الهلال.
- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي. لجنة التأليف والترجمة والنشر.
- العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية للخزرجي القاهرة 1911.
- علل الحديث ومعرفة الرجال. لعلي بن المديني. تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي- دار الوعي- حلب.
- علوم الحديث لابن الصلاح. تحقيق الدكتورة/ عائشة عبد الرحمن.(المقدمة/139)
- علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي. ط. السلفية.
- عمدة القاري شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين العيني.
- عيون الأثر في فنون المغازي والسير. ط. بيروت.
- الفائق في غريب الحديث للزمخشري عيسى الحلبي القاهرة.
- فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه. تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي. حلب.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني. ط السلفية. بترتيب محمد فؤاد عبد الباقي.
- الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. تأليف أحمد عبد الرحمن البنا. ط. مصر.
- فتح الملهم بشرح صحيح مسلم، شبير أحمد العثماني، مكتبة الحجاز كراتشي.
- الفهرست لابن النديم. التجارية الكبرى بمصر.
- فوات الوفيات لابن شاكر. النهضة المصرية القاهرة 1953.
- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. للشوكاني. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 6 أجزاء. ط. مصر.
- قواعد التحديث. تأليف محمد جمال الدين القاسمي. ط عيسى البابي الحلبي.
- قواعد في علوم الحديث للتهانوي. تحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ/ عبد الفتاح أبو غدة. حلب 1392.
- الكامل في التاريخ لابن الأثير بولاق 1290.(المقدمة/140)
- كشف الأستار عن زوائد البزّار للهيثمي. تحقيق عبد الرحمن الأعظمي. ط.
مؤسسة الرسالة.
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني. ط. القدسي.
- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات. دار المأمون للتراث. دمشق.
- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي. المكتبة التجارية بمصر.
- لسان العرب لابن منظور. ط. دار المعارف بمصر.
- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني. ط. الهند.
- لمحات في أصول الحديث. تأليف الدكتور/ محمد أديب صالح. المكتب الاسلامي في دمشق.
- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لعبد الباقي. عيسى الحلبي.
القاهرة.
- المبتكر الجامع لكتابي المختصر في علوم الأثر. تأليف عبد الوهاب عبد اللطيف.
- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. لابن حبان. تحقيق محمود إبراهيم زائد. دار الوعي. حلب.
- مجمع الزوائد للهيثمي. ط. حسام الدين القدسي.
- مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي لمحمد حميد الله لجنة التأليف القاهرة 1941.
- محاسن البلقيني على مقدمة ابن الصلاح. تحقيق الدكتورة/ عائشة عبد الرحمن.(المقدمة/141)
- مرآة الجنان لليافعي.
- المستدرك على الصحيحين في الحديث. للحاكم، وفي ذيله تلخيص المستدرك للذهبي. ط. الهند.
- مسند الإمام أحمد. ط. الميمنية 6 أجزاء.
- مسند الامام أحمد بتحقيق احمد محمد شاكر. دار المعارف. مصر.
- المشتبه في الرجال للذهبي. عيسى الحلبي القاهرة 1963.
- مشكل الحديث، وبيانه لابن فورك/ تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي.
- معالم السنن للخطابي، نشر راغب الطباخ- حلب.
- معجم ما استعجم للبكري لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة.
- معجم البلدان لياقوت. القاهرة 1906.
- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث.
- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن. وضع محمد فؤاد عبد الباقي.
- المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. القاهرة.
- معرفة السنن والآثار للبيهقي. تحقيق السيد صقر. الجزء الأول.
- المغازي للواقدي. ط. دار المعارف بمصر.
- المغازي الأولى ومؤلفوها بقلم هوروفتز ترجمة حسين نصار القاهرة 1949.
- المغرب في ترتيب المعرب للمطّرزي. ط. الهند. 1328.
- مفتاح كنوز السنة. محمد فؤاد عبد الباقي.
- مفتاح السنة. تأليف محمد عبد العزيز الخولي.
- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للسخاوي.
- مقدمة ابن خلدون.(المقدمة/142)
- مناقب علي والحسنين. وأمهما فاطمة الزهراء. وضع الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي- حلب.
- المنقذ من الضلال للغزالي.
- الموضوعات لابن الجوزي.
- المواهب اللدنية للقسطلاني مع شرح الزرقاني. الأزهرية.
- ميزان الاعتدال للذهبي. ط. عيسى البابي الحلبي.
- موطأ مالك تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي.
- نصب الراية لأحاديث الهداية. للزيلعي. ادارة المجلس العلمي بالهند.
- نهاية الأرب للنويري دار الكتب بالقاهرة.
- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير. عيسى البابي الحلبي.
- هدي الساري لابن حجر العسقلاني. ط. السلفية.
- وفاء الوفا للسمهودي. القاهرة 1326.
- وفيات الأعيان لابن خلكان. ميمنية القاهرة 1310.(المقدمة/143)
الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين.
أخبرنا الشيخ الإمام السديد [ (1) ] ، أبو الحسن: عُبَيْدُ اللهِ [ (2) ] بْنُ مُحَمَّدِ بن أحمد البيهقي، قراءة عليه وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ، قال: حدثنا الشيخ الإمام [ (3) ] ، أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ- رحمه الله- قال:
الحمد لله الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، القديم الموجود لم يزل، الدّائم الباقي بلا زوال، المتوحّد بالفردانيّة، المنفرد بالإلهيّة، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (4) ]
__________
[ (1) ] في (ص) : أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ الناقد، أبو نزار: ربيعة بن الحسن اليمني بقراءتي عليه، قال: أنبأنا الشيخ الإمام الحافظ: أبو المجد المبارك بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ البغدادي المعروف بابن الطباخ، قال: أخبرنا الشيخ السديد ...
[ (2) ] في (ح) : عبد، وهو غلط من الناسخ، والصحيح: «عبيد» كما هو في نسخه (ص) ، وهو حفيد المصنف، مضت ترجمته في تقدمتنا للكتاب.
[ (3) ] في (ص) : الزاهد الحافظ الناقد.
[ (4) ] الآية الكريمة (11) من سورة الشورى.(1/5)
العليم القدير، العليّ الكبير، الوليّ الحميد، العزيز المجيد، المبدئ المعيد، الفعّال لما يريد، له الخلق والأمر، وبه النّفع والضّر، وله [ (5) ] الحكم والتقدير، وله الملك والتّدبير، ليس له في صفاته شبيه ولا نظير، ولا له في إلهيّته شريك ولا ظهير، ولا له في ملكه عديل ولا وزير، ولا له [ (6) ] في سلطانه وليّ ولا نصير، فهو المتفرد بالملك والقدرة، والسلطان والعظمة، لا اعتراض عليه في ملكه ولا عتاب عليه في تدبيره، ولا لوم في تقديره.
ونشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، إلها واحدا أحدا، سيدا صمدا، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا ولدا.
ونشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ونبيّه وصفيّه، ونجيّه ووليّه ورضيّه، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وسلّم تسليما كثيرا.
والحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته، وجنّسهم بإرادته وجعلهم دليلا على إلهيّته، فكلّ مفطور شاهد بوحدانيته، وكلّ مخلوق دالّ على ربوبيّته. وخلق الجنّ والإنس ليأمرهم بعبادته من غير حاجة له إليهم، ولا إلى أحد من بريّته، وركّب فيهم العقل الذي به يدرك دلائل قدمه ووجوده، وتوحيده وتمجيده، وحدوث غيره بإبداعه واختراعه، وإحداثه وإيجاده. وبعث فيهم الرسل كما قال جل ثناؤه: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ
__________
[ (5) ] في (ص) : وإليه.
[ (6) ] له: ساقطة من (ص) .(1/6)
وَسُلَيْمانَ. وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [ (7) ] يعني- والله أعلم- لئلا يقولوا: نحن وإن علمنا بعقولنا أنّ لنا صانعا ومدبّرا، فلم نعلم وجوب عبادته علينا ولا كيفيّتها، ولا إذا عبدناه ما يكون لنا، وإذا لم نعبده ما يكون.
فقطع حجّتهم وبعث فيهم رسلا يأمرونهم بعبادته، ويبيّنون لهم كيفيتها، ويبشرون بالجنة من أطاعه، وينذرون بالنار من عصاه، وهذا كقوله: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى [ (8) ] .
وأيّد كلّ واحد من رسله بما دلّ على صدقه من الآيات والمعجزات التي باينوا بها من سواهم مع استوائهم في عين ما أيّدوا به.
ومعجزات الرسل كانت أجناسا كثيرة: وقد أخبر اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ أعطى «موسى» - عليه السّلام- تسع آيات: العصا، واليد، والدّم، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والطّمس [ (9) ] ، والبحر.
__________
[ (7) ] الآيات (163- 165) من سورة النساء.
[ (8) ] الآية الكريمة (134) من سورة طه.
[ (9) ] الطمس على أموالهم، وجاء في القرطبي (10: 326) أن الآيات التسع هي: «العصا، واليد، واللسان، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدم» بدون ذكر «الطمس» .
وقد جاء ذكر ما أعطاه الله لموسى من الآيات في سورة الأعراف الآية (133) : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ، وَالْجَرادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفادِعَ، وَالدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.
وفي سورة الإسراء الآية (101) : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ، فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً.
وقد ذكر في القرآن الكريم أشياء كثيرة من معجزات موسى- عليه السّلام- (أحدها) : إزالة العقدة(1/7)
فأما (العصا) : فكانت حجّته [ (10) ] على الملحدين والسحرة جميعا، وكان السحر في ذلك الوقت فاشيا، فلما انقلبت عصاه حيّة تسعى، وتلقّفت حبال السّحرة وعصيّهم- علموا أن حركتها عن حياة حادثة فيها بالحقيقة، وليست من جنس ما يتخيّل [ (11) ] بالحيل. فجمع ذلك الدّلالة على الصانع وعلى نبوته جميعا.
__________
[ () ] من لسانه، وصار فصيحا، (وثانيها) انقلاب العصا حية، (وثالثها) تلقف الحية حبال السحرة وعصيهم مع كثرتها، (ورابعها) : اليد البيضاء، و (خمس أخر) وهي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، (والعاشر) : شق البحر «وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ» ، (والحادي عشر) : الحجر: «اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ» (الثاني عشر) : إظلال الجبل «وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ» (الثالث عشر) : إنزال المن والسلوى عليه وعلى قومه، (الرابع عشر والخامس عشر) : قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ» (السادس عشر) :
الطمس على أموالهم من النخل، والدقيق، والأطعمة ...
وذكر الله- جل شأنه- في القرآن هذه المعجزات الست عشرة لموسى- عليه السّلام- وتخصيص التسعة بالذكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه، أما الآيات التسع، فقد اتفقوا على سبع منها وهي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وبقي الاثنتان، ولكل واحد من المفسرين قول آخر فيهما،
وأجودها ما روى صفوان بن عسّال. أنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله، فقال: لا تقل نبيّ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن قول الله عزّ وجلّ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تسرفوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، شكّ شعبه: وعليكم يا معشر اليهود خاصّة لا تقلدوا في السّبت فقبّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنّك نبيّ، قال: فما يمنعكما أن تسلما،؟ قالا: إنّ داود دعا الله، أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود. قال: هذا حديث حسن صحيح. /
الترمذي (5: 306)
[ (10) ] في (ص) حجة.
[ (11) ] في (ح) : ينتحل.(1/8)
وأما (سائر الآيات) التي لم يحتج إليها مع السحرة فكانت دلالته على فرعون وقومه القائلين بالدّهر، فأظهر الله بها صحّة ما أخبرهم به موسى من أن له ولهم ربا وخالقا.
وألان الله الحديد «لداود» [ (12) ] ، وسخّر له الجبال والطير، فكانت تسبّح معه [ (13) ] بالعشيّ والإشراق.
وأقدر «عيسى بن مريم» على الكلام في المهد. فكان يتكلّم كلام الحكماء، وكان يحيى له الموتى، ويبرئ- بدعائه أو بيده إذا مسح- الأكمه والأبرص، وجعل له أن يجعل مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طائرا بإذن الله [ (14) ] .
ثم إنه رفعه من بين اليهود لمّا أرادوا قتله وصلبه [ (15) ] ، فعصمه الله بذلك
__________
[ (12) ] في الآية الكريمة (10) من سورة سبأ: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ.
[ (13) ] في (ح) : «له» ، وأثبتّ ما في الآية القرآنية الكريمة من (18) من سورة ص: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ
[ (14) ] وهو ما جاء في الذكر الحكيم في الآية الكريمة (110) من سورة المائدة: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ.
[ (15) ] وجاء في «القرآن الكريم» في سورة النساء. الآيات من 157/ 159:
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً.(1/9)
من أن يخلص ألم القتل والصّلب إلى بدنه، وكان الطبّ عامّا غالبا في زمانه، فأظهر الله تعالى بما أجراه على يده، وعجز الحذّاق من الأطبّاء عما هو أقلّ من ذلك بدرجات كثيرة- أنّ التعويل على الطبائع وإنكار ما خرج عنها باطل، وأنّ للعالم خالقا ومدبّرا، ودلّ بإظهاره ذلك له، وبدعائه على صدقه، وبالله التوفيق.
فأمّا النبي المصطفى، والرسول المجتبى، المبعوث بالحقّ إلى كافة الخلق من الجنّ والإنس، أبو الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب، خاتم النبيين، ورسول ربّ العالمين، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آله الطيبين الطاهرين- فإنه أكثر الرسل آيات وبينات وذكر بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أعلام نبوته تبلغ ألفا.
فأما (العلم) الذي اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أمته بعد وفاته- فهو «القرآن» العظيم، المعجز المبين، وحبل الله المتين، الذي هو كما وصفه به من أنزله فقال: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ (16) ] .
وقال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (17) ] .
وقال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (18) ] .
وقال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [ (19) ] .
__________
[ (16) ] سوره فصلت: (41، 42) .
[ (17) ] الآيات الكريمة (77- 80) من سورة الواقعة.
[ (18) ] سورة البروج: (21، 22) .
[ (19) ] الآية الكريمة (62) من سورة آل عمران.(1/10)
وقال: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (20) ] .
وقال: إِنَّها تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ [ (21) ] .
وقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (22) ] .
فأبان جلّ جلاله أنه أنزله على وصف مباين لأوصاف كلام البشر، لأنه منظوم وليس بمنثور، ونظمه ليس نظم الرسائل، ولا نظم الخطب، ولا نظم الأشعار، ولا هو كأسجاع الكهّان.
وأعلم أنّ أحدا لا يستطيع أن يأتي بمثله. ثم أمره أن يتحداهم على الإتيان به إن ادّعوا أنهم يقدرون عليه أو ظنوه. فقال: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (23) ] ثم نقصهم تسعا فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (24) ] .
فكان من الأمر ما يصفه. غير أن من قبل ذلك دلالة، وهي أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ غَيْرَ مدفوع عند الموافق والمخالف عن الحصافة والمتانة وقوّة العقل والرأي.
ومن كان بهذه المنزلة، وكان مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه- لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس: ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن ولن تستطيعوه، فطن أتيتم به فأنا كاذب وهو يعلم من نفسه أن القرآن منزل
__________
[ (20) ] الآية الكريمة (155) من سورة الأنعام.
[ (21) ] سورة عبس الآيات: (11- 16) .
[ (22) ] الآية الكريمة (88) من سورة الإسراء.
[ (23) ] الآية الكريمة (13) من سورة هود.
[ (24) ] الآية الكريمة (23) من سورة البقرة.(1/11)
عليه، ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه، وأن ذلك- إن كان- يبطل [ (25) ] دعوته.
فهذا إلى أن يذكر ما بعده [ (26) ]- دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب ائتوا بمثله إن استطعتموه ولن تستطيعوه، إلا وهو واثق متحقّق أنهم لا يستطيعونه، ولا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربّه الذي أوحى إليه به، فوثق بخبره. وبالله التوفيق.
وأما ما بعد هذا فهو:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قال لهم: ائتوني [ (27) ] بسورة من مثله إن كنتم صادقين.
فطالت المهلة والنّظرة لهم في ذلك، وتواترت الوقائع والحروب بينه وبينهم فقتلت صناديدهم، وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وانتهبت أموالهم، ولم يتعرض أحد لمعارضته، فلو قدروا عليها لافتدوا بها أنفسهم وأولادهم وأهاليهم وأموالهم. ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم، إذ كانوا أهل لسان وفصاحة، وشعر وخطابة.
فلما لم يأتوا بذلك ولا ادّعوه صحّ أنهم كانوا عاجزين عنه.
وفي ظهور عجزهم بيان أنّه في العجز مثلهم، إذ كان بشرا مثلهم لسانه لسانهم، وعاداته عاداتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإذا كان كذلك وقد جاء بالقرآن- وجب القطع بأنّه مِنْ عِنْدِ اللهِ، تَعَالَى جدّه، لا من عند غيره.
وبالله التوفيق.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الحسين بن الحسن الحليمي [ (28) ]- رحمه الله: فإن
__________
[ (25) ] في الأصل (ح) : «يطلب» .
[ (26) ] في الأصل (ح) : «إلى أن يذكر إلى ما بعده» .
[ (27) ] في (ص) : ائتوا.
[ (28) ] هو الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد بن حليم القاضي (338- 403) أصله من بخارى، ويعتبر أنبه المتكلمين في بلاد ما وراء النهر وأنظرهم، وآدبهم، وكان مقدما فاضلا كبيرا له مصنفات مفيدة(1/12)
ذكروا «سجع مسيلمة» فكل ما جاء به مسيلمة لا يعدو أن يكون بعضه محاكاة [ (29) ] وسرقة، وبعضه كأساجيع الكهان، وأراجيز العرب وقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا هو أحسن لفظا، وأقوم معنى وأبين فائدة، ثم لم تقل له العرب:
ما أنت! تتحدّانا على الإتيان بمثل القرآن وتزعم أنّ الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه، ثم قد جئت بمثله مقرّا [ (30) ]- إنه ليس من عند الله وذلك قوله:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ [ (31) ]
__________
[ () ] ينقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيرا، وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» : «كان الحليمي رجلا عظيم القدر، لا يحيط بكنه علمه إلا غواص» .
ومن تصانيفه «المنهاج في شعب الإيمان» كتاب جليل في نحو ثلاثة مجلدات يشتمل على مسائل فقهية تتعلق بأصول الإيمان، وأحوال القيامة، وفيه معان غريبة لا توجد في غيره» .
ترجمته في: طبقات الشافعية للعبادي ص (105) ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، وفيات الأعيان (1: 403) ، البداية والنهاية (11: 349) ، المنتظم (7: 264) ، تذكرة الحفاظ (3:
1030) ، شذرات الذهب (3: 167) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1: 170) .
[ (29) ] في الأصل: «محالا» .
[ (30) ] في (ح) : مفترى، وأثبت في (ص) .
[ (31) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد (52) . باب: من قاد دابّة غيره في الحرب. فتح الباري (6: 69) ، كما أخرجه البخاري «أيضا» بعده في: (61) باب: بغلة النبي صلّى الله عليه وسلّم. فتح الباري (6: 75) ، وفي (97) باب: من صفّ أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته فاستنصر.
فتح الباري (6: 105) .
وأخرجه البخاري «أيضا» في: 64- كتاب المغازي، (54) باب: قول الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ... فتح الباري (8: 27) .
وأخرجه مسلم في: (32) كتاب الجهاد والسير- (28) باب: في غزوة حنين، حديث رقم (78) ، (80) .
وأخرجه الترمذي في: كتاب الجهاد في باب: الثبات عند القتال (4: 200) .
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (4: 280، 281، 289، 304) .(1/13)
وقوله:
تَالَلَّهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا [ (32) ]
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وقوله:
اللهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةْ ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ [ (33) ]
__________
[ (32) ] أخرجه البخاري في (56) كتاب الجهاد والسير (34) باب: حفر الخندق. فتح الباري (6: 46) ، وفي: (82) كتاب القدر 16- باب: وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. فتح الباري. (11:
515، 516) .
كما أخرجه البخاري أيضا في: كتاب التمني 7- باب: قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا- فتح الباري (13: 222) ، وأخرجه مسلم «أيضا» في: 32- كتاب الجهاد والسير (43) باب: غزوة خيبر، حديث رقم (123) ، ونسب هذا الرجز لعامر بن الأكوع، وأخرجه مسلم في الحديث الذي يليه ونسبه لسلمه بن الأكوع، وأخرجه مسلم في 44- باب: غزوة الأحزاب- حديث رقم (125) صفحه (1430) من حديث البراء بن عازب، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قائله يوم الأحزاب وهو ينقل معهم التراب.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (3: 431) (4: 47، 48، 52، 282، 285، 291، 302) .
وهو عند مسلم «أيضا» صفحه (1440) وأن الذي كان يرتجز هو عامر.
وهذا لا يمنع من أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قاله وأن بعض الصحابة قد ارتجز به أيضا.
[ (33) ] أخرجه البخاري في أول كتاب الرقاق، فتح الباري (11: 229) ، كما أخرجه «أيضا» في 56- كتاب الجهاد 33- باب: الصبر عند القتال، وأن الصحابة قالوا له مجيبين:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
فتح الباري: (6: 45- 46) .
وأخرجه البخاري «أيضا» في باب: البيعة في الحرب من كتاب الجهاد، فتح الباري (6:
117) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد (44) باب: غزوة الأحزاب، حديث رقم (126، 129) صفحه (1431- 1432) .(1/14)
وقوله: «تعس عبد الدينار والدرهم، وعبد الخميصة [ (34) ] ، إن أعطى منها رضي وإن لم يعط سخط: تعس وانتكس [ (35) ] ، وإن شيك [ (36) ] فلا انتقش [ (37) ] .
فلم يدّع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه [ (38) ] القرآن وأن فيه كسرا [ (39) ] لقوله.
وحكى الأستاذ أَبُو مَنْصُورٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الحسين بن أبي أيوب [ (40) ] فيما كتب إليّ عن بعض أصحابنا أنه قال:
يجوز أن يكون هذا النظم قد كان فيما بينهم فعجزوا عنه عند التحدي،
__________
[ () ] وأخرجه الترمذي في: كتاب المناقب باب: في مناقب أبي موسى الأشعري، حديث رقم (3856) ، ص (5: 693) .
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (2: 381) ، (3: 172، 180، 216، 276) ، (5:
332) .
[ (34) ] (الخميصة) : كساء أسود مربع له علامان.
[ (35) ] (تعس وانتكس) : أي عاوده المرض وشقي.
[ (36) ] (إن شيك) : أي إذا أصابته شوكة لا قدر على إخراجها بالمنقاش.
[ (37) ] الحديث أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، 70- باب الحراسة والغزو في سبيل الله.
فتح الباري (6: 81) ، كما أخرجه «أيضا» في الرقاق 10- باب: ما يتقى من فتنة المال. فتح الباري (11: 253) .
وأخرجه ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (8) باب: في المكثرين، حديث رقم (4136) ، ص (1386) .
[ (38) ] في (ص) : «شبه» .
[ (39) ] في (ص) : كثيرا.
[ (40) ] بالأصل (ح) محمد بن الحسن، وهو خطأ من الناسخ، وصحته: محمد بن الحسين بن أبي أيوب، الأستاذ، حجة الدين، أبو منصور المتكلم، تلميذ ابن فورك، صاحب كتاب «تلخيص الدلائل» ، وفاته سنة (421) ، وله ترجمة في طبقات الشافعية للسبكي (4: 147) ، والوافي بالوفيات (3: 10) .(1/15)
فصار معجزة، لأن إخراج ما في العادة عن العادة نقض للعادة، كما أن إدخال ما ليس في العادة في الفعل نقض للعادة. وبسط الكلام في شرحه.
وأيّهما كان فقد ظهرت بذلك معجزته، واعترفت العرب بقصورهم عنه، وعجزهم عن الإتيان بمثله.
وفيما حكى الشيخ «أبو سليمان: حمد [ (41) ] بن محمد الخطّابي» [ (42) ] عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الذي أورده الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على العرب من الكلام الذي أعجزهم عن الإتيان بمثله- أعجب في الآية، وأوضح في الدلالة من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، لأنّه أتى أهل البلاغة، وأرباب الفصاحة، ورؤساء البيان والمتقدمين في الألسن [ (43) ] ، بكلام مفهوم المعنى عندهم، فكان عجزهم أعجب من عجز من شاهد المسيح عن إحياء الموتى، لأنهم لم يكونوا يطيقون فيه ولا في إبراء الأكمه والأبرص، ولا يتعاطون علمه، وقريش
__________
[ (41) ] في (ص) : أحمد.
[ (42) ] أبو سليمان الخطابي: حمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بن الخطاب البستي الخطابي، أحد أحفاد أخ الخليفة عمر بن الخطاب (319- 388) . كان معاصروه يرونه في الدقة العلمية والورع، والتقوى قرينا لأبي عبيد «القاسم بن سلام» ، وكان ذا موهبة شعرية، وكان يكسب قوته من التجارة، ثم اتجه في خريف عمره إلى التصوف، وهو أول شارح لصحيح البخاري في كتابه «إعلام السنن في شرح المشكل من أحاديث البخاري» ، وله «معالم السنن» شرح لكتاب السنن لأبي داود ...
وغيرهما.
ترجمته في الفهرست لابن خير ص 201، المنتظم لابن الجوزي (6: 397) ، الأنباه للقفطي (1: 125) ، تذكرة الحفاظ للذهبي (1018) ، البداية والنهاية (11: 236) ، بغية الوعاة للسيوطي، شذرات الذهب (3: 27) .
[ (43) ] في (ص) : اللّسن.(1/16)
كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة. فدلّ أن العجز عنه إنما كان لأن يصير علما على رسالته وصحّة نبوته. وهذا حجّة قاطعة، وبرهان واضح.
قلنا: وفي القرآن وجهان آخران من الإعجاز.
(أحدهما) : ما فيه من الخبر عن الغيب، وذلك فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (44) ] وقوله: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (45) ] وقوله في الروم: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (46) ] وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه وبعده، ثم كان كما أخبر. ومعلوم أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم كان لا يعلم النجوم ولا الكهانة ولا يجالس أهلها.
(والآخر) : ما فيه الخبر عن قصص الأولين من غير خلاف ادّعى عليه فيما وقع الخبر عنه مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تلك الكتب. ومعلوم أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم كان أمّيا لا يقرأ كتابا ولا يخطّه. ولا يجالس أهل الكتب للأخذ عنهم. وحين زعم بعضهم أنما يعلمه بشر- ردّ الله ذلك عليهم فقال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [ (47) ] فزعم أهل التفسير أنه كان لابن الحضرميّ غلامان نصرانيان يقرآن كتابا لهما بالرومية، وقيل بالعبرانية. فكان صلى الله عليه وسلم يأتيهما فيحدثهما ويعلّمهما، فقال المشركون: إنما يتعلّم محمد منهما، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية [ (48) ] .
__________
[ (44) ] الآية الكريمة (33) من سورة التوبة.
[ (45) ] الآية الكريمة (55) من سورة النور.
[ (46) ] الآية الكريمة (3) من سورة الروم.
[ (47) ] الآية الكريمة (103) من سورة النحل.
[ (48) ] وهي شبهة من شبهات منكرى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، وذلك لأنهم كانوا يقولون: إن محمدا إنما يذكر هذه القصص وهذه الكلمات؟؟ يستفيدها من انسان آخر ويتعلمها منه، واختلفوا في هذا البشر، فقيل: هو عبد لبني عامر بن لؤي، يقال له: «يعيش» وكان يقرأ الكتب، وقيل:
«عداس» غلام عتبة بن ربيعة وقيل «أبو ميسرة الرومي» وقيل غير ذلك، ولا فائدة من ذكر(1/17)
قال «الحليمي» : من تعلّق بمثل هذا الضعيف لم يسكت عن شيء يتهمه به. فدل على انه لو اتهموه بشيء مما نفيناه عنه لذكروه ولم يسكتوا عنه.
وبالله التوفيق.
قلنا: ومن وقف على ما أخذه العلماء من القرآن على إيجازه من أنواع العلوم، واستنبطوه من معانيه، وكتبوه ودونوه في كتب لعلها تزيد على ألف مجلدة- علم أنّ كلام البشر لا يفيد ما أفاد القرآن، وعلم أنه كلام رب العزة.
فهذا بيّن واضح لمن هدي إلى صراط مستقيم.
ثم إن لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وراء القرآن من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة ما لا يخفى، وأكثر من أن يحصى.
فمن دلائل نبوته التي استدل بها أهل الكتاب على صحة نبوته: ما وجدوا في التوراة والإنجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته، وخروجه بأرض العرب، وإن كان كثير منهم حرّفوها عن مواضعها.
ومن دلائل نبوته: ما حدث بين أيام مولده ومبعثه، صلى الله عليه وسلم، من الأمور الغريبة والأكوان العجيبة القادحة في سلطان أئمة الكفر والموهية لكلمتهم، المؤيّدة لشأن العرب، المنوّهة بذكرهم كأمر الفيل وما أحلّ الله بحزبه من العقوبة والنّكال.
ومنها خمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وغيض ماء بحيرة
__________
[ () ] الاختلاف هذا، وقد رد القرآن عليهم بأن القرآن إنما كان معجزا لما في ألفاظه من الفصاحة، فبتقدير أن تكونوا صادقين في أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم يتعلم تلك المعاني من ذلك الرجل إلا أنه لا يقدح ذلك في المقصود، إذ القرآن معجز في فصاحته، وما ذكرتموه لا يقدح في ذلك المقصود.(1/18)
ساوة، ورؤيا الموبذان وغير ذلك.
ومنها: ما سمعوه من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه والرّموز المتضمنة لبيان شأنه، وما وجد من الكهنة والجن في تصديقه، وإشارتهم على أوليائهم من الإنس بالإيمان به.
ومنها: انتكاس الأصنام المعبودة، وخرورها لوجوهها من غير دافع لها عن أمكنتها تومئ- إلى سَائِرُ مَا رَوَى فِي الأخبار المشهورة من ظهور العجائب في ولادته وأيام حضانته، وبعدها- إلى أن بعث نبيا وبعد ما بعث.
ثم إن له من وراء هذه الآيات المعجزات: انشقاق القمر، وحنين الجذع، وخروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى توضّأ منه ناس كثير. وتسبيح الطعام، وإجابة الشجرة إيّاه حين دعاها، وتكليم الذراع المسمومة إياه، وشهادة الذئب والضبّ والرضيع والميّت له بالرسالة، وازدياد الطعام والماء بدعائه حتى أصاب منه ناس كثير، وما كان من حلبه الشاة التي لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، ونزول اللبن لها، وما كان من إخباره عن الكوائن، فوجد تصديقه في زمانه وبعده، وغير ذلك مما قد ذكر، ودوّن في الكتب.
وقد ذكرناها بأسانيد في كتاب «دلائل النبوة» الذي هذا «مدخله» وفي الواحد منها كفاية.
غير أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا جمع له بين أمرين: أحدهما بعثه إلى الجن والإنس عامة، والآخر: ختمه النبوة به- ظاهر له من الحجج حتى إن شذّت واحدة عن فريق بلغتهم أخرى، وإن لم تنجع واحدة، نجعت أخرى، وإن درست على الأيام واحدة بقيت أخرى، وفيه في كل حال، الحجة البالغة، وله الحمد على نظره لخلقه، ورحمته لهم كما يستحقه.(1/19)
فصل في قبول الأخبار
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ:
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ:
[] د وضع اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جلّ ثناؤه [] جعله علما لدينه، بما افترض من طاعته وحرّم من معصيته، وأبان من فضيلته بما قرن بين [ (49) ] الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (50) ] وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (51) ] فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله.
قال الشافعي: «أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ «مُجَاهِدٍ» فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (52) ] قَالَ: «لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ: أَشْهَدُ أَنْ
__________
[ (49) ] كذا في الأصل (ح) والعبارة في الرسالة للشافعي، صفحة (73) : «بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به» .
[ (50) ] الآية الكريمة (158) من سورة الأعراف.
[ (51) ] الآية الكريمة (63) من سورة النور.
[ (52) ] الآية الكريمة (4) من سورة الشرح.(1/20)
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» [ (53) ] .
قال الشافعي: وفرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله فقال في كتابه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (54) ] مع آي سواها ذكر فيهنّ الكتاب والحكمة [ (55) ] .
قال الشافعي: فذكر الله الكتاب وهو: القرآن، وذكر الحكمة: فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (56) ] .
وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (57) ] فقال بعض أهل العلم:
أولوا الأمر: أمراء سَرَايَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ يعني اختلفتم في شيء. يعني- والله أعلم- هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يعني- والله أعلم- إلى ما قاله الله والرسول.
ثم ساق الكلام إلى أن قال: فأعلمهم أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم طاعته، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (58) ] .
__________
[ (53) ] الأثر في «الرسالة» للشافعي ص (16) ، ورواه الطبري في التفسير (30: 150- 151)
[ (54) ] الآية الكريمة (164) من سورة آل عمران.
[ (55) ] مقتطفات من كتاب «الرسالة» للشافعي ص (76- 78) .
[ (56) ] الرسالة، صفحة (78) .
[ (57) ] الآية الكريمة (59) من سورة النساء.
[ (58) ] الآية الكريمة (65) من سورة النساء، والأثر ذكره الشافعي في «الرسالة» صفحة (82) ، وقال:
«نزلت هذه الآية فيما بلغنا- والله أعلم- في رجل خاصم الزبير في أرض، فقضى النبي بها للزّبير» والحديث مطول معروف في كتب السنة.(1/21)
واحتجّ أيضا في فرض اتّباع أمره بقوله عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (59) ] .
وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (60) ] وغيرها من الآيات التي دلّت على اتباع أمره، ولزوم طاعته.
قال الشافعيّ: وكان فرضه- جل ثناؤه- على من عاين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن بعده إلى يوم القيامة- واحدا، من أنّ على كلّ طاعته ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلم أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بالخبر عنه.
والخبر عنه خبران:
خبر عامة، عن عامة، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بجمل ما فرض الله سبحانه على العباد أن يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم، ويؤتوه من أنفسهم وأموالهم. وهذا ما لا يسع جهله وما يكاد أهل العلم والعوام أن يستووا فيه، لأن كلا كلّفه، كعدد الصلاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وتحريم الفواحش، وأن لله عليهم حقّا في أموالهم. وما كان في معنى هذا.
وخبر خاصة في خاص الأحكام لم يأت أكثره كما جاء الأول لم يكلّفه العامة، وكلّف علم ذلك من فيه الكفاية للقيام به دون العامة. وهذا مثل ما يكون منهم في الصلاة من سهو يجب به سجود أو لا يجب، وما يفسد الحج أو لا يفسده، وما تجب به الفدية وما لا تجب مما يفعله وغير ذلك. وهو الذي على العلماء فيه عندنا قبول خبر الصادق على صدقه، لا يسعهم ردّه بفرض الله طاعة نبيّه.
__________
[ (59) ] الآية الكريمة (63) من سورة النور، والأثر ذكره الشافعي في «الرسالة» صفحة (83- 84) .
[ (60) ] الآية الكريمة (7) من سورة الحشر.(1/22)
قال الشيخ الإمام، رحمه الله، ونوّر قبره:
ولولا ثبوت الحجة بالخبر- لما
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبة- بعد تعليم من شهد أمر دينهم-: أَلَا فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغائب، فربّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ [ (61) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ محمد، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قال: أخبرنا- هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فأدّاه كما سمعه، وربّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» [ (62) ] .
قال الشافعي: فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى استماع مقالته وأدائها امرءا يؤدّيها- والإمرء [ (63) ] واحد- دلّ على أنه لا يأمر أن يؤدّى عنه إلّا ما تقوم الحجة به
__________
[ (61) ] الحديث أخرجه البخاري في: 3- كتاب العلم (9) بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سامع، فتح الباري (1: 157- 158) ، ومسلّم في: 28- كتاب القسامة، (9) باب تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث (29) ، صفحة (1305- 1306) ، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 4) ، وابن ماجة في المقدمة حديث رقم (233) ، صفحة (1: 85) .
[ (62) ] أخرجه الترمذي في كتاب العلم، ح (2657) ، صفحة (5: 34) ، من طريق شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة (18) باب من بلغ علما، ح (232) ، ص (1: 85) ، من طريق شعبة، عن سماك وأخرجه الدارمي في المقدمة من طريق إسرائيل، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زبيد اليامي، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أبي الدرداء (1: 66) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1:
427) ، وابن حبان في «صحيحه» . حديث رقم (66) ، ص (1: 163) من تحقيقنا، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، وذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1: 40) ، ورواه أبو داود في كتاب العلم باختلاف يسير، من طريق شعبة، ح (3660) ، صفحة (3: 323) .
[ (63) ] يعني: فلما أمر عبدا أن يؤدي ما سمع، والخطاب للفرد، وهو الواحد.(1/23)
على من أدّى إليه [ (64) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أبو العباس، حدثنا الربيع، حدثنا الشافعي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قال: أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، يقول: لا أدري، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ الله اتبعناه» [ (65) ] .
قال سفيان: وأخبرني ابن المنكدر مرسلا، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
قال الشيخ: وروينا في حديث المقدام بن معد يكرب: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، حرّم أشياء يوم خيبر، منها الحمار الأهلي [ (66) ] وغيره [ (67) ] . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدّث بحديثي فيقول: بيني
__________
[ (64) ] العبارة في «الرسالة» صفحة (402- 403) وتتمتها: «لأنه إنما يؤدي عنه حلال وحرام يجتنب، وحدّ يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا، ودلّ على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه، يكون له حافظا، ولا يكون فيه فقيها» .
[ (65) ] الأثر في «الرسالة» للشافعي صفحة (403- 404) ، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة، (باب) في لزوم السنة، ح (4605) ، ص (4: 200) عن الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الفضيلي كليما عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» ، حديث (13) ، صفحة (1: 94) من تحقيقنا، وابن ماجة في المقدمة ح (13) ، صفحة (1: 6) ، والترمذي في كتاب العلم (5: 37) ، والإمام أحمد في «مسنده» (6: 8) مختصرا، والحاكم في «المستدرك» (1: 108- 109) .
[ (66) ] في الأصل (ح) : «حمار الأهلي» .
[ (67) ] الحديث أخرجه أبو داود في الأطعمة، من حديث المقدام بن بلفظ: «ألا لا يحل ذو ناب من السباع، ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد..»(1/24)
وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرّمناه، وإن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما حرّم الله عزّ وجلّ» [ (68) ] .
وهذا خبر مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يكون بعده من ردّ المبتدعة حديثه فوجد تصديقه فيما بعده:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ حَدَّثَنَا محمد بن عالية الأنصاري، قال: حدثني صرد بن أبي المنازل، قال: سمعت شبيب بن أبي فضالة المالكي، قال:
لما بني هذا المسجد- مسجد الجامع- إذا «عمران بن حصين» جالس، فذكروا عند عمران الشفاعة، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يا أبا النّجيد، إنكم لتحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلا في القرآن؟ قال: فغضب عمران وقال لرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل وجدت صلاة العشاء أربعا، ووجدت المغرب ثلاثا، والغداة ركعتين، والظهر أربعا، والعصر أربعا؟! قال: لا، قال: فعمّن أخذتم هذا الشأن؟ ألستم عنا أخذتموه، وأخذنا عن نبي الله، صلى الله عليه وسلّم، ووجدتم في كل أربعين درهما درهما، وفي كل كذا شاة، وفي كل كذا بعيرا كذا؟ أوجدتم في القرآن هذا؟ قال: لا. قال: فعمّن أخذتم هذا؟ أخذناه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم وأخذتموه عنا.
وقال: وجدتم في القرآن: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ (69) ] أوجدتم:
فطوفوا سبعا، واركعوا ركعتين من خلف المقام؟ أوجدتم هذا في القرآن؟
فعمّن أخذتموه؟ ألستم أخذتموه عنا، وأخذناه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، وأخذتموه عنا؟ قالوا: بلى.
__________
[ (68) ] الحديث مضى بالهامش (65) .
[ (69) ] الآية الكريمة (29) من سورة الحج.(1/25)
قال: أوجدتم في القرآن لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ ولا شغار في الإسلام؟
أوجدتم هذا في القرآن؟ قالوا: لا،
قال عمران: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ ولا شغار في الإسلام» [ (70) ] .
قال: سمعتم الله تعالى قال في كتابه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (71) ] قال عمران: فقد أخذنا عن نبي الله، صلى الله عليه وسلّم أشياء ليس لكم بها علم.
قال: ثم ذكر الشفاعة، فقال: هل سمعتم الله تعالى يقول لأقوام: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [ (72) ] قال شبيب: فأنا سمعت عمران يقول: الشفاعة نافعة دون ما تسمعون.
__________
[ (70) ] الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، (باب) في الجلب على الخيل في السباق، ح (2581) ، ص (3: 30) ، وأخرجه الترمذي في: 9- كتاب النكاح، (30) بَابُ مَا جَاءَ فِي النهي عن نكاح الشعار، ح (1123) ، ص (3: 422) ، والنسائي في كتاب النكاح، (باب) في الشعار، وفي كتاب الخيل، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 59، 180، 215) ، (3:
162) ، (4: 429، 439، 443) .
و (الجلب) : بمعنى الجلبة، وهي التّصويت، و (الجنب) : مصدر جنب الفرس، إذا اتخذه جنيبة، والمعنى فيما في السباق ان يتبع فرسه رجلا يجلب عليه ويزجره، وأن يجنب إلى فرسه فرسا عريا، فإذا شارف الغاية انتقل إليها، لأنه أودع فسبق عليه.
وقيل: «الجلب» في الصدقة، أن يجلبوا إلى المصدّق أنعامهم في موضع ينزله، فنهي عنه إيجابا لتصديقها في أفنيتهم. الفائق (1: 224) .
أما (الشغار) فهو ان يزوج الرجل ابنته، على ان يزوجه الآخر ابنته او أخته، ولا صداق بينهما، وهو نكاح معروف في الجاهلية.
[ (71) ] الآية الكريمة (7) من سورة الحشر.
[ (72) ] الآيات (42- 48) من سورة المدثر.(1/26)
قال الشيخ: والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل [ (73) ] لا يصح، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن.
والحجج في تثبيت الخبر الواحد كثيرة، وهي في كتبي المبسوطة مدونة.
وفيما احتجّ به الشافعي في تثبيته ما انتشر واشتهر من بُعِثَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلّم عمّاله واحدا واحدا، ورسله واحدا واحدا، وإنما بعث عماله ليخبروا الناس بما أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرائع دينهم، ويأخذوا منهم ما أوجب الله عليهم، ويعطوهم ما لهم، ويقيموا عليهم الحدود، وينفذوا فيهم الأحكام.
ولو لم تقم الحجة عليهم بهم- إذ كانوا من كل ناحية وجّهوهم إليها، أهل صدق عندهم- ما بعثهم إن شاء الله.
وساق الكلام في بعث أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عنه، واليا على الحج، وبعث علي، رضي الله عنه، بأوّل سورة براءة، وبعث مُعَاذٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِلَى اليمن.
وبسط الكلام فيه [ (74) ] ، ثم قال:
__________
[ (73) ] يقصد بذلك الحديث الموضوع:
«ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فلم أقله» . أخرجه الدارقطني في الأفراد، والعقيلي في «الضعفاء» ، وقال الدارقطني: تفرد به أشعث بن براز،
وهو شديد الضعف، والحديث منكر جدا استنكره العقيلي، وقال: «ليس له إسناد يصح» .
ووردت في هذا المعنى ألفاظ كثيرة كلها موضوع، أو بالغ الغاية في الضعف، وقال في تذكرة الموضوعات عن الخطابي أنه قال: «وضعته الزنادقة، ونقل العجلوني في كشف الخفا (1: 86) عن الصغاني انه قال: «هو موضوع» .
[ (74) ] الرسالة للشافعي (401) .(1/27)
فإن زعم- يعني من ردّ الحديث- أن «من جاءه معاذ» وأمراء سراياه محجوج بخبرهم، فقد زعم أنّ الحجة تقوم بخبر الواحد.
وإن زعم أن لم تقم عليهم الحجة فقد أعظم القول.
وإن قال: لم يكن هذا أنكر خبر العامة عمن وصفت، وصار إلى طرح خبر الخاصة والعامة.(1/28)
فصل فيمن يقبل خبره
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ [ (75) ] ، رَحِمَهُ الله:
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها:
أن يكون من حدّث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ.
وأن يكون ممن يؤدّي الحديث بحروفه كما سمعه، ولا يحدّث به على المعنى، لأنه إذا حدّث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه- لم يدر لعلّه يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أدّاه [ (76) ] بحروفه لم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث.
حافظا إن حدّث [به] [ (77) ] من حفظه، حافظا لكتابه إن حدّث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم.
__________
[ (75) ] قاله الشافعي في «الرسالة» ص (370) وما بعدها.
[ (76) ] في الأصل (ح) أدى، وأثبت ما في «الرسالة» ص (371) ، وهو الأجود.
[ (77) ] الزيادة من «الرسالة» ص (371) ، حيث أورد الخبر.(1/29)
بريّا من أن يكون مدلّسا: يحدّث عمن لقي ما لم يسمع منه، أو يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا يحدّث الثقات خلافه.
ويكون هكذا من فوقه ممن حدّثه حتى ينتهى بالحديث موصولا إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، أو إلى من انتهي به إليه دونه، لانّ كلّ واحد منهم مثبت لمن حدّثه، ومثبت على من حدّث عنه.
قال [ (78) ] : ومن كثر غلطه من المحدّثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح- لم يقبل حديثه. كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تقبل شهادته.
قال الشيخ: وأسامى من وجدت فيه هذه الشرائط، ومن قصّر عنهم ومن رمي بالكذب في الحديث، واتهم بالوضع- مكتوبة في التواريخ، معلومة عند أهل العلم بها.
قال الشافعي: ولا يستدلّ على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاصّ القليل من الحديث.
وهذا الذي استثناه الشافعي لا يقف عليه إلا الحذّاق من أهل الحفظ، فقد يزلّ الصّدوق فيما يكتبه فيدخل له حديث في حديث، فيصير حديث روي بإسناد ضعيف مركّبا على إسناد صحيح.
وقد يزلّ القلم، ويخطئ السمع ويخون الحفظ، فيروي الشاذ من الحديث عن غير قصد، فيعرفه أهل الصنعة الذين قيّضهم الله تعالى لحفظ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، على عباده بكثرة سماعه وطول مجالسته أهل العلم به ومذاكرته إياهم.
__________
[ (78) ] القائل هو الشافعي في «الرسالة» ص (382) .(1/30)
وهو كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي دعلج بن أحمد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأبّار، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الترمذي، حَدَّثَنَا «نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ» قال: قلت «لعبد الرحمن بن مهدي» [ (79) ] : كيف تعرف صحيح الحديث من خطائه؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن جنيد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البخاري، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عبد الله [ (80) ] ، يقول:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى «عَبْدِ الرحمن بن مهدي» فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إنك تقول للشيء هذا صحيح، وهذا لم يثبت، فعمّ تقول ذلك؟.
قال عبد الرحمن: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال. هذا جيد وهذا ستّوق وهذا بهرج، أكنت تسأل عمّ ذلك؟ أو كنت تسلّم للأمر؟
قال: بل كنت أسلّم الأمر إليه. قال: فهذا كذلك، لطول المجالسة، أو المناظرة، والخبرة [ (81) ] .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو بْنِ الْعَلَاءِ الْجُرْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا «يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ» ، قال:
لولا الجهابذة لكثرت السّتّوقة والزّيوف في رواية الشريعة، فمتى أحببت فهلمّ ما سمعت حتى أعزل لك منه نقد بيت المال، أما تحفظ قول شريح: إنّ للأثر جهابذة كجهابذة الورق.
__________
[ (79) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ (135- 198) الحافظ الإمام العلم، قال عنه الشافعي «لا أعرف له نظيرا في الدنيا» .
[ (80) ] هو الإمام الثبت الحافظ «علي بن عبد الله المديني» شيخ البخاري (161- 234) ، وانظر ترجمته في كتاب «علل الحديث ومعرفة الرجال» من تحقيقنا.
[ (81) ] معرفة علوم الحديث للحاكم ص (113) .(1/31)
فصل
ومما يجب معرفته في هذا الباب أن تعلم: أنّ الأخبار الخاصة المروية على ثلاثة أنواع:
نوع اتفق أهل العلم بالحديث على صحته، وهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون مرويّا من أوجه كثيرة، وطرق شتى حتى دخل في حد الاشتهار، وبعد من توهّم الخطأ فيه، أو تواطؤ الرواية على الكذب فيه.
فهذا (الضرب من الحديث) يحصل به العلم المكتسب، وذلك مثل الأحاديث التي رويت في القدر، والرؤية، والحوض، وعذاب القبر، وبعض ما روى في المعجزات، والفضائل، والأحكام، فقد روي بعض أحاديثها من أوجه كثيرة.
(والضرب الثاني) : أن يكون مرويا من جهة الآحاد، ويكون مستعملا في الدعوات، والترغيب والترهيب، وفي الأحكام كما يكون شهادة الشاهدين مستعملة في الأحكام عند الحكّام، وإن كان يجوز عليها وعلى المخبر الخطأ والنسيان، لورود نصّ الكتاب بقبول شهادة الشاهدين إذا كانا عدلين، وورود السّنة بقبول خبر الواحد إذا كان عدلا مستجمعا لشرائط القبول فيما يوجب العمل.(1/32)
وأما في (المعجزات وفي فضائل واحد من الصحابة) ، وقد رويت فيهما أخبار آحاد في ذكر أسبابها إلا أنها مجتمعة في إثبات معنى واحد وهو ظهور المعجزات على شخص واحد، وإثبات فضيلة شخص واحد، فيحصل بمجموعها العلم المكتسب. بل إذا جمع بينها وبين الأخبار المستفيضة في المعجزات والآيات التي ظهرت على سيدنا الْمُصْطَفَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- دخلت في حد التواتر الذي يوجب العلم الضروري فثبت بذلك خروج رجل من العرب يقال له: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ادّعى أنه رسول رب العالمين، وظهرت عليه الآيات وأورد على الناس من المعجزات التي باين بها من سواه بما آمن عليه من أنعم الله عليه بالهداية، مع ما بقي في أمته من القرآن المعجز.
وهذا كما أنّ أسباب ما اشتهر بها «حاتم طي» بالسّخاوة إنما علمت بأخبار الآحاد، غير أنها إذا جمعت أثبتت معنى واحدا هو السّخاوة، فدخلت في حد التواتر في إثبات سخاوة حاتم. وبالله التوفيق.
وأما النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها.
وهذا النوع على ضربين:
(ضرب) رواه من كان معروفا بوضع الحديث والكذب فيه.
فهذا الضرب لا يكون مستعملا في شيء من أمور الدين إلا على وجه التّليين.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إياس: حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ(1/33)
الرحمن بن أبي يعلى، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «من روى عنّي حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» [ (82) ] .
قال: وحَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن ميمون بن أبي شبيب، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكر مثله.
وضرب لا يكون روايه متهما بالوضع، غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط، في رواياته، أو يكون مجهولا لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول.
فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملا في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكّام. وقد يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب، والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم.
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحافظ، يقول: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: سمعت أبا الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ يقول: كان أبي يحكي عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مهدي» أنه قال:
إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال.
__________
[ (82) ] الحديث أخرجه الترمذي في كتاب العلم (بَابُ) مَا جَاءَ فِيمَنْ روى حديثا وهو يرى أنه كذب (5:
36) ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وقال أبو عيسى: «وفي الباب عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، وسمرة، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة (5) باب من حدّث عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وهو يرى أنه كذب (1: 14) ، عن علي، وعن سمرة، وعن المغيرة، وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» في:
1- كتاب الاعتصام بالسنة/ الحديث (29) عن سمرة، (1: 111) من تحقيقنا.(1/34)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ- بِمَرْوَ- أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: سمعت أبا قدامة، يقول: قال (يحي بن سعيد- يعني القطّان) :
تساهلوا في التفسير عن قوم لا يوثّقونهم في الحديث.
ثم ذكر لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ [ (83) ] . وجويبر بن سعيد [ (84) ] ، والضحّاك [ (85) ] ،
__________
[ (83) ] لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ بن زنيم القرشي: صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك. من السادسة.
ذكره البخاري في تاريخه الكبير ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وقال ابن عدي: «له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثوري، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه» .
وقال يحيى بن معين: «ليس حديثه بذاك، ضعيف» .
وقال أبو حاتم وأبو زرعة: «مضطرب الحديث» ، وكذا قال الإمام أحمد، وضعفه العقيلي، وجرحه ابن حبان بعد اختلاطه.
«طبقات ابن سعد» (6: 349) ، «التاريخ الكبير» (4: 1: 246) ، «الجرح والتعديل» (3: 2: 177) ، المجروحين (2: 231) ، «الميزان» (3: 420) ، «المغني في الضعفاء» (2: 536) ، «التهذيب» (8: 465) ، «التقريب» (2: 138) .
[ (84) ] جويبر بن سعيد الأزدي، أبو القاسم البلخي: قال ابن معين: «ليس بشيء» وقال الدوري:
«ضعيف» ، وقال علي بن المديني: «أكثر جويبر على الضحاك، روى عنه أشياء مناكير» وقال النسائي، والدارقطني «متروك» ، وقال ابن عدي: «الضعف على حديثه ورواياته بين» .
قال يحيى بن سعيد القطان: «تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذكر الضحاك، وجويبرا، ومحمد بن السائب الكلبي، وقال: هؤلاء لا يحمل حديثهم ... » .
له ترجمة في تاريخ ابن معين (2: 89) ، «التاريخ الكبير» (1: 2: 256) ، الجرح والتعديل (1: 1: 240) ، المجروحين (1: 217) ، الميزان (1: 427) ، تهذيب التهذيب (2: 123- 124) .
[ (85) ] هو الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي الخراساني: اتفقت المصادر على أنه لم يرو عن الصحابة، وقد وثقه العجلي، وابن حبان والدارقطني.
«تاريخ ابن معين» (2: 272) ، «التاريخ الكبير» (2: 2: 333) ، «الجرح والتعديل» (2: 1: 458) ، «الميزان» (2: 325) . التهذيب (4: 453) .(1/35)
محمد بن السائب [ (86) ]- يعني الكلبي، وقال: هؤلاء يحمد حديثهم ويكتب
__________
[ (86) ] هو مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، أحد المفسرين الذين يرجع تفسيرهم إلى تفسير ابن عباس، وترجع شهرته إلى كونه مؤرخا ونسّابة، وكان ذا ميول شيعية، أما روايته فكثيرا ما توصف بأنها ضعيفة.
ذكره ابن معين في تاريخه، وقال: ليس بشيء، وذكره العقيلي في «الضعفاء الكبير» ، وأفاض ابن حبان في جرحه، وقال: «كان سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ من أولئك الذين يقولون: إن عليّا لم يمت وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة فيملؤها عدلا كما ملئت جورا، وإن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها» .
ونقل ابن حبان قوله: «كان جبريل يملي الوحي على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما دخل النبي الخلاء جعل يملي على عليّ!!!!! وكان يقول: حفظت القرآن في سبعة أيام.
وقال حماد بن سلمة عنه: «كان والله غير ثقة» .
وقال ابن حبان: «الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه.
يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئا ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، فجعل لما احتيج إليه تخرج له الأرض أفلاذ كبدها. لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به والله جل وعلا ولّى رسوله صلّى الله عليه وسلّم تفسير كلامه وبيان ما أنزل إليه لخلقه حيث قال: «وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم» .
ومن أمحل المحال أن يأمر الله جل وعلا النبي المصطفى أن يبيّن لخلقه مراده حيث جعله موضع الأمانة عن كلامه ويفسر لهم حتى يفهموا مراد الله جل وعلا من الآي التي أنزلها الله عليه، ثم لا يفعل ذلك رسول رب العالمين وسيد المرسلين. بل أبان عن مراد الله جل وعلا في الآي وفسّر لأمته ما يهم الحاجة إليه، وهو سننه صلّى الله عليه وسلّم، فمن تتبّع السنن حفظها وأحكمها فقد عرف تفسير كلام الله جل وعلا وأغناه الله تعالى عن الكلبي وذويه. وما لم يبيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمته معاني الآي التي أنزلت عليه مع أمر الله جل وعلا له بذلك وجاز له ذلك كان لمن بعده من أمته أجوز، وترك التفسير لما تركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحرى. وعن أعظم الدليل على أن الله جل وعلا لم يرد بقوله: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.
القرآن كله أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك من الكتاب متشابها من الآي وآيات ليس فيها أحكام فلم يبيّن كيفيتها لأمته فلما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دل ذلك على أن المراد من قوله «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» كان بعض القرآن لا الكل.(1/36)
التفسير عنهم.
قال الشيخ: وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم، لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: سمعت العباس بن محمد يقول: سمعت «أحمد ابن حنبل» وسئل وهو على باب أبي النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، فقيل لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ما تقول في «موسى بن عبيدة» وفي «محمد بن إسحاق» ؟
قال: «أما موسى بن عبيدة» [ (87) ] فلم يكن به بأس، ولكنه حدّث أحاديث مناكير عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
وأما «محمد بن إسحاق» [ (88) ] فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث- كأنه
__________
[ () ] ترجمته في تاريخ ابن معين (2: 517) ، «التاريخ الكبير» (1: 1: 101) ، «الجرح والتعديل» (3: 1: 270) ، «المجروحين» (2: 253- 256) ، «ميزان الاعتدال» (3:
556) ، «تهذيب التهذيب» (9: 178- 181) . الفهرست (95) ، الوافي بالوفيات (3:
83) ، طبقات المفسرين (2: 144) ، شذرات الذهب (1: 217) .
[ (87) ] موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي، أبو عبد العزيز المدني: قال البخاري: «وقال أحمد: منكر الحديث جدا» ، وقال ابن معين: «إنما ضعف حديثه لأنه روى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دينار مناكير» ، وقال مرة: «ليس بشيء» . وقال أبو زرعة: «ليس بقوي الحديث» وقال أبو حاتم «منكر الحديث» . وضعفه النسائي، وابن حبان. «التهذيب» (10: 356- 360) .
[ (88) ] هو أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بن إسحق بن يسار (80- 151) ولد بالمدينة وانتقل إلى الاسكندرية حيث حضر دروس يزيد بن أبي حبيب في علم الحديث، وعاد بعد سنوات إلى مسقط رأسه حيث التقى بالمحدث سفيان بن عيينة، ثم هاجر إلى بغداد.
صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر.(1/37)
يعني المغازي ونحوها- فأما إذا جاءك الحلال والحرام أردنا قوما هكذا، وقبض أبو الفضل- يعني العباس- أصابع يده الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام.
وأما النوع الثالث، من الأحاديث فهو حديث قد اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته: فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته خفى ذلك عن غيره، أو لم يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره، وقد وقف عليه غيره، أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحا، أو وقف على انقطاعه أو انقطاع بعض ألفاظه، أو إدراج بعض رواته قول رواته في متنه. أو دخول إسناد حديث في حديث خفى ذلك على غيره.
فهذا الذي يجب على أهل العلم بالحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم، ويجتهدوا في معرفة [ (89) ] معانيهم في القبول والردّ، ثم يختاروا من أقاويلهم أصحّها. وبالله التوفيق.
__________
[ () ] ترجمته في «طبقات ابن سعد» (7: 321) ، طبقات خليفة (271) ، «التاريخ الكبير» (1: 1: 40) ، «تاريخ بغداد» (1: 214) ، «الجرح والتعديل» (4: 2: 191) ، «ميزان الاعتدال» (3: 468) ، «طبقات الحفاظ» (75- 76) ، «تهذيب التهذيب» (9:
38- 40) .
[ (89) ] في الأصل (ح) : معروفة.(1/38)
فصل في المراسيل
كل حديث أرسله واحد من التابعين أو الأتباع، فرواه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ من حمله عنه، فهو على ضربين:
(أحدهما) : أن يكون الذي أرسله من كبار التابعين الذين إذا ذكروا من سمعوا منه ذكروا قوما عدولا يوثق بخبرهم. فهذا إذا أرسل حديثا نظر في مرسله، فإن انضم إليه ما يؤكده من مرسل غيره، أو قول واحد من الصحابة، أو إليه ذهب عوامّ من أهل العلم- فإنّا نقبل مرسله في الأحكام [ (90) ] .
__________
[ (90) ] كل من عرف أنه لا يأخذ إلا عن ثقة فتدليسه ومرسله مقبول، فمراسيل سعيد بن المسيب، ومحمد ابن سيرين، وإبراهيم النخعي عندهم صحاح، ومراسيل عطاء والحسن لا يحتج بها لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد، وكذلك مراسيل أبي قلابة، وأبي العالية.
وقالوا: لا يقبل تدليس الأعمش، لأنه إذا وقف أحال على غير مليء، يعنون: على غير ثقة، إذا سألته عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف، وعباية بن ربعي، والحسن بن ذكوان.
وقالوا: ويقبل تدليس ابن عيينة، لأنه إذا وقف أحال على ابن جريح، ومعمر، ونظائرهما.
وحقيقة المرسل في أولاد الصحابة، والمخضرمين:
* فقد ولد لبعض الصحابة أطفال في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان آباؤهم يأتون بهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليحنّكهم، ويسميهم، ويدعو لهم، ومات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم دون سن التمييز، فذكروا في الصحابة، بيد أن أحاديثهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبيل المرسل.(1/39)
(والآخر) : أن يكون الذي أرسله من متأخري التابعين الذين يعرفون بالأخذ عن كل أحد، وظهر لأهل العلم بالحديث ضعف مخارج ما أرسلوه- فهذا النوع من المراسيل لا يقبل في الأحكام، ويقبل فما لا يتعلق به حكم من الدّعوات وفضائل الأعمال والمغازي، وما أشبهها.
__________
[ () ] * والمخضرمون: أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم تثبت لهم رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، سواء أسلموا في حياته، أم فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وعمر..، وهؤلاء ذكروا في الكتب لمقاربتهم لطبقة الصحابة، لا لأنهم منهم ... أما أحاديثهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهي مرسلة باتفاق أهل العلم.
فأوقعوا الحديث المرسل على التابعي الكبير عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار، أو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أو عبد الله بن عامر بن ربيعة، ومن كان مثلهم: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وكذلك من دون هؤلاء مثل: سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، ومثلهم.
فهذا هو المرسل عند أهل العلم.
وقد شرحه علماء الحديث، فكتب عنه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص (25) ، وشرح علوم الحديث للعراقي، واختصار علوم الحديث لابن كثير ص (37- 40) ، وفتح المغيث، وتدريب الراوي، وإرشاد الفحول، وابن الصلاح، والغزالي في المستصفى، وغيرهم.(1/40)
فصل في اختلاف الأحاديث
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حدثنا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
كلّما احتمل حديثان أنّ يستعملا معا، استعملا معا، ولم يعطّل واحد منهما الآخر.
فإذا لم يحتمل الحديثان إلا الاختلاف، فالاختلاف فيهما وجهان:
(أحدهما) : أن يكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ [ (91) ]
__________
[ (91) ] معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه من أهم ما يجب أن يعرفه من يبحث في أحكام الشريعة، إذ لا يمكن للباحث أن يستنبط الأحكام من أدلتها دون أن تكون له قدم راسخة بمعرفة الناسخ والمنسوخ.
1- ويعرف النسخ بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ك
قوله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدا لكم، وكنت نهيتكم عن الظروف ...
«الحديث» أخرجه مسلم عن بريدة.
2- منه ما عرف بقول الصحابي، كقول جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك الوضوء مما مست النار «أبو داود والنسائي» ، وكقول أبي بن كعب: كان الماء من الماء رخصة في أول(1/41)
(والآخر) : أن يختلفا ولا دلالة على أيهما ناسخ ولا أيهما منسوخ- فلا يذهب إلى واحد منهما دون غيره إلا بسبب يدلّ على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تركنا. وذلك أن يكون أحد الحديثين أثبت من الآخر، فنذهب إلى الأثبت، أو يكون أشبه بكتاب الله، أو سنة رسوله، صلى الله عليه وسلّم، فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته، أو أولى بما يعرف أهل العلم، أو أصح في القياس، أو الذي عليه الأكثر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وإذا كان الحديث مجهولا أو مرغوبا عمن حمله، كان كما لم يأت، لأنه ليس بثابت.
__________
[ () ] الإسلام ثم أمرنا بالغسل «أبو داود والترمذي» .
3- ومنها ما عرف بالتاريخ كحديث شداد بن أوس مرفوعا: أفطر الحاجم والمحجوم، نسخ بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم احتجم وهو محرم صائم «مسلم» فابن عباس انما صحبه محرما في حجة الوداع.
4- ومنها ما عرف بدلالة الإجماع كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة، وهو ما رواه أبو داود والترمذي في حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه، قال النووي: دل الإجماع على نسخه، وان كان ابن حزم خالف في ذلك، فخلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع، وقال الترمذي: ... فإن شرب الرابعة فاقتلوه، ثم أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله، فرفع القتل وكان رخصة.(1/42)
فصل
ومما يحق معرفته في الباب، أن تعلم أن الله تعالى بعث رسوله، صلى الله عليه وسلّم، بالحق، وأنزل عليه كتابه الكريم، وضمن حفظه كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (92) ] . ووضع رسوله، صلى الله عليه وسلّم من دينه وكتابه موضع الإبانة عنه، كما قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ (93) ] . وترك نبيه في أمته حتى يبيّن لأمته ما بعث به، ثم قبضه الله تعالى إلى رحمته. وقد تركهم على الواضحة، فلا تنزل بالمسلمين نازلة إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ وسنة رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُهَا: نَصًّا أو دلالة [ (94) ] .
وجعل في أمته في كل عصر من الأعصار أئمة يقومون ببيان شريعته وحفظها على أمته وردّ البدعة عنها.
كما
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بن محمد الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حدثنا معان [ (95) ] بن
__________
[ (92) ] الآية الكريمة (9) من سورة الحجر.
[ (93) ] الآية الكريمة (44) من سورة النحل.
[ (94) ] العبارة من «الرسالة» للشافعي ص (20) .
[ (95) ] في (ص) معاذ، وهو تصحيف.(1/43)
رفاعة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن العذري، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» [ (96) ] .
ورواه «الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ» عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عن الثقة من أشياخهم، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
وقد وجد تصديق هذا الخبر في زمان الصّحابة، ثم في كلّ عصر من الأعصار إلى يومنا هذا. وقام بمعرفة رواة السنة في كلّ عصر من الأعصار جماعة وقفوا على أحوالهم في التعديل والجرح وبيّنوها ودوّنوها في الكتب حتى من أراد الوقوف على معرفتها وجد السبيل إليها. وقد تكلّم فقهاء الأمصار في الجرح والتعديل فمن سواهم من علماء الْحَدِيثَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، حدثنا أبو سعيد الخلّال، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ المروزي، قال:
حدثني الحمّاني عن «أبي حنيفة» قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أكذب من جابر الجعفيّ [ (97) ] ، ولا أفضل من عطاء [ (98) ] .
__________
[ (96) ] أورده ابن عدي في الكامل من طرق كلها ضعيفة، وذكره الخطيب البغدادي من طرق في شرف أصحاب الحديث ص (28- 30) .
[ (97) ] هو جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ الحارث الجعفي الكوفي من أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سبأ. وكان يقول: إن عليا- عليه السلام- يرجع إلى الدنيا، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ ينطق بها. وقد قال الإمام أحمد عنه: تركه يحيى بن معين، وعبد الرحمن بن مهدي، وقال النسائي:
«متروك» ، وضعفه العقيلي، وجرحه ابن حبان، والعجلي.
المجروحين (1: 208) ، الميزان (1: 379) ، التهذيب (2: 46) .
[ (98) ] هو عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، متفق على توثيقه، أخرج له الجماعة، مترجم في «تهذيب التهذيب» (2: 199) ، والعبارة نقلها الترمذي في العلل (5: 741) .(1/44)
قال: وحدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: سمعت أبا سعد الصّغاني قام إلى أبي حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة، ما تقول في الأخذ عن «الثوري» ؟
فقال: اكتب عنه، فإنه ثقة ما خلا أحاديث «أبي إسحاق» عن «الحارث» ، وحديث «جابر الجعفي» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، قال: سمعت حرملة يقول:
قال الشافعي: «الرواية عن حرام بن عثمان حرام» [ (99) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْغَضَائِرِيُّ ببغداد، حدثنا أحمد ابن سَلْمَانَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ محمد الصائغ، حدثنا عفّان: قال: حدثني يحيى ابن سعيد القطان، قال: سألت شعبة، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ الرجل يتهم في الحديث ولا يحفظ؟ فقالوا: بيّن أمره للناس.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ بْنِ خَلَفٍ القاضي، قال: حدثني أبو سعد الهروي، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خلّاد، قال:
قيل «ليحيى بن سعيد» : أما تخشى أن يكون الذين تركت حديثهم خصماؤك عند الله؟
قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي عند الله أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يكون خصمي
__________
[ (99) ] هو حرام بن عثمان الأنصاري المدني: قال مالك: «ليس بثقة، وقال الشافعي وغيره: «الرواية عن حرام حرام» ، وقال ابن حبان «كان غاليا في التشيع يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل» .
الميزان (1: 468) .(1/45)
رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقول: لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب؟
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ [ (100) ] الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قال:
سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: «لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وكان يجيء إلى الرجل فيقول: لا تحدث وإلا استعديت عليك السلطان.
فعلى هذه الجملة كان ذبّهم عن حريم السنّة. وشواهد ما ذكرنا كثيرة، وفيما ذكرنا عن التطويل غنية.
وهذه مقدمة لكتاب «دلائل النبوة» وبيان ما جرى عليه أحوال صاحب الشريعة، صلوات الله عليه- أشار بها عليّ الشيخ أبو الحسن: حمزة بن محمد البيهقيّ، رحمه الله، بحسن عقيدته، وجميل نيته في معرفة معجزات النبي والرسول المرتضى محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وما جرى عليه أحواله ليتوصّل بها إلى معرفة ما أوردته فيه من الأحاديث، مع ذكر تراجمه في الجزء الذي يليه.
ويعلم أن كلّ حديث أوردته فيه قد أردفته بما يشير إلى صحته، أو تركته مبهما وهو مقبول في مثل ما أخرجته. وما عسى أوردته بإسناد فيه ضعف أشرت إلى ضعفه، وجعلت الاعتماد على غيره.
وقد صنف جماعة من المتأخرين في المعجزات وغيرها كتبا [ (101) ] ، وأوردوا فيها
__________
[ (100) ] في (ص) : الوليد.
[ (101) ] راجع ترجمة المصنف، وتقدمتنا للكتاب في أول هذا الجزء.(1/46)
أخبارا كثيرة من غير تمييز منهم صحيحها من سقيمها، ولا مشهورها من غريبها، ولا مرويّها من موضوعها، حتى أنزلها من حسنت نيته في قبول الأخبار منزلة واحدة في القبول، وأنزلها من ساءت عقيدته في قبولها منزلة واحدة في الردّ.
وعادتي- في كتبي المصنّفة في الأصول والفروع- الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار.
ومن أنعم النظر في اجتهاد أهل الحفظ في معرفة أحوال الرواة، وما يقبل من الأخبار، وما يردّ- علم أنهم لم يألوا جهدا في ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الابن يقدح في أبيه إذا عثر منه على ما يوجب ردّ خبره، والأب في ولده، والأخ في أخيه، لا تأخذه فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، ولا تمنعه في ذلك شجنة رحم ولا صلة مال. والحكايات عنهم في ذلك كثيرة، وهي في كتبي المصنّفة في ذلك مكتوبة.
ومن وقف على تمييزي في كتبي بين صحيح الأخبار وسقيمها، وساعده التوفيق- علم صدقي فيما ذكرته.
ومن لم ينعم النّظر في ذلك، ولم يساعده التوفيق- فلا يغنيه شرحي لذلك، وإن أكثرت، ولا إيضاحي له، وإن بلغت، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وجل:
وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [ (102) ] .
__________
[ (102) ] الآية الكريمة (101) من سورة يونس.(1/47)
جماع ذكر الأبواب والتراجم التي اشتمل [ (103) ] عليها كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة محمد بن عبد الله خير البرية ورسول رب العزة صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم [ (104) ]
أبواب في ميلاد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، وتاريخه وما يتصل به من الأبواب في نذر جدّه عبد المطلب، والآثار الَّتِي ظَهَرَتْ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وقبلها وبعدها، وكيف فعل ربنا بأصحاب الفيل في الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أمر تبّع، وما جَاءَ فِي ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ شُرَفِهِ، وَرُؤْيَا الموبذان، وخمود النيران ليلة ولد.
باب في رَضَاعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُرْضِعَتِهِ وَحَاضِنَتِهِ وما ظهر عليه من الآيات عندها.
باب في أسمائه.
باب في كنيته.
باب في شرف أصله ونسبه.
باب في وفاة أبيه وأمه، ووفاة جدّه.
باب في صفته من قرنه [ (105) ] إلى قدمه.
__________
[ (103) ] في (ص) : يشتمل.
[ (104) ] ليست في (ص) .
[ (105) ] في (ص) : رأسه.(1/49)
باب في صفة خاتم النبوة.
باب جامع في صفته.
باب في أخلاقه [وشمائله] [ (106) ] .
باب [ (107) ] فِي زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا واختياره الفقر على الغنى وجلوسه مع الفقراء وكونه أجزأ [ (108) ] الناس باليد، واجتهاده في طاعة ربه.
باب في مثله ومثل الأنبياء قبله، وأنه خاتم النبيين.
باب فِي مَثَلِهِ وَمَثَلِ أُمَّتِهِ ومثل الْهَدْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ.
باب في صفته فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ.
باب ما وجد في صورته وصورة الأنبياء قبله بالشام.
جماع أبواب ما ظهر علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الآيات قبل ولادته، وبعد مبعثه، وما كان تجري عليه أحواله حتى بعث نبيا، صلى الله عليه وسلم.
فمن ذلك: مَا جَاءَ فِي شَقِّ بطنه.
ومن ذلك إِخْبَارِ سَيْفِ بْنِ ذِي يزن بحاله.
ومن ذلك استسقاء عبد المطلب، وشفقته عليه، وتوصيته به، وإحساسه بأمره.
ومن ذلك خروجه مع أبي طالب، ورؤية بحيرا الراهب من صفته ما
__________
[ (106) ] الزيادة من (ص) .
[ (107) ] في (ص) : أبواب.
[ (108) ] رسمت في (ص) : أجزى.(1/50)
اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ فِي كتبهم.
ومن ذلك حفظ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَنِ أقذار الجاهلية.
باب في بناء الكعبة وما ظهر فيه عليه من الآيات.
باب في ذكر ما كان يستغل به قبل تزويجه خديجة، ثم في تزوجه بها، والآثار التي كانت تظهر عليه.
وأبواب فِي إِخْبَارِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ بما كانوا يجدون فِي كُتُبِهِمْ مِنْ خُرُوجِهِ وصدقه في رسالته.
وفيها قصّة إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وحديث قس بن ساعدة الإيادي وغيره ممن أخبر به، وحديث زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وإخبارهما به.
جماع أبواب المبعث:
فمن ذلك: الْوَقْتُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ نبيا.
ثم في ذكر سنه حين بعث نبيا.
ثم في ذكر الشهر وَالْيَوْمِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فيه، وما ظهر من مبتدأ البعث والتنزيل من الآيات مِنْ تَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عليه، وفي أول سورة نزلت عليه، وفيمن تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وما ظهر لبعضهم من الآيات العجيبة.
ثم في مبتدأ الفرض عليه ثم على الناس، وفيما أمر به من تبليغ الرسالة، وَمَا جَاءَ فِي عِصْمَةِ الله إِيَّاهُ حَتَّى بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وما ظهر عليه عند ذلك من الآيات في اعْتِرَافِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الإعجاز.(1/51)
ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الغفاري، ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
ثُمَّ في ذكر إسلام ضماد، ثم في إِسْلَامِ الْجِنِّ، وَمَا ظَهَرَ فِي كُلِّ واحد مما ذكرنا من الآيات.
ثم في بَيَانِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يخرج عليه قول الكهان حقا، والبيان أن ذلك أو أكثره انْقَطَعَ بِظُهُورِ نَبِيِّنَا، صَلَّى الله عليه وسلم.
ثم في إِعْلَامِ الْجِنِّيِّ صَاحِبَهُ بِخُرُوجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَمَا [ (109) ] سُمِعَ مِنَ العجل الذي ذبح بخروجه، وحديث سواد بن قارب، وسبب إسلام مازن الطّائي، وخفاف بن نضلة، وغيره.
ثم سُؤَالِ [ (110) ] الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بِمَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ.
ثم في ذكر أسئلتهم إياه وهو بمكة.
ثم في ذِكْرِ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أخرجهم إلى الهجرة، وإخباره فيما بين ذلك بإتمام أمره ووجود صدقه فيه، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ في ذلك.
ثم باب في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثُمَّ الثَّانِيَةِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَتَصْدِيقِ النجاشي ومن تبعه إياه.
__________
[ (109) ] في (ص) : ثم ما سمع.
[ (110) ] في (ص) : ثم في سؤال.(1/52)
ثم باب في دُخُولِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
ثم في ذكر المستهزئين الذين كفاه الله أمرهم، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من الآيات.
ثم في ذكر دعائه عَلَى مَنِ اسْتَعْصَى مِنْ قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى دُعَاءَهُ.
ثم في ذكر آيَةِ الرُّومِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ تصديقه.
ثم في دعائه عَلَى سَبْعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ عَلَى ابْنِ أَبِي لهب، وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ.
ثم باب في وفاة أبي طالب.
ثم باب في وَفَاةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
ثُمَّ باب في الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى.
ثم في العروج به إلى السماء، وما ظهر عليه من الآيات في معراجه وإخباره بما رأى، وبفرض الصلوات الخمس.
ثم باب فِي تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعَائِشَةَ بنت الصديق، وسودة بنت زمعة.
ثم في عَرْضِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفْسَهُ عَلَى قبائل العرب، حتى أَكْرَمَ اللهُ بِهِ الْأَنْصَارَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وفيه حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، وإياس بن معاذ، وأبان بْنِ عَبْدِ اللهِ(1/53)
البجليّ، وسعد بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَا سُمِعَ مِنَ الهاتف بمكة.
باب في ذكر العقبة الأولى، وبيعة مَنْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ مِنَ الأنصار على الإسلام.
وباب في ذِكْرِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ مَنْ حضر من الأنصار.
ثم في هجرة بعض الاصحاب إلى المدينة.
ثم في مَكَرِ الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وعصمة الله إياه.
ثم فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِلَى الْغَارِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من الآثار.
ثم في اتِّبَاعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جعثم، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من دلائل النبوة.
ثم في اجتيازه بخيمتي أمّ معبد، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ من الدلائل، وفي غير ذلك من هجرته إلى المدينة.
ثم في استقبال من استقبله من أصحابه.
ثم في الأنصار، ودخوله المدينة، وَنُزُولِهِ، وَفَرَحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَجِيئِهِ، والآثار الَّتِي ظَهَرَتْ فِي نُزُولِهِ، وخروج صهيب في أثره، وما ظهر من إعجاز القرآن بالخبر عن شأنه.
ثم في ذكر خطبته بالمدينة.
ثم فِي دُخُولِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ عليه وإسلامه، وإسلام أصحابه، وشهادتهم بأنه النَّبِيُّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.(1/54)
باب فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، بالمدينة، وذكر المسجد الذي أسس على التقوى، وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، عند بنائه مسجده بما وجد تصديقه بعده من قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وآخر شراب يشربه.
وباب في ذكر اتخاذ المنبر، وَمَا ظَهَرَ عِنْدَ وَضْعِهِ وجلوسه عليه من دلائل النبوة بحنين الجذع الذي كان يخطب عنده.
وباب فيما لقي أصحابه مِنْ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمُوهَا، وَعِصْمَةِ اللهِ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عنها.
ثم دعائه بنقل وبائها عنها، ثم تحريمه المدينة.
ثم باب في تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
ثم باب في الإذن بالقتال.
ثم جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَرَايَاهُ.
فأول سراياه: بعث عمه حمزة، وعبيد بن الحارث، وسعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَغَزْوَةُ الأبواء. وغزوة رضوى والعشيرة، وبدر الأولى، وسرية عبد الله ابن جحش.
باب غزوة بدر العظمى.
وهي تشتمل على أبواب كثيرة.
وفيها ما ظهر عليه في تلك الغزوة من دلائل النبوة بنزول الملائكة وغيرها.
ثم باب في قصة ابنته زينب وهجرتها.(1/55)
ثم باب في تزوجه بحفصة بنت عمر، ثُمَّ بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ وَتَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ من عثمان بَعْدَ وَفَاةِ ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ.
ثم تزويجه فاطمة من عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
ثم في خروجه ومرجعه من بدر إلى بني سليم.
ثم غزوة ذات السّويق.
ثم غزوة غطفان، وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ آثار النبوة.
ثم في غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ.
ثُمَّ في غَزْوَةِ قُرَيْشٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ.
ثم في غزوة بني قينقاع.
ثم في غزوة بني النّضير في قول من زعم أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ، وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ آثار النبوة.
باب فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأشرف وكفاية الله شرّه.
باب في غزوة أحد.
وهذا الباب يشتمل على أبواب.
وفيها: ذكر ما ظهر عليه في الشهداء وغيرهم من دلائل النبوة.
ثم في خروجه إلى حمراء الأسد.
ثم سريّة أبي سلمة.
ثم غَزْوَةِ الرَّجِيعِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ دلائل النبوة.
ثم في سَرِيَّةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ.
ثم غزوة بئر معونة.
ثم في غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ الدلائل.
ثم في دَعْوَةِ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْيَهُودِيِّ إِلَى الْإِسْلَامِ، واعترافه ومن تبعه مِنَ الْيَهُودِ بِوُجُودِ صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ ثم في غزوة بني لحيان.(1/56)
ثم فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وعصمة اللهِ تَعَالَى رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا هَمَّ بِهِ المشركون، ولحوق بركته بَعِيرِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله.
وَغَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةُ.
وَغَزْوَةُ دومة الجندل الأولى.
باب غزوة الخندق.
وهذا الباب يشتمل على أبواب.
وفيها: ذكر ما ظهر عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ دَلَائِلِ النبوة.
باب فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سفيان، وبأم سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وبزينب بنت جحش.
باب فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمَا ظَهَرَ فِي رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى مِنَ الصَّحَابَةِ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ دلائل النبوة، وغير ذلك من دعاء سعد ابن معاذ، وإسلام ابني سعية.
ثم في قتل ابن أبي الحقيق.
ثم في قَتْلِ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ، وما فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ مِنْ دلائل النبوة.
بَابُ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ.
وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَمَا ظَهْرَ فِيهَا مِنْ دلائل النبوة.
وفيه ذكر حديث الإفك.
ثم سريّة نجد.
ثم ذِكْرِ السَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ في هذه السنة.
باب عمرة الحديبية.
وهذا الباب يشتمل على أبواب.(1/57)
وفيها: ذكر ما ظهر في بئر الحديبية وغيرها من دلائل النبوة.
وفي خروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم.
وفي البيعة تحت الشجرة وكيفية الصلح.
ونزول سورة الفتح، وما فيها من وعد الله فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ الحرام، وغير ذلك، وظهور الصدق في جميع ذلك.
ثم في إسلام أم كلثوم، ثُمَّ مَا جَاءَ فِي أمر أَبِي بَصِيرٍ الثَّقَفِيِّ وَأَصْحَابِهِ.
ثم في غزوة ذي قرد.
باب في غزوة خيبر.
- وهذا الباب مشتمل على أبواب- وَمَا ظَهَرَ فِيهَا عَلَى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من دلائل النبوة في دعائه وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ. وإخبار ذراع الشاة إياه بأنها مسمومة.
وقدوم جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَشْعَرِيِّينَ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، بِخَيْبَرَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ.
ثم في انصرافه مِنْ خَيْبَرَ وَتَوَجُّهِهِ إِلَى وادي القرى.
ثم فِي نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الطريق من الآثار.
ثم في حديث أبي قتادة في أمر الميضأة.
ثم في ذِكْرِ السَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَبْلَ عمرة القضيّة.
ثُمَّ مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ القضية، ثم في ذكر تزوجه بميمونة بنت الحارث، ثم فِي خُرُوجِ ابْنَةِ حَمْزَةَ من مكة.
ثم في ذِكْرِ سَرِيَّةِ ابْنِ أَبِي العوجاء.
ثم في ذِكْرِ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ العاص وخالد بن الوليد.(1/58)
ثم في ذكر سرايا كانت بعد ذلك.
ثم في غزوة مؤتة، وإخباره بوقعتهم قبل مجيء خبرهم.
ثم فِي كِتَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الجبارين يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ثم في كتابه إلى قيصر وَمَا فِي قِصَّتِهِ مِنْ دلائل النبوة.
ثم في كتابه إلى كسرى ودعائه عليه، وإخباره بهلاكه وفتح كنوزه.
ثم في كتابه إلى المقوقس.
ثم فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ.
ثم في سرية أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ.
ثم في نعيه النجاشي إلى الناس.
باب فتح مكة:
وهذا الباب يشتمل على أبواب.
وفيها: ذكر تصديق الله تعالى لِرَسُولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم.
وفيها ذكر إسلام أبي قحافة أبي أبي بكر.
وقصة صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وإسلام من أسلم من الفتحيين، ثم في بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.
بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ وَدَلَالَاتِ الصدق.
ثم في مسيره إلى الطائف.
ثم في رجوعه إلى الجعرانة وقسمه الغنيمة بها.
ثم في وفود وفد هوازن، وما جرى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ فِي عمرته من الجعرّانة.(1/59)
ثم فِي قُدُومِ كَعْبِ بْنِ زهير إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا رجع إلى المدينة.
باب غزوة تبوك:
وهذا الباب يشتمل على أبواب.
وفيها: ذكر ما ظهر عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ.
وفيها: بِعْثِهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلى أكيدر دومة.
وفيها: رجوعه من تبوك، وعصمة الله إياه من مكر المنافقين.
ثم في تلقيه الناس وما جرى في مسجد الضّرار، وَمَا قَالَ فِي الْمُخَلَّفِينَ عنه.
وفيه، حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وصاحبيه وتوبة الله تعالى عليهم.
ثم في ذكر مرض عبد الله بن أبي المنافق، وقصة ثعلبة بن حاطب.
باب في حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وقراءة عليّ أوّل سورة براءة في هذه الحجّة على الناس.
ثم باب في ذكر قُدُومِ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَهُمْ أهل الطائف.
ثم باب في وُفُودِ الْعَرَبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، وَدُخُولِ النَّاسَ فِي دِينِ اللهِ أفواجا، ثم في بعثه أمراءه إلى النواحي.
ثم فِي قُدُومِ هَامَةَ بْنِ هَيْمَ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِسْلَامِهِ.
ثم فيما روى في إلياس ووصى عيسى بن مريم، عليهما السلام.
ثم في وفاة إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَابُ حجة الوداع:(1/60)
ثم أبواب في عدد حجاته، وغزواته، وسراياه.
ثم باب فيما خص الله به نبيه وتحدّثه بنعمة ربه.
ثم في مَا جَاءَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
جماع أبواب دلائل النبوة سوى ما مضى ذكره في الأوقات التي ظهرت فيها.
بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِنَبِيِّنَا، عليه السلام، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الخبر مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بين أصابعه، ومشي العذق الذي دعاه إِلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُجُوعِهِ إِلَى مكانه بإذنه.
ثم في سجود الجمل له.
ثم في ذِكْرِ الْوَحْشِ الَّذِي كَانَ يتواضع إليه والحمّرة التي شكت إليه حاله، والظبية التي شهدت له بالرسالة، والضب والذئب اللذين شهدا له بالرسالة.
ثم في الأسد الذي احترم مولاه سفينة.
ثم في المجاهد الَّذِي بُعِثَ حِمَارُهُ بَعْدَ ما نفق.
ثم في المهاجرة التي أحيا الله بدعائها ولدها وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الخبر من قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ.
ثم في شهادة الذئب لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، بالرسالة، ثم فِي شَهَادَةِ الرَّضِيعِ وَالْأَبْكَمِ.
ثم فِي تَسْبِيحِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فِي تسبيح(1/61)
الحصيات في كفه وكف بعض أصحابه.
ثم في حنين الجذع.
ثم فِي وُجُودِ رَائِحَةِ الطِّيبِ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ يسلكه.
ثم في سجود الشجر والحجر له.
ثم فِي تَأْمِينِ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ وحوائط البيت على دعائه.
ثم في رؤيته أصحابه من وراء ظهره.
ثم فِي الْبَرْقَةِ الَّتِي بَرَقَتْ لابني ابنته.
ثم في إضاءة عصا الرجلين والرجل من أصحابه، وإضاءة أصابع بعضهم في الليلة المظلمة. وغير ذلك من الآثار.
ثم في أبواب دعواته الْمُسْتَجَابَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وغيرها، ودعواته بالشفاء وغيرها، وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ في جميعها، وظهور بركاته فيما دعا فيه.
وذكر تراجمها يطول في هذا الموضع لكثرتها.
ثم دعواته على من دعا عليه من الكفار وإجابة الله إياه.
ثم أبواب في أَسْئِلَةِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتِبْرَائِهِمْ عن أحواله وصفاته وإسلام من أسلم منهم.
ثم أبواب فِي إِخْبَارُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا كان قبل وصول الخبر إليه من جهة الآدميين.
ثم أبواب فِي إِخْبَارُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْكَوَائِنِ بعده، وتصديق اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي جميع ذلك، فمنها ما وجد تصديقه في عصره، ومنها ما وجد تصديقه في زمان خلفائه، ومنها ما وجد تصديقه بعدهم.
ثم أبواب فيمن رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، أو(1/62)
سمعه من قبر أو غيره.
ثم أبواب في كَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظُهُورِ آثَارِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ رَأَى جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ أصحابه أو غيره من الملائكة.
ثم باب في الرّقية بكتاب الله والتحرز بذكره.
ثم فيمن رأى الشيطان من أصحابه، وما ذكر في التّحرّز عنه.
ثم فيما ظَهَرَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي وقته من النّكال.
ثم باب فيما أعطى نبينا، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، مِنَ الْآيَةِ الْكُبْرَى الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا قَوْمُهُ.
ثم أبواب في نزول القرآن وتأليفه.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَوَفَاتِهِ، وَمَا ظَهَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ ودلالات الصدق، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين.
ثُمَّ مَا جَاءَ فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ودفنه، وعظم الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ بوفاته، وتعزية الملائكة إياهم على المصيبة به.
ثم في معرفة أهل الكتاب وفاته قَبْلَ وُقُوعِ الْخَبَرِ إِلَيْهِمْ بما كانوا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التوراة والإنجيل، ثُمَّ مَا جَاءَ فِي تركته (و) في ذكر أزواجه وأولاده، صلوات الله عليه وعليهم، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عن ذكره الغافلون.
قال الشيخ رحمه الله: هذا آخر عهدي فيما أشار الشيخ الرئيس من(1/63)
«المدخل إلى كتاب دلائل النبوة» فإن وقع بمراده فبتوفيق الله جل ثناؤه، ثم بجميل نيته، وحسن اعتقاده.
وإن رأى فيه خللا أو تقصيرا فلضعف بدني، وكلال عيني، بكثرة أحزاني بسبب أولادي، واعتمادي بعد فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ على المعهود من كرمه في إحسانه إليهم وتقديم العناية والرعاية في جميع ما ينوبهم، ودعائي لهم ولأعزته بالخير الدائم، وثنائي عليه بالجميل الواجب، والله يستجيب فيه وفي ذويه صالح الدعوات، ويقيه ويقيهم من جميع المكاره والآفات، بفضله وجوده، والسلام عليه ورحمته وبركاته.
[والحمد لله وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وصلواته على محمد خير خلقه أجمعين، وآله الطيبين الطاهرين، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وصلّى الله على سيدنا محمد وسلّم. وحسبنا الله ونعم الوكيل] [ (111) ] .
__________
[ (111) ] الفقرة بين الحاصرتين ليست في (ص) ، وجاء مكانها بداية الجزء الأول من دلائل النبوة هكذا:
«الجزء الأول من كتاب دلائل النبوة ومعرفة احوال صاحب الشريعة، أَبِي الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله رسول رب العزة والمصطفى من جميع البرية» «صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطيبين، وأصحابه الطاهرين، وسلّم تسليما» .
تأليف الشيخ الإمام الزاهد: أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ- رَحِمَهُ اللهُ عليه- ورضي الله عنه:
البيهقي، والحمد لله وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وصلواته على خيرته من خلقه محمد المصطفى، والنبي المرتضى الذي جاء بالحق المبين، وأرسل رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلام على المرسلين، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .(1/64)
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة(1/65)
[تقدمة المصنف للكتاب]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله [وصحبه.
قال الإمام الحافظ أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ، مصنف هذا الكتاب، رحمه الله، ونفع بعلومه] [ (1) ] :
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السّموات وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، وَابْتَدَعَ الْجَوَاهِرَ وَالْأَعْرَاضَ، وَرَكَّبَ الصُّوَرَ وَالْأَجْسَادَ، وَقَضَى الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، وَقَدَّرَ الْمَعَاشَ وَالْمَعَادَ، وَأَعْطَى مَنْ شَاءَ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْمَعْرِفَةَ وَالْعَقْلَ وَالنَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْهِدَايَةَ وَالرَّشَادَ، وَبَعَثَ [ (2) ] الرُّسُلَ بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، مُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ [ (3) ] مَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرِينَ بِالنَّارِ [ (4) ] مَنْ عَصَاهُ، وَأَيَّدَهُمْ بِدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَاتِ الصِّدْقِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَخَصَّنَا بِالنَّبِيِّ الْمَكِينِ، وَالرَّسُولِ الْأَمِينِ، سيّد المرسلمين، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، أَبِي الْقَاسِمِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَفْضَلِ خَلْقِهِ نَفْسًا، وَأَجْمَعِهِمْ لِكُلِّ خُلُقٍ رَضِيٍّ فِي دِينٍ ودنيا، وخيرهم نسبا،
__________
[ (1) ] ما بين الحاضرتين من (ح) ، وليس في (هـ) ، و (ص) .
[ (2) ] في (هـ) و (ص) : وبعث.
[ (3) ] في (ص) : الجنة.
[ (4) ] في (ص) : النار.(1/67)
وأشرفهم دار، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، إِلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْخَلْقِ.
فَتَحَ بِهِ رَحْمَتَهُ، وَخَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ، وَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ، وَاجْتَبَاهُ لِبَيَانِ شَرِيعَتِهِ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ مَعَ ذِكْرِهِ. وَأَنْزَلَ مَعَهُ كِتَابًا عَزِيزًا، وَقُرْآنًا كَرِيمًا، مُبَارَكًا مَجِيدًا، دَلِيلًا مُبِينًا، وَحَبْلًا مَتِينًا، وَعِلْمًا زَاهِرًا، وَمُعْجِزًا بَاهِرًا، اقْتَرَنَ بِدَعْوَتِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَنْ يَدْعُوَ مُخَالِفِيهِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ- وَالْعَرَبِيَّةُ طَبِيعَتُهُمْ، وَالْفَصَاحَةُ جِبِلَّتُهُمْ، وَنَظْمُ الْكَلَامِ صَنْعَتُهُمْ- فَعَجَزُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ، وَعَدَلُوا عَنْهَا إِلَى الْمُسَايَفَةِ الَّتِي هِيَ أَصْعَبُ مِمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَتَحَدَّاهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ، - عَزَّ وَجَلَّ-: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (5) ] مَعَ سَائِرِ مَا آتَاهُ اللهُ وَحَبَاهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَاتِ، وَالْبَيِّنَاتِ الْبَاهِرَاتِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ (6) ] . فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى النَّصِيحَةَ، وَأَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَأَنَارَ الطَّرِيقَ، وَبَيَّنَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ. فَصَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَزْكَاهَا، وَأَطْيَبَهَا وَأَنْمَاهَا.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَمَّا فَرَغْتُ- بِعَوْنِ اللهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ- مِنْ تَخْرِيجِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ [ (7) ] ، وَالرُّؤْيَةِ [ (8) ] ، وَالْإِيمَانِ [ (9) ] ، وَالْقَدَرِ وَعَذَابِ
__________
[ (5) ] الآية الكريمة (88) من سورة الإسراء.
[ (6) ] الآية الكريمة (9) من صورة الصف.
[ (7) ] فِي كِتَابِ «الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ» طبع بالهند في جزء كبير سنة (1313 هـ) ، وطبع بمصر بعد ذلك.
[ (8) ] وهو جزء في «الرؤية» أو كتاب «الرؤية» .
[ (9) ] وهو كتاب «شعب الإيمان» أو الجامع المصنف في «شعب الإيمان، وقد طبع اختصاره في جزء، وأما الكتاب فهو في عشرة أجزاء.(1/68)
الْقَبْرِ [ (10) ] ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ [ (11) ] ، وَالْمِيزَانِ، وَالْحِسَابِ، وَالصِّرَاطِ، والخوض، وَالشَّفَاعَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ وَتَمْيِيزِهَا [ (12) ] ، لِيَكُونَ عَوْنًا لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَاسْتَشْهَدَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْهَا فَلَمْ يَعْرِفْ حَالَهَا [ (13) ] ، وَمَا يُقْبَلُ وَمَا يُرَدُّ [ (14) ] مِنْهَا- أَرَدْتُ، وَالْمَشِيئَةُ لِلَّهِ، تَعَالَى، أَنْ أَجْمَعَ بَعْضَ مَا بَلَغَنَا مِنْ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ. فَاسْتَخَرْتُ اللهَ، تَعَالَى، فِي الِابْتِدَاءِ، بِمَا أَرَدْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فِي إِتْمَامِ مَا قَصَدْتُهُ، مَعَ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنْ شَرَفِ أَصْلِهِ، وَطَهَارَةِ مَوْلِدِهِ، وَبَيَانِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَدْرِ حَيَاتِهِ، وَوَقْتِ وَفَاتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى نَحْوِ مَا شَرَطْتُهُ فِي مُصَنَّفَاتِي، مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّحِيحِ مِنَ السَّقِيمِ، وَالِاجْتِزَاءِ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْغَرِيبِ [ (15) ] إِلَّا فِيمَا لَا يَتَّضِحُ الْمُرَادُ مِنَ الصَّحِيحِ أَوِ الْمَعْرُوفِ دُونَهُ، فَأُورِدُهُ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الصَّحِيحِ، أَوِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالتَّوَارِيخِ.
وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ حَسْبِي فِي أُمُورِي، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
__________
[ (10) ] في كتابه «إثبات عذاب القبر» .
[ (11) ] كتاب البعث والنشور- مجلد.
[ (12) ] في (هـ) : وغيرها.. وراجع تصانيف البيهقي في ترجمتنا للمصنف في أول هذا الجزء.
[ (13) ] في (هـ) : رجالها، وأثبت ما في (ح) و (ص) .
[ (14) ] في (ح) : «ويرد» ، وفي (ص) : «وما يقبل ويرد» .
[ (15) ] في (ح) : «من المعروف بالغريب» .(1/69)
جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ [ (16) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، [ (17) ]
باب بيان [ (18) ] اليوم الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ [ (19) ] ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، [ (20) ] قَالَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ معبد الزماني، عن أبي قتادة:
__________
[ (16) ] في (ص) : «رسول الله» .
[ (17) ] في (ص) : «صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ» .
[ (18) ] ليست في (ص) .
[ (19) ] يروي المصنف كثيرا في هذا المصنّف، وعيره عن: ابن فورك، ويسميه: الأستاذ، وهو: محمد ابن الحسن بن فورك، أبو بكر، الأنصاري، الأصبهاني (332- 406) ، وهو الإمام الجليل، والحبر المهيب، العالم التقي الورع، الواعظ اللغوي النحوي، رافض الدنيا وزخرفها، المقبل على الله سرا وعلانية، صاحب التصانيف المشحونة علما، والمؤلفات الضافية حكمة، الأستاذ الذي لا يبارى، والفيلسوف الذي لا يجارى.
وكان فقيها، مفسرا، أصوليا، واعظا، أديبا، نحويا، لغويا، عارفا بالرجال.
حقق مجدا وشهرة في نيسابور، ثم دعي الى مدينة غزنة بالهند، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، وذهب إليها، وناصر الحق، واستفاد الناس منه.
[ (20) ] في (ص) : الأصبهاني.
[ (21) ] في (ص) : أخبرنا.(1/71)
أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ [ (22) ] ؟ فَقَالَ:
«ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» [ (23) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (24) ] أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [ (25) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَرِيرٍ- وَهُوَ غَيْلَانُ.
(ح) [ (26) ] وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا [ (27) ] عَمْرُو بْنُ السَّمَّاكِ، بِبَغْدَادَ، وَالْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، بِنَيْسَابُورَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ معبد الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأنصاري:.
__________
[ (22) ] في (ح) : «في يوم الاثنين» .
[ (23) ] هو جزء من حديث أخرجه مسلم في: 13- كتاب الصيام (36) باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس، حديث رقم (197) ، صفحة (819) ، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5: 297- 299) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4:
293) .
[ (24) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (25) ] هو يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي، أبو يوسف بن أبي معاوية الفسوي الحافظ (191- 277 هـ) ، محدث، حافظ، مؤرخ، رحال، ولد في حدود سنة (191 هـ) . وقدم دمشق والعراق، ورحل الى الغرب، وسمع الكثير، وتوفي بفسا، بفارس. ومن آثاره «تاريخه المشهور» ، وله ترجمة في تذكرة الحفاظ (2: 145) ، واللباب (2: 215) ، والنجوم الزاهرة (3: 77) ، وتهذيب التهذيب (11: 385) ، وشذرات الذهب (2: 171) .
[ (26) ] الحاء المهملة (ح) المفردة، مأخوذة من التحول، لتحوّله من إسناد إلى إسناد، وستأتي كثيرا.
[ (27) ] في (ص) : «أخبرنا عمرو بن السماك» .(1/72)
أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ، فَقَالَ: «ذَاكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» [ (28) ] أَخْرَجَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ: مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، وَأَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْمَخْزُومِيُّ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
وُلِدَ نَبِيُّكُمْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الاثنين. [ (29) ]
__________
[ (28) ] مضى تخريج الحديث في التعليق (23) .
[ (29) ] الحديث في «مسند الإمام أحمد» (1: 277) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (2: 259- 260) عن هذا الموضع، وقال: «تفرد به أحمد، وهو في «مجمع الزوائد» (1: 196) ، ونسبه لأحمد والطبراني في الكبير، وقال: «فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات من اهل الصحيح» .(1/73)
بَابُ الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سَلَمَةُ [ (30) ] بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، عَامَ الْفِيلِ، [ (31) ] ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
__________
[ (30) ] فِي (ح) : «مسلمة» .
[ (31) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 171) ، وجاء في «جامع الترمذي» (4: 589) ، و «مسند أحمد» (4: 215) مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عام الفيل» .
وقال أبو عيسى: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ» .(1/74)
بَابُ الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (32) ]
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
وُلِدَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفِيلِ [ (33) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (34) ] أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (32) ] في (ص) : «وعلى آله» .
[ (33) ] مضى الحديث ضمن الحديث المخرج بالهامش (31) ، وهو في السيرة لابن هشام (1: 171) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 261) ، وقال الحافظ ابن الجوزي في صفة الصفوة، ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اتفقوا عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عام الفيل، واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال: (أحدها) : أنه ولد لليلتين خلتا منه، (والثاني) : لثمان خلون منه، (والثالث) : لعشر خلون منه، (والرابع) : لاثنتي عشرة خلت منه» . أ. هـ.
[ (34) ] في (ص) : أخبرنا.(1/75)
حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمَ الْفِيلِ» [ (35) ] .
* قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قال: حدثنا يونس ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، يَعْنِي ابْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- قَالَ:
وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفِيلِ، كُنَّا لِدَيْنِ. [ (36) ]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ عُكَاظَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ [ (37) ] : مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ المروزي،
__________
[ (35) ] بهذا الإسناد، من طريق يحيى بن معين هو في «طبقات ابن سعد» (1: 101) ، كما أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 603) ، وقال: «تفرد حميد بن الربيع بهذه اللفظة (أي يوم) في هذا الحديث، ولم يتابع عليه، كما أورد الحاكم قبل هذه الرواية الرواية الصحيحة: «عام الفيل» وبذلك صرّح ابن حبان في تاريخه، وهو كتاب «الثقات» (1: 14- 15) ، فقال: «وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فِي اليوم الذي بعث الله طيرا أبابيل على أصحاب الفيل» .
[ (36) ] أخرجه الترمذي في كتاب المناقب (5: 589) ، والإمام أحمد في «مسنده» (4: 215) ، وهو في سيرة ابن هشام (1: 171) ، وطبقات ابن سعد (1: 101) ، والبداية والنهاية (2:
261) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم (101) ، وصحّحه المسعودي والسهيلي. (لدين) : يقال فلان لدة فلان إذا ولد معه في وقت واحد، وقال الجوهري: «لدة الرجل: تربه، والهاء عوض عن الواو الذاهبة منه، لأنه من الولادة، وهما لدان، والجمع، لدات، ولدون.
[ (37) ] في (ص) : «أبو الحسين» ، وله ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3: 225) ، وتهذيب الأسماء واللغات (2: 196) .(1/76)
الْفَقِيهُ، قَالَ [ (38) ] : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ الْفِيلِ. [ (39) ]
قَالَ: وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ، أَخَا بَنِي يَعْمَرَ بْنِ لَيْثٍ:
أَنْتَ أَكْبَرُ أَوْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ. وَرَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ أَخْضَرَ مُحِيلًا [ (40) ] .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، فَقَالَ: خَذْقَ الطَّيْرِ أَخْضَرَ مُحِيلًا.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (41) ] أَحْمَدُ بْنُ علي المقري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. فَذَكَرَهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْجِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (42) ] عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي
__________
[ (38) ] في (ص) الاسناد بدون لفظ: «قال» .
[ (39) ] الحديث في «جامع الترمذي» (5: 589) ، و «مسند احمد» (4: 215) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (101) .
[ (40) ] دلائل النبوة لأبي نعيم ص (100) ، (والخذق) : الروث.
[ (41) ] في (ص) : بدون قال، وبلفظ «أخبرنا» .
[ (42) ] في (ص) : أخبرنا، وبدون لفظ قال.(1/77)
ثَابِتٍ- مَدِينِيٌّ- قَالَ: حَدَّثَنَا [ (43) ] الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بن مروان، يَقُولُ لِقُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ الكناني، ثُمَّ اللَّيْثِيِّ: يَا قُبَاثُ! أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَامَ الْفِيلِ، وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ. وَتُنُبِّئَ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ [ (44) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ:
وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، عَامَ الْفِيلِ، وَكَانَتْ عُكَاظُ بَعْدَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُنِيَ الْبَيْتُ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [ (45) ] مِنَ الْفِيلِ، وَتُنُبِّئَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ [ (46) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُنْذِرِ ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ بَيْنَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْفِيلِ سَبْعُونَ سنة.
__________
[ (43) ] في (ص) : أخبرنا، وفي (ح) : حدثني.
[ (44) ] دلائل النبوة لأبي نعيم ص (100- 101) ، البداية والنهاية (2: 261- 262) .
[ (45) ] سنة: ليست في (ص) .
[ (46) ] البداية والنهاية لابن كثير (2: 262) .(1/78)
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا وَهْمٌ، وَالَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنَّ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ، وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (47) ] أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ [ (48) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ.
قَالَ يَعْقُوبُ: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ:
أَنَا لِدَةُ [ (49) ] رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وُلِدْتُ عَامَ الْفِيلِ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَصْغَرُ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم، بسنتين [ (50) ] .
__________
[ (47) ] في (ص) : أخبرنا.
[ (48) ] البداية والنهاية (2: 262) .
[ (49) ] جاء في هامش (ص) ما يلي: «أَنَا لِدَةُ رَسُولِ اللهِ: أي: تربه، يقال: ولدت المرأة ولادا وولادة ولدة، فسمى بالمصدر، وأصله ولدة، فوضعت الهاء من الواو، وجمع اللدة: لدات» .
وهذه العبارة من النهاية.
[ (50) ] البداية والنهاية (2: 262) .(1/79)
بَابُ ذِكْرِ مَوْلِدِ الْمُصْطَفَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَالْآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشام [ (51) ] .
__________
[ (51) ] الحديث أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 127- 128) ، والحاكم في «المستدرك» (2: 600) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد» ، وأقره الذهبي، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8: 223) ، وقال: «رواه أحمد، والطبراني، والبزار، وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.(1/80)
وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ»
يُرِيدُ بِهِ [ (52) ] : أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي قَضَاءِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْبَشَرِ، وَأَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: «وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ: [عَلَيْهِ السَّلَامُ»
يُرِيدُ بِهِ] [ (53) ] : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا أَخَذَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، دَعَا اللهَ، تَعَالَى جَدُّهُ، أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْبَلَدَ آمِنًا، وَيَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَيَرْزُقَهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ والطيبات، ثم قال: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (54) ] فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ فِي نَبِيِّنَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَهُ الرَّسُولَ الَّذِي سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَدَعَاهُ أَنْ يَبْعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ،
فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» ،
وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى، لَمَّا قَضَى أَنْ يَجْعَلَ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ- أَنْجَزَ هَذَا الْقَضَاءَ بِأَنْ قَيَّضَ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلدُّعَاءِ الَّذِي ذَكَرْنَا، لِيَكُونَ إِرْسَالُهُ إِيَّاهُ بِدُعَائِهِ كَمَا يَكُونُ تَقَلُّبُهُ [ (55) ] مِنْ صُلْبِهِ إِلَى أَصْلَابِ أَوْلَادِهِ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ: «وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي»
فَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى، أَمَرَ عِيسَى، عليه
__________
[ (52) ] سقطت من (هـ) و (ص) .
[ (53) ] من (ح) .
[ (54) ] الآية الكريمة (129) من سورة البقرة.
[ (55) ] في (ح) : «نقله» .(1/81)
السَّلَامُ، فَبَشَّرَ بِهِ قَوْمَهُ، فَعَرَفَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ: «وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ»
فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ-:
مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَكَانَتْ [ (56) ] آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلى [ (57) ] الأرض فقولي:
أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ ... مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ
مِنْ كُلِّ بِرِّ عَاهِدْ ... وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدْ
يَرُودُ [ (58) ] غَيْرَ رَائِدْ
فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَاجِدْ ... حَتَّى أَرَاهُ [ (59) ] قَدْ أَتَى الْمَشَاهِدْ [ (60) ]
قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يملأ قصور بصرى من أَرْضِ الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ: أَحْمَدُ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَاسْمَهُ فِي الْإِنْجِيلِ: أَحْمَدُ [ (61) ] ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأرض،
__________
[ (56) ] في (ح) : «وكانت» .
[ (57) ] إلى: سقطت من نسخة (هـ) ، ووقع في (ص) : في.
[ (58) ] في (ص) : يزود.
[ (59) ] في (ص) : حتى أراه قائد قد أتى المشاهد.
[ (60) ] سنده واه جدا، وقال الحافظ العراقي: «أدرجه بعض القصاص» .
[ (61) ] سقطت من (هـ) .(1/82)
وَاسْمَهُ فِي الْفُرْقَانِ: مُحَمَّدٌ. فَسَمَّيْتُهُ [ (62) ] بِذَلِكَ.
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، إملاء وَقِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (63) ] أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ: حَدَّثَكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنِّي عِنْدَ اللهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ [ (64) ] الشَّامِ.
قَصَّرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بِإِسْنَادِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عبد الأعلى بن هلال، وَقَصَّرَ بِمَتْنِهِ، فَجَعَلَ الرُّؤْيَا بِخُرُوجِ [ (65) ] النُّورِ مِنْهَا وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: * حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. فَقَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أضاءت له
__________
[ (62) ] في (ص) : «فسمته» .
[ (63) ] في (ص) : أخبرنا، والإسناد بدون لفظ «قال» .
[ (64) ] في (ص) : «قصور بصرى» .
[ (65) ] في (ص) : «لخروج» .(1/83)
بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ [ (66) ] .
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ.
(ح) [ (67) ] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وبشرى عيسى بن مَرْيَمَ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ [ (68) ] .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: [ (69) ] خَرَجَ مِنِّي.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سنان العوقي [ (70) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ الفجر، قال:
__________
[ (66) ] سيرة ابن هشام (1: 170) ، طبقات ابن سعد (1: 102) ، وصححه الحاكم في «المستدرك» (2: 600) ، وأقره الذهبي.
[ (67) ] إشارة التحول من إسناد لإسناد، سقطت من (هـ) و (ح) ، وأثبتها من (ص) .
[ (68) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 262) ، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (8: 222) .
[ (69) ] أبو داود الطيالسي.
[ (70) ] في (ص) العوفي: تصحيف.(1/84)
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى كُتِبْتَ [ (71) ] نَبِيًّا؟ قَالَ: وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ [ (72) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ [ (73) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ التَّمِيمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بُنْدَارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الضَّبِّيُّ، الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَوَّلُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَأَجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ:
وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللهِ أَبْتَغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ. فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَيْتِ، وقال:
لا همّ [ (74) ] إِنَّ الْمَرْءَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَكَ
وَذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ.
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا فِي الْحَرَمِ حَتَّى أَهْلَكَ اللهُ، تَعَالَى، الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ فِيهِمْ، لِصَبْرِهِ [ (75) ] وَتَعْظِيمِهِ مَحَارِمَ اللهِ تَعَالَى. فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَهُ أَكْبَرُ بَنِيهِ- قَدْ أَدْرَكَ- وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمْ، خَبِيَّةَ الشَّيْخِ الْأَعْظَمْ. فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: اللهُمَّ بَيِّنْ لِي. فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى: احْفِرْ تُكْتَمَ بَيْنَ الفرث
__________
[ (71) ] في (ح) : «كنت» .
[ (72) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 59) ، والحاكم في «المستدرك» (2: 608- 609) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، وأقره الذهبي.
[ (73) ] في (ح) : الأصفهاني.
[ (74) ] في (ص) : اللهم.
[ (75) ] في (ص) : تصبّره.(1/85)
وَالدَّمِ، فِي مَبْحَثِ الْغُرَابِ، فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ [ (76) ] مُسْتَقْبِلَةً الْأَنْصَابَ الْحُمْرَ. فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَمْشِي حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْتَظِرُ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَنُحِرَتْ بَقَرَةٌ بِالْحَزْوَرَةِ [ (77) ] فَانْفَلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهَا، حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ. فَنُحِرَتْ تِلْكَ الْبَقَرَةُ فِي مَكَانِهَا حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ، فَبَحَثَ عَنْ قَرْيَةِ النَّمْلِ. فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَحَفَرَ هُنَالِكَ. فَجَاءَتْهُ [ (78) ] قُرَيْشٌ، فَقَالَتْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصَّنِيعُ؟ إِنَّا لَمْ نَكُنْ نَزُنُّكَ [ (79) ] بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحْفِرُ فِي مَسْجِدِنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ البئر، ومجاهد من ضدّني عَنْهَا.
فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَتَسَفَّهَ عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَازَعُوهُمَا وَقَاتَلُوهُمَا [ (80) ] . وَتَنَاهَى عَنْهُ أُنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصِدْقِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ [ (81) ] يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، نَذَرَ إِنْ وُفِّيَ [ (82) ] لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يَنْحَرُ أَحَدَهُمْ. ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ حَيْثُ [ (83) ] دُفِنَتْ. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ، قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَحْذِنَا [ (84) ] مِمَّا وَجَدْتَ. فَقَالَ عَبْدُ
__________
[ (76) ] قرية النمل، شبه مكة وكيف انها غير ذي زرع، ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان، كالنمل لا تحرث ولا تبذر، وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب.
[ (77) ] في (ص) : بالجزوّرة. وهو تصحيف، وهي موضع في مكة، عند باب الحناطين. النهاية في غريب الحديث.
[ (78) ] في (ص) : «فجاءت» .
[ (79) ] نتهمك.
[ (80) ] في (ص) : «فينازعوهما ويقاتلوهما» .
[ (81) ] في (ص) : «دينه» .
[ (82) ] رسمت في (ص) : وفا.
[ (83) ] في (ص) : حين.
[ (84) ] أعطنا.(1/86)
الْمُطَّلِبِ: إِنَّمَا هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ اللهِ. فَحَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ [ (85) ] الْمَاءَ، فَخَرَقَهَا فِي الْقَرَارِ، ثُمَّ بَحَّرَهَا حَتَّى لَا تُنْزَفَ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا. فَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ، فَيَمْلَآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسِرَهُ أُنَاسٌ حَسَدَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، فَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا إِفْسَادَهُ [ (86) ] دَعَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلِ: اللهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كُفِيتَهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ حَوْضَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رُمِيَ فِي جَسَدِهِ بِدَاءٍ، حَتَّى تَرَكُوا حَوْضَهُ وَسِقَايَتَهُ.
ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ، فَوُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ رَهْطٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ، وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ. فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عبد المطلب، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: اللهُمَّ أَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؟ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِائَةِ، فَكَانَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبْدِ اللهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ أَحْسَنَ من رؤي فِي قُرَيْشٍ قَطُّ [ (87) ] ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ، أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ هَذَا الْفَتَى فَتَصْطَادَ [ (88) ] النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ؟ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا. قَالَ: فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَامَعَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
__________
[ (85) ] نبع.
[ (86) ] في (هـ) : «فساده» .
[ (87) ] لفظ (قط) سقط من (ص) .
[ (88) ] في (ح) : «فيعاد» .(1/87)
ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ، فَتُوُفِّيَ بِهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ [ (89) ] فِي حِجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ سُوقَ عُكَاظَ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ عُكَاظَ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا. فَزَاغَتْ [ (90) ] بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَأَنْجَاهُ اللهُ تَعَالَى.
ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ تَحْضِنُهُ، جَاءَتْ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّتَاهُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي الْقُرَشِيَّ آنِفًا فَشَقُّوا بَطْنَهُ. فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً حَتَّى تَأْتِيَهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعٌ لَوْنُهُ لَا تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا. فَارْتَحَلَتْ بِهِ [ (91) ] حَتَّى أَقْدَمَتْهُ [ (92) ] عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا:
اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: لَا وَاللهِ، مَا بِابْنِي مِمَّا تَخَافِينَ [ (93) ] ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.
فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، فَيَتِمَ فِي حِجْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَكَانَ وَهُوَ غُلَامٌ يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ، وَقَدْ كَبِرَ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُ جَدَّهُ: انْزِلْ عَنْ وِسَادَةِ جَدِّكَ. فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي، فَإِنَّهُ يحسّ بخير.
__________
[ (89) ] في (ص) : «وكان» .
[ (90) ] في (ص) و (ح) : «فراغت» .
[ (91) ] سقطت من (هـ) .
[ (92) ] في (هـ) : «حتى إذا أقدمته» .
[ (93) ] في (هـ) : «ما تخافي» .(1/88)
قَالَ: فَتُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، غُلَامٌ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ- وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ- فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ، فَلَمَّا نَزَلَ تَيْمَاءَ رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ [ (94) ] فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟
قَالَ: هُوَ ابْنُ أَخِي. قَالَ: أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فو الله لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ الشَّامَ لَا تَصِلُ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا، لَتَقْتُلَنَّهُ الْيَهُودُ، إِنَّ هَذَا عَدُوُّهُمْ.
فَرَجَعَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ.
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، الْحُلُمَ، أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شررة مِنْ مِجْمَرَتِهَا [ (95) ] فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ، فَاحْتَرَقَتْ، فَوَهَى [ (96) ] الْبَيْتُ لِلْحَرِيقِ الَّذِي أَصَابَهُ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَهَابُوا هَدْمَهَا، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَتُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا الْإِصْلَاحَ؟ أَمْ تُرِيدُونَ الْإِسَاءَةَ؟ فَقَالُوا:
بَلْ نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى، لَا يُهْلِكُ الْمُصْلِحَ. وَقَالَتْ: فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْلُوهَا فَيَهْدِمَهَا؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَعْلُوهَا فَأَهْدِمُهَا. فَارْتَقَى الْوَلِيدُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَمَعَهُ الْفَأْسُ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّا لَا نُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ. ثُمَّ هَدَمَ. فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدْ هَدَمَ مِنْهَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا يَخَافُونَ مِنَ الْعَذَابِ هَدَمُوهَا مَعَهُ. حَتَّى إِذَا ابْتَنَوْا، فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ: أَيُّ الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ، حَتَّى كَادَ يُشْجَرُ بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمْ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ [ (97) ] هَذِهِ السِّكَّةِ. فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ غُلَامٌ، عَلَيْهِ وِشَاحُ [ (98) ] نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ، فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثم
__________
[ (94) ] في (ح) : «تيمان» .
[ (95) ] من هامش (ص) بخط مغاير: «وهي السقاء» .
[ (96) ] في (ص) : رسمت: «فوها» .
[ (97) ] في (ص) : «في» .
[ (98) ] في (ص) : «وشاحا» بالتثنية.(1/89)
أَمَرَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ، وَأَمَرَهُمْ [ (99) ] أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَيْهِ. فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ.
ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ فِيهِمْ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رَضًا، حَتَّى سَمَّوْهُ الْأَمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ.
قَالَ: وَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا لِلْبَيْعِ إِلَّا دَعَوْهُ لِيَدْعُوَ لَهُمْ فِيهَا.
فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ، اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ، وَهُوَ سُوقٌ بِتِهَامَةَ، وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْهَا:
مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةٍ أَجْيَدَ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تَخْبَؤُهُ [ (100) ] لَنَا.
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سُوقِ حُبَاشَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُ لِصَاحِبِي: انْطَلِقْ بِنَا نَتَحَدَّثْ مَعًا [ (101) ] عِنْدَ خَدِيجَةَ، فَجِئْنَاهَا. فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهَا إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا مُنْشِيَةٌ مِنْ مُوَلِّدَاتِ قُرَيْشٍ- وَفِي رِوَايَةٍ مُسْتَنْشِيَةٌ [ (102) ] ، وَهِيَ الْكَاهِنَةُ مِنْ مُوَلِّدَاتِ قُرَيْشٍ- فَقَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا. قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، قَالَ لِي: أَمِنْ خِطْبَةِ خَدِيجَةَ تستحي؟ فو الله مَا مِنْ قُرَشِيَّةٍ إِلَّا تَرَاكَ [ (103) ] لَهَا كُفُؤًا. قَالَ:
فَرَجَعْتُ أَنَا وَصَاحِبِي مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا تِلْكَ الْمُنْشِيَةُ، فقالت:
__________
[ (99) ] في (هـ) : «وأمره» .
[ (100) ] في (ص) : «تخبأه» .
[ (101) ] في (ص) : بدون (معا) .
[ (102) ] في (ص) «المنتشئة» ، والمستنشئة: الكاهنة.
[ (103) ] في (ص) : نراك.(1/90)
أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا فَقُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ: أَجَلْ. قَالَ:
فَلَمْ تَعْصِنِي [ (104) ] خَدِيجَةُ وَلَا أُخْتُهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا: خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ، فَقَالَتْ لَهُ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب يَخْطُبُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ. فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ، فَأَنْكَحَهُ. قَالَ: فَخَلَّقَتْ [ (105) ] خَدِيجَةُ أَبَاهَا، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِهَا رَسُولُ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صَحَا [ (106) ] الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ، قَالَ: مَا هَذَا الْخَلُوقُ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَتْ أُخْتُ خَدِيجَةَ: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاكَهَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا. فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ. ثُمَّ صَارَ إِلَى أَنْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَاسْتَحْيَا. قَالَ: فَطَفِقَتْ رُجَّازٌ [ (107) ] مِنْ رُجَّازِ قُرَيْشٍ، تَقُولُ:
لَا تَزْهَدِي خَدِيجُ فِي مُحَمَّدِ ... جَلْدٌ يُضِيءُ كَإِضَاءِ الْفَرْقَدِ
فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ، وَكَانَ لَهُ وَلَهَا: الْقَاسِمُ.
وَقَدْ زَعَمَ «بَعْضُ الْعُلَمَاءِ» أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا يُسَمَّى: الطاهر.
وقال «بَعْضُهُمْ» : مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ غُلَامًا [ (108) ] إِلَّا الْقَاسِمَ، وَوَلَدَتْ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ: زَيْنَبَ، وَفَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كلثوم.
__________
[ (104) ] في (ص) : «يفض» .
[ (105) ] أي «طيبت» .
[ (106) ] رسمت في (ص) : «صحى» .
[ (107) ] في (هـ) : فطفقت وطفق رجاز ... » .
[ (108) ] (غلاما) : ليست في (ح) .(1/91)
وَطَفِقَ [ (109) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا وَلَدَتْ بَعْضَ بَنَاتِهِ يُحَبَّبُ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ-[رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ] [ (110) ]- يَجْمَعُ بَيَانَ أَحْوَالٍ مِنْ أَحْوَالِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ تَقَدُّمِ عَامِ الْفِيلِ عَلَى وِلَادَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْرِهِ: أَنَّ وِلَادَةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ عَامَ الْفِيلِ، فَسَبِيلُنَا أَنْ نَبْدَأَ فِي شَوَاهِدِ مَا رَوَيْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِحَدِيثِ زَمْزَمَ:
__________
[ (109) ] في (ص) : «فطفق» .
[ (110) ] سقطت هذه العبارة بين الحاصرتين من (ح) .(1/92)
بَابُ مَا جَاءَ فِي حَفْرِ [ (111) ] زَمْزَمَ، عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ وَهُوَ يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ، قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ أُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ بَرَّةً، فَقَالَ: وَمَا بَرَّةُ؟ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ نَامَ فِي مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ:
احْفِرِ الْمَضْنُونَةَ، قَالَ: [ (112) ] وَمَا مَضْنُونَةُ؟ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ عَادَ [ (113) ] فَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ ذَلِكَ فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ طَيْبَةَ، فَقَالَ: وَمَا طَيْبَةُ [ (114) ] ؟ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ عَادَ فَنَامَ بِمَضْجَعِهِ، فأتي، فقيل
__________
[ (111) ] كلمة (حضر) سقطت من (ح) .
[ (112) ] في (ح) : «فقال» .
[ (113) ] في (هـ) : «عاد به» .
[ (114) ] في بعض الروايات: «ظبية» . سبل الهوى والرشاد (1: 217) .(1/93)
لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، فَقَالَ: وَمَا زَمْزَمُ؟ فَقَالَ: لَا تُنْزَفُ وَلَا تُذَمُّ [ (115) ] ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَوْضِعَهَا. فَقَامَ يَحْفِرُ حَيْثُ نُعِتَ لَهُ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: مَا هَذَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟
فَقَالَ: أُمِرْتُ بِحَفْرِ زَمْزَمَ. فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُ وَبَصُرُوا بِالظَّبْيِ، قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ لَنَا حَقًّا فِيهَا مَعَكَ، إِنَّهَا لَبِئْرُ [ (116) ] أَبِينَا إِسْمَاعِيلَ. فَقَالَ: مَا هِيَ لَكُمْ، لَقَدْ خُصِصْتُ بِهَا دُونَكُمْ، قَالُوا: فَحَاكِمْنَا [ (117) ] ، قَالَ [ (118) ] : نَعَمْ.
قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ- وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ- قَالَ:
فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي أَبِيهِ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ أَفْنَاءِ قُرَيْشٍ نَفَرٌ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ إِذْ ذَاكَ مَفَاوِزَ فِيمَا بَيْنَ الشَّامِ وَالْحِجَازِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِمَفَازَةٍ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوَا [ (119) ] الْقَوْمَ، قَالُوا: مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَسْقِيَكُمْ، وَإِنَّا لَنَخَافُ [ (120) ] مِثْلَ الَّذِي أَصَابَكُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إِلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَقَالَ: إِنِّي [ (121) ] أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ [ (122) ] حُفْرَةً [ (123) ] بِمَا بَقِيَ مِنْ قُوَّتِهِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ يَدْفَعُهُ صَاحِبُهُ، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ أَهْوَنُ مِنْ ضَيْعَةِ جَمِيعِكُمْ. فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا لِلْمَوْتِ- لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَنَبْتَغِي لَعَلَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَسْقِيَنَا- عَجْزٌ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ارْتَحِلُوا، قَالَ: فَارْتَحَلُوا وَارْتَحَلَ، فلما جلس
__________
[ (115) ] لا تذم لا يقل ماؤها. الروض الأنف (1: 98) .
[ (116) ] في (ح) : «سر» .
[ (117) ] في (ح) : «تحاكمنا» .
[ (118) ] في (ص) : «فقال» .
[ (119) ] في (ح) : «ثم استسقوا» .
[ (120) ] في (ح) : «نخاف» .
[ (121) ] في (ص) و (ح) : «فإني» .
[ (122) ] ليست في (هـ) .
[ (123) ] في (ص) و (ح) : «حفرته» .(1/94)
عَلَى نَاقَتِهِ فَانْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ عَيْنٌ [ (124) ] مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا بِمَاءٍ [ (125) ] عَذْبٍ، فَأَنَاخَ وَأَنَاخَ أَصْحَابُهُ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَاسْتَقَوْا، ثُمَّ دَعَوْا أَصْحَابَهُمْ: هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللهُ، تَعَالَى، فَجَاءُوا وَاسْتَقَوْا وَسَقَوْا، ثُمَّ قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ وَاللهِ قُضِيَ لَكَ، إِنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا [ (126) ] الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، انْطَلِقْ فَهِيَ لَكَ، فَمَا نَحْنُ بِمُخَاصِمِيكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَانْصَرَفُوا، وَمَضَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَحَفَرَ، فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ كَانَتْ جُرْهُمٌ [ (127) ] دَفَنَتْ فِيهَا حِينَ أُخْرِجَتْ مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ بِئْرُ [ (128) ] إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، الَّذِي سَقَاهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حِينَ ظمئ وهو صغير.
__________
[ (124) ] في (ح) : «عيون تحت» .
[ (125) ] في (ص) : «ماء» .
[ (126) ] «هذا» سقطت من (ح) .
[ (127) ] لما توفي إسماعيل- عليه السلام- ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يليه، ثم ولي البيت مضاض بن عمرو الجرهمي، وبنو إسماعيل، وبنو نابت مع جدهم مضاض وأخوالهم من جرهم، ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال.
ثم إن جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرم، فظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، فرقّ أمرهم، فلما رأت بنو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ من كنانة وغبشان من خزاعة ذلك، اجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة، فآذنوهم، أي أعلموهم بالحرب، فاقتتلوا، فغلبهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة، كانت مكة في الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما ولا بغيا، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته، ولا يريدها ملك يستحلّ حرمتها إلا أهلكته مكانه. فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض بغزالي الكعبة وبحجر الركن، فدفن الغزالين في زمزم، وردمها، ومرت عليها السنون عصرا بعد عصر إلى أن صار موضعها لا يعرف حتى بوّأها الله لعبد المطلب جد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وانطلق عمرو بن مضاض ومن معه من جرهم إلى اليمن.
[ (128) ] في (ح) : «من إسماعيل» .(1/95)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَوَجَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَسْيَافًا مَعَ الْغَزَالَيْنِ [ (129) ] ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ شِرْكٌ وَحَقٌّ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَلُمُّوا إِلَى أَمْرٍ نَصَفٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ. فَقَالُوا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟
قَالَ: اجْعَلُوا لِلْكَعْبَةِ قَدَحَيْنِ، وَلَكُمْ قَدَحَيْنِ، وَلِي قَدَحَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ شَيْءٌ كَانَ لَهُ. فَقَالُوا لَهُ [ (130) ] : قَدْ أَنْصَفْتَ، وَقَدْ رَضِينَا. فَجَعَلَ قد حين أصفرين للكعبة، وقد حين أسودين لعبد المطلب [ (131) ] ، وقد حين أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشٍ، ثُمَّ أَعْطَوْهَا الَّذِي يَضْرِبُ بِالْقِدَاحِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ويقول:
لا همّ أَنْتَ الْمَلِكُ الْمَحْمُودْ ... رَبِّي وَأَنْتَ [ (132) ] الْمُبْدِئُ الْمُعِيدْ
وَمُمْسِكُ الرَّاسِيَةِ الْجُلْمُودْ ... مِنْ عِنْدِكَ الطَّارِفُ وَالتَّلِيدْ
إِنْ شِئْتَ أَلْهَمْتَ لِمَا تُرِيدْ ... لِمَوْضِعِ الْحِلْيَةِ وَالْحَدِيدْ
فَبَيِّنِ الْيَوْمَ لِمَا تُرِيدْ ... إِنِّي نَذَرْتُ عَاهِدَ [ (133) ] الْعُهُودْ
اجْعَلْهُ رَبِّ لِي وَلَا [ (134) ] أَعُودْ
وَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ، فَخَرَجَ الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ لِلْكَعْبَةِ، فَضَرَبَهُمَا، عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي بَابِ الْكَعْبَةِ، فَكَانَا أَوَّلَ ذَهَبٍ حُلِّيَتْهُ. وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى السُّيُوفِ وَالْأَدْرَاعِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَهَا. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا اجْتَهَدُوا فِي الدُّعَاءِ سَجَعُوا، فَأَلَّفُوا الكلام،
__________
[ (129) ] الأسياف والغزالان، كان ساسان ملك الفرس أهداها للكعبة، وقيل سابور، وكانت الأوائل من ملوك الفرس تحجّها إلى ساسان أو سابور» . أ. هـ الروض الأنف (1: 97) .
[ (130) ] ليست في (هـ) .
[ (131) ] في (ح) : «له» .
[ (132) ] في (ح) : «فأنت» .
[ (133) ] في (ح) : «العاهد» ، وكذا في البداية والنهاية (2: 246) .
[ (134) ] في (ح) : «فلا» .(1/96)
وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَلَّمَا تُرَدُّ إِذَا دَعَا بِهَا دَاعٍ [ (135) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
فَلَمَّا حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ، وَدَلَّهُ اللهُ عَلَيْهَا، وَخَصَّهُ بِهَا، زَادَهُ اللهُ، تَعَالَى، بِهَا شَرَفًا وَخَطَرًا فِي قَوْمِهِ، وَعُطِّلَتْ كُلُّ سِقَايَةٍ كَانَتْ بِمَكَّةَ حِينَ ظَهَرَتْ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهَا الْتِمَاسَ بَرَكَتِهَا، وَمَعْرِفَةِ فَضْلِهَا، لِمَكَانِهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهَا سُقْيَا اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لإسماعيل [ (136) ] عليه السلام.
__________
[ (135) ] الخبر في «البداية والنهاية» (2: 246) : عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
[ (136) ] فِي (ح) و (ص) : «إسماعيل» .(1/97)
بَابُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (137) ] ، قَالَ:
وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، فِيمَا يَذْكُرُونَ [ (138) ] ، قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ مَا لَقِيَ: لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ، ثُمَّ [ (139) ] بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يَمْنَعُوهُ- لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً:
الْحَارِثُ، وَالزُّبَيْرُ، وَحَجْلٌ، وَضِرَارٌ، وَالْمُقَوَّمُ، وَأَبُو لَهَبٍ، وَالْعَبَّاسُ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ- جَمْعُهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْوَفَاءِ لِلَّهِ، تعالى [ (140) ] ، بذلك [ (141) ] ، فأطاعوا
__________
[ (137) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 164) ، وراجع طبقات ابن سعد (1: 88- 89) ، والبداية والنهاية (2: 248) .
[ (138) ] في سيرة ابن هشام: «فيما يزعمون، والله أعلم» .
[ (139) ] «ثم» ليست في: (هـ) .
[ (140) ] في (ص) : بدون «تعالى» .
[ (141) ] ليست في (هـ) .(1/98)
لَهُ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا، فَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ، ثُمَّ تَأْتُونِي. فَفَعَلُوا ثُمَّ أَتَوْهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي دُخُولِهِ عَلَى هُبَلَ:
عَظِيمِ أَصْنَامِهِمْ.
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، وَكَانَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بن عائد بن عبد الله بن عمر ابن مَخْزُومٍ، وَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (142) ] إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ القداح القداح [ (143) ] ، لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ، يَدْعُو: أَلَّا يَخْرُجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشِّفْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إِلَى إِسَافٍ وَنَائِلَةَ- الْوَثَنَيْنِ اللَّذَيْنِ تَنْحَرُ قُرَيْشٌ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهُمْ- لِيَذْبَحَهُ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا: مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: أَذْبَحُهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَكَرُوا [ (144) ] أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اجْتَرَّهُ مِنْ تَحْتِ رِجْلِ أَبِيهِ حَتَّى خَدَشَ وَجْهَ عَبْدِ اللهِ [ (145) ] خَدْشًا لَمْ يَزَلْ فِي وَجْهِهِ حَتَّى مَاتَ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ حَتَّى نُعْذَرَ فِيهِ، وَلَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ رَجُلٌ مِنَّا يَأْتِي ابْنَهُ [ (146) ] حَتَّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ؟! وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ- وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ-: وَاللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى نُعْذَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فداء فديناه بأموالنا.
__________
[ (142) ] في (هـ) : «المطلب» .
[ (143) ] في (ص) : «القدح» .
[ (144) ] في (هـ) : «فذكروا» .
[ (145) ] في (هـ) : «عبد المطلب» ، خطأ.
[ (146) ] في (هـ) : «يأتي بابنه» .(1/99)
وَذَكَرَ أَشْعَارَهُمْ فِي ذَلِكَ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ إِلَى الْحِجَازِ، فَإِنِّ بِهِ عَرَّافَةً يُقَالُ لَهَا: سَجَاحُ، لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ. فَقَالَ: نَعَمْ.
فَانْطَلَقُوا حَتَّى جَاءُوهَا، وَهِيَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، بِخَيْبَرَ، فَسَأَلُوهَا، فَقَالَتِ:
ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي، فَأَسْأَلَهُ. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ.
قَالَ [ (147) ] : ثُمَّ غَدَوْا إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ قَدْ جَاءَنِي تَابِعِي بِالْخَبَرِ، فَكَمِ الدِّيَةُ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: عَشْرٌ [ (148) ] مِنَ الْإِبِلِ- وَكَانَتْ كَذَلِكَ- قَالَتْ: فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، فَقَدِّمُوا صَاحِبَكُمْ، وَقَدِّمُوا عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقِدَاحُ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنَ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ، فَإِذَا خَرَجَتِ الْقِدَاحُ عَلَى الْإِبِلِ فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ، فَانْحَرُوهَا، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ. فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ وَفَعَلُوا.
وَذَكَرَ [ (149) ] الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي سَجْعِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ودَعَوَاتِهِ، وَخُرُوجِ السَّهْمِ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَزِيَادَةِ عَشْرٍ عَشْرٍ، مِنَ الْإِبِلِ كُلَّمَا خَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ، حَتَّى بَلَغَتِ الْإِبِلُ مِائَةً.
وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ تَعَالَى [ (150) ] ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى الْإِبِلِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَهُ: قَدِ انْتَهَى رِضَا [ (151) ] رَبِّكَ، وَخَلُصَ لك
__________
[ (147) ] ليست في (ح) .
[ (148) ] في (هـ) : «عشرة» .
[ (149) ] في (هـ) : «وذكروا» .
[ (150) ] «تعالى» : ليست في (ص) .
[ (151) ] في (ص) : رسمت «رضى» .(1/100)
ابْنُكَ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: لَا وَاللهِ حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فَضَرَبُوا [ (152) ] ، فَخَرَجَ عَلَى الْإِبِلِ فِي الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا أحد [ (153) ] .
__________
[ (152) ] في (ح) : «فضرب» .
[ (153) ] جاء في هامش نسخة (هـ) عند اللوحة (13/ ب) ما يلي:
«بلغ سيدنا وشيخنا أبو الإقبال: مصطفى بن محمد الطائي الحنفي قراءة عليّ من أوله إلى هنا، وثبت في يوم الأربعاء لثلاث عشرة مضين من رمضان (1191) بمنزلي» .
«وكتب محمد مرتضى غفر له» .
ثم جاء تحتها هامش آخر كما يلي:
«بلغ سماع الجماعة عليّ وهم: عبد الرحمن محمد بن حلوات، وعبد الله بن أحمد المقري، وعثمان بن إبراهيم الروزنجاني. وصح وثبت بقراءة السيد أبي الصلاح: الحسين بن عبد الرحمن الشيخوني في يوم الأربعاء سادس شهر رمضان سنة (1191) » وكتب محمد مرتضى الحسيني- غفر له-.(1/101)
بَابُ تَزَوُّجِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَبِي [ (154) ] النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَحَمْلِهَا بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضْعِهَا إِيَّاهُ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللهِ، فَمَرَّ بِهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهِيَ [ (155) ] عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللهِ؟ فَقَالَ: مَعَ أَبِي. قَالَتْ: لَكَ عِنْدِي مِنَ الْإِبِلِ مِثْلُ الَّتِي [ (156) ] نُحِرَتْ عَنْكَ، وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ. فَقَالَ لَهَا: إِنَّ مَعِيَ أَبِي الْآنَ، لَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ وَلَا فِرَاقَهُ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَعْصِيَهُ شَيْئًا. فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ- وَوَهْبٌ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا- فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ امْرَأَةٍ فِي [ (157) ] قُرَيْشٍ نَسَبًا وموضعا.
__________
[ (154) ] في (ح) : «أبو» .
[ (155) ] في (هـ) و (ص) : «وهو» .
[ (156) ] في (ح) : «الذي» .
[ (157) ] في (ح) : «من قريش» .(1/102)
وَهِيَ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدار بن قصي. وَأُمُّ بَرَّةَ: أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. وَأُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدٍ: لِبَرَّةَ بنت عوف ابن عُبَيْدٍ- يَعْنِي [ (158) ] ابْنَ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
قَالَ: وَذَكَرُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ مَلَكَهَا مَكَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا حَتَّى أَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي قَالَتْ لَهُ مَا قَالَتْ- وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى- وَهِيَ فِي مَجْلِسِهَا، فَجَلَسَ إليها، وقال [ (159) ] لها: مالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِثْلَ الَّذِي عَرَضْتِ أَمْسِ؟ فَقَالَتْ [ (160) ] قَدْ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ فِيكَ، فَلَيْسَ لِي بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ. وَكَانَتْ فِيمَا زَعَمُوا تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَكَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ [ (161) ] . فَقَالَتْ فِي ذَلِكَ شِعْرًا، وَاسْمُهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ نوفل بن أسد:
آلْآنَ وَقَدْ ضَيَّعْتَ مَا كُنْتَ قَادِرًا ... عَلَيْهِ وَفَارَقَكَ الَّذِي كَانَ جَاءَكَا
غَدَوْتَ عَلَيَّ حَافِلًا قَدْ بَذَلْتَهُ ... هُنَاكَ لِغَيْرِي فَالْحَقَنَّ بِشَانِكَا
وَلَا تَحْسَبَنِّي الْيَوْمَ خِلْوًا وَلَيْتَنِي ... أَصَبْتُ جَنِينًا [ (162) ] مِنْكَ يَا عَبْدَ دَارِكَا
وَلَكِنَّ ذَاكُمْ صَارَ فِي آلِ زُهْرَةٍ ... بِهِ يَدْعَمُ اللهُ الْبَرِيَّةَ نَاسِكَا
وَقَالَتْ أَيْضًا:
عَلَيْكَ بِآلِ زُهْرَةَ حَيْثُ كَانُوا ... وَآمَنَةَ الَّتِي حَمَلَتْ غُلَامَا
تَرَى الْمَهْدِيَّ حِينَ تَرَى عَلَيْهِ ... وَنُورًا قَدْ تقدّمه أماما
__________
[ (158) ] «يعني» : ساقطة من نسخة (ص) .
[ (159) ] في (ح) : «فقال» .
[ (160) ] ليست في (ح) .
[ (161) ] في (ح) : «من إسماعيل» .
[ (162) ] في (هـ) و (ص) : «حبيبا» .(1/103)
وَذَكَرَتْ أَبْيَاتًا، وَقَالَتْ فِيهَا:
فَكُلُّ الْخَلْقِ يَرْجُوهُ جَمِيعًا ... يَسُودُ النَّاسَ مُهْتَدِيًا [ (163) ] إِمَامَا
بَرَاهُ اللهُ مِنْ نُورٍ صَفَاءً ... فَأَذْهَبَ نُورُهُ عَنَّا الظَّلَامَا
وَذَلِكَ صُنْعُ [ (164) ] رَبِّكَ إِذْ حَبَاهُ ... إِذَا مَا سَارَ يَوْمًا أَوْ أَقَامَا
فَيَهْدِي أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ كُفْرٍ ... وَيَفْرِضُ بَعْدَ ذَلِكُمُ الصِّيَامَا
قُلْتُ: [ (165) ] وَهَذَا الشَّيْءُ قَدْ [ (166) ] سَمِعَتْهُ مِنْ أَخِيهَا فِي صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ كَانَتْ أَيْضًا امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ مَعَ آمنة [ (167) ] .
__________
[ (163) ] في (ح) و (ص) : «مبتديا» .
[ (164) ] في (ح) : «وذاك صنيع» .
[ (165) ] في (ح) : «قال أحمد- رحمه الله-» .
[ (166) ] سقطت من (هـ) و (ص) .
[ (167) ] خبر غريب موضوع لا سند له، ولا منطق يؤيده، ويناقض الأحاديث الصحيحة، تناقلته كتب السيرة بما دسه عليها أعداء الإسلام من يهود وسبئية وشانئين ومنافقين.
1- فرغم ما عرف عن تمسك المؤرخين بالسند، وأن كل الاخبار الصحيحة وردت بالسند القوي المتواتر، فهذا الخبر ليس له سند، فلا هو بمتصل، ولا بمرفوع. لا بل نقله الطبري (2:
243) بقوله: «فيما يزعمون» .
2- إن متنه، وما تضمنه من حكاية المرأة التي عرضت الزنا على عبد الله، وهو حديث عهد بزواج، تناقض الأحاديث الصحيحة من طهارة وشرف نسب الأنبياء، وأن هذه الطهارة، وهذا الشرف من دلائل نبوتهم، وسيأتي في باب «ذكر شرف أصل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونسبته» ،
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله- عز وجل- اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» .(1/104)
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ:
حُدِّثْتُ أَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ امْرَأَةٌ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مناف، فَمَرَّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ وَقَدْ أَصَابَهُ أَثَرٌ مِنْ طِينٍ عمل به، فدعا [ها] [ (168) ] إِلَى نَفْسِهِ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ، فَدَخَلَ، فَغَسَلَ عَنْهُ أَثَرَ الطِّينِ، ثُمَّ دَخَلَ عَامِدًا إِلَى آمِنَةَ، ثُمَّ دَعَتْهُ صَاحِبَتُهُ الَّتِي كَانَ أَرَادَ إِلَى نَفْسِهَا، فَأَبَى لِلَّذِي صَنَعَتْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَدَعَاهَا إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِكَ، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ، فرجوت أن أصيبها
__________
[ () ] وهذا الحديث في الترمذي ومسند أحمد، وأن الله طهّره من عهد الجاهلية، وأرجاسها، ووالده عبد الله قد كان صورة طبق الأصل من عبد المطلب، ولو أمهله الزمن لتولى مناصب الشرف التي كانت بيد عبد المطلب، وكان شعاره الذي التزمه طيلة حياته: «أما الحرام فالممات دونه» لا بل قد شبه بالناسك.
رجل هذا شأنه هل نطمئن الى هذه الروايات المزعومة وأنه بعد أن دخل بزوجته آمنة عاد فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها: «مالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ ما كنت عرضت عليّ بالأمس» ! 3- تخبطت الروايات في اسم المرأة فهي مرة امرأة من خثعم، ومرة أم قتال أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ، ومرة هي ليلى العدوية، ومرة «كاهنة من أهل تبالة متهورة» ومرة أنه كان متزوجا بامرأة أخرى غير آمنة ... إلخ هذا التخبط الدال على الكذب، ولماذا اختار الرواة أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ، أو امرأة كانت قد قرأت الكتب؟! 4- إننا إذا نظرنا الى الشعر الوارد في هذا الخبر على لسان المرأة، لوجدناه شعرا ركيكا، مزيفا، مصنوعا، ملفقا، مضطرب القافية، محشورة الكلمات فيه بشكل مصطنع واضح الدلالة على تلفيقه وبهذا كله يسقط هذا الخبر الواهي، ويدل على هذا قول ابن إسحاق، والطبري، وغيرهما ممن نقلوا الخبر- فيما يزعمون- وهو زعم باطل.
[ (168) ] سقطت من (ح) .(1/105)
مِنْكَ، فَلَمَّا دَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ ذَهَبَتْ بِهَا مِنْكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تَقُولُ: لَمَرَّ [ (169) ] بِي وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لَنُورًا مِثْلَ الْغُرَّةِ، وَدَعَوْتُهُ [ (170) ] لَهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لِي، فَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْرَزِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَمِيلٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبَ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ [ (171) ] .
(ح) وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: قَدِمْتُ الْيَمَنَ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ، فَنَزَلْتُ عَلَى حَبْرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الزَّبُورِ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى بَدَنِكَ؟ [فَقُلْتُ: انْظُرْ] [ (172) ] مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةٌ. قَالَ: فَفَتَحَ إِحْدَى مِنْخَرَيَّ فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي الْآخَرِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فِيَ إِحْدَى يَدَيْكَ مُلْكًا، وَفِي الْأُخْرَى نُبُوَّةً، وَأَرَى ذَلِكَ فِي بَنِي زُهْرَةَ، فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي.
قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ شَاعَةٍ [ (173) ] ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: زوجة. قلت:
__________
[ (169) ] في (ح) : «فمرّ» .
[ (170) ] في (ح) : «فدعوته» .
[ (171) ] ليست في (ح) .
[ (172) ] سقطت من (هـ) ، وثابتة في (ح) و (ص) .
[ (173) ] في (ح) «شاغة» ، وهو تصحيف، (والشاعة) : بشين معجمة وعين مهملة: الزوجة، سميت بذلك لمتابعتها الزوج، وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره.(1/106)
أَمَّا الْيَوْمَ فَلَا. قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ فَتَزَوَّجْ فِيهِنَّ، فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَكَّةَ، فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بِنْتَ وَهْبِ [ (174) ] بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ: حَمْزَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ تَزَوَّجَ عَبْدُ اللهِ آمِنَةَ: فَلَجَ [ (175) ] عَبْدُ اللهِ عَلَى أَبِيهِ [ (176) ] . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ [ (177) ] بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَعْرِضُ نَفْسَهَا فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ، وَكَانَ مَعَهَا أَدَمٌ تَطُوفُ بها كأنها تَبِيعُهَا، فَأَتَتْ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب، فَأَظُنُّ أَنَّهُ أَعْجَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللهِ مَا أَطُوفُ بِهَذَا الْأَدَمِ وَمَا لِي [ (178) ] إِلَى ثَمَنِهَا حَاجَةٌ، وَإِنَّمَا أَتَوَسَّمُ الرَّجُلَ هَلْ أَجِدُ كُفُؤًا، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ فَقُمْ. فَقَالَ لَهَا: مَكَانَكِ حَتَّى [ (179) ] أَرْجِعَ إِلَيْكِ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَحْلِهِ،
__________
[ (174) ] في (ح) : وهيب وهو تصحيف.
[ (175) ] (فلج) ظفر بما طلب.
[ (176) ] هذا الخبر جاء في (ح) متأخرا عن الخبر الآتي، وراجع الخبر في: طبقات ابن سعد (1:
86) ، دلائل النبوة لأبي نعيم ص (88- 89) ، البداية والنهاية (2: 251) ، الخصائص الكبرى للسيوطي (1: 40) ، الوفا (1: 84) ، سبل الهدى (1: 389) .
[ (177) ] في (ح) : سلمة، وهو تصحيف.
[ (178) ] في (ح) : «ومالي بها وإلى ثمنها» .
[ (179) ] ليست في (ح) .(1/107)
فَبَدَأَ فَوَاقَعَ أَهْلَهُ، فَحَمَلَتْ بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهَا، قَالَ: أَلَا أَرَاكِ هَهُنَا؟ قَالَتْ: وَمَنْ كُنْتَ؟ قَالَ: الَّذِي وَاعَدْتُكِ. قَالَتْ: لَا، مَا أَنْتَ هُوَ، وَلَئِنْ كُنْتَ هُوَ لَقَدْ رَأَيْتُ بَيْنَ عَيْنَيْكَ نُورًا مَا أَرَاهُ الْآنَ [ (180) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
كَانَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ يَهُودِيٌّ قَدْ سَكَنَ مَكَّةَ يَتَّجِرُ بِهَا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللهِ مَا نَعْلَمُهُ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، أَمَا إِذْ أَخْطَأَكُمْ فَلَا بَأْسَ، انْظُرُوا وَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ: وُلِدَ فِيكُمْ [ (181) ] هَذِهِ اللَّيْلَةَ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَخِيرَةِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَامَةٌ فِيهَا شَعْرَاتٌ مُتَوَاتِرَاتٌ كَأَنَّهُنَّ عُرْفُ فَرَسٍ، لَا يَرْضَعُ لَيْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ عِفْرِيتًا [ (182) ] مِنَ الْجِنِّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ فَمَنَعَهُ الرَّضَاعَ.
فَتَصَدَّعَ الْقَوْمُ مِنْ مَجْلِسِهِمْ وَهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ، فَلَمَّا صَارُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ أَخْبَرَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمُ أَهْلَهُ، فَقَالُوا: لَقَدْ وُلِدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلَامٌ سَمَّوْهُ مُحَمَّدًا. فَالْتَقَى الْقَوْمُ، فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتُمْ حَدِيثَ هَذَا الْيَهُودِيِّ؟
بَلَغَكُمْ مَوْلِدُ هَذَا الْغُلَامِ؟ فَانْطَلَقُوا حَتَّى جَاءُوا الْيَهُودِيَّ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ. قَالَ:
فَاذْهَبُوا مَعِيَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَخَرَجُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ عَلَى آمِنَةَ، فَقَالَ:
أَخْرِجِي إِلَيْنَا ابْنَكِ، فَأَخْرَجَتْهُ [ (183) ] ، وَكَشَفُوا لَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَأَى تلك الشّامة،
__________
[ (180) ] دلائل النبوة لأبي نعيم (صفحه 90) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 41) .
[ (181) ] من (هـ) ، ولم ترد في (ح) ولا في (ص) .
[ (182) ] في (ح) : «غريبا» ، وهو تصحيف.
[ (183) ] في (ح) : «فأخرجت» .(1/108)
فَوَقَعَ الْيَهُودِيُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالُوا: وَيْلَكَ مالك؟ قَالَ: ذَهَبَتْ وَاللهِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَفَرِحْتُمْ بِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ أَمَا وَاللهِ لَيَسْطُوَنَّ بِكُمْ سَطْوَةً يَخْرُجُ خَبَرُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
وَكَانَ فِي النَّفْرِ الَّذِي قَالَ لَهُمُ الْيَهُودِيُّ مَا قَالَ: هِشَامٌ، وَالْوَلِيدُ ابْنَا الْمُغِيرَةِ، وَمُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَعُبَيْدَةُ بن الحارث، وعقبة بْنُ رَبِيعَةَ- شَابٌّ فَوْقَ الْمُحْتَلِمِ- فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ [ (184) ] .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ: مُحَمَّدِ بْنِ يحيى ابن عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكِنَانِيِّ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى.
(ح) [ (185) ] قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عن
__________
[ (184) ] أخرجه الحاكم في المستدرك (2: 601- 602) ، وقال: «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، ولم يوافقه الذهبي.
[ (185) ] إشارة التحويل سقطت من نسخة (ح) . *(1/109)
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ [ (186) ] بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ [ (187) ] مِنْ رِجَالِ قَوْمِي مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كلّما [ (188) ] رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ.
قَالُوا: ويلك مالك؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي [ (189) ] هَذِهِ اللَّيْلَةِ [ (190) ] .
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ الَّذِي يُبْعَثُ فِيهِ. وَهُوَ غَلَطٌ.
زَادَ الْقَطَّانُ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ: ابْنُ كَمْ كَانَ حَسَّانُ مَقْدَمَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ؟
قَالَ: ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَسَمِعَ حَسَّانُ مَا سَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ.
* وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ [ (191) ] بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (192) ] مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو [بِشْرٍ] [ (193) ] مُبَشِّرُ ابن الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
__________
[ (186) ] في (ص) و (هـ) : «عبيد الله» وهو تصحيف.
[ (187) ] في (ح) : «نسبت» مصحفا.
[ (188) ] في نسخ دلائل النبوة «ما» ، وأثبت النص من سيرة ابن هشام.
[ (189) ] في: سقطت من (هـ) .
[ (190) ] سيرة ابن هشام (1: 171) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 486) .
[ (191) ] في (هـ) : «ابن عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ» .
[ (192) ] فِي (ص) : «أخبرنا» .
[ (193) ] الزيادة من (ح) .(1/110)
ابن عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ:
حَدَّثَتْنِي أُمِّي: أَنَّهَا شَهِدَتْ وِلَادَةَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لَيْلَةَ وَلَدَتْهُ. قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْتِ إِلَّا نُورٌ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدْنُو حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: لَيَقَعْنَ عَلَيَّ [ (194) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
وَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ: أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ على الأرض فقولي.
أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ ... مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ [ (195) ]
وَذَكَرَ سَائِرَ الْأَبْيَاتِ كَمَا مَضَى [ (196) ] .
وَقَالَ: فَإِنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يملأ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل: أحمد،
__________
[ (194) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8: 220) ، وقال: رواه الطبراني، وفيه عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ وهو متروك، وفي شرح المواهب (1: 163) : «الصحيح أن ولادته عليه الصلاة والسلام كانت نهارا لا ليلا» .
[ (195) ] في (هـ) : «من كل شر حاسد» .
[ (196) ] في (ح) : «مضين» .(1/111)
يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ [ (197) ] ، وَاسْمُهُ فِي الْقُرْآنِ [ (198) ] : مُحَمَّدٌ.
فَسَمَّتْهُ بِذَلِكَ. فَلَمَّا وَضَعَتْهُ بَعَثَتْ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَارِيَتَهَا- وَقَدْ هَلَكَ أَبُوهُ عَبْدُ اللهِ وَهِيَ حُبْلَى، وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ابن ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، فَاللهُ أَعْلَمُ [ (199) ] أَيُّ ذَلِكَ كَانَ- فَقَالَتْ، قَدْ وُلِدَ لَكَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَانْظُرْ إِلَيْهِ. فَلَمَّا جَاءَهَا خَبَّرَتْهُ خَبَرَهُ، وَحَدَّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ، وَمَا أُمِرَتْ أَنْ تُسَمِّيَهُ. فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللهَ ويتشكّر اللهَ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (200) ] ، الَّذِي أَعْطَاهُ إيّاه، فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِي ... هٌّذا الْغُلَامَ الطَّيِّبَ الْأَرْدَانِ
قَدْ سَادَ فِي الْمَهْدِ عَلَى الْغِلْمَانِ ... أُعِيذُهُ بِالْبَيْتِ ذِي الْأَرْكَانِ
حَتَّى يَكُونَ بُلْغَةَ الْفِتْيَانِ ... حَتَّى أَرَاهُ بَالِغَ الْبُنْيَانِ
أُعِيذُهُ مِنْ كُلِّ ذِي شَنَآنِ ... مِنْ حَاسِدٍ مُضْطَرِبِ الْجَنَانِ [ (201) ]
ذِي هِمَّةٍ لَيْسَتْ [ (202) ] لَهُ عَيْنَانِ ... حَتَّى أَرَاهُ رَافِعَ اللِّسَانِ
أَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ فِي الْفُرْقَانِ ... فِي كُتُبٍ ثَابِتَةِ الْمَبَانِي
أَحْمَدَ مَكْتُوبٌ عَلَى اللسان [ (203) ]
__________
[ (197) ] في (ص) : «أهل السماء والأرض» .
[ (198) ] في (ح) : «الفرقان» .
[ (199) ] في (ص) : «والله أعلم» .
[ (200) ] ليست في (ص) .
[ (201) ] في (ص) : «العنان» ، وكذا في طبقات ابن سعد (1: 103) .
[ (202) ] في (ح) : «ليس» .
[ (203) ] الخبر في طبقات ابن سعد (1: 103) ، وتهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 284) ، والبداية والنهاية (2: 264- 265) .(1/112)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، شَفَاهًا: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيَّ حَدَّثَهُمْ [ (204) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ:
عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ، قَالَ:
كَانَ الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ مِنْ [ (205) ] قُرَيْشٍ دَفَعُوهُ إِلَى نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الصُّبْحِ، فَيَكْفِينَ [ (206) ] عَلَيْهِ بُرْمَةً. فَلَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، دَفَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى نِسْوَةٍ يَكْفِينَ عَلَيْهِ بُرْمَةً، فَلَمَّا أَصْبَحْنَ أَتَيْنَ، فَوَجَدْنَ [ (207) ] الْبُرْمَةَ قَدِ انْفَلَقَتْ عَلَيْهِ بِاثْنَتَيْنِ، فَوَجَدْنَهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَتَاهُنَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْنَ لَهُ: مَا رَأَيْنَا مَوْلُودًا مِثْلَهُ: وَجَدْنَاهُ قَدِ انْفَلَقَتْ عَنْهُ الْبُرْمَةُ، وَوَجَدْنَاهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ [ (208) ] ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ:
احْفَظْنَهُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُصِيبَ خَيْرًا. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ [ (209) ] ذَبَحَ عَنْهُ، وَدَعَا لَهُ قُرَيْشًا، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَرَأَيْتَ ابْنَكَ هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا عَلَى وَجْهِهِ، مَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا. قَالُوا: فَلِمَ [ (210) ] رَغِبْتَ بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللهُ، تَعَالَى، فِي السَّمَاءِ، وَخَلْقُهُ في الأرض [ (211) ] .
__________
[ (204) ] في (ح) : «أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ حدثه، يعني السلمي» .
[ (205) ] في (ح) : «في» .
[ (206) ] في (ح) و (ص) : «فكفأن» .
[ (207) ] في (هـ) : «فوجدت» .
[ (208) ] في (هـ) و (ص) : «مفتوحا عينيه» .
[ (209) ] في (ح) : «يوم السابع» .
[ (210) ] في (هـ) و (ح) : فما، وأثبت ما في (ص) .
[ (211) ] الخبر في «تهذيب تاريخ دمشق الكبير» (1: 282) ، ونقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 264) .(1/113)
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ [ (212) ] بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الدَّارَبْجِرْدِيُّ، بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ: سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ [ (213) ] عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ [ (214) ] ، بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ:
وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، مَخْتُونًا مَسْرُورًا. قَالَ: فَأُعْجِبَ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ. فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ [ (215) ] .
__________
[ (212) ] ليست في (هـ) .
[ (213) ] في (ح) : «يونس بن عطاء بن عثمان..» ، وأثبت ما في (ص) .
[ (214) ] في (ح) و (هـ) : الصيداني، وأثبت ما في (ص) .
[ (215) ] الخبر رواه ابن سعد في الطبقات (1: 103) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق: تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 282) وأورده له طرقا، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2:
265) . وقال: «في صحته نظر» . أ- هـ.
قلت: وفي سنده: «سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ» حمصي، متروك الحديث، وقال ابن الجنيد: «كان يكذب، ولا أحدّث عنه بعد هذا» ، وقال النسائي: «ليس بشيء» وقال ابن عدي: «له غير حديث منكر» . الميزان (2: 210) .(1/114)
بَابُ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَمْرِ تُبَّعٍ، عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ:
ثُمَّ إِنَّ تُبَّعًا أَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ بِوَادِي قُبَاءَ، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، فَهِيَ الْيَوْمَ تُدْعَى: بِئْرَ الْمَلِكِ. قَالَ: وَبِالْمَدِينَةِ إِذْ ذَاكَ يَهُودُ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَنَصَبُوا لَهُ، فَقَاتَلُوهُ، فَجَعَلُوا يقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا أَمْسَى أَرْسَلُوا إِلَيْهِ [ (216) ] بِالضِّيَافَةِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ لَيَالِيَ [ (217) ] اسْتَحْيَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُرِيدُ صُلْحَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَوْسِ يُقَالُ لَهُ: أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ يَهُودَ بِنْيَامِينُ الْقُرَظِيُّ، فَقَالَ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، نَحْنُ قَوْمُكَ. وَقَالَ بِنْيَامِينُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذِهِ بَلْدَةٌ لَا تَقْدِرُ [ (218) ] أَنْ تَدْخُلَهَا لَوْ جَهِدْتَ بِجَمِيعِ جهدك. قال: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا مَنْزِلُ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، يَبْعَثُهُ
__________
[ (216) ] في (هـ) : «له» .
[ (217) ] ليست في (ص) .
[ (218) ] في (هـ) : «لا تقدر عَلَى أَنَّ ... » .(1/115)
اللهُ، تَعَالَى، مِنْ قُرَيْشٍ. وَجَاءَ تُبَّعًا مُخْبِرٌ أَخْبَرَهُ عَنِ الْيَمَنِ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهَا نَارٌ تَحْرِقُ كُلَّ مَا مَرَّتْ بِهِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا، وَخَرَجَ مَعَهُ نَفَرٌ [ (219) ] مِنْ يَهُودَ، فِيهِمْ بِنْيَامِينُ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ [ (220) ] شِعْرًا، وَقَالَ فيه:
أَلْقَى إِلَيَّ نَصِيحَةً كَيْ أَزْدَجِرْ ... عَنْ قَرْيَةٍ مَحْجُوزَةٍ بِمُحَمَّدِ [ (221) ]
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالدُّفِّ مِنْ جُمْدَانَ-[مِنْ مَكَّةَ-] [ (222) ] عَلَى لَيْلَتَيْنِ، أَتَاهُ أُنَاسٌ مِنْ هُذَيْلِ بْنِ [ (223) ] مُدْرِكَةَ- وَتِلْكَ مَنَازِلُهُمْ- فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ مَمْلُوءٍ ذَهَبًا وَيَاقُوتًا وَزَبَرْجَدًا، تُصِيبُهُ وَتُعْطِينَا مِنْهُ؟ قَالَ: بَلَى. فَقَالُوا: هُوَ بَيْتٌ بِمَكَّةَ. فَرَاحَ تُبَّعٌ وَهُوَ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، فَبَعَثَ اللهُ، تَعَالَى، عَلَيْهِ رِيحًا فَقَفَّعَتْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَشَنَّجَتْ جَسَدَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ. مَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنِي؟
فَقَالُوا: أَحْدَثْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَمَا أَحْدَثْتُ؟ فَقَالُوا: أَحَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِشَيْءٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. فَذَكَرَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْمِ الْبَيْتِ وَإِصَابَةِ مَا فِيهِ. قَالُوا: ذَلِكَ بَيْتُ اللهِ الْحَرَامِ، وَمَنْ أَرَادَهُ هَلَكَ. قَالَ: وَيْحَكُمْ، وَمَا الْمَخْرَجُ مِمَّا دَخَلْتُ فِيهِ؟ قَالُوا: تُحَدِّثُ نَفْسَكَ أَنْ تَطُوفَ بِهِ وَتَكْسُوَهُ وَتُهْدِيَ لَهُ. فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، فَأَطْلَقَهُ اللهُ، تَعَالَى. ثُمَّ سَارَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ، فَكَسَاهُ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي نَحْرِهِ بِمَكَّةَ، وَإِطْعَامِهِ النَّاسَ، ثُمَّ رُجُوعِهِ إِلَى الْيَمَنِ، وَقَتْلِهِ، وَخُرُوجِ ابْنِهِ دَوْسٍ إِلَى قَيْصَرَ، وَاسْتِغَاثَتِهِ [ (224) ] بِهِ فِيمَا فَعَلَ قَوْمُهُ بأبيه،
__________
[ (219) ] في (ح) : «بنفر» .
[ (220) ] في (ح) : «فذكر» .
[ (221) ] في (ح) : «محمد» .
[ (222) ] سقطت من (ح) : وأثبتها من (ص) و (هـ) .
[ (223) ] في (ح) : «من» .
[ (224) ] في (ح) : «واستعانته» .(1/116)
وَأَنَّ قَيْصَرَ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ مَعَهُ سِتِّينَ أَلْفًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَوْزَبَةَ حَتَّى قَاتَلُوا حِمْيَرَ قَتَلَةَ أَبِيهِ، وَدَخَلُوا صَنْعَاءَ، فَمَلَكُوهَا، وَمَلَكُوا الْيَمَنَ. وَكَانَ فِي أَصْحَابِ رَوْزَبَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبْرَهَةُ بْنُ الْأَشْرَمِ، وَهُوَ أَبُو يَكْسُومَ. فَقَالَ لِرَوْزَبَةَ: أَنَا أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ، وَقَتَلَهُ مَكْرًا، وَأَرْضَى النَّجَاشِيَّ.
ثُمَّ إِنَّهُ بَنَى كَعْبَةً بِالْيَمَنِ، وَجَعَلَ فِيهَا قِبَابًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَمَرَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ بِالْحَجِّ بِهَا، يُضَاهِي بِذَلِكَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَلْكَانَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ مِنَ الْحُمْسِ، خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَدَخَلَهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَعَدَ فِيهَا- يَعْنِي لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ- فَدَخَلَهَا أَبْرَهَةُ، فَوَجَدَ تِلْكَ الْعَذِرَةَ فِيهَا، فَقَالَ: مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيَّ بِهَذَا [ (225) ] ؟ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحُجُّهُ الْعَرَبُ. قَالَ: فَعَلَيَّ اجْتَرَأَ بِهَذَا؟! وَنَصْرَانِيَّتِي لَأَهْدِمَنَّ ذَلِكَ الْبَيْتَ، وَلَنُخَرِّبَنَّهُ حَتَّى لَا يَحُجَّهُ حَاجٌّ أَبَدًا. فَدَعَا بِالْفِيلِ. وَأَذَّنَ فِي قَوْمِهِ بِالْخُرُوجِ، وَرَحَلَ [ (226) ] وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ تَبِعَهُ مِنْهُمْ:
عَكٌّ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَخَثْعَمٌ، فَخَرَجُوا يرتجزون:
إِنَّ الْبَلَدَ لَبَلَدٌ مَأْكُولُ ... تَأْكُلُهُ عَكٌّ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَالْفِيلُ
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِهِ، بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ الَّذِي بَنَاهُ، فَتَلَقَّاهُ أَيْضًا رَجُلٌ مِنَ الْحُمْسِ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَتَلَهُ، فَازْدَادَ بِذَلِكَ- لَمَّا بَلَغَهُ- حَنَقًا وَجُرْأَةً [ (227) ] ، وأحثّ السير
__________
[ (225) ] في (ح) : «على هذا» .
[ (226) ] كلمة «رحل» سقطت من (هـ) ، وبدلها حرف (من) مكرر.
[ (227) ] في (ح) : «وحردا» .(1/117)
وَالِانْطِلَاقَ وَطَلَبَ [ (228) ] مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ دَلِيلًا، فَبَعَثُوا مَعَهُ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ [ (229) ] يُقَالُ لَهُ: نُفَيْلٌ، فَخَرَجَ بِهِمْ يَهْدِيهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمُغَمَّسِ [نَزَلُوا الْمُغَمَّسَ] [ (230) ] مِنْ مَكَّةَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، فَبَعَثُوا مُقَدِّمَاتِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُتَفَرِّقِينَ [ (231) ] عَبَادِيدَ فِي رؤوس الْجِبَالِ، وَقَالُوا: لَا طَاقَةَ لَنَا بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. فَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ إِلَّا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، أَقَامَ عَلَى سِقَايَتِهِ، وغير شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، أَقَامَ عَلَى حِجَابَةِ الْبَيْتِ. فَجَعَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَأْخُذُ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ، ثم يقول:
لا هم [ (232) ] إِنَّ الْعَبْدَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ [ (233) ] فَامْنَعْ حِلَالَكْ [ (234) ]
لَا يَغْلِبُوا بِصَلِيبِهِمْ ... وَمِحَالِهِمْ [ (235) ] عَدْوًا [ (236) ] محالك
__________
[ (228) ] في (هـ) : «طلب» بدون حرف العطف.
[ (229) ] في (ح) : «من أهل هذيل» .
[ (230) ] الزيادة من (ص) و (ح) .
[ (231) ] «متفرقين» ساقطة من (هـ) .
[ (232) ] في (ص) : اللهم، وهي أصل: (لا همّ) ، والعرب تحذف الألف واللام وتكتفي بما بقي، وكذلك تقول: «لاه أبوك» تريد: «لله أبوك» وهذا لكثرة دور هذا الاسم على الألسنة.
[ (233) ] في (هـ) و (ص) : «حله» .
[ (234) ] (حلالك) : جمع حلة، وهي جماعة البيوت، وقال السّهيلي: الحلال في هذا البيت: القوم الحلول في المكان، والحلال: مركب من مراكب النساء، والحلال أيضا: متاع البيت، وجائز أن يستعيره هنا.
[ (235) ] (المحال) : القوة والشدة.
[ (236) ] (غدوا) : جاءت في نسخة (ص) عدوا، مصحفة، وصحتها بالغين المعجمة، قال في «النهاية» : «أصل الغدو: هو اليوم الذي يأتي بعد يومك، فحذفت لامه، ولم يستعمل تاما إلا في الشعر» ومنه قول ذي الرّمة:
وما الناس إلا بالديار وأهلها ... بها يوم حدّوها وغدوا بلاقع
قال: ولم يرد عبد المطلب الغد بعينه، وإنما أراد تقريب الزمان.(1/118)
إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْ ... بَتَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ [ (237) ]
يَقُولُ، أَيُّ شَيْءٍ مَا بَدَا لَكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ بِنَا [ (238) ] .
ثُمَّ إِنَّ مُقَدَّمَاتِ أَبْرَهَةَ أَصَابَتْ نَعَمًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَتْ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ خَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ، وَكَانَ حَاجِبُ [ (239) ] أَبْرَهَةَ رَجُلًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَكَانَتْ لَهُ بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعْرِفَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ:
حَاجَتِي أَنْ تَسْتَأْذِنَ لِي عَلَى الْمَلِكِ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ حَاجِبُهُ، فَقَالَ: لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ، جَاءَكَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ الَّذِي يُطْعِمُ إِنْسَهَا فِي السَّهْلِ، وَوَحْشَهَا [ (240) ] فِي الْجَبَلِ. فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ. وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَنْ رَآهُ أَبُو يَكْسُومَ [ (241) ] أَعْظَمَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ [ (242) ] مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَنَزَلَ مِنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَجْلَسَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي مِائَتَا بَعِيرٍ أَصَابَتْهَا لِي مُقَدَّمَتُكَ. فَقَالَ أَبُو يَكْسُومَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ فَأَعْجَبْتَنِي، ثُمَّ تَكَلَّمْتَ فَزَهِدْتُ فِيكَ. فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ قَالَ: لِأَنِّي جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ مَنَعَتُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَفَضْلُكُمْ فِي النَّاسِ، وَشَرَفُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَدِينُكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَ، فَجِئْتُ لِأَكْسِرَهُ، وَأُصِيبَتْ لَكَ مِائَتَا بَعِيرٍ، فَسَأَلْتُكَ عَنْ حَاجَتِكَ، فَكَلَّمْتَنِي في إبلك،
__________
[ (237) ] اضطرب بيت الشعر في (ح) و (هـ) ، وأثبتناه من (ص) .
[ (238) ] معنى «أمر ما بدا لك» ما هنا زائدة، مؤكدة، أو موصولة، أي: الذي بدا لك من المصلحة في تركهم.
[ (239) ] في (ح) : «صاحب» .
[ (240) ] في (ح) : «ووحوشها» .
[ (241) ] في (ح) : «كيسوم» .
[ (242) ] في (هـ) : «ويجلسه» .(1/119)
وَلَمْ تَطْلُبْ إِلَيَّ فِي بَيْتِكُمْ! فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّمَا أُكَلِّمُكَ فِي مَالِي، وَلِهَذَا الْبَيْتِ رَبٌّ هُوَ يَمْنَعُهُ، لَسْتُ أَنَا مِنْهُ فِي شَيْءٍ. فَرَاعَ ذَلِكَ أَبَا يَكْسُومَ وَأَمَرَ بِرَدِّ [ (243) ] إِبِلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ. ثُمَّ رَجَعَ وأمسك لَيْلَتُهُمْ تِلْكَ لَيْلَةً كَالِحَةً نُجُومُهَا، كَأَنَّهَا تُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا لِاقْتِرَابِهَا مِنْهُمْ، فَأَحَسَّتْ أَنْفُسُهُمْ بِالْعَذَابِ، وَخَرَجَ دَلِيلُهُمْ حَتَّى دخل [ (244) ] الحرم وتركهم، وقام الْأَشْعَرِيُّونَ وَخَثْعَمٌ، فَكَسَرُوا رِمَاحَهُمْ وَسُيُوفَهُمْ، وَبَرِئُوا إِلَى اللهِ، تَعَالَى، أَنْ يُعِينُوا عَلَى هَدْمِ الْبَيْتِ، فَبَاتُوا كَذَلِكَ بِأَخْبَثِ لَيْلَةٍ، ثُمَّ أَدْلَجُوا بِسَحَرٍ، فَبَعَثُوا فِيلَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُصْبِحُوا بِمَكَّةَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ، فَرَبَضَ، فَضَرَبُوهُ، فَتَمَرَّغَ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ [ (245) ] حَتَّى كَادُوا أَنْ يُصْبِحُوا.
ثُمَّ إِنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الْفِيلِ، فَقَالُوا: لَكَ اللهُ، أَلَا يُوَجِّهُكَ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يُقْسِمُونَ لَهُ، ويُحَرِّكُ أُذُنَيْهِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ انْبَعَثَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ رَاجِعًا، فَتَوَجَّهَ يُهَرْوِلُ، فَعَطَفُوهُ حِينَ رَأَوْهُ مُنْطَلِقًا، حَتَّى إِذَا رَدُّوهُ إِلَى مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، رَبَضَ، وَتَمَرَّغَ. فَلَمَّا رَأَوْا [ (246) ] ذَلِكَ أَقْسَمُوا لَهُ، وَجَعَلَ يُحَرِّكُ أُذُنَيْهِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا، انْبَعَثَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَتَوَجَّهَ [ (247) ] يُهَرْوِلُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ رَدُّوهُ، فَرَجَعَ بِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، رَبَضَ، فَضَرَبُوهُ، فَتَمَرَّغَ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ يُعَالِجُوهُ حَتَّى كَانَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الطَّيْرُ مَعَهَا، وَطَلَعَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالُ الْيَحَامِيمِ سُودٌ، فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ، وَكُلُّ طَائِرٍ فِي مِنْقَارِهِ حجر، وفي رجليه
__________
[ (243) ] في (ح) : «ورد إبل» .
[ (244) ] في (ح) : «أتى» .
[ (245) ] ليست في (ح) .
[ (246) ] في (هـ) : «أراد» ، وفي (ح) «رأوا» ، وأثبت ما في (ص) .
[ (247) ] في (ح) : «فوجه» .(1/120)
حَجَرَانِ، فَإِذَا رَمَتْ بِتِلْكَ مَضَتْ، وَطَلَعَتْ أُخْرَى. فَلَا يَقَعُ حَجَرٌ مِنْ حِجَارَتِهِمْ تِلْكَ عَلَى بَطْنٍ إِلَّا خَرَقَهُ، وَلَا عَظْمٍ إِلَّا أَوْهَاهُ وَثَقَبَهُ [ (248) ] . وَثَابَ أَبُو يَكْسُومَ رَاجِعًا قَدْ أَصَابَتْهُ بَعْضُ الْحِجَارَةِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَدِمَ أَرْضًا انْقَطَعَ مِنْهُ فِيهَا إِرْبٌ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْيَمَنِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بَادُّهُ، فَلَمَّا قَدِمَهَا انْصَدَعَ صَدْرُهُ، وَانْشَقَّ بَطْنُهُ، وَهَلَكَ [ (249) ] . وَلَمْ يُصَبْ مِنْ خَثْعَمٍ وَالْأَشْعَرِيِّينَ أَحَدٌ.
وَذَكَرَ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ، قَالَ [ (250) ] : وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَدْعُو على الحبشة، ويقول:
يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا ... يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا
إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا ... إِنَّهُمُ لَنْ يَقْهَرُوا قُوَاكَا
قُلْتُ [ (251) ] : كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (252) ] فِي شَأْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبْرَهَةَ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ [ (253) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عباس، قال:
__________
[ (248) ] في (ص) : «نقبه» .
[ (249) ] في (ص) و (ح) : «فهلك» .
[ (250) ] ليست في (ح) .
[ (251) ] في (ح) : «قال أحمد- رحمه الله-» .
[ (252) ] الخبر رواه ابن هشام في «السيرة» (1: 49- 51) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (100- 108) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 170- 176) ، ومشهور في تفسير سورة الفيل في كتب التفاسير.
[ (253) ] ليست في (ص) .(1/121)
أَقْبَلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لِمَلِكِهِمْ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَيْنَا؟ أَلَا بَعَثْتَ فَنَأْتِيَكَ بِكُلِّ شَيْءٍ أَرَدْتَ؟ فَقَالَ:
أُخْبِرْتُ بِهَذَا الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَمِنَ، فَجِئْتُ أُخِيفُ أَهْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّا نَأْتِيكَ بِكُلِّ شَيْءٍ تُرِيدُ، فَارْجِعْ. فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ، وَانْطَلَقَ يَسِيرُ نَحْوَهُ، وَتَخَلَّفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَامَ عَلَى جَبَلٍ، فَقَالَ: لَا أَشْهَدُ مَهْلِكَ هَذَا الْبَيْتِ وَأَهْلِهِ. ثُمَّ قَالَ:
اللهُمَّ! إِنَّ لِكُلِّ إِلَهٍ ... حِلَالًا فَامْنَعْ حِلَالَكْ
لَا يَغْلِبَنَّ مِحَالُهُمْ ... أَبَدًا [ (254) ] مِحَالَكْ
اللهُمَّ! فَإِنْ فَعَلْتَ ... فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ
فَأَقْبَلَتْ مِثْلُ السَّحَابَةِ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ حَتَّى أَظَلَّتْهُمْ طَيْرٌ أَبَابِيلُ الَّتِي قَالَ اللهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قَالَ: فَجَعَلَ الْفِيلُ يَعُجُّ عَجًّا فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [ (255) ] .
وَعِنْدِي فِي هَذَا قِصَّةٌ أُخْرَى طَوِيلَةٌ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَصَدْنَاهُ [ (256) ] كِفَايَةٌ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ قال: طيرا لها خراطيم كخراطيم
__________
[ (254) ] (أبدا) سقطت من (ص) .
[ (255) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 535) ، وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
[ (256) ] في (هـ) : قصدنا.(1/122)
الطَّيْرِ، وَأَكُفُّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: طَيْراً أَبابِيلَ يَقُولُ: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفَى قَوْلِهِ: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ يَقُولُ:
التِّبْنُ.
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: طَيْراً أَبابِيلَ قَالَ:
فِرَقٌ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ [ (257) ] بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ النَّضْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: طَيْراً أَبابِيلَ يَقُولُ: كَانَتْ طَيْرًا نَشَأَتْ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ لَهَا مثل رؤوس السِّبَاعِ، لَمْ تُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، فَأَثَّرَتْ [فِي] [ (258) ] جُلُودِهِمْ أَمْثَالَ الْجُدَرِيِّ، فَإِنَّهُ لأوّل ما رؤي الْجُدَرِيُّ.
قَالَ: وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ:
لَمَّا أَرَادَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُهْلِكَ أَصْحَابَ الْفِيلِ بَعَثَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا نشأت
__________
[ (257) ] في (ح) : «عمر» .
[ (258) ] الزيادة من (ح) ، وليست في (ص) ، أو (هـ) .(1/123)
مِنَ الْبَحْرِ كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيفُ، بُلْقٌ، كُلُّ طَيْرٍ مِنْهَا [ (259) ] مَعَهُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ مُجَزَّعَةٍ، فِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَتْ حَتَّى صَفَّتْ عَلَى رؤوسهم، ثُمَّ صَاحَتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِي أَرْجُلِهَا وَمَنَاقِيرِهَا، فَمَا مِنْ حَجَرٍ وَقَعَ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ إِلَّا خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ: إِنْ وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ خَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ.
قَالَ: وَبَعَثَ اللهُ رِيحًا شَدِيدَةً، فَضَرَبَتْ أَرْجُلَهَا، فَزَادَهَا شِدَّةً، فَأُهْلِكُوا جَمِيعًا [ (260) ] .
* وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
جَاءَ أَصْحَابُ الْفِيلِ حَتَّى نَزَلُوا الصِّفَاحَ [ (261) ] ، فَجَاءَهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، جَدُّ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا بَيْتُ اللهِ، تَعَالَى، لَمْ يُسَلِّطِ اللهُ عَلَيْهِ أَحَدًا.
قَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَهْدِمَهُ. قَالَ: وَكَانُوا لَا يُقَدِّمُونَ فِيلَهُمْ إِلَّا تَأَخَّرَ. فَدَعَا اللهُ الطَّيْرَ الْأَبَابِيلَ، فَأَعْطَاهَا حِجَارَةً سُودًا عَلَيْهَا الطِّينُ، فَلَمَّا حَاذَتْهُمْ [ (262) ] رَمَتْهُمْ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْهُ الْحِكَّةُ، فَكَانَ لَا يَحُكُّ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ جِلْدَهُ إِلَّا تَسَاقَطَ لَحْمُهُ.
__________
[ (259) ] ليست في (ص) .
[ (260) ] ص (107) دلائل النبوة لأبي نعيم.
[ (261) ] في (ح) : «الصفا» ، وهو خطأ، حيث أن الصفاح موضع بمكة. معجم ما استعجم (3:
834) .
[ (262) ] في (ح) و (ص) : «حاذت بهم» .(1/124)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (263) ] أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ حَسَنٍ الْمِصْرِيُّ [ (264) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ [ (265) ] ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا سَمَّى اللهُ الْبَيْتَ: الْعَتِيقَ، لِأَنَّ اللهَ، تَعَالَى، أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ» [ (266) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ [ (267) ] ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ أَعْمَيَيْنِ مقعدين، يستطعمان بمكة [ (268) ] .
__________
[ (263) ] في (ح) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (264) ] في (ح) : «البصري» .
[ (265) ] في (هـ) : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ عَنِ ابْنِ مسافر.
[ (266) ] الحديث أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة الحج (5: 324) ، وقال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح» ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 389) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه» .
[ (267) ] في (ح) : حازم، تصحيف.
[ (268) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 59) : «يستطعمان الناس» ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 174) .(1/125)
بَابُ مَا جَاءَ فِي ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ شُرَفِهِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، لَيْلَةَ وُلِدَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [ (269) ] : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ (ح) [ (270) ] . وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى، ومحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، وَإِبْرَاهِيمُ ابن مُحَمَّدٍ النَّصْرَابَاذِيُّ- وَاللَّفْظُ لِلْحُسَيْنِ- قَالُوا: حَدَّثَنَا [ (271) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ [ (272) ] الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ: يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ- مِنْ وَلَدِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ- قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ- وَأَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً- قَالَ:
لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً [ (273) ] . وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذلك
__________
[ (269) ] في (ح) : «أبو سعيد» .
[ (270) ] حاء التحويل سقطت من (ح) .
[ (271) ] في (ح) : «أخبرنا» .
[ (272) ] في (ص) : «الحرب» .
[ (273) ] في (ص) «شرفا» ، وفي (هـ) : «شرافة» .(1/126)
بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَتَصَبَّرَ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَنْ لَا يَدَّخِرَ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ حِينَ عِيلَ صَبْرُهُ، فَجَمَعَهُمْ، وَلَبِسَ تَاجَهُ، وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ فِيمَا بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ؟
قَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الملك بذلك. فبيناهم كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ كِتَابٌ بِخُمُودِ نَارِ فَارِسَ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا هَالَهُ. فَقَالَ الْمُوبَذَانُ: وَأَنَا- أَصْلَحَ اللهُ الْمَلِكَ- قَدْ رَأَيْتُ فِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الْإِبِلِ.
قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ- وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ- قَالَ: حَدَثٌ [يَكُونُ] [ (274) ] مِنْ نَاحِيَةِ الْعَرَبِ. فَكَتَبَ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ: «مِنْ مَلَكِ الْمُلُوكِ كِسْرَى إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. أَمَّا بَعْدُ: فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ» فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ [ (275) ] الْغَسَّانِيِّ.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: يَسْأَلُنِي، أَوْ يُخْبِرُنِي، الْمَلِكُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ أَخْبَرْتُهُ، وَإِلَّا دَلَلْتُهُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُهُ.
قَالَ: فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى. قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: سَطِيحٌ. قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ وَائْتِنِي بِتَأْوِيلِ مَا عِنْدَهُ. فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ، فَلَمْ يُحِرْ [ (276) ] جَوَابًا، فَأَنْشَدَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:
__________
[ (274) ] الزيادة من (ح) .
[ (275) ] في (ص) : «نفيلة» ، وهو تصحيف.
[ (276) ] في (ص) : «يحذ» .(1/127)
أَصَمَّ [ (277) ] أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ [ (278) ] الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ [ (279) ] بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ [ (280) ]
يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ عَنْ وَجْهٍ غَضِنْ [ (281) ]
أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ ... وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ
أَزْرَقُ بَهْمُ النَّابِ صَوَّارُ [ (282) ] الْأُذُنْ ... أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ
رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يَسْرِي بِالرَّسَنْ [ (283) ] ... لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَنْ
تَجُوبُ بِيَ الْأَرْضُ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ ... تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ
حَتَّى أَتَى عَارِي الْجَآجِي [ (284) ] وَالْقَطَنْ ... تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ [ (285) ] الدِّمَنْ
كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ
قَالَ: فَفَتَحَ سَطِيحٌ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ [ (286) ] ، عَلَى جَمَلٍ مُسِيحٍ، إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الصَّرِيحِ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا. يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةُ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ- فَلَيْسَ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَامًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتْ،
__________
[ (277) ] (أصمّ) : بهمزة الاستفهام ثم بضم الصاد المهملة فتشديد الميم مبني للمفعول.
[ (278) ] (الغطريف) : السيد.
[ (279) ] (ازلمّ) : أسرع.
[ (280) ] (العنن) : الموت.
[ (281) ] في (ص) : «الغضن» .
[ (282) ] في (ص) : «ضرار» وهو تصحيف.
[ (283) ] في (ص) : «الوسن» .
[ (284) ] (الجاجي) : عظام الصدر.
[ (285) ] (البوغاء) : «التراب الناعم» .
[ (286) ] في (ح) : «يا عبد المسيح» .(1/128)
عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ، فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رحله وهو يقول:
شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمِّ شِمِّيرُ ... لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ
إِنْ يُمْسِ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ ... فَإِنَّ ذَلِكَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ [ (287) ]
فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ ... يَهَابُ صَوْلَتَهَا الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ [ (288) ]
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامٌ وَإِخْوَتُهُ ... وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا ... أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ [ (289) ]
وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ، أَمَّا إِنْ رَأَوْا نَشَبًا ... فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ ... وَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى كِسْرَى فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ سَطِيحٍ، فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا كَانَتْ أُمُورٌ وَأُمُورٌ. فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْبَاقُونَ إِلَى أَنْ قُتِلَ [عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ] [ (290) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [ (291) ] .
قُلْتُ: وَلِسَطِيحٍ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي إِخْبَارِهِ، حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، مَنْ لَقِيَهُ مِنْ قُرَيْشٍ- مِنْهُمْ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيٍّ- بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُلَفَائِهِ بَعْدَهُ.
__________
[ (287) ] (دهارير) : جمع دهر.
[ (288) ] (المهاصير) : جمع مهصار وهو الأسد.
[ (289) ] (أولاد علات) : أبوهم واحد، وأمهاتهم شتى.
[ (290) ] الزيادة من (ح) ، وفي (ص) : «عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ» .
[ (291) ] القصة في سيرة ابن هشام (1: 11- 14) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (96- 99) ، والوفا (1: 97) ، وتاريخ الطبري (2: 131- 132) ، وشرح المواهب اللدنية (1: 121) والبداية والنهاية (2: 268- 269) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 51) ، وغيرها.
وهذا حديث ليس بصحيح، وذكره في كل هذه الكتب على سبيل التسهيل لتمحيصه لا لصدقه.(1/129)
وَلَهُ قِصَّةٌ أُخْرَى. وَلِشِقٍّ فِي تَأْوِيلِ رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ اللَّخْمِيِّ [ (292) ] .
__________
[ (292) ] في هامش (هـ) : عند اللوحة (25/ أ) : «بلغ شيخنا أبو الإقبال الطائي الحنفي، ورضوان جاويش، وعبد الرحمن أفندي حلوات، والذين ذكروا قبل هذا المجلس، وثبت بقراءة السيد أبي الصلاح الحسين بن عبد الرحمن الشيخوني في يوم الأربعاء 13 رمضان سنة 1191، وكتب محمد مرتضى، حامدا الله ومصليا ومسلما» .(1/130)
بَابُ ذِكْرِ رَضَاعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَمُرْضِعَتِهِ وَحَاضِنَتِهِ [ (293) ]
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
__________
[ (293) ] جملة من قيل إنهن أرضعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشر نسوة:
(الأولى) : أمه صلى الله عليه وسلم أرضعته سبعة أيام.
(الثانية) : ثويبة مولاة أبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلّى الله عليه وسلّم بلبن ابنها مسروح، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخديجة يكرمان ثويبة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة، حتى ماتت بعد فتح خيبر، فسأل عن ابنها «مسروح» فقيل: قد مات، فسأل عن قرابتها، فقيل: «لم يبق منهم أحد» .
(الثالثة) : امرأة من بني سعد غير حليمة، على ما ذكر ابن سعد في الطبقات (1: 109) رواه ابن سعد، عن ابن أبي مليكة: أن حمزة كان مسترضعا له عند قوم من بني سعد بن بكر، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو عند أمه حليمة.
(الرابعة) : خولة بنت المنذر: أم بردة الأنصارية: ذكر بعض المؤرخين أنها أرضعت النبي صلّى الله عليه وسلّم، والصحيح أنها أرضعت ابنه ابراهيم كما ذكر ابن سعد.
(الخامسة) أم أيمن: بركة ذكرها القرطبي، والمشهور أنها من الحواضن لا من المراضع.
(السادسة والسابعة والثامنة) قال القرطبي: إنه صلّى الله عليه وسلّم مرّ به على نسوة ثلاث من بني سليم فرضع منهن.
(التاسعة) : أم فروة ذكرها المستغفري.
(العاشرة) : حليمة بنت أبي ذؤيب بن عبد الله بن سجنة بن رزام بن ناصرة.(1/131)
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَدُفِعَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أُمِّهِ، وَالْتُمِسَ لَهُ الرُّضَعَاءُ، وَاسْتُرْضِعَ لَهُ مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أبي ذويب. وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ [ (294) ] بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ.
وَاسْمُ أَبِي رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي أَرْضَعَهُ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ مَلَّانَ [ (295) ] بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ.
وَإِخْوَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ: عبد الله بن الحارث، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَحُذَافَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ- وَهِيَ الشَّيْمَاءُ، غَلَبَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إِلَّا بِهِ. وَهِيَ لِحَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أُمِّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (296) ] .
وَذَكَرُوا [ (297) ] أَنَّ الشَّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضِنُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، مَعَ أُمِّهِ إِذْ [ (298) ] كَانَ عِنْدَهُمْ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إسحاق، قال:
__________
[ (294) ] كذا في الأصول، وسيرة ابن هشام، ورويت: سجنة بسين مهملة مكسورة، وجيم ساكنة، فنون مفتوحة، سبل الهدى والرشاد (1: 461) .
[ (295) ] في (ح) و (هـ) : فلان: وأثبت ما في (ص) وهو موافق لما في سيرة ابن هشام (1:
172) .
[ (296) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 173) .
[ (297) ] في السيرة لابن هشام: «ويذكرون» .
[ (298) ] في (هـ) : «إذا» .(1/132)
حَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ- مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، كَانَتْ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ، فَكَانَ يُقَالُ: مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ- قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبَى طَالِبٍ، يَقُولُ:
حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [ (299) ] ، أُمِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، أَنَّهَا قَالَتْ [ (300) ] :
قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، أَلْتَمِسُ [ (301) ] بِهَا الرُّضَعَاءَ [ (302) ] ، وَفِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ [ (303) ] ، فَقَدِمْتُ عَلَى أَتَانٍ [ (304) ] لِيَ قَمْرَاءَ كَانَتْ أَذَمَّتْ [ (305) ] بِالرَّكْبِ، وَمَعِيَ صَبِيٌّ لَنَا، وَشَارِفٌ لَنَا، وَاللهِ مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا ذَلِكَ أَجْمَعَ مَعَ صَبِيِّنَا ذَاكَ، مَا يَجِدُ فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَلَا فِي شَارِفِنَا [ (306) ] مَا يُغَذِّيهِ، فقدمنا مكّة، فو الله مَا عُلِمَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَأْبَاهُ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَتِيمٌ تَرَكْنَاهُ، قُلْنَا: مَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا أُمُّهُ؟ إِنَّمَا نَرْجُو المعروف من أب الْوَلِيدِ، وَأَمَّا أُمُّهُ فَمَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا. فو الله مَا بَقِيَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي. فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ رَضِيعًا غَيْرَهُ قُلْتُ لِزَوْجِيَ الحارث بن عبد العزى: وَاللهِ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أرجع
__________
[ (299) ] في هامش (ص) : «بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .. كَذَا وقع في ابن هشام.
[ (300) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 173- 175) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (111- 113) ، والوفا لابن الجوزي (1: 108) «والبداية والنهاية» (2: 273) .
[ (301) ] في (ص) : نلتمس. (وألتمس) : أطلب.
[ (302) ] (الرضعاء) : جمع رضيع، وأراد بالرضعاء الأطفال على حقيقة اللفظ لأنهم إذا وجدوا له مرضعة ترضعه، فقد وجدوا له رضيعا يرضع معه.
[ (303) ] (سنة شهباء) : يعني سنة القحط والجدب لأن الأرض تكون فيها بيضاء.
[ (304) ] (أتان) : الأنثى من الحمير.
[ (305) ] (أذمّت) : إذا أعيت وتأخرت عن الركب.
[ (306) ] (الشارف) : الناقة المسنّة.(1/133)
مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي لَيْسَ مَعِي رَضِيعٌ، لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ. فَقَالَ:
لَا عَلَيْكِ. فَذَهَبْتُ فَأَخَذْتُهُ، فو الله مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَخَذْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي [ (307) ] ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ، وَقَامَ صَاحِبِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إِنَّهَا لَحَافِلٌ [ (308) ] ، فَحَلَبَ مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِينَا. فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ، فَقَالَ صَاحِبِي: يَا حَلِيمَةُ! وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاكَ قَدْ أَخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، أَلَمْ تَرَيْ مَا بِتْنَا [ (309) ] بِهِ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ حِينَ أَخَذْنَاهُ؟ فَلَمْ يَزَلِ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يَزِيدُنَا خَيْرًا حَتَّى خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِنَا، فو الله لَقَطَعَتْ أَتَانِي بِالرَّكْبِ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِمَارٌ، حَتَّى إِنَّ صَوَاحِبَاتِي يَقُلْنَ: وَيْلَكِ يَا ابْنَةَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أَهَذِهِ أَتَانُكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا مَعَنَا؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنَّهَا لَهِيَ. فَيَقُلْنَ: وَاللهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا. حَتَّى قَدِمْنَا أَرْضَ بَنِي سَعْدٍ، وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللهِ، تَعَالَى، أَجْدَبَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمِي لَتَسْرَحُ، ثُمَّ تَرُوحُ شِبَاعًا لَبَنًا [ (310) ] ، فَنَحْلُبُ مَا شِئْنَا، وَمَا حَوْلَنَا أَحَدٌ تَبِضُّ لَهُ شَاةٌ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَإِنَّ أَغْنَامَهُمْ لَتَرُوحُ جِيَاعًا، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ [ (311) ] : وَيْحَكُمْ!! انْظُرُوا حَيْثُ تَسْرَحُ غَنَمُ ابْنَةِ [ (312) ] أَبِي ذُؤَيْبٍ، فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ. فَيَسْرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ، فَيُرِيحُونَ أَغْنَامَهُمْ جِيَاعًا مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لَبَنًا نَحْلُبُ مَا شِئْنَا [ (313) ] . فَلَمْ يَزَلِ اللهُ، تَعَالَى، يُرِينَا الْبَرَكَةَ وَنتَعَرَّفُهَا حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْهِ، فَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا يشبّه
__________
[ (307) ] (الرّحل) : سكن الشخص، المنزل والمأوى.
[ (308) ] (الحافل) : الممتلئة الضّرع من اللبن، والحفل: اجتماع اللبن في الضرع.
[ (309) ] في (ص) : «ما شأنه» وهو تصحيف.
[ (310) ] (لبّن) : أي غزيرات اللبن.
[ (311) ] في (ص) : «لرعاتهم» .
[ (312) ] في (ص) : «ابنت» .
[ (313) ] في (ص) : «نحلب ما شئنا من اللبن» .(1/134)
الغلمان، فو الله مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا [ (314) ] ، فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ. فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ، قُلْنَا لَهَا: يَا ظِئْرُ [ (315) ] ، دَعِينَا نَرْجِعُ بِبُنَيِّنَا هَذِهِ السَّنَةَ الْأُخْرَى، فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وباء مكة، فو الله مَا زِلْنَا بِهَا حَتَّى قَالَتْ: فَنَعَمْ، فَسَرَّحَتْهُ مَعَنَا، فَأَقَمْنَا بِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَبَيْنَا هُوَ خَلْفَ بُيُوتِنَا مَعَ أَخٍ لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فِي بَهْمٍ [ (316) ] لَنَا، جَاءَنَا أَخُوهُ ذَلِكَ [ (317) ] يَشْتَدُّ، فَقَالَ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ، قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَنَجِدُهُ قَائِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ [ (318) ] جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَانِيَ، فَشَقَّا بَطْنِيَ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ شَيْئًا، فَطَرَحَاهُ، ثُمَّ رَدَّاهَ كَمَا كَانَ. فَرَجَعْنَا بِهِ مَعَنَا، فَقَالَ أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي بِنَا، فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ مَا نَتَخَوَّفُ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَلَمْ تُرَعْ أُمُّهُ إِلَّا بِهِ قَدْ قَدِمْنَا بِهِ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا رَدَّكُمَا بِهِ؟ فَقَدْ كُنْتُمَا عَلَيْهِ حَرِيصَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: لَا وَاللهِ يَا ظِئْرُ، إِلَّا أَنَّ اللهَ، تَعَالَى، قَدْ أَدَّى عَنَّا، وَقَضَيْنَا الَّذِي عَلَيْنَا، فَقُلْنَا [ (319) ] نَخْشَى الْإِتْلَافَ وَالْأَحْدَاثَ نَرُدُّهُ عَلَى [ (320) ] أَهْلِهِ، قَالَتْ: مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَاصْدُقَانِيَ شَأْنَكُمَا، فَلَمْ تَدَعْنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ. قَالَتْ: أَخِشِيتُمَا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟
كَلَّا، وَاللهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنَّهُ لَكَائِنٌ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ، أَلَا أُخْبِرُكُمَا
__________
[ (314) ] (جفرا) : شديدا.
[ (315) ] (الظئر) : المرضعة.
[ (316) ] (البهم) : بفتح الموحدة، جمه بهمه وهي ولد الضأن.
[ (317) ] في (ص) : ذاك.
[ (318) ] في (ص) : «قال» .
[ (319) ] في (ح) : «وقلنا» .
[ (320) ] في (ص) : «إلى» .(1/135)
خَبَرَهُ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَتْ: حَمَلْتُ بِهِ، فَمَا حَمَلْتُ حَمْلًا قَطُّ أَخَفَّ مِنْهُ، فَأُرِيتُ فِي الْمَنَامِ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، ثُمَّ وَقَعَ حِينَ وَلَدَتْهُ وُقُوعًا مَا يَقَعُهُ الْمَوْلُودُ، مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَدَعَاهُ عنكما [ (321) ] .
__________
[ (321) ] حادث شق الصدر ورد في كتب السيرة باتفاق، فهو في سيرة ابن هشام (1: 176) ، وطبقات ابن سعد (1: 112) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (111) ، والبداية والنهاية (2: 275) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 54) ، وقد أشارت إليه كتب التفسير، في تفسير قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
وهذا الحادث الذي يسرده المصنف، والذي وقع لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم منذ الطفولة المبكرة، واستخرج جبريل منه العلقة قائلا: «هذا حظ الشيطان منك..» قد تكرر لما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن عشر سنين.
فقد روى الإمام أحمد، وابن حبان، وابن عساكر، عن أبي بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! ما أول ما رأيت في أمر النبوة؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إني لفي صحراء، ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: «أهو هو؟» ، قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي: لا أجد لأحدهما هامسا، فقال أحدهما للآخر: أضجعه، فأضجعاني بلا قسر ولا هصر، وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أدخل يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى، فقال: اغد واسلم. فرجعت بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير.
وقد تكررت حادثة شق الصدر مرة أخرى والنبي صلّى الله عليه وسلّم، رسول جاوز الخمسين من عمره،
فعن مالك ابن صعصعة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: «بينما أنا في الحطيم- أو قال في الحجر- مضطجع بين النائم واليقظان، أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه- يعني من ثغرة نحره إلى شعرته- قال: فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم أحشائي ثم أعيد ... » [أخرجه مسلم، وأحمد (3: 121) ، والحاكم (2: 616) ] .
وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد الله- عز وجل- نبيه صلّى الله عليه وسلّم، عن مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهو حصانة للرسول الكريم التي أضفاها الله عليه.(1/136)
__________
[ () ] والمغزى أعمق من أن نتجاوزه إلى المماحكات التي تشعر بضعف الإيمان أكثر مما تشعر بنور اليقين.
إن الله سبحانه وتعالى- وقد شاءت إرادته- منذ الأزل- أن يكون محمد خاتم المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الكامل للإنسان الكامل الذي يسير نحو الكمال بطهارة القلب، وتصفية النفس.
ولما شب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت مكة تعج بمختلف أنواع اللهو والفساد والملاذ الشهوانية الدنسة.
كانت حانات الخمر منتشرة، وبيوت الريبة وعليها علامات تعرف بها، وتلك المغنيات والماجنات والراقصات، من أمور الجاهلية التي كانت تعج في ذلك المجتمع الجاهلي، وتتوجها عبادة الأصنام والأوثان.
والله سبحانه وتعالى برأ رسوله، واختاره من أكرم معادن الانسانية، ثم اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض،
وفي «صحيح البخاري» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما هممت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين كلتاهما عصمني الله- عز وجل- فيهما: قلت ليلة لبعض فتيان مكة- ونحن في رعاء غنم أهلها- فقلت لصاحبي:
«ألا تبصر لي غنمي حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان؟
فقال: بلى.
قال: فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة، فسمعت عزفا بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟
قالوا: تزوج فلان فلانة.
فجلست أنظر، وضرب الله على أذني فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس.
فرجعت إلى صاحبي فقال: ماذا فعلت؟
فقلت: ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت.
ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعته تلك الليلة فسألت فقيل:
نكح فلان فلانة.
فجلست أنظر، فضرب الله على أذني، فو الله، ما أيقظني إلا مسّ الشمس.
فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته:
هذا ما كان من أمر عبث الفتيان.(1/137)
__________
[ () ] أما عبادة الأوثان فإن الله سبحانه عصمه منها والقصة التالية توضح ذلك.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:
حدثتني أم أيمن قالت: كانت بوانة صنما تحضره قريش لتعظمه:
تنسك له النسائك، ويحلقون رؤوسهم عنده، ويعكفون عنده يوما إلى الليل، وذلك يوما في السنة. وكان أبو طالب يحضره مع قومه. وكان يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحضر ذلك العيد مع قوه.
فيأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك حتى رأيت أبا طالب غضب عليه، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب، وجعلن يقلن:
ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيد ولا تكثر لهم جمعا؟! قالت: فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا، فقالت له عماته: ما دهاك؟ قال:
«إني أخشى ان يكون بي لمم» .
فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان، وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت؟
قال:
«إني كلما دنوت من صنم منها: تمثل لي رجل أبيض، يصيح بي: وراءك يا محمد: لا تمسّه» قالت:
فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ» .
وهكذا كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم حياة زكية طاهرة، من الآثام التي تدنس الشباب في مجتمعاتهم، بعيدة عن الشرك، لم يسجد لصنم قط، بعيدا عن معايب الجاهلية، ومفاسدها.
ولا يطمئنّ بعض الجاهلين، ومعهم المستشرقين إلى قصة «شقّ الصدر» واستخراجه، ومعالجته، سواء التي حدثت للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو عند حليمة السعدية، أو ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب في معجزة الإسراء والمعراج.
وابن حبان منذ أكثر من ألف سنة يناقش الموضوع ويعتبره من معجزات النبوة ويقول: «كان ذلك له فضيلة فضّل بها على غيره، وانه من معجزات النبوة، إذ البشر إذا شقّ عن موضع القلب منهم، ثم استخرج قلوبهم ماتوا» . [صحيح ابن حبان (1: 140) من تحقيقنا] .
فإذا كان ابن حبان يقول معبرا عن العصر الذي عاش فيه «إذ البشر إذا شقّ عن موضع القلب منهم، ثم استخرج قلوبهم، ماتوا» فهذا فعلا كان في عصر ابن حبان المتوفى (354) هجرية، لا بل هو إلى عهد قريب جدا.
وتقدّم العلم، والطّبّ، والجراحة، والتخدير، والعمليات الجراحية صارت تجرى في غرف معقمة، وبوسائل مختلفة، وتقنية جدّ ماهرة، فأمكن للجراحين اليوم من إجراء مختلف انواع(1/138)
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ [ (322) ] بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ حَلِيمَةَ، هَذِهِ الْقِصَّةَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ لِي مَسْمُوعَةٌ، إِلَّا أَنَّ «مُحَمَّدَ بْنَ زَكَرِيَّا» هَذَا مُتَّهَمٌ [بِالْوَضْعِ] [ (323) ] فَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَوْلَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِنِّي اسْتَخَرْتُ اللهَ، تَعَالَى، فِي إِيرَادِهَا، فَوَقَعَتِ الْخِيَرَةُ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ نَقْلِ أَهْلِ الْمَغَازِي، لِشُهْرَتِهِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ [ (324) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ: سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الَّتِي أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وسلم، تُحَدِّثُ أَنَّهَا لَمَّا فَطَمَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَكَلَّمُ، قَالَتْ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلَامًا عَجِيبًا: سَمِعْتُهُ
__________
[ () ] العلميات الجراحية، في كل مواضع الجسم الهدف منها استئصال الداء وطرحه حيث لم تعد تنفع الوسائل الطبية، جراحة القلب ... حتى أمكن الآن استخراج القلب، وليس فقط معالجته، لا بل استبدال القلب التالف، بقلب سليم من إنسان مات حديثا، أو حتى من قلب صناعي ... ثم تخاط طبقات الجسم، وتعاد ... فلا يموت المريض!.
وهذا أصبح في استطاعة الإنسان.
أفما استطاعه الإنسان لا يستطيعه الله الذي يقول للشيء: «كن فيكون» ؟!
[ (322) ] هو محمد بن زكريا الغلابي البصري الأخباري: ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقال: «يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة» ، وقال الدارقطني: «يصنع الحديث» . «ميزان الاعتدال» (3: 550) .
[ (323) ] الزيادة من (ح) .
[ (324) ] في (ص) : «المذكرين» .(1/139)
يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ كَانَ يَخْرُجُ فَيَنْظُرُ إِلَى الصِّبْيَانِ يَلْعَبُونَ فَيَجْتَنِبُهُمْ. فَقَالَ لِي يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ: يا أماه! مالي لَا أَرَى إِخْوَتِي بِالنَّهَارِ؟ قُلْتُ: فَدَتْكَ نَفْسِي، يَرْعَوْنَ غَنَمًا لَنَا فَيَرُوحُونَ مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ. فَأَسْبَلَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى، فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، فَمَا أَصْنَعُ هَهُنَا وَحْدِي؟ ابْعَثِينِيَ مَعَهُمْ. قُلْتُ: أو تحب ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَصْبَحَ دَهَنْتُهُ، وَكَحَّلْتُهُ، وَقَمَّصْتُهُ، وَعَمَدْتُ إِلَى خَرَزَةِ جَزْعٍ يَمَانِيَّةٍ فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ مِنَ الْعَيْنِ. وَأَخَذَ عَصًا وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ، فَكَانَ يَخْرُجُ مَسْرُورًا وَيَرْجِعُ مَسْرُورًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ خَرَجُوا يَرْعَوْنَ بَهْمًا لَنَا حَوْلَ بُيُوتِنَا، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ إِذَا أَنَا بِابْنِي «ضَمْرَةَ» يَعْدُو فَزِعًا، وَجَبِينُهُ يَرْشَحُ قَدْ عَلَاهُ الْبُهْرُ بَاكِيًا يُنَادِي: يَا أَبَتِ [ (325) ] يَا أَبَهْ وَيَا أُمَّهْ، الْحَقَا أَخِي مُحَمَّدًا فَمَا تَلْحَقَاهُ إِلَّا مَيِّتًا. قُلْتُ: وَمَا قِصَّتُهُ؟ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ قِيَامٌ نَتَرَامَى [ (326) ] وَنَلْعَبُ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَاخْتَطَفَهُ مِنْ أَوْسَاطِنَا، وَعَلَا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى شَقَّ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى عَانَتِهِ، وَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَ بِهِ، وَلَا أَظُنُّكُمَا تَلْحَقَاهِ أَبَدًا إِلَّا مَيِّتًا. قَالَتْ:
فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأَبُوهُ- تَعْنِي زَوْجَهَا- نَسْعَى سَعْيًا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ قَاعِدًا عَلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَتَبَسَّمُ وَيَضْحَكُ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقُلْتُ: فَدَتْكَ نَفْسِي، مَا الَّذِي دَهَاكَ؟ قَالَ: خَيْرًا يَا أُمَّاهُ، بَيْنَا أَنَا السَّاعَةَ قَائِمٌ عَلَى [ (327) ] إِخْوَتِي، إِذْ أَتَانِيَ رَهْطٌ ثَلَاثَةٌ، بِيَدِ أَحَدِهِمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَفِي يَدِ الثَّانِي طَسْتٌ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مِلْؤُهَا ثَلْجٌ، فَأَخَذُونِي، فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ، فَأَضْجَعُونِي عَلَى الْجَبَلِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مِنْ صَدْرِي إِلَى عَانَتِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حِسًّا وَلَا أَلَمًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ في
__________
[ (325) ] في (ح) : «يا أمه» ، وفي (ص) : «يا أبه» .
[ (326) ] في (ص) رسمت: نتراما.
[ (327) ] في (ص) : «معي» .(1/140)
جَوْفِي، فَأَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي، فَغَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا.
وَقَامَ الثَّانِي فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: تَنَحَّ،! فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا أَمَرَكَ اللهُ [بِهِ] [ (328) ] فَدَنَا مِنِّي، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي، فَانْتَزَعَ قَلْبِي وَشَقَّهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ مَمْلُوءَةً بِالدَّمِ، فَرَمَى بِهَا، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ يَا حَبِيبَ اللهِ، ثُمَّ حَشَاهُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ، وَرَدَّهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ خَتْمَهُ بِخَاتَمٍ مِنْ نُورٍ، فَأَنَا السَّاعَةَ أَجِدُ بَرْدَ الْخَاتَمِ فِي عُرُوقِي وَمَفَاصِلِي. وَقَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ: تَنَحَّيَا، فَقَدْ أَنْجَزْتُمَا مَا أَمَرَ [ (329) ] اللهُ فِيهِ، ثُمَّ دَنَا الثَّالِثُ مِنِّي، فَأَمَرَّ يَدَهُ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، قَالَ الْمَلَكُ: زِنُوهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنُونِي فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ:
دَعُوهُ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَ بِهِمْ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا، فَأَكَبُّوا عَلَيَّ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَقَالُوا: يَا حَبِيبَ اللهِ، إِنَّكَ لَنْ تُرَاعَ [ (330) ] ، وَلَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ. وَتَرَكُونِي قَاعِدًا فِي مَكَانِي هَذَا، ثُمَّ جَعَلُوا يَطِيرُونَ حَتَّى دَخَلُوا حِيَالَ السَّمَاءِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَلَوْ شِئْتُ لَأَرَيْتُكِ مَوْضِعَ دُخُولِهِمَا. قَالَتْ: فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ [ (331) ] بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَالَ لِيَ النَّاسُ: اذْهَبِي بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيدَاوِيَهُ. فَقَالَ: مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُونَ، وَإِنِّي أَرَى نَفْسِي سَلِيمَةً، وَفُؤَادِيَ صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللهِ.
فَقَالَ النَّاسُ: أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ. قَالَتْ:
فَغَلَبُونِي عَلَى رَأْيِي، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. قَالَ:
دَعِينِي أَنَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْغُلَامَ أَبْصَرُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ، تَكَلَّمْ يَا غُلَامُ، قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَقَصَّ ابْنِي مُحَمَّدٌ قِصَّتَهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَوَثَبَ الْكَاهِنُ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ الْعَرَبِ، يَا آلَ
__________
[ (328) ] الزيادة من (ح) .
[ (329) ] في (ح) : «ما أمركما» .
[ (330) ] في (هـ) ، و (ص) : «ترع» !.
[ (331) ] في (ح) : «به منازل» .(1/141)
الْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبْ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ لَيُسَفِّهَنَّ أَحْلَامَكُمْ، وَلَيُكَذِّبَنَّ أَدْيَانَكُمْ، وَلَيَدْعُوَنَّكُمْ إِلَى رَبٍّ لَا تَعْرِفُونَهُ، وَدِينٍ تُنْكِرُونَهُ.
قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ انْتَزَعْتُهُ مِنْ يَدِهِ، وَقُلْتُ: لَأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ، اطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا لَا نَقْتُلُ مُحَمَّدًا. فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلِي، فَمَا أَتَيْتُ- يَعْلَمُ اللهُ- مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَّا وَقَدْ شَمَمْنَا مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، وَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَبْيَضَانِ، فَيَغِيبَانِ فِي ثِيَابِهِ وَلَا يَظْهَرَانِ. فَقَالَ النَّاسُ: رُدِّيهِ يَا حَلِيمَةُ عَلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخْرِجِيهِ مِنْ أَمَانَتِكِ. قَالَتْ:
فَعَزَمْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ، الْيَوْمَ يُرَدُّ [ (332) ] عَلَيْكِ النُّورُ، وَالدِّينُ، وَالْبَهَاءُ، وَالْكَمَالُ، فَقَدْ أَمِنْتِ أَنْ تُخْذَلِينَ أَوْ تَحْزَنِينَ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ. قَالَتْ: فَرَكِبْتُ أَتَانِيَ، وَحَمَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، بَيْنَ يَدَيَّ، أَسِيرُ حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ أَبْوَابِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَوَضَعْتُهُ لِأَقْضِيَ حَاجَةً وَأُصْلِحَ شَأْنِي، فَسَمِعْتُ [ (333) ] هَدَّةً شَدِيدَةً، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ قَالُوا: أَيُّ الصبيان؟ قلت: محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الَّذِي نَضَّرَ اللهُ بِهِ وَجْهِي، وَأَغْنَى عَيْلَتِي، وَأَشْبَعَ جَوْعَتِي، رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكْتُ بِهِ سُرُورِي وَأَمَلِي، أَتَيْتُ بِهِ أَرُدُّهُ وَأَخْرُجُ مِنْ أَمَانَتِي، فَاخْتُلِسَ مِنْ يَدَيَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ قَدَمَيْهِ الْأَرْضُ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ أَرَهُ لَأَرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ شَاهِقِ هَذَا الْجَبَلِ، وَلَأَتَقَطَّعَنَّ إِرْبًا إِرْبًا. فَقَالَ النَّاسُ [إِنَّا] [ (334) ] لَنَرَاكِ غَائِبَةً عَنِ الرُّكْبَانِ، مَا مَعَكِ مُحَمَّدٌ. قَالَتْ: قُلْتُ: السَّاعَةَ
__________
[ (332) ] في (ص) : «يرد الله عليك..» .
[ (333) ] في (هـ) : «سمعت» ، وفي (ص) : «إذ سمعت» .
[ (334) ] الزيادة من (ح) .(1/142)
كَانَ [ (335) ] بَيْنَ أَيْدِيكُمْ. قَالُوا: مَا رَأَيْنَا شَيْئًا. فَلَمَّا آيَسُونِي وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى رَأْسِي، فَقُلْتُ: وا محمّداه وا ولداه!! أَبْكَيْتُ الْجَوَارِيَ الْأَبْكَارَ [ (336) ] لِبُكَائِي، وَضَجَّ النَّاسُ مَعِي بِالْبُكَاءِ حُرْقَهً لِي، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَالْفَانِي مُتَوَكِّئًا عَلَى عُكَّازٍ [ (337) ] لَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ لي: مالي أراك أيها السَّعْدِيَّةُ تَبْكِينَ [ (338) ] وَتَضِجِّينَ؟!! قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَقَدْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ: لَا تَبْكِيَنَّ، أَنَا أَدُلُّكِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ فَعَلَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: دُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ: الصَّنَمُ الْأَعْظَمُ. قَالَتْ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟! كَأَنَّكَ لَمْ تَرَ مَا نَزَلَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى [فِي] [ (339) ] اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَتَهْذِينَ وَلَا تَدْرِينَ مَا تَقُولِينَ، أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَدَخَلَ وَأَنَا أَنْظُرُ، فَطَافَ بِهُبَلَ أُسْبُوعًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَنَادَى: يَا سَيِّدَاهُ، لَمْ تَزَلْ مُنْعِمًا عَلَى قُرَيْشٍ، وَهَذِهِ السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ضَلَّ. قَالَ: فَانْكَبَّ هُبَلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَتَسَاقَطَتِ الْأَصْنَامُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَنَطَقَتْ- أَوْ نَطَقَ مِنْهَا- وَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّمَا هَلَاكُنَا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ. قَالَتْ: فَأَقْبَلَ الشَّيْخُ لِأَسْنَانِهِ اصْتِكَاكٌ [ (340) ] ، ولركبتيه ارتعادا، وَقَدْ أَلْقَى عُكَّازَهُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا حَلِيمَةُ لَا تَبْكِي، فَإِنَّ لِابْنِكِ رَبًّا لَا يُضَيِّعُهُ، فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ. قَالَتْ: فَخِفْتُ
__________
[ (335) ] ليست في (ص) .
[ (336) ] في (ص) : «فأبكيت الجوار والأبكار» .
[ (337) ] في (ح) : «عكازة» .
[ (338) ] اضطربت العبارة في النسخ.
- ففي نسخة (هـ) : «أراك تبكين أيها السعدية تبكين» .
- وفي نسخة (ح) : «فقال لي أراك تبكين أيها» .
- وفي نسخة (ص) : «مالي أراك تبكين أيها السعدية» .
[ (339) ] الزيادة من (ح) .
[ (340) ] في (ح) : «لأسنانه ارتعادا ولركبتيه احتكاك» ، وفي (هـ) : «فأقبل الشيخ. وأقبل لأسنانه اشتكاك» ، وفي (ص) : «اصطكاكا» .(1/143)
أَنْ يَبْلُغَ الْخَبَرُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَبْلِي، فَقَصَدْتُ قَصْدَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ. قَالَ:
أَسَعْدٌ نَزَلَ بِكِ أَمْ نُحُوسٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلْ نَحْسُ الْأَكْبَرِ. فَفَهِمَهَا مِنِّي، وَقَالَ: لَعَلَّ ابْنَكِ قَدْ ضَلَّ مِنْكِ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، بَعْضُ قُرَيْشٍ اغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ.
فَسَلَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَيْفَهُ وَغَضِبَ- وَكَانَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ- فَنَادَى بِأَعْلَى [ (341) ] صَوْتِهِ: يَا يَسِيلُ [ (342) ]- وَكَانَتْ دَعْوَتَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ-[قَالَ] : [ (343) ] فَأَجَابَتْهُ قُرَيْشٌ بِأَجْمَعِهَا، فَقَالَتْ: مَا قِصَّتُكَ يَا أَبَا الْحَارِثِ؟
فَقَالَ: فُقِدَ ابْنِي مُحَمَّدٌ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: ارْكَبْ نَرْكَبْ مَعَكَ، فَإِنْ سَبَّقْتَ خَيْلًا سَبَّقْنَا مَعَكَ، وَإِنْ خُضْتَ بَحْرًا خُضْنَا مَعَكَ. قَالَ: فَرَكِبَ، وَرَكِبَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ، فَأَخَذَ عَلَى أَعْلَى مَكَّةَ، وَانْحَدَرَ عَلَى أَسْفَلِهَا. فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا تَرَكَ النَّاسَ وَاتَّشَحَ بِثَوْبٍ، وَارْتَدَى بِآخَرَ [ (344) ] ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَطَافَ أُسْبُوعًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول:
يَا رَبِّ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوجَدْ ... فَجَمِيعُ [ (345) ] قَوْمِي كُلُّهُمْ مُتَرَدِّدْ
فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ جَوِّ الْهَوَاءِ: مَعَاشِرَ الْقَوْمِ [ (346) ] ، لَا تَصِيِحُوا [ (347) ] ، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ رَبًّا لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ، مَنْ لَنَا بِهِ؟ قَالُوا [ (348) ] : بِوَادِي تِهَامَةَ عِنْدَ شَجَرَةِ الْيُمْنَى. فَأَقْبَلَ عَبْدُ
__________
[ (341) ] رسمت في (ص) : «بأعلا» .
[ (342) ] في (ص) : «يا نسيل» ، وفي (ح) : «يا سنيل» .
[ (343) ] الزيادة من (ح) .
[ (344) ] في (ح) : «بأخرى» .
[ (345) ] في (ص) : «فجمع قومي كلها مبدد.»
[ (346) ] في (ح) : «الناس» .
[ (347) ] في (ص) : «ولا تصنجوا» .
[ (348) ] في (ح) : «قال: قالوا.(1/144)
الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَلَقَّاهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، فَصَارَا جَمِيعًا يَسِيرَانِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَجْذِبُ أَغْصَانَهَا، وَيَعْبَثُ بِالْوَرَقِ،
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: فَدَتْكَ نَفْسِي، وَأَنَا جَدُّكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ احْتَمَلَهُ، وَعَانَقَهُ [ (349) ] ،
وَلَثَمَهُ، وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَجَعَلَ يَبْكِي، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ، وَرَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ، فَاطْمَأَنَّتْ قُرَيْشٌ فَلَمَّا اطْمَأَنَّ النَّاسُ نَحَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِشْرِينَ جَزُورًا، وَذَبَحَ الشَّاءَ [ (350) ] وَالْبَقَرَ، وَجَعَلَ طَعَامًا، وَأَطْعَمَ أَهْلَ مَكَّةَ.
قَالَتْ حَلِيمَةُ: ثُمَّ جَهَّزَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ وَصَرَفَنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَأَنَا بِكُلِّ خَيْرِ دُنْيَا، لَا أُحْسِنُ وَصْفَ كُنْهِ خَيْرِي. وَصَارَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ جَدِّهِ.
قَالَتْ حَلِيمَةُ: وَحَدَّثْتُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى، وَقَالَ: يَا حَلِيمَةُ، إن لا بني شَأْنًا، وَدِدْتُ أَنِّي أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ [ (351) ] ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ:
أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. فَذَكَرَ الحديث. قال:
__________
[ (349) ] في (ح) : «ثم احتمله على عاتقه، ولثمه..» .
[ (350) ] في (ص) : «الشاة» تصحيف.
[ (351) ] في سيرة ابن هشام: «قال ابن إسحق: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، ولا احسبه إلا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ القلاعي....» .(1/145)
وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي فِي بَهْمٍ لَنَا، أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ [ (352) ] ، مَعَهُمَا طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٌ ثَلْجًا، فَأَضْجَعَانِي، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَأَلْقَيَاهَا [ (353) ] ، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ، حَتَّى إِذَا أَنْقَيَا ثُمَّ رَدَّاهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِعَشَرَةٍ، فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِمِائَةٍ، فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِأَلْفٍ، فَوَزَنْتُهُمْ. فَقَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهُمْ [ (354) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مَلَكَيْنِ جَاءَانِي فِي صُورَةِ كُرْكِيَّيْنِ، مَعَهُمَا ثَلْجٌ وَبَرَدٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ، فَشَرَحَ أَحَدُهُمَا صَدْرِي، وَمَجَّ الْآخَرُ بِمِنْقَارِهِ فِيهِ فَغَسَلَهُ.
هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الشَّقِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْصُولٍ:
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هاني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عن أنس بن مالك.
__________
[ (352) ] في (ح) : «بيض» .
[ (353) ] في (ص) : «فألقياه» .
[ (354) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 600) ، وقال: «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» وأقرّه الذهبيّ. وهو في سيرة ابن هشام (1: 177) ، والبداية والنهاية (2: 275) .(1/146)
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ. فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ- يَعْنِي ظِئْرَهُ- فَقَالُوا:
إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ.
قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ [ (355) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ. وَهُوَ يُوَافِقُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي.
* وَقَدْ أَخْبَرَنَا [أَبُو الْحَسَنِ] : عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ [ (356) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى- هَوُ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ- قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِيتُ وَأَنَا فِي أَهْلِي، فَانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي، ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئَةً إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحُشِيَ بِهَا صَدْرِي- قَالَ أَنَسٌ: وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، يُرِينَا أَثَرَهُ- فَعَرَجَ بِيَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ الْمَلَكُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (357) ] مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
__________
[ (355) ] أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان (74) باب الإسراء، حديث رقم (261) ، صفحة (1:
147) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 121، 149، 288) .
[ (356) ] في (ح) : «هشام» وهو مصحف من تمتام، خطأ من الناسخ.
[ (357) ] في: 1- كتاب الإيمان (74) باب الإسراء، صفحة (1: 147) «فتح الباري» .(1/147)
وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ.
وقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً حِينَ كَانَ عِنْدَ مُرْضِعَتِهِ حَلِيمَةَ، وَمَرَّةً حين كان بمكة، بعد ما بُعِثَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ [ (358) ] . وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ، مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [ (359) ] ، أَرْضَعَتْ أَيْضًا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ.
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ- وَأُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ- أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي، ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي:
أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرَكَنِي فِي خَيْرٍ- أُخْتِي. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ: ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: والله لو
__________
[ (358) ] سبق ان تقدم في الهامش رقم (321) أن شق الصدر قد تكرر.
[ (359) ] تقدم في الهامش (293) ان ثوبية كانت ممن أرضع النبي صلى الله عليه وسلّم.(1/148)
أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ: ثُوَيْبَةُ. فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ.
قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ: مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتْ رَسُولَ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، وَأَشَارَ إِلَى النَّقِيرِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي يَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (360) ] .
وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَتَهُ حَتَّى كَبِرَ:
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وهب..
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَذَكَرَ الحديث، وفيه: قال:
__________
[ (360) ] أخرجه البخاري في كتاب النكاح، (باب) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» ، و (باب) : وربائبكم اللاتي في حجوركم» .
ورواه مسلم في: 17- كتاب الرضاع (4) باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، حديث (16) ، صفحة (1073) .(1/149)
وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أَعْطَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِذَاقًا لَهَا، فَأَعْطَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمَّ أَيْمَنَ، وَهِيَ مَوْلَاتُهُ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضِنُهُ حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ [ (361) ] .
__________
[ (361) ] أخرجه مسلم في صحيحه، في: 22- كتاب الجهاد والسير (24) باب رَدَّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ منائحهم من الشجر والثمر، حديث (70) ، صفحة (1391- 1392) .(1/150)
بَابُ ذِكْرِ أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (362) ] وَقَالَ: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (363) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، لَفْظًا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هند، عن العباس ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
يَا رَبِّ رُدَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... يَا رَبِّ رُدَّهْ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا
- وَقَالَ غَيْرُهُ: «رَدَّهُ رَبِّ» - فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، بَعَثَ بِابْنِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ فِي حَاجَةٍ إِلَّا أَنْجَحَ فِيهَا، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ مُحَمَّدٌ وَالْإِبِلُ، فَاعْتَنَقَهُ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ جَزِعْتُ عَلَيْكَ جَزَعًا لَمْ أَجْزَعْهُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَاللهِ لَا أَبْعَثُكَ في
__________
[ (362) ] الآية الكريمة (29) من سورة الفتح.
[ (363) ] الآية الكريمة (6) من سورة الصف.(1/151)
حاجة أبدا، ولا تُفَارِقُنِي بَعْدَ هَذَا أَبَدًا [ (364) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ: رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟ يَسُبُّونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ [ (365) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، يقال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ لِي أسماء: أنا محمد، وأنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ، الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أحد [ (366) ] .
__________
[ (364) ] رواه ابن سعد في الطبقات (1: 112) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 603) ، وقال:
«على شرط مسلم ولم يخرجاه» .
[ (365) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (17) بَابُ مَا جَاءَ فِي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فتح الباري (6: 554- 555) ، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 244، 340، 369) .
[ (366) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (17) بَابُ مَا جَاءَ فِي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الفتح (6: 554) ، والترمذي في كتاب الأدب (بَابُ) مَا جَاءَ فِي أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم (5: 135) ، ومالك(1/152)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ.
و [أَخْرَجَهُ] [ (367) ] مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ [بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ] [ (368) ] بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ لِي أَسْمَاءً: أَنَا أَحْمَدُ [ (369) ] وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ.
قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي ليس بعده النبي [ (370) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عن عبد الرّزّاق.
__________
[ () ] في الموطأ في أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم (2: 1004، والدارمي في الرقاق باب في أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم (2:
317) . والإمام احمد في «مسنده» (4: 80، 81، 84) .
كما أخرجه البخاري (أيضا) في كتاب التفسير، تفسير سورة الصف، فتح الباري (8: 640) ، ومسلم فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ (بَابُ) أسماء رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ رقم 124، صفحة (4: 1828) ، وجمع الوسائل في شرح الشمائل (2: 317) .
[ (367) ] الزيادة من (ح) .
[ (368) ] العبارة بين الحاصرتين سقطت من (ح) ، وثابتة في (ص) و (هـ) .
[ (369) ] في (ح) : إني انا احمد.
[ (370) ] في (ح) : «الذي ليس يعقبه نبي» .(1/153)
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: «وَأَنَا الْعَاقِبُ، الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ تَعَالَى، رَءُوفًا رَحِيمًا»
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شهاب. فَذَكَرَهُ، وقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُ الْعَاقِبِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، كَمَا بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ.
وَقَوْلُهُ: «وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ، تَعَالَى: رَءُوفًا رَحِيمًا» مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
* حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دُلَّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ، تَعَالَى، بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا العاقب. يعني الخاتم [ (371) ] .
__________
[ (371) ] مضى الحديث في الهامش (366) .(1/154)
وَرَوَاهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَعَدَّهُنَّ مَعَ الْخَاتَمِ، سِتَّةً: [ (372) ] .
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي، وَالْخَاتَمُ، وَالْعَاقِبُ» [ (373) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ:
__________
[ (372) ] وقال العلماء: «كثرة الأسماء دالّة على عظم المسمّى ورفعته، وذلك للعناية به وبشأنه، ولذلك ترى المسّميات في كلام العرب أكثرها محاولة واعتناء.
قال الإمام النووي: «وغالب هذه الأسماء التي ذكروها إنما هي صفات كالعاقب والحاشر، فإطلاق الإسم عليها مجاز، ونقل الغزالي: «الاتفاق على أنه لا يجوز ان نسمّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم باسم لم يسمّه به أبوه، ولا سمّى به نفسه الشريفة» ، وأقره الحافظ ابن حجر في الفتح على ذلك.
وقد أفرد أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالتصنيف خلائق، ونظمها جماعة منهم الشيخ: ابو عبد الله القرطبي المفسّر، والعلامة الزيني عبد الباسط بن الإمام: بدر الدين البلقيني، وكانت قصيدته الميمية بديعة لم ينسج على منوالها ناسج، ورتب السيوطي أسماءه صلى الله عليه وسلم على حروف المعجم في كتابه: «الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة.
[ (373) ] رواية نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ أبيه: رواه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 81) ، وأبو نعيم في الدلائل ص (26) ، قال ابن دحية: «هو مرسل حسن الإسناد» ، وقال السيوطي: «بل هو متصل، فإنّ نافعا رواه عن أبيه..» .(1/155)
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
(ح) . وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عن عقبة بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَتُحْصِي أسماء رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ سِتَّةٌ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَخَاتَمٌ، وَحَاشِرٌ، وَعَاقِبٌ، وَمَاحِي. فَأَمَّا الْحَاشِرُ [ (374) ] : فَبُعِثَ مَعَ السَّاعَةِ نَذِيرًا لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، وَأَمَّا عَاقِبٌ: فَإِنَّهُ عَقِبُ [ (375) ] الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا مَاحِي: فَإِنَّ اللهَ، تَعَالَى، مَحَا بِهِ [ (376) ] سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّى لَنَا نَفْسَهُ [ (377) ] ، فَقَالَ: أَنَا محمد،
__________
[ (374) ] في (ص) : «حاشر» .
[ (375) ] في (ب) : «عقيب» .
[ (376) ] رسمت في (ص) : «محى» .
[ (377) ] في (ب) : «نفسه أسماء» .(1/156)
وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفَّى، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْمَلْحَمَةِ [ (378) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ. وَفِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ، قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفْسَهُ أَسْمَاءً، مِنْهَا مَا حَفِظْنَا، ثُمَّ ذَكَرَهُنَّ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» [ (379) ] .
هَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرُوِيَ مَوْصُولًا.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ.
(ح) [ (380) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ [ (381) ] بْنِ سختويه الإسفرايني الْمُجَاوِرُ، بِمَكَّةَ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الطِّرَازِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، وَأَبُو عَلِيٍّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بن
__________
[ (378) ] أخرجه مسلم فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ (بَابُ) أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم، حديث رقم (126) (4: 1828- 1829) ، والإمام أحمد في «مسنده» (4: 404) .
[ (379) ] ذكره السيوطي في الجامع الصغير (1: 348) عن ابن سعد والحكيم عن أبي صالح مرسلا، والحاكم عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وأشار إليه بالصحة، وأخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8:
257) ونسبه إلى البزار، والطبراني في الصغير، وقال: رجال البزار رجال الصحيح» .
[ (380) ] سقطت علامة التحويل من نسخة (هـ) .
[ (381) ] في (ح) : «مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ» .(1/157)
الْحَسَنِ الْحَافِظُ، وَأَبُو النَّضْرِ: شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَوَانَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْهِزَّانِيُّ، بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ:
زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .
لفظ حديث الإسفرايني.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [ (382) ] ، عَنْ [محمد] [ (383) ] بن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ:
يس [ (384) ] قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ [ (385) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (382) ] من هامش (ص) : «ابن عمير» .
[ (383) ] الزيادة من (ب) .
[ (384) ] في (هـ) : «أنس» وهو تصحيف وخطأ.
[ (385) ] ذكره جماعة في أسمائه صلى الله عليه وسلم، وورد في حديث أبي الطّفيل عن ابن مردويه، ونقله السيوطي في الدر المنثور (5: 258) عن البيهقي، وقال السّهيلي لو كان اسما لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لقال: ياسين بالضم، كما قال: «يوسف أيها الصّديق» ، وقال تلميذه ابن دحية: «وهذا غير لازم فإن الكلبي قرأه بالضم. اي على حذف حرف النداء.(1/158)
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (386) ] يَا رَجُلُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَهِيَ لُغَةٌ لِعَكٍّ، إِنْ قُلْتَ لِعَكِّيٍّ: يَا رَجُلُ، لَمْ يَلْتَفِتْ، وَإِذَا قُلْتَ لَهُ: طه، الْتَفَتَ إِلَيْكَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ:
قَالَ «الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ» : خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذَوُو [ (387) ] اسْمَيْنِ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، نَبِيُّنَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعِيسَى، وَالْمَسِيحُ، صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَإِسْرَائِيلُ، وَيَعْقُوبُ، صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَيُونُسُ، وَذُو النُّونِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ. وَإِلْيَاسُ، وَذُو الْكِفْلِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَلِنَبِيِّنَا، صلى الله عليه وسلم، خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ فِي الْقُرْآنِ: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَطه، وَيس. قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي ذِكْرِ محمد، صلى الله عليه وَسَلَّمَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (388) ] وَقَالَ: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (389) ] وَقَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي ذِكْرِ عَبْدِ اللهِ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ. يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةَ الْجِنِّ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [ (390) ] . وَإِنَّمَا كَانُوا يَقَعُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا أَنَّ الّلبد يتّخذ من
__________
[ (386) ] «الآيتان الكريمتان (1، 2) من سورة طه، وقد ذكر خلائق (طه) في أسمائه صلى الله عليه وسلم، وورد في حديث رواه ابن مردويه بسند ضعيف عن أبي الطفيل، وقيل: «إنه أراد يا طاهر من العيوب والذنوب، او يا هادي إلى كل خير» .
[ (387) ] في (ح) و (هـ) : ذو.
[ (388) ] الآية الكريمة (29) من سورة الفتح.
[ (389) ] الآية الكريمة (6) من سورة الصف.
[ (390) ] الآية الكريمة (19) من سورة الجن.(1/159)
الصُّوفِ، فَيُوضَعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَيَصِيرُ لِبَدًا. وَقَالَ: عَزَّ وَجَلَّ: طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (391) ] وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَالَ، عَزَّ وَجَلَّ: يس [ (392) ] يَعْنِي يَا إِنْسَانُ، وَالْإِنْسَانُ هَاهُنَا: الْعَاقِلُ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ، صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (393) ] .
قُلْتُ: وَزَادَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ: سَمَّاهُ اللهُ، تَعَالَى: فِي الْقُرْآنِ: «رَسُولًا، نَبِيًّا، أُمِّيًّا، وَسَمَّاهُ: شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى الله بإذنه، وسراجا مُنِيرًا، وَسَمَّاهُ: رَءُوفًا رَحِيمًا، وَسَمَّاهُ: نَذِيرًا مُبِينًا، وَسَمَّاهُ: مُذَكِّرًا، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً، وَنِعْمَةً، وَهَادِيًا، وَسَمَّاهُ: عَبْدًا. صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا.
* وأَخْبَرَنَا [ (394) ] أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ- وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا المسيب بن رافع، قال:
قَالَ كَعْبٌ: قَالَ اللهُ، تَعَالَى، لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدِي [سَمَّيْتُكَ] [ (395) ] الْمُتَوَكِّلَ الْمُخْتَارَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ
__________
[ (391) ] الآيتان الكريمتان (1، 2) من سورة طه.
[ (392) ] الآية الكريمة (1) من سورة يسن.
[ (393) ] الآية الكريمة (3) من سورة يسن.
[ (394) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (395) ] الزيادة من (ص) .(1/160)
الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اجْتَمَعُوا، فَتَذَاكَرُوا أَيُّ بَيْتٍ [ (396) ] أَحْسَنُ فِيمَا قَالَتْهُ الْعَرَبُ؟ قَالُوا: الَّذِي قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم:
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ كَيْ يُجِلَّهُ* فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ وَرَوَاهُ الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ [ (397) ] ، عَنْ سفيان، وقال: «ليجلّه» .
__________
[ (396) ] في (هـ) : «بيت الله» .
[ (397) ] في (ح) : «وفي رواية المسيب» .(1/161)
بَابُ ذِكْرِ كُنْيَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى: زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ:
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» [ (398) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر،
__________
[ (398) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (20) باب كنية النبي صلى الله عليه وسلّم، من حديث جابر.، فتح الباري (6: 560) ، وأخرجه البخاري أيضا في: 78- كتاب الأدب (106) بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم: «سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» ، الفتح (10: 571) ، وأخرجه مسلم في أول كتاب الأدب (3: 1682) ، وأخرجه ابن ماجة في: 33- كتاب الأدب (33) باب الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلّم وكنيته (2: 1230) ، وأخرج الترمذي جزأه الثاني في كتاب الأدب (5: 136) .(1/162)
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: لَا تَجْمَعُوا اسْمِي وَكُنْيَتِي، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، اللهُ يَرْزُقُ، وَأَنَا أَقْسِمُ» [ (399) ] .
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعَيدٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبَى عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «اللهُ يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ» [ (400) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ.
(ح) [ (401) ] وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، وأَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَعُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أنس ابن مالك:
__________
[ (399) ] الحديث له شواهد قوية في البخاري ومسلم: فأخرج البخاري في: 57- كتاب الخمس (7) باب قول الله تعالى: فإن لله خمسه يعني للرسول قسم ذلك «الله المعطي وأنا القاسم» فتح الباري (6: 217) ، وأخرج مسلم في 38- كتاب الآداب (1) باب النبي عن التكني بأبي القاسم، حديث (4) إنما بعثت قاسما اقسم بينكم (3: 1683) .
[ (400) ] المستدرك (2: 604) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» .
[ (401) ] سقطت علامة التحويل من (ح) .(1/163)
أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ مَارِيَةَ جَارِيَتِهِ، كَانَ [ (402) ] يَقَعُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ [ (403) ] . وَفِي رِوَايَةِ الْفَقِيهِ: «يا أبا إبراهيم» [ (404) ] .
__________
[ (402) ] في (ح) : «كاد» .
[ (403) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 604) .
[ (404) ] في هامش (هـ) عند اللوحة (36 ب) : «بلغ سماع الجماعة عليّ بقراءة السيد أبي الصلاح:
الحسين بن عبد الرحمن الشيخوني، وصح وثبت في يوم الأربعاء (30) رمضان سنة (1191) بسويقة اللاله. وكتب محمد مرتضى «غفر له بمنه» .(1/164)
بَابُ ذِكْرِ شَرَفِ أَصْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَسَبِهِ
وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ: شَدَّادٌ، عن واثلة ابن الْأَسْقَعِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، اصْطَفَى بَنِي كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هاشم» [ (405) ] .
__________
[ (405) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أول كتاب الفضائل (باب) فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلّم ح (1) ، صفحة (1782) ، فأخرجه الترمذي في أول كتاب المناقب (5: 583) ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح» ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 107) ومعرفة النسب النبوي الشريف عنصر مهم في إثبات دلائل النبوة.
قال ابن خلدون في حديثه عن علامات النبوة: «ومن علاماتهم أيضا أن يكونوا ذوي احساب في قومهم» .
وذلك لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم نخبة بني هاشم، وسلالة قريش، وأشرف العرب، وأعزهم نفرا من قبل أبيه وأمه. وأعداؤه صلى الله عليه وسلم كانوا يشهدون له بذلك، ففي مساءلة هرقل لأبي سفيان، كما هو في الصحيح.(1/165)
لَفْظُ حَدِيثِ سَعِيدٍ [ (406) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ابْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ: شَدَّادٍ: أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
__________
[ () ] قال: كيف هو فيكم؟
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ فينا ذو حسب. فقال هرقل: فكذلك الرسل ترسل في أحساب قومها ...
ومعناه ان تكون له عصبية وشوكة تمنعه من أذى الكفار، حتى يبلغ رسالة ربه، ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته.
فأشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه صلى الله عليه وسلم.
قال الله سبحانه وتعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الانعام- 124] .
وعن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء- 219] ، قال: من صلب نبيّ إلى صلب نبي حتى صرت نبيا.
وقال عطاء: «ما زال نبي الله صلى الله عليه وسلّم يتقلّب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه» .
وروى البخاري في الصحيح، في كتاب المناقب (باب) صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه» .
وعند ابن سعد، وعند ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 278) : عن أنس، قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم» بفتح الباء، وقال: «أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس في إبائي من لدن آدم سفاح، كلنا نكاح» .
وعن ابن عباس، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح» .
[ (406) ] في (هـ) : «لفظ حبيب بن سعيد» .(1/166)
مُسْلِمٍ.
وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ:
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حدثنا عبد الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، اخْتَارَ: فَاخْتَارَ الْعَرَبَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ كِنَانَةَ، أَوِ النَّضْرِ بْنَ كِنَانَةَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ قُرَيْشًا، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» .
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ [ (407) ] آخَرَ فِي مَعْنَاهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (408) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ [ (409) ] ، إِنَّ قُرَيْشًا إِذَا الْتَقَوْا، لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْبَشَاشَةِ، وَإِذَا لَقَوْنَا، لَقَوْنَا بِوُجُوهٍ لَا نَعْرِفُهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ:
«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يحبّكم الله
__________
[ (407) ] في (ص) : «أوجه» .
[ (408) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (409) ] في (ح) : «قلت لرسول الله» .(1/167)
وَرَسُولِهِ» [ (410) ] فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا تَذَاكَرُوا [ (411) ] أَحْسَابَهُمْ، فَجَعَلُوا مَثَلَكَ: مِثْلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ [ (412) ] : يَوْمَ خَلَقَ الْخَلْقَ جَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ، ثُمَّ حِينَ فَرَّقَهُمْ جَعَلَنِي فِي خَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ حِينَ جَعَلَ الْقَبَائِلَ جَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، ثُمَّ حِينَ جَعَلَ الْبُيُوتَ جَعَلَنِي فِي خَيْرِ بُيوتِهِمْ، فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَسَبًا [ (413) ] ، وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا» [ (414) ] .
* وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [ (415) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد، قَالَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، أَنَّ قَوْمًا نَالُوا مِنْهُ، وَقَالُوا لَهُ [ (416) ] : إِنَّمَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ:
كَمِثْلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كُنَاسٍ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، خَلَقَ خَلْقَهُ، فَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ [ (417) ] ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ
__________
[ (410) ] في (ص) : «ولرسوله» .
[ (411) ] في (ح) : «يذكرون» .
[ (412) ] ليست في (ص) .
[ (413) ] في (ح) : «نفسا» ، وهو تصحيف.
[ (414) ] أخرجه ابن ماجة في المقدمة (11) باب، حديث (140) ، ص (1: 50) والترمذي في: 50- كتاب المناقب، حديث (3758) ، ص (5: 653) ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح» ، وفي الزوائد: «رجال إسناده ثقات» .
[ (415) ] في (هـ) : «حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ» ، وأثبتّ ما في (ح) و (ص) .
[ (416) ] في (ص) : «قالوا: إنما» .
[ (417) ] في (ح) و (ص) : «فرقتين» .(1/168)
الْفَرِيقَيْنِ [ (418) ] ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلًا، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا خَيْرُكُمْ قَبِيلًا، وَخَيْرُكُمْ بَيْتًا» [ (419) ] :
كَذَا قَالَ: عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَابْنُ رَبِيعَةَ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ.
وَقَدْ قِيلَ: عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ:
* أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُوحٍ- مِنْ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ- بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عَزْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (420) ] الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ، وَبَلَغَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ [لَهُ] [ (421) ] .
(ح) [ (422) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ- وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَلَغَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فصعد المنبر،
__________
[ (418) ] في (ح) : «الفرقتين» .
[ (419) ] الحديث أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 166- 167) .
[ (420) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (421) ] الزيادة من (ص) .
[ (422) ] علامة التحويل ليست في (ح) .(1/169)
فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَنْ أَنَا» ؟ قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ.
قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَجَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا، وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا» [ (423) ] صلى الله عليه وسلم.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَسَمَ الْخَلْقَ قِسْمَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا قِسْمًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ [ (424) ] وأَصْحابُ الشِّمالِ [ (425) ] فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَنَا خَيْرُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.
ثُمَّ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ أَثْلَاثًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا ثُلُثًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى [ (426) ] :
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [ (427) ] وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [ (428) ] . فَأَنَا مِنَ السَّابِقِينَ، وَأَنَا خَيْرُ السَّابِقِينَ. ثُمَّ جَعَلَ الْأَثْلَاثَ: قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا قَبِيلَةً، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ (429) ] وَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ وَلَا فخر. ثم
__________
[ (423) ] أخرجه الترمذي في: 50- كتاب المناقب، باب فضل النبي صلى الله عليه وسلّم (5: 653) ، وقال: «حديث حسن» .
[ (424) ] الآية الكريمة (37) من سورة الواقعة.
[ (425) ] الآية الكريمة (41) من سورة الواقعة.
[ (426) ] في (ص) : «عز وجل» .
[ (427) ] الآية الكريمة (8) من سورة الواقعة.
[ (428) ] الآية الكريمة (10) من سورة الواقعة.
[ (429) ] الآية الكريمة (13) من سورة الحجر.(1/170)
جَعَلَ الْقَبَائِلَ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (430) ] فَأَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي مُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ» [ (431) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَوَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ- خَالِ وَلَدِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ- قَالَ أَبُو وَهْبٍ: فَلَا أَحْسِبُ مُحَمَّدًا إِلَّا حَدَّثَنِي بِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّا لَقُعُودٌ بِفِنَاءِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ مَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذِهِ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَثَلُ مُحَمَّدٍ فِي بَنِي هَاشِمٍ: مَثَلُ الرَّيْحَانَةَ فِي وَسَطِ النَّتْنِ. فَانْطَلَقَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَخْبَرَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَالٍ تَبْلُغُنِي عَنْ أَقْوَامٍ؟! إِنَّ اللهَ، عَزَّ وجل، خلق السموات سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا،
__________
[ (430) ] الآية الكريمة (33) من سورة الأحزاب.
[ (431) ] ذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 257) ، وقال: «فيه غرابة ونكارة» . ورواية:
عباية ابن ربعي من غلاة الشيعة، له عن علي «أنا قسيم النار» ،
وحديث الصراط، قال الخريبي:
«كنا عند الأعمش فجاءنا يوما وهو مغضب، فقال: «ألا تعجبون من
موسى بن طريف يحدث عن عباية عن علي: «أنا قسيم النار» .
وقال العلاء بن المبارك: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ يَقُولُ: قلت للأعمش: أنت جئت تحدث عن موسى، عن عباية، فذكره، فقال: «ما رويته إلا على وجه الاستهزاء» . لسان الميزان (3:
247) .
وذكره العقيلي في «الضعفاء الكبير» (3: 415) ، وقال: «روى عنه موسى بن طريف وكلاهما غاليان ملحدان» .(1/171)
فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنِي آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بَنِي آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشًا، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ، فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ [ (432) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ أَبَى عَبْدِ اللهِ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ- خَالِ وَلَدِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ- فَذَكَرَهُ بإسناده نحوه.
__________
[ (432) ] ذكره ابن أبي حاتم الرازي في العلل (2: 367) ، وقال «قال أبي: حديث منكر» .
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4: 73) ، ونقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (2:
257) ، وقال: «حديث غريب» .
وسرده العقيلي في الضعفاء، وقال: «لا يتابع عليه» .
ومن رواته يَزِيدُ بْنُ عَوَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ.
فيزيد بن عوانة، ضعفه العقيلي، وسرد له الحديث المنكر هذا، وقال: «لا يتابع عليه» .
الميزان (4: 436) .
أما محمد بن ذكوان الأزدي الطائي الجهضمي، اتفقوا على ضعفه.
قال البخاري: «منكر الحديث» .
وقال أبو حاتم: «منكر الحديث، ضعيف الحديث، كثير الخطأ» .
وقال النسائي: «ليس بثقة ولا يكتب حديثه» .
وقال ابن حبان: «سقط الاحتجاج به» .
وقال الدارقطني: «ضعيف» .
وقال الساجي: «عنده مناكير» .(1/172)
* أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى: مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا رَبِيبَةُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ- وَلَا أَعْلَمُهَا إِلَّا زَيْنَبَ- قَالَتْ:
نَهَى رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ [ (433) ] . قَالَ: وَأُرَاهُ ذَكَرَ النَّقِيرَ.
قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّنْ كَانَ [ (434) ] مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ:
فَمِمَّنْ [ (435) ] كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ [ (436) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، [قَالَ] : أَخْبَرَنَا [ (437) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بن هيضم، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّا مِنْكُمْ أَوْ أَنَّكُمْ مِنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، ولا نقفوا أمّنا» .
قال:
__________
[ (433) ] (الدباء) : القرع واحدها دباءة، (والحنتم) : الجرار المدهونة كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة.
[ (434) ] في (ح) : «ممن كان كان من» .
[ (435) ] في (هـ) : «ممن» . وفي (ح) : فمن، وأثبتّ ما في صحيح البخاري ومعناها: لم يكن إلا من مضر.
[ (436) ] الحديث أخرجه البخاري في أول كتاب المناقب، فتح الباري (6: 525) ، ورواه الإسماعيلي من رواية حبان بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الواحد.
[ (437) ] في (ص) : بدون قال، وفي (هـ) : «أنبأنا» وبدون لفظ القول أيضا.(1/173)
فَقَالَ الْأَشْعَثُ: لَا أَجِدُ أحدا- أولا نُؤْتَى [ (438) ] بِأَحَدٍ- نَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ [ (439) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [ (440) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى: بَكَّارُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ- إِمْلَاءً- سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقَلَانِسِيُّ [ (441) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَا: بَلَغَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، أَنَّ رِجَالًا مِنْ كِنْدَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَقُولُ ذَاكَ: الْعَبَّاسُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، إِذَا قَدِمَا الْمَدِينَةَ لِيَأْمَنَا [ (442) ] بِذَلِكَ، وَإِنَّا لَنْ نَنْتَفِيَ مِنْ آبَائِنَا، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ» .
قَالَ: وَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
أَنَا مُحَمَّدُ، بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ هاشم، بن عبد مناف، ابن قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فهر، ابن مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارٍ» . وَمَا افْتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنِي اللهُ فِي خَيْرِهِمَا. فَأُخْرِجْتُ مِنْ بَيْنِ أَبَوَيْنِ، فَلَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ مِنْ عُهْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَخَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي وَأُمِّي، فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَفْسًا،
__________
[ (438) ] في (ح) و (هـ) : أولا أوتي.
[ (439) ] أخرجه ابن ماجة في كتاب الحدود، (باب) من نفى رجلا من قبيلته (2: 871) ، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 211) . وكلمة (لا نقفو) أي: لا نقذف.
[ (440) ] في (هـ) : «أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ» .
[ (441) ] في (ح) : «أحمد بن أبان..» .
[ (442) ] في (ص) : «إذا قدمنا المدينة ليأمنا» ، وفي (ح) : «فيأمنا» .(1/174)
وَخَيْرُكُمْ أَبًا [ (443) ] » . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ الرَّازِيُّ، بِعَسْقَلَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ.
فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: «فَأُخْرِجْتُ» إِلَى قَوْلِهِ: «حَتَّى خَرَجْتُ» .
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ، هَذَا وَلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَفْرَادٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُسْتِيُّ- الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْبَكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا، فَقَرْنًا، حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كنت فيه» [ (444) ] .
__________
[ (443) ] حديث غريب جدا من حديث مالك، تفرد به القدامى وهو ضعيف. قاله ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 255) ، وفيه عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ من أهل المصيصة، كان يقلب الأخبار، قلب على مالك أكثر من مائة حديث وخمسين حديثا» ذكره ابن حبان في «المجروحين» (2: 39) .
[ (444) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6:
566) .
وهو صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم، ولم يخرجه إلا البخاري. ويروى «كنت فيه» و «كنت منه» . وأثبت ما في (ص) .(1/175)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمْرٍو.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَنْبٍ [ (445) ] [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ (ح) [ (446) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بُهْلُولُ بْنُ الْمُوَرِّقِ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَلَبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ [رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَقَلَبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ] [ (447) ] بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ [ (448) ] .
[قَالَ أَحْمَدُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي رِوَايَتِهَا مَنْ لَا تَصِحُّ بِهِ، فَبَعْضُهَا يُؤَكِّدُ بَعْضًا، وَمَعْنَى جَمِيعِهَا يَرْجِعُ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَاللهُ أعلم] [ (449) ] .
__________
[ (445) ] في (ح) «حبيب» وهو تصحيف، وواضحة في (هـ) «خنب» بالضبط، وهو محمد بن أحمد ابن خنب بن أحمد بن راجيان (266- 350) ، ولادته ببغداد، ووفاته في بخارى، وله ترجمة في أنساب السمعاني.
[ (446) ] علامة التحويل سقطت من (ح) .
[ (447) ] ما بين الحاصرتين سقطت من (هـ) ، وثابتة في بقية النّسخ.
[ (448) ] أخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8: 217) ، وعزاه للطبراني في الأوسط- وقال: «فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف» .
[ (449) ] العبارة بين الحاصرتين سقطت من (ح) .(1/176)
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارَزْمِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ- يَعْنِي ابْنَ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيَّ- قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ، وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ وَقَدْ رَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ [ (450) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ أَمْلِ عَلَيَّ النَّسَبَ إِلَى آدَمَ. فَأَمْلَى عَلَيَّ:
مُحَمَّدٌ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ هَاشِمِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ- مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي أَبُو الْحُوَيْرِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وسلم، قالت:
__________
[ (450) ] تقدم تخريجه بالهامش (31) من المدخل إلى دلائل النبوة.(1/177)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ، بْنِ أُدَدَ، بْنِ زَنْدِ [ (451) ] ، بْنِ يُرَى، بْنِ أَعْرَاقٍ» [ (452) ] . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَمَعَدٌّ: مَعَدٌّ، وَعَدْنَانُ: عَدْنَانُ، وَأُدَدُ: أُدَدُ، وَزَنْدٌ: هَمَيْسَعٌ، وَيُرَى: نَبْتٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَعْرَاقُ الثَّرَى [ (453) ] .
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَمْلَى عَلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ الطَّوِيلِ التَّيْمِيُّ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. مِثْلَهُ إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
__________
[ (451) ] في (ص) : «زيد» ، وهو تصحيف، وفي (ح) : «ابن أدد بن يرى» . وقال الدارقطني:
«لا نعرف زندا إلا فِي هَذَا الْحَدِيثِ» .
[ (452) ] فِي (ص) : «أعراق الثرى» وهو اسمه كما سيأتي.
[ (453) ] ذكره السهيلي في «الروض الأنف» (1: 8) ، والطبري في التاريخ (2: 272) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 194) ، ولا خلاف أن سيدنا محمد بن عبد الله بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ.
وأمه: آمنة بنت وهب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ابن مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نزار بن معدّ بن عدنان.
هذا هو النسب الصحيح المتفق عليه في نسب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما فوق ذلك مختلف فيه.
ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وإنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء فمقل ومكثر، وكذلك من إبراهيم إلى آدم لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى.
وقد روي عن عروة بن الزبير أنه قال: «ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل» .
وروي عن ابن عباس أنه قال: «بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون» .
وروي عن عمر قوله: «إنما ننتسب إلى عدنان، وما فوق ذلك لا ندري ما هو» .
وقد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه انتسب إلى عدنان لم يتجاوزه، بل قد روي من طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان، قال: «كذب النسابون» مرتين، أو ثلاثا.
وقد كره مالك وجماعة من العلماء أن يرفع الرجل نسبه إلى آدم، فهذا كله من قبل التخرص والظن.(1/178)
ابن عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حبان بْنِ مُلَاعِبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمِّهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدَ، بْنِ زند، ابن يُرَى، بْنِ أَعْرَاقِ الثَّرَى، قَالَتْ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى، وَثَمُودَ فَما أَبْقى [ (454) ] ، وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [ (455) ] لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ [ (456) ] .
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَعْرَاقُ الثَّرَى: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَزَيْدٌ: هَمَيْسَعُ، وَيُرَى: نَبْتٌ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [ (457) ] ، قَالَ:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ هاشم، ابن عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ، بن مدركة، ابن إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ، بْنِ مَعَدِّ، بْنِ عَدْنَانَ، بْنِ أُدَدَ، بْنِ المقوم، ابن نَاحُورَ، بْنِ تَارَحَ، بْنِ يَعْرُبَ، بْنِ يَشْجُبَ، بْنِ نَابِتِ، بْنِ إِسْمَاعِيلَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ آزَرَ. وَهُوَ فِي التَّوْرَاةِ: ابْنُ تَارِخِ، بْنِ نَاحُورَ، بْنِ أَرْغُوَى [ (458) ] ، بن
__________
[ (454) ] الآية الكريمة: (51) من سورة النجم.
[ (455) ] الآية الكريمة: (38) من سورة الفرقان.
[ (456) ] الخبر في «تاريخ الطبري» (2: 271) .
[ (457) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 1- 2) .
[ (458) ] في (ح) : «أرغو» .(1/179)
سارح، بن فالح، بْنِ عَابِرَ، بْنِ شَالِخَ، بْنِ أَرْفَخْشَذَ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لَمَكَ، بْنِ مُتُوشَلَخَ، بْنِ أَخْنُوخَ، بْنِ يَرْدَ، بْنِ مَهْلَايِيلَ [ (459) ] بْنِ قَيْنَانَ، بْنِ أَنوش [ (460) ] ، بْنِ شِيثَ، بْنِ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْبِيَاءِ اللهِ الطَّيِّبِينَ الْأَخْيَارِ [وَسَلَّمَ] [ (461) ] .
وَرَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ [ (462) ] عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، وَقَالَ فيه: تارخ ابن نَاحُورَ، بْنِ عَوْرِ، بْنِ فَلَاحِ، بْنِ عَابِرِ، بْنِ شَالِخِ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ بْنِ لَامَكَ، بْنِ مُتُوشَلَخَ، بْنِ خَانُوخَ، بْنِ مَهْلِيلَ، بْنِ قَيْنَانَ [ (463) ] ، بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ. وَقَالَ: إِنَّ [ (464) ] أُدَدَ بْنَ الْمُقَوِّمِ.
قُلْتُ: كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ. وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ النَّسَّابُونَ فِيهِ أَيْضًا. وَذِكْرُ اختلافهم هَهُنَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ وَلَيْسَ مِنْهُ [ (465) ] كَثِيرُ فَائِدَةٍ.
وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللهُ، يَقُولُ: نِسْبَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَحِيحَةٌ إِلَى عَدْنَانَ، وَمَا وَرَاءَ عَدْنَانَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ النَّسَوِيُّ: أَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ
__________
[ (459) ] في (ص) : «مهليل» ، وكذا في هامش (هـ) ، إلا أنه أثبت الكلمة في (هـ) : وفوقها «صح» .
[ (460) ] في (ص) : «قميان بن قوش» .
[ (461) ] الزيادة من (ص) .
[ (462) ] في (هـ) : «عبيد بن نفيس» وهو تصحيف.
[ (463) ] في (ص) و (ح) : «قنعان» .
[ (464) ] في (ص) : بدون «إنّ» ، وكذا في (ح) .
[ (465) ] في (ح) : «منه» ، وفي هامش (هـ) : «في كثرته» .(1/180)
حدثهم، قالب: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ الْعَامِرِيِّ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: فَلِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟
قَالَ: لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ، تَكُونُ أَعْظَمَ دَوَابِّهِ، يُقَالُ: لَهَا الْقِرْشُ [ (466) ] ، لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ [ (467) ] .
قَالَ: فَأَنْشِدْنِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَأَنْشَدْتُهُ شِعْرَ الْجُمَحِيِّ إِذْ يَقُولُ:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ البح ... - ر بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تت ... رك فِيهَا لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا
هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ... يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا
وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- هُوَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [ (468) ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ:
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ: شَيْبَةُ. وَهَاشِمٌ: اسْمُهُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ.
وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ. وَاسْمُ قُصَيٍّ: زَيْدُ، بْنُ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ بْنِ كنانة
__________
[ (466) ] في (ص) : «القريش» .
[ (467) ] اشتقاق كلمة قريش، قيل من التقرش، وهو التجمع بعد التفرق، وذلك في زمن قصي بن كلاب الذي جمعهم بالحرم، وكان يطلق عليه قريش.
وقيل: التقرش: هو التكسب والتجارة.
وقيل غير ذلك. البداية والنهاية (2: 201) ، وساق الأبيات التالية، نقلا عن المصنّف.
[ (468) ] في (ح) : «ابن أبي حازم» وهو تصحيف.(1/181)
[بْنِ خُزَيْمَةَ] [ (469) ] ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بن محمد بن يحيى الدَّارِمِيُّ- وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- هُوَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،] [ (470) ] قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
أَوَّلُ النَّاسِ يَلْقَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، بِالنَّسَبِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ فِي بَنِي هَاشِمٍ: عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَأَسَدًا: وَالِدَ فَاطِمَةَ أُمِّ عَلِيٍّ، وَنَضْلَةَ، وَأَبَا صَيْفِيَّ. قَالَ: وَيُقَالُ: وَصَيْفِيٌّ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي نَوْفَلٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أُمَّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمِنَةَ بِنْتَ وهب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. ثُمَّ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ. ثُمَّ [ذَكَرَ] [ (471) ] بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ بَنِي جُمَحٍ وَسَهْمٍ ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ [ (472) ] . ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ.
وَذَكَرَ أَسَامِيَ الْمَعْرُوفِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْقَبَائِلِ. وَنَحْنُ نَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى فِي «كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ» رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
قُلْتُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا كَبْشَةَ أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ الشِّعْرَى، وَخَالَفَ دِينَ قَوْمِهِ، فَلَمَّا خَالَفَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، دِينَ قُرَيْشٍ، وَجَاءَ بِالْحَنِيفِيَّةِ- شَبَّهُوهُ بِأَبِي كَبْشَةَ، وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: ابْنُ أبي كبشة.
__________
[ (469) ] ما بين الحاصرتين سقطت من (ح) .
[ (470) ] ما بين الحاصرتين سقطت من (ح) . وثابتة في (ص) و (هـ) .
[ (471) ] الزيادة من (هـ) .
[ (472) ] في (ح) : «ابن هصيص ثم كعب بن لؤي» .(1/182)
وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ: خُزَاعَةَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ وَجْزُ بْنُ غالب ابن عَامِرِ [ (473) ] بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ أَبُو عَمْرَةَ بِنْتِ وَجْزٍ، وَعَمْرَةُ هِيَ أُمُّ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبِي آمنة: امم رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَشَبَّهُوهُ بِجَدِّهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَبِي كَبْشَةَ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ [ (474) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أُمُّ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي وَلَدَتْهُ: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ زُهْرَةَ، بْنِ كِلَابٍ، وَأُمُّهَا بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ، بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ. وَأُمُّهَا أُمُّ سُفْيَانَ بِنْتُ أَسَدِ، بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، بن قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ. وَأُمُّهَا بَرَّةُ بِنْتُ عَوْفِ، بْنِ عُبَيْدِ، بْنِ عُوَيْجٍ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ، بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ، بْنِ غَالِبِ بن فهر [ (475) ] ، وَأُمُّهَا قِلَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ صَعْصَعَةَ مِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هُذَيْلٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ.
وَأُمُّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، الَّتِي أَرْضَعَتْهُ حَتَّى شَبَّ: حَلِيمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ سِجْنَةَ [ (476) ] السَّعْدِيَّةُ. مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ عِكْرِمَةَ، بْنِ خَصَفَةَ، بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، بْنِ مُضَرَ.
__________
[ (473) ] في (ح) : «عامرة» .
[ (474) ] في (ح) : «ابن أبي مسعر» . خطأ.
[ (475) ] الخبر في السيرة لابن هشام (1: 169) .
[ (476) ] في الأصول، وسيرة ابن هشام (1: 172) شجنة، وضبطت في السيرة الشامية (1:
461) : سجنة، بسين مهملة مكسورة، فجيم ساكنة، فنون مفتوحة.(1/183)
وَزَوْجُ حَلِيمَةَ، الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى.
فَفِي هَؤُلَاءِ نسب رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَذَا فِي كِتَابِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَدَلَ أُمِّ سُفْيَانَ: أُمُّ حَبِيبٍ، وَقَالَ بَدَلَ عُوَيْجٍ: عُرَيْجٌ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْضًا: ثويبة مولاة أبي لهب. وَاسْمُ أَبِي لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى.
وَجَدَّةُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أُمُّ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو [ (477) ] ، بْنِ عَائِذِ، بْنِ عِمْرَانَ: بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّهَا صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدَةَ، بْنِ عِمْرَانَ، بْنِ مَخْزُومٍ. وَأُمُّهَا تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ، بْنِ قُصَيِّ، بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ.
وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ عَامِرِ، بْنِ عَمِيرَةَ [ (478) ] : ابن وَدِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّهَا أُخْتُ بَنِي وَائِلَةَ بْنِ عَدْوَانَ بْنِ قَيْسٍ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [ (479) ] قَالَ: لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ قَرَابَةٌ. فَقَالَ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى. قَالَ: لَا تُؤْذُونِي فِي قَرَابَتِي. قَالَ: وَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [ (480) ] .
__________
[ (477) ] في (ح) : «عمر» .
[ (478) ] في (ح) : «عمير» .
[ (479) ] الآية الكريمة (23) من سورة الشورى.
[ (480) ] الآية الكريمة (47) من سورة سبأ.(1/184)
وأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (481) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الآية قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فَكَتَبْنَا إِلَى «ابْنِ عَبَّاسٍ» نَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، كَانَ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي قُرَيْشٍ، لَيْسَ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِهِمْ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَهُ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أَيْ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ لَا تُؤْذُونِي بِقَرَابَتِي مِنْكُمْ وَتَحْفَظُونِي لَهَا.
قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنِي حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ قَدْ مَضَى فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ذِكْرُ أَسْمَاءِ أَعْمَامِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* فَأَمَّا عَمَّاتُهُ:
فَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يقول:
__________
[ (481) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، فتح الباري (6: 526) من طريق مسدد، عن يحيى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.. كما أخرجه البخاري أيضا في تفسير سورة الشورى، الفتح (8: 564) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شعبة.. وأخرجه الترمذي في تفسير نفس السورة، عن ابن بشار (5: 377) ، وقال: «حسن صحيح» ، وأخرجه النسائي في التفسير عن اسحق بن إبراهيم، عن غندر على ما ذكر البدر العيني (16: 70) ، ورجح الحافظ ابن حجر على من زعم أنها منسوخة في الفتح (8: 564) .(1/185)
عَمَّاتُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَنَاتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: عَاتِكَةُ، وَأُمُّ حَكِيمٍ، وهي البيضاء، وهي توأم عَبْدِ اللهِ، وَصَفِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ الزُّبَيْرِ، وَبَرَّةُ، وَأُمَيْمَةُ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنَاتِهِ: ابْكِينَ عَلَيَّ حَتَّى أَسْمَعَ. وَكُنَّ سِتَّ نِسْوَةٍ، وَهُنَّ: أُمَيْمَةُ، وَأُمُّ حَكِيمٍ، وَبَرَّةُ، وَعَاتِكَةُ، وَصَفِيَّةُ، وَأَرْوَى.
عَمَّاتُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم [ (482) ] .
__________
[ (482) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 180) .(1/186)
بَابُ ذِكْرِ وَفَاةِ عَبْدِ اللهِ أَبِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاةِ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَوَفَاةِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ [قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ] [ (483) ] قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ، فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ووَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنَ عَبْدِ اللهِ، فَكَانَ فِي حِجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ:
وَقَدْ هَلَكَ [أَبُوهُ] [ (484) ] عَبْدُ اللهِ وَهِيَ حُبْلَى [ (485) ] . قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ابْنُ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. وَاللهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كان.
__________
[ (483) ] ما بين الحاصرتين ساقط من (هـ) .
[ (484) ] [أبوه] سقطت من (ح) .
[ (485) ] رواه ابن هشام في السيرة (1: 171) .(1/187)
قُلْتُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ [أَبُوهُ] [ (486) ] وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَدِمَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ [بْنِ] [ (487) ] النَّجَّارِ، الْمَدِينَةَ [ (488) ] ، ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالْأَبْوَاءِ هَلَكَتْ بِهَا، وَرَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، ابْنُ سِتِّ سِنِينَ.
قُلْتُ: وَهَذَا لِأَنَّ هَاشِمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
وَمَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَلَمْ [ (489) ] يَبْكِ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ بُكَاءَهُ.
قَالَ: وَوَلِيَ زَمْزَمَ وَالسِّقَايَةَ مِنْ بَنِيهِ: الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ تَزَلْ إِلَيْهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِهِ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا مضى.
__________
[ (486) ] ليست في (هـ) .
[ (487) ] الزيادة من (ص) .
[ (488) ] في (ح) : «بالمدينة» .
[ (489) ] في (هـ) : «ولم» .(1/188)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ [ (490) ] : مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَى النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ فَجَلَسَ، وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ كَثِيرٌ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطِبِ. قَالَ: ثُمَّ بَكَى، فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَأَبَى عَلَيَّ، وَأَدْرَكَتْنِي رِقَّتُهَا فَبَكَيْتُ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ سَاعَةً أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
تَابَعَهُ مُحَارِبُ بْنُ دثار، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْظُرُ فِي الْمَقَابِرِ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَأَمَرَنَا، فَجَلَسْنَا، ثُمَّ تَخَطَّى الْقُبُورَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا، فَنَاجَاهُ طَوِيلًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَاكِيًا، فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَ إِلَيْنَا، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ [صَلَّى الله عَلَيْكَ] » [ (491) ] ، مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ لَقَدْ أَبْكَانَا وَأَفْزَعَنَا، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: أَفْزَعَكُمْ بُكَائِي؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ الْقَبْرَ الذي
__________
[ (490) ] في (ح) و (ص) : «أبو طاهر» .
[ (491) ] [صلّى الله عليك] ليست في (ح) .(1/189)
رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِي فِيهِ- قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي فِيهِ، وَاسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فِيهِ، وَنَزَلَ عَلَيَّ مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [ (492) ] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [ (493) ] فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَةِ مِنَ الرِّقَةِ، فَذَلِكَ الَّذِي أَبْكَانِي [ (494) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ.
(ح) [ (495) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي:
يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، تُذَكِّرْكُمُ الْمَوْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (496) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي
__________
[ (492) ] الآية الكريمة (113) من سورة التوبة.
[ (493) ] الآية الكريمة (114) من سورة التوبة.
[ (494) ] قال ابن كثير في البداية (2: 280) : «غريب ولم يخرجوه» .
[ (495) ] حرف التحويل ليس في (ح) .
[ (496) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 11- كتاب الجنائز (36) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلّم ربه- عز وجل- في زيارة قبر أمه حديث (105، 106) ، صفحة (671) .
وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز في باب زيارة القبور، (4: 90) ، وابن ماجة في: 6- كتاب الجنائز (48) بَابُ مَا جَاءَ فِي زيارة قبور المشركين، ح (1572) ، ص (501) وعند الترمذي بعضه (3: 361) .(1/190)
شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ» .
(ح) وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عن أنس.
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (497) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَضِيُّ، النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ النَّسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي النَّارِ. قَالَ: فَكَأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ وَجِدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا
__________
[ (497) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 1- كتاب الايمان (88) باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار، حديث رقم (347) ، صفحة (191) ، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم (574) في الجزء الثاني من تحقيقنا. وكلمة (قفّى) ، معناها: ذهب موليا، وقد رسمت في (هـ) : قفّا.(1/191)
رَسُولَ اللهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ. قَالَ: فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، فَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، تَعَبًا، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ [ (498) ] .
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ [ (499) ] بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا، فَلَمَّا رَجَعْنَا وجاذبنا بَابَهُ إِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ لَا نَظُنُّهُ عَرَفَهَا، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، مِنْ أَيْنَ جِئْتِ؟ قَالَتْ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَهْلِ هَذَا الْمَيِّتِ، رَحِمْتُ إِلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ وَعَزَّيْتُهُمْ، قَالَ: فَلَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى؟ قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَبْلُغَ مَعَهُمُ الْكُدَى، وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَا تَذْكُرُ. قَالَ: لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ [ (500) ] .
وَالْكُدَى: الْمَقَابِرُ.
قُلْتُ: جَدُّ أَبِيهَا: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هاشم.
وَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَبَوَاهُ وَجَدُّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْوَثَنَ حَتَّى مَاتُوا، وَلَمْ يَدِينُوا دين عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمْرُهُمْ لَا يَقْدَحُ فِي نَسَبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، أَلَا تَرَاهُمْ يُسْلِمُونَ مع
__________
[ (498) ] مجمع الزوائد (1: 118) عن الطبراني في الكبير، وقال: «رجاله رجال الصحيح» .
[ (499) ] في (هـ) : «عبيد» .
[ (500) ] أخرجه النسائي (4: 27) ، وقال: أبو عبد الرحمن ضعيف، وهو عند أبي داود في الجنائز (3: 261) ، وأخرجه أحمد في المسند (2: 169) ، واستدركه الحاكم (1: 373) .(1/192)
زَوْجَاتِهِمْ فَلَا يَلزَمُهُمْ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ، وَلَا مُفَارَقَتُهُنَّ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ. [وبالله التوفيق] [ (501) ] .
__________
[ (501) ] عبارة «وبالله التوفيق» ليست في (ح) ، وجاء بعدها في نسخة (ص) : «قلت وَإِخْبَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الوارد عنه من طرق متعددة أن أهل الفترة والمجانين والصم يمحنون» ثم قال: «من البداية والنهاية لابن كثير» .(1/193)
جِمَاعُ أَبْوَابِ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ
بَابُ صِفَةِ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاتِي، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ:
«كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ» .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ [ (502) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارٍ الْقَزْوِينِيُّ، الْمُجَاوِرُ بِمَكَّةَ فِي
__________
[ (502) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 564) من طريق أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إسحق بن منصور، عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إسحق، عن البراء ... ، وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (25) بَابُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وأنه كان أحسن الناس وجها، ح (93) ، صفحة (1819) ، من طريق أبي كريب: محمد ابن العلاء عن اسحق بن منصور..(1/194)
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: أكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيدًا مِثْلَ السَّيْفِ؟
فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ.
* وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، [ (503) ] الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ: أَلَيْسَ كَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ:
لَا، كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ [ (504) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ.
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجْهُهُ مثل
__________
[ (503) ] في (ص) : «سلمان» .
[ (504) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 565) ، أخرجه الترمذي في كتاب المناقب (8) بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (3636) ، صفحة (59805) من طريق سفيان بن وكيع، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي اسحق، عن البراء.
وأخرجه الدارمي في المقدمة، والإمام أحمد في «مسنده» (4: 281) و (5: 104) .(1/195)
السَّيْفِ؟ قَالَ جَابِرٌ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، مُسْتَدِيرًا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (505) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ، الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ [ (506) ] وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهُوَ كَانَ فِي عَيْنَيَّ أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ [ (507) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ [ (508) ] ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أُمَاثِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَمَرِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
__________
[ (505) ] صحيح مسلم صفحة (1823) .
[ (506) ] (أضحيان) : مقمرة مضيئة لا غيم فيها.
[ (507) ] أخرجه الترمذي في كتاب الأدب (بَابُ) مَا جَاءَ فِي الرخصة في لبس الحمرة للرجال حديث (2811) ص (5: 118) ، كما أخرجه الدارمي في المقدمة.
[ (508) ] في (ح) : «النبي» .(1/196)
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ- وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ:
سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بكير [ (509) ] .
__________
[ (509) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 565) ، وأخرجه مطوّلا في: 64- كتاب المغازي (79) باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا» [التوبة- 118] وهو جزء من هذا الحديث الطويل وقع في الصفحة (8: 116) من فتح الباري.
وأخرجه البخاري أيضا في الوصايا قطعة، وفي الجهاد قطعة، وفي وفود الأنصار، وفي أربعة مواضع من التفسير، وفي الأحكام مطولا ومختصرا.
وأخرجه مسلم في: 49- كتاب التوبة (9) باب حديث توبة كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ، وهذه قطعة من هذا الحديث الطويل. مسلم (4: 2127) .
وأخرجه الامام أحمد في «مسنده» (3: 459) .
قال البدر العيني (16: 110) : «وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أبي الطاهر، وأخرجه النسائي فيه، عن سليمان، وعن محمد بن جبلة، ومحمد بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْدَانَ.(1/197)
* أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو [ (510) ] الْأَزْهَرِ: أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا مَسْرُورًا وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ. فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ وَرَأَى زَيْدًا وَأُسَامَةَ قَدْ غَطَّيَا رؤوسهما وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بعض [ (511) ] .
__________
[ (510) ] سقطت من (ح) .
[ (511) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 565) ، كما أخرجه البخاري (أيضا) في: 85- كتاب الفرائض (31) باب القائف، فتح الباري (12: 56) .
وأخرجه مسلم في: 17- كتاب الرضاع (11) باب العمل بإلحاق القائف الولد، حديث (38) ، صفحة (1081- 1082) ، وأخرجه بعده بدون لفظ «تبرق» .
وأخرجه أبو داود في كتاب الطلاق (باب) في القافة، ح (2267- 2268) ، صفحة (2:
280) .
وأخرجه الترمذي في كتاب الولاء والهبة، (بَابُ) مَا جَاءَ فِي القافة، ح (2129) ، صفحة (4:
440) .
وأخرجه النسائي في الطلاق، باب القافة (6: 184) وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 82، 226) .
شرح الحديث:
قوله مسرورا حال أي فرحان قوله تبرق بضم الراء أي تضيء وتستنير من الفرح قوله «أسارير وجهه» الأسارير جمع الأسرار وهو جمع السرر وهي الخطوط التي تكون في الجبين وبرقانها يكون عند الفرح
قوله «فقال ألم تسمعي» أي قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة ألم تسمعي ما قال المدلجي
بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم واسمه مجزز بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة ونسبته إلى مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بطن من كنانة كبير مشهور بالقيافة والقائف هو من يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه والجمع القافة يقال فلان يقوف الاثر ويقتافه قيافة مثل قفا الاثر واقتفاه وكانت الجاهلية تقدح في نسب اسامة بن زيد لكونه(1/198)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ، سَمَّاهَا، قَالَتْ:
حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، مَرَّاتٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ. يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ، تَكَادُ تَمَسُّ مَنْكِبَهُ، إِذَا مَرَّ بِالْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ بِالْمِحْجَنِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ فَيقَبِّلُهُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ؟ قَالَتْ: كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صلى الله عليه وسلم [ (512) ] .
__________
[ () ] اسود وزيد أبيض فمر بهما مجزوزهما تحت قطيفة قد بدت أقدامهما من تحتها فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فلما قضى هذا القائف بالحاق نسبه وكانت العرب تعتمد قول القائف ويعترفون بحقية القيافة فرح رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكونه زجرا لهم عن الطعن في النسب وكانت ام أسامة بركة حبشية سوداء وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى وأمه ام ايمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلّم وكان يسمى حب النبي صلى الله عليه وسلّم واختلفوا في العمل بقول القائف فأثبته الشافعي واستدل بهذا الحديث والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه في الحرائر ونفاء أبو حنيفة مطلقا لقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وليس في حديث المدلجي دليل على وجوب الحكم بقول القافة لأن اسامة كان نسبه ثابتا من زيد قبل ذلك ولم يحتج النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلك الى قول احد وانما تعجب النبي صلى الله عليه وسلّم من اصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي ظنه ولا يثبت الحكم بذلك وترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الإنكار عليه لأنه لم يتعاط في ذلك اثبات ما لم يكن ثابتا] .
[ (512) ] فيه يونس بن أبي يعفور العبدي، ضعفه أحمد، وابن معين، والنسائي. الميزان (4:
485) .(1/199)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ [الْقَطَّانُ] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ.
(ح) وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- إِمْلَاءً- قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ [ (513) ] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مُوسَى التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: صِفِي لِيَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ [ (514) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَوْ رَأَيْتَهُ رأيت الشمس طالعة.
__________
[ (513) ] في (هـ) و (ص) : «قالا» .
[ (514) ] مجمع الزوائد (8: 280) وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط.(1/200)
بَابُ صِفَةِ لَوْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (515) ] أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُوَ يَصِفُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ رَبْعَةً [ (516) ] مِنَ الْقَوْمِ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، أَمْهَقَ [ (517) ] ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ وَلَا آدَمَ [ (518) ] ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلَا بِالسَّبْطِ [ (519) ] رَجْلٌ، نَزَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ توفي هو ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً ببيضاء.
__________
[ (515) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (516) ] (الربعة) : المتوسط الطول.
[ (517) ] (الأمهق) : أي الشديد البياض.
[ (518) ] (الآدم) : أي ولا شديد السمرة، وإنما يخالط بياضه الحمرة.
[ (519) ] (السبط) : المنبسط المسترسل، والمراد أن شعره ليس نهاية في الجعودة وهي تكسره الشديد ولا في السبوطة، وهي عدم تكسره وتثنيه بالكلية، بل كان وسطا بينهما.(1/201)
قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْمَرَّ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (520) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [ (521) ] الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ، الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا
__________
[ (520) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6:
564) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عن اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي، كما أخرجه البخاري في الحديث الذي بعده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عن ربيعة، عن أنس، كما أخرجه البخاري (أيضا) في: 77- كتاب اللباس (68) باب الجعد، فتح الباري (10: 356) ، عن إسماعيل عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عن ربيعة الرأي، عن أنس.
وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (31) بَابُ صفة النبي صلى الله عليه وسلّم، ومبعثه وسنه، حديث رقم (113) ، صفحة (1824) ، عن يحيى بن يحيى، عن مالك..، وفي الحديث الذي يليه، صفحة (1825) عن يحيى بن أيوب وقتيبة وعليّ بن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر، (ح) وعن القاسم بن زكريا، عن خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، كلاهما عن ربيعة الرأي، عن أنس.
والحديث في موطأ مالك، في: 49- كتاب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم (1) باب ما جاء في صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، حديث (1) صفحة (919) .
وأخرجه الترمذي في المناقب، باب في مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم، وابن كم كان حين بعث، حديث (3623) ، صفحة (5: 592) ، كما أخرجه الترمذي في الشمائل كلاهما عن قتيبة، عن مالك.. وقال: «حسن صحيح» .
[ (521) ] في (ح) : «أبو بكر عبد الله الحافظ» وهو خطأ.(1/202)
أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَا: حَدَّثَنَا [ (522) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، رجل الشَّعْرِ، لَيْسَ بِالسَّبْطِ، وَلَا الْجَعْدِ [ (523) ] الْقَطَطِ، أَزْهَرَ، لَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَا الْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا الطَّوِيلِ الْبَائِنِ. بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ. أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَبِمَكَّةَ عَشْرًا. وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلَا فِي لِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (524) ] ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ: كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ.
وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أسمر اللون [ (525) ] .
__________
[ (522) ] سقطت من (ص) .
[ (523) ] في (ح) : «ولا بالجعد» .
[ (524) ] سبق تخريج الحديث بالهامش (520) ، وأشرنا إلى رواية مسلم هذه.
[ (525) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (28) بَابُ كان النبي أبيض.. حديث (99) صفحة (1820) .(1/203)
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ [قَالَ] [ (526) ] أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، [قَالَ] : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَ أَبْيَضَ بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْغَضَائِرِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، قَالَ:
كُنْتُ أَنَا وَأَبُو الطُّفَيْلِ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرِي. قَالَ: قُلْتُ: وَرَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ صِفَتُهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا [ (527) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ رَأَى غَيْرِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقُلْنَا
__________
[ () ] وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 361) ، (3: 259، 267) ، وهو جزء من حديث أخرجه الترمذي في كتاب اللباس (بَابُ) مَا جَاءَ فِي الجمّة واتخاذ الشّعر حديث رقم (1754) ، صفحة (4: 233) ، والجمّة: مجتمع الشعر، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8:
272) وعزاه لأحمد، وأبي يعلى والبزار، ورواه ابن عساكر أيضا، وقال: «تفرد به خالد الطحان عن أنس» .. تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 320) .
[ (526) ] الزيادة من (ح) .
[ (527) ] مقصّدا المقصد من الرجال ليس بجسيم ولا طويل.(1/204)
لَهُ: صِفْ لَنَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ [ (528) ] .
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ [ (529) ] .
__________
[ (528) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (28) بَابُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم أبيض مليح الوجه، حديث رقم (98) ، صفحة (1820) ، من طريق سعيد بن منصور، عَنْ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطفيل.. وقال الإمام مسلم: «مات أبو الطّفيل سنة مائة، وكان آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم» .
وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب (باب) في هدي الرّجل، ح (4864) ، ص (4: 267) من حديث أبي الطفيل، بزيادة «إذا مشى كأنما يهوي في صبوب.
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 454) ، بزيادة كلمة «مقصّدا» .
[ (529) ] وأخرجه الترمذي في: 44- كتاب الأدب (60) بَابُ مَا جَاءَ فِي العدة، حديث (2826، 2827) ، صفحة (5: 128- 129) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 307) في موضعين بإسناد واحد، وقال الترمذي: «وهكذا روى غير واحد عن إسماعيل بن أبي خالد نحو هذا.
ورواه الترمذي أيضا في: 50- كتاب المناقب، (31) باب مناقب الحسن والحسين، ح (3777) ، صفحة (5: 659) ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي بكر» .
أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرجه مسلم في: 43- كتاب الفضائل باب شيبة النبي، صفحة (1822) .(1/205)
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ- يَعْنِي ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَزْهَرَ اللَّوْنِ.
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (530) ] قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبَ الْحُمْرَةِ [ (531) ] .
وَرُوِيَ ذَلِكَ هَكَذَا مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ.
وَيُقَالُ إِنَّ الْمُشْرَبَ مِنْهُ حُمْرَةً: وَمَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد بن
__________
[ (530) ] ليست في (ح) .
[ (531) ] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ونقله السيوطي في الخصائص الكبرى (1: 72) .(1/206)
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، عَنْ عَمِّهِ: سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [ (532) ] بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ، قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ.
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، عَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ، قَالَ:
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سبيكة فضّة [ (533) ] .
__________
[ (532) ] في (ح) و (هـ) : «أبو الحسن» وهو خطأ.
[ (533) ] أخرجه النسائي في كتاب الحج (104) باب دخول مكة ليلا من طريق عمران بن يزيد، عن شعيب، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ محرّش الكعبي (5: 199- 200) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 426) و (4: 69) ، و (5: 380) .(1/207)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ [ (534) ] .
* أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المبارك، قال: أخبرني
__________
[ (534) ] تبين من مجموع الروايات ان المراد بالسّمرة: الحمرة التي تخالط البياض، وأنّ المراد بالبياض المثبت: ما تخالطه الحمرة.
وقال ابن أبي خيثمة: «ولونه صلى الله عليه وسلم الذي لا شكّ فيه: الأبيض الأزهر المشرب من حمرة وإلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح، وأمّا ما تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الأزهر.
وتعقّبه بعضهم بأن أنسا لا يخفى عليه أمره حتى يصفه بغير صفته اللازمة له لقربه منه، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ملازما للشمس. نعم لو وصفه بذلك بعض القادمين ممن صادفه في وقت غيّرته الشمس لأمكن، فالأولى حمل السّمرة في هذه الرواية على الحمرة التي تخالط البياض.
وقد وصفه أنس بأنه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بالآدم، وهو حديث أصح من روايات كثيرة.
قال الحافظ العراقي: «في قوله: «أسمر اللون» : هذه اللفظة تفرّد بها حميد عن أنس، ورواها غيره بلفظ: «أزهر اللون» ... ثم نظرنا من روى صفة لونه صلّى الله عليه وسلّم غير أنس، فكلهم وصفوه صلّى الله عليه وسلّم بالبياض دون السّمرة وهم خمسة عشر صحابيا» .
قاله الصالحي في السيرة الشامية (2: 18- 19) ، ثم تابع: قلت: سمّى في كتاب الشمائل منهم: «أبا بكر، وعمر، وعليا، وأبا جحيفة، وابن عمر، وابن عباس، وهند بن أبي هالة، والحسن بن علي، وأبا الطّفيل، ومخرّش الكعبي، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبا هريرة، وذكر أحاديثهم وأسانيدهم ... » . أ. هـ.(1/208)
رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْهُ، كَأَنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنَجْتَهِدُ، وَإِنَّهُ غير مكترث [ (535) ] .
__________
[ (535) ] الحديث أخرجه الترمذي في كتاب المناقب (12) باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح (3648) ، ص (5: 604) ، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 258، 295، 350، 380) .(1/209)
بَابُ صِفَةِ عَيْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَشْفَارِهِ وَفَمِهِ
* أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَلِيعَ الْفَمِ [ (536) ] ، أَشْكَلَ العينين [ (537) ] منهوس العقبين [ (538) ] .
__________
[ (536) ] ضليع الفم عظيم الفم، كذا قاله الأكثرون وهو الأظهر، قالوا: والعرب تمدح بذلك، وتذم بصغر الفم، وهو معنى قول ثعلب في «ضليع الفم» : واسع الفم، وقال شمر: عظيم الأسنان.
[ (537) ] جاء تتمة الحديث قال شعبة: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ عَظِيمُ الْفَمِ، قال: قلت: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين. قال: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: «قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ» .
قال القاضي: «هذا وهم من سماك باتفاق العلماء، وغلط ظاهر، وصوابه ما اتفق عليه العلماء، ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب: إن الشكلة حمرة في بياض العينين وهو محمود» .
[ (538) ] معناه قليل لحم العقب. كما قال.(1/210)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (539) ] .
* وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: قَاسِمُ ابن الْقَاسِمِ [السَّيَّارِيُّ] [ (540) ] بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: باد أم جشم [ (541) ] .
قُلْتُ: وَهَذَا [ (542) ] التَّفْسِيرُ مِنْ جِهَةِ سِمَاكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ: أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ: أَشْهَلُ الْعَيْنَيْنِ.
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سِمَاكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبِ، ضَلِيعَ الفم [ (543) ] .
__________
[ (539) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 43- كتاب الفضائل (27) باب فِي صِفَةِ فَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، حديث (97) ، ص (1820) ، وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب، (12) باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح (3647) ، صفحة (5: 603) كلاهما مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.
وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أبي موسى، وعن أحمد بن منيع ولم يذكر «ضليع الفم» .
تحفة الأشراف (2: 158) .
[ (540) ] الزيادة من (هـ) ، وسقطت من (ح) ، ووردت في (ص) : «السباري» .
[ (541) ] كذا في الأصول: «باد أم جشم» ، وفي المستدرك (2: 602) «باد حيثم» . وفي مجمع الزوائد معناه: في عينه شيء من الحمرة.
[ (542) ] في (هـ) : «ولهذا» .
[ (543) ] هذه الرواية في «مسند أحمد» (5: 88) .(1/211)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ [ (544) ] : الشُّكْلَةُ: كَهَيْئَةِ: الْحُمْرَةِ تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ.
وَالشُّهْلَةُ: غَيْرُ الشُّكْلَةِ، وَهِيَ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
كُنْتُ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا [ (545) ] .
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أبيض مشربا بياضه
__________
[ (544) ] أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، في كتابه «غريب الحديث» (3: 28) .
[ (545) ] أخرجه الترمذي في المناقب، فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح (3645) ، صفحة (5: 603) ، وفي الشمائل، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 97، 105) .(1/212)
حُمْرَةً. قَالَ: وَكَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ: قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ [بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله] [ (546) ] بن سلمة، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ- مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ- قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، وَآدَمُ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّهُ كَانَ يَنْعَتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ أَهْدَبَ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ.
__________
[ (546) ] الزيادة من (ح) ، وفي (ص) : «أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حدثنا يعقوب، حدثنا عاصم..» .(1/213)
بَابُ صِفَةِ جَبِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَحَاجِبَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَأَسْنَانِهِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أخبرنا عبد الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
كَانَ مُفَاضَ الْجَبِينِ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ [ (547) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ [ (548) ] لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خَالِهِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ [ (549) ] ، سَوَابِغَ [ (550) ]
__________
[ (547) ] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (1: 336) ، (ومفاض الجبين) اي واسع الجبين.
[ (548) ] في (ح) : «ابن أبي هالة» .
[ (549) ] الزّجج: تقوّس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد، قال في النهاية، وقال غيره: «الزّجج:
دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس» .
[ (550) ] سوابغ: حال من المجرور وهو الحواجب، جمع سابغ، وهو التام الطويل، أي أنها دقّت في حال سبوغها. ووضع الحواجب موضع الحاجبين لأن التثنية جمع.(1/214)
فِي غَيْرِ قَرَنٍ [ (551) ] ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ [ (552) ] أَقْنَى الْعِرْنِينِ [ (553) ] ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ أَشْنَبُ، مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ [ (554) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ [ (555) ] الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وكان إذا تكلم رؤي كالنور بين ثناياه [ (556) ] .
__________
[ (551) ] (القرن) اتصال شعر الحاجبين.
[ (552) ] يدرّه الغضب أي يحركه ويظهره، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلئ الضّرع لبنا إذا درّ فيظهر ويرتضع.
[ (553) ] أقنى العرنين: طويل الأنف.
[ (554) ] شرح الشمائل للترمذي (1: 43) .
[ (555) ] في (ح) «ابن ابي ثابت عن الزهري» وهو خطأ.
[ (556) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8: 279) ، وعزاه للطبراني في الأوسط، وَقَالَ: «عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي ثابت: ضعيف»(1/215)
بَابُ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَصِفَةِ لِحْيَتِهِ
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بن فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ [ (557) ] .
* وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ ضَخْمَ الْهَامَةِ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، الْحُدَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنِ الرَّاسِبِيُّ:
__________
[ (557) ] أخرجه الترمذي- وهو جزء من حديث- في كتاب المناقب (8) بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (3635) ، ص (5: 598) ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .(1/216)
أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ [ (558) ] ، أَغَرَّ أَبْلَجَ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
* قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عبد الله ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَثَّ اللِّحْيَةِ [ (559) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حدثني عمرو ابن الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَسْوَدَ اللِّحْيَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ» .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى:
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ: أَبُو غَسَّانَ، عَنْ [جهضم بن الضحاك] [ (560) ] .
__________
[ (558) ] في (ص) : بدون كلمة «ضخم» وصحفت الهامة إلى «القامة» .
[ (559) ] أخرجه النسائي في كتاب الزينة (8: 183) من حديث طويل، والإمام أحمد في «مسنده» (1: 89، 101) .
[ (560) ] في (هـ) : «أبي ضمضم» ، وفي (ح) «أبي جهضم» ، وفي (ص) : «جهضم» ، وهو جهضم بن الضحاك. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «التَّارِيخِ الكبير» (1: 2: 245) ، وروى له هذا الحديث.(1/217)
نَزَلْتُ بِالرُّخَيْخِ، فَقِيلَ لِي: هَهُنَا رَجُلٌ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ رَجُلًا مَرْبُوعًا، حَسَنَ السَّبَلَةِ. قَالَ: وَكَانَتِ اللِّحْيَةُ تُدْعَى فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سبلة [ (561) ] . والله أعلم.
__________
[ (561) ] في (ص) : «السّبلة» .(1/218)
بَابُ صِفَةِ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ زِيَادٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجِلَ الشَّعْرِ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ [ (562) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ رَبِيعَةَ [ (563) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ:
سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ شَعْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ شَعْرُهُ بَيْنَ الشَّعْرَيْنِ لَا سَبْطٌ وَلَا جَعْدٌ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وعاتقه.
__________
[ (562) ] (رجل الشعر) : لا شديد الجعودة، ولا شديد السبوطة، بل بينهما.
[ (563) ] هو جزء من حديث مضى تخريجه بالهامش رقم (520) .(1/219)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ [ (564) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَتَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالُوا: حدثنا شيبان ابن فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَيْفَ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ كَانَ شَعْرًا رَجِلًا، لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (565) ] عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ محمد الكعبي،
__________
[ (564) ] الحديث أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس (68) باب الجعد، من طريق عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، فتح الباري (10: 356) ، وأخرجه البخاري في الحديث الذي يليه، فتح الباري (10: 357) عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ ...
وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (26) بَابُ صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلّم حديث (94) ، صفحة (1819) من طريق شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جرير.
وأخرجه الترمذي في الشمائل عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، والنسائي في الزينة (8: 131) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، وابن ماجة في: 32- كتاب اللباس (36) باب اتخاذ الجمّة، ح (3634) ، ص (1200) ، من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة، عن يزيد ابن هارون، عن جرير ...
[ (565) ] مضى تخريجه ضمن التعليق السابق.(1/220)
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ حَبَّانَ عَنْ هَمَّامٍ [ (566) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ [ (567) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ [ (568) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْكَرَابِيسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عليّة،
__________
[ (566) ] الحديث أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس، (68) باب الجعد، عن حبّان، عن هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ انس، فتح الباري، (10: 356) ، وبعده عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عن همام ... ، وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (26) بَابُ صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلّم، حديث (95) ، ص (1819) من طريق زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حبان بن هلال، ومن طريق: مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عبد الصمد، كلاهما عن همام، عن قتادة ... وأخرجه النسائي في كتاب الزينة (8: 133) ، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 125) .
[ (567) ] في (ص) : «الروزبادي» .
[ (568) ] متفق عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: 77- كتاب اللباس (68) : باب الجعد، فتح الباري (10:
356) ، ومسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (26) بَابُ صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلّم، حديث رقم (96) ، صفحة (1819) .(1/221)
عَنْ حُمَيْدٍ. فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَبْلُغُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ: حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ [ (569) ] .
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، قال:
__________
[ (569) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 565) ، عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن أبي إسحق السبيعي، عن البراء.
وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، صفحة (1818) عن أبي موسى، وبندار كلاهما عن غندر، ثلاثتهم عن شعبة، عن أبي إسحق، عن البراء.
وأخرجه أبو داود في اللباس، حديث (4072) ، صفحة (4: 54) ، عن حفص بن عمر، وأعاد بعضه في الترجل (4: 81) ، واخرج الترمذي بعضه في الاستئذان، عن بندار، وأخرجه الترمذي من حديث البراء في المناقب، ح (3635) صفحة (5: 598) والنسائي في الزينة (8: 183) باب اتخاذ الجمة من حديث البراء.(1/222)
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، يَعْنِي أَحْسَنَ، مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، إِنَّ جُمَّتَهُ تَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِرَارًا، وما حدّث بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ: مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر ابن دَاسَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (570) ] أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ مِنَ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ:
وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ كَثِيرَ شعر الرأس رجله [ (571) ] .
__________
[ (570) ] في (ص) : «حدثنا» .
[ (571) ] تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 317) .(1/223)
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن داسة قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ شَعْرُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ [ (572) ] ، فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ [ (573) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكَّةَ قَدْمَةً، وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. تَعْنِي ضَفَائِرَ [ (574) ] .
__________
[ (572) ] في (ص) : «رسول الله صلى الله عليه وسلّم» .
[ (573) ] حديث «كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الوفرة ودون الجمة، أخرجه أبو داود في الترجل (بَابُ) مَا جَاءَ فِي الشعر، حديث (4187) ، صفحة (4: 81- 82) ، والترمذي في كتاب اللباس (بَابُ) مَا جَاءَ فِي الجمّة واتخاذ الشعر، حديث (1755) ، صفحة (4: 233) ، وقال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كنت أغتسل أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من إناء واحد..» .
وأخرجه ابن ماجة في: 32- كتاب اللباس (36) باب اتخاذ الجمّة والذوائب. حديث (3635) ، صفحة (1200) .
(فائدة) : إذا كان الشعر يصل إلى المنكبين فهو الجمة، فإن كان يصل إلى شحمة الأذن فهو الوفرة، فإن طال الأذن ولم يبلغ الكتفين فهو اللمة.
[ (574) ] أخرجه أبو داود في كتاب الترجل (12) باب في الرجل يعقص شعره، حديث (4191) ، صفحة (4: 83) عن النفيلي، عن سفيان، عن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت: أم هانئ، وأخرجه الترمذي في كتاب اللباس (39) باب دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم مكّة، حديث (1781) ، صفحة 4: 246) ، وقال ابو عيسى: «هذا حديث حسن غريب، قال محمد: لا أعرف لمجاهد سماعا من أمّ هانئ» .
والحديث أخرجه ابن ماجة في: 32- كتاب اللباس (36) باب اتخاذ الجمة والذوائب، ح (3631) ، صفحة (1199) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح ...(1/224)
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عبيد الله ابن عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يفرقون رؤوسهم. فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ [ (575) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيِّ، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
* وأَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّابَرَانِيُّ، بِهَا، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَدَلَ نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْدِلَ، ثم فرق بعد [ (576) ] .
__________
[ (575) ] أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس (70) باب الفرق، فتح الباري (10: 361) ، وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (24) بَابُ في سدل النبي صلى الله عليه وسلّم شعره وفرقه، حديث (90) ، صفحة (1817- 1818) ، وأخرجه ابو داود في كتاب الترجل (بَابُ) مَا جَاءَ فِي الفرق، حديث (4188) ، صفحة (4: 82) ، وأخرجه ابن ماجة في: 32- كتاب اللباس (36) باب اتخاذ الجمة والذوائب، حديث (3632) ، صفحة (1199) .
[ (576) ] هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: مالك عن زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شهاب الزهري هو في موطأ مالك في: 51- كتاب الشّعر (1) باب السنة في الشعر، حديث رقم (3) ، صفحة (948) .
رواه مالك مرسلا.(1/225)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَنَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأْسَهُ، صَدَعْتُ فِرْقَهُ عَنْ يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ [ (577) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاللهُ أَعْلَمُ، أَذَلِكَ
لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا» [ (578) ]
أَمْ هِيَ سِيمَاءُ [ (579) ] كَانَ يَتَسَوَّمُ بِهَا.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ فَقِيهًا مُسْلِمًا: مَا هِيَ إِلَّا سِيمَاءُ مِنْ سِيمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ تَمَسَّكَتْ بِهَا النَّصَارَى مِنْ بَيْنِ الناس.
__________
[ () ] ورواه البيهقي موصولا عن أنس، وهي رواية الإمام أحمد في مسنده (3: 215) ، وقال أحمد:
هذا خطأ إنما هو عن ابن عباس. وسبق تخريجه موصولا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصحيحين بالهامش السابق، فهو عند البخاري في: 77- كتاب اللباس (70) باب الفرق، وهو عند مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، بَابُ في سدل النبي صلى الله عليه وسلّم شعره وفرقه، حديث (90) ، وعند أحمد (1: 246) عن ابن عباس، وكذا في (1: 261) .
ورواه معمر، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ مرسلا، لم يذكرا فيه ابن عباس.
وقال مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ: والصحيح المحفوظ ما رواه يونس، وابراهيم بن سعد، قال: وما أظن ابن عيينة سمعه من الزهري. التمهيد (6: 74) .
[ (577) ] الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الترجل (بَابُ) مَا جَاءَ فِي الفرق، ح (4189) ، صفحة (4:
82) .
[ (578) ] بياض في (ص) مكان الجملة.
[ (579) ] (السيماء) العلامة.(1/226)
* أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ هَدْيَهُ نَاوَلَ الْحَلَّاقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، فَنَاوَلَهُ أَبَا طَلْحَةَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ. [ (580) ] .
__________
[ (580) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 15- كتاب الحج (56) باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق.... حديث (326) ، ص (948) ، وأخرجه ابو داود في كتاب المناسك، (باب) الحلق والتقصير، حديث (1981) ، ص (2: 203) ، وأخرجه الترمذي في كتاب الحج، (باب) ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ في الحلق، ح (912) ، صفحة (3: 246) وقال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح» .
(فائدة) : حاصل الأحاديث السابقة: أن شعره صلى الله عليه وسلم كان جمّة وفرة لمّة، فوق الجمّة ودون الوفرة عكسه، فالوفرة- بفتح الواو وإسكان الفاء: ما بلغ شحمة الأذن. واللّمة- بكسر اللام: ما نزل عن شحمة الأذن، والجمّة- بضم الجيم وتشديد الميم- قال الجوهري رحمه الله تعالى: هي مجتمع شعر الرأس وهي أكثر من الوفرة ما نزل عن ذلك إلى المنكبين.
هذا قول جمهور أهل اللغة وهو الذي ذكره أصحاب المحكم والنهاية والمشارق وغيرهم.
واختلف فيه كلام الجوهري. فذكره على الصواب، في مادة «لمم» فقال: واللّمة- بالكسر:
الشعر، المتجاوز شحمة الاذن. فإذا بلغت المنكبين فهي الجمّة. وخالف ذلك في مادة «وفر» فقال: والوفرة إلى شحمة الأذن ثم الجمّة ثم اللّمة. وهي التي ألمّت بالمنكبين انتهى.
قال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى: وما قاله في باب الميم هو الصواب وهو الموافق لقول غيره من أهل اللغة: ولا جمع بين رواية: (فوق الجمة، ودون الوفرة) وهي عند الترمذي، والعكس رواية أبي داود وابن ماجة، وهي الموافقة لقول أهل اللغة، إلا على المحمل(1/227)
__________
[ () ] الذي تؤول عليه رواية الترمذي، وذلك أنه قد يراد بقوله: «دون» بالنسبة إلى محل وصول الشعر. فرواية الترمذي محمولة على هذا التأويل: أن شعره كان فوق الجمّة أي أرفع في المحل. فعلى هذا يكون شعره لمّة، وهو ما بين الوفرة، والجمة، وتكون رواية أبي داود وابن ماجة معناها: «كان سعره فوق الوفرة» أي أكثر من الوفرة ودون الجمة أي في الكثرة.
وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين. فروى كل راو ما فهمه من الفوق والدّون.
وقال القاضي: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه والذي يلي أذنيه وعاتقيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه. وقيل بل لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصير شعره بلغ المنكب وإذا قصره كان إلى أنصاف أذنيه فكان يقصر ويطول بحسب ذلك.(1/228)
بَابُ ذِكْرِ شَيْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَمَا وَرَدَ فِي خِضَابِهِ
[ (581) ] * أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ:
مِنَ الطِّيبِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ [ (582) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قال:
__________
[ (581) ] سقط العنوان من نسخة (هـ) .
[ (582) ] هو جزء من الحديث الذي مضى، وسبق تخريجه بالهامش رقم (520) .(1/229)
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخَضَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا [ (583) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ [ (584) ] الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَجَّاجٍ الشَّاعِرِ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ [ (585) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الفضل بْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- هُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ مَا يَخَضَّبَ، ولَوْ شِئْتُ، أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي لِحْيَتِهِ، وَلَكِنْ خَضَبَ أبو بكر بالحنّاء.
__________
[ (583) ] أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس (66) باب ما يذكر في الشيب، ح (5894) من فتح الباري صفحة (10: 351) من طريق: معلى بن أسد. عن وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قال: سألت أنسا، وأخرجه مسلم فِي 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (29) بَابُ شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث (101) و (102) ، صفحة (4: 1821) كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عن انس.
وأخرجه ابن ماجة من وجه آخر عن حميد عن انس: أَخَضَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشّيب إلا نحو سبعة عشر أو عشرين شعرة في مقدّم لحيته، سنن ابن ماجة، حديث (3629) ، صفحة (1198) .
[ (584) ] في (هـ) : «أبو عبد الله» .
[ (585) ] سبقت الإشارة إلى هذه الرواية في الهامش (583) .(1/230)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (586) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ:
سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ. فَعَلْتُ: قَالَ: وَلَمْ يَخْتَضِبْ، وَقَدِ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [ (587) ] ، وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ [ (588) ] .
* وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ.
وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حمشاد الْعَدْلُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، أَنَّ [ (589) ] الْحَجَّاجَ بْنَ مِنْهَالٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثابت، قال،
__________
[ (586) ] أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس (66) باب ما يذكر في الشيب. فتح الباري (10:
351- 352) .
[ (587) ] (الكتم) هو حبّ يشبه الفلفل. يصبغ به الشعر فيكسر بياضه أو حمرته إلى السواد، وإذا خلط مع الحنّاء يقوي الشعر.
[ (588) ] أخرجه مسلّم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (29) بَابُ شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث (103) ، ص (1821) ، وأخرجه البخاري بهذا الإسناد جزأه الأول في: 77- كتاب اللباس (66) باب ما يذكر في الشّيب، فتح الباري (10: 351- 352) ، وأخرجه ابو داود في كتاب الترجل، (باب) في الخضاب، ح (4209) ، ص (4: 86) .
[ (589) ] في (ح) : «من الحجاج» .(1/231)
قِيلَ لِأَنَسٍ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ شَابَ؟ فَقَالَ: مَا شَانَهُ اللهُ تَعَالَى بِالشَّيْبِ، مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانَ عَشْرَةَ شَعْرَةً [ (590) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُسْلِمٍ: قِيلَ لِأَنَسٍ: مَا كَانَ شَيْبُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم؟ ثُمَّ ذَكَرَهُ.
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ المقري الْإِسْفَرَايِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَخْتَضِبْ، إِنَّمَا كَانَ شَمِطَ عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ [ (591) ] يَسِيرًا، وَفِي الصُّدْغَيْنِ يَسِيرًا. [وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا] [ (592) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ.
* أَخْبَرَنَا أبو محمد: عبد الله بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ [ (593) ] بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ
__________
[ (590) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 254) من حديث أنس.
[ (591) ] (العنفقة) : أصل العنفقة: خفة الشيء وقلته، ويقصد بها هنا: الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل: الشعر الذي بينها وبين الذقن.
[ (592) ] الزيادة من (ص) ، والحديث في مسلم وهو جزء من حديث أخرجه فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (29) بَابُ شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث (104) ، ص (1821- 1822) عن نصر بن علي الجهضميّ، عن أبيه، عن الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته، قال: «ولم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إنما كان البياض في عنفقته وفي الصّدغين. وفي الرأس نبذ» .
وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب الخضاب بالصفرة، (8: 141) .
[ (593) ] في (ح) : «أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ» .(1/232)
الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ [ (594) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ، وَوَضَعَ زُهَيْرٌ بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ. فَقِيلَ لَهُ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ: أَبْرِي النَّبْلَ وَأَرِيشُهَا.
وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْفَهَانِيِّ: وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَنْفَقَتِهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [ (595) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قِرَاءَةً، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، قال:
__________
[ (594) ] مكانها بياض في (ص) .
[ (595) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (29) بَابُ شيبه صلى الله عليه وسلم، ح (106) ، ص (1822) ، وأخرجه البخاري مختصرا، فتح الباري (6: 564) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» .
(4: 309) من حديث أبي جحيفة.(1/233)
قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَمِيِّ: رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، أَكَانَ شَيْخًا؟
قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (596) ] ، عَنْ عِصَامِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ.
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، وَذَكَرَ شَمَطَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يُرَ، وَإِذَا لَمْ يَدَّهِنْ تَبَيَّنَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (597) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
مَا كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الشيب إلا شعرات
__________
[ (596) ] انفرد البخاري بإخراجه في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (3546) ، فتح الباري (6: 564) .
[ (597) ] رواه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (29) بَابُ شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث (108) ، ص (1822) ولفظه: «كان إذا دهن رأسه لم ير منه شيء. وإذا لم يدهن رئي منه» .
وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب الدهن، (8: 150) .
وأخرجه الترمذي في الشمائل، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 86، 88) كلهم مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.(1/234)
فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ إِذَا ادَّهَنَ وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ [ (598) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِذَا ادَّهَنَ وَمَشَطَهُ لَمْ يَسْتَبِنْ [ (599) ] .
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَكَانَ إِذَا دَهَنَهُ وَمَشَطَهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ. زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ.
قَالَا جَمِيعًا فِي الْحَدِيثِ: وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ. فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَ وَجْهُهُ مِثْلَ السَّيْفِ؟ فَقَالَ: جَابِرٌ لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا، وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ عِنْدَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْقُرَشِيِّ، قال:
__________
[ (598) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 90، 92، 95، 100، 104) .
[ (599) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (29) بَابُ شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث (109) ، ص (1823) ، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 104) .(1/235)
دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [ (600) ] .
* وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ:
أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا أُمُّ سَلَمَةَ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، مَخْضُوبًا. قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، دُونَ قَوْلِهِ: بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ:
كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ جُلْجُلٌ مِنْ فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَصَابَ إِنْسَانًا الْحُمَّى بُعِثَ إِلَيْهَا فَخَضْخَضَتْهُ فِيهِ، ثُمَّ يَنْضَحُهُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي إِلَيْهَا فَأَخْرَجَتْهُ فَإِذَا هُوَ هَكَذَا، وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَكَانَ فِيهِ شَعَرَاتٌ حَمْرَاءُ [ (601) ] .
__________
[ (600) ] أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس (66) باب ما يذكر في الشّيب عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عن إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: «أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء- وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة فيها شعر مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبة، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرا» .
فتح الباري (10: 352) ، ثم أخرجه بعده مختصرا.
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 296، 319، 322) .
[ (601) ] في (ص) : حمر، وفي هامش (ص) : خمس والحديث مضى ذكره في (600) .(1/236)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ، إِسْرَائِيلَ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ [ (602) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا أبو حمزة: عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ [ (603) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن إِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِيَادٌ بن أَبِي رِمْثَةَ. قَالَ:
انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا لَا يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ [ (604) ] .
__________
[ (602) ] في (ص) : «اليساري» .
[ (603) ] مختصرا، وسيأتي في الحديث التالي مطولا.
[ (604) ] الحديث أخرجه أبو داود في كتاب اللباس (باب) في الخضرة، ح (4065) ، ص (4: 52) ، وفي كتاب الترجل (باب) في الخضاب، حديث رقم (4206) ، ص (4: 86) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ إياد، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ.
وأخرجه الترمذي في كتاب الاستئذان عن بندار، عن ابن مهدي، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ إياد بن لقيط بقصة البردين، وقال: «حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن إياد» .
وأخرجه النسائي في كتاب الصلاة عن بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ به- مختصرا، وزاد «يخطب» ، وزاد في كتاب الزينة بهذا الإسناد قصة خضابه بالحناء.(1/237)
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ.
(ح) [ (605) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حمزة، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. زَادَ الْمُخَرِّمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: وَكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر ابن دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: السِّجِسْتَانِيُّ. قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ [ (606) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدم. (ح) .
__________
[ (605) ] الزيادة من (ص) .
[ (606) ] أخرجه أبو داود في كتاب الترجل، (بَابُ) مَا جَاءَ فِي خضاب الصفرة، ح (4210) ، ص (4:
86) ، والنسائي في الزينة عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي.(1/238)
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كَانَ شَيْبُ رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً.
وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ شَيْبَ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ.
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَقِيلٍ، قَالَ:
قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ الَّذِي غيّر لونه [ (607) ] .
__________
[ (607) ] قال الحافظ ابن حجر: عرف من مجموع الروايات أن الذي شاب في عنفقته صلى الله عليه وسلم أكثر مما شاب في غيرها، وقول أنس لما سأله قتادة هل خضب؟: «إنما كان شيء في صدغيه» أراد أنه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب، وقد صرّح بذلك في رواية محمد بن سيرين التي مضت.
واختلف في عدد الشعرات التي شابت في رأسه صلى الله عليه وسلم ولحيته على النحو الذي مرّ في مختلف الروايات السابقة، وقد جمع العلامة البلقيني بين هذه الروايات بأنها تدل على أن شعراته البيض لم تبلغ عشرين شعرة، والرواية الثانية توضح أن ما دون العشرين كان سبع عشرة، فتكون العشر في العنفقة، والزائد عليها يكون في بقية لحيته صلى الله عليه وسلم، ذلك أن اللحية تشمل العنفقة وغيرها.(1/239)
بَابُ صِفَةِ بُعْدِ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَعْظَمَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ، جُمَّتُهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (608) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بن سالم،
__________
[ (608) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 565) ، وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (25) بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (91) ، ص (1818) .(1/240)
عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ [ (609) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، كَأَنَّمَا صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ، عَظِيمَ مُشَاشِ الْمَنْكِبَيْنِ، يَطَأُ بِقَدَمِهِ جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أدبر جميعا.
__________
[ (609) ] طبقات ابن سعد (1: 415) ، وأخرجه الترمذي في الشمائل.(1/241)
بَابُ صِفَةِ كَفَّيْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَقَدَمَيْهِ، وِإِبْطَيْهِ، وَذِرَاعَيْهِ، وَسَاقَيْهِ، وَصَدْرِهِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حدثنا مسلم ابن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعْرُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، رَجِلًا: لَا جَعْدٌ وَلَا سَبْطٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (610) ] عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ الْعَرَقِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (611) ] عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، إِلَّا أَنَّهُ قال: «ضخم الرأس
__________
[ (610) ] الحديث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أنس في: 77- كتاب اللباس (68) باب الجعد، ح (5906) ، فتح الباري (10: 357) .
[ (611) ] فتح الباري، ح (5907) ، صفحة (10: 357) .(1/242)
وَالْقَدَمَيْنِ، وَكَانَ بَسِيطُ الْكَفَّيْنِ [ (612) ] » وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَرَقَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ- هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ- قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- أَوْ عَنْ رَجُلٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (613) ] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ هَمَّامٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ هِشَامٌ [ (614) ] عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ:
كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَثْنَ [ (615) ] الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ.
* وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَمَّامِيِّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا يحيى ابن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» .
* وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مَهْدِيُّ بْنُ أَبِي مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ. فَذَكَرَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّيْنِ.
__________
[ (612) ] في الأصول: «بسيط الكفين» وأثبت ما في صحيح البخاري.
[ (613) ] فتح الباري (10: 357) .
[ (614) ] في (ح) همام وهو تصحيف، والحديث في البخاري. فتح الباري (10: 357) .
[ (615) ] (شثن الكفّين) : بشين معجمة فثاء مثلثة ساكنة، فنون، هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال لأنهم أشد لقبضتهم، ويذم في النساء.(1/243)
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. فَذَكَرَ مَعْنَى مَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ ابن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ- أَوْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ- كَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ- قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبِيهًا بِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْعَتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قَالَ:
كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ، بَعِيدًا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَهْدَبَ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ [ (616) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طويل المسربة [ (617) ] .
__________
[ (616) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 328، 448) وشبح الذراعين: عريض الذراعين.
[ (617) ] الكراديس: رؤوس العظام، والمسربة: خيط الشعر الذي بين الصدر والسرة.(1/244)
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
وَصَفَ لَنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ.
قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ. قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟
قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنَيْنِ. قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (618) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو ابن الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ:
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا، لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، ببغداد، قال: أخبرنا
__________
[ (618) ] تقدم تخريجه بالهامش (557) .(1/245)
أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ- وَهُوَ ابْنُ ضَبَّةَ- قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ، قَالَتْ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الْكُتَّابِ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَمَا نَسِيتُ طُولَ إِصْبَعِ قَدَمِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ [ (619) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ، ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَخَرَجَ بِلَالٌ فَنَادَى بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ.
__________
[ (619) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 366) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8:
280) وعزاه للطبراني، وقال: «فيه من لم أعرفهم» .(1/246)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ [ (620) ] .
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ. مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ القرّاء، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
يَعْنِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ [ (621) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عيّاد بن القوام، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا، وَكَانَ في ساقيه حموشة،
__________
[ (620) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (3566) ، فتح الباري (6: 567) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ، وأخرجه مسلم في: 4- كتاب الصلاة (47) باب سترة المصلي، حديث (250) ، ص (1: 360) ، (العنزة) :
الحربة.
[ (621) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 9- كتاب صلاة الاستسقاء (1) باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (7) ، صفحة (612) ، والإمام أحمد في «مسنده» (4: 193) .
وأخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (3565) ، فتح الباري (6: 567) مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أنس.(1/247)
وكُنْتُ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ [ (622) ] .
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ حَفْصٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
كَانَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، خِنْصَرَةٌ مِنْ رِجْلَيْهِ مُتَظَاهِرَةٌ [ (623) ] .
* أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شُرَيْحٍ، صَاحِبُ الْخُلْقَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ:
انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي رُؤْيَتِهِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجَبْهَةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ، وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ، وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ، فَدَنَا مِنِّي، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ [ (624) ] .
__________
[ (622) ] أخرجه الترمذي في: 50- كتاب المناقب (12) باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثَ (3645) ، صفحة (5: 603) ، وقال أبو عيسى: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه صحيح» ، والحديث من طريق: أحمد بن منيع، عن عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ الحجاج بن أرطاة، عن سماك ابن حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، كما أخرجه الترمذي (أيضا) في الشمائل.
[ (623) ] حديث غريب، قاله ابن كثير في البداية والنهاية (6: 23) .
[ (624) ] قال الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد (2: 103) :
وصف أنس وغيره كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بالليونة، وهو مخالف لوصف هند له بالشثن وهو الغلظ مع الخشونة كما قال الأصمعي.(1/248)
__________
[ () ] قال الحافظ رحمه الله تعالى: والجمع بينهما: أن المراد بالّلين في الجلد والغلظ في العظام، فيجتمع له نعومة البدن وقوّته.
قال ابن بطّال رحمه الله تعالى: كانت كفه صلّى الله عليه وسلّم ممتلئة لحما غير أنها مع ضخامتها كانت ليّنة كما في حديث المستورد. وأما قول الأصمعي: الشثن غلظ الكف مع خشونة فلم يوافق على تفسيره بالخشونة، والذي فسّر به الخليل أولى. وعلى تسليم ما فسّر به الأصمعي يحتمل أن يكون وصف كف النبي صلّى الله عليه وسلّم، فكان إذا عمل في الجهاد أو مهنة أهله صار كفّه خشنا للعارض المذكور، وإذا ترك ذلك رجع إلى أصل جبلّته من النعومة.
وقال القاضي، فسّر أبو عبيد الشثن بالغلظ مع القصر وتعقّب بأنه ثبت في وصفه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان سائل الأطراف. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: ويؤيد كون كفه صلّى الله عليه وسلّم ليّنا قوله في رواية النعمان: كان سبط الكفين بتقديم المهملة على الموحّدة فإنه موافق لوصفها باللين.
والتحقيق في الشّثن أنه غلظ من غير قصر ولا خشونة.(1/249)
بَابُ صِفَةِ قَامَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [ (625) ] ، عَنِ اللَّيْثِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ.
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، ولا بالقصير.
__________
[ (625) ] هو جزء من حديث مضى تخريجه برقم (520) .(1/250)
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ. مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابن مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِ إِسْنَادِهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ [ (626) ] .
* حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (627) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
وَصَفَ لَنَا «عَلِيٌّ» النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرٌ وَلَا طويل. قال
__________
[ (626) ] مضى تخريجه في (502) .
[ (627) ] أخرجه الترمذي في: 50- كتاب المناقب (8) بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، حديث (3637) من حَدِيثُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مطعم، عن الإمام علي بن أبي طالب، ص (5:
598) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 96) بهذا الإسناد أيضا.(1/251)
فِيهِ: وَكَانَ يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي مِنْ صَبَبٍ [ (628) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرٌ وَلَا طَوِيلٌ، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ. قَالَ: وَكَانَ شَثْنَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ. قَالَ: وَكَانَ فِي صَدْرِهِ مَسْرُبَةٌ. قَالَ: وَكَانَ عَرَقُهُ لُؤْلُؤًا. إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ [ (629) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ [بْنُ مَنْصُورٍ] قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ:
أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا، وَفَوْقَ الرَّبْعَةِ، إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ.
قَالَ: وَكَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، كَأَنَّ الْعَرَقَ فِي وَجْهِهِ اللُّؤْلُؤُ [ (630) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
__________
[ (628) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 190، 256) مطولا.
[ (629) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» مطولا ومختصرا في: (1: 89، 101، 116، 117، 127، 134) .
[ (630) ] مسند أحمد (2: 324) ، مجمع الزوائد (8: 272) .(1/252)
الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ ابن مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَانَ رَجُلًا رَبْعَةً، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ. قَالَ فِيهِ: وَكَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا، وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.(1/253)
بَابُ طِيبِ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَبُرُودَةِ يَدِهِ وَلِينِهَا فِي يَدِ مَنْ مَسَّهَا، وَصِفَةِ عَرَقِهِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ، هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
مَا مَسَسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (631) ] ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
__________
[ (631) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عن حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، فتح الباري (6: 566) .
وأخرجه مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عن جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وعن زهير بن حرب- واللفظ له- عن هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عن ثابت، قَالَ أَنَسٌ: مَا شَمَمْتُ عنبرا قط ولا مسكا ولا شيئا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا مَسَسْتُ شَيْئًا قط: ديباجا ولا حريرا ألين مسا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم» صحيح مسلم: 43- كتاب الفضائل، حديث (81) ، ص (1814- 1815) .
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 107، 200) ، ومواضع أخرى غيرها.(1/254)
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَحُسَيْنُ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ- وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِهِ هَذَا- قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ ابن هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ:
قَالَ أَنَسٌ: مَا شَمَمْتُ شَيْئًا قَطُّ: مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ: حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (632) ] ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، وَزُهَيْرٍ، عَنْ هَاشِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ بِخُسْرَوْجِرْدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَبُو سَلَمَةَ، وَالْعَيْشِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَمَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.
__________
[ (632) ] مضى تخريجه ضمن الحديث السابق.(1/255)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ [ (633) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْقَنَّادُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ: المظفّر بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ دُحَيْمٍ، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ- يَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ الْقَنَّادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي. قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا وَرِيحًا، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ.
لَفْظُ حَدِيثِ الْعَلَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (634) ] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحُرْفِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، قال: سمعت جابر ابن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمِنًى، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَاوِلْنِي
__________
[ (633) ] في كتاب الفضائل صفحة (1815) .
[ (634) ] أخرجه مسلم فِي 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (21) بَابُ طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلّم، حديث (80) ، صفحة (1814) .
(جؤنة العطار) : مهموزة، وقد يترك همزها، قال الجوهري: «هي بالواو وقد تهمز» . وهي السّفط الذي فيه متاع العطار. هكذا فسره الجمهور، وقال الخليل بن أحمد: هي سليلة مستديرة مغشاة أدما.(1/256)
يَدَكَ، فَنَاوَلَنِيهَا، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَهْلِي، عَنْ أَبِي قَالَ:
أُتِيَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، ثُمَّ صَبَّ فِي الْبِئْرِ- أَوْ قَالَ: شَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الْبِئْرِ- فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رَائِحَةِ الْمِسْكِ [ (635) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ ضَبَّةَ، أَخْبَرَهُمْ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ، قَالَتْ:
كُنْتُ رَدِيفَةَ أَبِي، فَلَقِيَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَقَبَضْتُ عَلَى رِجْلِهِ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَبْرَدَ مِنْهَا.
كَذَا فِي كِتَابِي. قَالَتْ. فَقَبَضْتُ وَأَنَا أَظُنُّهُ. قَالَ: تَعْنِي أَبَاهَا، فَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ [ (636) ] . وَاللهُ أَعْلَمُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ [ (637) ] عِنْدَنَا فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بقارورة
__________
[ (635) ] بإسناد المصنف هو في مسند أحمد (4: 315) ، وأخرجه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة (136) باب المج في الإناء، ح (659) عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أبيه دون ذكر أهله، وقال في الزوائد: «إسناده منقطع لأن عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئا، قاله ابن معين وغيره» .
[ (636) ] الحديث أخرجه أبو داود في كتاب النكاح (باب) في تزويج من لم يولد، ح (2103) ، ص (2: 233- 234) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 366) .
[ (637) ] أي نام وقت القيلولة.(1/257)
فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقٌ نَجْعَلُهُ لِطِيبِنَا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (638) ] ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ.
* وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْتِيهَا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا فَتَبْسُطُ لَهُ نِطَعًا فَيَقِيلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: عَرَقُكَ أَدُوفُ [ (639) ] بِهِ طِيبِي.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (640) ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة.
__________
[ (638) ] أخرجه مسلّم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (22) بَابُ طيب عرق النبي صلى الله عليه وسلّم، والتبرك به، ح (83) ، ص (1815) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 177، 290) .
[ (639) ] (أدوف) : بالدال المهملة وبالمعجمة، والأكثرون على المهملة، ومعناه: أخلط.
[ (640) ] أخرجه مسلّم في: 43- كتاب الفضائل، حديث (85) ، ص (1816) ، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 146، 239، 287) .
(فائدة) : قال إسحق بن راهويه: «إن هذه الرائحة كانت رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من غير طيب» .
وقال النووي: «وهذا مما أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ» .
قالوا: وكانت الريح الطيبة صِفَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وإن لم يمسّ طيبا، ومع هذا كان يستعمل الطيب في أكثر أوقاته مبالغة في طيب رحيه لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي، ومجالسة المسلمين.
وقال أنس: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أسري به ريحه ريح عروس، وأطيب من ريح عروس.(1/258)
بَابُ صِفَةِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُوَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ:
ذَهَبَتْ بِيَ خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ [ (641) ] بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زرّ الحجلة [ (642) ] .
__________
[ (641) ] في البخاري: «فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كتفيه» .
[ (642) ] قوله: مثل زرّ الحجلة: بكسر الزاي، وتشديد الراء، والحجلة: بفتح الحاء والجيم وهي الطير التي تسمى: القبجة، وتسمى الأنثى: الحجلة، وزرها: بيضها ويؤيد هذا حديث آخر جاء فيه: «مثل بيضة الحمامة» ، وقيل: قبة لها أزرار كبار وعرى.
وقد اختلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى: [وجاءت فيه روايات كثيرة ففي رواية مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «ورأيت الخاتم عِنْدَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ» .
وفي رواية أحمد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بن سرجس «ورأيت خاتم النبوة في نغض كتفه اليسرى كأنه جمع فيه خيلان سود كأنها الثآليل» .
وفي رواية أحمد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي رمثة التيمي قَالَ «خَرَجْتُ مَعَ أَبِي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم(1/259)
__________
[ () ] فرأيت برأسه ردع حناء ورأيت على كتفه مثل التفاحة فقال أبي أنى طبيب ألا أبطها لك قال طبيبها الذي خلقها» وفي صحيح الحاكم «شعر مجتمع» وفي كتاب البيهقي «مثل السلعة» وفي الشمائل «بضعة ناشزة» .
وفي حديث عمرو بن أخطب «كشيء يختم به» .
وفي تاريخ ابن عساكر «مثل البندقة» .
وفي الترمذي «كالتفاحة» .
وفي الروض كاثم المحجم الغائص على اللحم.
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة شامة خضراء محتفرة في اللحم.
وفيه أيضا شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس.
وفي تاريخ القضاعي ثلاث مجتمعات.
وفي كتاب المولد لابن عابد كان نورا يتلألأ.
وفي سيرة ابن أبي عاصم عذرة كعذرة الحمامة قال أبو أيوب يعني فرطمة الحمامة وفي تاريخ نيسابور مثل البندقة من لحم مكتوب فيه باللحم (محمد رسول الله) .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها كتينة صغيرة تضرب إلى الدهمة وكانت مما يلي القفا قالت فلمسته حين توفي فوجدته قد رفع وقيل كركبة العنز أسنده أبو عمر عن عباد بن عمرو وذكر الحافظ ابن دحية في كتابه التنوير كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله عليه الصلاة والسلام كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها (الله وحده) وفي ظاهرها (توجه حيث شئت فإنك منصور) ثم قال هذا حديث غريب استنكره قال وقيل كان من نور فإن قلت هل كان خاتم النبوة بعد ميلاده أو ولد وهو معه قلت قيل ولد وهو معه.
وعن ابن عائد في مغازيه بسنده إلى شداد بن أوس فذكر حديث الرضاع وشق الصدر وفيه وأقبل الثالث يعني الملك وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ووجد برده زمانا.
وفي الدلائل لأبي نعيم أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ولد ذكرت أمه أن الملك غمسه في الماء الذي انبعه ثلاث غمسات ثم أخرج صرة من حرير أبيض فإذا فيها خاتم فضرب على كتفيه كالبيضة المكنونة تضيء كالزهرة فإن قلت أين كان موضعه قلت قد روي أنه بين كتفيه وقيل كان على نغض كتفه اليسرى لأنه يقال إنه الموضع الذي يدخل منه الشيطان إلى باطن الإنسان فكان هذا عصمة له عليه الصلاة والسلام من الشيطان.
وذكر أبو عمران ميمون بن مهران ذكر عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان منه فرأى جسده ممهي يرى داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه حذاء قلبه له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه(1/260)
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ ابن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بن سعيد [ (643) ] .
__________
[ () ] يوسوس اليه فإذا ذكر الله تعالى العبد خنس ثم الحكمة في الخاتم على وجه الاعتبار أن قلبه عليه الصلاة والسلام لما ملئ حكمة وايمانا كما في الصحيح ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا فلم يجد عدوه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم لأن الشيء المختوم محروس وكذا تدبير الله عز وجل في هذه الدنيا إذا وجد الشيء بختمه زال الشك وانقطع الخصام فيما بين الآدميين فلذلك ختم رب العالمين في قلبه ختما تطامن له القلب وبقي النور فيه ونفذت قوة القلب الى الصلب فظهرت بين الكتفين كالبيضة ومن أجل ذلك برز بالصدق على أهل الموقف فصارت له الشفاعة من بين الرسل بالمقام المحمود لأن ثناء الصدق هو الذي استحقه إذ خصه ربه بما لم يخص به أحدا غيره من الأنبياء وغيرهم يحققه قول الله العظيم: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال أبو سعيد الخدري وقد صدق هو محمد عليه السلام شفيعكم يوم القيامة وكذا قال الحسن وقتادة وزيد بن أسلم وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما ذكره مسلم من حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وأخرت الثالثة ليوم ترغب إلي فيه الخلق كلهم حتى ابراهيم عليه الصلاة والسلام وقال القاضي عياض هذا الخاتم هو أثر شق الملكين بين كتفيه وقال النووي هذا باطل لأن شق الملكين إنما كان في صدره] .
[ (643) ] الحديث أخرجه البخاري في: 4- كتاب الوضوء، (40) باب استعمال فضل وضوء الناس، حديث (190) ، فتح الباري (1: 296) ، وأخرجه (أيضا) في: 61- كتاب المناقب (22) باب خاتم النبوة، فتح الباري (6: 561) ، وفي: 75- كتاب المرضى، (17) باب قول المريض: قوموا عني، فتح الباري (10: 127) ، وفي: 80- كتاب الدعوات (31) باب الدعاء للصبيان بالبركة، ومسح رؤوسهم، فتح الباري (11: 150) .
وأخرجه مسلم في: 43- كتاب الفضائل: (30) باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلّى الله عليه وسلّم، حديث (30) ، ص (1823) .
وأخرجه الترمذي في: 50- كتاب المناقب (11) باب في خاتم النبوة، ح (3643) ، ص (5: 602) .(1/261)
هَكَذَا الْمَعْرُوفُ زِرُّ الْحَجَلَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنِ حاتم: زرّ الْحَجَلَةِ. الرَّاءُ قَبْلَ الزَّايِ.
وَحَكَى «أَبُو سُلَيْمَانَ» عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ رِزَّ الْحَجَلَةِ: بَيْضُ الْحَجَلِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو منصور: المظفر [ (644) ] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ الْعَلَوِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سماك: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: وَجْهُهُ مُسْتَدِيرًا مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ [بْنُ مُوسَى] وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ عِنْدَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ تُشْبِهُ [ (645) ] جَسَدَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ موسى [ (646) ] .
* وأخبرنا أبو منصور: المظفر بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ
__________
[ (644) ] في (ح) و (ص) : «الظفر» .
[ (645) ] في (ص) : يشبه.
[ (646) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 43- كتاب الفضائل (29) باب شيبه صلى الله عليه وسلم، حديث (109) ، ص (1823) ، وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في خاتم النبوة مختصرا، ح (3644) ، ص (5: 602) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 226) ، (5: 90، 95، 98، 104، 107) .(1/262)
دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حسن ابن صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ الْخَاتَمَ الَّذِي فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَّامِ [ (647) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (648) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ: هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا- أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا- قَالَ:
فَقُلْتُ [ (649) ] : يَا رَسُولَ اللهِ، غَفَرَ اللهُ لَكَ، قَالَ: وَلَكَ، فَقُلْتُ: اسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكُمْ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (650) ] قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جَمْعًا، عَلَيْهِ خيلان كأمثال الثّآليل.
__________
[ (647) ] في (ص) : «الحمامة» .
[ (648) ] صحيح مسلم صفحة (1823) ، حديث رقم (110) .
[ (649) ] في (ص) : «قلت» .
[ (650) ] الآية الكريمة (19) من سورة محمد صلى الله عليه وسلّم.(1/263)
لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (651) ] ، عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيِّ، وَعَنْ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ حَمَّادٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: حدثنا عاصم الأحوال، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَرْجِسَ، يَقُولُ:
تَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ- يَعْنِي نَفْسَهُ- رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ، وَرَأَيْتُ الْعَلَامَةَ الَّتِي فِيهِ وَهِيَ إِلَى أَصْلِ نُغْضِ كَتِفِهِ، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَهَيْئَةِ الثَّآلِيلِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ. فَقَالَ:
أَدْخِلْ يَدَكَ، فَأَدْخَلْتُ يَدِيَ فِي جُرُبَّانِهِ، فَجَعَلْتُ أَلْمَسُ أَنْظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلَ الْبَيْضَةِ. فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ يَدْعُو لِي وَإِنَّ يَدِيَ لَفِي جُرُبَّانِهِ [ (652) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. فَذَكَرَهُ بإسناده ومعناه،
__________
[ (651) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (30) بَابُ خاتم النبوة، حديث (112) ، (1824) ، والإمام أحمد في «مسنده» (5: 82، 83) .
[ (652) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 434) .(1/264)
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ السِّلْعَةِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ [ (653) ] ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كَأَطَبِّ الرِّجَالِ، أَفَأُعَالِجُهَا لَكَ؟ قَالَ: لَا، طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا [ (654) ] .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِذَا خَلْفَ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ.
وَقَالَ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ: فَإِذَا فِي نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ بَعْرَةِ الْبَعِيرِ أَوْ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَتَّابٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: الْخَتْمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَحْمَةٌ نَاتِئَةٌ.
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (655) ] أحمد بن عبيد
__________
[ (653) ] في (ص) : «إلى نحو النبي» .
[ (654) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 227، 229) ، (3: 435) ، (5: 35) .
[ (655) ] في (ح) : «قالا حدثنا» .(1/265)
الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ، وقَالَ: يَا سَلْمَانُ! انْظُرْ إِلَى مَا أُمِرْتُ بِهِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ، رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ الله، صلى الله عليه وسلّم بمحص، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ، أَوْ قَرِيبًا، فَقُلْتُ: أَلَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: بَلَى، قَدِمَ رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبُوكَ، فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِ هِرَقْلَ حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبٍ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا أَخَا تَنُوخَ.
فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي حَتَّى كُنْتُ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَا هُنَا، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ. فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْمِحْجَمَةِ الضَّخْمَةِ [ (656) ] .
* أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أُمِّ بَكْرٍ- وَهِيَ عَمَّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ: بِنْتُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ:
__________
[ (656) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 441- 442) .(1/266)
مَرَّ بِي يَهُودِيٌّ وَأَنَا قَائِمٌ خَلْفَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: ارْفَعْ ثَوْبَهُ عَنْ ظَهْرِهِ. فَذَهَبْتُ أَرْفَعُهُ، فَنَضَحَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ [ (657) ] .
قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ بِصِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
__________
[ (657) ] مسند أحمد (4: 323) .(1/267)
بَابُ جَامِعِ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: فِي حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ: عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
* (ح) [ (658) ] وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَوْذَبٍ المقري الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ-[كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ]-[ (659) ] قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَكَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى يَمْشِي قَلْعًا، كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قبله ولا
__________
[ (658) ] حرف التحويل ناقص في (ح) و (هـ) وأثبتّه من (ص) .
[ (659) ] الزيادة من (ص) .(1/268)
بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (660) ] .
* وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُرْمُزَ [ (661) ] ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
فَذَكَرَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ.
اخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي «عُثْمَانَ» كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ: فَبَعْضُهُمْ قَالَ: ابْنُ مُسْلِمٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِنِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ- مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ- قَالَ:
كَانَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ. كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ. وكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ
__________
[ (660) ] مضى تخريجه بالهامش (557) .
[ (661) ] له ترجمة في «التاريخ الكبير» (3: 2: 250) ، وثقات ابن حبان (7: 198) ، والتهذيب (7: 153) .(1/269)
الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِفِ- أَوْ قَالَ: الْكَتَدِ- أَجْرَدُ، ذَا مَسْرُبَةٍ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا. بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ. أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النَّاسِ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صلى الله عليه وسلم [ (662) ] .
زاد المقري [ (663) ] فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ: وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ.
قَالَ: وَأَرْحَبُ النَّاسِ صَدْرًا.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ إِذَا نَعَتَهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، لَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ ولا بالمكلثم، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا. لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلَا الْجَعْدِ الْقَطَطِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِيهِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ عُمَرَ، مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ:
كَانَ عَلِيٌّ إِذَا نَعَتَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: «كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ،
__________
[ (662) ] غريب، ليس اسناده بمتصل، قاله الترمذي (5: 599) .
[ (663) ] في (ص) : «المنقري» .(1/270)
لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «كَانَ فِي عَيْنَيْهِ شُكْلَةٌ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ، وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ»
يَقُولُ: لَيْسَ بِالْبَائِنِ الطَّوِيلِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. يَعْنِي قَدْ تَرَدَّدَ خَلْقُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهُوَ مُجْتَمِعٌ. لَيْسَ بِسَبْطِ الْخَلْقِ. يَقُولُ: فَلَيْسَ هُوَ كَذَاكَ وَلَكِنْ رَبْعَةً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَهَكَذَا صِفَتُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِنَّهُ كَانَ ضَرْبَ اللَّحْمِ، بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ» .
وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالْمُطَهَّمِ»
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّامُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ.
وَقَالَ: غَيْرُ الْأَصْمَعِيِّ: الْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ. يَقُولُ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ مَسْنُونٌ.
وَقَوْلُهُ «مُشْرَبٌ»
يَعْنِي: الَّذِي أُشْرِبَ حُمْرَةً.
وَالْأَدْعَجُ الْعَيْنِ:
الشَّدِيدُ سَوَّادِ الْعَيْنَيْنِ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الدَّعْجَةُ هِيَ:
السَّوَادُ.
قَالَ:
وَالْجَلِيلُ الْمُشَاشِ:
الْعَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: الْكَتَدُ:
هُوَ الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنْ جَسَدِهِ.
وَقَوْلُهُ: شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ:
يَعْنِي أَنَّهَا إِلَى الْغِلَظِ.
وَقَوْلُهُ: «إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ»
الصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ،(1/271)
وَجَمْعُهُ أَصْبَابٌ.
وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بالسبط ولا الجعد القطط»
وَالْقَطَطُ: الشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ مِثْلُ أَشْعَارِ الْحَبَشِ. وَالسَّبْطُ: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَكَسُّرٌ. يَقُولُ فَهُوَ جَعْدٌ رَجِلٌ.
وَقَوْلُهُ: «كَانَ أَزْهَرَ» الْأَزْهَرُ: الْأَبْيَضُ النَّيِّرُ الْبَيَاضِ، الَّذِي [ (664) ] لَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ.
وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالْأَمْهَقِ: وَالْأَمْهَقُ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُمْرَةِ، وَلَيْسَ بِنَيِّرٍ وَلَكِنْ كَلَوْنِ الْجِصِّ أَوْ نَحْوِهِ. يَقُولُ: فَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: «فِي عَيْنَيْهِ شُكْلَةٌ» فَالشُّكْلَةُ: كَهَيْئَةِ الْحُمْرَةِ تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ. وَالشُّهْلَةُ غَيْرُ الشُّكْلَةِ، وَهِيَ: حُمْرَةٌ فِي سَوَّادِ الْعَيْنِ.
وَالْمُرْهَةُ: الْبَيَاضُ الذي [ (665) ] لا يخلطه غَيْرُهُ.
وَقَوْلُهُ: «أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ» يَعْنِي طَوِيلَ الْأَشْفَارِ.
وَقَوْلُهُ: «شَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ» يَعْنِي: عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ عَرِيضُهُمَا.
وَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدِقُّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ إِلَى السُّرَّةِ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن علي المقري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ، يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْمُمَّغِطُ: الذَّاهِبُ طُولًا، وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ فِي كَلَامِهِ: تَمَغَّطَ فِي نُشَّابَتِهِ، أَيْ مَدَّهَا مَدًّا شَدِيدًا. الْمُتَرَدِّدُ: الدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ قِصَرًا.
__________
[ (664) ] ليست في (ص) .
[ (665) ] ليست في (ص) .(1/272)
وَأَمَّا الْقَطَطُ: فَالشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ، وَالرَّجِلُ: الَّذِي فِي شَعْرِهِ حُجُونَةٌ أَيْ تَثَنٍّ [ (666) ] قَلِيلًا.
وَأَمَّا الْمُطَهَّمُ: فَالْبَادِنُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ.
وَالْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ. وَالْمُشْرَبُ: الَّذِي فِي بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ.
وَالْأَدْعَجُ: الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ.
وَالْأَهْدَبُ: الطَّوِيلُ الْأَشْفَارِ.
وَالْكَتَدُ: مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ، وَهُوَ الْكَاهِلُ.
وَالْمَسْرُبَةُ: هُوَ الشَّعْرُ الدَّقِيقُ الَّذِي هُوَ كَأَنَّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ.
وَالشَّثْنُ: الْغَلِيظُ الْأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.
وَالتَّقَلُّعُ: أَنْ يَمْشِيَ بِقُوَّةٍ.
وَالصَّبَبُ: الْحُدُورُ، وَتَقُولُ: انْحَدَرْنَا فِي صَبُوبٍ وَصَبَبٍ.
وَقَوْلُهُ: جَلِيلُ المشاش: يريد رؤوس الْمَنَاكِبِ.
وَالْعِشْرَةُ: الصُّحْبَةُ. وَالْعَشِيرُ: الصاحب.
والبديهة: المفاجأة، يقال: بَدَهْتُهُ بِأَمْرٍ فَجَأْتُهُ» .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شوذب المقري، الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيًّا، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ نَعْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
__________
[ (666) ] في (ص) : «أي شيئا قليلا» .(1/273)
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: أَبْيَضَ اللَّوْنِ، مُشْرَبٌ حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، سَبْطُ الشَّعْرِ، ذُو وَفْرَةٍ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ. مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ يَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ. شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا. كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ. وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَلَا الْعَاجِزِ وَلَا اللَّئِيمِ. لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (667) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ! قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بِالْآدَمِ وَلَا الْأَبْيَضِ، شَدِيدُ الْبَيَاضِ، فَوْقَ الرَّبْعَةِ وَدُونَ الطَّوِيلِ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ رَأَيْتُهُ [ (668) ] مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى [ (669) ] ، وَأَطْيَبِهِ رِيحًا، وَأَلْيَنِهِ كَفًّا، لَيْسَ بِالْجَعْدِ الشَّدِيدِ الْجُعُودَةِ، وَكَانَ يُرْسِلُ شَعْرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنِهِ [ (670) ] ، وَكَانَ يَتَوَكَّأُ إِذَا مَشَى [ (671) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهري، قال:
__________
[ (667) ] تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 316) .
[ (668) ] في (ص) : «رأيت» .
[ (669) ] ليست في (ص) .
[ (670) ] في (ص) : «أذنيه» .
[ (671) ] تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 320) .(1/274)
سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَسِيلَ الْجَبِينِ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ أَهْدَبَ، إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا. لَيْسَ أَخْمَصَ. إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ. لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ [صَلَّى اللهُ عليه وسلم] [ (672) ] .
__________
[ (672) ] الزيادة من (ص) ، والخبر في تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 319) .(1/275)
بَابُ [ (1) ] حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ [ (2) ] فِي صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، مِنْ أصل
__________
[ (1) ] كلمة «باب» : سقطت من (ح) و (ص) .
[ (2) ] حديث أم معبد: رواه الطبراني، والحاكم في «المستدرك» (3: 10) مطولا، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ويستدل على صحته، وصدق رواته بدلائل:
(فمنها) نزول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بالخيمتين متواتر في أخبار صحيحة ذوات عدد.
(ومنها) : أن الذين ساقوا الحديث على وجهه أهل الخيمتين من الأعاريب الذين لا يتهمون بوضع الحديث، والزيادة والنقصان، وقد أخذوه لفظا بعد لفظ عن أبي معبد وأم معبد.
(ومنها) أن له أسانيد كالأخذ باليد أخذ الولد عن أبيه، والأب عن جده، لا إرسال، ولا وهن في الرواة.
(ومنها) أن الحر بن الصباح النخعي أخذه عن أبي معبد، كما أخذه ولده عنه، فأما الإسناد الذي رويناه بسياقة الحديث عن الكعبيّين فإنه إسناد صحيح عال للعرب الأعاربة، وقد علونا في حديث الحر بن الصباح» . أ. هـ.
وقال الذهبي: «ما في هذه الطرق شيء على شرط الصحيح» .
كما أخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» صفحة (283- 287) ، وأبو بكر الشافعي عن حبيش بن خالد الأشعر الخزاعي القديدي أخي أم معبد- رضي الله عنهما-.
وأخرجه ابن سعد (1: 1: 230) عن أبي معبد، وابن السّكن عن أم معبد.
والقصة في السيرة لابن هشام (2: 100) ، وشرحها الروض الأنف للسهيلي (2: 7- 8)(1/276)
كِتَابِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ ابن ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْخُزَاعِيُّ الْكَعْبِيُّ، بِقُدَيْدٍ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ جَدِّي أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامٍ، عَنْ جَدِّهِ: حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ.
(ح) وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن مطرف، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الحكم ابن أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْخُزَاعِيُّ، بِقُدَيْدٍ، يُعْرَفُ بِأَبِي عَبْدِ الله ابن أَبِي هِشَامٍ الْقَافَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي: أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: هِشَامٍ، عَنْ جَدِّهِ:
حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ، يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ محرز ابن مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: مُحْرِزُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ
__________
[ () ] وتهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر (1: 326) ، والاستيعاب لابن عبد البر (2: 796- 797) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (2: 227) ، وعيون الأثر (1: 227) ، والبداية والنهاية (3: 191) ، والإصابة لابن حجر (8: 281) ، وسجلها حسان بن ثابت شعرا وهي في ديوانه (82/ 89) .
وسجلها من الشعراء المحدثين الشاعر أحمد محرم في ديوان مجد الإسلام صفحة (14) فقال:
ما حديث لأمّ معبد تستس ... - قيه ظمأى النفوس عذبا نميرا؟
سائل الشّاة كيف درّت وكانت ... كزّة الضّرع لا ترجّى الدّرورا
بركات السّمح المؤمّل يقري ... أمم الأرض زائرا أو مزورا
مظهر الحق للنبوّة سبحا ... نك ربّا فرد الجلال قديرا(1/277)
حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ، يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ بِنْتِ خَالِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْأُرَيْقَطِ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ- وَكَانَتْ بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثَمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ فَسَأَلُوهَا لَحْمًا، وَتَمْرًا، لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ. فَقَالَتْ: وَاللهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزْنَاكُمْ نَحْرَهَا. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ: أَبِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ:
أَتَأْذَنِينَ لِيَ أَنْ أَحْلِبَهَا. قالت: بأبي [ (3) ] وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلِبْهَا. فَدَعَا بِهَا رسول الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ [ (4) ] .
وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ بَايَعَهَا، وَارْتَحَلَ [ (5) ] عَنْهَا. فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ حتى جَاءَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يتساوكن [ (6) ] هزلا ضحا، مخّهنّ قليل.
__________
[ (3) ] في (ص) : بأبي أنت وأمي.
[ (4) ] في (ص) : «اجتزت» .
[ (5) ] في (ح) و (هـ) : «ارتحلوا» .
[ (6) ] (التّساوك) : السّير الضّعيف، وقيل: رداءة المشي من إبطاء أو عجف، قال كعب بن زهير:
حرف توارثها السّفار فجسمها ... عار تساوك والفؤاد خطيف
وقال الأزهري: «تقول العرب: جاءت الغنم هزلى تساوك، أي تتمايل من الهزال والضّعف في مشيها.
وفي (ص) : «تشاركن هزلا» أي عمّهن الهزال.(1/278)
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ [ (7) ] ضُحًّا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ، وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟
فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ:
صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ. قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ [ (8) ] صَعْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ- وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى: وَسِيمًا قَسِيمًا- فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ غَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ. إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ. حُلْوُ الْمِنْطِقِ، فصل، لا نزر ولا هزر. كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ ينحدرن. ربعة لَا يَأْسَ [ (9) ] مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ [ (10) ] عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنًا بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ [ (11) ]- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا. فَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وهو يقول:
جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خير جزائه ... رَفِيقَيْنِ قَالَا [ (12) ] خَيْمَتَيْ أُمِّ معبد
__________
[ (7) ] في (ص) : يزيد.
[ (8) ] في (ح) : «تزديه» .
[ (9) ] في (ح) : «لا بائن» .
[ (10) ] في (ص) : «لا تقتحه» .
[ (11) ] في (ص) : «معتد» .
[ (12) ] قالا: من القيلولة، وهو منتصف النهار.(1/279)
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ [ (13) ] ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى الله عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا تُجَارَى وَسُؤْدُدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ
فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا بِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، شَاعِرُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، شَبَّبَ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ، وَهُوَ يقول:
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيَّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي [ (14) ]
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَرْشُدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتد
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ ... رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ
نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَا الْغَدِ
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ. مَنْ يُسْعِدِ اللهُ يَسْعَدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو نَصْرٍ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ مطرف:
قال أبو جعفر بن محمد بن موسى: سألت مُكْرَمًا عَنِ اسْمِ أُمِّ مَعْبَدٍ؟ فَقَالَ:
اسْمُهَا: عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدٍ. وَكُنْيَتُهَا: أُمُّ مَعْبَدٍ، وَأَبُو مَعْبَدٍ اسْمُهُ: أكثم بن أبي
__________
[ (13) ] في (ص) : «بهم» .
[ (14) ] في (ص) : «يقتدي» .(1/280)
الْجَوْنِ، وَيُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْعُزَّى.
* وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَالِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، جَمِيعًا عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ بِنُقْصَانِ بَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ حَسَّانَ فِي آخِرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، عَنْ مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ، دُونَ الْأَشْعَارِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي:
مُحْرِزُ بْنُ الْمَهْدِيِّ. فذكره.
* وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ (ح) قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْرَقِيُّ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْإِمَامُ، (ح) ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: ثُمَّ سَمِعْتُ الشَّيْخَ الصَّالِحَ: أَبَا بَكْرٍ: أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ، عَنْ آبَائِهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. فَقُلْتُ لِشَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ: سَمِعَهُ الشَّيْخُ مِنْ مُكْرَمٍ؟ فقال: إي وَاللهِ، حَجَّ بِي أَبِي وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. فَأَدْخَلَنِي عَلَى مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ.
وَبَلَغَنِي عَنْ «أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُتَيْبِيِّ» - رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ مَا عَسَى(1/281)
يُشْكِلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ:
قَوْلُهُ: «بَرْزَةً» يُرِيدُ أَنَّهَا خَلَا لَهَا سِنٌّ [ (15) ] فَهِيَ تَبْرُزُ، لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ الْمَحْجُوبَةِ [ (16) ] .
وَقَوْلُهُ: «مُرْمِلِينَ» يُرِيدُ قَدْ نَفِدَ زَادُهُمْ [ (17) ] .
وَقَوْلُهُ: «مُشْتِينَ» يُرِيدُ دَاخِلِينَ فِي الشِّتَاءِ. وَيُرْوَى: «مُسْنِتِينَ» أَيْ دَاخِلِينَ فِي السَّنَةِ، وَهِيَ: الْجَدْبُ وَالْمَجَاعَةُ.
وَقَوْلُهُ: «كِسْرُ الْخَيْمَةِ» يُرِيدُ جَانِبًا مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ: «فَتَفَاجَّتْ» يُرِيدُ فَتَحَتْ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا لِلْحَلْبِ.
وَقَوْلُهُ: «دَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ» أَيْ يَرْوِيهِمْ حَتَّى يُثْقَلُوا فَيُرْبَضُوا.
وَالرَّهْطُ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: «ثَجًّا» يُرِيدُ سَيْلًا.
وَقَوْلُهُ: «حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ» يُرِيدُ عَلَا الْإِنَاءَ بَهَاءُ اللَّبَنِ، وَهُوَ وَبِيصُ رِغْوَتِهِ.
يُرِيدُ أَنَّهُ مَلَأْهَا.
قَوْلُهُ: «فَشَرِبُوا حَتَّى أَرَاضُوا» يُرِيدُ شَرِبُوا حَتَّى رَوُوا فَنَقِعُوا بِالرِّيِّ.
وَقَوْلُهُ «تَشَارَكْنَ هزلا» [ (18) ] أَيْ عَمَّهُنَّ الْهُزَالُ، فَلَيْسَ فيهن مُنْقِيَةٌ وَلَا ذَاتُ طَرْقٍ، وهو من الاشتراك.
__________
[ (15) ] في (ص) : «شن» .
[ (16) ] امرأة «برزة» : إذا كانت كهلة لا تحجب احتجاب الشوابّ، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم، من البروز، وهو الظهور.
[ (17) ] وأصله من الرّمل كأنهم لصقوا بالرّمل، كما قيل للفقير «التّرب» .
[ (18) ] وفي المتن الذي مضى: «تساوكن هزلا» ، وراجع التعليق رقم (6) من هذا الباب.(1/282)
وَقَوْلُهُ: «وَالشَّاءُ عَازِبٌ» أَيْ بَعِيدٌ فِي الْمَرْعَى.
وَقَوْلُهَا: «ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ» :
قَالَ غَيْرُ الْقُتَيْبِيِّ: تُرِيدُ ظَاهِرَ الْجَمَالِ.
قَالَ «الْقُتَيْبِيُّ: وَقَوْلُهَا: «أَبْلَجُ الْوَجْهِ» تُرِيدُ مُشْرِقُ الْوَجْهِ مُضِيئُهُ.
وَقَوْلُهَا: «لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ» فَالنُّحْلُ: الدِّقَّةُ وَالضَّمَرُ.
وقولها: «ولم تزريه صُقْلَةٌ» . فَالصُّقْلُ: مُنْقَطَعُ الْأَضْلَاعِ. وَالصُّقْلَةُ:
الْخَاصِرَةُ. تُرِيدُ أَنَّهُ ضَرْبٌ لَيْسَ بِمُنْتَفِخٍ وَلَا نَاحِلٍ. وَيُرْوَى «لَمْ تَعِبْهُ ثجلة ولم تزريه صُعْلَةٌ» .
وَالثُّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ وَاسْتِرْخَاءُ أَسْفَلِهِ.
وَالصُّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ [ (19) ] . وَالْوَسِيمُ: الْحَسَنُ الْوَضِيءُ وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ. وَالدَّعَجُ: السَّوَادُ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ.
وَقَوْلُهَا: «فِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ» قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ الرِّيَاشِيَّ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الْعَطَفَ. وَأَحْسَبُهُ غَطَفٌ- بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً- وَهُوَ أَنْ تَطُولَ الْأَشْفَارُ ثُمَّ تَنْعَطِفُ. وَالْعَطَفُ أَيْضًا- إِنْ كَانَ هُوَ الْمَحْفُوظُ- شَبِيهٌ بِذَلِكَ، وَهُوَ انْعِطَافُ الْأَشْفَارِ. وَرُوِيَ: «وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ» وَهُوَ الطُّولُ.
وَقَوْلُهَا: «فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ» وَيُرْوَى «صَحَلٌ» أَيْ كَالْبُحَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ حَادًّا.
وَقَوْلُهَا: «فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ» أَيْ طُولٌ. «إِنْ تَكَلَّمَ سما» . تريد عَلَا بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ.
__________
[ (19) ] وهي أيضا: الدقة والنحول في البدن، وفي رواية: «لم تزر به صقلة بالقاف أي: دقة ونحول، وقيل: أرادت أنه لم يكن منتفخ الخاصرة جدا، ولا ناحلا جدا، ويروى بالسين على الإبدال من الصاد، قال أبو ذر الخشني: «الصّقلة: جلد الخاصرة» تريد: أنه ناعم الجسم، ضامر الخاصرة، وهو من الأوصاف الحسنة.(1/283)
وَقَوْلُهَا فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ: «فصل لا نزر وَلَا هَذْرٌ» تُرِيدُ أَنَّهُ وَسَطٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ.
وَقَوْلُهَا: «لَا يَأْسَ مِنْ طُولٍ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الَّذِي يُؤْيِسُ مُبَارِيَهُ عَنْ مُطَاوَلَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا، وَأَحْسَبُهُ: «لَا بائن من طُولٍ» .
وَقَوْلُهَا: «لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ» لَا تَحْتَقِرُهُ وَلَا تَزْدَرِيهِ.
مَحْفُودٌ: أَيْ مَخْدُومٌ، مَحْشُودٌ: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ حَشَدْتُ لِفُلَانٍ فِي كَذَا:
إِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ أَعْدَدْتَ لَهُ وَجَمَعْتَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَحْشُودُ: الْمَحْفُوفُ. وحشده أَصْحَابُهُ: أَطَافُوا بِهِ.
وَقَوْلُهَا: «لَا عَابِسٌ» تُرِيدُ لَا عَابِسَ الْوَجْهِ وَلَا مُعْتَدٍ مِنَ الْعَدَاءِ وَهُوَ:
الظُّلْمُ.
وَقَوْلُ الْهَاتِفِ: «فَتَحَلَّبَتْ لَهُ بِصَرِيحٍ» وَالصَّرِيحُ: الْخَالِصُ. وَالضَّرَّةُ:
لَحْمُ الضَّرْعِ. فَغَادَرَهَا رَهْنًا لديها لحالب» يُرِيدُ أَنَّهُ خَلَّفَ الشَّاةَ عِنْدَهَا مُرْتَهِنَةً بِأَنْ تَدِرَّ.(1/284)
حَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ [ (1) ] فِي صِفَةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، لَفْظًا وَقِرَاءَةً [عَلَيْهِ، وَقَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْعَقِيقِيُّ [ (3) ]- صَاحِبُ
__________
[ (1) ] هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ التميمي ربيب النبي صلى الله عليه وسلّم، أمه خَدِيجَةَ زَوَّجَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، روى عنه الحسن بن علي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، أخرجه الترمذي، والبغوي، والطبراني من طرق عن الحسن ابن علي.
قال البغوي: اسم أبي هالة زوج خديجة قبل النبي صلى الله عليه وسلّم: «النباش بن زرارة» وابنه: «هند بن النباش بن زرارة.
قتل هند مع علي يوم الجمل، وكان فصيحا بليغا، وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأحسن وأتقن. الإصابة (3: 611- 612) .
[ (2) ] ليست في (ص) .
[ (3) ] هو الحسن العلوي ( ... - 358 هـ) ابن محمد بن يحيى بن جعفر الحسيني، العلوي، البغدادي، الشيعي المعروف: بابن أخي أبي طاهر، نسابة، من آثاره: المثالب، وكتاب في النسب.
قال الذهبي: مات العلوي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ولولا أنه متهم لازدحم عليه المحدثون.
ترجمته في الميزان (1: 521) ، تاريخ بغداد (7: 421) ، إيضاح المكنون (2: 317) ، تنقيح المقال (1: 309) ، أعيان الشيعة (23: 257) .(1/285)
«كِتَابِ النَّسَبِ» بِبَغْدَادَ- قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ، بِالْمَدِينَةِ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، [عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ] [ (4) ] ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ:
عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَكَانَ وَصَّافًا [وَأَنَا] أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، [قَالَ:
حَدَّثَنَا] [ (5) ] عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَمَّادٍ، الْأَنْصَارِيُّ، الْمِصْرِيُّ، وَأَبُو غَسَّانَ: مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
سَأَلْتُ خَالِي: هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيَّ، وَكَانَ وَصَّافًا، عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجْلَ الشَّعْرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ [ (6) ] فَرَقَ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ- وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الجبين، أزجّ
__________
[ (4) ] ما بين الحاصرتين ساقطة من (ح) .
[ (5) ] ما بين الحاصرتين ليست في (ص) .
[ (6) ] في (هـ) : «عنفقته» ، وفي الشمائل لابن كثير «إذا تفرقت عقيصته فرق» ، وسيأتي شرح ذلك.(1/286)
الْحَوَاجِبِ، سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ. كَثَّ اللِّحْيَةِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: الْمَسْرُبَةِ. كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ، فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، بادن متماسك، سَوِيَّ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ:
فَسِيحَ الصَّدْرِ- بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ. عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ، مِمَّا سِوَى ذَلِكَ.
أَشَعْرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الرَّاحَةِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: [رَحْبَ الْجَبْهَةِ، سَبْطَ الْقَصَبِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.
- لَمْ يَذْكُرِ الْعَلَوِيُّ] [ (7) ] الْقَدَمَيْنِ- سَائِلَ [ (8) ] الْأَطْرَافِ، خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمْعًا- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: جَمِيعًا- خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ. جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ [يَسُوقُ أَصْحَابَهُ] [ (9) ] . يَبْدُرُ- وفي رواية الْعَلَوِيِّ: يَبْدَأُ- مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ.
قُلْتُ: صِفْ لِي مِنْطَقَهُ.
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: الْفِكْرِ- لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلَ السَّكْتَةِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: السُّكُوتِ- يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ [ (10) ] وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: الْكَلَامِ- فَصْلٌ: لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ. دَمِثٌ:
__________
[ (7) ] ما بين الحاصرتين، ليست في (هـ) .
[ (8) ] في (ص) : «سائر الأطراف» وهو تصحيف.
[ (9) ] ليست في (هـ) .
[ (10) ] في (ص) «الكلم» وكذا في «شمائل الرسول» لابن كثير.(1/287)
لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ. يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا. لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: لَمْ يَكُنْ ذَوَّاقًا وَلَا مُدَحَةً- لَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ الْحَقَّ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ- وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى [ (11) ] : لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ- لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا. إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَطْنَ [ (12) ] إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ «فَيَضْرِبُ» [ (13) ] بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ الْيُسْرَى- وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ.
قَالَ: [ (14) ] فَكَتَمْتُهَا «الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ» زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ. فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ «أَبَاهُ» عَنْ مَدْخَلِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَخْرَجِهِ، وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ «الْحُسَيْنُ» : سَأَلْتُ «أَبِي» عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى العامة والخاصّة ولا يذخره [ (15) ]- فَقَالَ أَبُو غَسَّانَ.
أَوَ يَذَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَلَا يَدَّخِرُ عنهم شيئا.
__________
[ (11) ] في (هـ) : «وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ» .
[ (12) ] فِي (ص) : «باطن» . وكذا في «شمائل الرسول» لابن كثير.
[ (13) ] في (هـ) : «يضرب» ، وكذا في «شمائل الرسول» ص (52) .
[ (14) ] في الشمائل: «قال الحسن» .
[ (15) ] في (ص 9) : يدّخره.(1/288)
وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ: إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ [ (16) ] عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ: (فَمِنْهُمْ) ذُو الْحَاجَةِ، (وَمِنْهُمْ) ذُو الْحَاجَتَيْنِ، (وَمِنْهُمْ) ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ. وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ [ (17) ] ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ- ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ. يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ رُوَّادًا. وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوْقٍ- وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً- زَادَ الْعَلَوِيُّ: يَعْنِي فُقَهَاءَ.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ - وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ:
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ- قَالَ أَبُو غَسَّانَ: أَوْ يُفَرِّقُهُمْ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَلَا يُفَرِّقُهُمْ- وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ. يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ [ (18) ] . مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا. لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الحق ولا
__________
[ (16) ] في (ص) و (ح) : قسمته.
[ (17) ] جزء من حديث أخرجه البخاري في: 3- كتاب العلم، (9) بَابُ
قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سامع» فتح الباري (1: 157) ، وأخرجه مسلم في كتاب الحج، حديث رقم (446) .
[ (18) ] في (ص) : «ويوهنه» .(1/289)
يَحُوزُهُ. الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ. أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ- زَادَ الْعَلَوِيُّ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا. وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ. يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ، أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ [مِنْهُ] [ (19) ] . مَنْ جَالَسَهُ أو قاومه فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ. وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ. قَدْ وَسِعَ النَّاسُ مِنْهُ بَسْطَهُ وَخُلُقَهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ [ (20) ] وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَهُ [ (21) ] فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ:
وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ مُتَقَارِبِينَ يَتَفَاضَلُونَ بِالتَّقْوَى. سَقَطَ مِنْهَا مَا بَيْنَهُمَا. ثُمَّ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَتَانِ: مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ.
وَيَحْفَظُونَ- قَالَ أَبُو غَسَّانَ: أَوْ يُحِيطُونَ- الْغَرِيبَ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ:
وَيَرْحَمُونَ الْغَرِيبَ.
قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ؟ - وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ؟
__________
[ (19) ] (منه) : سقطت من (ص) .
[ (20) ] في (ص) : «حكم» .
[ (21) ] في (ص) : «تؤبن» .(1/290)
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، ولا سخاب، وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ. يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يشتهي، ولا يويس مِنْهُ، وَلَا يُحَبِّبُ فِيهِ. قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ:
الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعِنِيهِ. وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رُجِيَ ثَوَابُهُ. إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ- زَادَ الْعَلَوِيُّ: الْحَدِيثَ.
مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ. حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَلْوِيَتِهِمْ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: أَوَّلُهُمْ- يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إذا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: فِي الْمِنْطِقِ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ [ (22) ] الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: بِانْتِهَاءٍ [ (23) ] أَوْ قِيَامٍ.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟
قَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفَكُّرِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَالتَّفْكِيرِ [ (24) ]- فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَأَمَّا تَذُكُّرُهُ- أَوْ قَالَ: تَفَكُّرُهُ- قَالَ سَعِيدٌ: تَفَكُّرُهُ، وَلَمْ يَشُكَّ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ تَفْكِيرُهُ- ففيما يبقى ويفنى.
__________
[ (22) ] في (هـ) : «ولا يطلب» .
[ (23) ] في (ص) : «بانتهاء كان أو قيام» .
[ (24) ] سقطت من (هـ) .(1/291)
وَجُمِعَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحِلْمُ، وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ.
وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخَذِهِ بِالْحُسْنَى- قَالَ سَعِيدٌ وَالْعَلَوِيُّ: بِالْحَسَنِ- لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ لِيُتَنَاهَى عَنْهُ- وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَالْقِيَامِ لَهُمْ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (25) ] .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ سَمَاعِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُ: حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ. قِيلَ لَهُ: مِنْ حِفْظِهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: مَتَى مَاتَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ؟ قَالَ: سنة عشر ومائتين بعد ما حَدَّثَنَاهُ بِسَنَةٍ.
قُلْتُ: وَبَلَغَنِي عَنِ «الْقُتَيْبِيِّ» وَغَيْرِهِ، فِي تَفْسِيرِ مَا عَسَى يُشْكِلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ:
قَوْلُهُ: «كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا»
أَيْ عَظِيمًا مُعَظَّمًا.
وَقَوْلُهُ: «أَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ»
الْمُشَذَّبُ: الطَّوِيلُ الْبَائِنُ.
وَقَوْلُهُ: «إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ» .
أَصْلُ الْعَقِيقَةِ: شَعْرُ الصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُحْلَقَ، فَإِذَا حُلِقَ وَنَبَتَ ثَانِيَةً فَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْعَقِيقَةِ. وَرُبَّمَا سمّى الشعر:
__________
[ (25) ] رواه ابن سعد في «الطبقات» (1: 422) ، والترمذي في الشمائل (1: 26) ، دلائل النبوة لأبي نعيم (ص: 551) ، مختصر تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر (1: 329) ، تاريخ الإسلام الكبير للذهبي (2: 311) ، البداية والنهاية لابن كثير (6: 31) ، شمائل الرسول لابن كثير، (ص: 50) ، الخصائص الكبرى للسيوطي (1: 76) ، مجمع الزوائد (8:
273) ، عيون الأثر (2: 405) .(1/292)
عَقِيقَةً بَعْدَ الْحَلْقِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ. يُرِيدُ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْرِقُ شَعْرَهُ إِلَّا أَنْ يَفْتَرِقَ هُوَ، وَكَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ فَرَقَ.
قُلْتُ: وَقَالَ غَيْرُ الْقُتَيْبِيِّ، فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى «عَقِيصَتُهُ» قَالَ:
الْعَقِيصَةُ: الشَّعْرُ [الْمَعْقُوصُ] . وَهُوَ [ (26) ] نَحْوٌ مِنَ الْمَضْفُورِ.
قَالَ «الْقُتَيْبِيُّ» : وَقَوْلُهُ: «أَزْهَرُ اللَّوْنِ» يُرِيدُ أَبْيَضُ اللَّوْنِ مُشْرِقُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الزَّهْرَةُ لِشِدَّةِ ضَوْئِهَا. فَأَمَّا الْأَبْيَضُ غَيْرُ الْمَشْرِقِ فَهُوَ الْأَمْهَقُ.
وَقَوْلُهُ: «أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ»
الزَّجَجُ: طُولُ الْحَاجِبَيْنِ وَدِقَّتُهُمَا وَسُبُوغُهُمَا إِلَى مُؤَخَّرِ الْعَيْنَيْنِ.
ثُمَّ وَصَفَ الْحَوَاجِبَ، فَقَالَ: «سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ» . وَالْقَرَنُ: أَنْ يَطُولَ الْحَاجِبَانِ حَتَّى يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا.
وَهَذَا خِلَافُ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ أُمُّ مَعْبَدٍ، لِأَنَّهَا قَالَتْ فِي وَصْفِهِ: «أَزَجُّ أَقْرَنُ» وَلَا أُرَاهُ إِلَّا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْقَرَنَ، وَتَسْتَحِبُّ الْبَلَجَ.
وَالْبَلَجُ: أَنْ يَنْقَطِعَ الْحَاجِبَانِ فَيَكُونَ مَا بَيْنَهُمَا نَقِيًّا.
وَقَوْلُهُ: «أَقْنَى الْعِرْنِينِ»
وَالْعِرْنِينُ: الْمَعْطِسُ وَهُوَ الْمَرْسِنُ. وَالْقَنَى فِيهِ:
طُولُهُ وَدِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ وَحَدَبٌ فِي وَسَطِهِ.
وَقَوْلُهُ: «يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ»
فَالشَّمَمُ: ارْتِفَاعُ الْقَصَبَةِ وَحُسْنُهَا، وَاسْتِوَاءُ أَعْلَاهَا، وَإِشْرَافُ الْأَرْنَبَةِ قَلِيلًا. يَقُولُ: هُوَ لِحُسْنِ قَنَاءِ أَنْفِهِ وَاعْتِدَالِ ذَلِكَ يُحْسَبُ قبل التأمل أشمّ.
__________
[ (26) ] الزيادة من (هـ) .(1/293)
وَقَوْلُهُ: «ضَلِيعُ الْفَمِ»
أَيْ عَظِيمُهُ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَذُمُّ صَغِيرَ الْفَمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّلِيعُ: الْمَهْزُولُ الذَّابِلُ. وَهُوَ فِي صِفَةِ فَمِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذُبُولُ شَفَتَيْهِ وَرِقَّتُهُمَا وَحُسْنُهُمَا.
وَقَوْلُهُ: فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ: «إِنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ»
وَذَلِكَ لِرُحْبِ شِدْقَيْهِ. وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا الجمال؟ فقال:
غؤور الْعَيْنَيْنِ، وَإِشْرَافُ الْحَاجِبَيْنِ، وَرُحْبُ الشِّدْقَيْنِ. فَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْهُ، عَلَيْهِ السَلَّامُ، فِي الْمُتَشَادِقِينَ، فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الَّذِينَ يَتَشَادَقُونَ إِذَا تَكَلَّمُوا فَيَمِيلُونَ بِأَشْدَاقِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَيَتَنَطَّعُونَ فِي الْقَوْلِ.
وَقَوْلُهُ: «أَشْنَبُ»
مِنَ الشَّنَبِ فِي الْأَسْنَانِ، وَهُوَ: تَحَدُّدٌ أَطْرَافِهَا.
وَقَوْلُهُ: «دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ»
فَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدِقُّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ إِلَى السُّرَّةِ.
وَقَوْلُهُ: «كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ» .
الْجِيدُ: الْعُنُقُ.
وَالدُّمْيَةُ: الصُّورَةُ شَبَّهَهَا فِي بَيَاضِهَا بِالْفِضَّةِ.
وَقَوْلُهُ: «بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ» .
الْبَادِنُ: الضَّخْمُ. يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ بَدَانَتِهِ مُتَمَاسِكُ اللَّحْمِ.
وَقَوْلُهُ: «سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ»
يُرِيدُ أَنَّ بَطْنَهُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ، فَهُوَ مُسَاوٍ لِصَدْرِهِ، وَصَدْرُهُ عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِبَطْنِهِ. ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ: يُرِيدُ الْأَعْضَاءَ.
وَقَوْلُهُ: «أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ»
وَالْمُتَجَرَّدُ: مَا جُرِّدَ عَنْهُ الثَّوْبُ مِنْ بَدَنِهِ، وَهُوَ الْمُجَرَّدُ أَيْضًا. وَأَنْورُ مِنَ النُّورِ: يُرِيدُ شِدَّةَ بَيَاضِهِ.
وَقَوْلُهُ: «طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ»
الزَّنْدُ مِنَ الذِّراعِ: مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ وَلِلزَّنْدِ رَأْسَانِ: الْكُوعُ، وَالْكُرْسُوعُ. فَالْكُرْسُوعُ: رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ،(1/294)
وَالْكُوعُ: رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ.
وَقَوْلُهُ: «رَحْبُ الرَّاحَةِ»
يُرِيدُ وَاسِعَ الرَّاحَةِ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَمْدَحُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: «شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ»
يُرِيدُ أَنَّهَا إِلَى الْغِلَظِ. وَالْقِصَرِ.
وَقَوْلُهُ: «سَائِلُ الْأَطْرَافِ»
يُرِيدُ الْأَصَابِعَ أَنَّهَا طِوَالٌ لَيْسَتْ بِمُنْعَقِدَةٍ وَلَا مُتَغَضِّنَةٍ.
وَقَوْلُهُ: «خَمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ» .
الْأَخْمَصُ فِي الْقَدَمِ مِنْ تَحْتِهَا وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ فِي وَسَطِهَا. أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مُرْتَفِعٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَزَجَّ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِنُ قَدَمِهِ حَتَّى يَمَسَّ جَمِيعُهُ الْأَرْضَ.
قُلْتُ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَصْفِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ.
وَقَوْلُهُ: «مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ» :
[يَعْنِي] [ (27) ] أَنَّهُ مَمْسُوحُ ظَاهِرِ الْقَدَمَيْنِ، فَالْمَاءُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَرَّ عَلَيْهَا مَرًّا سَرِيعًا، لِاسْتِوَائِهِمَا وَانْمِلَاسِهِمَا.
وَقَوْلُهُ: «يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا»
يُرِيدُ أَنَّهُ يَمِيدُ إِذَا خَطَا، وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ.
وَقَوْلُهُ: «ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ»
يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ هَذَا الرِّفْقِ سَرِيعُ الْمِشْيَةِ.
وَقَوْلُهُ: «إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ» .
الصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ.
وَقَوْلُهُ: «يَسُوقُ أَصْحَابَهُ»
يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا مَشَى مَعَ أَصْحَابِهِ قَدَّمَهُمْ بَيْنَ يديه ومشى وراءهم.
__________
[ (27) ] الزيادة من (هـ) .(1/295)
وَقَوْلُهُ: «دَمِثًا»
يَعْنِي سَهْلًا لَيِّنًا.
وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ»
يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجْفُو النَّاسُ وَلَا يُهِينُهُمْ.
وَيُرْوَى: «وَلَا الْمَهِينِ» ، فَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بِالْفَظِّ الْغَلِيظِ الْجَافِي، وَلَا الْحَقِيرِ الضَّعِيفِ.
وَقَوْلُهُ: «وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ»
يَقُولُ: لَا يَسْتَصْغِرُ شَيْئًا أُوتِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَا يَسْتَحْقِرُهُ.
وَقَوْلُهُ: «لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ»
يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصِفُ الطَّعَامَ بِطِيبٍ وَلَا بِفَسَادٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: «أَعْرَضَ وَأَشَاحَ»
يُقَالُ: أَشَاحَ: إِذَا جَدَّ، وَيُقَالُ: أَشَاحَ إِذَا عَدَلَ بِوَجْهِهِ. وَهَذَا مَعْنَى الْحَرْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَوْلُهُ: «يَفْتَرُّ»
أَيْ يَتَبَسَّمُ. وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ. شَبَّهَ ثَغْرَهُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: «فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ»
يُرِيدُ أَنَّ الْعَامَّةَ كَانَتْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلَهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُوَصِّلُ إِلَيْهَا حَظَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِالْخَاصَّةِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِ، فَيُوَصِّلُهَا إِلَى الْعَامَّةِ.
وَقَوْلُهُ: «يَدْخُلُونَ رُوَّادًا»
يُرِيدُ طَالِبِينَ مَا عِنْدَهُ مِنَ النَّفْعِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
وَقَوْلُهُ: «وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ»
الذَّوَاقُ: أَصْلُهُ: الطَّعْمُ هَهُنَا، وَلَكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثْلًا لِمَا يَنَالُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ.
وَقَوْلُهُ: «يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ أَدِلَّةً»
يُرِيدُ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ فَيَدُلُّونَ النَّاسَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ»
أَيْ لَا تُقْتَرَفُ فِيهِ.(1/296)
وَقَوْلُهُ: «لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ»
أَيْ لَا يُتَحَدَّثُ بِهَفْوَةٍ أَوْ زَلَّةٍ إِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ. يُقَالُ: نَثَوْتُ الْحَدِيثَ فَأَنَا أَنْثُوهُ: إِذَا أَذَعْتُهُ. وَالْفَلَتَاتُ: جَمَعَ فَلْتَةٍ، وَهُوَ هَهُنَا: الزَّلَّةُ وَالسَّقْطَةُ.
وَقَوْلُهُ: «إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ»
يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ وَلَا يَتَحَرَّكُونَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ. وَالطَّيْرُ لَا تَسْقُطُ إِلَّا عَلَى سَاكِنٍ.
قَوْلُهُ: «لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مكاف»
يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ابتدى بِمَدْحٍ كَرِهَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ مُثْنٍ وَشَكَرَهُ قبل ثناؤه.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ أَحَدٌ مِنْ إِنْعَامِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ فَيَكُونُ مُكَافِئًا بِثَنَائِهِ عَلَيْهِ مَا سَلَفَ مِنْ نِعْمَةِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ: إِلَّا مِنْ مُقَارِبٍ فِي مَدْحِهِ غَيْرِ مُجَاوِزٍ بِهِ حَدَّ مِثْلِهِ وَلَا مُقَصِّرٍ بِهِ عَمَّا رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ. أَلَا تَرَاهُ
يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَلَكِنْ قُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» [ (28) ] .
فَإِذَا قِيلَ: نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهُ فَقَدِ وُصِفَ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ، فَهُوَ مَدْحٌ مُكَافِئٌ له.
__________
[ (28) ] الحديث أخرجه البخاري في: 60- كتاب الأنبياء (48) باب قول الله تعالى: «واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها» 16- مريم، فتح الباري (6: 478) ، كما أخرجه الدارمي في الرقاق، والإمام أحمد في «مسنده» (1: 23، 24، 47، 55) .(1/297)
قُلْتُ: وَقَدْ يُخَرَّجُ قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ صَحِيحًا، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَكَانَ لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ قَدِ اصْطَنَعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفًا عَلَى الْخُصُوصِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَرْغَانِيُّ- وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ [ (29) ] حَدِيثًا آخَرَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَأَدْرَجَ فِيهِ تَفْسِيرَ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ، وَلَمْ يبَيِّنْ قَائِلَ تَفْسِيرِهِ فِيمَا سَمِعْنَا، إِلَّا أَنَّهُ يُوَافِقُ جُمْلَةَ مَا رُوِّينَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَالْمَشْهُورَةِ، فرُوِّينَاهُ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا مَضَى:
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ [ (30) ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ النَّسَوِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أحمد ابن زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَرْغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبيه، وهشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ:
كَانَ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي قَامَتِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا الْمُشَذَّبِ الذَّاهِبِ، وَالْمُشَذَّبُ: الطُّولُ نَفْسُهُ إِلَّا أَنَّهُ الْمُخَفَّفُ. وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الرَّبْعَةِ. إِذَا مَشَى وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَالٍ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّوَلِ إِلَّا طَالَهُ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُبَّمَا [ (31) ] اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ الطَّوِيلَانِ فَيَطُولُهُمَا، فَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الرَّبْعَةِ، وَيَقُولُ: نُسِبَ الْخَيْرُ كُلُّهُ إِلَى الرَّبْعَةِ [ (32) ] .
__________
[ (29) ] وفي الميزان (2: 307) : «له مناكير» .
[ (30) ] لفظ القول ليس في (ص) .
[ (31) ] في (ص) : «ولرب ما» .
[ (32) ] أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن عساكر، تهذيب تاريخ دمشق الكبير (1: 333) ، الوفا لابن الجوزي ص (403) ، ونقله السيوطي في الخصائص الكبرى (1: 68) .(1/298)
وَكَانَ لَوْنُهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ: الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ [ (33) ] الَّذِي تَضْرِبُ بَيَاضَهُ الشُّهْبَةُ.
وَلَمْ يَكُنْ بِالْآدَمِ. وَكَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. وَالْأَزْهَرُ: الْأَبْيَضُ النَّاصِعُ الْبَيَاضِ، الَّذِي لَا تَشُوبُهُ حُمْرَةٌ وَلَا صُفْرَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْأَلْوَانِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ كَثِيرًا مَا [ (34) ] يُنْشِدُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعْتَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِيَّاهُ فِي لَوْنِهِ حيث يقول:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ [ (35) ] الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
وَيَقُولُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ: هَكَذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ نَعَتَهُ بَعْضُ مَنْ نَعَتَهُ بِأَنَّهُ كان مشرب حُمْرَةً. وَقَدْ صَدَقَ مَنْ نَعَتَهُ بِذَلِكَ. وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانَ الْمُشْرَبُ مِنْهُ حُمْرَةً مَا ضَحَا [ (36) ] لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ. فَقَدْ كَانَ بَيَاضُهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أُشْرِبَ حُمْرَةً، وَمَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ أَزْهَرُ، فَعَنَى مَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَقَدْ أَصَابَ.
وَمَنْ نَعَتَ مَا ضَحَا لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ بِأَنَّهُ أَزْهَرُ مُشْرَبٌ حُمْرَةً فَقَدْ أَصَابَ.
وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ: الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ، وَإِنَّمَا الْحُمْرَةُ مِنْ قِبَلِ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ.
وَكَانَ عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، أَطْيَبَ مِنَ المسك الأذفر. وكان رجل
__________
[ (33) ] أثبتنا عبارة (ص) .
[ (34) ] في (هـ) : «مما» .
[ (35) ] (ثمال اليتامى) : الملجأ، والغياث، والمطعم في الشدة، والبيت قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ يَمْدَحُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. لسان العرب صفحة (507) طبعة دار المعارف بمصر.
[ (36) ] في (ص) رسمت: «ما ضحى» .(1/299)
الشَّعْرِ حَسَنًا لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا الْجَعْدِ الْقَطَطِ، كَانَ إذا مشطه بِالْمُشْطِ كَأَنَّهُ حُبُكُ الرَّمْلِ، أَوْ كَأَنَّهُ الْمُتُونُ [ (37) ] الَّتِي تَكُونُ فِي الْغُدُرِ إِذَا سَفَتْهَا الرِّيَاحُ، فَإِذَا مَكَثَ [ (38) ] لَمْ يُرَجَّلْ أَخَذَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَتَحَلَّقَ حَتَّى يَكُونَ مُتَحَلِّقًا كَالْخَوَاتِمِ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَدْ سَدَلَ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، كَمَا تُسْدَلُ نَوَاصِي الْخَيْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْفَرْقِ فَفَرَقَ.
كَانَ شَعْرُهُ فَوْقَ حَاجِبَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ.
وَكَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رُبَّمَا جَعَلَهُ غَدَائِرَ أَرْبَعًا، يُخْرِجُ الْأُذُنُ الْيُمْنَى [ (39) ] مِنْ بَيْنِ غَدِيرَتَيْنِ يَكْتَنِفَانِهَا، وَيُخْرِجُ الْأُذُنَ الْيُسْرَى مِنْ بَيْنِ غَدِيرَتَيْنِ يَكْتَنِفَانِهَا، وَتَخْرُجُ الْأُذُنَانِ بِبَيَاضِهِمَا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْغَدَائِرِ كَأَنَّهَا تَوَقُّدُ الْكَوَاكِبِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ سَوَادِ شَعْرِهِ. وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي الرَّأْسِ فِي فَوْدَيْ رَأْسِهِ.
وَالْفُودَانِ: حَرْفَا الْفَرْقِ. وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي لِحْيَتِهِ فَوْقَ الذَّقْنِ. وَكَانَ شَيْبُهُ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الْفِضَّةِ يَتَلَأْلَأُ بَيْنَ ظَهْرَيْ سواد الشَّعْرِ الَّذِي مَعَهُ. وَإِذَا مَسَّ ذَلِكَ الشَّيْبَ الصُّفْرَةُ- وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُ- صَارَ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الذَّهَبِ يتلألأ بين ظهري سواد الشَّعْرِ الَّذِي مَعَهُ.
وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا. وَأَنْوَرَهُمْ لَوْنًا. لَمْ يَصِفْهُ وَاصِفٌ قَطُّ بَلَغَتْنَا صِفَتُهُ. إِلَّا شَبَّهَ وَجْهَهُ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَلَقَدْ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يَقُولُ مِنْهُمْ:
لَرُبَّمَا نَظَرْنَا إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَنَقُولُ: هُوَ أَحْسَنُ فِي أَعْيُنِنَا مِنَ الْقَمَرِ. أَزْهَرَ اللَّوْنِ: نَيِّرَ الْوَجْهِ. يَتَلَأْلَأُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ.
__________
[ (37) ] في (ص) : «المنثور» . وفي (ح) : «المبثون» .
[ (38) ] في (ص) : «فإذا مكث بالمرحل» وفي (هـ) : «فإذا نكتة في المرجل» .
[ (39) ] «اليمنى» ليست في (ص) .(1/300)
يُعْرَفُ رِضَاهُ وَغَضَبَهُ فِي سُرُورِهِ بِوَجْهِهِ، كَانَ إِذَا رَضِيَ أَوْ سُرَّ فَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْمِرْآةُ، وَكَأَنَّمَا الْجُدُرُ تُلَاحِكُ [ (40) ] وَجْهَهُ. وَإِذَا غَضِبَ تَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ.
قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ، صلى الله عليه وسلم، كَمَا وَصَفَهُ صَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ الله عنه.
أَمِينٌ مُصْطَفًى [ (41) ] لِلْخَيْرِ يَدْعُو ... كَضَوْءِ الْبَدْرِ زَايَلَهُ [ (42) ] الظَّلَامُ
وَيَقُولُونَ: كَذَلِكَ كَانَ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى حِينَ يَقُولُ لِهَرِمِ بْنِ سِنَانٍ:
لَوْ كُنْتَ مِنْ شَيْءٍ سِوَى بَشَرٍ ... كُنْتَ الْمُضِيءَ لِلَيْلَةِ الْبَدْرِ [ (43) ]
فَيَقُولُ عُمَرُ وَمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ غَيْرُهُ.
وَكَذَلِكَ قَالَتْ عَمَّتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بَعْدَ مَا سَارَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا فَجَزِعَتْ عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ فَانْبَعَثَتْ تقول:
عَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ ... عَلَى الْمُرْتَضَى كَالْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ
عَلَى الْمُرْتَضَى لِلْبِرِّ وَالْعَدْلِ وَالتُّقَى ... وَلِلدِّينِ والدنيا بهيم المعالم
__________
[ (40) ] الملاحكة: «شدة الملاءمة» . لسان العرب صفحة (4010) ، وفي النهاية لابن الأثير (4:
239) : «أي يرى شخص الجدر في وجهه» .
[ (41) ] في (ص) : «المصطفى» .
[ (42) ] في (ص) : «أيّده» .
[ (43) ] ديوان زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى صفحة (95) .(1/301)
عَلَى الصَّادِقِ الْمَيْمُونِ ذِي الْحِلْمِ وَالنُّهَى [ (44) ] ... وَذِي الْفَضْلِ وَالدَّاعِي لَخَيْرِ التَّرَاحُمِ
فَشَبَّهَتْهُ [ (45) ] بِالْبَدْرِ وَنَعَتَتْهُ بِهَذَا النَّعْتِ، وَوَقَعَتْ فِي النُّفُوسِ لِمَا أَلْقَى اللهُ تَعَالَى مِنْهُ فِي الصُّدُورِ.
وَلَقَدْ نَعَتَتْهُ وَإِنَّهَا لَعَلَى دِينِ قَوْمِهَا.
وَكَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْلَى الْجَبِينِ، إِذَا طَلَعَ جَبِينُهُ مِنْ بَيْنِ الشَّعْرِ أَوِ اطَّلَعَ فِي فَلَقِ الصُّبْحِ أَوْ عِنْدَ طَفَلِ اللَّيْلِ أَوْ طَلَعَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ- تَرَاءَوْا [ (46) ] جَبِينَهُ كَأَنَّهُ ضَوْءُ السِّرَاجِ الْمُتَوَقِّدِ يَتَلَأْلَأُ.
وَكَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ شَاعِرُهُ حسّان بن ثابت:
مَتَى يَبْدُ فِي الدَّاجِ الْبَهِيمِ جَبِينُهُ ... يَلُحْ مِثْلَ مِصْبَاحِ الدُّجَى الْمُتَوَقِّدِ
فَمَنْ كَانَ أَوْ مَنْ قَدْ يَكُونُ كَأَحْمَدٍ ... نِظَامٌ لَحِقٍّ أَوْ نَكَالٌ لِمُلْحِدِ [ (47) ] ؟
وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَاسِعَ الْجَبْهَةِ، أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ سَابِغَهُمَا.
وَالْحَاجِبَانِ الْأَزَجَّانِ [ (48) ] : هُمَا الْحَاجِبَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ اللَّذَانِ لَا تَعْدُو شَعْرَةٌ مِنْهُمَا [ (49) ] شَعْرَةً فِي النَّبَاتِ وَالِاسْتِوَاءِ من غير قرن بَيْنَهُمَا. وَكَانَ أَبْلَجَ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ حَتَّى كَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا الْفِضَّةُ الْمُخْلَصَةُ.
__________
[ (44) ] في (ص) : «البها» .
[ (45) ] في (ص) و (ح) : «تشبهه» .
[ (46) ] في (هـ) : «يروا» .
[ (47) ] البيتان في ديوان حسان ص (380) ، في وصف الرسول صلى الله عليه وسلّم، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974.
[ (48) ] في (ص) : «والأزج الحاجبين: هما» .
[ (49) ] في (ص) : «منها» .(1/302)
بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، لَا يُرَى ذَلِكَ الْعِرْقُ إِلَّا أَنْ يُدِرَّهُ الْغَضَبُ.
وَالْأَبْلَجُ: النَّقِيُّ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ.
وَكَانَتْ عَيْنَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، نجلاوان أَدْعَجَهُمَا. وَالْعَيْنُ النَّجْلَاءُ: الْوَاسِعَةُ الْحَسَنَةُ. وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ. لَا يَكُونُ الدَّعَجُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي سَوَادِ الْحَدَقِ. وَكَانَ فِي عينيه تَمَزُّجٌ مِنْ حُمْرَةٍ. وَكَانَ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ حَتَّى تَكَادُ تَلْتَبِسُ مِنْ كَثْرَتِهَا.
أَقْنَى الْعِرْنِينِ. وَالْعِرْنِينُ: الْمُسْتَوِي الْأَنْفِ مِنَ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ الْأَشَمُّ.
كَانَ أَفْلَجَ الْأَسْنَانِ أَشْنَبَهَا. قَالَ: وَالشَّنَبُ: أَنْ تَكُونَ الْأَسْنَانُ مُتَفَرِّقَةً، فِيهَا طَرَائِقُ مِثْلُ تَعَرُّضِ [ (50) ] الْمُشْطِ، إِلَّا أَنَّهَا حَدِيدَةُ الْأَطْرَافِ، وَهُوَ الْأَشَرُ الَّذِي يَكُونُ أَسْفَلَ الْأَسْنَانِ كَأَنَّهُ مَاءٌ يَقْطُرُ فِي تَفَتُّحِهِ ذَلِكَ وَطَرَائِقِهِ. وَكَانَ يَتَبَسَّمُ عَنْ مِثْلِ الْبَرَدِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ مُتُونِ الْغَمَامِ، فَإِذَا افْتَرَّ ضَاحِكًا افْتَرَّ عَنْ مِثْلِ سَنَاءِ الْبَرْقِ إِذَا تَلَأْلَأَ. وَكَانَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللهِ شَفَتَيْنِ، وَأَلْطَفَهُ خَتْمَ فَمٍ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ صَلْتَهُمَا، قَالَ: وَالصَّلْتُ الْخَدِّ: هُوَ الْأَسِيلُ الْخَدِّ، الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا يَفُوتُ بَعْضُ لَحْمِ بَعْضِهِ بَعْضًا.
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْوَجْهِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ. وَالْكَثُّ: الْكَثِيرُ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُلْتَفُّهَا. وَكَانَتْ عَنْفَقَتُهُ بَارِزَةً.
فَنِيكَاهُ حَوْلَ الْعَنْفَقَةِ كَأَنَّهَا بَيَاضُ اللُّؤْلُؤِ، فِي أَسْفَلِ عَنْفَقَتِهِ شَعْرٌ مُنْقَادٌ حَتَّى يَقَعَ انْقِيَادُهَا عَلَى شَعْرِ اللِّحْيَةِ حَتَّى يَكُونَ كَأَنَّهُ مِنْهَا. وَالْفَنِيكَانِ: هُمَا مَوَاضِعُ الطَّعَامِ حَوْلَ الْعَنْفَقَةِ مِنْ جَانِبَيْهَا جميعا.
__________
[ (50) ] في تاريخ ابن عساكر: «مثل ما تفرق» .(1/303)
وَكَانَ أَحْسَنَ عِبَادِ اللهِ عُنُقًا، لَا يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ وَلَا إِلَى الْقِصَرِ، مَا ظَهْرَ مِنْ عُنُقِهِ لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ فَكَأَنَّهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ يَشُوبُ ذَهَبًا يَتَلَأْلَأُ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُمْرَةِ الذَّهَبِ. وَمَا غَيَّبَ الثِّيَابُ مِنْ عُنُقِهِ مَا تَحْتَهَا فَكَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
وَكَانَ عَرِيضَ الصَّدْرِ مَمْسُوحَهُ كَأَنَّهُ الْمَرَايَا فِي شِدَّتِهَا وَاسْتِوَائِهَا، لَا يَعْدُو بَعْضُ لَحْمِهِ بَعْضًا، عَلَى بَيَاضِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. مَوْصُولَ مَا بَيْنَ لَبَّتِهِ إِلَى سرّته شعر [ (51) ] مُنْقَادٌ كَالْقَضِيبِ. لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ.
وَكَانَ لَهُ، صلى الله عليه وسلم، عُكَنٌ: ثَلَاثٌ، يغَطِّي الْإِزَارُ مِنْهَا وَاحِدَةً، وَتَظْهَرُ ثِنْتَانِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يغَطِّي الْإِزَارُ مِنْهَا [ (52) ] ثِنْتَيْنِ، وَتَظْهَرُ وَاحِدَةٌ. تِلْكَ الْعُكَنُ أَبْيَضُ مِنَ الْقَبَاطِيِّ الْمُطْوَاةِ [ (53) ] ، وَأَلْيَنُ مَسًّا.
وَكَانَ عَظِيمَ الْمَنْكِبَيْنِ أَشْعَرَهُمَا، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، وَالْكَرَادِيسُ: عِظَامُ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ.
وَكَانَ جَلِيلَ الْكَتَدِ. قَالَ: وَالْكَتَدُ: مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ وَالظَّهْرِ، وَاسِعَ الظَّهْرِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ [مِمَّا يَلِي] [ (54) ] مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فِيهِ شَامَةٌ سَوْدَاءُ تَضْرِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ، حَوْلَهَا شَعَرَاتٌ مُتَوَالِيَاتٌ كَأَنَّهُنَّ مِنْ عَرْفِ فَرَسٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَتْ شَامَةُ النُّبُوَّةِ بِأَسْفَلِ كَتِفِهِ، خَضْرَاءَ مُنْحَفِرَةً فِي اللَّحْمِ قَلِيلًا.
وَكَانَ طَوِيلَ مَسْرُبَةِ الظَّهْرِ. وَالْمَسْرُبَةُ: الْفِقَارُ الَّذِي فِي الظَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَى أسفله.
__________
[ (51) ] في (ص) : «شعره» .
[ (52) ] ليست في (ص) .
[ (53) ] رسمت في (ص) : «المطوات» .
[ (54) ] سقطت من (ص) .(1/304)
وَكَانَ عَبْلَ الْعَضُدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، وَالزَّنْدَانِ: الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِي ظَاهَرِ السَّاعِدَيْنِ.
وَكَانَ فَعْمَ الْأَوْصَالِ، ضَبْطَ الْقَصَبِ، شَثْنَ الْكَفِّ، رَحْبَ الرَّاحَةِ، سَائِلَ الْأَطْرَافِ، كَأَنَّ أَصَابِعَهُ قُضْبَانُ فِضَّةٍ، كَفُّهُ أَلْيَنُ مِنَ الْخَزِّ، وَكَأَنَّ كَفَّهُ كَفُّ عَطَّارٍ طِيبًا [ (55) ] ، مَسَّهَا بِطِيبٍ أَوْ لَمْ يَمَسَّهَا، يُصَافِحُهُ الْمُصَافِحُ فَيَظَلُّ يَوْمَهُ يَجِدُ رِيحَهَا وَيَضَعُهَا [ (56) ] عَلَى [رَأْسِ الصَّبِيِّ فَيُعْرَفُ مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ مِنْ رِيحِهَا عَلَى] [ (57) ] رَأْسِهِ.
وَكَانَ عَبْلَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنَ الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقِ، شَثْنَ القدم غليظهما، ليس لهما خُمْصٌ [ (58) ] . مِنْهُمْ مَنْ [قَالَ] [ (59) ] : كَانَ فِي قَدَمِهِ شَيْءٌ مِنْ خَمَصٍ.
يَطَأُ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ قَدَمَيْهِ. مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ. بَدَّنَ فِي آخَرِ زَمَانِهِ، وَكَانَ بِذَلِكَ الْبَدَنِ مُتَمَاسِكًا. وَكَادَ يَكُونُ عَلَى الْخَلْقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضُرَّهُ السِّنُّ.
وَكَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا فِي جَسَدِهِ كُلِّهِ [إِذَا] [ (60) ] الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا.
وَكَانَ فِيهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، شَيْءٌ مِنْ صَوَرٍ. وَالصَّوَرُ: الرَّجُلُ الَّذِي كَأَنَّهُ يَلْمَحُ الشَّيْءَ بِبَعْضِ وَجْهِهِ.
وَإِذَا مَشَى فَكَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ فِي صَخْرٍ وَيَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، يخطو تكفّيّا،
__________
[ (55) ] في (هـ) : «يطيبها» .
[ (56) ] في (ص) : «يضع يده» .
[ (57) ] ما بين الحاصرتين سقطت من (هـ) .
[ (58) ] في (هـ) : «أخمص» .
[ (59) ] الزيادة من (هـ) .
[ (60) ] سقطت من (هـ) .(1/305)
وَيَمْشِي الْهُوَيْنَا بِغَيْرِ عَثَرٍ. وَالْهُوَيْنَا: تَقَارُبُ الْخُطَا، وَالْمَشْيُ عَلَى الْهَيْنَةِ يَبْدُرُ [ (61) ] الْقَوْمَ إِذَا سَارَعَ إِلَى خَيْرٍ أَوْ مَشَى إِلَيْهِ، وَيَسُوقُهُمْ إِذَا لَمْ يُسَارِعْ إِلَى شَيْءٍ بِمَشْيَةِ الْهُوَيْنَا وَتَرَفُّعِهِ فِيهَا.
وَكَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَنَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِأَبِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا، صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ [ (62) ] اللهِ.
* وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِيًا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [- رَحِمَهُ اللهُ-] [ (63) ] قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْمِصِّيصِيُّ، مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ [ (64) ] : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن أبيه، وهشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا الْمُشَذَّبِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وَسَاقَ الْحَدِيثَ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصُّرَيْفِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ،
__________
[ (61) ] في (هـ) : «يبدأ» .
[ (62) ] في (هـ) : «جميع أنبيائه» .
[ (63) ] الزيادة من (ص) .
[ (64) ] ليست في (ص) .(1/306)
فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ:
بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِي ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِي
وَعَلِيٌّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَتَبَسَّمُ، أَوْ يَضْحَكُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (65) ] ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شَوْذَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: [كَانَ] [ (66) ] الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، مَا كَانَ أَسْفَلَ من ذلك [ (67) ] .
__________
[ (65) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6 563) عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَخْرَجَهُ البخاري أيضا في: 62- كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم (باب) مناقب الحسن والحسين، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 8) .
[ (66) ] الزيادة من (ص) .
[ (67) ] أخرجه الترمذي في: 50- كتاب المناقب (31) باب مناقب الحسن والحسين، حديث (3779) ، صفحة (5: 660) ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح غريب» .
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1/ 99) ، وبرقم (774 و 854) ط. دار المعارف، وقال:
«إسناده صحيح» .(1/307)
بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي شَمَائِلِهِ وَأَخْلَاقِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ [تَشْهَدُ] [ (1) ] لِمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ بِالصِّحَّةِ
وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ (2) ] * أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى [ (3) ] ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ:
يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي [ (4) ] عَنْ خُلُقِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:
أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، كَانَ الْقُرْآنَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشر [ (5) ] .
__________
[ (1) ] الزيادة من (هـ) .
[ (2) ] الآية الكريمة (4) من سورة القلم.
[ (3) ] في (ص) : «ابن أوفى» .
[ (4) ] في (ص) : «أنبئيني» .
[ (5) ] جزء من حَدِيثٍ طَوِيلٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في: 6- كتاب صلاة المسافرين، (18) باب جامع صلاة الليل، حديث (139) ، ص (512) .
وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، ح (1342) ، ص (2: 40) ، وابن ماجة في: 13- كتاب(1/308)
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: [ (6) ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ، بِبُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أُنَيْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ:
قُلْنَا لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ:
كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقُرْآنَ. ثُمَّ قَالَتْ: تَقْرَأُ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ؟ اقْرَأْ:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْعَشْرِ حَتَّى بَلَغَ الْعَشْرَ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (7) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابن جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ القرآن:
__________
[ () ] الأحكام (14) باب الحكم فيمن كسر شيئا، ح (2333) ، ص (782) ، والنسائي في قيام الليل، والحاكم في «المستدرك» (2: 499) ، وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (466) من تحقيقنا، والإمام أحمد في «مسنده» (6: 54، 91، 111) .
[ (6) ] ليست في (ص) .
[ (7) ] حديث يزيد بن بابنوس عن عائشة: قُلْنَا لِعَائِشَةَ: «يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَتْ: كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ.. أخرجه النسائي في سننه الكبرى، في التفسير تحفة الأشراف للمزي (12: 336) وعنه نقله ابن كثير (3: 6) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 392) ، وقال: «هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
ويزيد بن بابنوس: بصري، روى عن عائشة، وعنه أبو عمران الجوني، وقد قال عنه البخاري في «التاريخ الكبير» (4: 2: 323) : «كان من الشيعة الذين قاتلوا عليا» ، وقال أبو حاتم (4: 2: 254) : «مجهول» ، إلا أن ابن عدي قال: «أحاديثه مشاهير» ، وقال الدارقطني:
«لا بأس به» وذكره ابن حبان في «الثقات» (5: 548) .(1/309)
يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ لِسَخَطَهِ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزَّعْفَرَانِيُّ- يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قَالَ: أَدَبُ الْقُرْآنِ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: خُذِ الْعَفْوَ [ (8) ] . قَالَ: أُمِرَ نَبِيُّ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ:
مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ تَعَالَى.
__________
[ (8) ] الآية الكريمة (199) من سورة الأعراف.(1/310)
زَادَ الْقَطَّانُ فِي رِوَايَتِهِ: فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسلمة الْقَعْنَبِيِّ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (9) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ: لَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا نيل منه شيء قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (10) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: حاجب بن أحمد،
__________
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6: 566) ،
وأخرجه البخاري أيضا في: 78- كتاب الأدب (80) بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم «يسّروا ولا تعسّروا» ، فتح الباري (10: 524) ، وفي: 86- كتاب الحدود (10) باب إقامة الحدود، والانتقام لحرمات الله، فتح الباري (12: 86) .
وأخرجه مسلّم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (20) بَابُ مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، حديث (77) ، صفحة (1813) .
ورواه مالك في الموطأ، في: 47- كتاب حسن الخلق (1) بَابُ مَا جَاءَ فِي حسن الخلق، حديث (2) ، صفحة (902- 903) .
كما أخرجه أبو داود في الأدب، والترمذي في المناقب والإمام أحمد في «مسنده» (6: 85، 113، 114، 116، 130، 163، 209، 223، 235، 262) .
[ (10) ] بنفس هذا الإسناد، أخرجه مسلّم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (20) بَابُ مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، حديث (79) . ص (1814) ، تحفة الأشراف (12: 138) .(1/311)
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَرَبَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا نيل مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ انْتَقَمَ لَهُ. وَلَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ إِلَّا أَخَذَ الَّذِي هُوَ أَيْسَرُ حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ [ (11) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ: هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ، فو الله مَا قَالَ لِيَ أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَ كَذَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وأَبِي الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادٍ [ (12) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ [ (13) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ
__________
[ (11) ] أخرجه مسلم في: 43- كتاب الفضائل، ص (1814) بنقل الاسناد.
[ (12) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (13) بَابُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، ح (51) ، ص (1804) ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ منصور، وأبو الربيع كلاهما عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ..
[ (13) ] في (ص) «أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا شيبان، حدثنا عبد الوارث ... » وفي صحيح مسلم: «حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي، حدثنا عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التّيّاح، حدثنا أنس (ح) وحدثنا شيبان بن فروخ واللفظ له، حدثنا عبد الوارث ...(1/312)
أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالَ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ [ (14) ]- أَحْسَبُهُ قَالَ: كَانَ فَطِيمًا- قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (15) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَسَعِيدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَمِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ، وَمِنْ أشجع الناس.
__________
[ (14) ] هو أبو عمير بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، واسمه زيد بن سهل، وهو أخو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وأمهما أم سليم، مات عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم،
وكان يداعب معه النبي صلى الله عليه وسلّم ويقول: أَبَا عُمَيْرٍ! مَا فَعَلَ النّغير،
وهو جمع نغرة طير كالعصفور محمّر المنقار، ومعنى: ما فعل النّغير ما شأنه؟
وما حاله؟
[ (15) ] الحديث أخرجه البخاريّ في: 78- كتاب الأدب (81) باب الانبساط إلى الناس. فتح الباري (10: 526) مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ، وفي (112) باب الكنية للصبي، فتح الباري (9: 572) عن عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، وبنفس هذه الرواية أخرجه مسلم في: 38- كتاب الآداب (5) باب استحباب تحنيك المولود ح (30) ، ص (1692) .
وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب، ح (4969) ، ص (4: 292) ، من طريق مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حمّاد، عن ثابت، عن أنس، وأخرجه الترمذي عن هنّاد، عن وكيع، عن شعبة في كتاب الصلاة ح (333) ، ص (2: 154) وقال: «حسن صحيح» ، ومن طريق عبد الله بن إدريس، عن شعبة أخرجه الترمذي أيضا في كتاب البر والصلة (57) باب ما جاء في المزاح (4:
357) ، وأخرجه ابن ماجة في الأدب (24) باب في المزاح، ح (3720) ، ص (1226) ، من طريق وكيع، عن شعبة وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 115، 119، 171، 188، 190، 201، 212، 223) .(1/313)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ [ (16) ] .
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ العوفي، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو حامد ابن بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عند المعتبة: ماله؟ تَرِبَتْ جَبِينُهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (17) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نمير،
__________
[ (16) ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ بلفظ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وأشجع الناس.. من حديث طويل، في: 56- كتاب الجهاد، (82) باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق، فتح الباري (6: 95) .
وبلفظ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ... أخرجه البخاري في:
78- كتاب الأدب (39) باب حسن الخلق، فتح الباري (10- 455) ، ومسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (11) بَابُ في شجاعة النبي- عليه السلام، ح (48) ، ص (1802) .
كما أخرجه الترمذي، وابن ماجة في الجهاد، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 147، 185، 271) .
[ (17) ] أخرجه البخاري في: 78- كتاب الأدب، (44) باب ما ينهى عن السّباب واللعن، فتح الباري (10: 464) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 144) .(1/314)
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ [ (18) ] أَخْلَاقًا [ (19) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ.
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ [- رَحِمَهُ اللهُ-] [ (20) ] ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيَّ، يَقُولُ:
سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ- أَوْ قَالَتْ: يَعْفُو وَيَغْفِرُ- شَكَّ أَبُو دَاوُدَ [ (21) ] .
__________
[ (18) ] في (ح) : أحسنكم، وأثبتّ ما في (هـ) ، وهو موافق لرواية مسلم، ووردت رواية «أحسنكم» في البخاري. الفتح (7: 102) .
[ (19) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6:
566) ، وفي: 62- كتاب فضائل الصحابة (27) باب مناقب عبد الله بن مسعود، الفتح (7:
102) ، وفي: 78- كتاب الأدب (38) باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم فاحشا ولا متفحّشا، فتح الباري (10: 452) ، وفي (39) باب حسن الخلق، فتح الباري (10: 456) .
وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (16) بَابُ كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم، حديث (68) ، ص (1810) ، والترمذي في: 28- كتاب البر والصلة (47) بَابُ مَا جَاءَ فِي الفحش، ح (1975) ، ص (4: 349) ، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 161) ، (6: 174) .
[ (20) ] الزيادة من (ص) .
[ (21) ] مسند أَحْمَدَ (6: 236) .(1/315)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، وَعَاصِمُ ابْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبي ذؤيب، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْعَتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، بِأَبِي وَأُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ.
زَادَ آدَمُ: وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ بَعْدَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ [ (22) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عن بُنْدَارٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بن
__________
[ (22) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، ح (3562) ، فتح الباري (6: 566) ، وطرفاه في: 78- كتاب الأدب (72) باب من لم يواجه الناس، الفتح (10: 513) ، وفي (77) باب الحياء، الفتح (10: 521) .
وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (16) بَابُ كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم، ح (67) ، صفحة (1809) .
وأخرجه ابن ماجة في الزهد، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 77، 79، 88، 91، 92) .(1/316)
حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلْمٌ [ (23) ] الْعَلَوِيُّ، عَنْ أَنَسٍ.
أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، قَلَّمَا يُوَاجِهُ رَجُلًا فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ- فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ ذَا عَنْهُ [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، [حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ] [ (25) ] قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قالت:
__________
[ (23) ] في (هـ) : سالم.
[ (24) ] أخرجه أبو داود في الترجل، وفي الأدب، عن القواريري: عبيد الله بن عمر، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عن سلم بن قيس العلوي البصري، عن أنس، وليس من ولد علي بن أبي طالب، قال أبو داود في الأدب: «ليس هو علوي، كان يبصر في النجوم، وشهد عند عديّ بن أرطاة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته، كما أخرجه الترمذي في الشمائل، والنسائي في اليوم والليلة، تحفة الأشراف (1: 227) .
وساق ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4: 135) الحديث، وقال: «قال الساجي: فيه ضعف» ، وقد ضعفه العقيلي (2: 164) ، وجرحه ابن حبان (1: 343) .
[ (25) ] العبارة بين الحاصرتين، سقطت من (ح) .(1/317)
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ؟
وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا [ (26) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ عُثْمَانَ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ: إِذَا بَلَغَهُ الشَّيْءُ عَنِ الرَّجُلِ لَمْ يَقُلْ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ ذَكَرَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِيَ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعطاء [ (27) ] .
__________
[ (26) ] أخرجه أبو داود في الأدب، باب في حسن العشرة، ح (4788) ، ص (4: 250) ، وهو مختصر من حديث أخرجه البخاري في الأدب، وفي الاعتصام بالسنة، ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلّم، (35) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته، ح (127) ، عن عائشة، قالت: «صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا فترخّص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه، فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه.. إلخ الحديث.
[ (27) ] أخرجه البخاري في: 57- كتاب فرض الخمس (19) باب ما كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم يعطي المؤلفة قلوبهم، فتح الباري (6: 251) ، كما أخرجه أيضا في: 77- كتاب اللباس (18) باب البرود، فتح الباري (10: 275) ، وفي: 78- كتاب الأدب (68) باب التبسم والضحك، فتح الباري (503- 504) .
وأخرجه مسلم في: 12- كتاب الزكاة (44) باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، ح (128) ، ص (730) ، كما أخرجه أبو داود في الأدب، والنسائي في القسامة، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 153، 210) .(1/318)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتَمِنُهُ [ (28) ] ، وَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ عُقَدًا فَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ، فَصَدَعَ [ (29) ] ذَلِكَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عُقَدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ بَنِي فُلَانٍ، وَلَقَدِ اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عُقَدِهِ.
فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَخْرَجَ الْعُقَدَ فَوَجَدَ [ (30) ] الْمَاءَ قَدِ اصْفَرَّ فَحَلَّ الْعُقَدَ، وَنَامَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَ [ (31) ] .
__________
[ (28) ] في (ص) : «ويأمنه» .
[ (29) ] في (ص) : «فصرع» .
[ (30) ] في (ص) و (ح) : «ووجد» .
[ (31) ] الخبر أخرجه ابن سعد (2: 199) ، والذهبي في التاريخ (2: 362) ، تحقيق العلامة:
«حسام الدين القدسي» - رحمه الله- وابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 38- 39) .
قال الإمام الرازي الجصاص في «أحكام القرآن» : «زعموا أن النبي- صلوات الله عليه وسلامه- سحر، وأن السحر عمل فيه. وقد قال الله تعالى مكذّبا للكفار فيما ادعوه من ذلك: «وقال الظالمون: إن تتبعون إلا رجلا مسحورا» ، ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين» .
ويقول الشيخ: «محمد زاهد الكوثري» : محاولة اليهود سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم أمر واقع، وأما تأثير ذلك عليه كما يصوره بعض الرواة ممن يعدون في الثقات، فقد رده المحققون، واليه أميل، لقوله تعالى: «ولا يفلح الساحر حيث أتى» ، وذكر الله ذلك في معرض الاستنكار لقول المشركين» :
«إن تتبعون إلا رجلا مسحورا» ولقوله تعالى: «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» .
وإطالة الكلام في إثبات التأثير الفظيع المنافي لذلك تنزيها لبعض الرواة مما لا أستحسنه، وإن ذهب إليه الجمهور، ولا مانع من أن يهم بعض الثقات، ودعوى ذلك التأثير في منتهى الخطورة على بعض العقول، فالتمسك بالآيات أحكم، والله أعلم.» أ. هـ.(1/319)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ [الْقَطَّانُ] [ (32) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ ابن زَيْدٍ، أَبُو يَحْيَى الْمُلَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، إِذَا صَافَحَ، أَوْ صَافَحَهُ الرَّجُلُ، لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ، وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمَا رُكْبَتَهُ [ (33) ] بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ [ (34) ] .
أخبرنا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ. ومَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَيَتْرُكَ يده
__________
[ (32) ] ليست في (ص) .
[ (33) ] في (هـ) : «ركبتيه» .
[ (34) ] أخرجه الترمذي في الزهد عن سعيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن عمران بن زيد التغلبي، عن زيد الحواري العمي، عن أنس، وقال: «غريب» ، وأخرجه ابن ماجة في الأدب، عن علي بن محمد، عن وكيع، عن أبي يحيى الطويل الكوفي، وهو عِمْرَانُ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ العمي، عن أنس، أتمّ منه.(1/320)
حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ [ (35) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ الْأَصْبَهَانِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُوسُفَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا جَلَسَ يَتَحَدَّثُ كَثِيرًا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: أَظُنُّ أَبَا حَازِمٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
«مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ» [ (37) ] .
__________
[ (35) ] أَخْرَجَهُ أبو داود في الأدب (باب) في حسن العشرة، ح (4794) ، صفحة (2: 251- 252) .
[ (36) ] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب (باب) الهدي في الكلام، ح (4837) ، ص (4: 260) .
[ (37) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (23) باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فتح الباري (6:
566) ، وطرفه في: 70- كتاب الأطعمة (21) باب ما عاب النبي صلى الله عليه وسلّم طعاما قط، الفتح (9:
547) .
وأخرجه مسلم في: 36- كتاب الأشربة، (35) باب لا يعيب الطعام، ح (187) ، ص (1632) ، وكذا الحديث (188) ، ص (1633) .(1/321)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَجَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ ابن الْفَرَجِ، وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَطُّ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
زَادَ يَحْيَى بْنُ نَصْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! النَّاسُ إِذَا رَأَوَا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، قَالَ: يَا عَائِشَةُ، وَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ أَتَى قَوْمًا الْعَذَابُ. وَتَلَا رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا الْآيَةَ [ (38) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ
__________
[ (38) ] الآية الكريمة (24) من سورة الأحقاف.(1/322)
هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (39) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (40) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، وَقَيْسٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:
قُلْتُ: لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ
__________
[ (39) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الأحقاف (2) باب «فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أوديتهم..» فتح الباري (8: 578) ، وفي 78- كتاب الأدب (68) باب التبسم والضحك، فتح الباري (10: 504) .
وأخرجه مسلم في: 9- كتاب الاستسقاء، (3) باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم. ح (16) ، ص (616- 617) ، وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب، (باب) ما يقول إذا هاجت الريح، ح (5098) ، صفحة (4: 326) ، والإمام أحمد في «مسنده» (6: 66) .
(مستجمعا) : المستجمع المجدّ في الشيء القاصد له.
(لهواته) : اللهوات جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك.
[ (40) ] أخرجه مسلم في: 5- كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (52) باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، ح (286) ، ص (463) ، وأعاد القصة الأخيرة منه في فضائل النبي وأخرجه أبو داود في الصلاة، والنسائي في الصلاة، وفي «اليوم والليلة» . تحفة الأشراف (2: 153) .(1/323)
طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ. وَكَانَ أَصْحَابُهُ رُبَّمَا تَنَاشَدَوْا عِنْدَهُ الشِّعْرَ وَالشَّيْءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ:
أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ:
أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهُ فَأَكْتُبَ الْوَحْيَ، وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا. فَكُلُّ هَذَا نُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ [ (41) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَشَدَّ الناس بأسا [ (42) ] .
__________
[ (41) ] أخرجه الترمذي في الشمائل عن عباس الدوري، عن المقرئ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عن أبي عثمان: الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، عن سليمان بن خارجة عن أبيه. تحفة الأشراف للمزي (3:
213) .
[ (42) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 86) ، وإسناده صحيح.(1/324)
قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَرَكِبَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ عَرِيًّا [ (43) ] ، فَخَرَجَ النَّاسُ فَإِذَا هُمْ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قد سبقهم إلى الصوت، قَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ، وَهُوَ يَقُولُ:
لَنْ تُرَاعُوا. وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: لَقَدْ وَجَدْنَا بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ [ (44) ] .
قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ، قَالَ: فَمَا سُبِقَ ذَلِكَ الْفَرَسُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، وَغَيْرِهِ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سفيان ابن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر، قال:
__________
[ (43) ] رسمت في (ص) : «عرى» .
[ (44) ] الحديث تقدم تخريجه بالحاشية رقم (16) من الفصل السابق، فتح الباري (6: 95) ، (10:
455) . مسلم ص (1802) .(1/325)
سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ:
لَا [ (45) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (46) ] يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَرَسُولُ اللهِ [ (47) ] ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الريح المرسلة [ (48) ] .
__________
[ (45) ] أخرجه البخاري في: 78- كتاب الأدب، (باب) حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلّم (باب) مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ لَا.
ص (1805) ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ الأشجعي، وعن مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ ابن مهدي، ثلاثتهم عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، كما أخرجه الترمذي في الشمائل، عن بندار، عن ابن مهدي.
[ (46) ] الزيادة من (هـ) .
[ (47) ] في (هـ) و (ح) : رسول وأثبتّ ما في (ص) ، وهو الموافق لرواية البخاري.
[ (48) ] أخرجه البخاري في: 1- كتاب بدء الوحي (5) باب حدثنا عبدان، الفتح (1: 30) ، وفي 30- كتاب الصوم (7) باب أجود ما كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي رمضان، الفتح (4: 116) في: 61- كتاب المناقب، (23) باب النبي صلى الله عليه وسلّم، الفتح (6: 566) ، وفي: 66- كتاب المناقب (7) باب كان جبريل يعرض الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، الفتح (9: 43) ، وفي: 78- كتاب الأدب، (39) باب حسن الخلق والسخاء ... الفتح (10: 455) عن ابن عباس تعليقا.(1/326)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدَانَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَعْطَاهُ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ. فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (49) ] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بن محمد أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ:
سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ. قَالَ: يَعْنِي فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ. وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خرج إلى الصلاة.
__________
[ () ] وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (12) بَابُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، ح (50) ، ص (1803) ، وأخرجه النسائي في باب الفضل والجود في شهر رمضان (4: 125) ، والإمام أحمد في «مسنده» (1: 231) .
[ (49) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (14) بَابُ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ:
لَا. وكثرة عطائه، ح (57) ، ص (1806) ، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 108، 175، 259، 284) .(1/327)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (50) ] ، عَنْ آدَمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو ابن الْبَخْتَرِيِّ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ:
قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ [ (51) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ،
__________
[ (50) ] الحديث أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع، أخرجه في: 10- كتاب الأذان (44) باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج، فتح الباري (2: 162) ، عن آدم. عن شعبة ... ،
وفي: 69- كتاب النفقات (8) باب خدمة الرجل في أهله. الفتح (9: 507) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ شعبة، وفي: 78- كتاب الأدب (40) باب كيف يكون الرجل في أهله، فتح الباري (10: 461) عن حفص بن عمر، عَنْ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سألت عائشة.
وأخرجه الترمذي في: 38- كتاب صفة القيامة، (45) باب، حديث (2489) ، ص (4:
654) ، عن هنّاد، عن وكيع، عن شعبة ... وقال: «هذا حديث حسن صحيح» ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 49، 126، 206) .
[ (51) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 256) .(1/328)
وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ [كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ] [ (52) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْآدَمِيُّ الْقَارِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابن الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْعَبْدِ وَالْأَرْمَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُمْ مِنْ حَاجَاتِهِمْ [ (53) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ، بِالرَّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيَعْتَقِلُ الشَّاءَ، وَيَأْتِي مراعاة الضيف [ (54) ] .
__________
[ (52) ] الجملة بين الحاصرتين سقطت من (ص) . والحديث في مسند أحمد (6: 121، 167، 260) .
[ (53) ] أخرجه النسائي في الصلاة، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، عن الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يحيى بن عقيل الخزاعي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي أوفى، تحفة الأشراف (4: 290) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 614) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» .
[ (54) ] قال ابن كثير: «هذا غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه، وإسناده جيد» ، البداية والنهاية (6:
45) .(1/329)
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَعْوَرُ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ [ (55) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (56) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إسماعيل بن عُلَيَّةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الطَّيِّبِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْحَنَّاطُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أنس ابن مَالِكٍ:
أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عليهم [ (57) ] .
__________
[ (55) ] البداية والنهاية (6: 44- 45) .
[ (56) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (15) بَابُ رحمة النبي صلى الله عليه وسلّم بالصبيان ... ، ح (63) ، ص (1808) .
[ (57) ] أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب التسليم على الصبيان، ومسلّم في: 39- كتاب السلام (5) باب استحباب السلام على الصبيان، ح (14) ، ص (1708) .(1/330)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ شُعْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ [ (58) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ- هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ- عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهِ، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، وَغَيْرِهِ، [عَنْ أَبِي الْفَضْلِ] [ (59) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
__________
[ (58) ] أورده ابن كثير في البداية والنهاية (6: 46) .
[ (59) ] ما بين الحاصرتين سقطت من (ح) و (ص) .(1/331)
سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك.
أَنَّ امْرَأَةً فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِيَ إِلَيْكَ حَاجَةً.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتِ، قُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ، فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، يُنَاجِيهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ حَمَّادِ [ (60) ] .
__________
[ (60) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (19) بَابُ قرب النبي عليه السلام من الناس، ح (76) ، ص (1812- 1813) .(1/332)
بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَصَبْرِهِ عَلَى الْقُوتِ الشَّدِيدِ فِيهَا، وَاخْتِيَارِهِ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَمَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لَهُ فِيهَا، عَلَى الدُّنْيَا
وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّهُ. قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا، فَاسْتَشَارَ فِيهِ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَوَاضَعَ، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ:
حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ [ (2) ] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (131) من سورة طه.
[ (2) ] (الزُّبَيْدِيِّ) مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بن عامر الإمام الحافظ، الحجة، القاضي، أبو الهذيل الزّبيدي، الحمصي، قاضيها.
ولد في خلافة عبد الملك. وحدث عن نافع مولى ابن عمر، ومكحول، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وسعيد المقبريّ، وغيرهم، وحديث عنه الأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، وفرج بن فضالة، وبقية، وغيرهم.
كان اعلم اهل الشام بالفتوى والحديث، وكان ثقة من ثقات المسلمين، ومن نظراء الاوزاعي، في العلم، وقال أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: قَالَ الأوزاعي: «لم يكن في أصحاب الزهري أثبت من(1/333)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ: أَنَّ اللهَ، عز وجل، أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ الْمَلَكُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ يخبّرك بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا. فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تَوَاضَعْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا. قَالَ: فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ [ (3) ] .
__________
[ () ] الزّبيدي» ، ثم قال أبو داود: «ليس في حديثه خطأ» .
وقال ابن حبان: «كان من الحفاظ المتقنين، أقام مع الزهري عشر سنين، حتى احتوى على اكثر علمه، وهو من الطبقة الأولى من أصحابه» . مات سنة (148) .
ترجمته في «التاريخ الكبير» (1: 1: 254) ، «الجرح والتعديل» (4: 1: 111) ، طبقات ابن سعد (7: 2: 169) ، تاريخ الفسوي (1: 131) ، مشاهير علماء الأمصار (182) ، تهذيب التهذيب (9: 502) ، شذرات الذهب (1: 244) .
[ (3) ] الحديث في كراهية الأكل متكئا أخرجه النسائي في السنن الكبرى. عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عن بقية، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ....، وكان ابن عباس يحدث به، ذكره أبو القاسم في ترجمة محمد ابن عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جده، وقال في آخره: «كَذَا قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله» ، وإنما هو «محمد بن علي بن عبد الله» - وكذا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «التَّارِيخِ الكبير» (1: 1: 124) فيمن اسمه «محمد بن عبد الله» وروى حديثه هذا عن حيوه بن شريح، عن بقية، وكذلك ذكره ابن أبي حاتم، عن أبيه، فيمن اسمه «محمد بن عبد الله» . تحفة الأشراف للمزي (5: 232، 233) .
ورواه ابن كثير في البداية والنهاية (6: 48) ، عن البخاري وعن النسائي، ثم قال: «اصل هذا الحديث في الصحيح بنحو هذا اللفظ» .
وفي مسند أحمد (2: 231) : «عن أبي هريرة، قال: جلس جبريل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: «إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك، قال: أفملكا نبيا يجعلك، أو عبدا رسولا، قال جبريل:
تواضع لربك يا محمد، قال: بل عبدا رسولا» .(1/334)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَرْبِيُّ، فِي جَامِعِ الْحَرْبِيَّةِ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَدَّثَهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي اعْتِزَالِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نِسَاءَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خِزَانَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ، وَجَلَسَ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، وَقَلَّبْتُ عَيْنِيَّ فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا غَيْرُ قَبْضَتَيْنِ- أَوْ قَالَ قَبْضَةٍ- مِنْ شَعِيرٍ، وَقَبْضَةٍ مِنْ قرط نَحْوَ الصَّاعَيْنِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، أَوْ أَفِيقَانِ [ (4) ] . قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي، وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، وَهَذِهِ الْأَعْجَامُ: كِسْرَى وَقَيْصَرُ، فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ هَكَذَا؟
قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا قُلْتُ:
بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (5) ] ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ
وَ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (4) ] (أفيق) هو الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه: أفق، كأديم وأدم.
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 18- كتاب الطلاق (5) باب في الإيلاء واعتزال النساء، ح (30) ، ص (1105- 1108) .(1/335)
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ، فو الله مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا أُهُبٌ ثَلَاثَةٌ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللهَ. فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَقُلْتُ:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ. وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، حَتَّى عَاتَبَهُ اللهُ، عَزَّ وجل.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَدَأَ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، إِنَّكَ دَخَلْتَ عَلَيَّ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. قَالَتْ:
ثُمَّ قَرَأَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (6) ] قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ والله، إن أبي لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (7) ] ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن عبد الرزاق.
__________
[ (6) ] الآية الكريمة (28) من سورة الأحزاب.
[ (7) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: 67- كتاب النكاح (83) باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، فتح الباري (9: 278) ، ومسلم في: 18- كتاب الطلاق، (5) باب في الإيلاء، حديث (35) ، ص (1113) .(1/336)
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، إِمْلَاءً، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى الْبَجَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِالشَّرِيطِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْحَرَفَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، انْحِرَافَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟
فَقَالَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عنه-: ومالي لَا أَبْكِي وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ يَعِيشَانِ فِيمَا يَعِيشَانِ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَرَى؟! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عُمَرُ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: هُوَ كَذَلِكَ [ (8) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: اضْطَجَعَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَأَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَذِنْتَنَا فَنَبْسُطَ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ.
__________
[ (8) ] مضى بمعناه، وانظر الحاشية رقم (5) من هذا الباب.(1/337)
فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا وَالدُّنْيَا؟ إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرْكَهَا [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَحْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ الدَّبَّاسُ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ لِيَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا سَرَّنِي أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنِي.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (10) ] ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ.
__________
[ (9) ] أخرجه الترمذي في: 37- كتاب الزهد، (44) باب حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ح (2377) ، ص (4: 588) ، وابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (3) باب مثل الدنيا، حديث (4109) ، ص (1376) .
[ (10) ]
أخرجه البخاري في: 94- كتاب التمني (2) باب تمني الخير، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم: «لو كان لي أحد ذهبا» ، فتح الباري (13: 217- 218) ولفظه: لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت أن لا يأتي عليّ ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيء أرصده في دين عليّ أجد من يقبله» .
وهو جزء من حديث عن أبي ذر، أخرجه البخاري في: 79- كتاب الاستئذان (30) باب من أجاب بلبّيك وسعديك، فتح الباري (11: 61) ، وأخرجه البخاري أيضا في: 81- كتاب الرقاق (14) بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا يسرّني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا» . فتح الباري (11: 263- 264) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ.(1/338)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا [ (11) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ عُمَارَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، مُنْذُ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا، مِنْ خُبْزِ برّ
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في: 12- كتاب الزكاة (9) باب الترغيب في الصدقة، حديث (32) و (33) جزء مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ- ص (687- 688) .
وأخرجه ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (8) باب في المكثرين، ح (4132) ، ص (1384) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 256، 316) ، (5: 149، 152) .
[ (11) ] الحديث أخرجه البخاري في 81- كتاب الرقاق (17) باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وتخليهم عن الدّنيا، فتح الباري (11: 283) .
وأخرجه مسلم في: 53- كتاب الزهد والرقائق، حديث (18 و 19) صفحة (2281) ، وفي:
12- كتاب الزكاة، (43) باب في الكفاف والقناعة، ح (126) ، ص (730) .
وأخرجه الترمذي، وابن ماجة في الزهد، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 232، 446، 481) .(1/339)
حَتَّى تُوُفِّيَ. [ (12) ] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا يُوسُفُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ، نَحْوَهُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (13) ] ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ- إِمْلَاءً- قال:
__________
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 83- كتاب الإيمان والنذور (22) باب إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز ... فتح الباري (11: 570) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن ابن عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
وأخرجه البخاري أيضا في: 70- كتاب الأطعمة (23) باب ما كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، الفتح (9: 549) ، من طريق قتيبة، عن جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عائشة.
وأخرجه البخاري كذلك في: 81- كتاب الرقاق (17) باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وتخلّيهم عن الدنيا، فتح الباري (11: 282) .
وأخرجه مسلم في: 53- كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (20) وما بعده، صفحة (2281) .
وأخرجه النسائي في الضحايا، وابن ماجة في الأطعمة، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 98، 434) ، (4: 442) ، 6 (128، 156، 187، 255، 277) .
[ (13) ] الحديث في صحيح مسلم، في: 53- كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (21) ، صفحة (2281) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، وإسحق بن إبراهيم، كلهم عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة- رضي الله عنها-.(1/340)
أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عن عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُنَّا نُخْرِجُ الْكُرَاعَ [ (14) ] بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَنَأْكُلُهُ. فَقُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُونَ؟
فَضَحِكَتْ، وقَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (15) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، يَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، مَا نُوقِدُ بِنَارٍ لِلطَّعَامِ، إِلَّا أَنَّهُ التَّمْرُ، وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ حَوْلَنَا أَهْلُ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَيَبْعَثُ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ بِغَزِيرَةِ شَاتِهِمْ إِلَى رَسُولِ الله، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَسْقِينَا من ذلك اللبن.
__________
[ (14) ] (الكراع) : - يطلق عليه الطعام، وهو مستدق الساق.
[ (15) ] الحديث أخرجه البخاري في: 70- كتاب الأطعمة، (27) باب ما كان السّلف يدّخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، الفنح (9: 552) ، وفي نفس الكتاب (37) باب القديد. الفتح (9: 563) .
وأخرجه الترمذي في: 20- كتاب الأضاحي (14) باب الرّخصة في أكلها- لحوم الأضاحي- بعد ثلاث، ح (1511) ص (4: 95) ، وأخرجه ابن ماجة في: 29- كتاب الأطعمة (30) باب القديد، ح (3313) ، ص (1101) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 128، 136) .
(فائدة) أرادت عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أن النهي عن أدخار لحوم الأضاحي بعد الثلاث نسخ، وأن سبب النهي كان خاصا بذلك العام، حيث جاع فيه الناس.(1/341)
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (16) ] مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ- هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ- قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ:
كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، فَقَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ [ (17) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن هُدْبَةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
مَا أَكَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وسلم، على خِوَانٍ وَلَا فِي سُكُرَّجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قَالَ:
فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ عَلَى السّفر [ (18) ] .
__________
[ (16) ] الحديث أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (6: 108) ، وأخرجه البخاري في: 81- كتاب الرقاق (17) باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلّم، ومسلم في: 53- كتاب الزهد والرقائق مختصرا.
[ (17) ] أخرجه البخاري في: 81- كتاب الرقاق (17) باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، فتح الباري (11: 282) ، كما أخرجه البخاري في الأطعمة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (باب) شاة مسموطة والكتف، وأخرجه ابن ماجة في: 29- كتاب الأطعمة (45) باب الرقاق، ح (3339) ، ص (1108) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 128، 130) .
[ (18) ] أخرجه البخاري في: 70- كتاب الأطعمة (8) باب الخبز المرقّق، فتح الباري (9: 530) من طريق: علي بن عبد الله المديني، وأخرجه البخاري مختصرا في: 81- كتاب الرقاق، (16) باب فضل الفقر، فتح الباري (11: 273) ، وأخرجه الترمذي في أول كتاب الأطعمة، ح (1788) ، صفحة (4: 250) ، وابن ماجة في الأطعمة، والإمام أحمد في «مسنده» (3:
120) .(1/342)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (19) ] مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَخْطُبُ، فَذَكَرَ مَا فُتِحَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَلْتَوِي يَوْمَهُ مِنَ الْجُوعِ، مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ [ (20) ] مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنس:
__________
[ (19) ] صحيح مسلم، 53: كتاب الزهد، ح (22) ، صفحة (2282) .
[ (20) ] (الدّقل) : التمر الرديء.
[ (21) ] مسلم. 53- كتاب الزهد، ح (34) ، ص (2284) .(1/343)
أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ [ (22) ] سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَأَخَذَ لِأَهْلِهِ شَعِيرًا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ [ (23) ] . قَالَ: وَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ [ (24) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قال: أخبرنا هشام ابن عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَدَمٍ، وَحَشْوُهُ لِيفٌ [ (25) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ النّضر.
__________
[ (22) ] (الإهالة) : ما أذيب من شحم الإلية، وفي الصحاح: الإهالة الودك، وقال ابن المبارك: «هو الدسم إذا جمد على رأس المرقة» ، وقال الخليل: «هي الإلية تقطع، ثم تذاب» (والنسخة) :
هي المتغيرة الطعم والرائحة من طول الزمان.
[ (23) ] أخرجه البخاري في: 34- كتاب البيوع (14) باب شراء النبي صلى الله عليه وسلّم بالنّسيئة، حديث (2069) ، فتح الباري (4: 302) ، وفي: 48- كتاب الرهن (1) باب في الرّهن في الحضر، فتح الباري (5: 140) .
وأخرجه الترمذي في: 12- كتاب البيوع (7) بَابُ مَا جَاءَ فِي الرّخصة في الشراء إلى أجل، ح (1215) ص (3: 510- 511) ، وأخرجه النسائي في البيوع عن إسماعيل بن مسعود، وابن ماجة من الأحكام بقصة الرهن عن نصر بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، والإمام أحمد في «مسنده» (3:
133، 180، 208، 211، 232، 252، 270، 288، 290) .
[ (24) ] لفظ البخاري في البيوع، والترمذي: «وإن عنده يومئذ لتسع نسوة» . اما لفظ البخاري في الرهن:
«تسع أبيات» .
[ (25) ] بهذا الإسناد أخرجه البخاري في: 81- كتاب الرقاق، (17) باب كيف كان عيشه صلّى الله عليه وسلّم، ح (6456) ، فتح الباري (11: 282) . وأخرجه مسلم من أوجه أوفر في: 37- كتاب اللباس (6) باب التواضع في اللباس، ح (37، 38) ، ص (1650) .(1/344)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ هِشَامٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، فِي الْفَوَائِدِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ عمر ابن بَرْهَانَ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَبَاءَةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِفَرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فُلَانَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَرَأَتْ فِرَاشَكَ، فَذَهَبَتْ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ، بِهَذَا. فَقَالَ: رُدِّيهِ.
قَالَتْ: فَلِمَ أَرُدُّهُ وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: رُدِّيهِ يا عائشة، فو الله لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللهُ، تَعَالَى [ (26) ] مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [ (27) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عبد الله بن يوسف الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَفَّانَ- يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ- قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خراش، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ. قَالَتْ: فَحَسِبْتُ ذَلِكَ فِي وَجَعٍ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مالي أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ؟ قَالَ: من
__________
[ (26) ] في (ص) : «عز وجل» .
[ (27) ] أورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 53) .(1/345)
أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَتَتْنَا أَمْسِ، فَأَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهُنَّ، فَكُنَّ فِي خَمْلِ الْفِرَاشِ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَرَضٍ لَهُ؟ قَالَتْ: وَكَانَتْ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ- قَالَ مُوسَى: أَوْ سَبْعَةٌ- قَالَتْ: فَأَمَرَنِي نَبِيُّ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْ أُفَرِّقَهَا. قَالَتْ: فَشَغَلَنِي وَجَعُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، حَتَّى عَافَاهُ اللهُ تَعَالَى. قَالَتْ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَالَ: مَا فَعَلْتِ، أَكُنْتِ فَرَّقْتِ السِّتَّةَ الدَّنَانِيرَ أَوِ السَّبْعَةَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللهِ، لَقَدْ كَانَ شَغَلَنِي وَجَعُكَ. قَالَتْ: فَدَعَا بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ فَقَالَ: مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللهِ لَوْ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى وَهَذِهِ عِنْدَهُ [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يُوسُفَ: يَعْقُوبُ بْنُ أحمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَزْهَرِ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَدَّخِرْ شَيْئًا لِغَدٍ [ (30) ] .
__________
[ (28) ] مسند أحمد (6: 293) .
[ (29) ] مسند أحمد (6: 104) .
[ (30) ] أخرجه الترمذي في: 37- كتاب الزهد، (38) باب معيشة النبي صلى الله عليه وسلّم، ح (2362) ، ص (4:
580) ، وقال: «غريب، وقد روى هذا عن جعفر، عن ثابت، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم- مرسلا. تحفة الأشراف (1: 106- 107) وأورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 54) ، وقال: «هذا الحديث في الصحيحين، والمراد أنه كان لا يدخر شيئا لغد مما يسرع إليه الفساد كالأطعمة ونحوها(1/346)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ [ (31) ]- عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ [ (32) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: [ (33) ] أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ [ (34) ] قَالَ: حَدَّثَنَا [إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:] .
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبْرًا مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ:
مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟ قَالَ: تَمْرًا أَدَّخِرهُ. قَالَ: وَيْحَكَ يَا بِلَالُ، أو ما تَخَافُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بُخَارٌ فِي النَّارِ؟ أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذي العرش إقلالا.
__________
[ () ] لما ثبت في الصحيحين عن عمر أنه قال: كانت أموال بني النضير مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المسلمون عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فكان يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ- عَزَّ وجل-
[ (31) ] في (ص) : الجوني، وفي (هـ) . الحوفي، وأثبّت ما في صحيح مسلم.
[ (32) ] صحيح مسلم- كتاب الزهد- حديث (30) ، ص (2283) .
[ (33) ] ليست في (ص) .
[ (34) ] في (ح) : «جعفر بن محمد بن نصير» .(1/347)
بَابُ حَدِيثِ نَفَقَةِ رَسُولِ اللهِ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى هَمَّهُ، وَسَعْيِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَابْنِ السَّبِيلِ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ: الربيع ابن نَافِعٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَبُو حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْهَوْزَنِيُّ- يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ الْهَوْزَنِيَّ، قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بِحَلَبَ [ (3) ] ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم؟
__________
[ (1) ] في (ح) : «نفقة النبي وما في ذلك» .
[ (2) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (3) ] بلال بن رباح الحبشي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وأمه حمامة، مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: أكثر الروايات على أنه مات بدمشق سنة عشرين. وقال البخاري: مات بالشام، وقال أبو زرعة: «قبره بدمشق» ، وقال ابن مندة: «توفي بدمشق، وقيل بحلب سنة عشرين» . تهذيب تاريخ دمشق الكبير (3:
304) .(1/348)
فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (4) ] ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ، فَرَآهُ عَارِيًا، يأمرني فأنطلق فأستعرض، وَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ وَالشَّيْءَ، فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي. فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا لَبَّيْهِ. فَتَجَهَّمَنِي وَقَالَ قَوْلًا غَلِيظًا، فَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، ولكن أعطيتك لتجب لِي عَبْدًا فَأَرُدَّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ، رَجَعَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي كُنْتُ أتَدَيَّنُ مِنْهُ قَدْ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي.
فَأْذَنْ لِي آتِي بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي. فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ الْأُفُقَ. فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللهُ بِقَضَائِكَ. فَحَمِدْتُ اللهَ تَعَالَى. وَقَالَ: أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ لك
__________
[ (4) ] في (ص) : «عز وجل» .(1/349)
رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ. فَإِذَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ «فَدَكَ» فَاقْبِضْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اقصد دَيْنَكَ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمْ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ إِصْبُعي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ وَقُلْتُ:
مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ. فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي، وَأَعْرِضُ وَأَقْضِي، حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ، أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ [ (5) ] ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ؟
قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. فَقَالَ: فَضَلَ شَيْءٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، دِينَارَانِ. قَالَ: انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُمَا. قَالَ:
فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، جَاءَ رَاكِبَانِ فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا، فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللهُ مِنْهُ. فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَزْوَاجَهُ فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتَّى إِذَا أَتَى مَبِيتَهُ. فَهَذَا الَّذِي سألتني عنه [ (6) ] .
__________
[ (5) ] في (ص) : «قاعد وحده» .
[ (6) ] قال ابن كثير في البداية والنهاية (6: 55) : «قال البيهقي بسنده عن أبي داود السجستاني، وأبي حاتم الرازي، كلاهما عن أبي تَوْبَةَ: الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ ...(1/350)
بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُوسِهِ مَعَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَهْلِ الصُّفَّةِ
وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّهُ وَنَهَاهُ عَنْ طَرْدِهِمْ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [ (1) ] وَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [ (2) ] .
أخبرنا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، كُرْدُوسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى- يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ جَالِسًا مَعَهُمْ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ مَعَهُمْ نَفْسِيَ» . قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ بَيْنَنَا نَفْسَهُ فينا، ثم
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (28) من سورة الكهف.
[ (2) ] الآية الكريمة (52) من سورة الأنعام.(1/351)
قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ وَبَرَزَتْ وجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا عَرَفَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خُمْسُمِائَةِ عَامٍ» [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ:
نَزَلَتْ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ قَالَ: كُنَّا ضُعَفَاءَ نَجْلِسُ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَالْخَيْرَ، وَكَانَ يُخَوِّفُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا يَنْفَعُنَا اللهُ بِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَجَاءَ الْأَقْرَعُ بن
__________
[ (3) ] الحديث في الترمذي في 37- كتاب الزهد، باب رقم (37) ما جاء ان فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، الحديث رقم 2353، 4/ 578، عن أبي هريرة، وقال: حسن صحيح.
وفي سنن ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (6) باب منزلة الفقراء حديث رقم 4122، 2/ 1380 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ فقراء المؤمنين الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يوم.
وخمسمائة عام» .
وأخرجه الدارمي في كتاب الرقاق باب (118) ، والإمام احمد مسنده: 2/ 296، 343، 451، 513، 519، 5/ 366.
وقد سئل ابن الصلاح عن هذا الحديث وهل هذا يطلق على الفقير الذي قد جمع بين العلم والعمل؟ أم الفقير الذي قد منع الدنيا ولا حظ له فيها فيكون دخوله الجنة جبرا لقلبه يوم القيامة حيث يتمنى شيئا لا يقدر عليه؟ وان اطلق ذلك على الفقير الذي قد جمع بين العلم والعمل فذلك هو الغني الأكبر، وما هو الفقير والغني الذي ورد فيهم. بين لنا.
فأجاب رضي الله عنه: يدخل في هذا الفقير الذي لا يملك شيئا والمسكين الذي يملك شيئا ولكن لا يملك تمام كفايته إذا كانوا مؤمنين غير مرتكبين شيئا من الكبائر ولا مصرين على شيء من الصغائر، ويشترط في ذلك أن يكونا صابرين على الفقر والمسكنة راضين بهما والله أعلم.(1/352)
حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِنَا، وَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَرَوْنَا مَعَهُمْ، فَاطْرُدْهُمْ إِذَا جَالَسُوكَ، فَنَزَلَتْ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يَقُولُ ابْتَلَيْنَا [ (4) ] .
وَحَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ عَنْكَ فَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. وَكُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَرَجُلَانِ قَدْ نَسِيتُ اسْمَهُمَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا شَاءَ اللهُ وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ الْآيَةَ: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ (5) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] .
__________
[ (4) ] الحديث أخرجه ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (7) باب مجالسة الفقراء، ح (4127) ، ص (1382- 1383) ، وقال الهيثمي في الزوائد: «إسناده صحيح ورجاله ثقات، وقد روى مسلم والنسائي وابن ماجة بعضه مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أبي وقاص» . قلت: وهو الحديث التالي.
[ (5) ] الآية الكريمة (53) من سورة الأنعام.
[ (6) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي 44- كتاب فضائل الصحابة، (5) باب في فضل سعد بن أبي وقاص، الحديث (45) و (46) ، ص (1878) ، وأخرجه ابن ماجة في: 37، كتاب الزهد، (7) باب في مجالسة الفقراء، ح (4128) ، ص (1383) ، كما أخرجه النسائي في المناقب (في الكبرى) عن بندار مختصرا، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ في معناه. تحفة الأشراف (3: 289) .(1/353)
بَابُ [ (1) ] ذِكْرِ اجْتِهَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَخَوْفِهِ مِنْهُ، عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ، بِالطَّابَرَانِ [ (2) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ النَّجَاحِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة، عن زياد ابن عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] ، مِنْ حديث ابن
__________
[ (1) ] من هنا تبدأ المقابلة مع النسخة المرموز إليها بالرمز (م) وفي وصفها راجع تقدمة الكتاب، وورد في هامش (ص) : أول الجزء الثاني من نسخة الخطيري.
[ (2) ] الطابران: إحدى مدينتي طوس، معجم البلدان (6: 2) .
[ (3) ] الحديث أخرجه الستة سوى أبي داود والإمام أحمد: فأخرجه البخاري في: 19- كتاب التهجد (6) باب قيام النبي صلى الله عليه وسلّم الليل. فتح الباري (3: 14) ، وفي: 65- كتاب التفسير (2) باب لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخر، من تفسير سورة الفتح، فتح الباري (8: 584) كلاهما من حديث المغيرة.
وأخرجه مسلم في: 50- كتاب المنافقين (18) باب إكثار الأعمال، والاجتهاد في العبادة، حديث (79، 80) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وحديث (81) عن عائشة، ص (2171- 2172) .
وأخرجه الترمذي في الصلاة، بَابُ مَا جَاءَ فِي الاجتهاد في الصلاة، من حديث المغيرة، وقال:
«وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وحديث المغيرة بن شعبة: حديث حسن صحيح» (2:
268) .(1/354)
عُيَيْنَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ [ (4) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (5) ] ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟
قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَطِيعُ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرٍ وَإِسْحَاقَ، عَنْ جَرِيرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مَنْصُورٍ [ (6) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ. قَالُوا [ (7) ] : فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يا رسول الله!
__________
[ () ] وأخرجه النسائي في قيام الليل (3: 219) من حديث المغيرة.
وأخرجه ابن ماجة في: 5- كتاب إقامة الصلاة والسنة فِيهَا، (200) بَابُ مَا جَاءَ فِي طول القيام، ح (1419) عن المغيرة، وحديث (1420) عن أبي هريرة. ص (456) .
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 251، 256) ، و (6: 115) .
[ (4) ] في (م) : «الرّذباريّ» .
[ (5) ] ليست في (م) .
[ (6) ] الحديث أخرجه البخاري في: 30- كتاب الصوم (64) باب هل يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ، ح (1987) ، فتح الباري (4: 235) ، وفي: 81- كتاب الرقاق (18) باب القصد والمداومة على العمل، ح (6466) ، الفتح (11: 294) .
وأخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها (30) باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، الحديث (217) ، ص (541) .
وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، (باب) ما يؤمر به من القصد في الصلاة، ح (1370) ، ص (2: 48) ، والإمام أحمد في «مسنده» (6: 43، 55، 174، 189) ، والبيهقي في السنن الكبرى (4: 299) .
[ (7) ] في (ح) : «قال» .(1/355)
قَالَ: إِنِّي لَسْتُ فِي ذَاكُمْ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ [ (8) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجْنَا [ (9) ] مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمْ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ [ (10) ] الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَيْمُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: اقْرَأْ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ. قَالَ:
فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ فَلَمَّا بَلَغتُ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [ (12) ] قَالَ: حَسْبُكَ. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عيناه تذرفان.
__________
[ (8) ] أخرجه مالك في الموطأ، في 18- كتاب الصيام، (13) باب النهي عن الوصال في الصيام، حديث رقم (39) صفحة (301) وأخرجه البخاري في: 30- كتاب الصوم، (49) باب التنكيل لمن أكثر الوصال، ومسلم في: 13- كتاب الصيام، (11) باب النهي عن الوصال في الصوم، حديث (58) ، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 231، 237، 244، 315، 345، 418) .
[ (9) ] في (ص) و (م) : أخرجا.
[ (10) ] في (م) : «أبو طاهر» .
[ (11) ] أورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 59) .
[ (12) ] الآية الكريمة (41) من سورة النساء.(1/356)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (13) ] ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (14) ] أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْهِلَالِيِّ [ (15) ] ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ- هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ [ (16) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن مُكْرَمٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَا مِنَ الْبُكَاءِ [ (17) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (18) ] أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْحُصَيْرِيُّ [ (19) ] ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَيَّانَ التَّمَّارُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
__________
[ (13) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن (33) باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. فتح الباري (9: 94) ، وأخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين (40) باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، الحديث (247) ، ص (551) .
[ (14) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (15) ] في (م) : «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الهلالي» .
[ (16) ] أخرجه النسائي (3: 13) في كتاب السهو، (باب) البكاء في الصلاة، والإمام أحمد في «مسنده» (4: 25) .
[ (17) ] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، (باب) البكاء في الصلاة، الحديث (904) ، ص (1:
238) .
[ (18) ] في (ص) و (م) : «أخبرنا» .
[ (19) ] في (هـ) و (ح) : الحصري.(1/357)
رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ شِبْتَ، قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ، والْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتِ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ (20) ] .
وَحَدَّثَنَا الْإِمَامُ الطَّيِّبُّ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر ابن مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ، فَقَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ وَأَخَوَاتُهَا: الْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
__________
[ (20) ] الحديث أخرجه الترمذي في: 48- كتاب تفسير القرآن (57) باب سورة الواقعة، الحديث (3297) ، ص (4: 402) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 343) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.(1/358)
بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى الْجُوعِ، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللهُ [ (1) ] بِهِ مِنَ الْبَرَكَةِ فِيمَا دَعَا فِيهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، [قَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ كَانَ مُطْعِمُ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ لَأَطْلَقْتُهُمْ، يَعْنِي أُسَارَى بَدْرٍ [ (3) ] .
قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَدٌ، وَكَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حازم، قال:
__________
[ (1) ] في (م) : «الله تعالى» .
[ (2) ] ليست في (ص) و (م) .
[ (3) ] حديث:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عديّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هؤلاء النّتنى لتركتهم له» .. أخرجه البخاري في الخمس عن إسحق ولم ينسبه- عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَفِي المغازي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وأخرجه أبو داود في الجهاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بن فارس الذهلي، عن عبد الرزاق.
«تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي (2: 414) » .(1/359)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ.
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (4) ] ، جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَعَمَدَ نَحْوَهُ فَوَقَفَ فَسَلَّمَ، فَرَدَّ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَأَلْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي. فَقَالَ عُمَرُ: أَخْرَجَنِي الْجُوعُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ، فَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ، فَطَلَعَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَعَمَدَ نَحْوَهُمَا حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمَ، فَرَدَّا عَلَيْهِ السَّلَامَ- فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَنَظَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ [ (5) ] صَاحِبُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجَ قَبْلِي وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ، فَسَأَلْتُهُ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي. فَقَالَ: أَخْرَجَنِي الْجُوعُ. فَقُلْتُ لَهُ: أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا فَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَعْلَمَانِ مِنْ أَحَدٍ نَضِيفُهُ الْيَوْمَ؟ قَالَا:
نَعَمْ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، لَهُ أَعْذُقٌ وَجَدْيٌ، إِنْ جِئْنَاهُ نَجِدْ عِنْدَهُ فَضْلَ تَمْرٍ [ (6) ] . فَخَرَجَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَصَاحِبَاهُ حَتَّى دَخَلُوا الْحَائِطَ، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ أُمُّ الْهَيْثَمِ تَسْلِيمَهُ فَفَدَّتْ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَخْرَجَتْ حِلْسًا لَهَا مِنْ شَعَرٍ فَجَلَسُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَبُو الْهَيْثَمِ؟ فَقَالَتْ: ذَاكَ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. فَطَلَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِالْقِرْبَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَلَمَّا أَنْ رأى وضح
__________
[ (4) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (5) ] في (م) و (ص) : «يخبره» .
[ (6) ] في (م) و (ص) : «تمر» .(1/360)
النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّخْلِ، أَسْنَدَهَا إِلَى جِذْعٍ وَأَقْبَلَ يُفَدِّي بِالْأَبِ وَالْأُمِّ. فَلَمَّا رَآهُمْ عَرَفَ الَّذِي بِهِمْ فَقَالَ لِأُمِّ الْهَيْثَمِ: هَلْ أَطْعَمْتِ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَاحِبَيْهِ شَيْئًا؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا جَلَسَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، السَّاعَةَ. قَالَ: فَمَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: عِنْدِي حَبَّاتٌ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: كَرْكِرِيهَا وَاعْجِنِي وَاخْبِزِي- إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْخَمِيرَ- قَالَ: وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، مُوَلِّيًا، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَذَاتَ الدَّرِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أُرِيدُ عُنَيِّقًا فِي الْغَنَمِ، فَذَبَحَ وَنَصَبَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَصَاحِبَاهُ فَشَبِعُوا، لَا عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهَا، فَمَا مَكَثَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَجَاءَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، تَشْكُو إِلَيْهِ الْعَمَلَ وَتُرِيهُ يَدَهَا وَتَسْأَلُهُ إِيَّاهُ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُعْطِيهِ أَبَا الْهَيْثَمِ، فَقَدْ رَأَيْتُهُ وَمَا لَقِيَ هُوَ وَمُرَيَّتُهُ يَوْمَ ضِفْنَاهُمْ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ:
[خُذْ] [ (7) ] هَذَا الْغُلَامَ يُعِينُكَ عَلَى حَائِطِكَ، وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا فَقَالَ [ (8) ] : فَمَكَثَ عِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ مُشْتَغِلًا [ (9) ] أَنَا وَصَاحِبَتِي بِحَائِطِنَا، فَاذْهَبْ فَلَا رَبَّ لَكَ إِلَّا اللهُ، [عَزَّ وَجَلَّ] [ (10) ] . فَخَرَجَ ذَلِكَ الْغُلَامُ إِلَى الشَّامِ وَرُزِقَ فِيهَا [ (11) ] .
ورَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هُوَ عِلْمِي: بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عن
__________
[ (7) ] الزيادة من (م) .
[ (8) ] في (ص) و (م) : «قال» .
[ (9) ] في (ص) و (م) : «مستقلا» .
[ (10) ] الزيادة من (هـ) و (ح) .
[ (11) ] أخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10: 316- 317) ، وقال: «رواه البزار، وأبو يعلى باختصار قصة الغلام، والطبراني كذلك، وفي أسانيدهم كلها: «عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، أبو خلف» ، وهو ضعيف.(1/361)
أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-] [ (12) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (13) ] أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حدّثنا زكريّا ابن يَحْيَى الْخَزَّانُ، أَبُو عَلِيٍّ، بِالْبَصْرَةِ فِي حَانُوتِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ: عَبْدُ الله ابن عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ الظَّهِيرَةِ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. فَكَانَ فِيمَا زَادَ: وَجَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ فَفَرِحَ بِهِمْ وَقَرَّتْ عَيْنَاهُ بِهِمْ، وَصَعِدَ نَخْلَةً فَصَرَمَ لَهُمْ أَعْذَاقًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
حَسْبُكَ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَأْكُلُونَ مِنْ بُسْرِهِ [وَمِنْ] [ (14) ] رُطَبِهِ وَمَنْ تَذْنُوبِهِ [ (15) ]- ثُمَّ أَتَاهُمْ بِمَاءٍ فَشَرِبُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الْخَادِمِ [ (16) ] .
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ مُبَشِّرٍ، عَنْ أَبِي خَلَفٍ الْخَزَّازِ، دُونَ ذِكْرِ عُمَرَ فِي إِسْنَادِهِ. وَفِي الْبَابِ: عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَذَكَرَ قِصَّةَ الْخَادِمِ دُونَ ذِكْرِ فَاطِمَةَ.
وَأَرْسَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
__________
[ (12) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (13) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (14) ] الزيادة من (م) .
[ (15) ] (تذنوبه) أي الذي بدأ فيه النضج من قبل ذنبه.
[ (16) ] «مجمع الزوائد» (10: 317) .(1/362)
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ- قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ عَلَى حَجَرٍ- فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ:
لِمَ عَصَبَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ- وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ- فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزِ وَتَمَرَاتٍ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (وَحْدَهُ) ] [ (17) ] ، أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ مَعَهُ بِأَحَدٍ قَلَّ عَنْهُمْ. فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا أَنَسُ فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ اتَّبِعْهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ فَقُلْ: أَبِي يَدْعُوكَ. فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَلَمَّا قُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ. قَالَ لِأَصْحَابِهِ:
يَا هَؤُلَاءِ تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ بَيْتِنَا أَرْسَلَ يَدَيَّ، فَدَخَلْتُ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءِ بِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي قُلْتَ لِي، فَدَعَا أَصْحَابَهُ، فَقَدْ جَاءَكَ بِهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا يشبع مَا أَرَى [ (18) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ادْخُلْ، فَإِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
__________
[ (17) ] الزيادة من (م) .
[ (18) ] في (هـ) «من أرى» .(1/363)
اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ قَرِّبُوهُ. وَجَلَسَ [ (19) ] مَنْ مَعَهُ بِالسِّكَّةِ، فَقَرَّبْنَا مَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى حَصِيرِنَا، فَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ: يَدْخُلُ عَلَيَّ ثَمَانِيَةٌ، فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً، فَجَعَلَ كَفَّهُ فَوْقَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: كُلُوا وَسَمُّوا اللهَ [تَعَالَى] [ (20) ] ، فَأَكَلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَقَامَ الْأَوَّلُونَ، فَفَعَلْتُ، فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً. فَمَا زَالَ ذَلِكَ أَمْرَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا، كُلُّهُمْ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ. ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي وَأَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: كُلُوا. فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَيْنَ هَذَا مِنْ طَعَامِكِ حِينَ قَدَّمْتِيهِ؟
قَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ [ (21) ] ، لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ لَقُلْتُ: مَا نَقَصَ مِنْ طَعَامِنَا شَيْءٌ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (22) ] .
__________
[ (19) ] في (م) : «وحبس» .
[ (20) ] الزيادة من (ح) و (هـ) .
[ (21) ] في (م) و (ص) : «بأبي أنت وأمي» .
[ (22) ] أخرجه مسلم في: 36- كتاب الأشربة (20) باب استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك..(1/364)
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَثَلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَثَلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَبْلَهُ، وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [ (1) ] : مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ مِينَا، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ [ (3) ] بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ مِينَا [ (4) ] ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى دَارًا- وَقَالَ يَزِيدُ: بَنَى دَارًا- فَأَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ هَذِهِ اللَّبِنَةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلّم: فأنا
__________
[ (1) ] في (م) : الحسن، تحريف.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين ساقط من (هـ) .
[ (3) ] في (م) : «سليم» .
[ (4) ] في (م) : «ابن مينا» .(1/365)
مَوْضِعُ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ» [ (5) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَفَّانَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (6) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وعليّ بن جحر [قَالَا] [ (7) ] ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، ويقولون: هذا وَضَعْتَ هَذِهِ اللَّبِنَةَ؟! فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصّحيح عن قتيبة [ (8) ] .
__________
[ (5) ] الحديث أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ بدون نهايته، في: 61- كتاب المناقب (18) باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، الحديث (3534) ، ص (6: 558) .
وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (7) بَابُ ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، الحديث (23) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة، ص (1791) .
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 361) .
[ (6) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (7) ] الزيادة من (م) .
[ (8) ] البخاري ومسلم في الموضعين السابقين.(1/366)
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَثَلِهِ وَمَثَلِ أُمَّتِهِ وَمَثَلِهِمْ وَمَثَلِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ، وَأَنَّ عَيْنَيْهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتَا تَنَامَانِ وَالْقَلْبُ يَقْظَانُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (1) ] : «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَالْجَنَادِبُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِيَّ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُلَيْمٍ. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] جاء في (م) الزيادة التالية:
«قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أخبرنا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ مِينَاءٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى دَارًا، وَقَالَ يَزِيدُ: بَنَى دارا فأحسنها، إلى مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوقد نارا ... » .
[ (2) ] من طريق مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ ابن مهدي، عن سليم، عن سعيد بن ميناء، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أخرجه مسلم فِي 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (6) بَابُ شفقة النبي صلى الله عليه وسلّم، على أمته، الحديث (19) ، صفحة(1/367)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (3) ] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ حَدَّثَنَا [ (4) ] أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ [ (5) ] أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ.
وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (6) ] ، بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا.
وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً.
فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ [بِمَا] [ (7) ] بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ [ (8) ] .
__________
[ () ] (1790) وانظر «تحفة الأشراف (2: 184) » .
ومن حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي، ومسلم فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ، بَابُ شفقته على أمته، صفحة (1789) .
[ (3) ] في (م) : «أخبرنا» ، وفي (ص) بدون قال.
[ (4) ] في (ص) : «حدثني» .
[ (5) ] في (ح) : «بن» وهو تحريف، فبريد هو ابن عبد الله روى عن أبي بردة كما سيأتي في سند الحديث.
[ (6) ] ليست في (م) .
[ (7) ] في (م) و (ص) : «ما» .
[ (8) ] الحديث أخرجه البخاري في: 3- كتاب العلم (20) باب فضل من علم وعلّم، ح (79) ، فتح الباري (1: 175) من طريق: محمد بن العلاء (أبو كريب) ، عن حماد بن أسامة، أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي موسى الأشعري، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.(1/368)
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ، [تَعَالَى] بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا [ (9) ] فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَأَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ [ (10) ] ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ [ (11) ] ، فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِيَ وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ [ (12) ] .
__________
[ () ] وأخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (5) بَابُ بيان مثل ما بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم من الهدى والعلم، الحديث (15) ، ص (1787) من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة، وأبي عامر الأشعري، ومحمد بن العلاء، قالوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بريد ...
وأخرجه النسائي في العلم (في الكبرى) عن القاسم بن زكريا الكوفي، عن أبي أسامة، تحفة الأشراف (6: 438- 439) .
[ (9) ] في (ح) و (هـ) : قومه. وأثبتّ ما في (م) وهو موافق لرواية البخاري.
[ (10) ] (أنا النذير العريان) قال العلماء: «أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل هذا طليعة القوم ورقيبهم» .
[ (11) ] في (م) : «مهلتهم» .
[ (12) ] أخرجه البخاري كاملا بإسناده عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، في: 96- كتاب الاعتصام بالسنة، (2) باب الاقتداء بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتح الباري (13: 250) .
وأخرجه البخاري سوى الفقرة الأخيرة منه، وبنفس الإسناد في: 81- كتاب الرقاق، (26) باب الانتهاء عن المعاصي، فتح الباري (11: 316) .
وأخرجه مسلم في: 43- كتاب الفضائل، (6) باب شفقته صلّى الله عليه وسلّم على أمته، ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، الحديث (16) ، صفحة (1788) .(1/369)
رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ: طَاهِرُ بْنُ يَحْيَى الْبَيْهَقِيُّ بِهَا [ (13) ] مِنْ أَصْلِ كِتَابِ خَالِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِي: الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ: مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ (14) ] . فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ: كَأَنَّ جِبْرِيلَ، [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (15) ] ، عِنْدَ رَأْسِي، وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا: فَقَالَ: اسْمَعْ، سَمِعَتْ، أُذُنُكَ، واعقل قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يدعوا النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِمْ، مِنْهُمْ مِنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ.
فَاللهُ هُوَ: الْمَلِكُ. وَالدَّارُ: الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ: الْجَنَّةُ. وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ: الرَّسُولُ، مَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا» [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
__________
[ (13) ] في (ح) و (هـ) : بها، أي بيهق، وفي (م) (ص) : بنجياباذ.
[ (14) ] الآية الكريمة (25) من سورة يونس.
[ (15) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (16) ] الحديث في «المستدرك» (2: 338- 339) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي «صحيح» .(1/370)
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ [ (17) ] : صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ: فَقَالُوا: إِنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، فَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، مَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ [ (18) ] وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. قَالُوا: فَالدَّارُ: الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي:
مُحَمَّدٌ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (19) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (20) ] ، أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنِيَّ
__________
[ (17) ] في (هـ) : «رسول» .
[ (18) ] في (ح) : «الجنة» .
[ (19) ] في: 96- كتاب الاعتصام بالسنة، (2) باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الحديث (7281) ، ص (13: 249) .
[ (20) ] ليست في (م) و (ص) .(1/371)
تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ [ (21) ] .
__________
[ (21) ] أخرجه البخاري في: 31- كتاب التراويح، (1) باب فضل من قام رمضان، ومسلم في: 6- كتاب المسافرين (17) باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلّى الله عليه وسلّم في الليل، الحديث (125) ، ومالك في الموطأ في: 7- كتاب الليل (2) باب صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم في الوتر، حديث (9) ، ص (120) .
وأخرجه أبو داود في التطوع، والترمذي في الصلاة، والنسائي في كتاب الليل، والإمام أحمد في «مسنده» (6: 26، 73، 104) .(1/372)
بَابُ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ، وَصِفَةِ أُمَّتِهِ
قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِيمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (1) ] .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، ببغداد، قال:
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (156) من سورة الأعراف.
[ (2) ] الآية الكريمة (6) من سورة الصف.(1/373)
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ نَصْرٍ الْبَزَّازُ، دُوسْتُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ [ (3) ] بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ؟ فَقَالَ:
أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ [ (4) ] : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ. أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ:
الْمُتَوَكِّلَ. لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخِبٍ [ (5) ] بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ: أَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَفْتَحُ بِهِ أعينا عميا، وآذانا صما، وَقُلُوبًا غُلْفًا [ (6) ] .
قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ [ (7) ] فَسَأَلْتُهُ، فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا [يَقُولُ] [ (8) ] : أَعْيُنًا عُمُويا، وَأَذَانًا صُمُومَى، وَقُلُوبًا غلوفى [ (9) ] .
__________
[ (3) ] في (هـ) و (ح) : شريح، تصحيف، والصحيح سريج، وهو «سريج بن النعمان الجوهري» ، ثقة، روى عن فليح، وعنه البخاري. له جمة في الميزان (2: 116) ، وتهذيب التهذيب (3:
457) .
[ (4) ] في (ح) و (م) و (ص) : «الفرقان» وأثبتّ ما وافق رواية البخاري.
[ (5) ] في (هـ) و (ح) : «صخب» وفي البخاري «صخاب» وفي أول الباب من البخاري «كراهية السخب» .
[ (6) ] الحديث أخرجه البخاري في: 34- كتاب البيوع (50) باب كراهية السّخب في الأسواق، الحديث (2125) ، فتح الباري (4: 342) ، وفي: 65- كتاب التفسير تفسير سورة الفتح (3) باب «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ونذيرا» فتح الباري (8: 585) .
[ (7) ] في (ح) و (م) : «كعب الحبر» .
[ (8) ] سقطت من (ص) .
[ (9) ] في (ص) : «أعينا عمويا، وقلوبا غلوفا، وآذانا صموما» ، وهذه الفقرة «قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبَ الأخبار.. ليست في البخاري.(1/374)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ.
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ. عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، كَانَ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [ (10) ] . هِيَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ:
الْمُتَوَكِّلَ، لَسْتَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سخاب بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وَلَنْ نَقْبِضَهُ حَتَّى نُقِيمَ بِهِ [ (11) ] الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَنْفَتِحَ [ (12) ] بِهَا أَعْيُنًا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غُلْفًا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ [ (13) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قِيلَ: هُوَ ابْنُ رَجَاءٍ. وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ صَالِحٍ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ رَجَاءٍ. وَاللهُ أعلم.
__________
[ (10) ] الآية الكريمة (45) من سورة الأحزاب.
[ (11) ] في (هـ) : «ولكن تعفو وتصفح، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ به» ، وفي (ح) : «ولن يقبضه حتى يقيم به» وأثبتّ ما في (م) وهو موافق لما في (ص) . ورواية البخاري: «ولن يقبضه الله حتى ... » .
[ (12) ] في (ح) و (هـ) : «فيفتح» .
[ (13) ] هي رواية البخاري في كتاب التفسير. فتح الباري (8: 585) ، وعبد الله هذا وقع غير منسوب في بعض الروايات، وفي رواية أبي ذر وابن السكن: «عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ» ، وأبو مسعود تردد في عَبْدِ اللهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ بين ان يكون «عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ» أو «عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ» كاتب الليث، وقال أبو علي الجياني: «عندي أنه عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ» ، ورجحه المزي في تحفة الأشراف (6:
363) ، وقال ابن حجر في النكت الظراف على تحفة الأشراف: «قد وقع في رواية أبي ذر، عن شيوخه الثلاثة: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مسلمة- يعني القعنبي- فانتفى ما قاله أبو مسعود.(1/375)
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ سَلَامٍ.
أَخْبَرَنَا [ (14) ] أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ. أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُهُ: الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، ولا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو [وَيَغْفِرُ] [ (15) ] وَيَتَجَاوَزُ. وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ [ (16) ] الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ [ (17) ] بِأَنْ يُشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، نَفْتَحُ [ (18) ] بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا.
قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثِيُّ [ (19) ] : أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ [ (20) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ:
__________
[ (14) ] في (ص) : «أخبرناه» .
[ (15) ] سقطت من (م) و (ص) .
[ (16) ] في (م) : «نقيم» .
[ (17) ] في (ح) و (هـ) : «المتعوّجة» .
[ (18) ] في (ح) و (هـ) : «يفتح» .
[ (19) ] أبو واقد الليثي، من الصحابة، مترجم في الإصابة.
[ (20) ] البداية والنهاية (6: 61) .(1/376)
قُلْتُ لِكَعْبٍ الْحَبْرِ: كَيْفَ تَجِدُونَ صِفَةَ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي التَّوْرَاةِ؟
قَالَ: نَجِدُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، اسْمُهُ: المتوكل، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ولا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ. أُعْطِيَ الْمَفَاتِيحَ لِيُبَصِّرَ اللهُ [تَعَالَى] [ (21) ] بِهِ أَعْيُنًا عُورًا، وَيُسْمِعَ بِهِ آذَانًا وُقْرًا، وَيُقِيمَ بِهِ أَلْسُنًا مُعْوَجَّةً حَتَّى يُشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. يُعِينُ الْمَظْلُومَ وَيَمْنَعُهُ [ (22) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ [الْقَطَّانُ] [ (23) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ- يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ- قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ: أَبُو إِسْحَاقَ، قال:
حدثنا المسيب بْنُ رَافِعٍ [ (24) ] قَالَ:
قَالَ كَعْبٌ: قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدِي الْمُتَوَكِّلُ الْمُخْتَارُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، ولا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ [ (25) ] ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ [ (26) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (27) ] .
أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: لَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ
__________
[ (21) ] سقطت من (م) .
[ (22) ] تاريخ ابن عساكر (1: 343) .
[ (23) ] سقطت من (م) و (ص) .
[ (24) ] في (م) و (ص) و (ح) : «المسيب بن نافع» وهو تحريف.
[ (25) ] في (م) و (ص) : «لا يجزي بالسيئة السيئة» .
[ (26) ] الخبر في طبقات ابن سعد (1: 360) ، من أوجه أخر.
[ (27) ] في (م) و (ص) بدون «رضي الله عنها» .(1/377)
بالأسواق، ولا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ [ (28) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا فَيْضٌ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: أَوْحَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى عيسى بن مَرْيَمَ: جِدَّ فِي أَمْرِي وَلَا تَهْزِلْ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ يَا ابْنَ الطَّاهِرِ الْبِكْرِ الْبَتُولِ:
إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَجَعَلْتُكَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ.
فَسِّرْ لِأَهْلِ سُورَانَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، بَلِّغْ مَنْ بَيْنَ يَدَيْكَ: أَنَّى أَنَا اللهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا أَزُولُ. صَدِّقُوا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الْعَرَبِيَّ صَاحِبَ الْجَمَلِ وَالْمِدْرَعَةِ وَالْعِمَامَةِ، وَهِيَ التَّاجُ، وَالنَّعْلَيْنِ، وَالْهِرَاوَةِ وَهِيَ الْقَضِيبُ. الْجَعْدُ الرَّأْسِ، الصَّلْتُ الْجَبِينِ، الْمَفْرُوقُ [ (29) ] الْحَاجِبَيْنِ، الْأَنْجَلُ الْعَيْنَيْنِ. الْأَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، الْأَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، الْأَقْنَى الْأَنْفِ، الْوَاضِحُ الْجَبِينِ. الْكَثُّ اللِّحْيَةِ، عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَأَنَّهُ اللُّؤْلُؤُ، رِيحُ الْمِسْكِ يَنْفَحُ مِنْهُ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَكَأَنَّ الذَّهَبَ يَجْرِي فِي تَرَاقِيهِ، لَهُ شَعَرَاتٌ [ (30) ] مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ تَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ عَلَى صَدْرِهِ وَلَا عَلَى بَطْنِهِ شَعَرٌ غَيْرُهُ. شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا جَاءَ مَعَ النَّاسِ غَمَرَهُمْ، وَإِذَا مشى كأنما يتقلع من الصَّخْرِ، وَيَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، ذو النّسل القليل [ (31) ] .
__________
[ (28) ] الحديث مضى في البخاري، بهذا المعنى، وأورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 61) .
[ (29) ] في (هـ) و (ح) : «المفروق» .
[ (30) ] في (م) و (ص) : «شعيرات» .
[ (31) ] أورده ابن عساكر في تاريخه. المختصر (1: 344) .(1/378)
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الذُّكُورَ مِنْ صُلْبِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرِّ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُذَكِّرُ، وَأَبُو الحسن: علي ابن مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيُّ [ (32) ] قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَذَكَرَ «وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ» إن الله، عز وجل، لَمَّا قَرَّبَ مُوسَى نَجِيًّا، قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً: خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ مِنَ الْأُمَمِ، السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ في صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كُتُبَهُمْ نَظَرًا وَلَا يَحْفَظُونَهَا، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ والآخر، ويقاتلون رؤوس الضَّلَالَةِ، حَتَّى يقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي.
قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يَأْكُلُونَ صَدَقَاتِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ إِذَا أَخْرَجَ صَدَقَتَهُ بَعَثَ اللهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ لَمْ تَقْرَبْهَا النَّارُ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ.
قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً وَإِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى مائة ضعف [ (33) ] ،
__________
[ (32) ] في (م) : «الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحق الاسفرايني» . وفي (ص) : «الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحق الاسفرايني» ، محرفا.
[ (33) ] في (م) : «عشر حسنات أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» .(1/379)
فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ.
قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْمُسْتَجِيبُونَ وَالْمُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ [ (34) ] أَحْمَدَ.
قَالَ: وَذَكَرَ «وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ» فِي قِصَّةِ دَاوُدَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الزَّبُورِ: يَا دَاوُدُ، إِنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكَ نَبِيٌّ يُسَمَّى: أَحْمَدَ وَمُحَمَّدًا، صَادِقًا سَيِّدًا، لَا أَغْضَبُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُغْضِبُنِي أَبَدًا، وَقَدْ غَفَرْتُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْصِيَنِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَأُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ، أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ النَّوَافِلِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ، وَافْتَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، حَتَّى يَأْتُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ مِثْلُ نُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، كَمَا افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ. وَأَمَرْتُهُمْ بِالْحَجِّ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْجِهَادِ كَمَا أَمَرْتُ الرُّسُلَ قَبْلَهُمْ.
يَا دَاوُدُ، فَإِنِّي [ (35) ] فَضَّلْتُ مُحَمَّدًا وَأُمَّتَهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا: أَعْطَيْتُهُمْ سِتَّةَ خِصَالٍ لَمْ أُعْطِهَا غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ: لا أخذهم بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَكُلُّ ذَنْبٍ رَكِبُوهُ عَلَى [غَيْرِ] [ (36) ] عَمْدٍ إِذَا اسْتَغْفَرُونِي مِنْهُ غَفَرْتُهُ لَهُمْ، وَمَا قَدَّمُوا لِآخِرَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ عَجَّلْتُهُ لَهُمْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَلَهُمْ فِي الْمَدْخُورِ عِنْدِي أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَعْطَيْتُهُمْ، عَلَى الْمَصَائِبِ فِي الْبَلَايَا إِذَا صَبَرُوا وَقَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون- الصَّلَاةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْهُدَى إِلَى جنّات
__________
[ (34) ] أورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 62) عن المصنّف.
[ (35) ] في (م) : «بأني» .
[ (36) ] «غير» سقطت من (م) .(1/380)
النَّعِيمِ. فَإِنْ دَعَوْنِي اسْتَجَبْتُ لَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَرَوْهُ عَاجِلًا، وَإِمَّا أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُمْ سُوءًا، وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
يَا دَاوُدُ، مَنْ لَقِيَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي صَادِقًا بِهَا فَهُوَ مَعِي فِي جَنَّتِي وَكَرَامَتِي. وَمَنْ لَقِيَنِي وَقَدْ كَذَّبَ مُحَمَّدًا، وَكَذَّبَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَاسْتَهْزَأَ بِكِتَابِي صَبَبْتُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْعَذَابَ صَبًّا، وَضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ وَدُبُرَهُ عِنْدَ مَنْشَرِهِ مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ أُدْخِلُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [ (37) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا [ (38) ] الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ: عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ قَطَنِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نادينا) [ (39) ] قَالَ: نُودُوا: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اسْتَجَبْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي، وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي [ (40) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ: خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ [ (41) ] قَالَ: لَمَّا افْتَتَحْنَا «تُسْتَرَ» وَجَدْنَا فِي بَيْتِ مَالِ «الْهُرْمُزَانِ» سَرِيرًا عَلَيْهِ رَجُلٌ مَيِّتٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مُصْحَفٌ لَهُ، فَأَخَذْنَا الْمُصْحَفَ، فَحَمَلْنَاهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، [رضي الله
__________
[ (37) ] نقله ابن كثير في البداية والنهاية (6: 62) عن المصنف.
[ (38) ] في (م) : «قال حدثنا» ، وكذا الأولى.
[ (39) ] الآية الكريمة (46) من سورة القصص.
[ (40) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 408) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه» .
[ (41) ] أبو العالية الرياحي رفيع بن مهران من كبار التابعين، مترجم في التهذيب (3: 284) .(1/381)
عَنْهُ] [ (42) ] ، فَدَعَا لَهُ كَعْبًا فَنَسَخَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَنَا أَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، قَرَأَهُ، قَرَأْتُهُ مِثْلَ مَا أَقْرَأُ الْقُرْآنَ هَذَا. فَقُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: مَا كَانَ فِيهِ؟ فَقَالَ:
سِيرَتُكُمْ، وَأُمُورُكُمْ، وَدِينُكُمْ، وَلُحُونُ كَلَامِكُمْ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدُ. قُلْتُ:
فَمَا صَنَعْتُمْ بِالرَّجُلِ؟ قَالَ حَفَرْنَا بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا مُتَفَرِّقَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ [ (43) ] دَفَنَّاهُ وَسَوَّيْنَا الْقُبُورَ كُلَّهَا، لِنُعَمِّيَهُ عَلَى النَّاسِ لَا يَنْبُشُونَهُ، فَقُلْتُ [ (44) ] وَمَا تَرْجُونَ مِنْهُ؟ قَالَ: كَانَتِ السَّمَاءُ إِذَا حُبِسَتْ عَلَيْهِمْ بَرَزُوا بِسَرِيرِهِ فَيُمْطَرُونَ.
قُلْتُ: مَنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ الرَّجُلَ؟ قَالَ: رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: دَانْيَالُ فَقُلْتُ [ (45) ] مُذْ كَمْ وَجَدْتُمُوهُ مَاتَ؟ قَالَ: مُذْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. فَقُلْتُ [ (46) ] : مَا كان تغيّر شيئا؟ قَالَ:
لَا، إِلَّا شُعَيْرَاتٌ مِنْ قَفَاهُ، إِنَّ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تُبْلِيهَا الْأَرْضُ، وَلَا تَأْكُلُهَا السِّبَاعُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدٌ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ [ (47) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ عمر ابن الْحَكَمِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ وَهُوَ عَمُّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ- قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ عُمُومَتِي وَآبَائِي: أَنَّهُمْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَرَقَةٌ يَتَوَارَثُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى جاء
__________
[ (42) ] ليست في (م) .
[ (43) ] في (م) : «بالليل» .
[ (44) ] في (م) : «يرجون» .
[ (45) ] في (هـ) و (ح) : «فقال» .
[ (46) ] في (م) : «قلت» .
[ (47) ] في (ح) و (هـ) : سعيد، وهو تحريف، وهو سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ ابن حبان: «كان ممن فحش خطؤه فلا يحتج به» . الميزان (2: 124) .(1/382)
اللهُ- تَعَالَى- بِالْإِسْلَامِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، الْمَدِينَةَ، ذَكَرُوا لَهُ وَأَتَوْهُ بِهَا مَكْتُوبٌ فِيهَا: اسْمُ اللهِ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَقَوْلُ الظَّالِمِينَ فِي تَبَابٍ.
هَذَا الذِّكْرُ لَأُمَّةٍ تَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُسْبِلُونَ أَطْرَافَهُمْ، وَيَأْتَزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَيَخُوضُونَ الْبُحُورَ إِلَى أَعْدَائِهِمْ، فِيهِمْ صَلَاةٌ لَوْ كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ مَا أُهْلِكُوا بِالطُّوفَانِ، وَفِي عَادٍ مَا أُهْلِكُوا بِالرِّيحِ، وَفِي ثَمُودَ مَا أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ. بِسْمِ اللهِ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَقَوْلُ الظَّالِمِينَ فِي تَبَابٍ.
كَأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ قِصَّةً أُخْرَى. قَالَ: فَعَجِبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لما قُرِئَتْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهَا [ (48) ] .
__________
[ (48) ] حديث مرسل، وهو منكر. قاله ابو حاتم الرازي «علل الحديث» (2: 401) .(1/383)
بَابُ مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَقْرُونَةً بِصُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِالشَّامِ
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (1) ] ، مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ: أَبُو سَعِيدٍ الرَّبَعِيُّ، [قال:] [ (3) ] حدّثني محمّد، ابن عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، يَقُولُ:
لَمَّا بَعَثَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى، فَقَالُوا لِي: أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: أَفَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ [ (4) ] فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَخَذُوا بِيَدِي فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ. قُلْتُ: لا أرى
__________
[ (1) ] الزيادة من (م) .
[ (2) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (3) ] سقطت من (ص) و (م) .
[ (4) ] في (م) و (ص) رسمت: تنبّى.(1/384)
صُورَتَهُ. فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ، وَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ صُورَتِهِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِصَفَةِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَالُوا لِي: هَلْ تَرَى صِفَتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: أَهُوَ هَذَا؟
وَأَشَارُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: اللهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ. قَالُوا:
أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي أَخَذَ بعَقِبِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ [ (5) ] ، عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ هَذَا، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ:
خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ رَجُلٌ يَتَنَبَّأُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: فِيمَا أَتَيْتُمْ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأَدْخَلَنِي مَنْزِلًا لَهُ، فَإِذَا فِيهِ صُوَرٌ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: هُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا هَذَا النَّبِيُّ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. فَذَكَرَهُ.
وَفِي كِتَابِي عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ: عَبْدَ اللهِ بْنَ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيَّ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الهيثم
__________
[ (5) ] «التاريخ الكبير» (1: 1: 179) .
[ (6) ] تفسير ابن كثير (3: 568) .(1/385)
الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ، قَالَ:
بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى [هِرَقْلَ] [ (7) ] صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغُوطَةَ- يَعْنِي دِمَشْقَ- فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ [ (8) ] الْغَسَّانِيِّ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولٍ نُكَلِّمُهُ، فَقُلْنَا [لَهُ] [ (9) ] : وَاللهِ لَا نُكَلِّمُ رَسُولًا، إِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنْ أَذِنَ لَنَا كَلَّمْنَاهُ، وَإِلَّا لَمْ نُكَلِّمِ الرَّسُولَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. قَالَ:
فَأَذِنَ لَنَا، فَقَالَ: تَكَلَّمُوا فَكَلَّمَهُ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابُ سَوَادٍ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: مَا هَذِهِ الَّتِي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَبِسْتُهَا وَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَنْزِعَهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ. قُلْنَا: وَمَجْلِسُكَ هَذَا فو الله لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ وَلَنَأْخُذَنَّ مُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ، إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (10) ] . أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نبينا، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُفْطِرُونَ بِاللَّيْلِ. فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَمُلأَ وَجْهُهُ سَوَادًا، فَقَالَ: قُومُوا. وَبَعَثَ مَعَنَا رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ [لَنَا] [ (11) ] الَّذِي مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِهِ لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ الْمَلِكِ، فَإِنْ شِئْتُمْ حَمَلْنَاكُمْ عَلَى بَرَاذِينَ وَبِغَالٍ، قُلْنَا: وَاللهِ لَا نَدْخُلُ إِلَّا عَلَيْهَا. فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ. فَدَخَلْنَا عَلَى رَوَاحِلِنَا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غُرْفَةٍ لَهُ، فَأَنَخْنَا فِي أَصْلِهَا، وهو ينظر
__________
[ (7) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (8) ] في (ص) : الأيم، وهو تصحيف.
[ (9) ] سقطت من (م) .
[ (10) ] ليست في (م) .
[ (11) ] ليست في (م) .(1/386)
إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَفَّضَتِ الْغُرْفَةُ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا عِذْقٌ تُصَفِّقُهُ الرِّيَاحُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا عَلَيْنَا بِدِينِكُمْ. وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ، وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ مِنَ الرُّومِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي مَجْلِسِهِ أَحْمَرُ، وَمَا حَوْلَهُ حُمْرَةٌ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنَ الْحُمْرَةِ. فَدَنَوْا مِنْهُ فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكُمْ لَوْ حَيَّيْتُمُونِي بِتَحِيَّتِكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَإِذَا عِنْدَهُ، رَجُلٌ فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، كَثِيرُ الْكَلَامِ. فَقُلْنَا: إِنَّ تَحِيَّتَنَا فِيمَا بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتَكَ الَّتِي تُحَيَّا بِهَا لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُحَيِّيَكَ بِهَا. قَالَ:
كَيْفَ تَحِيَّتُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟ فَقُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ. قَالَ: فَكَيْفَ تُحَيُّونَ مَلِكَكُمْ؟
قُلْنَا: بِهَا. قَالَ: وَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا. قَالَ: فَمَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ؟
قُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ. فَلَمَّا تَكَلَّمْنَا بِهَا قَالَ: وَاللهُ لَقَدْ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا. قَالَ: فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا حَيْثُ تَنَفَّضَتِ الْغُرْفَةُ كُلَّمَا قُلْتُمُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ تُنَفَّضُ بُيُوتُكُمْ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، مَا رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا قَطُّ إِلَّا عِنْدَكَ. قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ كُلَّمَا قُلْتُمْ تَنَفَّضَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْكُمْ، وَأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي، قُلْنَا: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَيْسَرَ لِشَأْنِهَا وَأَجْدَرَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حِيَلِ النَّاسِ. ثُمَّ سَأَلَنَا عَمَّا أَرَادَ، فَأَخْبَرْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ:
كَيْفَ صَلَاتُكُمْ وَصَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ. فَقَالَ: قُومُوا. فَقُمْنَا، فَأَمَرَ لَنَا بِمَنْزِلٍ حَسَنٍ وَنُزُلٍ كَثِيرٍ، فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا لَيْلًا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَاسْتَعَادَ قَوْلَنَا فَأَعَدْنَاهُ، ثُمَّ دَعَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الرَّبَعَةِ الْعَظِيمَةِ مُذَهَّبَةٍ فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، فَفَتَحَ بَيْتًا وَقُفْلًا، وَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ ضَخْمُ الْعَيْنَيْنِ، عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَ طُولِ عُنُقِهِ، وَإِذَا لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، وَإِذَا لَهُ ضَفِيرَتَانِ، أَحْسَنُ مَا خَلَقَ اللهُ. قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِذَا هُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ شَعْرًا.
ثُمَّ فَتَحَ لَنَا بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ(1/387)
بَيْضَاءُ، وَإِذَا لَهُ شَعْرٌ كَشَعْرِ الْقِطَطِ، أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمُ الْهَامَةِ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ فتح بابا آخر، فاستخرج مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، صَلْتُ الْجَبِينِ، طَوِيلُ الْخَدِّ، أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ يَتَبَسَّمُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ وَإِذَا، وَاللهِ، رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَبَكَيْنَا.
قَالَ: وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ: وَاللهِ، إِنَّهُ لَهُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. إِنَّهُ لَهُوَ كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْبُيُوتِ وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ أَدْمَاءُ سَحْمَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، حَدِيدُ النَّظَرِ، عَابِسٌ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، مُقَلَّصُ الشَّفَةِ، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا.
قَالَ: هَذَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَى جَنْبِهِ صُورَةٌ تُشْبِهُهُ، إِلَّا أَنَّهُ مِدْهَانُ الرَّأْسِ، عَرِيضُ الْجَبِينِ، فِي عَيْنِهِ قَبَلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا:
قَالَ: هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ آدَمَ، سَبْطٍ، رَبْعَةٍ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا: قَالَ: هَذَا لُوطٌ عَلَيْهِ السلام.
ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، مُشْرَبٌ حُمْرَةٍ، أَقْنَى، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، فقال: هل(1/388)
تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِسْحَاقُ، عَلَيْهِ السلام.
ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ تُشْبِهُ إِسْحَاقَ إِلَّا إنَّهُ عَلَى شَفَتِهِ السُّفْلَى خَالٌ، فقال: هل تعرفون هذا؟ قُلْنَا: لَا:
قَالَ: هَذَا يَعْقُوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخر، فاستخرج مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضُ، حَسَنُ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنُ الْقَامَةِ، يَعْلُو وَجْهَهُ نُورٌ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ كَأَنَّهَا صُورَةُ آدَمَ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الشَّمْسُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَحْمَرَ، حَمْشِ السَّاقَيْنِ، أَخْفَشَ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمِ الْبَطْنِ، رَبْعَةٍ، مُتَقَلِّدٍ سَيْفًا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا دَاوُدُ، عليه السلام.
ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ ضَخْمِ الْأَلْيَتَيْنِ، طَوِيلِ الرِّجْلَيْنِ، رَاكِبٍ فَرَسٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ:
هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثم فتح بابا آخر، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ وَإِذَا رَجُلٌ شَابٌّ، شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، كَثِيرُ الشَّعْرِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا عِيسَى بن مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ لَكَم هَذِهِ الصُّوَرُ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ،(1/389)
عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، لِأَنَّا رَأَيْنَا صُورَةَ نَبِيِّنَا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، وَكَانَ فِي خِزَانَةِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي، وَإِنْ كُنْتُ عَبْدًا لَا يَتْرُكُ مُلْكَهُ حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ أَجَازَنَا فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا، وَسَرَّحَنَا. فَلَمَّا أَتَيْنَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَا، وَمَا قَالَ لَنَا، وَمَا أَجَازَنَا. قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مِسْكِينٌ، لَوْ أَرَادَ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (12) ] بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُمْ وَالْيَهُودَ يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَهُمْ [ (13) ] .
وَفِي كِتَابِي عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ إِجَازَةً، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ الْقَاضِيَ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ فَتْحَ «تُسْتَرَ» مَعَ الْأَشْعَرِيِّ [ (14) ] ، فَأَصَبْنَا قَبْرَ دَانْيَالَ بِالسُّوسِ، وَكَانُوا إِذَا اسْتَسْقَوْا خَرَجُوا فَاسْتَسْقَوْا بِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيمَا وَجَدُوا فِيهِ، وَكَانَ فِيمَا وَجَدُوا فِيهِ رَبْعَةً فِيهَا كِتَابٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَجِيرٍ نَصْرَانِيٍّ يُسَمَّى: «نُعَيْمًا» وُهِبَ لَهُ الْكِتَابُ، ثُمَّ فِي إِسْلَامِهِ، ثُمَّ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ. وَإِذَا فِيهِ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (15) ] فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَبْرًا. وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ «مُعَاوِيَةَ» فَأَتْحَفَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ.
__________
[ (12) ] الزيادة من (م) .
[ (13) ] تفسير ابن كثير (3: 564- 567) .
[ (14) ] أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ- رَضِيَ اللهُ عنه-
[ (15) ] الآية الكريمة (85) من سورة آل عمران.(1/390)
قَالَ هَمَّامٌ: فَزَعَمَ فَرْقَدٌ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو تَمِيمَةَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يُغَسِّلُوا دَانْيَالَ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ، وَأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يُوَلِّيَهُ إِلَّا الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ هَمَّامٌ: فَأَخْبَرَنِي بِسْطَامُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ قَالَ:
تَذَاكَرْنَا الْكِتَابَ إِلَى مَا صَارَ فَمَرَّ عَلَيْنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، فَدَعَوْنَاهُ، فَقَالَ:
عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتُمْ: إِنَّ الْكِتَابَ كَانَ عِنْدَ كَعْبٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قال: ألا رجل أتمته عَلَى أَمَانَةٍ يُؤَدِّيهَا. قَالَ شَهْرٌ: قَالَ ابْنُ عَمٍّ لِي يُكْنَى أَبَا لَبِيدٍ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَإِذَا بَلَغْتَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا فَاقْذِفْهُ فِيهِ- يُرِيدُ الْبَحْرَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خِلَافِ الرَّجُلِ وَعَلِمَ كَعْبٌ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ إِنَّهُ فَعَلَ، فَانْفَرَجَ الْمَاءُ فَقَذَفَهُ فِيهِ وَرَجَعَ إِلَى كَعْبٍ فَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ، فَقَالَ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ.(1/391)
الجزء الثاني
السفر الثاني من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة
جمّاع أبواب ما ظهر عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم من الآيات بعد ولادته، وقبل مبعثه وما كانت تجري عليه أحواله حتى بعث نبيا صلّى الله عليه وآله وسلّم.
جماع أبواب المبعث من الْوَقْتُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم نبيا إلى الهجرة ومتبدأ الأمر بالقتال.
جماع أبواب ما ظهر علي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، من الآيات بعد ولادته، وقبل مبعثه، وما كان، تجري عليه أحواله حتى بعث نبيّا، صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.(2/3)
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِهِ، سِوَى مَا مَضَى فِي «بَابِ» ذِكْرِ رَضَاعِهِ
قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ بِبُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ: الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَعْرُوفُ بِدُبَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، ثُمَّ شَقَّ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ [ (1) ] وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ.
وَجَعَلَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ- يَعْنِي ظِئْرَهُ [ (2) ]- فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ.
فَجَاءُوا وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ [ (3) ] فِي صَدْرِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] عن شيبان، عن حمّاد.
__________
[ (1) ] (لأمه) جمعه، وضمّ بعضه إلى بعض.
[ (2) ] (ظئره) أي: مرضعته.
[ (3) ] (المخيط) هي الإبرة.
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (74) بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، ح (261) ، صفحة (147) ، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 149) .(2/5)
وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ [ (5) ] قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، قَالَ:.
سَأَلْتُ سَعِيدًا [ (6) ] عَنْ قَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (7) ] قال: فحدّثني
__________
[ () ] وقد سبق ان أورد المصنف «حادثة شق الصور» في الجزء الأول، وأعادها هنا في سياق حديثه عن جماع أبواب ما ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم من الآيات بعد ولادته، وقبل مبعثه.
قال الصالحي في السيرة الشامية: (2: 82- 86) : «وقد تكرر شقّ صوره الشريف صلّى الله عليه وآله وسلم أربع مرات:
(الأولى) : وهو صلّى الله عليه وآله وسلم صغير في بني سعد، وهي هذه. (الثانية) : وهو صلّى الله عليه وآله وسلم ابن عشر سنين. وقد ذكرناها في الجزء الاول (الثالثة) : عند المبعث:
روى أبو داود الطيالسي، والحارث بن أبي اسامة في «مسنديهما» ، وأبو نعيم في «الدلائل» عن عائشة- رضي الله عنها- ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج ذات ليلة فسمع: السلام عليك، قال: فظننت أنها فجاءة الجن، فجئت مسرعا، حتى دخلت على خديجة، فقالت: ما شأنك؟ فأخبرتها، فقالت: ابشر، فإنّ السلام خير.
ثم خرجت مرة اخرى فإذا انا بجبريل على الشمس له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، فهلت منه، فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب، فكلّمني حتى أنست منه، ثم وعدني موعدا فجئت له، فأبطأ عليّ فأردت ان ارجع فإذا انا به وبميكائيل قد سدّ الأفق، فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فألقاني، ثم شق عن قلبي فاستخرجه، ثم استخرج منه ما شاء الله ان يستخرج، ثم غسله في طست من ماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه، ثم أكفأني، كما يكفأ الإناء، ثم ختم في ظهري، حتى وجدت مسّ الخاتم في قلبي.
(الرابعة) : ليلة الإسراء. وذكرت في الجزء الاول.
ثم ذكر صاحب سبل الهدى (2: 86) أحاديث فيها شق صدره صلّى الله عليه وآله وسلم من غير تعيين زمان.
[ (5) ] في (م) و (ص) : «ابو بكر: محمد بن عمر بن حفص» .
[ (6) ] هو «سعيد بن أبي عروبة» ، ونقل الخبر في الدر المنثور (6: 363) «سألت سعدا» وهو تصحيف ظاهر، فلم يرو ابراهيم بن طهمان، ولم يسمع أحدا اسمه سعد، إنما روى عن: سعيد بن أبي عروبة.
[ (7) ] أول سورة الإنشراح.(2/6)
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِ صَدْرِهِ إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ، فَاسْتُخْرِجَ مِنْهُ قَلْبُهُ فَغُسِلَ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ مُلِئَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [ (8) ] ، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعِيدٍ [ (9) ] . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سعيد، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو [ (10) ] السُّلَمِيِّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ.
أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، كَيْفَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا. فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا فَانْطَلَقَ أَخِي. وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ إِلَيَّ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي [ (11) ] فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فقال
__________
[ (8) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (9) ] في الأصول: «بحير بن سعد» . مصحفا، واسمه في «التهذيب» (1: 421) : «بحير بن سعيد السحولي، أبو خالد الحمصي، روى عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، ومكحول..» ، وكذا ورد اسمه: «بحير ابن سعيد» في المستدرك (2: 616) .
[ (10) ] في (هـ) : «ابن عمر السلمي» ، وما أثبتناه يوافق بقية الأصول، ورواية الإمام احمد للحديث (4:
184) .
[ (11) ] في (ح) : «بطني، ثم استخرجاه فشقاه» ، وكذا في (ص) ، وفي (م) : بدون قلبي استخرجاه.(2/7)
أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ. فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ.
فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي. ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذَرَّاهَا فِي قَلْبِي. ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ فَحَاصَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ.
قَالَ أَبُو الْفَضْلِ: يَعْنِي يَحُصْهُ: يَخِيطُهُ، وَفِي رِوَايَةِ حَيْوَةَ: حُصْهُ [ (12) ] يَعْنِي خِطْهُ.
وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ- فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ. فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أن يحزّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ.
فَقَالَا: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ. ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي. وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا.
ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، وَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتُبِسَ بِي.
فَقَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللهِ. فَرَحَّلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَنِي عَلَى الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي. حَتَّى بَلَغْنَا أُمِّي، فَقَالَتْ أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي. وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ: خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قصور الشام [ (13) ] .
__________
[ (12) ] في (م) : «حصه حصه: يعني خطه» .
[ (13) ] أخرجه بطوله: الحاكم في «المستدرك» (2: 616- 617) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، والإمام احمد في «مسنده» (4: 184) .(2/8)
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ [ (1) ] بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ:
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرٍ، [ (2) ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قَالَ: حَدَّثَني عَمِّي: أَحْمَدُ بْنُ حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُفَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي زُرْعَةُ بْنُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قَالَ:
لَمَّا ظَهَرَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ عَلَى الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِسَنَتَيْنِ أَتَوْهُ [ (3) ] وُفُودُ الْعَرَبِ وأَشْرَافُهَا وَشُعَرَاؤُهَا لِتُهَنِّئَهُ، وَتَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْ بَلَائِهِ وَطَلَبِهِ بِثَأْرِ قَوْمِهِ. وَأَتَاهُ وَفْدُ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَأَسَدُ [ (4) ] بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَوَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَقُصَيُّ بْنُ عَبْدِ الدَّارِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ آذِنُهُ وَهُوَ فِي رَأْسِ قَصْرٍ يُقَالُ له: غمدان،
__________
[ (1) ] في (هـ) : «مع عبد المطلب» .
[ (2) ] في (ص) و (م) : «بن» .
[ (3) ] في الدلائل لأبي نعيم: أتته.
[ (4) ] في (هـ) : «أشد» .(2/9)
وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثّقفي [ (5) ] .
اشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقَا ... فِي رَأْسِ غُمْدَانَ دَارًا مِنْكَ مِحْلَالَا [ (6) ]
وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ... وَأَسْبِلِ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إِسْبَالَا [ (7) ]
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا- بَعْدُ- أَبْوَالَا [ (8) ]
قَالَ: وَالْمَلِكُ مُتَضَمِّخٌ بِالْعَبِيرِ يَلْصِفُ وَبِيصُ [ (9) ] الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ مُرْتَدِيًا بِأَحَدِهِمَا مُتَّزِرًا بِالْآخَرِ، سَيْفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ الْمُلُوكُ وَالْمَقَاوِلُ، فَأُخْبِرَ بِمَكَانِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، [وَدَنَا] [ (10) ] مِنْهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُلُوكِ فَقَدْ أَذِنَّا لَكَ.
فَقَالَ: إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَحَلَّكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَحَلًّا رَفِيعًا شَامِخًا بَاذِخًا مَنِيعًا وَأَنْبَتَكَ نَبَاتًا طَابَتْ أَرُومَتُهُ، وَعَظُمَتْ جُرثُومَتُهُ، وَثَبَتَ أَصْلُهُ وَبَسَقَ فَرْعُهُ، في
__________
[ (5) ] الأبيات في سيرة ابن هشام (1: 69) من قصيدة مطلعها:
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريّم في البحر للأعداء أحوالا
[ (6) ] (غمدان) : قصر عجيب الصمعة بين صنعاء وطيوة، وقال السهيلي: قصرا أسسه يعرب قحطان.
[ (7) ] شالت نعامتهم: أي هلكوا، يقال: شالت نعامة الرجل إذا مات، والإسبال: إرخاء الثوب، وهو من فعل المختالين ذوي الإعجاب بأنفسهم.
[ (8) ] «قعبان» تثنية قعب، وهو قدح يحلب فيه، وقد جاء في قوله «لا قعبان» على لغة قديمة للعرب، كانوا يلزمون المثنى الألف في الأحوال كلها، و «شيبا» خلطا ومزجا.
قال ابن هشام: «تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ من لبن.. هذا البيت في آخرها للنابغة الجعدي وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ قيس» .
قلت: الأبيات في معجم البلدان لياقوت في الكلام على غمدان، وفي خزانة الأدب نسبة هذا البيت لأبي الصلت.
[ (9) ] وبيص: بريق.
[ (10) ] في (م) و (ص) : «فدنا» .(2/10)
أَطْيَبِ مَوْضِعٍ وَأَكْرَمِ مَعْدِنٍ، وَأَنْتَ- أَبَيْتَ اللَّعْنَ- مَلِكُ الْعَرَبِ الَّذِي لَهُ تَنْقَادُ، وَعَمُودُهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَادُ، وَمعْقِلُهَا الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، سَلَفُكَ خَيْرُ سَلَفٍ، وَأَنْتَ لَنَا مِنْهُمْ خَيْرُ خَلَفٍ فَلَنْ يَهْلِكَ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ خَلْفُهُ، وَلَنْ يَخْمُلَ ذِكْرُ مَنْ أَنْتَ سَلَفُهُ. نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللهِ [تَعَالَى] [ (11) ] وَسَدَنَةُ بَيْتِ اللهِ، أَشْخَصَنَا إِلَيْكَ الَّذِي أَبْهَجَنَا مِنْ كَشْفِكَ الْكَرْبَ الَّذِي فَدَحَنَا، فَنَحْنُ وَفْدُ التَّهْنِئَةِ لَا وَفْدُ الْمَرْزَأَةِ.
قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ:
قَالَ: ابْنُ أُخْتِنَا. قَالَ: نَعَمْ. قال: أذنه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ:
مَرْحَبًا وَأَهْلًا- وَأَرْسَلَهَا مَثَلًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا- وَنَاقَةً وَرَحْلًا، وَمُسْتَنَاخًا سَهْلًا، وَمَلِكًا رِبَحْلًا: يُعْطِي عَطَاءً جَزْلًا، قَدْ سَمِعَ الْمَلِكُ مَقَالَتَكُمْ، وَعَرَفَ قَرَابَتَكُمْ، وَقَبِلَ وَسِيلَتَكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَكُمُ الْكَرَامَةُ مَا أَقَمْتُمْ، وَالْحِبَاءُ إِذَا ظَعَنْتُمْ.
ثُمَّ أُنْهِضُوا إِلَى دَارِ الضِّيَافَةِ وَالْوُفُودِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمُ الْأَنْزَالُ فَأَقَامُوا بِذَلِكَ شَهْرًا لَا يَصِلُونَ إليه، ولا يؤذون لَهُمْ فِي الِانْصِرَافِ. ثُمَّ انْتَبَهَ لَهُمُ انْتِبَاهَةً، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنِّي مُفْضٍ إِلَيْكَ مِنْ سِرِّ عِلْمِي أَمْرًا لَوْ غَيْرُكَ يَكُونُ لَمْ أَبُحْ لَهُ بِهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكَ مَعْدِنَهُ فَأَطْلَعْتُكَ طَلْعَهُ، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَخْبِيًّا حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ، وَالْعِلْمِ الْمَخْزُونِ، الَّذِي ادَّخَرْنَاهُ لِأَنْفُسِنَا واحْتَجَبْنَاهُ دُونَ غَيْرِنَا- خَبَرًا [ (12) ] عَظِيمًا وَخَطَرًا جَسِيمًا. فِيهِ شَرَفُ الْحَيَاةِ، وَفَضِيلَةُ الْوَفَاةِ، لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَلِرَهْطِكَ كَافَّةً، وَلَكَ خَاصَّةً.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ [ (13) ] : مَثَلُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ سَرٌّ وَبَرٌّ، فَمَا هُوَ فداك أهل
__________
[ (11) ] ليست في (ص) و (م) .
[ (12) ] في (هـ) : خيرا.
[ (13) ] في (م) و (ص) : «فقال عبد المطلب» .(2/11)
الْوَبَرِ زُمَرًا بَعْدَ زُمَرٍ؟
قَالَ: إِذَا وُلِدَ بِتِهَامَةَ، غُلَامٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ. كَانَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَلَكُمْ بِهِ الزَّعَامَةُ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، [لَقَدْ] [ (14) ] أُبْتُ بِخَيْرٍ مَا آبَ بِمِثْلِهِ وَافِدُ قَوْمٍ.
وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْمَلِكِ، وَإِجْلَالُهُ وَإِعْظَامُهُ، لَسَأَلْتُهُ من سراره [ (15) ] إياي ومَا ازْدَادَ سُرُورًا.
قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هَذَا حِينُهُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ، أَوَقَدْ وُلِدَ، اسْمُهُ مُحَمَّدٌ: يَمُوتُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَيَكْفُلُهُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ، قَدْ وَلَدْنَاهُ مِرَارًا، وَاللهُ بَاعِثُهُ جِهَارًا، وَجَاعِلٌ لَهُ مِنَّا أَنْصَارًا، يُعِزُّ بِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ وَيُذِلُّ بِهِمْ أَعْدَاءَهُ، وَيَضْرِبُ بِهِمُ النَّاسَ عَنْ عُرُضٍ، وَيَسْتَفْتِحُ بِهِمْ كَرَائِمَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْبُدُ الرَّحْمَنَ، وَيَدْحَضُ- أَوْ يَدْحَرُ- الشَّيْطَانَ، وَيُخْمِدُ النِّيرَانَ، وَيَكْسِرُ الْأَوْثَانَ، قَوْلُهُ فَصْلٌ، وَحُكْمُهُ عَدْلٌ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُبْطِلُهُ.
قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: عَزَّ جَدُّكَ، وَدَامَ مُلْكُكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، فَهَلِ الْمَلِكُ سَارَّنِي بِإِفْصَاحٍ، فَقَدْ وَضَّحَ لِي بَعْضَ الْإِيضَاحِ.
قَالَ لَهُ الْمَلِكُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ: وَالْبَيْتِ ذِي الْحُجُبْ، وَالْعَلَامَاتِ عَلَى النُّقُبْ، إِنَّكَ لَجَدُّهُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبْ، غَيْرَ [ذِي] [ (16) ] كَذِبْ.
قَالَ: فَخَرَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَاجِدًا [لَهُ] [ (17) ] ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ ذِي يَزَنَ: ارفع
__________
[ (14) ] الزيادة من (م) .
[ (15) ] في (م) و (ص) : «سارّه» .
[ (16) ] الزيادة من (هـ) .
[ (17) ] الزيادة من (هـ) .(2/12)
رَأْسَكَ ثَلِجَ صَدْرُكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ، فَهَلْ أَحْسَسْتَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُ لَكَ؟
قَالَ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ كَانَ لِي ابْنٌ، وَكُنْتُ بِهِ مُعْجَبًا، وَعَلَيْهِ رَفِيقًا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهُ كَرِيمَةً، مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِي: آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَكَفُلْتُهُ أَنَا وَعَمُّهُ.
قَالَ لَهُ ابْنُ ذِي يَزَنَ: إِنَّ الَّذِي قُلْتُ لَكَ كَمَا قُلْتُ، فَاحْفَظْهُ [ (18) ] ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ لَهُ أَعْدَاءٌ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلًا وَاطْوِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ دُونَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ مَعَكَ، فَإِنِّي لَسْتُ آمَنُ أَنْ تَتَدَاخَلُهُمُ. النَّفَاسَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكُمُ الرِّئَاسَةُ فَيَنْصِبُونَ لَهُ الْحَبَائِلَ، وَيَبْغُونَ لَهُ الْغَوَائِلَ، وَإِنَّهُمْ [ (19) ] فَاعِلُونَ ذَلِكَ، أَوْ أَبْنَاؤُهُمْ غَيْرَ شَكٍّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُجْتَاحِي قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَسِرْتُ بِخَيْلِي وَرَجْلِي حَتَّى أُصَيِّرَ يَثْرِبَ [ (20) ] دَارَ مُلْكِي، فَإِنِّي أَجِدُ فِي الْكِتَابِ النَّاطِقِ، وَالْعِلْمِ السَّابِقِ: أَنَّ يَثْرِبَ اسْتِحْكَامُ أَمْرِهِ، وَأَهْلُ نُصْرَتِهِ، وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أَقِيهِ الْآفَاتِ، وَأَحْذَرُ عَلَيْهِ الْعَاهَاتِ، لَأَعْلَنْتُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ أَمْرَهُ، وَلَأَوْطَأْتُ عَلَى أَسْنَانِ الْعَرَبِ كَعْبَهُ، وَلَكِنْ سَأَصْرِفُ ذَلِكَ إِلَيْكَ عَنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ بِمَنْ مَعَكَ.
ثُمَّ دَعَا بِالْقَوْمِ، فَأَمَرَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ أَعْبُدٍ سُودٍ، وَعَشْرِ إِمَاءٍ سُودٍ، وَحُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَلِ الْبُرُودِ، وَخَمْسَةِ أَرْطَالٍ ذَهَبٍ، وَعَشَرَةِ أَرْطَالِ فِضَّةٍ، وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَكَرِشٍ مَمْلُوءٍ [ (21) ] عَنْبَرًا، وَأَمَرَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِعَشَرَةِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَأْتِنِي بِخَبَرِهِ [ (22) ] ، وَمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ.
__________
[ (18) ] العبارة من (هـ) . وجاء في (ح) و (م) و (ص) : «فاحتفظ من ابنك» .
[ (19) ] في (م) و (ص) : «وهم» .
[ (20) ] في (م) و (ص) : «حتى أصيّر بيثرب» .
[ (21) ] في (هـ) : «مملوءة» .
[ (22) ] في (هـ) رسمت: «فائتني» .(2/13)
قَالَ: فَمَاتَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَالَ: فَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ [ (23) ] عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا يَغْبِطُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ بِجَزِيلِ عَطَاءِ الْمَلِكِ وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ إِلَى نَفَادٍ، وَلَكِنْ يَغْبِطُنِي بِمَا يَبْقَى لِي وَلِعَقِبِي ذِكْرُهُ وَفَخْرُهُ.
فَإِذَا قِيلَ: وَمَا هو؟ قال: سَيُعْلَمُ مَا أَقُولُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ فِي مَسِيرِهِمْ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ أَبْيَاتًا ذَكَرَهَا.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أيضا عن الكبي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (24) ] .
__________
[ (23) ] فِي (ح) : «كثيرا ما يقول» .
[ (24) ] الخبر في دلائل النبوة لأبي نعيم (52- 60) ، ورواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 330) .(2/14)
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِسْقَاءِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ آيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حُمَيْدُ [بْنُ] [ (2) ] الْخَلَّالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ حُويِّصَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ: رُقَيْقَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ [ (3) ] : تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ جَدْبَةٌ أَقْحَلَتِ الْجِلْدَ، وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ، قَالَتْ: فَبَيْنَا أَنَا وَمَعِي صِنْوِي أَصْغَرُ مِنِّي [ (4) ] مَعَنَا بَهْمَاتٌ لَنَا وَرُبًى [ (5) ] وَأَعْبُدٌ يَرُدُّونَ عَلَيَّ السِّجف، فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدةٌ اللهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ [ (6) ] إِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ صَيِّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ [ (7) ] يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ هَذَا النّبيّ مبعوث
__________
[ (1) ] في (م) و (ص) : أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ.
[ (2) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (3) ] في (هـ) : «قال» .
[ (4) ] في (م) و (ص) : «منّا» .
[ (5) ] في (هـ) : رسمت: «ورباء» .
[ (6) ] التهويم: أول النوم.
[ (7) ] الصوت الصحل: الذي فيه بحة.(2/15)
مِنْكُمْ، وَهَذَا إِبَّانَ مَخْرَجِهِ، فَحَيْهَلَا [ (8) ] بِالْخَيْرِ وَالْخِصْبِ، أَلَا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلًا طُوَالًا عُظَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ [ (9) ] عَلَيْهِ، وَسُنَّةٌ تَهْدِي إِلَيْهِ، أَلَا، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ، وَلْيَدْلِفْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ. أَلَا فَلْيُسْقُوا مِنَ الْمَاءِ [ (10) ] ، وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، وَلْيَسْتَلِمُوا الرُّكْنَ، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ أَلَا وَفِيهِمُ الطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ لِذَاتِهِ، وَإِلَّا فَغِثْتُمْ إِذًا مَا شِئْتُمْ وَعِشْتُمْ.
قَالَتْ: فَأَصْبَحْتُ- عَلِمَ الله- مفؤودة [ (11) ] مَذْعُورَةً، قَدْ قَفَّ جِلْدِي وَوَلِهَ عَقْلِي، فَاقْتَصَصْتُ رُؤْيَايَ، فَنِمْتُ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فو الحرمة وَالْحَرَمِ إِنْ بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيٌّ إِلَّا قَالَ: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ، هَذَا شَيْبَةُ. وَتَتَمَّتْ [ (12) ] عِنْدَهُ قُرَيْشٌ، وَانْقَضَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ فَشَنُّوا وَطَيَّبُوا واسْتَلَمُوا وَطَافُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفُّونَ [ (13) ] حَوْلَهُ مَا إِنْ يُدْرِكَ سَعْيُهُمْ مَهَلَهُ حَتَّى قَرَّ لِذِرْوَتِهِ، فَاسْتَكَنُّوا [ (14) ] جَنَابَيْهِ، وَمَعَهُمْ [ (15) ] رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ! وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ [ (16) ] ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُنَجَّلٍ [ (17) ] ، وَهَذِهِ عُبَدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ عَذِرَاتُ [ (18) ] حرمك، يشكون
__________
[ (8) ] في (م) : فحيّ هلا.
[ (9) ] أي لا يبديه.
[ (10) ] في (م) و (هـ) : «فليشنّوا من الماء» وفي (ص) : «فليشربوا» .
[ (11) ] في (هـ) : رسمت: مفئودة.
[ (12) ] في (م) و (ص) : «وتتأمّت» .
[ (13) ] في (هـ) : «يرفون» .
[ (14) ] في (م) و (ص) : «فاستكفّوا» .
[ (15) ] في (م) و (ص) : «ومعه» .
[ (16) ] كرب: دنا.
[ (17) ] في (م) و (ص) : «مبخّل» .
[ (18) ] في (هـ) : «بعرات» ، مصحفة، والعذرة: فناء البيت.(2/16)
إِلَيْكَ سَنَتَهُمُ الَّتِي قَدْ أَقْحَلَتِ الظِّلْفَ [ (19) ] وَالْخُفَّ. فَاسْمَعَنَّ اللهُمَّ وَأَمْطِرَنَّ غَيْثًا مَرِيعًا مُغْدِقًا. فَمَا رَامُوا الْبَيْتَ حَتَّى انْفَجَرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا. وَكَظَّ [ (20) ] الْوَادِي بِثَجِيجِهِ [ (21) ] ، فَلَسَمِعْتُ شِيخَانَ قُرَيْشٍ وَهِيَ تَقُولُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ هَنِيئًا. أَيْ بِكَ عَاشَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ. وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ رُقَيْقَةُ:
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنَا ... وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ [ (22) ] الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ [ (23) ] لَهُ سُبُلٌ ... دَانٍ فَعَاشَتْ بِهِ الْأَمْصَارُ وَالشَّجَرُ
سَيْلٌ مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
مُبَارَكُ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عَدْلٌ وَلَا خَطَرُ
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْبَكَّائِيُّ [ (24) ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَحْرُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ، قَالَ:
قَالَ عَمِّي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ أَبِي صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ:
تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ أَقْحَلَتِ الضَّرْعَ، وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا قَائِمَةٌ اللهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ، إِذَا هَاتِفٌ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ، يَقُولُ: مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إن هذا
__________
[ (19) ] الماشية.
[ (20) ] في (ح) : «وكض» وفي (هـ) : «وحط» .
[ (21) ] السّيل.
[ (22) ] اجلوذّ المطر ذهب.
[ (23) ] الجوني: السحاب.
[ (24) ] في (هـ) : الطائي.(2/17)
النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ مِنْكُمْ قَدْ أَظَلَّتْكُمْ [ (25) ] أَيَّامُهُ، وَهَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ فَحَيَّ هَلَا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ. أَلَا فَانْظُرُوا رَجُلًا مِنْكُمْ وَسِيطًا عُظَامًا جُسَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا، أَوْطَفَ الْأَهْدَابِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ عَلَيْهِ وَسُنَّةٌ، تَهْدِي [ (26) ] إِلَيْهِ، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ وَلْيَهْبِطْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَلْيَشُنُّوا مِنَ الْمَاءِ وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، ثُمَّ لِيَتَسَلَّمُوا الرُّكْنَ، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ، فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ، فَغِثْتُمْ [ (27) ] مَا شِئْتُمْ. فَأَصْبَحْتُ- عَلِمَ اللهُ- مَذْعُورَةً، قَدِ اقْشَعَرَّ جِلْدِي، وَوَلِهَ عقلي، واقتصصت [ (28) ] رؤياي، فو الحرمة وَالْحَرَمِ مَا بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيٌّ إِلَّا قَالُوا: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ. وَتَتَامَّتْ إِلَيْهِ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ، وَهَبَطَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَشَنُّوا وَمَسُّوا واسْتَلَمُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ، وَطَفِقُوا جَنَابَيْهِ مَا يَبْلُغُ سَعْيُهُمْ مَهَلَهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ فَقَالَ: اللهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ مُعَلِّمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُنَجَّلٍ [ (29) ] ، وَهَذِهِ عُبَدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ، بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ، يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ، أَذْهَبَتِ الْخُفَّ وَالظِّلْفَ اللهُمَّ فَأَمْطِرْنَا غيثا مغدقا مريعا. فو الكعبة مَا رَامُوا حَتَّى تَفَجَّرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَاكْتَظَّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ فَتَسَمَّعَتْ [ (30) ] شِيخَانُ قُرَيْشٍ وَجِلَّتُهَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَحَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، يَقُولُونَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ، أَيْ عَاشَ بِكَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مَا تَقُولُ رُقَيْقَةُ:
__________
[ (25) ] في (م) و (ص) : «أظلّكم» .
[ (26) ] في (هـ) : «يهذي» ، تصحيف، ومعنى تهوي: أي: تدل الناس عليه.
[ (27) ] في (ص) و (م) : «فعشتم» ، ومعنى فغثتم: أي أتاكم الغيث، والغوث.
[ (28) ] في (ح) : «وأقصصت» .
[ (29) ] في (ص) : «مبخّل» .
[ (30) ] في (م) : «فلسمعت» .(2/18)
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ [ (31) ] أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنَا ... لَمَّا فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ لَهُ سَبَلٌ ... سَحًّا فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَامُ وَالشَّجَرُ
مَنًّا مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
مُبَارَكُ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عدل ولا خطر [ (32) ]
__________
[ (31) ] «شيبة الحمد» هو لقب عبد المطلب.
[ (32) ] الخبر في «طبقات ابن سعد» (1: 90) .(2/19)
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَفَقَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَتَوْصِيَتِهِ أَبَا طَالِبٍ بِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ آيَاتِهِ، وَيَسْمَعُ مِنَ الْأَحْبَارِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ الْفَرَّاءُ الْمِصْرِيُّ، بِمَكَّةَ- حَرَسَهَا اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَرُوفِ بْنِ كَامِلٍ الْمَدِينِيُّ، إِمْلَاءً، بِمِصْرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبَانُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ نَظِيفٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ محمود ابن أَحْمَدَ الشَّمْعِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، إِمْلَاءً بِمِصْرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أحمد [ (1) ] ابن يُونُسَ بْنِ مُوسَى السَّامِيُّ الْبَصْرِيُّ، إِمْلَاءً مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هند، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- هُوَ الْهَاشِمِيُّ- عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
رَبِّ رُدَّ إِلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... يَا رَبِّ رُدَّهْ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا
قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، بَعَثَ بِابْنٍ لَهُ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ وَلَمْ يَبْعَثْهُ فِي حَاجَةٍ قَطُّ إِلَّا نَجَحَ فِيهَا، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ. قَالَ: فلم
__________
[ (1) ] في (ص) و (م) : «محمد» .(2/20)
يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَالْإِبِلُ فَاعْتَنَقَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ جَزِعْتُ عَلَيْكَ جَزَعًا لَمْ أَجْزَعْهُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَاللهِ لَا بَعَثْتُكَ فِي حَاجَةٍ أَبَدًا، وَلَا تُفَارِقْنِي بَعْدَ [ (2) ] هَذَا أَبَدًا [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ: خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَرَابِيسِيُّ، بِبُخَارَى، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُفَسِّرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى الفنجار، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَارِجَةُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قَالَ: خَرَجَ حَيْدَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُعْتَمِرًا، فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ عَلَيْهِ مُمَصَّرَتَانِ، وَهُوَ يَطُوفُ بالبيت وهو يقول:
رَبِّ رُدَّ إِلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدَا ... رُدَّهْ عَلَيَّ واصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَابْنُ سَيِّدِهَا، هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قُلْتُ: فَمَا مُحَمَّدٌ هَذَا مِنْهُ؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ ابْنٍ لَهُ، وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَهُ إِبِلٌ كَثِيرَةٌ، فَإِذَا ضَلَّ مِنْهَا بَعَثَ فِيهَا بَنِيهِ يَطْلُبُونَهَا، وَإِذَا [ (4) ] أَعْيَا بَنُوهُ بَعَثَ ابْنَ ابْنِهِ، وَقَدْ بَعَثَهُ فِي ضَالَّةٍ أَعْيَا عَنْهَا بَنُوهُ، وَقَدِ احتبس عنه.
فو الله مَا بَرِحْتُ الْبَلَدَ [ (5) ] حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ وَجَاءَ بِالْإِبِلِ.
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عن
__________
[ (2) ] في (ص) و (م) : «بعدها» .
[ (3) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك (2: 603- 604) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي، والخبر في طبقات ابن سعد (1: 111) ، كما ذكره ابو حاتم الرازي (3: 2: 173) .
[ (4) ] في (م) : «فإذا» .
[ (5) ] ليست في (ح) .(2/21)
محمد بن إسحاق بن يَسَارٍ، قَالَ:
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ:
كَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، جَدِّ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالًا لَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَأْتِي حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبَ أَعْمَامُهُ يُؤَخِّرُونَهُ، فَيَقُولُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي.
فَيَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ لِبُنَيَّ هَذَا لَشَأْنًا. فَتُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَرَسُولُ اللهِ [ (6) ] ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِ سِنِينَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِيمَا يَزْعُمُونَ يُوصِي أَبَا طَالِبٍ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ وَأَبَا طَالِبٍ لِأُمٍّ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فِيمَا يُوصِيهِ بِهِ، وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مناف:
أُوصِيكَ يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي ... بِمُوحَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ
فَارَقَهُ وَهُوَ ضَجِيعُ الْمَهْدِ ... فَكُنْتُ كَالْأُمِّ لَهُ فِي الْوَجْدِ
وَذَكَرَ أَبْيَاتًا أُخَرَ، وَقَالَ فِيهِنَّ:
بَلْ أَحْمَدُ رَجَوْتُهُ [ (7) ] لِلرُّشْدِ ... قَدْ عَلِمَتْ عَلَّامُ أَهْلُ الْعَهْدِ
أَنَّ الْفَتَى سَيِّدُ أَهْلِ نَجْدِ ... يَعْلُو عَلَى ذِي الْبَدَنِ الْأَشَدِّ
وَقَالَ أَيْضًا:
أَوْصَيْتُ مَنْ كَنَّيْتُهُ بِطَالِبِ ... عَبْدَ مَنَافٍ وَهْوَ ذُو تَجَارِبِ
بِابْنِ الَّذِي قَدْ غَابَ غَيْرَ آئب
__________
[ (6) ] في (م) : «والنبي» .
[ (7) ] في (م) و (ص) و (ح) : «وجدته» .(2/22)
وَذَكَرَ أَبْيَاتًا أُخَرَ، وَقَالَ فِيهِنَّ:
فَلَسْتُ بِالْآيِسِ غَيْرِ الرَّاغِبِ ... بِأَنْ يُحِقَّ اللهُ قَوْلَ الرَّاهِبِ [ (8) ]
فِيهِ وَأَنْ يَفْضُلُ آلَ غَالِبِ ... إِنِّي سَمِعْتُ أَعْجَبَ الْعَجَائِبِ
مِنْ كُلِّ حَبْرٍ عَالِمٍ وَكَاتِبِ ... هَذَا الَّذِي يُقْتَادُ كَالْجَنَائِبِ
مَنْ حَلَّ بِالْأَبْطَحِ وَالْأَخَاشِبِ ... أيضا ومن تاب إِلَى الْمَثَاوِبِ
مِنْ سَاكِنٍ لِلْحَرْمِ أَوْ مُجَانِبِ
__________
[ (8) ] في (ح) : «الرايب» .(2/23)
بَابُ مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَعَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا، وَرُؤْيَةِ بَحِيرَى [ (1) ] الرَّاهِبِ مِنْ صِفَتِهِ وَآيَاتِهِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ فِي كُتُبِهِمْ، [صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ، بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْآدَمِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ. ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو بكر: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَادٌ، أَبُو نُوحٍ، [قَالَ] [ (3) ] : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ:
خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ.
وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ. قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، [هَذَا يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] [ (4) ] . فَقَالَ لَهُ
__________
[ (1) ] في (م) : «بحيرا» ، وفي (ص) : «بحيرا» .
[ (2) ] لم ترد في (م) و (ص) .
[ (3) ] ليست في (م) .
[ (4) ] في (ص) و (م) : «هذا ابتعثه الله- عز وجل- رحمة «للعالمين» .(2/24)
أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا يَسْجُدَانِ [ (5) ] إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فِي أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ. ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ [لَهُمْ] [ (6) ] طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ، وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ. فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ، عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا [ (7) ] بِهِ إِلَى الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَقَتَلُوهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِتِسْعَةٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْأَصَمِّ بِسَبْعَةِ- نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ، وَإِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا. فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟
قَالُوا: لَا. إِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَ طَرِيقِكَ هَذَا: قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَتَابَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ.
قَالَ: فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ فَقَالُوا [ (8) ] : أَبُو طَالِبٍ. فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بِلَالًا، وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ والزيت [ (9) ] .
__________
[ (5) ] في (هـ) : «يسجدان» ، وفي (ص) و (م) : «يسجدن» .
[ (6) ] في (هـ) و (ح) : «فصنع له» .
[ (7) ] في (م) : «ألا يذهبوا» .
[ (8) ] في (م) : «قالوا» .
[ (9) ] أخرجه الترمذي في «جامعه» ، في: 50- كتاب المناقب (3) بَابُ مَا جَاءَ فِي بدء نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، الحديث (3620) ، صفحة (5: 590- 591) ، وقال ابو عيسى: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه» .(2/25)
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَخْلُوقٌ يُحَدِّثُ بِهِ غَيْرَ قُرَادٍ [ (10) ] . وَسَمِعَ هَذَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مِنْ قُرَادٍ.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بِإِسْنَادِهِ هَذَا مَوْصُولًا. فَأَمَّا الْقِصَّةُ فَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي مَشْهُورَةٌ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ:
__________
[ () ] وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 615- 617) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي «أظنه موضوعا، فبعضه باطل» .
ونقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (2: 285- 286) ، عن المصنف، وعن الحاكم، والترمذي، وابن عساكر، وعقب عليه بقوله: «فيه من الغرائب: انه من مرسلات الصحابة، فإن أبا موسى الاشعري إنما قدم في سنة خيبر- سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ- ولا يلتفت الى قول ابن إسحاق في جعله له من المهاجرة إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ مكة، وعلى كل تقدير فهو مرسل، فإن هذه القصة كانت، وَلِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، من العمر ثنتا عشرة سنة، ولعل أبا موسى تلقاه من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيكون أبلغ، أو من بعض كبار الصحابة، أو كان مشهورا مذكورا أخذ من طريق الاستفاضة، وفيه: ان الضمامة لم تذكر في حديث أصح من هذا» . أ. هـ.
[ (10) ] هو: عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي، ابو نوح المعروف بقراد: روى عنه: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، واخرج له البخاري، والاربعة سوى ابن ماجة، ووثقه: علي بن المديني، وابن نمير، ويعقوب بن شيبة، وابن سعد، وابن حبان، وقال: «كان يخطئ» ، وروى له الدارقطني في غرائب مالك، وقال: اخطأ فيه قراد، وقال الخليلي: «قراد: قديم، روى عنه الأئمة، ينفرد بحديث عن الليث لا يتابع عليه» ، وقال الدارقطني «ثقة، وله افراد» ، تهذيب التهذيب (6: 247- 249) .
[ (11) ] خبر بحيرا في سيرة ابن هشام (1: 203) . ودلائل النبوة لأبي نعيم (125) ، والوفا (1: 131) .
والاكتفا (1: 191) ، وشرح المواهب (1: 190) ، والخصائص الكبرى (1: 85) .(2/26)
وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الَّذِي [يَلِي] [ (12) ] أَمْرَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بَعْدَ جَدِّهِ، كَانَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ فِي رَكْبٍ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا، فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِلرَّحِيلِ وَأَجْمَعَ السَّيْرَ ضَبَّ بِهِ [ (13) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ، وَقَالَ: يَا عَمِّ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ لَا أَبَ لِي وَلَا أُمَّ لِي؟! فَرَقَّ لَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَقَالَ: وَاللهِ لَأَخْرُجَنَّ بِهِ مَعِي، وَلَا يُفَارِقُنِي وَلَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا،
أَوْ كَمَا قَالَ:
قَالَ: فَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ: بَحِيرَاءُ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ قَطُّ رَاهِبٌ يَصِيرُ عِلْمُهُمْ عَنْ كِتَابٍ فِيهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَلَمَّا نَزَلُوا ذَلِكَ الْعَامَ بِبَحِيرَاءَ، وَكَانُوا كَثِيرًا مِمَّا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ، نَزَلُوا بِهِ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ فِي الرَّكْبِ حِينَ أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٌ بَيْضَاءُ تُظِلُّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ. ثُمَّ أَقْبَلُوا حَتَّى نَزَلُوا بِظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْهُ، فَنَظَرَ إِلَى الْغَمَامَةِ حَتَّى أَظَلَّتِ الشَّجَرَةَ وشَمَّرَتْ [ (14) ] أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَحِيرَاءُ، نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَصُنِعَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرُوا كُلُّكُمْ، صَغِيرُكُمْ وَكَبِيرُكُمْ، وَحُرُّكُمْ وعَبْدُكُمْ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ [ (15) ] يَا بَحِيرَاءُ، إِنَّ لَكَ الْيَوْمَ لَشَأْنًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا فِيمَا مَضَى وَقَدْ كُنَّا نَمُرُّ بِكَ كَثِيرًا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ؟ [ (16) ] فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ.
__________
[ (12) ] «يلي» سقطت من (م) ، وفي (ح) : «ولي» .
[ (13) ] ضب به: تعلق وتشبث، ورويت: صبّ به: أي مال اليه ورقّ عليه، ويروى: وضبث به: أي امسك.
[ (14) ] في (هـ) : «تهصّرت» .
[ (15) ] في (ح) : «فقال له الرجل منهم» .
[ (16) ] كذا في (م) ، وفي (هـ) : «فما شأنك؟» .(2/27)
صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا تَأْكُلُونَ مِنْهُ كُلُّكُمْ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [مِنْ] [ (17) ] بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ فِي رِحَالِ الْقَوْمِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَاءُ فِي الْقَوْمِ وَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ [ (18) ] ، لَا يَتَخَلَّفُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي هَذَا. فَقَالُوا لَهُ [ (19) ] : يَا بَحِيرَى [ (20) ] ، مَا تَخَلَّفَ عَنْكَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إِلَّا غُلَامٌ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، تَخَلَّفَ فِي رِحَالِهِمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرَ هَذَا الطَّعَامَ مَعَكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ الْقَوْمِ:
وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، إِنْ هَذَا لَلُؤْمٌ بِنَا أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْنِنَا. قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ مَعَ الْقَوْمِ.
فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَاءُ جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ فِي صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ وَتَفَرَّقُوا،
قَامَ بَحِيرَاءُ فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ، أَسْأَلُكُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا. وزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: لَا تَسَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى شَيْئًا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ. فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ: فبالله إلا ما أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. فَقَالَ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لكَ. فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حاله في نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَاءَ مِنْ صِفَتِهِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ، مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طالب، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: ابْنِي. فَقَالَ لَهُ بَحِيرَاءُ: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا. قَالَ. فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي. قال: فما
__________
[ (17) ] الزيادة من (هـ) .
[ (18) ] في (م) و (ص) : «يا معاشر» .
[ (19) ] في (م) و (ص) : «قالوا له» .
[ (20) ] في (م) رسمت: «بحيرا» .(2/28)
فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ، وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عليه اليهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ، فَأَسْرِعْ بِهِ إِلَى بِلَادِهِ. فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ. فَزَعَمُوا فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ:
أَنَّ زُبَيْرًا وَثَمَّامًا وَدَرِيسًا [ (21) ] ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَدْ كَانُوا رَأَوْا مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِي ذَلِكَ السَّفَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ أَشْيَاءَ، فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَاءُ، وَذَكَّرَهُمُ اللهَ، وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ أَجْمَعُوا بِمَا أَرَادُوا لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ وَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ مَسِيرَهُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا أَرَادَ مِنْهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ، وَمَا قَالَ لَهُمْ فِيهِ بَحِيرَاءُ [ (22) ] .
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثَلَاثَ قَصَائِدَ مِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ.
__________
[ (21) ] في (م) : «زبيرا وتماما» ، وفي (ح) : «زبير وثمام» .
[ (22) ] ينسب هذا الشعر الى ابي طالب، وهو ظاهر الركاكة مما يدل على وضعه، ومنه:
إنّ ابن آمنة الأمين محمدا ... عندي بمثل منازل الأولاد
لمّا تعلّق بالزّمام رحمته ... والعيس قد قلّصن بالأزواد
فارفضّى من عينيّ دمع ذارف ... مثل الجمان مفرّق الأفراد
راعيت منه قرابة موصولة ... وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسّير بين عمومة ... بيض الوجوه مصالت أنجاد
ساروا لأبعد طية معلومة ... فلقد تباعد طيّة المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا ... عنه وردّ معاشر الحسّاد
قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ... ظل الغمامة ثاغري الأكباد
ساروا لفتك محمد فنهاهم ... عنه وأجهد أحسن الإجهاد
فثنى زبيراء بحير فانثنى ... في القوم بعد تجادل وتعاد
ونهى دريسا فانتهى لمّا نهى ... عن قول حبر ناطق بسداد(2/29)
بَابُ مَا جَاءَ فِي حِفْظِ اللهِ، تَعَالَى [ (1) ] ، رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فِي شَبِيبَتِهِ عَنْ أقذار الجاهلية ومعايبها، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ بِرِسَالَتِهِ، حَتَّى بَعَثَهُ رَسُولًا
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَشَبَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَكْلَؤُهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (2) ] وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أقذار الجاهلية ومعايبها، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ خُلُقًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الَّتِي تُدَنِّسُ الرِّجَالَ، تَنَزُّهًا وَتَكَرُّمًا، حَتَّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إِلَّا الْأَمِينُ، لِمَا جَمَعَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (3) ] ، فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ [ (4) ] .
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ يَحْفَظُهُ اللهُ، تَعَالَى، بِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِ، فَحَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ
__________
[ (1) ] في (م) : «عز وجل» .
[ (2) ] الزيادة من (م) .
[ (3) ] ليست في (م) ولا (ص) .
[ (4) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (1: 197) .(2/30)
رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَا يَذْكُرُ مِنْ حِفْظِ اللهِ إِيَّاهُ [ (5) ] :
إِنِّي لَمَعَ غِلْمَانٍ هُمْ أَسْنَانِي قَدْ جَعَلْنَا أُزُرَنَا عَلَى أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا، نَلْعَبُ بِهَا، إِذْ لَكَمَنِي لَاكِمٌ لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَخْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أخبرنا رَوْحٌ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارَزْمِيُّ الْحَافِظُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ: مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ مَعَهُمْ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ، فَقَالَ [لَهُ] [ (7) ] الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ؟ قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ. مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رؤي بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا.
لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عن مطر بن الفضل.
__________
[ (5) ] كذا في (م) ، وفي بقية النسخ: «من الله تعالى إياه» .
[ (6) ]
بقية الخبر: «قال: فأخذته وشددته عليّ، ثم جعلت احمل الحجارة على رقبتي، وإزاري عليّ من بين اصحابي» . سيرة ابن هشام (1: 197) .
وهذه القصة ستأتي في الرواية التالية في حين بناء الكعبة.
[ (7) ] الزيادة من (م) .(2/31)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ [ (8) ] .
وَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ ابن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ. فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِزَارِي فَشُدَّ عَلَيْهِ إِزَارُهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (10) ] ، عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الخضرمي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قال:
__________
[ (8) ] الحديث أخرجه البخاري في: 8- كتاب الصلاة (8) باب كراهية التّعري في الصلاة وغيرها، فتح الباري (1: 474) من طريق مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وأخرجه البخاري أيضا مختصرا في: 25- كتاب الحج (42) باب فضل مكة وبنيانها ... ، فتح الباري (3: 439) ، وفي: 63- كتاب مناقب الأنصار (25) باب بنيان الكعبة، فتح الباري (7: 145) .
وأخرجه مسلّم في: 3- كتاب الحيض (19) باب الاعتناء بحفظ العورة، الحديث (76) ، ص (267) .
[ (9) ] صحيح مسلم، كتاب الحيض، الحديث (77) ، ص (268) .
[ (10) ] فتح الباري (7: 145) ، وسبقت الاشارة اليه في الحاشية (8) .(2/32)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ فِي الْبَيْتِ حِينَ بَنَتْ قُرَيْشٌ الْبَيْتَ. قَالَ: وَأَفْرَدَتْ قُرَيْشٌ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ: الرِّجَالِ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ، وَكَانَتِ النِّسَاءُ تَنْقُلُ الشِّيدَ.
قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَخِي. وَكُنَّا نَحْمِلُ عَلَى رِقَابِنَا وَأُزُرُنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ، فَإِذَا غَشِيَنَا النَّاسَ اتَّزَرْنَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [ (11) ] ، أَمَامِي، قَالَ: فَخَرَّ وانْبَطَحَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ: فَجِئْتُ أَسْعَى، وَأَلْقَيْتُ حَجَرِي وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ فَقَالَ [ (12) ] : نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا.
فَكُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ، مَخَافَةَ أَنْ يقولوا مجنون.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَهُمُّونَ بِهِ مِنَ النساء إلا ليلتين كلتاهما عَصَمَنِي اللهُ، تَعَالَى [ (13) ] ، فِيهِمَا. قُلْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ فِتْيَانِ مَكَّةَ وَنَحْنُ فِي رِعَايَةِ غَنَمِ أَهْلِنَا، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَسْمُرَ فِيهَا كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ. فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَدَخَلْتُ حَتَّى إِذَا جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ عَزْفًا بِالْغَرابِيلِ وَالْمَزَامِيرِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ تَزَوَّجَ فُلَانٌ فُلَانَةَ. فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ، وَضَرَبَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (14) ] عَلَى أذنيّ، فو الله ما
__________
[ (11) ] في (م) : «عليه السلام» .
[ (12) ] في (م) : «فأخذ إزاره، وقال» .
[ (13) ] في (م) و (ص) : - عز وجل.
[ (14) ] ليست في (م) .(2/33)
أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا. ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهُ لَيْلَةً أُخْرَى: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ بِمَكَّةَ، فَفَعَلَ فَدَخَلْتُ فَلَمَّا جِئْتُ مَكَّةَ سَمِعْتُ مِثْلَ الَّذِي سَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ فُلَانٌ نَكَحَ فُلَانَةَ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ، وَضَرَبَ الله على أذنيّ، فو الله مَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟
فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ. ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الخبر، فو الله مَا هَمَمْتُ وَلَا عُدْتُ بَعْدَهَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِنُبُوَّتِهِ [ (15) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (16) ] الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ:. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، ويَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: كَانَ صَنَمٌ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُ: إِسَافٌ، أَوْ نَائِلَةُ، يَتَمَسَّحُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا. فَطَافَ رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَا تَمَسَّهُ! فَقَالَ زَيْدٌ: فَطُفْتُ [ (17) ] فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَأَمَسَّنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَلَمْ تُنْهَ؟
قُلْتُ: زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادِهِ: قال زيد: فو الذي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ بِالَّذِي أكرمه وأنزل عليه [ (18) ] .
__________
[ (15) ] الخبر في دلائل النبوة لابي نعيم. ص (143) ، وفي البداية والنهاية لابن كثير (2: 287) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 89) ، وسبل الهدى (2: 199- 200) ، وقال: «رواه إسحاق ابن راهويه، والبزار، وابن حبان، وإسناده متصل» .
[ (16) ] في (م) و (ص) «أخبرنا» .
[ (17) ] في (هـ) : «فطفنا» .
[ (18) ] البداية والنهاية (2: 287) ، والخصائص الكبرى (1: 89) .(2/34)
وَرُوِّينَِا فِي قِصَّةِ بَحِيرَاءَ الرَّاهِبِ حِينَ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى مُتَابَعَةً لِقُرَيْشٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ،: لَا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ والعزّى شيئا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (19) ] أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَمَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. ح.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ [ (20) ] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَشْهَدُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ. قَالَ: فَسَمِعَ مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا حَتَّى نَقُومَ [ (21) ] خَلْفَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ: كَيْفَ نَقُومُ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الْأَصْنَامِ قُبَيْلُ؟ قَالَ: فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ [ (22) ] .
__________
[ (19) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (20) ] في بقية النسخ: «أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ» ..
[ (21) ] في (م) : «حتى نقومنّ» .
[ (22) ] رواه ابو يعلى، وابن عدي، وابن عساكر عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، وقال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية. «هذا الحديث أنكره الناس على عثمان بن أبي شيبة، فبالغوا، والمنكر منه قوله عن الملك:
«عهده باستلام الأصنام» فإن ظاهره انه باشر الاستلام، وليس ذلك مرادا، بل المراد أنه شهد مباشرة المشركين استلام أصنامهم» . أ. هـ.
وقال ابن كثير: «أنكره غير واحد من الأئمة على عثمان بن أبي شيبة» .
وقد ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، في ترجمة عثمان بن أبي شيبة (3: 35) ، ونقل قول العقيلي تضعيف الحديث، وقول الأزدي: رأيت أصحابنا يذكرون ان عثمان روى أحاديث لا يتابع عليها» ..
عقب الذهبي بقوله: «عثمان لا يحتاج الى متابع، ولا ينكر له ان ينفرد بأحاديث لسعة ما روى، وقد(2/35)
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: تَفْسِيرُ قَوْلِ جَابِرٍ: وَإِنَّمَا عَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الْأَصْنَامِ، يَعْنِي أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ مَنِ اسْتَلَمَ الْأَصْنَامَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (23) ] قَالَتْ:
كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ يَدِينُ دِينَهَا وَهُمُ الْحُمْسُ [ (24) ] يَقِفُونَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ قُطَّنُ الْبَيْتِ [ (25) ] . وَكَانَتْ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَالْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [ (26) ] فَتَقَدَّمُوا، فَوَقَفُوا مَعَ النَّاسِ بعرفات [ (27) ] .
__________
[ () ] يغلط، وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما ... » .
وقد اولى الصالحي في السيرة الشامية ما ورد بالحديث: «فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مشاهدهم» بأن المراد بالمشاهد التي شهدها مشاهد الحلف ونحوها لا مشاهد استلام الأصنام. سبل الهدى (2: 203) .
[ (23) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (24) ] الحمس: جمع أحمس، وهو الشديد الصلب، مأخوذ من الحماسة التي هي الشدة، وإنما سموا الحمس لأنهم اشتدوا في دينهم- في زعمهم-.
[ (25) ] في سيرة ابن هشام: نحن قطّان مكة، وساكنها نحن بنو إبراهيم، واهل الحرمة ...
[ (26) ] الآية الكريمة (199) من سورة البقرة
[ (27) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير- تفسير سورة البقرة، (35) باب «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاض الناس» ، فتح الباري (8: 186) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله المديني، ومسلم في: 25- كتاب الحج، (21) باب في الوقوف وقوله تعالى: «ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس» ، الحديث (151) ، ص (893- 894) ، عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه ابو داود في المناسك عن هناد بن السري، والنسائي في المناسك، وفي التفسير كلهم عن ابي معاوية الضرير.(2/36)
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هِشَامٍ [ (28) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (29) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ [بْنُ شَبِيبٍ] [ (30) ] عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بكر، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ [بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ] [ (31) ] ، قَالَ:
لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَهُوَ يَقِفُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، بِعَرَفَاتٍ، مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، حَتَّى يَدْفَعَ مَعَهُمْ، تَوْفِيقًا مِنَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ [ (32) ] .
قُلْتُ: قَوْلُهُ: «عَلَى دِينِ قَوْمِهِ» مَعْنَاهُ: عَلَى مَا كَانَ قَدْ بَقِيَ فِيهِمْ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، فِي حَجِّهِمْ وَمَنَاكِحِهِمْ وَبُيُوعِهِمْ، دُونَ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ قَطُّ.
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ بُغْضِهِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ [ (33) ] الْخَفَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَذْرَمِيُّ، قَالَ. حَدَّثَنَا [ (34) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
__________
[ (28) ] في (م) و (ص) : «من حديث هشام» .
[ (29) ] لم ترد في (م) و (ص) .
[ (30) ] سقطت من (ح) .
[ (31) ] ما بين الحاصرتين ليست في (هـ) .
[ (32) ] السيوطي في الخصائص الكبرى (1: 90) ، وقال: أخرجه ابن إسحق، والبيهقي، وابو نعيم.
[ (33) ] في (م) : «هاشم» .
[ (34) ] في (م) : «أخبرنا» ، وكذا في (ص) .(2/37)
إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عَوْفٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي «حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ» فَمَا أُحِبُّ أَنْ أُنْكُثَهُ- أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ [ (35) ] وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (36) ] أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا شَهِدْتُ حِلْفًا لِقُرَيْشٍ إِلَّا حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي كُنْتُ نَقَضْتُهُ.
قَالَ: وَالْمُطَّيِّبِينَ: هَاشِمٌ، وَأُمَيَّةُ، وَزُهْرَةُ، وَمَخْزُومٌ.
كَذَا رُوِيَ هَذَا التَّفْسِيرُ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي قائله. [ (37) ] .
__________
[ (35) ] أخرجه الإمام احمد في «مسنده» (1: 190، 193) .
[ (36) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (37) ] وقال المصنف في السنن الكبرى (6: 366) بعد ان ذكر الحديث: «لا ادري: هذا التفسير مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ او من دونه، وبلغني انه إنما قيل: حلف المطيبين، لأنهم غمسوا أيديهم في طيب يوم تحالفوا، وتصافقوا بأيمانهم، وذلك حين وقع التنازع بين بَنِي عَبْدِ مَنَافِ وَبَنِي عبد الدار، فيما كان بأيديهم من السقاية والحجابة والرفادة واللواء والندوة، فكان بنو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى في جماعة من قبايل قريش تبعا لبني عبد مناف، وقد سماهم محمد بن إسحاق بن يسار، فقال: المطيبون من قبائل قريش: بنو عبد مناف: هاشم. والمطلب، وعبد شمس، ونوفل، وبنو زهرة، وبنو أسد، ابن عبد العزى، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر خمس قبائل. قال الشافعي: وقال بعضهم: هم حلف الفضول» .(2/38)
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ [ (38) ] أَنَّهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ [ (39) ] ، وأن النبي،
__________
[ (38) ] أشار ابن إسحق إلى حلف المطيبين وهو اختلاف قريش بعد قصي، وهم بنو عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ،:
عبد شمس، وهاشم، والمطلب، ونوفل، وبنو عبد الدار بن قصي. وقد تحالف كل فريق مع أنصاره، واخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم، أيديهم فيها، فتعاقدوا، وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيّبين.
وتعاقد بنو عبد الدار، وتعاهدوا وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على ان لا يتخاذلوا، ولا يسلم بعضهم بعضا، فسمّوا الأحلاف.
ثم سوند بين القبائل، ولزّ بعضها ببعض، فعبّيت بنو عبد مناف لبني سهم، وعبيت بنو أسد لبني عبد الدار، وعبّيت بنو زهرة لبني جمح، وعبّيت بنو الحارث بن فهر لبني عديّ بن كعب، ثم قالوا: لتفر كل قبيلة على من أسند إليها.
فبينا الناس على ذلك قد اجمعوا للحرب إذ تداعوا الى الصلح، على ان يعطوا بني عبد مناف السّقاية والرّفادة، وان تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار كما كانت، ففعلوا، ورضي كل واحد من الفريقين بذلك، وتحاجز الناس عن الحرب، وثبت كل قوم مع من حالفوا، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله تعالى بالإسلام،
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «ما كان من حلف في الجاهلية، فإنّ الإسلام لم يزده إلا شدّة» .
وفرق ابن هشام بينه وبين حلف الفضول، وكذا فإن المصنف قد ذكره مرة اخرى في السنن الكبرى (6: 367) ، وأشار الى ان بعض أهل السير ويقصد ابن قتيبة حيث نقل قوله «إن حلف المطيبين هو حلف الفضول» عقب البيهقي بقوله: «ان قوله حلف المطيبين انما هو حلف الفضول غلط، وذلك ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يدرك حلف المطيبين، لان ذلك كان قديما قبل ان يولد بزمان» . أ. هـ.
ومن سياق قصة تكوين حلف المطيبين يتبين انه في زمان هاشم أبي عبد المطلب جدا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[ (39) ] الفضول: اختلفوا فيه فقيل سمى بذلك لأنه كان قد سبق قريشا فيما قاله ابن قتيبة الى مثل هذا الحلف جرهم في الزمن الاول فتحالف منهم ثلاثة هم ومن تبعهم أحدهم: الفضل بن فضالة. الثاني: الفضل بن وداعة. والثالث: الفضل بن الحارث. هذا قول القتبي. وقال الزبير: الفضل بن شراعة والفضل بن قضاعة فلما أشبه حلف الآخر فعل هؤلاء الجرهميين سمى حلف الفضول، والفضول جمع فضل وهي اسماء أولئك الذين تقدم ذكرهم.
قال السهيلي: وهذا الذي قاله ابن قتيبة حسن ولكن في الحديث ما هو أقوى منه.
روى الحميدي(2/39)
__________
[ () ] عن سفيان عن عبد الله بن محمد وعبد الرحمن بن أبي بكر قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت تحالفوا أن يردّوا الفضول على أهلها ولا يعزّ ظالم على مظلوم.
قلت: الظاهر ان قوله: تحالفوا الى آخره- مدرج من بعض رواته وليس بمرفوع، فلا دلالة حينئذ فيه.
كان هذا القول الحلف في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة منصرف قريش من الفجار ولرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يومئذ عشرون سنة. وكان أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب.
وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان سببه ان رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل السّهمي وكان ذا قدر وشرف بمكة فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيديّ الأحلاف عبد الدار ومخزوما وجمحا وسهما فأبوا أن يعينوا الزبيدي على العاصي ابن وائل وزبروه ونهروه فلما رأى الزبيدي الشرّ رقى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر
إنّ الحرام لمن تمّت مكارمه ... ولا حرام لثوب الفاجر لغدر
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال ألهذا مترك؟ فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما فحالفوا في القعدة في شهر حرام قياما فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي اليه حقه ما بلّ بحر صوفة وما رسا حراء وثبير، مكانهما وعلى التآسي في المعاش. فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر، ثم مشوا إلى العاصي بن وائل. فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.
وروى ابن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله وابن سعد والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحبّ أن لي به حمر النّعم ولا دعي به في الإسلام لأجبت» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه تعالى أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيّبين شهدته مع عمومتي وما أحب أن لي به حمر النعم وأني كنت نقضته.
قال بعض رواته: والمطيبون هاشم وزهرة ومخزوم.
قال البيهقي: كذا روى هذا التفسير مدرجا ولا أدري من قاله. وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يدرك حلف المطيّبين.
والحلف: بكسر الحاء المهملة وإسكان اللام وهو العهد والبيعة.(2/40)
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، لَمْ يُدْرِكْ حِلْفَ الْمُطَّيِّبِينَ.
وَزَعَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ هَذَا الْحِلْفَ- يَعْنِي الْأَخِيرَ- الَّذِي عَقَدُوهُ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالْأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ- شَهِدَهُ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَبَنُو أَسَدٍ، وَبَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو تَيْمٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُفَسَّرًا فِي «كِتَابِ السُّنَنِ» [ (40) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] [ (41) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعَانِي إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِكَ أَمَارَةٌ لِنُبُّوتِكَ، رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ وَتُشِيرُ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِكَ، فَحَيْثُ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مَالَ. قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُنِي، وَيُلْهِينِي عَنِ الْبُكَاءِ، وَأَسْمَعُ وَجْبَتَهُ [حِينَ] [ (42) ] يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ [ (43) ] .
تَفَرَّدَ بِهِ هَذَا الْحَلَبِيُّ بإسناده [ (44) ]
__________
[ (40) ] في السنن الكبرى (6: 366- 367) .
[ (41) ] الزيادة من (م) .
[ (42) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (43) ] البداية والنهاية (2: 266) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (1: 53) .
[ (44) ] أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ، ووقع في البداية والنهاية «الحبلي» ، وفي الخصائص الكبرى:
«الجيلي» ، له ترجمة في «الجرح والتعديل» (1: 1: 40) ، وقال: «أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ:
روى عَنْ: عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، والهيثم بن جميل ... روى عنه: أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ ... قال روى عَنْ: عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، والهيثم بن جميل ... روى عنه: أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ ... قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه، وعرضت عليه حديثه، فقال: لا أعرفه، وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليست لها اصول، يدل حديثه على أنه كذاب» . أ. هـ.
وقد ذكره الذهبي في الميزان (1: 80) ، فقال: «أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي سكينة الحلبي،(2/41)
وهو مجهول [ (45) ] .
__________
[ () ] وبعضهم يسميه محمدا، قاله الخطيب. يروى عن مالك، قلت: ما رأيت لهم فيه كلاما» . ثم ترجم له مرة اخرى (1: 81) ، ونقل قول ابي حاتم عنه.
قال الحافظ ابن حجر في اللسان (1: 131) : «هذا من العجب، يقول: ما رأيت لهم فيه كلاما، ثم يجزم بأنه الذي قال فيه ابو حاتم ما قال ...
ثم نقل ابن حجر قول ابن أبي حاتم، وعنده زيادة لم ترد في الجرح والتعديل، وهذه الزيادة لعلها من نسخة الحافظ ابن حجر، ونصها بعد كلام ابي حاتم السابق: «والذي يروي عن مالك أقدم من الذي يروي عن طبقة قتيبة، فلعلهما اثنان والله اعلم» . انتهى نقل الحافظ ابن حجر من نسخته الجرح والتعديل.
ثم عقب بقوله:
«وذكر الدارقطني والخطيب ان محمد بن المبارك الصوري روى عن أحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، ولم يذكرا له شيئا، وسيأتي في المحمدين ان ابن حبان ذكر ان ابن سكينة في «الثقات» ، وكذا وثقه ابن حزم في حديث أخرجه من طريقه، عن علي بن المديني» . أ. هـ من اللسان (1:
131- 132) .
[ (45) ] جاء في هامش (م) : بلغ كاتبه محمد بن محمد ابي بكر السدوسي الحنبلي قراءة على قاضي القضاة: عز الدين الكتاني الحنبلي بالمدرسة الصالحية بإيوان الحنابلة، وسمع جماعة كثيرون ... » .
وسماعات أخرى موجزة.(2/42)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ عَلَى طَرِيقَ الِاخْتِصَارِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْآثَارِ [ (1) ]
قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (3) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. قَالَ: قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ الصَّلَاةَ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجَهُ
__________
[ (1) ] في (ص) : «من الآيات» .
[ (2) ] الآية الكريمة (96) من سورة آل عمران.
[ (3) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .(2/43)
الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ [ (4) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (5) ] أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5) ] إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، قَالَ:
كَانَ الْبَيْتُ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ [ (6) ] قَالَ: مِنْ تَحْتِهِ مَدًّا [ (7) ] .
تَابَعَهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ (8) ] يَحْيَى بْنُ [ (9) ] عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ [عن] [ (10) ] ،
__________
[ (4) ] أخرجه البخاري في: 60- كتاب الأنبياء (10) باب حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، الفتح (6:
407) ، كما أخرجه البخاري بعده مِنْ حَدِيثِ: عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، الفتح (6:
458) .
وأخرجه مسلم في أول كتاب المساجد عن ابي كامل الجحدري، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وأبي كريب، حديث (1) ، صفحة (370) .
وأخرجه النسائي في الصلاة عن بشر بن خالد، عن غندر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ نحوه.
وأخرجه ابن ماجة في: 4- كتاب المساجد والجماعات (7) باب اي مسجد وضع أول، حديث (753) ، صفحة (1: 248) من طريق: علي بن ميمون الرّقّي، وعلي بن محمد، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 150) .
[ (5) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (6) ] الآية الكريمة (3) من سورة الإنشقاق.
[ (7) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 518) ، وقال: «حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
[ (8) ] في (هـ) : «حدثنا» .
[ (9) ] في (ص) : يحيى، أبو حفص ...
[ (10) ] الزيادة من (هـ) .(2/44)
أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (11) ] ، إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَقَالَ لَهُمَا: ابْنِيَا لِي بِنَاءً. فَخَطَّ لَهُمَا جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (12) ] ، فَجَعَلَ آدَمُ يَحْفِرُ وَحَوَّاءُ تَنْقِلُ حَتَّى أَجَابَهُ الْمَاءُ، نُودِيَ مِنْ تَحْتِهِ: حَسْبُكَ يَا آدَمُ. فَلَمَّا بَنَيَاهُ أَوْحَى اللهُ، تَعَالَى، [ (13) ] ، إِلَيْهِ: أَنْ يَطُوفَ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا أَوَّلُ بَيْتٍ. ثُمَّ تَنَاسَخَتِ الْقُرُونُ حَتَّى حَجَّهُ نُوحٌ، ثُمَّ تَنَاسَخَتِ الْقُرُونُ حَتَّى رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْهُ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ هَكَذَا، مَرْفُوعًا [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (15) ] الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قالا: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ:
حَجَّ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَقَالُوا: بَرَّ نُسُكَكَ يَا آدَمُ [ (16) ] لَقَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن
__________
[ (11) ] ليست في (م) .
[ (12) ] ليست في (ص) و (م) .
[ (13) ] ليست في (م) .
[ (14) ] البداية والنهاية (2: 299) ، وقال: «هو ضعيف، ووقفه عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عمرو أقوى وأثبت» .
[ (15) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (16) ] في (م) : «برّ نسكك آدم» .
[ (17) ] البداية والنهاية (2: 299) .(2/45)
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ:
مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ ... إِلَّا مَا كَانَ مِنْ هُودٍ وَصَالِحٍ
وَلَقَدْ حَجَّهُ نُوحٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْأَرْضِ مَا كَانَ مِنَ الْغَرَقِ، أَصَابَ الْبَيْتُ مَا أَصَابَ الْأَرْضَ، وَكَانَ الْبَيْتُ رَبْوَةً حَمْرَاءَ، فَبَعَثَ اللهُ تَعَالَى [ (18) ] ، هُودًا، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى مَاتَ.
ثُمَّ بَعَثَ اللهُ صَالِحًا، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، إِلَيْهِ، فَلَمْ يَحُجَّهُ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا بَوَّأَ اللهُ، تَعَالَى [ (19) ] ، لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (20) ] حَجَّهُ، لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ بَعْدَهُ إِلَّا حَجَّهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، [قَالَ] [ (22) ] أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَأَيُّوبَ [السَّخْتَيَانِيِّ] [ (23) ]- يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ [ (24) ]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال [ (25) ] :
__________
[ (18) ] في (م) و (ص) : «عز وجل» .
[ (19) ] ليست في (م) .
[ (20) ] في (م) : لإبراهيم- عليه السلام-.
[ (21) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (22) ] ليست في (ص) .
[ (23) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (24) ] في (م) و (ص) : «على صاحبه» .
[ (25) ] في (م) : «قالا» .(2/46)
كُنَّا عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، سَلُونِي، فَإِنِّي أَوْشَكْتُ أَنْ أَذْهَبَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ. فَأَكْثَرَ النَّاسُ مَسْأَلَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصْلَحَكَ اللهُ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَقَامَ أَهُوَ كَمَا نُحَدِّثُ [ (26) ] ؟
قَالَ: وَمَا كُنْتَ تُحَدِّثُ؟
قَالَ: كُنَّا نَقُولُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ، صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ [ (27) ] ، حِينَ جَاءَ، عَرَضَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ إِسْمَاعِيلَ النُّزُولَ، فَأَبَى أَنْ يَنْزِلَ، فَجَاءَتْ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعْتُهُ لَهُ.
فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [ (28) ] : أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمَنَاطِقَ [ (29) ] مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (30) ] وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا [ (31) ] عِنْدَ الْبَيْتِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءُ. ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (32) ] ، مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ [ (33) ] : يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ قَالَتْ ذلك ثلاث مرار، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذًا لا
__________
[ (26) ] في (ص) : «يحدّث» .
[ (27) ] في (م) و (ص) : صلّى الله عليه وآله وسلم.
[ (28) ] من هنا أول الحديث في صحيح البخاري.
[ (29) ] (المنطق) ما يشدّ به الوسط، أي اتخذت أم إسماعيل منطقا، وكان أول الاتخاذ من جهتها، ومعناه انها تزيّت بزي الخدم إشعارا بأنها خادم سارة لتستميل خاطرها، وتجبر قلبها.
[ (30) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (31) ] في (م) و (ص) : «وضعها» .
[ (32) ] ليست في (م) .
[ (33) ] في (م) و (ص) : «وقالت» .(2/47)
يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ.
وَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ وَقَالَ: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي حَتَّى بَلَغَ: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ (34) ] فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَاعَ، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى- أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- قَالَ: فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ مِنَ الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتِ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، وَسَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا، فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ [سَعَى النَّاسُ] [ (35) ] بَيْنَهُمَا.
فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ- تُرِيدُ نَفْسَهَا- ثُمَّ تَسَمَّعَتْ أَيْضًا فَسَمِعَتْ، فَقَالَتْ: قَدْ أُسْمِعْتُ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ يَبْحَثُ بِعَقِبِهِ- أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ [ (36) ] وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهِيَ تَفُورُ بِقَدْرِ مَا تَغْرِفُ.
* قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ- أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا.
فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، وَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافِي مِنَ الضَّيْعَةِ، فَإِنَّ
__________
[ (34) ] الآية الكريمة (37) من سورة إبراهيم.
[ (35) ] الزيادة من (م) و (ص) ، وهي موافقة لصحيح البخاري.
[ (36) ] في (هـ) و (ح) : تحوّطه، وفي (ص) : تخوضه، وأثبتّ ما في (م) ، وهو موافق لرواية البخاري، ومعناه: «تجعله كالحوض لئلا يذهب الماء» .(2/48)
هَهُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ. فَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ-[أَوْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمِ] [ (37) ] مُقْبِلِينَ مِنْ كَدَاءَ [ (38) ] فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا [ (39) ] فَقَالُوا: إِنَّهُ لَيَدُورُ، وَلَعَهْدُنَا بِهَذَا، الْوَادِي مَا فِيهِ مَاءٌ! فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا [ (40) ] أَوْ جَرِيَّيْنِ فَرَجَعُوا، فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ. فَأَقْبَلُوا، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ. فَنَزَلُوا مَعَهَا حَتَّى كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ [ (41) ] ، مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ [ (42) ] وَأَعْجَبَهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ [ (43) ] . وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (44) ] ، أَنَّهُ قَالَ لِقُرَيْشٍ: إِنَّهِ كَانَ وُلَاةُ هَذَا الْبَيْتِ قَبْلَكُمْ- أَظُنُّهُ قَالَ طسم- وتهاونوا به [ (45) ] ،
__________
[ (37) ] ليست في (ص) .
[ (38) ] محل في أعلى مكة.
[ (39) ] (طيرا عائفا) هو الذي يتردد على الماء ويحوم حوله، ولا يمضي عنه، والعائف: الرجل الذي يعرف مواضع الماء من الأرض.
[ (40) ] (الجري) : الوكيل، والأجير، وسمي كذلك لأنه يجري مجرى مرسله، أو موكله، او لأنه يجري مسرعا في حوائجه.
[ (41) ] عند الحاكم: «أول من نطق بالعربية إسماعيل» .
[ (42) ] (أنفسهم) ، بلفظ الماضي، اي رغبهم فيه، وفي مصاهرته، يقال: أنفسني فلان في كذا، اي:
رغبني فيه، وأعجبهم: أي أعجبهم في نفاسته.
[ (43) ] قال السهيلي: «اسمها: جداء بنت سعد» ، وعن ابن اسحق ان اسمها: عمارة.
[ (44) ] ليست في (م) .
[ (45) ] في (م) : «فَتَهَاوَنُوا بِهِ» .(2/49)
ولم يُعَظِّمُوا حُرْمَتُهُ، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ، تَعَالَى [ (46) ] ثُمَّ وَلِيَتْهُ بَعْدَهُمْ جُرْهُمُ، فَتَهَاوَنُوا بِهِ، ولم يُعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ تَعَالَى. فَلَا تَهَاوَنُوا بِهِ، وَعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ.
ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ: فجاء إبراهيم [ (47) ] بعد ما تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلَ، لِيُطَالِعَ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ عَنْهُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا [ (48) ] ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ [ (49) ] . فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، وَنَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، وَشَكَتْ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ [ (50) ] . فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا. قَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ، وَسَأَلَنَا عَنْ عَيْشِنَا. فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.
قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَلِكَ أَبِي [ (51) ] ، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، فَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَطَلَّقَهَا. وَتَزَوَّجَ [ (52) ] مِنْهُمْ أُخْرَى [ (53) ] . فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ، وَنَحْنُ فِي سَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى الله، فقال: ماذا
__________
[ (46) ] ليست في (م) .
[ (47) ] في (م) : «إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم» .
[ (48) ] أي يطلب لنا الرزق.
[ (49) ] زاد في رواية عطاء بن السائب: «هل عندك من ضيافة» .
[ (50) ] (العتبة) بفتح العين المهملة، وهي اسكفة الباب وهي هنا كناية عن المرأة.
[ (51) ] إبراهيم، وفي رواية: ذاك الذي هو أبي إبراهيم.
[ (52) ] في (م) : «فطلقها، فتزوّج، وفي (ص) : «ثم تزوج» .
[ (53) ] ذكر الواقدي ان اسمها: «سامة بنت مهلهل» ، وقيل: عاتكة، وقيل: «بشامة بنت مهلهل» . وقيل غير ذلك.(2/50)
طَعَامُكُمْ، قَالَتِ: [ (54) ] اللَّحْمُ. قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ. قَالَ:
اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ والْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ [ (55) ] كَانَ لَهُمْ حَبٌّ دَعَا لَهُمْ فِيهِ.
قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ، بِغَيْرِ مَكَّةَ، إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ [ (56) ] .
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ أَنْ يُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ. وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فسألني عنك فأخبرته، فسألنا كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: وَهَلْ [ (57) ] أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، يَقْرَأُ [ (58) ] عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكَ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ.
فَلَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا، يَقُولُ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَأْتِي عَلَى الْبُرَاقِ.
ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ سَعِيدٌ:
فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ [ (59) ] ، قَالَ معاوية:
__________
[ (54) ] في (م) : «فقالت» .
[ (55) ] في (م) : «فلو» .
[ (56) ] الغرض أن المداومة على اللحم والماء لا يوافق الأمزجة، وينحرف المزاج عنهما إلا في مكة فإنهما يوافقانه، وهذا من جملة بركاتها، وأثر دعاء إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-
[ (57) ] فِي (م) : فهل.
[ (58) ] في (ص) : يقرئ.
[ (59) ] يعني من الاعتناق والمصافحة، وتقبيل اليد.(2/51)
وَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: بَكَيَا حَتَّى أَجَابَتْهُمَا الطَّيْرُ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى [ (60) ] يَأْمُرُنِي بِأَمْرٍ [ (61) ] . قَالَ:
فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ بِهِ. قَالَ أَفَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا هَا هُنَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ. قَالَ: فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، يَبْنِي، حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، [فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ] [ (62) ] جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ وَهُمَا يَدُورَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ (63) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (64) ] ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
* أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (65) ] أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْفَاطِيُّ- يَعْنِي عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ
__________
[ (60) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (61) ] قيل: كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت مائة سنة، وعمر إسماعيل ثلاثين سنة.
[ (62) ] ليست في (م) .
[ (63) ] الآية الكريمة (127) من سورة البقرة.
[ (64) ] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، في: 60- كتاب الأنبياء، (9) باب يزفون: النسلان في المشي، فتح الباري (6: 396) ، بطوله، وفي كتاب الشرب ببعضه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ.
كما أخرجه النسائي في المناقب الكبرى (78: 1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ معمر، عنهما: أي أيوب، وكثير بن كثير نحوه بطوله. تحفة الاشراف (4: 440) .
[ (65) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .(2/52)
[قَالَ] [ (66) ] ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسَافِعٌ الْحَجَبِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّ الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا مَا مَسَّهُمَا مِنْ خَطَايَا بني آدم لأضاء مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَا مَسَّهُمَا مِنْ ذِي عَاهَةٍ وَلَا سَقِيمٍ إِلَّا شُفِيَ [ (67) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ:
خَرَجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ حَجَرٌ فِي يَدِهِ [ (68) ] ، وَوَرَقٌ فِي الْكَفِّ الْأُخْرَى، فَنَبَتَ [ (69) ] الْوَرَقُ فِي الْهِنْدِ فَمِنْهُ مَا تَرَوْنَ مِنَ الطِّيبِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ فَكَانَ يَاقُوتَةً بَيْضَاءَ يُسْتَضَاءُ بِهَا. فَلَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ فَبَلَغَ مَوْضِعَ الْحَجَرِ، قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ أَضَعُهُ هَهُنَا. فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَ: غَيْرُ هَذَا، فَرَدَّهُ مِرَارًا لَا يَرْضَى بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ [ (70) ] ، فَذَهَبَ مَرَّةً وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَجَرٍ [ (71) ] مِنَ الْهِنْدِ- الَّذِي خَرَجَ بِهِ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ- فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا جَاءَهُ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: مَنْ هو أنشط منك [ (72) ] .
__________
[ (66) ] الزيادة من (م) .
[ (67) ] أخرجه الترمذي في: 7- كتاب الحج، (49) بَابُ مَا جَاءَ فِي فضل الحجر الأسود والركن والمقام، ح (878) ، ص (3: 217) ، قال أبو عيسى: «هو حديث غريب» ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (2: 213، 214) ، والحاكم في «المستدرك» (1: 456) من طريق ضعيف.
[ (68) ] في (م) و (ص) : «معه بحجر في يده» .
[ (69) ] في (ح) و (هـ) : «فنثّ» .
[ (70) ] في (م) : «فردّده مرارا لا يرضى ما يأتيه به» .
[ (71) ] في (هـ) و (م) «بالحجر» .
[ (72) ] انفرد البيهقي بإخراجه.(2/53)
* أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [ (73) ] قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيُّها النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمُ اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تحجوه. فاستجاب له سَمِعَهُ [ (74) ] مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَكَمَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ شَيْءٍ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الأعلى ابن حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: يَا خَالِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَأْنِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْنِيَهَا قُرَيْشٌ. قَالَ:
كَانَ بِرَضْمٍ [ (75) ] يابس ليس بمدر [ (76) ] يندوه الْعَنَاقُ، وَتُوضَعُ الْكِسْوَةُ عَلَى الْجُدُرِ، ثُمَّ تُدَلَّى.
ثُمَّ إِنَّ سَفِينَةً لِلرُّومِ أَقْبَلَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالشُّعَيْبَةِ [ (77) ] انْكَسَرَتْ، فَسَمِعَتْ بِهَا قُرَيْشٌ، فَرَكِبُوا إِلَيْهَا، وَأَخَذُوا خَشَبَهَا، ورومي يُقَالُ لَهُ: بَلْقُومُ نَجَّارٌ باني.
فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، قَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ. فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، ونقلوا
__________
[ (73) ] الآية الكريمة (27) من سورة الحج.
[ (74) ] في (ح) و (هـ) : ما سمع.
[ (75) ] في (ص) : «بوضم» وهو تصحيف، والرضم: الحجارة.
[ (76) ] (المدر) : قطع الطين اليابس.
[ (77) ] (الشعيبة) : قرية على ساحل البحر جنوب جدة. معجم ما استعجم (1: 292) .(2/54)
الْحِجَارَةَ مِنْ أَجْيَادِ [ (78) ] الضَّوَاحِي، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَنْقِلُهَا إِذِ انْكَشَفَتْ نَمِرَتُهُ [ (79) ] ، فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ، عَوْرَتَكَ. فَذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَمَا رؤيت لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدُ وَلَا قَبْلُ [ (80) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ بِمَروَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَيَّانَ بْنِ مُلَاعِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عن خالد بن عُرْعُرَةَ، [قَالَ] [ (81) ] : سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (82) ] ، عَنْ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا، هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ [ (83) ] فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتِ وُضِعَ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالْهُدَى، وَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمَنَّا. وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ كَيْفَ بِنَاؤُهُ: إِنَّ اللهَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ، [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (84) ] : أَنِ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ، فَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا، فَأَرْسَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَيْهِ السَّكِينَةَ، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ [ (85) ] لَهَا رَأْسٌ، فَاتَّبَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى انْتَهَتْ ثُمَّ تَطَوَّقَتْ إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ تَطَوُّقَ الْحَيَّةِ، فَبَنَى إبراهيم، فكان
__________
[ (78) ] (أجياد) موضع من بطحاء مكة. معجم ما استعجم (1: 115) .
[ (79) ] في (ص) : «عورته» .
[ (80) ] أخرجه عبد الرزاق، والطبراني، والحاكم، عن ابي الطفيل- رضي الله عنه- وعنهم: الصالحي في السيرة الشامية (2: 230) .
[ (81) ] ليست في (ص) .
[ (82) ] ليست في (ص) .
[ (83) ] في (م) و (ص) : «بني» .
[ (84) ] ليست في (ص) ولا في (م) .
[ (85) ] خجوج: شديدة.(2/55)
يَبْنِي هُوَ سَاقًا كُلَّ يَوْمٍ [ (86) ] ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَكَانَ الْحَجَرِ، قَالَ لِابْنِهِ: ابْغِنِي حَجَرًا، فَالْتَمَسَ ثَمَّ حَجَرًا حَتَّى أَتَاهُ بِهِ، فَوَجَدَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ قَدْ رُكِّبَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَتَّكِلْ عَلَى بِنَائِكَ، جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ السَّمَاءِ فَأَتَمَّهُ [ (87) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (88) ] أَبُو الْحَسَنِ [مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ] [ (89) ] السَّرَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (90) ] أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ ابن عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ: سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (91) ] ، بِمَعْنَاهُ زَادَ: قَالَ فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ. قَالَ: فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَانْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ جُرْهُمُ، فَمَرَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ، فَبَنَتْهُ قريش، ورسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ اخْتَصَمُوا فِيهِ، فَقَالُوا:
نُحَكِّمُ بَيْنَنَا أَوَّلَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ. فَقَضَى بَيْنَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي مِرْطٍ، ثُمَّ تَرْفَعُهُ جَمِيعُ الْقَبَائِلِ كُلُّهُمْ [ (92) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، [رحمه الله] [ (93) ] قال:
__________
[ (86) ] في (هـ) : «فكان يبني كل يوم ساقا» .
[ (87) ] أخرجه الطبري في تفسيره (3: 69- 71) ، ورواه الحاكم في «المستدرك» (2: 292- 293) ، وقال: «صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي، ورواه الأزرقي في «تاريخ مكة» (1: 24- 25) .
[ (88) ] في (ص) و (م) : «أخبرنا» .
[ (89) ] الزيادة من (م) .
[ (90) ] في (م) و (ص) : «أخبرنا» .
[ (91) ] الزيادة من (هـ) و (ح) .
[ (92) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» تاما، (1: 458) ، وقال: «صحيح» . وأقره الذهبي.
[ (93) ] الزيادة من (م) و (ص) .(2/56)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَيْسٌ، وَسَلَامٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أَنْ هُدِمَ الْبَيْتُ بَعْدَ جُرْهُمٍ، بَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا أَرَادُوا وَضْعَ الْحَجَرِ تَشَاجَرُوا مَنْ يَضَعْهُ، فَاتَّفَقُوا أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ فَوُضِعَ الْحَجَرُ فِي وَسَطِهِ، وَأَمَرَ كُلَّ فَخِذٍ أَنْ يَأْخُذُوا بِطَائِفَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَيَرْفَعُوهُ، وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَضَعَهُ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ [ (94) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ، وَطَارَتْ [ (95) ] شَرَارَةٌ مِنْ مجمرتها في ثياب الكعبة فَاحْتَرَقَتْ، فَهَدَمُوهَا، حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا، فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ: أَيُّ الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ؟ فَقَالُوا:
تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا. فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةً مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ، ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رِضًا [ (96) ] حَتَّى دَعَوْهُ الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عليه وحي. فَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا إِلَّا الْتَمَسُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فيها [ (97) ] .
__________
[ (94) ] في (ص) : «الفرج» .
[ (95) ] في (م) و (ص) : «فطارت» .
[ (96) ] في (م) و (ص) رسمت: رضى.
[ (97) ] أخبار مكة للأزرقي (1: 99) ، سبل الهدى والرشاد (2: 232) من طريق يعقوب بْنُ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.(2/57)
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر: محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ: مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الْفِجَارِ وَبَيْنَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ (98) ] .
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفِجَارُ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَيْسِ [ (99) ] عَيْلَانَ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ بِعُكَاظَ. قَالَ غَيْرُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ اسْتَحَلُّوا فِيهَا الْحُرُمَاتِ، وَفَجَرُوا فِيهَا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ [ (100) ] : وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بُنْيَانِهَا أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا، مِنْ فَوْقِ الرَّدْمِ الَّذِي صَنَعُوهُ فَأَضَرَّ بِهِ، فَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا الْمَاءُ،
__________
[ (98) ] قال ابن هشام (1: 198) : «لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم اربع عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار، وقال ابن إسحق: «هاجت حرب الفجار وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم ابن عشرين سنة» وقال ابن كثير في البداية والنهاية (2: 300) : «كان الفجار، وحلف الفضول في سنة واحدة» .
[ (99) ] في (هـ) و (ح) : «قيس بن عيلان» ، وأثبت ما في (م) و (ص) وهو موافق لسيرة ابن هشام (1: 201)
[ (100) ] موسى بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي عياش، أبو محمد الأسدي كان تلميذ الزهري، وعاش في المدينة، التقى بعبد اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي طريقه حاجا الى مكة، وكان له في مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم حلقة علم، وانصرف جل اهتمامه الى مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء الراشدين، وله كتاب المغازي اعتمد فيه اعتمادا اساسيا على الزهري، وقد اختصره ابن عبد البر في «الدرر في اختصار المغازي والسير. ومتفق على توثيقه، فقد أخرج له الستة، وله ترجمة في الجرح والتعديل (4: 2: 155) التهذيب (10: 360) .(2/58)
وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَلِيحٌ سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشُدُّوا بُنْيَانَهَا، وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ شَاءُوا، فَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالًا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَيْهَا، لِيَهْدِمُوهَا عَلَى شَفَقٍ وَحَذَرٍ أَنْ يَمْنَعَهُمُ اللهُ الَّذِي أَرَادُوا، فَكَانَ أَوَّلُ رَجُلٍ طَلَعَهَا وَهَدَمَ مِنْهَا شَيْئًا: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَوَا الَّذِي فَعَلَ الْوَلِيدُ تَتَابَعُوا فَوَضَعُوهَا، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا فِي بُنْيَانِهَا [ (101) ] أَحْضَرُوا عُمَّالَهُمْ فَلَمْ يَقْدِرْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْضِيَ أمامه مَوْضِعِ قَدَمِهِ. وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا حَيَّةً قَدْ أَحَاطَتْ بِالْبَيْتِ، رَأْسُهَا عِنْدَ ذَنَبِهَا، فَأَشْفَقُوا مِنْهَا شَفَقَةً شَدِيدَةً، وَخَشَوْا أَنْ يَكُونُوا قَدْ وَقَعُوا مِمَّا عَمِلُوا فِي هَلَكَةٍ. وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ حِرْزَهُمْ، وَمَنَعَتْهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَشَرَفًا لَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ- زَعَمُوا- الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ بِالَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ذَهَبَتِ الْحَيَّةُ فِي السَّمَاءِ وتغيبت منهم، أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: خَطَفَهَا طَائِرٌ فَأَلْقَاهَا نحو جياد.
فَلَمَّا سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ- قَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي أَمْرٍ تَبْتَغُونَ بِهِ مَرْضَاةَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ؟ فَإِذَا اجْتَهَدْتُمْ رَأْيَكُمْ وَجَهَدْتُمْ جَهْدَكُمْ- نَظَرْتُمْ فَإِنْ خَلَّى الله [عَزَّ وَجَلَّ] [ (102) ] بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بُنْيَانِهَا [ (103) ] ، فَذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ كَانَ ذَلِكَ وَقَدِ اجْتَهَدْتُمْ [ثُمَّ] [ (104) ] قَالُوا: أَشِرْ عَلَيْنَا. قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ جَمَعْتُمْ لِنَفَقَةِ هَذَا الْبَيْتِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، وَإِنَّكُمْ قَدْ أَخَذْتُمْ فِي هَدْمِهِ، وَبُنْيَانِهِ، عَلَى تَحَاسُدٍ مِنْكُمْ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُقَسِّمُوا أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ عَلَى مَنَازلِكُمْ فِي الْآلِ وَالْأَرْحَامِ، ثُمَّ تُقَسِّمُوا البيت
__________
[ (101) ] في (م) و (ص) : «بنائها» .
[ (102) ] الزيادة من (م) .
[ (103) ] في (م) : «بنائها» .
[ (104) ] الزيادة من (م) .(2/59)
عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وَلَا تَجْعَلُوا أَحَدَ جَوَانِبِ الْبَيْتِ كَامِلًا، لِكُلٍّ رُبْعٍ، وَلَكِنِ اقْسِمُوهُ نِصْفَيْنِ [ (105) ] [أَيْضًا فَإِنَّ] [ (106) ] كُلَّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْبَيْتِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَلْيُعَيِّنَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْكُمْ نَصِيبَهُ، وَلَا تَجْعَلُنَّ فِي نَفَقَةِ الْبَيْتِ شَيْئًا أَصَبْتُمُوهُ غَصْبًا، وَلَا قَطَعْتُمْ فِيهِ رَحِمًا، وَلَا انْتَهَكْتُمْ فِيهِ ذِمَّةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاقْتَرِعُوا بِفِنَاءِ الْبَيْتِ، وَلَا تَنَازَعُوا وَلَا تَنَافَسُوا، ولْيَصِيرَ [ (107) ] كُلُّ رُبْعٍ مِنْكُمْ مَوْضِعَ سَهْمِهِ، ثُمَّ انْطَلِقُوا بَعُمَّالِكُمْ، فَلَعَلَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَنْ تَخْلُصُوا إِلَيْهَا. فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ الْمُغِيرَةِ رَضُوا بِهِ، وانْتَهَوْا إِلَيْهِ، وَفَعَلُوا الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ.
فَيَزْعُمُ عُلَمَاءُ أَوَّلِيَّةِ قُرَيْشٍ: أَنْ بَابَ الْكَعْبَةِ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالنِّصْفِ مِنْ جَانِبِهَا الَّذِي يَلِي الْيَمَنَ- صَارَ فِي سَهْمِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
فَلَمَّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ تَنَافَسُوا فِي رَفْعِهِ، وَتَحَاسَدُوا عَلَيْهِ، فَحَكَّمُوا فِيهِ أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَعَانُوهُ عَلَى رَفْعِهِ عَلَى إِصْلَاحٍ [ (108) ] مِنْهُمْ وَجَمَاعَةٍ. فَيَزْعُمُونَ أَنْ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ وَسْطَ ثَوْبٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا بِزَوَايَاهُ وَجَوَانِبِهِ كُلِّهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَجَرَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ مَوْضِعَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ وَزَعَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ أَوَّلِيَّةَ قُرَيْشٍ [كَانُوا يُحَدِّثُونَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ] [ (109) ] لَمَّا اجْتَمَعُوا لِيَنْزَعُوا الْحِجَارَةَ، وانْتَهَوْا إِلَى تَأْسِيسِ إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] [ (110) ]- عَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى حَجَرٍ من الأساس
__________
[ (105) ] في (هـ) : «قسموه إنصافا من كل جانب» .
[ (106) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (107) ] في (هـ) : «وليصب» .
[ (108) ] في (هـ) : «على اصطلاح» .
[ (109) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (110) ] الزيادة من (م) .(2/60)
الْأَوَّلِ، فَرَفَعَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنَ الْأَسَاسِ الْأَوَّلِ، فَأَبْصَرَ الْقَوْمُ بَرْقَةً تَحْتَ الْحَجَرِ كَادَتْ تَلْتَمِعُ بَصَرَ الرَّجُلِ، وَنَزَلَ الْحَجَرُ مِنْ يَدِهِ فَوَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفَزِعَ الرَّجُلُ وَالْبُنَاةُ، فَلَمَّا سَتَرَ عَنْهُمُ الْحَجَرُ مَا تَحْتَهُ عَادُوا إِلَى بُنْيَانِهِمْ، وَقَالُوا:
لَا تُحَرِّكُوا هَذَا الْحَجَرَ وَلَا شَيْئًا بِحِذَائِهِ. فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى أُسِّ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَجَدُوا فِي حَجَرٍ مِنْهَا- فَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ ذُكِرَ أَنْهُ فِي أَسْفَلِ الْمَقَامِ- كِتَابًا لَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ حَتَّى جَاءَهُمْ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ الْيَمَنِ فَنَظَرَ إِلَى الْكِتَابِ فَحَدَّثَهُمْ: أَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ، فَاسْتَحْلَفُوهُ: لَتُحَدِّثَنَّا بِمَا فِيهِ، وَلْتَصْدُقَنَّا عَنْهُ. فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ فِيهِ: أَنَا اللهُ ذُو بَكَّةَ، حَرَّمْتُهَا يَوْمَ خلقت السموات وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَيَوْمَ وَضَعْتُ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ، وَحَفَفْتُهُمَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ، قَالَ: حدثنا محمد ابن إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى، قَالَ: حَدَّثَني [ (111) ] وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّهُمْ وَجَدُوا كِتَابًا أَسْفَلَ الْمَقَامِ، فَدَعَتْ قُرَيْشٌ رَجُلًا مِنْ حِمْيَرَ فَقَالَ: إِنَّ فِيهِ لَحَرْفًا لَوْ أُحُدِّثَكُمُوهُ لَقَتَلْتُمُونِي. فَظَنَنَّا أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ فَكَتَمْنَاهُ [ (112) ] .
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنَ يَسَارٍ. فَذَكَرَ قِصَّةَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَيَنْحَلُونَ هَذَا الْكَلَامَ الْوَلِيدَِ بن
__________
[ (111) ] في (م) : «حدّثنا» .
[ (112) ] التاريخ الكبير (1: 1: 445) .(2/61)
الْمُغِيرَةِ، وَقِيلَ: أَبُو وُهَيْبِ بْنُ عَمْروِ بْنِ عَائِذٍ.
وَقَالَ فِي دُخُولِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، قَدْ رَضِينَا بِمَا قَضَى بَيْنَنَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ. وَزَعَمَ أَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْفِجَارِ. بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَرَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِذْ ذَاكَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ: زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كَانَ إِذْ ذَاكَ ابن خمس وعشرين سنة، وَذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ (113) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: مُجَاهِدٌ:
بُنِيَ الْبَيْتُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وغيرهما.
__________
[ (113) ] اختلف في سِنِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم حينئذ. فقيل: كان ابن خمس وثلاثين.
وحكى الازرقي قولا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم لما بنيت الكعبة كان غلاما.
قال الحافظ ابن حجر: «ولعل عمدته ما رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم أجمرت امرأة الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مجمرها فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتْ، فذكر القصة.
وروى عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مجاهد، ان ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة، وكذا ابن عبد البر من طريق محمد بن جبير، وبه جزم موسى بن عقبة في المغازي.
والذي جزم به ابن إسحق ان بنيان قريش كان قبل المبعث بخمس سنين.
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدّم وقته على الشروع في البناء.(2/62)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ الْمُقَامَ كَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ مُلْتَصِقًا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَخَّرَهُ عُمَرُ بن الخطاب، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] [ (114) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِي، ابْنُ أُخْتِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عباس:
أنّ جبريل أرى إبراهيم، عليهما السّلام، موضع أَنْصَابِ الْحَرَمِ، فَنَصَبَهَا، ثُمَّ جدّدها إسماعيل، ثُمَّ جَدَّدَهَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، ثُمَّ جَدَّدَهَا رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعَثَ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَنَصَبُوا أنصاب الحرم [بموضع أنصاب الْحَرَمِ] [ (115) ] : مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلِ ابن أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأَزْهَرَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ، وَسَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (114) ] ليست في (م) .
[ (115) ] الجملة في (هـ) ، وليست في باقي النّسخ.(2/63)
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
أَنَّهَا قَالَتْ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنْ إِسَافًا وَنَائِلَةَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ [ (116) ] .
__________
[ (116) ] أخبار مكة (1: 44) .(2/64)
بَابُ مَا كَانَ يَشْتَغِلُ رَسُولُ اللهِ [ (1) ] صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ لِمَعَاشِهِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ، حَتَّى رَغِبَتْ خَدِيجَةُ فِي نِكَاحِهِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ جَدِّهِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا بَعَثَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، نَبِيًّا إِلَّا رَاعِيَ غَنَمٍ. فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَنَا رَعَيْتُهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عمرو ابن يَحْيَى.
* أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ سَهْلٍ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ، عن أبي
__________
[ (1) ] في (م) و (ص) : ما كان يشتغل به رسول الله.
[ (2) ] الحديث أخرجه البخاري في: 37- كتاب الإجارة (2) باب رعي الغنم على قراريط، فتح الباري (4:
441) ، وأخرجه ابن ماجة في: 12- كتاب التجارات (5) باب الصناعات، ح (2149) ، ص (727) ، ورواه ابن سعد في الطبقات (1: 125) ، ونقله عنهم الصالحي في السيرة الشامية (2:
211) .(2/65)
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «آجَرْتُ نَفْسِي مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ» [ (3) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابن إِسْحَاقَ، قَالَ:
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً، ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُ لَهُمْ مِنْهُ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَا بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ- بَعَثَتْ إِلَيْهِ، فعرضت أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنَ التُّجَّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ:
مَيْسَرَةُ. فَقَبِلَهُ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَمَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ، حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، قَرِيبٍ مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ. فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إِلَّا نَبِيٌّ [ (4) ] .
__________
[ (3) ] الخبر في إسناده: «الربيع بن بدر» ضعفه ابن معين، وقال: «ليس بشيء» ، وقال النسائي ويعقوب ابن سفيان: «متروك» ، وقال ابن حبان: «يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات المقلوبات» ، وقال الدارقطني والأزدي: «متروك» . تهذيب التهذيب (3: 239) .
[ (4) ] قول الرَّاهِبُ: «مَا نَزَلَ تَحْتَ هذه الشجرة الا نبي» ، قال السهيلي: «يريد ما نزل تحتها هذه الساعة قط إلا نبي لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك ... والشجرة لا تعمّر في العادة هذا العمر الطويل حتى يدرى أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى او غيره من الأنبياء» .(2/66)
ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، فَاشْتَرَى [ (5) ] مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلًا إِلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ، فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بمالها باعث مَا جَاءَ بِهِ، فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا.
وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إِيَّاهُ.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللهُ، [تَعَالَى] [ (6) ] بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ. فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ عَمَّا أَخْبَرَهَا بِهِ، بَعَثَتْ إِلَى رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ: يَا ابْنَ عَمٍّ، إِنِّي قَدْ رَغِبَتُ فِيكَ، لِقَرابَتِكَ مِنِّي، وَشَرَفِكَ فِي قَوْمِكَ، وَوَسِيطَتِكَ [ (7) ] فِيهِمْ، وَأَمَانَتِكَ عِنْدَهُمْ، وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ. ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطَ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُمْ مَالًا، وَكُلُّ قَومِهَا قَدْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ.
وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصي بن كلاب [ (8) ] .
__________
[ (5) ] في (م) و (ص) : «واشترى» .
[ (6) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (7) ] في (ح) : «ووسطتك» وكذا في سيرة ابن هشام، وأثبتّ ما في (م) و (ص) ، والوسيط:
الحسيب في قومه.
[ (8) ] الخبر في سيرة ابن هِشَامٍ (1: 202- 204)(2/67)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَزَوُّجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَدِيجَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَبَلَغَ أَشَدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ- اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ [ (1) ] فَلَمَّا رَجَعَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ. فَلَبِثَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنِيهِ. وكان لَهُ مِنْهَا: الْقَاسِمُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا آخَرَ يُسَمَّى الطَّاهِرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا إِلَّا الْقَاسِمَ. وَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتِهِ أَرْبَعًا: فَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَزَيْنَبَ [ (2) ] . فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنِيهِ، يُحَبَّبُ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن جعفر، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، قَالَ: حدثنا
__________
[ (1) ] سوق للعرب بناحية مكة. معجم ما استعجم (2: 418) ، وفي هامش (ص) : «حباشة بالضم والشين» سوق كانت للعرب بتهامة.
[ (2) ] سيرة ابن هشام (1: 206) .(2/68)
جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. تَزَوَّجَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَبُوهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ.
فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: الْقَاسِمَ، بِهِ كَانَ يُكْنَى، وَالطَّاهِرَ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ. رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَلَدَهُ كُلَّهُمْ: زَيْنَبَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَرُقَيَّةَ، وَفَاطِمَةَ، وَالْقَاسِمَ، وَالطَّاهِرَ، وَالطَّيِّبَ، فَأَمَّا الْقَاسِمُ، وَالطَّاهِرُ، وَالطَّيِّبُ، فَهَلَكُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وبِالْقَاسِمِ كَانَ يُكْنَى.
وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَأَدْرَكْنَ الْإِسْلَامَ، وَهَاجَرْنَ مَعَهُ، وَاتْبَعْنَهُ وَآمَنَّ بِهِ. كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [ (3) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَدْ بَلَغَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ، وَيَسِيرَ عَلَى النَّجِيبِ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ، [عَزَّ وَجَلَّ] [ (4) ] ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَقَدْ أَصْبَحَ مُحَمَّدٌ أَبْتَرَ مِنِ ابْنِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (5) ] عَلَى نبيه [صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (6) ] إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ
__________
[ (3) ] سيرة ابن هشام (1: 207) .
[ (4) ] ليست في (م) .
[ (5) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (6) ] الزيادة من (م) .(2/69)
عوضا يا محمد بن نَصِيبَكَ بِالْقَاسِمِ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (7) ] .
كَذَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. [وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِيهِ] [ (8) ] .
وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي شَانِئُ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: مَنْ شَنَأَهُ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَهُوَ الْأَبْتَرُ [ (9) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
وَلَدَتْ خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، غُلَامَيْنِ، وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ. الْقَاسِمَ، وَعَبْدَ اللهِ، وَفَاطِمَةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ:
أَكْبَرُ وَلَدِ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، الْقَاسِمُ، ثُمَّ زَيْنَبُ، ثُمَّ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ رُقَيَّةُ. قَالَ مُصْعَبٌ: هُمْ هَكَذَا: الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، ثم
__________
[ (7) ] سورة الكوثر.
[ (8) ] في (م) و (ص) : «والمشهور في أبيه، وذلك أن الآية نزلت فيما أخبرنا ... » .
[ (9) ] تفسير الطبري (30: 212) .(2/70)
مَاتَ الْقَاسِمُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَيِّتٍ مِنْ وَلَدِهِ، مَاتَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ بَلَغَتْ خَدِيجَةُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَيُقَالُ خَمْسِينَ سَنَةً. وَهُوَ أَصَحُّ [ (10) ] .
وَرُوِّينَا عَنْ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيِّ أَنَّ فَاطِمَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (11) ] ، وُلِدَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنْ مَوْلدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عمر ابن أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ ابن يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِقْسَمٍ: أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ.
أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ إِذَا سَمِعَ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ عَنْ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، خَدِيجَةَ، وَمَا يُكْثِرُونَ فِيهِ، يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا. إِنِّي كُنْتُ لَهُ تِرْبًا، وَكُنْتُ لَهُ إِلْفًا وَخِدْنًا، وَإِنِّي خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ذَاتَ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَزْوَرَةِ [ (12) ] أَجَزْنَا عَلَى أُخْتِ خَدِيجَةَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى أُدُمٍ تَبِيعُهَا، فَنَادَتْنِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهَا، وَوَقَفَ لِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَمَا لِصَاحِبِكَ هَذَا مِنْ حَاجَةٍ فِي تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ؟ قَالَ عَمَّارٌ:
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: بَلَى، لَعَمْرِي، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ: اغْدُوَا عَلَيْنَا إِذَا أَصْبَحْنَا. فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ ذَبَحُوا بَقَرَةً، وَأَلْبَسُوا أَبَا خَدِيجَةَ حُلَّةً، وَصُفِّرَتْ لِحْيَتُهُ، وَكَلَّمَتْ أَخَاهَا، فَكَلَّمَ أَبَاهُ وَقَدْ سُقِيَ خَمْرًا، فَذَكَرَ لَهُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَكَانَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يزوجه.
__________
[ (10) ] في (م) : «ويقال خمسين، وخمسون أصح» .
[ (11) ] ليست في (م) : ولا في (ص) .
[ (12) ] الحزورة: كانت الحزورة سوق مكة، ودخلت في المسجد لما زيد، وباب الحزورة معروف من أبواب المسجد الحرام، والعامة تقول: «باب عزورة» بالعين.(2/71)
فَزَوَّجَهُ خَدِيجَةَ، وَصَنَعُوا مِنَ الْبَقَرَةِ طَعَامًا، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، وَنَامَ أَبُوهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ صاحيا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْحُلَّةُ، وَهَذِهِ النَّقِيعَةُ، وَهَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ الَّتِي كَانَتْ كَلَّمَتْ عَمَّارًا: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاهَا [ (13) ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ خَتَنُكَ، وَبَقَرَةٌ أَهْدَاهَا لَكَ، فَذَبَحْنَاهَا حِينَ زَوَّجْتَهُ خَدِيجَةَ. فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهُ، وَخَرَجَ يَصِيحُ حَتَّى جَاءَ الْحِجْرَ، وَخَرَجَتْ بَنُو هَاشِمٍ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءُوهُ، فَكَلَّمُوهُ، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُكُمُ الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنِّي زَوَّجْتُهُ؟ فَبَرَزَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ زَوَّجْتُهُ فَسَبِيلُ ذَاكَ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ فَقَدْ زَوَّجْتُهُ. قال الموصلي: وَالْمُجْتَمَعُ أَنَّ عَمَّهَا عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ الَّذِي زَوَّجَهَا [ (14) ] .
قَالَ وَفِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللهُ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، زُوِّجَ بِهَا وَهُوَ ابن خمس وعشرين سَنَةً، قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ نَبِيًّا بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ [قَالَ] [ (15) ] حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: وَفِيمَا كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُؤَمَّلِيُّ [ (16) ] : عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عَمَرَو بْنَ أَسَدٍ زَوَّجَ خَدِيجَةَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ.
* وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
__________
[ (13) ] في (م) : «كساكها» .
[ (14) ] رواه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9: 220- 221) ، وقال: فيه عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الموصلي، وهو متروك» قلت: له ترجمة في الميزان (3: 184) ، ضعفه ابو زرعة، وقال ابو حاتم: «متروك ذاهب الحديث» .
[ (15) ] الزيادة من (م) .
[ (16) ] كذا ورد في النسخ، وفي الميزان وغيره: «الموصلي» .(2/72)
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَنَّ أَبَا خَدِيجَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ- أَظُنُّهُ قَالَ: - سكران [ (17) ] .
__________
[ (17) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 312) مطولا بإسناد ضعيف، وأخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9: 220) عنه، وعن الطبراني، وقال: «رجال أحمد والطبراني رجال الصَّحِيحِ» .(2/73)
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ رَسُولًا، بِمَا يَجِدُونَهُ عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ خُرُوجِهِ، وَصِدْقِهِ فِي رِسَالَتِهِ، واسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
وَكَانَتِ الْأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، هُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَبِزَمَانِهِ الَّذِي يُتَرَقَّبُ فِيهِ- مِنَ الْعَرَبِ، لِمَا يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَمَا أُثْبِتَ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنِ اسْمِهِ، وَبِمَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ لَهُ، فِي عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ وَكُتُبِهِمْ، فِي اتِّبَاعِهِ، فَيَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَيُخْبِرُونَهُمْ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ [ (1) ] بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْمُهُ: أَحْمَدُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَجِدُونَهُ كَذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ. يَقُولُ اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] :
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (3) ] وقال:
__________
[ (1) ] في (ح) و (م) : «مبعوث» .
[ (2) ] في (م) : «عز وجل» .
[ (3) ] الآية الكريمة (157) من سورة الأعراف.(2/74)
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ كُلَّهَا [ (4) ] . وَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [ (5) ] الْآيَةَ كُلَّهَا. وَقَوْلُهُ: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [ (6) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ أُمِّيِّينَ لَا يَدْرُسُونَ كِتَابًا، وَلَا يَعْرِفُونَ مِنَ الرُّسُلِ عَهْدًا، وَلَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً، إِلَّا شَيْئًا يَسْمَعُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَثْبُتُ فِي صُدُورِهِمْ. فَكَانَ فِيمَا بَلَغَنَا مِنْ حَدِيثِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ عَنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (7) ] بِزَمَانٍ.
فَذَكَرَ [ (8) ] مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ [الْحَافِظُ] [ (9) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (10) ] أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ [بُكَيْرٍ] [ (11) ] ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي [الْأَشْيَاخُ] [ (12) ] مِنَّا، قَالُوا:
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بِشَأْنِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِنَّا: كَانَ مَعَنَا يَهُوَدُ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَكُنَّا أَصْحَابَ وَثَنٍ، وَكُنَّا إِذَا بَلَغْنَا مِنْهُمْ مَا يكرهون،
__________
[ (4) ] الآية الكريمة (6) من سورة الصف.
[ (5) ] الآية الكريمة (29) من سورة الفتح.
[ (6) ] الآية الكريمة (89) ، والآية (90) من سورة البقرة، وجزء الخبر الأول في سيرة ابن هشام (1: 221) .
[ (7) ] الزيادة من (م) .
[ (8) ] في (م) : «يذكر» .
[ (9) ] ليست في (م) .
[ (10) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (11) ] ليست في (م) .
[ (12) ] في (م) : «أشياخ» .(2/75)
قَالُوا: إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثًا الْآنَ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتَّبِعُهُ، فَنَقْتُلُكُمْ قَتْلَ عَادٍ وإِرَمَ. فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، رسوله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، اتَّبَعْنَاهُ وَكَفَرُوا بِهِ. فَفِينَا وَاللهِ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [ (13) ] الْآيَةَ كُلَّهَا [ (14) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، قَالَ:
كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: اللهُمَّ ابْعَثْ لَنَا هَذَا النَّبِيَّ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ، يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ: أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى النَّاسِ.
* أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا [ (15) ] عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ، بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَتْ يَهُوَدُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ، فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُوَدُ خَيْبَرَ، فَعَاذَتِ الْيَهُودُ، بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَتِ: اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ- إِلَّا نَصَرَتْنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَهَزَمُوا غَطَفَانَ. فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كَفَرُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ يَعْنِي بِكَ يَا مُحَمَّدُ
__________
[ (13) ] الآية الكريمة (89) من سورة البقرة.
[ (14) ] سيرة ابن هشام (1: 221) ، سبل الهدى والرشاد (2: 246) .
[ (15) ] في (م) : «حدثنا» .(2/76)
عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى قَوْلِهِ: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [ (16) ] وَرُوِيَ مَعْنَاهُ أَيْضًا، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ:.
أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِرُسُلِهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ. فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ
[ (17) ] وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِرُسُلِهِمْ، وَبِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ، [صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [ (18) ] آمَنُوا بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [ (19) ] .
__________
[ (16) ] الآية الكريمة (89) من سورة البقرة، والحديث أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 263) ، وفي إسناده: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قال الدارقطني: هما ضعيفان، وقال احمد:
ضعيف، وقال يحيى بن معين: كذاب، وقال أبو حاتم: «متروك، ذاهب الحديث» ، وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال السّعدي: «دجال كذاب» . الميزان (2: 666- 667) .
[ (17) ] الآية الكريمة (106) من سورة آل عمران.
[ (18) ] في (م) : «عليه السلام» .
[ (19) ] الآية الكريمة (17) من سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم.(2/77)
ذِكْرُ خَبَرِ الْيَهُودِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
* أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا يَهُوَدِيٌّ، فَخَرَجَ عَلَى نَادِي قَوْمِهِ: بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ، فَقَالَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ وَثَنٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ مَوْتٍ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ- وَفِي رِوَايَةِ الْقَاضِي وَيْلَكَ يَا فُلَانُ- وَهَذَا كَائِنٌ:
أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ:
نَعَمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّيَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ: أَنْ تُوقِدُوا أَعْظَمُ تَنُّورٍ فِي دَارِكُمْ، فَتُحْمُونَهُ، ثُمَّ تَقْذِفُونِي فِيهِ، ثُمَّ تُطَيِّنُونَ عَلَيَّ، وَأَنِّي أَنْجُو مِنَ النَّارِ غَدًا.
فَقِيلَ: يَا فُلَانُ، فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَاحِيَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ- قَالُوا: فَمَتَى تَرَاهُ؟ فَرَمَى بِطَرْفِهِ، فَرَآنِي وَأَنَا مُضْطَجِعٌ بِفِنَاءِ بَابِ أَهْلِي، وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِذْ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ(2/78)
فَمَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَحَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَآمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. فَقُلْنَا لَهُ: يَا فُلَانُ، أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ مَا قُلْتَ وَأَخْبَرْتَنَا؟ قَالَ: لَيْسَ به [ (1) ] .
__________
[ (1) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 231) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 468) ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (1: 135) ، وقال: «رواه ابن إسحاق، والبخاري في «التاريخ» وصححه الحاكم، والخبر في الاكتفاء (1: 233) ، والوفا (1: 47) .(2/79)
ذِكْرُ سَبَبِ إِسْلَامِ ابْنَيْ سَعْيَةَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ [بْنِ قَتَادَةَ] [ (1) ] ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ:
هَلْ تَدْرِي عَمَّا كَانَ إِسْلَامِ أُسَيْدٍ، وَثَعْلَبَةَ، ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ [ (2) ] بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٌ مِنْ هَذْلٍ، لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ، كَانُوا فَوْقَ ذَاكَ؟
فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيَّبَانِ [ (3) ] ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ خَيْرًا مِنْهُ.
فَقَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِسَنَتَيْنِ، فَكُنَّا إِذَا قَحِطْنَا، وَقَلَّ عَلَيْنَا الْمَطَرُ نَقُولُ: يَا ابْنَ الْهَيَّبَانِ، اخْرُجْ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ، حَتَّى تُقَدِّمُوا أَمَامَ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً. فَنَقُولُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ
__________
[ (1) ] الزيادة من (م) .
[ (2) ] في (م) و (ص) : «أسيد وهو تصحيف.
[ (3) ] (الهيبان) بفتح الهاء، وتشديد الياء، مفتوحة بعدها باء موحدة، وآخره نون، وأصله صفة، يقال: قطن هيبان، «إذا كان منفوشا» .(2/80)
شَعِيرٍ. فَنُخْرِجُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا، وَنَحْنُ معه، فيستسقي، فو الله مَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى تَمُرَّ الشِّعَابُ. قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ.
فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنَّمَا أَخْرَجَنِي أَتَوَقَّعُ [ (4) ] خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ [ (5) ] ، هَذِهِ الْبِلَادُ مُهَاجَرُهُ، فَأَتَّبِعُهُ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ إِذَا خَرَجَ. يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ، بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ، فَلَا يَمْنَعُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ. ثُمَّ مَاتَ. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي فُتِحَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ، قَالَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاللهِ إِنَّهُ لَلَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ. فَقَالُوا: مَا هُوَ بِهِ.
قَالُوا: بَلَى وَاللهِ، إِنَّهُ لَصِفَتُهُ [ (6) ] ثُمَّ نَزَلُوا، فَأَسْلَمُوا وَخَلُّوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَهَالِيهِمْ [ (7) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا فَتَحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
__________
[ (4) ] في سيرة ابن هشام: «أتو كف خروج نبي» ، ومعناها: انتظر خروجه واستشعر.
[ (5) ] أظل زمانه: أشرف عليكم وقرب.
[ (6) ] في سيرة ابن هشام: «إنه لهو بصفته» .
[ (7) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 232- 233) .(2/81)
ذِكْرُ سَبَبِ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (1) ] فِي «زِيَادَاتِ الْفَوَائِدِ» قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ:
أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَانَا صَدِيقَيْنِ لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَتَيَاهُ، أَنْ يُكَلِّمَ لَهُمَا سَلْمَانَ: أَنْ يُحَدِّثَهُمَا بِحَدِيثِهِ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلَامِهِ؟ فَأَقْبَلَا مَعَهُ حَتَّى لَقَوْا سَلْمَانَ، وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، أَمِيرًا [ (2) ] عَلَيْهَا، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ، وَإِذَا خُوصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَشُقُّهُ [ (3) ] . قَالَا: فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ هَذَيْنِ لِي صَدِيقَانِ [ (4) ] ، وَلَهُمَا إِخَاءٌ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ:
كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إسلامك؟
__________
[ (1) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (2) ] في (هـ) و (ص) و (م) : «أمير» .
[ (3) ] في (ص) و (م) : «يسفّه» ، وفي هامش (م) : «قوله: يسفه، بالسين المهملة والفاء، أي ينسجه.
[ (4) ] في الأصول «صديقين» .(2/82)
قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ [ (5) ] ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِ [ (6) ] رَامَهُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ [يُعَلِّمُهُ] [ (7) ] ، فَلَزِمْتُهُ لِأَكُونَ فِي كَنَفِهِ. وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرَ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا فِي نَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلَامًا فَقِيرًا، فَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ الْجَبَلَ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّرًا، قَالَ: فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَلِمَ لَا تَذْهَبُ بِي مَعَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ غُلَامٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ، قَالَ: قُلْتُ:
لَا تَخَفْ. قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلٍ [ (8) ] ، لَهُمْ عِبَادَةٌ وَلَهُمْ صَلَاحٌ، يَذْكُرُونَ اللهَ [تَعَالَى] [ (9) ] ، وَيَذْكُرُونَ الْآخِرَةَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيرَانِ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِينٍ، قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُمْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ فَيَعْلَمَ أَبِي، فَيقْتُلَ الْقَوْمَ، فَيَجْرِيَ هَلَاكُهُمْ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: قُلْتُ: لَمْ يَظْهَرْ مِنِّي ذَلِكَ. فَاسْتَأْمَرَهُمْ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: عِنْدِي غُلَامٌ يَتِيمٌ [ (10) ] فَأَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُمْ وَيَسْمَعَ كَلَامَكُمْ، قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَجِيءَ مِنْهُ إِلَّا مَا أحب. قالوا: فجيء بِهِ. فَقَالَ لِي: قَدِ اسْتَأْذَنْتُ الْقَوْمَ أَنْ تَجِيءَ مَعِيَ، فَإِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي [ (11) ] رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيهَا فَأْتِنِي، وَلَا يَعْلَمُ بِكَ أَحَدٌ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ تَبِعْتُهُ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ، فانتهينا
__________
[ (5) ] في (ص) : «رام هرمز» ، وهي كورة بالأهواز.
[ (6) ] (الدّهقان) : بكسر الدال وضمها شيخ القرية، العارف بالفلاحة وما يصلح الأرض من الشجر، يلجأ إليه في معرفة ذلك، وهو معرّب.
[ (7) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (8) ] (البرطيل) : حجر عظيم مستطيل.
[ (9) ] ليست في (م) .
[ (10) ] في (م) و (ص) : «غلام عندي يتيم» .
[ (11) ] في (هـ) : «الساعة الذي» .(2/83)
فِيهِ إِلَيْهِمْ. فَإِذَا هُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأُرَاهُ قَالَ: هُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ.
قَالَ: وَكَأَنَّ الرُّوحَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ: يَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ، يَأْكُلُونَ الشَّجَرَ وَمَا وَجَدُوا. فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ فَأَثْنَى ابْنُ الدِّهْقَانِ عَلَيَّ خَيْرًا.
فَتَكَلَّمُوا فَحَمِدُوا اللهَ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ، فَقَالُوا: بَعَثَهُ اللهُ، وَوُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ، بَعَثَهُ اللهُ رَسُولًا، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ابْتَلَى بِهِ خَلْقَهُ، قَالَ: وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلَامُ، إِنَّ لَكَ رَبًّا، وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا إِلَيْهِمَا تَصِيرُ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالَةٍ، فَلَا يَرْضَى اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] ، بِمَا يَصْنَعُونَ، وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ. فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا الْغُلَامُ انْصَرَفَ. وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ. ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ. وَلَزِمْتُهُمْ فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ إِنَّكَ غُلَامٌ، وَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ مَا نَصْنَعُ، فَصَلِّ، وَنَمْ، وَكُلْ، وَاشْرَبْ.
قَالَ: فَاطَّلَعَ الْمَلِكُ عَلَى صَنِيعِ ابْنِهِ، فَرَكِبَ فِي الْخَيْلِ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَدْ جَاوَرْتُمُونِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوْا مِنِّي سُوءًا فَعَمِدْتُمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدْتُمُوهُ عَلَيَّ، قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَدَرْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بِرْطِيلَكُمْ هَذَا، فَالْحَقُوا بِبِلَادِكُمْ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِنِّي إِلَيْكُمْ سُوءٌ، قَالُوا: نَعَمْ. مَا تَعَمَّدْنَا مَسَاءَتَكَ، وَلَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. فَكَفَّ ابْنُهُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ، فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللهِ، وَإِنَّ أَبَاكَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ، إِنَّمَا هُمْ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ، فَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ.
__________
[ (12) ] ليست في (م) و (ص) .(2/84)
قَالَ: يَا سَلْمَانُ، هُوَ كَمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ عَنِ الْقَوْمِ بُقْيًا عَلَيْهِمْ: إِنْ تَبِعْتُ الْقَوْمَ طَلَبَني أَبِي فِي الْخَيْلِ، وَقَدْ جَزَعَ مِنْ إِتْيَانِي إِيَّاهُمْ حَتَّى طَرَدَهُمْ [ (13) ] ، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَيْدِيهِمْ، وقالت: أَنْتَ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَنَا مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِي فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ. فَأَتَيْتُهُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ فَكَانَ مَا رَأَيْتَ. اتَّقِ اللهَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ وَلَا يَذْكُرُونَهُ، فَلَا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا: نَحْنُ نَصُومُ النَّهَارَ، وَنَقُومُ اللَّيْلَ، وَنَأْكُلُ الشَّجَرَ وَمَا أَصَبْنَا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: لَا أُفَارِقُكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَدْ أَعْلَمْنَاكَ حَالَنَا، فَإِذَا أَتَيْتَ [ (14) ] فَاطْلُبْ حِذَاءً يَكُونُ مَعَكَ، وَاحْمِلْ مَعَكَ شَيْئًا تَأْكُلُهُ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَا نَسْتَطِيعُ نَحْنُ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَلَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَأَبَى، فَأَتَيْتُهُمْ فَتَحَمَّلُوا فَكَانُوا يَمْشُونَ وَأَمْشِي مَعَهُمْ، فَرَزَقَ اللهُ السَّلَامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَوْصِلَ، فَأَتَيْنَا بِيْعَةً بِالْمَوْصِلِ، فَلَمَّا دَخَلُوا حَفُّوا بِهِمْ وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اللهَ [تَعَالَى] [ (15) ] ، بِهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ [ (16) ] فَطَرَدُونَا، فَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالُوا: يَا سَلْمَانُ إِنَّ هَهُنَا قَوْمًا فِي هَذِهِ الْجِبَالِ هُمْ أَهْلُ دِينٍ، وَإِنَّا نُرِيدُ لِقَاءَهُمْ. فَكُنْ أَنْتَ هَهُنَا مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَسَتَرَى مِنْهُمْ مَا تُحِبُّ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ. قَالَ [ (17) ] : وَأَوْصُوا بِي أَهْلَ الْبِيعَةِ، فَقَالَ أَهْلُ الْبِيْعَةِ: أَقِمْ مَعَنَا يَا غُلَامُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ يَسَعُنَا.
قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ، فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُمْ، فَأَصْبَحْنَا بَيْنَ جِبَالٍ فإذا
__________
[ (13) ] في (م) : «حتى أتاهم» .
[ (14) ] في (م) : «أبيت» .
[ (15) ] ليست في (م) .
[ (16) ] في (م) : «نيران» .
[ (17) ] في (هـ) و (م) : «قالوا» .(2/85)
صَخْرَةٌ وَمَاءٌ كَثِيرٌ فِي جِرَارٍ [ (18) ] وَخُبْزٌ كَثِيرٌ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْجِبَالِ، يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ، كَأَنَّ الْأَرْوَاحَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرُوا فَرَحَّبُوا بِهِمْ وَحَفُّوا، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ. لَمْ نَرَكُمْ؟
قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى [ (19) ] ، فِيهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ، وَكُنَّا نَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى [ (20) ] فَطَرَدُونَا. فَقَالُوا: مَا هَذَا الْغُلَامُ؟ قَالَ: فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا. قال: فو الله إِنَّهُمْ لَكَذَا، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ رَجُلٌ طُوَالٌ، فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ، فَحَفُّوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ أَصْحَابِي الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ، وَأَحْدَقُوا بِهِ، فَقَالَ [ (21) ] لَهُمْ: أَيْنَ كُنْتُمْ؟
فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مَعَكُمْ؟ فَأَثْنَوْا عَلَيَّ خَيْرًا، وَأَخْبَرُوهُ بِاتِّبَاعِي إِيَّاهُمْ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ إِعْظَامِهِمْ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَرْسَلَ اللهُ، تَعَالَى، مِنْ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَمَا لَقَوْا وَمَا صُنِعَ بِهِمْ، حَتَّى ذَكَرَ مَوْلِدَ عيسى بن مَرْيَمَ وَأَنَّهُ وُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ [ (22) ] ، فَبَعَثَهُ رَسُولًا، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصَ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلَ، وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعْثَهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ. وَذَكَرَ بَعْضَ مَا لَقِيَ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَبْدًا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ [تعالى] [ (23) ] . وهو يعظمهم وَيَقُولُ: اتَّقُوا اللهَ، وَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (24) ] ، وَلَا تُخَالِفُوا فَيُخَالَفَ بِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ من هذا شيئا
__________
[ (18) ] في (ح) و (م) : «قرار» .
[ (19) ] ليست في (م) .
[ (20) ] ليست في (م) .
[ (21) ] في (م) : «وقال» .
[ (22) ] في (م) : «بغير ذكر» .
[ (23) ] ليست في (م) .
[ (24) ] ليست في (م) .(2/86)
فَلْيَأْخُذْ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُومُ فَيَأْخُذُ الْجَرَّةَ مِنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّيْءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِينَ جِئْتُ مَعَهُمْ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَظَّمُوهُ، فَقَالَ لَهُمُ: الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَفَرَّقُوا، وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا. فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، هَذَا دِينُ اللهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُولُهُ، وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْكُفْرُ. قَالَ: قُلْتُ: مَا أُفَارِقُكَ. قال: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعِي، إِنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلَّا كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَيْنُونَةِ مَعِي. قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا:
يَا غُلَامُ، إنَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: يَا غُلَامُ، فَإِنِّي أُعْلِمُكَ الْآنَ أَنِّي أَدْخُلُ هَذَا الْكَهْفَ، وَلَا أَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا [ (25) ] الْأَحَدَ الْآخَرَ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا فُلَانُ، هَذَا غُلَامٌ وَيُخَافُ عَلَيْهِ [ (26) ] قَالَ: قَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: إِنِّي لَا أُفَارِقُكَ.
فَبَكَى أَصْحَابِي الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ عِنْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّايَ، فَقَالَ: خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا تَرَى أَنَّهُ يَكْفِيكَ إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ، وَخُذْ مِنْ هَذَا الْمَاءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ.
فَفَعَلْتُ وَتَفَرَّقُوا، وَذَهَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ الْكَهْفَ فِي الْجَبَلِ، وَقَالَ: ضَعْ مَا مَعَكَ وَكُلْ وَاشْرَبْ. وَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ خَلْفَهُ أُصَلِّي، قَالَ: فَانْفَتَلَ إِلَيَّ وَقَالَ [ (27) ] : إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا، وَلَكِنْ صَلِّ وَنَمْ وَكُلْ وَاشْرَبْ. فَفَعَلْتُ فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا وَلَا طَاعِمًا، إِلَّا رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ: خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ وَانْطَلِقْ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ أَتَّبِعُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ، وَاجْتَمَعُوا إِلَى الصَّخْرَةِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَقَعَدُوا وَعَادَ فِي حَدِيثِهِ نَحْوَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَقَالَ:
الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أنّ عيسى بن مريم كان عبدا
__________
[ (25) ] في (م) : «إلى الأحد» .
[ (26) ] في (م) : «ونخاف عليه» .
[ (27) ] في (م) : «فقال» .(2/87)
لِلَّهِ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَنِي. فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا فُلَانٍ، كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الْغُلَامَ؟ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَقَالَ خَيْرًا، فَحَمِدُوا اللهَ تَعَالَى، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيرٌ وَمَاءٌ، فَأَخَذُوا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ بِقَدْرِ مَا يَكْتَفِي بِهِ. فَفَعَلْتُ. وَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الْجِبَالِ وَرَجَعَ إِلَى كَهْفِهِ، وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ: يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمِ أَحَدٍ فَيَخْرُجُونَ مَعَهُ فَيَحُفُّونَ بِهِ [ (28) ] وَيوصِيهِمْ بِمَا كَانَ يُوصِيهِمْ بِهِ، فَخَرَجَ فِي أَحَدٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا حَمِدَ اللهَ وَوَعَظَهُمْ وَقَالَ مِثْلَ مَا كَانَ يَقُولُ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ آخِرَ ذَلِكَ: يَا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُ قَدْ كَبِرَ سِنِّي [ (29) ] ، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَإِنَّهُ لَا عَهْدَ لِي بِهَذَا الْبَيْتِ مُنْذُ كَذَا [ (30) ] وَلَا بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: فَجَزِعَ الْقَوْمُ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ جَزَعِهِمْ، وَقَالُوا: يَا أَبَا فُلَانٍ أَنْتَ كَبِيرٌ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُصِيبَكَ الشَّيْءُ، ولسنا وأَحْوَجُ مَا كُنَّا إِلَيْكَ. قَالَ: لَا تُرَاجِعُونِي، لَا بُدَّ لِي مِنْ إِتْيَانِهِ، وَلَكِنِ اسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا، وَافْعَلُوا وَافْعَلُوا. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، قَدْ رَأَيْتَ حَالِيَ وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، إِنَّمَا أَمْشِي، أَصُومُ النَّهَارَ، وَأَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَادًا وَلَا غَيْرَهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى هَذَا. قَالَ:
قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالُوا [ (31) ] : يَا أَبَا فُلَانٍ، إِنَّا نَخَافُ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ. قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ، قَدْ أَعْلَمْتُهُ الْحَالَ، وَقَدْ رَأَى مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا.
فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ. قَالَ: فَبَكَوْا وَوَدَّعُوهُ، وَقَالَ لَهُمُ: اتَّقُوا اللهَ، وَكُونُوا عَلَى مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، فَإِنْ أَعِشْ فَلَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، وَقَالَ: لِي احمل معك من هذا الخبز
__________
[ (28) ] الزيادة من (ح) .
[ (29) ] من (م) : «كبرت سني» .
[ (30) ] (م) : «كذا وكذا» .
[ (31) ] في (هـ) : «قال» .(2/88)
شَيْئًا تَأْكُلْهُ. فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ يَمْشِي وَأَتَّبِعُهُ، يَذْكُرُ اللهَ وَلَا يَلْتَفِتُ، وَلَا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى، قَالَ: يَا سَلْمَانُ، صَلِّ أَنْتَ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.
ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يُصَلِّي، إِلَى أَنِ انْتَهَيْنَا [ (32) ] إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِذَا أَمْسَى حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِذَا عَلَى الْبَابِ مُقْعَدٌ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، قَدْ تَرَى حَالِي فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ. فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ [ (33) ] أَمْكِنَةً مِنَ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، إِنِّي لَمْ أَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَجِدْ طَعْمَ نَوْمٍ، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ لِي أَنْ تُوقِظَنِي إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا- نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَإِلَّا لَمْ أَنَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، قَالَ: فَانْظُرْ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَيْقِظْنِي إِذَا غَلَبَتْنِي عَيْنِي. فَنَامَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، لَأَدَعَنَّهُ ينام حتى يشتفي مِنَ النَّوْمِ. وَكَانَ فِيمَا يَمْشِي، وَأَنَا مَعَهُ، يُقْبِلُ عَلَيَّ فَيَعِظُنِي وَيخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًّا، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ [ (34) ] جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا، وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُني نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ الْقَوْمَ يَوْمَ الْأَحَدِ، حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ- وَكَانَ رَجُلًا أَعْجَمِيًّا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ تِهَامَةَ ولا محمد- عَلَامَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، لايقبل الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ فَقَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَشَيْخٌ [ (35) ] كَبِيرٌ وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ. قُلْتُ: وإن أمرني بترك دينك وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: وَإِنْ أَمَرَكَ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ، وَرِضَا الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ. قَالَ:
__________
[ (32) ] في (هـ) و (م) : «انتهى» .
[ (33) ] في (م) : «يتّبع» .
[ (34) ] في (م) : «يديه» .
[ (35) ] في (م) : «فإني شيخ» .(2/89)