بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي العزة والأفضال والجود والنوال أحمده على ما خص وعم من نعمة واستعينه على اداء فرائضه وأسئله الصلاة على خاتم رسله
أما بعد فانه لا بد لمن اراد معرفة الديانات والتمميز بينها من معرفة المذاهب والمقالات ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النحل والديانات من بين مقصر فيما يحكيه وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه ومن بين معتمد للكذب في الحكاية ارادة التشنيع على من يخالفه ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من امر المقالات واختصار ذلك وترك الاطالة والاكثار وانا مبتدىء شرح ذلك بعون الله وقوته
اختلف الناس بعد نبيهم صلى الله عليه و سلم في أشياء كثيرة ضلل (1/1)
فيها بعضهم بمضا وبرىء بعضهم من بعض فصاررا فرقا متباينين واحزابا متشتتين الا ان الاسلام يجمعهم ويشتمل عليهم واول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه و سلم اختلافهم في الإمامة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قبضه الله عز و جل ونقله إلى جنته ودار كرامته اجتمعت الانصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول وارادوا عقد الامامة لسعد بن عبادة وبلغ ذلك ابا بكر وعمر رضوان الله عليهما فقصدا نحو مجتمع الانصار في رجال من المهاجرين فاعلمهم ابو بكر ان الامامة لا تكون الا في قريش واحتج عليهم بقول النبي الامامة في قريش فاذعنوا لذلك منقادين ورجعوا الى الحق طائعين بعد ان قالت الانصار منا امير ومنكم امير وبعد ان جرد الحباب ابن المنذر سيفه وقال انا جذيلها المحكك وعديقها المرجب من يبارزني بعد ان قام قيس بن سعد بنصرة ابيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال ثم بايعوا ابا بكر رضوان الله عليه واجتمعوا على امامته واتفقوا على خلافته وانقادوا لطاعته فقاتل اهل الردة على ارتدادهم كما قاتلهم رسول الله على كفرهم فاظهره الله عز و جل (1/2)
عليهم أجمعين ونصره على جملة المرتدين وعاد الناس الى الاسلام اجمعين واوضح الله به الحق المبين وكان الاختلاف بعد الرسول في الامامة ولم يحدث خلاف غيره في حياة ابي بكر رضوان الله عليه وايام عمر الى ان ولى عثمان بن عفان رضوان الله عليه وانكر قوم عليه في آخر ايامه افعالا كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين وعن سنن المحجة خارجين فصار ما انكروه عليه اختلافا الى اليوم ثم قتل رضوان الله عليه وكانوا في قتله مختلفين فاما اهل السنة والاستقامة فانهم قالوا كان رضوان الله عليه مصيبا في افعاله قتله قاتلوه ظلما وعدوانا وقال قائلون بخلاف ذلك وهذا اختلاف بين الناس الى اليوم
ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فاختلف الناس في امره فمن بين منكر لامامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بامامته معتقد لخلافته وهذا اختلاف بين الناس الى اليوم
ثم حدث الاختلاف في أيام علي في امر طلحة والزبير رضوان الله عليهما وحربهما اياه وفي قتال معاوية اياه وصار على ومعاية الى صفين وقاتله على حتى انكسرت سيوف الفريقين ونصت رماحهم وذهبت قواهم وجثوا على الركب فوهم بعضهم على بعض فقال معاوية لعمر بن العاص يا عمرو الم تزعم أنك لم تقع في امر فظيع فاردت الخروج (1/3)
منه الا خرجت قال بلى قال فما المخرج مما نزل قال له عمرو بن العاص فلى عليك أن لا تخرج مصر من يدي ما بقيت قال لك ذلك ولك به عهد الله وميثاقه قال فأمر بالمصاحف فترفع ثم يقول اهل الشام لاهل العراق يا اهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم البقية البقية فانه ان اجابك الى ما تريده خالفه اصحابه وان خالفك خالفه اصحابه وكان عمرو بن العاص في رأيه الذي اشار به كأنه ينظر الى الغيب من وراء حجاب رقيق فأمر معاوية اصحابه برفع المصاحف وبما اشار به عليه عمرو بن العاص ففعلوا ذلك فاضطرب اهل العراق على علي رضوان الله عليه وأبو عليه الا التحكيم وأن يبعث على حكما ويبعث معاوية حكما فاجابهم علي الى ذلك بعد امتناع اهل العراق عليه ان لا يجيبهم إليه فلما اجاب على الى ذلك وبعث معاوية واهل الشام عمرو بن العاص حكما وبعث على واهل العراق ابا موسى حكما واخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق اختلف اصحاب علي عليه وقالوا قال الله تعالى فقاتلوا التي تبغى حتى تفىء الى امر الله ولم يقل حاكموهم وهم البغاة فان عدت الى قتالهم واقررت على نفسك بالكفر اذ اجبتهم الى التحكيم والا نابذناك وقاتلنا فقال علي رضوان الله عليه قد ابيت عليكم في اول الامر فابيتم الا اجابتهم الى ما سألوا فاجبناهم واعطيناهم العهود والمواثيق وليس يسوغ لنا الغدر فابوا الا خلعه واكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه فسموا خوارج لانهم (1/4)
خرجوا على على بن أبي طالب رضوان الله عليه وصار اختلافا الى اليوم وسنذكر اقاويل الخوارج بعد هذا الموضوع من كتابنا
ذكر الإختلاف
اختلف المسلمون عشرة اصناف الشيع والخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والضرارية والحسينية والبكرية والعامة واصحاب الحديث والكلابية اصحاب عبد الله بن كلاب القطان
فالشيع ثلثة اصناف وانما قيل لهم الشيعة لانهم شيعوا عليا رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر اصحاب رسول الله فمنهم الغالية وانما سموا الغالية لانهم غلوا في على وقالوا فيه قولا عظيما وهم خمس عشرة فرقة
فالفرقة الاولى منهم البيانية اصحاب بيان بن سمعان التميمى يقولون ان الله عز و جل على صورة الانسان وانه يهلك كله الا وجهه وادعى بيان انه يدعو الزهرة فتجيبه وانه يفعل ذلك بالاسم الاعظم فقتله خالد بن عبد الله القسري وحكى عنهم ان كثيرا منهم يثبت لبيان بن (1/5)
سمعان النبوة ويزعم كثير من البيانية ان ابا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على امامة بيان بن سمعان ونصبه اماما
والفرقة الثانية منهم اصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين يزعمون ان عبد الله بن معاوية كان يدعى ان العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وان الارواح تناسخت وان روح الله جل اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه قال وزعم انه رب وانه نبي فعبده شيعته وهم يكفرون بالقيامة ويدعون ان الدنيا لا تفنى ويستحلون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم ويتأولون قول الله عز و جل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا
والفرقة الثالثة منهم اصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهم يسمون الحربية يزعمون ان روح ابي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية تحولت فيه وان ابا هاشم نص على امامته
والفرقة الرابعة منهم المغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون (1/6)
انه كان يقول انه نبي وانه يعلم اسم الله الأكبر وان معبودهم رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة وان حروف ابي جاد على عدد اعضاءه قالوا والالف موضع قدمه لاعوجاجها وذكر الهاء فقال لو رأيتم موضعها منه لرأيتم امرا عظيما يعرض لهم بالعورة وبأنه قد رآه لعنه الله وزعم انه يحيى الموتى بالاسم الأعظم وأراهم اشياء من النيرنجات والمخاريق وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم ان الله جل اسمه كان وحده لاشيء معه فلما اراد ان يخلق الاشياء تكلم باسمه الاعظم فطار فوقع فوق رأسه التاج قال وذلك قوله سبح اسم ربك الاعلى قال ثم كتب باصبعه على كفه اعمال العباد من المعاصى والطاعات فغضب من المعاصى فعرق فاجتمع من عرقه بحران احدهما مالح مظلم والأخر نير عذب ثم اطلع في البحر فابصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عين ظله فخلق منها شمسا ومحق ذلك الظل وقال لا ينبغى ان يكون معى اله غيري ثم خلق الخلق كله من البحرين فخلق الكفار من البحر المالح المظلم وخلق (1/7)
المؤمنين من النير العذب وخلق ظلال الناس فكان اول من خلق منها محمدا قال وذلك قوله قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين ثم ارسل محمدا الى الناس كافة وهو ظل ثم عرض على السموات ان يمنعن على بن أبي طالب رضوان الله عليه فابين ثم على الارض والجبال فابين ثم على الناس كلهم فقام عمر بن الخطاب الى أبي بكر فأمره ان يتحمل منعه وان يغدر به ففعل ذلك ابو بكر وذلك قوله انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال قال وقال عمر انا اعينك على على لتجعل لي الخلافة بعدك وذلك قوله كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر والشيطان عنده عمر وزعم ان الارض تنشق عن الموتى فيرجعون الى لدنيا فبلغ خبره خالد بن عبد الله فقتله
قال وكان جابر الجعفى من اصحابه وانزله اصحاب المغيرة بمنزلة المغيرة ومات جابر وادعى وصيته بكر الاعور الهجري القتات فصيروه اماما وقالوا انه لا يموت فأكل اموالهم وكان المغيرة يأمرهم بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي (1/8)
طالب وذكر لهم ان جبريل وميكائيل عليهما السلم يبايعانه بين الركن والمقام ويحيى له سبعة عشر رجلا يعطى كل رجل منهم كذا وكذا حرفا من الاسم الاعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الارض فلما خرج محمد وقتل قال بعض اصحاب المغيرة لم يكن الخارج محمد بن عبد الله وانما كان شيطانا تمثل في صورته وان محمد سيخرج ويملك على ما قاله المغيرة وبرىء بعضهم من المغيرة
والفرقة الخامسة منهم المنصورية اصحاب ابي منصور يزعمون ان الامام بعد ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ابو منصور وان ابا منصور قال آل محمد هم السماء والشيعة هم الارض وانه هو الكسف الساقط من بنى هاشم وابو منصور هذا رجل من بنى عجل وزعم ابو منصور انه عرج به الى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ثم قال له اي بني اذهب فبلغ عني ثم نزل به الى الارض ويمين اصحابه اذا حلفوا ان يقولوا الا والكلمة وزعم ان عيسى اول من خلق الله من خلقه ثم على وان رسل الله سبحانه لا تنقطع ابدا وكفر بالجنة والنار وزعم ان الجنة رجل وان النار رجل (1/9)
واستحل النساء والمحارم واحل ذلك لاصحابه وزعم ان الميتة الدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغير ذلك من المحارم حلال وقال لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئا تقوى به انفسنا وانما هذه الاشياء اسماء رجال حرام الله سبحانه ولا يتهم وتأول في ذلك قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا واسقط الفرائض وقال هي اسماء رجال اوجب الله ولا يتهم واستحل خنق المنافقين واخذ اموالهم فأخذه يوسف بن عمر الثقفي والى العراق في ايام بني أمية فقتله
والفرقة السادسة منهم الخطابية اصحاب ابي الخطاب بن أبي زينب وهم خمس فرق كلهم يزعمون ان الايمة انبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان واحد ناطق والأخر صامت فالناطق محمد صلى الله عليه و سلم والصامت علي بن أبي طالب فهم في الارض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق يعلمون ما كان وما هو كائن وزعموا ان ابا الخطاب نبي وان اولئك الرسل فرضوا (1/10)
عليهم طاعة ابي الخطاب وقالوا الايمة آلهة وقالوا في انفسهم مثل ذلك وقالوا ولد الحسين ابناء الله واحباؤه ثم قالوا ذلك في انفسهم وتأولوا قول الله تعالى فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين قالوا فهو آدم ونحن ولده وعبدوا ابا الخطاب وزعموا انه اله وزعموا ان جعفر بن محمد الههم ايضا الا ان ابا الخطاب اعظم منه واعظم من على وخرج ابو الخطاب على ابي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة وهم يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم
والفرقة الثانية من الخطابية وهي الفرقة السابعة من الغالية يزعمون ان الامام بعد أبي الخطاب رجل يقال له معمر وعبدوه كما عبدوا ابا الخطاب وزعموا ان الدنيا لا تفنى وان الجنة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية وان النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك وقالوا بالتناسخ وانهم لا يموتون ولكن يرفعون بابدانهم الى الملكوت وتوضع للناس اجساد شبه اجسادهم واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة وهم يسمون المعمرية ويقال انهم يسمون العمومية (1/11)
والفرقة الثالثة من الخطابية وهي الثامنة من الغالية يقال لهم البزيغية اصحاب بزيغ بن موسى يزعمون ان جعفر بن محمد هو الله وانه ليس بالذي يرون وانه تشبه للناس بهذه الصورة وزعموا ان كل ما يحدث في قلوبهم وحي وان كل مؤمن يوحى اليه وتأولوا في ذلك قول الله تعالى وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله اي بوحي من الله وقوله واوحى ربك الى النحل واذ اوحيت الى الحواريين وزعموا ان منهم من هو خير من جبريل وميكائيل ومحمد وزعموا انه لا يموت منهم احدا وان احدهم اذا بلغت عبادته رفع الى الملكوت وادعوا معاينة امواتهم وزعموا انهم يرونهم بكرة وعشية
والفرقة الرابعة من الخطابية وهي التاسعة من الغالية يقال لهم العميرية اصحاب عمير بن بيان العجلي وهذه الفرقة تكذب من قال منهم انهم لا يموتون ويزعمون انهم يموتون ولا يزال خلف منهم في الأرض ايمة انبياء وعبدوا جعفرا كما عبده اليعمريون وزعموا انه (1/12)
ربهم وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ثم اجتمعوا الى عبادة جعفر فأخذ يزيد بن عمر بن هبيرة عمير بن البيان فقتله في الكناسة وحبس بعضهم
والفرقة الخامسة من الخطابية وهي العاشرة من الغالية يقال لهم المفضلية لأن رئيسهم كان صيرفيا يقال له المفضل يقولون بربوبية جعفر كما قال غيرهم من اصناف الخطابية وانتحلوا النبوة والرسالة وانما خالقوا في البراءة من أبي الخطاب لأن جعفر اظهر البراءة منه فجميع من اخرج الامر من بني هاشم من الامامية الذين يقولون بالنص على على وادعى الامر لنفسه ستة عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي وبيان بن سمعان التميمى والمغيرة بن سعيد وابو منصور والحسن بن أبي منصور وأبو الخطاب الاسدي وزعم ابو الخطاب انه افضل من بنى هاشم
وقد قال في عصرنا هذا قائلون بالهية سلمان الفارسي
وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول وان البارىء يحل في الاشخاص وانه جائر ان يحل في انسان وسبع وغير ذلك من الاشخاص واصحاب هذه المقالة اذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا لا ندري لعل الله (1/13)
حال فيه ومالوا الى اطراح الشرائع وزعموا ان الانسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة اذا وصل الى معبودة
والصنف الحادي عشر من اصناف الغالية يزعمون ان روح القدس هو الله عز و جل كانت في النبي ثم في على ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في على بن الحسين ثم في محمد بن علي ثم في جعفر بن محمد بن علي ثم في موسى بن جعفر ثم في علي بن موسى بن جعفر ثم في محمد بن علي بن موسى ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في محمد بن الحسن ابن علي بن محمد بن علي وهؤلاء آلهة عندهم كل واحد منهم اله على التناسخ والاله عندهم يدخل في الهياكل
والصنف الثاني عشر من اصناف الغالية يزعمون ان عليا هو الله ويكذبون 2 النبي ويشتمونه ويقولون ان عليا وجه به ليبين امره فادعى الامر لنفسه
والصنف الثالث عشر من اصناف الغالية هم اصحاب الشريعي يزعمون ان الله حل في خمسة اشخاص في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة فؤلاء آلهة عندهم وليس يطعن اصحاب (1/14)
الشريعي على النبي ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم وقالوا لهذه الاشخاص الخمسة التي حل فيها الاله خمسة اضداد فالاضداد ابو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو ابن العاص وافترقوا في الاضداد على مقالتين فزعم بعضهم ان الاضداد محمودة لانه لا يعرف فضل الاشخاص الخمسة الا باضدادها فهي محمودة من هذا الوجه وزعم بعضهم ان الاضداد مذمومة وانها لا تحمد بحال من الاحوال وحكى ان الشريعي كان يزعم ان البارىء جل جلاله يحل فيه وحكى ان فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية اصحاب النميري يقولون ان البارىء كان حالا في النميري
والصنف الرابع عشر من اصناف الغالية وهم السبائية اصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون ان عليا لم يمت وانه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وذكروا عنه انه قال لعلي عليه السلم انت انت والسبائية يقولون بالرجعة وان الاموات يرجعون إلى الدنيا وكان السيد الحميرى يقول برجعه الاموات وفي ذلك يقول
... الى يوم يؤب الناس فيه ... الى دنياهم قبل الحساب (1/15)
والصنف الخامس عشر من اصناف الغالية يزعمون ان الله عز و جل وكل الامور وفوضها الى محمد وانه اقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها وان الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئا ويقول ذلك كثير منهم في على ويزعمون ان الايمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملكة وتظهر عليهم الاعلام والمعجزات ويوحى اليهم
ومنهم من يسلم على السحاب ويقول اذا مرت سحابة به ان عليا رضوان الله عليه فيها وفيهم يقول بعض الشعراء
... برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب ... ومن قوم اذا ذكروا عليا ... يردون السلام على السحاب ...
والصنف الثاني من الاصناف الثلثة التي ذكرنا الشيعة يجمعها ثلثة أصناف
وهم الرافضة وانما سموا رافضة لرفضهم امامة ابي بكر وعمر وهم مجمعون على أن النبي نص على استخلاف على بن أبي طالب باسمه واظهر ذلك واعلنه وان اكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاه النبي وان الامامة لا تكون (1/16)
الا بنص وتوفيق وانها قرابة وانه جائز للامام في حال التقية ان يقول انه ليس بامام وابطلوا جميعا الاجتهاد في الاحكام وزعموا ان الامام لا يكون الا افضل الناس وزعموا ان عليا رضوان الله عليه كان مصيبا في جميع احواله وانه لم يخطىء في شيء من امور الدين الا الكاملية اصحاب ابي كامل فانهم اكفروا الناس بترك الاقتداء به واكفروا عليا بترك الطلب وانكروا الخروج على ايمة الجور وقالوا ليس يجوز ذلك دون الامام المنصوص على امامته وهم سوى الكاملية اربع وعشرون فرقة وهم يدعون الامامية لقولهم بالنص على امامة على ابن أبي طالب
فالقرقة الاولى منهم وهم القطعية وانما سموا قطعية لانهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون ان النبي نص على امامة على بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه وان عليا نص على امامة ابنه الحسن بن على وان الحسن بن على نص على امامة اخيه الحسين بن على وان الحسين بن على نص على امامة ابنه على بن الحسين وان على بن (1/17)
الحسين نص على امامة ابنه محمد بن على وان محمد بن على نص على امامة ابنه جعفر بن محمد وان جعفر بن محمد نص على امامة ابنه موسى بن جعفر وان موسى بن جعفر نص على امامة ابنه على بن موسى وان على بن موسى نص على امامة ابنه محمد بن على بن موسى وان محمد بن على بن موسى نص على امامة ابنه الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى وهو الذي كان بسامرا وان الحسن بن على نص على امامة ابنه محمد بن الحسن بن على وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدعون انه يظهر فيملأ الارض عدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا
والفرقة الثانية منهم وهم الكيسانية وهي احدى عشرة فرقة وانما سموا كيسانية لان المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين ابن على ودعا الى محمد بن الحنفية كان يقال له كيسان ويقال انه مولى لعلى بن أبي طالب رضوان الله عليه
والفرقة الاولى من الكيسانية وهي الثانية من الرافضة يزعمون ان على بن أبي طالب نص على امامة ابنه محمد بن الحنفية لانه دفع اليه الراية بالبصرة (1/18)
والفرقة الثالثة من الرافضة وهي الثانية من الكيسانية يزعمون ان على بن ابي طالب نص على امامة ابنه الحسن بن على وان الحسن ابن على نص على امامة اخيه الحسين بن على وان الحسين بن على نص على امامة اخيه محمد بن على وهو محمد بن الحنفية
والفرقة الرابعة من الرافضة وهى الثالثة من الكيسانية وهي الكربية اصحاب ابى كرب الضرير يزعمون ان محمد بن الحنفية حى بجبال رضوى اسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه يأتيه رزقه غدوة وعشية الى وقت خروجه وزعموا ان السبب الذي من اجله صبر على هذه الحال ان يكون مغيبا عن الخلق ان الله تعالى فيه تدبير لا يعلمه ومن القائلين بهذا القول كثير الشاعر وفي ذلك يقول
... الا ان الايمة من قريش ... ولاة الحق اربعة سواء ... على والثلاثة من بنيه ... هم الاسباط ليس بهم خفاء ... فسبط سبط ايمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء ... وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء ... تغيب لا يرى فيهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء (1/19)
والفرقة الخامسة من الرافضة وهي الرابعة من الكيسانية يزعمون ان محمد بن الحنفية انما جعل بجبال رضوى عقوبة لركونه الى عبد الملك بن مروان وبيعته اياه
والفرقة السادسة من الرافضة وهى الخامسة من الكيسانية يزعمون ان محمد بن الحنفية مات وان الامام بعده ابنه ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية
والفرقة الثامنة من الرافضة وهى السابعة من الكيسانية يزعمون ان الامام بعد ابى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن اخيه الحسن بن محمد بن الحنفية وان ابا هاشم اوصى اليه ثم اوصى الحسن الى ابنه على بن الحسن وهلك على ولم يعقب فهم ينتظرون (1/20)
رجعة محمد بن الحنفية ويقولون انه يرجع ويملك فهم اليوم في التيه لا امام لهم الى ان يرجع اليهم محمد بن الحنفية في زعمهم
والفرقة التاسعة من الرافضة وهي الثامنة من الكيسانية يزعمون ان الامام بعد ابى هاشم محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قالوا وذلك ان ابا هاشم مات بارض الشراة منصرفه من الشأم فأوصى ثناك الى محمد بن على بن عبد الله بن العباس واوصى محمد بن على الى ابنه ابراهيم بن محمد ثم اوصى ابراهيم بن محمد الى ابى العباس ثم افضت الخلافة الى ابي جعفر المنصور بوصية بعضهم الى بعض ثم رجع بعض هؤلاء عن هذا القول وزعموا ان النبي نص على العباس بن عبد المطلب ونصبه اماما ثم نص العباس على امامة ابنه عبد الله ونص عبد الله على امامة ابنه على بن عبد الله ثم ساقوا الامامة الى ان انتهوا بها الى ابى جعفر المنصور وهؤلاء هم الراوندية وافترقت هذه الفرقة في امر ابى مسلم على مقالتين فزعمت فرقة منهم تدعى الرزامية اصحاب رجل يقال له (1/21)
رزام ان ابا مسلم قتل وقالت فرقة اخرى يقال لها ابو مسلمية ان ابا مسلم حي لم يمت ويحكى عنهم استحلال لما لم يحلل لهم اسلافهم
والفرقة العاشرة من الرافضة وهى الحربية اصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهى التاسعة من الكيسانية يزعمون ان ابا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نصب عبد الله بن عمرو بن حرب اماما وتحولت روح ابى هاشم فيه ثم وقفوا على كذب عبد الله بن عمرو بن حرب فصاروا الى المدينة يلتمسون اماما فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن ابى طالب فدعاهم الى ان يأتموا به فاستجابوا له ودانوا بامامته وادعوا له الوصية وافترقوا في امر عبد الله بن معاوية ثلث فرق فزعمت فرقة منهم انه قد مات وزعمت فرقة منهم اخرى انه بجبال اصبهان وانه لم يمت ولا يموت حتى يقود بنواصى الخيل الى رجال من بنى هاشم وزعمت فرقة اخرى انه حى بجبال اصبهان (1/22)
لم يمت ولا يموت حتى يلى امور الناس وهو المهدى الذي بشر به النبي والصنف الحادى عشر من الرافضة وهى البيانية اصحاب بيان ابن سمعان التميمى وهو الصنف العاشر من الكيسانية يزعمون ان ابا هاشم اوصى الى بيان بن سمعان التميمى وانه لم يكن له ان يوصى بها إلى عقبة
والصنف الثاني عشر من الرافضة وهو الحادى عشر من الكيسانية يزعمون ان الامام بعد ابى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية على بن الحسين بن على بن ابى طالب
والصنف الثالث عشر من الرافضة وهم الذين يسوقون النص من النبي على امامة على حتى ينتهوا بها الى على بن الحسين وهم المغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون ان الامام بعد على بن الحسين ابنه محمد بن على بن الحسين ابو جعفر وان ابا جعفر اوصى الى المغيرة بن سعيد فهم يأتمون به الى ان يخرج المهدى والمهدي فيما زعموا هو محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن على بن ابى طالب رضوان الله عليهم وزعموا انه حى مقيم بجبال ناحية الحاجر وانه لا يزال مقيما هناك الى اوان (1/23)
خروجه واذا قلنا عن صنف انهم يسوقون الامامة الى على بن الحسين فانما نعنى الذين يقولون ان النبي نص على امامة على وان عليا نص على امامة الحسن وان الحسن نص على امامة الحسين نص على امامة على بن الحسين
والصنف الرابع عشر من الرافضة يسوقون الامامة من على بن ابى طالب حتى ينتهوا بها الى على بن الحسين ثم يزعمون ان الامام بعد على بن الحسين ابو جعفر محمد بن على وان الامام بعد ابى جعفر محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة وزعموا انه المهدى وانكروا امامة المغيرة بن سعيد
والصنف الخامس عشر من الرافضة يسوقون الامامة من على حتى ينتهوا بها الى على بن الحسين ويزعمون ان على بن الحسين نص على امامة ابى جعفر محمد بن على وان ابا جعفر محمد بن على اوصى الى ابى منصور ثم اختلفوا فرقتين فرقة يقال لها الحسينية يزعمون ان ابا منصور اوصى الى ابنه الحسين بن ابى منصور وهو الامام بعده وفرقة اخرى يقال لها المحمدية مالت الى تثبيت امر محمد بن عبد الله بن الحسن والى القول بامامته وقالوا انما اوصى ابو جعفر (1/24)
الى ابى منصور دون بنى هاشم كما اوصى موسى الى يوشع ابن نون دون ولده ودون ولد هارون ثم ان الامر بعد ابى منصور راجع الى ولد على كما رجع الامر بعد يوشع بن نون الى ولد هارون قالوا وانما اوصى موسى عليه السلم الى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون لئلا يكون بين البطنين اختلاف فيكون يوشع هو الذي يدل على صاحب الامر فكذلك ابو جعفر اوصى الى بي منصور وزعموا ان ابا منصور قال انما انا مستودع وليس لى ان اضعها في غيرى ولكن القائم هو محمد بن عبد الله
والصنف السادس عشر من الرافضة يسوقون الامامة الى ابى جعفر محمد بن على وان ابا جعفر نص على امامة جعفر بن محمد وان جعفر بن محمد حى لم يمت ولا يموت حتى يظهر امره وهو القائم المهدي وهذه الفرقة تسمى الناوسية لقبوا برئيس لهم يقال له عجلان بن ناوس من اهل البصرة (1/25)
والصنف السابع عشر من الرافضة يزعمون ان جعفر بن محمد مات وان الامام بعد جعفر ابنه اسمعيل وانكروا ان يكون اسمعيل مات في حياة ابيه وقالوا لا يموت حتى يملك لان اباه قد كان يخبر انه وصيه والامام بعده
والصنف الثامن عشر من الرافضة وهم القرامطة يزعمون ان النبي نص على على بن ابى طالب وان عليا نص على امامة ابنه الحسن وان الحسن بن على نص على امامة اخيه الحسين بن على وان الحسين بن على نص على امامة ابنه على بن الحسين وان على بن الحسين نص على امامة ابنه محمد بن على ونص محمد بن على على امامة ابنه جعفر ونص جعفر على امامة ابن ابنه محمد بن اسماعيل وزعمو ان محمد بن اسمعيل حى الى اليوم لم يمت لا يموت حتى يملك الارض وانه هو المهدى الذي تقدمت البشارة به واحتجوا في ذلك باخبار رووها عن اسلافهم يخبرون فيها ان سابع الايمة قائمهم
والصنف التاسع عشر من الرافضة يسوقون الامامة من على بن ابي (1/26)
طالب على سبيل ما حكينا عن القرامطة حتى ينتهوا بها الى جعفر بن محمد ويزعمون ان جعفر بن محمد جعلها لا سمعيل ابنه دون سائر ولده فلما مات اسماعيل في حياة ابيه صارت في ابنه محمد بن اسمعيل وهذا الصنف يدعون المباركية نسبوا الى رئيس لهم يقال له المبارك وزعموا ان محمد بن اسمعيل قد مات وانها في ولده من بعده
والصنف العشرون من الرافضة يسوقون الامامة من على على ما حكينا عمن تقدمهم حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون ان الامام بعد جعفر محمد بن جعفر ثم هي في ولده من بعده وهم السميطية نسبوا الى رئيس لهم يقال له يحيى بن ابى سميط
والصنف الحادى والعشرون من الرافضة يسوقون الامامة من على الى جعفر بن محمد على ما حكينا عمن تقدم شرحنا لقوله انفا ويزعمون ان الامام بعد جعفر ابنه عبد الله بن جعفر وكان اكبر من خلف من ولده وهي في ولده واصحاب هذه المقالة يدعون (1/27)
العمارية نسبوا الى رئيس لهم يعرف بعمار ويدعون الفطحية لان عبد الله بن جعفر كان افطح الرجلين واهل هذه المقالة يرجعون الى عدد كثير
فاما زرارة فان جماعة من العمارية تدعى انه كان على مقالتها وانه لم يرجع عنها وزعم بعضهم انه رجع عن ذلك حين سأل عبد الله ابن جعفر عن مسائل لم يجد عنده جوابها وصار الى الائتمام بموسى ابن جعفر بن محمد واصحاب زرارة يدعون الزرارية ويدعون التميمية
والصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الامامة ينتهوا بها الى جعفر بن محمد ويزعمون ان جعفر بن محمد نص على امامة ابنه موسى بن جعفر وان موسى بن جعفر حى لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الارض وغربها حتى يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وهذا الصنف يدعون الواقفة لا نهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه الى غيره وبعض مخالفي (1/28)
هذه الفرقة يدعوهم الممطورة وذلك ان رجلا منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى ابن جعفر فقال له يونس انته آهون على من الكلاب الممطورة فلزمهم هذا النبز
والقائلون بامامة موسى بن جعفر يدعون الموسائية لقولهم يا بأمامة موسى بن جعفر ويدعون المفضلية لانهم نسبوا الى رئيس لهم يقال له المفضل بن عمر وكان ذا قدر فيهم وفرقة من الموسائية وقفوا في امر موسى بن جعفر فقالوا لا تدري أمات ام لم يمت الا انا مقيمون على امامته حتى يضح لنا امر غيره وان وضحت لنا امامة غيره كما وضحت لنا امامته قلنا بذلك وانقدنا له
وقد ذكرنا قول القطيعة الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر في اول ذكرنا لاقاويل الرافضة وشرحنا ذلك وتبيناه
والصنف الثالث والعشرون من الرافضة يسوقون الامامة من على الى موسى بن جعفر كما حكينا من قول المتقدمين غير انهم (1/29)
يقولون ان موسى بن جعفر نص على امامة ابنه احمد بن موسى ابن جعفر
والصنف الرابع والعشرون من الرافضة يزعمون ان النبي نص على على وان عليا نص على الحسن بن على ثم انتهت الامامة الى محمد بن الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى ابن جعفر كما حكينا عن اول فرقة من الرافضة ويزعمون ان محمد ابن الحسن بعده امام هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلا ويقمع الظلم والاولون قالوا ان محمد بن الحسن هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلا كما ملئت ظلما وجورا
واختلفت الروافض القائلون بامامة محمد بن على بن موسى بن جعفر لتقارب سنة ضربا من الاختلاف آخر وذلك ان اباه توفي وهو ابن ثماني سنين وقال بعضهم بل توفى وله اربع سنين هل كان في تلك الحال اماما واجب الطاعة على مقالتين
فزعم بعضهم انه كان في تلك الحال اماما واجب الطاعة عالما بما (1/30)
يعلمه الايمة من الاحكام وجميع امور الدنيا يجب الاتمام والاقتداء به كما وجب الاتمام والاقتداء بسأئر الايمة من قبله
وزعم بعضهم انه كان في تلك الحال اماما على معنى ان الامر كان فيه وله دون الناس وعلى انه لا يصلح لذلك الموضع في ذلك الوقت احد غيره واما ان يكون اجتمع فيه في تلك الحال ما اجتمع في غيره من الايمة المتقدمين فلا وزعموا انه لم يكن يجوز في تلك الحال ان يؤمهم ولكن الذي يتولى الصلاة لهم وينفذ احكامهم في ذلك الوقت غيره من اهل الفقه والدين والصلاح الى ان يبلغ المبلغ الذي يصلح هذا فيه تم الكلام في الغلاة والامامية
واختلفت الروافض اصحاب الامامة في التجسيم وهم ست فرق فالفرقة الاولى الهشامية اصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون ان معبودهم جسم وله نهاية وحد طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه لا يوفى بعضه على بعض ولم يعينوا طولا غير الطويل وانما قالوا طوله مثل عرضه على المجاز دون (1/31)
التحقيق وزعموا انه نور ساطع له قدر من الاقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤ المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه هو رائحته ورائحته هي مجسته وهو نفسه لون ولم يعينوا لونا ولا طعما هو غيره وزعموا انه هو اللون وهو الطعم وانه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك البارىء فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم ان المكان هو العرش وذكر ابو الهذيل في بعض كتبه ان هشام بن الحكم قال له ان ربه جسم ذاهب جاء فيترح تارة ويسكن اخرى ويقعد مرة ويقوم اخرى وانه طويل عريض عميق لأن مالم يكن كذلك دخل في حدث التلاشي قال فقلت له فأيما اعظم الهك او هذا الجبل واومأت الى ابي قبيس قال فقال هذا الجبل يوفى عليه اي هو اعظم منه وذكر ايضا ابن الراوندي ان هشام ابن الحكم كان يقول ان بين الهه وبين الاجسام المشاهدة تشابها من جهة من الجهاة لولا ذلك ما دلت عليه وحكى عنه خلاف هذا انه كان يقول انه جسم ذو وابعاض (1/32)
لا يشبهها ولا تشبهه وحكى الجاحظ عن هشام بن الحكم في بعض كتبه انه كان يزعم ان الله جل وعز انما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الارض ولولا ملابسته لما وراء ما هناك لما درى ما هناك وزعم ان بعضه يشوب وهو شعاعة وان الشوب محال على بعضه ولو زعم هشام ان الله تعالى يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق
وذكر عن هشام انه قال في ربه في عام واحد خمسة اقاويل زعم مرة انه كالبلورة وزعم مرة انه كالسبيكة وزعم مرة انه غير صورة وزعم مرة انه بشبر نفسه سبعة اشبار ثم رجع عن ذلك وقال هو جسم لا كالاجسام وزعم الوراق ان بعض اصحاب هشام اجابه مرة الى ان الله عز و جل على العرش مماس له وانه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه (1/33)
والفرقة الثانية من الرافضة يزعمون ان ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وانما يذهبون في قولهم انه جسم الى انه هو موجود ولا يثبتون البارىء ذا اجزاء مؤتلفة وابعاض متلاصقة ويزعمون ان الله عز و جل على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف والفرقة الثالثة من الرافضة يزعمون ان ربهم على صورة الانسان ويمنعون ان يكون جسما
والفرقة الرابعة من الرافضة الهشامية اصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون ان ربهم على صورة الانسان وينكرون ان يكون لحما ودما ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضا وانه ذو حواس خمس كحواس الانسان له يد ورجل وانف واذن وعين وفم وانه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم وحكى ابو عيسى الوراق ان هشام بن سالم كان يزعم ان لربه وفرة سوداء وان ذلك نور اسود والفرقة الخامسة من الرافضة يزعمون ان رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك (1/34)
واحد وليس بذي صورة ولا اعضاء ولا اختلاف في الاجزاء وانكروا ان يكون على صورة الانسان او على صورة شيء من الحيوان
والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون ان ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الاشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس وقالوا في التوحيد يقول المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من متأخيريهم فأما اوائلهم فانهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه
واختلفت الرافضة في حملة العرش هل يحملون العرش ام يحملون البارىء عز و جل وهم فرقتان
فرقة يقال لها اليونسية اصحاب يونس بن عبد الرحمن القمى مولى آل يقطين يزعمون ان الحملة يحملون البارىء واحتج يونس في ان الحملة تطيق حمله وشبههم بالكركى وان رجليه تحملانه وهما دقيقتان وقالت فرقة اخرى ان الحملة تحمل العرش والبارىء يستحيل ان يكون محمولا
واختلفت الروافض هل يوصف البارىء بالقدرة على ان يظلم ام لا فابى ذلك قوم واجازه آخرون (1/35)
واختلفت الروافض في القول ان الله سبحانه عالم حى قادر سميع بصير اله وهم تسع فرق
فالفرقة الاولى منهم الزرارية اصحاب زرارة بن اعين الرافضي يزعمون ان الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا بصير حتى خلق ذلك لنفسه وهم يسمون التيمية ورئيسهم زرارة بن اعين
والفرقة الثانية منهم السيابية اصحاب عبد الرحمن بن سيابة يقفون في هذه المعاني ويزعمون ان القول فيها ما يقول جعفر كائنا قوله ما كان ولا يصوبون في هذه الاشياء قولا
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان الله عز و جل لا يوصف بانه لم يزل الها قادرا ولا سميعا بصيرا حتى يحدث الاشياء لان الاشياء التي كانت قبل ان تكون ليست بشيء ولن يجوز ان يوصف بالقدرة لا على شيء وبالعلم لا بشيء وكل الروافض الا شرذمة قليلة يزعمون انه يريد الشيء ثم يبدو له فيه (1/36)
والفرقة الرابعة من الروافض يزعمون ان الله لم يزل لا حيا ثم صار حيا
والفرقة الخامس من الروافض وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون ان الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه انما يعلم الاشياء اذا قدرها وارادها فأما قبل ان يقدرها ويريدها فمحال ان يعلمها الا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئا حتى يقدره ويئبته بالتقدير والتقدير عندهم الارادة
والفرقة السادسة من الرافضة اصحاب هشام بن الحكم يزعمون انه محال ان يكون الله لم يزل عالما بالاشياء بنفسه وانه انما يعلم الاشياء بعد ان لم يكن بها عالما وانه يعلمها بعلم وان العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه فيجوز ان يقال العلم محدث او قديم لأنه صفة والصفة لا توصف قال ولو كان لم يزل عالما لكانت المعلومات لم تزل لأنه لا يصح عالم الا بمعلوم موجود قال ولو كان عالما بما يفعله عباده لم يصح المحنة والاختبار (1/37)
وقال هشام في سائر صفات الله عز و جل كقدرته وحياته وسمعه وبصره وارادته انها صفات الله لا هي الله ولا غير الله وقد اختلف عنه في القدرة والحياة فمن الناس من يحكى عنه انه كان يزعم ان البارىء لم يزل حبا قادرا ومنهم من ينكر ان يكون قال ذلك
والفرقة السابعة من الرافضة لا يزعمون ان البارىء عالم في نفسه كما قال شيطان الطاق ولكنهم يزعمون ان الله عز و جل لا يعلم الشيء حتى يؤثر اثره والتأثير عندهم الارادة فإذا اراد الشيء علمه واذا لم يرده لم يعلمه ومعنى اراد عندهم انه تحرك حركة هي ارادة فاذا تحرك علم الشيء والا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا انه لا يوصف بالعلم بما لا يكون
والفرقة الثامنة من الرافضة يقولون ان معنى ان الله يعلم انه يفعل فإن قيل لهم اتقولون ان الله لم يزل عالما بنفسه اختلفوا فمنهم من يقول لم يزل لا يعلم بنفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول لم يزل يعلم بنفسه فان قيل لهم فلم يزل يفعل قالوا نعم ولا تقول بقدم الفعل ومن الرافضة من يزعم ان الله يعلم ما يكون قبل ان يكون الا اعمال العباد فانه لا يعلمها الا في حال كونها (1/38)
والفرقة التاسعة من الرافضة يزعمون ان الله لم يزل عالما حيا قادرا ويميلون الى نفى التشبيه ولا يقولون بحديث العلم ولا بما حكيناه من التجسيم وسائر ما اخبرنا به من التشبيه عنهم
وافترقت الرافضة هل البارىء يجوز ان يبدو له اذا اراد شيئا ام لا على ثلث مقالات
فالفرقة الاولى منهم يقولون ان الله تبدو له البداوات وانه يريد ان يفعل الشيء في وقت من الاوقات لا يحدثه لما يحدث له من البداء وانه اذا امر بشريعة ثم نسخها فانما ذلك لانه بدا له فيها وان ما علم أنه يكون ولم يطلع عليه احدا من خلقه فجائر عليه البداء فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز عليه البداء فيه
والفرقة الثانية منهم يزعمون انه جائز على الله البداء فيما علم انه يكون حتى لا يكون وجوزوا ذلك فيما اطلع عليه عباده وانه لا يكون كما جوزوه فيما لم يطلع عليه عباده
والفرقة الثالثة منهم يزعمون انه لا يجوز على الله عز و جل البداء وينفون ذلك عنه تعالى (1/39)
واختلف الروافض في القرآن وهم فرقتان
الفرقة الاولى منهم هشام بن الحكم واصحابه يزعمون ان القرآن لا خالق ولا مخلوق وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هسام فزعم انه كان يقول لا خالق ولا مخلوق ولا يقال ايضا غير مخلوق لانه صفة والصفة لا توصف وحكى زرقان عن هشام بن الحكم انه قال القرآن على ضربين ان كنت تريد المسموع فقد خلق الله عز و جل الصوت المقطع وهو رسم القرآن فأما القرآن فهو فعل الله مثل العلم والحركة لا هو هو ولا غيره والفرقة الثانية منهم يزعمون انه مخلوق محدث لم يكن ثم كان كما تزعم المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم
واختلفت الرافضة في اعمال العباد هل هي مخلوقة وهم ثلث فرقة فالفرقة الاولى منهم وهو هشام بن الحكم يزعمون ان اعمال العباد مخلوقة لله وحكى جعفر بن حرب عن هشام بن الحكم انه (1/40)
كان يقول ان افعال الانسان اختيار له من وجه اضطرار من وجهه اختار من جهة انه ارادها واكتسبها واضطرار من جهة انها لا تكون منه الا عند حدوث السبب المهيج عليها
والفرقة الثانية منهم يزعمون انه لا جبر كما قال الجهمي ولا تفويق كما قالت المعتزلة لأن الرواية عن الايمة زعموا جاءت بذلك ولم يتكلفوا ان يقولوا في اعمال العباد هل هي مخلوقة ام لا شيئا والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان اعمال العباد غير مخلوق لله وهذا قول قوم يقولون بالاعتزال والامامة
واختلفت الروافض في ازادة الله سبحانه وهم اربع فرق
فالفرقة الاولى منهم اصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي يزعمون ان ارادة الله عز و جل حركة وهي معنى لا هي الله ولا هى غيره وانها صفة الله ليست غيره وذلك انهم يزعمون ان الله اذا اراد الشيء تحرك فكان ما اراد تعالى عن ذلك (1/41)
والفرقة الثانية منهم ابو مالك الحضري و على بن ميثم ومن تابعهما يزعمون ان ارادة الله غيره وهى حركة لله كما قال هشام الا ان هؤلاء خالفوه فزعموا ان الارادة حركة وانها غير الله بها يتحرك
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والامامة يزعمون ان ارادة الله ليست بحركة فمنهم من أثبتها غير المراد فيقول أنها مخلوقة لله لا بارادة ومنهم من يقول ارادة الله سبحانه لتكوين الشيء هو الشيء وارادته لافعال العباد هي امره اياهم بالفعل وهى غير فعلهم وهم يأبون ان يكون الله سبحانه اراد المعاصى فكانت
والفرقة الرابعة منهم يقولون لا نقول قبل الفعل ان الله اراده فاذا فعلت الطاعة قلنا ارادها واذا فعلت المعصية فهو كاره لها غير محب لها واختلفت الروافض في الاستطاعة وهم اربع فرق
فالفرقة الاولى منهم اصحاب هشام بن الحكم يزعمون ان الاستطاعة خمسة اشياء الصحة وتخلية الشوؤن والمدة في الوقت والآلة التي بها يكون الفعل كاليد التي يكون بها اللطم والفأس التي تكون بها النجارة والابرة التي تكون بها الخياطة وما اشبه ذلك من الآلات والسبب الوارد المهيج الذي من اجله يكون الفعل فاذا اجتمعت هذه الاشياء كان الفعل واقعا فمن الاستطاعة ما هو قبل الفعل موجود (1/42)
ومنها ما لا يوجد الا في حال الفعل وهو السبب وزعم ان الفعل لا يكون الا بالسبب الحادث فاذا وجد ذلك السبب واحدثه الله كان الفعل لا محالة وان الموجب للفعل هو السبب وما سوى ذلك من الاستطاعة لا يوجبه
والفرقة الثانية منهم زرارة بن اعين وعبيد بن زرارة ومحمد ابن حكيم وعبد الله بن بكير وهشام بن سالم الجواليقي وحميد بن رباح وشيطان الطاق يزعمون ان الاستطاعة قبل الفعل وهي الصحة وبها يستطيع المستطيع فكل صحيح مستطيع وكان شيطان الطاق يقول لا يكون الفعل الا ان يشاء الله
وحكى عن هشام بن سالم ان الاستطاعة جسم وهى بعض المستطيع ومن الرافضة من يقول الاستطاعة كل ما ينال الفعل الا به وذلك كله قبل الفعل والقائل بهذا هشام بن حرول
والفرقة الثالثة منهم اصحاب ابي مالك الحضرمى يزعمون ان الانسان مستطيع للفعل في حال الفعل وانه يستطيعه لا باستطاعة في غيره وحكىى زرقان عنه انه كان يزعم ان الاستطاعة قبل الفعل للفعل ولتركه (1/43)
والفرقة الرابعة منهم يزعمون ان الإنسان ان كان قادرا بالات وجد فهو قادر من وجه وغير قادر من وجه
واختلفت الروافض في افعال الناس والحيوان هل هي اشياء ام ليست بأشياء وهل هي اجسام ام لا وهم ثلث فرق
فالفرقة الاولى منهم الهشامية اصحاب هشام بن الحكم يزعمون ان الافعال صفات للفاعلين ليست هي هم ولا غيرهم وانها ليست باجسام ولا اشياء وحكى عنه انه قال هي معان وليست باشياء ولا اجسام وكذلك قوله في صفات الاجسام كالحركات والسكنات والارادات والكراهات والكلام والطاعة والمعصية والكفر والايمان فاما الالوان والطعوم والاراييح فكان يزعم انها اجسام وان لون الشيء هو طعمه وهو رائحته وحكى زرقان عنه انه قال الحركة فعل والسكون ليس بفعل
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان حركات العباد وافعالهم وسكناتهم (1/44)
اشياء وهي اجسام وانه لا شىء الا الاجسام وان العباد يفعلون الاجسام وهذا قول الجواليقية وشيطان الطاق
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والامامة يقولون في ذلك كاقاويل المعتزلة ويختلفون فيه كاختلافهم فمنهم قوم يزعمون ان افعال لانسان وسائر الحيوان اعراض وكذلك قولهم في الالوان والطعوم والاراييح والاصوات وسائر صفات الاجسام وسنذكر اختلاف المعتزلة في ذلك عند ذكرنا اقاويل المعتزلة فلهذا العلة لم نستقص اقاويل المعتزلة في هذا الموضع من كتابنا اذ كنا انما نحكى في هذا الموضع اقاويل الشيع دون غيرهم
واختلف الروافض فيما يتولد عن فعل الانسان هل هو فعله وهل يحدث الفاعل فعلا في غيره اولا يحدث الفعل الا في نفسه وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الفاعل لا يفعل في غيره فعلا ولا يفعل الا في نفسه ولا يثبتون الانسان فاعلا لما يتولد عن فعله كالالم المتولد عن الضربة اللذة التي تحدث عنه الأكل وكل وسائر المتولدات والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال والنص على على (1/45)
ابن ابي طالب ان الفاعل منا ما يحدث الفعل في غيره وان ما يتولد عن فعله كالالم المتولد عن الضربة والصوت المتولد عن اصطكاك الحجرين وذهاب السهم المتولد عن الرمية فعل لمن تولد ذلك عن فعله
واختلف الروافض في رجعة الاموات الى الدنيا قبل يوم القيامة وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الاموات يرجعون الى الدنيا قبل يوم الحساب وهذا قول الاكثر منهم وزعموا انه لم يكن في بنى اسرائيل شيء الا ويكون في هذه الامة مثله وان الله سبحانه قد احيى قوما من بنى اسرائيل بعد الموت فكذلك يحيى الاموات في هذه الامة ويردهم الى الدنيا قبل يوم القيامة
والفرقة الثانية منهم وهم اهل الغلو ينكرون القيامة والاخرة ويقولون ليس قيامة ولا آخرة انما هي ارواح تتناسخ في الصور فمن كان محسنا جوزى بان ينقل روحه الى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا الم ومن كان مسيئا جوزى بأن ينقل روحه الى اجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم وليس شيء غير ذلك وان الدنيا لا تزال ابدا هكذا (1/46)
واختلف الروفض في القرآن هل زيد فيه او نقص منه وهم ثلث فرق فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان القرآن قد نقص منه واما الزيادة فذلك غير جائز ان يكون قد كان وكذلك لا يجوز ان يكون قد غير منه شىء عما كان عليه فاما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منه والامام يحيط علما به
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والامامة يزعمون ان القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه وانه على ما انزل الله تعالى على نبيه عليه السلم لم يغير ولم يبدل ولا زال عما كان عليه
واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز ان يكونوا افضل من الانبياء أم لا يجوز ذلك وهم ثلث فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الايمة لا يكونون افضل من الانبياء بل الانبياء افضل منهم غير ان بعض هؤلاء جوزوا ان يكون الايمة افضل من الملئكة
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الايمة افضل من الانبياء والملئكة وانه لا يكون احد افضل من الايمة وهذا قول طوائف منهم (1/47)
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والامامة يزعمون ان الملئكة والانبياء افضل من الايمة ولا يجوز ان يكون الايمة افضل من الانبياء والملئكة
واختلفت الروافض في الرسول عليه السلام هل يجوز عليه ان يعصى ام لا وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الرسول صلى الله عليه و سلم جائز عليه ان يعصى الله وان النبي قد عصى في اخذ الفداء يوم بدر فاما الايمة فلا يجوز ذلك عليهم لان الرسول اذا عصى فالوحى يأتيه من قبل الله والايمة لا يوحى اليهم ولا تهبط الملئكة عليهم وهم معصومون فلا يجوز عليهم ان يسهوا ولا يغلطوا وان جاز على الرسول العصيان والقائل بهذا القول هشام بن الحكم
والفرقة الثانية منهم يزعمون انه لا يجوز على الرسول عليه السلام ان يعصى الله عز و جل ولا يجوز ذلك على الايمة لأنهم جميعا حجج الله وهم معصومون من الزلل ولو جاز عليهم السهو واعتماد المعاصى (1/48)
وركوبها لكانوا قد ساووا المأمومين في جواز ذلك عليهم كما جاز على المأمومين ولم يكن المأمومون احوج الى الايمة من الايمة لو كان ذلك جائزا عليهم جميعا
واختلفت الروافض في الايمة هل يسع جهلهم وهل الواجب عرفانهم فقط أما الواجب عرفانهم والقيام بالشرائع التي جاء بها الرسول وهم اربع فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان معرفة الايمة واجبة وان القيام بالشرائع التي جاء بها الرسول واجب وان من جهل الامام فمات مات ميتة جاهلية
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان معرفة الامام اذا ادركها الانسان لم تلزمه شريعة ولم تجب عليه فريضة وانما على الناس ان يعرفوا الايمة فقط فاذا عرفوهم فلا شيء عليهم
والفرقة الثالثة منهم وهم اليعفورية يزعمون انه قد يسع جهل الايمة وهم بذلك لا مؤمنون ولا كافرون (1/49)
والفرقة الرابعة منهم يقولون في القدر بقول المعتزلة ان المعارف ضرورة ويفارقون اليعفورية في جهل الايمة ولا يستحلون الخصومة في الدين واليعفورية ايضا لا تستحلها
واختلفت الروافض في الامام هل يعلم كل شيء ام لا وهم فرقتان فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الامام يعلم كل ما كان وكل ما يكون ولا يخرج شيء عن علمه من امر الدين ولا من امر الدنيا وزعم هؤلاء ان الرسول كان كاتبا ويعرف الكتابة وسائر اللغات
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الامام يعلم كل امور الاحكام والشريعة وإن لم يحط بكل شيء علما لانه القيم بالشرائع والحافظ لها ولما يحتاج الناس اليه فاما ما لا يحتاجون اليه فقد يجوز ان لا يعلمه الامام واختلفت الروافض في الايمة هل يجوز ان تظهر عليهم الاعلام ام لا وهم اربع فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الايمة تظهر عليهم الاعلام والمعجزات كما تظهر على الرسل لانهم حجج الله سبحانه كما ان الرسل حجج الله ولم يجيزوا هبوط الملئكة بالوحى عليهم
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الاعلام تظهر عليهم وتهبط (1/50)
الملئكة بالوحي عليهم ولا يجوز ان ينسخوا الشرائع ولا يبدلوها ولا يغيروها
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان الاعلام تظهر عليهم وتهبط الملئكة بالوحى عليهم ويجوز ان ينسخوا الشرائع ويبدلوها ويغيروها والفرقة الرابعة منهم يزعمون ان الاعلام لا تظهر الا على الرسل وكذلك الملئكة لا تهبط الا عليهم بالوحي ولا يجوز ان ينسخ الله سبحانه شريعتنا على السنتهم بل انما يحفظون شرائع الرسل ويقومون بها واختلفت الروافض في النظر والقياس وهم ثمانى فرق
فالفرقة الاولى منهم وهم جمهورهم يزعمون ان المعارف كلها اضطرار وان الخلق جميعا مضطرون وان النظر والقياس لا يؤديان الى علم وما تعبد الله العباد بهما
والفرقة الثانية منهم وهم اصحاب شيطان الطاق يزعمون ان المعارف كلها اضطرار وقد يجوز ان يمنعها الله سبحانه بعض الخلق فاذا منعها بعض الخلق واعطاها بعضهم كلفهم الاقرار مع منعه اياهم المعرفة والفرقة الثالة منهم وهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون (1/51)
ان المعارف كلها اضطرار وقد يجوز ان يمنعها الله بعض الخلق فاذا منعها الله بعض الخلق واعطاها بعضهم كلفهم الاقرار مع منعه اياهم المعرفة
والفرقة الرابعة منهم اصحاب هشام بن الحكم يزعمون ان المعرفة كلها اضطرار بايجاب الخلقة وانا لا تقع الا بعد النظر والاستدلال يعنون بما لا يقع منها الا بعد النظر والاستدلال العلم بالله عز و جل
والفرقة الخامسة منهم يزعمون ان المعارف ليس كلها اضطرارا والمعرفة بالله يجوز ان تكون كسبا ويجوز ان تكون اضطرارا وان كانت كسبا او كانت اضطرارا فليس يجوز الامر بها على وجه من الوجوه وهذا قول الحسن بن موسى
والفرقة السادسة منهم يزعمون ان النظر والقياس يؤديان الى العلم بالله وان العقل حجة اذا جاءت الرسل فاما قبل مجيئهم فليست العقول دلالة ما لم يكن سنة بينة واعتلوا بقول الله عز و جل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
والفرقة السابعة منهم يقولون بتصحيح النظر والقياس وانهما يؤديان الى العلم وان العقول حجة في التوحيد قبل مجيء الرسل وبعد مجيئهم والفرقة الثامنة منهم يزعمون ان العقول لا تدل على شيء قبل مجىء (1/52)
الرسل ولا بعد مجيئهم وانه لا يعلم شيء من الدين ولا يلزم فرض الا بقول الرسل والائمة وان الامام هو الحجة بعد الرسول عليه السلم لا حجة على الخلق غيره
وقالت الروافض بأجمعها ينفى اجتهاد الرأي في الأحكام وانكاره واختلفت الروافض في الناسخ والمنسوخ هل يقع ذلك في الاخبار ام لا وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان النسخ قد يجوز ان يقع في الاخبار فيخبر الله سبحانه ان شيئا يكون ثم لا يكون وهذا قول اكثر اوائلهم واسلافهم
والفرقة الثانية منهم يزعمون انه لا يجوز وقوع النسخ في الاخبار وان يخبر الله سبحانه ان شيئا يكون ثم لا يكون لان ذلك يوجب التكذيب في احد الخبرين
واختلفت الروافض في الايمان ما هو وفي الاسماء وهم فرقتان فالفرقة الاولى منهم وهم جمهور الرافضة يزعمون ان الايمان هو الاقرار بالله وبرسوله وبالامام وبجميع ما جاء من عندهم فاما المعرفة بذلك فضرورة عندهم فاذا اقر وعرف فهو مؤمن مسلم وإذا اقر ولم يعرف فهو مسلم وليس بمؤمن (1/53)
والفرقة الثانية منهم وهم قوم من متأخريهم من أهل زماننا هذا يزعمون ان الايمان جميع الطاعات وان الكفر جميع المعاصى ويثبتون الوعيد ويزعمون ان المتأولين الذين خالفوا الحق بتأويلهم كفار وهذا قول ابن جبرويه
والفرقة الثالثة منهم اصحاب على بن ميثم يزعمون ان الايمان اسم للمعرفة والاقرار ولسائر الطاعات فمن جاء بذلك كله كان مستكمل الايمان ومن ترك شيئا مما افترض الله عليه غير جاهد له فليس بمؤمن ولكن يسمى فاسقا وهو من اهل الملة تحل مناكحته وموارثته ولا يكفرون المتأولين
واختلفت الروافض في الوعيد وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون انهم يعذبون ولا يقولون باثبات الوعيد فيمن قال بقولهم ويزعمون ان الله سبحانه يدخلهم الجنة وان ادخلهم النار اخرجهم منها ورووا في ذلك عن ايمتهم ان ما كان بين الله وبين الشيعة من المعاصى سألوا الله فيهم فصفح عنهم وما كان بين الشيعة وبين الايمة تجاوزوا عنه وما كان (1/54)
بين الشيعة وبين الناس من المظالم شفعوا لهم اليهم حتى يصفحوا عنهم والفرقة الثانية منهم يذهبون الى اثبات الوعيد وان الله عز و جل يعذب كل مرتكب الكبائر من اهل مقالتهم كان او من غير أهل مقالتهم ويخلدهم في النار
واختلفت الروافض في خلق الشيء أهو الشىء ام غيره وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم اصحاب هشام بن الحكم يزعمون ان خلق الشىء صفة للشىء لا هو الشىء ولا هو غيره لانه صفة للشىء والصفة لا توصف وكذلك زعموا ان البقاء صفة للباقي لا هى هو ولا غيره وكذلك الفناء صفة للفانى لا هى هو ولا هى غيره
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الخلق هو المخلوق وان الباقي يبقى لا ببقاء وان الفانى يفنى لا بفناء
واختلفت الروافض في عذاب الاطفال في الآخرة وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الاطفال جائز ان يعذبهم الله وجائز ان يعفو عنهم كل ذللك له ان يفعله
والفريق الثاني وهم اصحاب هشام بن الحكم فيما حكى زرقان (1/55)
عنه فان لم يكن هشام بن الحكم قاله فممن يقوله اليوم كثير يزعمون انه لا يجوز ان يعذب الله سبحانه الاطفال بل هم في الجنة
واختلفت الروافض في الم الاطفال في الدنيا وهم ثلث فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الاطفال يألمون في الدنيا وان ايلامهم فعل الله بايجاب الخلقة لأن الله خلقهم خلقة يألمون اذا قطعوا او ضربوا والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الاطفال يألمون في الدنيا وان الألم الذي يحل فيهم فعل الله لا بإيجاب الخلقة ولكن باختراع ذلك فيهم وكذلك قولهم في سائر المتولدات كالصوت الحادث عند الاصطكاك وذهاب الحجر الحادث عند دفعتنا للحجر وما اشبه ذلك
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالامامة والاعتزال يزعمون ان الآلام التي تحل في الاطفال منها ما هو فعل الله ومنها ما هو فعل لغيره
وأن ما يفعله من الالم فانما يفعله اختراعا لا لسبب يوجبه
واجمعت الروافض على تصويب على رضوان الله عليه في حربه من حارب وتخطئه من حارب عليا (1/56)
واختلفت الروافض في محارب على وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يقولون باكفار من حارب عليا وتضليله ويشهدون بذلك على طلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وكذلك يقولون فيمن ترك الائتمام به بعد الرسول عليه السلام
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان من حارب عليا فاسق ليس بكافر الا ان يكون حارب عليا عنادا للرسول صلى الله عليه و سلم وردا عليه فهم كفار وكذلك يقولون في ترك الائتمام اصحاب رسول الله بعلى بن ابى طالب بعده انهم ان كانوا تركوا الائتمام به عنادا للرسول وردا عليه فهم كفار وان كانوا تركوا ذلك لا على طريق العناد والتكذيب للرسول والرد عليه فسقوا ولم يكفروا
واختلفت الروافض في التحكيم وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان عليا انما حكم للتقية وانه مصيب في تحكيمه للتقية وان التقية تسعه اذا خاف على نفسه واعتلوا (1/57)
في ذلك بأن رسول الله كان في تقية في اول الاسلام يكتم الدين
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان التحكيم صواب على اي وجه فعله على التقية او على غير التقية
واجمعت الروافض على ابطال الخروج وانكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الامام وحتى يأمرها بذلك واعتلت في ذلك بأن النبي قبل ان يأمره الله عز و جل بالقتال كان محرما على اصحابه ان يقاتلوا
واجمعوا على انه لا يجوز الصلاة خلف الفاسقين وانما يصلون خلف الفاسقين تقيه ثم يعيدون صلاتهم
واختلفت الروافض في سبأ نساء مخالفيهم واخذ اموالهم اذا امكنهم ذلك وهم فرقتان
فالفرقة الاولى مفهم يستحلون ذلك ويستحبونه ويستحلون سائر المحظورات ويتأولون قول الله عز و جل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات وقوله قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيامة (1/58)
والفرقة الثانية منهم يحرمون سباء نساء مخالفيهم واخذ امواله بغير حق ولا يبيحون المحظورات ولا يستحلونها
واختلفوا في الجزء الذي لا يتجزأ وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الجزء يتجزأ ابدا ولا جزء الا وله جزء وليس لذلك آخر الا من جهة المساحة وان لمساحة الجسم آخرا وليس لأجزائه آخر من باب التجزؤ والقائل بهذا القول هشام ابن الحكم وغيره من الروافض
والفرقة الثانية منهم يقولون ان لأجزاء الجسم غاية من باب التجزؤ وله اجزاء معدودة لها كل وجميع ولو رفع البارىء كل اجتماع في الجسم لبقيت اجزاؤه لا اجتماع فيها ولا يحتمل كل جزء منها التجزؤ
واختلفت الروافض في الجسم ما هو وهم ثلث فرق
والفرقة الاولى منهم يزعمون ان الجسم هو الطويل العريض العميق ولا يكون شىء موجود الا ما كان جسما طويلا عريضا عميقا وانكروا الاعراض وزعموا ان معنى الجسم الطويل العريض العميق انه شيء موجود وان البارىء لما كان شيئا موجودا كان جسما (1/59)
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان حقيقة الجسم انه مؤلف مركب مجتمع وان البارىء عز و جل لما لم يكن مؤتلفا مجتمعا لم يكن جسما
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان حقيقة الجسم انه يحتمل الاعراض وان اقل قليل الاجسام جزء لا يتجزأ وان البارىء لما لم يحتمل الاعراض لم يكن جسما
واختلفت الروافض في المداخلة وهم فرقتان
والفرقة الاولى منهم الهشامية وهم فيما حكى زرقان عن هشام يقولون بالمداخلة ويثبتون كون الجسمين اللطيفين في مكان واحد كالحرارة واللون ولست أحقق ما حكى زرقان من ذلك كما حكاه
والفرقةالثانية منهم ينكرون المداخلة ويحيلون كون جسمين في مكان واحد ويزعمون ان الجسمين يتجاوران ويتماسكان فاما ان يتداخلا حتى يكون حيزهما واحد فذلك محال
واختلفت الروافض في الانسان ما هو وهم اربع فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الانسان اسم لمعنيين لبدن وروح (1/60)
فالبدن موات والروح هي الفاعلة الدراكة الحساسة وهى نور من الانوار هكذا حكى زرقان عن هشام بن الحكم
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الانسان جزء لا يتجزأ ويحيلون ان يكون الانسان اكثر من جزء لانه لو كان اكثر من جزء لجاز ان يحل في احد الجزءين ايمان وفي الآخر كفر فيكون مؤمنا وكافرا في حال واحد وذلك محال
وقد ذهب من اهل زماننا قوم من النظامية الذين يزعمون ان الانسان هو الروح الى قول الروافض وذهب ايضا قوم ممن يميل الى قول ابى الهذيل ان الانسان هو هذا الجسم المرءى الى القول بالامامة والرفض
واختلفت الروافض في الطفرة وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم اصحاب هشام بن الحكم فيما حكاه زرقان يقولون ان الجسم يكون في مكان ثم يصير الى المكان الثالث من غير ان يمر بالثاني والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك ويحيلون ان يكون الجسم في مكان ثم يصير الى مكان ثالث من غير ان يمر بالمكان الثاني (1/61)
وهذه حكاية مذاهب لهشام في اشياء من لطيف الكلام كان هشام يقول ان الجن مأمورون ومنهيون لانه قال يا معشر الجن ان استطعتم الآية وقال فبأى آلاء ربكما تكذبان وكان يقول في وسواس الشيطان ان الله سبحانه يقول الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس قال فعلمنا انه يوسوس وليس يدخل ابدان الناس ولكن قد يجوز ان يكون الله سبحانه قد جعل الجو اداة للشيطان يصل بها الى القلب من غير ان يدخل فيه قال ويعلم ما يحدث في القلب وليس ذلك بغيب لان الله سبحانه قد جعل عليه دليلا مثل ذلك ان يشير الرجل الى الرجل ان اقبل او أدبر فيعلم ما يريد فذلك اذا فعل الانسان فعلا يريد شيئا من البر عرف الشيطان ذلك بالدليل فينهي الانسان عنه
وقال هشام في الملئكة انهم مأمورون منهيون لقول الله عز و جل ومن يقل منهم انى اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وقال يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (1/62)
وكان هشام يقول في الزلازل ان الله سبحانه خلق الارض من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضا فاذا ضعفت طبيعة منها غلبت الاخرى فكانت الزلزل وان ضعفت اشد من ذلك كان الخسف وكان يقول في السحر انه خديعة ومخاريق ولا يجوز ان يقلب الساحر انسانا حمارا او العصا حية وحكى عنه زرقان انه كان يجيز المشى في الماء لغير نبى ولا يجوز ان تظهر الاعلام على غير نبى وكان يقول في المطر جائر ان يكون ماء يصعده الله ثم يمطره على الناس وجائز ان يكون الله يخترعه في الجو ثم يمطره وكان يزعم ان الجو جسم رقيق
ورجال الرافضة ومؤلفو كتبهم
هشام بن الحكم وهو قطعى وعلى بن منصور ويونس ابن عبد الرحمن القمي والسكاك وابو الاحوص داود بن راشد البصرى من رواة الحديث الفضل بن شاذان والحسين (1/63)
ابن اشكيب والحسين بن سعيد وقد انتحلهم ابو عيسى الوراق وابن الراوندي والفا لهم كتبا في الامامة
والتشيع غالب على اهل قم وبلاد ادريس بن ادريس وهى طنجة وما والاها والكوفة
وحكى سليمن بن جرير الزيدي ان فرقة من الامامية تزعم
ان الامر بعد النبي الى على بن أبي طالب يصنع بالامامة ما احب ان شاء جعلها لنفسه وان ولاها غيره كان ذلك جائزا ان كان ذلك عدلا وله في ذلك النيابة اذا نقى والتسليم ان شاء
ورضى وان فرقه اخرى قالت ان الدين كله في يدى على بن ابى طالب وانه يسند اليه واوجبوا قطع الشهادة على سريرته وان الامامة بعده في جماعة اهل البيت غير انهم خالفوا الفرقة الاولى في شيئين
احدهما انهم يزعمون ان عليا تولى ابا بكر وعمر على الصحة وسلم بيعتها والآخر انهم لا يثبتون العصمة لجماعة اهل البيت كما يثبت اولئك ولكنهم يرجون ذلك لهم وان يصيروا جميعا الى ثواب الله ورحمته (1/64)
والصنف الثالث من الاصناف الثلثة التي ذكرنا ان الشيعة يجمعها ثلثة اصناف وهم الزيدية وانما سموا زيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب وكان زيد بن على بويع له بالكوفة في ايام هشام بن عبد الملك وكان امير الكوفة يوسف ابن عمر الثقفي وكان زيد بن على يفضل على بن ابى طالب على سائر اصحاب رسول الله ويتولى ابا بكر وعمر ويرى الخروج على أيمة الجور فلما ظهر بالكوفة في اصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على ابى بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم رفضتموني فيقال انهم سموا الرافضة لقول زيد لهم رفضتموني وبقى في شرذمة فقاتل يوسف ابن عمر فقتل ودفن ليلا وكان معه نصر بن خزيمة العبسى ثم انه ظهر على قبره فنبش وصلب عريانا وله قصة يطول شرحها ولو ذكرناها لطال بذكرها الكتاب
ثم خرج ابنه يحى بن زيد بعده في ايام الوليد بن زيد بن عبد (1/65)
الملك فوجه اليه نصر بن سيار صاحب خراسان بصاحب شرطته سلم ابن احوز المازنى فقتله
وقال يحيى بن زيد في ابيه زيد لما قتل بالكوفة
... خليلى عنى بالمدينة بلغا ... بنى هاشم اهل النهى والتجارب ... فحتى متى مروان يقتل منكم ... خياركم والدهر جم العجائب ... وحتى متى ترضون بالخسف منهم ... وكنتم اباه الخسف عند التجارب ... لكل قتيل معشر يطلبونه ... وليس لزيد بالعراقين طالب ...
وقال دعبل الخزاعى يرثى يحيى بن زيد
... قبور بكوفان واخرى بطيبة ... واخرى بفخ نالها صلواتى ... واخرى بأرض الجوزجان محلها واخرى بباحمرى لدى الغربات ...
يعنى بالقبور التى بأرض الجوزجان يحيى بن زيد ومن قتل معه والزيدية ست فرق
فمنهم الجارودية اصحاب ابى الجارود وانما سمعوا جارودية (1/66)
لانهم قالوا بقول ابى الجارود يزعمون ان النبي نص على علي بن ابى طالب بالوصف لا بالتسمية فكان هو الامام من بعده وان الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول ثم الحسن من بعد على هو الامام ثم الحسين هو الامام من بعد الحسن
وافترقت الجارودية فرقتين فرقة زعمت ان عليا نص على امامة الحسن وان الحسن نص على امامة الحسين ثم هى شورى في ولد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو الى سبيل ربه وكان عالما فاضلا فهو الامام وفرقة زعمت ان النبي نص على الحسن بعد على وعلى الحسين بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد
وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلث فرق فزعمت فرقة ان محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت وانه يخرج ويغلب وفرقة اخرى زعمت ان محمد بن القسم صاحب الطالقان حى لم يمت وانه يخرج ويغلب وفرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن عمر صاحب الكوفة (1/67)
والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية اصحاب سليمن بن جرير الزيدي يزعمون ان الامامة شورى وانها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وانها قد تصلح في المفضول وان كان الفاضل افضل في كل حال ويثبتون امامة الشيخين ابى بكر وعمر
وحكى زرقان عن سليمن بن جرير انه كان يزعم ان بيعة ابى بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل وان الامة قد تركت الاصلح في بيعتهم اياهما وكان سليمن بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الاحداث التي نقمت عليه ويزعم انه قد ثبت عنده ان على بن أبى طالب لا يضل ولا تقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ولا يوجب علم هذه النكتة على العامة اذ كان انما تجب هذه النكتة من طريق الروايات الصحيحة عنده
والفرقة الثالثة من الزيدية البترية اصحاب الحسن بن ص واصحاب كثير النواء وانما سموا بترية لان كثيرا كان يلقب الابتر يزعمون ان عليا افضل الناس بعد رسول الله واولاهم بالامامة وان بيعة ابى بكر وعمر ليست بخطا لان (1/68)
عليا ترك ذلك لهما ويقفون في عثمان وفى قتلته ولا يقدمون عليه يا كفار وينكرون رجعة الاموات الى الدنيا ولا يرون لعلى امامة الا حين بويع وقد حكى ان الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان رضوان الله عليه بعد الاحداث التي نقمت عليه
والفرقة الرابعة من الزيدية النعيمية اصحاب نعيم بن اليمان يزعمون ان عليا كان مستحقا للامامة وانه افضل الناس بعد رسول الله وان الامة ليست بمخطئة خطأ اثم في ان ولت ابا بكر وعمر رضوان الله عليهما ولكنها مخطئة خطأ بينا في ترك الافضل وتبرءوا من عثمان ومن محارب على وشهدوا عليه بالكفر
والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرءون من ابى بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الاموات قبل يوم القيامة
والفرقة السادسة من الزيدية يتولون ابا بكر وعمر ولا يتبرءون ممن برىء منهما وينكرون رجعة الاموات ويتبرءون ممن دان بها وهم اليعقوبية اصحاب رجل يدعى يعقوب (1/69)
واختلفت الزيدية في البارىء عز و جل أيقال انه شىء ام لا وهم فرقتنان
فالفرقة الاولى منهم وهم جمهور الزيدية يزعمون ان البارىء عز و جل شيء لا كالاشياء ولا تشبه الاشياء والفرقة الثانية منهم لا يقولون ان البارىء شيء فان قيل لهم افتقولون انه ليس بشيء قالوا لا نقول انه ليس بشىء
واختلفت الزيدية في الاسماء والصفات وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم اصحاب سليمن بن جرير الزيدى يزعمون ان البارىء عالم بعلم لا هو هو ولا غيره وان علمه شيء قادر بقدرة لا هي هو ولا غيره وان قدرته شيء ولذلك قولهم في سائر صفات النفس كالحياة والسمع والبصر وسائر صفات الذات ولا يقولون ان الصفات اشياء ويقولون وجه الله هو الله ويزعمون ان الله سبحانه لم يزل مريدا وانه لم يزل كارها للمعاصى ولأن يعصى وان الارادة للشيء هي الكراهة لضده ولذلك لم يزل راضيا ولم يزل ساخطا وسخطه على الكافرين هو رضاه بتعذيبهم ورضاه بتعذيبهم هو سخطه عليه ورضى الله عن المؤمنين هو سخطه ان يعذبهم وسخطه ان (1/70)
يعذبهم هو رضاء ان يغفر لهم وقالوا ولا نقول سخطه على الكافرين هو رضاه عن المؤمنين
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان البارىء عز و جل عالم قادر سميع بصير بغير علم وحياة وقدرة وسمع وبصر وكذلك قولهم في سائر صفات الذات ويمنعون ان يقولوا لم يزل البارىء مريدا ولم يزل كارها ولم يزل راضيا ولم يزل ساخطا
واختلفت الزيدية في البارىء عز و جل هل يوصف بالقدرة على ان يظلم ويكذب وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم اصحاب سليمن بن جرير الزيدي يزعمون ان البارىء لا يوصف بالقدرة على ان يظلم ويجور ولا يقال لا يقدر لانه يستحيل ان يظلم ويكذب واحالوا قول القائل بقدر الله على ان يظلم ويكذب واحالوا سؤاله وكان سليمن بن جرير يجيب عن قول القائل بقدر الله على ما علم انه لا يفعله إن هذا الكلام له وجهان ان كان السائل يعنى ما علمه انه لا يفعله مما جاء الخبر بأنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لان القول بذلك محال واما ما لم يأت به خبر فان كان مما في العقول دفعه فان الله عز و جل لا يوصف به وان من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل (1/71)
الجواب فيما جاء الخبر بانه لا يكون واما ما لم يات به خبر وليس في العقول ما يدفعه فان القول انه يقدر على ذلك جائز وانما جاز القول في ذلك لجهلنا بالمغيب فيه ولأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وانا قد رأينا مثله مخلوقا
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان البارىء عز و جل يوصف بالقدرة على ان يظلم ويكذب ولا يظلم ولا يكذب وانه قادر على ما علم واخبر انه لا يفعله ان يفعله
واختلفت الزيدية في خلق الاعمال وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان اعمال العباد مخلوقة لله خلقها وابدعها واخترعها بعد ان لم تكن فهي محدثة له مخترعة
والفرقة الثانية منهم يزعمون انها غير مخلوقة لله ولا محدثة له مخترعة وانما هي كسب للعباد احدثوها واخترعوها وابدعوها وفعلوها واختلف الزيدية في الاستطاعة وهم ثلث فرق
والفرقة الاولى منهم يزعمون ان الاستطاعة مع الفعل والامر قبل 73 (1/72)
الفعل والشىء يفعل به الايمان هو الذي يفعل به الكفر وهذا قول بعض الزيدية
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الاستطاعة قبل الفعل وهي مع الفعل مشغولة بالفعل في حال الفعل وانما يستطيع الفعل اذا فعله هكذا حكى بعض المتكلمين عن سليمن بن جرير وقرأت في كتاب لسليمن بن جرير ان الاستطاعة بعض المستطيع وان الاستطاعة مجاورة له ممازجة كممازجة الدهنين
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان الاستطاعة قبل الفعل وان الامر قبل الفعل وانه لا يوصف الانسان بانه مستطيع للشيء قادر عليه في حال كونه
واختلفت الزيدية في الايمان والكفر وهم فرقتان فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الايمان المعرفة والاقرار واجتناب ما جاء فيه الوعيد وجعلوا مواقعة ما فيه الوعيد كفرا ليس بشرك ولا جحود بل هو كفر نعمة وكذلك قولهم في المتأولين اذا قالوا قولا هو عصيان وفسق
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الايمان جميع الطاعات وليس (1/73)
ارتكاب كل ما جاء فيه الوعيد كفرا وهذا قول قوم من متأخريهم فاما جمهورهم واوائلهم فقولهم القول الاول
واجمعت الزيدية ان اصحاب الكبائر كلهم معذبون في النار خالدون فيها محلدون ابدا لا يخرجون منها ولا يغيبون عنها واجمعوا جميعا على تصويب علي بن أبى طالب في حربه وعلى تخطئة من خالفه
واختلفت الزيدية في اجتهاد الرأى وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان اجتهاد الرأي جائز في الاحكام والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك وينكرون الاجتهاد في الاحكام واجمعت الزيدية ان عليا كان مصيبا في تحكيمه الحكمين وانه انما حكم لما خاف على عسكره الفساد وكان الامر عنده بينا واضحا فنظر للمسلمين ليتألفهم وانما امرهم ان يحكما بكتاب الله عز و جل فخالفا فهما اللذان اخطئا واصاب هو والزيدية باجمعها ترى السيف والعرض على ايمة الجور وازالة الظلم واقامة الحق وهى باجمعها لا ترى الصلاة خلف الفاجر ولا تراها الا خلف من ليس بفاسق
واجمعت الروافض والزيدية على تفضيل على على سائر اصحاب (1/74)
رسول الله وعلى انه ليس بعد النبي افضل منه
بذا ذكر من خرج من آل النبي
خرج الحسين بن ابى طالب رضى الله عنه منكرا على يزيد بن معاوية ما اظهر من ظلمه فقتل بكربلاء رضوان الله عليه وحديثه مشهور وقتله عمر بن سعد وكان الذي انفذ لمحاربته عبيد الله بن زياد وحمل رأس الحسين الى يزيد بن معاوية فلما وضع بين يديه نكت ثناياه التي كان النبي يقبلها بقضيبه وحمل اليه بنو الحسين وبناته وسائر نسائه على الاقتاب فهم بقتل الذكور فكشف عن عاناتهم ينظر اليهم هل انبتوا ام لا ثم من عليهم وقتل مع الحسين من آل النبى ابنه على الاكبر ومن ولد اخيه الحسن عبد الله بن الحسن والقسم بن الحسن وابو بكر بن الحسن ومن اخوته العباس بن على وعبد الله بن على وجعفر ابن على وعثمان بن على وابو بكر بن على ومحمد بن على وهو محمد الاصغر ومن ولد جعفر بن ابى طالب محمد بن عبد الله بن (1/75)
جعفر وعون بن عبد الله ومن ولد عقيل عبد الله بن عقيل وقتل مسلم بن عقيل بالكوفة وعبد الرحمن بن عقيل وجعفر ابن عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل
وفى قتل الحسين يقول ابن ابى رمح الخزاعي
... وان قتيل لطف من آل هاشم ... اذل رقابا من قريش فذلت ... مررت على ابيات آل محمد ... فلم اراها امثالها يوم حلت ... فلا يبعد الله الديار واهلها ... وان اصبحت من اهلها قد تخلت (1/76)
وكانوا رجاء ثم عادوا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ... الم تر ان الارض امست مريضة ... لفقد حسين والبلاد اقشعرت ...
وفى ذلك يقول منصور النمرى
... متى يشفيك دمعك من همول ... ويبرد ما بقلبك من غليل ... الا يا رب ذي حزن تعانى ... بصبر فاستراح الى العويل ... قتيل ما قتيل بنى زياد ... الا بأبى ونفسى من قتيل ... غدت بيض الصفائح والعوالى ... بايدى كل ذي نسب دخيل ... جنود ضلالة بهم استدلت ... على اسلام ابناء الجهول ... غدا بلوائهم عمر بن سعد ... فأوردهم على شرب وبيل ... معاشر اودعت ايام بدر ... صدورهم وديعات التبول ... اريق دم الحسين فلم يراغوا ... وفى الاحياء اموات العقول ...
والقصيدة طويلة
وفى ذلك قال دعبل
... قبور بكوفان واخرى بطيبة ... واخرى بفخ نالها صلواتى (1/77)
واخرى بأرض الجوزجان محلها ... واخرى بباخمرى لدى الغربات ... فأما الممضات التي لست واصفا ... مبالغها منى بكنه صفات ... قبور لدى النهرين من ارض كربلاء ... معرسهم منها بشط فرات ...
ثم خرج زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب رضوان الله عليهم بالكوفة على هشام بن عبد الملك ووالى العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفى فقتل في المعركة ودفن فعلم به يوسف بن عمر فنبشه وصلبه ثم كتب هشام يأمر بان يحرق فاحرق ونسف رماده في الفرات وقال في ذلك يحيى بن زيد
... لكل قتيل معشر يطلبونه ... وليس لزيد بالعراقين طالب ...
ثم خرج يحيى بن زيد بأرض الجوزجان على الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه نصر بن سيار الليثى صاحب خراسان الى يحيى بن (1/78)
زيد سلم بن احوز المازني فحارب يحيى بن زيد فقتل في المعركة ودفن في بعض الجيايات
ثم خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب بالمدينة وبويع له في الآفاق فبعث اليه ابو جعفر المنصور بعيسى ابن موسى وحميد بن قحطبة فحارب محمد حتى قتل ومات تحت الهدم ابوه عبد الله بن الحسن بن الحسن وعلى بن الحسن بن الحسن وقتل بسببه رجال من اهل بيته ووجه محمد بن عبد الله اخاه ادريس بن عبد الله الى المغرب ولولده هناك مملكة
ثم خرج بعد محمد بن عبد الله خوه ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن على بن ابى طالب بالبصرة فغلب عليها وعلى الاهواز وعلى فارس واكثر السواد وشخص عن البصرة في المعتزلة وغيرهم من الزيدية يريد محاربة المنصور ومعه عيسى بن زيد بن على فبعث اليه ابو جعفر بعيسى بن موسى وسعيد بن سلم فحاربهما ابراهيم حتى قتل وقتلت المعتزلة بين يديه (1/79)
ثم خرج الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب والتقوا بفخ وبايعه الناس وعسكر بفخ على ستة اميال من مكة فخرج اليه عيسى بن موسى في اربعة آلاف فقتل الحسين واكثر من معه ولم يجسر احد ان يدفنهم حتى اكلت السباع بعضهم وقتل مع الحسين صاحب فخ وبسببه رجال من اهل بيته وفي قتيل فخ يقول صاحب البصرة
... هاج التذكر للفؤاد سقاما ... ونفى المنام فما احس مناما ... منع الرقاد جفرن عيى عصبة ... قتلوا بمنعرج الحجون كراما ...
ثم خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على على بن ابى جعفر وصار الى الديلم ثم قتل
ثم خرج بتاهرت السفلى محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد الله بن الحسن فغلب عليها وصارت في ايديهم (1/80)
ثم خرج بالكوفة في ايام المأمون محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على ودعا اليه ابو السرايا والمأمون بخراسان وانفذ زيد بن موسى بن جعفر بن محمد داعية له الى البصرة ثم مات بعد اربعة اشهر من خروجه ودفن بالكوفة
فخرج بعده مع ابى السرايا محمد بن محمد بن زيد بن على بن الحسين ابن على بن ابى طالب فهزم زهير بن المسيب وهزم عبدوس بن محمد ابن ابى خالد وقتله ثم توجه اليه هرثمة بن اعين فهزمه وهرب مع ابى السرايا فاخذا في طريق خراسان فوجه بهما الى الحسن بن سهل فقتل ابا السرايا واظهر بعد ذلك موت محمد ويقال انه حمل الى المأمون وهو بمرو فمات هناك
وخرج باليمن والمأمون بخراسان ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب داعية لمحمد بن ابراهيم ابن اسماعيل صاحب ابى السرايا فوجه اليه المأمون جيشا فهزمه وصار الى العراق فأمنه المأمون (1/81)
وخرج بعد دخول المأمون بغداد ابو جعفر ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد فوجه اليه المأمون دينار بن عبد الله فصار الى دينار في الامان وقدم به على المأمون فمات
وخرج محمد بن القاسم من ولد الحسين بن على بخراسان ببلدة يقال لها طالقان في خلافة المعتصم فوجه اليه عبد الله بن طاهر وهو على خراسان جيشا فانهزم محمد ثم قدر عليه عبد الله بن طاهر فحمله الى المعتصم فحبسه معه في قصره فاختلف الناس في امره فمن قائل يقول هرب ومن قائل يقول مات ومن الزيدية من يزعم انه حى وانه سيخرج
وخرج محمد بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بمكة وكان يلقب بديباجة لحسن وجهه داعية لمحمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم فلما مات محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم دعا لنفسه (1/82)
فوجه اليه المأمون عيسى الجلودي فظفر به فحمله الى المأمون ببغداد ثم اخرجه معه فمات بجرجان
وخرج الافطس بالمدينة داعية لمحمد بن ابراهيم بن اسماعيل فلما مات محمد بن ابراهيم دعا الى نفسه
وخرج على بن محمد بن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على ابن ابى طالب بعده في خلافة المعتصم فقتله بنو مرة بن عامر
ثم خرج الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن ابى طالب بطبرستان في سنة خمسين ومأتين والعامل بها سليمان بن عبد الله بن طاهر فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة ثم خلف من بعده محمد بن زيد اخوه ثم قتل محمد بن زيد بعد محاربة كانت بينه وبين محمد بن هارون وخرج بقزوين الكوكبى وهو من والد الارقط واسمه الحسن (1/83)
ابن احمد بن اسماعيل من ولد الحسين بن على بن ابى طالب فغلب عليها ثم هزمه بعض الاتراك
وخرج بالكوفة ايام المستعين ابو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى ابن الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب فوجه اليه الحسين بن اسماعيل بامر محمد بن عبد الله بن طاهر فقتل ابا الحسين
وخرج ايام المستعين ايضا الحمزى الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله من ولد الحسين بن على فظفر به واخذ وحبس الى ان اطلقه المعتمد وخرج بسواد الكوفة ايام فتنة المستعين ابن الافطس
وخرج بسواد المدينة مدينة الرسول سنة خمسين ومأتين اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم من ولد الحسن بن على فغلب عليها وتوفى لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة اثنتين وخمسين وماتين وخلف اخوه بعده محمد بن يوسف فقطع الميرة على اهل المدينة وما (1/84)
زال على امره الى ان خرج ابو الساج الى مكة والمدينة فقتل خلقا كثيرا من اصحابه وهرب محمد فمات في هربه
وخرج بالكوفة في آخر ايام بنى امية عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن ابى طالب فحاربه عبد الله بن عمر فهزمه ومضى عبد الله ابن معاوية الى فارس فغلب عليها وعلى اصبهان ثم مات بفارس 2
وخرج صاحب البصرة وكان يدعى انه على بن محمد بن على بن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب وسمعت من يذكر انه كان يدعى انه على بن محمد بن احمد بن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب وانصاره الزنج وغلب على البصرة سنة سبع وخمسين وقتل سنة سبعين ومأتين قتله ابو احمد الموفق بالله ابن المتوكل على الله
خرج بارض الشأم المقتول على الدكة فظفر به المكتفى بالله بعد حروب ووقائع كانت
ثم كلام الرافضة والله ولي التوفيق يتلوه كلام الخوارج وبالله نستعين (1/85)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالات الخوارج
اجمعت الخوارج على اكفار على بن ابى طالب رضوان الله عليه ان حكم وهم مختلفون هل كفره شرك ام لا واجمعوا على ان كل كبيرة كفر الا النجدات فانها لا تقول ذلك واجمعوا على ان الله سبحانه يعذب اصحاب الكبائر عذابا دائما الا النجدات اصحاب نجدة
واول من احدث الخلاف بينهم نافع بن الازرق الحنفى والذي احدثه البراءة من القعدة والمحنة لمن قصد عسكره واكفار من لم يهاجر اليه ويقال ان اول من احدث هذا القول عبد ربه الكبير ويقال ان المبتدع لهذا القول رجل كان يقال له عبد الله بن الوضين قالوا وقد كان نافع خالفه في اول امره وبرىء منه فلما مات عبد الله صار نافع الى قوله وزعم انه الحق كان في يده ولم يكفر نفسه (1/86)
بخلافة اياه حين خالفه ولا اكفر الذين خالفوا عبد الله قبل موته واكفر من يخالفه فيما بعده والازارقة لا تتبرأ ممن تقدمتها من سلفها من الخوارج في توليهم القعدة الذين لا يخرجون ولا تتبرأ ايضا من سلفها من الخوارج في تركهم اكفار القعدة والمحنة لمن هاجر اليهم ويقولون هذا تبين لنا وخفى عليهم والازارقة تقول ان كل كبيرة كفر وان الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم وان كل مرتكب معصية كبيرة ففى النار خالدا مخلدا ويكفرون عليا رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين ابا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الاطفال
وكانت الازارقة عقدت الامر لقطرى بن الفجاءة وكان قطرى اذا خرج في السرايا استخلف رجلا من بنى تميم على العسكر وكانت فيه فظاطة فشكت الازارقة ذلك اليه فقال لست استخلفه بعد ثم انه خرج في سرية واصبح الناس في العسكر فصلى بهم ذلك الرجل الفجر فقالوا لقطرى الم تزعم انك لا تستخلفه وعاتبوه وكان في الذين عاتبوه عمرو القنا وعبيدة بن هلال وعبد ربه الصغير وعبد ربه الكبير فقال لهم جئتموني كفارا حلال دماؤكم (1/87)
فقام صالح بن مخراق فلم يدع في القرآن موضع سجدة الا قرأها وسجد ثم قال أكفارا ترانا تب مما قلت فقال يا هؤلاء انما استفهمتكم فقالوا لا بد من توبتك فخلعوه وصار قطرى الى طبرستان فغلب عليها
وكان سبب الاختلاف الذي احدثه نافع ان امرأة من اهل اليمن عربية ترى رأى الخوارج تزوجت رجلا من الموالى على رأيها فقال لها اهل بيتها فضحتينا فانكرت ذلك فلما اتى زوجها قالت له ان اهل بيتى وبنى عمى قد بلغهم امرى وقد عيروني وانا خائفة ان اكره على تزويج بعضهم فاختر منى احدى ثلاث خصال اما ان تهاجر الى عسكر نافع حتى نكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم واما ان تخبأنى حيث شئت واما ان تخلى سبيلى فخلى سبيلها ثم ان اهل بيتها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها لم يكن على رأيها فكتب ممن بحضرتها بأمرها الى نافع بن الازرق يسئلولونه عن ذلك فقال رجل منهم انها لم يسعها ما صنعت ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتهما لانه كان ينبغى لهما ان يلحقا بنا لأنا اليوم بمنزلة المهاجرين (1/88)
بالمدينة ولا يسع احدا من المسلمين التخلف عنا كما لم يسع التخلف عنهم فتابعه على قوله ذلك نافع بن الازرق واهل عسكره الا نفرا يسيرا وبرئوا من اهل التقية واحدثوا اشياء من ذلك انهم حرموا الرجم ومن ذلك انهم قالوا نشهد بالله انه لا يكون في دار الهجرة ممن يظهر الاسلام الا من رضى الله عنه واستحلوا خفر الامانة التي امر الله سبحانه بأدائها وقالوا قوم مشركون لا ينبغى ان تؤذى الامانة اليهم ولم يقيموا الحدود على من قذف المحصنين من الرجال واقاموها على من قذف المحصنات من النساء وقالوا ما كف احد يده عن القتال منذ انزل الله عز و جل البسط الا وهو كافر
والازارقة يرون ان الاطفال المشركين في النار وان حكمهم حكم آبائهم وكذلك اطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم وزعمت الازارقة ان من اقام في دار الكفر فكافر لا يسعه الا الخروج
وهذا قول النجدية
ثم خرج نجدة بن عامر الحنفى من اليمامة في نفر من الناس واقبل الى الازارقة يريدهم فاستقبلهم نفر من اهل عسكر نافع واخبروه (1/89)
ومن معه بأحداث نافع التي احدثها وانهم برئوا منه وفارقوه عليها وامروا نجدة بالمقام وبايعوه فمكث نجدة زمانا ثم انه بعث بعثنا الى اهل القطيف واستعمل عليهم ابنه فقتل وسبى وغنم فاخذ ابن نجدة واصحابه عدة من نسائهم فقوموا كل واحدة منهم بقيمة على انفسهم وقالوا ان صارت قيمهن في حصتنا فذاك وان لم تصر ادينا الفضل فنكحوهن قبل ان يقسمن واكلوا من الغنائم قبل ان تقسم ثم رجعوا الى نجدة واخبروه بذلك فقال نجدة لم يسعكم ما صنعتم فقالوا لم نعلم انه لا يسعنا فعذرهم نجدة بجهالتهم فتابعه على ذلك اصحابه وعذروا بالجهالات اذا اخطأ الرجل في حكم من الاحكام من جهة الجهل وقالوا الدين امران احدهما معرفة الله ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين واموالهم وتحريم الغصب والاقرار بما جاء من عند الله جملة فهدا واجب وما سوى ذلك فالناس معذورون تجهالته حتى تقوم عليهم الحجة في جميع الحلال فمن استحل شيئا من طريق الاجتهاد مما لعله محرم فمعذور على حسب ما يقول الفقهاء من اهل الاجتهاد فيه قالوا ومن خاف العذاب على المجتهد في الاحكام المخطىء (1/90)
قبل ان تقوم عليه الحجة فهو كافر قالوا ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق وحكى عنهم انهم استحلوا دماء اهل المقام واموالهم في دار التقية وبرئوا ممن حرمها وتولوا اصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم وقالوا لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم فإن فعل فانما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب ثم يدخلهم الجنة وزعموا ان من نظر نظرة صغيرة او كذب كذبة صغيرة ثم اصر عليها فهو مشرك وان من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم
ويقال ان اصحاب نجدة نقموا عليه ان رجلا من بنى وائل اشار عليه بقتل من تابعه من المكرهين فانتهره نجدة ونقم على نجدة عطية انه انفذه في غزو البر وغزو البحر ففضل من انفذه في غزو البر ونقم عليه اصحابه انه عطل حد الخمر وقسم الفىء واعطى مالك (1/91)
ابن مسمع واصحابه وحكم بالشفاعة وكاتب عبد الملك بن مروان فاعطاه الرضى واشترى بنت عثمان فاستتابه أصحابه ففعل ثم إن طائفة منهم ندموا على استتبابته وقالوا له ان استتابتنا اياك خطأ لأنك امام وقد تبنا فان تبت من توبتك واستتبت الذين استتابوك والا نابذناك فخرج الى الناس فتاب من توبته فاختلف اصحابه فطائفة منهم اكفروه على خلعة ونقموا على نجدة ايضا انه فرق الاموال بين الاغنياء وحرم ذوى الحاجة منهم فبرىء منه ابو فديك وكثير من اصحابه فوثب عليه ابو فديك فقتله وبويع له ثم ان اصحاب نجدة انكروا ذلك على ابى فديك وتولوا نجدة وتبرءوا من ابى فديك وكتب ابو فديك الى عطية بن الاسود وهو عامل نجده بالحوير يخبره انه ابصر ضلالة نجدة فقتله وانه احق بالخلافة منه فكتب عطية الى ابى فديك ان يبايع له من قبله وابى ذلك ابو فديك فبرىء كل واحد منهما من صاحبه وصارت الدار لابى فديك وصاروا معه الا من تولى نجدة فصاروا ثلث فرق النجدية والعطوية والفديكية
فاما عطية بن الاسود الحنفى واصحابه الذين يسمون العطرية فانه (1/92)
لم يحدث قولا اكثر من انه انكر على نافع ما احدثه من اقاويله ففارقه ثم انكر على نجدة ما حكينا عنه ففارقه ومضى الى سجستان
ومن العطوية اصحاب عبد الكريم بن عجرد ويسمون العجاردة وهم خمس عشرة فرقة
فالفرقة الاولى منهم يزعمون انه يجب ان يدعى الطفل اذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى الى الاسلام ويصفه هو
والفرقة الثانية من العجاردة الميمونية والذي تفردوا به القول بالقدر على مذهب المعتزلة وذلك انهم يزعمون ان الله سبحانه فوض الاعمال الى العباد وجعل لهم الاستطاعة الى كل ما كلفوا فهم يستطيعون الكفر والايمان جميعا وليس لله سبحانه في اعمال العباد مشيئة وليس اعمال العباد مخلوقة لله فبرئت منه العجردية وسموا الميمونية
والفرقة الثالثة من العجاردة الخلفية اصحاب رجل يقال له خلف فارقوا الميمونية في القول بالقدر وقالوا بالاثبات
والفرقة الرابعة منهم الحمزية اصحاب رجل يدعى حمزة ثبتوا (1/93)
على قول الميمونية بالقدر وانهم يرون قتال السلطان خاصة ومن رضى بحكمه فاما من انكره فلا يرون قتله الا اذا اعان عليهم او طعن في دينهم او صار عونا للسلطان او دليلا له وحكى زرقان ان العجاردة اصحاب حمزة لا يرون قتل اهل القبة ولا اخذ المال في السر حتى يبعث الحرب
والفرقة الخامسة من العجاردة الشعيبية اصحاب شعيب وهو رجل يرى من ميمون ومن قوله فقال انه لا يستطيع احد ان يعمل الا ما شاء الله وان اعمال العباد مخلوقة لله وكان سبب فرقة الشعيبية والميمونية انه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب اعطيكه ان شاء الله فقال ميمون قد شاء الله ان تعطينيه الساعة فقال شعيب لو شاء الله لم اقدر الا اعطيكه فقال ميمون فان الله قد شاء ما امر وما لم يأمر لم يشأ (1/94)
وما لم يشأ لم يأمر فتابع ناس ميمونا وتابع ناس شعيبا فكتبوا الى عبد الكريم بن عجرد وهو في حبس خلد بن عبد الله البجلى يعلمونه قول ميمون وشعيب فكتب عبد الكريم انا نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءا فوصل الكتاب اليهم ومات عبد الكريم فادعى ميمون انه قال بقوله حين قال لا نلحق بالله سوءا وقال شعيب لا بل قال بقولى حيث قال ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فتولوا جميعا عبد الكريم وبرىء بعضهم من بعض
وقال بعض الناس ان عبد الكريم بن عجرد وميمون الذى تنسب اليه الميمونية رجل من اهل بلخ وقال قوم ان عبد الكريم كان من اصحاب ابى بهس خالفه وفارقه في بيع الامة وذكر الكرابيسي في بعض كتبه ان العجاردة والميمونية يجيزون نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بنات الاخوة وبنات بنى الاخوة ويقولون ان الله حرم البنات وبنات الاخوة وبنات الاخوات (1/95)
وحكى لنا عنهم مالم نتحققه انهم يزعمون ان سورة يوسف ليست من القرآن
والفرقة السادسة من العجاردة الخازمية والذي تفردوا به انهم قالوا في القدر بالاثبات وبأن الولاية والعداوة صفتان لله عز و جل في ذاته وان الله يتولى العباد على ماهم صائرون اليه وان كانوا في اكثر احوالهم مؤمنين
والفرقة السابعة من العجاردة وهى الثانية من الخازمية ويدعون المعلومية والذي تفردوا به انهم قالوا من لم يعلم الله بجميع اسمائه فهو جاهل به وان افعال العباد ليست مخلوقة وان الاستطاعة مع الفعل ولا يكون الا ما شاء الله
والفرقة الثامنة من العجاردة وهى الثالثة من الخازمية المجهولية (1/96)
ومن قولهم ان من علم الله ببعض اسمائه فقد علمه ولم يجهله وقالوا باثبات القدر
والفرقة التاسعة من العجاردة الصلتية اصحاب عثمان بن ابى الصلت والذي تفرد به انه قال اذا استجاب لنا الرجل واسلم توليناه وبرئنا من اطفاله لانه ليس لهم اسلام حتى يدركوا فيدعون الى الاسلام فيقبلونه
والفرقة العاشرة من العجاردة الثعالبة يقولون ليس لاطفال الكافرين ولا لاطفال المؤمنين ولاية ولا عداوة ولا براءة حتى يبلغوا فيدعوا الى الاسلام فيقروا به او ينكروه وكان ثعلبة مع عبد الكريم يدا واحدة الى ان اختلفا في امر الطفل
والفرقة الحادية عشرة من العجاردة وهى الاولى من الثعالبة يدعون الاخنسية يتوقفون عن جميع من في دار التقية من منتحلى الاسلام واهل القبلة الا من قد عرفوا منه ايمانا فيتولونه عليه او كفرا فيتبرءون منه لاجله ويحرمون الاغتيال والقتل في السر وان يبدأ احد (1/97)
من اهل البغى من اهل القبلة بقتال حتى يدعى الا من عرفوه بعينه فبرئت منهم الثعلبية وسموهم الاخنسية لان الذي دعاهم الى قولهم رجل كان يقال له الاخنس
والفرقة الثانية عشرة من العجاردة وهي الثانية من الثعالبة المعبدية ومما تفردوا به انهم رأوا اخذ زكاة اموال عبيدهم اذا استغنوا واعطاءهم من زكاتهم اذا افتقروا ثم رأوا ان ذلك خطأ ولم يتبرءوا ممن فعل ذلك فقال لهم رجل يقال له معبد ان كنتم لا تتبرءون ممن فعل ذلك فانا لا ندعه فاقام على ذلك وبرئت منه الثعالبة ومن اصحابه
والفرقة الثالثة عشرة من العجاردة وهى الثالثة من الثعالبة الشيبانية اصحاب شيبان بن سلمة الخارج ايام ابى مسلم والمعين له ومن قصتهم ان شيبان بن سلمة لما احدث احداثا من معاونة ابى مسلم وغير ذلك برئت منه الخوارج فلما قتل شيبان جاء قوم فذكروا توبته فلم تقبل الثعلبية منهم توبة شيبان وقالوا ان احداث شيبان (1/98)
كانت قتل المسلمين واخذ اموالهم وضربهم فان كنتم دفعتم من دار العلانية فانا لا نقبل من القاتل في دار العلانية توبة حتى يعفوا عنه ولى المقتول ولا نقبل توبة من ضرب المسلمين حتى يقص من نفسه او يوهب ذلك له وحتى يرد اموالهم وشيبان لم يفعل شيئا من ذلك فان زعمتم انكم قد دفعتم توبته من دار التقية فقد كذبتم فان امره كان ظاهرا ودعوته كانت ظاهرة الى ان قتل فقبل قوم منهم توبته فسموا الشيبانية ثم ان الشيبانية احدثوا التسبيه لله بخلقه وثبت قوم منهم على قول الثعلبية وهم اعظم اصحاب الثعلبية وجمهورهم فسموا الزيادية وذلك ان رجلا منهم كان يسمى زياد ابن عبد الرحمن كان فقيه الثعلبية ورئيسهم
ثم ان الشيبانية الذين اجازوا توبته قالوا في الولاية والعداوة انهما صفتان لله من صفات الذات لا من صفات الفعل
والفرقة الرابعة عشر من العجاردة وهى الرابعة من الثعالبة الرشيدية (1/99)
ومما تفردوا به انهم كانوا يؤدون عما سقى بالعيون والانهار الجارية نصف العشر ثم رجعوا عن ذلك وكتبوا لى المسمى زياد بن عبد الرحمن فاجابهم ثم اتاهم فأعلمهم ان في ذلك العشر وانه لا يجيز البراءة ممن غلط منهم في ذلك فقال رجل منهم يسمى رشيدا ان كان يسعنا ان لا نتبرأ منهم فأنا نعمل بالذي يعملون به وثبت هو ومن معه على الفعل الاول فبرئت منهم الثعالبة وسموهم العشرية
والفرقة الخامسة عشرة من العجاردة وهى الخامسة من الثعالبة المكرمية اصحاب ابى مكرم ومما تفردوا به انهم زعموا ان تارك الصلاة كافر وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر ولكن من قبل جهله بالله وكذلك قالوا في سائر الكبائر وزعموا ان من اتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وبتلك الجهالة كفر لا بركوبة المعصية وقالوا بالموافاة وهى ان الله سبحانه انما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون اليه لا على اعمالهم التى هم فيها فبرئت منهم الثعالبة
ومن قول الثعالبة في الاطفال انهم يشتركون في عذاب آبائهم وانهم ركن من اركانهم يريدون بذلك انهم بعض من ابعاضهم (1/100)
ومن الخوارج القديكية اصحاب ابى فديك ولا نعلم انهم تفردوا بقول اكثر من انكارهم على نافع ونجدة ما حكيناه عنهم
ومن الخوارج الصفرية اصحاب زياد بن الاصفر وهم لا يوافقون الازارقة في عذاب الاطفال فانهم لا يجيزون ذلك ويقال ان الصفرية نسبوا لى عبيدة وكان ممن خالف نجده ورجع من اليمامة فلما كتب نجدة الى اهل البصرة اجتمع عبيدة وعبد الله بن اباض فقرءوا كتابه فقال عبد الله بن اباض بما سنذكره من مذهبه وقال عبيدة بجملة مذهب الخوارج من ان مخالفيهم مشركون السيرة فيهم السيرة في اهل حرب رسول الله الذين حاربوه من المشركين
واصل قول الخوارج انما هو قول الازارقة والاباضية والصفرية والنجدية وكل الاصناف سوى الازارقة والاباضية والنجدية فانما تفرعوا من الصفرية
ومن الخوارج طائفة يقولون ما كان من الاعمال عليه حد واقع فلا يتعدى باهله الاسم الذي لزمهم به الحد وليس يكفر بشىء ليس اهله به كافرا كالزنا والقذف وهم قذفه رناة وما كان من الاعمال (1/101)
ليس عليه حد كترك الصلاة والصيام فهو كافر وازالوا اسم الايمان في الوجهين جميعا
ومن الخوارج الاباضية فالفرقة الاولى منهم يقال لهم الحفصية كان امامهم حفص بن ابى المقدام زعم ان بين الشرك والايمان معرفة الله وحده فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول او جنة او نار او عمل بجميع الخبائث من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرم الله سبحانه من فروج النساء فهو كافر برىء من الشرك وكذلك من اشتغل بسائر ما حرم الله سبحانه مما يؤكل ويشرب فهو كافر برىء من الشرك ومن جهل الله سبحانه وانكره فهو مشرك فبرىء منه جل الاباضية الا من صدقه منهم وتأولوا في عثمان نحو ما تأولت الشيعة في ابى بكر وعمر وزعم ان عليا هو الحيران الذى ذكره الله في القرآن وان اصحابه الذين يدعونه الى الهدى اهل النهروان وزعم ان عليا هو الذي انزل الله سبحانه فيه ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا وان عبدالله ابن ملجم هو الذي انزل الله فيه ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء (1/102)
مرضاة الله ثم قال بعد ذلك الايمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله فمن كفر بذلك فقد اشرك بالله
والفرقة الثانية منهم يسمون اليزيدية كان امامهم يزيد بن انيسة قالوا تتولى المحكمة الاولى ونبرأ ممن كان بعد ذلك من اهل الاحداث وتتولى الاباضية كلها ويزعمون انهم مسلمون كلهم الا من بلغه قولنا فكذبه او من خرج وخالفوا الحفصية في الاكفار والتشريك وقالوا بقول الجمهور وحكى يمان بن رباب ان اصحاب يزيد بن انيسة قالوا بالتشريك وتولى يزيد المحكمة الاولى قبل نافع وبرىء ممن كان بعدهم وحرم القتال على كل احد بعد تفريقهم وثبت على ولاية الاباضية الا من كذبه او بلغه قوله فرده
وزعم ان الله سبحانه سيبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة فترك شريعة محمد ودان بشريعة غيرها وزعم ان ملة ذلك النبى الصابئة وليس هذه الصابئة (1/103)
التي عليها الناس اليوم وليس هم الصابئين الذين ذكرهم الله في القرآن ولم يأتوا بعد
وتولى من شهد لمحمد بالنبوة من اهل الكتاب وان لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته وزعم انهم بذلك مؤمنون فمن الاباضية من وقف فيه ومنهم من برىء منه وجلهم تبرأ منه
والفرقة الثالثة من الاباضية اصحاب الحرث الاباضى قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الاباضية وزعموا ان الاستطاعة قبل الفعل
وجمهور الاباضية يتولى المحكمة كلها الا من خرج ويزعمون ان مخالفيهم من اهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين حلال مناكحتهم وموارثتهم حلال غنيمة اموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حرام ما وراء ذلك وحرام قتلهم وسبيهم في السر الا من دعا الى الشرك في دار التقية ودان به وزعموا ان الدار يعنون دار مخالفيهم دار توحيد الا عسكر السلطان فانه دار كفر يعنى عندهم (1/104)
وحكى عنهم انهم اجازوا شهادة مخالفيهم على اوليائهم وحرموا الاستعراض اذا خرجوا وحرموا دماء مخالفيهم حتى يدعوهم الى دينهم فبرئت الخوارج منهم على ذلك وقالوا ان كل طاعة ايمان ودين وان مرتكبى الكبائر موحدون وليسوا بمؤمنين
والفرقة الرابعة منهم يقولون بطاعة لا يراد الله بها على مذهب ابى الهذيل ومعنى ذلك ان الانسان قد يكون مطيعا لله اذا فعل شيئا شيئا امره الله به وان لم يقصد الله بذلك الفعل ولا ارادة به
ثم اختلفوا في النفاق فصاروا ثلاث فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان النفاق براءة من الشرك واحتجوا في ذلك بقول الله عز و جل مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء والفرقة الثانية منهم يقولون ان كل نفاق شرك لانه يضاد التوحيد والفرقة الثالثة منهم يقولون لسنا نزيل اسم النفاق عن موصعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الاسم في ذلك الزمان ولا نسمى غيرهم بالنفاق
وقالوا من سرق خمسة دراهم فصاعدا قطع وقال القوم الذين (1/105)
زعموا ان المنافق كافر وليس بمشرك ان المنافقين على عهد رسول الله كانوا موحدين وكانوا اصحاب كبائر
وقالوا كل شيء امر الله به عباده فهو عام ليس بخاص وقد امر الله به الكافر والمؤمن
وقال قوم منهم لا حجة لله على الخلق فى التوحيد الا بالخبر او ما يقوم مقام الخبر من اشارة وايماء
وقال بعضهم لا يجوز على الله ان يخلى عباده من التكليف لوحدانيته ومعرفته واجاز بعضهم ان يخليهم من ذلك
وقال بعضهم فيمن دخل في دين المسلمين وجبت عليه الشرائع والاحكام وقف على ذلك او لم يقف سمعه او لم يسمعه
وقال بعضهم لا يرسل لله نبيا الا نصب دليلا عليه ولا بد من ان يدل واحدا وقال بعضهم قد يجوز ان يبعث الله نبيا بلا دليل وقال بعضهم من ورد عليه الخبر بأن الخمر قد حرمت وان لقبلة قد حولت فعليه ان يعلم ان الذي اخبره مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم ان ذلك عليه بالخبر
وقال بعضهم من قال بلسانه ان الله واحد وعنى به المسيح فهو صادق في قوله مشرك بقلبه (1/106)
وقال بعضهم ليس على الناس المشى الى الصلاة والركوب الى الحج ولا شيء من اسباب الطاعات التي يتوصل بها اليها وانما عليهم فعلها بعينها فقط
وقالوا جميعا ان الواجب ان يستتيبوا من خالفهم في تنزيل او تأويل فان تاب والا قتل كان ذلك الخلاف فما يسع جهله او فيما لا يسع جهله وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحد ثم استتب فان تاب والا قتل
وقال بعضهم ليس من جحد الله وانكره مشركا حتى يجعل معه الها غيره وقال بعضهم ذلك شرك وكل جحد بأي جهة كان فهو شرك وكفر وقالوا الاصرار على اي ذنب كان كفر
وقالوا العالم يفنى كله اذا افنى الله اهل التكليف ولا يجوز الا ذلك لأنه انما خلقه لهم فاذا افناهم لم يكن لبقائه لهم معنى
وقال بعضهم بل جلهم الاستطاعة والتكليف مع الفعل وان الاستطاعة هي التخلية وقال كثير منهم ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنى في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل وان الاستطاعة (1/107)
لا تبقى وقتين وان استطاعه كل شىء غير استطاعة ضده وان الله كلف العباد مالا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه وان قوة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة واحسان ولطف وان استطاعة الكفر ضلالة وخذلان وطبع وبلاء وشر وان الله لو لطف للكافرين لآمنوا وان عنده لطفا لو فعله بهم لآمنوا طوعا وان الله لم ينظر لهم في حال خلقه اياهم ولا فعل بهم اصلح الاشياء لهم ولا فعل بهم صلاحا في الدين وانه اضلهم وطبع على قلوبهم وهذا قول يحيى بن كامل و محمد بن حرب و ادريس الاباضى وكانوا يقولون في كثير من الاباضية ان اعمال العباد مخلوقة وان الله سبحانه لم يزل مريدا لما علم انه يكون ان يكون ولما علم انه لا يكون ان لا يكون وانه مريد لما علم من طاعات العباد ومعاصيهم لا بأن احب ذلك ولكن بمعنى انه ليس بآب عنه ولا بمكره عليه وسنشرح قولهم في سائر ابواب القدر اذا اخبرنا عن مذاهب الناس في القدر وكل الخوارج يقولون بخلق القرآن
وقال جل الاباضية قد يجوز ان يقع حكمان مختلفان في الشىء الواحد من وجهين فمن ذلك ان رجلا لو دخل زرعا بغير اذن صاحبه (1/108)
لكان الله سبحانه قد نهاه عن الخروج منه لأن فيه فساد الزرع وقد امره به لأنه ليس له
وقال جلهم بالخاطر ولا يجوز ان يخلى الله عز و جل العباد البالغين منه وقالوا ليس يجوز على شىء من الاعراض البقاء الا اذا كان بعضا للجسم عند من يقول ان الجسم اعراض مجتمعة واكثرهم يقول انه ابعاض للجسم وقالوا ان الجزء الذي لا يتجزأ جسم على مذهب الحسين وقالوا جزاء الله في العباد اكثر من تفضله وعافيته اكثر من ابتلائه والثواب واجب بالاستحقاق والتفضيل والابتلاء ابتداء
وقال بعضهم بتحليل الا شربة التي يسكر كثيرها اذا لم تكن الخمر بعينها وحرموا السكر وليس يتبعون المولى في الحرب اذا كان من اهل القبلة وكان موحدا ولا يقتلون امرأة ولا ذرية ويرون قتل المشبهة وسبيهم وغنيمة اموالهم ويتبعون موليهم كما فعل ابو بكر باهل الردة
ويدعون من السلف جابر بن زيد وعكرمة ومجاهد وعمرو بن دينار (1/109)
وكان رجل من الاباضية يقال له ابراهيم افتى بأن بيع الاماء من مخالفيهم جائز فبرىء منه رجل يقال له ميمون وممن استحل ذلك ووقف قوم منهم فلم يقولوا بتحليل ولا بتحريم وكتبوا يستفتون العلماء منهم في ذلك فافتوا بأن بيعهن حلال وهبتهن حلال في دار التقية ويستتاب اهل الوقف من وقفهم في ولاية ابراهيم ومن اجاز ذلك وان يستتاب ميمون من قوله وان يبرءوا من امرأة كانت معهم وقفت فماتت قبل ورود الفتوى وان يستتاب ابراهيم من عذره لاهل الوقف في جحدهم الولاية عنه وهو مسلم يظهر اسلامه وأن يستتاب أهل الوقف من جحدهم البراءة عن ميمون وهو كافر يظهر كفره فاما الذين وقفوا ولم يتوبوا من الوقف وثبتوا عليه فسموا الواقفة وبرئت الخوارج منهم وثبت ابرهيم على رأيه في التحليل لبيع الاماء من المخالفين وتاب ميمون
والاباضية يقولون ان جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه ايمان وان كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك وان مرتكبى الكبائر في النار خالدون فيها (1/110)
ووقف كثير من الاباضية في ايلام اطفال المشركين في الآخرة فجوزوا ان يؤلمهم الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام وجوزوا ان يدخلهم الجنة تفضلا ومنهم من قال ان الله سبحانه يؤلمهم على طريق الايجاب لا على طريق التجويز
ثم رجع بنا القول الى الاخبار عن الاختلاف في امر المرءة
فافترقت فرقة من الواقفة وهم الضحاكية فاجازوا ان يزوجوا المرءة المسلمة عندهم من كفار قومهم في دار التقبة كما يسع الرجل منهم ان يتزوج المرءة الكافرة من قومهم في دار التقبة كما يسع الرجل منهم ان يتزوج المرءة الكافرة من قومه في دار التقية فاما في دار الاعلانية وقد جاز حكمهم فيها فانهم لا يستحلون ذلك فيها
ومن الضحاكية فرقة وقفت فلم تبرأ ممن فعله وقالوا لا نعطى هذه المرءة المتزوجة من كفار قومنا شيئا من حقوق المسلمين ولا نصلى عليها ان ماتت ونقف فيها ومنهم من برىء منها
واختلفوا في اصحاب الحدود فمنهم من برىء منهم ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف واختلف هؤلاء في اهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال هم عندنا كفار الا من عرفنا ايمانه بعينه ومنهم من قال (1/111)
هم اهل دار خلط فلا تتولى الا من عرفنا فيه اسلاما ونقف فيمن لم نعرف اسلامه وتولى بعض هؤلاء بعضا على اختلافهم وقالوا الولاية تجمعنا فسموا اصحاب النساء وسموا من خالفهم من الواقفة اصحاب المرءة وصارت الواقفة فرقتين فرقة تولوا الناكحة وفرقة ينسبون الى عبد الجبار بن سليمن وهم الذين يتبرءون من المرءة الناكحة من كفار قومهم
وهذا خبر عبد الجبار الذى خطب الى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها فسأل امها عن ذلك حتى وقع الخلاف بين ثعلبة وعبد الكريم في الاطفال فاختلفا بعد ان كانا متفقين
فاما عبد الجبار الذى خطب الى ثعلبة ابنته فسأل ثعلبة ان يمهرها اربعة آلاف درهم فارسل الخاطب الى أم الجارية مع امرأة يقال لها ام سعيد يسئل هل بلغت ابنتهم ام لا وقال ان كانت بلغت واقرت بالاسلام لم ابال ما امهرتها فلما بلغتها ام سعيد ذلك قالت ابتنى مسلمة بلغت ام لم تبلغ ولا تحتاج ان تدعى اذا بلغت فرد مرة اخرى ذلك عليها ودخل ثعلبة على تلك الحال فسمع تنازعهما فنهاهما عنه ثم دخل (1/112)
عبد الكريم بن عجرد وهما على تلك الحال فاخبره ثعلبة الخبر فزعم عبد الكريم انه يجب دعاؤها اذا بلغت وتجب البراءة منها حتى تدعى الى الاسلام فرد عليه ثعلبة ذلك وقال لا بل نثبت على ولايتها فان لم تدع لم تعرف الاسلام فبرىء بعضهم من بعض على ذلك
ومن الخوارج البيهسية اصحاب ابى بيهس ومما احدث انه زعم ان ميمونا كفر حين حرم بيع المملوكة في دار كفار قومنا وحين برىء ممن استحل ذلك وكفر اهل الثبت حين لم يعرفوا كفر ميمون وصواب ابراهيم واهل الثبت الواقفة وكفر ابراهيم حين لم يتبرأ من اهل الوقف لوقفهم في امرهم وجحدهم الولاية عنه وجحدهم البراءة من ميمون وذلك ان الوقف لا يسع على الابدان ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعة احد من المسليمن فاذا واقعه احد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك ان لا يعرف من اظهر الحق ودان به ومن اظهر الباطل ودانه به (1/113)
وزعم ابو بيهس انه لا يسلم احد حتى يقر بمعرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد جملة والولاية لاولياء الله سبحانه والبراءة من اعداء الله وما حرم الله سبحانه مما جاء فيه الوعيد فلا يسع الانسان الا علمه ومعرفته بعينه وتفسيره ومنه ما ينبغى ان يعرفه باسمه ولا يبالى ان لا يعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به وعليه ان يقف عند ما لا يعلم ولا يأتى شيئا الا بعلم فتابعه على ذلك ناس كثير من الخوارج وفارقه ناس كثير منهم فسموا البيهسية وسمت البيهسية من خالفهم من الخوارج الواقفة
وقال غيره من الناس قد يسلم الانسان بمعرفة وظيفة الدين وهي شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله جملة والولاية لاولياء الله والبراءة من اعداء الله وان لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل فمن واقع شيئا من الحرام مما جاء فيه الوعيد وهو لا يعلم انه حرام فقد كفر ومن ترك شيئا من كبير ما افترضه الله سبحانه عليه وهو لا يعلم فقد كفر فان حضر احد من اوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري احلال (1/114)
ام حرام او اشتبه عليه وقف فيه فلم يتوله ولم يبرأ منه حتى يعرف احلال ركب ام حرام فبرئت منه البيهسية
ومن البيهسية فرقة يقال لهم العوفية وهم فرقتان تقول من رجع من دار هجرتهم ومن الجهادالى حال القعود نبرأ منهم وفرقة تقول لا نبرأ منهم لانهم رجعوا الى امر كان حلالا لهم وكلا الفريقين من العوفية يقولون اذا كفر الامام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد والبيهسية يبرءون منهم وهم جميعا يتولون ابا بيهس
ومن البيهسية فرقة يقال لهم اصحاب شبيب النجراني يعرفون باصحاب السؤال والذي ابدعوه انهم زعموا ان الرجل يكون مسلما اذا شهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وتولى اولياء الله وتبرأ من اعدائه واقر بما جاء من عند الله جملة وان لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك افرض هو ام لا فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسئل وفارقوا الواقفة وقالوا في (1/115)
اطفال المؤمنين بقول الثعلبية انهم مؤمنون اطفالا وبالغين حتى يكفروا وان اطفال الكفار كفار اطفالا وبالغين حتى يؤمنوا وقالوا بقول المعتزلة في القدر فبرئت منهم البيهسية
وقال بعض البيهسية من واقع زنا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الامام او الوالى ويحد فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية الا انهم قالوا نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين
وقالت طائفة من البيهسية اذا كفر الامام كفرت الرعية وقالت الدار دار شرك واهلها جميعا مشركون وتركت الصلاة الا خلف من تعرف وذهبت الى قتل اهل القبلة واخذ الاموال واستحلت القتل والسبى على كل حال
وقال البيهسية الناس مشركون بجهل الدين مشركون بمواقعة الذنوب وان كان ذنب لم يحكم الله فيه حكما مغلظا ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ولا يجوز ان يكون اخفى احكامه عنا في ذنوبنا ولو جاز ذلك جاز في الشرك وقالوا التائب في موضع الحدود وفى موضع القصاص والمقر على نفسه يلزمه الشرك اذا اقر من ذلك (1/116)
بشىء وهو كافر لأنه لا يحكم بشىء من الحدود والقصاص الا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله
وقال بعض البيهسية السكر من كل شراب حلال موضوع عمن سكر منه وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة او شتم الله سبحانه فهو موضوع لا حدث فيه ولا حكم ولا يكفر اهله بشىء من ذلك ما داموا في سكرهم وقالوا ان الشراب حلال الاصل ولم يأت فيه شىء من التحريم لا في قليلة ولا في إكثار او في سكر
ومن البيهسية فرقة يسمون اصحاب التفسير كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من اهل الكوفة زعم انه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم الا بتفسير الشهادة كيف هى قال ولو ان اربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى (1/117)
يشهدوا كيف هو وهذا قالوا في سائر الحدود فبرئت منهم البيهسية على ذلك وسموهم اصحاب التفسير
وقالت العوفية من البيهسية السكر كفر ولا يشهدون انه كفر حتى يأتى معه غيره كترك الصلاة وما اشبه ذلك لانهم انما يعلمون ان الشارب سكر اذا ضم الى سكره غيره مما يدل على انه سكران
ومن الخوارج اصحاب صالح ولم يحدث صلح قولا تفرد به ويقال انه كان صفريا
ومن قول الصفرية واكثر الخوارج ان كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك وكل شرك عبادة للشيطان
وقالت الفضيلة لا يكفر عندنا ولا يعصى من قال بضرب من الحق الذى يكون من المسلمين واراد به غير الله او وجهه على غير ما يوجهه المسلمون عليه نحو قول القائل لا اله الا الله يريد بها قول النصارى الذى لا اله الا هو الذى له الولد والزوجة او يريد صنما اتخذ لها وكقول القائل محمد رسول الله وهو يريد غيره ممن قال هو حي (1/118)
قائم وما اشبه ذلك من القول كله واعتقاد القلب والتوجه الى غير الله عز و جل
وحكى اليمان بن رباب الخارجى ان قوما من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على ان كل من واقع ذنبا عليه حرام لا يشهد عليه بانه كفر حتى يرفع الى السلطان ويحد عليه فاذا حدث عليه فهو كافر الا ان البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الايمان حتى تقام عليهم الحدود
وحكى ان صنفا من الخوارج تفردوا بقول احدثوه وهو قطعهم الشهادة على انفسهم ومن وافقهم انهم من اهل الجنة من غير شرط ولا استثناء
وذكر ان صنفا منهم يدعون الحسينية ورئيسهم رجل يعرف بابى الحسين يرون الدار دار حرب وانه لا يجوز الاقدام على من فيها الا بعد المحنة ويقولون بالارجاء في موافقيهم خاصة كما حكى عن نجدة ويقولون فيمن خالفهم انهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون (1/119)
وذكر اليمان ايضا ان صاحب الشمراخية وهو عبد الله بن شمراخ كان يقول ان دماء قومه حرام في السر حلال في العلانية وان قتل الابوين حرام في دار التقية ودار الهجرة وان كانا مخالفين والخوارج تبرأ منه
ومن العلماء باللغة وهو من الخوارج ابو عبيدة معمر بن المثنى وكان صفريا ومن شعرائهم عمران بن حطان وهو صفرى ومن مؤلفى كتبهم ومتكلميهم عبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وهؤلاء اباضية واليمان بن رباب وكان ثعلبيا ثم صار بيهسيا وسعيد بن هارون وكان فيما اظن اباضيا
والخوارج تدعى من السلف الشعثاء جابر بن زيد وعكرمة واسماعيل بن سميع وابا هارون العبدى وهبيرة بن مريم
ومن رجال الخوارج ممن لم يذكر انه خرج ولا له مذهب يعرف به صالح بن مسرح وداود وكانا يتلاقيان ويحدثان مسائل يقع لها الخلاف بين الخوارج ثم كانت لهما في آخر ايامهما خرجة ليست بالمشهورة ورباب السجستاني و هو الذي اوقع الخلاف (1/120)
بين الخوارج في قتيل وجد في عسكر حتى قال بعضهم ان حكم اهل العسكر حكم الكفار حتى يعلم انه قتل بحق وقال بعضهم بل هم مؤمنون حتى يعلم انه قتل بغير حق و هارون الضعيف وقد حكى عنه اجازة تزويج نساء مخالفيه في هذا الباب محل اهل الكتاب
ومن الخوارج صنف يسمون الراجعة رجعوا عن صالح بن مسرح وبرئوا منه لاحكام حكم بها وذلك ان بعض طلائع صلح اتاه فاعلمه ان فارسا على تل واقف ينظر إلى عسكره فوجه اليه رجلين من اصحابه فلما نظر اليهما الفارس ولى مدبرا فلحقاه فطعنه احدهما فصرعه ونزلا ليقتلاه فقال لهما انا رجل مسلم وانا اخو ربعى بن حراش وكان ربعى بن حراش من رؤسائهم فكفا عنه وقالا له هل يعرفك احد في العسكر قال نعم وسمى رجلين من اصحاب صالح يسمى احدهما جبيرا والآخر الوليد فصار الفارسان به الى عسكر صالح فاخبراه بخبره فدعا صالح جبيرا والوليد فسألهما عنه فقالا نعرفه بالخبث والكفر ونعرف انه اخو ربعى وقد اخبرنا ربعى بخبثه وعداوته للمسلمين فامر صالح بضرب عنقه فقال الراجعة قتل رجلا مسلما قد ادعى الاسلام فبرئوا بذلك من صالح ومنها (1/121)
انه اتاه رجل من طلائعه فاخبره ان فارسا واقف على تل ينظر الى العسكر بالليل فبعث ابا عمر ويزيد بن خارجة فلما نظر الفارس اليهما ولى مدبرا فطعنه احدهما وضربه الآخر بالسيف ثم اتيا به صالحا فدفعه صالح الى رجل من اصحابه واوصاه به وقال اذا كان بالغداة فأتنا به حتى نقف على جراحته وننظر أتصير الى دية النفس او الى دية الارش فذهب الرجل الى منزله واباته عنده فلما نام الرجل الذي من اصحاب صالح قام الاسير فهرب من الليل فبرئت الراجعة من صالح بذلك وقالوا لم يبرأ من جراحته وقد اذعى انه ذمى ومنها ان رجلا من اصحابه يقال له صخر قال لرجل منهم هذا عدو الله فلم يستتبه صالح من ذلك ومنها انه احتبس من الغنائم فرسا فكان اصحابه يقترعون اذا ارادوا ركوبه ويتنافسون في القتال عليه فاختلف اصحابه عند هذه الاشياء فبرئت منه فرقة فسميت الراجعة وصوب اكثر الخوارج رأى صالح بن ابى صالح ووقف شبيب في صالح ابن ابى صالح والراجعة وقال لا ندرى ما حكم به صالح كان حقا او باطلا ويقال ان اكثر الراجعة عادوا الى قول صالح ويصوبونه فيما صنع (1/122)
فاما بعض الاباضية فيذهب الى ان الذين برئوا من صالح كفروا وان من وقف في كفرهم كفر واحسنوا الظن بشبيب وقالوا لم يكن مثله يبرأ منه وقالوا ويدل على ذلك انه كان معه حتى قتل فهو عندهم على اصل ايمانه
ومنهم فرقة يسمون الشبيبية وذلك ان شبيبا وقف في صالح وفى الراجعة فقالوا لا ندرى أحق ما حكم به صالح ام حور وحق ما شهدت به الراجعة ام جور فبرئت الخوارج منهم وسموهم مرجئة الخوارج وكان شبيب اصاب اموالا بجرجرايا فقسمها وبقيت رمكة ومنطقة وعمامة فقال لرجل من اصحابه اركب هذه الدابة حتى نقسمها وقال لآخر البس هذه العمامة والمنطقة حتى نقسمهما فبلغ ذلك اصحابه فخرج اليه سالم بن ابى الجعد الاشجعى وابن دجاجة الحنفى فقالا يا معشر المسلمين استقسم هذا الرجل بالازلام فقال شبيب انما كانت رمكة واحببت ان يركبها صاحبها يوما او يومين حتى نقسمها فقالوا لم اعطيت هذا منطقة وعمامة فلو استشهد وأخذ متاعه تب مما صنعت فكره ان يخنع فقال ما ارى (1/123)
موضع توبة فبرئوا منه فليس يتولاه خارجى فيما نعلم وهم يرجئون امره ولا يكفرونه ولا يثبتون له الايمان
فاما التوحيد فان قول الخوارج فيه كقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة في التوحيد اذا صرنا الى شرح مذاهب المعتزلة
والخوارج جميعا يقولون بخلق القرآن والاباضية تخالف المعتزلة في التوحيد في الارادة فقط لانهم يزعمون ان الله سبحانه لم يزل مريدا لمعلوماته التي تكون ان تكون ولمعلوماته التي لا تكون ان لا تكون والمعتزلة الا بشر بن المعتمر ينكرون ذلك
فاما القدر فقط ذكرنا من يذهب فيه الى قول المعتزلة من الخوارج وذكرنا من يميل الى الاثبات منهم
واما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قول واحد لانهم يقولون ان اهل الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون فيها مخلدون غير ان الخوارج يقولون ان مرتكبى الكبائر ممن ينتحل الاسلام يعذبون عذاب الكافرين والمعتزلة يقولون ان عذابهم ليس كعذاب الكافرين (1/124)
واما السيف فان الخوارج تقول به وتراه الا ان الاباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف ولكنه يرون ازالة ايمة الجور ومنعهم من ان يكونوا ايمة بأي شىء قدروا عليه بالسيف او بغير السيف
فأما الوصف لله سبحانه بالقدرة على ان يظلم فان الخوارج جميعا تنكر ذلك
والخوارج باسرها يثبتون امامة ابى بكر وعمر وينكرون امامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الاحداث التي نقم عليه من اجلها ويقولون بامامة على قبل ان يحكم وينكرون امامته لما اجاب الى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وابا موسى الاشعرى ويرون ان الامامة في قريش وغيرهم اذا كان القائم بها مستحقا لذلك ولا يرون امامة الجائر وحكى زرقان عن النجدات انهم يقولون انهم لا يحتاجون الى امام وانما عليهم ان يعلموا كتاب الله سبحانه فيما بينهم وللخوارج في الاطفال ثلاثة اقاويل
صنف منهم يزعمون ان اطفال المشركين حكمهم حكم آبائهم (1/125)
يعذبون في النار وان اطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم واختلف هذا الصنف في الآباء اذا انتقلوا بعد موت اطفالهم عن اديانهم فقال قائلون ينتقلون الى حكم آبائهم وقال قائلون هم على الحال التي كان آباؤهم عليها في حال موتهم لا ينتقلون بانتقالهم
وقال الصنف الثاني منهم جائز ان يؤلم الله سبحانه في النار اطفال المشركين على غير المجازاة لهم وجائز ان لا يؤلمهم واطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم لقول الله عز و جل بايمان الحقنا بهم ذرياتهم وقال الصنف الثالث وهم القدرية اطفال المشركين والمؤمنين في الجنة وحكى حاك عن الاخنسية انها تزوج النساء في نصه الحرب وغير نصبه الحرب
وحكى ايضا ان الشمراخية والصفرية تصلى خلف من لا تعرف وحكى ان البيهسية تقول بقتل اهل القبلة واخد الاموال وترك الصلاة الا خلف من تعرف والشهادة على الدار بالكفر
وحكى حاك ان البدعية تقول مثل مقالة الازارقة غير انها تزعم ان الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشى (1/126)
واختلفت الخوارج في اجتهاد الرأي وهم صنفان فمنهم من يجيز الاجتهاد في الاحكام كنحو النجدات وغيرهم ومنهم من ينكر ذلك ولا يقول الا بظاهر القرآن وهم الازارقة وحكى حاك عن الخوارج انهم لا يرون على الناس فرضا ما لم يأتهم الرسل وان الفرائض تلزم بالرسل واعتلوا بقول الله عز و جل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
والخوارج لا يقولون بعذاب القبر ولا ترى ان احدا يعذب في قبره فاما القول في البارىء هل يرزق عباده الحرام اذا غلبوا عليه وأكلوه فان من مال منهم الى قول المعتزلة في القدر ينكر ذلك ومن قال منهم بالاثبات قال ان الله يرزق عباده الحرام اذا غلبوا عليه وأكلوه
وللخوارج القاب فمن القابهم الوصف لهم بانهم خوارج ومن القابهم الحرورية ومن القابهم الشراة والحرارية ومن القابهم المارقة ومن القابهم المحكمة وهم يرضون بهذه الالقاب كلها الا بالمارقة فانهم ينكرون ان يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية والسبب الذى له سموا خوارج خروجهم (1/127)
على على بن ابى طالب والذى له سموا محكمة انكارهم الحكمين وقولهم لا حكم الا لله والذى له سموا حرورية نزولهم بحروراء في اول أمرهم والذى له سمو شراة قولهم شرينا انفسنا في طاعة الله اى بعناها بالجنة
والكور التي الغالب عليها الخارجية
الجزيرة والموصل وعمان وحضرموت ونواح من نواحى المغرب ونواح من نواحى خراسان وقد كان لرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له سجلماسة على طريق غانة
ويقال ان اول من حكم بصفين عروة بن بلال بن مرداس ويقال بل اول من حكم يزيد بن عاصم المحاربى ويقال بل رجل من سعد بن زيد مناة من تميم ويقال ان اول من تشري رجل من بنى يشكر
وكان امير الخوارج اول ما اعتزلوا عبد الله بن الكواء وامير قتالهم شبث بن ربعى ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسي لعشر بقين من شوال سنة سبع وثلثين وكان رئيس الخوارج الذين اقبلوا (1/128)
من البصرة ليجتمعوا مع عبد الله بن وهب مسعر بن فدكى وهو الذى استعرض من لقى هو واصحابه وقتل عبد الله بن خباب فبعض الخوارج يقولون ان عبد الله بن وهب كان كارها لذلك كله وكذلك اصحابه وبعضهم يتأول لمسعر في قتل عبد الله ويقال انه سأله ان يحدثه عن ابيه عن النبى بما سمعه منه فحدثه بحديث في الفتن يوجب القعود عن الحروب وان يكون الرجل عبد الله المقتول فتأولوا عليه انه يدين بتخطئتهم في الخروج وتخطئة على رضي الله عنه ايضا واستحلوا بهذا دمه
ولما قرب الامر في محاربة على بن ابى طالب عبد الله بن وهب استوحش كثير منهم من محاربته ففارق قوم منهم عبد الله بن الوهب منهم جويرية بن فادغ فارقه في ثلثمائة ومنهم مسعر بن فدكى انصرف الى البصرة في مائتين ويقال بل صار الى راية ابى ايوب الانصارى وهو اذ ذاك مع علي بن ابى طالب ومنهم فروة بن نوفل الاشجعى فارقه في خمسمائة ومنهم عبد الله (1/129)
الطائى رجع الى الكوفة في ثلثمائة ويقال بل لحق براية ابى ايوب الانصارى ومنهم سالم بن ربيعة فارقه في ثمانية عشر ويقال بل لحق براية ابى ايوب الانصارى ومنهم ابو مريم السعدى فارقه في مأتين ويقال بل لحق براية ابى ايوب الانصارى ومنهم اشرس بن عوف نزل الدسكرة في مأتين وذكر المدائنى ان قوما من الخوارج قد كانوا خرجوا مع على رضوان الله عليه لقتال اهل الشأم فلما قصد على اهل النهر اعتزلوا فصاروا الى النخيلة فاقاموا بها وكان مقتل عبد الله ابن وهب الراسي واصحابه لسبع خلون من صفر سنة ثمان وثلثين
وخرج على على في حياته من الخوارج بعد عبد الله بن وهب الراسى اشرس بن عوف فسرح اليه على جيشا فقتل بالانبار هو واصحابه في شهر ربيع الاول من سنة ثمان وثلثين
ثم خرج ابن علفة التيمى فوجه اليه على معقل بن قيس الرياحى فقتله واصحابه بما سبذان في جمادى الاولى من هذه السنة
ثم خرج الاشهب بن بشر فوجه اليه على جارية بن قدامة فقتل الاشهب واصحابه بجرجرايا في جمادى الآخرة من هذه السنة
وخرج رجل من الخوارج يقال له سعد على على رضي الله عنه (1/130)
فكتب على الى سعد بن مسعود الثقفى وهو على المدائن فخرج اليه سعد فقتله واصحابه في رجب من هذه السنة
ثم خرج ابو مريم السعدي فوجه اليه على شريح بن هانىءوقد صاروا من الكوفة على فرسخين ثم انفذ اليهم جارية بن قدامة السعدى فقتل ابا مريم واصحابه الا خمسين رجلا سألوا الامان وذلك في شهر رمضان من هذه السنة ثم قتل على رضوان الله عليه ولو ذكرنا من خرج من الخوارج بعده لطال الكتاب
آخر مقالات الخوارج (1/131)
اول مقالات المرجئة
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر اختلاف المرجئة
اختلفت المرجئة في الايمان ما هو وهم اثنتا عشرة فرقة
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الايمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وان ما سوى المعرفة من الاقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بايمان وزعموا ان الكفر بالله هو الجهل به وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان وزعمت الجهمية ان الانسان اذا اتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه انه لا يكفر بجحدة وان الايمان لا يتبعض ولا يتفاضل اهله فيه وان الايمان والكفر لا يكونان الا في القلب دون غيره من الجوارح
والفرقة الثانية من المرجئة يزعمون ان الايمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط فلا ايمان بالله الا المعرفة به ولا كفر بالله الا الجهل به وان قول القائل ان الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه (1/132)
لا يظهر الا من كافر وذلك ان الله سبحانه اكفر من قال ذلك واجمع المسلمون انه لا يقوله الا كافر وزعموا ان معرفة الله هي المحبة له وهى الخضوع لله واصحاب هذا القول لا يزعمون ان الايمان بالله ايمان بالرسول وانه لا يؤمن بالله اذا جاء الرسول الا من آمن بالرسول ليس لأن ذلك يستحيل ولكن لان الرسول قال ومن لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله وزعموا ايضا ان الصلاة ليست بعبادة لله وانه لا عبادة الا الايمان به وهو معرفته والايمان عندهم لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة وكذلك الكفر والقائل بهذا القول ابو الحسين الصالحى
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان الايمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وزعموا ان ابليس كان عارفا بالله غير انه كفر باستكباره على الله وهذا قول قوم من اصحاب يونس السمرى وزعموا ان الانسان وان كان لا يكون مؤمنا الا بجميع الخلال التي ذكرناها وقد يكون كافرا بترك خلة منها ولم يكن يونس يقول بهذا (1/133)
والفرقة الرابعة منهم وهم اصحاب ابى شمر ويونس يزعمون ان الايمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب والاقرار به انه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجة الانبياء وان كانت قامت عليه حجة الانبياء فالايمان الاقرار بهم والتصديق لهم والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الايمان ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال ايمانا لاجتماعها وشبهوا ذلك بالبياض اذا كان في دابة لم يسموها بلقاء ولا بعض ابلق حتى يجتمع السواد والبياض فاذا اجتمعا في الدابة سمى ذلك بلقا اذا كان بفرس فان كان في جمل او كلب سمى بقعا وجعلوا ترك الخصال كلها وترك كل خصلة منها كفرا ولم يجعلوا الايمان متبعضا ولا محتملا للزيادة والنقصان
وحكى عن ابى شمر انه قال لا اقول في الفاسق الملى فاسق مطلق دون ان اقيد فاقول فاسق في كذا
وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن ابى شمر انه كان يقول ان الايمان هو المعرفة بالله والاقرار به وبما جاء من عنده (1/134)
ومعرفة العدل يعنى قوله في القدر ما كان من ذلك منصوصا عليه او مستخرجا بالعقول مما فيه اثبات عدل الله ونفى التشبيه والتوحيد وكل ذلك ايمان والعلم به ايمن والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافرا ابدا والمعرفة لا يقولون انها ايمان ما لم تضم الاقرار واذا وقعا كانا جميعا ايمانا
والفرقة الخامسة من المرجئة اصحاب ابى ثوبان يزعمون ان الايمان هو الاقرار بالله وبرسله وما كان لا يجوز في العقل الا ان يفعله وما كان جائزا في العقل ان لا يفعله فليس ذلك من الايمان
والفرقةالسادسة من المرجئة يزعمون ان الايمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك والاقرار باللسان فمن جهل شيئا من ذلك فقامت به عليه حجة او عرفة ولم يقر به كفر ولم تسم كل خصلة من ذلك ايمانا كما حكينا عن ابى شمر وزعموا ان الخصال التي هي ايمان اذا وقعت فكل خصلة منها طاعة فان فعلت خصلة منها ولم تفعل الاخرى لم تكن طاعة كالمعرفة بالله اذا انفردت من الاقرار لم تكن طاعة لان الله عز و جل امرنا بالايمان جملة امرا واحدا ومن لم يفعل ما امر به لم يطع وزعموا ان ترك كل خصلة من ذلك معصية وان الانسان لا يكفر بترك خصلة واحدة وان الناس (1/135)
يتفاضلون في ايمانهم ويكون بعضهم اعلم بالله واكثر تصديقا له من بعض وان الايمان يزيد ولا ينقص وان من كان مؤمنا لا يزول عنه اسم الايمان الا بالكفر وهذا قول الحسين بن محمد النجار واصحابه
والفرقة السابعة من المرجئة الغيلانية اصحاب غيلان يزعمون ان الايمان المعرفة بالله الثانية والمحبة والخضوع والاقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك ان المعرفة الاولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الايمان
وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية انهم يوافقون الشمرية في الخصلة من الايمان انه لا يقال لها ايمان اذا انفردت ولا يقال لها بعض ايمان اذا انفردت وان الايمان لا يحتمل الزيادة والنقصان وانهم خالفوهم في العلم فزعموا ان العلم بأن الاشياء محدثة مدبرة ضرورة والعلم بأن محدثها ومدبرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب وجعلوا العلم بالنبى وبما جاء من عند الله اكتسابا وزعموا انه من الايمان اذا كان الذي جاء من عند الله منصوصا باجماع المسلمين ولم يجعلوا شيئا من الدين مستخرجا ايمانا
وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية (1/136)
والغيلانية والنجارية ينكرون ان يكون من الكفار ايمان وان يقال ان فيهم بعض ايمان اذ كان الايمان لا يتبعض عندهم
وذكر زرقان عن غيلان ان الايمان هو الاقرار باللسان وهو التصديق وان المعرفة بالله فعل الله وليست من الايمان في قليل ولا كثير واعتل بأن الايمان في اللغة هو التصديق
والفرقة الثامنة من المرجئة اصحاب محمد بن شبيب يزعمون ان الايمان الاقرار بالله والمعرفة بانه واحد ليس كمثله شىء والاقرار والمعرفة بانبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نص عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله من الصلاة والصيام واشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع واما ما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الاشياء فان الراد للحق لا يكفر وذلك انه ايمان واستخراج ليس يرد على رسول الله ما جاء به من عند الله سبحانه ولا على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم صلى الله عليه و سلم ونصوا عليه والخضوع لله هو ترك الاستكبار وزعموا ان ابليس قد عرف الله سبحانه واقر به وانما كان كافرا لانه استكبر ولولا (1/137)
استكباره ما كان كافرا وان الايمان يتبعض ويتفاضل اهله وان الخصلة من الايمان قد تكون طاعة وبعض ايمان ويكون صاحبها كافرا بترك بعض الايمان ولا يكون مؤمنا الا باصابة الكل وكل رجل يعلم ان الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الانبياء فهو كافر يجحده الانبياء وفيه خصلة من الايمان وهو معرفته بالله وذلك ان الله امره ان يعرفه وان يقر بما كان عرف وان عرف ولم يقر او عرف الله سبحانه وجحد انبياءه فاذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما امر به واذا كان الذي امر به كله ايمانا فالواحد منه بعض ايمان
وكان وكان محمد بن شبيب وسائر من قدمنا وصفه من المرجئة يزعمون ان مرتكبى الكبائر من اهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الايمان فاسقون بما معهم من الفسق
والفرقة التاسعة من المرجئة ابو حنيفة واصحابه يزعمون ان الايمان المعرفة بالله والاقرار بالله والمعرفة بالرسول والاقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير وذكر ابو عثمان الادمى انه اجتمع ابو حنيفة
وعمر بن ابى عثمان الشمزى بمكة فسأله عمر فقال له اخبرنى عمن (1/138)
زعم ان الله سبحانه حرم اكل الخنزير غير انه لا يدرى لعل الخنزير الذى حرمه الله ليس هي هذه العين فقال مؤمن فقال له عمر فانه قد زعم ان الله قد فرض الحج الى الكعبة غير انه لا يدرى لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا فقال هذا مؤمن قال فان قال اعلم ان الله سبحانه بعث محمدا وانه رسول الله غير انه لا يدرى لعله هو الزنجى قال هذا مؤمن ولم يجعل ابو حنيفة شيئا من الدين مستخرجا ايمانا وزعم ان الايمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه
فاما غسان واكثر اصحاب ابى حنيفة فانهم يحكون عن اسلافهم ان الايمان هو الاقرار والمحبة لله والتعظيم له والهيبة منه وترك الاستخفاف بحقه وانه يزيد ولا ينقص
والفرقة العاشرة من المرجئة اصحاب ابى معاذ التومنى يزعمون ان الايمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال اذا تركها التارك او ترك خصلة منها كان كافرا فتلك الخصال التي يكفر بتركها وبترك خصلة منها ايمان ولا يقال للخصلة منها ايمان ولا بعض ايمان وكل طاعة اذا تركها التارك لم يجمع المسلمون على كفره فتلك الطاعة (1/139)
شريعة من شرائع الايمان تاركها ان كانت فريضة يوصف بالفسق فيقال له انه فسق ولا يسمى بالفسق ولا يقال فاسق وليس تخرج الكبائر من الايمان اذا لم يكن كفر وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها والرد لها والاستخفاف بها كافر بالله وانما كفر للاستخفاف والرد والجحود وان تركها غير مستحل لتركها متشاغلا مسوفا يقول الساعة اصلى واذا فرغت من لهوى ومن عملى فليس بكافر اذا كان عزمه ان يصلى يوما ووقتا من الاوقات ولكن نفسقه وكان ابو معاذ يزعم ان من قتل نبيا او لطمه كفر وليس من اجل اللطمة والقتل كفر ولكن من اجل الاستخفاف والعداوة والبغض له وكان يزعم ان الموصوف بالفسق من اصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولى له
وكل المرجئة يقولون انه ليس في احد من الكفار ايمان بالله عز و جل
والفرقة الحادية عشرة من المرجئة اصحاب بشر المريسى يقولون ان الايمان هو التصديق لان الايمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بايمان ويزعم ان التصديق يكون القلب وباللسان جميعا والى هذا القول كان يذهب ابن الراوندى وكان ابن الراوندى يزعم ان الكفر هو الجحد والانكار والستر والتغطية وليس يجوز (1/140)
ان يكون الكفر الا ما كان في اللغة كفرا ولا يجوز ان يكون ايمانا الا ما كان في اللغة ايمانا وكان يزعم ان السجود للشمس ليس بكفر ولكنه علم على الكفر لان الله عز و جل يبين لنا انه لا يسجد للشمس الا كافر
والفرقة الثانية عشرة من المرجئة الكرامية اصحاب محمد بن كرام يزعمون ان الايمان هو الاقرار والتصديق باللسان دون القلب وانكروا ان يكون معرفة القلب او شىء غير التصديق باللسان ايمانا وزعموا ان المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله كانوا مؤمنين على الحقيقة وزعموا ان الكفر بالله هو الجحود والانكار له باللسان ومن المرجئة من يقول الفاسق من اهل القبلة لا يسمى بعد تقضى فعله فاسقا ومنهم من يسميه بعد تقضى فعله فاسقا
ومنهم من يقول لا اقول لمرتكب الكبائر فاسق على الاطلاق دون ان يقال فاسق في كذا ومنهم من اطلق اسم الفاسق
واختلفت المرجئة في الكفر ما هو وهم سبع فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون هو الجهل بالله وهؤلاء هم الجهمية (1/141)
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الكفر خصال كثيرة ويكون بالقلب وبغير القلب والجهل بالله كفر وبالقلب يكون وكذلك البغض لله والاستكبار عليه كفر وكذلك التكذيب بالله وبرسله بالقلب واللسان وكذلك الجحود لهم والانكار لهم ونفيهم وكذلك الاستخفاف بالله وبرسله كفر وكذلك ترك التوحيد الى اعتقاد التثنية والتثلث او ما هو اكثر من ذلك كفر وزعم قائل هطا القول ان الكفر يكون بالقلب واللسان دون غيرهما من الجوارح وكذلك الايمان وزعم قائل هذا القول ان قاتل النبى ولاطمه لم يكفر من اجل القتل واللطمة ولكن من اجل الاستخفاف وكذلك تارك الصلاة مستخفا لتركها انما يكفر بالاستحلال لتركها لا بتركها وزعم صاحب هذا القول ان من استحل ما حرم الله سبحانه مما نص الرسول على تحريمه واجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر بالله وان استحلال ذلك كفر وكذلك من قال قولا او اعتقد عقدا قد اجمع المسلمون على اكفار فاعله وكل فعل اجمعوا على اكفار فاعله كفر بأى جارحة كان ذلك الفعل (1/142)
والفرقة الرابعة منهم يزعمون ان الكفر بالله هو التكذيب والجحد له والانكار له باللسان وان الكفر لا يكون الا باللسان دون غيره من الجوارح وهذا قول محمد بن كرام واصحابه
والفرقة الخامسة منهم يزعمون ان الكفر هو الجحود والانكار والستر والتغطية وان الكفر يكون بالقلب واللسان
والفرقة السادسة منهم اصحاب ابى شمر وقد تقدمت حكاية قولهم في اكفار من رد قولهم في التوحيد والقدر
والفرقة السابعة اصحاب محمد بن شبيب وقد ذكرنا قولهم في الاكفار عند ذكرنا قولهم في الايمان
واكثر المرجئة لا يكفرون احدا من المتأولين ولا يكفرون الا من اجمعت الامة على اكفاره
واختلفت المرجئة في المعاصى هل هي كبائر ام لا على مقالتين فقال قائلون منهم بشر المريسى وغيره كل ما عصى الله سبحانه به كبيرة وقال قائلون منهم المعاصى على ضربين منها كبائر ومنها صغائر (1/143)
واجمعت المرجئة اسرها ان الدار دار ايمان وحكم اهلها الايمان الا من ظهر منه خلاف الايمان
واختلفت المرجئة في الاعتقاد للتوحيد بغير نظر هل يكون علما وايمانا ام لا وهم فرقتان
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان الاعتقاد للتوحيد بغير نظر لا يكون ايمانا والفرقة الثانية منهم يزعمون ان الاعتقاد للتوحيد بغير نظر ايمان واختلفت المرجئة في الاخبار اذا وردت من قبل الله سبحانه وظاهرها ظاهر العموم على سبع فرق
فقالت الفرقة الاولى منهم اذا جاء الخبر من الله سبحانه انه يعذب القاتلين والآكلين اموال اليتامى ظلما واشباههم من اهل الكبائر وقفنا في عذابهم لقول الله عز و جل ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقالت هذه الفرقة جائز ان يخبر الحكيم الصادق بالخبر ثم يستثنى منه فيكون له ان يفعل وله ان لا يفعل للاستثناء ويكون صادقا وان هو م يفعل ولا يكون ذلك مستنكرا في اللغة ولا كذابا وهؤلاء هم الذين يزعمون ان الاستثناء ظاهره
وزعمت الفرقة الثانية ان الوعد ليس فيه استثناء وان الوعيد فيه (1/144)
استثناء مضمر وذلك جائز في اللغة عند اهلها لأن الرجل قد يوعد عبده ان يضربه ثم يعفو عنه ولا يرون ذلك كذابا للضمير الذى قال في الوعيد وزعمت الفرقة الثالثة من اهل الوقف ان الاخبار اذا جاءت ومخرجها عام فسمعها السامع وكان الخبر وعدا او وعيدا ولم يسمع القرآن كله والاخبار المجتمع عليها كلها فعليه ان يعلم ان الخبر في جميع اهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الوعيد عام لا شك فيه وقد يجوز أن يكون على خلاف ذلك العلم الذي لا شك فيه عندهم على الحكم وهو نحو علم الرجل انه ليس مع الرجل من المسلمين الموثوق بدينه حديدة يريد ان يعترض بها الناس ليقتلهم ونحو علم الانساب التي يعرف الناس بعضهم بعضا بها فيعلم ان فلانا ابن لفلان اذا كان قد ولد على فراش ابيه علما لا شك فيه ولا يخطر الشك فيه على البال اذا لم يكن ثم سبب يدعوهم الى الشك من اسباب التهم فعليهم ان يثبتوا ذلك على ظاهره وان كان خلاف ذلك جائزا فيما غاب عنهم فعليهم ان لا يشكوا وان جوزوا في المغيب خلاف ما لم يشكوا فيه في الظاهر
فزعموا في الوعد اذا انفرد والوعيد اذا انفرد فعليهم ان يثبتوا (1/145)
بكل واحد منهما منفردا ويعلموا انه عام علما لا شك فيه كما وصفنا ويجوز ان يكون على خلاف ذلك فاذا جاء مع الوعيد الوعد عندهم في قوم فعليهم ان يعلموا ان احدهما مستثنى من الآخر اما ان يكون الوعد مستثنى من الوعيد واما ان يكون الوعيد مستثنى من الوعد وعلى السامع لذلك ان يقف فلا يدرى لعل الخبر في اهل التوحيد كلهم او في بعضهم غير انه يعلم انه لا يجتمع الوعد والوعيد في رجل واحد لان ذلك يتناقض
وقالت الفرقة الرابعة وهم اصحاب محمد بن شبيب وجدنا اللغة اجازت جاء بنو تميم وجاءت الازد وانا يعنى بعض بنى تميم وبعض الازد وصرمت ارضى انما صرم بعضها وضرب الامير اهل السجن وانما ضرب بعضهم قالوا فلما وجدنا اللغة اجازت ذلك وسمعنا الاخبار في القرآن مما مخرجه عام اجزنا ان يكون معناها في الخاص من اهل كل طبقة ذكرهم الله سبحانه بوعيد واجزنا ان يكون ذلك عاما وذلك مثل قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية وكقوله ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما الآية وكقوله والذين يرمون المحصنات الآية واشباه ذلك من آى الوعيد التي جاءت مجيئا زنا ذلك لما ذكرنا من اجازة (1/146)
اللغة فيما بينها ان يكون الخبر مخرجه مخرجا عاما وهو خاص وان تكون الآى التى جاءت في الوعيد خاصة في بعض اهل الطباق التى جاءت فيهم من القاتلين والقاذفين وآكلة اموال الايتام واشباه ذلك واجزنا ان تكون عامة في جميعهم وان كانت في بعضهم كانت في اعظمهم جرما وليس يجوز عندهم ان يعذب الله سبحانه على جرم ويعفوا عما هو اعظم جرما منه
وزعمت الفرقة الخامسة من المرجئة انه ليس في اهل الصلاة وعيد انما الوعيد في المشركين قالوا وقول الله عز و جل ومن يقتل مؤمنا متعمدا وما اشبه ذلك من آى الوعيد في المستحلين دون المحرمين قالوا فاما الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين والله جل وعز لا يخلف وعده والعفو اولى بالله والوعد لهم قول الله والذين آمنوا بالله ورسوله اولئك هم الصديقون وقوله يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية وما اشبه ذلك من آى القرآن وزعم هؤلاء انه كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع الايمان عمل ولا يدخل النار احد من اهل القبلة (1/147)
وحكى عن بعض العلماء باللغة انه قال من اخبر الله انه يثيبه اثابه ومن اخبر انه يعاقبه من اهل القبلة لم يعاقبه ولم يعذبه وذلك يدل على كرمه وزعم ان العرب كانت تمتدح الوعد والعفو عما توعدت عليه
وزعمت الفرقة السابعة أن القرآن على الخصوص الا ما اجمعوا على عمومه وكذلك الامر والنهى
واختلفت المرجئة في الامر والنهى هل هما على العموم على مقالتين فقال قائلون بما حكيناه آنفا من ان ذلك على الخصوص حتى تأتى دلالة على العموم وقالت الفرقة الثانية الامر والنهى هما على العموم الا ما خصتة دلالة
واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار على مقالتين
فقالت الفرقة الاولى منهم وهم اصحاب جهم بن صفوان الجنة (1/148)
والنار تفنيان وتبيدان ويفنى اهلهما حتى يكون الله موجودا لا شىء معه كما كان موجودا لا شىء معه وانه لا يجوز ان يخلد الله اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار وهذا رد ما اتفق المسلمون عليه ونقلوه نصا وقال المسلمون كلهم الا جهما ان الله يخلد أهل الجنة في الجنة ويخلد الكفار في النار
واختلفت المرجئة في فجار اهل القبلة هل يجوز ان يخلدهم الله في النار ان ادخلهم النار على خمسة اقاويل
فزعمت الفرقة الاولى اصحاب بشر المريسى انه محال ان يخلد الله الفجار من اهل القبلة في النار لقول الله عز و جل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وانهم يصيرون الى الجنة ان ادخلهم الله النار لا محالة وهو قول ابن الراوندى
وزعمت الفرقة الثانية منهم اصحاب ابى شمر ومحمد بن شبيب انه جائز ان يدخلهم الله النار وجائز ان يخلدهم فيها ان ادخلهم وجائز ان لا يخلدهم
وقالت الفرقة الثالثة ان الله عز و جل يدخل النار قوما من المسلمين (1/149)
الا انهم يخرجون بشفاعة رسول الله ويصيرون الى الجنة لا محالة
وقالت الفرقة الرابعة وهم اصحاب غيلان جائز ان يعذبهم الله وجائز ان يعفو عنهم وجائز ان لا يخلدهم فان عذب احدا عذب من ارتكب مثل ما ارتكبه وكذلك ان خلده وان عفا عن احد عفا عن كل من كان مثله
وقالت الفرقة الخامسة منهم جائز ان يعذبهم الله وجائز ان لا يعذبهم وجائز ان يخلدهم ولا يخلدهم وان يعذب واحدا ويعفو عمن كان مثله كل ذلك لله عز و جل وجل ان يفعله
واختلفت المرجئة في الصغائر والكبائر على مقالتين فقالت الفرقة الاولى كل معصية فهي كبيرة وقالت الفرقة الثانية الماصى منها كبائر ومنها صغائر
واختلفت المرجئة في غفران الله الكبائر بالتوبة وهل هو تفضل ام لا على مقالتين
فقالت الفرقة الاولى منهم غفران الله سبحانه الكبائر بالتوبة تفضل وليس باستحقاق وقالت الفرقة الثانية منهم غفر ان الله الكبائر بالتوبة استحقاق (1/150)
واختلفت المرجئة في معاصى الانبياء هل هي كبائر ام لا على مقالتين فقالت الفرقة الاولى منهم معاصيهم كبائر وجوزوا على الانبياء فعل الكبائر من القتل والزنا وغير ذلك وقالت الفرقة الثانية معاصيهم صغائر ليست بكبائر
واختلفت المرجئة في الموازنة على مقالتين
فقال قائلون منهم الايمان يحبط عقاب الفسق لأنه اوزن منه وان الله لا يعذب موحدا وهذا قول مقاتل بن سليمان
وقال قائلون منهم بتجويز عذاب الموحدين وان الله يوازن حسناتهم بسيئاتهم فان رجحت حسناتهم ادخلهم الجنة وان رجحت سيئاتهم كان له ان يعذبهم وله ان يتفضل عليهم وان لم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولا رجحت سيئاتهم على حسناتهم تفضل عليهم بالجنة وهذا قول ابى معاذ
واختلفت المرجئة في اكفار المتأولين على ثلثة اقاويل
فقالت الفرقة الاولى منهم لا نكفر احدا من المتأولين الا من اجمعت الامة اكفاره اكفاره (1/151)
وقالت الفرقة الثانية منهم اصحاب ابى شمر انهم يكفرون من رد قولهم في القدر والتوحيد ويكفرون الشاك في الشاك
وقالت الفرقة الثالثة منهم الكفر هو الجهل بالله فقط ولا يكفر بالله الا الجاهل به وهذا قول جهم بن صفوان
واختلفت المرجئة في عفو الله عن عبد الله ما بينه وبين العباد من المظالم على مقالتين
فقالت الفرقة الاولى منهم كا كان من مظالم العباد فانما العفو من الله عنهم في القيامة اذا جمع الله بينه وبين خصمه ان يعوض المظلوم بعوض فيهب لظالمه الجرم فيغفر له
وقالت الفرقة الثانية منهم ان العفو عن جميع المذنبين في الدنيا جائز في العقول ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين العباد واختلفت المرجئة في التوحيد فقال قائلون منهم في التوحيد بقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة اذا انتهينا الى شرح اقاويلهم وقال قائلون منهم بالتشبيه فهم ثلاث فرق
فقالت الفرقة الاولى منهم وهم اصحاب مقاتل بن سليمان (1/152)
ان الله جسم وان له جمة وانه على صورة الانسان لحم ودم شعر وعظم له جوارح واعضاء من يد ورجل ورأس وعينين مصمت وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه
وقالت الفرقة الثانية منهم اصحاب الجواربى مثل ذلك غير انه قال اجوف من فيه الى صدره ومصمت ما سوى ذلك
وقالت الفرقة الثالثة منهم هو جسم لا كالاجسام
واختلفت المرجئة في الرؤية على مقالتين
فمنهم من مال في ذلك الى قول المعتزلة ونفى ان يرى البا رىء بالابصار وقالت الفرقة الثانية منهم ان الله يرى بالابصار في الآخرة
واختلفت المرجئة في القرآن هل هو مخلوق ام لا على ثلاث مقالات
فقال قائلون منهم انه مخلوق وقال قائلون منهم انه غير مخلوق
وقال قائلون منهم بالوقف وانا نقول كلام الله سبحانه لا نقول انه مخلوق ولا غير مخلوق (1/153)
واختلفت المرجئة هل للبارىء ماهية ام لا على مقالتين
فقال قائلون لله ماهية لا ندركها في الدنيا وانه يخلق لنا في الآخرة حاسة سادسة فندركه بها ماهيته وقال قائلون منهم بانكار ذلك ونفيه
واختلفت المرجئة في القدر
فمنهم من مال الى قول المعتزلة في القدر وسنشرح اقاويلهم في ذلك وقال قائلون بالاثبات للقدر وسنشرح ذلك اذا انتهينا الى شرح قول الحسين بن محمد بن النجار في القدر
واختلفت المرجئة في اسماء الله وصفاته
فمنهم من مال الى قول المعتزلة في ذلك ومنهم من قال بقول عبد الله بن كلاب وسنشرح قول عبد الله بن كلاب اذا انتهينا اليه وسنشرح اقاويل المرجئة في لطيف الكلام اذا انتهينا الى وصف الاختلاف في لطيف الكلام وغامضه ان شاء الله
ثم اختلاف المرجئة (1/154)
شرح قول المعتزلة في التوحيد وغيره
اجمعت المعتزلة على ان الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذى لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذى حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماعة ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذى ابعاض واجزاء وجوارح واعضاء وليس بذى جهات ولا بدى يمين وشمال وامام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجرى عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الاماكن ولا يوصف بشىء من صفات الخلق الدالة على حدثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الاقدار ولا تحجبه الاستار (1/155)
ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجرى عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل اولا سابقا متقدما للمحدثات موجودا قبل المخلوقات ولم يزل عالما قادرا حيا ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الابصار ولا تحيط به الاوهام ولا يسمع بالاسماع شيء لا كالاشياء عالم قادر حى لا كالعلماء القادرين الاحياء وانه القديم وحده لا قديم غيره ولا اله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على انشاء ما انشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شىء اخر ولا بأصعب عليه منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضر ولا يناله السرور واللذات ولا يصل اليه الاذى والآلام ليس بذى غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والابناء
فهذه جملة قولهم في التوحيد وقد شركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الشيع وان كانوا للجملة التى يظهرونها ناقضين ولها تاركين (1/156)
القول في المكان
اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون البارىء بكل مكان بمعنى انه مدبر لكل مكان وان تدبيره في كل مكان والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة ابو الهذيل و الجعفران والاسكافى ومحمد بن عبد الوهاب الجبائى
وقال قائلون البارىء لا في مكان بل هو على مالم يزل عليه وهو قول هشام الفوطى وعباد بن سليمان وابى زفر وغيرهم من المعتزلة وقالت المعتزلة في قول الله عز و جل الرحمن على العرش استوى يعنى استولى
القول في رؤية الله عز و جل
اجمعت المعتزلة على ان الله سبحانه لا يرى بالابصار واختلفت هل يرى بالقلوب فقال ابو الهذيل واكثر المعتزلة نرى الله بقلوبنا بمعنى انا نعلمه بقلوبنا وانكر هشام الفوطى وعباد بن سليمان ذلك القول في ان الله عز و جل عالم قادر
اختلفت الناس في ذلك فانكر كثير من الروافض وغيرهم ان يكون البارىء لم يزل عالما قادرا واجمعت المعتزلة على ان الله لم يزل عالما قادرا حيا (1/157)
واختلفت المعتزلة في البارىء عز و جل هل يقال انه لم يزل عالما بالاجسام وهل المعلومات معلومات قبل كونها وهل الاشياء اشياء لم تزل ان تكون على سبع مقالات
فقال هشام بن عمرو الفوطى لم يزل الله عالما قادرا وكان اذا قيل له لم يزل الله عالما بالاشياء قال لا اقول لم يزل عالما بالاشياء واقول لم يزل عالما انه واحد لا ثانى له فاذا قلت لم يزال عالما بالاشياء ثبتها لم تزل مع الله عز و جل واذا قيل له افتقول ان الله لم يزل عالما بان ستكون الاشياء قال اذا قلت بان ستكون فهذه اشارة اليها ولا يجوز ان اشير إلا الى موجود وكان لا يسمى مالم يخلقه الله ولم يكن شيئا ويسمى ما خلقه الله واعدمه شيئا وهو معدوم
وكان ابو الحسين الصالحي يقول ان الله لم يزل عالما بالاشياء في اوقاتها ولم يزل عالما انها ستكون في اوقاتها ولم يزل عالما بالاجسام في اوقاتها وبالمخلوقات في اوقاتها ويقول لا معلوم الا موجود ولا يسمى المعدومات معلومات ولا يسمى مالم يكن مقدورا ولا يسمى الاشياء اشياء الا اذا وجدت ولا يسميها اشياء اذا عدمت
وقال عباد بن سليمان لم يزل الله عالما بالمعلومات ولم يزل عالما (1/158)
بالاشياء ولم يزل عالما بالجواهر والاعراض ولم يزل عالما بالافعال ولم يزل عالما بالخلق ولم يقل انه لم يزل عالما بالاجسام ولم يقل انه لم يزل عالما بالمفعولات ولم يقل انه لم يزل عالما بالمخلوقات وقال في اجناس الاعراض كالالوان والحركات والطعوم انه لم يزل عالما بالوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر اجناس الاعراض وكان يقول المعلومات معلومات لله قبل كونها وان المقدورات مقدورات قبل كونها وان الاشياء اشياء قبل ان تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل ان تكون وكذلك الاعراض اعراض قبل ان تكون والافعال افعال قبل ان تكون ويحيل ان تكون الاجسام جساما قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل ان تكون والمفعولات مفعولات قبل ان تكون وفعل الشىء عنده وغيره وكذلك خلقه غيره وكان اذا قيل له أتقول هذا الشىء الموجود هو الذي لم يكن موجودا قال لا اقول ذلك واذا قيل له أتقول انه غيره قال لا اقول ذلك وقال قائلون منهم ابن الراوندى ان الله سبحانه لم يزل عالما بالاشياء على معنى انه لم يزل عالما ان ستكون اشياء وكذلك القول عنده في الاجسام والجواهر المخلوقات ان الله لم يزل عالما بان ستكون الاجسام والجواهر المخلوقات وكان يقول ان المعلومات (1/159)
معلومات لله قبل كونها و ان إثباتها معلومات لله قبل كونها رجوع الى ان الله يعلمها قبل كونها و ان إثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه رجوع الى علم زيد به قبل كونه وان المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما حكينا عنه انه قاله في المعلومات وكذلك كل ما تعلق بغيره كالمأمور به انما هو مأمور به لوجود الامر والمنهى عنه لوجود النهى كان منهيا عنه وكذلك المراد لوجود ارادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك الى اثبات الارادة قبل كونه وكذلك القول في المأمور والمنهى وسائر ما يتعلق بغيره وكان يزعم ان الاشياء انما هي اشياء اذا وجدت ومعنى انها اشياء انها موجودات وكذلك كل اسم لاشياء لا تتعلق بغيرها وهو رجوع اليها وخبر عنها فلا يجوز ان تسمى به قبل وجودها ولا في حال عدمها
وقال قائلون من البغداديين نقول ان المعلومات معلومات قبل كونها وكذلك المقدورات مقدورات قبل كونها وكذلك الاشياء اشياء قبل كونها ومنعوا ان يقال اعراض
وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى اقول ان الله سبحانه لم يزل (1/160)
عالما بالاشياء والجواهر والاعراض وكان يقول ان الاشياء تعلم اشياء قبل كونها وتسمى اشياء قبل كونها وان الجواهر تسمى جواهر قبل كونها وكذلك الحركات والسكون والالوان والطعوم والارابيح والارادات وكان يقول ان الطاعة تسمى طاعة قبل كونها وكذلك المعصية تسمى معصية قبل كونها وكان يقسم الاسماء على وجوه فما سمى به الشيء لنفسه فواجب ان يسمى به قبل كونه كالقول سواد انما سمى سوادا لنسفه وكذلك البياض وكذلك الجوهر انما سمى جوهرا لنفسه وما سمى به الشىء لأنه يمكن ان يذكر ويخبر عنه فهو مسمى بذلك قبل كونه كالقول شىء فان اهل اللغة سموا بالقول شىء كل ما امكنهم ان يذكروه ويخبروا عنه وما سمى به الشىء للتفرقة بينه وبين اجناس اخر كالقول لون وما اشبه ذلك فهو مسمى بذلك قبل كونه وما سمى به الشىء لعلة فوجدت العلة قبل وجوده فواجب ان يسمى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به انما قيل مأمور به لوجود الامر به فواجب ان يسمى مأمورا به في حال وجود الامر وان كان غير موجود في حال وجود الامر (1/161)
وكذلك ما سمى به الشىء لوجود علة يجوز وجودها قبله وما سمى به الشىء لحدوثه ولانه فعل فلا يجوز ان يسمى بذلك قبل ان يحدث كالقول مفعول ومحدث وما سمى به الشىء لوجود علة فيه فلا يجوز ان يسمى به قبل وجود العلة فيه كالقول جسم وكالقول متحرك وما اشبه ذلك وكان ينكر قول من قال الاشياء اشياء قبل كونها ويقول هذه عبارة فاسدة لأن كونها هو وجودها ليس غيرها فاذا قال القائل الاشياء اشياء قبل كونها فكأنه قال اشياء قبل انفسها وقال قائلون لم يزل الله يعلم عوالم واجساما لم يخلقها وكذلك لم يزل يعلم اشياء وجواهر واعراضا لم تكن ولا تكون ولا نقول لم يزل يعلم مؤمنين وكافرين وفاعلين ولكن نقول ان كل شىء يقدر الله ان يبتدئه بصفة من الصفات فهو يعلمه بتلك الصفة اذا كانت تلك الصفة مقدورة له اذ كان لم يزل مقدورا له قالوا ويستحيل ان يقال للانسان مؤمن في حال كونه او كافرا فلما استحال ان يوصف به في حال كونه فمستحيل ان يوصف به قبل كونه ولما كان الله سبحانه قد يبتدئه جسما طويلا قيل جسم طويل مقدور وهذا قول الشحام وقد ناقض هؤلاء لان الجسم في حال كونه موجود مخلوق وهم لا يقولون انه موجود مخلوق قبل كونه (1/162)
وقال قائلون لم يزل الله يعلم اجساما لم تكن ولا تكون ويعلم مؤمنين لم يكونوا وكافرين لم يخلقوا ومتحركين وساكنين مؤمنين وكافرين ومتحركين وساكنين في الصفات قبل ان يخلقوا وقاسوا قولهم حتى قالوا معلومون معذبون بين اطباق النيران في الصفات وان المؤمنين مثابون ممدوحون منعمون في الجنان في الصفات لا في الوجود اذ كان الله قادرا ان يخلق من يطيعه فيثيبه ومن يعصيه فيعاقبه مقدور معلوم وبلغنى عن انيب بن سهل الخراز انه كان يقول مخلوق في الصفات قبل الوجود ويقول موجود في الصفات
واختلفوا في معلومات الله عز و جل ومقدوراته هل لها كل او لا كل لها على مقالتين
فقال ابو الهذيل ان لمعلومات الله كلا وجميعا ولما يقدر الله عليه كل وجميع وان اهل الجنة تتقطع حركاتهم يسكنون سكونا دائما
وقال اكثر اهل الاسلام ليس لمعلومات الله ولا لما يقدر عليه كل ولا غاية (1/163)
واختلفوا ايضا لافعال الله سبحانه آخر ام لا آخر لها على مقالتين
فقال جهم بن صفوان لمقدورات الله تعالى ومعلوماته غاية ونهاية ولافعاله آخر وان الجنة والنار تفنيان ويفنى اهلهما حتى يكون الله سبحانه آخرا لا شىء معه كما كان اولا لا شىء معه
وقال اهل الاسلام جميعا ليس للجنة والنار آخر وانهما لا تزالان باقيتين وكذلك اهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون واهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر ولا لمعلوماته ومقدوراته غاية ولا نهاية
واختلف الذين قالوا لم يزل الله عالما قادرا حيا من المعتزلة فيه اهو عالم قادر حى بنفسه ام بعلم وقدرة وحياة وما معنى القول عالم قادر حى
فقال اكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية ان الله عالم قادر حى بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة واطلقوا ان لله علما بمعنى انه عالم وله قدرة بمعنى انه قادر ولم يطلقوا ذلك (1/164)
على الحياة ولم يقولوا له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وانما قالوا قوة وعلم لأن الله سبحانه اطلق ذلك
ومنهم من قال له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك
وقال ابو الهذيل هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هى هو وهو حى بحياة هى هو وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزته وعظمته وجلاله وكبريائه وفى سائر صفاته لذاته وكان يقول اذا قلت ان الله عالم ثبت له علما هو الله ونفيت عن الله جهلا ودللت على معلوم كان او يكون واذا قلت قادر نفيت عن الله عجزا واثبت له قدرة هى الله سبحانه ودللت على مقدور واذا قلت لله حياة اثبت له حياة وهى الله ونفيت عن الله موتا وكان يقول لله وجه هو هو فوجهه هو هو ونفسه هى هو ويتأول ما ذكره الله سبحانه من اليد انها نعمة ويتأول قول الله عز و جل ولتصنع على عينى اي بعلمى وقال عباد هو عالم قادر حى ولا اثبت له علما ولا قدرة ولا (1/165)
حياة ولا اثبت سمعا ولا اثبت بصرا واقول هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حى لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمى به من الاسماء التى يسمى بها لا لفعله ولا لفعل غيره
وكان ينكر قول من قال انه عالم قادر حى لنفسه او لذاته وينكر ذكر النفس وذكر الذات وينكر ان يقال ان لله علما او قدرة او سمعا او بصرا او حياة او قدما وكان يقول قولى عالم اثبات اسم لله ومعه علم بمعلوم وقولى قادر اثبات اسم الله ومعه علم بمقدور وقولى حى اثبات اسم لله وكان ينكر ان يقال ان للبارىء وجها ويدين وعينين وجنبا وكان يقول اقرأ القرآن وما قال الله من ذلك فيه ولا اطلق ذلك بغير قراءة وينكر ان يكون معنى القول في البارىء انه عالم معنى القول فيه انه قادر وان يكون معنى القول فيه انه قادر معنى القول فيه انه حى وكذلك صفات الله التى يوصف بها لا لفعله كالقول سميع ليس معناه انه بصير ولا معناه عالم
وقال ضرار معنى ان الله عالم انه ليس بجاهل ومعنى انه قادر انه ليس بعاجز ومعنى انه حى انه ليس بميت
وقال النظام معنى قولى عالم اثبات ذاته ونفى الجهل عنه ومعنى (1/166)
قولى قادر اثبات ذاته ونفى العجز عنه ومعنى قولى حى اثبات ذاته ونفى الموت عنه وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب وكان يقول ان الصفات للذات انما اختلفت لاختلاف ما ينفى عنه من العجز والموت وسائر المتضادات من العمى والصمم وغير ذلك لا لاختلاف ذلك في نفسه وقال غيره من المعتزلة انما اختلفت الاسماء والصفات لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف فيه وكان يقول ذكر الله سبحانه الوجه على التوسع لا لأن له وجها في الحقيقة وانما معنى ويبقى وجه ربك ويبقى ربك ومعنى اليد النعمة
وقال آخرون من المعتزلة انما اختلفت الاسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها وذلك انا اذا قلنا ان الله عالم افدناك علما به وبانه خلاف ما لا يجوز ان يعلم وافدناك اكذاب من زعم انه جاهل ودللنا على ان له معلومات هذا معنى قولنا ان الله عالم فاذا قلنا ان الله قادر افدناك علما بأنه خلاف مالا يجوز ان يقدر واكذاب من زعم انه عاجز ودللناك على ان له مقدورات واذا قلنا انه حى افدناك (1/167)
علما بأنه بخلاف ما لا يجوز ان يكون حيا واكذبنا من زعم انه ميت وهذا معنى القول انه حى وهذا قول الجبائى قاله لى
وقال ابو الحسين الصالحى معنى قولى ان الله عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين حى لا كالاحياء انه شىء لا كالاشياء وكذلك كان قوله في سائر صفات النفس وكان اذا قيل له افتقول ان معنى انه عالم لا كالعلماء معنى انه قادر لا كالقادرين قال نعم ومعنى ذلك انه شىء لا كالاشياء وكذلك قوله في سائر صفات النفس وكان يقول ان معنى شىء لا كالاشياء معنى عالم لا كالعلماء
وحكى عن معمر انه كان يقول ان البارىء عالم بعلم وان علمه كان علما له لمعنى والمعنى كان لمعنى لا الى غاية وكذلك كان قوله في سائر الصفات اخبرني بذلك ابو عمر الفراتي عن محمد بن عيسى السيرافى ان معمرا كان يقوله
وقال قائلون من البغداذيين ليس معنى ان البارىء عالم معنى قادر ولا معنى حى ولكن معنى ان البارىء حى معنى انه قادر ومعنى انه سميع معنى انه عالم بالمسموعات ومعنى انه بصير معنى انه عالم بالبصريات وليس معنى قديم عند هؤلاء معنى حى ولا معنى عالم قادر وكذلك ليس معنى القول في البارىء انه قديم معنى انه عالم ولا معنى انه حى قادر (1/168)
شرح قول عبد الله بن كلاب في الاسماء والصفات
قال عبد الله بن كلاب لم يزل الله عالما قادرا حيا سميعا بصيرا عزيزا عظيما جليلا متكبرا جبارا كريما جوادا واحدا صمدا فردا باقيا اولا ربا الها مريدا كارها راضيا عمن يعلم انه يموت مؤمنا وان كان اكثر عمره كافرا ساخطا على من يعلم انه يموت كافرا وان كان اكثر عمره مؤمنا محبا مبغضا مواليا معاديا قائلا متكلما رحمانا بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وعزة وعظمة وجلال وكبرياء وجود وكرم وبقاء وارادة وكراهة ورضى وسخط وحب وبغض وموالاة ومعاداة وقول وكلام ورحمة وانه قديم لم يزل باسمائه وصفاته وكان يقول معنى ان الله عالم ان له علما ومعنى انه قادر ان له قدرة ومعنى انه حي ان له حياة وكذلك القول في سائر اسمائه وصفاته وكان يقول ان اسماء الله وصفاته لذاته لا هي الله ولا هي غيره وانها قائمة بالله ولا يجوز ان تقوم بالصفات صفات وكان يقول ان وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعينه وبصره صفات له لا هي هو ولا غيره وان ذاته هي هو (1/169)
ونفسه هي هو وانه موجود لا بوجود وشىء لا بمعنى له كان شيئا وكان يزعم ان صفات البارىء لا تتغاير وان العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الاخرى ولا غيرها
واختلفت اصحاب عبد الله بن كلاب في القول بان الله قديم بقدم ام لا بقدم على مقالتين
فمنهم من زعم ان الله قديم لا بقدم ومنهم من زعم انه قديم بقدم
واختلفوا هل يطلق في الصفات انها لا هى الموصوف ولا غيره ام لا يطلق ذلك
فقال قائلون ليست الصفات هي المصوف ولا غيره
وقال قائلون لا يقال للصفات هي الموصوف ولا يقال هي غيره وامتنعوا من ان يقولوا ان الصفات لا هي الموصوف ولا هي غيره
واختلف من يثبت الصفات ولم يقل هي البارىء ولم يقل هي غيره هل الصفات تتغاير وهل كل صفة منها هي غير الصفة الاخرى ام ليست غيرها على ثلث مقالات
فقال بعضهم الصفات تتغاير وهى اخبار وليس هي مع ذلك (1/170)
غير البارىء وقال قائلون كل صفة لا هى البارىء ولا هى غيره وقال قائلون كل صفة لا يقال هى الاخرى ولا يقال هى غيرها ولم يقولوا لا هى الاخرى ولا غيرها
واختلف المثبتون لعلم البارىء سبحانه ووجهه أهو هو ام ليس هو على مقالتين
فقال سليمان بن جرير وجه الله هو الله وعلمه ليس هو وقال بعضهم وجه الله صفة لا يقال هي هو ولا يقال غيره وامتنعوا ان يقولوا لا هى هو ولا غيره
واختلفوا في صفات البارىء سبحانه هل يقال انها اشياء او لا يقال انها اشياء على ثلث مقالات
فقال سليمان بن جرير علم البارىء شىء وقدرته شىء وحياته شىء ولا اقول صفاته اشياء وقال بعض اصحاب الصفات صفات البارىء اشياء وقال بعضهم لا اقول العلم شىء ولا اقول الصفات اشياء لأنى اذا قلت البارىء شىء بصفاته استغنيت عن او اقول صفاته اشياء
واختلف اصحاب الصفات في صفات البارىء هل هي قديمة او محدثة على مقالتين (1/171)
فقال قائلون ان صفات البارىء قديمة وقال قائلون اذا قلنا ان البارىء قديم بصفاته استغنينا عن ان نقول ان الصفات قديمة وقالوا لا يقال ان الصفات قديمة ولا يقال انها محدثة
واختلفوا في اسم البارىء جل وعز هل هو البارىء ام غيره على اربع مقالات
فقال قائلون اسماؤه هى هو والى هذا القول يذهب اكثر اصحاب الحديث وقال قائلون من اصحاب ابن كلاب ان اسماء البارىء لا هي البارىء ولا غيره وقال قائلون من اصحابه اسماء البارىء لا يقال هى البارىء ولا يقال هى غيره وامتنعوا من ان يقولوا لا هي البارىء ولا غيره وقال قائلون اسماء الباريء هي غيره وكذلك صفاته وهذا قول المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية
واختلف الذين لم يقولوا الاسماء والصفات هي البارىء في الاسماء والصفات ما هى على مقالتين
فقالت المعتزلة والخوارج الاسماء والصفات هي الاقوال وهي قولنا الله عالم الله قادر وما اشبه ذلك (1/172)
وقال عبد الله بن كلاب اسماء الله هى صفاته وهى العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وسائر صفاته
واختلف الناس في القول ان الله لم يزل سميعا بصيرا على اربع مقالات
فحكى جعفر بن حرب عن ابى الهذيل انه قال لا اقول ان الله لم يزل سميعا بصيرا لا على ان يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضى وجود المسموع والمبصر واظن الحاكى هذا عن ابى الهذيل كان غالطا
وقال عباد بن سليمان لا اقول ان البارىء لم يزل سميعا بصيرا لأن ذلك يقتضى وجود المسموع والمبصر لأن قولى ان الله سميع اثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول بصير اثبات اسم لله ومعه علم بمبصر وكان يقول السميع لم يزل وسميع لم يزل قال ولا اقول لم يزل السميع ولا اقول لم يزل سميعا
وقال النظام واكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية وعبد الله بن كلاب واصحابه ان الله لم يزل سميعا بصيرا ومن ثبت من المعتزلة علم البارىء هو البارىء وان معنى قولى (1/173)
عالم اثبات علم هو الله وانفى عن الله جهلا فكذلك يقول في سمعه وبصره وان معنى قولى سميع انى اثبت سمعا هو الله وانفى عن الله الصمم وان معنى قولى بصير انى اثبت بصرا هو الله وانفى عن الله العمى
ومن قال ان البارىء عالم بنفسه فكذلك يقول سميع بصير لا بسمع وبصر
ومن قال ان القول عالم اثبات اسم الله ومعه علم بمعلوم فذلك يقول قولى سميع اثبات اسم الله ومعه علم بمسموع وقولى بصير اثبات اسم لله ومعه علم بمبصر
ومن قال معنى عالم اثبات ذات البارىء ونفى الجهل عنها فكذلك يقول معنى سميع بصير اثبات ذات البارىء ونفى الصمم والعمى عنها
ومن قال معنى عالم انه ليس بجاهل فكذلك يقول معنى سميع بصير انه ليس اصم ولا اعمى
ومن قال اختلف القول عالم قادر لاختلاف ما نفينا عن الله (1/174)
من الجهل والعجز فكذلك يقول اختلف القول سميع بصير لاختلاف ما نفينا عن الله من الصمم والعمى
ومن قال اختلف القول عالم قادر لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف القول به فكذلك يقول اختلف القول سميع بصير لاختلاف المسموع والمبصر او لاختلاف الفوائد التي تقع عند قولناسميع بصير
واختلف الذين قالوا ان الله لم يزل سميعا بصيرا هل يقال لم يزل سامعا مبصرا ام لا يقال ذلك على مقالتين
فقال الاسكافى والبغداذيون من المعتزلة ان الله لم يزل سميعا بصيرا سامعا مبصرا يسمع الاصوات والكلام ومعنى ذلك انه يعلم الاصوات والكلام وان ذلك لا يخفى عليه لأن معنى سميع وبصير عنده وعند من وافقه انه لا تخفى عليه المسموعات والمبصرات
وقال الجبائى لم يزل الله سميعا بصيرا وامتنع من ان يكون لم يزل سامعا مبصرا ومن ان يكون لم يزل يسمع لأن سامعا مبصرا (1/175)
يعدى الى مسموع ومبصر فلما لم يجز ان تكون المسموعات والمبصرات لم تزل موجودات لم يجز ان يكون لم يزل سامعا مبصرا وسميع بصير لا يعدى زعم الى مسموع ومبصر لأنه يقال للنائم سميع بصير وان لم يكن بحضرته ما يسمعه ويبصره ولا يقال للنائم انه سامع مبصر
وكان يقول معنى قولى ان الله سميع اثبات لله وانه بخلاف مالا يجوز ان يسمع ودلالة على ان المسموعات اذا كانت سمعها واكذاب لمن زعم انه اصم وكان يقول القول في الله انه بصير على وجهين يقال بصير بمعنى عليم كما يقال رجل بصير بصناعته اى عالم بها وبصير بمعنى انا نثبت ذاته ونوجب انه بخلاف مالا يجوز ان يبصر وندل على ان المبصرات اذا كانت ابصرها ونكذب من زعم انه اعمى
واختلف الناس في معنى القول في الله سبحانه انه حى هل هو معنى انه قادر ام لا على مقالتين
فقالت المعتزلة من البصريين واكثر الناس ليس معنى القول ان الله حى معنى القول انه قادر (1/176)
وقالت طوائف من معتزلة البغداذيين منهم الاسكافى وغيره معنى القول فيه انه حى انه قادر
واختلف الذين قالوا لم يزل الله غنيا عزيزا عظيما جليلا كبيرا سيدا مالكا قاهرا عاليا في القول ان الله غنى عزيز عظيم جليل كبير سيد مالك رب قاهر عال هل قيل ذلك لعزة وعظمة وجلال وكبرياء
وسودد وملك وربوبية وقهر وعلو ام لم يقل ذلك على خمس مقالات
فقالت المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية ان الله غنى عزيز عظيم جليل كبير سيد جبار مبصر رب مالك قاهر عال لا لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وسودد وربوبية وقهر وكذلك قالوا في القول انه واحد فرد موجود باق رفيع انه لم يوصف بذلك لالهية وبقاء ووحدانية ووجود وكذلك سائر الصفات التى ليست صفاته ولم يوصف بها لمعان
واما ابو الهذيل من المعتزلة فانه اثبت العزة والعظمة والجلال والكبرياء وكذلك في سائر الصفات التى يوصف بها لنفسه وقال هى البارىء كما قال في العلم والقدرة فإذا قيل له العلم هو القدرة قال خطأ ان يقال هو القدرة وخطأ أن يقال هو غير القدرة وهذا نحو ما انكر من قول عبد الله بن كلاب (1/177)
واما النظام فانه رجع من اثباته ان البارىء عزيز الى اثبات ذاته ونفى الذلة عنه وكذلك قوله فى سائر ما يوصف به البارىء لذاته على هذا الترتيب
واما عباد فكان اذا سئل عن القول عزيز قال اثبات اسم لله ولم يقل اكثر من هذا وكذلك جوابه في عظيم مالك سيد
وقال ابن كلاب ما حكيناه عنه قبل هذا الموضع واختلف عنه في الالهية فمن اصحابه من يثبت الالهية معنى ومنهم من لا يثبتها معنى واختلفوا في القول ان الله كريم هل هو من صفاته لنفسه ام لا على اربع مقالات
فقال عيى الصوفى في الوصف لله بأنه كريم انه من صفات الفعل والكرم هو الجود وكان اذا قيل له أفتقول انه لم يزل غير كريم امتنع من ذلك وكذلك كان يقول في الاحسان انه من صفات الفعل ويمتنع من القول انه لم يزل غير محسن وكذلك جوابه في العدل والحلم
وقال الاسكافى الوصف لله بأنه كريم يحتمل وجهين احدهما صفة فعل اذا كان الكرم بمعنى الجود والاخر صفة نفس اذا اريد به الرفيع العالى على الاشياء لنفسه (1/178)
وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى الوصف لله بأنه كريم على وجهين فالوصف له بأنه كريم بمعنى عزيز من صفات الله لنفسه والوصف له بأنه كريم بمعنى انه جواد معط من صفات الفعل
وقال ابن كلاب الوصف لله بأنه كريم ليس من صفات الفعل واختلفوا في صفات الفعل عندهم من الاحسان والعدل وما اشبه ذلك هل يقال لم يزل الله غير محسن اذ كان للاحسان فاعلا غير عادل اذ كان للعدل فاعلا على مقالتين
فمنهم من كان اذا قيل له اذا قلت ان الاحسان فعل وقلت ان العدل فعل فقل ان الله لم يزل غير محسن ولا عادل قال نقول انه لم يزل غير محسن ولا مسىء وغير عادل ولا جائر حتى يزول الايهام ولم يزل غير صادق ولا كاذب وهذا قول الجبائى
وكان عباد اذا قيل له أتقول ان الله لم يزل محسنا عادلا قال لا اقول ذلك فان قيل له فلم يزل غير محسن ولا عادل قال لا اقول ذلك وكذلك اذا قيل له يزل خالقا انكر ذلك واذا قيل له لم يزل غير خالق انكر ذلك
وجميع المعتزلة لا ينكر ان يكون الله لم يزل غير خالق ولا رازق (1/179)
ولا فاعل وكذلك كل ما ليس في نعته ايهام من صفات الفعل لا يمتنعون منه كالقول محى مميت باعث وارث وما اشبه ذلك
واختلف المتكلمون في معنى القول في الله انه قديم
فقال بعضهم معنى القول ان الله قديم انه لم يزل كائنا لا الى اول وانه المتقدم لجميع المحدثات لا الى غاية
وقال عباد بن سليمان معنى قولنا في الله انه قديم انه لم يزل ومعنى لم يزل هو انه قديم وانكر عباد القول بأن الله كائن متقدم للمحدثات وقال لا يجوز ان يقال ذلك
وقال بعض البغداذيين معنى قديم انه اله
وقال عبد الله بن كلاب معنى قديم ان له قدما
وقال ابو الهذيل معنى ان الله قديم اثبات قدم لله هو الله
وحكى عن معمر انه قال لا اقول ان البارىء قديم الا اذا حدث المحدث
وحكى عن بعض المتقدمين انه قال لا اقول ان البارىء قديم على وجه من الوجوه (1/180)
واختلف المتكلمون هل يسمى البارىء شيئا ام لا على مقالتين فقال جهم وبعض الزيدية ان لبارىء لا يقال انه شىء لأن الشىء هو المخلوق الذي له مثل وقال المسلمون كلهم ان البارىء شىء لا كالاشياء
واختلفت المعتزلة في القول ان الله غير الاشياء على اربع مقالات
فقال قائلون ان البارىء غير الاشياء وزعموا ان معنى القول في الله انه شىء انه غير الاشياء بنفسه ولا يقال انه غيرها لغيرية والقائل بهذا القول عباد بن سلمان
وقال قائلون البارىء غير الاشياء والاشياء غيره فهو غير الاشياء لنفسه وانفسها والقائل بهذا القول الجبائى
وقال قائلون ان البارىء غير الاشياء لغيرية لا لنفسه وزعم صاحب هذا القول ان الغيرية صفة للبارىء لا هى البارىء ولا هي غيره والقائل بهذا القول هو الحلقانى وكان يزعم ان الجواهر تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فلا تتغاير وان الاعراض لا تتغاير (1/181)
وكان يقول في صفات الانسان انها ليست هي الانسان ولا هي غيره كما يقول ذلك في صفات البارىء
وقال قائلون قولنا البارىء غير الاشياء انما معناه انه ليس هو الاشياء
واختلفوا في معنى القول ان الله جواد وهل الوصف له بذلك من صفات النفس او من صفات الفعل على ثلث مقالات
فقال قائلون وهم المعتزلة وطوائف من غيرهم ان الوصف لله بالجود من صفات الفعل وان الله فاعل لجوده وقد كان غير فاعل له
وقال الحسين بن محمد النجار الله تعالى لم يزل جوادا بنفى البخل عنه ولم يثبت لله جودا كان به جوادا
وقال عبد الله بن كلاب لم يزل الله جوادا واثبت الجود صفة لله لا هى هو ولا هي غيره
واختلف المتكلمون ان يكون علم الله على شرط على مقالتين فقال كثير من المتكلمين من معتزلة البصريين والبغداذيين الا هشاما وعبادا ان الله يعلم انه يعذب الكافر ان لم يتب من كفره (1/182)
وانه لا يعذبه ان تاب من كفره ومات تائبا غير متجانف لإثم
وقال هشام الفوطى وعباد لا يجوز ذلك لما فيه من الشرط والله عز و جل لا يجوز ان يوصف بأنه يعلم على شرط ويخبر على شرط وجوز مخالفوهم ان يوصف الله بأنه يخبر على شرط والشرط في المخبر عنه ويعلم على شرط والشرط في المعلوم
واختلفوا في القول ان الله عالم حى قادر سميع بصير وهل يقال ذلك في الله على الحقيقة ام لا وهل يقال ذلك في الانسان في الحقيقة ام لا على ست مقالات
فقال اكثر المعتزلة ان الله عالم قادر سميع بصير في الحقيقة ولم يمتنعوا ان يقولوا انه موصوف بهذه الصفات في حقيقة القياس
وقال عباد لا اقول ان الله عالم في حقيقة القياس لأنى لو قلت انه عالم في حقيقة القياس لكان لا عالم الا هو وكذلك قوله في قادر حى سميع بصير وكان يقول القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن القياس ينعكس لأن القديم لم يزل ومن لم يزل فقديم فلو كان البارىء عالما في حقيقة القياس لكان لا عالم الا هو
وحكى عن بعض الفلاسفة انه لا يشرك بين البارىء وغيره (1/183)
في هذه الاسماء ولا يسمى البارىء عالما ولا يسميه قادرا ولا حيا ولا سميعا ولا بصيرا ويقول انه لم يزل
وقال بعض اهل زماننا وهو رجل يعرف بابن الايادى ان البارىء عالم قادر حى سميع بصير في المجاز والانسان عالم قادر حى سميع بصير في الحقيقة وكذلك في سائر الصفات
وقال الناشى البارىء عالم قادر حى سميع بصير قديم عزيز عظيم جليل كبير فاعل في الحقيقة والانسان عالم قادر حى سميع بصير فاعل في المجاز وكان يقول ان البارىء شىء موجود في الحقيقة والانسان شىء موجود في المجاز وكان يزعم ان البارىء غير الاشياء والاشياء غيره في الحقيقة ويزعم ان النبى صادق في الحقيقة فاعل في المجاز وكان يقول ان الاسم اذا وقع على المسميين فلا يخلو ان يكون وقع عليهما لاشتباههما كقولنا جوهر وجوهر وماء وماء او لاشتباه ما احتملته ذاتاهما من المعنى كقولنا متحرك ومتحرك واسود واسود او لمضاف اضيفا اليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك نحو محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث او لأنه في احدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وكتسميتنا للانسان (1/184)
بهذا الاسم فاذا قلنا ان البارىء عالم قادر سميع بصير فلا يجوز ان تكون وقعت هذه الاسماء عليه لمشابهته لغيره ولا يجوز ان تكون وقعت عليه لمعان قامت بذاته ولا يجوز ان تكون وقعت عليه لمضاف اضيف البارىء اليه لأنه لم يزل عالما قادرا حيا سميعا بصيرا قبل كون الاشياء فلم يبق الا ان الاسماء وقعت عليه وهى فيه بالحقيقة وفى الانسان بالمجاز وكان لا يستدل بالافعال الحكمية على ان البارىء عالم قادر حى سميع بصير لأن الانسان قد تظهر منه الافعال الحكمية وليس بعالم قادر حى سميع بصير في الحقيقة
وقال اكثر اهل الكلام ان البارىء عالم قادر حى سميع بصير في الحقيقة والانسان ايضا يسمى بهذه الاسماء في الحقيقة
القول في البارىء انه متكلم
اختلفت المعتزلة في ذلك فمنهم من اثبت البارىء متكلما ومنهم من امتنع ان يثبت البارىء متكلما وقال لو ثبته متكلما لثبته متفعلا والقائل بهذا الاسكافى وعباد بن سليمان
وانكرت المعتزلة بأسرها ان يكون الله سبحانه لم يزل مريدا للمعاصى وانكروا جميعا ان يكون الله لم يزل مريدا لطاعته وانكرت (1/185)
المعتزلة بأسرها ان يكون الله لم يزل متكلما راضيا ساخطا محبا مبغضا منعما رحيما مواليا معاديا جوادا حليما عادلا محسنا صادقا خالقا رازقا بارئا مصورا محييا مميتا آمرا ناهيا مادحا ذاما وزعموا بأجمعهم ان ذلك اجمع من صفات الله التى يوصف بها لفعله وزعموا ان ما يوصف به البارىء لنفسه كالقول قادر حى وما اشبه ذلك لم يجز ان يوصف بضده ولا بالقدرة على ضده لأنه لما وصف بأنه عالم لم يجز ان يوصف بأنه جاهل ولا بالقدرة على ان يجهل وما وصف البارىء بضده او بالقدرة على ضده فهو من صفات الافعال وذلك انه لما وصف بالارادة وصف بضدها من الكراهة وزعموا انه لما وصف بالبغض وصف بضده من الحب ولما وصف بالعدل وصف بالقدرة على ضده من الجور
واختلفت المعتزلة في صفات الافعال كالقول خالق رازق محسن جواد وما اشتبه ذلك هل يقال ان البارىء لم يزل غير خالق ولا رازق ولا جواد 8 ام لا على ثلث فرق
فالقرقة الاولى منهم يزعمون انه لا يقال ان البارىء لم يزل خالقا ولا يقال لم يزل غير خالق ولا يقال لم يزل رازقا ولا يقال لم يزل غير رازق وكذلك قولهم في سائر صفات الافعال والقائل بهذا عباد بن سليمان (1/186)
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان البارىء لم يزل غير خالق ولا رازق فاذا قيل لهم فلم يزل غير عادل قالوا لم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير محسن ولا مسىء ولم يزل غير صادق ولا كاذب قالوا لأنا اذا قلنا لم يزل غير صادق وسكتنا اوهمنا انه كاذب وكذلك اذا قلنا لم يزل غير حليم وسكتنا اوهم انه سفيه ولكن نقيد فيما يقع عنده الايهام فنقول لم يزل لا حليما ولا سفيها فاما ما لا يقع عنده الايهام كالقول خالق رازق فأنا نقول لم يزل غير خالق ولا رازق والقائل بهذا الجبائى
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان البارىء عز و جل لم يزل غير خالق ولا رازق ولا يقولون لم يزل غير عادل ولا محسن ولا جواد ولا صادق ولا حليم لا على تقييد ولا على اطلاق لما في ذلك زعموا من الايهام وهذا قول معتزلة البغداذيين وطوائف من معتزلة البصريين
واختلفت المعتزلة هل يقال لله وقدرة ام لا وهم اربع فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون انا نقول للبارىء علما ونرجع الى انه عالم ونقول له قدرة ونرجع الى انه قادر لأن الله سبحانه (1/187)
اطلق العلم فقال انزله بعلمه واطلق القدرة فقال اولم يروا ان الله الذى خلقهم هو اشد منهم قوة ولم يطلقوا هذا في شىء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حى ولا سمع بمعنى سميع وانما اطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط والقائل بهذا النظام واكثر معتزلة البصريين واكثر معتزلة البغداذيين
والفرقة الثانية منهم يقولون لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك ان الله قال ولا يحيطون بشىء من علمه اراد من معلومة والمسلمون اذا رأوا المطر قالوا هذه قدرة الله اى مقدوره ولم يقولوا ذلك في شىء من صفات الذات الا في العلم والقدرة
والفرقة الثالثة منهم يزعمون ان لله علما هو هو وقدرة هى هو
وحياة هي هو وسمعا هو هو وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذا القول ابو الهذيل واصحابه
والفرقة الرابعة منهم يزعمون انه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا لا قدرة له وكذلك (1/188)
قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذه المقالة العبادية اصحاب عباد بن سليمان
واختلفوا هل يقال لله وجه ام لا وهم ثلاث فرق
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان لله وجها هو هو والقائل بهذا القول ابو الهذيل
والفرقة الثانية منهم يزعمون انا نقول وجه توسعا ونرجع الى اثبات الله لانا نثبت وجها هو هو وذلك ان العرب تقيم الوجه مقام الشىء فيقول القائل لولا وجهك لم افعل اي لولا انت لم افعل وهذا قول النظام واكثر معتزلة البصريين وقول معتزلة البغداذيين
والفرقة الثالثة منهم ينكرون ذكر الوجه ان يقولوا لله وجه فاذا قيل لهم اليس قد قال الله سبحانه كل شىء هالك الا وجهه قالوا نحن نقرأ القرآن فاما ان نقول من غير ان نقرأ القرآن ان لله وجها فلا نقول ذلك والقائلون بهذه المقالة العبادية اصحاب عباد
القول في ان الله مريد
اختلفت المعتزلة في ذلك على خمسة اقاويل
فالفرقة الاولى منهم اصحاب ابى الهذيل يزعمون ان ارادة الله غير مراده وغير امره وان ارادته لمفعولاته ليست بمخلوقة على الحقيقة (1/189)
بل هي مع قوله لها كونى خلق لها وارادته للايمان ليست بخلق له وهى غير الامر به وارادة الله قائمة به لا في مكان وقال بعض اصحاب ابى الهذيل بل ارادة الله موجودة لا في مكان ولم يقل هي قائمة بالله تعالى
والفرقة الثانية منهم اصحاب بشر بن المعتمر يزعمون ان ارادة الله على ضربين ارادة وصف بها الله في ذاته وارادة وصف بها وهى فعل من افعاله وان ارادته التيى وصف بها في ذالة غير لاحقة بمعاصى العباد
والفرقة الثالثة منهم اصحاب ابى موسى المردار فيما حكى ابو الهذيل عن ابى موسى انه كان يزعم ان الله اراد معاصى العباد بمعنى انه خلى بينهم وبينها وكان ابو موسى يقول خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا يخلق
والفرقة الرابعة منهم اصحاب النظام يزعمون ان الوصف لله بانه مريد لتكوين الاشياء معناه انه كونها وارادته للتكوين هى التكوين والوصف له بأنه مريد لافعال عباده معناه انه آمر بها والامر بها غيرها قال وقد نقول انه مريد الساعة ان يقيم القيامة ومعنى ذلك انه (1/190)
حاكم بذلك مخبر به والى هذا القول يميل البغداذيون من المعتزلة
والفرقة الخامسة منهم اصحاب جعفر بن حرب يزعمون ان الله اراد ان يكون الكفر مخالفا للايمان وارد ان يكون قبيحا غير حسن والمعنى انه حكم ان ذلك كذلك
القول في كلام الله عز و جل
اختلفت المعتزلة في كلام الله سبحانه هل هو جسم ام ليس بجسم وفى خلقه على ستة اقاويل
فالفرقة الاولى منهم يزعمون ان كلام الله جسم وانه مخلوق وانه لا شىء الا جسم
والفرقة الثانية منهم يزعمون ان كلام الخلق عرض وهو حركة لأنه لا عرض عندهم الا الحركة وان كلام الخالق جسم وان ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وخلقه وانما يفعل الانسان القراءة والقراءة الحركة وهى غير القرآن وهذا قول النظام واصحابه واحال النظام ان يكون كلام الله في اماكن كثيرة او في مكانين في وقت واحد او وزعم انه في المكان الذى خلقه الله فيه (1/191)
والفرقة الثالثة من المعتزلة يزعمون ان القرآن مخلوق لله وهو عرض وابوا ان يكون جسما وزعموا انه يوجد في اماكن كثيرة في وقت واحد اذا تلاه تال فهو يوجد مع تلاوته وكذلك اذا كتبه كاتب وجد مع كتابته وكذلك اذا حفظه حافظ وجد مع حفظه فهو يوجد في الاماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال
وهذا قول ابى الهذيل واصحابه وكذلك قوله في كلام الخلق انه جائز وجوده في اماكن كثيرة في وقت واحد
والفرقة الرابعة منهم يزعمون ان كلام الله عرض وانه مخلوق واحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد وزعموا ان المكان الذي خلقه الله فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره وهذا قول جعفر بن حرب واكثر البغداذيين
والفرقة الخامسة منهم اصحاب معمر يزعمون ان القرآن عرض والاعراض عندهم قسمان قسم منها يفعله الاحياء وقسم منها يفعله الاموات محال ان يكون ما يفعله الاموات فعلا للاحياء والقرآن مفعول وهو عرض ومحال ان يكون الله فعله في الحقيقة لأنهم يحيلون ان تكون الاعراض فعلا لله وزعموا ان القرآن فعل للمكان (1/192)
الذى يسمع منه ان سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما سمع فهو فعل للمحل الذى حل فيه
والفرقة السادسة يزعمون ان كلام الله عرض مخلوق وانه يوجد في اماكن كثيرة في وقت واحد وهذا قول الاسكافى
واختلفت المعتزلة في كلام الله هل يبقى ام لا يبقى
فمنهم من قال هو جسم باق والاجسام يجوز عليها البقاء وكلام المخلوقين لا يبقى وقالت طائفة اخرى كلام الله تعالى عرض وهو باق وكلام غيره يبقى وقالت طائفة اخرى كلام الله عرض غير باق وكلام غيره لا يبقى وقالت في كلامه تعالى انه لا يبقى وانه انما يوجد في وقت ما خلقه الله ثم عدم بعد ذلك
واختلفت المعتزلة هل مع قراءة القارىء لكلام غيره وكلام نفسه كلام غيرهما على مقالتين
فزعمت فرقة منهم ان مع قراءة القارىء لكلام غيره وكلام نفسه كلاما غيرهما وزعمت فرقة اخرى منهم ان القراءة هى الكلام
واختلف الذين زعموا ان مع القراءة كلاما على مقالتين (1/193)
فزعمت الفرقة الاولى منهم ان القراءة كلام لأن القارىء يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن الا في كلام وهو ايضا متكلم وان قرأ كلام غيره ومحال ان يكون متكلما بكلام غيره فلا بد من ان تكون قراءته هي كلامه
وقالت الفرقة الثانية القراءة صوت والكلام حروف والصوت غير الحروف
واختلفت المعتزلة في الكلام هل هو حروف ام لا على مقالتين فزعمت فرقة منهم ان كلام الله سبحانه حروف وزعم آخرون منهم ان كلام الله سبحانه ليس بحروف
واختلفت المعتزلة في الكلام هل هو موجود مع كتابته ام لا على مقالتين
فزعمت فرقة منهم ان الكلام يوجد مع كتابته في مكانها كما يجامع القراءة في موضعها وزعمت فرقة اخرى منهم ان الكتابة رسوم تدل عليه وليس بموجود معها
واختلفت المعتزلة هل يقال ان البارىء محبل ام لا وهم فرقتان فزعمت فرقة منهم ان البارىء بخلق الحبل محبل والقائل بهذا (1/194)
القول الجبائى ومن قال بقوله وزعمت فرقة اخرى منهم ان البارىء لا يجوز ان يكون محبلا بخلق الحبل كما لا يكون والدا بخلق الولد
واختلفت المعتزلة في معنى القول ان الله خالق وهم فرقتان
فزعمت فرقة منهم ان معنى القول في الله انه خالق انه فعل الاشياء مقدرة وان الانسان اذا فعل افعالا مقدرة فهو خالق وهذا قول الجبائى واصحابه
وزعمت الفرقة الثانية منهم ان معنى القول في الله سبحانه انه خالق انه فعل لا بالة ولا بقوة مخترعة فمن فعل لا بآلة ولا بقوة مخترعة فهو خالق لفعله ومن فعل بقوة مخترعة فليس بخالق لفعله
واجمعت المعتزلة باسرها على انكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين
فمنهم من انكر ان يقال لله يدان وانكر ان يقال انه ذو عين وان له عينين ومنهم من زعم ان لله يدا وان له يدين وذهب في معنى ذلك الى ان اليد نعمة وذهب في معنى العين الى انه اراد العلم وانه عالم وتأول قول الله عز و جل ولتصنع على عينى اي بعلمى (1/195)
واختلفت المعتزلة في البارىء هل يقال انه وكيل انه لطيف على مقالتين
فمنهم من زعم ان البارىء لا يقال انه وكيل وانكر قائل هذا القول ان يقول حسبنا الله ونعم الوكيل من غير ان يقرأ القرآن وانكر ايضا ان يقال لطيف دون ان يوصل ذلك فيقال لطيف بالعباد والقائل بهذا القول عباد بن سليمان
ومنهم من اطلق وكيل واطلق لطيف وان لم يقيد
واختلفت المعتزلة هل يقال ان البارىء قبل الاشياء او يقال قبل ويسكت على ذلك على ثلاث مقالات
فزعمت الفرقة الاولى منهم وهم العبادية اصحاب عباد بن سليمان ان البارىء يقال انه قبل ولا يقال انه قبل الاشياء ولا يقال بعد الاشياء كما لو يقال أنه أول الأشياء
وزعمت الفرقة الثانية منهم وهم اصحاب ابى الحسين الصالحى ان البارىء لم يزل قبل الاشياء برفع اللام قالوا ولا نقول لم يزل قبل الاشياء بنصب اللام (1/196)
وزعمت الفرقة الثالثة منهم وهم الاكثرون عددا ان البارىء لم يزل قبل الاشياء وان ذلك يطلق بنصب اللام من قبل
واختلفت المعتزلة هل يجوز ان يسمى البارىء عالما من استدل على انه عالم بظهور افعاله عليه وان لم يأته السمع من قبل الله سبحانه بأن يسميه بهذا الاسم ام لا على مقالتين
فزعمت الفرقة الاولى منهم انه جائز ان يسمى الله سبحانه عالما قادرا حيا سميعا بصيرا من استدل على معنى ذلك انه يليق بالله وان لم يأت به رسول وزعمت الفرقة الثانية منهم انه لا يجوز ان يسمى الله سبحانه بهذه الاسماء من دله العقل على معناها الا ان يأتيه بذلك رسول من قبل الله سبحانه يأمره بتسميته بهذه الاسماء
واختلفت المعتزلة هل كان يجوز ان يقلب الله الاسماء فيسمى العالم جاهلا والجاهل عالما ام لم يكن ذلك جائزا على مقالتين
فزعمت الفرقة الاولى منهم ان ذلك لم يكن جائزا ولا يجوز على وجه من الوجوه وهذا قول عباد
وزعم آخرون ان ذلك جائز ولو قلب الله سبحانه الاسماء لم يكن ذلك مستنكرا (1/197)
واختلفت المعتزلة هل يجوز اليوم قلب الاسماء واللغة على ما هي عليه ام لا على مقالتين
فمنهم من اجاز ذلك ومنهم من انكره
واختلفت المعتزلة هل كان يجوز ان يسمى الله سبحانه نفسه جاهلا ميتا عاجزا على طريق التقليب واللغة على ما هى عليه وهم فرقتان
فزعمت الفرقة الاولى منهم ان ذلك لا يجوز وانه لا يجوز ان يسمى الله نفسه على طريق التقلب
وزعمت الفرقة الثانية منهم ان ذلك جائز ولو فعل ذلك لم يكن مستنكرا وهو قول الصالحى
واجمعت المعتزلة على ان صفات الله سبحانه واسماءه هى اقوال وكلام فقول الله انه عالم قادر حى اسماء لله وصفات له كذلك اقوال الخلق ولم يثبتوا صفة له علما ولا صفة قدرة وكذلك قولهم في سائر صفات النفس
واختلفت المعتزلة هل البارىء قادر على خلق الاعراض وهم فرقتان فزعم فريق منهم ان الله يقدر على خلق الاعراض وانشائها (1/198)
وزعمت فرقة اخرى منهم وهم اصحاب معمر انه لا يجوز ان يخلق الله عرضا ولا يوصف بالقدرة على خلق الاعراض
واختلفت المعتزلة في البارىء هل يوصف بالقدرة عليه ما اقدر عليه عباده ام لا وهم فرقتان
فزعم اكثرهم ان البارىء لا يوصف بالقدرة على ما اقدر عليه عباده على وجه من الوجوه
وزعم بعضهم وهو الشحام ان الله يقدر على ما اقدر عليه عباده وان حركة واحدة تكون مقدورة لله وللانسان فان فعلها الله كانت ضرورة وان فعلها الانسان كانت كسبا
واختلفت المعتزلة هل يوصف الله بالقدرة على جنس ما اقدر عليه عباده ام لا وهم فرقتان
فزعمت فرقة منهم انه اذا اقدر عباده على حركة او سكون او فعل من الافعال لم يوصف بالقدرة على ذلك ولا على ما كان من جنس ذلك وان الحركات التي يقدر البارىء عليها ليست من جنس الحركات التى اقدر عليها غيره من العباد
وزعمت فرقة اخرى منهم ان الله اذا اقدر عباده على حركة (1/199)
او سكون او فعل من الافعال فهو قادر على ما هو من جنس ما اقدر عليه عباده وهذا قول الجبائى وطوائف من المعتزلة
واختلفت المعتزلة في البارىء سبحانه هل يوصف بالقدرة على الجور والظلم ام لا يوصف بالقدرة على ذلك وهم فرقتان
فزعم اكثر الزاعمين ان البارىء قادر على الظلم والجور انه قادر على ان يظلم ويجور
وزعمت فرقة منهم وهم اصحاب عباد بن سليمان ان البارىء قادر على الظلم والجور ولا نقول على ان يظلم وهو قادر على الجور ولا نقول على ان يجور
واختلفت المعتزلة في الجواب عمن سأل عن البارىء سبحانه لو فعل ما يقدر عليه من الظلم والجور على سبعة اقاويل
فقال ابو الهذيل في جواب من سأله ان فعل البارىء ما يقدر عليه من الجور والظلم كيف كان يكون الامر فقال محال ان يفعل البارىء ذلك لأن ذلك لا يكون الا عن نقص ولا يجوز النقص على البارىء (1/200)
وقال ابو موسى المردار في الجواب عن ذلك اطلاق هذا الكلام على البارىء عز و جل قبيح لا يستحسن اطلاقه في رجل من المسلمين فكيف يطلق في الله فمنع ان يقال لو فعل البارىء الظلم لقبح ذلك لا لاستحالته وكان ابو موسى اذا جدد الكلام عليه قال لو فعل الله الظلم لكان ظالما ربا الها قادرا ولو ظلم مع وجود الدلائل على انه لا يظلم لكان بدل بدلائل على انه يظلم
وكان بشر بن المعتمر يقول ان الله يقدر ان يعذب الاطفال فاذا قيل له فلو عذب الطفل قال لو عذبه لكان يكون بالغا كافرامستحقا للعذاب
وكان محمد بن شبيب يزعم ان الله يقدر ان يظلم ولكن الظلم لا يكون الا ممن به آفة فعلمت انه لا يكون من الله سبحانه فلا معنى لقول من قال لو فعله
وكان بعضهم يزعم ان الله يقدر ان يفعل العدل وخلافه والصدق وخلافه ولا يقول يقدر ان يظلم ويكذب قال صابح هذا الجواب ان قال قائل هل معكم امان من ان يفعله قال نعم هو (1/201)
ما اظهر من ادلته على انه لا يفعله فاذا قيل له افيقدر ان يفعله مع الدليل على ان لا يفعله اجاب بأنه قادر على ان يفعله مع الدليل مفردا من الدليل لئلا يتوهم الدليل والظلم واقعا وكذلك اذا قيل له لو فعله مع الدليل على انه لا يفعله وفعل الظلم وزعم ان الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها وكانت الاشياء التى يستدل بها اهل العقول غير هذه الاشياء الدالة في يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التى هى اليوم عليه وهذا قول جعفر بن حرب
وكان الاسكافى يقول يقدر الله على الظلم الا ان الاجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التى انعم بها على خلقه على ان الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على ان الله ليس بظالم وليس يجوز ان يجامع الظلم ما دل لنفسه على ان الظلم لا يقع من الله وكان اذا قيل له فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال يقع و الاجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وأعينها على ان الله لا يظلم
وكان هشام الفوطى وعباد بن سليمان اذا قيل لهما لو فعل (1/202)
الله سبحانه الظلم كيف كانت تكون القصة احالا هذا القول وقالا ان اراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في ان الله لا يظلم وان اراد بقوله لو النفى فقذ قال ان الله لا يجوز ولا يظلم فليس يسوغ ان يقال لو ظلم البارىء جل جلاله
القول في ان الله قادر على ما علم انه لا يكون اختلفت المعتزلة في ذلك على اربعة اقاويل
فقال ابو الهذيل ومن اتبعه وجعفر بن حرب ومن وافقه البارىء قادر على ما علم انه لا يكون واخبر انه لا يكون ولو كان ما علم انه لا يكون مما يكون كان عالما انه يفعله لكان الخبر بأنه يكون سابقا
وكان على الاسوارى يحيل ان يقرن القول ان الله يقدر على الشىء ان يفعله بالقول انه عالم انه لا يكون وانه قد اخبر انه لا يكون واذا افرد احد القولين من الآخر كان الكلام صحيحا وقيل ان الله سبحانه قادر على ذلك الشىء ان يفعله
وقال عباد بن سليمان ما علم انه لا يكون لا اقول انه قادر على ان يكون ولكن اقول قادر عليه كما اقول الله عالم به ولا اقول انه عالم بأنه يكون لان اخبارى بأن الله قادر على ان يكون (1/203)
ما علم انه لا يكون اخبار انه يقدر وانه يكون وكان اذا قيل له فهل يفعل الله ما علم انه لا يفعله احال القول
وكان الجبائى اذا قيل له لو فعل القديم ما علم انه لا يكون واخبر انه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر احال ذلك وكان يقول مع هذا انه لو آمن من علم الله انه لا يؤمن لأدخله الجنة وكان يزعم انه اذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله لو آمن الانسان لادخله الله الجنة وانما الايمان خير له ولو ردوا لعادوا فالرد مقدور عليه فقال لو كان الرد مقدورا منهم لكان عود مقدور وكان يزعم انه اذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل لو كان الجسم متحركا ساكنا في حال لجاز ان يكون حيا ميتا في حال وما اشبه ذلك وكان يزعم انه اذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام كقول القائل لو آمن من علم الله واخبر انه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك انه ان قال كان لا يكون الخبر عن انه يؤمن سابقا بأن لا يكون كان الخبر الذى قد كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالما استحال الكلام لأنه يستحيل ان لا يكون (1/204)
ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل ان لا يكون البارىء عالما بما لم يزل عالما بأن لا يكون لم يزل عالما وان قال كان يكون الخبر عن انه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتا صحيحا وان كان الشىء الذى علم واخبر انه لا يكون استحال الكلام وان قال كان الصدق ينقلب كذبا والعلم ينقلب جهلا استحال الكلام فلما كان المجيب على هذه الوجوه على اى وجه اجاب عن السؤال استحال كلامه لم يكن الوجه في الجواب الا نفس احالة سؤال السائل
واختلفت المعتزلة في جواز كون ما علم الله انه لا يكون على اربعة اقاويل
فقال اكثر المعتزلة ما علم الله سبحانه انه لا يكون لاستحالته او العجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال يجوز ان يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القدرة عليه فيكون الله عالما بأنه يكون يذهب هذا القائل بقوله يجوز الى ان الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله سبحانه انه لا يكون لترك فاعله له فمن قال يجوز ان يكون بان لا يتركه فاعله ويفعل اخذه بدلا من تركه ويكن الله عالما بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح (1/205)
وقال على الاسوارى ما علم الله سبحانه انه لا يكون لم نقل انه يجوز ان يكون اذا قرنا ذلك بالعلم بأن لا يكون
وقال عباد قول من قال يجوز ان يكون ما علم الله سبحانه انه لا يكون فهو كقوله يكون ما علم الله انه لا يكون او من قال يجوز ان يكون ما علم الله انه لا يكون لأن معنى يجوز عنده معنى الجواز وقال الجبائى ما علم الله سبحانه انه لا يكون واخبر انه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله وما علم أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا ان يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في ان يكون او لا يكون لأن يجوز عنده في اللغة على وجهين بمعنى الشك وبمعنى يحل
واتفقت المعتزلة على ان البارىء سبحانه ليس بذى علم محدث يعلم به ولا يجوز ان تبدو له البدوات ولا يجوز على اخباره النسخ لان النسخ لو جاز على الاخبار لكان اذا اخبرنا ان شيئا يكون ثم نسخ ذلك بأن اخبر انه لا يكون لكان لا بد من ان يكون احد الخبرين كذبا قالوا وانما الناسخ والمنسوخ في الامر والنهى
واجمعت المعتزلة على انكار القول بالماهية وان لله ماهية لا يعلمها العباد وقالوا اعتقاد ذلك في الله سبحانه خطأ وباطل (1/206)
هذا شرح اختلاف الناس في التجسيم
قد اخبرنا عن المنكرين للتجسيم انهم يقولون ان البارىء جل ثناؤه ليس بجسم ولا محدود ولا ذى نهاية ونحن الآن نخبر اقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم
اختلفت المجسمة فيما بينهم في التجسيم وهل للبارىء تعالى قدر من الاقدار وفى مقداره على ست عشرة مقالة
فقال هسام بن الحكم ان الله جسم محدود عريض عميق طويل طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه نور ساطع له قدر من الاقدار بمعنى ان له مقدارا في طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون ولم يثبت لونا غيره وانه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وحكى عنه ابو الهذيل انه اجابه الى ان جبل ابى قبيس اعظم من معبوده وحكى عنه ابن الراوندى انه زعم ان الله سبحانه يشبه الاجسام الى خلقها من جهة من الجهات ولولا (1/207)
ذلك ما دلت عليه وحكى عنه انه قال هو جسم لا كالاجسام ومعنى ذلك انه شىء موجود
وقد ذكر عن بعض المجسمة انه كان يثبت البارىء ملونا ويأبى ان يكون ذا طعم ورائحة ومجسة وان يكون طويلا وعريضا وعميقا وزعم انه في مكان دون مكان متحرك من وقت خلق الخلق
وقال قائلون ان البارىء جسم وانكروا ان يكون موصوفا بلون او طعم او رائحة اومجسة او شىء مما وصف به هشام غير انه على العرش مماس له دون سواه
واختلفوا في مقدار البارىء بعد ان جعلوه جسما
فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الاماكن وهو مع ذلك متناه غير ان مساحته اكثر من مساحة العالم لأنه اكبر من كل شىء
وقال بعضهم مساحته على قدر العالم وقال بعضهم ان البارىء جسم له مقدار في المساحة ولا ندرى كم ذلك القدر
وقال بعضهم هو في احسن الاقدار واحسن الاقدار ان يكون ليس بالعظيم الجافى ولا القليل القمىء وحكى عن هشام بن الحكم ان احسن الاقدار ان يكون سبعة اشبار بشبر نفسه (1/208)
وقال بعضهم ليس لمساحة البارىء نهاية ولا غاية وانه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والامام والخلف والفوق والتحت قالوا وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذى حدود ولا هيئة ولا قطب
وقال قوم انه معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الاشياء فيه ليس بذى غاية ولا نهاية وقال بعضهم هو الفضاء وليس بجسم والاشياء قائمة به وقال داود الجواربى ومقاتل بن سليمان ان الله جسم وانه جثة على صورة الانسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح واعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه وحكى عن الجواربى انه كان يقول اجوف من فيه الى صدره ومصمت ما سوى ذلك وكثير من الناس يقولون هو مصمت ويتأولون قول الله الصمد المصمت الذى ليس بأجوف
وقال هشام بن سالم الجواليقى ان الله على صورة الانسان وانكر ان يكون لحما ودما وانه نور ساطع يتلألأ بياضا وانه ذو حواس خمس كحواس الانسان سمعه غير بصره وكذلك سائر حواسه يد ورجل واذن وعين وانف وفم وان له وفرة سوداء (1/209)
وممن قال بالصورة من ينكر ان يكون البارىء جسما ومن قال بالتجسيم من ينكر ان يكون البارىء صورة
باب اختلافهم في البارىء هل هو في مكان دون مكان ام لا في مكان ام في كل مكان وهل تحمله الحملة ام يحمله العرش وهل هم ثمانية املاك ام ثمانية اصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة
قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال انه في كل مكان حال وقول من قال لا نهاية له وان هاتين الفرقتين انكرتا القول انه في مكان دون مكان
وقال قائلون هو جسم خارج من جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة ولا شىء من صفات الاجسام وانه ليس في الاشياء ولا على العرش الا على معنى انه فوقه غيرمماس له وانه فوق الاشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الاشياء اكثر من انه فوقها
وقال هشام بن الحكم ان ربه في مكان دون مكان وان مكانه هو العرش وانه مماس للعرش وأن العرش قد حواه وحده (1/210)
وقال بعض اصحابه ان البارىء قد ملأ العرش وانه مماس له وقال بعض من ينتحل الحديث ان العرش لم يمتلىء به وانه يقعد نبيه عليه السلام معه على العرش
وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء وانه على العرش كما قال عز و جل الرحمن على العرش استوى ولا نقدم بين يدى الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وانه نور كما قال تعالى الله نور السموات والارض وان له وجها كما قال الله ويبقى وجه ربك وان له يدين كما قال خلقت بيدى وان له عينين كما قال تجرى بأعيننا وانه يجىء يوم القيامة وملائكته كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وانه ينزل الى السماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئا الا ما وجدوه في الكتاب او جاءت به الرواية عن رسول الله
وقالت المعتزلة ان الله استوى على عرشه بمعنى استولى
وقال بعض الناس الاستواء القعود والتمكن
واختلف الناس في حملة العرش ما الذى تحمل
فقال قائلون الحملة تحمل البارىء وانه اذا غضب ثقل على (1/211)
كواهلهم واذا رضى خف فيتبينون غضبه من رضاه وان العرش له اطيط اذا ثقل عليه كأطيط الرحل وقال بعضهم ليس يثقل البارىء ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذى يخف ويثقل وتحمله الحملة
وقال بعضهم الحملة ثمانية املاك وقال بعضهم ثمانية اصناف وقال قائلون انه على العرش وانه بائن منه لا بعزلة واشغال لمكان غيره بل ببينونه ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات
القول في المكان
اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون ان الله بكل مكان بمعنى انه مدبر لكل مكان وقال قائلون البارىء لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون البارىء في كل مكان بمعنى انه حافظ للاماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان
واختلفوا هل يقال ان البارىء لم يزل عالما قادرا حيا ام لا يقال ذلك على مقالتين
فقال قائلون لم يزل الله عالما قادرا حيا
وزعم كثير من المجسمة ان البارىء كان قبل ان يخلق الخلق ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا مريد ثم اراد وارادته عندهم (1/212)
حركته فاذا اراد كون شىء تحرك فكان الشىء لأن معنى اراد تحرك وليس الحركة غيره وكذلك قالوا في قدرته وعلمه وسمعه وبصره انها معان وليست غيره وليست بشىء لأن الشىء هو الجسم
وقال قائلون حركة البارىء غيره
واختلف القائلون ان البارىء يتحرك على مقالتين
فزعم هشام ان حركة البارىء هى فعله الشىء وكان يأبى ان يكون البارىء يزول مع قوله يتحرك
واجاز عليه السكاك الزوال وقال لا يجوز عليه الطفر
وحكى عن رجل كان يعرف بابى شعيب ان البارىء يسر بطاعة اوليائه وينتفع بها وبانابتهم ويلحقه العجز بمعاصيهم اياه تعالى عن ذلك علوا كبيرا
واختلفوا في رؤية البارىء بالابصار على تسع عشرة مقالة
فقال قائلون يجوز ان نرى الله بالابصار في الدنيا ولسنا ننكر (1/213)
ان يكون بعض من تلقاه في الطرقات
واجاز عليه بعضهم الحلول في الاجسام واصحاب الحلول اذا رأوا انسانا يستحسنونه لم يدروا لعل الههم فيه
واجاز كثير ممن اجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته اياهم وقالوا ان المخلصين يعانقونه في الدنيا والاخرة اذا ارادوا ذلك
حكى ذلك عن بعض اصحاب مضر وكهمس
وحكى عن اصحاب عبد الواحد بن زيد انهم كانوا يقولون ان الله سبحانه يرى على قدر الاعمال فمن كان عمله افضل رءاه احسن
وقد قال قائلون انا نرى الله في الدنيا في النوم فاما في اليقظة فلا وروى عن رقبة بن مصقلة انه قال رأيت رب العزة في النوم فقال لأكر من مثواه يعنى سليمان التيمى صلى الفجر بطهر العشاء
اربعين سنة (1/214)
وامتنع كثير من القول انه يرى في الدنيا ومن سائر ما اطلقوه وقالوا انه يرى في الآخرة
واختلفوا ايضا في ضرب آخر
فقال قائلون نرى جسما محدودا مقابلا لنا في مكان دون مكان
وقال زهير الاثرى ذات الله عز و جل في كل مكان وهو مستو على عرشه ونحن نراه في الآخرة على عرشه بلا كيف وكان يقول ان الله يجىء يوم القيامة الى مكان لم يكن خاليا منه وانه ينزل الى السماء الدنيا ولم تكن خالية منه
واختلفوا في رؤية الله عز و جل بالابصار هل هى ادراك له بالابصار ام لا
فقال قائلون هى ادراك له بالابصار وهو يدرك بالأبصار
وقال قائلون يرى الله سبحانه بالابصار ولا يدرك بالابصار
واختلفوا في ضرب آخر
فقال قائلون نرى الله جهرة ومعاينة وقال قائلون لا نرى الله جهرة ولا معاينة (1/215)
ومنهم من يقول احدق اليه اذا رأيته ومنه من يقول لا يجوز التحديق اليه
وقال قائلون منهم ضرار وحفص الفرد ان الله لا يرى بالابصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها وندرك ما هو بتلك الحاسة
وقالت البكرية ان الله يخلق صورة يوم القيامة يرى فيها ويكلم خلقه منها
وقال الحسين النجار انه يجوز ان يحول الله العين الى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له اى علما له
واجمعت المعتزلة على ان الله لا يرى بالابصار واختلفت هل يرى بالقلوب
فقال ابو الهذيل واكثر المعتزلة ان الله يرى بقلوبنا بمعنى انا نعلمه بها وانكر ذلك الفوطى وعباد
وقالت المعتزلة والخوراج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية ان الله لا يرى بالابصار في الدنيا والآخرة ولا يجوز ذلك عليه (1/216)
واختلفوا في الرؤية لله بالابصار هل يجوز ان تكون او هى كائنة لا محالة على مقالتين
فقال قائلون يجوز ان يرى الله سبحانه في الآخرة بالابصار وقال نقول انه بتاتا وقال نقول انه يرى بالابصار
وقال قائلون نقول بالاخبار المروية وبما في القرآن انه يرى بالابصار في الاخرة بتاتا يراه المؤمنون
وكل المجسمة الا نفرا يسيرا يقول باثبات الرؤية وقد يثبت الرؤية من لا يقول بالتجسيم
1 - فقالت المجسمة له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون الى الجوارح والاعضاء
2 - وقال اصحاب الحديث لسنا نقول في ذلك الا ما قاله الله عز و جل او جاءت به الرواية من رسول الله ص فنقول وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف
وقال عبد الله بن كلاب اطلق اليد والعين والوجه خبرا (1/217)
لأن الله اطلق ذلك ولا اطلق غيره فاقول هى صفات لله عز و جل كما قال في العلم والقدرة والحياة انها صفات
وقالت المعتزلة بانكار ذلك الا الوجه وتأولت اليد بمعنى النعمة وقوله تجرى بأعيننا اى بعلمنا والجنب بمعنى الامر وقالوا في قوله ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله اى في امر الله وقالوا نفس البارىء هي هو وكذلك ذاته هى هو وتأولوا قوله الصمد على وجهين احدهما انه السيد والآخر انه المقصود اليه في الحوائج
واما الوجه فان المعتزلة قالت فيه قولين
قال بعضهم وهو ابو الهذيل وجه الله هو الله وقال غيره معنى قوله ويبقى وجه ربك ويبقى ربك من غير ان يكون يثبت وجها يقال انه هو الله ولا يقال ذلك فيه
حكايات اختلاف الناس في الاسماء والصفات
قد ذكرنا قول من قال ان الله لم يزل لا عالما ولا قادرا ولا سميعا ولا بصيرا وقول من قال لم يزل الله عالما قادرا حيا (1/218)
فاما الذين انكروا ان يكون الله لم يزل عالما وقالوا لا يعلم ما يكون قبل ان يكون فانهم افترقوا في القول لم يزل الله حيا فرقتين
فرقة قالت لم يزل الله حيا وفرقة انكرت ذلك ايضا وانكرت ان يكون الله سبحانه لم يزل ربا الها
وافترق الذين قالوا ان الله لا يعلم الشىء حتى يكون على خمس عشرة مقالة
فقالت السكاكية ان الله عالم في نفسه وان الوصف له بالعلم من صفات ذاته غير انه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشىء فاذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشىء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشىء ليس وليس يصح العلم بما ليس
وقال فريق آخر ان الله لم يزل عالما والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشىء حتى يكون كما ان الانسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال انه بصير بالشىء حتى يلاقيه ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال الانسان عاقل ولا يقال عقل الشىء مالم يرد عليه
وقال شيطان الطاق ان الله لا يعلم شيئا حتى يؤثر اثره ويقدره (1/219)
والتأثير عندهم التقدير والتقدير لارادة فاذا اراد الشىء فقد علمه واذا لم يرده فلم يعلمه ومعنى ارادة عندهم انه تحرك حركة هى ارادة فاذا تحرك تلك الحركة علم الشىء والا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا انه لا يوصف بالعلم بما لا يكون
وقال قائلون لا يعلم الشىء حتى يحدث الارادة فان احدث الارادة لأن يكون كان عالما بأنه يكون وأن أحدث الإرادة لأن يكون كان غالبا بأنه لا يكون وان لم يحدث ارادة لأن يكون ولا ارادة لأن لا يكون لم يكن عالما بأنه يكون ولا عالما بأنه لا يكون
ومن الروافض من يقول معنى ان الله يعلم معنى انه يفعل فان قيل لهم فلم يزل عالما بنفسه قال بعضهم لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لانه قد كان ولما يفعل وقال بعضهم لم يزل يعلم نفسه فان قيل لهم فلم يزل يفعل قالوا نعم ولم يقولوا بقدم الفعل (1/220)
ومن الروافض من يقول ان الله تبدو له البدوات وانه يريد ان يفعل ثم لا يفعل لما يحدث له من البداء
وقال بعض الروافض ما علمه الله سبحانه انه يكون واطلع عليه احدا من خلقه فلا يجوز ان يبدو له فيه وما علمه ولم يطلع عليه احدا من خلقه فجائز ان يبدو له فيه
وقال بعضهم جائز عليه البدء فيما علم انه يكون واخبر انه يكون حتى لا يكون ما اخبر انه يكون
وقالت طائفة من اهل التشبيه ان الله يعلم ما يكون قبل ان يكون الا اعمال العباد فانه لا يعلمها الا في حال كونها لأنه لو علم من يطيع ممن يعصى حال بين العاصى وبين المعصية
واختلفوا ايضا في باب آخر هل يعلم الشىء من غير ان يلابسه ام لا فقال هشام بن الحكم الرافضى ان الله سبحانه علم ما تحت الارض بالشعاع المتصل الذاهب في عمق الارض ولولا ملابسته لما هناك بشعاعة ما درى ما هناك
وقال قائلون ان الله يعلم الاشياء على المماسة وقد يعلم ما لا يماسه (1/221)
وحكى عن هشام بن الحكم انه قال ان العلم صفة لله وليس هى هو ولا غيره ولا بعضه وانه لا يجوز ان يقال له محدث ولا يقال له قديم لأن الصفة لا توصف عنده وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والارادة والحياة وسائر ذلك انها لا هى الله ولا هى غيره ولا هى قديمة ولا محدثة
وقال الجهم ان علم الله محدث هو احدثه فعلم به وانه غير الله وقد يجوز عنده ان يكون الله عز و جل عالما بالاشياء كلها قبل وجودها بعلم محدث بها وحكى عن الجهم خلاف هذا وانه كان لا يقول ان الله يعلم الاشياء قبل ان تكون لانها قبل ان تكون ليست بأشياء فتعلم او تجهل والزمه مخالفوه ان لله سبحانه علما محدثا
وهذه حكاية اقاويل الناس في المحكم والمتشابه
اختلفت المعتزلة في محكم القرآن ومتشابهه
فقال واصل بن عطاء وعمر بن عبيد المحكمات ما اعلم الله سبحانه من عقابه للفساق كقوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا وما اشبه ذلك من آى الوعيد وقوله واخر متشابهات (1/222)
فقول اخفى الله عن العباد عقابه عليها ولم يبين انه يعذب عليها كما بين في المحكم منه
وقال ابو بكر الاصم محكمات يعنى حججا واضحة لا حاجة لمن يتعمد الى طلب معانيها كنحو ما اخبر الله سبحانه عن الامم التى مضت ممن عاقبها وما يثبت عقابها وكنحو ما اخبر عن مشركى العرب انه خالقهم من النطفة وانه اخرج لهم من الماء فاكهة وابا وما اشبه ذلك فهذا محكم كله فقال قال الله سبحانه آيات محكمات هن ام الكتاب اى الاصل الذى لو فكرتم فيه عرفتم ان كل شىء جاءكم به محمد حق من عند الله سبحانه واخر متشابهات وهو كنحو ما انزل الله من انه يبعث الاموات ويأتى بالساعة وينتقم ممن عصاه او ترك آية او نسخها مما لا يدركونه الا بالنظر فيتركون هذا ويقولون ائتنا بعذاب الله في كل هذا عليهم شبهة حتى يكون منهم النظر فيعلمون ان لله ان يعذبهم متى شاء وينقلهم الى ما شاء (1/223)
وقال الاسكافى في قول الله تعالى آيات محكمات قال هى التى لا تأويل لها غير تنزيلها ولا يحتمل ظاهرها في السمع المعانى المختلفة وذهب بعض الناس في قوله واخر متشابهات الى ما اشتبه على اليهود من قول الله عز و جل الم والر والر والمص
وذهب بعضهم الى اشتباه القصص التى في القرآن
واختلفوا في تأويل قوله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به
فقال قائلون ليس يعلم تأويل المتشابه الا الله ولم يطلع عليه احدا وقال قائلون قد يعلمه الراسخون في العلم وان هذا القول عطف واحتجوا بقول الشاعر
... لريح يبكى شجوه ... والبرق يلمع في غمامه ...
قالوا فالبرق معطوف على الريح (1/224)
واجمعت المعتزلة على ان قراءة القرآن غير المقروء واختلفوا هل القراءة حكاية للقرآن ام لا
فمنهم من قال هى حكاية ومنهم من قال لا
واختلفت المعتزلة هل يجوز ان يلفظ بالقرآن ام لا
فقال قائلون يلفظ به كما يقرأ وقال الاسكافى لا يجوز ذلك بل يقرأ القرآن ولا يلفظ به
واختلفوا في نظر القرآن هل هو معجز ام لا على ثلاثة اقاويل
فقالت المعتزلة الا النظام وهشاما الفوطى وعباد بن سليمان
تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقوعه منهم كاستحالة احياء الموتى منهم وانه علم لرسول الله
وقال النظام الاية الاعجوبة في القرآن ما فيه من الاخبار عن الغيوب فاما التأليف والنظم فقد كان يجوز ان يقدر عليه العباد لولا ان الله منعهم بمنع وعجز احدثهما فيهم
وقال هشام وعباد لا نقول ان شيئا من الاعراض يدل (1/225)
على الله سبحانه ولا نقول ايضا ان عرضا يدل على نبوة النبى ولم يجعلا القرآن علما للنبي وزعما ان القرآن اعراض
واجمعت المعتزلة بأجمعها انه لا يجوز قول النبى الا بحجة وبرهان وانه لا تلزم شرائعه الا من شاهد اعلامه وانقطع عذره ممن بلغه شرائع الرسول واجمعوا جميعا ان الناس محجوجون بعقولهم من بلغه خبر الرسول ومن لم يبلغه
واجمعت المعتزلة على انه لا يجوز ان يبعث الله نبيا يكفر ويرتكب كبيرة ولا يجوز ان يبعث نبيا كان كافرا او فاسقا واجمعت المعتزلة على انه جائز ان يبعث نبيا الى قوم دون قوم واجمعت ان الملائكة افضل من الانبياء
واجمعت ان معاصى الانبياء لا تكون الا صغارا واختلفوا هل يجوز ان يأتى النبى المعاصى وهل يعلم انها معاص في حال ارتكابها ام لا على مقالتين
فقال قائلون لا يجوز ان يعلم في حال ارتكابه المعاصى ان ما ياتيه معصية ويعتمد ذلك (1/226)
وقال قائلون جائز ان يعتمد ويركبها وهو يعلم انها معاص الا انها لا تكون إلا صغائر
واختلفوا في دلالة الاعراض وافعال العباد على مقالتين
فمنهم من زعم انها تدل على حدوث الجسم وابى هشام وعباد ان يكون ذلك على الله عز و جل
واختلفت المعتزلة هل النبوة جزاء ام لا
فقال قائلون هى ثواب وجزاء وقال قائلون ليست بجزاء ولا ثواب
وهذا شرح قول المعتزلة في القدر
اجمعت المعتزلة على ان الله سبحانه لم يخلق الكفر والمعاصى ولا شيئا من افعال غيره الا رجلا منهم فانه زعم ان الله خلقها بأن خلق اسماءها واحكامها حكى ذلك عن صلح قبة
واجمعت المعتزلة الا عبادا ان الله جعل الايمان حسنا والكفر قبيحا ومعنى ذلك انه جعل التسمية للايمان والحكم بأنه حسن والتسمية (1/227)
للكفر والحكم بأنه قبيح وان الله خلق الكافر لا كافرا ثم انه كفر وكذلك المؤمن
وانكر عباد ان يكون الله جعل الكفر على وجه من الوجوه او خلق الكافر والمؤمن
واختلفت المعتزلة هل يقال ان الانسان يخلق فعله ام لا على ثلاث مقالات
فزعم بعضهم ان معنى فاعل وخالق واحد وانا لا نطلق ذلك في الانسان لأنا منعنا منه
وقال بعضهم هو الفعل لا بآلة ولا بجارحة وهذا يستحيل منه
وقال بعضهم معنى خالق انه وقع منه الفعل مقدرا فكل من وقع فعله مقدرا فهو خالق له قديما كان او محدثا
واجمعت المعتزلة على ان الله سبحانه لم يرد المعاصى الا المردار فانه حكى عنه انه قال ان الله ارادها بأن خلى بين العباد وبينها وقد ذكرنا اختلافهم في الارادة فيما تقدم من وصفنا لأقاويل المعتزلة (1/228)
وهذا شرح اختلاف المعتزلة في الاستطاعة
اختلفوا هل الانسان حى مستطيع بنفسه ام لا على مقالتين
فزعم النظام و على الاسوارى ان الانسان حى مستطيع بنفسه لا بحياة واستطاعة هما غيره والانسان عند النظام هو الروح وهو جسم لطيف مداخل لهذا الجسم الكثيف وزعم ان الانسان لا يجوز ان يكون مستطيعا لنفسه لما من شأنه ان يفعله حتى تحدث به آفة والأفة هي العجز وهى غير الانسان وكان النظام يزعم ان الانسان قادر على الشىء قبل كونه وانه لا يوصف بأنه قادر عليه في حال وجوده
وقال قائلون ان الانسان حى مستطيع والحياة والاستطاعة هما غيره وهذا قول ابى الهذيل ومعمر وهشام الفوطى واكثر المعتزلة
واختلفت المعتزلة هل الاستطاعة هى الصحة والسلامة ام غير الصحة والسلامة على مقالتين
فقال ابو الهذيل ومعمر والمردار هى عرض وهى غير الصحة والسلامة
وقال بشر بن المعتمر ر ثمامة بن اشرس وغيلان ان الاستطاعة هى السلامة وصحة الجوارح وتخليها من الآفات (1/229)
واختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى ام لا على مقالتين
فقال اكثر المعتزلة انها تبقى وهذا قول ابى الهذيل وهشام وعباد بن جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والاسكافى واكثر المعتزلة
وقال قائلون لا تبقى وقتين وانه يستحيل بقاؤها وان الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدمة المعدومة ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت الثانى قدرة فيكون الفعل واقعا بالقدرة المتقدمة وهذا قول ابى القسم البلغى وغيره من المعتزلة
وهذا قولهم في الفعل المباشر فاما المتولد فقد يجوز عندهم ان يحدث بقدرة معدومة واسباب معدومة ويكون الانسان في حال حدوثه ميتا او عاجزا
واجمعت المعتزلة على ان الاستطاعة قبل الفعل وهى قدرة عليه وعلى ضده وهى غير موجبة للفعل وانكروا باجمعهم ان يكلف الله عبدا مالا يقدر عليه
وقال بعض المتأخرين ممن كان ينتحل المعتزلة القدرة مع الفعل (1/230)
وهى تصلح للشىء وتركه في حال حدوثها وجائز كون الشىء في حال وجود تركه بأن لا يكون كان فتركه وهذا قول ابن الراوندى
واختلفوا هل هى قدرة عليه في حاله
فزعم بعضهم انها قدرة عليه في حالة لا على تركه وانها قبله قدرة عليه وعلى تركه وهذا قول ابى الحسين الصالحى واحال اكثر المعتزلة ان تكون قدرة عليه في حاله على وجه من الوجوه
واختلفوا اذا فعل الانسان احد الضدين اللذين كان يقدر عليهما قبل كون احدهما هل يوصف بالقدرة على الضد الذى لم يفعله ام لا على مقالتين
فقال اكثر المعتزلة اذا وجد احد الضدين استحال ان يوصف الانسان بالقدرة عليه او على الضد الاخر
وقال رجل منهم وهو الاسكافى اذا وجد احد الضدين لم يوصف الانسان بالقدرة عليه ولكن يوصف بالقدرة على ضده الآخر
واختلفوا في الاستطاعة هل يجوز فناؤها في الوقت الثانى فيكون الفعل المباشر الذى يفعله الانسان في نفسه وانه بقدرة معدومة على اربعة اقاويل (1/231)
فقال ابو الهذيل الاستطاعة يحتاج اليها قبل الفعل فاذا وجد الفعل لم يكن الانسان اليها حاجة بوجه من الوجوه وقد يجوز وقوع العجز في الوقت الثانى فيكون مجامعا للفعل ويكون عجزا عن فعل لأن العجز عنده لا يكون عجزا عن موجود فيكون الفعل واقعا بقدرة معدومة وجوز وجود اقل قليل الكلام مع الخرس وجوز الفعل مع الموت بالاستطاعة المتقدمة ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا وجود الارادة مع الموت
وقال اكثر المعتزلة ليس يحتاج الى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج اليها لأنه محال وجود الفعل في جارحة ميتة عاجزة وقال هؤلاء محال وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة واجازوا وقوع الافعال المتولدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجة بقدرة معدومة وهذا قول جعفر بن حرب والاسكافى
وقال قائلون جائز وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة لأن القدرة لا تبقى ولكن لا توجد في جارحة ميتة ولا عاجزة وهذا قول ابى القاسم البلخى وغيره (1/232)
وقال قائلون لا يجوز وقوع الفعل بقوة معدومة وان القوة يحتاج اليها في حال الفعل للفعل وانها ان كانت قوة عليه قبله وعلى تركه فهى قوة عليه في حال كون تركه وانكر قائل هذا ان يكون الانسان يفعل فعلا على طريق التولد وهذا قول ابى الحسين الصالحى
وقال بعض من مال الى هذا القول ان الانسان قادر عليه في حاله وعلى تركه بدلا منه
واختلفت المعتزلة هل يقال الانسان قادر في الاول ان يفعل فيه او ان يفعل في الثانى على سبعة اقاويل
فقال ابو الهذيل الانسان قادر ان يفعل في الاول وهو يفعل في الاول والفعل واقع فى الثانى لأن الوقت الاول وقت يفعل والوقت الثانى وقت فعل
وحكى عن بشر بن المعتمر انه كان يقول لا اقول يفعل في الاول ولا اقول يفعل في الثانى ولا اقول قادر ان يفعل في الاول ولا اقول قادر ان يفعل في الثانى وذكر القدرة مضمر مقدور عليه يستحيل (1/233)
كونه مع القدرة عليه وذكر العجز مضمر معجوز عنه يستحيل كونه مع العجز عنه ولسنا نقول ايضا عاجز في الاول ان يفعل في الاول او ان يفعل في الثانى
وقال النظام واكثر المعتزلة ان الانسان قادر في الوقت الاول ان يفعل في الوقت الثانى وانه يقال قبل كون الوقت الثانى ان الفعل يفعل في الوقت الثانى فاذا كان الوقت الثانى قد فعل فالذى قيل يفعل في الثانى قبل كون الثانى هو الذى قيل فعل في الثانى اذا حدث الوقت الثانى
واختلف هؤلاء فقال قائلون منهم ان الانسان يقدر في الحال الاولى ان يفعل في الحال الثانية فاذا حل العجز في الحال الثانية علمنا انه لم يكن قادرا في الحال الاولى ان يفعل في الحال الثانية
وقال اكثرهم ان الانسان قادر ان يفعل في الحال الثانية حل فيها العجز او لم يحل وخلق العجز في الوقت الثانى لا يخرج القدرة ان تكون قدرة عليه ان لم يعجز فهو قادر ان يفعل في الحال الثانية وان حل العجز فيها على شرط والشرط هو انه قادر عليه ان لم يعجز (1/234)
وقال قائلون هو قادر في الحال الاولى ان يفعل في الحال الثانية وان عجز في الحال الثانية فالفعل واقع مع العجز وليس بعجز عنه ولم يقل هؤلاء على الشرط الذى قاله الذين حكينا قولهم قبل
وحكى برغوث ان قوما منهم يقولون ان الآفة ان كانت تحل في الحال الثانية كان الانسان في الاولى عاجزا عن الفعل في الثانية بسببه وان كانت فيه استطاعة
وقال عباد اقول ان الانسان قادر ان يفعل في الثانى
واختلفت المعتزلة هل الفعل واقع بالاستطاعة ام لا على مقالتين فقال عباد القدرة لا اقول انى افعل بها او استعملها
وقال اكثر المعتزلة الذين ثبتوا قدرة الانسان غيره بل الفعل وقع بها
واختلفت المعتزلة هل تستعمل القوة في الفعل ام الا على مقالتين
فانكر الجبائى ان تكون تستعمل في الفعل لآن الاستعمال زعم يحل في الشىء المستعمل وكان مع هذا يزعم ان الفعل واقع بها
وانكر عباد الاستعمال وقال كثير من المعتزلة انها تستعمل في الفعل بمعنى انه يعمل بها الفعل (1/235)
واختلفوا هل يوصف الانسان بالقدرة على ما يكون في الوقت الثالث او انما يوصف بالقدرة على ما يكون في الثانى على مقالتين
فقال قائلون ان الانسان قادر بقدرته على ان يفعل في الثانى ولا يوصف بالقدرة في حال حدوثها انه قادر بها على ما يكون في الثالث
وقال قائلون هو قادر بقدرته على الفعل في الثانى والثالث وعلى مالا يتناهى من الافعال ان يأتى به في اوقات لا تتناهى ان بقيت قدرته واحال هؤلاء ان يكون ما يقدر عليه في الثالث يفعله في الثانى وما يقدر عليه في الرابع يفعله في الثالث
واختلفوا هل يقدر الانسان في الوقت الاول ان يفعل في الثانى اشياء متضادة او شيئين
فقال بعضهم انما يقدر ان يفعل في الثانى شيئا ان يرد ذلك الشىء فهو قادر على شيئين في الثانى متضادين على البدل فقط
وقال بعضهم هو قادر في حال حدوث القدرة ان يفعل اشياء متضادة في الوقت الثانى على البدل
واختلفت المعتزلة هل يقدر الانسان على حركة في الثانى او على حركات (1/236)
فزعم ابو الهذيل انه يقدر على حركة في الثانى وسكون على لبدل فان فعل الحركة في الثانى وفعل معها كونا يمنة كانت حركة يمنة وكذلك ان فعل معها كونا يسرة كانت حركة يسرة وكذلك القول في سائر الاكوان
وقال غيره الانسان يقدر على حركات في الثانى متضادات وسكون على البدل وزعم صاحب هذا القول ان الحركة ضرب من الاكوان وهى يمنة ضد الحركة يسرة
واختلفت المعتزلة هل القدرة التى يكون به الكلام باللسان هى التى يكون به المشى بالرجل ام لا على مقالتين
فقال قوم القدرة التى يكون بها الكلام باللسان هى التى بها يكون المشى بالرجل ومحلهما واحد وانما امتنع الكلام بالرجل لاختلاف الموانع
وقال قوم القدرة على الكلام غير القدرة على المشى ومحل كل قدرة غير محل القدرة الاخرى فقدرة المشى في الرجل وقدرة الارادة في القلب وقدرة النظر في العين (1/237)
واختلف الذين قالوا بتغاير القدرة على الارادة والمشى والكلام هل القدرة على ذلك جنس واحد ام لا على مقالتين
فقال قائلون كلها من جنس واحد وقد يجوز ان تكون قدرة الكلام من جنس قدرة المشى وان لم يتجانس المقدور عليه
وقال قائلون لا يجوز ان تكون قدرة الكلام من جنس قدرة المشى وحكى برغوث ان قوما ممن زعم ان الاستطاعة قبل الفعل وانها تنفى وتحدث لكل فعل قبله قالوا انه تحدث في الانسان قبل كل فعل استطاعات بعدد هذا الفعل وعدد كل ترك له فاذا فعل الفعل الواحد بطلت كلها وحدثت استطاعات لفعل آخر ولتركه او عجز ينفيها
واختلفوا في فعل الجوارح في اي وقت يحدث بعد حدوث الاستطاعة على ثلاثة اقاويل
فقال قوم الانسان يقدر على الحركة في حال حدوث القدرة والحرة تقع في الحال الثانية
وقال بعضهم هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة وهى لا تقع الا في الحال الثالثة لأنه لا بد من توسط الارادة
وقال قوم هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ولم (1/238)
تقع الا في الحال الرابعة لأنه لابد بعد حال الاستطاعة من حال الارادة وحال التمثيل ثم توجد الحركة
واختلفت المعتزلة هل الانسان قادر على مالا يخطر بباله ام لا على مقالتين
فزعم ابراهيم النظام ان الانسان لا يقدر على ما لا يخطر بباله
وقال سائر المعتزلة الانسان قادر على ما تصلح قدرته له خطر بباله شىء من ذلك ام لم يخطر
واختلفت المعتزلة هل يقال ان الله سبحانه قوى الكافر على الكفر ام لا على مقالتين
فقال اكثر المعتزلة لا يجوز ان يقال ان الله قوى احدا على الكفر واقدره عليه وقال عباد ان الله قد قوى الكافر على الكفر واقدره عليه
واختلفوا هل يجوز ان يألم ويحس مالا قدرة فيه
فأنكر ذلك قوم واجازه آخرون
واختلفوا في الحى هل يجوز ان يكون حيا مع عدم قدرته فأجاز ذلك بعضهم وانكره بعضهم (1/239)
واختلفوا هل يجوز ان يكون القادر يعجز على مقالتين
فانكر ذلك عباد وقال العاجز ميت وقال اكثر المعتزلة قد يكون الانسان قادرا على اشياء عاجزا عن اشياء
واختلفت المعتزلة هل تكون القدرة في الانسان ولا يقال انه قادر فزعم عباد ان حال المعاينة فيه قدرة ولا يقال انه قادر وانكر اكثر المعتزلة ان توجد قدرة لا بقادر
واختلفت المعتزلة في الممنوع هل هو قادر ام لا على اربعة اقاويل
فقال قائلون اذا منع الانسان من المشى بالقيد ومن الخروج من البيت بغلق الباب فهو قادر على ذلك مع المنع بالقيد وغلق الباب فالمنع لا يضاد القدرة
وقال آخرون القدرة فيه ولكن لا نسميه قادرا على ما منع منه
وقال قائلون بل نقول انه قادر اذا حل واطلق
وقال جعفر بن حرب الممنوع قادر وليس يقدر على شىء كما ان المنطبق جفنه بصير ولا يبصر (1/240)
واختلفوا في الذى يقدر على حمل خمسين رطلا ولا يقدر على حمل مائة رطل على مقالتين
فقال قائلون لابد من ان يكون فيه عجز عن حمل الخمسين الفاضلة على ما يقدر على حمله وقال قائلون لا عجز فيه وانما عدم القوة على ذلك فقط
واختلفوا هل يجوز ان يقوى الانسان على حمل جزءين بجزء من القوة ام لا على مقالتين
فقال قائلون قد يقدر بجزء من القدرة ان يحمل جزءين واكثر من جزءين
وقال قائلون لا يقدر على حمل جزء الا بجزء واحد من القوة ولو جاز ان يقوى على جزءين بجزء من القوة لجاز ان يقوى على حمل السموات والارضين بجزء من القوة والقائل بهذا القول الجبائى وزعم ان الانسان يحمل جزءين من الاجزاء بجزءين من القوة وانه اذا حمل جزءين من الاجزاء بجزءين من القوة ففيه اربعة اجزاء من الحمل (1/241)
واختلفت المعتزلة في العجز على ثلاث مقالات
فقال الاصم انما هو العاجز وليس له عجز غيره يعجز به
وقال اكثر المعتزلة العجز غير العاجز
وقال عباد العجز غير الانسان ولا اقول غير العاجز لان قولى عاجز خبر عن انسان وعجز
واختلفوا هل العجز عجز عن شىء ام لا على مقالتين
فزعم عباد ان العجز لا يقال انه عجز عن شىء وان القوة لا تكون قوة لا على شىء وقال اكثر المعتزلة العجز عجز عن الفعل
واختلف الذين اثبتوا العجز عجزا عن الفعل هل هو عجز عنه في حاله او في حال ثانية على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون ان الانسان يعجز عن الفعل في الثانى والعجز لا ينفى الفعل في حال حدوثه بل قد يكون مجامعا له وهو عجز عن غيره
وقال آخرون العجز وان كان عجزا عن الفعل في الثانية فان الفعل ينتفى في حال العجز لا للعجز ولكن للضرورة المجامعة له
وقال آخرون العجز ينفى الفعل في حاله ومحال وجود الفعل مع العجز
واجمع القائلون ان العجز عجز عن شىء من المعتزلة ان العجز يكون عجزا عن افعال كثيرة (1/242)
واجمع اكثر المعتزلة على ان الامر بالفعل قبله وانه لا معنى للامر به في حاله لأنه موجود واختلفوا هل يبقى الامر الى حال الفعل على مقالتين
فقال بعضهم انه يبقى الى اجل الفعل وانه يكون في حال الفعل ولا يكون امرا به واحال بعضهم ان يبقى الامر
واختلفوا هل يجوز ان يؤمر بالصلاة قبل دخول وقتها ام لا على مقالتين فأجاز ذلك بعضهم وانكره بعضهم
واختلفوا هل يجوز ان يأمر الله سبحانه بالفعل في الوقت الثانى وهو يعلم انه يحول بين الانسان وبين الفعل على ثلاثة اقاويل
فقال بعضهم يجوز ان يأمر الله بذلك وان كان يعلم انه يحول بين العباد وبينه في الثانى لأنه انما يقول له افعل ان لم نحل بينك وبين الفعل ويجوز ان يقدر على الفعل في الثانى وان كان يحال بينه وبينه في الثانى
وقال بعضهم لن يجوز ذلك في الامر ولا في القدرة
واختلفوا فيمن علم الله انه لا يؤمن
فقالت المعتزلة الا عليا الاسوارى انه مأمور بالايمان قادر عليه
وقال على الاسوارى اذا قرن الايمان الى العلم بأنه لا يكون (1/243)
احلت القول بأن الانسان مأمور به او قادر عليه واذا افرد كل قول من صاحبه فقلت هل امر الله سبحانه الكافر بالايمان واقدره عليه ونهى المؤمن عن الكفر قلت نعم
واجمعت المعتزلة على ان الشىء اذا وجد فوجود ضده في تلك الحال محال وقال اكثرهم ان الكافر تارك للايمان في حال ما هو كافر
واحالوا جميعا البدل في الموجود واختلفوا هل يقال لو كان الشىء في حال كون ضده ام لا يقال
فقال جعفر بن حرب والاسكافى قد يقال لو كان الكفار آمنوا في حال كفرهم بدلا من كفرهم الواقع لكان خيرا لهم ولا نقول انه يجوز ان يؤمنوا في حال كفرهم على وجه من الوجوه كما نقول في الكفر الماضى لو كان هذا الكافر آمن امس بدلا من كفره لكان خيرا له ولا يجوز الايمان بدلا من الكفر الماضى
واحال غيرهم من المعتزلة ان يقال لو كان الشىء على معنى لو كان وقد كان ضده
فقالوا جميعا الا الجبائى انه قد يجوز ان يكون الشىء في الوقت الثانى بدلا من ضده وان كان ضده مما يكون في الثانى واذا اجزنا (1/244)
ذلك فانما نجيز البدل مما لم يكن وقالوا جائز ان يترك في الوقت الثانى قبل مجىء الوقت ما علم الله سبحانه انه يكون في الوقت ولو كان ذلك مما يترك لم يكن كان سابقا في العلم انه يكون ولم يكن تاركا لما يكون وهذا قول الجبائى عباد
وقال الجبائى ما علم الله انه يكون في الوقت الثانى او في وقت من الاوقات وجاءنا الخبر بأنه يكون فلسنا نجيز تركه على وجه من الوجوه لان التجوزز لذلك هو الشك والشك في اخبار الله كفر وقال ما علم الله سبحانه انه يكون فمستحيل قول القائل لو كان مما يترك لم يكن العلم سابقا بأنه يكون وقد شرحنا قوله في ذلك قبل هذا الموضع
واجاز اكثر المعتزلة ان لا يكون ما اخبر الله انه يكون وعلم انه يكون بأن لا يكون كان علم واخبر انه يكون
واختلفت المعتزلة هل يقال ان الله خلق الشر والسيئات ام لا على مقالتين
فقالت المعتزلة كلها الا عباد ان الله يخلق الشر الذى هو مرض والسيئات التى هى عقوبات وهو شر في المجاز وسيئات في المجاز (1/245)
وانكر عباد ان يخلق الله سبحانه شيئا نسميه شرا او سيئة في الحقيقة
واختلفوا في اللطف على اربعة اقاويل
فقال بشر بن المعتمر ومن قال بقوله عند الله سبحانه لطف لو فعله بمن يعلم انه لا يؤمن لامن وليس يجب على الله سبحانه فعل ذلك ولو فعل الله سبحانه ذلك اللطف فآمنوا عنده لكانوا يستحقون من الثواب على الايمان الذى يفعلونه عند وجوده ما يستحقونه لو فعلوه مع عدمه وليس على الله سبحانه ان يفعل بعباده اصلح الاشياء بل ذلك محال لأنه لا غاية ولا نهاية لما يقدر عليه من الصلاح وانما عليه ان يفعل بهم ما هو اصلح لهم في دينهم وان يزيح عللهم فيما يحتاجون اليه لأداء ما كلفهم وما تيسر عليهم مع وجوده العمل بما ليس هم به وقد فعل ذلك بهم وقطع منهم
وكان جعفر بن حرب يقول ان عند الله لطفا لو اتى به الكافرين لأمنوا اختيارا ايمانا لا يستحقون عليه من الثواب ما يستحقونه مع عدم اللطف اذا آمنوا والاصلح لهم ما فعل الله بهم لأن الله لا يعرض (1/246)
عباده الا لأعلى المنازل واشرفها وافضل الثواب واكثره
وذكر عنه انه رجع عن هذا القول الى قول اكثر اصحابه
وقال جمهور المعتزلة ليس في مقدور الله سبحانه لطف لو فعله بمن علم انه لا يؤمن آمن عنده وانه لا لطف عنده لو فعله بهم لأمنوا فيقال يقدر على ذلك ولا يقدر عليه وانه لا يفعل بالعباد كلهم الا ما هو اصلح لهم في دينهم وادعى لهم الى العمل بما امرهم به وانه لا يدخر عنهم شيئا يعلم انهم يحتاجون اليه في اداء ما كلفهم اداءه اذا فعل بهم اتوا بالطاعة التى يستحقون عليها ثوابه الذى وعدهم وقالوا في الجواب عن مسئلة من سالهم هل يقدر الله سبحانه ان يفعل بعباده اصلح مما فعله بهم ان اردت انه يقدر على امثال الذى هو اصلح فالله يقدر على امثاله على مالا غاية له ولا نهاية وان اردت يقدر على شىء اصلح من هذا اى يفوقه في الصلاح قد ادخره عن عباده فلم يفعله بهم مع علمه بحاجتهم اليه في اداء ما كلفهم فان اصلح الاشياء هو الغاية ولا شىء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه او يعجز عنه
وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى لا لطف عند الله سبحانه يوصف (1/247)
بالقدرة على ان يفعله بمن علم انه لا يؤمن فيؤمن عنده وقد فعل الله بعباده ما هو اصلح لهم في دينهم ولو كان في معلومه شىء يؤمنون عنده او يصلحون به ثم لم يفعله بهم لكان مريدا لفسادهم غير انه يقدر ان يفعل بالعباد ما لو فعله بهم ازدادوا طاعة فيزيدهم ثوابا وليس فعل ذلك واجبا عليه ولا اذا تركه كان عابثا في الاستدعاء لهم الى الايمان
واختلفوا في الألم واللذة على مقالتين
فقال قوم لن يجوز ان يؤلم الله سبحانه احدا بألم تقوم اللذة في الصلاح مقامه وقال قوم يجوز ذلك
واختلفوا هل كان يجوز ان يبتدىء الله الخلق في الجنة ويتفضل عليهم باللذات دون الاذوات ولا يكلفهم شيئا على مقالتين
فقال اكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لان الله سبحانه لا يجوز عليه في حكمته ان يعرض عباده الا لأعلى المنازل واعلى المنازل منزلة الثواب وقال لا يجوز ان لا يكلفهم الله المعرفة ويستحيل ان يكونوا اليها مضطرين فلو لم يكونوا بها مأمورين لكان الله قد اباح لهم الجهل به وذلك خروج من الحكمة (1/248)
وقال قائلون كان جائزا ان يبتدىء الله سبحانه الخلق في الجنة ويبتدئهم بالتفضل ولا يعرضهم لمنزلة الثواب ولا يكلفهم شيئا من المعرفة ويضطرهم الى معرفته وهذا قول الجبائى وغيره
واختلفت المعتزلة في لعن الله الكفار في الدنيا على مقالتين
فقال اكثرهم ذلك عدل وحكمة وصلاح للكفار لأن فيه زجرا لهم عن المعصية وغلوا في ذلك حتى زعموا ان عذاب جهنم في الآخرة نظر للكافرين في الدنيا ورحمة لهم بمعنى ان ذلك نظر لهم اذ كان قد زجرهم بكون ذلك في الآخرة عن معاصيه في الدنيا واستدعاء لهم الى طاعته وهذا قول الاسكافى
وقال قائلون منهم ذلك عدل وحكمة ولا نقول هو خير وصلاح ونعمة ورحمة
واختلفت المعتزلة في الصلاح الذى يقدر الله عليه هل له كل ام لا كل له على ثلاثة اقاويل
فقال ابو الهذيل لما يقدر الله من الصلاح والخير كل وجميع وكذلك سائر مقدوراته لها كل ولا صلاح اصلح مما فعل (1/249)
وقال غيره لا غاية لما يقدر الله عليه من الصلاح ولا كل لذلك وقالوا ان الله يقدر على صلاح لم يفعله الا انه مثل ما فعله
وقال قائلون كل ما يفعله يجوز ولا يجوز ان يكون صلاح لا يفعله وهذا قول عباد
وقال قائلون فيما يقدر الله ان يفعله بعباده شىء اصلح من شىء وقد يجوز ان يترك فعلا هو صلاح الى فعل آخر وهو صلاح يقوم مقامه
واختلفت المعتزلة فيمن علم الله انه يؤمن من الاطفال والكفار او يتوب من الفساق هل يجوز ان يميته قبل ذلك مقالتين
فقال قائلون لا يجوز ذلك بل واجب في حكمة الله ان لا يميتهم حتى يؤمنوا او يتوبوا
واجاز بشر بن المعتمر وغيره ان يميتهم قبل ان يؤمنوا او يتوبوا
واختلفوا فيمن علم الله سبحانه انه يزداد ايمانا هل يجوز ان يخترمه على مقالتين
فقال قوم من اصحاب الاصلح لا يجوز ذلك وقالوا في النبى أن الله امتحنه قبل موته بما بلغ ثوابه على طاعته اياه (1/250)
قبل مبلغ ثوابه على طاعاته اياه لو ابقاه الى يوم القيامة وجعل في هذه المحنة اعلامه انه يموت في الوقت الذى مات فيه
وقال قوم منهم ان ذلك جائز
واجمعت المعتزلة على ان الله سبحانه خلق عباده لينفعهم لا ليضرهم وان ما كان من الخلق غير مكلف فانما خلقه لينتفع به المكلف ممن خلق وليكون عبرة لمن يخلقه ودليلا واختلفوا في خلق الشىء لا ليعتبر به على مقالتين
فقال اكثرهم لن يجوز ان يخلق الله سبحانه الاشياء ليعتبر بها العباد وينتفعوا بها ولا يجوز ان يخلق شيئا لا يراه احد ولا يحس به احد من المكلفين
وقال بعضهم ممن ذهب الى ان الله عز و جل لم يأمر بالمعرفة ان جميع ما خلقه الله فلم يخلقه ليعتبر به احد ويستدل به احد وهذا قول وثمامة بن اشرس فيما اظن (1/251)
واختلفوا فيمن قطعت يده وهو مؤمن ثم كفر ومن قطعت يده وهو كافر ثم آمن على ثلاثة اقاويل
فقال قوم انه يبدل يدا اخرى لا يجوز غير ذلك
وقال قائلون لو ان مؤمنا قطعت يده فادخل النار لبدلت يده المقطوعة في حال ايمانه وكذلك الكافر اذا قطعت يده ثم آمن لأن الكافر والمؤمن ليس هما اليد والرجل
وقال قائلون توصل يد المؤمن الذى كفر ومات على الكفر بكافر قطعت يده وهو كافر ثم آمن ثم مات على ايمانه وتوصل يد الكافر الذى قطعت يده وهو كافر ثم آمن ثم مات على ايمانه بالمؤمن الذى قطعت يده وهو مؤمن ثم مات على الكفر
واختلفت المعتزلة هل خلق الله سبحانه الخلق لعلة ام لا على اربعة اقاويل
فقال ابو الهذيل خلق الله عز و جل خلقه لعلة والعلة هى الخلق والخلق هو الارادة والقول وانه انما خلق الخلق لمنفعتهم ولولا ذلك كان لا وجه لخلقهم لأن من خلق مالا ينتفع به ولا يزيل بخلقه عنه ضررا ولا ينتفع به غيره ولا يضر به غيره فهو عابث
وقال النظام خلق الله الخلق لعلة تكون وهى المنفعة والعلة (1/252)
هى الغرض في خلقه لهم وما اراد من منفعتهم ولم يثبت علة معه لها كان مخلوقا كما قال ابو الهذيل بل قال هى علة تكون وهى الغرض
وقال معمر خلق الله الخلق لعلة والعلة لعلة وليس للملل غاية ولا كل
وقال عباد خلق الله سبحانه الخلق لا لعلة
واختلفت المعتزلة في ايلام الاطفال على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون الله يؤلمهم لا لعلة ولم يقولوا انه يعوضهم من ايلامه اياهم وانكروا ذلك وانكروا ان يعذبهم في الآخرة
وقال اكثر المعتزلة ان الله سبحانه يؤلمهم عبرة للبالغين ثم يعوضهم ولولا ان يعوضهم لكان ايلامه اياهم ظلما
وقال اصحاب اللطف انه آلمهم ليعوضهم وقد يجوز ان يكون اعطاؤه اياهم ذلك العوض من غير الم اصلح وليس عليه ان يفعل الاصلح
واختلفوا هل يجوز ان يبتدىء الله سبحانه الاطفال بمثل العوض من غير الم ام لا على مقالتين
فاجاز ذلك بعض المعتزلة وانكره بعضهم (1/253)
واختلفوا في العوض الذى يستحقه الاطفال هل هو عوض دائم ام لا على مقالتين
فقال قائلون الذى يستحقونه من العوض دائم
وقال قائلون ادامة العوض تفضل وليس باستحقاق
واجمعت المعتزلة على انه لا يجوز ان يؤلم الله سبحانه الاطفال في الآخرة ولا يجوز ان يعذبهم
واختلفوا في عوض البهائم خمسة اقاويل
فقال قوم ان الله سبحانه يعوضها في المعاد وانها تنعم في الجنة وتصور في احسن الصور فيكون نعيمها لا انقطاع له
وقال قوم يجوز ان يعوضها الله سبحانه في دار الدنيا ويجوز ان يعوضها في الموقف ويجوزان يكون في الجنة على ما حكينا عن المتقدمين
وقال جعفر بن حرب والاسكافى قد يجوز ان تكون الحيات والعقارب وما اشبهها من الهوام والسباع تعوض في الدنيا او في الموقف ثم تدخل جهنم فتكون عذابا على الكافرين والفجار ولا ينالهم من الم جهنم شىء كما لا ينال خزنة جهنم (1/254)
وقال قوم قد نعلم ان لهم عوضا ولا ندرى كيف هو
وقال عباد انها تحشر وتبطل
واختلف الذين قالوا بادامة عوضها على مقالتين
فقال قوم ان الله يكمل عقولهم حتى يعطوا دوام عوضهم لا يؤلم بعضهم بعضا وقال قوم بل تكون على حالها في الدنيا
واختلفوا في الاقتصاص لبعضها من بعض على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون يقتص لبعضها من بعض في الموقف وانه لا يجوز الا ذلك وليس يجوز الاقتصاص والعقوبة بالنار ولا بالتخليد في العذاب لانهم ليسوا بمكلفين وقال قوم لا قصاص بينهم
وقال قوم ان الله سبحانه يعوض البهيمة لتمكينه البهيمة التى جنت عليها ليكون ذلك العوض عوضا لتمكينه اياها منها هذا قول الجبائى
واختلفوا فيمن دخل زرعا لغيره على مقالتين
فقال ابو شمر وهو يوافقهم في التوحيد والقدر اذا دخل الرجل زرعا لغيره فحرام عليه ان يقف فيه او يتقدم او يتأخر فان تاب وندم فليس يمكنه الا ان يكون عاصيا لله عز و جل وانه ملوم على ذلك وقال غيره الواجب عليه اذا ندم ان يخرج منه ويضمن جميع ما استهلك (1/255)
واختلفوا في نعيم الجنة هل هو تفضل او ثواب على مقالتين
فقال قائلون كل ما في الجنة ثواب ليس بتفضل
وقال بعضهم بل ما فيها تفضل ليس بثواب
القول في الآجال
اختلفت المعتزلة في ذلك على قولين
فقال اكثر المعتزلة الاجل هو الوقت الذى في معلوم الله سبحانه ان الانسان يموت فيه او يقتل فاذا قتل قتل بأجله واذا مات مات بأجله وشذ قوم من جهالهم فزعموا ان الوقت الذى في معلوم الله سبحانه ان الانسان لو لم يقتل لبقى اليه هو اجله دون الوقت الذى قتل فيه
واختلف الذين زعموا ان الاجل هو الوقت الذى في معلوم الله سبحانه ان الانسان يموت فيه او يقتل في المقتول الذى لو لم يقتل هل كان يموت ام لا على ثلاثة اقاويل (1/256)
فقال بعضهم ان الرجل لو لم يقتل مات في ذلك الوقت وهذا قول ابى الهذيل
وقال بعضهم يجوز لو لم يقتله القاتل ان يموت ويجوز ان يعيش واحال منهم محيلون هذا القول
القول في الارزاق
قالت المعتزلة ان الاجسام الله خالقها وكذلك الارزاق وهى ارزاق الله سبحانه فمن غصب انسانا مالا او طعاما فأكله اكل ما رزق الله غيره ولم يرزقه اياه وزعموا بأجمعهم ان الله سبحانه لا يرزق الحرام كما لا يملك الله الحرام وان الله سبحانه انما رزق الذى ملكه اياهم دون الذى غصبه
وقال اهل الاثبات الارزاق على ضربين منها ما ملكه الله الانسان ومنها ما جعله غذاء له وقواما لجسمه وان كان حراما عليه فهو رزقه اذ جعله الله سبحانه غذاء له لأنه قوام لجسمه (1/257)
القول في الشهادة
اختلفت المعتزلة في ذلك على اربعة اقاويل
فقال قائلون هو الصبر على ما ينال الانسان من الم الجراح المؤدى الى القتل والعزم على ذلك وعلى التقدم الى الحرب وعلى الصبر على ما يصيبه وكذلك قالوا في المبطون والغريق من مات تحت الهدم قالوا وان غوفص انسان من المسلمين بشىء مما ذكرنا فكان عزمه على التسليم والصبر قد كان تقدم ودخل في جملة اعتقاده
وقال قائلون الشهادة هى الحكم من الله سبحانه لمن قتل من المؤمنين في المعركة بأنه شهيد وتسميته بذلك
وقال قائلون الشهادة هى الحضور لقتال العدو اذا قتل سمى شهادة وقال قائلون الشهداء هم العدول قتلوا او لم يقتلوا وزعموا ان الله سبحانه قال وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس فالشهداء هم المشاهدون لهم ولاعمالهم وهم العدول المرضيون (1/258)
القول في الختم والطبع
اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين
فزعم بعضهم ان الختم من الله سبحانه والطبع على قلوب الكفار هو الشهادة والحكم انهم لا يؤمنون وليس ذلك بمانع لهم من الايمان
وقال قائلون الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف اذا صدى من غير ان يكون ذلك مانعا لهم عما امرهم به
وقالوا جعل الله ذلك سمة لهم تعرف الملئكة بتلك السمة في القلب اهل ولاية الله سبحانه من اهل عداوته
وقال اهل الاثبات قوة الكفر طبع وقال بعضهم معنى ان الله طبع على قلوب الكافرين اى خلق فيها الكفر وقالت البكرية ما سنذكره بعد هذا الموضع ان شاء الله
القول في الهدى
اختلفت المعتزلة هل يقال ان الله سبحانه هدى الكافرين ام لا على مقالتين (1/259)
فقال اكثر المعتزلة ان الله هدى الكافرين فلم يهتدوا ونفعهم بأن قواهم على الطاعة فلم ينتفعوا واصلحهم فلم يصلحوا
وقال قائلون لا نقول ان الله هدى الكافرين على وجه من الوجوه بأن بين لهم ودلهم لان بيان الله ودعاءه هدى لمن قبل دون من لم يقبل كما ان دعاء ابليس اضلال لمن قبل دون من لم يقبل
وقال اهل الاثبات لو هدى الله الكافرين لاهتدوا فلما لم يهدهم لم يهتدوا وقد يهديهم بأن يقويهم على الهدى فتسمى القدرة على الهدى هدى وقد يهديهم بأن يخلق هذاهم
واختلف الذين قالوا ان الله هدى الكافرين بان بين لهم ودلهم وان هذا هو الهدى العام في الهدى الذى يفعله بالمؤمنين دون الكافرين على مقالتين
فقال قائلون قد نقول ان الله هدى المؤمنين بان سماهم مهتدين وحكم لهم بذلك وقالوا ما يزيد الله المؤمنين بايمانهم من الفوائد والالطاف هو هدى كما قال والذين اهتدوا زادهم هدى وقال قائلون لا نقول ان الله هدى بان سمى وحكم ولكن (1/260)
نقول هدى الخلق اجمعين بأن دلهم وبين لهم وانه هدى المؤمنين بما يزيدهم من الطافه وذلك ثواب يفعله بهم في الدنيا وانه يهديهم في الآخرة الى الجنة وذلك ثواب من الله سبحانه لهم كما قال يهديهم ربهم بايمانهم تجرى من تحتهم الانهار في جنات النعيم هذا قول الجبائى
وزعم ابراهيم النظام انه قد يجوز ان يسمى طاعة المؤمنين وايمانهم بالهدى وبانه هدى الله فيقال هذا هو هدى الله اى دينه
القول في الاضلال
اختلفوا في ذلك على ثلاثة اقاويل
فقال اكثر المعتزلة معنى الاضلال من الله يحتمل ان يكون التسمية لهم والحكم بأنهم ضالون ويحتمل ان يكون لما ضلوا عن امر الله سبحانه اخبر انه اضلهم اى انهم ضلوا عن دينه ويحتمل ان يكون الاضلال هو ترك احداث اللطف والتسديد والتأييد الذى يفعله الله بالمؤمنين فيكون ترك ذلك اضلالا ويكون الاضلال فعلا حادثا ويحتمل ان يكون لما وجدهم ضلالا اخبر انه اضلهم كما يقال اجبن فلان فلانا اذا وجده جبانا (1/261)
وقال بعضهم اضلال الله الكافرين هو اهلاكه اياهم وهو عقوبة منه لهم واعتل بقول الله عز و جل في ضلال وسعر والسعر سعر النار وبقوله أئذا ضللنا في الارض اى هلكنا وتفرقت اجزاؤنا
وقال أهل الاثبات اقاويل قال بعضهم الاضلال عن الدين قوة على الكفر وقال بعضهم الاضلال عن الدين هو الترك هذا قول الكوسانى وقال بعضهم معنى اضلهم اى خلق ضلالهم وامتنعت المعتزلة ان تقول ان الله سبحانه اضل عن الدين احدا من خلقه
القول في التوفيق والتسديد
اختلفوا في التوفيق والتسديد على اربعة اقاويل
فقال قائلون التوفيق من الله سبحانه ثواب يفعله مع ايمان العبد ولا يقال للكافر موفق وكذلك التسديد
وقال قائلون التوفيق هو الحكم من الله ان الانسان موفق وكذلك التسديد
وقال جعفر بن حرب التوفيق والتسديد لطفان من الطاف الله سبحانه لا يوجبان الطاعة في العبد ولا يضطرانه اليها فاذا اتى الانسان بالطاعة كان موفقا مسددا (1/262)
وقال الجبائى التوفيق هو اللطف الذى في معلوم الله سبحانه انه اذا فعله وفق الانسان للايمان في الوقت فيكون ذلك اللطف توفيقا لأن يؤمن وأن الكافر اذا فعل به اللطف الذى يوفق للايمان في الوقت الثانى فهو موفق لأن يؤمن في الثانى ولو كان في هذا الوقت كافرا وكذلك العصمة عنده لطف من الطاف الله
وقال اهل الاثبات التوفيق هو قوة الايمان وكذلك العصمة
القول في العصمة
اختلفوا في العصمة فقال بعضهم العصمة من الله سبحانه ثواب للمعتصمين
وقال بعضهم العصمة لطف من الله يفعله بالعبد فيكون به معتصما
وقال بعضهم العصمة على وجهين احدهما هو الدعاء والبيان والزجر والوعيد وقد فعله بالكافرين ولكن لا يطلق انه معصوم ويقال ان الله عصمه فلم يتصم والوجه الآخر ما يزيد الله المؤمنين بايمانهم من الألطاف والاحكام والتأييد وقد يتفاضل الناس في العصمة ويكون ضرب من العصمة اذا اتاه بعض عبيده آمن طوعا واذا اعطاه (1/263)
غيره ازداد كفرا واذا منعه اياه اتى بكفر دون ذلك فيتفضل به على من يعلم انه ينتفع ويمنعه من يعلم انه يزداد كفرا قالوا وقد يجوز ان يكون شىء صلاحا لواحد ضررا على غيره قالوا وقد يعصم الله سبحانه من الشىء باضطرار كالعصمة من قتل نبيه صلى الله عليه و سلم
القول في النصرة والخذلان
قالت المعتزلة ان نصر الله المؤمنين قد يكون على معنى نصرهم بالحجة كما قال انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا وقد تكون النصرة بمعنى ان يزلزل اقدام الكافرين ويرعب قلوبهم فيهزموا فيكون ناصرا للمؤمنين عليهم وخاذلا لهم بما طرحه من الرعب في قلوبهم فان انهزم المؤمنون لم يكن ذلك بخذلان من الله سبحانه لهم بل هم منصورون بالحجة على الكافرين وان كانوا منهزمين
وقال اهل الاثبات النصر من الله ما يفعله ويقذفه في قلوب المؤمنين من الجرءة على الكافرين وقد تسمى القوة على الايمان نصرا
فاما الخذلان فانهم اختلفوا فيه على ثلاثة اقاويل
فقال بعضهم الخذلان
هو ترك الله سبحانه ان يحدث من الالطاف والزيادات ما يفعله بالمؤمنين كنحو قوله والذين اهتدوا زادهم (1/264)
هدى فترك الله سبحانه ان يفعل هو الخذلان من الله للكافرين
وقال بعضهم الخذلان من الله سبحانه هو تسميته اياهم والحكم بأنهم مخذولون
وقال بعضهم الخذلان عقوبة من الله سبحانه وهو ما يفعله بهم من العقوبات
وقال اهل الاثبات قولين قال بعضهم الخذلان قوة الكفر وقال بعضهم خذلهم اى خلق كفرهم
القول في الولاية والعداوة
اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين
فقالت المعتزلة الا بشر من المعتمر وطوائف منهم ان الولاية من الله سبحانه للمؤمنين مع ايمانهم وكذلك عداوته للكافرين مع كفرهم والولاية عندهم الاحكام الشرعية والمدح واحداث الالطاف والعداوة ضد ذلك وكذلك قالوا في الرضى والسخط
وقال بشر بن المعتمر الولاية والعداوة تكونان بعد حال الايمان والكفر (1/265)
وقال قائلون منهم الولاية مع الايمان والعداوة مع الكفر وهما غير الاحكام والاسماء وكذلك الرضى والسخط غير الاحكام والاسماء
وقال غير المعتزلة الولاية والعداوة من صفات الذات وكذلك الرضى والسخط
القول في الثواب في الدنيا
اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين
فقال ابراهيم النظام لا يكون الثواب الا في الآخرة وان ما يفعله الله سبحانه بالمؤمنين في الدنيا من المحبة والولاية ليس بثواب لانه انما يفعله بهم ليزدادوا ايمانا ويمتحهم بالشكر عليه
وقال سائر المعتزلة ان الثواب قد يكون في الدنيا وان ما يفعله الله سبحانه من الولاية والرضى على المؤمنين فهو ثواب
واختلفت المعتزلة في الايمان ما هو على ستة اقاويل
فقال قائلون الايمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها وان المعاصى على ضربين منها صغائر ومنها كبائر وان الكبائر على ضربين منها ما هو كفر ومنها ما ليس بكفر وان الناس يكفرون من ثلاثة اوجه (1/266)
رجل شبه الله سبحانه بخلقه ورجل جوره في حكمه او كذبه في خبره ورجل رد ما جمع المسلمون عليه عن نبيهم نصا وتوقيفا فأكفر هاؤلاء من زعم ان البارىء جسم مؤلف محدود ولم يكفر وا من سماه جسما ولم يعطه معانى الاجسام واكفروا من زعم ان الله سبحانه يرى كما ترى المرئيات بالمقابلة او المحاذاة او في مكان حالا فيه دون مكان ولم يزعموا انه يرى لا كالمرئيات واكفروا من زعم ان الله خلق الجور واراد السفه وكلف ازمنى والعجزة الذين فيهم العجز ثابت لأن هاؤلاء بزعمهم سفهوا الله وجوروه ولم يكفروا من قصد الى قادر على الفعل فقال قد كلفه الله سبحانه وليس بقادر لانه قد كذب على القادر عندهم فأخبر انه ليس بقادر ولم يكذب على الله في تكليفه اياه ولا وصفه بالعبث عندهم والقائل بهذا القول هم اصحاب ابى الهذيل والى هذا القول كان يذهب ابو الهذيل وحكى عنه ان الصغائر تغفر لمن اجتنب الكبائر على طريق التفضل لا على طريف الاستحقاق وزعم ان الايمان كله ايمان بالله منه ما تركه كفر ومنه ما تركه فسق ليس بكفر كالصلاة وصيام شهر رمضان ومنه ما تركه صغير ليس بفسق ولا كفر ومنه ما تركه ليس بكفر ولا بعصيان كالنوافل (1/267)
وقال هشام الفوضى الايمان جميع الطاعات فرضها ونفلها والايمان على ضربين ايمان بالله وايمان لله ولا يقال انه ايمان بالله فالايمان بالله ما كان تركه كفرا بالله والايمان لله يكون تركه كفرا ويكون تركه فسقا ليس بكفر نحو الصلاة والزكاة فذلك ايمان لله فمن تركه على الاستحلال كفر ومن تركه على التحريم كان تركه فسقا ليس بكفر ومما هو ايمان لله عند هشام ما يكون تركه صغيرا ليس بفسق
وقال عباد بن سليمان الايمان هو جميع ما امر الله سبحانه به من الفرض وما رغب فيه من النفل والايمان على وجهين ايمان بالله وهو ما كان تاركه او تارك شىء منه كافرا كالملة والتوحيد والايمان لله اذا تركه تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه ضلالا وفسقا ومنه ما يكون تركه صغيرا وكل افعال الجاهل بالله عنده كفر بالله
وقال ابراهيم النظام الايمان اجتناب الكبائر والكبائر ما جاء فيه الوعيد وقد يجوز ان يكون فيما لم يجىء فيه الوعيد كبير عند الله ويجوز ان لا يكون فيه كبير وان لم يكن فيه كبير فالايمان اجتناب (1/268)
ما فيه الوعيد عندنا وعند الله سبحانه وان كان فيما لم يجىء فيه الوعيد كبير فالتسمية له بالايمان وبأنه مؤمن يلزم باجتناب ما فيه الوعيد عندنا فاما عند الله سبحانه فاجتناب كل كبير
وقال آخرون الايمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله وهو ما يلزم به الاسم وما سوى ذلك فصغير مغفور باجتناب الكبير
وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائى يزعم ان الايمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه على عباده وان النوافل ليس بايمان وان كل خصلة من الخصال التى افترضها الله سبحانه فهى بعض ايمان لله وهى ايضا ايمان بالله وان الفاسق الملى مؤمن من اسماء اللغة بما فعله من الايمان وكان يزعم ان الاسماء على ضربين منها اسماء اللغة ومنها اسماء الدين فأسماء اللغة المشتقة من الافعال تتقضى مع تقضى الافعال واسماء الدين يسمى بها الانسان بعد تقضى فعله وفى حالة فعله فالفاسق الملى مؤمن من اسماء اللغة يتقضى الاسم عنه مع تقضى فعله للايمان وليس يسمى بالايمان من اسماء الدين وكان يزعم ان في اليهودى ايمانا نسميه به مؤمنا مسلما من اسماء اللغة
وكان المعتزلة بأسرها قبله الا الاصم ننكر ان يكون الفاسق (1/269)
مؤمنا ونقول ان الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر وتسميه منزلة بين المنزلتين وتقول في الفاسق ايمان لا نسميه به مؤمنا وفى اليهودي ايمان لا نسميه به مؤمنا
وكان الجبائى يزعم ان من الذنوب صغائر وكبائر وان الصغائر يستحق غفرانها باجتناب الكبائر وان الكبائر تحبط الثواب على الايمان واجتناب الكبائر يحبط عقاب الصغائر وكان يزعم ان العزم على الكبير كبير والعزم على الصغير صغير والعزم على الكفر كفر وكذلك قول ابى الهذيل كان يقول في العازم انه كالمقدم عليه وقال ابو بكر الاصم الايمان جميع الطاعات ومن عمل كبيرا ليس بكفر من اهل الملة فهو فاسق بفعله للكبير لا كافر ولا منافق مؤمن بتوحيده وما فعل من طاعته
وزعمت المعتزلة إن الله سمى إيمانا ما لم يكن في اللغة إيمانا واختلفت المعتزلة مع اقرارها بالصغائر والكبائر في الصغائر والكبائر على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون منهم كل ما اتى فيه الوعيد فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير (1/270)
وقال قائلون كل ما اتى فيه الوعيد فكبير وكل ما كان مثله في العظم فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد او في مثله فقد يجوز ان يكون كله صغيرا ويجوز ان يكون بعضه كبيرا وبعضه صغيرا وليس يجوز ان لا يكون صغيرا ولا شيئا منه
وقال جعفر بن مبشر كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمدا لها فهو مرتكب لكبيرة
واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون ان الله سبحانه يغفر الصغائر اذا اجتنبت الكبائر تفضلا
وقال قائلون يغفر الصغائر اذا اجتنبت الكبائر باستحقاق
وقال قائلون لا يغفر الصغائر الا بالتوفة
واختلفت المعتزلة هل يجوز ان يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير فيكون كبيرا على مقالتين
فقال كثير من المعتزلة لا يجوز ان يجتمع ما ليس بكير وما ليس بكبير فيكون كبيرا وليس يجوز ان يجتمع ما ليس بكفر وما ليس (1/271)
بكفر فيكون كفرا
وقال الجائى الصغائر تفع من مجتنبى الكبائر مغفورة ويجوز ان يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير من مجتنبى الكبائر فيكون ذلك كبيرا كالرجل يسرق درهما ثم درهما حتى يكون سارقا لخمسة دراهم يسرقها درهما درهما قد يجوز ان يكون سرقة كل درهم على انفراده صغيرا فاذا اجتمع ذلك كان كبيرا
وقال غيره من المعتزلة ان لم يكن سرقة كل درهم على انفراده كبيرا فليس ذلك اذا اجتمع كبيرا ولكن الذنب الكبير منعه الخمسة دراهم
واختلفت المعتزلة في التائب يتوب من الذنب ثم يعود اليه هل يؤخذ به على مقالتين
فقال قائلون بالذنب الذى تاب منه اذا عاد اليه
وقال قائلون لا يؤخذ بما سلف لأنه قد تاب منه
واختلفوا في آخذ الدرهم وسارقه من حرز هل يفسق ام لا على مقالتين
فزعم ابو الهذيل انه فاسق لأنه قد اباح يده فقهاء من فقهاء (1/272)
المسلمين ولم يفسقه غيره من المعتزلة الا جعفر بن مبشر اذا اعتمد ذلك واختلفوا في خائن درهم فصاعدا على خمسة اقاويل
فزعم جعفر بن مبشر ان مرتكب معصية متعمدا لها فاسق وان كانت سرقة درهم او اقل او اكثر وى معصية كانت
وقال الجبائى من عزم ان يخون في درهم وثلثين في الوقت الثانى من حال عزمه ثم جاء الوقت الثانى فاراد ذلك وفعله فسق لأن العزم على ذلك كفعل المعزوم عليه والارادة لأخذ الدرهم وثلثين كأخذ الدرهم وثلثين فاذا اجتمع ذلك فهو كخائن خمسة دراهم
وقال ابو الهذيل لا يفسق الا بأخذ خمسة دراهم من غير حلها او بمنعها ولا يفسق في اقل من ذلك الا سارق الدرهم باباحة يده فقهاء من فقهاء الامة
وقال قائلون لا يفسق السارق لأقل من عشرة دراهم والخائن لأقل منها وانما يفسق من سرق عشرة دراهم فصاعدا او خانها
وقال قائلون لا يفسق الخائن الا فى مائتى درهم وهذا قول النظام (1/273)
واختلفت المعتزلة فيمن لم يؤد زكاته على مقالتين
فزعم هشام الفوطى انه لا يكون مانعا للزكاة الا اذا عزم ان لا يؤديها ابدا فمن عزم ان لا يؤديها وقتا ما فليس بضال
وقال غيره من المعتزلة من منعها اهل الحاجة وقد وجبت لزمه الفسق اذا منع خمسة دراهم على قول اصحاب الخمسة او عشرة على قول اصحاب العشرة او مائتين على قول اصحاب المائتين
واجمع اصحاب الوعيد من المعتزلة ان من ادخله الله النار خلده فيها واختلفت المعتزلة هل يقال للفاسق مؤمن ام لا على ثلث مقالات
فزعم بعضهم انه يقال له آمن ولا يقال له مؤمن وهذا قول عباد
وقال قائلون لايقال آمن ولا يقال مؤمن
وقال الجبائى يقال آمن من اوصاف اللغة ويقال مؤمن من اسماء اللغة
واختلفت المعتزلة هل يعلم وعيد الكفار بالعقل او الخبر دون العقل على ستة اقاويل (1/274)
فقال بعضهم العذاب على الكبائر كلها الكفر منها وغير الكفر واجب في العقول وان ادامته كذلك
وقال بعضهم ليس يجب هذا في كل الذنوب ولكن في الكفر خاصة
وقال بعضهم ليس يجب في العقول الا التفريق بين المحسن والمسىء والولى والعدو والتفرقة تكون بضروب شتى منها تعذيب المذنب بعذاب لا ينقطع وسلامة المطيع من ذلك ومنها افناؤه وابقاء المطيع ومنها تفضيل المطيع في النعيم ولله عندهم ان يعفو عن جميع المذنبين ويديم نعيمهم تفضلا
وقال بعض من يميل الى هذا القول مظالم العباد لايجوز العفو عنها الا بعد عفو اهلها وان لم يقع العفو منها فالقصاص واجب فيها وقال عباد بن سليمان ان اهل العفو يعلمون ان الله سبحانه يجازى على كل ذنب كائنا ما كان حتى يفرق بين الفاعل وغيره ولا يعلمون ما ذلك الجزاء والجزاء والله يعلم ما هو وان يكون الا من قبل السمع
وقال قائلون ليس يعلم عقاب الكفار الا من جهة الخبر (1/275)
واختلفوا هل كان في العقل يجوز ان يغفر الله لعبده ذنبا ويعذب غيره على مثله ام لا على مقالتين
فاجاز ذلك بعضهم وهو الجبائى وانكره اكثرهم
واجمعت المعتزلة القائلون بالوعيد ان الاخبار اذا جاءت من عند الله ومخرجها عام كقوله وان الفجار لفى جحيم
ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
فليس بجائز الا ان تكون عامة في جميع اهل الصنف الذى جاء فيهم الخبر من مستحليهم ومحرميهم وزعموا جميعا انه لا يجوز ان يكون الخبر خاصا او مستثنى منه والخبر ظاهر الاخبار والاستثناء والخصوصية ليسا بظاهرين وليس يجوز عندهم ان يكون الخبر خاصا وقد جاء مجيئا عاما الا ومع الخبر ما يخصصه او تكون خصوصيته في العقل ولا يجوز ان يكون خاصا ثم يجىء الخصوصية بعد الخبر
واختلفوا اذا سمع السامع الخير الذى ظاهره العموم ولم يكن في العقل ما يخصصه ما الذى عليه في ذلك على مقالتين
فقال قائلون عليه ان يقف في عمومه حتى يتصفح القرآن (1/276)
والاجماع والاخبار فاذا لم يجد للخبر تخصيصا في القرآن ولا في الاجماع ولا في الاخبار ولا في السنن قضى على عمومه وهذا قول النظام
وقال قائلون اذا جاء الخبر ومخرجه العموم فعلى السامع لذلك ان يجعله في جميع من لزمه الاسم الذى سمى به اهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الخبر ولا يعرف من يلزمه ذلك الاسم حتى يلقى اهل اللغة فيعرفونه من الذى يلزمه ذلك الاسم فاذا علم ذلك من قبل اهل اللغة سمى به اهلها وقضى بعموم الخبر لمن لزمه الاسم وزعم قائل هذا انه لو كان في معلوم الله سبحانه انه يسمع الآية التى ظاهرها العموم من لا يسمع ما يخصصها لم يجز ان ينزلها الا ومعها تخصيصها فلما كان فى معلومه انه لا يسمع الآية التى ظاهرها العموم والمراد بها الخصوص الا من يسمع تخصيصها اذا نزلها اوجب على كل من سمع آية ظاهرها العموم ولم يسمع لها تخصيصا ان يقضى على عمومها وهذا قول ابى الهذيل والشحام
واختلفوا بأى شىء يعلم وعيد اهل الكبائر على ثلاثة اقاويل
فزعم زاعمون ان ذلك يعلم من جهة التنزيل هذا قول ابى الهذيل (1/277)
وقال بعضهم ليس يعلم ذلك من قبل التنزيل ولكن من قبل التأويل وهذا قول الفوطى
وقال الاصم انه ليس من قبل التنزيل علم ذلك ولا من قبل التأويل ولكن من قبل أن اهل الفسق مشتومون عند اهل الصلاة ولا يكون احد مشتوما الا وهو عدو لله ومن كان عدوا لله كان من اهل النار
واجمعت المعتزلة الا الاصم على وجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر مع الامكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك
فهذه اصول المعتزلة الخمسة التى يبنون عليها امرهم فقد اخبرنا عن اختلافهم فيها وهى التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين واثبات الوعيد والامر بالمعروف والنهى عن المنكر (1/278)
ذكر قول الجهمية
الذى تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وان الايمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط وانه لا فعل لأحد في الحقيقة الا الله وحده وانه هو الفاعل وان الناس انما تنسب اليهم افعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وانما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه الا انه خلق للانسان قوة كان بها الفعل وخلق له ارادة للفعل واختيارا له منفردا له بذلك كما خلق له طولا كان به طويلا ولونا كان به متلونا وكان جهم ينتحل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر (1/279)
وقتل جهم بمرو قتله سلم بن احوز المازنى في آخر ملك بنى امية ويحكى عنه انه كان يقول لا اقول ان الله سبحانه شىء لأن ذلك تشبيه له بالاشياء وكان يقول ان علم الله سبحانه محدث فيما يحكى عنه ويقول بخلق القرآن وانه لا يقال ان الله لم يزل عالما بالاشياء قبل ان تكون (1/280)
ذكر قول الضرارية اصحاب ضرار بن عمرو
والذى فارق ضرار بن عمرو به المعتزلة قوله ان اعمال العباد مخلوقة وان فعلا واحدا لفاعلين احدهما خلقه وهو الله والآخر اكتسبه وهو العبد وان الله عز و جل فاعل لافعال العباد في الحقيقة وهم فاعلون لها في الحقيقة وكان يزعم ان الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وانها بعض المستطيع وان الانسان اعراض مجتمعة وكذلك الجسم اعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومجسة وغير ذلك وان الاعراض قد يجوز ان تنقلب اجساما وابى ذلك اكثر الناس وان الانسان قد يفعل الطول والعرض والعمق وان كان ذلك ابعاضا للجسم
وكان يزعم ان كل ما تولد عن فعله كالألم الحادث عن الضربة وذهاب الحجر الحادث عن الدفعة فعل لله سبحانه وللانسان
وكان يزعم ان معنى ان الله عالم قادر انه ليس بجاهل ولا عاجز وكذلك كان يقول في سائر صفات البارىء لنفسه (1/281)
وحكى عنه انه اكان ينكر حرف ابن مسعود ويشهد ان الله سبحانه لم ينزله وكذلك حرف ابى بن كعب وانه كان يزعم انه لا يدرى لعل سرائر العامة كلها كفر وتكذيب قال ولو عرضوا على انسانا لوسعنى ان اقول لعله يضمر الكفر قال وكذلك اذا سئلت عنهم جميعا قلت لا ادرى لعلهم يسرون الكفر
وكان يزعم ان الله سبحانه يخلق حاسة سادسة يوم القيامة للمؤمنين يرون بها ماهية اي ما هو وقد تابعه على ذلك حفص الفرد وغيره (1/282)
ذكر قول الحسين بن محمد النجار
زعم الحسين بن محمد النجار واصحابه وهم الحسينية ان اعمال العباد مخلوقة لله وهم فاعلون لها وانه لا يكون في ملك الله سبحانه الا ما يريده وان الله سبحانه لم يزل مريدا ان يكون في وقته ما علم انه يكون في وقته مريدا ان لا يكون ما علم انه لا يكون
وان الاستطاعة لا يجوز ان تتقدم الفعل وان العون من الله سبحانه يحدث في حال الفعل مع الفعل وهو الاستطاعة وان الاستاعة الواحدة لا يفعل بها فعلان وان لكل فعل استطاعة تحدث معه اذا حدث وان الاستطاعة لا تبقى وان في وجودها وجود الفعل وفى عدمها عدم الفعل وان استطاعة الايمان توفيق وتسديد وفضل ونعمة واحسان وهدى وان استطاعة الكفر ضلال وخذلان وبلاء وشر وانه جائر كون الطاعة في حال المعصية التى هى تركها بأن لا تكون كانت المعصية التى هي تركها في ذلك الوقت وبأن لا يكون كان الوقت وقتا للمعصية التى هى تركها
وان المؤمن مؤمن مهتد وفقه الله سبحانه وهداه وان الكافر (1/283)
مخذول خذله الله سبحانه واضله وطبع على قلبه ولم يهده ولم ينظر له وخلق كفره ولم يصلحه ولو نظر له واصلحه لكان صالحا
وانه جائز ان يؤلم الله سبحانه الاطفال في الاخرة وجائز ان يتفضل عليهم فلا يؤلمهم
وان الله سبحانه لو لطف بجميع الكافرين لآمنوا وهو قادر ان يفعل بهم من الألطاف ما لو فعله بهم لآمنوا وان الله سبحانه كلف الكفار ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجز حل فيهم ولا لآفة نزلت بهم
وان الانسان لا يفعل في غيره وانه لا يفعل الافعال الا في نفسه كنحو الحركات والسكون والارادات والعلوم والكفر والايمان وان الانسان لايفعل ألما ولا ادراكا ولا رؤية ولا يفعل شيئا على طريق التولد وكان برغوث يميل الى قوله ويزعم ان الاشياء المتولدة فعل الله بإيجاب الطبع وذلك ان الله سبحانه طبع الحجر طبعا يذهب اذا دفع وطبع الحيوان طبعا يألم اذا ضرب وقطع
وكان يزعم ان الله سبحانه لم يزل جوادا بنفى البخل عنه وانه لم يزل متكلما بمعنى انه لم يزل غير عاجز عن الكلام وان كلام الله سبحانه محدث مخلوق (1/284)
وكان يقول في التوحيد يقول المعتزلة الا في باب الارادة والجود وكان يخالفهم في القدر ويقول بالارجاء
وكان يزعم انه جائز ان يحول الله سبحانه العين الى القلب ويجعل في العين قوة القلب فيرى الله سبحانه الانسان بعينه اى يعلمه بها وكان ينكر الرؤية لله عز و جل بالابصار على غير هذا الوجه
وكان يقول ان الميت يموت بأجله وكذلك المقتول يقتل بأجله
وان الله سبحانه يرزق الحلال ويرزق الحرام وان الرزق على ضربين رزق غذاء ورزق ملك (1/285)
ذكر قول البكرية
وهم اصحاب بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد والذى كان يذهب اليه في الكبائر التى تكون من اهل القبلة انها نفاق كلها وان مرتكب الكبيرة من اهل الصلاة عابد للشيطان مكذب لله سبحانه جاحد له منافق في الدرك الاسفل من النار مخلد فيها ابدا ان مات مصرا وانه ليس في قلبه لله عز و جل اجلال ولا تعظيم وهو مع ذلك مؤمن مسلم وان في الذنوب ما هو صغير وان الاصرار على الصغائر كبائر
وكان يزعم ان الانسان اذا طبع الله سبحانه على قلبه لم يكن مخلصا ابدا وحكى عنه زرقان ان الانسان مأمور بالاخلاص مع الطبع وان الطبع الحائل بينه وبين الاخلاص عقوبة له وانه مأمور بالايمان مع الطبع الحائل بينه وبين الايمان
وحكى زرقان عن عبد الواحد بن زيد انه كان يقول انه غير مأمور بالاخلاص وحكى بعض اصحابه عنه انه كان ينكر الامر بما قد حيل بينه وبينه
وكان يزعم ان القاتل لا توبة له وكان يزعم ان الاطفال الذين (1/286)
في المهد لا يألمون ولو قطعوا وفصلوا ويجوز ان يكون الله سبحانه لذذهم عندما يضربون ويقطعون
وكان يقول في على وطلحة والزبير انهم مغفور لهم قتالهم وانه كفر وشرك وزعم ان الله سبحانه اطلع الى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
وكان يزعم ان الله يرى يوم القيامة في صورة يخلقها وانه يكلم عباده منها
وكان يزعم ان الانسان هو الروح وكذلك جميع الحيوان ولم يكن يجوز ان يحدث الله في جماد شيئا من الحياة والعلم والقدرة
وكان يزعم ان الله هو المخترع للألم عند الضربة وقد يجوز عنده ان يحدث الضربة ولا يحدث الله الما وكذلك قوله في باب التولد
وحكى عنه ان الله بكل مكان
وكان يقول ان الاستطاعة قبل الفعل فيما حكى عنه زرقان
وكان يحرم اكل الثوم والبصل لأنه حرام على الانسان ان يقرب المسجد اذا اكلهما وكان يرى الوضوء من قرقرة البطن (1/287)
حكاية قول قوم من النساك
وفى الامة قوم ينتحلون النسك يزعمون انه جائز على الله سبحانه الحلول في الاجسام واذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا لا ندرى لعله ربنا
ومنهم من يقول انه يرى الله سبحانه في الدنيا على قدر الاعمال فمن كان عمله احسن رأى معبوده احسن
ومنهم من يجوز على الله سبحانه المعانقة والملامسة المجالسة في الدنيا وجوزوا مع ذلك على الله تعالى عن قولهم ان نلمسه
ومنهم من يزعم ان الله سبحانه ذو اعضاء وجوارح وابعاض لحم ودم على صورة الانسان له ما للانسان من الجوارح تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا
وكان في الصوفية رجل يعرف بابى شعيب يزعم ان الله يسر ويفرح بطاعة اوليائه ويغنم ويحزن اذا عصوه (1/288)
وفى النساك قوم يزعمون العبادة تبلغ بهم الى منزلة تزول عنهم العبادات وتكون الاشياء المحظوران على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم وفيهم من يزعم ان العبادة تبلغ بهم ان يروا الله سبحانه ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين ومنهم من يزعم ان العبادة تبلغ بهم الى ان يكونوا افضل من لنبين والملئكة المقربين (1/289)
حكاية جملة قول اصحاب الحديث وابل السنة
جملة ما عليه اهل الحديث والسنة والاقرار بالله وملائكته
وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وان الله سبحانه الة واحد فرد صمد لا اله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وان محمدا عبده ورسوله وان الجنة حق وان النار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من فى القبور
وان الله سبحانه على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى وان له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدى وكما قال بل يداه مبسوطتان وان له عينين بلا كيف كما قال تجرى باعيننا وان له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام
وان اسماء الله لا يقال انها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج واقروا ان لله سبحانه علما كما قال انزله بعلمه وكما قال وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه (1/290)
واثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة واثبتوا لله القوة كما قال اولم يروا ان الله الذى خلقهم هو اشد منهم قوة
وقالوا انه لا يكون في الارض من خير ولا شر الا ما شاء الله وان الاشياء تكون بمشيئة الله كما قال عز و جل وما تشاؤن الا ان يشاء الله وكما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون
وقالوا ان احدا لا يستطيع ان يفعل شيئا قبل ان يفعله او يكون احد يقدر ان يخرج عن علم الله او ان يفعل شيئا علم الله انه لا يفعله واقروا انه لا خالق الا الله وان سيئات العباد يخلقها الله وان اعمال العباد يخلقها الله عز و جل وان العباد لا يقدرون ان يخلقوا شيئا
وان الله سبحانه وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم واصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا اصلحهم ولا هداهم ولو اصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا (1/291)
مهتدين وان الله سبحانه يقدر ان يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه اراد ان لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه اراد ان يكونوا كافرين كما علم وخذلهم واضلهم وطبع على قلوبهم وان الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون انهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله كما قال ويلجئون امرهم الى الله سبحانه ويثبتون الحاجة الى الله في كل وقت والفقر الى الله في كل حال
ويقولون ان القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ او بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق
ويقولون ان الله سبحانه يرى بالابصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله عز و جل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وان موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا وان الله سبحانه (1/292)
تجلى للجبل فجعله دكا فاعلمه بذلك انه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة
ولا يكفرون احدا من اهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما اشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الايمان مؤمنون وان ارتكبوا الكبائر والايمان عندهم هو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وان ما اخطأهم لم يكن ليصيبهم وما اصابهم لم يكن ليخطئهم والاسلام هو ان يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله على ما جاء في الحديث والاسلام عندهم غير الايمان
ويقرون بأن الله سبحانه مقلب القلوب
ويقرون بشفاعة رسول الله وانها لأهل الكبائر من امته وبعذاب القبر وان الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله عز و جل للعباد حق والوقوف بين يدى الله حق
ويقرون بأن الايمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون اسماء الله هى الله ولا يشهدون على احد من اهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين (1/293)
حتى يكون الله سبحانه ينزلهم حيث شاء ويقولون امرهم الى الله ان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم ويؤمنون بان الله سبحانه يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه اهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التى رواها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهى ذلك إلى رسول الله ولا يقولون كيف لم لأن ذلك بدعة
ويقولون ان الله لم يأمر بالشر بل فنهى عنه وامر بالخير ولم يرض بالشر وان كان مريدا له
ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبه نبيه ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون ابا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضوان الله عليهم ويقرون انهم الخلفاء الراشدون المهديون افضل الناس كلهم بعد النبى
ويصدقون بالاحاديث التى جاءت عن رسول الله (1/294)
وسلم ان الله سبحانه ينزل الى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز و جل فان تنازعتم في شىء فردوه الى الله والرسول ويرون اتباع من سلف من ايمة الدين وان لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله
ويقرون ان الله سبحانه يجىء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وان الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ونحن اقرب اليه من حبل الوريد
ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل امام بر وفاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه الى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك
ويرون الدعاء لائمة المسلمين بالصلاح وان لا يخرجوا عليهم بالسيف وان لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وان عيسى ابن مريم يقتله (1/295)
ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وان الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل اليهم
ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وان الساحر كافر كما قال الله وان السحر كائن موجود في الدنيا
ويرون الصلاة على كل من مات من اهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم
ويقرون ان الجنة والنار مخلوقتان
وان من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله
وان الارزاق من قبل الله سبحانه يرزقها عباده حلالا كانت ام حراما وان الشيطان يوسوس للانسان ويشككه ويخبطه
وان الصالحين قد يجوز ان يخصهم الله بآيات تظهر عليهم
وان السنة لا تنسخ بالقرآن
وأن الأطفال امرهم الى الله ان شاء عذبهم وان شاء فعل بهم ما اراد
وان الله عالم ما العباد عاملون وكتب ان ذلك يكون وان الامور بيد الله ويرون الصبر على حكم الله والاخذ بما امر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه واخلاص العمل والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة (1/296)
الله في العابدين والنصحية لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والازراء على الناس والعجب
ويرون مجانبة كل داع الى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبدل المعروف وكف الاذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب
فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول واليه نذهب وما توفيقنا الا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل واليه المصير (1/297)
فاما اصحاب عبد الله بن سعيد القطان
فانهم يقولون باكثر ما ذكرناه عن اهل السنة ويثبتون ان البارىء تعالى لم يزل حيا عالما قادرا سميعا بصيرا عزيزا عظيما جليلا كبيرا كريما مريدا متكلما جوادا ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والارادة والكلام صفات لله سبحانه ويقولون ن اسماء الله سبحانه وصفاته لا يقال هى غيره ولا يقال ان علمه غيره كما قالت الجهمية ولا يقال ان علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة وكذلك قولهم في سائر الصفات ولا يقولون العلم هو القدرة ولا يقولون غير القدرة ويزعمون ان الصفات قائمة بالله وان الله لم يزل راضيا عمن يعلم انه يموت مؤمنا ساخطا على من يعلم انه يموت كافرا وكذلك قوله في الولاية والعداوة والمحبة
وكان يزعم ان القرآن كلام الله غير مخلوق وقوله في القدر كما حكينا عن اهل السنة والحديث وكذلك قوله في اهل الكبائر وكذلك قوله في رؤية الله سبحانه بالابصار
وكان يزعم ان البارىء لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وانه (1/298)
على ما لم يزل عليه وانه مستو على عرشه كما قال وانه فوق كل شىء تعالى
ذكر قول زهير الاثرى
فاما اصحاب زهير الاثرى فان زهيرا كان يقول ان الله سبحانه بكل مكان وانه مع ذلك مستو على عرشه وانه يرى بالابصار بلا كيف وانه موجود الذات بكل مكان وانه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم انه يجىء يوم القيامة كما قال وجاء ربك بلا كيف
ويزعم ان القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وان القرآن يوجد في اماكن كثيرة في وقت واحد وان ارادة الله سبحانه ومحبته قائمتان بالله
ويقول بالاستثناء كما يقول اصحاب الاستثناء من المرجئة الذين حكينا قولهم في الوعيد ويقول في القدر بقول المعتزلة ويزعم هو وسائر المرجئة ان الفساق من اهل القبلة مؤمنون بما معهم من الايمان فاسقون بارتكاب الكبائر وامرهم الى الله سبحانه ان شاء عذبهم وان شاء عفا عنهم (1/299)
واما ابو معاذ التومنى
فانه يوافق زهيرا في اكثر اقواله ويخالفه في القرآن ويزعم ان كلام الله حدث غير محدث ولا مخلوق وهو قائم بالله لا فى مكان
وكذلك قوله في ارادته ومحبته
وهذا آخر الكلام في الجليل (1/300)
ذكر اختلاف الناس في الدقيق
اختلف المتكلمون في الجسم ما هو على اثنتى عشرة مقالة
فقال قائلون الجسم هو ما احتمل الاعراض كالحركات والسكون وما اشبه ذلك فلا جسم الا ما احتمل الاعراض ولا ما يحتمل ان تحل الاعراض فيه الا جسم وزعموا ان الجزء الذى لا يتجزأ جسم يحتمل الاعراض وكذلك معنى الجوهر انه يحتمل الاعراض وهذا قول ابى الحسين الصالحي وزعم صاحب هذا القول ان الجزء محتمل لجميع اجناس الاعراض غير ان التأليف لا يسمى حتى يكون تأليف آخر ولكن احدهما قد يجوز على الجزء ولا نسميه تأليفا اتباعا للغة قالوا وذلك ان اهل اللغة لم يجيزوا مماسة لا شىء قالوا فانما سمى ذلك عند مجامعة الآخر له والا فحظه من ذلك قد يقدر الله سبحانه ان يحدثه فيه وان لم يكن آخر معه اذا كان يقوم به ولا يقوم بأخيه وشبهوا ذلك بالانسان يحرك اسنانه فان كان فى فيه شىء فذلك مضغ وان لم يكن فى فيه شىء لم يسم ذلك مضغا (1/301)
وقال قائلون الجسم انما كان جسما للتأليف والاجتماع وزعم هؤلاء ان الجزء الذى لا يتجزأ اذا جامع جزءا آخر لا يتجزأ فكل واحد منهما جسم في حال الاجتماع لأنه مؤتلف بالآخر فاذا افترقا لم يكونا ولا واحد منهما جسما وهذا قول بعض البغداذيين واظنه عيسى الصوفى
وقال قائلون معنى الجسم انه مؤتلف واقل الاجسام جزءان ويزعمون ان الجزءين اذا تألفا فليس كل واحد منهما جسما ولكن الجسم هو الجزءان جميعا وانه يستحيل ان يكون التركيب في واحد والواحد يحتمل اللون والطعم والرائحة وجميع الاعراض الا التركيب واحسب هذا القول للاسكافى
وزعموا ان قول القائل يجوز ان يجمع اليهما ثالث خطأ محال لأن كل واحد منهما مشغل لصاحبه واذا اشغله لم يكن للآخر مكان لأنه ان كان جزءان مكانهما واحد فقد ماس الشىء اكثر من قدره ولو جاز ذلك جاز ان تكون الدنيا تدخل في قبضة فلهذا قال لا يماس الشىء اكثر من قدره وهذا قول ابى بشر صالح بن ابى صالح ومن وافقه
وقال ابو الهذيل الجسم هو ماله يمين وشمال وظهر وبطن وأعلى (1/302)
واسفل واقل ما يكون الجسم ستة اجزاء احدهما يمين والآخر شمال واحدهما ظهر والآخر بطن واحدهما اعلى والآخر اسفل وان الجزء الواحد الذى لا يتجزأ يماس ستة امثاله وانه يتحرك ويسكن ويجامع غيره ويجوز عليه الكون والمماسة ولا يحتمل اللون والطعم والرائحة ولا شيئا من الاعراض غير ما ذكرنا حتى تجتمع هذه الستة الاجزاء فاذا اجتمعت فهى الجسم وحينئذ يحتمل ما وصفنا
وزعم بعض المتكلمين ان الجزءين اللذين لا يتجزءان يحلهما جميعا التاليف وان التاليف الواحد يكون في مكانين وهذا قول الجبائى
وقال معمر هو الطويل العريض العميق واقل الاجسام ثمانية اجزاء فاذا اجتمعت الاجزاء وجبت الاعراض وهى تفعلها بايجاب الطبع وان كل جزء يفعل في نفسه ما يحله من الاعراض وزعم انه اذا انضم جزء الى جزء حدث طول وان العرض يكون بانضمام جزءين اليهما وان العمق يحدث بأن يطبق على اربعة اجزاء اربعة اجزاء فتكون الثمانية الأجزاء جسما عريضا طويلا عميقا (1/303)
وقال هشام بن عمرو الفوطى ان الجسم ستة وثلاثون جزءا لا يتجزأ وذلك انه جعله ستة اركان وجعل كل ركن منه ستة اجزاء فالذى قال ابو الهذيل انه جزء جعله هشام ركنا وزعم ان الاجزاء لا تجوز عليها المماسة وان المماسات للاركان وان الاركان التى كل ركن منها ستة اجزاء ليست الستة الاجزاء مماسة ولا مباينة ولا يجوز ذلك الا على الاركان فاذا كان كذلك فهو محتمل لجميع الاعراض من اللون والطعم والرائحة والخشونة واللين والبرودة وما اشبه ذلك
وقال قائلون الجسم الذى سماه اهل اللغة جسما هو ما كان طويلا عريضا عميقا ولم يحدوا في ذلك عددا من الاجزاء وان كان لاجزاء الجسم عدد معلوم
وقال هشام بن الحكم معنى الجسم انه موجود وكان يقول انما اريد بقولى جسم انه موجود وانه شىء وانه قائم بنفسه
وقال النظام الجسم هو الطويل العريض العميق وليس لأجزائه عدد يوقف عليه وانه لا نصف الا وله نصف ولا جزء الا وله جزء وكانت الفلاسفة تجعل حد الجسم انه العريض العميق
وقال عباد بن سليمان الجسم هو الجوهر والاعراض التى (1/304)
لا ينفك منها وما كان قد ينفك منها من الاعراض فليس ذلك من الجسم بل ذلك غير الجسم وكان يقول الجسم هو المكان ويعتل في البارىء تعالى انه ليس بجسم بأنه لو كان جسما لكان مكانا ويعتل ايضا بأنه لو كان جسما لكان له نصف
وقال ضرار بن عمرو الجسم اعراض الفت وجمعت فقامت وثبتت فصارت جسما يحتمل الاعراض اذا حل والتغيير من حال الى حال وتلك الاعراض هى مالا تخلو الاجسام منه او من ضده نحو الحياة والموت اللذين لا يخلو الجسم من واحد منهما والالوان والطعوم التى لا ينفك من واحد من جنسها وكذلك الزنة كالثقل والخفة وكذلك الخشونة واللين والحرارة والبرودة والرطوبة اليبوسة وكذلك الصمد فاما ما ينفك منه و من ضده فليس ببعض له عنده وذلك كالقدرة والألم والعلم والجهل وليس يجوز عنده ان تجتمع هذه الاعراض وتصير اجسادا بعد وجودها ومحال ان يفعل بها ذلك الا في حال ابتدائها لأنها لا تخرج الى الوجود الا مجتمعة وقد يمكن ان يجتمع عنده كلها وهى موجودة ومحال ان يفترق كلها وهى موجودة لأنها لو افترقت مع الوجود لكان اللون موجودا لا لملون والحياة موجودة (1/305)
لا لحي فاذا قلت له فليس يجوز على هذا القياس عليها الافتراق قال مرة افتراقها فناؤها وقال مرة الافتراق يجوز على الجسمين فاما ابعاض الجسم مع الوجود فلا وقد يجوز عنده ان يفنى بعض الجسم وهو موجود على ان يجعل مكانه ضده فان لم يختلف الضدان يفن مع البعض وليس يجوز عنده ان يفنى الاكثر والا النصف على هذه الشريطة لأن الحكم فيما زعم للاغلب فاذا كان الأغلب باقيا كانت سمعة الجسم باقية واذا ارتفع الاغلب لم تبق السمة على الاقل وقد يجوز عنده ان يفنى الله بعضه ويحدث ضده وهو متحرك فيكون الكل الذى منه البعض الحادث في حال وجود الحركة متحركا بتلك الحركة وكذلك لو كان ساكنا ومحال ان تقع الحركة عنده على شىء من الاعراض وانما تقع على الجسم الذى هو اعراض مجتمعة وزعم سليمان بن جرير ان الاستطاعة هى احد ابعاض الجسم كاللون والطعم وانها مجاورة للجسم
واختلف الناس في الجوهر وفى معناه على اربعة اقاويل
فقالت النصارى الجوهر هو القائم بذاته وكل قائم بذاته فجوهر وكل جوهر فقائم بذاته (1/306)
وقال بعض المتفلسفة الجوهر هو القائم بالذات القابل للمتضادات
وقال قائلون الجوهر ما اذا وجد كان حاملا للاعراض وزعم صاحب هذا القول ان الجوهر جواهر بأنفسها وانها تعلم جواهر قبل ان تكون والقائل بهذا القول هو الجبائى
وقال الصالحى الجوهر هو ما احتمل الاعراض وقد يجوز عنده ان يوجد الجوهر ولا يخلق الله فيه عرضا ولا يكون محلالا للاعراض الا انه محتمل لها
واختلفوا في الجوهر هل هى كلها اجسام او قد يجوز وجود جواهر ليست باجسام على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون ليس كل جوهر جسما والجوهر الواحد الذى لا ينقسم محال ان يكون جسما لأن الجسم هو الطويل العريض العميق وليس الجوهر الواحد كذلك وهذا قول ابى الهذيل ومعمر والى هذا القول يذهب الجبائى
وقال قائلون لا جوهر الا جسم وهذا قول الصالحى
وقال قائلون الجواهر على ضربين جواهر مركبة وجواهر (1/307)
بسيطة غير مركبة فما ليس بمركب من الجواهر فليس بجسم وما هو مركب منها فجسم
واختلف الناس هل الجواهر جنس واحد وهل جوهر العالم جوهر واحد على سبعة اقاويل
فقال قائلون جوهر العالم جوهر واحد وان الجواهر انما تختلف وتتفق بما فيها من الاعراض وكذلك تغايرها بالاعراض انما تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فتكون الجواهر عينا واحدة شيئا واحدا وهذا قول اصحاب ارسطاطاليس
وقال قائلون الجواهر على جنس واحد وهى بانفسها جواهر وهى متغايرة بانفسها ومتفقة بانفسها وليست تختلف في الحقيقة والقائل بهذا هو الجبائى
وقال قائلون الجوهر جنسان مختلفان احدهما نور والاخر ظلمة وانهما متضادان وان النور كله جنس واحد والظلام كله جنس واحد وهم اهل التثنية وذكر عن بعضهم ان كل واحد منهما خمسة اجناس من سواد وبياض وحمرة وصفرة وخضرة
وقال قائلون الجواهر ثلاثة اجناس مختلفة وهم المرقونية (1/308)
وقال بعضهم الجواهر اربعة اجناس متضادة من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وهم اصحاب الطبائع
وقال بعضهم الجواهر خمسة اجناس متضادة اربع طبائع وروح
وقال قائلون الجواهر اجناس متضادة منها بياض ومنها سواد وصفرة وحمرة وخضرة ومنها حرارة ومنها برودة ومنها حلاوة ومنها حموضة ومنها روائح ومنها طعوم ومنها رطوبة ومنها يبوسة ومنها صور ومنها ارواح وكان يقول الحيوان كله جنس واحد وهذا قول النظام
واختلفوا في الجواهر هل يجوز على جميعها ما يجوز على بعضها
وهل يجوز ان يحل الجوهر الواحد ما يجوز ان يحل الجواهر جميعها
وهل يجوز وجودها ولا اعراض فيها ام يستحيل ذلك
فقال قائلون يجوز على الواحد من الجواهر ما يجوز على جميعها من الاعراض من الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر واجازوا حلول ذلك اجمع في الجزء الذى لا يتجزأ اذا كان منفردا واجازوا (1/309)
حلول القدرة والعلم والسمع والبصر مع الموت ومنعوا حلول الحياة مع الموت في وقت واحد قالوا لأن الحياة تضاد الموت ولا تضاد القدرة الموت لأن القدرة لو ضادت الموت لضاد العجز الحياة لأن ما ضاد شيئا عندهم فضده مضاد لضده وزعموا ان الادراك جائز كونه عندهم مع العمني ومنعوا كون البصر مع العمى لأن البصر عندهم مضاد للعمى وزعموا ان الحياة لا تضاد الجمادية وانه جائز ان يخلق الله مع الجمادية حياة وجوزوا ان يعرى الله الجواهر من الاعراض وان يخلقها لا اعراض فيها والقائلون بهذا القول اصحاب ابى الحسين الصالحى وكان ابو الحسين يذهب الى هذا القول وجوز ابو الحسين الصالحى ان يجمع الله بين الحجر الثقيل والجو اوقاتا كثيرة ولا يخلق هبوطا ولا ضد الهبوط وان يجمع بين القطن والنار وهما على ما هما عليه ولا يخلق احراقا ولا ضد الاحراق وان يجمع بين البصر الصحيح والمرءي مع عدم الآفات ولا يخلق ادراكا ولا ضد الادراك واحالوا ان يجمع الله بين المتضادات وجوزوا ان يعدم الله قدرة الانسان مع وجود حياته فيكون حيا غير قادر وان يفنى حياته مع وجود قدرته وعلمه فيكون عالما قادرا ميتا وجوزوا ان يرفع الله (1/310)
تعالى ثقل السموات والارضين من غير ان ينقص شيئا من اجزائهما حتى يكونا اخف من ريشة واحال ان يوجد الله تعالى اعراضا لا في مكان واحال ان يفنى الله قدرة الانسان مع وجود فعله فيكون فاعلا بقدرة وهى معدومة
وقال قائلون لا يجوز على الجوهر الواحد الذى لا ينقسم ما يجوز على الاجسام ولا يجوز ان يتحرك الجوهر الواحد ولا ان يسكن ولا ان ينفرد ولا ان يماس ولا ان يجامع ولا ان يفارق وهذا قول هشام وعباد واحال عباد ان يوجد حى لا قادر وان يوجد الجسم مع عدم الاعراض كلها واحال ان يوجد الفعل من الانسان مع العجز بقدرة وقد عدمت
وقال قائلون يجوز على الجوهر الواحد الذى لا ينقسم اذا انفرد ما يجوز على الاجسام من الحركة والسكون وما يتولد عنهما من المجامعة والمفارقة وسائر ما يتولد عنهما مما يفعل الأدميون كهيئته فاما الالوان والطعوم والارابيح والحياة والموت وما اشبه ذلك فلا يجوز حلوله في الجوهر ولا يجوز حلول ذلك الا في الاجسام وان الجسم اذا تحرك ففى جميع اجزائه حركة واحدة تنقسم على الاجزاء واحال قائلو هذا القول ان يعرى الله الجوهر من الاعراض والقائل بهذا القول (1/311)
ابو الهذيل وكان يقول ان الادراك يحل في القلب لا في العين وهو علم الاضطرار
وقال قائلون يجوز على الجوهر الواحد الذى لا ينقسم ما يجوز على الجسم من الحركة والسكون واللون والطعم والرائحة اذا انفرد واحالوا حلول القدرة والعلم والحياة فيه اذا انفرد وجوزوا ان يخلق الله حيا لا قدرة فيه واحالوا تعرى الجوهر من الاعراض والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائى
واحال سائر اهل الكلام غير صالح والصالحى ان يجمع الله بين العلم والقدرة والموت والجمادية والحياة والقدرة
فاما الجمع بين الحجر الثقيل والجو اوقاتا كثيرة من غير ان يخلق انحدارا وهبوطا بل يحدث سكونا والجمع بين النار والقطن من غير ان يحدث احتراقا بل يحدث ضد ذلك فقد جوز ذلك ابو الهذيل والجبائى وكثير من اهل الكلام وغلا ابو الهذيل في هذا الباب غلو كبيرا حتى جوز اجتماع الفعل المباشر والموت واجتماع الادراك والعمى واجتماع الخرس الذى هو منع عجز عن الكلام (1/312)
مع الكلام وجوز وجود اقل قليل المشى مع الزمانة كما جوز وجود اقل قليل الكلام مع الخرس ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا جوز وجود القدرة مع الموت ولا جوز وجود الادراك مع الموت
فاما وجود الادراك مع العمى فقد جوز ذلك بعض المتكلمين وقد حكى ان ابا الهذيل كان ينكر ان توجد الارادة بقدرة معدومة حتى يكون العجز مجامعا لها
وكان الاسكافى ينكر كل الفعل المباشر الذى يحل في الانسان بقوة معدومة وان يكون مجامعا لعجز الانسان ويجيز ان يجامع الفعل المتولد العجز الموت ويجوز اجتماع النار والحطب اوقاتا من غير ان يحدث الله سبحانه احراقا وان يثبت الحجر اوقاتا كثيرة من غير ان يحدث الله سبحانه فيه هبوطا وينكر اجتماع الادراك مع العمى والكلام والخرس والمشى والزمانة والعلم والموت والقدرة والموت ويحيل ان يفرد الله الحياة من القدرة حتى يكون الانسان حيا غير قادر
واختلفوا هل يجوز ان يحل اليد علم وادراك وقدرة على العلم ام لا يجوز ذلك (1/313)
فجوز ذلك بعض المتكلمين منهم الاسكافى وغيره وانكره بعضهم واحاله الا ان تنقض بنية اليد وتحول عما هى عليه منهم الجبائى
وانكر كثير من اهل الكلام ما حكينا من مجامعة الحجر الجو اوقاتا من غير ان يحدث الله سبحانه انحدارا ومجامعة النار الحطب اوقاتا من غير ان يحدث الله احراقا وكذلك انكروا كون الادراك مع العمى والكلام مع الخرس ووقوع الفعل بقدرة معدومة ووجود الزمانة مع المشى ووجود العلم مع الموت ويحيلون ان يفرد الحياة من القدرة حتى يكون الانسان حيا غير قادر وهذا قول بعض البغداذيين الخياط وغيره
واختلف الناس في الجسم هل يجوز ان يتفرق او يبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءا ام لا يتجزأ ذلك وفيما يحل في الجسم على اربع عشرة مقالة
فقال ابو الهذيل ان الجسم يجوز ان يفرقه الله سبحانه ويبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءا لا يتجزأ وان الجزء الذى لا يتجزأ لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق
وانه قد يجوز ان يجامع غيره وان يفارق غيره وان الخردلة يجوز (1/314)
ان تتجزأ نصفين ثم اربعة ثم ثمانية الى ان يصير كل جزء منها لا يتجزأ واجاز ابو الهذيل على الجزء الذى لا يتجزأ الحركة والسكون والانفراد وان يماس سنة امثاله بنفسه وان يجامع غيره ويفارق غيره وان يفرده الله فتراه العيون ويخلق فينا رؤية له وادراكا له ولم يجز عليه اللون والطعم والرائحة والحياة والقدرة والعلم وقال لا يجوز ذلك الا للجسم واجاز عليه من الاعراض ما وصفنا
وكان الجبائى يثبت الجزء الذى لا يتجزأ ويقول انه يلقى بنفسه ستة امثاله ويجيز عليه الحركة والسكون واللون والكون والمماسة والطعم والرائحة اذا كان منفردا وينكر ان يحله طول او تأليف وهو منفرد او يحله علم او قدرة او حياة وهو منفرد
وكان ابو الهذيل ينكر ان يكون الجسم طويلا او عريضا او عميقا مؤتلفا ويقول انه يجتمع شيئان ليس كل واحد منهما طويلا فيكون طويلا واحدا
وقال هشام الفوطى باثبات الجزء الذى لا يتجزأ غير انه لم يجز عليه ان يماس او يباين او يرى واجاز على اركان الجسم ذلك والركن ستة اجزاء عنده والجسم من ستة اركان وقد حكينا ذلك فيما تقدم عند وصفنا اقاويل الناس في الجسم (1/315)
وحكى النظام في كتابة الجزء ان زاعمين زعموا ان الجزء الذى لا يتجزأ شىء لا طول له ولا عرض ولا عمق وليس بذى جهات ولا مما يشغل الاماكن ولا مما يسكن ولا مما يتحرك ولا يجوز عليه ان ينفرد وهذا القول يذهب اليه عباد بن سليمان ويقول ان الجزء لا يجوز عليه الحركة والسكون والكون والاشغال للاماكن وليس بذى جهات ولا يجوز عليه الانفراد ويقول معنى الجزء ان له نصفا وان النصف له نصف
وحكى النظام ان قائلين قالوا ان الجزء له جهة واحدة وكنحو ما يظهر من الاشياء وهى الصفحة التى تلقاك منها
وحكى النظام ايضا ان قائلين قالوا الجزء له ست جهات هى اعراض فيه وهى غيره وهو لا يتجزأ واعراضه غيره وعليه وقع العدد وهو لا يتجزأ من جهاته الأعلى والاسفل واليمين والشمال والقدام والخلف
وحكى ان آخرين قالوا ان الجزء قائم الا انه لا يقوم بنفسه ولا يقوم بشىء من الاشياء اقل من ثمانية اجزاء لا تتجزأ فمن سأل عن جزء منها فانما يسأل عن افراده وهو لا ينفرد ولكنه يعلم والكلام على الثمانية وذلك ان الثمانية لها طول وعرض وعمق فالطول جزءان (1/316)
والطول الى الطول بسيط له طول وعرض وعرض والبسيط الى البسيط جهة لها طول وعرض وعمق
وحكى ان آخرين قالوا تتجزأ الآجزاء حتى تنتهى الى جزئين فاذا هئت لقطعهما افناهما القطع وان توهمت واحدا منهما لم تجده في وهمك ومتى فرقت بينهما بالوهم وغير ذلك لم تجد الا فناءهما هذا آخر ما حكاه النظام
وقال صالح قبه باثبات الجزء الذى لا يتجزأ واحال ان يلقى الجزء ستة امثاله او مثليه وقال يستحيل ان يلقى الجزء الواحد جزءين وجوز ان يحله جميع الاعراض الا التركيب وحده
وجوز ابو الحسين الصالحى علىالجزء الذى لا يتجزأ الاعراض كلها وانه قد يحله المعنى الذى اذا جامع غيره سمى المعنى تركيبا ولكن لا نسميه تركيبا اتباعا للغة
وزعم ضرار وحفص الفرد والحسين النجار ان الاجزاء هى اللون والطعم الحر والبرد والخشونة واللين وهذه الاشياء المجتمعة هى الجسم وليس للاجزاء معنى غير هذه الاشياء وان قل ما يوجد من الاجزاء (1/317)
عشرة اجزاء وهو اقل قليل الجسم وان هذه الاشياء متجاورة الطف مجاورة وانكروا المداخلة
وقال معمر ان الانسان جزء لا يتجزأ واجاز ان يحل فيه العلم والقدرة والحياة والارادة والكراهة ولم يجز ان يحل فيه المماسة والمباينة والحركة والسكون واللون والطعم والرائحة
وقال النظام لا جزء الا وله جزء ولا بعض الا وله بعض ولا نصف الا وله نصف وان الجزء جائز تجزئته ابدا ولا غاية له من باب التجزؤ
وقال بعض المتفلسفة ان الجزء يتجزأ ولتجزئه غاية في الفعل فاما فى القوة والامكان فليس لتجزئه غاية
وشك شاكون فقالوا لا ندرى أيتجزأ الجزء ام لا يتجزأ
وقال قائلون ممن اثبت الجزء الذى لا يتجزأ للجزء طول في نفسه بقدره ولولا ذلك لم يجز ان يكون الجسم طويلا ابدا لأنه اذا جمع بين مالا طول له وبين مالا طول له لم يحدث له طول ابدا (1/318)
واختلفوا في الجزء الواحد هل يجوز ان يحله حركتان م لا وهل يجوز ان يحله لونان وقوتان ام لا
فقال قائلون لا يجوز ان يحل الجزء الواحد حركتان وهذا قول ابى الهذيل واكثر من يثبت الجزء الذى لا يتجزأ
وقال قائلون الجزء الواحد قد يجوز ان يحله حركتان وذلك اذا دفع الحجر دافعان حل كل جزء منه حركتان معا والقائل بهذا القول هو الجبائى
وقال ابو الهذيل انها حركة واحدة تنقسم على الفاعلين فهى حركة واحدة لا جزاء كثيرة فعلان متغايران وزعم ان الاعراض تنقسم بالمكان او بالزمان او بالفاعلين فزعم ان حركة الجسم تنقسم على عدد اجزائه وكذلك لونه فما حل هذا الجزء من الحركة غير ما حل الجزء الآخر وان الحركة تنقسم بالزمان فيكون ما وجد في هذا الزمان غير ما يوجد في الآخر وان الحركة تنقسم بالفاعلين فيكون فعل هذا الفاعل غير فعل الفاعل الآخر
وانكر الجبائى وغيره من اهل النظر ان تكون الحركة الواحدة تنقسم او تتجزأ او ان تتبعض او ان يكون حركة او لون او قوة (1/319)
لاحد الاشياء وقال ان الجسم اذا تحرك ففيه من الحركات بعدد اجزاء المتحرك فى كل جزء حركة وكذلك قوله في اللون وفى سائر الاعراض
وقد انكر قوم ان يحل الجزء الواحد حركتان وطولان وجوزوا ان يحله لونان منهم الاسكافى وجوز الاسكافى ان يحل الجزء الذى لا يتجزأ لونان وقوتان حتى جوز ان يحل الجزء الذى لا يتجزأ لون السماء بكمالها
وقال قائلون قد يجوز ان يحله لونان وقوتان على ما يحتمل فاما لون السماء فلا يحتمله
وقال قائلون محال ان يكون عرضان في موضع واحد وهما في الجسم المجاور وزعموا ان القوة والحركة عرضان في موضع واحد
وقال قائلون لا يجوز ان يحل الجزء الواحد حركتان ولا يجوز ان يحله لونان وكذلك قالوا في سائر الاعراض ولا يجوز ان يحل الجزء الواحد الذى لا يتجزأ من جنس واحد عرضان
وقال قائلون يجوز ان يحل الجزء الواحد قدرتان على مقدور واحد وانكر ذلك غيرهم (1/320)
وقال عباد بن سليمان انه قد يجوز ان يجتمع في الجسم ألمان ولذتان وانه قد يجوز ان يحله تأليقان واكثر من ذلك فيكون هو باحدهما مؤلفان مع غيره وبالاخر مؤلفا مع غيره
وانكر قوم ان يحل الجزء الواحد عرضان
واختلف الناس في الطفرة
فزعم النظام انه قد يجوز ان يكون الجسم الواحد في مكان ثم يصير الى المكان الثالث ولم يمر بالثانى على جهة الطفرة واعتل في ذلك بأشياء منها الدوامة يتحرك اعلاها اكثر من حركة اسفلها ويقطع الحر اكثر مما يقطع اسفلها وقطبها قال وانما ذلك لأن اعلاها يماس اشياء لم يكن حاذى ما قبلها
وقد انكر اكثر اهل الكلام قوله منهم ابو الهذيل وغيره واحالوا ان يصير الجسم الى مكان لم يمر بما قبله وقالوا هذا محال لا يصح وقالوا ان الجسم قد يسكن بعضه او اكثره متحركا وان للفرس في حال سيره وقفات خفية وفى شدة عدوه مع وضع رجله ورفعها ولهذا (1/321)
كان احد الفرسين ابطأ من صاحبه وكذلك للحجر في حال انحداره وقفات خفية بها كان ابطأ من حجر آخر اثقل منه أرسل معه وقد انكر كثير من اهل النظر ان تكون للحجر في حال انحداره وقفات من الفلاسفة وغيرهم وقالوا ان الحجرين اذا ارسلا سبق أثقلهما لأن اخف الحجرين يعترض له من الآفات اكثر مما يعترض على الحجر الاثقل فيتحرك في جهة اليمين والشمال والقدام والخلف ويقطع الحجر الآخر في حال العوائق الى تلحق هذا الحجر في جهة الانحدار فيكون هذا اسرع
وكان الجبائى يقول ان للحجر في حال انحداره وقفات وكان يقول ان القوس المؤثرة فيها حركات خفية وكذلك الحائط المبنى وتلك الحركات هى التى تولد وقوع الحائط والحركات التى في القوس والوتر هى التى يتولد عنها انقطاع الوتر
واختلف المتكلمون في الجسم يكون ملازما لمكان ومكانه سائر متحرك هذا الجسم الملازم لذلك المكان متحرك ام لا على مقالتين
فزعم كثير من المتكلمين منهم الجبائى وغيره ان الجسم اذا كان مكانه متحركا فهو متحرك وهذه حركة لا عن شىء وجوزوا ان يتحرك (1/322)
المتحرك لا عن شىء ولا الى شىء وان يحرك الله سبحانه العالم لا في شىء وقد كان ابو الهذيل يقول يجوز ان يتحرك الجسم لا عن شىء ولا الى شىء
وقال قائلون اذا تحرك مكان الشىء والشىء لازم لمكان واحد فهو ساكن غير متحرك واحال هؤلاء ان يتحرك المتحرك لا عن شىء ولا الى شىء
وكان النظام ممن يحيل ان يتحرك المتحرك لا في شىء ولا الى شىء
واختلفوا هل يجوز ان يتحرك الشىء في حال حركة مكانه فيكون يقطع مكانا ويتحرك الى مكان آخر ومكانه متحرك على مقالتين
فقال قائلون لا يجوز ذلك لأنه اذا تحرك مكانه نحو بغداذ فتحرك هو في ذلك الوقت نحو البصرة وجب ان يكون متحركا في جهتين في وقت واحد وذلك محال وهؤلاء هم الذين قالوا ان الشىء اذا تحرك مكانه فهو متحرك
وقال قائلون ذلك جائز لأنه ليس اذا تحرك مكانه كان متحركا بل يكون مكانه متحركا وهو ساكن
واختلف المتكلمون هل يكون الساكن في حال سكونه متحركا على وجه من الوجوه على مقالتين (1/323)
فقال قائلون لا يجوز ذلك وقال قائلون ذلك جائز وذلك ان الصفحة العليا من رأس ابن آدم اذا ازال الانسان رأسه عما كان يماسه من الجو وماس شيئا آخر فهى متحركة لمماستها شيئا من الجو بعد شىء وهى ساكنة على الصفحة الثانية التى تحتها فهى متحركة عن شىء وساكنة على شىء آخر وهذا زعم لا يتناقض كما لا يتناقض ان تكون مماسة لشىء مفارقة لشىء آخر في وقت واحد ويتناقض ان تكون ساكنة على شىء متحركة عن ذلك الشىء فى وقت واحد كما يتناقض ان تكون مماسة لشىء مفارقة لذلك الشىء في وقت واحد
واختلفوا هل الاجسام كلها متحركة ا م كلها ساكنة ام كيف القول في ذلك على مقالات
فقال النظام الاجسام كلها متحركة والحركة حركتان حركة اعتماد وحركة نقلة فهى كلها متحركة في الحقيقة وساكنة في اللغة والحركات هى الكون لا غير ذلك وقرأت في كتاب يضاف اليه انه قال لا ادرى ما السكون الا ان يكون يعنى كان الشىء (1/324)
في المكان وقتين اى تحرك فيه وقتين وزعم ان الاجسام في حال خلق الله سبحانه لها متحركة حركة اعتماد 2
وقال بعض المتفلسفة الجسم في حال ما خلقه الله سبحانه يتحرك حركة هى الخروج من العدم الى الوجود
وقال معمر الاجسام كلها ساكنة في الحقيقة ومتحرحة على اللغة والسكون هو السكون لا غير ذلك والجسم في حال خلق الله له ساكن
وقال ابو الهذيل الاجسام قد تتحرك في الحقيقة وتسكن في الحقيقة والحركة والسكون هما غير السكون والجسم في حال خلق الله سبحانه له لا ساكن ولا متحرك
وقال الجبائى ان الحركات والسكون اكوان للجسم والجسم في حال خلق الله له ساكن
وكان عباد يقول ان الحركات والسكون مماسات والجسم في حال خلق الله له ساكن وابى كثير من اهل النظر ان تكون الاكوان مماسات وقالوا انها غير مماسات (1/325)
واختلفوا في وقوف الارض
فقال قائلوان من اهل التوحيد منهم ابو الهذيل وغيره ان الله سبحانه سكنها وسكن العالم وجعلها واقفة لا على شىء
وقال قائلون خلق الله سبحانه تحت العالم جسما صمادا من طبعه الصعود فعمل ذلك لجسم في الصعود كعمل العالم في الهبوط فلما اعتدل ذلك وتقاوم وقف العالم ووقفت الارض
وقال قائلون ان الله سبحانه يخلق تحت الارض في كل وقت جسما ثم يفنيه في الوقت الثانى ويخلق في حال فنائه جسما آخر فتكون الارض واقفة على ذلك الجسم وليس يجوز ان يهوى ذلك الجسم في حال حدوثه ولا يحتاج الى مكان يقله لأن الشىء يستحيل ان يتحرك في حال حدوثه ويسكن
وقال قائلون ان الله سبحانه خلق الارض في جسمين احدهما ثقيل والآخر خفيف على الإعتدال فوقفت الارض لذلك
وقد ذكرنا قول المتقدمين في ذلك في الموضع الذى وصفنا فيه قول الناس في الفلك وفى وقوف الارض في كتاب مقالات الملحدين (1/326)
واختلف الناس في الحركة هل تكون سكونا ام لا فقال اكثر اهل النظر ذلك لا يجوز وقال قائلون اذا صار الجسم الى المكان فبقى فيه وقتين صارت حركته سكونا
واختلف الناس في المداخلة والمكامنة والمجاورة فقال ابراهيم النظام ان كل شىء قد يداخله ضده وخلافه فالضد هو الممانع والمفاسد لغيره مثل الحلاوة والمرارة والحر البرد والخلاف مثل الحلاوة والبرودة والحموضة والبرد وزعم ان الخفيف قد يداخل الثقيل ورب خفيف اقل كيلا من ثقيل واكثر قوة منه فاذا داخله شغله يعنى ان القليل الكيل الكثير القوة يشغل الكثير الكيل الثقيل القوة وزعم ان اللون يداخل الطعم والرائحة وانها اجسام ومعنى المداخلة ان يكون حيز احد الجسمين حيز الآخر وان يكون احد الشيئين في الآخر وسنذكر قوله في الانسان وقد انكر الناس جميعا ان يكون جسمان في موضع واحد في حين واحد وانكر ذلك جميع المختلفين من اهل الصلاة ومن قال بقوله وقال اهل التثنية ان امتزاج النور بالظلمة على المداخلة التى ثبتها ابراهيم (1/327)
وقال ضرار ان الجسم من اشياء مجتمعة على المجاورة فتجاورت الطف المجاورة وانكر المداخلة وان يكون شيئان في مكان واحد عرضان او جسمان
وقال اكثر اهل النظر انه قد يكون عرضان في مكان واحد ولا يجوز كون جسمين في مكان واحد منهم ابو الهذيل وغيره
وحكى زرقان ان ضرار بن عمرو قال الاشياء منها كوامن ومنها غير كوامن فاما اللواتى هن كوامن فمثل الزيت في الزيتون والدهن في السمسم والعصير في العنب وكل هذا على غير المداخلة التى ثبتها ابراهيم واما اللواتى ليس بكوامن فالنار في الحجر وما اشبه ذلك ومحال ان تكون النار في الحجر الا وهى محرقة له فلما رأيناها غير محرقة له علمنا انه لا نار فيه
وقد قال كثير من اهل النظر ان النار في الحجر كامنة حتى زعم انها في الحطب كامنة الاسكافى وغيره
وحكى زرقان ان ابا بكر الاصم قال ليس في العالم شىء كامن في شىء مما قالوا (1/328)
وقال ابو الهذيل وابراهيم ومعمر وهشام بن الحكم وبشر بن المعتمر الزيت كامن في الزيتون والدهن في السمسم والنار في الحجر
وقال كثير من الملحدين ان الالوان والطعوم والارابيح كامنة في الارض والماء والهواء ثم يظهرون في النشرة وغيرها من الثمار بالانتقال واتصال الاشكال بعضها ببعض وشهوا ذلك بحبة زعفران قذفت في نعارة ماء ثم غذى باشكالها فتظهر
واختلف الناس في الانسان ما هو
فقال ابو الهذيل الانسان هو الشخص الظاهر المرءى الذى له يدان ورجلان وحكى ان ابا الهذيل كان لا يجعل شعر الانسان وظفره من الجملة التى وقع عليها اسم الانسان
وحكى ان قوما قالوا ان البدن هو الانسان واعراضه ليست منه وليس يجوز الا ان يكون فيه عرض من الاعراض
وقال بشر بن المعتمر الانسان جسد وروح وانهما جميعا انسان وان الفعال هو الانسان الذى هو جسد وروح (1/329)
وكان ابو الهذيل لا يقول ان كل بعض من ابعاض الجسد فاعل على الانفراد ولا انه فاعل مع غيره ولكنه يقول الفاعل هو هذه الابعاض
وقال ضرار بن عمرو الانسان من اشياء كثيرة لون وطعم ورائحة وقوة وما اشبه ذلك وانها الانسان اذا اجتمعت وليس ها هنا جوهر غيرها
وانكر حسين النجار ان تكون القوة بعض الانسان وانكر ذلك اكثر اهل النظر
وقال عباد بن سليمان الانسان معناه انه بشر فمعنى انسان
معنى بشر ومعنى بشر انسان في حقيقة القياس وزعم ان الانسان جواهر واعراض
وقال برغوث ان الانسان هو الاخلاط من اللون والطعم والرائحة وما اشبه ذلك وان الانسان اذا تحرك بعضه وسكن بعضه فعل البعض الساكن الحركة لا من جهة ما فعله المتحرك وفعل البعض المتحرك السكون لا من جهة ما فعله الساكن وان (1/330)
كل بعض من ابعاض الانسان يفعل فعل الاخر لا من جهة ما فعله الاخر
وحكى زرقان ان هشام بن الحكم قال الانسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والررح هى الفاعلة الحساسة الدراكة دون الجسد وهو نور من الانوار
وقال ابو بكر الاصم الانسان هو الذى يرى وهو شىء واحد لا روح له وهو جوهر واحد ونفى الا ما كان محسوسا مدركا
وقال النظام الانسان هو الروح ولكنها مداخلة للبدن مشابكة له وان كل هذا في كل هذا وان البدن آفة عليه وحبس وضاغط له وحكى زرقان عنه ان الروح هى الحساسة الدراكة وانها جزء واحد وانها ليست بنور ولا ظلمة
وقال معمر الانسان جزء لا يتجزأ وهو المدبر في العالم والبدن الظاهر آله له وليس هو في مكان في الحقيقة ولا يماس (1/331)
شيئا ولا يماسه ولا يجوز عليه الحركة والسكون والالوان والطعم ولكن يجوز عليه العلم والقدرة والحياء والارادة والكراهة وانه يحرك هذا البدن بارادته ويصرفه ولا يماسه
وقال قائلون الانسان جزء لا يتجزأ وقد يجوز عليه المماسة والمباينة والحركة والسكون وهو جزء في بعض هذا البدن حال ومسكنه
القلب واجازوا عليه جميع الاعراض وهذا قول الصالحى
وكان ابن الراوندى يقول هو في القلب وهو غير الروح والروح ساكنة في هذا البدن
وقال قائلون الانسان هو الحواس الخمس وهى اجسام وهم المنانية وانه لا شىء غير الحواس الخمس
وقال آخرون الانسان هو الروح والحواس الخمس اجزاء منه والانسان جنس واحد غيرمختلف الا ان ادراكه اختلف فكان يدرك بكل جهة مالا يدركه بالاخرى لأن الآفة قد خالطه من جهة على خلاف ما خالطته من جهة اخرى فاختلف الادراك لاختلاف الاخلاط والامتزاج وهم الديصانية (1/332)
وحكى عن المرقونية انهم يزعمون ان البدن فيه حواس خمس وروح وان الروح هى الانسان وان الحواس ليس منه الا انها ارادات تؤدى اليه وهو غير البدن وجعلوه جنسا ثالثا ليس بنور ولا ظلمة
وقال اصحاب الطبائع الانسان هو الحر والبرد واليبس والبلة اختلط بهذا الضرب من الاختلاط وكذلك سمعه وسائر حواسه وكذلك جثته ولحمه ودمه وجميع هذه الامور هي الانسان
وقال اصحاب الهيولى اقاويل مختلفة فزعم بعضهم ان الانسان هو الجوهر الحى الناطق الميت وانه انسان في حال نطقه وحياته وجوزوا الموت عليه وقد كان قبل ذلك لا انسانا وقال بعضهم الانسان هو الحى الناطق وهو الجوهر واعراضه وقال آخرون بل في الجوهر شىء ليس بمماس ولا مباين ولا حد منهما مختلط بصاحبه وهو في الجوهر على انه مدبر له
واختلف الناس في الروح والنفس والحياة وهل الروح هى الحياة وغيرها وهل الروح جسم ام لا
فقال النظام الروح هى جسم وهى النفس وزعم ان الروح (1/333)
حى بنفسه وانكر ان تكون الحياة والقوة معنى غير الحى القوى وان سبيل كون الروح في هذا البدن على جهة ان البدن آفة عليه وباعث له على الاختيار ولو خلص منه لكانت افعاله على التولد والاضطرار وقد حكينا قوله في الانسان فيما تقدم من كتابنا
وقال قائلون الروح عرض وقال قائلون منهم جعفر بن حرب لا ندرى الروح جوهر او عرض واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربى ولم يخبر عنها ما هى لا انها جوهر ولا انها عرض واظن جعفرا ثبت الحياة غير الروح وثبت الحياة عرضا
وكان الجبائى يذهب الى ان الروح جسم وانها غير الحياة والحياة عرض ويعتل يقول اهل اللغة خرجت روح الانسان فزعم ان الروح لا تجوز عليها الاعراض (1/334)
وقال قائلون ليس الروح شيئا اكثر من اعتدال الطبائع الاربع ولم يرجعوا من قولهم اعتدال الا الى المعتدل ولم يثبتوا في الدنيا شيئا الا الطبائع الاربع التى هى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة
وقال قائلون ان الروح معنى خامس غير الطبائع الاربع وانه ليس في الدنيا الا الطبائع الاربع التى هى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والروح
واختلفوا في اعمال الروح فثبتها بعضهم طباعا وثبتها بعضهم اختيارا وقال قائلون الروح الدم الصافى الخالص من الكدر والعفونات وكذلك قالوا في القوة وقال قائلون الحياة هي الحرارة الغريزية وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم في الروح من اصحاب الطبائع يثبتون ان الحياة هى الروح
وكان الاصم لا يثبت الحياة والروح شيئا غير الجسد ويقول ليس اعقل الا الجسد الطويل العريض العميق الذى اراه واشاهده وكان يقول النفس هى هذا البدن بعينه لا غير وانما جرى عليها (1/335)
هذا الذكر على جهة البيان والتأكيد لحقيقة الشىء لا على انها معنى غير البدن
وذكر عن ارسطاطاليس ان النفس معنى مرتفع عن الوقوع تحت التدبير والنشوء والبلى غير دائرة وانها جوهر بسيط منبث في العالم كله من الحيوان على جهة الاعمال له والتدبير وانه لا تجوز عليه صفة قلة ولا كثرة وهى على ما وصفت من انبساطها في هذا العالم غير منقسمة الذات والبينة وانها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير
وقال آخرون بل النفس معنى موجودة ذات حدود واركان وطول وعرض وعمق وانها غير مفارقة في هذا العالم لغيرها مما يجرى عليه حكم الطول والعرض والعمق فكل واحد منهما يجمعهما صفة الحد والنهاية وهذا قول طائفة من الثنوية يقال لهم المنانية
وقالت طائفة ان النفس توصف بما وصفها هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم من معنى الحدود والنهايات الا انها غير مفارقة لغيرها مما لا (1/336)
يجوز ان يكون موصوفا بصفة الحيوان وهؤلاء الديصانية
وحكى الحريرى عن جعفر بن مبشر ان النفس جوهر ليس هو هذا الجسم وليس بجسم ولكنه معنى بين الجوهر والجسم
وقال آخرون النفس معنى غير الروح والروح غير الحياة والحياة عنده عرض وهو ابو الهذيل وزعم انه قد يجوز ان يكون الانسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة واستشهد على ذلك بقول الله عز و جل الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها
وقال جعفر بن حرب النفس عرض من الاعراض يوجد في هذا الجسم وهو احد الآلات التى يستعين بها الانسان على الفعل كالصحة والسلامة وما اشبههما وانها غير موصوفة بشىء من صفات الجواهر والاجسام
واختلف الناس في الحواس
فقالت المنانية الانسان هو الحواس الخمس وانها اجسام وانه لا شىء غير الحواس لأن الاشياء عندهم شيئان نور وظلمة (1/337)
وان النور خمس حواس وان الظلام خمس حواس سمع وبصر وحاسة الذوق والشم وحاسة اللمس
وقالت الديصانية ان الظلام موات جاهل لا حس له وان النور حى بنفسه حساس وان سمع النور هو بصره وهو ذائقه وهو شامة وانما اختلف ادراكه فصار يدرك بجهة ما لا يدرك بالجهة الاخرى لأن الآفة خالطته من جهة خلاف ما خالطته من الجهة الاخرى فاختلف الادراك لاختلاف الاعراض وزعموا ان النور بياض كله وان الظلام سواد كله وانما اختلفت الالوان فصار منها صفرة وخضرة الى غير ذلك لاختلاف اختلاط هذين اللونين وزعموا ان اللون هو الطعم
وحكى عن المرقونية انهم يزعمون ان البدن فيه روح وحواس خمس وان الروح غير الحواس وغير البدن
وقد انكر كثير من الناس الحواس وهم الذين ينفون الاعراض وزعموا انه ليس الا السميع البصير الذائق الشام اللامس وليس ها هنا سمع وبصر وحاسة ذوق وحاسة شم وحاسة يكون بها اللمس غير الجسد فدفعوا الحواس وانكروها (1/338)
وحكى زرقان عن ابى الهذيل ومعمر انهما ثبتا الحواس الخمس اعراضا غير البدن وانهما ثبتا النفس عرضا غيرها وغير البدن وثبت عباد بن سليمان ست حواس السمع والبصر وحاسة الذوق و حاسة الشم وحاسة اللمس وثبت الفرج حاسة سادسة
وحكى الجاحظ ان النظام قال ان النفس تدرك المحسوسات من هذه الخروق التى هى الاذن والفم والانف والعين لا ان للانسان سمعا هو غيره وبصرا هو غيره وان الانسان يسمع بنفسه وقد يصم لأفة تدخل عليه وكذلك يبصر بنفسه وقد يعمى لآفة تدخل عليه
واختلفوا هل يوصف البارىء عز و جل بالقدرة على ان يخلق حاسة سادسة غير هذه الحواس لمحسوس سادس ام لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يوصف بالقدرة على ان يخلق لبعض عبيده قدرة على خلق الاجسام ام لا
فزعم زاعمون منهم ضرار بن عمرو وحفص الفرد وسفيان ابن سحبان في رجال غيرهم ان البارىء عز و جل يوصف بالقدرة (1/339)
على ذلك وانه يخلق لعباده في المعاد حاسة سادسة يدركون بها ماهيتة اي يدركون بها ما هو وابى اكثر اهل الكلام من المعتزلة والخوارج وكثر من الشيع وكثير من المرجئة ذلك
وقال قائلون ان البارىء قادر ان بقدر عباده على خلق الاجسام وابى اكثر الناس ذلك
واختلفوا في الحواس الخمس هل هى جنس واحد او اجناس مختلفة فقال قائلون هى اجناس مختلفة جنس السمع غير جنس البصر وكذلك حكم كل حاسة جنسها مخالف لسائر اجناس الحواس وهى على اختلافها اعراض غير الحساس وهذا قول كثير من المعتزلة منهم الجبائى وغيره
وقال قائلون كل حاسة خلاف الحاسة الاخرى ولا نقول هى مخالفة لها لأن المخالف هو ما كان مخالفا بخلاف وهذا قول ابى الهذيل
وزعم عمرو بن بحر الجاحظ ان الحواس جنس واحد وان حاسة البصر من جنس حاسة السمع ومن جنس سائر الحواس وانما يكون الاختلاف في جنس المحسوس وفى موانع الحساس والحواس لا غير ذلك لأن النفس (1/340)
هى المدركة من هذه الفتوح ومن هذه الطرق وانما اختلفت فصار واحد منها سمعا وآخر بصرا وآخر شما على قدر ما مازجها من الموانع فاما جوهر الحساس فلا يختلف ولو اختلف جوهر الحساس لتمانع ولتفاسد كتمانع المختلف وتفاسد المتضاد وزعم ان اختلاف المحسوس من اللون والصوت في جنسهما وانفسهما ولو كان يدل على اختلاف جنس البصر والسمع لكان ينبغى ان يكون بعض البصر اشد خلافا لبعض من السمع للبصر لأن السواد وان كان مرءيا فهو اشد مخالفة لجنس البياض من جنس الحموضة للسواد قال فلما كان ذلك فاسدا لم يجب ان تختلف لحواس لاختلاف المحسوسات قال الجاحظ فالحساس ضرب واحد والحس ضرب واحد والمحسوسات ثلاثة اضرب مختلف كالطعم واللون ومتفق ك ومتضاد كالسواد والبياض وكان يجيب عن قول من قال هل يقدر الله سبحانه ان يخلق حاسة سادسة لا تعقل كيفيتها لمحسوس سادس لا تعلم كيفيته بأنه وان كان لا تعلم كيفية ذلك المحسوس فقد علم انه لا يخلو من ان يدرك بالمجاورة او بالمداخلة او بالاتصال ولا بد لتلك الحاسة من ان (1/341)
تكون من جنس الحواس الخمس كما ان حاسة البصر من جنس حاسة السمع
وزعم الجاحظ ان اصحابه اختلفوا في اختلاف طرق الحواس وشوائبها ومن اى شىء موانعها
فزعم قوم ان الذى منع السمع من وجود اللون ان شائبه ومانعه من جنس الظلام الذى يمنع من درك اللون ولا يمنع من درك الصوت وان الذى منع البصر من وجود الاصوات ان شائبه من جنس الزجاج الذى يمنع من درك الصوت ولا يمنع من درك اللون قال وعلى مثل هذا رتبوا اختلاف موانع الحواس وشوائب هذه الطرق والفتوح
قال وزعم آخرون انه انما صار الفم يجد الطعوم دون الارابيح والاصوات والالوان لأن الغالب على شوائبه الطعوم دون غيرها
وان كل شىء منها من سوى الطعوم فقليل ممنوع ومستفرغ القوى مشغول وكذلك الغالب على شوائب الاسماع الاصوات وعلى شوائب الانوف والاراييح 2
قال وزعم آخرون ان البصر انما ادرك الالوان دون الطعوم والاراييح والاصوات لقلة الالوان فيه ولو كانت كثيرة لكان منعها (1/342)
اشد ولو افرطت عليه لما وجد لونا رأسا لأن الالوان هى التى تمنع من الالوان فلقلة الموانع من اللون ادرك اللون وكذلك الذائق والشام والسامع وزعم الجاحظ ان هذا هو القياس على اصول النظام وان النظام كان يعتل للقولين الاولين
واختلف الناس هل الشم والذوق واللمس ادراك للمشموم والمذوق والملموس ام لا على مقالتين
فزعم زاعمون ان ذلك ادراك للملموس والمذوق والمشموم
وقال آخرون ان ذلك ليس بادراك للملموس والمذوق والمشموم وان الادراك للملموس والمذوق والمشموم غير الذوق واللمس والشم منهم الجبائى وغيره
واختلف الناس في الحركات والسكون والافعال
فقال الاصم لا اثبت الا الجسم الطويل العريض العميق ولم يثبت حركة غير الجسم ولا يثبت سكونا غيره ولا فعلا غيره ولا قياما غيره ولا قعودا غيره ولا افتراقا ولا اجتماعا ولا حركة ولا سكونا ولا لونا غيره ولا صوتا ولا طعما غيره ولا رائحة غيره (1/343)
فاما بعض اهل النظر ممن يزعم ان الاصم قد علم الحركات والسكون والالوان ضرورة وان لم يعلم انها غير الجسم فانه يحكى عنه انه كان لا يثبت الحركة والسكون وسائر الافعال غير الجسم ولايحكى عنه انه كان لا يثبت حركة ولا سكونا ولا قياما ولا قعودا ولا فعلا فاما من زعم ان الاصم كان لا يعلم الاعراض على وجه من الوجوه فانه يحكى عنه انه كان لا يثبت حركة ولا سكونا ولا قياما ولا قعودا ولا اجتماعا ولا افتراقا على وجه من الوجوه وكذلك يقول في سائر الاعراض
وقال هشام بن الحكم الحركات وسائر الافعال من القيام والقعود والارادة والكراهة والطاعة والمعصية وسائر ما يثبت المثبتون الاعراض اعراضا انها صفات الاجسام لا هى الاجسام ولا غيرها انها ليست بأجسام فيقع عليها التغاير
وقد حكى هذا عن بعض المتقدمين وانه كان يقول كما حكينا عن هشام وانه لم يكن يثبت اعراضا غير الاجسام
وحكى عن هشام انه كان لا يزعم ان صفات الانسان اشياء (1/344)
لان الاشياء هى الاجسام عنده وكان يزعم انها معان وليست بأشياء وحكى زرقان عن هشام بن الحكم انه كان يزعم ان الحركة معنى وان السكون ليس بمعنى فان لم يكن ما حكاه من ذلك صحيحا فقد كان بعض المتقدمين يزعم ان العالم كان ساكنا متحركا وان الحركة معنى وان السكون ليس بمعنى حكاه ابو عيسى عن اصحاب الطبائع
وقال قائلون منهم ابو الهذيل وهشام وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب والاسكافى وغيرهم الحركات والسكون والقيام والقعود والاجتماع والافتراق والطول والعرض والالوان والطعوم والاراييح والاصوات والكلام والسكوت والطاعة والمعصية والكفر والايمان وسائر افعال الانسان والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة اعراض غير الاجسام
وقال ضرار بن عمرو الالوان والطعوم والاراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والزنة ابعاض الاجسام وانها متجاورة وحكى عنه مثل ذلك في الاستطاعة والحياة وزعم ان الحركات والسكون وسائر الافعال التى تكون من الاجسام اعراض لا اجسام وحكى عنه في التأليف انه كان يثبته بعض الجسم فاما غيره ممن كان (1/345)
يذهب الى قوله في الاجسام فانه يثبت التأليف والاجتماع والافتراق والاستطاعة غير الاجسام
وقال قائلون السواد هو غير الاسود وكذلك الحلاوة هى غير الحلو وكذلك الحموضة هى غير الشىء الحامض ولم يثبتوا اللون غير الملون ولا يثبتون طعم الشىء غيره
وحكى زرقان عن جهم بن صفوان انه كان يزعم ان الحركة جسم ومحال ان تكون غير جسم لأن غير الجسم هو الله سبحانه فلا يكون شىء يشبهه
وحكى عن الجواليقية وشيطان الطاق ان الحركات هى افعال الخلق لأن الله عز و جل امرهم بالفعل ولا يكون مفعولا الا ما كان طويلا عريضا عميقا وما كان غير طويل ولا عريض ولا عميق فليس بمفعول
وقال ابراهيم النظام افاعيل الانسان كلها حركات وهى اعراض وانما يقال سكون في اللغة اذا اعتمد الجسم في المكان وقتين قيل سكن في المكان لا ان السكون معنى غير اعتماده وزعم ان الاعتمادات (1/346)
والاكوان هى الحركات وان الحركات على ضربين حركة اعتماد في المكان وحركة نقله عن المكان وزعم ان الحركات كلها جنس واحد وانه محال ان يفعل الذات فعلين مختلفين
وكان النظام فيما حكى عنه يزعم ان الطول هو الطويل وان العرض هو العريض وكان يثبت الالوان والطعوم والارابيح والاصوات والآلام والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة اجساما لطافا ويزعم ان حيز اللون هو حيز الطعم والرائحة وان الاجسام اللطاف قد تحل في حيز واحد وكان لا يثبت عرضا الا الحركة فقط
وقال معمر الاكوان كلها سكون وانما يقال لبعضها حركات في اللغة وهى كلها سكون في الحقيقة وكان يثبت الالوان والطعوم والاراييح والاصوات والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة غير الاجسام
وكان عباد بن سليمان يثبت الاعراض غير الاجسام فاذا قيل له تقول الحركة غير المتحرك والاسود غير السواد امتنع من ذلك وقال قولى في الجسم متحرك اخبار عن جسم وحركة (1/347)
فلا يجوز ان اقول الحركة غير المتحرك اذ كان قولى متحرك اخبارا عن جسم وحركة ولكن اقول الحركة غير الجسم
وقال قائلون من اصحاب الطبائع ان الاجسام كلها من اربع طبائع حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وان الطبائع الاربع اجسام ولم يثبتوا اشياء الا هذه الطبائع الاربع وانكروا الحركات وزعموا ان الالوان والطعوم والاراييح هى الطبائع الاربع
وقال قائلون منهم ان الاجسام من اربع طبائع واثبتوا الحركات ولم يثبتوا عرضا غيرها وثبتوا الالوان والاراييح من هذه الطبائع
وقال قائلون الاجسام من اربع طبائع وروح سابحة فيها وانهم لا يعقلون جسما الا هذه الخمسة الاشياء واثبتوا الحركات اعراضا
وقال قائلون بابطال الاعراض والحركات والسكون واثبتوا السواد وهو عين الشىء الاسود لا غيره وكذلك البياض وسائر الالوان وكذلك الحلاوة والحموضة وسائر الطعوم وكذلك قولهم في الاراييح وفى الحرارة انها عين الشىء الحار لا غيره وكذلك قولهم في الرطوبة والبرودة واليبوسة وكذلك قولهم في الحياة انها هى الحى (1/348)
وهؤلاء منهم من يثبت حركة الجسم وفعله غيره ومنهم من لا يثبت عرضا غير الجسم على وجه من الوجوه
وحكى عن بعض اهل التثنية من المنانية انهم يزعمون ان الاجسام من اصلين وان كل واحد من الاصلين من خمسة اجناس من سواد وبياض وصفرة وخضرة وحمرة وانهم لا يعقلون جسما الا ما كان كذلك وانهم دانوا بابطال الاعراض
وحكى عن بعض اهل التثنية من الديصانية انهم ثبتوا الاجسام من اصلين وانهم زعموا ان احد الاصلين سواد كله والآخر بياض كله وان النور هو البياض وان الظلام هو السواد وان سائر الالوان من هذين اللونين وانما اختلفت الالوان فصار منها صفرة وحمرة وخضرة لاختلاف امتزاج هذين اللونين وانهم انكروا الاعراض
فاما ابو عيسى الوراق فانه حكى ان من اهل التثنية من يثبت الاعراض من الحركات والسكون وسائر الافعال غير الاجسام وان منهم من يزعم انها صفات الاجسام لا هى الاجسام ولا غيرها وان منهم من نفاها وابطلها وزعم انه لا حركة ولا سكون ولا فعل غير الاصلين
واختلفوا في اللون هل هو الطعم ام غيره وهل الطعم هو الرائحة ام هو غيرها (1/349)
فقال قائلون اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو الصوت والجو وكذلك قولهم في السمع والبصر والذائق والشام وهؤلاء هم الديصانية
وقال قائلون اللون غير الطعم والطعم غير الرائحة والرائحة غير الجو والجو غير الصوت وهذا قول اكثر اهل النظر
واختلف الذين اثبتوا الحركات اعراضا غير الاجسام في الحركات هل هى مشتبهة ام لا وهل هى جنس واحد ام اجناس كثيرة ام ليست باجناس
فقال ابو الهذيل الحركة لا يجوز ان تشبه الحركة وكذلك العرض لا يجوز ان يشبه العرض لأن المشتبهين يشتبهان باشتباه ولكن قد يقال ان الحركة شبه الحركة وزعم ان الانسان يقدر على حركة وسكون فان فعل الحركة في الوقت الثانى من وقت قدره وفعل معها كونا يمنة فهى حركة يمنة وان فعل معها كونا يسرة فهى حركة يسرة وكذلك القول في سائر الجهات لأنا اذا قلنا حركة يمنة فقد ذكرنا الحركة وكونا يمنة وكذلك اذا قلنا الحركة يسرة فانما ثبتنا الحركة وكونا يسرة (1/350)
والحركات عنده غير الاكوان والمماسات وكذلك السكون عنده غير الاكوان والمماسات ولم يكن يزعم انه قادر ان يفعل في الوقت الاول حركات في الثانى وانما يقدر على حركة وسكون فأى الاكوان فعله وهى الثانى فالحركة حركة في تلك الجهة مع الكون ولم يكن يجعل حركة خلافا لحركة وكان ايضا لا يزعم ان الاعراض لا تختلف لان المختلف باختلاف يختلف عنده وكان لا يزعم ان الخلاف ما كان الشيئان به مختلفين وكذلك الوفاق ما كانا به متفقين وكان يزعم ان شيئا يخالف شيئا بنفسه او يشبهه ويوافقه بنفسه وكان لا يقول البارىء مخالف للعالم
وقال ابراهيم النظام حركات الانسان وافعاله كلها جنس واحد وان الحركات هى الاكوان وان الجنس الواحد لا يفعل شيئين متضادين كما لا يكون بالنار تبريد وتسخين وزعم ان التصاعد من جنس الانحدار والتيامن من جنس التياسر والطاعة من جنس المعصية والكفر من جنس الايمان والصدق من جنس الكذب (1/351)
وقال قائلون الحركات اجناس وانها متضادات والتيامن ضد التياسر والقيام ضد القعود والتقدم ضد التأخر والتصاعد ضد الانحدار وان هذه المتضادات من الاعراض مختلفة فمنها ما يختلف بنفسه كالسواد والبياض ومنها ما يختلف لعلة هى غيره ومنها ما يختلف لا لنفسه ولا لعلة هى غيره ك كالتيامن والتياسر وما اشبه ذلك وان الحركة والسكون هى الاكوان وان الانسان يقدر ان يفعل السكون في الثانى وحركات مختلفات متضادات على البدل
وقد تكون الطاعة عند هؤلاء القائلين من جنس المعصية كالحركتين في الجهة الواحدة يؤمر باحداهما فتكون طاعة وينهى عن الاخرى فتكون معصية فقد تكون الطاعة من جنس المعصية وقد تكون ضدها كالحركتين في جهتين مختلفين وقد يفعل الفاعل الواحد افعالا متضادة كالحركة والسكون
وزعم صاحب هذا القول ان الاعراض تشتبه بانفسها كالسوادين والبياضين وانها تتفق بانفسها وان الجواهر مشتبهة بانفسها وكذلك الاعراض المختلفة تختلف بانفسها كالسواد والبياض (1/352)
وكان يزعم مرة ان الذهاب يمنة من جنس الذهاب يمنة ثم رجع عن هذا وزعم ان الذهاب يمنة اذا كان في مكان فهو ضد الذهاب يمنة في مكان آخر لان الكون في مكان يضاد الكون في غيره وكان لا يثبت متفقين مشتبهين يتفقان بغيرهما وانما يتفق المتفقان بانفسهما وكذلك المشتبهان وهذا قول محمد بن عبد الوهاب الجبائى
وزعم بعض المتكلمين ان الاعراض تشتبه بغيرها وان الاعراض مختلفة بانفسها والاجسام تختلف بغيرها وهذا قول البغداذيين الخياط وغيره
وزعم البغداذيين من المعتزلة ان الطاعة لا تكون من جنس المعصية وان الكفر لا يكون من جنس الايمان وان الحركة لا تكون من جنس السكون
وقال حسين النجار ومن قال بقوله ان الاشياء المحدثات كلها مشتبهة في باب الحدث متفقة فيه اجسامها واعراضها وانه لا يشبه المخلوق الا مخلوق لأنه لو جاز ان يشبه المخلوق ما ليس بمخلوق لجاز ان يشبه الخالق ما ليس بخالق
واختلف المتكلمون في معنى الحركة والسكون واين محل ذلك في الجسم هل هو في المكان الاول او الثاني (1/353)
فقال قائلون معنى الحركة معنى الكون والحركات كلها اعتمادات ومنها انتقال ومنها ما ليس بانتقال والقائل بهذا القول النظام وزعم ان الجسم اذا تحرك من مكان الى مكان فالحركة تحدث في الاول وهى اعتماداته التى توجب الكون في الثانى وان الكون في الثانى هو حركة الجسم في الثانى
وكان محمد بن شبيب يثبت الحركة والسكون ويزعم انها الاكوان وان الاكوان منها حركة ومنها سكون وان الانسان اذا تحرك الى الثانى فاعتماده في المكان الاول الذى يوجب الكون
في الثانى ونقلة وزوال اذا صار الجسم الى الثانى لأن اهل اللغة لم يسموا الجسم زائلا منتقلا متحركا عن الاول الا اذا صار الى المكان الثانى فالمعنى حدث فيه وهو في المكان الاول وسمى زوالا في حال كونه في المكان الثانى لاتساع اللغة ونتكلم بكلام الناس على سبيل ما تكلموا به وقد يكون الكون في المكان الثانى حركة ويكون سكونا فإن كان حركة اوجب كونا في المكان الثالث وكان سكونا في الثانى (1/354)
وقال معمر معنى السكون انه الكون ولا سكون الا كون ولا كون الا سكون
وقال ابو الهذيل الحركات السكون غير الاكوان والمماسات وحركة الجسم عن المكان الاول الى الثانى تحدث فيه وهو في المكان الثانى في حال كونه فيها وهى انتقاله عن المكان الاول وخروجه عنه وسكون الجسم في المكان هو لبثه فيه زمانين فلا بد في الحركة عن المكان من مكانين وزمانين ولا بد للسكون من زمانين
وقال عباد الحركات والسكون مماسات وزعم ان معنى حركة معنى زوال وقال بشر بن المعتمر الحركة تحدث لا في المكان الاول ولا في الثانى ولكن يتحرك بها الجسم عن الاول الى الثانى
وكان الجبائى يزعم ان الحركة والسكون اكوان وان معنى الحركة معنى الزوال فلا حركة الا وهى زوال وانه ليس معنى الحركة معنى الانتقال وان الحركة المعدومة تسمى زوالا قبل كونها ولا تسمى انتقالا فقلت له فلم لا تثبت كل حركة انتقالا كما تثبت كل حركة زوالا فقال من قبل ان حبلا لو كان معلقا بسقف فحركه انسان (1/355)
لقلنا زال واضطرب وتحرك ولم نقل انه انتقل فقلت له ولم لا يقال انتقل في الجو كما قيل تحرك وزال واضطرب فلم يأت بشىء يوجب التفرقة
واختلف المتكلمون فيما يوصف به الشىء لنفسه يوصف او لعلة وفى الطاعة حسنت لنفسها او لعلة
فقال قائلون كل معصية كان يجوز ان يأمر الله سبحانه بها فهى قبيحة للنهى وكل معصية كان لا يجوز ان يبيحها الله سبحانه فهى قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه وكذلك كل ما جاز ان لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للامر به وكل ما لم يجز الا ان يأمر به فهو حسن لنفسه وهذا قول النظام
وقال الاسكافى في الحسن من الطاعات حسن لنفسه والقبيح ايضا قبيح لنفسه لا لعلة واظنه كان يقول في الطاعة انها طاعة لنفسها وفى المعصية انها معصية لنفسها
وقال قائلون الطاعة انما سميت طاعة لله لأنه امر بها لا لنفسها وقال قائلون الطاعة لله انما هى طاعة له لانه ارادها والمعصية سميت معصية له لانه كرهها (1/356)
وقال قائلون كل ما يوصف به الشىء فلنفسه وصف به وانكروا الاعراض والصفات
وقال قائلون كل ما وصف به الشىء فانما وصف به لمعنى هو صفة له وهو قول ابن كلاب وكان يقول كل معنى وصف به الشىء فهو صفة له
وقال قائلون ما وصف به الشىء قد يكون لنفسه لا لمعنى كالقول سواد وبياض وكالقول في القديم انه قديم عالم وقد يكون لعلة كالقول متحرك ساكن من غير ان تكون الحركة صفة له او السكون وثبتوا ان الصفات هى الاقوال والكلام كقولنا عالم قادر فهى صفات اسماء وكالقول يعلم ويقدر فهذه صفات لا اسماء وكالقول شىء فهذا اسم لا صفة
وقال قائلون قد يوصف الشىء بصفة لنفسه كقولنا سواد وبياض وقد يوصف لعلة كقولنا متحرك ساكن وقد يوصف لا لنفسه ولا لعلة كقولنا محدث (1/357)
واختلف الناس في الاعراض هل تبقى ام لا
فقال قائلون الاعراض كلها لا تبقى وقتين لأن الباقى انما يكون باقيا بنفسه او ببقاء فيه فلا يجوز ان تكون باقية بانفسها لأن هذا يوجب بقاءها في حال حدوثها ولا يجوز ان تبقى ببقاء يحدث فيها لانها لا تحتمل الاعراض والقائل بهذا احمد بن على الشطوى
وقال به ابو القسم البلخى محمد بن عبد الله بن مملك الاصبهانى وزعم هؤلاء ان الالوان والطعوم والاراييح والحياة والقدرة والعجز والموت والكلام والاصوات اعراض وانها لا تبقى وقتين وهم يثبتون الاعراض كلها ويزعمون انها لا تبقى زمانين
وقال قائلون انه لا عرض الا الحركات وانه لا يجوز ان تبقى والقائل بهذا النظام
وقال ابو الهذيل الاعراض منها ما يبقى ومنها مالا يبقى والحركات كلها لا تبقى والسكون منه ما يبقى ومنه مالا يبقى وزعم ان سكون اهل الجنة سكون باق وكذلك اكوانهم وحركاتهم منقطعة (1/358)
متقضبة لها آخر وكان يزعم ان الالوان تبقى وكذلك الطعوم والاراييح والحياة والقدرة تبقى ببقاء لا في مكان ويزعم ان البقاء هو قول الله عز و جل للشىء ابقه وكذلك في بقاء الجسم وفى بقاء كل ما يبقى من الاعراض وكذلك كان يزعم ان الآلام تبقى وكذلك اللذات فآلام اهل النار باقية فيهم ولذات اهل الجنة باقية فيهم
وكان محمد بن شبيب يزعم ان الحركات لا تبقى وكذلك السكون لا يبقى
وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائى يقول الحركات كلها لا تبقى والسكون على ضربين سكون الجماد وسكون الحيوان فسكون الحى المباشر الذى يفعله في نفسه لا يبقى وسكون الموات يبقى وكان يقول ان الالوان والطعوم والاراييح والحياة والقدرة والصحة تبقى ويقول ببقاء اعراض كثيرة وكان يقول ان كل ما فعله الحى في نفسه مباشرا من الاعراض فهو غير باق وكذلك يقول ان الباقى من الاعراض يبقى لا ببقاء وكذلك يقول في الاجسام انها تبقى لا ببقاء وكذلك يجيز بقاء الكلام
وقال قائلون في الحركة انها لا يجوز ان تبقى ولا يجوز ان تعاد
وقال ضرار بن عمرو والحسين بن محمد النجار ان الاعراض (1/359)
التى هى غير الاجسام يستحيل ان تبقى زمانين وكان ضرار والحسين النجار يقولان البقاء للجسم الذى هو ابعاض منها كذا ومنها كذا
وكان النجار ينكر بقاء الاستطاعة لأنها ليست بداخله في جملة الجسم وهى غيره ويستحيل ان يكون في غيرها لأنه يستحيل ان يبقى الشىء ببقاء في غيره
وقال بشر بن المعتمر السكون يبقى ولا يتقضى الا بأن يخرج الساكن منه الى حركة وكذلك السواد يبقى ولا يتقضى الا بأن يخرج منه الاسود الى ضده من بياض او غيره وكذلك في سائر الاعراض على هذا الترتيب
واختلفوا هل تفنى الاعراض ام لا
فقال قائلون الاعراض كلها لا يقال انها تفنى لأن ما جاز ان يفنى جاز ان يبقى وقال قائلون هى تفنى بمعنى تعدم وقال قائلون ما يجوز ان يبقى منها يجوز ان يفنى وما لا يجوز ان يبقى منها لا يجوز ان يفنى (1/360)
واختلفوا هل لها بقاء ام لا
فقال قائلون تبقى ببقاء الجسم وقال قائلون تبقى لا ببقاء وقال قائلون تبقى ببقاء لا في مكان
واختلفوا في فنائها
فقال قائلون تفنى بفناء لا في مكان وقال قائلون تفنى بفناء في غيرها والسواد فناء للبياض اذا حدث بعده وقال قائلون تفنى لا بفناء
واختلف الناس في رؤية الاعراض والاجسام
فقال ابو الهذيل الاجسام ترى وكذلك الحركات والسكون والالوان والاجتماع والافتراق والقيام والقعود والاضطجاع وان الانسان يرى الحركة اذا رأى الشىء متحركا ويرى السكون اذا رأى الشىء ساكنا برؤيته له ساكنا وكذلك القول في الالوان والاجتماع والافتراق والقيام والقعود والاضطجاع وكل شىء اذا راى الراءى الجسم عليه فرق بينه وبين غيره اذا كان على غير تلك المنظرة وفرق بينه وبين غيره مما ليس على منظرة فهو راء لذلك الشىء
وكان يزعم ان الانسان يلمس الحركة والسكون بلمسه للشىء (1/361)
متحركا او ساكنا لانه قد يفرق بين الساكن والمتحرك بلمسه له ساكنا ومتحركا كما يفرق بين الساكن والمتحرك برؤيته لاحدهما ساكنا والآخر متحركا وكذلك كل شىء من الاجسام اذا لمسه الانسان فرق بينه وبين غيره مما ليس على هيئته بلمسه اياه فهو يلمس ذلك العرض وكان يزعم ان الالوان لا تلمس لأن الانسان لا يفرق بين الاسود والابيض باللمس
وكان الجبائى يوافقه في رؤية الاجسام والاعراض وكان يخالفه في لمس الاعراض
وكان بعض اهل الكلام ينكر ان يكون الانسان يلمس الحرارة والبرودة ويزعم انه يجدها لا بأنه يلمسها
وقال النظام الاعراض محال ان ترى وانه لا عرض الا الحركة ومحال ان يرى الانسان الا الالوان والالوان اجسام ولا جسم يراه الراءى الا لون
وقال عباد بن سليمان الاعراض لا ترى ولا يرى الراءى (1/362)
الا الاجسام ولا يرى الا وهو ذو جهات وانكر ان يرى احد لونا او حركة او سكونا او عرضا
وقال قائلون الاجسام لا ترى ولا يرى الا لون والالوان اعراض وهو ابو الحسين الصالحى ومن قال بقوله
وقال قائلون يرى اللون والملون ولا ترى الحركات والسكون وسائر الاعراض
وقال معمر انما تدرك اعراض الجسم فاما الجسم فلا يجوز ان يدرك
واختلف الناس في خلق الشىء هل هو الشىء ام غيره
فقال ابو الهذيل خلق الشىء الذى هو تكوينه بعد ان لم يكن هو غيره وهو ارادته له وقوله له كن والخلق مع المخلوق في حاله وليس بجائز ان يخلق الله سبحانه شيئا لا يريده ولا يقول له كن وثبت خلق العرض غيره وكذلك خلق الجوهر وزعم ان الخلق الذى هو ارادة وقول لا في مكان وزعم أن التأليف هو خلق الشيء مؤلفا وان الطول هو خلق الشىء طويلا وان اللون خلقه له ملونا وابتداء الله (1/363)
الشىء بعد ان لم يكن هو خلقه له وهو غيره واعادته له غيره وهو خلقه له بعد فنائه وارادة الله سبحانه للشىء غيره وارادته للايمان غير امره به وكان يثبت الابتداء غير المبتدأ والاعادة غير المعاد والابتداء خلق الشىء اول مرة والاعادة خلقه مرة اخرى
وقال هشام بن عمرو الفوطى ابتداء الشىء مما يجوز ان يعاد غيره وابتداؤه مما لا يجوز ان يعاد ليس بغيره والارادة المراد
وكان عباد بن سليمان اذا قيل له اتقول ان الخلق غير المخلوق قال خطأ ان يقال ذلك لأن المخلوق عبارة عن شىء وخلق وكان يقول خلق الشىء غير الشىء ولا يقول الخلق غير المخلوق وكان يقول ان خلق الشىء قول كما كان يقول ابو الهذيل ولا يقول ان الله قال له كن كما كان ابو الهذيل يقول
وحكى زرقان عن معمر انه كان يزعم ان خلق الشىء غيره وللخلق خلق الى مالا نهاية له وان ذلك يكون في وقت واحد معا
وحكى عن هشام بن الحكم ان خلق الشىء صفة له لا هو هو ولا غيره
وقال بشر بن المعتمر خلق الشىء غيره والخلق قبل المخلوق وهو الارادة من الله للشىء (1/364)
وقال ابراهيم النظام الخلق من الله سبحانه الذى هو تكوين هو المكون وهو الشىء المخلوق وكذلك الابتداء هو المبتدأ والاعادة هى المعاد والارادة من الله سبحانه تكون ايجادا للشىء وهى الشىء وتكون امرا وهى غير المراد كنحو ارادة الله للايمان هى امره به وتكون حكما واخبارا وهى غير المحكوم والمخبر عنه وكان ارادة الله سبحانه ان يقيم القيامة يعنى انه حاكم بذلك مخبر به والابتداء هو المبتدأ والاعادة هى المعاد وهى خلق الشىء بعد اعدامه
وقال الجبائى الخلق هو المخلوق والارادة من الله غير المراد وفعل الانسان هو مفعوله واراداته غير مراده وكان يزعم ان ارادة الله سبحانه للايمان غير امره به وغير الايمان وارادته لتكوين الشىء غيره
واظن ان مثبتا ثبت الخلق هو المخلوق والاعادة غير المعاد واختلف الذين قالوا ان خلق الشىء غيره في الخلق هل هو مخلوق ام لا
فقال ابو موسى المراد ان الخلق غير المخلوق والخلق مخلوق في الحقيقة وليس له خلق (1/365)
وقال ابو الهذيل الخلق الذى هو تأليف والذى هو لون والذى هو طول والذى هو كذا كل ذلك مخلوق في الحقيقة وهو واقع عن قول وارادة والخلق الذى هو قول وارادة ليس بمخلوق في الحقيقة وانما يقال مخلوق في المجاز
وقال قائلون لا يقال الخلق مخلوق على وجه من الوجوه
وقال زهير الاثرى الخلق غير المخلوق وهو ارادة وقول وهو محدث ليس بمخلوق
وقال ابو معاذ التومنى الخلق حدث وليس بمحدث ولا مخلوق وان الارادة من الله سبحانه تكون ايجادا وهى خلق وتكون امرا وكان يزعم ان القرآن حدث ليس بمخلوق ولا محدث
واختلف المتكلمون في البقاء والفناء
فقال قائلون ممن يثبت خلق الشىء غيره ان الباقى باق لا ببقاء
وزعم قوم ممن يثبت الخلق هو المخلوق ان الباقى يبقى ببقاء
وقال ابو الهذيل خلق الشىء غيره والبقاء غير الباقى والفناء غير الفانى والبقاء قول الله عز و جل للشىء ابق والفناء قوله افن (1/366)
وقال قائلون من البغدايين بقاء الشىء غيره وليس للفانى فناء والفانى يفنى لا بفناء
وقال قائلون منهم الجبائى وغيره الباقى باق لا ببقاء والفانى يفنى لا بفناء غيره
وقال معمر ان للفانى فناء وللفناء فناء لا الى غاية ومحال ان يفنى الله الاشياء كلها
وقال النظام الباقى يبقى لا ببقاء والفانى فان لا بفناء
وحكى زرقان ان هشام بن الحكم قال البقاء صفة للباقى لا هو هو ولا غيره وكذلك الفناء
واختلفوا في البقاء والفناء اين يوجدان وهل يوجدان وقتا واحدا او اكثر من ذلك
فقال ابو الهذيل البقاء والفناء يوجدان لا في مكان وكذلك الخلق وكذلك الوقت لا في مكان ولا يجوز ان يوجد اكثر من وقت واحد
وقال قائلون بقاء الشىء يوجد معه وهو غيره يوجد فيه ما دام باقيا
وقال محمد بن شبيب المعنى الذى هو فناء ومن اجله يعدم الجسم لا يقال له فناء حتى يعدم الجسم وانه حال في الجسم في حال وجوده فيه ثم يعدم بعد وجوده (1/367)
وقال الجبائى فناء الجسم يوجد لا فى مكان وهو مضاد له ولكل ما كان من جنسه وزعم ان السواد الذى كان في حال وجوده بعد البياض هو فناء للبياض وكذلك كل شىء في وجوده عدم شىء فهو فناء ذلك الشىء وان فناء العرض يحل في الجسم والفناء لا يفنى
واختلفوا في معنى الباقى
فقال قائلون معنى الباقى ان له بقاء وكذلك قولهم في القديم والمحدث وهو قول عبد اله بن كلاب
وقال قائلون القديم باق بنفسه وغير باق ببقاء ومعنى القول في المحدث انه باق ان له بقاء لأنه يجوز ان يوجد غير باق
وقال قائلون ممن يذهب الى ان كل باق فهو باق لا ببقاء معنى الباقى انه كائن لا بحدوث وأن القديم لم يزل باقيا لأنه لم يزل كائنا لا بحدوث والمحدث في حال كونه بالحدوث ليس بباقى وفى الوقت الثانى هو باق لانه كائن في الوقت الثانى لا بحدوث
وقال آخرون منهم الاسكافى معنى القول في المحدث انه باق انه وجد حالين ومر عليه زمانان فاما القديم فليس ذلك معنى القول فيه انه باق لانه لم يزل باقيا على الاوقات والازمان (1/368)
واختلف الناس في المعانى القائمة بالاجسام كالحركات والسكون وما اشبه ذلك هل هى اعراض او صفات
فقال قائلون نقول انها صفات ولا نقول هى عراض ونقول هى معان ولا نقول هى الاجسام ولا نقول غيرها لأن التغاير يقع بين الاجسام وهذا قول هشام بن الحكم
وقال قائلون هى اعراض وليس بصفات لأن الصفات هى الاوصاف وهى القول والكلام كالقول زيد عالم قادر حى فاما العلم والقدرة والحياة فليست بصفات وكذلك الحركات والسكون ليست بصفات
واختلفوا لم سميت المعانى القائمة بالاجسام اعراضا
فقال قائلون سميت بذلك لانها تعترض في الاجسام وتقول بها وانكر هؤلاء ان يوجد عرض لا في مكان او يحدث عرض لا فى جسم وهذا قول النظام وكثير من اهل النظر
وقال قائلون لم تسم الاعراض اعراضا لأنها تعترض في الاجسام لأنه يجوز وجود اعراض لا في جسم وحوادث لا في مكان كالوقت والارادة من الله سبحانه والبقاء والفناء وخلق الشىء الذى هو قول وارادة من الله تعالى وهذا قول ابى الهذيل (1/369)
وقال قائلون انما سميت الاعراض اعراضا لأنها لا لبث لها وان هذه التسمية انما اخذت من قول الله عز و جل قالوا هذا عارض ممطرنا فسموه عارضا لأنه لا لبث له وقال تريدون عرض الدنيا فسمى المال عرضا لأنه الى انقضاء وزوال وقال قائلون سمى العرض عرضا لأنه لا يقوم بنفسه وليس من جنس ما يقوم بنفسه
وقال قائلون سميت المعانى القائمة بالاجسام اعراضا باصطلاح من اصطلح على ذلك من المتكلمين فلو منع هذه التسمية مانع لم نجد عليه حجة من كتاب او سنة او اجماع من الامة واهل اللغة وهذا قول طوائف من اهل النظر منهم جعفر بن حرب
وكان عبد الله بن كلاب يسمى المعانى القائمة بالاجسام اعراضا ويسميها اشياء ويسميها صفات
واختلفوا في قلب الاعراض اجساما والاجسام اعراضا فقال قائلون منهم حفص الفرد وغيره جائز ان يقلب الله الاعراض اجساما والاجسام اعراضا لأنه خلق الجسم جسما والعرض عرضا وانما كان العرض عرضا بأن خلقه الله عرضا وكان الجسم (1/370)
جسما بأن خلقه الله جسما فجائز ان يكون الذى خلقه الله عرضا يخلقه جسما والذى خلقه جسما يخلقه عرضا وكذلك زعم ان الله خلق اللون لونا والطعم طعما وكذلك قوله في سائر الاجناس وان الاشياء انما هى على ما هى عليه بأن خلقت كذلك وان الانسان لم يفعل الاشياء على ما هى عليه ولم تكن على ما هى عليه بأن فعلها كذلك
وقال اكثر اهل النظر بانكار قلب الاعراض اجساما والاجسام اعراضا وقال ذلك محال لأن القلب انما هو رفع الاعراض واحداث اعراض والاعراض لا تحتمل اعراضا واعتلوا بعلل كثيرة وقال كثير من الذين لم يقولوا بجوار قلب الاعراض منهم الجبائى لا نقول ان الله خلق الجوهر جوهرا واللون لونا والشىء شيئا ولعرض عرضا لأن الله يعلمه جوهرا قبل ان يخلقه وكذلك اللون يعلمه لونا قبل ان يخلقه وكذلك قوله فيما سمى به الشىء قبل كونه
وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم ان الله تعالى خلق الجوهر جوهرا واللون لونا والشىء شيئا والحركة حركة ولو لم يخلق الجوهر جوهرا ويحدثه جوهرا لكان قديما جوهرا فلما استحال ذلك صح انه خلقه جوهرا ولو لم يخلقه جوهرا لم يكن الجوهر بالله كان جوهرا (1/371)
واختلف الناس في المعانى
فقال قائلون ان الجسم اذا سكن فانما يسكن لمعنى هو الحركة لولاه لم يكن بأن يكون متحركا اولى من غيره ولم يكن بأن يتحرك في الوقت الذى يتحرك فيه اولى منه بالحركة قبل ذلك قالوا واذا كان ذلك كذلك الحركة لولا معنى له كانت حركة للمتحرك لم تكن بأن تكون حركة له اولى منها ان تكون حركة لغيره وذلك المعنى كان معنى لأن كانت الحركة حركة للمتحرك لمعنى آخر وليس للمعانى كل ولا جميع وانها تحدث في وقت واحد وكذلك القول في السواد والبياض وفى انه سواد لجسم دون غيره وفى انه بياض لجسم دون غيره وكذلك القول في مخالفة السواد والبياض وكذلك القول في سائر الاجناس والاعراض عندهم وان العرضين اذا اختلفا او اتفقا فلا بد من اثبات معان لا كل لها وزعموا ان المعانى التى لا كل لها فعل للمكان الذى حله وكذلك القول في الحي والميت اذا اثبتناه حيا وميتا فلا بد من اثبات معان لا نهاية لها حلت فيه لان الحياة لا تكون حياة (1/372)
له دون غيره الا لمعنى وذلك المعنى لمعنى ثم كذلك لا الى غاية وهذا قول معمر
وسمعت بعض المتكلمين وهو احمد الفرائى يزعم ان الحركة حركة للجسم لمعنى وان المعنى الذى كانت له الحركة حركة للجسم حدث لا لمعنى
وقال اكثر اهل النظر اذا ثبتنا الجسم متحركا بعد ان كان ساكنا فلا بد من حركة لها تحرك والحركة حركة للجسم لا من اجل حدوث معنى له كانت حركة له وكذلك القول في سائر الاعراض واختلف هؤلاء في الحركة إذا كانت حركة للجسم لا لمعنى هل هى حركة له لنفسها ولا لمعنى
فقال الجبائى انها حركة له لا لنفسها ولا لمعنى وقال قائلون هى حركة له لنفسها
واختلف المتكلمون في الاعراض هل يجوز اعادتها ام لا فقال كثير من المتكلمين منهم محمد بن شبيب باعادة الحركات وحكى زرقان عن بعض المتقدمين ان الحركة في الوقت الثانى هى الحركة في الوقت الاول معادة (1/373)
وقال قائلون الاعراض كلها لا يجوز اعادتها
وقال قائلون منهم الاسكافى ما يبقى من الاعراض يجوز ان يعاد وما لا يبقى منها لا يجوز ان يعاد
وقال قائلون مالا نعرف كيفية كالالوان والطعوم والاراييح والقوة والسمع والبصر وما اشبه ذلك فجائز ان يعاد وما يعرف الخلق كيفيه كالحركات والسكون وما يتولد عنها كالتأليف والتفريق والاصوات وسائر ما يعرفون كيفيته فلا يجوز ان يعاد وهذا قول ابى الهذيل
وقال قائلون ما يعرف الخلق كيفيته او يقدرون على جنسه او لا يجوز ان يبقى فليس بجائز ان يعاد وما كان غير ذلك من الاعراض فجائز ان يعاد وهذا قول الجبائى وزعم ان ما يجوز ان يعاد فجائز عليه التقديم في الوجود والتأخير وان الحركات وما اشبه ذلك مما لا يجوز ان يعاد لواعيد لكان يجوز عليه التقديم في الوجود والتأخير ولو جاز ذلك على الحركات لكان ما يقدر أن يفعل بعد عشرة اوقات يجوز ان يقدم قبل ذلك او كان ما يقدر عليه ان يفعل في الوقت الثانى (1/374)
يجوز ان يفعل في الوقت العاشر معادا ولو كان ذلك جائزا وليس لما يقدر عليه البارىء من حركات الاجسام نهاية لكان جائزا ان يفعل ذلك في وقتنا هذا ولو جاز ذلك لجاز ان يقدم الانسان ما يقدر ان يفعله في اوقات لا تتناهى فيفعله في هذا الوقت ولو كان ذلك جائزا لكان الانسان لو لم يفعل ذلك في هذا الوقت لكان يفعل لها تروكا لا كل لها وذلك فاسد فلما فسد ذلك فسد ان تعاد الحركات وكان يعتل بهذا في وقت كان يزعم ان ترك كل شىء غير ترك غيره وان تركا واحدا يكون لشيئين
واختلف القائلون ان الاجسام تعاد في الآخرة هل الذى ابتدىء في الدنيا هو الذى يعاد في الآخرة ام لا
فقال قائلون وهم اكثر المسلمين ان المبتدأ في الدنيا هو المعاد في الآخرة
وقال عباد بن سليمان لا اقول المعاد هو المبتدأ ولا اقول هو غيره وكذلك كان يقول لا اقول المتحرك هو الساكن ولا اقول هو غيره اذا تحرك الشىء ثم سكن وكذلك كان يقول لا اقول ان المحدث هو الذى لم يكن ولا اقول ان ما يوجد هو الذى يعدم (1/375)
واختلف المتكلمون في الاضداد
فقال ابو الهذيل هو ما اذا لم يكن كان الشىء واذا كان لم يكن الشىء وزعم ان الاجسام لا تنضاد واحال تضادها
وقال قائلون الضدان هما المتنافيان اللذان ينفى احدهما الآخر وانكر ابو الهذيل هذا القول لان الحرفين يتنافيان ولا يتضادان وقال النظام الاعراض لا تتضاد والتضاد انما هو بين الاجسام كالحرارة والبرودة والسواد والبياض والحلاوة والحموضة وهذه كلها اجسام متفاسدة يفسد بعضها بعضا وكذلك حل جسمين متفاسدين فهما متضادان
وقال قائلون الضدان هما اللذان لا يجتمعان فمعنى ان الشيئين ضدان انهما لا يجتمعان وهذا قول عباد بن سليمان
وزعم زاعمون ان الشيئين قد يتضادان في المكان الواحد كالحركة والسكون والقيام والقعود والحرارة والبرودة واجتماع الشيئين وافتراقهما ويتضادان في الوقت كالفناء الذى لا يجوز وجوده مع المفنى في وقت واحد ويتضادان في الوصف كنحو ارادة القديم للشىء وكراهته له يتضاد الوصف له بهما وان معنى التضاد التنافى فان كان الشىء مما يحل الاماكن فتضاد الشيئين في المكان الواحد تنافى (1/376)
وجودهما فيه وتضادهما في الوقت تنافى وجودهما فيه وتضادهما في الوصف تنافى الوصف للموصوف بهما
وزعم زاعمون ان الضد هو الترك وان ضد الشىء هو تركه
واختلفوا هل يوصف البارىء بالترك ام لا على مقالتين
فقال قائلون قد يوصف البارىء عز و جل بالترك وفعله للحركة في الجسم تركه لفعل السكون فيه وقال قائلون لا يجوز ان يوصف البارىء بالترك على وجه من الوجوه
واختلفوا هل يوصف بالباريء بالقدرة على ان يقدر خلقه على الحياة والموت ام لا وعلى فعل الاجسام ام لا
فقال قائلون البارىء قادر ان يقدر عباده على فعل الاجسام والالوان والطعوم والاراييح وسائر الافعال وهذا قول اصحاب الغلو من الروافض
وقال قائلون لا يوصف البارىء بالقدرة على ان يقدر عباده على فعل الاجسام ولكنه قادر ان يقدرهم على فعل جميع الاعراض من الحياة والموت والعلم والقدرة وسائر اجناس الاعراض وهذا قول الصالحى
وقال قائلون البارىء قادر ان يقدر عباده على الالوان والطعوم والاراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وقد اقدرهم على (1/377)
ذلك فاما القدرة على الحيات والموت فليس يجوز ان يقدرهم على شىء من ذلك وهذا قول بشر بن المعتمر
وقال قائلون لا عرض الا والبارىء سبحانه جائز ان يقدر على ما هو من جنسه ولا عرض عند هؤلاء الا الحركة فاما الالوان والاراييح والحرارة والبرودة والاصوات فانهم احالوا ان يقدر الله عباده عليها لانها اجسام عندهم وليس بجائز ان يقدر الخلق الا على الحركات وهذا قول النظام
وقال قائلون جائز ان يقدر الله عباده على الحركات والسكون والاصوات والالآم وسائر ما يعرفون كيفيته فاما الاعراض التى لا يعرفون كيفيتها كالالوان والطعوم والارابيح والحياة والموت والعجز والقدرة فليس يجوز ان يوصف البارىء بالقدرة على ان يقدرهم على شىء من ذلك وهذا قول ابى الهذيل
واختلف المتكلمون في الترك للشىء والكف هل هو معنى غير التارك على اربعة اقاويل
فقال قائلون باثبات الترك وانه معنى غير التارك وانه كف النفس عن الشىء
وقال قائلون بنفى الترك وانه ليس بشىء الا التارك وليس له ترك (1/378)
وقال قائلون ترك الانسان للشىء معنى لا هو الانسان ولا هو غيره
وقال عباد بن سليمان اقول ان ترك الانسان غير الانسان ولا اقول الترك غير التارك لأنى اذا قلت الانسان تارك فقد اخبرت عنه وعن ترك
واختلف المثبتون للترك هل ترك الشىء هو اخذ ضده ام لا على مقالتين
فقال قائلون ترك كل شىء غير اخذ ضده وترك السكون هو الاقدام على الحركة وقال قائلون ترك الشىء هو اخذ ضده
واختلفوا هل يكون الترك الواحد لمتروكين ام لا على مقالتين
فقال قائلون الترك الواحد يكون لمتروكين ويخرج منهما وان المتروكين يتركان بترك واحد وهؤلاء الذين زعموا ان ترك كل شىء غير اخذ ضده
وقال قائلون ترك كل شىء فعل سوى ترك غيره كما ان الاقدام عليه سوى الاقدام على غيره واكثر هؤلاء القائلين هم الذين يقولون ان ترك الشىء هو فعل ضده وزعم بعض القائلين بهذا القول انه قد يترك افعالا كثيرة بترك واحد (1/379)
واختلفوا في الافعال المتولدة هل يجوز ان يتركها الانسان ام لا وهى كنحو الألم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر الحادث عن دفعه الدافع على مقالتين
فقال قائلون لا يجوز على الافعال المتولدة الترك وهذا قول عباد والجبائى
وقال قائلون قد يجوز ان تترك الافعال المتولدة وان الانسان قد يترك الكثير من الافعال في غيره بتركه لسببه
واختلفوا فيه من وجه آخر وهو اختلافهم في الترك هل يترك الانسان مالا يخطر بباله ام لا فزعم بعض المتكلين أنه قد يترك ما لم يخطر بباله
وقال بعضهم لست اكف الا بعد داع الى الكف ولا اقدم الا بعد داع الى الاقدام
وقال بعضهم من الاقدام ما يحتاج الى خاطر وهو المباشر وكثير من المتولدات واكثر المتولدات يستغنى عن الخاطر ولكن قد اترك لا لخاطر يدعو الى الترك وزعموا ايضا انهم يتركون مالا يعرفونه قط ولم يذكروه (1/380)
وزعم بعضهم ان الارادة لا تقع بخاطر ولا يدعو اليها داع
واختلفوا في التروك هل هى افعال القلب على مقالتين
فزعم بعضهم ان التروك كلها من افعال القلوب وزعم بعضهم في الاقدام مثل ذلك وزعم سائرهم ان الترك والاقدام يكونان بغير القلب كما يكونان بالقلب
واختلفوا في الترك من وجه آخر
فقال بعضهم الاقدام يحتاج الى ارادة والكف لا يحتاج الى ارادة وابى ذلك اكثرهم وزعمت جماعة منهم ان كثيرا من الاقدام يستغنى عن الارادة وابوا ان يكون الكف مستغنيا عنها
واختلفوا في الترك هل هو باق ام لا
فقال بعضهم ان الترك لا يجوز عليه البقاء وقد يجوز البقاء على غير الترك من الاعراض وقال قائلون الاعراض كلها لا تبقى الا الترك ولا غيره وزعم بعضهم انه قد يبقى وان اكثر ما يقدم عليه كذلك
واختلفوا فيه من وجه آخر
فقال بعضهم قد يجوز ان افعل ما تركته بعد ان تركته
وقال بعضهم هذا محال ممتنع (1/381)
واختلفوا فيه من وجه آخر
فزعم بعضهم انه قد يترك فعلين واكثر من ذلك في حالة واحدة
وقال بعضهم ليس يتهيأ في حال الا ترك فعل واحد فقط
واختلفوا فيه من وجه آخر
فقال بعضهم قد اترك الكون في المكان العاشر بترك متولد وابى هذا حذاقهم
واختلف المتكلمون فيما يقع بالحواس من ادراك المحسوسات
فقال بعضهم ان كانت اسبابه من ذوى الحواس فهو له وان كانت من الله سبحانه فهو له وان كانت من غير الله سبحانه وغير ذوى الحواس فهو له وكل من ادعى فعله ممن ذكرنا فليس يفعله بزعمه الا اختيارا لجملة قولهم انهم جعلوا الادراك تابعا لاسبابه
وقال بعضهم هو من ذوى الحواس وله الا انه ليس باختيار ولكنه فعل طباع وتحقيق قول اصحاب الطبائع ان الادراك فعل لمحله الذى هو قائم به وهم اصحاب معمر
وقال بعضهم هو لله دون غيره بايجاب خلقه للحواس وليس يجوز منه فعل الا كذلك وهذا قول ابراهيم النظام (1/382)
وقال بعضهم هو لله لطبيعة يحدثها في الحاسة مولده له وهذا قول محمد بن حرب الصيرفى وكثير من اهل الاثبات
وقال بعضهم هو لله يبتدئه ابتداء ويخترعه اختراعا ان شاء ان يرفعه والبصر صحيح والفتح واقع والشخص محاذ والضياء متوسط وان شاء ان يخلقه في الموات فعل وهذا قول صلح قبة
وقال قائلون الادراك فعل الله يخترعه ولا يجوز ان يفعله الانسان ولا يجوز ان يكون البصر صحيحا والضياء متصلا ولا يفعل الله سبحانه الادراك ولا يجوز ان يجعل الله سبحانه الادراك مع العمى ولا يجوز ان يفعله مع الموت
وقال ضرار الادراك كسب للعبد خلق لله
وقال بعض البغداذيين الادراك فعل للعبد ومحال ان يكون فعلا لله عز و جل
واختلف القائلون ان الانسان قد يفعل الادراك مختارا له في سبب الادراك
فقال قائلون سبب الادراك متقدم له وللفتح وهو الارادة الموجبة للفتح والفتح والادراك يكونان معا (1/383)
وقال قائلون الفتح سبب الادراك وليس يقع الا بعد فتح البصر وكذلك الاحراق يكون بعد مماسة النار للشىء
وقال بعضهم يجوز ان يكون اعتماد الجفن الاعلى على الجفن الاسفل لارتفاع غيره وهو الذى يوجب الادراك وليس يوجب الفتح قبله وليس يقع الفتح قبله
وقالت طائفة اخرى غير هذه الطائفة الفتح سببه ومعه يقع لا قبله ولا بعده
واختلفوا كيف يدرك المدرك للشىء ببصره
فقال قائلون لا يدرك المدرك للشىء ببصره الا ان يطفر البصر الى المدرك فبداخله وزعم صاحب هذا القول ان الانسان لا يدرك المحسوس بحاسة الا بالمداخلة والاتصال والمجاورة وهذا قول النظام وحكى عنه زرقان انه قال ان الاشياء تدرك على المداخلة الاصوات والالوان وزعم ان الانسان لا يدرك الصوت الا بأن يصاكه وينتقل الى سمعه فيسمعه وكذلك قوله في المشموم والمذوق (1/384)
وقال قائلون لا يجوز على الحواس المداخلة والمجاورة والاتصال لانها اعراض وزعموا ان البصر محال ان يطفر وكذلك سائر الحواس ولكن الراءى لا يرى الشىء الا بأن يتصل الضياء والشعاع بينه وبينه ولا يشم الشىء ولا يذوقه حتى تنتقل الى ذائقه وشامه اجزاء يقوم بها الطعم والرائحة واذا سمع الشىء فمحال ان ينتقل سمعه اليه او ينتقل الى سمعه بل يتصل الضياء والشعاع بينه وبينه من غير ان يطفر اليه وبداخله وكذلك سمع الشىء من غير ان ينتقل اليه او ينتقل سمعه اليه او ينتقل الى سمعه لأن المسموع عرض لا يجوز عليه الانتقال وكذلك شمه للرائحة وذوقه للطعم لا بأن ينتقل اليه الطعم والرائحة
وقال قائلون محال ان تدرك الاعراض بالاتصال او تسمع بالآذان او تشم او تذاق أو تلمس لأنه لا يرى عنده إلا جسم ولا يسمع إلا جسم لأن الاصوات اجسام عند قائل هذا القول وكذلك لا يذاق ويشم ويلمس عند قائل هذا القول الا جسم والقائل بهذا القول النظام (1/385)
وقال قائلون لا يذاق ويرى ويشم ويلمس الا جسم وقد يسمع ما ليس بجسم والقائل بهذا القول بعض اهل النظر
وقال قائلون قد يجوز ان ترى الاعراض وتسمع وتشم وتذاق وتلمس
واختلفوا في الادراك من وجه آخر
فقال بعضهم محله القلب وهو علم بالمدرك وليس في الحدقة الا انتصاب العين حيال المدرك اذا قابله بها الانسان او القلب اذا قابلها وسمى بعضهم هذا الفعل رؤية
وقال بعضهم بل الرؤية والادراك واحد وفى العين يكون وهو غير العلم وقالوا في ادراك سائر الحواس على هذا النحو
وقال بعضهم الادراك يكون في بعض الحدقة وهى جنسه والعلم في القلب دون غيره وقالوا في سائر الاجناس كقولهم في هذا
واختلفوا في الادراك هل يجوز ان يكون فعلا للشىء الذى ادركه المدرك على مقالتين
فقال اكثر المتكلمين لا يجوز ان يكون الادراك فعلا للشىء الذى ادركه المدرك
وقال قائلون قد يكون الادراك فعلا للشىء الذى ادركه كالرجل يكون فاتحا لبصره فيرد عليه الشىء فيراه فالرؤية فعل للوارد (1/386)
ولبعض الناس في الادراك قول ليس من جنس هذه الاقاويل وهو انه زعم ان البصر قائم في الانسان وان كان مطبق الاجفان لانه بصير وان كان كذلك و اذا قابل الشخص بصره وارتفعت الموانع عنه وقع عليه ووقع العلم به في تلك الحال والعلم عنده قد كان قبل ذلك مستورا في القلب ممنوعا من الوقوع بالمعلوم فلما زال مانعه وقع ولم يحدث لانه قد كان قبل ذلك موجودا كما وصفنا وكذلك قوله في البصر
واختلف المتكلمون في المحال ما هو
فقال قائلون هو معنى تحت القول لا يمكن وجوده
ثم اختلف هؤلاء فقال قائلون هو اجتماع الضدين وكل مذكور لا يتهيأ كونه وقال بعضهم هو الضدان يجتمعان وقال قوم سوى هؤلاء هو القول المتناقض
ثم اختلفوا في ماهية القول المتناقض
فقال قوم هو قولك فلان قائم قاعد وما كان في نجاره
وقال بعضهم ليس هذا هكذا لأن قاعدا اثبات كما ان قائما اثبات والاثباتان لا يتناقضان وان فسدا او فسد احدهما وانما يقع (1/387)
التناقض والتنافى في قولك فلان قائم لا قائم وليس بقائم هو قائم لأن الثانى نفى لمعنى الاول
وقال قوم آخرون كل كلام لا معنى له فهو محال
وقال قوم آخرون كل قول ازيل عن منهاجه واتسق على غير سبيله واحيل عن جهته وضم اليه ما يبطله ووصل به مالا يتصل به مما يغيره ويفسده ويقصر به عن موقعه وافهام معناه فهو محال وذلك كقول القائل اتيتك غدا وسآتيك امس وهذا قول ابن الراوندى
واختلفوا في باب آخر من هذا الكلام
فقال قائلون المحال لا يكون كذبا والكذب لا يكون محالا
وقال قائلون كل كذب محال وكل محال كذب وقال قائلون من الكذب ما ليس بمحال والمحال كله كذب ومنهم من يقول
اذا قال العاجز قادر فلم يحل ولكنه ولكنه كذب الا ان يكون قد وصفه بالقدرة على مالا يجوز ان يقدر عليه فاذا قال الغائب حاضر فكذلك واذا قال القديم محدث فهذا محال لأن هذا مما لا يجوز ان يكون وقد كان يمكن ان يكون العاجز قادرا والغائب حاضرا (1/388)
واختلفوا في العلل على عشرة اقاويل
فقال بعضهم العلة علتان فعلة مع المعلول وعلة قبل المعلول فعلة الاضطرار مع المعلول وعلة الاختيار قبل المعلول فعلة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم اذا ضربت انسانا فألم فالألم مع الضرب وهو الاضطرار وكذلك اذا دفعت حجرا فذهب فالدفع علة للذهاب والذهاب ضرورة وهى معه وقالوا الامر علة الاختيار وهو قبله والعلة علة الفعل وهى قبله
وقال بعضهم علة كل شىء قبله ومحال ان تكون علة الشىء معه وجعل قائل هذا القول نفسه على انه اذا حمل شيئا فعلمه بأنه حامل له بعد حمله يكون بلا فصل وعلى ان عداوة الله سبحانه للكافرين تكون بعد الكفر بلا فصل وهذا قول بشر بن المعتمر والاول قول الاسكافى
وقال بعضهم العلة قبل المعلول حيث كانت والعلة علتان علة موجبة وهى قبل الموجب وهى التى اذا كانت لم يكن فاعلها تصرف في معناها ولم يجز منه ترك لها ارادة بعد وجودها وعلة قبل معلولها وقد يكون معها التصرف والاختيار للشىء وخلافه وذلك لانى قد اقول (1/389)
اطعت الله لأن الله امرنى اعنى لأجل الامر ورغبت في طاعة الله وآثرتها وقد تمكننى مخالفة الامر وترك المأمور به قد كان ذلك من كثير من الخلق ومثله قوله انما جئناك لأنك دعوتنا وجئتك لأنك ارسلت الى
وقال قائلون العلة علتان علة قبل المعلول وهى متقدمة بوقت واحد وما جاز ان يتقدم الشىء اكثر من وقت واحد فليس بعلة له ولا يجوز ان يكون علة له وعلة اخرى تكون مع معلولها كالضرب والألم وما اشبه ذلك وهذا قول الجبائى
وقال قائلون العلة لا تكون الا مع معلولها وما تقدم وجوده وجود الشىء فليس بعلة له وزعم هؤلاء ان الاستطاعة علة للفعل وانها لا تكون الا معه
واختلفوا فيما بينهم فمنهم من زعم ان العجز يوجب الضرورة كما ان الاستطاعة توجب الاختيار وهذا قول ابراهيم النجارى ومنهم من زعم ان العجز لا يوجب الضرورة وان كانت الاستطاعة توجب الاختيار وقال بعض هؤلاء في المدرك للشىء طبيعة تولد الادراك وابى ذلك بعضهم
وقال قائلون العلة لا تكون الا مع معلولها وانكروا ان تكون الاستطاعة علة وهذا قول عباد بن سليمان (1/390)
وقال قائلون العلل منها ما يتقدم المعلول كالارادة الموجبة وما اشبه ذلك مما يتقدم المعلول وعلة يكون معلولها معها كحركة ساقى التى ابنى عليها حركتى وعلة تكون بعد وهى الغرض كقول القائل انما بنيت هذه السقيفة لأستظل بها والاستظلال يكون فيما بعد وهذا قول النظام
واختلف الناس في المعلوم والمجهول
فقال قائلون الانسان اذا علم شيئا قديما كان ذلك الشىء او محدثا لم يجز ان يجهله في حال علمه على وجه من الوجوه
وقال آخرون كل ما علمه الانسان فقد يجوز ان يجهله في حال علمه من وجه من الوجوه
وقال آخرون كل ما علمه الانسان فقد يجوز ان يجهله في حال علمه من غير الوجه الذى علمه منه كالرجل الذى يعرف الحركة ولا يعلم انها لا تبقى وانها من فعل المختار وانها تحدث في المكان الثاني وكالانسان الذى يعرف الاجسام ويجهل انها محدثة قالوا ومن المحال الممتنع ان يكون الانسان عالما بأن الجسم موجود وهو يجهل انه موجود او يكون عالما بأن الحركة لا تبقى وهو جاهل بأنها لا تبقى ولكن ليس بمحال ان يعلم الحركة موجودة من يجهل انها محدثة في المكان (1/391)
الثانى وانها من فعل الله سبحانه او مما اقدر عليه الحيوان وهذا قول ابى الهذيل وبشر بن المعتمر
وقال النجار واصحابه اما المحدثات فقد يجوز ان تجهل وتعلم من وجهين في حال واحد واما القديم فلن يجوز ان يعرفه من يجهله على وجه من الوجوه واعتلوا في ذلك بأن زعموا ان للمحدثات امثالا ونظائر وانها من جنس ونوع وجهات مختلفة كالبياض الذى هو نوع من انواع الالوان وله امثال ونظائر فقد يجوز ان يعرفه لونا من لا يدرى من اي انواع الالوان هو قالوا وقد يجوز ان يعرفه بالخبر العام من لا يعرفه من جهة الحس والخبر الخاص وقد يجوز ان يعرفه بالخبر من لا يعرفه من جهة الحس والخبر العام هو قول النبى اعلموا لونا قد حدث في يومنا هذا والخبر الخاص هو قوله اعلموا ان ذلك اللون بياض وقد قال بهذا القول قوم غير النجار واصحابه
ثم اختلفوا في معرفته من جهة الحس
فقال بعضهم اذا رأى الملون بالبصر ابيض علم ان فيه بياضا هو غيره والبياض لا يجوز عليه الحس بوجه من الوجوه (1/392)
وقال بعضهم بل قد يحس البياض والابيض جميعا في حال واحدة ومحال ان يرى احدهما من يرى الآخر
فاما الذين زعموا ان اللون هو الذى يرى دون الملون فانهم ابوا المجهول والمعلوم وانكروه انكارا شديدا وهذا قول النظام
وزعم بعضهم ان الشىء لا يعلم بعلمين في حال واحدة قالوا وما علم باضطرار فمحال ان يعرف باختيار وما عرف باختيار فمحال ان يعرف باضطرار
وقال بعضهم قد يجوز ان يعلم الشىء بعلمين في حال واحدة وقد يجوز ان يكون العلمان جميعا اضطرارا وقد يجوز ان يكون اختيارا قالوا فان كان المعلوم جسما فقد يجوز ان يعلم بعلوم كثيرة بعضها اضطرارا وبعضها اختيارا وان كان عرضا فلن يعلم الا باختيار ولكنه قد يجوز ان يعلم بعلوم كثيرة في حال وهذا قول بشر بن المعتمر
وزعم بعضهم انه قد يعرف العرض باضطرار كما يعرف باختيار وان العلمين جميعا قد يجوز اجتماعهما في حال
وزعم بعضهم ان القديم لا يعلم بعلم واحد ولكن بعلوم كثيرة ولا يجوز انفراد بعضها من بعض وزعم صاحب هذه المقالة انه لا يعرف (1/393)
الله سبحانه من يجهل انه يعرف الاشياء قبل كونها وان الابصار لا تقع عليه وان التحرك ليس بجائز عليه وانه احدث طعم البطيخ والحلواء هذا قول النظام قال وكل من علم ان الله احدثه فهو يعلم انه ليس بجسم وان الابصار لا تقع عليه وانه خلق طعم البطيخ ورائحته فمن جهل شيئا من ذلك فقد انسلخ من العلم بأن له محدثا وانه محدث وانه مربوب وان له ربا وقد يجوز في زعمه ان يعرف الحركة من يجهل انها لا تبقى وان الاعادة لا تجوز عليها وصاحب هذه المقالة قد قاس بعض ما بقى على من انكر المعلوم والمجهول وانكر بقى عليه وعليهم اكفار المتأولين جميعا وتجهيلهم وهذا قول اكثر البغداذيين
وزعم بعض الذين انكروا المعلوم والمجهول انه قد يعرف الله سبحانه من لا يعرف انه احدث شيئا ومن يعتقد ان الاجسام من فعل غيره وانه يرى بالابصار وانه في مكان دون مكان قالوا من قبل ان الدليل الذى دل على انه موجود هل الدليل الذى دل على انه لا يرى بالابصار وانه بكل مكان والوجه الذى من قبله (1/394)
يعلم انه موجود هو الذى من قبله يعلم ان الحيز لا يقع عليه والوجه الذى من قبله عرف انه احدث جسما واحدا هو الوجه الذى من قبله يعرف انه احدث جميعها وهذا قول البغداذيين
وزعم الاسكافى ان الوجه الذى من قبله يعلم ان الله قادر على العدل هو الوجه الذى من قبله يعلم انه قادر على الجور وان الدليل الذى دل على ذلك واحد
وزعموا جميعا ان الدليل الذى دل على انه خلق واحدا من القوى وواحدا من الالوان هو الدليل الذى دل على انه خلق جميعها وانه قد يجوز ان يعلم ان الله قادر على العدل من لا يعلم انه قادر على الجور وزعموا ايضا انه قد يجوز ان يعلم ان الله سبحانه خلق الوان الزرنيخ من يجهل انه خلق الوان البطيخ والحلواء
وزعم كثير منهم انه لا يقدر على فعل الايمان والكفر الا محدث وان الابصار لا تقع الا على محدث ثم زعموا انه قد يجوز ان يعرف الله سبحانه من يعتقد انه يقدر على فعل الكفر والايمان وان كان لا يقدر عليهما الا محدث ومحال ان يعرفه من يعتقد ان الابصار تقع عليه من اجل ان الابصار لا تقع الا على محدث قال ومن زعم ان الله سبحانه يقدر ان يتحرك فهو لا يعرفه لانه لا يقدر على التحرك الا (1/395)
محدث وقد يجوز ان يعرفه من يعتقد انه يقدر على كلام الخلق وما توجبه افعالهم وان كان ذلك لا يقدر عليه الا محدث
وكان ابو الحسين الصالحى يزعم ان العلم بأن الجسم موجود يصير علما بأنه محدث اذا علم الانسان محدث الجسم لا من اجل حدوث معنى غير العلم ولكن بحدوث العلم بالمحدث كالرجل لا يكون له اخ ثم يكون له اخ فيصير اخا لحدوث اخيه لا لحدوث معنى فيه وان العلم بالله علم واحد والعلم بأنه موجود لا كالموجودين هو العلم بأنه شىء لا كالاشياء عالم لا كالعلماء حى لا كالاحياء قادر لا كالقادرين وان معنى ذلك انه شىء لا كالاشياء وكان يزعم ان البارىء لا يعلم بعلمين وانه لا يجوز ان يجهل البارىء من علمه من وجه من الوجوه في حال علمه به واجاز ان يكون شىء معلوما مجهولا من وجهين قديما كان او محدثا
وزعم المنكرون للمعلوم والمجهول ان العلم بأن الجسم محدث علم بمحدثه وكذلك الجهل بأنه محدث جهل بمحدثه لا به
وقال من جوز ان يكون الشىء معلوما مجهولا من وجهين
العلم بأن الجسم محدث علم به والجهل بأنه محدث جهل به
وذكر بعض اهل النظر انه قد يجوز ان يعلم الشىء موجودا (1/396)
من جهة من يجهله موجودا من جهة اخرى كالرجل يعلم الشىء خبرا ويجهله حسا قول النبى واما اهل النظر كلهم هذا ممن جوز المعلوم والمجهول وقال يجوز أن يعلم الشيء موجودا من يجهله موجودا ويعلمه محدثا من يجهله محدثا من وجه آخر فهذا مالا يجوز
واختلفوا هل يكون علم واحد بمعلومين ام لا
فانكر ذلك منكرون واجازه مجيزون وقال بعض من اجاز علم واحد بمعلومين يجوز ان يكون علم واحد بما لا كل له وهو كعلمنا ان معلومات الله لا كل لها وهو علم الجملة
ذكر اختلاف الناس في النفى والاثبات وفى الامر هل يكون نهيا على وجه من الوجوه وفى الارادة هل تكون كراهة على وجه من الوجوه وفى الاخذ هل يكون تركا
اختلف الناس في النفى والاثبات وهل يكون المثبت منفيا على مقالتين
فقال قائلون قد يثبت الشىء على وجه وينفى على غيره وذلك (1/397)
كالجسم يكون موجودا ويكون غير متحرك فيثبته الانسان موجودا وينفيه ان يكون متحركا فالنفى والاثبات واقعان عليه
واختلف هؤلاء فيما بينهم فمنهم من اجاز ان يكون الشىء معلوما مجهولا من وجهين ومنهم من انكر ان يكون معلوما مجهولا من وجهين مع اقراره بأنه يكون مثبتا منفيا من وجهين
وقال قائلون محال ان يكون المثبت منفيا والمنفى مثبتا على وجه من الوجوه لأن المثبت هو الكائن الثابت الغابر والمنفى هو الذى ليس بكائن ولا موجود فمحال ان يكون الشىء كائنا لا كائنا في وقت واحد
وزعموا ان اثبات الجسم متحركا اثبات حركته وكذلك اثباته ساكنا اثبات سكونه والنفى لا ن يكون متحركا نفى لحركتة والنفى لأن يكون ساكنا نفى لسكونه وكذلك اثبات العالم منا عالما والجاهل منا جاهلا والفاعل فاعلا والنفى لا ن يكون فاعلا على هذا الترتيب
واختلف هؤلاء فيما بينهم فمنهم من أنكر أن يكون الشيء معلوما مجهولا من وجهين كما انكر ان يكون مثبتا منفيا من وجهين ومنهم من اجاز ان يكون مجهولا معلوما من وجهين مع انكاره ان يكون مثبتا منفيا وهو الجبائى ومن قال بقوله (1/398)
واختلفوا في الامر بأن يكون متحركا والنهى عن ان يكون متحركا على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون الامر للانسان بأن يكون متحركا امر بغيره وهو حركته ومن هؤلاء من زعم ان اثباته متحركا اثبات مع قوله ان الامر له بأن يكون متحركا امرا بحركته
وقال قائلون الامر له بأن يكون متحركا امر بنفسه ان تكون متحركة والنهى له عن ان يكون متحركا نهى عن نفسه ان تكون متحركة لا عن غيره وكذلك الامر له بأن يكون فاعلا قال ولا اقول امر بنفسه واسكت لئلا يوهم انه امر بنفسه ان يكون موجودا ولكنى اقول امر بنفسه ان تكون متحركة
وقال قائلون لا اقول ان الانسان امر بأن يكون متحركا على الحقيقة ولكن اقول أمر في الحقيقة بالحركة وكذلك قوله في السكون وفى سائر ما يقع الامر به وهذا قول بعض الحوادث
واختلف الناس في الامر بالشىء هل يكون نهيا على وجه من الوجوه على مقالتين (1/399)
فقال قائلون الامر بالشىء نهى عن تركه وكذلك الارادة لكون الشىء كراهة لكون تركه ولأن لا يكون ومنعوا ان يكون العلم بشىء جهلا بغيره والقدرة على الشىء عجزا عن تركه
وقال قائلون الامر بالشىء غير النهى عن تركه وكذلك الارادة للشىء غير الكراهة لتركه
فاما اختلافهم في اخذ الشىء هل يكون تركا لضده فقد ذكرناه عند ذكرنا اختلافهم في الترك
واختلف المتكلمون في الاعراض هل هى عاجزة جاهلة وموات ام لا على مقالتين
فقال قائلون هى جاهلة بمعنى انها ليست بعالمة وهى عاجزة بمعنى انها ليست بقادرة وهى موات بمعنى انها ليست بحية حكى ذلك عن العطوى وابى اكثر اهل الكلام ان يطلقوا ذلك فيها على وجه من الوجوه
واختلف المتكلمون في باب التولد كنحو ذهاب الحجر الحادث (1/400)
عند دفعه له وكنحو انحداره الحادث عند طرحه وكنحو الالم الحادث عند الضرب وخروج الروح الحادث عند الوجبة والالوان الحادثة عند الضربة وما اشبهها من الاسباب والطعوم الحادثة والاراييح وما اشبه ذلك
فقال قائلون ما تولد عن فعلنا كنحو الاحر الحادث من البياض والحمرة وطعم الفالوذج عند جمع النشا والسكر وانضاجه وكنحو الرائحة الحادثة والألم الحادث عند الضرب واللذة الحادثة عند اكل الشىء وخروج الروح الحادث عند الوجبة وخروج النطفة الحادث عند الحركة وذهاب الحجر عند الدفعة وذهاب السهم عند الارسال والادراك الحادث اذا فتحنا ابصارنا كل ذلك فعلنا حادث عن الاسباب الواقعة منا وكذلك انكسار اليد والرجل الحادث عند السقوط فعل من اتى بسببه وكذلك صحة اليد بالجبر وصحة الرجل بالجبر فعل الانسان وكذلك زمانة الرجل اذا كسرها الانسان او اوهاها حتى تزمن وكذلك ادراك جميع الحواس فعل الانسان وزعم قائل هذا القول انه اذا ضرب الانسان غيره فعلم بضربه فالعلم فعل الضارب وانه قد يفعل (1/401)
في غيره العلم واذا فتح بصر غيره بيده فادرك فالادراك زعم فعل فاتح البصر وكذلك اذا عمى الانسان غيره فاعمى فعله في غيره وزعم قائل هذا القول ان الانسان يفعل في غيره بسبب يحدثه في نفسه ويفعل في نفسه افعالا متولدة وافعالا غير متولدة وزعم قائل هذا القول ان الناس يفعلون لون الناطف وبياضه وحلاوة الفالوذج ورائحته والالم واللذة والصحة والزمانة والشهوة وهذا قول بشر بن المعتمر رئيس البغداذيين من المعتزلة
وقال ابو الهذيل ومن ذهب الى قوله ان كل ما تولد عن فعله مما يعلم كيفيته فهو فعله وذلك كالالم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر عند دفعه له وكذلك انحداره عند زجه الزاج به من يده وتصاعده عند رميه الرامي به صعدا وكالصوت الحادث عند اصطكاك الشيئين
وخروج الروح ان كانت الروح جسما او بطلانها ان كانت عرضا فذلك كله فعله وزعم انه قد يفعل في نفسه وفى غيره بسبب يحدثه في نفسه فاما اللذة والالوان والطعوم والاراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والجبن والشجاعة والجوع والشبع والادراك والعلم الحادث في غيره عند فعله فذلك اجمع عنده فعل الله سبحانه وكان (1/402)
بشر بن المعتمر يجعل ذلك اجمع فعلا للانسان اذا كان سببه منه وكان ابو الهذيل يزعم ان ذلك اجمع لا يتولد عن فعله ولا يعلم كيفيته وانما فعله في نفسه الحركة والسكون والارادة والعلم وما يعرف كيفيته وما يتولد عن الحركة والسكون في نفسه او في غيره وما يتولد عن ضربه والاصطكاك الذى يفعله بين الشيئين وكان يزعم ان الانسان يفعل في غيره الافعال بالاسباب التى يحدثها في نفسه وان انسانا لو رمى انسانا بسهم ثم مات الرامى قبل وصول السهم الى المرمى ثم وصل السهم الى المرمى فآلمه وقتله انه يحدث الألم والقتل الحادث بعد حال موته بالسبب الذى احدثه وهو حى وكذلك لو عدم لكان يفعل في غيره وهو معدوم لسبب كان منه وهو حى وليس يجوز عنده ولا عند بشر بن المعتمر ان يفعل الانسان قوة ولا حياة ولا جسما
وقال ابراهيم النظام لا فعل للانسان الا الحركة وانه لا يفعل الحركة الا في نفسه وان الصلاة والصيام والارادات والكراهات والعلم والجهل والصدق والكذب وكلام الانسان وسكوته وسائر افعاله حركات وكذلك سكون الانسان في المكان انما معناه انه كائن (1/403)
فيه وقتين اى تحرك فيه وقتين وكان يزعم ان الالوان والطعوم والاراييح والحرارات والبرودات والاصوات والآلام اجسام لطيفة ولا يجوز ان يفعل الانسان الاجسام واللذة ايضا ليست من فعل الانسان عنده وكان يقول ان ما حدث في غيره حيز الانسان فهو فعل الله سبحانه بايجاب خلقه للشىء كذهاب الحجر عند دفعه الدافع وانحداره عند رميه الرامى به وتصاعده عند زجة الزاج به صعدا وكذلك الادراك من فعل الله سبحانه بايجاب الخلقة ومعنى ذلك ان الله سبحانه طبع الحجر طبعا اذا دفعه دافع ان يذهب وكذلك سائر الاشياء المتولدة
وكان يقول فيما حكى عنه ان الله سبحانه خلق الاجسام ضربة واحدة وان الجسم في كل وقت يخلق
وكان يزعم ان الانسان هو الروح وانه يفعل في نفسه واختلف عنه هل يفعل في ظرفه وهكيلة فالحكاية الصحيحة عنه أنه يفعل في ظرفه ومن الناس من يحكى عنه انه يفعل في هيكله وظرفه
وقال غيره من المتكلمين ان الارادات والكراهات والعلم والجهل (1/404)
والصدق والكذب والكلام والسكوت غير الحركات والسكون وهو ابو الهذيل
وقال معمر الانسان لايفعل في نفسه حركة ولا سكونا وانه يفعل في نفسه الارادة والعلم والكراهة والنظر والتمثيل وانه لا يفعل في غيره شيئا وانه جزء لا يتجزأ ومعنى لا ينقسم وانه في هذا البدن على التدبير له لا على المماسة والحلول وزعم ان المتولدات وما يحل في الاجسام من حركة وسكون ولون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة فهل فعل للجسم الذى حل فيه بطبعه وان الموات بفعل الاعراض التى حلت فيه بطبعه وان الحياة فعل الحى وكذلك القدرة فعل القادر وكذلك الموت فعل الميت وزعم ان الله سبحانه لا يفعل عرضا ولا يوصف بالقدرة على عرض ولا حياة ولا على موت ولا على سمع ولا على بصر وان السمع فعل السميع وكذلك البصر فعل البصير وكذلك الادراك فعل المدرك وكذلك الحس فعل الحساس وكذلك القرآن فعل الشىء الذى سمع منه ان كان ملكا او شجرة او حجرا وانه لا كلام لله عز و جل في الحقيقة تعالى ربنا عن قوله علوا كبيرا وزعم ان الله سبحانه انما يفعل التلوين والاحياء والامانة وليس ذلك اعراضا لأن البارىء عز و جل اذا لون الجسم فلا يخلو (1/405)
ان يكون من شأنه ان يتلون ام لا فان كان من شأنه ان يتلون فيجب ان يكون اللون بطبعه واذا كان اللون بطبع الجسم فهو فعله ولا يجوز ان يكون بطبعه ما يكون تبعا لغيره كما لا يجوز ان يكون كسب الشىء خلقا لغيره وان لم يكن طبع الجسم ان يتلون جاز ان يلونه البارىء فلا يتلون
وقال صالح قبة ان الانسان لا يفعل الا في نفسه وان ما حدث عند فعله كذهاب الحجر عند الدفعة واحتراق الحطب عن مجامعة النار والألم عند الضربة فالله سبحانه الخالق له وكذلك المبتدىء له وجائز ان يجامع الحجر الثقيل الجو الرقيق الف عام فلا يخلق الله فيه هبوطا ويخلق سكونا وجائز ان يجتمع النار والحطب اوقاتا كثيرة ولا يخلق الله احتراقا وان توضع الجبال على الانسان فلا يجد ثقلها وان يخلق سكون الحجر الصغير عند دفعه الدافع له ولا يخلق اذهابه ولو دفعه اهل الارض جميعا واعتمدوا عليه وجائز ان يحرق الله سبحانه انسانا بالنار ولا يألم بل يخلق فيه اللذة وجائز ان يضع الله سبحانه الادراك مع العمى والعلم مع الموت وكان يجوز ان يرفع الله سبحانه ثقل السموات والارضين حتى يكون ذلك اجمع اخف من ريشة ولم ينقص ذلك (1/406)
من اجزائه شيئا وبلغنى انه قيل له فما تنكر ان تكون في هذا الوقت بمكة جالسا في قبة قد ضربت عليك وانت لا تعلم ذلك لان الله سبحانه لم يخلق فيك العلم به هذا وانت صحيح سليم غير مأوف قال لا انكر فلقب بقبة وبلغنىانه قيل له في امر الرؤيا اذا كان بالبصرة فرأى كأنه بالصين انه قال اكون في الصين اذا رأيت انى في الصين فقيل له فلو ربطت رجلك برجل انسان بالعراق فرأيت كأنك في الصين قال اكون في الصين وان كانت رجلى مربوطة برجل الانسان الذى بالعراق
وقال ثمامة لا فعل للانسان الا الارادة وان ما سواها حدث لا من محدث كنحو ذهاب الحجر عند الدفعة وما اشبه ذلك وزعم ان ذلك يضاف الى الانسان على المجاز
وقال الجاحظ ما بعد الارادة فهو للانسان بطبعه وليس باختيار له وليس يقع منه فعل باختيار سوى الارادة
وقال ضرار وحفص الفرد ما تولد من فعلهم مما يمكنهم (1/407)
الامتناع منه متى ارادوا فهو فعلهم وما سوى ذلك مما لا يقدرون على الامتناع منه متى ارادوا فليس بفعلهم ولا وجب لسبب وهو فعلهم
وكان ضرار بن عمرو يزعم ان الانسان يفعل في غير حيزه وان ما تولد عن فعله في غيره من حركة او سكون فهو كسب له خلق لله عز و جل وكل اهل الاثبات غير ضرار يقولون لا فعل للانسان في غيره ويحيلون ذلك
واختلفت المعتزلة هل المقتول ميت ام لا
فقال قائلون كل مقتول ميت وكل نفس ذائقة الموت
وقال قائلون المقتول ليس بميت
واختلفوا في القتل اين يحل
فقال قائلون يحل في القاتل وقال قائل حل في المقتول
واختلفت المعتزلة في المتولد ما هو
فقال بعضهم هو الفعل الذى يكون بسبب منى ويحل في غيرى
وقال بعضهم هو الفعل الذى اوجبت سببه فخرج من ان يمكننى تركه وقد افعله في نفسى وافعله في غيرى (1/408)
وقال بعضهم هو الفعل الثالث الذى يلى مرادى مثل الألم الذى يلى الضربة ومثل الذهاب الذى يلى الدفعة
وقال الاسكافى كل فعل يتهيأ وقوعه على الخطأ دون القصد اليه والارادة له فهو متولد وكل فعل لا يتهيأ الا بقصد ويحتاج كل جزء منه الى تجديد وعزم وقصد اليه وارادة له فهو خارج من حد التولد داخل في حد المباشر
واختلفوا في الشىء المتحرك اذا حركه اثنان
فقال من نفى التولد فيه حركة واحدة الله فاعلها الا معمرا فانه يزعم ان الشىء المتحرك يفعله في نفسه
وقال من اثبت التولد قولين قال بعضهم فيه حركة فعلها اثنان فهي حركة واحدة لفاعلين غيرين وقال بعضهم هى حركتان فعلان للمحركين للشىء المحرك
واختلفوا هل يجوز ان يترك المتولد اذا ترك سببه ام لا على مقالتين
فقال قائلون انما يترك السبب فاما المسبب فمحال ان يكون الترك لسببه تركا له وهذا قول عباد والجبائى
وقال قائلون قد نترك المسبب بتركنا للسبب (1/409)
واختلف مثبتو التولد هل يجوز ان يفعل الانسان في غيره علما ام لا على مقالتين
فقال قائلون لا يجوز ان يفعل الانسان في غيره علما ولا يجوز ان يفعل في نفسه ادراكا ولا في غيره ادراكا وهذا قول ابى الهذيل والجبائى
وقال قائلون قد يجوز ان يفعل الانسان في غيره علما وذلك انى اذا ضربت عبدى فعلمى بأنى قد ضربته علم بالألم فعلمه بالألم فعلي كما ان الألم فعلى
واختلفوا هل يفعل الانسان في الشىء من غير ان يماسه او يماس ما يماسه على مقالتين
فقال قائلون لا يجوز ان يفعل الانسان في شىء الا بأن يماسه او يماس ما يماسه
وقال قائلون قد يجوز ان يفعل الانسان فعلا متولدا في جسم من الاجسام من غير ان يماسه ولا يماس ما يماسه كنحو الانسان الذى يهجم على الرجل الفاتح بصره فيكون ادراكه فعلا للهاجم (1/410)
واختلفوا في المتولد اذا بعد من السبب هل يكون هو المسبب الاول كالانسان يرمى نفسه في نار اضرمها غيره او يطرح نفسه على حديدة نصبها غيره او يعترض سهما قد رمى به غيره بطفل حتى يدخل فيه
فقال كثير من المثبتين للتولد الاحراق فعل لمن رمى بنفسه في النار والقتل لمن وقع على الحديدة المنصوبة والقتل فعل لمن اعترض السهم بالطفل وعبر بعض هؤلاء عن دخول السهم في جسد الانسان فقال اما حركة السهم في نفسه ففعل الرامى واما الشق الحادث في الصبى ففعل من اعترض السهم به الا ان يكون المعترض للسهم بالطفل ازال السهم عن جهته التى كانت يذهب فيها في موضعه فذلك فعله وان لم يكن منه الا نصب الصبى فحركة السهم فعل الرامى قال فان نفذ السهم الصبى فاصاب شيئا آخر كان الشىء الآخر قصته كقصة الصبى الذى اعترض السهم به من غير قصد الرامى فحكمه حكم واحد وان كان السهم نفذ واصاب شيئا قد كان في ذلك المكان قبل ارسال السهم فذلك فعل الرامى وهذا قول الاسكافى
وقال قائلون ذلك فعل للرامي بالسهم والمضرم للنار والناصب للحديدة وافرط بعض هؤلاء في القول حتى زعموا ان انسانا لو هجم (1/411)
عليه انسان وهو فاتح لبصره فادركه ان الادراك فعل للهاجم عليه دون الفاتح لبصره
وقال قائلون دخول السهم في جسد المعترض له فعل للرامى فاما الاحراق فهو فعل لمن زج نفسه في النار والقتل لمن رمى بنفسه على الحديدة المنصوبة
واختلف مثبتو التولد من المعتزلة في الاسباب التى تكون عنها المسببات هل هى متقدمة لها او موجودة مع وجودها
فقال قائلون السبب مع المسبب لا يجوز ان يتقدمه
وقال قائلون السبب الذى يتولد عنه المسبب لا يكون الا قبله
وقال قائلون من الاسباب ما يكون مع مسبباتها المتولدة عنها ومنها ما يتقدم المسببات بوقت فاما ما كان قبل المسبب بوقتين فليس ذلك المسبب متولدا عنه وجوز بعضهم ان يتقدم السبب المسبب اكثر من وقت واحد
واختلفوا في السبب هل هو موجب للمسبب ام لا على مقالتين
فقال اكثر المعتزلة المثبتين للتولد الاسباب موجبة لمسبباتها (1/412)
وقال الجبائى السبب لا يجوز ان يكون موجبا للمسبب وليس الموجب للشىء الا من فعله واوجده
واختلفوا في التوجه مما يتولد من الفعل اذا حدث سببه ولما يقع المتولد
فاوجب ذلك قوم ونفاه آخرون
واختلفوا في توليد الحركة للسكون والطاعة للمعصية
فنفى ذلك قوم وان تولد الحركة سكونا والسكون حركة وقالوا في المعصية انها تولد ما ليس بطاعة ولا معصية ولا تولد الطاعة هذا قول البغداذيين
وحكى عن بشر بن المعتمر انه جوز ان يولد الحركة سكونا والسكون حركة والحركة حركة والسكون سكونا
وقال الجبائى لا يجوز ان يولد السكون شيئا والحركة قد تولد حركة وتولد سكونا وزعم ان في الحجر اذا وقف في الجو حركات خفية تولد انحداره بعد ذلك وان في القوس الموتر حركات خفيات تولد قطع الوتر اذا انقطع وفى الحائط حركات خفية يتولد عنها وقوعه (1/413)
واختلفوا في الافعال كلها سوى الارادات هل يجوز ان تقع متولدة واجمعوا ان الارادات لا تقع متولدة واختلفوا فيما بعدها
فقال قوم قد يجوز ان تكون كلها متولدة وقال قوم المتولد منها ما حل في الفاعل وما فعل في نفسه فليس بمتولد وقال قوم ان المتولد هو ما جاز ان يقع على طريق السهو والخطأ وما سوى ذلك فليس بمتولد وقال قوم قد تحدث في الانسان افعال غير الارادة متولدة وافعال غير متولدة
واختلفوا في القديم هل يجوز ان يقع الفعل منه متولدا عن سبب على مقالتين
فقال قائلون لا يقع الفعل من القديم على طريق التولد ولا يقع منه عن سبب ولا يقع منه الا على طريق الاختراع وقال قائلون قد يفعل القديم على طريق التولد فاما الاجسام فلا تقع منه متولدة
واختلفوا في الشىء المولد للفعل ما هو على مقالتين
فقال قائلون المولد للفعل المتولد هو الفاعل للسبب وقال قائلون المولد للفعل المتولد هو السبب دون الفاعل (1/414)
واختلفوا في القدرة على الفعل المتولد على مقالتين
فقال اكثر اهل النظر هو مقدور عليه ما لم يقع سببه فاذا وقع سببه خرج من ان يكون مقدورا وقال قائلون هو مقدور مع وجود سببه
واختلفت المعتزلة في الارادة هل تكون موجبة لمرادها ام لا
فقال ابو الهذيل وابراهيم النظام ومعمر وجعفر بن حرب والاسكافى والادمى والشحام وعيسى الصوفى الارادة التى يكون مرادها بعدها بلا فصل موجبة لمرادها وزعم الاسكافى انه قد تكون ارادة غير موجبة فاذا لم توجب وقع مرادها في الثالث
وقال بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو الفوطى وعباد بن سليمان وجعفر بن مبشر ومحمد بن عبد الوهاب الجبائى الارادة لا تكون موجبة
واجاز اكثر الذين قالوا بالارادة الموجبة ان يمنع الانسان من مرادها
وحكى الحسين بن محمد النجار ان قوما ممن قالوا بالارادة الموجبة قالوا لن يجوز ان يمنعه الله من المراد وذلك ان الموت لا يكون الا عن معاينة فاذا اراد ان يفعل الانسان في اقرب الاوقات اليه لم يجز (1/415)
ان يموت في ثانية لأنه لا يموت الا بمعاينة وليس يجوز ان يريد في حال المعاينة ان يفعل في الثانى لأن حال المعاينة لا رجاء فيها لأن يبقى فيحدث الارادة ان يفعل في الثانى قال ولم يجيزوا فناء الجوارح في الثانى اذا احدث الارادة في الحال الاول
واختلفت المعتزلة في الانسان في حال ارادته الموجبة هل يقدر على خلاف المراد ام لا على خمسة اقاويل
فقال بعضهم انه قد يقدر على خلاف المراد ولكنه لا يفعل الا المراد وشبهوا ذلك بالفعل المعلوم من العبد انه يكون وهو يقدر على خلافه ولا يكون الا المعلوم لأنه لا يختار غيره وقالوا ليس بمحال اذا اراد الانسان ان يتحرك في الثانى ان يسكن في الثانى ولو سكن في الثانى لم يسكن الا بارادة متقدمة فمثلوا بالمعلوم انه لو كان ما علم انه يكون مما لا يكون لم يكن العلم سابقا بأنه يكون ولكان العلم سابقا بأنه لا يكون
وقال بعضهم ان المريد اذا اراد ان يتحرك في اقرب الاوقات اليه فهو قادر على الحركة وعلى السكون ولو سكن في الثانى كان يسكن بعد ارادة (1/416)
وقال بعضهم ان الانسان اذا احدث الارادة لأن يتحرك الى اقرب الاوقات اليه جاز ان يجىء الوقت الثانى فيكون ساكنا فيه ولا يكون ذلك السكون فعلا مكتسبا ولا تركا لتلك الحركة التى تقدمت ارادتها ولكن يكون تركا للحركة في الوقت الثالث ويجعلون السكون الذى يكون في الثانى سكون بنية كالاحراق الذى يكون من بنية النار وزعم هؤلاء ان الافعال التى تكون بالبنية ليست خلقا لله عز و جل وهذا قول معمر
وقال بعضهم اذا احدث الارادة الموجبة لاقل قليل الفعل وهو زعموا اقل من الف جزء من كلمة وذلك انهم قالوا ان الكلمة الواحدة تكون بارادات كثيرة والخطوة الواحدة تكون بارادات كثيرة وذلك ان الانسان يريد ارادة اجتماع ان يزول الى موضع فيأتى بجزء من الذهاب ثم يدع الارادة فيقطع المراد فان ادام المرادات ادام المراد وقالوا انما نحيل قول القائل يقدر على خلاف المراد اذ كان قد جاء بعلته ولكنه يقدر على المراد لان فيه قدرة في حال الارادة لها يكون المراد (1/417)
وقال بعضهم محال قول القائل يقدر عليه او على خلافه لانا فيه بمنزلة رجل ارسل نفسه من شاهق في الهواء فلا يقال انه يقدر على الذهاب ولا على الكف عنه وان كانت فيه قدرة فهى لغير هذا الفعل الذى اوجبه بادخاله نفسه في علتة الموجبة له
واجمعت المعتزلة الا الجبائى ان الانسان يريد ان يفعل ويقصد الى ان يفعل وان ارادته لأن يفعل لا تكون مع مراده ولا تكون الا متقدمة للمراد
وزعم الجبائى ان الانسان انما يقصد الفعل في حال كونه وان القصد لكون الفعل لا يتقدم الفعل وان الانسان لا يوصف بأنه في الحقيقة مريد ان يفعل وزعم ان ارادة البارىء مع مراده
وقال ابو الهذيل ان ارادة البارىء مع مراده ومحال ان تكون ارادة الانسان لسكون الفعل مع الفعل
واختلف الذين انكروا الارادة الموجبة في الارادة للفعل هل تجامع المراد ام لا على مقالتين
فمنهم من زعم ان الارادة وان كانت غير موجبة فلا تكون الا قبل المراد وزعم الجبائى ان الارادة التى هى قصد للفعل مع الفعل لا قبله (1/418)
واختلفت المعتزلة في الارادة التى هى تقرب بالفعل هل تكون قبل الفعل او مع الفعل على مقالتين
فمنهم من زعم انها قبل الفعل كما ان الارادة لان يفعل الفعل قبله وقال الاسكافى قد يجوز ان تكون مع الفعل
واختلفت المعتزلة في ارادة العباد هل لها ارادة على مقالتين
فقال بعضهم لا يجوز ان تكون للارادة ارادة لانها اول الافعال واجاز الجبائى ان يريد الانسان ارادته في بعض ما دار بينى وبينه من المناظرة
واختلفوا هل تدعو النفس الى الارادة ويدعو اليها الخاطر على مقالتين
فاجاز ذلك قوم واباه آخرون
واختلفوا في الارادة هل هى مختارة ام اختيار ليست بمختارة على مقالتين
فقال قوم هى مختارة كما انها اختيار ولم يجيزوا ان تكون مرادة كما انها مختارة وقال قائلون هى اختيار وليست بمختارة (1/419)
واختلفوا في افعال الله عز و جل هل هى كلها مختارة ام لا على اربعة اقاويل
فقال قائلون منها ما هو اختيار ومنها ما هو مختار
وقال بعضهم كلها مختارة لا باختيار غيرها بل هى اختيار كما كانت مرادة لا بارادة غيرها وهذا قول البغداذيين
وقال قائلون ما كان من افعال الله له ترك كالاعراض فهو مختار وما لا ترك له كالاجسام فهو اختيار وليس بمختار
وقال قائلون ليس كل افعال العباد مختارة بل منها ما لا يقال انه مختار وجميعا لا يقال له اختيار
واختلفوا في الايثار
فقال قوم الايثار هو الاختيار والارادة والمراد لا يكون ايثارا ولا اختيارا وقال قوم الايثار هو الارادة والاختيار قد يكون ارادة وقد يكون مرادا
واختلفت المعتزلة في الثقل والخفة هل هما الشىء او غيره
فقال قائلون الثقل هو الثقيل وكذلك الخفة هو الخفيف وانما (1/420)
يكون الشىء اثقل بزيادة الاجزاء وهذا قول جمهور المعتزلة وهو قول الجبائى
وقال قائلون منهم الصالحى الثقل غير الثقيل والخفة غير الخفيف
واختلف هؤلاء فيما بينهم هل يجوز ان يرفع الله ثقل السموات والارضين حتى تكون اخف من الريشة على مقالتين
فجوز ذلك بعضهم وانكره بعضهم
وقال ضرار بن عمرو ثقل الشىء بعضه وخفته بعضه
واختلفوا في ظل الشىء هل هو الشىء ام غيره على مقالتين
فقال قائلون ظل الشىء غيره وكان الجبائى يزعم ان الظل ليس بمعنى وانما معنى الظل ان الشىء يسترلا ان الظل معنى
واختلفوا في القتل ما هو
فقال قائلون القتل هو الحركة التى تكون من الضارب كنحو الوجبة والرمية وما اشبه ذلك التى يكون بعدها خروج الروح وانها لا تسمى قتلا مالم تخرج الروح فاذا خرجت الروح سميت قتلا قالوا وهذا كالحالف يحلف فيقول ان قدم زيد فامرأتى طالق فاذا قدم زيد كان قوله الاول طلاقا وزعموا ان الانتقال حل (1/421)
في المقتول وكذلك قالوا ذبح وانذباح وشجة وانشجاج على مثل قوله القتل والانقتال وان الشجة في الشجاج وكذلك الذبح في الذابح والانذباح في المذبوح والانشجاج في المنشج والقائل بهذا ابراهيم النظام
وقال قائلون الحركة التى تخرج بعدها الروح عند الله قتل لأنه يعلم ان الروح بعدها تخرج وهى قتل في الحقيقة ولكن لا يعلم انه قتل حتى تخرج وأبى هذا القول اصحاب القول الاول وزعم الفريقان ان القتل قائم بالقاتل وان المقتول مقتول بقتل في غيره
وقال قائلون من المعتزلة القتل هو خروج الروح عن سبب من الانسان وخروج الروح لا عن سبب يكون من الانسان موت وليس بقتل وزعم هؤلاء ان القتل يحل في المقتول لا في القاتل
وقال قائلون القتل ابطال البنية وهو كل فعل لا تكون الحياة في الجسم اذا وجد كنحو قطع الرأس وفلق الحنجرة وكل فعل لا يكون الانسان حيا مع وجوده وهو يحل في المقتول
وقال ابن الراوندى فاعل القتل قاتل في حال فعله والمقتول (1/422)
مقتول في حال وقوع القتل به عند من عرف ان القاتل استعمل السيف بضرب ما يقع بعده خروج الروح قال وليس يكون الانسان قاتلا على الحقيقة الا لمن خرج روحه مع ضربته لانه يعلم حينئذ انه هو الذى استفعله الخروج بضربته وان الروح لم يكن ليخرج بهوى نفسه دون ان يضطره الضارب بالسيف ويكرهه ولا نعرف شيئا حدث في وقت خروجه الا الضربة والقضاء على الظاهر وكل ما جرت العادة في احكام الافعال والفاعلين فاما من تأخر خروج روحه فليس الضارب قاتلا له الا بأن عرض روحه للخروج وسلط عليه ضدا يخرجه ويغمره قال فان قال لنا قائل فمن القاتل له في الحقيقة قلنا لهم ليس بمقتول في الحقيقة فيكون له قاتل في الحقيقة وليس يضاف قتله الا الى الضارب ولكن الضد الذى دخل عليه هو الذى منعه من الحس وغمره واخرج روحه عن جسده قال ولو قال قائل الضد قتله كما يقتله السم لجاز ذلك له وزعم ان الله سبحانه خص اخراجه لروح غيره بأن سماه موتا قال ومما يجاب به ايضا ان يقال الضارب قاتل بالتعريض والضد قاتل على الحقيقة ووصف ابن الراوندى في القتل فزعم انه ينفصل من آلة الضارب الى جسد المضروب ضد للروح (1/423)
ولولا موضع ذلك الضد لم يقصد تلك الآلة فاذا حلت عليه جاهضته فأجهضها فان غلب الروح الضد فلا قتل وان غلب الضد غمر وجاءت تلك الحال التى يعرف عندها ان الانسان مقتول عند اهل التولد وعندنا قال ابن الراوندى وقد زعم اصحاب التولد انه يحدث عن الضربة في بدنه شىء هو الألم والقتل قال وذلك الحادث في قولهم مسفل عندنا الا عمل الضد وعمل الروح فانهما يحدثان منهما طباعا
واختلفوا في القتل هل يضاد الحياة ام لا على مقالتين
فزعم بعضهم ان القتل يضاد الحياة وقال قائلون لا يضاد الحياة واختلف هؤلاء في الحياة على مقالتين
فمنهم من يثبت الحياة عرضا والموت عرضا
ومنهم من زعم ان القتل عرض يحل في القاتل والحياة جسم لطيف يحل في جسد المقتول وانما يضاد الحياة الموت الذى هو جسم يمنعها من الحسن الذى هو خاصتها فبهذا سمى موتا وهو موت وميت كما انها حياة وحى وزعم ان الامانة التى هى ادخال الله عز و جل الجسم المضاد لها عليها تكون وحسها قائم كما ان القتل الذى هو ادخال ذلك الجسم ايضا عليها يكون وحسها قائم (1/424)
واختلفوا في كلام الانسان هل هو صوت او ليس بصوت وهل الصوت جسم او عرض
فقال قائلون كلام الانسان صوت وهو عرض وقد يكون باللسان مسموعا وفى القرطاس مكتوبا وفى القلوب محفوظا فهو حال في هذه الاماكن بالكتابة والحفظ والتلاوة
وقال قائلون كلام الانسان ليس بصوت وهو عرض وكذلك الصوت عرض ولا يوجب الا باللسان
وقال قائلون الصوت جسم لطيف وكلام الانسان هو تقطيع الصوت وهو عرض وهذا قول النظام
وقال قائلون هو معنى قائم بالنفس لا يحل في اللسان وهو عرض وهو غير الصوت
واختلفوا في الكلام هل يوصف بأنه مؤلف ام لا على مقالتين
فقال قائلون قد يوصف بذلك وهو مؤلف في الحقيقة
وقال قائلون لا يوصف بذلك ومن قال هذا كلام مؤلف فانما يقوله اتساعا
واختلفوا في الصوت كيف يسمع وهل يجوز عليه الانتقال ام لا
فقال قائلون الصوت ينتقل في الجو فيصاك الاسماع (1/425)
ويؤلمها ولا يسمع الا باتصال السمع او مداخلته إياه وهذا قول النظام
وقال قائلون لا يجوز عليه الانتقال بل يسمع في مكانه الذى يحل فيه يسمعه الف انسان واكثر
وقال قائلون لا يسمع الصوت اذا كان مكانه بائنا عن سمع الانسان وانما يسمع الانسان ما يوجد في سمعه وقال هؤلاء في الصدى ان الانسان اذا فتح فاه وقصد الصياح فدافع الجو فيحدث الصوت في المكان الذى يحله على طريق التولد
وابى ذلك آخرون وقالوا الصوت موجود فيظهر ولا يحدث
وقال قائلون ان الصوت لا يسمع وكذلك الكلام وانما يسمع الجسم مصوتا والجسم متكلما
واختلفوا في الصوت هل يبقى ام لا على مقالتين
فقال قوم انه يبقى وقال قائلون ان الصوت لا يبقى ومنهم من قال انه من الصوت ما يبقى ومنه مالا يبقى
واختلفوا هل يكون صوت واحد في مكانين
فانكر ذلك منكرون واجازه مجيزون (1/426)
واختلفوا في الصوت هل هو جسم
فقال النظام هو جسم وقال غيره هو عرض وقال قائلون ليس بجوهر ولا عرض وانكر منكرون الصوت وقالوا لا صوت في الدنيا وليس الا المصوت
واختلفوا هل يكون صوت لا لمصوت على مقالتين
فمنهم من قال لا يكون صوت الا لمصوت ومنهم من أجاز صوتا لا لمصوت
واختلفت المعتزلة اذا قال جماعة يا زيد فتكلم احدهم بالياء والآخر بالالف والآخر بالزاى والآخر بالياء والآخر بالدال على مقالتين
فقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى كل حرف من هذا كلمة يتكلم بها صاحبها وخبر يخبر به صاحبه فهو اخبار وكلمات
وقال احمد بن على الشطوى المعروف ببوقة ليس كل حرف من هذا كلمة وليس الجميع كلاما ولا خبرا ولا اخبارا
واختلفت المعتزلة في الخواطر
فقال ابراهيم النظام لا بد من خاطرين احدهما يامر بالاقدام (1/427)
والآخر يأمر بالكف ليصح الاختيار وحكى عنه ابن الراوندى انه كان يقول ان خاطر المعصية من الله الا انه وضعه للتعديل لا ليعصى وحكى عنه انه كان يقول ان الخاطرين جسمان واظنه غلط في الحكاية الاخيرة عنه
وقال بشر بن المعتمر قد يستغنى المختار في فعله وفيما يختاره عن الخاطرين واحتج في ذلك باول شيطان خلقه الله وانه لم ينقل شيطان يخطر
وقال قوم ان الافعال التى من شأن النفس ان تفعلها وتجمعها وتميل اليها وتحبها فليس تحتاج الى خاطر يدعوها اليها واما الافعال التى تكرهها وتنفر منها فان الله عز و جل اذا امر بها احدث لها من الدواعى مقدار ما يوازى كراهتها لها ونفارها منها وان دعاه الشيطان الى ما تميل اليه وتحبه زادها من الدواعى والترغيب ما يوازى داعى الشيطان ويمنعه من الغلبة وان اراد الله سبحانه ان يقع من النفس فعل ما تكرهه وينفر طباعها منه جعل الدواعى والترغيب والترهيب والتوفير يفضل ما عندها من الكراهة لذلك منه فتميل النفس الى ما دعت اليه ورغبت فيه طباعا وذكر ابن الراوندى ان هذا القول قوله (1/428)
وقال ابو الهذيل وسائل المعتزلة الخاطر الداعى الى الطاعة من الله وخاطر المعصية من الشيطان وثبتوا الخواطر اعراضا الا ان ابا الهذيل يقول قد تلزم الحجة المتفكر من غير خاطر وابراهيم وجعفر يقولان لا بد من خاطر
فانكر منكرون الخواطر وقالوا لا خاطر
واختلف الناس في العامة والنساء الذين على جملة الدين اذا خطر ببالهم التشبيه على مقالتين
فقال قائلون عليهم ان يتفكروا في ذلك ويتبعوا في ذلك حجة
وقال قوم ليس ذلك بواجب عليهم وقد يجوز أن يعرضوا عنه فلا يعتقدوا فيه شيئا ولكن عليهم ان يعتقدوا ان كان ناقضا للجملة التى هم عليها فهو باطل
القول بطاعة لا يراد الله بها
اختلفت المعتزلة في ذلك فزعم زاعمون منهم انه لا يجوز ان يطيع الله من لم يرده بطاعة ولم يتقرب اليه بها وانكر ان يكون (1/429)
في الدهرية طاعة لله او معرفة امر والقدرية يعيرون من خالفهم في القدر واهل الحق يسمونهم قدرية ويسمونهم مجبرة وهم اولى بأن يكونوا قدرية من اهل الاثبات
وقال قائلون منهم ممن انكر القول بطباعة لا يراد الله بها ليس في المشبهة معرفة بالله ولا يكونون مطيعين له ولكن في القدرية معرفة بالله اذا كانت موجودة وكذلك فيهم طاعة لله عز و جل
وقال قائلون ممن انكر القول بطاعة لا يراد الله بها ان افعال الجاهل بالله كلها جهل بالله وليس احد من الجهال لله مطيعا وهذا قول عباد
واختلفوا في عذاب القبر
فمنهم من نفاه وهم المعتزلة والخوارج ومنهم من اثبته وهم اكثر اهل الاسلام ومنهم من زعم ان الله ينعم الارواح ويؤلمها فاما الاجساد التى في قبورهم فلا يصل ذلك اليها وهى في القبور
واختلفوا هل يجوز ان يخلق العالم لا في مكان او يوجد لا في مكان على مقالتين (1/430)
فقال قائلون كان جائزا ان يخلق الله العالم لا في مكان ويوجده لا في مكان ويوجده لا في شىء واحال ذلك محيلون وقالوا لا يجوز وجود العالم لا في مكان وخلقه لا في شىء
واختلفوا هل يجوز ان يتحرك الجسم الموات اذا كان ساكنا من غير دافع
فأجاز ذلك مجيزون ان يكون البارىء يحركه من غير دافع وانكر ذلك منكرون وقالوا لا يجوز ان يتحرك الا ان يدفعه دافع وهذا قول اصحاب الطبائع
واختلفوا هل الحركة يمنة هى الحركة يسرة ام لا
فقال قائلون انما يقدر الانسان على سكون وحركة فان فعل مع تلك الحركة كونا يمنة فهى حركة يمنة وان فعل معها كونا يسرة فهى حركة يسرة وهو قول ابى الهذيل
وقال قائلون الحركة يمنة غير الحركة يسرة
واختلفوا هل تكون حركة اخف من حركة
فأجاز ذلك مجيزون ومنعه آخرون (1/431)
واختلفوا في افعال القلوب من الارادات والكراهات والعلوم والنظر والفكر وما اشبه ذلك هل هى حركات ام لا
فقال قائلون كلها حركات وقال قائلون هى سكون كلها وقال قائلون ليست بحركات ولا سكون
واختلفوا هل يجوز ان يخلق العلم بالالوان في قلب الاعمى ام لا فأجاز ذلك مجيزون وانكره آخرون
واختلفوا في كلام العباد هل يبقى ام لا على مقالتين
فقال قائلون كلام العباد لا يبقى وقال قائلون الكلام قد يبقى وهذا قول ابى الهذيل وغيره
واختلفوا هل يفعل الكلام بغير اللسان
فاجاز ذلك مجيزون وانكره منكرون
واختلفوا في الهواء هل هو معنى
فقال قائلون ليس بجسم وقال قائلون هو جسم رقيق
واختلفوا هل يجوز رفعه من حيز الاجسام حتى لا يكون
فأجاز ذلك مجيزون وانكره منكرون وقالوا لو ارتفع ما بين الحائطين من الجو لالتقت الحيطان وتلاصقت (1/432)
واختلفوا فيمن مد يده وراء العالم على مقالتين
فقال قائلون يمتد مع يده فهذا يكون مكانا ليده لأن المتحرك لا يتحرك الا في شىء وقال قائلون يمد يده وتتحرك لا في شىء
واختلف الناس في الرؤيا على ستة اقاويل
فزعم النظام ومن قال بقوله فيما حكى عنه زرقان ان الرؤيا خواطر مثل ما يخطر البصر وما اشبهها ببالك فتمثلها وقد رأيتها وقال معمر الرؤيا من فعل الطبائع وليس من قبل الله
وقالت السوفسطائية سبيل ما يراه النائم في نومه كسبيل ما يراه اليقظان في يقظته وكل ذلك على الخيلولة والحسبان
وقال صالح فيه ومن قاله بقوله الرؤيا حق وما يراه النائم في نومه صحيح كما ان ما يراه اليقظان في يقظته صحيح فاذا راى الانسان في المنام كأنه بافريقية وهو ببغداد فقد اخترعه الله سبحانه بافريقية في ذلك الوقت
وقال بعض المعتزلة الرؤيا على ثلاثة انحاء منها ما هو من قبل الله كنحو ما يحذر الله سبحانه الانسان في منامه من الشر ويرغبه في الخير (1/433)
ونحو منها من قبل الانسان ونحو منها من قبل حديث النفس والفكر يفكر الانسان في منامه فاذا انتبه فكر فيه فكأنه شىء قد رآه
وقال اهل الحديث الرؤيا الصادقة صحيحة وقد يكون من الرؤيا ما هو اضغاث
واختلف الناس في الذى يراه الراءى في المرآة
فقال قائلون الذى يرى الراءى في المرآة انما هو انسان مثله اخترعه الله وهذا قول صالح
وقال ابو الحسين الصالحي لا مرءى الا لون وان الشعاع ينفصل من وجه الانسان وله لون كلون الانسان فيرى الانسان لون الشعاع المنتقل من وجهه اذا اتصل بالمرآة ولونه كلون وجهه
وقال السوفسطائية على اصل قولهم انما هو على الحسبان وقال قائلون الانسان انما يرى وجهه بانعكاس الشعاع عليه من جهة المرآة
وقال قائلون الذى يراه الراءى في المرآة هو ظل الوجه
وقال ضرار بن عمرو ان الانسان يرى مثاله ومثال غيره
واختلف الناس في الجن هل يدخلون في الناس على مقالتين
فقال قائلون محال ان يدخل الجن في الناس (1/434)
وقال قائلون يجوز ان يدخل الجن في الناس لأن اجسام الجن اجسام رقيقة فليس بمستنكر ان يدخلوا في جوف الانسان من خروقه كما يدخل الماء والطعام في بطن الانسان وهو اكثف من اجسام الجن وقد يكون الجنين في بطن امه وهو اكثف جسما من الشيطان وليس بمستنكر ان يدخل الشيطان الى جوف الانسان
واختلفوا هل المصروع يرى الشيطان ام لا على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون الجن لا يخبطون الناس ولا يستهلكونهم وانما ذلك من جهة اختلاط الطبائع وغلبة بعض الاخلاط من المرة او البلغم
وقال قائلون الشيطان يخبط الانسان ويستهلكه ويراه الانسان وما يسمع منه فهو كلام الشيطان
وقال قائلون بل يخبط الانسان ويصرعه ويوسوسه ولا يراه الانسان وليس الكلام المسموع في وقت الصرع والاختباط كلام الشيطان
واختلفوا في شر وسواس الشيطان كيف يوسوس
فقال قائلون انهم يوسوسون وقد يجوز ان يكون الله تعالى جعل الجو اداة لهم او جعل لهم اداة ما غير الجو وذلك متصل بالقلب فيحرك (1/435)
الشيطان تلك الآلة من جهة بعض خروق الانسان فيوصل الوسوسة الى قلبه بتلك الآلة مثال ذلك انك تأخذ الرمح وبينك وبين الانسان عشرة اذرع فتكلم فيه فيسمع الانسان اذا كان الرمح مجوفا وكان متصلا بسمعه
وقال قائلون جسم الشيطان ارق من اجسامنا وكلامه اخفى من كلامنا فيجوز ان يصل الى سمع الانسان فيتكلم بكلامه الخفي فيكون ذلك هو وسوستة
وقال قائلون بل يدخل الى قلب الانسان بنفسه حتى يوسوس فيه
واختلفوا هل يعلم الشيطان ما في القلوب ام لا على ثلاث مقالات
فقال ابراهيم ومعمر وهشام ومن اتبعهم ان الشياطين يعلمون ما يحدث في القلوب وليس ذلك بعجيب لأن الله عز و جل قد جعل عليه دليلا ومحال ان يدخل الشيطان قلب الانسان مثال ذلك ان تشير الى الرجل اقبل او ادبر فيعلم ما تريد فكذلك اذا فعل فعلا عرف الشيطان كيف ذلك الفعل فاذا حدث نفسه بالصدقة والبر عرف ذلك الشيطان بالدليل فنهى الانسان عنه هكذا حكى زرقان (1/436)
قال وقال آخرون من المعتزلة وغيرهم ان الشيطان لا يعرف ما في القلب فاذا حدث الانسان نفسه بصدقة او بشىء من افعال البر نهاه الشيطان عن ذلك الظن والتخمين وقال قائلون ان الشيطان يدخل في قلب الانسان فيعرف ما يريد بقلبه
واختلفوا في الجن هل يخبرون الناس بشىء او يخدمونهم على مقالتين
فقال النظام واكثر المعتزلة واصحاب الكلام لا يجوز ذلك لأن في ذلك فساد دلائل الانبياء لأن من دلالتهم ان ينبئوا بما نأكل وندخر وقال قائلون جائز ان يخدم الجن الناس وان يخبروهم مالا يعلمون
واختلفوا هل يطيق الشيطان على حمل ما يطيق البشر حمله
فقال قائلون جائز ذلك وان يحمل الاشياء الكثيرة
وانكر ذلك منكرون وقالوا في هذا بطلان دلائل الرسل وهذا قول الجبائى
واختلفوا هل يجوز ان ينقلب الشياطين عن صورها
فاجاز ذلك قوم وانكره آخرون (1/437)
واختلفوا هل يجوز ان تظهر الاعلام على غير الانبياء
فقال قائلون لا يجوز ان تظهر الاعلام المعجزات على غير الانبياء
وقال قائلون جائز ان تظهر المعجزات على الايمة وينزل الملائكة عليه وهذا قول طوائف من الروافض وقد افرط بعضهم في القول حتى زعم انه جائز ان ينسخوا الشرائع وقد افرط قوم من جنس هؤلاء من الحرمدينية حتى زعموا ان الرسل يأتون تترى بعد رسول الله وانهم لا ينقطعون
وقال قائلون جائز ان تظهر المعجزات على الصالحين الذين لا يدعون النبوة ولا يجوز ان تظهر على المبطلين
وقال قائلون قد يجوز ان تظهر المعجزات على الكذابين الذين يدعون الالهية ولا يجوز ان تظهر على الكذابين الذين يدعون النبوة قال لأن من يدعى الالهية ففى بنيته ما يكذبه في دعواه وليس من ادعى النبوة في بنيته ما يكذبه انه نبى فهذا قول حسين النجار
وقد جوز قوم من الصوفية ظهور المعجزات على الصالحين وان تأتيهم ثمار الجنة في الدنيا فيأكلونها ويواقعون الحور العين في الدنيا (1/438)
ويظهر لهم الملائكة ويظهر لهم الشياطين فيحاربونهم ولم يجوزوا رؤية الله في الدنيا وزعموا ان هذه مورايث الاعمال
وجوز آخرون كل ما حكيناه عن المتقدمين منهم وجوزوا ان يروا الله سبحانه في الدنيا وان يباشروه ويجالسوه
وقال قائلون جائزان تظهر المعجزات على الصالحين وان تبلغ بهم مواريث الاعمال حتى تسقط عنهم العبادات وتكون الدنيا لهم مباحة وكل ما فيها ويسقط عنهم النهى ويحل لهم النساء وسائر الاشياء وهذا قول اصحاب لاباحة وزعموا ان العبادة تبلغ بهم حتى لا يهتموا بشىء الا كان كما يريدون وان ارادوا ان تحدث لهم دنانير حدثت وكل ما ارادوا من شىء لم يستعصب عليهم وقد زعم بعضهم ان العبادة تبلغ بهم حتى يكونوا افضل من النبيين والملائكة المقربين
واختلف الناس هل الملائكة افضل من الانبياء
فقال قائلون الملائكة افضل من الانبياء
وقال قائلون الانبياء افضل من الملائكة والايمة افضل من الملائكة ايضا وهذا قول الروافض (1/439)
وقال قوم من المنكسين انه جائز ان يكون في الناس غير الانبياء والايمة من هو افضل من الملائكة
واختلف الناس في الجن هل هم مكلفون ام مضطرون
فقال قائلون من المعتزلة وغيرهم هم مأمورون منهيون قد أمر ونهوا لأن الله عز و جل يقول يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض الآية وانهم مختارون وزعم زاعمون انهم مضطرون مأمورون وكذلك اختلافهم في الملائكة وفى انهم مامورون او مختارون على سبيل اختلافهم في الجن
واختلفوا في الشياطين هل يرون في الدنيا ام لا
فقال قوم لا يجوز الا ان يريهم الله سبحانه نبيا او يجعل رؤيتهم علما ودليلا على نبوة نبى وقد يقدر الله سبحانه ان يرى عباده الملائكة والشياطين من غير ان يقلب خلقهم وقد يرى الانسان الملائكة في حال المعاينة
وقال قائلون لا يجوز ان يروا بحال الا ان يقلب الله خلقهم ويخرجهم عما هم عليه (1/440)
وقال قائلون جائز ان يروا في الدنيا من غير ان يقلب الله خلقهم ومن غير ان يجعل ذلك دليلا على نبوة نبى
وذهب الى انكار الجن والشياطين ذاهبون وزعموا انه ليس في الدنيا شيطان ولا جن غير الانسن الذين نراهم واختلفوا هل يجوز ان ينقلب الشياطان في صور الانس او فى غير ذلك من الصور اذا ارادوا ذلك ام لا
فقال قائلون جائز ان ينقلبوا الى اى صورة شاءوا من الصور فيكون الشيطان مرة في صورة انسان ومرة في صورة حية
وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم ذلك غير جائز ولم يجعل الله سبحانه اليهم ان ينقلبوا متى ارادوا
واختلف الناس هل ابليس من الملائكة ام لا
فقال قائلون هو منهم ولكنه اخرج عن جملتهم لما استكبر على الله عز و جل وقال قائلون ليس هو من الملائكة
واختلفوا هل الملائكة جن ام ليسوا بجن
فقال قائلون هم جن لاستتارهم عن الابصار ومن هذا قيل للجنين انه جنين وقال قائلون ليسوا بجن (1/441)
واختلفوا في السحر
فقالت المعتزلة وغيرهم من اهل الاسلام السحر هو التمويه والاحتيال وليس يجوز ان يبلغ الساحر بسحره ان يقلب الاعيان ولا ان يحدث شيئا لا يقدر غيره على احداثه
وقال قائلون يجوز ان يقلب الساحر بسحره الانسان حمارا وان تذهب المرءة الى الهند في ليلة وترجع
وقال قائلون السحر ليس على قلب الاعيان ولكنه اخذ بالعيون كنحو ما يفعله الانسان مما يتوهمه المتوهم على خلاف حقيقته
واختلفوا في المكان
فقال قائلون مكان الشىء ما يقله ويعتمد عليه ويكون الشىء متمكنا فيه
وقال آخرون مكان الشىء ما يماسه فاذا تماس الشيئان فكل واحد منهما مكان لصاحبه
وقال قائلون مكان الشىء ما يمنعه من الهوى معتمدا كان الشىء عليه او غير معتمد
وقال قائلون مكان الاشياء هو الجو وذلك ان الاشياء كلها فيه
وقال قائلون مكان الشىء هو ما يتناهى اليه الشىء وانما ذكرنا قول المنتحلين للاسلام في المكان دون غيرهم من الاوائل (1/442)
واختلفوا في الوقت
فقال قائلون الوقت هو الفرق بين الاعمال وهو مدى ما بين عمل الى عمل وانه يحدث مع كل وقت فعل وهذا قول ابى الهذيل
وقال قائلون الوقت هو ما توقته للشىء فاذا قلت آتيك قدوم زيد فقد جعلت قدوم زيد وقتا لمجيئك وزعموا ان الاوقات هى حركات الفلك لان الله عز و جل وقتها للاشياء هذا قول الجبائى
وقال قائلون الوقت عرض ولا نقول ما هو ولا نقف على حقيقته
واختلفوا هل يكون وقت لشيئين ام لا
فاجاز ذلك مجيزون وانكره منكرون
واختلفوا هل يجوز وجود اشياء لا في اوقات
فجوز ذلك مجيزون وانكره منكرون وهذا الذى حكيناه في الوقت اقاويل المنتحلين للاسلام
واختلفوا في الدنيا ما هى
فقال قائلون هى الهواء والجو وهذا قول زهير الاثرى
وقال قائلون قول القائل دنيا واقع على كل ما خلقه الله سبحانه من الجواهر والاعراض وجميع ما خلقه الله سبحانه قبل مجىء الاخرة وورودها (1/443)
واختلف المتكلمون في الخبر ما هو
فقال قائلون كل ما وقع فيه الصدق والكذب وهو مع هذا يشتمل على ضروب شتى منها النفى والاثبات والمدح والذم والعجب وليس منه الاستفهام والامر والنهى والاسف والتمنى والمسئلة لأنه ليس يقال لمن ينطق بشىء من ذلك صدقت ولا يقال له كذبت
وقال قائلون الخبر هو الكلام الذى يقتضى مخبرا وانما سمى خبرا من اجل المخبر به فاذا لم يكن مخبر لم يسم الكلام خبرا وابى هذا القائلون الذين حكينا قولهم آنفا
واختلفوا في الكلام ما هو
فقال قائلون الكلام هو مالا يخرج من ان يكون امرا او نهيا او خبرا او استخبارا او تمنيا او تعجبا او سؤالا وهو بمخرج الامر الا انه يسمى سؤالا اذا كان لمن فوقك
وقال قائلون الكلام هو القول وقد يخرج من هذه الاقسام كلهالأنه امر لعلة المأمور نهى لعلة المنهى خبر لعلة المخبر تمن لعلة المتمنى وهو كلام وقول لا لعلة وهذا قول ابن كلاب (1/444)
واختلفوا في الصدق والكذب
فقال بعضهم الصدق هو الاخبار عن الشىء على ما هو به والكذب الاخبار عنه بخلاف حقيقته بعلم وقع ام بغير علم
وقال بعضهم الصدق الخبر عن الشىء على ما هو به اذا كان معه علم الحقيقة
ثم اختلفوا في الكذب
فقالت جماعة منهم الكذب هو الاخبار عنه بخلاف حقيقته وزاد سائرهم في الكذب الخبر عن الشىء بخلاف ما هو عليه بغير علم
وقال بعضهم الصدق ذو شروط شيء منها صحة الحقيقة ومنها العلم بها ومنها امر الله به والكذب ذو شروط ايضا منها علم الحقيقة والعلم باعتماد نفيها ومنها النهى من الله عنه فاما ما وقع بغير علم فهو خبر عاثر لا يسمى صدقا ولا كذبا
واختلفوا هل يسمى الخبر صدقا قبل وقوع مخبره ام لا على مقالتين
فمنهم من سماه صدقا قبل وقوع مخبره ومنهم من امتنع من ذلك
واختلفوا في الخاص والعام
فزعم زاعمون ان الخبر قد يكون خاصا كالخبر عن الواحد (1/445)
من النوع المذكور اسمه في الخبر او بعضه فيكون عاما والعام ما عم اثنين فصاعدا ويكون عاما خاصا وهو ما كان في اثنين من النوع المذكور اسمه في الخبر او فيما هو اكثر من ذلك بعد ان يكون دون الكل وهذا قول ابن الراوندى والمرجئة
وقال قائلون الخبر الخاص لا يكون عاما والعام لا يكون خاصا والخاص ما كان خبرا عن الواحد والعام ما عم اثنين فصاعدا وهذا قول عباد بن سليمان وغيره
واختلفوا في قول الله عز و جل افعلوا هل يكون امرا من غير ان يقارنه نهى عن ترك ما قال افعلوه
فقال قائلون هو امر لازم وان لم يظهر النهى
وقال آخرون لا يكون امرا حتى يقارنه النهى عن ترك ما قال
افعلوه وقول القائل افعلوا هو امر لمن دونك وهو سؤال لمن هو فوقك
واختلفوا في الاثبات والنفى ما هو
فقال قائلون النفى متصل بالاثبات في الفعل لانك لا تنفى شيئا الا وقد اثبته على وجه آخر كقولك ليس زيد متحركا انت تثبت زيدا (1/446)
غير متحرك وانت نفيت ان يكون ساكنا واحال قائل هذا ان ينفى الا ما هو شىء ثابت كائن موجود
وقال قائلون النفى كل قول واعتقاد دل على عدم شىء او كان خبرا عن عدمه ولا يجوز ان يكون المثبت منفيا على وجه من الوجوه وكذلك المنفى ليس بمثبت على وجه من الوجوه وكذلك الاثبات كل قول واعتقاد دل على وجود شىءاو كان خبرا عن وجوده ثم زعم صاحب هذا القول ان الاثبات في الحقيقة هو ما به كان الشىء ثابتا والنفى ما كان الشىء به منتفيا في الحقيقة وهذا القول هو قول الجبائى
وقال قائلون المثبت قد يكون منفيا على وجه المنفى قد يكون مثبتا على وجه كما تثبت زيدا موجودا وتنفيه متحركا وليس بمستحيل ان ينتفى الشىء بان لا يكون موجودا ولا يكون ثابتا
واختلفوا هل يكون فعل للانسان لا طاعة ولا معصية ام لا على مقالتين
فقال قائلون لا فعل للانسان البالغ الا وهو لا يخلو من ان يكون طاعة او معصية وقال قائلون ان الافعال منها طاعات ومنها معاص ومنها مباحات لم يامر الله بها ليست بطاعة ولا معصية (1/447)
واختلف الناس هل يقال لم يزل الله خالقا
فاجاز ذلك قوم ومنعه آخرون
واختلف الذين منعوا من ذلك هل يقال لم يزل الخالق ام لا
فقال قائل نقول لم يزل الخالق ولا نقول لم يزل خالقا
وقال آخر يقال لم يزل الخالق واحدا عالما وما اشبه ذلك ولا يقال لم يزل لخالق لأن القول لم يزل الخالق كالقول لم يزل خالقا ونقول الخالق لم يزل وخالق لم يزل والقائل بهذا عباد بن سليمان
واختلفوا في النبوة هل هى ثواب او ابتداء
فقال قائلون هى ابتداء وقال قائلون هى جزاء على عمل الانبياء هذا قول عباد وقال الجبائى يجوز ان تكون ابتداء
واختلفوا هل يجوز ان توجد في الانسان قوة ولا يقال قوى
فقال قائلون اذا كانت القوة في بعض اجزائه فهو القوى ولا جائز ان يكون قوة ولا قوى
وقال قائلون اذا كانت القوة في بعض اجزائه لم تقل ان الانسان (1/448)
قوى الا ان تجامع القوة امرا او نهيا او اباحة او ترغيبا او اطلاقا فالامر والنهى والاباحة والترغيب للبالغين والاطلاق للاطفال والبهائم والهوام والمجانين وكل من كانت له قوة معها هذا فهو قوى والقائل بهذا عباد بن سليمان
القول في المقطوع والموصول
زعم عباد ان اصل الموصول هو كل فعل من الفرض او النفل لا يفعل بعضه ويترك بعضه تركا لضد ذلك فاذا دخل فيه فاعله لم يدع منه ما يخرجه منه فكل ما كان من ذلك او من جنس ذلك فهو يفعل الى آخره فاذا دخل في اوله بلغ الى آخره ولا يفعل بعضه ويدع بعضه ولا يفعل ثلثه ويدع ثلثيه فهذا اصل ذلك وزعم ان رجلا لو دخل عند نفسه في الظهر فلما صلى ركعتين نظر الى طفل يغرق فقد فرض عليه ان يخلص الطفل ولا يصلى قال وليس ما صلى طاعة مفروضة من الظهر قال ولو كان ذلك من الظهر لكان قد حرم عليه وصلها ووصلها طاعة فيكون قد حرمت عليه الطاعات وذلك فاسد وزعم ان انسانا لو امسك في رمضان الى نصف النهار ثم اكل ان امساكه المتقدم طاعة لله لا صوم وزعم ان من احرم ثم غشى (1/449)
امرأته قبل انقضاء الحج ان احرامه طاعة لله ووقوفه طاعة مفترضة وعليه ان يقف بعد ذلك في المواقيت وقت الحج وليس ما فعل من الحج طاعة وعليه الحج من قابل
وقال اكثر اهل الكلام ان من صلى ركعتين من الظهر ثم رأى طفلا ان لم يخلصه غرق انه اذا قطع صلاته فخلصه ان ما مضى من صلاته طاعة لله عز و جل وقد اتى ببعض الصلاة وكذلك القول فيمن امسك عن الاكل بعض يوم انه قد صام بعض يوم وان صومه بعض اليوم طاعة لله وكذلك القول فيمن اتى ببعض الحج
واختلفوا في الصلاة في الدار المغصوبة على مقالتين
فقال اكثر اهل الكلام صلاته ماضية وليس عليه اعادة
وقال ابو شمر عليه اعادة الصلاة لأنه انما يؤديها اذا كانت طاعة لله وكونه في الدار واعتماده فيها وحركته وقيامه وقعوده فيها معصية ولا تكون صلاته مجزية معصية لله وهذا قول الجبائى
واختلفوا في الصلاة خلف الفاجر هل على فاعلها اعادة ام لا على مقالتين
فقال قائلون لا يجوز صلاة الجمعة ولا شىء من الصلوات خلف (1/450)
الامام الفاجر وعلى من فعل ذلك الاعادة وهذا قول اكثر المعتزلة وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم الصلاة جائزة خلف البار والفاجر وليس على من صلى خلف الفاجر اعادة
واختلف الناس في السيف على اربعة اقاويل
فقالت المعتزلة والزيدية والخوارج وكثير من المرجئة ذلك واجب اذا امكننا ان نزيل بالسيف اهل البغي ونقيم الحق واعتلوا بقول الله عز و جل وتعاونوا على البر والتقوى وبقوله فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء الى امر الله واعتلوا بقول الله عز و جل لا ينال عهدى الظالمين
وقالت الروافض بابطال السيف ولو قتلت حتى يظهر الامام فيأمر بذلك
وقال ابو بكر الاصم ومن قال بقوله السيف اذا اجتمع على امام عادل يخرجون معه فيزيل اهل البغى
وقال قائلون السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية وان الامام قد يكون عادلا ويكون غير عادل وليس لنا ازالته وان (1/451)
كان فاسقا وانكروا الخروج على السلطان ولم يروه وهذا قول اصحاب الحديث
واختلفوا في انكار المنكر والامر بالمعروف بغير السيف
فقال قائلون تغير بقلبك فان امكنك فبلسانك فان امكنك فبيدك واما السيف فلا يجوز وقال قائلون يجوز تغيير ذلك باللسان والقلب فاما باليد فلا
واختلف الناس في الحكمين
فقالت الخوارج الحكمان كافران وكفر على حين حكم واعتلوا بقول الله عز و جل ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هو الكافرون وقوله فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء الى امر الله قالوا فأمر الله عز و جل وحكم بقتال اهل البغى وترك على قتالهم لما حكم وكان تاركا لحكم الله سبحانه مستوجبا للكفر لقول الله عز و جل ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون
واختلفت الخوارج في كفر على والحكمين
فمنهم من قال هو كفر شرك وهم الازارقة ومنهم (1/452)
من قال هو كفر نعمة وليس بكفر شرك وهم الاباضية
وقالت الروافض الحكمان مخطئان وعلى مصيب لأنه حكم للتقية لما خاف على نفسه
وقال قائلون من الروافض تحكيم على لا على طريق التقية وهو صواب
وقالت الزيدية وكثير من المرجئة وابراهيم النظام وبشر بن المعتمر ان عليا رضوان الله عليه كان مصيبا في تحكيمه الحكمين وانه انما حكم لما خاف على عسكره الفساد وكان الامر عنده واضحا فنظر للمسلمين ليتألفهم وانما امرهم ان يحكما بكتاب الله عز و جل فخالفا فهما المخطئان وعلى مصيب
ووقف واقفون في هذا وقالوا نحن لا نتكلم فيه ونرد امرهم الى الله عز و جل فان كان حقا فالله اعلم به حقا كان او باطلا
وقال الاصم ان كان تحكيمه ليحوز الامر الى نفسه فهو خطأ وان كان ليتكاف الناس حتى يصطلحوا على امام فهو صواب وقد اصاب ابو موسى حين خلعه حتى يجتمع الناس على امام
وقال قائلون بتصويب على في تحكيمه وانه اجتهد (1/453)
وقال قائلون بتصويب الحكمين وتصويب على ومعاوية وجعلوا امرهم من باب الاجتهاد
وزعم عباد بن سليمان ان عليا رضوان الله عليه لم يحكم وانكر التحكيم
واختلفوا في امامة عثمان وقتله
فقال اهل الجماعة كان ابو بكر وعمر امامين وكان عثمان اماما الى ان قتل رحمه الله عليه ورضوانه وقتله قاتلوه ظلما
وقال قائلون لم يكن اماما منذ يوم قام الى ان قتل وهؤلاء هم الروافض وانكروا امامة ابى بكر وعمر
وقال قائلون كان مصيبا في السنة الاولى من ايامه ثم انه احدث احداثا وجب بها خلعه واكفاره وهؤلاء هم الخوارج
فمنهم من قال كان كافرا مشركا ومنهم من قال كان كفر نعمة وثبتوا امامة ابى بكر وعمر
وقال قائلون كان اماما الى ان احدث احداثا اسحق بها ان يكون مخلوعا وانه فسق وبطلت امامته وهذا قول كثير من الزيدية وقد ذكرنا عند شرحنا قول الزيدية كيف قولهم في امامة (1/454)
ابى بكر وعمر وانه وقف في امره منهم واقفون ولم يقدموا عليه بتخطئة ولا بلعن
وقال ابو الهذيل لا ندرى قتل عثمان ظالما او مظلوما
واختلفوا في امامة على
فقال قائلون كان على اماما في ايام ابى بكر وعمر وان الامر كان له بنص النبى وان الامة ضلت حين بايعت غيره
وقال قائلون كانت الامامة لعلى في حياة ابى بكر وعمر وانهما اخطئا في توليهما لما تولياه خطأ لا يبلغ بهما الاثم
وقال قائلون كان ابو بكر الامام بعد النبى ثم عمر ثم عثمان ثم على وان الخلافة بعد النبوة ثلاثون سنة وهذا قول اهل السنة والاستقامة
واختلف هؤلاء في امامة ابى بكر كيف كانت
فقال قائلون بأن وقف النبى ونص على امامته
وقال قائلون لا بل دل على امامته بأمره ان يصلى بالناس وبقوله
مروا ابا بكر ان يصلى بالناس وبقوله افتدوا باللذين من بعدى ابى بكر وعمر وقالوا قد دل الله سبحانه على امامة ابى بكر في كتابه بقوله (1/455)
ستدعون الى قوم اولى بأس شديد تقانلوهم او يسلمون فجعل توبتهم مقرونة بدعوة الداعى لهم الى قتال القوم وهم اهل اليمامة وابو بكر دعاهم او فارس فعمر دعاهم وفى تثبيت امامة عمر تثبيت امامة ابى بكر
وقال قائلون كان ابو بكر اماما بعقد المسلمين له الامامة واجماعهم على امامته وكان عمر اماما بنص ابى بكر على امامته وكان عثمان باتفاق اهل الشورى عليه وكان على اماما بعقد اهل العقد له بالمدينة
وقال قائلون كان ابو بكر اماما ثم عمر ثم عثمان وان عليا لم يكن اماما لأنه لم يجتمع عليه وان معاوية كان اماما بعد على لأن المسلمين اجتمعوا على امامته في ذلك الوقت وهذا قول الاصم
وقال قائلون بامامة ابى بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على وانكروا امامة معاوية وقالوا لم يكن اماما بحال
واختلفوا في قتال على وطلحة وفى قتال على ومعاوية
فقالت الروافض والزيدية وبعض المعتزلة ابراهيم النظام وبشر بن المعتمر وبعض المرجئة ان عليا كان مصيبا في حروبه وان من قاتله كان على الخطأ فخطئوا طلحة والزبير وعائشة ومعاوية (1/456)
وقال ضرار وابو الهذيل ومعمر نعلم ان احدهما مصيب والآخر مخطىء فنحن نتولى كل واحد من الفريقين على الإنفراد وانزلوا الفريقين منزلة المتلاعنين الذين يعلمون ان احدهما مخطىء ولا يعلمون المخطىء منهما هذا قولهم فى على وطلحة والزبير وعائشة فاما معاوية فهم له مخطئون غير قائلين بامامته
وقال قائلون سبيل على وطلحة والزبير وعائشة في حربهم سبيل الاجتهاد وانهم جميعا كانوا مصيبين وكذلك قول هؤلاء في قتال معاوية وعلى وهذا قول حسين الكرابيسى
وقال بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد ان عليا وطلحة والزبير مشركون منافقون وهم في الجنة لقول النبى ان الله سبحانه اطلع الى اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
وقالت الخوارج بتصويب على في قتال طلحة والزبير ومعاوية
وقال الاصم في قتال على وطلحة والزبير ان كان قاتلهما ليتكاف الناس حتى يصطلحوا على امام فقتاله لهما على هذا الوجه صواب وكذلك قال في قتالهما اياه وقال ان كان معاوية قاتل عليا ليحوز الامر الى نفسه فهو ظالم وان كان قاتل ليتكاف الناس حتى يصطلحوا (1/457)
على امام فقتاله على هذا الوجه صواب وان كان قتاله لئلا يسلم ما في يديه اليه اذا لم يتفق على امامته فقتاله على هذا الوجه صواب
وقال قائلون نزعم ان عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم وان المصيبين هم القعود ونتولاهم جميعا ونبرأ من حربهم ونرد امرهم الى الله
وقال عباد لم يكن بين طلحة والزبير وعلى قتال
واختلفوا في التفضيل
فقال قائلون افضل الناس بعد رسول الله ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على
وقال قائلون افضل الناس بعد رسول الله ابو بكر ثم عمر ثم على ثم عثمان
وقال قائلون نقول ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت بعد ذلك
وقال قائلون افضل الناس بعد رسول الله على ثم بعده ابو بكر
واجمع من ثبت فضل ابى بكر وعمر ان ابا بكر افضل من عمر واجمع من ثبت فضل عمر وعثمان ان عمر افضل من عثمان
وقال قائلون لا ندرى ابو بكر افضل ام على فان كان ابو بكر (1/458)
افضل فيجوز ان يكون عمر افضل من على ويجوز ان يكون على افضل من عمر وان كان على افضل من عمر فهو افضل من عثمان لأن عمر افضل من عثمان وان كان عمر افضل من على فيجوز ان يكون على افضل من عثمان ويجوز ان يكون عثمان افضل من على وهذا قول الجبائى
واختلفوا في الامامة هل هي بنص ام قد تكون بغير نص
فقال قائلون لا تكون الا بنص من الله سبحانه وتوقيف وكذلك كل امام ينص على امام بعده فهو بنص من الله سبحانه على ذلك وتوقيف عليه
وقال قائلون قد تكون بغير نص ولا توقيف بل بعقد اهل العقد
واختلفوا هل يكون بعد على امام
فقال اكثر الناس قد يكون بعد على امام وقال عباد بن سليمان لا يجوز ان يكون بعد على امام واعتل بانهم اجمعوا في عصر ابى بكر وعمر وعثمان وعلى انه جائز ان يكون امام واختلفوا بعد على هل يجوز ان يكون امام ام لا فلو جاز ان يكون بعد على امام لم يختلفوا في ان يكون بعده امام او لا يكون كما لم يختلفوا في ذلك في عصره لأن الامة لا تجتمع على شىء تختلف في مثله (1/459)
واختلفوا في كم تنعقد الامامة من رجل
فقال قائلون تنعقد برجل واحد من اهل العلم والمعرفة والستر
وقال قائلون لا تنعقد الامامة باقل من رجلين وقال قائلون لا تنعقد باقل من اربعة يعقدونها وقال قائلون لا تنعقد الا بخمسة رجال يعقدونها وقال قائلون لا تنعقد الا بجماعة لا يجوز عليهم ان يتواطؤا على الكذب ولا تلعقهم الظنة وقال الاصم لا تنعقد الا باجماع المسلمين
واختلفوا في وجوب الامامة
فقال الناس كلهم الا الاصم لا بد من امام
وقال الاصم لو تكاف الناس على التظالم لاستغنوا عن الامام
واختلفوا هل يكون الامام اكثر من واحد
فقال قائلون لا يكون في وقت واحد اكثر من امام واحد
وقال قائلون يجوز ان يكون امامان في وقت واحد احدهما صامت والاخر ناطق فاذا مات الناطق خلفه الصامت وهذا قول (1/460)
الرافضة وجوز بعضهم ثلاثة ايمة في وقت واحد احدهم صامت وانكر اكثرهم ذلك
واختلفوا هل يجوز ان يخلوا الناس من امام
فقالت الروافض لا تخلوا الارض من امام وقال غيرهم قد يجوز ان تخلوا الارض من امام حتى يعقد لواحد
واختلفوا في امامة المفضول على مقالتين
فقالت الزيدية وكثير من المعتزلة جائز ان يكون في رعية الامام من هو افضل منه وجوزوا ان يكون الامام مفضولا كما يكون الامير مفضولا في رعيته من هو خير منه
وقال قائلون لا يكون الامام الا افضل الناس
واختلفوا هل يجوز ان يكون الايمة في غير قريش على مقالتين
فقال قائلون من المعتزلة والخوارج جائز ان يكون الايمة في غير قريش وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم لا يجوز ان يكون الايمة الا من قريش (1/461)
واختلف الذين قالوا لا يكون الايمة الا من قريش في اى قريش تكون على مقالتين
فقالت الروافض لا يكون الايمة من قريش الا في بني هاشم خاصة وقال قائلون قد يكون الايمة من غيرها من قريش
واختلف الذين قالوا لا يكون الايمة الا من بنى هاشم في اى بنى هاشم على مقالتين
فقال قائلون في العباس بن عبد المطلب وفى ولده لا تكون في غيرهم وهم الراوندية وقال قائلون هى في على وولده لا تكون في غيرهم
واختلفوا اذا اجتمع قرشى واعجمى وتساويا في الفضل ايهما اولى على مقالتين
فقال ضرار بن عمرو يولى الاعجمى لانه اقلهما عشيرة وقال سائر الناس يولى القرشى فهو اولى بها
واختلفوا في الامام اذا مات ببلده فبايع من بحضرته رجلا وبايع غيرهم آخر في وقته او قبله (1/462)
فقال قائلون الامام هو الذى عقد له في بلد الامام دون غيره وقال قائلون من هو الذى عقد له اولا ببلد الامام كان ام بغيره
واختلفوا اذا بايع قوم اماما وبايع آخرون اماما آخر في وقت واحد
فقال قائلون يقرع بينهما فايهما خرجت قرعته كان اماما دون الآخر وقال آخرون يقال لهما ان يعتزلا ثم يعقد لاحدهما او لغيرهما وقال آخرون ايهما امتنع من ان يعتزل لم يكن اماما فاذا قيل له اعتزل فلم يعتزل لم يكن اماما وكان الامام الذى يقال له اعتزل ولم يأب ذلك
واختلفوا في الامامة هل تتوارث
فقال قائلون هى وراثة وقال آخرون ليست بوراثة
واختلفوا هل للامام ان يوصى الى غيره في جهة وجوب الامامة فاجاز ذلك قوم وانكره آخرون
واختلفوا هل الدار دار ايمان ام لا
فقال اكثر المعتزلة والمرجئة الدار دار ايمان
وقالت الخوارج من الازارقة والصفرية هى دار كفر وشرك
وقالت الزيدية هى دار كفر نعمة (1/463)
وقال جعفر بن مبشر ومن وافقه هى دار فسق
وقال الجبائى كل دار لا يمكن فيها احدا ان يقيم بها او يجتاز بها الا باظهار ضرب من الكفر او باظهار الرضى بشىء من الكفر وترك الانكار له فهي دار كفر وكل دار امكن القيام بها والاجتياز بها من غير اظهار ضرب من الكفر او اظهار الرضى بشىء من الكفر وترك الانكار له فهى دار ايمان وبغداد على قياس الجبائى دار كفر لا يمكن المقام بها عنده الا باظهار الكفر الذى هو عنده كفر او الرضى كنحو القول ان القرآن غير مخلوق وان الله سبحانه لم يزل متكلما به وان الله سبحانه اراد المعاصى وخلقها لان هذا كله عنده كفر وكذلك القول في مصر وغيرها على قياس قوله وفى سائر امصار المسلمين وهذا هو القول بأن دار الاسلام دار كفر ومعاذ الله من ذلك
وقال بعضهم الدار دار الهدنة ولم يقولوا انها دار ايمان ولا قالوا انها دار كفر وهذا قول بعض الروافض
واختلفوا في احكام الجائر على مقالتين
فقال قائلون هى جائزة لازمة اذا كانت على الحق وان كان جائرا
وقال قائلون لا تلزم احكامه ولا يلتفت اليها (1/464)
واختلفوا في الامام اذا اخطأ في الحكم على مقالتين
فقال قائلون يمضى حكمه وقال قائلون لا بل يرجع عنه ويرد الى الصواب
واختلفوا في قتال البغاة على ثلاثة اقاويل
فقال قائلون لا يتبع من يولى منهم ولا يغنم اموالهم ولا يجاز على جرحاهم وقال قائلون بل يتبع من ولى منهم ويجاز على جرحاهم ويغنم اموالهم وقال قائلون يغنم ما حوى عسكرهم وما لم يكن في عسكرهم من اموالهم لم يغنم
واختلفوا في دفن البغاة وتكفينهم والصلاة عليهم وسبى ذراريهم
فقال قائلون يدفن قتلاهم ويكفنون ويصلى عليهم ولا تسبى ذراريهم وقال قائلون لا يدفنون ولا يصلى عليهم ولا يكفنون وتسبى ذراريهم وهذا قول الخوارج وغيرهم
واختلفوا في قتل البغاة غيلة
فمنهم من اجاز ذلك ومنهم من لم يجز الغيلة وكان في المعتزلة رجل يقال له عباد بن سليمان يرى قتل الغيلة في مخالفيه اذا لم يخف شيئا وقد ذهب الى هذا قوم من الخوراج وقوم من غلاة الروافض (1/465)
حتى استحلوا خنق المخالفين لهم واخذ اموالهم واقامة شهادة الزور عليهم واستباحوا الزنا بنساء مخالفيهم
واختلفوا في المقدار الذى يجوز اذا بلغوا اليه ان يخرجوا على السلطان ويقاتلوا المسلمين
فقالت المعتزلة اذا كنا جماعة وكان الغالب عندنا انا نكفى مخالفينا عقدنا للامام ونهضنا فقتلنا السلطان وازلناه واخذنا الناس بالانقياد لقولنا فان دخلوا في قولنا الذى هو التوحيد وفى قولنا في القدر والا قتلناهم واوجبوا على الناس الخروج على السلطان على الاماكن والقدرة اذا امكنهم ذلك وقدروا عليه
وقال قائلون من الزيدية اقل المقدار الذى يجوز لهم الخروج ان يكونوا كعدة اهل بدر فيعقدون الامامة للامام ثم يخرجون معه على السلطان
وقال قائلون اى عدد اجتمع عقدوا للامام ونهضوا اذا كان من اهل الخير ذلك واجب عليهم
وقال قائلون اذا كان مقدار اهل الحق كمقدار نصف اهل البغى لزمهم قتالهم لقول الله تعالى الآن خفف الله عنكم الاية (1/466)
واختلفوا هل يكون الظهور الا مع امام وهل يكون قطع السارق واخذ القود وانفاذ الاحكام الا بامام
فقال عباد بن سليمان لا يجوز ان يكون بعد على امام وان المسلمين اذا امكنهم الخروج خرجوا فانفذوا الاحكام وقطعوا السراق واقادوا وفعلوا ما كان يلزم الايمة فعله
وقال الاصم وابن علية اذا كانوا جماعة لا يجوز على مثلهم ان يتواطئوا ولم تلحقهم ظنة ولا تهمة لكثرتهم جاز لهم ان يقيموا الاحكام
وقال قائلون وهم اكثر المعتزلة لا يكون الخروج الا مع امام عادل ولا يتولى انفاذ الاحكام وقطع السارق والقود الا الامام العادل او من يأمر الامام العادل لا يجوز غير ذلك
وقالت الروافض لا يجوز شىء من ذلك الا للامام او من يأمره
واختلفوا في المكاسب هل هى جائزة ام لا
فقال قائلون بتحريم المكاسب والتجارات وقالوا لا يجوز بيع ولا شرى حتى يظهر الامام على الدار ويقسمها لأن الاشياء التى فيها لا ملك للناس عليها لفسادها ولكون الغصب والظلم فيها وهم يرون ان يسئلوا الناس ما يكفيهم لقوتهم وما فضل عن ذلك لم يروا اخذه (1/467)
وليس يسئلون الناس على ان الناس يملكون شيئا عندهم ولكنهم اذا نظروا الى انفسهم تتلف سألوا الناس شيئا واقاموا ما يأخذونه مقام الميتة للمضطر وهذا قول طوائف من المعتزلة وهو مذهب قوم تكاسلوا عن التجارات وقد جرى مجراهم قوم من اهل لتوكل وتركوا الاعمال وتكاسلوا عنها وقالوا اذا توكلنا حقيقة التوكيل جاءتنا ارزاقنا واستغنينا عن الاضطراب
فقال اكثر الناس ان المكاسب من وجهها جائزة والبيع والشرى جائزان الا فيما عرفناه حراما بعينه فاما ما لم نعرفه حراما ورايناه في ايدى قوم جائز لنا ان نشترى منهم وجائز لنا البيع والتجارة والاشياء على ظاهرها والدار دار ايمان لا يحرم فيها شىء الا ما عرفناه حراما
واختلف الناس في مبايعة القاطع الباغى
فقال قوم يجوز ان نبايعه ونشترى منه الا ما كان من آلات الحرب وقال قوم لا يجوز لنا مبايعته ولا الشرى الا ان يرجع عن الفتة حتى نلجئه بذلك الى ترك البغى
واختلفوا فيمن اشترى جارية بمال حرام بعينه
فقال قائلون اذا اشترى بذلك المال الحرام بعينه كان البيع منتقضا لا يجوز ولكن اذا اشترى لا بذلك المال بعينه كان البيع منعقدا وكان (1/468)
المال في ذمة المشترى وقال قائلون جائز البيع والشرى وان كان اشترى بعين ذلك المال
واختلفوا فيمن حج او قضى فرضا من مال حرام
فقال قائلون لا يكون مؤديا للحج ولا للفرض اذا كان المال الذى حج به حراما وقال قائلون حجة ماض وكذلك الفرض الذى قضاه والمال في ذمته
واختلفوا اذا ذبح بسكين مغتصبة
فقال قائلون لا تكون الذبحية ذكية وقال قائلون هى ذكية
واختلفوا في الطلاق لغير العدة
فقال اكثر الناس عصى ربه وبانت منه امرأته وكذلك اذا طلقها ثلاثا فقد لحقها الطلاق ثلاثا
وقال قائلون لا يقع الطلاق لغير العدة وليس طلاق الثلاث شيئا ولا يقع الطلاق حتى يطلقها واحدة للعدة وهى طاهر من غير جماع ويشهد على ذلك شاهدين ولا يكون غضبانا ويكون قاصدا الى الطلاق راضيا به وقال قائلون اذا طلقها ثلاثا كانت واحدة (1/469)
واختلفوا في المسح على الخفين
فقال اكثر اهل الاسلام بالمسح على الخفين وانكر المسح على الخفين الروافض و الخوارج
واختلفوا في الفرائض هل فرضت لعلل او لا لعلل
فقال قائلون فرض الله الفرائض وشرع الشرائع لا لعلة وانما يكون الشىء محرما بتحريم الله اياه محلا بتحليله له مطلقا باطلاقه له لا لعلة غير ذلك وانكر هؤلاء القياس في الاحكام
وقال قائلون ان الله سبحانه حرم اشياء عبادات وحرم اشياء لعلل يجب القياس عليها وانه لا قياس يقاس الا على اصل معلول فيه علة يجب ان تطرد في الفرع
وقال قائلون الاشياء حرمها الله سبحانه واحلها لعلة المصحة لا غير ذلك وانما يقع القياس اذا اشتبه شيئان في معنى قيس احدهما على الآخر لاشتباههما في ذلك المعنى
واختلفوا في التقية
فزعمت الروافض انه جائز ان يظهر الامام الكفر والرضى به والفسق على طريق التقية وجوزوا ذلك على الرسول عليه السلام (1/470)
وقال قائلون لا يجوز ذلك على الرسول عليه السلام ولا يجوز ايضا على الامام
واختلفوا في امامة يزيد
فقال قائلون كان اماما باجماع المسلمين على امامته وبيعتهم له غير ان الحسين انكر عليه اشياء مثلها ينكر وقال قائلون بامامته وتخطئه الحسين في انكاره عليه وقال قائلون لم يكن اماما على وجه من الوجوه
واختلفوا في قول النبى عشرة في الجنة
فقال قائلون بانكار هذا الخبر وابطاله وهم الروافض
وقال قائلون هو فيهم على شريطة ان لم يتغيروا عما كانوا عليه حتى يموتوا وان ماتوا على الايمان
وقال قائلون وهم اهل السنة والجماعة هو في العشرة وهم في الجنة لا محالة
واختلف الناس في المعارف والعلوم هل هى العالم منا او غيره
فقال قائلون معارفنا وعلومنا غيرنا وقال قائلون بنفى العلوم (1/471)
والمعارف وقالوا ليس الا العالم العارف وقال قائلون صفات العالم منا لا هو ولا غيره
واختلفوا في الصراط
فقال قائلون هو الطريق الى الجنة والى النار ووصفوه فقالوا هو ادق من الشعر واحد من السيف ينجي الله عليه من يشاء
وقال قائلون هو الطريق وليس كما وصفوه بأنه احد من السيف وأدق من الشعر ولو كان كذلك لاستحال المشى عليه
واختلفوا في الميزان
فقال اهل الحق له لسان وكفتان توزن في احدى كفتيه الحسنات وفى الاخرى السيئات فمن رجحت حسناته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته دخل النار ومن تساوت حسناته وسيئاته تفضل الله عليه فادخله الجنة
وقال اهل البدع بابطال الميزان وقالوا موازين وليس بمعنى كفات وألسن ولكنها المجازاة يجازيهم الله باعمالهم وزنا بوزن
وانكروا الميزان وقالوا يستحيل وزن الاعراض لان الاعراض لا ثقل لها ولا خفة (1/472)
وقال قائلون باثبات الميزان واحالوا ان توزن الاعراض في كفتين ولكن اذا كانت حسنات الانسان اعظم من سيئاته رجحت احدى الكفتين على الاخرى فكان رجحانها دليلا على ان الرجل من اهل الجنة وكذلك اذا رجحت الكفة الاخرى السوداء كان رجحانها دليلا على ان الرجل من اهل النار
وحقيقة قول المعتزلة في الموازنة ان الحسنات تكون محبطة للسيئات وتكون اعظم منها وان السيئات تكون محبطة للحسنات وتكون اعظم منها
القول في الحوض
قال اهل السنة والاستقامة ان للنبي صلى الله عليه و سلم حوضا يسقى منه المؤمنين ولا يسقى منه الكافرين وانكر قوم الحوض ودفعوه
واختلفوا في منكر ونكير هل يأتيان الانسان في قبره
فانكر ذلك كثير من اهل الاهواء وثبته اهل الاستقامة (1/473)
واختلفوا في شفاعة رسول الله هل هى لاهل الكبائر
فانكرت المعتزلة ذلك وقالت بابطاله وقال بعضهم الشفاعة من النبى للمؤمنين ان يزادوا في منازلهم من باب التفضيل وقال اهل السنة والاستقامة بشفاعة رسول الله لاهل الكبائر من امته
واختلفوا في تخليد الفساق في النار
فقالت المعتزلة والخوارج بتخليدهم وان من دخل النار لا يخرج منها وقال اهل السنة والاستقامة ان الله يخرج اهل القبلة الموحدين من النار ولا يخلدهم فيها
القول في دوام نعيم اهل الجنة ودوام عذاب اهل النار
اجمع اهل الاسلام جميعا الا الجهم ان نعيم اهل الجنة دائم لا انقطاع له وكذلك عذاب الكفار في النار
وقال جهم بن صفوان ان الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى من فيهما حتى لا يبقى الا الله وحده كما كان وحده لا شىء معه (1/474)
وقال ابو الهذيل بانقطاع حركات اهل الجنة والنار وانهم يسكنون سكونا دائما
وقال قوم من اهل الجنة ينعمون فيها وان اهل النار ينعمون فيها بمنزلة دود الخل يتلذذ بالخل ودود العسل يتلذذ بالعسل وهم البطيخية
واختلفوا في الجنة والنار أخلقتا ام لا
فقال اهل السنة والاستقامة هما مخلوقتان وقال كثير من اهل البدع لم تخلقا
واختلفوا هل تفنيان اذا افنى الله الاشياء
نثبت ذلك قوم وانكروه آخرون
واختلفوا في الارجاء هل يجوز ان يتعبد الله سبحانه به
فأجاز ذلك قوم وانكره آخرون
واختلفوا في الصغائر هل كان يجوز ان يأتى فيها وعيد فاجاز ذلك ابو الهذيل وغيره وقال قائلون لم يكن يجوز ان يأتى فيها وعيد لأنها مغفورة باجتناب الكبائر باستحقاق
واختلفوا هل كان يجوز ان يعفو عن الكبائر لولا الاخبار فاجاز ذلك قوم وانكره آخرون (1/475)
واختلفوا في غفران الصغائر بأى شىء هو
فقال قائلون يغفرها الله سبحانه تفضلا بغير توبة وقال قائلون يغفرها لمجتنبى الكبائر باستحقاق وقال قوم لا يغفرها الا بالتوبة وقد ذكرنا اختلافهم قبل هذا في ماهية الصغائر
واختلفوا فيما يقع من الانسان على طريق السهو والخطأ هل يكون معصية
فقال قائلون قد يكون ذلك معصية وقال قائلون لا يكون ذلك معصية الا ان يقع بقصده
واختلفوا في وجوب التوبة
فقال قائلون التوبة من المعاصى فريضة وانكر ذلك آخرون
واختلف الناس في اكفار المتأولين وتفسيقهم
فحكى زرقان ان المرجئة كلها لا تفسق اهل التأويل لانهم تأولوا فاخطئوا وهذا غلط منه في الحكاية لان الاكثر من المرجئة يقولون كل معصية فسق ويفسقون الخوارج بسفكهم الدماء وسبيهم النساء واخذ الاموال وان كانوا متأولين فكيف يحكى عنهم انهم (1/476)
لا يفسقون احدا من المتأولين وزعم اكثر المرجئة انهم لا يكفرون احدا من المتأولين ولا يكفرون الا من اجمعت الامة على اكفاره
وزعم الجهم انه لا كفر الا الجهل ولا كافر الا جاهل بالله سبحانه وان قول القائل ثالث ثلاثة ليس بكفر ولا يظهر الا من كافر لانا وقفنا على ان من قال ذلك فكافر
وقال اكثر المرجئة كل مرتكب معصية بتأويل او بغير تأويل فهو فاسق
وزعم ابو شمر ان المعرفة بالله وبما جاء من عنده والاقرار بذلك ومعرفة التوحيد والعدل يعنى قوله في القدر لأنه كان قدريا ما كان من ذلك منصوصا عليه او مستخرجا بالعقول مما فيه اثبات عدل الله سبحانه ونفى التشبيه عنه كل ذلك ايمان والشاك فيه كافر
وقال ابو الهذيل من شبه الله سبحانه بخلقه او جوره في حكمه او كذبه في خبره فهو كافر (1/477)
واختلف الناس هل يعد خلاف اهل الاهواء اذا خالفوا في الاحكام خلافا
فقال قائلون انهم يكونون خلافا وقال قائلون لا يكونون خلافا
واختلفوا في الامة تختلف في الشىء في وقت وتجتمع عليه بعد الاختلاف
فقال قائلون جائز ان تأخذ بالامر الاول اذا كان مردودا الى اصل وجائز ان نأخذ بالاجماع وقال قائلون نأخذ بما اجمعوا عليه
واختلفوا في الامة هل يجوز ان تجتمع على امر تختلف في مثله ام لا
فقال اكثر الناس ذلك جائز وقال عباد لا يجوز ان تجمع الامة على امر تختلف في مثله كما لا يجوز ان تجتمع على شىء تختلف فيه
واختلف الناس في الناسخ والمنسوخ هل يجوز ان يكون في الاخبار ناسخ ومنسوخ ام لا يجوز ذلك
فقال قائلون الناسخ والمنسوخ في الامر والنهى (1/478)
وغلت الروافض في ذلك حتى زعمت ان الله سبحانه يخبر بالشىء ثم يبدوا له فيه تعالى الله عن ذلك علو كبيرا
واختلفوا في القرآن هل ينسخ بالسنة ام لا على ثلاث مقالات
فقال قائلون لا ينسخ القرآن الا قرآن وابوا ان تنسخه السنة وقال قائلون السنة تنسخ القرآن والقرآن لا ينسخها وقال قائلون القرآن ينسخ السنة والسنة تنسخ القرآن
واختلفوا هل يكون قول الله عز و جل افعلوا امرا بنفس ظاهره ام لا
فثبت ذلك مثبتون وقال قائلون لا حتى يدل على انه فرض ذلك الشىء
القول فيمن له ان يجتهد
قال اهل الاجتهاد لا يجوز الاجتهاد الا لمن علم ما انزل الله عز و جل في كتابه من الاحكام وعلم السنن وما اجمع عليه المسلمون حتى يعرف الاشياء والنظائر ويرد الفروع الى الاصول وقالوا في المستفتى ان له ان يفتى فيقلد بعض المفتين (1/479)
وقال بعض اهل القياس ليس للمستفتى ان يقلد وعليه ان ينظر ويسئل عن الدليل والعلة حتى يستدل بالدليل ويضح له الحق القول فيما يعلم بالاجتهاد هل يكون دينا
قال قائلون هو دين وقال قائلون ليس بدين
واختلف الناس في البلوغ
فقال قائلون لا يكون البلوغ الا بكمال العقل ووصفوا العقل فقالوا منه علم الاضطرار الذى يفرق الانسان به بين نفسه وبين الحمار وبين السماء وبين الارض وما اشبه ذلك ومنه القوة على اكتساب العلم وزعموا ان العقل الحس نسميه عقلا بمعنى انه معقول
وهذا قول ابى الهذيل
وقال قائلون البلوغ هو تكامل العقل والعقل عندهم هو العلم وانما سمى عقلا لأن الانسان يمنع نفسه به عما لا يمنع المجنون نفسه عنه وان ذلك مأخوذ من عقال البعير وانما سمى عقاله عقالا لأنه يمنع به وزعم صاحب هذا القول ان هذه العلوم كثيرة منها اضطرار وانه قد يمكن ان يدركه الانسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الاشياء واختبارها والنظر فيها وفى بعض ما هو داخل في جملة العقل (1/480)
كنحو تفكر الانسان اذا شاهد الفيل انه لا يدخل في خرق ابرة بحضرته فنظر في ذلك وفكر فيه حتى علم انه يستحيل دخوله في خرق ابرة وان لم يكن بحضرته فاذا تكاملت هذه العلوم في الانسان كان بالغا ومن لم يمتحن الاشياء فجائز ان يكمل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه وضرورة فيكون بالغا كامل العقل مأمورا مكلفا
ومنع صاحب هذا القول ان تكون القوة على اكتساب العلم عقلا غير انه وان لم تكن عنده عقلا فليس بجائز ان يكلف الانسان حتى يتكامل عقله ويكون مع تكامل عقله قويا على اكتساب العلم بالله
وزعم صاحب هذا القول انه لا يجب على الانسان التكليف ولا يكون كامل العقل ولا يكون بالغا الا وهو مضطر الى العلم بحسن النظر وان التكليف لا يلزمه حتى يخطر بباله انك لا تأمن ان لم تنظر ان يكون للاشياء صانع يعاقبك بترك النظر او ما يقوم مقام هذا الخاطر من قول ملك او رسول او ما اشبه ذلك فحينئذ يلزمه التكليف ويجب عليه النظر والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائى
وقال قائلون لا يكون الانسان بالغا كاملا داخلا في حد التكليف الا مع الخاطر والتنبيه وانه لا بد في العلوم التى في الانسان (1/481)
والقوة التى فيه على اكتساب العلوم من خاطر وتنبيه وان لم يكن مضطرا الى العلم بحسن النظر وهذا قول بعض البغداذيين
وقال قائلون لا يكون الانسان بالغا الا بأن يضطر الى علوم الدين فمن اضطر الى العلم بالله وبرسله وكتبه فالتكليف له لازم والامر عليه واجب ومن لم يضطر الى ذلك فليس عليه تكليف وهو بمنزلة الاطفال
وهذا قول ثمامة بن اشرس النميري
واكثر المتكلمين متفقون على ان البلوغ كما العقل
وقال كثير من المتفقهة لا يكون الانسان بالغا الا باحد شيئين اما ان يبلغ الحلم مع سلامة العقل او تأتى عليه خمس عشرة سنة وذهب ذاهبون الى سبع عشرة سنة
وقد شد عن جملة الناس شاذون فقالوا لا يكون الانسان بالغا ولو اتت عليه ثلثون سنة واكثر منها مع سلامة العقل حتى يحتلم (1/482)
ذكر اختلاف الناس في الاسماء والصفات
الحمد لله الذى بصرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة المتحيرين الذين نفوا صفات رب العالمين وقالوا ان الله جل ثناؤه وتقدست اسماؤه لا صفات له وانه لا علم له ولا قدرة ولا حياة له ولا سمع له ولا بصر له ولا عز له ولا جلال له ولا عظمة له ولا كبرياء له وكذلك قالوا في سائر صفات الله عز و جل التي يوصف بها لنفسه وهذا قول اخذوه عن اخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون ان للعالم صانعا لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا حى ولا سميع ولا بصير ولا قديم وعبروا عنه بان قالوا نقول عين لم يزل ولم يزيدوا على ذلك غير ان هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا ان يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه بنفيهم ان يكون للبارىء علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره من ذلك ولأفصحوا به غير ان خوف السيف يمنعهم من اظهار ذلك
وقد افصح بذلك رجل يعرف بابن الايادى كان ينتحل قولهم فزعم ان البارىء سبحانه عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة (1/483)
ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم ان البارىء عالم قادر سميع بصير حكيم جليل في حقيقة القياس
وقد اختلفوا فيما بينهم اختلافا تشتتت فيه اهواؤهم واضطربت فيه اقاويلهم
فقال شيخهم ابو الهذيل العلاف ان علم البارىء سبحانه هو هو وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته وكذلك كان قوله في سائر صفات ذاته وكان يزعم انه اذا زعم ان البارىء عالم فقد ثبت علما هو الله ونفى عن الله جهلا ودل على معلوم كان او يكون واذا قال ان البارىء قادر فقد ثبت قدرة هى الله ونفى عن الله عجزا ودل على مقدور يكون او لا يكون وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب وكان اذا قيل له حدثنا عن علم الله سبحانه الذى هو
الله اتزعم انه قدرته ابى ذلك فاذا قيل له فهو غير قدرته انكر ذلك وهظا نظير ما انكره من قول مخالفيه ان علم الله لايقال هو الله ولا يقال غيره وكان اذا قيل له اذا قلت ان علم الله هو الله فقال ان الله تعالى علم ناقض ولم يقل انه علم مع قوله ان علم الله هو الله (1/484)
وكان يسئل الثنوية فيقول لهم اذا قلتم ان تباين النور والظلمة هو هما وان امتزاجهما هو هما فقولوا ان التباين هو الامتزاج وكان يسئل من يزعم ان طول الشىء هو هو كذلك عرضه هل طوله هو عرضه وهذا راجع عليه في قوله ان علم الله هو الله وان قدرته هى هو لأنه اذا كان علمه هو هو وقدرته هى هو فواجب ان يكون علمه هو قدرته والا لزم التناقض كما لزم اصحاب الاثنين
وهذا اخذه ابو الهذيل عن ارسطاطاليس وذلك ان ارسطاطاليس قال في بعض كتبه ان البارىء علم كله قدرة كله حياة كله سمع كله بصر كله فسحن اللفظ عند نفسه وقال علمه هو هو وقدرته هى هو
وكان يقول ان المقدورات الله ومعلوماته مما يكون ومما لا يكون كلا وغاية وجميعا كما ان لما كان كلا وجميعا وان اهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكونا دائما لا يتحركون وكان يقول بانقطاع الأكل والشرب والنكاح
وكان ابو الهذيل اذا قيل له أتقول له ان لله علما قال اقول ان له علما هو هو وانه عالم بعلم هو هو وكذلك كان قوله في سائر (1/485)
صفات الذات فنفى ابو الهذيل العلم من حيث اوهم انه ثلاثة وذلك انه لم يثبت الا البارىء فقذ وكان يقول معنى ان الله عالم معنى انه قادر ومعنى انه حى انه قادر وهذا له لازم اذا كان لا يثبت للبارىء صفات لا هى هو ولا يثبت الا البارىء فقط
وكان اذا قيل له فلم اختلفت الصفات فقيل عالم وقيل قادر وقيل حى قال لاختلاف المعلوم والمقدور
وحكى عنه جعفر بن حرب انه كان لا يقول ان الله سبحانه لم يزل سميعا ولا بصيرا لا على ان يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضى وجود المسموع والمبصر
فاما النظام فانه كان ينفى العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وصفات الذات ويقول ان الله لم يزل عالما حيا قادرا سميعا بصيرا قديما بنفسه لا يعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وقدم كذلك قوله في سائر صفات الذات وكان يقول اذا ثبت البارىء عالما قادرا حيا سميعا بصيرا قديما اثبت ذاته وانفى عنه الجهل والعجز والموت والصمم والعمى وكذلك قوله في سائر صفات الذات على (1/486)
هذا الترتيب فاذا قيل له فلم اختلف القول عالم والقول قادر والقول حى وانت لا تثبت الا الذات فما انكرت ان يكون معنى عالم معنى قادر ومعنى حى قال لاختلاف الاشياء المتضادات المنفية عنه من الجهل والعجز والموت فلم يجب ان يكون معنى عالم معنى قادر ولا معنى عالم معنى حى
وكان يقول ان قولى عالم قادر سميع بصير انما هو ايجاب التسمية ونفى التضاد وكان اذا قيل له تقول ان لله علما قال اقول ذلك توسعا وارجع الى تثبيته عالما وكذلك اقول لله قدرة وارجع الى اثباته قادرا وكان لا يقول له حياة وسمع وبصر لأن الله سبحانه اطلق العلم فقال انزله بعلمه واطلق القوة فقال اشد منهم قوة ولم يطلق الحياة والسمع والبصر
وكان يقول ان الانسان حى قادر بنفسه لا بحياة وقدرة كما يقول في البارىء سبحانه ويقول انه عالم بعلم وانه قد يدخل في الانسان آفة فيصير عاجزا ويدخل عليه آفة فيصير ميتا
واما ضرار بن عمرو فكان يقول اذهب من قولى ان الله (1/487)
سبحانه عالم الى نفى الجهل ومن قولى قادر الى نفى العجز وهو قول عامة المثبتة
واما معمر فحكى عنه محمد بن عيسى السيرافى النظامى انه كان يقول ان البارىء عالم بعلم وان علمه كان علما له لمعنى وكان المعنى لمعنى لا الى غاية وكذلك قوله في سائر صفات الذات فقال في الله عز و جل بالمعانى وانه عالم لمعان لا نهاية لها قادر حى سميع بصير لمعان لا غاية لها اخبرنى بذلك عن محمد بن عيسى ابو عمر الفراتى
وقال هشام بن عمر الفوطى ان الله لم يزل عالما قادرا حيا وكان اذا قيل له اتقول ان الله لم يزل عالما بالاشياء انكر ذلك وقال أقول انه لم يزل عالما انه واحد ولا اقول بالاشياء لأن قولى بالاشياء اثبات انها لم تزل وقولى ايضا بأن ستكون الاشياء اشارة اليها ولا يجوز ان أشير الا الى موجود
وكان يقول ان ما عدم وتقضى شىء ولا اقول ان مالم يكن ولم يوجد شىء
وكان لا يقول حسبنا الله ونعم الوكيل ولا يقول ان الله يعذب بالنار (1/488)
وهذه العلة التى اعتل بها هشام في العلم اخذها عن بعض الازلية لأن بعض الازلية يثبت قدم الاشياء مع بارئها وقالوا قولنا لم يزل الله عالما بالاشياء يوجب ان تكون الاشياء لم تزل فلذلك قلنا بقدمها فقال الفوطى لما استحال قدم الاشياء لم يجز ان يقال لم يزل عالما بها وكان لا يثبت لله علما ولا قدرة ولا حياة ولا سمعا ولا بصرا ولا شيئا من صفات الذات
وانكر اكثر الروافض ان يكون الله سبحانه لم يزل عالما وكانت اقيس لقولها من الفوطى فقالت يحدث العلم
وقالت عامة الروافض الا شرذمة قليلة ان الله سبحانه لا يعلم ما يكون قبل ان يكون
وفريق منهم يقولون لا يعلم الشىء حتى يؤثر اثره والتاثير عندهم الارادة فاذا اراد الشىء علمه واذا لم يرده لم يعلمه ومعنى انه اراد عندهم تحرك حركة فاذا تحرك تلك الحركة علم الشىء والا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا انه لا يوصف بالعلم بما لا يكون وفريق منهم يقولون لا يعلم الله الشىء حتى يحدث له ارادة فاذا (1/489)
احدث له الارادة لأن يكون كان عالما بأنه يكون وان احدث الارادة لأن لا يكون كان عالما بأنه لا يكون وان لم يحدث الارادة لأن لا يكون لا ولأن يكون لم يكن عالما بأنه لا يكون ولا عالما بأنه لا يكون
ومنهم من يقول معنى يعلم هو معنى يفعل فان قلت لهم
تقولون انه لم يزل عالما بنفسه اختلفوا فمنهم من يقول لم يكن يعلم نفسه حتى خلق العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول لم يزل يعلم نفسه فان قلت لهم فلم يزل يفعل قالوا نعم ولا نقول بقدم الفعل
ومنهم من يقول العلم صفة لله سبحانه فى ذاته وانه عالم في نفسه غير انه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشىء فاذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشىء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشىء ليس وليس يصح العلم بما ليس وهذا قول يحكى عن السكاكية
وفريق يقولون لم يزل الله عالما والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشىء حتى يكون كما ان الانسان موصوف بالبصر والسمع (1/490)
ولا يقال انه بصير بالشىء حتى يلاقيه الشىء ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال عاقل ولا يقال عقل الشىء ما لم يرد عليه
وحكى الجاحظ ان هشام بن الحكم قال ان الله سبحانه انما علم ما تحت الثرى بالشعاع المنفصل منه الذاهب في عمق الارض فلولا ملامسته لما هناك بشاعة لما درى ما هناك فزعم ان بعضه مشوب وهو شعاعه وان الشوب محال على بعضه
وطائفة يقولون ان معبودهم لا يوصف بأنه لم يزل قادرا ولا الها ولا ربا ولا عالما ولا سميعا ولا بصيرا حتى يحدث الاشياء لأن الاشياء التى كانت قبل ان تكون ليست بشىء ولن يجوز ان يوصف بالقدرة على غير شىء وحكى حاك ان قائلا قال من المشبة ان البارىء لم يزل لا حيا ثم صار حيا
وعامة الروافض يصفون معبودهم بالبداء ويزعمون انه تبدوا له البدوات (1/491)
ويقول بعضهم قد يأمر ثم يبدو له وقد يريد ان يفعل الشىء في وقت من الاوقات ثم لا يفعله لما يحدث له من البداء وليس على معنى النسخ ولكن على معنى انه لم يكن في الوقت الاول عالما بما يحدث له من البداء
وسمعت شيخا من مشايخ الرافضة وهو الحسن بن محمد بن جمهور يقول ما علمه الله سبحانه ان يكون ولم يطلع عليه احدا من خلقه فجائز ان يبدوا له فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز ان يبدو له فيه
وقالت طائفة ان الله يعلم ما يكون قبل ان يكون الا اعمال العباد فانه لا يعلمها الا في حال كونها لانه لو علم من يعصى ممن يطيع حال بين العاصى وبين المعصية
وقالت طائفة من المعتزلة ان الوصف لله بأنه سميع من صفات الذات غير انه لا يقال يسمع الشىء في حال كونه وقد ذهب الى هذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائى وزعم انه يقال ان الله لم يزل سميعا ولا يقال لم يزل سامعا ولا يقال لم يزل يسمع فيلزمه اذا لم (1/492)
يقل ان البارىء لم يزل سامعا ان يقول لم يذل لا سامعا واذا لم يقل
لم يزل يسمع ان يقول لم يزل لا يسمع واذا لم يقل لم يزل مبصرا مدركا ان يقول لم يزل لا مبصرا ولا مدركا كما الزم من لم يقل ان الله لم يزل عالما ان يقول لم يزل لا عالما
وكذلك يلزم عبادا في انكاره القول ان الله لم يزل سميعا بصيرا ان يقول ان الله غير سميع ولا بصير كما الزم من لم يقل ان الله لم يزل عالما قادرا ان يقول لم يزل غير عالم ولا قادر ويقال له اليس لا تقول ان الله لم يزل سميعا ولا تلزم نفسك ان يكون له سمع محدث فما الذى تنفصل به من مخالفيك اذا انكروا القول ان القديم لم يزل عالما ولم يقولوا انه ذو علم محدث
وقال شيطان الطاق وكثير من الورافض ان الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه انما يعلم الاشياء اذا قدرها وارادها فاما من قبل ان يقدرها ويريدها فمحال ان يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشىء لا يكون شيئا حتى يقدره وينشئه بالتقدير والتقدير عندهم الارادة
وحكى ابو القسم البلخى عن هشام بن الحكم انه كان يقول محال ان يكون الله لم يزل عالما بنفسه وانه انما يعلم الاشياء بعد ان لم (1/493)
يكن بها عالما وانه يعلمها بعلم وان العلم صفة له ليست هى هو ولا غيره ولا بعضه ولا يجوز ان يقال في العلم انه محدث او قديم لانه صفة والصفة عنده لا توصف قال ولو كان لم يزل عالما لكان المعلوم لم يزل لإنه لايصح عالم الا بمعلوم موجود قال ولو كان عالما بما يفعله عباده لم يصح المحنة والاختبار وليس قول هشام في القدرة والحياة قوله في العلم الا انه لا يقول بحدثهما ولكنه يزعم انهما صفتان لله لا هما الله ولا هما غيره ولا هما بعضه وانما نفى ان يكون عالما لما ذكرناه وحكى حاك ان قول هشام في القدرة كقوله في العلم
وقال جهم ان علم الله هو احدثه فعلم به وانه غير الله وقد يجوز عنده ان الله يكون عالما بالاشياء كلها قبل وجودها بعلم يحدثه قبلها
وحكى عنه حاك خلاف هذا فزعم ان الذى بلغه عنه انه كان يقول ان الله يعلم الشىء في حال حدوثه ومحال ان يكون الشىء معلوما وهو معدوم لأن الشىء عنده هو الجسم الموجود وما ليس بموجود فليس بشىء فيعلم او يجهل فالزمه مخالفوه ان لله علما محدثا اذ زعم ان الله (1/494)
قد كان غير عالم ثم علم ويجب على اصله ان يقول في القدرة والحياة كقوله في العلم
واختلفوا في العلم من وجه آخر
فقال كثير منهم ان الله لم يزل عالما انه يعذب الكافر ان لم يتب وانه لا يعذبه ان تاب
وانكر ذلك هشام الفوطى ومن ذهب مذهبه وعباد ومن قال بقوله فقال هؤلاء لا يجوز لما فيه من الشرط والله تعالى لا يوصف بأنه يعلم على شرط والشرط في المعلوم لا في العالم
وكان عباد بن سليمان صاحب الفوطى يقول ان الله لم يزل عالما قادرا حيا وانه لم يزل عالما بمعلومات قادرا على مقدورات عالما باشياء وجواهر واعراض وافعال فاذا قيل له تقول ان الله لم يزل عالما بالمخلوقات وبالاجسام وبالمؤلفات انكر ذلك كان يقول ان الاشياء اشياء قبل كونها وان الجواهر جواهر قبل كونها وان الاعراض اعراض قبل كونها والمخلوقات كانت بعد ان لم تكن (1/495)
ولا ان حقيقتة انه لم يكن ثم كان كما يقول سائر الناس وكان يأبى ذلك ويقول ان حقيقة المحدث انه مفعول
وكان اذا قيل له تقول ان البارىء عالم بنفسه او بعلم انكر القول بنفسه او بعلم وقال قولكم عالم صواب وقولكم بنفسه خطأ وقولكم بعلم خطأ وكذلك القول بذاته خطأ
وكان ينكر قول من قال ان لله عز و جل وجها وينكر القول وجه الله ونفس الله وينكر القول ذات الله وينكر ان يكون الله ذا عين وان يكون له يدان هما يداه
وكان يقول ان الله غير لا كالاغيار ولا يقول انه معنى
وكان اذا قيل له تقول ان الله عالم قادر حى سميع بصير عزيز عظيم جليل في حقيقة القياس انكر ذلك ولم يقله
وكان لا يقول ان البارىء قبل الاشياء ولا يقول انه اول الاشياء ولا يقول ان الاشياء كانت بعده
وكان لا يقول ان الله لطيف وحكى لي حاك انه كان يطلق ذلك مقيدا فيقول لطيف بعباده (1/496)
وكان اذا قيل له اتقول ان لله علما قال خطأ ان يقال له علم وانه ذو علم وانه عالم بعلم فاذا قيل له تقول انه لا علم لله قال خطأ ان يقال لا علم له وكذلك في سائر ما سمى به البارىء
وكان يقول ان القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن ما لم يزل فقديم والقديم لم يزل وليس يقال في البارىء عالم قادر في حقيقة القياس لأن هذا يوجب انه لا عالم قادر الا هو
وكان لا يقول ان الله لم يزل سميعا بصيرا ولا يقول لم يزل السميع البصير ويقول ان الله السميع البصير لم يزل ويقول ان الله سميع بصير لم يزل
وكان اذا سئل عن معنى القول ان الله عالم قال اثبات اسم لله سبحانه و معه علم بمعلوم والقول قادر اثبات اسم لله سبحانه ومعه علم بمقدور والقول سميع اثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول بصير اثبات اسم لله سبحانه ومعه علم بمصير وكان لا يقول ان له سمعا ولا يقول انه ذو سمع قديم ولا انه ذو سمع محدث وكذلك جوابه (1/497)
اذا سئل عن القول بصبر ومعنى القول حى اثبات اسم لله عنده ومعنى القول في الله انه قديم انه لم يزل
وكان يقول معنى حى معنى قادر ولا معنى عالم معنى قادر ولا يقول معنى سميع بصير معنى عالم بالمسموعات والمبصرات كما يقول ذلك البغداذيون
وكان يقول ان صفات البارىء هى الاقوال كنحو القول يعلم ويقدر ويسمع ويبصر وان الاسماء هى الاقوال كنحو القول عالم قادر حى سميع بصير وكان يقول اسماء الله سبحانه ما اجمعت الإمة على تخطئة كافية وكل اسم اجمعوا على تخطئته نافية فهو من اسمائه كالقول عالم اجمعت الامة على تخطئة من قال ان الله سحانه ليس بعالم وكالقول قادر اجمعت الامة على تخطئة من قال ليس بقادر وكذلك سائر اسمائه وما لم يجمعوا على تخطئة نافية فليس من اسمائه
وكان عباد لا يقول ان الله سبحانه متكلم ويقول هو مكلم
وكان لا يقول ان البارىء لم يزل قادرا على ان يخلق ولا يقول لم يزل قادرا على الاجسام والمخلوقات ولا يقول ان البارىء لم يزل (1/498)
جوادا محسنا عادلا ولا منعما منفصلا خالقا مكلما صادقا مختارا مريدا راضيا ساخطا مواليا معاديا ويقول هذه اسماء يسمى بها البارىء سبحانه لفعله وزعم ان الاسماء على وجوه منها ما يسمى به البارىء لا لفعله ولا لفعل غيره كالقول عالم قادر حى سميع بصير قديم اله ومنها ما يسمى به لفعله كالقول خالق رازق بارىء متفضل محسن منعم ومنها ما يسمى به لفعل غيره كالقول معلوم ومدعو وكان اذا قيل له فتقول ان الله سبحانه لم يزل غير خالق وغير رازق منعم وغير متفضل انكر ذلك ولم يقل لم يزل خالقا ولم يقل لم يزل غير خالق وقد حكى عنه انه قال لم يزل رحمانا
وكان لا يستدل بالشاهد على الغائب ولا يستدل بالافعال على ان البارىء عالم حى قادر وكان ينكر دلالة مجىء الشجرة وكلام الذئب وسائر الاعراض على نبوة رسول الله ويقول لا اقول ذلك يدل ولا اقول لا يدل وكان لا يستدل على البارىء بالاعراض
وكان لا يقول ان الله فرد وينكر القول بذلك وكان يقول (1/499)
ما حكينا عنه من انه لا يستدل بالاعراض واذا قيل له من كم وجه يعرف الحق قال من كتاب الله عز و جل واجماع المسلمين وحجج العقول وهذا نقض قوله لا اقول ان الاعراض تدل على الحق
وكان الناشىء لا يستدل بالافعال المشتقة في الحكمة من البارىء على ان فاعلها عالم قادر لانها قد تظهر من الانسان وليس بعالم في الحقيقة ولا قادر وكان يزعم ان البارىء عالم قادر سميع بصير حكيم عزيز عظيم جليل كبير في الحقيقة والانسان يسمى بهذه الاسماء على المجاز وكان يقول ان الاسم اذا وقع على المسميين لم يخل من اربعة اقسام اما ان يكون وقع عليهما لاشتباه ذاتيهما كقولنا جوهر وجوهر واما ان يكون وقع عليهما لاشتباه ما احتملته الذاتان كقولنا متحرك ومتحرك واسود واسود او يكون وقع عليهما لمضاف اضيفا اليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك كقولنا محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث او يكون وقع عليهما وهو في احدهما بالمجاز وفى الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وهو واقع عليه في الحقيقة وقولنا للانسان صندل وهو تسمية له على (1/500)
المجاز قال فاذا قلنا ان البارىء عالم والانسان عالم والانسان قادر والبارىء قادر وكذلك حى وحى فليس هذا واقعا عليهما لاشتباه ذاتيهما ولا لاشتباه ما احتملته الذاتان ولا لمضاف اضيفا اليه وميزا منه وانما يقع ذلك عليهما وهو في البارىء سبحانه بالحقيقة وفى الانسان بالمجاز وكان يقول ان البارىء سبحانه غير المحدثات في الحقيقة وهى غيره في الحقيقة وهذا نقض دليله هذا وكان لا يقول ان الانسان فاعل في الحقيقة ولا محدث في الحقيقة ولا يقول ان البارىء سبحانه احدث كسبه وفعله
واما ابو الحسين محمد بن مسلم المعروف بالصالحى فانه كان يقول ان البارىء سبحانه لم يزل عالما بمعلومات واجسام مؤلفات ومخلوقات في اوقاتها ولم يزل يعلم موجودا في وقت كذا ولم يزل عالما بأن اذا كان وقت كذا فالمخلوق مخلوق فيه ولا يثبت المعلومات قبل كونها معلومات ولا مقدورات ولا اشياء قبل كونها
وكان ينفى العلم والقدرة وسائر الصفات ويقول معنى ان البارىء شىء لا كالأشياء انه قادر لا كالقادرين ومعنى انه حى لا كالاحياء هو معنى انه عالم لا كالعلماء وكذلك كان يقول في سائر الاسماء والصفات للذات وانما هذا بمنزلة قول القائل اقبل وهلم وتعال والمعنى واحد (1/501)
وبلغنى ان ابن النجرانى كان يقول لا معلوم الا موجود فقيل له فكيف تقول في المقدور فقال لا اقول ان مقدورا في الحقيقة لانه كان يحيل القدرة على الموجود وكان الصالحى يقول القدرة على الشىء في وقته وقبل وقته ومعه وكان يثبته مقدورا موجودا في حال كونه
وكان ابن الراوندى يقول ان المعلومات معلومات قبل كونها وانه لا شىء الا موجود وان المأمور به والمنهى عنه وكذلك كل ما تعلق بغيره يوصف به الشىء قبل كونه وكل ما كان رجوعا الى نفس الشىء لم يسم ولم يوصف به قبل كونه
وكان الصالحى يخطىء من قال اذا ثبت الله عالما نفيت جهلا واذا ثبته قادرا نفيت عجزا
وكان يجيز ان يقدر الله عز و جل الميت فيفعل وهو ميت غير حى واذا جاز ان يقدر منا من ليس بحى ويظهر الفعل منا ممن ليس بحى فقد بطلت دلالة افعال البارىء على انه حى وبطل ان يدل انه حى على انه قادر اذا جاز ان يقدر عنده من ليس بحي (1/502)
وبلغنى ان سائلا سأله مرة فقال من اين علمت ان البارىء حى فلم يأت بجواب مقنع وان سائلا ساله فقال اذا كان معنى اسماء الله لذاته انه شىء لا كالاشياء فهل يجوز ان يسمى نفسه جاهلا بدلا من تسميته عالما واللغة بحالها اذا كان لا يرجع بقوله لا كالعلماء الا الى معنى انه شىء لا كالاشياء فاجاز ذلك فقال له وكذلك يسمى نفسه عاجزا ومواتا ويسمى نفسه انسانا ويسمى نفسه حمارا ويسمى نفسه فرسا ومعنى ذلك انه لا كالاشياء فاجاز ذلك نعوذ بالله من الخذلان والمهور ومن الحور بعد الكور ومن الكفر بعد الايمان
وبلغنى ان ابا الحسين سأله سائل فقال له اذا قلت ان البارىء متكلم بكلام في غيره فقل يسكت بسكوت في غيره فقال كذلك اقول فوصف الله سبحانه بالسكوت
واما البغداذيون فيقولون ان البارىء لم يزل عالما كبيرا قادرا حيا سميعا بصيرا الها قديما عزيزا عظيما غنيا جليلا واحدا احدا فردا سيدا مالكا ربا قاهرا رفيعا عاليا كائنا موجودا اولا باقيا رائيا مدركا سامعا مبصرا بنفسه لا بعلم وحياة وقدرة وسمع وبصر والهية وقدم وعزة وعظم ولا بجلال وكبرياء وغنى ولا سودد وقهر وربوبية (1/503)
وبقاء وكذلك سائر صفات الذات وهم ينفون صفات الذات اجمع ويقولون البارىء شىء لا كالاشياء وانه لم يزل عالما بالاشياء قبل كونها اجسامها واعراضها وان الجسم جسم قبل كونه مؤلف قبل كونه
وغلا بعضهم حتى قال مؤمن في الصفة قبل كونه كافر في الصفة وانه ملعون في الصفة ومثاب في الصفة ومعاقب في الصفة قبل كونه وانه يصرخ ويستغيث من العذاب في الصفات وان في الصفات مثل هذا العالم عوالم لا يحصيها الا الله تتحرك وتسكن
وبلغني ان بعضهم اجاب الى ان المخلوق مخلوق قبل كونه وهذا من غريب التجاهل
وقال بعض الحوادث منهم ان المعلوم معلوم قبل كونه وكذلك المقدور وكل ما كان متعلقا بغيره كالمأمور به والمنهى عنه وانه لا شىء الا موجود ولا جسم الا موجود
ومن البغداذيين من يقول ان المعلومات معلومات قبل كونها والاشياء اشياء قبل كونها ويمنع اجساما وجواهر واعراضا
وبعض البصريين وهو الشحام وطوائف من البغداذيين (1/504)
يقولون ما استحال ان يوصف الشىء به في حال وجوده فمستحيل ان يوصف به قبل كونه كالقول متحرك ومؤمن وكافر فاما جسم مؤلف فقد يوصف به في حال كونه فالزم هؤلاء ان يقولوا موجود قبل كونه فأبوا ذلك
وانكروا ان يكون البارىء سبحانه لم يزل مريدا متكلما راضيا ساخطا مواليا معاديا جوادا حكيما عادلا محسنا صادقا خالقا رازقا وزعموا ان هذا اجمل من صفات الافعال وزعموا ان الصفات على وجوه فمنها ما يوصف به البارىء لنفسه كالقول عالم قادر حى سميع بصير وشىء يوصف به لفعله كالقول خالق رازق محسن منعم متفضل عادل جواد حكيم متكلم صادق امر ناه مادح ذام محى مميت ممرض مصح وما اشبه ذلك وشىء يوصف به البارىء لذاته وقد يوصف به لفعله كالقول حكيم بمعنى عليم من صفات النفس والقول حكيم على طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل وكالقول صمد بمعنى سيد يوصف به لذاته وقد يوصف به بمعنى انه مصمود اليه في النوائب فيوصف به من طريق الاشتقاق من الفعل ومعنى ان الله عالم عندهم (1/505)
انه متين للاشياء وانه لا يخفى عليه شىء ومعنى انه قادر انه يمكنه الفعل ويجوز منه
وزعم اكثرهم ان معنى القول انه حى انه قادر ومعنى انه سميع انه لا يخفى عليه الاصوات والكلام ومعنى انه بصير انه لا يخفى عليه المبصرات ومعنى ان الله راء عندهم انه عالم
وكان الاسكافى يقول ان الله لم يزل سامعا مبصرا ببصر وسمع وانه لم يزل مدركا
واختلف البغداذيون في القول ان الله كريم هل هو من صفات الذات او من صفات الفعل
فقال عيسى الصوفى الوصف لله بأنه كريم من صفات الفعل والكرم هو الجود وكان اذا قيل له فتقول ان القديم لم يزل غير كريم قال هذا لا يلزمنى كما لا يلزمنى اذا كان الاحسان والعدل من صفات الفعل ان اقول لم يزل البارىء غير صادق ولا عادل ولا محسن لأن ذلك يوهم الذم فكذلك وان كان الكرم فعلا فانى لا اقول ان الله لم يزل غير كريم
وكان الاسكافى يقول كريم يحتمل وجهين احدهما صفة (1/506)
فعل اذا كان الكرم بمعنى الجود والآخر صفة نفس اذا اريد به الرفيع العالى على الاشياء نفسه وحجته في ذلك انه يقال ارض كريمة يراد بذلك اى هى ارفع الارضين ويقال فرس رافع كريم
وكان الجبائى يقول كريم بمعنى عزيز من صفات الله لذاته وكريم بمعنى انه جواد معط من صفات الفعل وكان اذا قيل له اذا قلت ان الاحسان فعل فقل ان الله سبحانه لم يزل غير محسن قال اقول غير محسن ولا مسىء حتى يزول الابهام ولم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير صادق ولا كاذب وكذلك لم يزل غير حليم ولا سفيه وكذلك يقول لم يزل لا خالق ولا رازق
والمعتزلة كلها الا عبادا يقولون ان الوصف لله بانه رحمان وانه رحيم من صفات الفعل وكان عباد يقول لم يزل الله رحمانا
وكان حسين النجار يزعم ان الله لم يزل جوادا بنفى البخل عنه لا على انه اثبت جوادا
وكافة المعتزلة يقولون ان الوصف لله بأنه حليم جواد كريم (1/507)
محسن صادق خالق رازق من صفات الفعل و البغداذيون يقولون ان الوصف لله بأنه حليم معناه انه ناه عن السفة كاره له
وكثير من البغداذيين يعبرون في الصفات وفى معنى القول ان الله عالم قادر بعبارة وكذلك قول النظام
وفى البغداذيين من يقول لله علم بمعنى انه عالم وله قدرة بمعنى انه قادر ولا يقولون له حياة بمعنى انه حى وله سمع بمعنى انه سميع لأن الله سبحانه اطلق العلم والقوة ولم يطلق الحياة والسمع
ومنهم من يقول لله علم بمعنى معلوم كما قال ولا يحيطون بشىء من علمه اى من معلومه وله قدرة بمعنى مقدور كما يقول المسلمون اذا رأوا المطر هذه قدرة الله بمعنى مقدوره
والمعتزلة تفرق بين صفات الذات وصفات الافعال بأن صفات الذات لا يجوز ان يوصف البارىء بأضدادها ولا بالقدرة على اضدادها كالقول عالم لا يوصف بالجهل ولا بالقدرة على ان يجهل وصفات الافعال يجوز ان يوصف البارىء سبحانه باضدادها وبالقدرة على اضدادها كالارادة يوصف البارىء بضدها من الكراهة وبالقدرة على (1/508)
ان يكره وكذلك الحب يوصف البارىء بضده من البغض وكذلك الرضى والسخط والامر والنهى والصدق قد يوصف البارىء بالقدرة على ضده من الكذب وان لم يوصف بالكذب وقد يوصف بالمتضاد من كلامه كالامر والنهى وكل اسم اشتق للبارىء من فعله كالقول متفضل منعم محسن خالق رازق عادل جواد وما اشبه ذلك فهو من صفات الفعل وكذلك كل اسم مشتق للبارىء من فعل غيره كالقول معبود من العبادة وكالقول مدعو من دعاء غيره اياه فليس من صفات الذات وكل ما جاز ان يرغب الى البارىء فيه ليس من صفات الذات
وقالت المعتزلة باسرها ان الوصف لله سبحانه بانه مريد من صفات الفعل الا بشر بن المعتمر فانه زعم ان الله لم يزل مريدا لطاعته دون معصيته
وزعم جماعة من البغداذيين من المعتزلة ان الوصف لله بأنه مريد قد يكون بمعنى انه كون الشىء والارادة لتكوين الشىء هى الشىء وقد يكون الوصف لله بأنه مريد للشىء بمعنى انه امر بالشىء كنحو الوصف له بأنه مريد بمعنى انه حاكم بالشىء مخبر عنه وكنحو (1/509)
ارادته الساعة ان تقوم القيامة في وقتها ومعنى ذلك انه حاكم بذلك مخبر عنه وهذا قول ابراهيم النظام
وقال ابو الهذيل ارادة الله سبحانه لكون الشىء هى غير الشىء المكون وهى توجد لا في مكان وارادته للايمان غيره وغير الامر به وهى مخلوقة ولم يجعل الارادة امرا ولا حكما ولا خبرا والى هذا القول كان يذهب محمد بن عبد الوهاب الجبائى
الا ان ابا الهذيل كان يزعم ان الارادة لتكوين الشىء والقول له كن خلق للشىء وكان الجبائى يقول ان الارادة لتكوين الشىء هى غيره وليست بخلق له ولا جائز ان يقول الله سبحانه للشىء كن وكان يزعم ان الخلق هو المخلوق وكان ابو الهذيل لا يثبت الخلق مخلوقا
وكان بشر بن المعتمر يقول خلق الشىء غيره ويجعل الارادة خلقا له وينكر قول ابى الهذيل ان الخلق ارادة وقول وكان ينكر القول (1/510)
وكان ابو الهذيل يقول ان الخلق الذى هو ارادة وقول لا يقال انه مخلوق مخلوق الا على المجاز وخلق الله سبحانه للشىء مؤلفا الذى هو تأليف وخلقه للشىء ملونا الذى هو لون وخلقه للشىء طويلا الذى هو طول مخلوق في الحقيقة
وكان ابو موسى المردار يقول خلق الشىء غيره وهو مخلوق لا بخلق
وحكى زرقان ان بشر بن المعتمر قال خلق الشىء غيره وهو قبله وان معمرا قال خلق الشىء غيره وهو قبله وللخلق خلق الى مالا نهاية له وهى كلها معا وان هشام بن الحكم قال خلق الشىء صفة له لا هو هو ولا غيره
وقال الفوطى ابتداء ما يجوز ان يعاد غيره وابتداء مالا يجوز ان يعاد هو هو
وقال عباد خلق الشىء غير الشىء وهما معا وخطأ من قال الخلق غير المخلوق ومن قال خلق الشىء غيره لأن القول مخلوق خبر (1/511)
عن شىء وخلق واذا قلت خلق الشىء غيره اوهم هذا الكلام انه غير نفسه
ولم يقل احد ان الخلق ارادة وقول غير ابى الهذيل
وقال عبد الله بن كلاب لا يخلق الله شيئا حتى يقول له كن وليس القول خلقا
وزعمت المعتزلة كلها غير ابى موسى المردار انه لا يجوز ان يكون الله سبحانه مريدا للمعاصى على وجه من الوجوه ان يكون موجودا ولا يجوز ان يأمر بما لا يريد ان يكون وان ينهى عما يريد كونه وان الله سبحانه قد اراد ما لم يكن وكان ما لم يرد وانه قادر على المنع مما لا يريد وان يلجىء الى ما اراد
وقال ابو موسى فيما حكى عنه ابو الهذيل ان الله سبحانه اراد المعاصى بمعنى انه خلى بين العباد وبينها
وقالت المعتزلة كلها غير بشر وعباد ان الله سبحانه لم يزل غير مريدا لما علم انه يكون ثم ارادة
وقال عباد لا يجوز ان يقال لم يزل مريدا ولا يجوز ان يقال لم يزل غير مريد والوصف له بأنه مريد من صفات الفعل عنده (1/512)
وقال بشر بن المعتمر ومن ذهب مذهبه ارادة الله غير الله والارادة على ضربين ارادة وصف بها وهى فعل من فعله وارادة وصف بها في ذاته وان ارادته الموصوف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصى خلقه ويجوز وقوعها على سائر الاشياء
وقالت الفضلية وهم اصحاب فضل الرقاشى ان افعال العباد لا يقال ان الله سبحانه ارادها اذا لم تكن ولا يقال لم يردها فان كانت جاز القول بأنه ارادها فما كان من فعلهم طاعة قبل اراده الله سبحانه في وقته وان كان معصية قيل لم يرده واجاز القول ان الله يريد امرا فلا يكون وجوز ان يكون ما لا يريد وانكر ان يكون الله سبحانه يريد ان يطيعه الخلق قبل ان يطيعوه او يريد ان لا يعصوه قبل ان يعصوه وكل ما كان من فعل الله فانه قد يكون اذا اراده وان لم يرده لم يكن وجوز ان يفعل الله الامور وان لم يردها وقد حكى نحو هذا عن غيلان
واختلفت المعتزلة فقال جعفر بن حرب قد يجوز القول بأن الله سبحانه اراد الكفر مخالفا للايمان واراد ان يكون قبيحا غير (1/513)
حسن ويكون المعنى انه حكم بذلك كما قلت انه جعل الكفر مخالفا للايمان وجعله قبيحا
وابى ذلك سائر المعتزلة وقالوا لم نقل ان الله جعل الكفر مخالفا للايمان قياسا وانما قلناه اتباعا فليس يلزمنا ان نقيس عليه وقول القائل اراد ان يكون الكفر قبيحا مخالفة للإيمان ليس يقع على الأعلى الكفر لأنه ليس هناك مخالفة ولا قبح وهذا اذا كان هكذا فقد اوجب القائل ان الله سبحانه اراد الكفر بوجه من الوجوه
وكل المعتزلة الا الفضلية اصحاب فضل الراقاشى يقولون ان الله سبحانه يريد امرا ولا يكون وانه يكون مالا يريد
وقال معمر ارادة الله سبحانه غير مراده وهى غير الخلق وغير الامر والاخبار عنه والحكم به
وقال حسين البحار ان الله لم يزل مريدا ان يكون ما علم انه يكون وان لا يكون ما علم انه لا يكون بنفسه لا بارادة بل بمعنى انه لم يزل غير آب ولا مكره
وقال سليمان بن جرير وعبد الله بن كلاب ان الله سبحانه لم يزل مريدا بارادة يستحيل ان يقال هى الله او يقال هى غيره (1/514)
وقال ضرار بن عمرو ارادة الله سبحانه على ضربين ارادة هى المراد وارادة هى الامر بالفعل وزعم ان ارادته لفعل الخلق هى فعل الخلق وارادته لفعل العباد هى خلق فعل العباد وخلق فعل العباد هو فعل العباد وذلك انه كان يزعم ان خلق الشىء هو الشىء
وقال بشر المريسى وحفص الفرد ومن قال بقولهما ارادة الله على ضربين ارادة هى صفة له في ذاته وارادة هى صفة له في فعله وهى غيره فالارادة التى زعموا انها صفة لله سبحانه في فعله وانها غيره هى امره بالطاعة والارادة التي ثبتوها صفة لله في ذاته واقعة على كل شىء سوى الله من فعله وفعل خلقه
وقال هشام بن الحكم وهشام الجواليقى وغيرهما من الروافض ارادة الله سبحانه حركة وهى معنى لا هى الله ولا غيره وانها صفة لله وذلك انهم زعموا ان الله اذا اراد الشىء تحرك فكان ما اراد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
ووصف اكثر الروافض ربهم بالبداء وانه يريد الشء ثم يبدو له فيريد خلافه وذلك انه يتحرك حركة لخلق شىء ثم يتحرك (1/515)
خلاف تلك الحركة فيكون ضد ذلك الشيء ولا يكون الذى اراده قبل
وقال ابو مالك الحضرمي و على بن ميثم ارادة الله غيره وهى حركة يتحرك بها تعالى الله عما قالوه
واما القول في البارىء انه متكلم
فقد اختلفت المعتزلة في ذلك فقال عباد بن سليمان لا اقول ان البارىء متكلم واقول انه مكلم وهذا خلاف اجماع المسلمين وزعم انه متكلم متفعل فيلزمه ان لا يقول ان البارىء متفضل لأن متفضل متفعل ولا يقول قيوم لأن قيوم فيعول
وقال اكثر المعتزلة الا من قال منها بالطباع ان كلام الله سبحانه فعله وان لله كلاما فعله وانه محال ان يكون الله سبحانه لم يزل متكلما
وقال بعض مشايخ المعتزلة ان الله سبحانه لم يخلق الكلام الا على معنى انه خلق ما اوجبه وان الله لا يكلم احدا في الحقيقة ولا يفعل الكلام على التصحيح وان كلام الله فعل الجسم بطباعه وحقيقة (1/516)
قول هؤلاء انه لا كلام لله في الحقيقة وان الله ليس بمتكلم في الحقيقة ولا مكلم وهذا قول معمر واصحاب الطبائع
وقالت شرذمة ان الله لم يزل متكلما بمعنى انه لم يزل مقتدرا على الكلام وان كلام الله محدث وافترقوا فرقتين فقال بعضهم مخلوق وقال بعضهم غير مخلوق
وقال ابن كلاب ان الله لم يزل متكلما والكلام من صفات النفس كالعلم والقدرة وسنذكر اختلاف الناس في القرآن بعد هذا الموضع من كتابنا
واختلف المتكلمون في معنى القول ان الله قديم
فقال بعضهم معنى ان الله قديم انه لم يزل كائنا لا الى اول وانه المتقدم لجميع المحدثات لا الى غاية وهذا قول الجبائى
وقال عباد معنى قديم انه لم يزل ومعنى لم يزل انه قديم
وقال بعضهم معنى قديم بمعنى اله
وقال من ثبت القديم قديا بقدم معنى ان الله قديم اثبات قدم لله كان به قديما وكذلك معنى عالم عندهم اثبات علم وكذلك القول في سائر الصفات (1/517)
وقد حكى عن بعض المتفلسفة انه كان لا يقول ان البارىء قديم
وحكى عن معمر انه كان لا يقول ان البارىء قديم الا اذا اوجد المحدثات
واختلف المتكلمون هل يسمى البارىء شيئا ام لا
فقال جهم بن صفوان ان البارىء لا يقال انه شىء لأن الشىء عنده هو المخلوق الذى له مثل وقال اكثر اهل الصلاة ان البارىء شىء
واختلف القائلون انه شىء في معنى القول انه شىء
فقالت المشبهة معنى ان الله شىء معنى انه جسم
وقال قائلون معنى ان الله شىء معنى انه موجود وهذا مذهب من قال لا شىء الا موجود
وقال قائلون معنى ان الله شىء هو اثباته وقد ذهب الى هذا قوم زعموا ان الاشياء اشياء قبل وجودها وانها مثبتة اشياء قبل وجودها وهذا القول مناقضة لأنه لا فرق بين ان تكون ثابتة وبين ان تكون موجودة وهذا قول ابى الحسين الخياط (1/518)
وقال عباد بن سليمان معنى القول ان الله شىء انه غير فلا شىء الا غير ولا غير الا شىء
وقال الصالحى معنى ان الله شىء لا كالاشياء معنى انه قديم وهو معنى انه عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين وما قال بهذا غيره احد علمناه
وقال الجبائى القول شىء سمة لكل معلوم ولكل ما امكن ذكره والاخبار عنه فلما كان الله عز و جل معلوما يمكن ذكره والاخبار عنه وجب انه شىء
وكان الجبائى يقول ان البارىء لم يزل غير الاشياء التى يعلم انها تكون والتي يعلم انها لا تكون وانها تعلم اغيارا له قبل كونها وان الغيرين لانفسهما كانا غيرين ومعنى انه غير الاشياء انه يفرق بينه وبين غيره من سائر المعلومات وانه بمنزلة انه ليس بعضا لشىء منها وليس شىء منها بعضا له وكذلك كان يقول ان البارىء لم يزل غير الاشياء
وزعم عباد بن سيلمان ان الله يقال انه قبل ولا يقال قبل الاشياء (1/519)
فكان لا يقال اول الاشياء ولا يقال ان الاشياء كانت بعده ولا يقول ان البارىء فرد
واما الصالحى فانه كان يقول ان البارىء لم يزل قبل الاشياء بضم اللام من قبل ولا يقول لم يزل قبل الاشياء بنصب اللام من قبل لأن ذلك لو قيل بنصب اللام لكان قبل ظرفا
ومن اهل الكلام من لا يقول ان البارىء غير الاشياء قبل وجودها لأن هذا يوجب انها غيره قبل كونها وذلك يستحيل عنده ويزعم هذا القائل ان الغير لا يكون غير الا اذا وجد غيره
وكان الجبائى لا يجيز قول القائل لم يزل البارىء ولا يزال دون ان يصل ذلك بقول آخر فيقول لم يزل البارىء عالما فاذا وصله بقول يكون خبرا له جاز
واما القول في البارىء انه موجود
فزعم الجبائى ان القول في البارىء انه موجود قد يكون بمعنى معلوم وان البارىء لم يزل واجدا للاشياء بمعنى انه لم يزل عالما وان المعلومات لم تزل موجودات لله معلومات له بمعنى انه لم يزل يعلمها وقد يكون موجودا بمعنى لم يزل معلوما وبمعنى لم يزل كائنا (1/520)
وزعم هشام بن الحكم ان معنى موجود في البارىء انه جسم لأنه موجود شىء
وانكر عباد القول في البارىء انه كائن
وقال قائلون معنى ان البارىء موجود معنى انه شيء
وقال قائلون معنى انه موجود معنى انه محدود وهذا قول المشبهة
وقال قائلون معنى انه موجود بنفسه معنى انه قائم بنفسه
وقال قائلون معنى انه موجود العين لم يزل انه لم يزل ثابت العين وانما يرجع بهذا القول الى اثباته
وقال عباد معنى القول ان البارىء موجود اثبات اسم لله وكان عباد ينكر ان يقال ان البارىء قائم بنفسه وانه عين وانه نفس وان له وجها وان وجهه هو هو وان له يدين وعينين وجنبا ولا يقول حسبنا الله ونعم الوكيل الا ان يقرا القرآن فاما ان يطلق ذلك اطلاقا فلا ويتأول ما ذكره الله تعالى تعلم ما في نفسى ولا اعلم ما فى نفسك اى تعلم ما اعلم ولا اعلم ما تعلم وكان لا يقول ان الله كفيل
وكان غيره من المعتزلة يقول ان وجه الله سبحانه هو الله ويقول (1/521)
ان نفس الله سبحانه هى الله وان الله غير لا كالاغيار وان له يدين وايديا بمعنى نعم وقوله تعالى اعين وان الاشياء بعين الله اى بعلمه ومعنى ذلك انه يعلمها ويتأولون قولهم ان الاشياء في قبضة الله سبحانه اى في ملكه ويتأولون قول الله عز و جل لاخذناه منه باليمين اى بالقدرة
وكان سليمان بن جرير يقول ان وجه الله هو الله
وقال عبد الله بن كلاب ان وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعيناه
وكان الجبائى يقول ان الله لم يزل عالما قادرا على الاشياء قبل كونها بنفسه وان الاشياء خطأ ان يقال اشياء قبل كونها لان كونها هو هى وكان ينكر ان يقال اشياء قبل انفسها ولكنها تعلم اشياء قبل كونها وتسمى اشياء قبل كونها وكذلك الجواهر عنده تسمى
جواهر قبل كونها والالوان تسمى الوانا قبل كونها وكان يمنع ان تسمى الهيئات هيئات قبل كونها ويمنع ان تسمى الاجسام اجساما قبل كونها وان تسمى الافعال افعالا قبل كونها
وكان يزعم ان القول شىء سمة لكل معلوم فلما كانت الاشياء (1/522)
معلومات قبل كونها سميت اشياء قبل كونها وما سمى به الشىء لنفسه فواجب ان يسمى به قبل كونه كالقول جوهر وكذلك سواد وبياض وما اشبه ذلك وما سمى به لوجود علة لا فيه فقد يجوز ان يسمى به مع عدمه وقبل كونه اذا وجدت العلة التى كان لها مسمى بالاسم كالقول مدعو ومخبر عنه اذا وجد ذكره والاخبار عنه وكالقول فان يسمى به الشىء مع عدمه اذا وجد فناؤه قال وما سمى به الشىء لوجود علة فيه فلا يجوز ان يسمى به قبل كونه مع عدمه كالقول متحرك واسود وما اشبه ذلك وما سمى به الشىء لأنه فعل وحديث نفسه كالقول مفعول ومحدث لا يجوز ان يسمى بهذا الاسم قبل كونه وما سمى به الشىء وسميت به اشياء للتفريق بين اجناسها وغيرها من الاجناس سماها بذلك الاسم قبل كونها وما سمى به الشىء كان اخبارا عن اثباته او دلالة على ذلك كالقول كائن ثابت وما اشبه ذلك يجوز ان يسمى به قبل كونه وكان لا يسمى العلم علما قبل كونه لأنه اعتقاد الشىء على ما هو به بضرورة او بديل ولا يسمى الامر امرا قبل كونه لأنه انما يكون امرا بقصد القاصد الى ذلك وذلك انه قد يكون الشىء مخرجه مخرج الامر وهو تهدد ليس بأمر
وكان يقول ان الموجودات التى وجدت هى التى لم تكن قبل كونها (1/523)
موجودة وكان لا يمنع من القول لم يزل البارىء عالما بالاجسام والمخلوقات لا على انه يسميها اجساما قبل كونها ومخلوقات قبل كونها ولكن على معنى انه لم يزل عالما بأن ستكون اجساما مخلوقات
وكان لا يثبت للبارىء علما في الحقيقة به كان عالما ولا قدرة في الحقيقة بها كان قادرا وكذلك جوابه في سائر ما يوصف به القديم لنفسه
وكان يفرق بين صفات النفس وصفات الفعل بما حكيناه عن المعتزلة قبل هذا الموضع
وكان يزعم ان معنى الوصف لله بأنه عالم اثباته وانه بخلاف ما لا يجوز ان يعلم واكذاب من زعم انه جاهل ودلالة على ان له معلومات وان معنى القول ان الله قادر اثباته والدلالة على انه بخلاف مالا يجوز ان يقدر واكذاب من زعم انه عاجز والدلالة على ان له مقدورات
ومعنى القول انه حى اثباته واحدا وانه بخلاف مالا يجوز ان يكون حيا واكذاب من زعم انه ميت والقول سميع اثباته وانه بخلاف مالا يجوز ان يسمع واكذاب من زعم انه اصم والدلالة على ان المسموعات اذا كانت سمعها ومعنى القول بصير اثباته وانه بخلاف (1/524)
مالا يجوز ان يبصر واكذاب من زعم انه اعمى والدليل على ان المبصرات اذا كانت ابصرها وقد شرحنا قوله في انه شىء موجود قديم غير الاشياء قبل هذا الموضع
وكان يزعم ان العقل اذا دل على ان البارىء عالم فواجب ان نسميه عالما وان لم يسم نفسه بذلك اذا دل العقل على المعنى وكذلك في سائر الاسماء وان اسماء البارىء لا يجوز ان تكون على التلقيب له
وخالفه البغداذيون فزعموا انه لا يجوز ان نسمى الله عز و جل باسم قد دل العقل على صحة معناه الا ان يسمى نفسه بذلك وزعموا ان معنى عالم معنى عارف ولكن نسميه عالما لأنه سمى نفسه به ولا نسميه عارفا وكذلك القول فهم وعاقل معناه عالم ولا نسميه به وكذلك معنى يغضب معنى يغتاظ ولا يقال يغتاظ وكذلك قديم وعتيق معناهما واحد
وزعم الصالحى انه جائز ان يسمى الله سبحانه نفسه جاهلا ميتا ويسمى نفسه انسانا وحمارا واللغة على ما هى عليه اليوم ويجوز ان يسمى البارىء على طريق التلقيب بهذه الاسماء وابى الناس جميعا هذا (1/525)
واختلفوا هل كان يجوز ان يقلب الله تعالى اللغة فيسمى نفسه جاهلا بدلا من تسميته عالما
فجوز ذلك قوم وقال عباد لا يجوز ان يقلب الله اللغة ولا يجوز ان يسمى نفسه بغير هذه الاسماء
وكان الجبائى يزعم ان معنى القول ان الله عالم معنى القول انه عارف وانه يدرى الاشياء وكان يسميه عالما عارفا داريا وكان لا يسميه فهما ولا فقيها ولا موقنا ولا مستبصرا ولا مستبينا لأن الفهم والفقه هو استدراك العلم بالشىء بعد ان لم يكن الانسان به عالما
وكذلك قول القائل احسست بالشىء وفطنت له وشعرت به معناه هذا واليقين هو العلم بالشىء بعد الشك ومعنى العقل انما هو المنع عنده وهو مأخوذ من عقال البعير وانما سمى علمه عقلا من هذا قال فلما لم يجز ان يكون البارىء ممنوعا لم يجز ان يكون عاقلا وليس معنى عالم عنده معنى عاقل والاستبصار والتحقق هو العلم بعد الشك وكان يزعم ان البارىء يجد الاشياء بمعنى يعلمها
وكان يزعم ان البارىء لم يزل عالما قادرا حيا سميعا بصيرا ولا (1/526)
يقول لم يزل سامعا مبصرا ولايقول لم يزل يسمع ويبصر ويدرك لأن ذلك يعدى الى مسموع ومبصر ومدرك وكان يقول ان الوصف لله بأنه سامع مبصر من صفات الذات وان كان لا يقال لم يزل سامعا مبصرا كما ان وصفنا له بأنه عالم بان زيدا مخلوق من صفات الذات وإن كان لا يقال لم يزل عالما بأنه يخلق قال وقد نقول سميع بمعنى يسمع الدعاء ومعناه يجيب الدعاء وهو من صفات الفعل وكان يقول ان البارىء لم يزل رائيا بمعنى لم يزل عالما ويقول يرى نفسه بمعنى يعلمها وكان يزعم ان البارىء لم يزل عالما ولا يقول لم يزل رائيا بمعنى لم يزل مدركا والراءى عنده قد يكون بمعنى عالم وبمعنى مدرك وكذلك القول بصير قد يكون عنده بمعنى عالم كالقول فلان بصير بصناعته اى عالم بها فيقول البارىء لم يزل بصيرا بمعنى لم يزل عالما ويقول لم يزل بصيرا بمعنى يرى نفسه وانه بخلاف ما لا يجوز ان يبصر ونكذب من زعم انه اعمى وندل بهذا القول على ان المبصرات اذا كانت ابصرها فيلزمه ان يقول ان البارىء لم يزل مدركا على هذا المعنى وكان يقول ان البارىء لم يزل قويا قاهرا عالما مستوليا مالكا وكذلك القول بأنه متعال على معنى انه منزه كقوله (1/527)
تعالى الله عما يشركون وانه لم يزل مالكا سيدا ربا بمعنى انه لم يزل قادرا ولا يقول البارىء رفيع شريف في الحقيقة لأن
هذا مأخوذ من شرف المكان وارتفاعه فيلزمه ان لا يقول انه عال في الحقيقة لأن هذا مأخوذ من علو المكان وكان يزعم ان معنى عظيم وكبير وجليل انه السيد ومعنى هذا انه مالك مقتدر وكان
يقول ان البارىء جبار بمعنى انه لا يلحقه قهر ولا يناله ذل ولا يغلبه شىء فهذا عنده قريب من معنى عزيز والوصف له بذلك من صفات النفس ويقول في كريم ما قد شرحناه قبل هذا الموضع ويقول مجيد
بمعنى عزيز ويقول لم يزل البارىء غنيا بنفسه فاما القول كريم فقد يكون عنده من صفات النفس اذا كان بمعنى عزيز ويكون عنده من صفات الافعال اذا كان بمعنى جواد والقول حكيم بمعنى عليم
من صفات النفس عنده والقول حكيم من طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل والقول صمد بمعنى سيد من صفات الذات والقول صمد بمعنى انه مصمود اليه لا من صفات الذات عنده
وقد يكون عنده بمعنى انه عين لا ينقسم ولا يتجزأ ويكون معنى واحد انه لا شبه له ولا مثل وكذلك يقول النجار في معنى واحد (1/528)
ويكون بمعنى انه لا شريك له في قدمه والهيته والقول اله عنده معناه انه لا تحق العبادة الا له وهو من صفات الذات عنده ومعنى القول الله انه الاله فحذفت الهمزة الثانية فلزم ادغام احدى اللامين في الاخرى ووجب ان يقال انه الله
وكان لا يقول ان البارىء معنى لأن المعنى هو معنى الكلام وكان يقول ان البارىء لم يزل باقيا في الحقيقة بنفسه لا ببقاء ومعنى انه باق انه كائن لا بحدوث وانه لا يوصف البارىء بانه لم يزل دائما لا يفنى بل يوصف بأنه لا يزل دائما لأن هذا مما يوصف به في المستقبل ويوصف بأنه لم يزل دائما لا الى اول له كما يقال لم يزل دائم الوجود اى لا اول لوجوده ومعنى قائم وقيوم اى دائم وهو من صفات الذات
وكان ينكر قول من قال ان معنى القديم انه حى قادر وان معنى سميع انه يعلم الاصوات والكلام ومعنى بصير انه يعلم المبصرات وكان يقول لم يزل القديم اولا ولا يزال آخرا
وكان يزعم ان الوصف هو الصفة وان التسمية هى الاسم وهو قولنا الله عالم قادر فاذا قيل له تقول ان العلم صفة والقدرة صفة قال لم نثبت علما فنقول صفة ام لا ولا ثبتنا علما في الحقيقة فنقول قديم او محدث او هو الله او غيره فاذا قيل له القديم (1/529)
صفة قال خطأ لأن القديم هو الموصوف ولكن الصفة قولنا الله وقولنا القديم
وكان يقول ان الوصف لله بأنه مريد محب ودود راض ساخط غضبان موال معاد حليم رحمان رحيم راحم خالق رازق بارىء مصور محى مميت من صفات الفعل وان كل ما يحب الى القديم
فيه او وصف بضده او بالقدرة على ضده فهو من صفات الفعل وكان يزعم ان الوصف لله بأنه متكلم انه فعل الكلام وكان يزعم ان معنى الارادة منه كمعنى الارادة منا وهى محبة للشىء وكذلك الكراهة هى البغض للشىء وان الرضى منه هو الرضى عنا ولعملنا ورضاه عنا لهذا العمل معنى واحد وهو ان نكون قد فعلنا مالم يرد منا اكثر منه وهو كما قال مراده منا وكان يقول
ان غضبه هو سخطه وكان يفرق بين الارادة والشهوة ولا يجوز الشهوة على البارىء وكان يزعم ان حلم الله سبحانه هو امهاله لعباده وفعل النعم التى يضاد كونها كون الانتقام وهى صرف الانتقام عنهم وانه لو لم يفعل ذلك لم يوصف بالحلم وكان لا يوصف البارىء بالصبر (1/530)
والوقار والزراية وكان لا يزعم ان البارىء حنان لأنه انما أخذ من الحنين
وكان يزعم ان البارىء محبل وانه لا محبل للنساء في الحقيقة سواه فيلزمه والد في الحقيقة وانه لا والد سواه وكان يقول ان البارىء لا يزال خالدا وان الوصف له بذلك من صفات الذات ولا يقول لم يزل خالدا وكان مرة يقول ان الاجسام اذا تقادم وجودها قيل لها قديمة في الحقيقة الى غاية واول ثم رجع عن ذلك
وكان لا يزعم ان الانسان باق في الحقيقة لأن الباقى هو الكائن لا بحدوث والانسان كائن بحدوث
وكان اذا قيل له لم اختلفت المسميات والمسمى بها واحد والمعانى والمعنى بها واحد ولم ليس معنى عالم معنى قادر قال لاختلاف المعلوم والمقدور لأن من المعلومات مالا يجوز ان يوصف القادر بأنه قادر عليه وكذلك القول في سميع بصير اختلف القول فيهما لاختلاف المسموعات والمبصرات وكان يجيب ايضا بأن الاسماء والصفات اختلفت لاختلاف الفوائد لأنى اذا قلت ان البارىء عالم افددتك علما به ودللتك على معلومات واكذبت من قال انه جاهل وافدتك علما بأنه خلاف ما لا يجوز ان يعلم واذا قلت قادر افدتك (1/531)
علما به وانه بخلاف مالا يجوز ان يقدر واكذبت من زعم انه عاجز ودللت على مقدورات وانما اختلفت الاسماء والصفات لاختلاف العلوم التى افدتك لما قلت انه عالم قادر حى سميع بصير
وكان يقول ان الوصف للبارىء بانه سبوح قدوس من صفات النفس ومعنى ذلك تنزيه الله سبحانه عما جاز على عباده من ملامسة النساء ومن اتخاذ الصاحبة والاولاد وسائر الصفات التى لا تليق به
وكان يقول معنى الوصف لله بأنه واحد وبأنه متوحد واحد وكذلك الوصف له بأنه جبار ومتجبر وكبير ومتكبر وزعم انه لا يجوز ان يوصف البارىء بأنه فوق عباده على الحقيقة فان وجدنا ذلك في صفات الله تعالى فهو مجاز وقد قال الله سبحانه وهو القاهر فوق عباده واراد به القادر المستولى على العباد فجعل قوله فوق بدلا من قوله مستعل قال وقد نقول فوق عباده في العلم والقدرة اى هو اعلم واقدر منهم وهو توسع قال وقد يوصف البارىء سبحانه بأنه قريب من لخلق توسعا ومعنى ذلك انه عالم بنا وبأعمالنا سامع القول من الخلق راء لاعمالهم وكذلك تقرب العباد بالطاعة (1/532)
الى الله هذا مجاز وزعم ان البارىء لا يوصف بأنه متين لأن المتين في الحقيقة هو الثخين وانما قال المتين توسعا واراد ان يبالغ في وصفه بالقوة وزعم انه لا يوصف بأنه شديد على الحقيقة على معنى قوى والقادر منا انما يوصف بالشدة والجلد على التوسع لأن الجلد وشدة البدن ليسا من القدرة في شىء لان ذلك بمعنى الصلابة والله سبحانه لا يجوز ان يوصف بالصلابة فإن وجدنا ذلك من صفات الله سبحانه فهو على المجاز وليس يجوز ان يوصف الله سبحانه بأنه شديد العقاب وما اشبه ذلك من صفات الافعال لأن الشديد من صفات الافعال انما هى الافعال وقول الله عز و جل اشد منهم قوة مجاز معناه انه اقدر منهم ولو لم يكن ذلك مجازا لكانت قوته شديدة في الحقيقة وقوته في الحقيقة لا توصف بالشدة
وكان يزعم ان البارىء مشاهد للاشياء بمعنى انه راء لها وسامع لها فقيل له من معنى الرؤية والسمع انه مشاهد على التوسع لأن المشاهد منا للشىء هو الذى يراه ويسمعه دون الغائب منها وكان يصف البارىء بأنه مطلع على العباد واعمالهم توسعا ومعنى ذلك عنده انه عالم بهم واعمالهم وكان يزعم ان الوصف لله بانه غنى انه لا يصل اليه (1/533)
المنافع والمضار ولا يجوز عليه اللذات والسرور ولالام والغموم ولا يحتاج الى غيره
وكان يزعم ان البارىء نور السموات والارض توسعا ومعنى ذلك انه هادى اهل السموات والارض وانهم به يهتدون كما يهتدون بالنور والضياء وانه لا يجوز ان نسميه نورا على الحقيقة اذا لم يكن من
جنس الانوار لأنا لو سميناه بذلك وليس هو من جنسها لكانت التسمية له بذلك تلقيبا اذ كان لا يستحق معنى الاسم ولا الاسم من جهة العقول واللغة ولو لجاز ذلك ان يسمى بأنه جسم ومحدث وبأنه انسان وان لم يكن مستحقا لهذه الاسماء ولا لمعانيها من جهة اللغة فلما لم يجز ذلك لم يجز ان يسمى على جهة التلقيب
وكان الحسين النجار يزعم انه نور السموات والارض بمعنى انه هادى اهل السموات والارض
وكان الجبائى يزعم ان معنى وصف الله نفسه بأنه السلم انه المسلم الذى السلامة انما تنال من قبله وكذلك قوله بأن الله هو الحق انما اراد ان عبادة الله هى الحق قال وقد يجوز ايضا ان يعنى بقوله ان الله هو الحق ان الله هو الباقى المحيى المميت المعاقب وان ما يدعون من دونه الباطل اراد بذلك انه يبطل ويذهب ولا يملك لأحد ثوبا ولا عقابا وزعم ان الوصف لله بانه مؤمن انه (1/534)
آمن العباد من ان يأخذ احدا منهم بغير حق وان معنى المهيمن انه الامين على الاشياء وان الهاء التى في المهيمن بدلا من الهمزة التى في الامين وكذلك معنى قوله ومهيمنا عليه معنى امينا عليه
وكان يصف البارىء بأنه جواد ولا يصفه بأنه سخى لأن ذلك انما اخذوه من قولهم ارض سخاوية اى لينة وكان يقول ان الوصف لله سبحانه بأنه غالب من صفات الذات ومعناه انه قاهر مقتدر والوصف له بأنه طالب عنده من صفات الفعل ومعناه انه يطلب من الظالم حق المظلوم وكان يزعم ان الوصف لله سبحانه بأنه راحم من صفات الفعل وان معناه انه منعم ناظر محسن
ويزعم ان البارىء لا يوصف بالاشفاق على عباده لأن معناه الحذر وذلك ان ترك المريض للاغذية الردية اشفاقا منها انما هو لحذره من المرض ولا يجوز ذلك على الله وكان يزعم ان معنى الوصف لله بأنه لطيف قد يكون بمعنى منعم وقد يكون بمعنى انه لطيف التدبير والصنع لأن تدبيره لا يعرفه العباد للطفه وكان لا يصف البارىء بأنه رفيق لأن الرفق في الامور هو الاحتيال لاصلاحها ولاتمامها والتسبب الى ذلك وزعم ان الله يوصف بأنه ناظر لعباده بمعنى انه منعم عليهم ولا يوصف بذلك عنده بمعنى الرؤية لأن النظر في الحقيقة الى الشىء ليس هو (1/535)
الرؤية وانما هى تحديق العين وتقليبها نحو المرءى وكذلك الاستماع عنده للصوت غير السمع له وغير ادراكه وانما هو الاصغاء اليه اذا كان سمعه وادركه ولا يجوز ان يوصف البارىء عنده بالاستماع وكذلك النظر في الامر ليقف الناظر على صحته او بطلانه هو الفكر ولا يجوز الفكر على الله سبحانه ومعنى الوصف لله بالغفران عنده انه غفور وانه يستر على عباده ويحط عنهم عقاب ذنوبهم ولا يفضحهم والمغفر انما سمى مغفرا لأنه يستر رأس الانسان ووجهه في الحرب وزعم ان الوصف لله بأنه شكور على جهة المجاز لأن الشكور في الحقيقة شكر النعمة التى للمشكور على الشاكر فلما كان مجازيا للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته اياهم على طاعاتهم شكرا على التوسع اذ كان الشكر في الحقيقة هو الاعتراف بنعمة المنعم وليس
الحمد عنده هو الشكر لأن الحمد ضد الذم والشكر ضد الكفر وزعم ان البارىء يوصف بأنه حميد ومعنى ذلك انه محمود على نعمه وكان يزعم ان البارىء اذا فعل الصلاح لم يقل له صالح وانما الصالح من صلح بالصلاح وكذلك قول غيره
وكان لا يسمى الله بما فعل من الفضل فاضلا لأنه انما يفضل بذلك (1/536)
غيره وهو عز و جل مستغن عن الافضال ان يفضل بها او يشرف بها وانما يشرف ويفضل بالافضال من تفضل الله بها عليه وكذلك يقول غيره
وكان يزعم ان الله خير بما فعل من الخير لأن من كثر منه الشر قيل له شرير وزعم ان الامراض والاسقام ليست بشر في الحقيقة وانما هى شر في المجاز وكذلك كان قوله في جهنم وكان يزعم ان جمع فاعل الشر اشرار وكان يقول ان عذاب جهنم ليس بخير ولا شر في الحقيقة لأن الخير هو النعمة وما للانسان فيه منفعة والشر هو العبث والفساد وعذاب جهنم فليس بصلاح ولا فساد وليس برحمة ولا منفعة ولكنه عدل وحكمه
وخالفه الاسكافى وغيره في ذلك فزعموا ان عذاب جهنم خير في الحقيقة ومنفعة وصلاح ورحمة بمعنى انه نظر لعباده اذ كانوا بعذاب جهنم قد رهبوا من ارتكاب الكفر
واما اهل الاثبات فيقولون ان عذاب جهنم ضرر وبلاء وشر في الحقيقة وان ذلك ليس بخير ولا صلاح ولا منفعة ولا رحمة ولا نظر
وزعم عباد بن سليمان ان الله سبحانه لم يفعل شرا بوجه من الوجوه ولم يقل ان عذاب جهنم شر في الحقيقة ولا في المجاز (1/537)
وكذلك قوله في الامراض والاسقام وهو يعارض المعتزلة فيقول لهم اذا قلتم ان البارىء فعل فعلا هو شر على وجه من الوجوه فما انكرتم من ان يكون شريرا
واختلفوا هل يقال ان الله يضر ام لا
فقال اهل الاثبات ان الله ينفع المؤمنين ويضر الكافرين في الحقيقة في دنياهم وفى الآخرة في اثباتهم وان كل ما فعله بهم فهو ضرر عليهم في الدين لأنه انما فعله بهم ليكفروا وهم في ذلك فريقان
فقال بعضهم ان الله نعما على الكافرين في دنياهم كنحو المال وصحة البدن واشباه ذلك وابى ذلك بعضهم لأن كل ما فعله بالكفار انما فعله بهم ليكفروا
وقال الجبائى ان الله لا يضر احدا في باب الدين ولكنه يضر ابدان الكفار بالعذاب في جهنم وبالآلام التى يعاقبهم بها
وانكر ذلك اكثر المعتزلة وقالوا لا يجوز ان يضر الله احدا في الحقيقة كما لا يجوز أن يغر أحدا في الحقيقة
واختلف الناس في معنى القول ان الله خالق
فقال قائلون معنى ان الخالق خالق ان الفعل وقع منه بقدرة قديمة (1/538)
فانه لا يفعل بقدرة قديمة الا خالق ومعنى الكسب ان يكون الفعل بقدرة محدثة فكل من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب وهذا قول اهل الحق
وقال قائلون معنى الخالق انه يفعل لا بآلة ولا بجارحة فمن فعل لا بآلة ولا بجارحه فهو خالق وهذا قول الأسكافي وطوائف من المعتزلة
وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى ان معنى الخالق انه يفعل افعاله مقدرة على مقدار ما دبرها عليه وذلك هو معنى قولنا في الله انه خالق وكذلك القول في الانسان انه خالق اذا وقعت منه افعال مقدرة وابى ذلك سائر المعتزلة
وزعم عباد ان معنى خالق معنى بارىء ومعنى مخلوق معنى مبرى
واختلفوا هل يقال ان الانسان فاعل على الحقيقة
فقالت المعتزلة كلها الا الناشى ان الانسان فاعل محدث ومخترع ومنشىء على الحقيقة دون المجاز
وقال الناشىء الانسان لا يفعل في الحقيقة ولا يحدث في الحقيقة وكان لا يقول ان البارىء يحدث كسب الانسان فلزمه محدث لا لمحدث في الحقيقة ومفعول لا لفاعل في الحقيقة (1/539)
وكثير من اهل الاثبات يقولون ان الانسان فاعل في الحقيقة بمعنى مكتسب ويمنعون انه محدث وبلغنى ان بعضهم اطلق في الانسان انه محدث في الحقيقة بمعنى مكتسب
ورأيت منهم من اذا سألوه هل الانسان فاعل في الحقيقة قال هذا كلام على امرين ان اردتم انه خالق في الحقيقة فهذا خطأ وان اردتم انه مكتسب فإذا قالوا له فتقول إنه فاعل بمعنى مكتسب قال ان اردتم انه مكتسب فنعم هو مكتسب وكلما سألوه عن لفظه يفعل قسم الامر على وجهين على سبيل ما حكيناه وهذا قول الكوشانى
وبلغنى ان يحيى بن ابى كامل قال لا اقول ان البارىء يفعل الا على المجاز ولا اقول ان الانسان يفعل الا على المجاز والحقيقة في الانسان انه مكتسب وفى البارىء انه خالق
وبلغنى ان برغوثا قيل له مرة اتزعم ان البارىء فاعل فقال لا اقول ذلك لأن يفعل تهجين في الاستعمال يقال للانسان بئس ما فعلت فالزم ان لا يكون البارىء خالقا لأن خالقا تهجين في نص القرآن قال الله عز و جل وتخلقون افكا (1/540)
فهجنهم بذلك وما كان تهجينا في نقص القرآن فهو اغلظ مما كان تهجينا في استعمال العامة
وسمعت احمد بن سلمة الكوشانى وكان من اصحاب الحسين النجار يقول لا ازعم ان البارىء يفعل الجور لأن هذا القول يوهم انه جائر وهذا القول منه غلط عندى
ومن اهل الاثبات من يقول ان الله يفعل في الحقيقة بمعنى يخلق وان الانسان لا يفعل في الحقيقة وانما يكتسب في التحقيق لأنه لا يفعل الا من يخلق اذ كان معنى فاعل في اللغة معنى خالق ولو جاز ان يخلق الإنسان بعض كسبه لجاز ان يخلق كل كسبه كما ان القديم لما خلق بعض فعله خلق كل فعله
واتفق اهل الاثبات على ان معنى مخلوق معنى محدث ومعنى محدث معنى مخلوق وهذا هو الحق عندى واليه اذهب وبه اقول
وقال زهير الاثرى وابو معاذ التومنى معنى مخلوق انه وقع عن ارادة من الله وقول له كن وقال كثير من المعتزلة بذلك منهم ابو الهذيل
وقد قال قائلون معنى المخلوق ان له خلقا ولم يجعلوا الخلق قولا على وجه من الوجوه منهم ابو موسى وبشر بن المعتمر (1/541)
واختلف الناس في معنى مكتسب
فقال قوم من المعتزلة معناه ان الفاعل فعل بآلة وبجارحه وبقوة مخترعة
وقال الجبائى معنى المكتسب هو الذى يكتسب نفعا او ضررا او خيرا او شرا او يكون اكتسابه للمكتسب غيره كاكتسابه للاموال وما اشبه ذلك واكتسابه للمال غيره والمال هو الكسب له في الحقيقة وان لم يكن له فعلا
والحق عندى ان معنى الاكتساب هو ان يقع الشىء بقدرة محدثة فيكون كسبا لمن وقع بقدرته
واختلف الناس في معنى قول الله عز و جل الاول والآخر
فزعم اكثر الناس ان الآخر معناه ان يكون بعد فناء الدنيا وان الله بعد الخلق فيدخل اهل الجنة الجنة ويدخل الكفار النار وان اهل الجنة لا يزالون مثابين ولا يزال الكفار معاقبين
وزعم الجهم بن صفوان ان معنى الآخر انه لا يزال كائنا موجودا ولا شىء سواه ولا موجود غيره وان الجنة والنار تفنيان ويبيد من فيهما ويفنى (1/542)
وزعمت البطيخية ان اهل الجنة في الجنة يتنعمون وان اهل النار في النار يتنعمون بمنزلة دود الخل يتلذذ بالخل ودود العسل يتلذذ بالعسل
وقال ابو الهذيل وقد حكينا قوله قبل هذا الموضع ان اهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكونا دائما ويكونون سكونا بسكون باق متلذذين بلذات باقية
وزعم بعض المعتزلة ان معنى ان الله هو الآخر انه الباقى
وقال من مال الى انه لا شىء الا موجود ان معنى الاول انه لم يزل كائنا ولا شىء سواه وان الاشياء لو كانت تعلم اشياء غير كائنة لم يصح ان البارىء هو الاول اذ كان لا يصح الوصف له بأنه موجود الا وهو عالم باشياء غير كائنة وقال من خالفهم ان حقيقة الاول انه لم يزل موجودا ولا شىء سواه موجود وان كانت الاشياء يعلمها اشياء غير كائنة
القول في البارىء انه كامل
كان الجبائى لا يزعم ان البارىء يوصف بأنه كامل لأن الكامل هو من تمت خصاله وابعاضه ولأن الكامل في بدنه هو الذى قد تمت ابعاضه وكذلك الكامل في خصاله من تمت خصاله منا نحو كمال الرجل (1/543)
في علمه وعقله ورأيه وقوله وفصاحته فلما كان الله عز و جل لا يوصف بالابعاض لم يجز ان يوصف بالكمال في ذاته ولا بالنقصان ولما لم يجز ان يشرف بافعاله لم يجز ان يوصف بالكمال في ذاته من جهة الافعال وكذلك لا يوصف بأنه وافر لأن معنى ذلك كمعنى الكامل وكذلك لا يقال تام لأن تأويل التام والكامل واحد
وقال لا يجوز ان يوصف بالشجاعة لأن الشجاعة هى الجرءة على المكاره وعلى الامور المخوفة
وكان يزعم ان الوصف لله سبحانه بانه مختار معناه انه مريد اذ لم يكن ملجأ الى ما اراده ولا مكرها ولا مضطرا اليه والارادة هى الاختيار وكذلك القول في ان الانسان مختار عنده وان الاختيار غير المختار كما ان الارادة غير المراد وان اختيار الله للانبياء هو اختياره لارسالهم وهو ارادته لذلك وزعم ان معنى الاصطفاء من الله للانبياء برسالته هو اختصاصه اياهم بها وليس معنى الاصطفاء معنى الاختيار لأن كل ما يريده الانسان من غير ان يلجأ اليه فهو مختار له كما يكون مختار للاكل والشرب ولا يكون مصطفيا لذلك وزعم ان الارادة ليس هى الضمير وان الضمير محل الارادة (1/544)
وزعم ان معنى ان الله يمتحن عباده ويختبرهم هو انه يكلفهم وذلك توسع وانما معنى ذلك انه يكلفهم طاعته فلذلك لم يجز ان يقال يجربهم وكذلك معنى يبتلى انه يكلفهم
فاما الترك فقد اختلف الناس في ذلك
فجوز قوم على الله سبحانه الترك وانه اذا فعل شيئا فقد ترك بفعل الشىء فعل ضده
وقد قال الحسين بالترك وان البارىء لم يزل تاركا
وقال قائلون لا يجوز على البارىء الترك وليس للترك منه معنى كما لا يجوز عليه كف النفس ومنعها وكما لا يوصف بالامتناع والكف
القول ان البارىء لم يزل خالقا
قال اكثر اهل الكلام لا يجوز اطلاق ذلك
وقال قائلون قد يجوز ان يقال لم يزل البارىء خالقا على ان سيخلق
وقال قائلون لم يزل البارىء خالقا على اثباته لم يزل خالقا في الحقيقة وهذا قول بعض الرافضة (1/545)
شرح قول عبد الله بن كلاب
قال عبد الله بن كلاب ان الله سبحانه لم يزل قديما باسمائه وصفاته وانه لم يزل عالما قادرا حيا سميعا بصيرا عزيزا جليلا كبيرا عظيما جوادا متكبرا واحدا احدا صمدا فردا باقيا اولا سيدا مالكا ربا رحمانا مريدا كارها محبا مبغضا راضيا ساخطا مواليا معاديا قائلا متكلما بعلم وقدرة
وحياة وسمع وبصر وعزة وجلال وعظمة وكبرياء وكرم وجود وبقاء والهية ورحمة وارادة وكراهة وحب وبغض ورضى وسخط وولاية وعداوة وكلام وان ذلك من صفات الذات وان صفات الله سبحانه هى اسماؤه وانه لا يجوز ان توصف الصفات بصفة ولا تقوم بأنفسها وانها قائمة بالله وزعم انه موجود لا بوجود وانه شىء لا بمعنى له كان شيئا وان صفاته لا هى هو ولا غيره وكذلك القول في الصفات انها لا تتغاير كما انها ليست بغيره وان العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك سائر الصفات
وقال بعض اصحابه الصفات لا يقال هى هو ولا يقال غيره وكذلك لا يقال كل صفة هى الاخرى ولا يقال غيرها ومنعوا العبارة الاولى
وقال قائلون ان البارىء سبحانه ليس بغير صفاته وصفاته متغايرة قول حارث (1/546)
واختلف اصحاب عبد الله بن كلاب في القديم انه قديم
فقال بعضهم هو قديم بقدم وقال بعضهم هو قديم لا بقدم كما ان المحدث محدث لا باحداث
واختلفوا في الصفات هل هى اشياء ام لا
فاثبت بعضهم الصفات اشياء ومنع ذلك بعضهم وقال اذا قلت شىء بصفاته استغنيت عن ذلك وكذلك قال بعض اصحابه ان الصفات قديمة ومنع بعضهم ان يقال قديمة او حديثة لانا اذا قلنا قديم استغنينا عن ذلك
وزعم انه لم يزل راضيا عمن يعلم انه يموت مؤمنا وان كان اكثر عمره كافرا ساخطا على من يعلم انه يموت كافرا وان كان اكثر عمره مؤمنا وارادة الله سبحانه لكون الشىء هى الكراهة ان لا يكون
وقال سليمان بن جرير علم الله سبحانه لا هو الله ولا هو غيره ووجهه هو هو وعلمه شىء وقدرته شىء ولا اقول صفاته اشياء (1/547)
وقال ابن كلاب في الوجه والعين واليدين انها صفات لله لا هى الله ولا هى غيره كما قال في العلم والقدرة غير انه ثبت هذا خبرا
القول في ان الله سبحانه قادر
قد اختلف المتكلمون في ذلك اختلافا كثيرا فمما اختلفوا فيه القول هل يوصف البارىء بانه قادر على الاعراض
فقال المسلمون كلهم اجمعون الا معمر ان الله قادر على الاعراض والحركات والسكون والالوان والحياة والموت والصحة والمرض والقدرة والعجز وسائر الاعراض
وقال معمر بالتعجيز لله وانه لا يوصف القديم بانه قادر الا على الجواهر واما الاعراض فلا يجوز ان يوصف بالقدرة عليها وانه ما خلق حياة ولا موتا ولا صحة ولا سقما ولا قوة ولا عجزا ولا لونا ولا طعما ولا ريحا وان ذلك اجمع فعل الجواهر بطبائعها وان من قدر على الحركة قدر ان يتحرك ومن قدر على السكون قدر ان يسكن كما ان من قدر على الارادة قدر ان يريد وان البارىء قد يريد ويكره وذلك قائم به لا في مكان وكذلك تحريكه وتسكينه قائم به وهو (1/548)
ارادته فيقال له اذا قلت ان البارىء قادر على التحريك والتسكين فقل قادر على ان يتحرك ويسكن فان كان من قدر على تحريك غيره وتسكينه لا يوصف بالقدرة ان يتحرك فكذلك من وصف بالقدرة على حركة غيره لا يوصف بالقدرة على ان يتحرك
وخالف اهل الحق اهل القدر ومعمرا في ذلك فقالوا قد يوصف القديم بالقدرة على انشاء الحركة ولا يوصف بالقدرة على التحرك
واختلف الناس ايضا في القول هل يقدر القديم على ما اقدر عليه عباده او لا يجوز ذلك
فقال ابراهيم وابو الهذيل وسائر المعتزلة والقدرية الا الشحام لا يوصف البارىء بالقدرة على شىء يقدر عليه عباده ومحال ان يكون مقدور واحد لقادرين
وقال الشحام ان الله يقدر على ما اقدر عليه عباده وان حركة واحدة مقدورة تكون مقدورة لقادرين لله وللانسان فان فعلها القديم كانت اضطرارا وان فعلها المحدث كانت اكتسابا وان كل واحد منهما يوصف بالقدرة على ان يفعل وحده لا على ان القديم يوصف (1/549)
بالقدرة على ان تكون الحركة فعلا له وللانسان ولايوصف الانسان بالقدرة على ان تكون الحركة فعلا له والقديم ولكن يوصف البارىء بأنه قادر ان يخلقها ويوصف الانسان بأنه قادر ان يكتسبها
وقال اهل الحق والاثبات لا مقدور الا والله سبحانه عليه قادر كما انه لا معلوم الا والله به عالم وما بين ان يكون مقدور لا يوصف الله سبحانه بالقدرة عليه وبين ان يكون معلوم لا يعلمه فرقان
واختلفت المعتزلة هل يجوز ان يقدر الله سبحانه على جنس ما اقدر عليه عباده او لا يوصف بالقدرة على ذلك
فقال البغداذيون من المعتزلة لا يوصف البارىء بالقدرة على فعل عباده ولا على شىء هو من جنس ما اقدرهم عليه ولا يوصف بالقدرة على ان يخلق ايمانا لعباده يكونون به مؤمنين وكفرا لهم يكونون به كافرين وعصيانا لهم يكونون به عاصين وكسبا يكونون به مكتسبين وجوزوا الوصف له بالقدرة على ان يخلق حركة يكونون بها متحركين وارادة يكونون بها مريدين وشهوة يكونون بها مشتهين وزعموا ان الحركة التى يفعلها الله عز و جل مخالفة للحركةالتى يفعها الانسان (1/550)
وان الانسان لو اشبه فعله فعل الله لكان مشبها لله عز و جل ولم يصف كثير منهم البارىء بالقدرة على ان يخلق معرفة بنفسه يضطر عباده اليها
وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى وكثير من المعتزلة ان البارىء سبحانه قادر على ما هو من جنس ما اقدر عليه عباده من الحركات والسكون وسائر ما اقدر عليه العباد وانه قادر على ان يضطرهم الى ما هو من جنس ما اقدرهم عليه والى المعرفة به سبحانه
وكان لا يصف ربه بالقدرة على ان يخلق ايمانا يكونون به مؤمنين وكفرا يكونون به كافرين وعدلا يكونون به عادلين وكلاما يكونون به متكلمين لأن معنى متكلم انه فعل الكلام عنده وكذلك القول في سائر ما ذكرناه من العدل والجور عنده وكذلك يحيل ذلك في كل شىء يوصف به الانسان ومعنى ذلك انه فاعل مما اشتق له الاسم منه
وقال ابو الهذيل لا تشبه افعال الانسان فعل البارىء على وجه من الوجوه وكان لا يصف الاعراض بأنها تشتبه
وقال اهل الحق والاثبات ان البارىء قادر على ان يخلق ايمانا يكون عباده به مؤمنين وكفرا يكونون به كافرين وكسبا يكونون به مكتسبين وطاعة يكونون بها مطيعين ومعصية يكونون بها عاصين (1/551)
وانكر اكثر اهل الاثبات ان يكون البارىء موصوفا بالقدرة على ان يضطر عباده الى ايمان يكونون به مؤمنين وكفر يكونون به كافرين وعدل يكونون به عادلين وجور يكونون به جائرين
وقال ابو الهذيل ان البارىء يضطر عباده في الآخرة الى صدق يكونون به صادقين وكلام يكونون به متكلمين فيلزمه ان يجوز القدرة ان يضطرهم الى كفر يكونون به كافرين وجور يكونون به جائرين والا كان مناقضا
فاما انا فأقول ان كل ما وصف بالقدرة على ان يخلقه كسبا لعباده فهو قادر ان يضطرهم اليه وجائز ان يضطرهم الله سبحانه الى الجور والمعتزلة يصفون البارىء سبحانه بالقدرة على ان يلجىء العباد الى فعل ما اراد منهم
وانكر محمد بن عيسى ذلك وقال لو الجأهم لم يكونوا مؤمنين وكذلك لو الجاهم الى العدل لم يكونوا عادلين وكذلك لو الجأهم الى الكفر لم يكونوا كافرين لأنهم أمروا ان ياتوا بالايمان طوعا وان يتركوا الكفر طوعا فاذا اتوا به كرها وتركوا الكفر كرها لم يكونوا مؤمنين (1/552)
وكان يقول اذا فعل الله سبحانه علما كان غيره به عالما وكذلك كل علم يفعله فغيره به عالم وكذلك القول في كل شىء يفعله فكان غيره موصوفا به وكذلك اذا فعل شهوة فغيره بها مشته وكل شهوة يفعلها فغيره بها مشته واذا فعل عدلا فهو به عادل وكل عدل يفعله فهو به عادل ولا يوصف البارىء بأنه قادر ان يخلق جورا لغيره وعن غيره ان البارىء قادر على جور غيره وايمان غيره وكفر غيره فقوله ان الله سبحانه قادر كلام صحيح وقوله على جور غيره وايمان غيره وقول غيره خطأ وكذلك لا يجوز ان يقال ان البارىء قادر على خلق كسب غيره ولا يقال انه قادر ان يخلق كسب غيره والقول في هذه المسئلة قادر صواب والقول انه يخلق كسب غيره وعلى كسب غيره خطأ
وكان يقول ان البارىء قادر على الجور ولا اقول قادر ان يجور ولم يزل قادرا على الفعل ولا اقول لم يزل قادرا على ان يفعل لأن القول قادر ان يفعل اخبار انه قادر وانه يفعل كالقول عالم انه يفعل
وزعم ان العدل ما فعله الله سبحانه والجور هو مالم يفعله وانه (1/553)
لا يوصف البارىء سبحانه بانه قادر على عدل لم يفعله واعتل بانه لو جاز ان يفعل البارىء ما هو عدل لجاز ان يفعل ما هو جور وكان يعارض من قال ان القادر على الفعل قادر ان يفعل
وكان معمر يقول ان القادر على الحركة قادر ان يتحرك وكان يقول لما قلتم انه يقدر على الحبل من لا يقال انه قادر ان يحبل كذلك قادر على الجور من لا يقال انه قادر ان يجور وكان يعارض ابا الهذيل فيقول له اذا قدر القديم على الصدق فيجب ان يكون قادرا على ان يصدق وهذا يوجب ان يكون قادرا على ان يصدق اهل الجنة
وقال كل من ثبت البارىء قادرا على الظلم والجور من المعتزلة ان البارىء قادر ان يظلم ويجور
وقال اهل الاثبات ان البارىء قادر على ظلم غيره وجوره وايمانه وكسبه ولا يوصف بالقدرة على ان يظلم ويجور ولا بالقدرة على ان يكتسب ولم يصفوا ربهم بالقدرة على ظلم لا يكتسبه العباد الا طوائف منهم فانهم قالوا ان الله قادر ان يضطر العباد الى ظلم وجور ولا جور في العالم ولا ظلم فيه الا والله سبحانه فاعل لذلك (1/554)
وقال النظام واصحاب و على الاسوارى والجاحظ وغيرهم لا يوصف الله سبحانه بالقدرة على لظلم والكذب وعلى ترك الاصلح من الافعال الى ما ليس بأصلح وقد يقدر على ترك ذلك الى امثال له لا نهاية لها مما يقوم مقامه واحالوا ان يوصف البارىء بالقدرة على عذاب المؤمنين والاطفال والقائهم في جهنم
وقال ابو الهذيل ان الله سبحانه يقدر على الظلم والجور والكذب وعلى ان يجور ويظلم ويكذب فلم يفعل ذلك لحكمته ورحمته ومحال ان يفعل شيئا من ذلك
وقال ابو موسى وكثير من المعتزلة ان الله سبحانه يقدر على الظلم والكذب ولا يفعلهما فاذا قيل فلو فعلهما قالوا لا يفعلهما اصلا وهذا الكلام قبيح لا يحسن اطلاقه في رجل من صلحاء المسلمين فكذلك لا يطلق في الله عز و جل وليس بجائز ان يقول قائل لو زنى ابو بكر وكفر على كيف يكون القول فيهما وقد علمنا ان الله سبحانه لا يظلم بالدلائل فلذلك نستقبح القول لو فعل الظلم وكان ابو موسى اذا جدد القول عليه قال لو ظلم مع وجود الدلائل على انه لا يظلم لكانت تدل دلائل على انه يظلم وكان يكون ربا الها (1/555)
قادرا ظالما قالوا فاما الجهل فالقول فيه على وجهين ان اراد السائل بالجهل الافعال التى تسمى جهلا فالقول فيه كالقول في الظلم والكذب وان اراد جهل الذات بالاشياء على معنى انها تخفى عليه فنحن لم نقل انه قادر على اضداده
وكان بشر بن المعتمر اذا سئل فقيل له هل يقدر الله سبحانه ان يعذب الطفل قال نعم ولو عذبه لكان كافرا بالغا مسحقا للعذاب وكان ابو الهذيل اذا قيل له فلو فعل الله الظلم قال محال ان يفعله
وكان محمد بن شبيب يقول يقدر الله ان يظلم ويجور ويكذب ولكن الظلم والكذب لا يكونان الا ممن به آفة فعلمت انه لا يكون من الله عز و جل واعتل بان الله سبحانه لو خبرنا انه لا يدخل هذه الدار الا حمار وكان الانسان قادرا على دخولها لم تكن قدرته على ذلك قدرة على ان يكون حمارا فكذلك الجور لا يكون الا من منقوص وليس قدرة البارىء على الجور قدرة على ان يكون منقوصا
وقال بعض المتكلمين يقدر الله ان يفعل الظلم وخلافه والصدق وخلافه قال فان قال قائل أفمعكم امان من ان يفعله (1/556)
قلنا نعم هو ما اظهر من حكمته وادلته على نفى الظلم والجور والكذب فان قيل أفيقدر مع الدليل ان يفعل الظلم والكذب قال نعم يقدر مع الدليل ان يفعل مفردا من الدليل لا بأن نتوهم الدليل دليلا والظلم واقعا لأن في توهمنا الدليل علما بأن الظلم لا يقع واذا قلت يفعل الظلم توهمت الظلم واقعا وعلمته كائنا مع علمك انه غير كائن ومحال ان يجتمع العلم والتوهم بوقوعه والعلم والتوهم بأنه غير واقع فلم يجز اجتماع هذين التوهمين وهذين العلمين في قلب واحد قال ونظير ذلك ان قائلا لو قال يقدر من اخبر الله انه لا يؤمن على الايمان قيل له يقدر مع وجود الخير ان يفعل الايمان ولا بان نتوهم وقوع الايمان ووجود الخبر ولكن على ان نتوهم وقوع الايمان مفردا من وجود الخبر والى هذا القول كان يذهب جعفر بن حرب
وذهب الى هذا القول البلخي وزعم ان الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها ولكن الاشياء التي يستدل بها العقول كانت تكون غير هذه الاشياء الدالة يومنا هذا وكانت تكون هى هى ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التى هى عليه اليوم
وكان الاسكافى يقول يقدر الله سبحانه على الظلم ولا يقع (1/557)
لأن الاجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التى انعم بها على خلقه ان الله لا يظلم والعقول تدل بانفسها على ان الله سبحانه ليس بظالم وانه ليس يجوز ان يجامع الظلم ما دل لنفسه على ان الظلم لا يقع منه فاذا قيل له فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال يقع والاجسام معراة من العقول التى دلت بأنفسها وبعينها على انه لا يظلم
وكان الفوطى وعباد اذا قيل لهما فلو فعل الظلم كيف كانت تكون القصة احالا هذا القول وقالا ان اراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في انه لا يظلم وان اراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في انه لا يظلم وان اراد القائل بقوله لو النفى فقد قال ان الله لا يظلم ولا يجور
القول في ان الله قادر على ما علم انه لا يكون
قال اكثر المنتحلين للتوحيد ان الله قادر على ما علم انه لا يكون واخبر انه لا يكون فاذا قيل لهم فلو فعل ذلك اختلفوا فى الجواب فقال اكثرهم لو فعل ذلك لكان عالما انه يفعله فلم يكن الخبر بأنه لا يفعله سابقا ولكن الخبر بأنه يفعله سابقا (1/558)
وكان على الاسوارى يحيل ان يقرن القول ان الله يقدر على الشىء ان يفعله بالقول انه عالم انه لا يكون وانه قد اخبر انه لا يكون واذا افرد احد القولين من الآخر كان الكلام صحيحا وقيل ان الله سبحانه قادر على ذلك الشىء ان يفعله
وقال سليمان بن جرير ان قال قائل تقولون ان الله قادر على فعل ما علم انه لا يفعله قلنا هذا كلام له وجهان ان كنتم تعنون ما جاء به الخبر انه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال واما ما لم يجىء به خبر فان كان مثل ما في العقول دفعه عن الله ان يوصف به وان من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء به الخبر من احالة القولين واما ما لم يجىء به خبر وليس في العقول ما يدفعه فان القول انه يقدر على ذلك جائز وانما جاز ذلك لجهلنا بالمغيب منه وانه ليس في عقولنا ما يدفعه وانا قد رأينا مثله مخلوقا فان قالوا فيعلم البارىء انه قادر على فعل ما علم انه لا يفعله قيل لهذا وجهان ان كنتم تعنون انه يعلم انه لايفعله وانه يقدر على فعل ما علم انه لا يفعله والعلم موجود بانه لايفعله فالسؤال في هذا محال وان كنتم تعنون انه قادر على فعل ما علم انه لا يفعله (1/559)
على معنى انه لو فعله كان هو المعلوم وان القدرة عليه جائزة لو كان المعلوم انه كائن فقد نقول انه قادر على فعل ما علم انه لايفعله على هذا المعنى
وقال عباد ما علم الله انه لا يكون لا اقول انه قادر على ان يكون ولكن اقول قادر عليه كما اقول الله عالم به ولا اقول عالم بأن يكون لأن اخبارى بأن الله قادر على ان يكون ما علم انه لا يكون اخبار انه يقدر وانه يكون وكذلك الجواب فيما اخبر الله انه لا يكون عنده وكان اذا قيل له فلو فعل ما علم انه لا يفعله احال قول القائل
وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائى اذا قيل له فلو فعل القديم ما علم انه لا يكون واخبر انه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر احال ذلك وكان يقول مع هذا لو آمن من علم الله انه لا يؤمن
لأدخله الله الجنة وكان يزعم انه اذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله لو آمن الانسان ادخله الله الجنة وكان الايمان خيرا له وكقول الله عز و جل ولو ردا لعادوا لما نهوا عنه
فالرد مقدور فقال لو كان الرد المقدور لكان منهم عود مقدور (1/560)
ويزعم انه اذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل لو كان الجسم متحركا ساكنا في حال لكان حيا ميتا في حال وما اشبه ذلك ويزعم انه اذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام وهذا كقول القائل لو آمن من علم الله واخبر انه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك انه ان قال كان يكون الخبر على أنه يؤمن سابقا بأن لا يكون كان الخبر الذى كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالما استحال الكلام لأنه يستحيل ان لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل ان لا يكون البارىء عالما بما لم يزل عالما به بأن لا يكون لم يزل عالما وان قال كان يكون الخبر عن انه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتا صحيحا وان كان الشىء الذى علم واخبر انه لا يكون استحال الكلام وان قال كان الصدق ينقلب كذبا والعلم ينقلب جهلا استحال الكلام فلما كان على اى وجه اجيب عن ذلك استحال الكلام لم يكن الوجه في الجواب الا نفس احالة سؤال السائل
واختلفوا في قدرة الانسان على ما علم الله انه لا يكون
فاجازت المعتزلة ذلك وانكره اهل الاثبات (1/561)
واختلفوا في جواز كون ما علم الله انه لا يكون
فقال اكثر المعتزلة ما علم الله انه لا يكون لاستحالته او للعجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال انه يجوز ان يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القوة عليه فيكون الله عالما بأنه يكون يذهب بقوله يجوز الى ان الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله انه لا يكون لترك فاعله له فمن قال يجوز ان يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل اخذه بدلا من تركه فيكون الله عالما بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح
وقال الاسوارى مثل ما حكيناه من انكاره ان يقال ان الله قادر على ان يكون ما علم انه لا يكون
وقال عباد بن سليمان قول من قال يجوز ان يكون ما علم الله انه لا يكون كقوله يكون ما علم الله انه لا يكون واحال القول يجوز ما علم الله انه لا يكون لأن معنى يجوز معنى يكون عنده
وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائى ما علم الله سبحانه انه لا يكون واخبر بأنه لا يكون فلا يجوز ان يكون عند من صدق باخبار (1/562)
الله عز و جل وما علم الله انه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا ان يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في ان يكون او لا يكون لأن يجوز عنده بمعنى الشك وبمعنى يحل
وكل المعتزلة لا يجوز ان يكون الشىء في حال كون ضده على البدل بأن لا يكون كان ضده وينكر ذلك ممن قال ذلك من اهل الاثبات ويقول اكثرهم انه جائز ان يكون ما اخبر الله انه لا يكون بأن لا يكون كان اخبر انه لا يكون فان كان تجويزهم لهذا ليس بتجويز لأن يكون الشىء كائنا لا كائنا في حال واحدة فكذلك تجويز من جوز كون الشىء في حال كون ضده من اهل الاثبات ليس بتجويز لاجتماع المتضادات
واختلف الناس هل يقدر الله سبحانه ان يقدر احدا على فعل الاجسام ام لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يقدر الله ان يقدر احدا على فعل الحياة والموت ام لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يقدر الله ان يخلق قدرة لأحد على شىء ام لا يوصف بالقدرة على ذلك (1/563)
فقال معمر لا يوصف الله سبحانه بالقدرة على ان يخلق قدرة لأحد وما خلق الله لأحد قدرة على موت ولا حياة ولا يجوز ذلك عليه
وقال النظام والاصم لا يوصف الله بالقدرة على ان يخلق قدرة غير القادر وحياة غير الحى واحالا ذلك
وقال عامة اهل الاسلام ان الله سبحانه قد اقدر العباد واحياهم وانه لا يقدر احد الا بأن يخلق الله له القدرة ولا يكون حيا الا بأن يخلق الله له الحياة
وقال قائلون من المشبهة ان الله سبحانه قد اقدر العباد على فعل الاجسام وانه لا يفعل الا ما كان جسما وان العباد يفعلون الاجسام الطويلة العريضة العميقة
وقال قوم من الغالية ان الله سبحانه قد اقدر على بن ابى طالب رضوان عليه على فعل الاجسام وفوض اليه الامور والتدبيرات
وقال قوم منهم ان الله سبحانه قد اقدر نبيه عليه السلام على فعل الاجسام واختراع الانام وهذا كقول من قال من النصارى ان الله خص عيسى بلطيفة يخترع بها الاجرام وينشىء بها الاجسام وهو (1/564)
كقول من قال من اليهود ان الله سبحانه خلق ملكا واقدره على خلق الدنيا فذلك الملك هو الذى خلق الدنيا وابدعها وارسل الرسل وانزل الكتب وهو قول اصحاب ابن ياسين وهو مشتق من قول اصحاب الفلك الذين قالوا ان الله خلق الفلك وان الفلك هو الذى خلق الاجسام وابدع هذا العالم الذى يلحقه الكون والفساد وان ما ابدعه البارىء لا يلحقه كون ولا فساد
وقال بعض الضعفاء من العامة ان النبيين هم الذين فعلوا المعجزات والاعلام التى ظهرت عليهم
وقال عامة اهل الاسلام لا يجوز ان يقدر الله سبحانه مخلوقا على خلق الاجسام ولا يوصف البارىء بالقدرة على ان يقدر احدا على ذلك ولو جاز ذلك لم يكن في الاشياء دلالة على ان خالقها ليس بجسم
واما الحياة والموت وسائر الاعراض فقد انكر الوصف لله سبحانه بالقدرة على الاقدار عليها كثير من اهل النظر حتى انكروا ان يوصف الله سبحانه بالقدرة على ان يقدر احدا على لون او طعم او رائحة او حرارة او برودة وكل عرض لا يجوز ان يفعله الانسان فحكمه هذا الحكم عندهم وهذا قول ابى الهذيل والجبائى (1/565)
وقال قوم يجوز ان يقدر الله سبحانه عباده على فعل الالوان والطعوم والاراييح والادراك بل قد اقدرهم على ذلك ولا يجوز ان يقدر احدا على الحياة والموت وهذا قول بشر بن المعتمر
وكان ابو الحسين الصالحى يقول في كل الاعراض من الحياة والموت وغيرهما ان الله قادر على ان يقدر عباده على ذلك وينكر الوصف لله بالقدرة على ان يقدرهم على الجواهر
وقال النظام لا يجوز ان يقدر الله سبحانه احدا الا على الحركات لأنه لا عرض الا الحركات وهى جنس واحد ولا يجوز ان يقدر على الجواهر ولا على ان يخلق الانسان في غيره حياة
وقال اكثر المعتزلة ان الله قد اقدر العباد ان يفعلوا في غير حيزهم
وقال بعض المتكلمين ان العباد قد اعجزهم الله سبحانه عن اختراع الجواهر لانفسهم وهم عاجزون عن ذلك لاعيانهم
وقال بعضهم لا يوصفون بالقدرة على ذلك ولا بالعجز عنه لاستحالته
وقال النجار ان الانسان قادر على الكسب عاجز عن الخلق
وان المقدور على كسبه هو المعجوز عن خلقه (1/566)
وابى ذلك غيره وقالوا لا نقول ان الله سبحانه اعجزنا عن الخلق ولا نقول اقدرنا عليه لاستحالة ذلك وان كنا قادرين على الكسب كما ان الحركة التى يقدر البارىء عليها لا يوصف بالقدرة على ان يحلها الله في نفسه ولا بالعجز
واختلفوا هل يقدر الله سبحانه ان يقلب الاعراض اجساما والاجسام اعراضا
فقال قائلون الاشياء انما كانت على ما هي عليه بأن خلقها على ما هى عليه وهو قادر على ان يقلب الاجسام اعراضا والاعراض اجساما واثر القائلين بهذا القول يقولون الجسم انما هو اخلاط كنحو الطعم واللون والرائحة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذا وكذا
وقال قائلون الوصف لله بالقدرة على هذا يستحيل لأن القلب انما هو ابطال اعراض من الشىء وخلق اعراض فيه والاعراض فليست محتملة لاعراض تبطل منها وتوجد فيها غيرها فتنقلب والاعراض لم تكن اعراضا لاعراض خلقت فيها فتكون الاجسام اذا حلتها تلك الاعراض انقلبت اعراضا واعتلوا بعلل غير هذه العلة (1/567)
واختلفوا هل يوصف البارىء بالقدرة على ان يرفع جميع اجتماع الاجسام حتى تكون اجزاء لا تتجزأ
فانكر ذلك النظام ومن انكر الجزء الذى لا يتجزأ
واختلفوا هل يقدر الله عز و جل ان يجمع بين العلم والقدرة والموت وكذلك بين الارادة والموت ام لا
فقال اكثر اهل الكلام يستحيل ان يجمع الله سبحانه بين القدرة والعلم والارادة والموت كما يستحيل ان يجمع بين الحياة والموت وهذا قول ابى الهذيل ومعمر وهشام وبشر بن المعتمر وسائر المعتزلة
واختلف هؤلاء هل يجوز ان يفرد الله الحياة من القدرة ام لا فاجاز ذلك ابو الهذيل وانكره عباد
وقال صالح وابو الحسين المعروف بالصالحى ان الله سبحانه قادر على ان يجمع بين العلم والقدرة والموت كما جمع بين الحياة والجهل والعجز والكراهة لأنه اذا جامع عرض من الاعراض جاز ان (1/568)
بجامع ضده ضد ذلك العرض وما ضاد عرضا من الاعراض ضاد ضده ضد ذلك العرض فلو كان العلم يضاد الموت لكانت الحياة تضاد الجهل ولو كانت القدرة والارادة تضاد ان الموت لكانت الكراهة والعجز بضادان الحياة فلما جاز كون الجهل والعجز والكراهة مع الحياة جاز كون العلم والقدرة والارادة مع الموت واحالوا ان يوصف البارىء بالقدرة على ان يجمع بين الحياة والموت وجوزوا القدرة على ان يفرد الله سبحانه الحياة من القدرة
وثبت ابو الحسين وابو الهذيل ومن ذهب الى قولهما قدرة الله سبحانه على خلق والادراك مع العمى فزعم ابو الهذيل ان الادراك هو علم القلب وزعم الصالحى ان الادراك مع العمى يجوز ان يحلا في موضع واحد لأن العمى لو ضاد الادراك لضاد البصر الذى هو ضد العمى وانكر هذا سائر المعتزلة
ووصفا ربهما بالقدرة على ان يجمع بين القطن والنار ولا يقع احراق وبين الحجر على ثقله والجو على رقته ولا يفعل هبوطا
وانكر ذلك قوم آخرون (1/569)
فاما محمد بن عبد الوهاب الجبائى فانه لا يصف ربه بالقدرة على ان يخلق الادراك مع العمى لأن العمى عنده ضد الادراك ويصف ربه بالقدرة على ان يجمع بين النار والقطن ولا يخلق احراقا وان يسكن الحجر في الجو فيكون ساكنا لا على عمد من تحته واذا جمع بين النار والقطن فعل ما ينفى الاحراق وسكن النار فلم تدخل بين اجزاء القطن فلم يوجد احراق
وكان صالح وأبو الحسين يصفان الله عز و جل بالقدرة على ان يجمع بين البصر الصحيح والمرءى ويرفع الآفات ولا يخلق ادراكا وان يكون الفيل بحضرة الانسان والذرة بالبعد منه وهو مقابل لهما فيخلق فيه ادراكا للذرة ولا يخلق ادراكا للفيل
ويجوزان ان يخلق الله سبحانه جوهرا لا اعراض فيه ويرفع الاعراض من الجواهر فتكون لا متحركة ولا ساكنة ولا مجتمعة ولا متفرقة ولا حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا ملونة ولا مطعمة ولا قابلة لشىء من الاعراض (1/570)
واحال ذلك عامة اهل النظر لأنه محال عند كثير من اهل الصلاة ان يوجد الجوهر متعريا من الاعراض فاما الجمع بين البصر الصحيح والمرءى مع ارتفاع الآفات ولا يخلق ادراكا فذلك فاسد ايضا عند كثير من اهل النظر لأن الله عز و جل اذا لم يخلق عرضا خلق ما يضاده والا لزم تعرى الجواهر من المتضادات ومن الاعراض وعما بها وذلك فاسد
القول في وقوف الارض لا على شىء
اختلف الناس في ذلك فقال عامة اهل التوحيد ان الله قادر على ايقاف الارض لا على شىء وقد اوقفها لا على شىء وهذا قول ابى الهذيل وغيره
وقال قائلون لا يوصف البارىء بالقدرة على ايقاف الارض لا على شىء وان يحركها لا في شىء بل يخلق تحتها في كل وقت جسما ثم يعدمه بعد وجوده ثم يخلق مع عدمه جسما آخر تقف الارض عليه ثم كذلك ابدا لأن الجسم اذا وجد لا حالى لا بد عندهم من ان يكون متحركا او ساكنا ويستحيل ان يتحرك المتحرك الا عن شىء او يسكن الساكن الا على شىء (1/571)
وقال قائلون لا يوصف البارىء بالقدرة على ايقافها لا على شىء غير انه خلق تحت الارض جسما طبعه الصعود وعمله في الصعود كعمل الارض في الهبوط فلما كافأ ذلك وقفت
وقال بعضهم لا ولكنه خلق الارض من جنسين جنس ثقيل وجنس خفيف على الاعتدال فوقفت لذلك
وذكر ابن الراوندى ان طوائف المنتحلين للتوحيد قالوا لا يتم التوحيد لموحد الا بأن يصف البارىء سبحانه بالقدرة على الجمع بين الحياة والموت والحركة والسكون وان يجعل الجسم في مكانين في وقت واحد وان يجعل الواحد الذى لا ينقسم مائة الف شىء من غير زيادة وان يجعل مائة الف شىء شيئا واحدا من غير ان ينقص من ذلك شيئا ولا يبطله وانهم وصفوا البارىء سبحانه بالقدرة على ان يجعل الدنيا في بيضة والدنيا على كبرها والبيضة على صغرها وبالقدرة على ان يخلق مثله وان يخلق نفسه وان يجعل المحدثات قديمة والقديم محدثا وهذا قول لم نسمع به قط ولا نرى ان احدا يقوله وانما دلسه اللعين ليعتقده من لا معرفة له ولا علم عنده (1/572)
واختلفوا هل يوصف البارىء بالقدرة على ان يخلق جواهر لا اعراض فيها ام لا
فقال قائلون قد يوصف البارىء بالقدرة على ان يوجد جواهر لا اعراض فيها فتوجد ولا تكون فيها اعراض
وقال قائلون يستحيل ان يوجد البارىء جواهر لا اعراض فيها او يوصف بالقدرة على ذلك
واختلفوا هل يوصف البارىء بالقدرة على لطيفة لو فعلها بمن علم انه لا يؤمن لآمن
فقال اهل الاثبات جميعا وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب ان الله سبحانه يقدر على لطيفة لو فعلها بمن علم انه لا يؤمن لآمن غير ان جعفر بن حرب كان يقول انه فعلها بمن علم انه لا يؤمن لم يكن يستحق من الثواب على الايمان ما يستحقة اذا لم يفعلها به فعرضه الله سبحانه بأن لم يفعل ذلك به للمنزلة السنية والاصلح لهم ما فعله الله سبحانه بهم ولم يكن بشر يقول ان الله سبحانه لو فعل اللطيفة لم يكن الذى فعل به يستحق من الثواب دون ما يستحق اذا لم يفعلها به ثم رجع جعفر بن حرب عن القول باللطف بعد ذلك فيما حكى عنه (1/573)
وقال بشر ان ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية وعند الله من اللطف ما هو اصلح مما فعل ولم يفعله ولو فعله بالخلق آمنوا طوعا لا كرها وقد فعل بهم لطفا يقدرون به على ما كلفهم
وقالت المعتزلة كلها غير بشر بن المعتمر انه لا لطف عند الله لو فعله بمن لا يؤمن لآمن ولو كان عنده لطف لو فعله بالكفار لآمنوا
ثم لم يفعل بهم ذلك لم يكن مريدا لمنفعتهم فلم يصفوا ربهم بالقدرة على ذلك تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
وقال اكثر هؤلاء في جواب من سألهم هل يوصف البارىء انه قادر على اصلح مما فعله بعباده ان اردتم ان الله سبحانه يقدر على امثال الذى هو اصلح مما فعله بعباده فالله يقدر من امثاله على مالا غاية له ولا نهاية وان اردتم يقدر على شىء اصلح من هذا قد ادخره عن عبادة مع علمه بحاجتهم اليه في ادراك ما كلفم فان اصلح الاشياء هو الغاية ولا شىء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه او يعجز عنه لأن ما فعله بهم فهو غاية الصلاح
وهذا زعموا كقول من قال يقدر الله سبحانه ان يخلق صغيرا اصغر (1/574)
من الجزء الذى لا يتجزأ واجابوا ايضا بجواب آخر وهو انه لا شىء فعله الله سبحانه بعبد الله من الصلاح الا وهو قادر على اصلح منه لزيد ولا صلاح فعله بزيد الا وهو يقدر على ما هو اصلح منه لمحمد وكذلك كل واحد من عبيده ابدا وزعموا انه لا يجوز في حكمه الله سبحانه ان يدخر عنهم شيئا اصلح مما فعله بهم لهم وان ادنى فعله بهم ليس في مقدوره ما هو اصلح لهم منه وليس شىء فعله بهم من الصلاح الا وهو قادر على مثله او امثاله لا غاية لذلك ولا جميع له وانه قادر على دون ما فعله بهم من الصلاح وعلى ضده من الفساد
وقال بعض من لا يصف الله بالقدرة على لطيفة لو فعلها بمن علم انه لا يؤمن من الكفارلآمن قد يوصف القديم بالقدرة على ان يفعل بعباده في باب الدرجات والزيادة من الثواب اكثر مما فعله بهم لأنه لو بقاه اكثر مما يبقى لازداد الى طاعاته طاعات يكون ثوابه اعظم من ثوابه لما اخترمه فاما ما هو استدعاء الى فعل الايمان واستصلاح التكليف فلا يوصف بالقدرة على اصلح مما فعله بهم وهذا قول الجبائى
وليس يجيز ذلك من وصفنا قوله آنفا من اصحاب الاصلح ان (1/575)
يكون قادرا على منزلة يكون عبده اعظم ثوابا اذا فعلها به ثم لا يفعلها به
وقال عباد ما وصف البارىء بأنه قادر عليه عالم بفعله وهو لا يفعله فهو جور
وقال ابراهيم النظام ان ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا كل وان ما فعل من اللطف لا شىء اصلح منه الا ان له عند الله سبحانه امثالا ولكل مثل مثل ولا يقال يقدر على اصلح مما فعل ان يفعل ولا يقال يقدر على دون ما فعل ان يفعل لأن فعل ما دون نقص ولا يجوز على الله عز و جل فعل النقص ولا يقال يقدر على ما هو اصلح لان الله سبحانه لو قدر على ذلك ولم يفعل كان ذلك بخلا
وقال آخرون ان ما يقدر الله سبحانه عليه من اللطف له غاية وكل وجميع ما فعله الله سبحانه لا شىء اصلح منه والله يقدر على مثله وعلى ما هو دونه ولا يفعله وزعموا ان فعل ما هو دون من الصلاح مع فعل الاصلح من الاشياء فساد وان الله سبحانه لو فعل ما هو دون ومنع ما هو اصلح لكانا جميعا فسادا وقالوا لا يقال يقدر الله سبحانه على فعل ما هو اصلح مما فعل لأنه لو قدر على ذلك كان فعل (1/576)
ما هو اصلح اولى والله سبحانه لا يدع فعل ما هو اصلح لأنه اولى به ولأنه لم يخلق الخلق لحاجة به اليهم وانما خلقهم لأن خلقه لهم حكمة وانما اراد منفعتهم وليس يخيل تبارك وتعالى فمن ثم لم يجز ان يدع ما هو اصلح ويفعل ما هو دون ذلك غير انه يقدر على دون ما صنع ومثله لأنه غير عاجز ولو لم يوصف انه قادر على ذلك لكان يوصف بالعجز وهذا قول ابى الهذيل
وقال اهل الاثبات ما يقدر الله سبحانه عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية ولا لطف يقدر عليه الا وقد يقدر على ما هو اصلح منه وعلى ما هو دونه وليس كل من كلفه لطف له وانما لطف للمؤمنين ومن لطف له كان مؤمنا في حال لطف الله سبحانه له لان الله لا ينفع احدا الا انتفع وزعموا ان الله سبحانه قد كلف قوما لم يلطف لهم وزعموا ان القدرة على الطاعة لطف وان الطاعة نفسها لطف وان القرآن والادلة كلها لطف وخير للمؤمنين وهى عمى وشر وبلاء وخزى على الكافرين واعتلوا بقول الله عز و جل قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى وبقوله ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها (1/577)
يظهرون وبقوله ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين وبقوله ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا وما اشبه ذلك من آى القرآن
وقال آخرون ما يقدر الله تعالى عليه من الصلاح له كل وغاية ولا شىء اصلح مما فعل ويقدر على ما هو دونه ولا يقال يقدر
على ما هو اصلح مما فعل ولا مثله لأنه لو قدر على مثله زعموا لم يكن ما فعل اصلح الامور وقالوا لو قدر على ما هو اصلح مما فعل فلم يفعل كان قد بخل وقالوا لا يجوز ان يأمر العباد بغير ما امرهم به
وقال آخرون ما يقدر عليه من الاستصلاح له كل وجميع ولا استصلاح الا ما فعل او يفعل ولا يقال يقدر على اصلح مما فعل ولا على مثله ولا على صلاح دون ما فعل لأن الله عز و جل لا يدع
صلاحا الا فعله لأنه ليس ببخيل فيمنع نعمة ويدخر فضيلة وانه لا يموت العبد الا ولم يبقى له صلاح الا فعله به
القول في ان البارىء لم يزل محسنا
قال قائلون لم يزل البارىء محسنا كيف يفعل بمعنى انه لم يزل عالما (1/578)
كيف يفعل لا على معنى انه لم يزل محسنا بالاحسان ولا على اثبات الاحسان لم يزل وقال قائلون لم يزل الله محسنا على الحقيقة
وقال قائلون الاحسان فعل ولا يجوز ان يقال لم يزل البارىء محسنا الا بمعنى انه لم يزل محسنا الى الخلق منذ خلقهم فيكون لاحسانه اول وغاية وقال قائلون لم يزل البارىء محسنا على ان سيحسن
واختلفوا هل يقال لم يزل البارىء غير محسن
فقال قائلون لا يجوز اطلاق ذلك وان كان الاحسان فعلا
وقال قائلون لم يزل البارىء غير محسن
واختلفوا هل يقال لم يزل البارىء عادلا بنفى الجور عنه
فقال قائلون لم يزل البارىء عادلا على اثباته عادلا وانه لم يزل كذلك في الحقيقة
وقال قائلون لا يقال لم يزل البارىء عادلالأن العدل فعل
واختلفوا هل يقال لم يزل البارىء غير عادل ام لا
فقال قائلون لا يقال ذلك وقال قائلون لم يزل غير عادل ولا جائر (1/579)
واختلفوا هل يقال لم يزل البارىء حليما ام لا يقال ذلك
فقال قائلون لم يزل البارىء حليما بنفى السفة عنه
وقال قائلون لم يزل حليما على اثباته لم يزل كذلك لا على معنى نفى السفه وقال قائلون لا يقال لم يزل حليما لأن الحلم فعل
واختلف الذين قالوا الحلم فعل هل يقال لم يزل البارىء غير حليم ام لا
فقال قائلون لم يزل البارىء غير حليم ولا سفيه وقال قائلون منهم لا يقال ذلك وقال قائلون لم يزل البارىء خالقا عادلا حليما محسنا على انه لم يزل قادرا على ذلك
القول في ان الله لم يزل صادقا
قالت المعتزلة وكثير من اهل الكلام الوصف لله بالصدق من صفات الفعل وانه لا يجوز ان يقال ان الله سبحانه لم يزل صادقا
وحكى عن جعفر بن محمد بن علي رضوان الله عليهم انه كان يزعم ان الله لم يزل صادقا بنفى الكذب (1/580)
وكان النجار يقول لم يزل البارىء صادقة على معنى لم يزل قادرا على الصدق وقال قائلون لم يزل الله صادقا في الحقيقة على اثبات الصدق صفة له
وقال قائلون لم يزل الله متكلما ولا يسمى كلامه خبرا الا لعلة والصدق من الاخبار فلذلك لا اقول لم يزل صادقا
واختلف الذين قالوا الصدق فعل هل يقال لم يزل البارىء غير صادق فقال قائلون منهم لا يقال ذلك وقال قائلون منهم لم يزل غير صادق ولا كاذب
واختلفوا في رحيم فقال قائلون لم يزل الله رحيما وقال قائلون الرحمة فعل ولا يقال لم يزل رحيما
واختلف الذين زعموا ان الرحمة فعل هل يقال لم يزل البارىء غير رحيم فاجاز ذلك بعضهم
القول في مالك
قال قوم هو من صفات الذات لم يزل مالكا واختلف الذين (1/581)
قالوا ذلك فقال بعضهم معنى مالك قادر
القول في الولاية والعداوة والرضى والسخط
قالت المعتزلة ان ولاية الله وعداوته ورضاه وسخطه من صفات فعله وقال سليمان بن جرير وعبد الله بن كلاب من صفات الذات
القول في القرآن
قالت المعتزلة والخوارج واكثر الزيدية والمرجئة وكثير من الرافضة ان القرآن كلام الله سبحانه وانه مخلوق لله لم يكن ثم كان
وقال هشام بن الحكم ومن ذهب مذهبه ان القرآن صفة لله لا يجوز ان يقال انه مخلوق ولا انه خالق هكذا الحكاية عنه
وزاد البخلى في الحكاية انه قال لا يقال غير مخلوق ايضا كما لا يقال مخلوق لأن الصفات لا توصف
وحكى زرقان عنه ان القرآن على ضربين ان كنت تريد (1/582)
المسموع فقد خلق الله سبحانه الصوت المقطع وهو رسم القرآن واما القرآن ففعل الله مثل العلم والحركة منه لا هو هو ولا هو غيره
وقال محمد بن شجاع الثلجى ومن وافقه من الواقفة ان القرآن كلام الله وانه محدث كان يعد ان لم يكن وبالله كان وهو الذى احدثه وامتنعوا من اطلاق القول بأنه مخلوق او غير مخلوق
وقال زهير الاثرى ان القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وانه يوجد في اماكن كثيرة في وقت واحد
وبلغنى عن بعض المتفقهة انه كان يقول ان الله لم يزل متكلما بمعنى انه لم يزل قادرا على الكلام ويقول ان كلام الله محدث غير مخلوق وهذا قول داود الاصبهانى
وقال ابو معاذ التومنى القرآن كلام الله وهو حدث وليس بمحدث وفعل وليس بمفعول وامتنع ان يزعم انه خلق ويقول ليس بخلق ولا مخلوق وانه قائم بالله ومحال ان يتكلم الله سبحانه بكلام قائم بغيره كما يستحيل ان يتحرك بحركة قائمة بغيره وكذلك يقول في ارادة الله ومحبته وبغضه ان ذلك اجمع قائم بالله وكان يقول ان بعض القرآن امر وهو الارادة من الله سبحانه للايمان لأن معنى ان الله اراد الايمان هو انه امر به (1/583)
وحكى زرقان عن معمر انه قال ان الله سبحانه خلق الجوهر والاعراض التى هى فيه هى فعل الجوهر وانما هى فعل الطبيعة
فالقرآن فعل الجوهر الذى هو فيه بطبعه فهو لا خالق ولا مخلوق وهو محدث للشىء الذى هو حال فيه بطبعه
وحكى عن ثمامة بن اشرس النميرى انه قال يجوز ان يكون من الطبيعة ويجوز ان يكون الله سبحانه يبتدئه فان كان الله سبحانه ابتدأه فهو مخلوق وان كان فعل الطبيعة فهو خالق ولا مخلوق
وهذا قول عبد الله بن كلاب
قال عبد الله بن كلاب ان الله سبحانه لم يزل متكلما وان كلام الله سبحانه صفة له قائمة به وانه قديم بكلامه وان كلامه قائم به كما ان العلم قائم به والقدرة قائمة به وهو قديم يعلمه وقدرته وان الكلام ليس بحروف ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير وانه معنى واحد بالله عز و جل وان الرسم هو الحروف المتغايرة وهو قراءة القرآن وانه خطأ ان يقال كلام الله هو هو
او بعضه او غيره وان العبارات عن كلام الله سبحانه تختلف وتتغاير وكلام الله سبحانه ليس بمختلف ولا متغاير كما ان ذكرنا لله عز و جل يختلف ويتغاير والمذكور لا يختلف ولا يتغاير وانما سمى كلام الله (1/584)
سبحانه عربيا لأن الرسم الذى هو العبارة عنه وهو قراءته عربى فسمى عربيا لعلة وكذلك سمى عبرانيا لعلة وهى ان الرسم الذى هو عبارة عنه عبرانى وكذلك سمى امرا لعلة وسمى نهيا لعلة وخبرا لعلة ولم يزل الله متكلما قبل ان يسمى كلامه امرا وقبل وجود العلة التى لها سمى كلامه امرا وكذلك القول في تسمية كلامه نهيا وخبرا وانكر ان يكون البارىء لم يزل مخبرا او لم يزل ناهيا وقال ان الله لا يخلق شيئا الا قال له كن ويستحيل ان يكون قوله كن مخلوقا
وزعم عبد الله بن كلاب ان ما نسمع التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز و جل وان موسى عليه السلام سمع الله متكلما بكلامه وان معنى قوله فاجره حتى يسمع كلام الله معناه حتى يفهم كلام الله ويحتمل على مذهبه ان يكون معناه حتى يسمع التالين يتلونه
وقال بعض من انكر خلق القرآن ان القرآن قد يسمع ويكتب وانه متغاير غير مخلوق وكذلك العلم غير القدرة والقدرة غير العلم وان الله سبحانه لا يجوز ان يكون غير صفاته وصفاته متغايرة وهو غير متغاير وقد حكى عن صاحب هذه المقالة انه قال بعض القرآن (1/585)
مخلوق وبعضه غير مخلوق فما كان منه مخلوقا فمثل صفات المخلوقين وغير ذلك من اسمائهم والاخبار عن افاعيلهم وزعم هؤلاء ان الكلام غير محدث وان الله سبحانه لم يزل به متكلما وانه مع ذلك حروف واصوات وان هذه الحروف الكثيرة لم يزل الله سبحانه متكلما بها
وحكى عن ابن الماجشون ان نصف القرآن مخلوق ونصفه غير مخلوق
وحكى بعض من يخبر عن المقالات ان قائلا من اصحاب الحديث قال ما كان علما من علم الله سبحانه في القرآن فلا نقول مخلوق ولا نقول غير الله وما كان فيه من امر ونهى فهو مخلوق وحكاه هذا الحاكى عن سليمان بن جرير وهو غلط عندى
وحكى محمد بن شجاع ان فرقة قالت ان القرآن هو الخالق وان فرقة قالت هو بعضه وحكى زرقان ان القائل بهذا وكيع ابن الجراح وان فرقة قالت ان الله بعض القرآن وذهب الى انه مسمى فيه فلما كان اسم الله سبحانه في القرآن والاسم هو المسمى كان الله في القرآن وان فرقة قالت هو ازلى قائم بالله سبحانه لم يسبقه وكل القائلين ان القرآن ليس بمخلوق كنحو عبد الله بن (1/586)
كلاب ومن قال انه محدث كنحو زهير ومن قال انه حدث كنحو ابى معاذ التومنى يقولون ان القرآن ليس بجسم ولا عرض
واختلفوا في كلام الله سبحانه هل يسمع ام لا يسمع
فقال قائلون ليس يسمع كلام الله الا بمعنى انا نفهمه وانما نسمعه متلوا اى نسمع تلاوته وان موسى عليه السلام سمعه من الله عز و جل
وقال قائلون لسنا نسمع كلام الله باسماعنا ولا نسمع ايضا كلام البشر باسماعنا وانما نسمع في الحقيقة الشىء المتكلم متكلما فموسى سمع الله سبحانه متكلما ولا سمع كلاما في الحقيقة وانه يستحيل ان يسمع ما ليس بقائم بنفسه
وقال قائلون المسموع هو الكلام او الصوت وكلام البشر يسمع في الحقيقة وكذلك كلام الله نسمعه في الحقيقة اذا كان متلو وانه هذه الحروف التي نسمعها ولا نسمع الكلام اذا كان محفوظا او مكتوبا
وقال قائلون لا مسموع الا الصوت وان كلام الله سبحانه يسمع لأنه صوت وكلام البشر لا يسمع لأنه ليس بصوت الاعلى (1/587)
معنى ان دلائله التى هى اصوات مقطعة تسمع وهذا قول النظام
واختلف القائلون ان القرآن مخلوق في القرآن ما هو وكيف يوجد في الاماكن
فقال قائلون هو جسم من الاجسام ومحال ان يكون عرضا لانهم ينكرون ان يكون الله سبحانه او احد عباده يفعل عرضا ولا يفعل عنده شيئا الا ما كان جسما الا الله وحده فانه عندهم شىء ليس بجسم ولا عرض هذه حكاية قول جعفر بن مبشر واظن انا ان هذا قول الاصم
وقال قائلون ان كلام الخلق عرض وهو حركة وان كلام الخالق جسم وان ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وانما افعل قراءتى وهى حركتى وهى غير القرآن
وحكى ابن الراوندى انه سمع بعض اهل هذه المقالة يزعم انه كلام في الجو وان القارىء يزيل مانعه بقراءته فيسمع عند ذلك وهذا قول ابراهيم النظام في غالب ظنى (1/588)
وزعم زاعم ان كلام الله سبحانه باق والاجسام يجوز عليها البقاء واما كلام المخلوقين فلا يجوز عليه البقاء
وحكى زرقان عن الجهم انه كان يقول ان القرآن جسم وهو فعل الله وانه كان يقول ان الحركات اجسام ايضا وانه لا فاعل الا الله عز و جل
وقال قائلون القرآن عرض من الاعراض واثبتوا الاعراض معانى موجودة منها ما يدرك بالابصار ومنها ما يدرك بالاسماع ثم كذلك سائر الحواس ونفى هؤلاء ان يكون القرآن جسما ونفوا عن الله عز و جل ان يكون جسما
وقال قائلون القرآن معنى من المعانى وعين من الاعيان خلقه الله عز و جل ليس بجسم ولا عرض وهذا قول ابن الراوندى وبعضهم يثبت الله جسما وينفى الاعراض ويحيل ان يوجد شىء بعد العدم الا جسم
قال جعفر بن مبشر واختلف الذين زعموا ان كلام الله سبحانه جسم فقالت طائفة منهم ان القرآن جسم خلقه الله سبحانه في اللوح (1/589)
المحفوظ ثم هو من بعد ذلك مع تلاوة كل تال يتلوه مع خط كل من يكتبه ومع حفظ كل من يحفظه فكل تال له فهو ينقله اليه بتلاوته وكذلك كل كاتب يكتبه فهو ينقله اليه بخطه وكذلك كل حافظ فهو ينقله اليه بحفظه فهو منقول الى كل واحد على حياله وهو جسم قائم مع كل واحد منهم في مكانه على غير النقل المعقول من نقل الاجسام وهو مرءى ندركه بالابصار كذا حكم الكلام عند هؤلاء فهو جسم خارج عن قضايا سائر الاجسام سواه لا يشبهه شىء من الاجسام ولا يشبه شيئا منها في معناه ان لم يكن هذا هكذا فليس القرآن مخلوقا عندهم وليس بمسموع عندهم
وقالت طائفة اخرى منهم القرآن جسم من الاجسام قائم بالله في غير مكان ومحال ان يكون بعينه ينتقل او ينقل لأنه لا يجوز عند هؤلاء النقلة الا عن مكان فلما كان القرآن عندهم جسما قائما بالله لا في مكان واحالوا الزوال الا عن مكان احالوا ان ينقل القرآن ناقل لا الله ولا احد من خلقه فاذا تلاه تال او كتبه كاتب او حفظه
حافظ فانما ذلك عند هؤلاء يأتى به الله يخلقه مع تلاوة كل من تلاه (1/590)
وخط كل من كتبه وحفظ كل من حفظه فكلما تلاه تال فانما يسمع منه خلق الله مخترعا في تلك الحال وكذلك كلما كتبه كاتب فانما تدركه الابصار جسما اخترعه الله في هذه الحال وكذلك اذا حفظه حافظ فانما يحفظ القرآن الذى خلقه الله في قلبه في تلك الحال وانما كان هذا هكذا عند هؤلاء لانه كلام الله عز و جل فهو في عينه يخلق في حال بعد حال يخلق مع تلاوة التالى مسموعا من الله قائما بالله لا بالتالى ولا بغيره يخلق مع خط الكاتب مرءيا قائما بالله لا بالكاتب والخط وذلك كله عند هؤلاء ان الله بكل مكان على غير كون الجسم في الجسم وكذلك كلامه قائم بالله فهو بكل مكان على غير ما يعقل من كون الاجسام في الاماكن لأنه قائم بالله والله في مكان وان لم يكن هذا في القرآن هكذا لم يكن القرآن مخلوقا ولم يسمع القرآن كما قال الله سبحانه فآجره حتى يسمع كلام الله انما تأويله فآجره حتى يسمع كلام الله من الله لا من غيره ولا بغيره
وقالت طائفة منهم اخرى بمثل ما قال هؤلاء انه جسم قائم بالله سبحانه في كل مكان يخلقه الله عز و جل غير انهم احالوا ان يكون الله (1/591)
يخلقه بعينه في كل حال ولكن الله يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب مثل القرآن فيكون هذا هو القرآن او مثله بعينه لا هو هو في نفسه ومحال ان يرى القرآن او يسمع عند هؤلاء الا من الله دون خلقه لانه محال ان يرى راء او يسمع سامع عند هؤلاء الا ما كان مخلوقا جسما فهذه اقاويل من قال ان القرآن جسم
فاما الفرقة التى زعمت ان القرآن ليس بجسم ولا عرض فهما طائفتان
قال فريق منهم ان القرآن عين من الاعيان ليس بجسم ولا عرض قائم بالله وهو غيره ومحال ان يقوم بغير الله وهو عند هؤلاء اذا تلاه التالى او خطه الكاتب او حفظه الحافظ فانما يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب قرآن آخر مثل القرآن قائما بالله دون التالى والكاتب والحافظ
وقال فريق منهم وهم الذين يجعلون الله سبحانه جسما لا كالاجسام (1/592)
وان القرآن ليس بجسم ولا عرض لأنه صفة لله سبحانه وصفة الله سبحانه محال ان تكون هى الله ويحيلون ان يكون شىء غير الله ليس بجسم فلذلك يقولون ان القرآن عرض ولو كان جسما غير الله لما كان عندهم الا في مكان دون مكان لانهم يحيلون ان يكون الجسم بكل مكان لان ذلك عندهم خلاف المعقول وقد جعلوا القرآن في زعمهم في اماكن كثيرة لانه صفة لله وصفة الله عندهم قد يجوز ان تكون في اماكن كثيرة لمخالفة حكمه لحكم الاجسام والاعراض
وقال زهير الاثرى ان كلام الله سبحانه ليس بجسم ولا عرض ولا مخلوق وهو محدث يوجد في اماكن كثيرة في وقت واحد
وقال ابو معاذ التومنى ان كلام الله سبحانه ليس بعرض ولا جسم وهو قائم بالله ومحال ان يقوم كلام الله بغيره كما يستحيل ذلك في ارادته ومحبته وبغضه (1/593)
فاما الذين زعموا ان كلام الله سبحانه اعراض فانهم احالوا ان يكون قائما بالله سبحانه
واختلف الذين قالوا ان القرآن عرض
فقال طائفة منهم ان القرآن عرض في اللوح المحفوظ فهو قائم باللوح ومحال زواله عن اللوح ولكنه كلما قرأه القارىء وكتبه الكاتب او حفظه الحافظ فان الله سبحانه يخلقه فهو في اللوح مخلوق ومحال ان يكون القرآن الذى في اللوح المحفوظ اكتسابا لاحد اذا تلاه التالى فتلاوته له الله يخلقها في هذه الحال اكتسابا للتالى فهو في هذه الحال مخلوق خلقا ثانيا فهو في عينه خلق الله واكتساب التالي وكذلك هو في خط الكاتب وحفظ الحافظ هو خلق الله واكتساب الكاتب والحافظ فالذى هو خلق الله في هذه الحال هو اكتسابهم والذى هو خلق الله واكتسابهم في هذه الحال هو القرآن المخلوق في اللوح المحفوظ قبل ان يخلقوا هم
وكذلك حكى زرقان عن ضرار انه قال القرآن من الله خلقا ومنى قراءة وفعلا لأنى اقرأ القرآن والمسموع هو القرآن والله يأجرنى عليه فانا فاعل والله خالق (1/594)
وقال زرقان اكثر الذين قالوا بالاستطاعة مع الفعل قالوا القرآن مخلوق بالله كان والله احدثه والقراءة هى حركة اللسان والقرآن هو الصوت المقطع وهو خلق الله سبحانه وحده والقراءة خلق الله سبحانه وهى فعلنا
رجع الامر الى حكاية جعفر قال جعفر
وقالت طائفة من هؤلاء القرآن عرض في اللوح المحفوظ ثم محال ان يخلقه الله تعالى ثانية ولكن تلاوة كل تال مخلوقة اكتسابا للتالى وكذلك الكاتب والحافظ فالذى هو خلق الله واكتساب الفاعل قرآن مثل القرآن الذى في اللوح المحفوظ وليس هو هو ولكنه قد يقال هو في اللوح المحفوظ على مثله وان كان غيره وهم لا يحيلون ان يخلق الله ما قد خلق وهو موجود
وقالت طائفة اخرى من هؤلاء القرآن عرض خلقه الله سبحانه في اللوح المحفوظ فمحال ان ينقل او يزول كلما تلاه بعد ذلك حافظ او كتبه كاتب فان الله يخلق تلاوة التالى فيسمى قرآنا وهو تلاوة التالى وخط الكاتب في المجاز لم يفعل واحد منهما في الحقيقة من ذلك شيئا ولكن الله سبحانه خالق ذلك وهو يسمى قرآنا مكتوبا وقرآنا متلوا (1/595)
وقالت طائفة اخرى القرآن عرض وهؤلاء ممن يزعم ان الاعراض ما يفعله الله في الدنيا من الحركات وكذلك لا يفعل من خلق الله في الدنيا الاعراض وهو الحركات والحركات عند هؤلاء محال ان تدرك بالابصار او تسمع بالآذان او تحس بواحدة من الحواس الخمس ولا مرءى ولا مسموع عندهم الا جسم ثم القرآن عندهم مع هذا حركات اذ كان عندهم عرضا
وقالت طائفة اخرى من هؤلاء القرآن عرض والاعراض عند هؤلاء قسمان فقسم منها يفعله الاحياء وقسم آخر يفعله الاموات في الحقيقة ومحال ان يكون ما يفعله الاحياء فعلا للاموات او ما يفعله الاموات فعلا للحى ثم القرآن عندهم مفعول وهو عرض ومحال ان يكون الله فعله في الحقيقة لانهم صرحوا بأن الاجسام تفعل اعراضها وانه محال ان تكون الاعراض خلقا لله عز و جل في الحقيقة فكيف بالقرآن (1/596)
وقالت طائفة القرآن عرض وهو حروف مؤلفة مسموعة محال ان تقوم بالله سبحانه ولكنها قائمة بالاجسام القائمات بالله عز و جل وهو مع هذا عند هؤلاء مخلوق قائم باللوح المحفوظ مرءى فاذا تلاه تال او حفظه حافظ او كتبه كاتب فان كل تال وكل كاتب وحافظ ينقله بتلاوته وخطه وحفظه فلو كان الذين يتلونه ويكتبونه ويحفظونه في كل مكان من السموات العلى والارضين السفلى وما بينهما وكانوا بعدد النجوم والرمل والثرى فكلهم ينقل القرآن بعينه من اللوح المحفوظ اليه حيث كان وهو مع ذلك في اللوح قائم ماكث قد نقله من لا يحصى عددهم الا الله في الاماكن كلها في حال واحدة وفى احوال فهو عندهم حكمة خلاف حكم غيره من كل مفعول من الاعراض خارج من المعقولات لانه كلام الله زعموا فهو خارج من حكم غيره من الخلق ولانه ان لم يكن هكذا لم يسمع احد كلام الله سبحانه على الحقيقة
وقالت طائفة اخرى مثل هذا غير انهم زعموا ان القرآن هو الحروف نعنى التأليف
ثم اختلف هؤلاء في باب آخر
فقالت طائفة منهم ان القرآن لما كان اعراضا هو الحروف فمحال (1/597)
ان يفعل احدا حرفا او يحكيه ابدا ولكن الحروف ينقلها القارئون والكاتبون والحافظون اليهم نقلا فتكون مع كل قارىء وكاتب وحافظ وهذا عند هؤلاء في القرآن وفى غيره من كلام الناس
وقال آخرون اما في تلاوة القرآن فهكذا ولكن قد يجوز ان نحكى الحروف من كلام الناس الذى ليس بتلاوة القرآن وكلام الناس يحكى وكلام الله عز و جل محال ان يحكى فيما زعموا ولكنه يقرأ وينقل الحروف القارىء له اليه بقراءته على ما وصفنا
انقضى حكاية جعفر
فاما ما حكاه جعفر من قول من قال ان القرآن ينقل فلا ادرى اصاب في حكايته او وهم فيها
والذى كان يقول به ابو الهذيل ان الله عز و جل خلق القرآن في اللوح المحفوظ وهو عرض وان القرآن يوجد في ثلاثة اماكن في مكان هو محفوظ فيه وفى مكان هو مكتوب فيه وفى مكان هو فيه متلو ومسموع وان كلام الله سبحانه قد يوجد في اماكن كثيرة على سبيل ما شرحناه من غير ان يكون القرآن منقولا او متحركا او زائلا في الحقيقة وانما يوجد في المكان مكتوبا او متلوا او محفوظا فاذا بطلت (1/598)
كتابته من الموضع لم يكن فيه من غير ان يكون عدم او وجدت كتابته في الموضع وجد فيه بالكتابة من غير ان يكون منقولا اليه فكذلك القول في الحفظ والتلاوة على هذا الترتيب وان الله سبحانه اذا افنى الاماكن كلها التى يكون فيها محفوظا او مقروءا او مسموعا عدم وبطل وقد يقول ايضا ان كلام الانسان يوجد في اماكن كثيرة محفوظا ومحكيا
والى هذا القول كان يذهب محمد بن عبد الوهاب الجبائى وكان محمد يقول ان كلام الله سبحانه لا يحكى لأن حكاية الشىء ان يؤتى بمثله وليس احد ياتى بمثل كلام الله عز و جل ولكنه يقرأ ويحفظ ويكتب وكان يقول ان الكلام يسمع ويستحيل ان يكون مرءيا
وقد حكى عن الاسكافى انه كان يقول ان كلام الله سبحانه يوجد في اماكن كثيرة في وقت واحد محفوظا ومسموعا ومكتوبا وانه يستحيل ذلك في كلام البشر وان كلام البارىء سبحانه خص بما ليس لكلام غيره من انه كائن في اماكن كثيرة في وقت واحد
وقال جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ومن تابعهما (1/599)
ان القرآن خلقه الله سبحانه في اللوح المحفوظ لا يجوز ان ينقل وانه لا يجوز ان يوجد الا في مكان واحد في وقت واحد لأن وجود شىء واحد في وقت واحد في مكانين على الحلول والتمكن يستحيل وقالوا مع هذا ان القرآن في المصاحف مكتوب وفي صدور المؤمنين محفوظ وان ما يسمع من القارىء هو القرآن على ما اجمع عليه اكثر الامة الا انهم ذهبوا في معنى قولهم هذا الى ان ما يسمع ويحفظ ويكتب حكاية القرآن لا يغادر منه شيئا وهو فعل الكاتب والقارىء والحافظ وان المحكى حيث خلقه الله عز و جل فيه قالوا وقد يقول الانسان اذا سمع كلاما موافقا لهذا الكلام هو ذاك الكلام بعينه فيكون صادقا غير معيب فكذلك ما نقول ان ما يسمع ويكتب ويحفظ هو القرآن الذى في اللوح بعينه على انه مثله وحكايته وجعفر بن مبشر يقول ان الكلام يرى مكتوبا واختلفوا في الكلام هل يبقى ام لا
فقال قائلون ان البارىء قديم بصفاته وقد استغنينا بهذا القول عن الاخبار عن الكلام والذين ذهبوا اليه وهم طائفتان منهم من قال هو جسم باق والاجسام يجوز عليها البقاء وكلام المخلوقين لا يبقى (1/600)
وقالت طائفة اخرى كلام الله عز و جل عرض وهو باق وكلام غيره لا يبقى وقالت طائفة اخرى كلام الله باق وكذلك كلام الخلق يبقى واختلفوا فيه من وجه آخر
فزعم بعضهم ان مع قراءة القارىء لكلام غيره وكلام نفسه كلاما غيرهما وقال بعضهم القراءة هى الكلام بعينها
واختلف الذين زعموا ان القراءة كلام
فقال بعضهم القراءة كلام لان القارىء يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن الا في كلام وهو ايضا متكلم وان اقرأ كلام غيره ومحال ان يكون متكلما بكلام غيره ولا بد من ان تكون قراءته هى كلامه وقال آخرون الكلام حروف والقراءة صوت والصوت عندهم غير الحروف وقد انكر هذا القول جماعة من اهل النظر وزعموا ان الكلام ليس بحروف
فاما عبد الله بن كلاب فالقراءة عنده هى غير المقروء والمقروء قائم بالله كما ان ذكر الله سبحانه غير الله فالمذكور قديم لم يزل موجودا (1/601)
وذكره محدث فكذلك المقروء لم يزل الله متكلما به والقراءة محدثة مخلوقة وهى كسب الانسان
وقال المعتزلة القراءة غير المقروء وهى فعلنا والمقروء فعل الله سبحانه
وحكى البلخى ان قوما قالوا ان القراءة هى المقروء كما ان التكلم هو الكلام
وقال الحسين الكرابيسى القرآن ليس بمخلوق ولفظى به مخلوق وقراءتى له مخلوقة
وقال قوم من اهل الحديث ممن زعم ان القرآن غير مخلوق ان قراءته واللفظ به غير مخلوقين وان اللفظية يجرون مجرى من قال بخلقه واكفر هؤلاء الواقفة التى لم تقل ان القرآن غير مخلوق ومن شك في انه غير مخلوق والشاك في الشاك واكفروا من قال لفظى بالقرآن مخلوق
وقال قوم ان القرآن لا يلفظ به منهم الاسكافى وغيره وقالوا لو جاز ان نلفظ به لجاز ان نتكلم به (1/602)
وقال قائلون قراءتى للقرآن لا يقال مخلوقة ولا غير مخلوقة
واختلف اصحاب التولد فيه من وجه آخر
فقال بعضهم هو يجامع الكتابة في مكانها كما يجامع القراءة في مواضعها
وقال بعضهم الكتابة رسوم تدل عليه وليس بموجود معها ولكنه موجود مع القراءة وزعم هؤلاء ان الانسان يفعل بلسانه كلامين في حال واحد والف كلام واكثر من ذلك وابى هذا سائر اهل النظر
وقد زعم الجبائى ان الانسان لو كان اخرس عيا يكتب كلاما كان الكلام موجودا مع كتابته وكان يكون متكلما بكلام مكتوب وهو اخرس وابى غيره ان يكون المتكلم متكلما الا بكلام مسموع
واختلف الذين زعموا ان الصوت هو المسموع دون الكلام الذى دل عليه الصوت
فقال بعضهم كلام المخلوقين اعتمادهم علىالصوت لاظهاره وتقطيعه والاعتماد عندهم حركة وقال بعضهم هو ارادة لتقطيع الصوت وليست الارادة عندهم حركة (1/603)
واختلف الناس في كلام الانسان هل هو حروف ام لا فقال قائلون ليس بحروف كنحو من حكينا قولهم آنفا وغيرهم
ايضا يقول ذلك
وحكى عبد الله بن كلاب انه كان يقول معنى قائم بالنفس يعبر عنه بالحروف وحكى عنه أنه حروف
وحكى عن بعض الاوائل ان النظق هو ان يخرج الانسان ما في ضميه الى اشخاص نوعه
وقال كثير من المعتزلة ان كلام الانسان حروف وكذلك كلام الله فاما النظامية فيقولون كلام الله سبحانه صوت مقطع وهو حروف وكلام الانسان ليس بحروف
واختلف الذين قالوا ان كلام الانسان حروف كم اقل الكلام من حرف
فقال قائلون اقل الكلام حرفان كقولك لا
وقال قائلون الحرف الواحد يكون كلاما وهذا مذهب الجبائى
واعتل بقول اهل اللغة الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى (1/604)
واختلف الناس فيه من وجه آخر
فقال بعضهم قد يجوز ان يقع الكلام ضرورة للمتكلم ويجوز ان يقع اختيارا وهذا قول ابى الهذيل وذلك انه كان يزعم ان كلام اهل الآخرة وصدقهم خلق الله باضطراب
وكذلك يقول عبد الله بن كلاب ان الكلام يكون اضطرارا ويكون اكتسابا
وابى هذا قوم وزعموا ان الكلام لا يقع الا فعلا للمتكلم
وقال كثير من هؤلاء انه وان كان لا يقع ضرورة للمتكلم فقد يقع ضرورة للجسم الذى احله فيه المتكلم لان الضرورة عندهم ما حل في جسم والفعل من غيره
واختلف الناس في تاويل قول الله عز و جل يوم تشهد عليهم السنتهم وفى كلام الذراع فقالوا في ذلك اقاويل
قال قائلون كلام الذراع خلق لله اضطر الذراع اليه وكذلك شهادة الالسنة والايدى والارجل
وقال قائلون في كلام الذراع ان الله سبحانه خلقها خلقا احتملت القدرة والحياة وخلق فيها القدرة ففعلت الكلام باختيار وكذلك يقول قائلون نحو هذا في قول الله عز و جل يوم تشهد عليهم (1/605)
السنتهم وايديهم وارجلهم ان الله سبحانه يجعلها حية قادرة فتفعل الشهادة على المشهود عليه
وقال قائلون قول النبى هذا الذراع تخبرنى انها مسمومة انما معناه انها تدلنى من غير ان تكون متكلمة في الحقيقة كما يقول القائل هذه الدار تخبر عن اهلها وعمن كان فيها وعن سلطانهم وتمليكهم في الارض اى تدل على ذلك
وقال قائلون قول الله عز و جل يوم تشهد عليهم السنتهم اى انهم يشهدون على انفسهم بالسنتهم وايديهم وارجلهم كما يقول القائل
ضربته رجلى ومعنى ذلك اى ضربته برجلي
واختلفوا هل يتكلم الانسان بكلام غير مسموع ام لا يتكلم الا بكلام مسموع وهل يجوز ان يتكلم الانسان بكلام في غيره ام لا
فقال قائلون يستحيل ان يتكلم الانسان بكلام غير مسموع وانه محال ان يتكلم بكلام مكتوب او محفوظ وانه لا يتكلم الا بكلام مسموع ومحال ان يتكلم بكلام في غيره
وقال قائلون قد يتكلم الانسان بكلام مسموع وبكلام مكتوب غير مسموع (1/606)
وقال قائلون الكلام يستحيل ان يكون مسموعا وان يتكلم الانسان الا بكلام قائم به
واختلفوا في الناسخ والمنسوخ في ابواب فباب منها اختلافهم في الناسخ والمنسوخ كيف يكون فقال فيه المختلفون اربعة اقاويل
فقال بعضهم ان المنسوخ هو ما رفعت تلاوة تنزيله وترك العمل بحكم تاويله فلا يترك لتنزيله ذكر يتلى في القرآن ولا لتأويله انه يعمل به في الاحكام
وقال آخرون النسخ لا يقع في قرآن قد نزل وتلى وحكم بتأويله النبى ولكن النسخ ما انزل الله به على هذه الامة في حكمه من التفسير الذى ازاح الله به عنهم ما قد كان يجوز ان يمنحهم به من المحن العظام التى كان صنعها بمن كان قبلها من الامم وقال آخرون انما الناسخ والمنسوخ هو ان الله سبحانه نسخ من القرآن من اللوح المحفوظ الذى هو ام الكتاب ما انزله على محمد (1/607)
صلى الله عليه و سلم لان الاصل ام الكتاب والنسخ لا يكون الا من اصل
وقال آخرون قد يقع النسخ في قرآن انزله الله عز و جل وتلى وعمل به بحضرة النبى ثم نسخه الله بعد ذلك وليس يلحق في ذلك بداء ولا خطأ فان شاء الله سبحانه جعل نسخة اياه بتبديل الحكم في تاويله وبترك تنزيله قرآنا متلوا وان شاء جعل نسخه بان يرفع تلاوة تنزيله فينسى ولا يتلى ولا يذكر
واختلفوا في القرآن هل ينسخ الا بقرآن وفى السنة هل ينسخها القرآن فقال المختلفون في ذلك ثلاثة اقاويل
قال بعضهم لا ينسخ القرآن الا بقرآن مثله ولا يجوز ان ينسخ شىء من القرآن بسنة رسول الله
وقال آخرون السنة تنسخ القرآن وتقضى عليه والقرآن لا ينسخ السنة ولا يقضى عليها
وقال آخرون القرآن ينسخ السنة والسنة لا تنسخ القرآن
وقال آخرون القرآن والسنة حكمان من حكم الله عز و جل العلم والعمل بهما على الخلق واجب فجائز ان ينسخ الله القرآن بالسنة وان (1/608)
ينسخ السنة بالقرآن لانهما جميعا حكمان لله سبحانه ينسخ من حكمه بحكمة ما شاء
واختلفوا في الآيتين لكل واحدة منهما حكم مخالف لحكم الاخرى مما قد يجوز ان يجتمع حكمهما على اختلافه على انسان في وقتين ويتنافيان في وقت واحد كقول الله عز و جل كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين فحكم الله سبحانه قبل المواريث ان يوصى الرجل عند موته بماله لوالديه واقربائه ثم حكم للوالدين بالميراث في فرضه المواريث ثم قال من بعد وصية يوصى بها او دين
فقال قوم نسخت آية المواريث للوالدين آية الوصية لهما وهم الذين قالوا لا ينسخ القرآن الا قرآن
وقال مخالفوهم ليست آية المواريث للوالدين بناسخة لآية الوصية لهما وانما نسخت آية الوصية لهما سنة رسول الله وهى قوله لا وصية لوارث ولولا سنته بذلك كانت الوصية للوالدين علىحالها جائزة لان الله سبحانه انما حكم بالمورايث لاهلها من الوالدين وغيرهما من بعد وصية يوصى بها الرجل او دين ولولا سنة رسول الله (1/609)
انه لا وصية لوارث كان للرجل اذا احتضر ان يوصى بماله لوالديه لان الله ذكر ميراثهما من بعد وصية يوصى بها او دين فان لم يوص لهما كان لهما الميراث بآية الموارثة
وقال اهل هذه المقالة انما الناسخ والمنسوخ ما ينفى حكم الناسخ حكم المنسوخ ان يحكم به على عين واحدة في حال واحدة او في حالين لتتنافى ذلك في المعنى كقوله والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء وقال واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر فجعل عدة اللواتى حضن الاقراء واللائى لم يحضن لصغر او كبر الشهور ثم نسخ من هؤلاء المطلقات التى لم يدخل بهن فقال اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فخرجن اللواتى لم يدخل بهن من حكم الايتين جميعا
واختلفوا في باب آخر وهو اختلافهم في اسماء الله ومديحه واخباره هل يجوز في ذلك النسخ ام لا
فاجاز ذلك طوائف من اهل الاثر فزعموا ان ما تأخر تنزيله ناسخ (1/610)
لما تقدم نزوله وان المدنى ناسخ للمكى خيرا كان او مدحا من مديح الله عز و جل
وانكره اكثر الناس وقالوا لا يجوز النسخ في اخبار الله عز و جل ومديحه واسمائه والثناء عليه
وقد شذ شاذون من الروافض عن جملة المسلمين فزعموا ان نسخ القرآن الى الايمة وان الله جعل لهم نسخ القرآن وتبديله واوجب على الناس القبول منهم وهؤلاء الذين ذكرنا قولهم طبقتان
منهم من يزعم ان ذلك ليس على معنى ان الله يبدوا له البدوات وقالت الفرقة الاخرى منهم ان الله لا يعلم ما يكون حتى يكون فينسخ عند علمه بما يحدث من خلقه وفيهم مما لم يكن يعلمه ما يشاء من حكمه قبل ذلك فتحول حكمه في الناسخ والمنسوخ على قدر علمه بما يحدث في عباده فكلما علم شيئا كان لا يعلمه قبل ذلك بدا له فيه حكم لم يكن له ولا علمه قبل ذلك تعالى الله عما قالوه علوا كبيرا
تم الكتاب بحمد الله (1/611)