الأُرْجُوْزَة المُفِيْدَة
فِي مَسَائِلِ التَّوحِيْدِ
نظمها
الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
1276 – 1319 هـ
تقديم ومراجعة
إسماعيل بن سعد بن عتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله يسر الخير لطالبه, وأعان على فعله لنيل مآربه .. وبعد : فقد كانت صلتي بالشيخ الفاضل نجل الأفاضل محمد بن عبد الرحمن ابن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ صلة ود واحترام , أتواصل معه بالزيارة فيتحفني بمروياته وأخباره , وذات يوم دعاني لمنزله بعد العشاء في مدينة الرياض في عليشة , وفتح لي خزانة الكتب في ملحق خارج المنزل , وقال لك الإطلاع على ما تريد ولك تصوير ما تختار فوجدت مكتبة ثرية بفنون العلم مخطوطة ومطبوعة إلا أنني اقتصرت على ما وقفت عليه من مؤلفات الشيخ إسحاق رحمه الله , وكان من ضمن تلك الكتب أرجوزة مفيدة تشمل على مسائل في التوحيد مما يحتاج إليه المستفيد , نظمها الشيخ إسحاق في رحلته إلي الهند لطلب العلم ونشرت هذه الأرجوزة عام 1310 هـ في الهند في طبعة حجرية , ولمضي قرن وخمسة عشر عام على طبعتها الأولى وقد احتجبت على الأنظار وحرم قراءتها الكبار والصغار راق لي نشرها وإبرازها فلعل من يطلع عليها يزيدها حسنا بتهميش أو تعليق , وقد اجتهدت في مقابلة النص بالنسخة المطبوعة .
نسأل الله القبول فيما نفعل أو نقول
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
إسماعيل بن سعد بن عتيق
2/2/1425هـ
المؤلف(1/1)
هو الشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ولد في الرياض عام 1276 هـ توفي والده العلامة عبد الرحمن بن حسن وله من العمر تسع سنين فكفله أخوه الشيخ عبد اللطيف ورعى شؤونه فكان ملازمًا له في الدراسة والتوجيه وقد حظي الشيخ إسحاق بنبوغ وذكاء أدت إلي تنمية مداركه العلمية ومواهبه الفطرية غير أن الأقدار بحكم الملك الجبار تمضي على ما يشاء الله ويختار ففي عام 1309 هـ كان انتهاء حكم آل سعود في الرياض قاعدة نجد والممالك السعودية وتولى محمد بن عبد الله الرشيد ودخل الرياض حاكمًا وقاهرًا فلم يطب المقام للشيخ إسحاق فغادر الرياض متجهًا إلي الهند ليأخذ عن علمائها جهابذة الحديث وأرباب الرواية والدراية وبالأخص منهم في مدينتي دهلي وبوهوبال وفيها أقام حتى عام 1315 هـ ثم اتجه إلي مصر مستفيدًا مفيدًا ومن مصر إلي الحجاز ومن الحجاز إلي بلده فأقام مدارس التعليم ولكنه الأجل المحتوم المقسوم توفي ودفن بالرياض عام 1319 هـ عليه رحمة الله وبركاته وقد خلف تركة علمية وتراثًا إصلاحيًا من ذلك .
الأجوبة السمعيات أو سلوك الطريق الأحمد .
إيضاح المحجة والسبيل .
حكم التكفير المعين .
حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
أرجوزة في التوحيد وهي هذه .
قصيدة في الرد على أمين بن حنش .
رسائل متفرقة قد طبعت في الدرر السنية .
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ اللَّطِيفِ الْهَادِي ... إِلَى سِلُوكِ مَنْهَجِ الرَّشَادِ
مَنْ خَصَّهُ بِفَضْلِهِ فَقَامَا ... بِحَقِّهِ وَشَكَرَ الْإِنْعَامَا
أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى ... حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا تَوَالَى
كَمَا يُحِبُّ وَكَمَا يُرْضِيهِ ... لَهُ الثَّنَاءُ وَالْمَجْدُ لَا أُحْصِيهِ
عَرَّفَنَا مِنْ فَضْلِهِ الْإِسْلَامَا ... لَْولَاهُ كُنَّا نُشْبِهُ الْأَنْعَامَا(1/2)
شَهِدْتُّ بِالصِّدْقِ الْيَقِينِ أَنَّ لَا ... إِلَهَ إِلَّا اللهُ ربًّا جلَّا
وَأَنَّّهُ قَدْ أَنْزَلَ الْفُرْقَانَا ... عَلَى النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ تِبْيَانَا
فَأَرْشَدَ الْخَلْقَ لِهَذَا الدِّينِ ... بِسَيْفِهِ وَشَرْعِهِ الْمُبِينِ
صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ ثُمَّ سَلَّمَا ... مَعَ آلِهِ وَالصَّحْبِ مَا غِيثَ هُمْا
وَبَعْدُ فَالْعِلْمُ أَصْلٌ الدِّينِ ... حَتْمٌ عَلَيْنَا لَازِمُ التَّبْيِينِ
لِأَنَّهُ سَفِينَةُ الْوُصُولِ ... إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ الْمَأْمُولِ
وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ نَظَمْتُهَا ... فِي مُدَّةٍ مِنْ غُرْبَتِي أَقَمْتُهَا
فِي بَلْدَةٍ مَعْدُومَةِ الْأَنِيسِ ... جَعَلْتُ فِيهَا كُتُبِي جَلِيسِي
بَيَّنْتُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعِبَادَهْ ... إِخْلَاصُهَا حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ
وَرَدُّ إِفْكِ مَنْ إِلَيْنَا نَسَبَا ... عَظَايِمًا فِيهَا عَلَيْنَا كَذِبَا
مُسْتَغْفِرًا ذَنْبِي وَأَرْجُو رَبِّي ... قَبُولَهَا وَالصَّفْحَ فَهُوَ حَسْبِي
فَهُوَ الَّذِي يُرجَى تَعَالَى لَا سِوَى ... بِهِ أَلُوذُ مِنْ مُضِلَّاتِ الْهَوَى
وَأَرْتَجِي لِي مِنْهُ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ ... وِعِصْمَتِي عَنْ شَرِّ نَفْسِي لَائِمَةٌ
وَالْمُسْلِمِينَ وَالْقَرِيبِ وَالْوَلَدْ ... فَهُوَ الَّذِي يُعْطِي الْمُرِيدَ مَا قَصَدْ
بَيَان تَوحِيْد الرُّبُوْبِيَّة الذَّي هَوْ حُجَة فِي تَوْحِيدِ العِبَادَةِ وَالقَصْدِ
إِذَا أَرَدْتَّ أَصْلَ كُلِّ أَصْلٍ ... وَالْحِكْمَةَ الْكُبْرَى لِبَعْثِ الرُّسْلِ
فِإِنَّهُ عِبَادَةُ الْإِلَهِ ... وَتَرْكُ مَا يُدَّعَا مِنَ الْأَشْبَاهِ
مِنْ دُونِ مَوْلَانَا الْمَلِيكِ الْبَاقِي ... مَوْلَى الْجَمِيلِ الْخَالِقُ الرَّزَّاقُ
قَدْ شَهِدَ اللهُ الْعَظِيمُ الْمَاجِدُ ... بِأَنَّهُ الْإِلَهَ نِعْمَ الشَّاهِدُ(1/3)
وَخَلْقُهُ أَمْلَاكُهُمْ وَالْعُلَمَاءُ ... أَشْهَدَهُمْ فَشَهِدُوا إِذْ أَلْهَمَا
فَخَابَ عَبْدٌ جَعَلَ الْمَخْلُوقَا ... نِدًّا لَهُ وَأَبْطَلَ الْحُقُوقَا
اللهُ رَبَّانَا وَأَسْدَى النِّعْمَةَ ... لِنُخْلِصَ التَّوْحِيدَ هَذِي الْحِكْمَةُ
فَمَا لَبِثْنَا أَنْ دَعَا الْمُضْطَّرُّ ... مَنْ لَيْسَ ذَا نَفْعٍ وَلَا يَضُرُّ
دَسِيسَةٌ فِيهِمْ مِنَ اللَّعِينِ ... يُوحِي بِهَا فِي النَّاسِ كُلَّ حِينِ
فَصْلٌ فِي بَيَان ضَلاَلِ مَنْ يُنَادِي بِالأَمْوَاتِ الغَائِبِيْن
وَدَعْوَةُ الْأَمْوَاتِ تُبْطِلُ الْعَمَلَ ... وَتَسْلَخُ الْإِيمَانَ خَابَ مَنْ فَعَلْ
شَبَّهْتُ مَنْ يَدْعُو دَفِينًا فِي الثَّرَى ... بِطَالِبِ الْعُْريَانِ سِتْرًا مِنْ عَرَا
وَصَرْفُ حَقِّ اللهِ لِلْمَخْلُوقِ ... ظُلْمٌ عَظِيمٌ جَاءَ فِي الْمَنْطُوقِ
لَوْ قَدَرَ الْإِلَهُ حَقَّ الْقَدْرِ ... مَا قَالَ يَا مَعْروفُ أَوْ يَا لِبَدْرِي
وَإِنْ نَصَحْتُ قَايِلًا لَا تُشْرِكْ ... بِخَالِقِكَ وَبَاعِثِكَ لِحَشْرِكْ
لَقَالَ أَنْتَ الْمُلْحِدُ الْوَهَّابِيُّ ... أَنْتَ الْجَهُولُ مُنْكِرُ الْأَسْبَابِ
جَحَدْتَّ قَدْرَ سَيِّدِي الْجِيلَانِ ... وَالْعَيْدَرُوسِ الْمُسْتَغَاثِ الثَّانِي
وَالْبَدَوِيُّ وَسَيِّدِي الرِّفَاعِيُّ ... مَحَطُّ رَحْلِ الْمُسْتَجِيرِ الدَّاعِي
وَهُمْ أُنَاسٌ كُوشِفُوا فَأَشْرَفُوا ... عَلَى الْغُيوبِ فَلَهُمْ تَصَرُّفُ
أَقُولُ دَعْوَى كُلُّهَا ضَلَالٌ ... وَقَوْلَةً مَصْنُوعَةً مُحَالُ
سِفْسَاطُ يَصْبُوا إِلَيْهَا الْفَاسِقُ ... يَمُجُّهَا السُّنِّيُّ ذَاكَ الْحَاذِقُ
هَلْ كَانَ أَمْرُ الْكَوْنِ بِالتَّنَاوُبِ ... أَمْ دَفْعَةً أَمْ حِصَصًا فِي الْغَالِبِ
فَصْلٌ فِي حَقِّ الأَوْلِيَاءِ الشَّرْعِيِّ
وَالْأَوْلِياءُ حَقُّهُمْ مَحَبَّتِي ... لَا جَعْلُهُمْ جَهْلًا بِهَذِي الرُّتْبَةِ(1/4)
واللهِ مَا قَالَ الْوَلِيُّ ادْعُونِي ... وَإِنْ دَهَاكُمْ مَا دَهَى نَادُونِي
فِي غُنْيَةِ الْجِيلِ رَدُّ الشِّرْكِ ... فَارْجِعْ إِلَيْهَا لَا تَكُنْ فِي شَكِّ
حَتَّى الْعَجِينُ مِلْحُهُ سَوَّالُهُ ... نَصَّوُهُ قَالُوا تَرْكُهُ أَوْلَى لَهُ
قَدْ خَرَجُوا مِنْ عُهْدَةِ الْبَيَانِ ... لَكِنَّكُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمْيَانِ
حَاشَا هُمُوا أَنْ يَسْمَعُوا الَقَرْنَا ... وَيَرْتَضُوا أَنْ تَسْلُكُوا طُغْيَانَا
لَا يَعْلَمُ الْمَاضِي وَمَا يَصِيرُ ... إِلَّا الْعَلِيمُ الْقَادِرُ الْبَصِيرُ
وَإِنْ تَقُلْ هُمْ سَبَبٌ فِي النَّفْعِ ... فَبِالْبَلَاغِ لَا كَزَعْمِ الْبِدْعِيِّ
مَا السَّبَبُ الْعَادِيُّ مِن ذَا الْبَابِ ... فَارْجِعْ تَرَى دَلَايلَ الصَّوَابِ
كَمْ سَبَب يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ ... هُوَ هُلْكُهُ يَسْخَطُهُ الدَّيَّانُ
مُسَلَّمُ الثُّبُوتِ هَذَا عِنْدَهُمْ ... لَكِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رُشْدَهُمْ
يَاءُ النِّدَاءِ الطَّلَبِيِّ إِلَى الْعَلِيِّ ... قَدْ وَجَّهْتُ مَا وَجَّهْتُ إِلَى الْمَوْلَى
إِنْ قُلْتُ رَبِّي خَالِقُ الْأَفْعَالَ ... قُلْنَا نَعَمْ يَنْهَى عَنِ الْأَمْثَالِ
قَدْ خَلَقَ الْأَفْعَالَ مِنَّا وَقَضَى ... مَا خَلَقَهَا مُسْتَلْزِمٌ مِنْهُ الرِّضَا
أَرَادَهَا إِرَادَةً كَوْنِيَّةً ... لَكِنْ مَا يَرْضَى لَنَا الشَّرْعِيَّةَ
حَاشَا وَكَلَّا أَنْ يُحِبَّ الْمَعْصِيَةَ ... بَلْ شَاءَهَا لِحِكْمَةٍ مُقْتَضِيَةٍ
أَنْ جَادَلُوا بِمَا رَمَيْتَ ظَنُّوا ... نُهُوضَهَا لِغَارَةٍ أَشَنُّوا
قُلْ خَلَقَ الْحَكِيمُ فِعْلَ الْعَاصِي ... فَلَا تَلُمْ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي
بِاللهِ يَا هَذَا اتْرُكَنَّهُ يَعْبَثْ ... وَقُلْ لَهُ أَنْتَ الْمُطِيعُ فَالْبَثْ
نَسْأَلُكُمْ هَلِ النِّكَاحُ عَادِيٌّ ... وَالْأَكُْل وَالشُّربُ إذًا لِلصَّادِي(1/5)
لَأَنَّ هَذَا فِي عُمُومِ الْقَاعِدَةِ ... مِنْ جَهْلِكُمْ لَمْ تَفْهَمُوا مَفَاسِدَهُ
فَالِاعْتِزَالُ وَطَرِيقُ الْمُجْبِرَهْ ... مَا عَنْهُمَا بُدٌّ لَكُمْ مَا الْمَعْذِرَةْ
فَالْمُلْحِدُ الْمُعْتَزِلِيُّ قَدْ قَالَا ... مَا لِشَرِّ خَلَقَ رَبُّنَا تَعَالَى
بِضِدِّهِ الْجَبْرِيُّ قَالَ الْعَاصِي ... مُمْتَثِلٌ مُحَقِّقُ الْإِخْلَاصِ
لَكِنَّمَا السُّنِّيُّ طَوْعَ الشَّرْعِ ... وَلَمْ يَزَلْ يَسْعَى بِبَذْلِ الْوُسْعِ
قَدْ عَبَدَ الْمَوْلَى بِفِعْلِ الْأَمْرِ ... مُخَالِفًا لِلْقَدَرِيِّ وَالْجَبْرِيِّ
يَقُولُ لِي كَسْبٌ وَلَكِنْ خَالِقِي ... خِلَافُهُ رِبْحِي وَإِثْمِي لَاحِقِي
مُفَادُ كُتَبِ اللهِ هَذَا وَالرُّسُلِ ... مَا نَفَعَهُمْ إِنْ كَانَ تَحْصِيلٌ حَصُلْ
فَصْلٌ فِي إِيْضَاحِ مَا مَرَّ مِنْ إِطْلَاقِ الْأَسْبَابِ فِي نَقْضِ أَصْلِهِمْ
وَعِنْدَنَا الْأَسْبَابُ مِنْهَا مَا حُمِدْ ... فَفِعْلُهُ كَيِّسٌ إِذَا لَمْ يُعْتَمَدْ
وَبَعْضُهَا عَنْهُ النَّبِيُّ يَنْهَى ... فَابْحَثْ عَنِ الْمَطْلُوبِ تَدْرِي الْكُنْهَا
وَالِاحْتِجَاجُ مُطْلَقًا بِالْقَدَرِ ... مَعَ تَرْكِكَ الْأَسْبَابَ رَأْسُ الْمُنْكَرِ
فَفِي الْحَدِيثِ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ... وَاحْذَرْ تَقُلْ لَولَا فَعَنْهَا يَمْنَعُكَ
قَالَ الرَّسُولُ لِلصَّحَابَةِ اعْمَلُوا ... فَكُلُّكُمْ يَلْقَى وَلَا تَتَّكِلُوا
فَارْجِعْ إِلَى رَدِّ التَّقِيِّ الْهَادِي ... مَقَالُهُمْ تَجِدْهُ يَرْوِي الصَّادِي
سَرَّحْتُ طَرْفِي بُرْهَةً فِي غِرَرِهِ ... لَكِنَّ نَظْمِي قَاصِرٌ عَنْ أَكْثَرِهِ
فَصْلٌ فِي مَسْأَلِةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْكَلَامِ فِيهِمَا إِجْمَالًا
وَالدِّينُ هُوَ الْإِسْلَامُ عِنْدَ اللهِ ... مَنْ يَتَّبِعْ سِوَاهُ فَهُوَ اللَّاهِي(1/6)
فَأَسْلِمِ الْوَجْهَ لِمَنْ أَحْيَاكَا ... وَانْقُدْ لَهُ تَلْقَى غَدًا مُنَاكَا
لَا تَحْسَبِ الْإِيمَانَ فِعْلَ الْقَلْبِ ... مِنْ دُونِ أَعْمَالٍ نَشَتْ عَنْ حُبِّ
فَيُطْلَقُ الْإِسْلَامُ فِي مَوَاضِعَ ... وَيُقْصَدُ الْعُمُومُ عِنْدَ السَّامِعِ
وَيُقْرَنَانِ مِثْلُ قَوْلِ (آمَنُوا ... وَعَمِلُوا) وَالْحُكْمُ فِيهِ بَايِنٌ
هُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِفْظِ ... وَالْخُلْفِ مِنْ بَابِ النِّزَاعِ اللَّفْظِي
وَعِنْدَهُمْ إِسْلَامُكَ الْحَقِيقِيُّ ... مُرَادِفُ الْإِيمَانِ بِالتَّحْقِيقِ
إِذَا جُزْؤُهُ الْأَعْمَالُ عِنْدَ السَّلَفِ ... خِلَافُ قَوْلِ الْمُرْجِئِ الْمُنْحَرِفِ
وَكَوْنُهُ جُزْءًا لَهُ إِذَا انْتَفَى ... يَنْتَفِي الْإِيمَانُ هَذَا فِي خَفِي
وَالسَّلَفُ الْمَاضُونَ عَنْهُ سَكَتُوا ... وَإِنَّمَا الْأَخْلَافُ عَنُْه نَكَّتُوا
وَعِلْمُ مِثْلِي قَاصِرٌ عَنْ جَزْمِي ... أَرْجُو إِلَهِي أَنْ يَقْوَى فَهْمِي
فَكَانَ إِسْلَامٌ مِنَ التَّسْلِيمِ ... بِالظَّاهِرِ احْتَاجَ إِلَى التَّقْسِيمِ
يَشْتَرِكُ النِّفَاقُ وَالْإِيمَانُ ... فِي أَصْلِهِ فَلَزِمَ الْبَيَانُ
حَاشَا نِفَاقِ عَمَلِ الْأَرْكَانِ ... فَإِنَّ إِيمَانًا بِهِ لَا يَنْتَفِي الْإِيمَانُ
قُلْ فَاسِقٌ مَنْ فَعَلَ الْكَبِيرَةَ ... وَمُؤْمِنٌ يُحْسِنُ بَعْضَ السِّيرَةِ
فَظَاهِرُ الْأَعْمَالِ قُلْ إِسْلَامٌ ... خَوفَ اشْتَرَكَ قَالَهُ الْأَعْلَامُ
لَأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْقَيْسِ ... مَعْنًى صَرِيحًا عِنْدَ أَهْلِ الْكَيْسِ
فَاعْتُبِرْنَ الْأَصْلَ إِنَ قُرِنَتَا ... ظَهْرًا وَبَطْنًا مِثْلَ مَا عُلِمَتَا
وَمَا أَتَى لَا يَزِنُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ... أَيْ كَامِلٌ لَمْ يَنْفِهِ الْمُؤْتَمَنُ
يُوَضِّحُهُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ ... فَاحْذَرْ تُضَاهِي فِي الضَّلَالِ مَنْ مَرَقْ(1/7)
مِنْ أَجْلِ ذَا قَدْ قَالَ بِالْعُمُومِ ... وَبِالْخُصُوصِ حَافِظُ الْعُلُومِ
الْقُدْوَةُ الزَّاكِي تَقِيُّ الدِّينِ ... لِيَجْمَعَ النُّصُوصَ عَنْ يَقِينِ
وَقَبْلَهُ الْإِمَامُ أَيْضًا أَحْمَدُ ... مَعَ الْبُخَارِيِّ لَا خِصَامَ اقْصُدْ
فَكُلُّ مَنْ آمَنْ فَهُوَ الْمُسْلِمُ ... مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالْإِلَهُ أَعْلَمُ
فَصْلٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَاعْتِقَادِهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلٍ وَتَكْيِيفٍ يُفْضِي إِلَى تَمْثِيلٍ
وَفَوِّضِ الْأُمُورَ إِخْلَاصًا إِلَى ... مَنْ قَدْ تَعَالَى عَنْ سَمِيٍّ وَعَلَا
عُلُوَّ قَدْرٍُ وَعُلُوَّ الذَّاتِ ... سُبْحَانَ رَبِّي كَامِلِ الصِّفَاتِ
مُنَزَّهٌ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيُّ ... مُعَطِّلُ الْأَوصَافِ عَبْدُ الْوَهْمِ
مُكَابِرُ الْمَنْقُولِ وَالْعُقُولِ ... مُكَذِّبُ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ
فَكُلُّ مَنْ أَوَّلَ فِي الصِّفَاتِ ... مِنْ غَيْرِ مَا عَلِمَ وَلَا إِثْبَاتِ
فَقَدْ تَعَدَّى إِذْ صِفَاتُ الْكَامِلِ ... كَذَاتِهِ فِي النَّفْيِ لِلْمُمَاثِلِ
وَكُلُّهَا يَحْتَمِلُ التَّأَوِيلَا ... إِنْ لَمْ تَصُنْهَا حَاذِرِ التَّبْدِيلَا
أَسْمَعَهَا النَّبِيُّ مِنَّا الْبَدَوِيَّ ... وَالْحَضَرِيَّ الْمَدَنِيَّ وَالْقُرَوِيَّ
وَلَمْ يَقُلْ إِنْ اعْتِقَادَ الظَّاهِرِيِّ ... مِنْهَا ظِلَالٌ فَاطْلُبُوا مِنْ مَاهِرٍ
قَدْ كَابَرَ الْمَوْلَى وَقَالَ جَهْلًا ... عُقُولُنَا بِالِاتِّبِاعِ أَوْلَى
أَيَعْلَمُ الْعَلَّافُ وَالْفَارَابِي ... صَوَابَهَا وَيَجْهَلُ الصَّحَابِي
هَذَا مِنَ الطَّعْنِ عَلَى الرَّسُولِ ... أُوصِيكَ يَاسُنِيُّ بِالْمَنْقُولِ
أَمَا تَرَى اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعَقْلِ ... فِيهِ وَحُسْنَ مَا نَحَا ذُو النَّقْلِ(1/8)
كُنْ مُؤْمِنًا بِجُمْلَةِ الْأَوْصَافِ ... وَذَا الْجِدَالِ احْذَرْهُ لَا تَصَافِي
فَمَالَكَ مِنْ دَارِهِ قَدْ أَخْرَجَا ... مُجَادِلًا لَا يَبْغِي الْأَمْرَ عِوَجًا
فَادْرُجْ عَلَى مَا قَدْ نَحَاهُ السَّلَفُ ... فَغَيْرُهُ وَاللهِ فِيهِ التَّلَفُ
مَا فِيهِ تَفْرِيطٌ وَلَا إِفْرَاطٌ ... كُنْ وَسَطًا يَا حَبَّذَا الْأَوسَاط
وَالْكَيْفُ مَمْنُوعٌ ذَرِ التَّمْثِيلَا ... وَحَاذِرِ الْجُحُودَ وَالتَّعْطِيلَا
وَنَزِّهِ الْبَارِي عَنِ الْحُلُولِ ... وَالْاتِّحَادِ وَاقْضِ بِالْمَنْقُولِ
وَلَا تُطِعْ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ ... مِنْ جَاحِدٍ مُعَطِّلٍ أَوْ غَالٍ
فَجَاحِدُ الصِّفَاتِ عَبْدُ الْعَدَمْ ... وَسَالِكُ التَّشْبِيهِ عَبْدُ الصَّنَمْ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعَبِيدِ
وَحَقِّقِ التَّوْحِيدَ إِخْلَاصًا وَلَا ... تَبْغِ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ مَعْدَلًا
لَأَنَّ فِيهِ وَقَعَ الْخِصَامُ ... وَشُرِعَ الْجِهَادُ وَالْإِمَامُ
يَقُولُ جَلَّ (وَلَقْدْ بَعَثْنَا) ... فَافْهَمْ خَطَابًا عَمَّنَا مَا اسْتَثْنَى
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) اتْرُكُوا الطَّاغُوتَا ... مَا صَحَّ إِخْلَاصٌ وَهَذَا يُؤْتَى
قَدْ عَدَّهُ أَهْلُ الْبَيَانِ شَرْطًا ... لِصِحَّةٍ فَاسْلُكْ طَرِيقًا وَسَطًا
مَعْنَاهُ أَنْ تُحَقِّقُوا الْعِبَادَةَ ... وَتُخْلِصُوا النِّيَّاتِ وَالْإِرَادَةَ
فِي الْخَوْفِ وَالْحُبِّ مَعَ الرَّجَاءِ ... وَالذَّبْحِ وَالنَّذْرِ مَعَ الدُّعَاءِ
وَتَسْتَعِينُوا تَسْتَغِيثُوا تَخْضَعُوا ... تَوَكَّلُوا ثُمَّ اسْتَعِيذُوا وَاخْشَعُوا
للهِ إِذْ جَمِيعُهَا يُسَمَّى ... عِبَادَةً وَاللَّفْظُ مِنْهُ عَمَّا
فَصَرْفُهُ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ ... شِرْكٌ بِهِ مُخَالِفٌ مَنْ دَانَهُ(1/9)
قَدْ جَعَلَ الْحَسَبَ لَهُ وَالرَّغْبَةَ ... دُونَ الرَّسُولِ فِي عِتَابِ الْعُصْبَةِ
وجَعَلَ الصَّلَاةَ وَالْأَنْسَاكَا ... لَهُ تَعَالَى حَاذِرِ الْإِشْرَاكَا
وَفِي تَعَالَوْا اتْلُ لَفْظًا لِنَكِرَهْ ... وَآيَةٌ فِي الْجِنِّ غَيْظُ الْكَفَرَهْ
إِذْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ قَالُوا إِنَّهَا ... تِعِمَّ فَاعْرِفْ لَا حَرُمْتَ مِنْهَا
وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّا ... قَدْ قَطَعَتْ كُلَّ الشُّكُوكَ عَنَّا
لِأَنَّهَا هِيَ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ ... لَهَا خُلِقْنَا حِكْمَةٌ مَرْعِيَّةٌ
قَدْ رَضِيَهَا دِينًا لَنَا وَمِلَّهْ ... أَقَامَهَا بِوَاضِحِ الْأَدِلَّهْ
وَصَّى أُولِي الْعَزْمِ بِهَا الْعَزِيزُ ... إِنَّ السَّعِيدَ مَنْ لَهَا يُجُوزُ
وَحَقُّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا ... تَوْحِيدُهُ لَوْلَاهُ مَا اهْتَدَيْنَا
وَحَقُّنَا عَلَيْهِ بِالْإِخْلَاصِ ... أَوْجَبَهُ فَضْلًا بِلَا قِيَاسِ
وَمُحْكَمُ الْقُرْآنِ يَكْفِي الْمُنْصِفَا ... إِذَا رَأَى الْبُرْهَانَ فِيهِ اعْتَرفَا
وَمَا أَتَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ ... وَفَاطِرٍ مَعَ سَبَأ قُلْ كَافٍ
إِنْ قَالَ فِي الْأَصْنَامِ ذَا فَاسْأَلْهُ ... هَلْ يَعْرِفُ الْقُرْآنَ كِيْ يَقْبَلْهُ
قُلْ فِي جِدَالِ بْنِ الزَّبْعَرِيِّ لِلنَّبِيِّ ... فِي آيَةِ التَّعْمِيمِ تَنْبِيهُ الْغَبِيِّ
قَدْ أَخْرَجَتْ مَا بَعْدَهَا مِنْ سَبَقَتْ ... مِنْ رَبِّنَا الْحُسْنَى لَهُمْ وَفَرَّقَتْ
إِنَّ قُرَيْشًا وَافَقَتْ إِذْ سَمِعَتْ ... تِلْكَ الْغَرَانِيقَ الْعُلَا فَسَجَدَتْ
وَقَدْ نَهَانَا عَنْ دُعَاءِ الْأَنْبِيَا ... فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ عَنْهُ مُنِبِيَا
قَدْ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَالْمَلَائِكَةَ ... مَعَ قُرْبِهِمْ لِيُبْطِلَ الْمُشَارَكَةَ
وَيَقْتَضِي أَنَّ الَّذِينَ دُونَهُمْ ... أَوْلَى وَلَكِنْ حَكَمُوا ظَنُّوهُمْ(1/10)
قَدْ عَارَضُوا هَذَا بِتَلْفِيقِ الشَّبَهْ ... وَغَيَّرُوا الْأَسْمَاءَ مِنْ قُبْحِ السَّبَهْ
وَلَقَّبُوا أَهْلَ الْهُدَى أَلْقَابَا ... شَنِيعَةً فَالْمَوْعِدُ الْحِسَابَا
وَطَعَنُوا فِي دِينِ مَن دَعَاهُمْ ... أَنْ يُخْلِصُوا لِرَبِّهِمْ دُعَاهُمْ
سَمُّوهُمُوا خَوارِجًا قَدْ كَفَرُوا ... مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ نَحْوَهُمْ بَلْ هَجَرُوا
وَخَالَفُوا الْمَذَاهِبَ الْمَشْهُورَةَ ... وَيُنْكِرُوا الزِّيَارَةَ الْمَأْثُورَةَ
وَزَعَمُوا بِأَنَّهُ مِنْ أَعْصُرٍ ... وَالنَّاسُ قَدْ عَادُو السُّبَلَ الْمُنْكَرِ
وَأَنَّهُ بِمُطْلَقِ التَّوَسُّلِ ... بِالصَّالِحِينَ احْكُمْ بِتَكْفِيرٍ جَلِي
حَاشَا هُمُوا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ... صُدُورُهَا لَا شَكَّ مِنْ جُهَّالِ
وَقَتَلُوا جَمْعًا كَثِيرًا عِلْمًا ... مِنْ بَلْدَةِ الَاحْسَا وَأَهْرَقُوا الدَّمَا
نَعَمْ وَلَكِنْ يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ ... بِقَتْلِهِمْ مَنْ لِلْفَلَاحِ يَدْعُو
وَكُلُّهُمْ قُرآءُ فِي الْمَسَاجِدْ ... مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ مَا لِقَوْلِي جَاحِدْ
قَدْ عَدَّهُمْ حُسَينٌ فِي تَارِيخِهْ ... فَادْمَغْ بِهِ الْكَذَّابَ فِي يَافُوخِهْ
وَأَنَّه قَدْ قَتَلَ الْمُصَلِّي ... عَلَى النَّبِيِّ بِأَشْرَفِ الْمَحِلِّ
وَيَنْهَبُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْقَافَ ... يُبْطِلُهَا وَيَدَّعِي الْإِنْصَافَا
وَيَدَّعِي بِأَنَّهُ يُجَاهِدْ ... مَعْ هَدْمِهِ الرِّبَاطَ وَالْمَسَاجِدْ
وَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّمَا النَّبِيُّ ... كُرْمَةٌ فِي الْقَبْرِ تَحْتِ النُّصُبِ
سَوْطِي بِهِ نَفْعٌ وَلَيْسَ فِيهِ ... نَفْعٌ لَهُمْ وَخَابَ مَنْ يَأْتِيهِ
وَإِنَّهُمْ قَدْ كَشَفُوا الْحِجَابَا ... عَنْ قَبْرِهِ وَقَلَعُوا الْأَخْشَابَا
وَأَسْقَطُوا مِنْ بَغْيِهِمْ لِحُرْمَتِهْ ... وَكَفَّرُوا مِنْ غَيِّهِمْ لِأُمَّتِهِ(1/11)
قَدْ عَمَّمُوا بِالْكُفْرِ مَنْ سِوَاهُمْ ... أَقُولُ حَاشَاهُمْ إِذَنْ حَاشَاهُمْ
عَنْ ضِدِّهِمْ نَقَلْتُمُوا مَا قُلْتُمْ ... جَهَِّلْتُمُوا بِدَّعْتُمُوا ضَلَّلْتُمُوا
لَا أَنَّكُمْ وَاللهِ قَوْمٌ بُهْتُ ... مِثْلَ الْيَهُودِ أَبَدًا شَابَهْتُوا
جَوَانِبًا يَا فُرْقَةَ الطُّغْيَانِ ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ مِنْ بُهْتَانِ
أَقُولُ وَامَقْتُ يَاإِلَهِي مِنَّا ... مِنْ أَبْغَضِ الْهَادِي وَمَا قَدَّسْنَا
سَلِمْتُ إِنْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَهْ ... مَنْ قَاتَلُوا مِنْ غَيْرِ مَا مُرَاجَعَهْ
وَأَخْطَئُوا فِي نَادِرِ الوَقَايِعْ ... مَا لِقَدْحٍ فِينَا وَالْمَلامُ رَاجِعْ
مَا قَدَحَ الْخَطَأُ مِنْ أُسَامَةَ ... وَخَالِدٍ فِي الْمُصْطَفَى مَنْ لَامًهُ
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الدُّعَاةِ الْعِصْمَةُ ... إِذَا صَفَى إِخْلَاصُهُمْ مِنْ وَصْمَهْ
قَدْ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ اجْعَلْ لَنَّا ... الْأَنْواطَ حَقُّ قَوْمِ مُوسَى خُلَّنَا
مَنْ طَعَنَ ذِي طَعْنٍ فَإِنَّ الْحَقَا ... كَالشَّمْسِ فَانْصُرَا مَا تَرَهُ الصَّدَقَا
وَلَمْ نُكَفِّرْ غَيْرَ قَوْمٍ جَعَلُوا ... وَسَايِطًا يَدْعُونَهُمْ وَسَأَلُوا
الْأَمْواتَ وَالغِيابَ مَا لَا يَقْدِرْ ... عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ وَهُوَ الْأَكْبَرُ
وَشَرْطُهُ يَا ذَا قِيَامِ الْحُجَّةِ ... وَعِنْدَنَا فِي ذَاكَ قَوِيُّ حُجَّةِ
رُكْنُ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا صَلَاتُنَا ... عَلَى الرَّسُولِ مَا سَخَى عُدَاتُنَا
هُوَ عِنْدَنَا أَحَبُّ مِنْ نُفُوسِنَا ... بِشَرْعِهِ تَقْدِيمُنَا تَقْدِيسُنَا
فَصْلٌ فِي الزِّيَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ
وَعِنْدَنَا التَّفْصِيلُ فِي الزِّيَارَةِ ... فَاعْرِفْهُ بِالتَّصْرِيحِ لَا الْإِشَارَةِ
مَنْ قَالَ زُورُوا قَالَ لَا تُشِدُّوا ... رَحْلًا إِلَى غَيْرِ الَّذِي أُعِدُّوا(1/12)
كِلَاهُمَا قَدْ قَالَهُ الشَّفِيعُ ... فَأَنْكَرُوا النَّصَّيْنِ أَوْ أَطِيعُوا
نَدِينُ مَوْلَانَا بِإِتْيَانِ النَّبِي ... إِتْيَانَ تَسْلِيمٍ وَهَذَا مَذْهَبِي
لَا كَالَّذِي يَزُورُهُ اسْتِمْدَادَا ... مَعْ لَعْنِهِ مَنْ جَعَلَ الْأَعْيَادَا
وَلَعْنُهُ مَنْ جَعَلَ الْقُبُورَ ... مَسَاجِدًا فَاجْتَنِبِ الْمَحْظُورَا
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الشَّفَاعِةِ الْمُثْبَتَةِ وَالْمَنْفِيَّةِ
شَفَاعَةٌ مِنْ قَبْلِ يَوْمِ الْمَوْقِفِ ... أَوْ دُونَ إِذْنِ اللهِ هَذَا مُنْتَفِي
أَوْ لِلَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ الْمَوْلَى ... قَدْ أَبْطَلَتْهُ وَاضِحَاتٌ تُتْلَى
وَعِنْدَنَا لَا تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ ... مِنْ غَيْرِ مَوْلَانَا بِشَرْطِ الطَّاعَةِ
لِأَنَّهَا مَوْعُودَةٌ فِي الْمَوْقِفِ ... لِمُخْلِصٍ لِا مُشْرِكٍ مُنْحَرِفِ
قُلْ يَا إِلَهَ الْحَقِّ شَفِّعْ عَبْدَكَا ... مُحَمَّدًا فِينَا وَحَقِّقْ وَعْدَكَا
وَعَافِنَا مِنْ فِتْنَةِ الْإِشْرَاكِ ... فَإِنَّهَا حبَالَةِ الْأِشْرِاكِ
فَصْلٌ فِي تَغْيِرِهِمْ اسْمَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَتَسْمِيَتِهِ تَوَسُّلًا تَوَصُّلًا إِلَى الضَّلَالِ وَتَعْمِيَةً عَلَى الْجُهَّالِ
قَدْ فَتَحُوا لِلشِّرِكِ بَابًا وَاسِعًا ... بِشُبَهٍ وَأَبْطَلُوا الشَّرِايعَا
قَالَ لَهُمْ جُهَّالُهُمْ لَا تَسْجُدُوا ... وَكُلَّ شِيْءٍ فَافْعَلُوه تَرْشُدُ
وَنَادَوْا الدَّفَيْنِ عَاكِفِينَ رُكَّعَا ... قُولُوا النَّدَا هَذَا وَلَيْسَ بِالدُّعَا
أَقُولُ فَالْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ ... لُبُّ السُّجُودِ إِنَّهُ الْمَمْنُوعُ
وَقَدْ نَهَى أَنْ يَسْتَغِيثَ أَحَدٌ ... بِأُحُدٍ أَوْ يَسْتَعِيذَ أَحْمَدُ
نَهَاهُمُوا عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ يُقَدَّرْ ... عَلَيْهِ سَدًّا لِلَّذِي هُوَ أَكْبَرُ
لَمْ تَعْرِفُوا مَقَاصِدَ الشَّرِيعَهْ ... فَجِئْتُمُوا بِبِدَعٍ فَظِيعَهْ(1/13)
شَبَّهْتُمُوا عَلَى الطَّعَامِ وَالْبَقَر ... بَانَ إِجْمَاعًا عَلَى هَذَا اسْتَقَر
وَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرُ أَهْلِ الْعَارِضْ ... لَا دَلِيلَ عِنْدَهُمْ يُعَارِضْ
مَعَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدْ ... قَدْ أَطْلَقُوا عِبَارَةَ لَا تَجْحَدْ
دَلِيلُهُمْ تَوَسُّلُ الصَّحَابَةِ ... أَقُولُ أَبْعَدْتُهُمْ عَنِ الْإِصَابَةِ
مِنْ جَهْلِكُمْ لَمْ تَفْهَمُوا الْمَقْصُودَ ... احْدَثْتُمُوا مَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودَا
فِي السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَهْلِ الْعِلْمِ ... الْخَائِضِينَ فِي بِحَارِ الْفَهْمِ
يَفْعَلُهُ الْمَخْصُوصُ مَنْ ذَا يُنْكِرُهُ ... فِي الزَّمَنِ الْمَخْصُوصِ أَوْ مَنْ يُحْضِرُهُ
لَا بَاسَ يَسْتَسْقِي بِأَهْلِ الدِّينِ ... فِي مَحِلَّاتِ الْقَحْطِ وَالسِّنِينَ
فَيَخْرُجُ الصَّلَاحُ لِلْمُصَلِّي ... فَيَرْفَعُونَ الْأَيْدَ نَحْوَ الْأَعْلَى
مِنْ أَيْنَ صَحَّ أَنَّهُ بِالْغَائِبِ ... وَالْمَيِّتِينَ تُدْفَعُ النَّوايِبَ
وَفِي عُدُولِ الرَّاشِدِ الْفَارُوقِ ... عَنْ الرَّسُولِ عِنْدَ ذِي التَّحْقِيقِ
مِنْ بَعْدِهِ بَعَمِّهِ مُسْتَسْقِيًا ... بِخَاطِرٍ يَدْعُو شِجَاءَ الَاغْبِيَا
قَالَ لَهُ قُمْ فَادْعُ يَا عَبَّاسُ ... وَهَذِهِ أَسْقَطَهَا الْأَرْجَاسُ
وَلَا يُقَاسُ الْمَيْتُ بِالْأَحْيَاءِ ... هُوَ فَارِقٌ وَالْجَهْلُ رَأْسُ الدَّاءِ
مَا فِيهِ وَاللهِ لَهُمْ تَعَلُّقْ ... وَمَنْ يَزِغْ عَنِ الصَّوَابِ أَحْمَقْ
لَو كَانَ لِلْجَوَازِ فِيمَا يَزْعُمْ ... مَنْ ضَلَّ عَادُوا عِنْدَ دَهْيَا تُؤْلِمْ
وَسْأَلُوهُ حَيْثُ كَانَ لِلْجَوَازِ الْمَحْيَا ... مِثْلَ الْمَمَاتِ وَيْحَهُ مَا اسْتَحْيَا
حَتَّى السُّؤَالُ بِالنَّبِيِّ الْحَنَفِيِّ ... يُنْكِرُهُ حَكَاهُ كُلُّ مُنْصِفِ
يَقُولُ لَا تَسْأَلْ بِغَيْرِ الْخَالِقْ ... أَوْ بِاسْمِهِ أَوْ صِفَةِ الْمُطَابِقْ(1/14)
لَو كَانَ حَيًّا قُلْتُمْ تَوَهُبَّا ... وَاخْتَارَ دِينَ الْعَارِضِي مَذْهَبَا
فَأَيْنَ أَيْنَ خَرَقْنَا الْإِجْمَاعَا ... وَقَوْلُنَا عِنْدَ الْهُدَاةِ شَاعَا
وَلِلْإِمَامِ بْنِ عَقِيلِ الْحَنْبَلِي ... عِبَارَةٌ بِهَا الشُّكُوكُ تَنْجَلِي
عَنَاهُ سَلِ التَّقِيَّ فِي رَسَائِلِهِ ... وَابْحَثْ تَرَى الْإِقْنَاعَ فِي مَسَائِلِهِ
وَاتَّبِعْ أَخِي فِي الدِّينِ مَنْ تَقَدَّمَا ... وَاحْذَرْ شُرُوحًا سَرَحَتْ وَادِي عَمَا
فَصْلٌ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ
قَدْ كَابَرُوا الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَا ... وَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالرَّسُولَا
قَدْ خَطَبَ الصِّدِّيقَ أَنَّ أَحْمَدَا ... قَدْ مَاتَ يَبْكِي وَبَكَى مَنْ شَهِدَا
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَةً وَعُمَرُ ... كَأَنْ لَمْ يَتْلُهَا قَدْ ذَكَرُوا
وَكَانَ قَدْ رَثَا حَسَّانُ الَّذِي ... قَدْ صِينَ عَنْ لَغْوِ وَلَيْسَ بِالْبَذِي
فَاقْتَدِ بِهِمْ أَوْ قُلْ هُمُوا الْجُهَّالُ ... أَوْ أَنَّهُمْ بِضِدِّ هَذَا قَالُوا
أَوْ أَنَّهُمْ صَدُّوا عَنِ الْحَقَايقْ ... قَدْ حَجَبُوا عَنْ وَاضِحِ الطَّرَائِقْ
حَاشَا وَكَلَّا بَلْ هُمْ اتْقَى الْوَرَى ... وَهُمْ بِهِ أَوْلَى وَأَهْدَى مَنْ دَرَى
أَعْطُوا عُلُومًا وَعُقُولًا ثَابِتَةْ ... وَفِطَرًا لِلتُّرَّهَاتِ مَاقِتَةْ
أَمَا حَيَاةُ الْبَرْزَخِ الْمَنْقُولَةِ ... فَإِنَّهَا إِلَى الْعَلِيِّ مَوْكُولَةْ
وَلَيْسَ لِلظِّنُونِ فِيهَا مَدْخَلُ ... وَالْحُكُمْ بِالْعُقُولِ فِيهَا يَعْضِلُ
الشُّهَدَا فِيهِمْ أَتَى الْمُصَرِّحْ ... أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ تَسْرَحْ
وَلِلنَّبِيِّ فَوْقَهُمْ مَزِيَّةْ ... سُنِيَّةً رَفِيعَةً عَلِيَّةْ
لَهَا اتِّصَالٌ وَهِي فِي الرَّفِيقِ ... وَكُنْهُهَا مَا بَانَ لِلْمَخْلُوقِ(1/15)
مَا عَرَفَ الْإِنْسَانُ كُنْهَ نَفْسِهِ ... فِي نَوْمَةٍ فَكَيْفَ حَالُ رَمْسِهِ
قَدْ شَبَّهُوا بِهَذِهِ الْمَسَائِلْ ... ذَرِيعَةً لِجَعْلِهِمْ وَسَائِلْ
وَإِنَّهُمْ غِيَاثُ مَنْ أَرَادُوا ... مَا سَمِعُوا أَخْبَارَ مَنْ يُرَادُ
عَنْ حَوْضِهِ يَقُولُ هُمْ أَصْحَابِي ... يُقَالُ لَا تَدْرِي عَنِ الْأَسْبَابِ
كَيْفَ اجْتِهَادُ سَاغَ مَعْ حَيَاتِهِ ... مِنْ صَحْبِهِ أَحْبَابٌ حُمَاتِهِ
وَالنَّصُّ يَنْفِي حُكْمَ قَوْلِ الْمُجْتَهِدْ ... لِأَنَّهُ مِنَ النَّبِيِّ قَدْ وُجِدْ
لَوْ سَاغَ هَذَا تَقَعُ الَاصْحَابَا ... بِحِرَّةٍ أَيَّامِهِا الصِّعَابَا
وَيَوْمَ صِفِّينَ الْعَظِيمِ وَالْجَمَلْ ... مَنْ جَاءَهُ مُسْتَنْجِدًا وَمَنْ سَأَلْ
أَنْتُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبَّا مِنْهُمُوا ... أَوْ أَنْتُمْ عَمَّا عَلِمْتُمْ أُجْمِوا
هَذَا عَلِيٌّ قَالَ لَيْسَ عِنْدَنَا ... بَعْدَ الْكِتَابِ عَنْهُ شَيْءٌ خَصَّنَا
بَلْ فِي قُرَابِي الْحُكْمِ فِي الدِّيَاتِ ... وَالْعَقْلِ مَعَ فَرايِضِ الزَّكَاةِ
فَاعْجَبْ لَمَنْ يَقُولُ كَانَ حَالُهُ ... مِثْلَ الٍْحَيَاةِ بِكْرًا آصَالُهُ
أَقُولُ لَا وَاللهِ حَاشَا كَلَّا ... لَوْ كَانَ مَا اخْتَارَهُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى
تَصَوَّرُوا بِالْعَقْلِ ضِدَّ الشَّرْعِ ... بِلَا دَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ مَرْعِي
لَوْ كَانَ يُفْتِي أَوْ يُغِيثُ ذَا لِزَمَنْ ... لَمْ يَتْرُكِ الْحُسَينَ تَعْرُوهُ الْمِحَنْ
أَيَتْرُكُ الطُّغَاةُ وَالرَّيْحَانَهْ ... قَدْ مَثَّلُوا بِرَاسِهِ أَهَانَهْ
وَيَتْرُكُ الْبَتُولَ فِي إِشْكَالِ ... مِيرَاثِهَا يُجْبَى لِبَيْتِ الْمَالِ
تَأْتِي إِلَى الصَّدِيقِ عَنْهُ تَسْأَلُهُ ... حَتَّى رَوَي نَصَّا صَرِيحًا تَجْهَلُهْ
بِاللهِ يَا قَوْمِ اتْرُكُوا الضَّلَالَ ... وَوَحِّدُوا مَوْلَاكُمْ تَعَالَى(1/16)
وَاتَّبِعُوا الرَّسُولَ فَهُوَ الْهَادِي ... وَهُوَ الْحَرِيصُ مُرْشِدُ الْعِبَادِ
صَلُّوا عَلَيْهِ وَاتْرُكُوا السَّفَاسِطْ ... وَحَكِّمُوا وَاحْذَرُوا الْمَغَالِطْ
تَبْلُغُهُ صَلَاتُنَا مِنْ بَعْدِنَا ... تَرُدُّ رُوحُ الْمُصْطَفَى مِنْ قُرْبِنَا
هَذَا لِعَمْرِي نِعْمَةٌ عَظِيمِةٌ ... وَمِنَّةٌ جَلِيلَةٌ جَسِيمَةٌ
إِذَا نُصَلِي مَرَّةً فَعَشْرُ ... مِنْ رَبِّنَا نِعْمَ الْجَزَاءِ وَالْأَجْرِ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ أَسْعَدَ الْوَرَى ... بِالْمُصْطَفَى شَفَاعَةً مَنْ طَهَّرَا
تَوْحِيدُهُ مِنْ مُبْطِلٍ وَحَقَّقَا ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ فِيهَا صَدَّقَا
أَنْ الرَّسُولَ أَنْذَرَ الْقَرَابَةْ ... مُعَمِّمًا مُخَصِّصًا أَحْبَابَةْ
يَقُولُ يَا عَبَّاسُ عَمَّ الْمُصْطَفَى ... لَا أُغْنِ شَيْئًا عَنْكَ كُنْ عَبْدَ الْوَفَا
وَقَالَ يَا قُرَيشُ إِنِّي مُنْذِرُ ... فَأَخْلِصُوا وَالرِّجْزَ فِيكُمْ فَاهْجُرُوا
وَيَا بِنْتِي فَاطِمَةُ اطْلُبِينِي ... مِنْ مَالٍ أَعْطِي قُدْرَتِي سَلِينِي
فَصْلٌ فِي وُقُوعِ الشِّرْكِ فِي الْعَالَمِ
فَلْيُورِدُوا اسْتِغَاثَةً بِالْمَيِّتْ ... عَنْ صَفْوَةِ الْقُرُونِ حِصْنِ السُّنَّةْ
أَوْ خَبْرًا يُعَارِضُ الصَّحِيحَا ... مُسَاوِيًا أَوْ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَا
إِنَّ الْأَوْلَى سَدُّوا طَرِيقًا سَدَّهُ ... لَمْ يَفْعَلُوا الْإِسْلَامُ عِنْدَهُ
وْالْخُلْفُ فِي اسْتِقْبَالِهِ وَقْتَ الدُّعَا ... وَالْجُلُّ عَنْ حُكْمٍ بِهَذَا امْتَنَعَا
سَدُّ الذَّرَايعِ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ ... وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُهُ فِي السَّمْعِ
إِنْ الرَّسُولَ قَالَ لَا تُطْرُونِي ... خَوفَ الْغُلُوِّ الْمُفْسِدِ الْمَلْعُونِ
وَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ ... مَقْصُودُهُ حِمَايةُ التَّوْحِيدِ(1/17)
فَاهْجُرْ أُنَاسًا قَدْ شَيَّدُوا الْقِبَابَ ... وَطَلَبُوا دَفِينَهَا الثَّوَابَا
يَأْتُونَهُ دَاعِينَ يَا فُلَانَا ... جِئْنَاكَ مِنْ بَعْدُ فَلَا تَنْسَانَا
وَإِنْ عَلَاهُ الْمَوْجُ نَادَى سَيِّدَهْ ... مَا عَرَفَ الْإِلَهَ حَتَّى يَعْبُدُهْ
أَمَّنْ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَّرِ ... وَمَنْ يُنْجِي فِي ظُلُمَاتِ الْبَحْرِ
سُبْحَانَ رَبِّي مَا عَرَفْتُمْ قَدْرَهُ ... خَالَفْتُمُوا أَحْكَامَهُ وَأَمْرَهُ
جَعَلْتُمُوا الْمَخْلُوقَ كَالْخَلَّاقِ ... هَذَا لِعَمْرِي غَايَةَ الشِّقَاقِ
ظَنَنْتُمُوا بِأَنَّ بِالْإِقْرَارِ ... يَصِحُّ إِسْلَامٌ مِنَ الْكُفَّارِ
وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَكْفِي ... لَوْ كَانَ ذَا الشِّرْكِ صُرَاح صِرْفِ
فَالْأَوَّلُونَ بِالْمَعَانِي أَعْرَفُ ... لَأَنَّهُمْ لَوْ نَطَقُوا مَا انْحَرَافُوا
لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ... مِنْ أَجْلِهِ قَدْ نُهُوا قَصْدُ النَّبِيِّ
وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقُوا ... أَوْثَانَهُمْ بِعَمَلِ يُطَابِقُ
قَالُوا لَهُ لَمَّا أَتَاهُمْ بِالْهُدَى ... أَجَعَلَ الْأَرْبَابَ رَبًّا وَاحِدًا
لَوْ عَلِمَ الْمَصْدُودُ عَمُّ الْمُصْطَفَى ... بِأَنْ يَكْفِيَهُ نُطْقُ لَاكْتَفَا
وَقَالَها يُرْضِي بِهَا الْمَعْصُومَا ... لَمَّا أَتَاهُ مُشْفِقًا مَهْمُومَا
وَقاَلَ قُلْهَا إِنَّمَا شَفَاعَتِي ... لِتَارِكِ الْإِشْرَاكِ ذَا الشَّنَاعَتِي
فَصَدُّهُ الْجُلَسَا يُوصُونَهْ ... وَذَكَّرُوهُ الْحُجَّةَ الْمَلْعُونَهْ
لِفَهْمِهِ الْمَدْلُولِ يَدْرِي أَنَّهُ ... إِنْ لَمْ يُفَارِقْ عِنْدَهَا مَا سَنَّهُ
وَاخْتَارَهُ الْأَبَاءُ فَالتَّلَفُظُ ... مِنْ دُونِ صِدْقٍ وَيَقِينٍ يَنْقُضُ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ شِرْكِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَشِدَّتِهِ
وَكَانَ شِرْكُ الْأَوَّلِينَ فِي الرَّخَا ... وَالْآنَ بَاضَ الْمُغْتَوِي وَفَرْخَا(1/18)
أَرْضَاهُمُوا قَالَ اجْعَلُوا الْوَلَايْجَا ... وَاقْضُوا فِي الشِّدَةِ الْحَوَايِجَا
أَعْمَالُكُمْ قَدْ ضَعُفَتْ قَصَّرْتُمُوا ... فَادْعُوهُمُوا فِي كُلِّ مَا أَرَدْتُّمْ
فَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللَّعِينِ السَّاعِي ... فِي أَنَّهُمْ يَعْصُونَ أَمْرَ الدَّاعِي
مَا أَنْكَرُوا جَمِيعُهُمْ أَنْ يُعْبَدَا ... بَلْ أَنْكَرُوا مِنْ جَهْلِهِمْ أَنْ يُفْرَدَا
فَصْلٌ فِي وُجُوبِ الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ
وَالْكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ فَرْضٌ لَازِمُ ... فِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فَأَيْنَ الْعَالِمُ
فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالنَّحْلِ الَّذِي ... يَكْفِي وَيَشْفِي فَاشْرَبِ الصَّافِي الْعَذِي
فَكُلُّ مَا جَاوَزَ الْمَشْرُوعَا ... فَإِنَّهُ الطَّاغُوتُ قُلْ مَمْنُوعَا
عِبَادَةٌ أَوْ طَاعَةٌ أَوْ حَبَا ... سَمَّى الْمُطَاعَ فِي الضَّلَالِ رِبًا
هَذَا عَدِيٌّ قَالَ لَسْنَا نَعْبُدُ ... قَالَ النَّبِيُّ لَيْسَ هَذَا الْمَقْصِدُ
يَتْلُو عَلَيْهِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ... أَرْبَابُهُمْ مُبْينًا أَخْبَارُهُمْ
هِيَ طَاعَةُ الْأَحْبَارِ فِي التَّحْلِيلِ ... كَذَلِكَ فِي التَّجْرِيمِ بِالتَّظْلِيلِ
وَالْحُكْمُ بِالْقَانُونِ أَمْرٌ مُنْكَرٌ ... لَا حَبَّذَا مَأْمًُورهُمْ وَالْآمِرُ
مَا عَلِمَ الْمِسْكِينُ حِينَ يَدَّهِنْ ... لَا تَجِدُ لَا تَقْعُدْ وَلَا تَرْكَنُوا
يَقُولُ دِينِي لِي وَقُلْ يَأَيُّهَا ... تَكْفِي وَلَكِنْ قَدْ دَهَاهُهُمْ جَهْلُهَا
قَدْ أُنْزِلَتْ لِلْفِرَقِ وَالْمُصَادَمَةِ ... فَاتَّخَذَتْ لِلْجَمْعِ وَالْمُسَالَمَةِ
فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّنَاهِي ... هُوَ طَهَ الْخَلِيلُ لَا تَبَاهِي
إِنَّ الرَّسُولَ قَالَ فِيمَا سَنَا ... مُرُوا تَنَاهُوا أَوْ لِيُوشِكَنَّا(1/19)
وَالْحُبُّ فِي اللهِ بِهِ تُنَالُ ... وِلَايَةُ الْحَبِيبِ وَالْآمَالِ
وَالْبُغْضُ فِيهِ لَازِمُ التَّوْحِيدِ ... فَاكْرَهْ مُفَارِقَ أَمَّةِ التَّنْدِيدِ
وَاصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ فَهَذَا نَعْتُهُ ... وَاقْبِضْ عَلَى الْجَمْرِ فَهَذَا وَقْتُهُ
وَاعْرِفْ بَأَنَّ الدِّينَ فِي أَهْلِ الزَّمَنِ ... عَادَ غَريِبًا طَبَّقَ نَصُّ الْمُؤْتَمَنِ
يَحِقُّ أَنْ يَبْكِي دَمًا عَلَيْهِ ... كُلُّ امْرِئٍ مُنْتَسِبٍ إِلَيْهِ
وَخَيْرُ خَتْمِي بِالصَّلَاةِ سَرْمَدَا ... عَلَى النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ أَحْمَدَا
وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ أَنْصَارِ الْهُدَى ... الْبَاذِلِينَ الْجُهْدَ فِي نَفِي الرَّدَا
مَا غَرَّدَ الْقَمْرِيُّ أّعْلَاهُ الرَّاكِي ... وَمَا بَكَى عِنْدَ الْحَطِيمِ الْبَاكِي
وَمَا حَدَا الْعِيسُ الْجِيادُ الْحَادِي ... مِيمَمًا أَعْلَامُ ذَاكَ الْوَادِي
تَمَّتْ بِخَيرِ عَمَّتْ(1/20)