حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بَيْنَمَا رجل بفلاة إِذا سَمِعَ رَعْدًا فِي سَحَابٍ فَسَمِعَ فِيهِ كَلامًا، اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ بِاسْمِهِ، فَجَاءَ ذَلِكَ السَّحَابُ إِلَى حَرَّةٍ فَأَفْرَغَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ جَاءَ إِلَى ذِنَابِ شَرْجٍ فَانْتَهَى إِلَى شَرْجَةٍ فَاسْتَوْعَبَ الْمَاءَ، وَمَشَى الرَّجُلُ مَعَ السَّحَابِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَجُلٍ قَائِمٍ فِي حَدِيقَةٍ يَسْقِيهَا فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ. مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: وَلِمَ تَسْأَلُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ فِي سَحَابٍ هَذَا مَاؤُهُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ بِاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا إِذَا صَرَمْتَهَا، قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَجْعَلُهَا عَلَى ثَلاثَةِ أَثْلاثٍ: أَجْعَلُ ثُلُثًا لِي وَلأَهْلِي، وَأَرُدُّ ثُلُثًا فِيهَا، وَأَجْعَلُ ثُلُثًا فِي الْمَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ ".
ذكر آيَة أُخْرَى تدل عَلَى وحدانية الله تَعَالَى، وبديع حكمته فِي إرْسَال الرِّيَاح:
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاح} . وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح} . وَقَالَ {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} .
432 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ الإِمَامُ بِحِمْصَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن بن مَعْرُوف الْحِمصِي، حَدثنَا يحيى ابْن(2/449)
صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن عَطاء ابْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقول: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا كَانَ يَوْمٌ ذُو الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا أَمْطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: " إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي "، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: " رَحْمَةٌ ".
433 - قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُوسٌ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى عَادٍ - يَعْنِي مِنَ الرِّيحِ - إِلا قَدْرَ خَاتَمِي هَذَا.
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.
ذكر آيَة أُخْرَى تدل عَلَى وحدانية الله تَعَالَى فِي خلق الْجبَال، وَمَا فِيهَا من الْمَنَافِع.(2/450)
434 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمد ابْن مَحْبُوبٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ فَعَجِبَتِ الْمَلائِكَةُ فَقَالَتْ: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: الْحَدِيدُ. قَالَتْ: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ نَعَمِ النَّارُ. قَالَتْ: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمِ، الْمَاءُ. قَالَتْ: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمِ الرِّيحُ. قَالَتْ: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمِ ابْنُ آدَمَ يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ ".
فصل فِي التحذير من تَكْفِير الْمُسلم
435 - أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ فِي كِتَابه، حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو سلم عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد(2/451)
ابْن شَهْدَلٍ، قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُس الْأَبْهَرِيّ، قَالَ أَحْمد ابْن جَعْفَرٍ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ النيلي، حَدثنَا عَليّ بن الْحسن ابْن عَلِيٍّ الْقَاضِي إِمْلاءً قَالا، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَبُو مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق عَن عَاصِم ابْن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا يُكَفِّرُ رَجُلٌ رَجُلا إِلا بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا إِنَّهُ لَكَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَقَدْ كَفَرَ بِتَكْفِيرِهِ إِيَّاهُ ".
436 - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ لَفْظًا، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ سَمَاعَةَ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ مُعَاذِ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُم رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا بِالْقُرْآنِ، حَتَّى إِذَا عَرَفَ الإِسْلامَ، وَرَأَى عَلَيْهِ بَهْجَتَهُ اخْتَرَطَ سَيْفُهُ فَضَرَبَ بِهِ جَارَهُ، وَرَمَاهُ بِالْكُفْرِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْكُفْرِ، الرَّامِي أَمِ الْمَرْمِيٌّ؟ قَالَ: " بَلِ الرَّامِي ".
437 - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا(2/452)
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُرسَانِيُّ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرٍ -، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي رَجُلٌ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ أَلِفٌ وَلا وَاوٌ رَمَى جَارَهُ بِالْكُفْرِ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ ". قَالَ: قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْكُفْرِ الرَّامِي أَوِ الْمَرْمِيُّ؟ قَالَ: " الرَّامِي ".
438 - قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عُمَارَةَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْخُصَيْبِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِفِسْقٍ أَوْ كُفْرٍ إِلا أَتَتْ عَلَى صَاحِبِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ".
439 - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: كَانَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجَاوِرُ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَكُنَّا نَأْتِيهِ فِي مَنْزِلِهِ فِي بَنِي فِهْرٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَكُنْتُمْ تُسَمُّونَ(2/453)
أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُشْرِكًا؟ قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَ: أَكُنْتُم تُسَمُّونَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَافِرًا؟ قَالَ: لَا.
440 - قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر، أخبرنَا أَحْمد بن مَنْصُور ابْن يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ الْحَدَّادَ صَاحِبَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيَّ بِالْبَصْرَةِ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: وَحدثنَا شُرَيْح ابْن يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو عذب الله أهل سماواته، وَأَهْلَ أَرْضِهِ بِدَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ لَقِيَ رَجُلٌ رَبَّهُ بِدَم أهل السَّمَاوَات وَالأَرْضِ أَرْجَا لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ ".
قَالَ أَحْمَد بن مَنْصُور: " سمع مني هَذَا الحَدِيث بنْدَار بن حُسَيْن فَقَالَ: هَذَا تَأْكِيد قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
441 - " من قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِر، فقد بَاء بِهِ أَحدهمَا ". وَإِنَّمَا الْقَتْل ذَنْب من الذُّنُوب، وَالْكفْر يُوقع القطيعة بَين العَبْد وَبَين ربه عز وَجل.(2/454)
442 - قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخِيرِيُّ، وَغَيْرُهُ قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِك الْمُسلم، لَهُ ذمَّة الله، وَذمَّة رَسُولِهِ ".
443 - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّ لِي جَارًا يَشْهَدُ عَلَيَّ بِالشِّرْكِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَفَلا تَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَتُكَذِّبَهُ.(2/455)
فصل فِي مَسْأَلَة الْمَعْدُوم، وَالْمَوْجُود
وَقعت هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَين ابْن سَالم، وَبَين جمَاعَة، وردوا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن سَالم: إِن الله عَزَّ وَجَلَّ رأى خلقه قبل أَن يخلقهم كَمَا رَآهُمْ بعد مَا خلقهمْ فَقَالَ الَّذين ردوا عَلَيْهِ: من قَالَ هَذَا فقد قَالَ بقدم الْعَالم، ثمَّ بعد ذَلِكَ كتبُوا محضرا، وأثبتوا فِيهِ خطوط مَشَايِخ أَصْبَهَان مِنْهُم أَبُو الشَّيْخ، وَمن مَعَه وَاتَّفَقُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى السُّكُوت، ثمَّ تكلم أَبُو الْفَتْح بن زنكلة الخاني فِيهَا فِي أَيَّام أَبِي عبد الله بن مندة فَرد عَلَيْهِ فِيمَا أملاه ردا شَدِيدا، وَمذهب أهل السّنة، والمقتدين بالسلف أَن الله تَعَالَى كَانَ وَلَا شَيْء، مَعَه وَهُوَ الأول قبل كل شَيْء، وَالْآخر بعد كل شَيْء لَيْسَ لأوليته ابْتِدَاء، وَلَا لآخرته انْقِضَاء. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن} وَقَالَ: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ(2/456)
رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} وَقَالَ: {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} لم يزل رَبنَا عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يزَال، وَكَانَ أبدا عَالما سميعا بَصيرًا. قَالَ عَزَّ وَجل: {إِنَّه كَانَ بعباده خَبِيرا بَصيرًا} . فَهَذَا يدل عَلَى أَنه سُبْحَانَهُ بَصِير بخلقه قبل أَن يخلقهم، بَصِير بأعمالهم قبل أَن يخلقهم، فَمن قَالَ: بَصَره فِي خلقه مُحدث فقد كفر، خلق الْخلق بِعِلْمِهِ وبصره فيهم، وَكَانُوا معدومين فأوجدهم، وَلم يتغيروا عَمَّا كَانُوا فِي علم الله وبصره فيهم، وَمَا زَاد فِي علم الله وبصره مَا نقص بعد وجودهم لِأَنَّهُ لَا تخفى عَلَيْهِ خافية، وَفعله وصنعه بِخِلَاف صنع الْعباد وفعلهم، يصنع العَبْد شَيْئا عَلَى أصل كَانَ قبله، أَو قِيَاس شَيْء بِشَيْء، وَالله تَعَالَى يحدث فِي خلقه مَا يَشَاء، وَلَا تَغْيِير فِي علمه، وَلَا إِحْدَاث فِي صفته.
فمذهب أهل السّنة إِثْبَات صِفَات الله الأزلية، وَنفي قدم الْعَالم، وَنفي تَشْبِيه صفته بِصفة خلقه فَمن قَالَ: إِن الله لم ير خلقه حَتَّى خلقهمْ ثمَّ رَآهُمْ فقد قَالَ: بإحداث الصّفة، وَمن تفكر فِي الله وَفِي صِفَاته ضل وَمن تفكر فِي خلق الله وآياته ازْدَادَ إِيمَانًا، وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم حَدِيث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/457)
444 - " تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَفَكَّرُوا فِي الله ". وروى عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
445 - " ليسألنكم النَّاس عَن كل شَيْء حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ الله؟ فَإِذا سئلتم فَقولُوا: الله قبل كل شَيْء ". وَفِي رِوَايَة: " فَقولُوا: الله أحد الله الصَّمد لم يلد، وَلم يلد، وَلم يكن لَهُ كفوا أحد، ثمَّ لينتفل عَن يسَاره ثَلَاثًا، وليستعيذ بِاللَّه من الشَّيْطَان ".
446 - وروى: " شَرّ الْأُمُور محدثاتها ".
447 - وَرُوِيَ: " إِن الْأَمر المفظع، وَالْحمل المضلع، وَالشَّر الَّذِي الَّذِي لَا يَنْقَطِع إِظْهَار الْبدع ".
448 - وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَنا نقتدي، وَلَا نبتدي وَنَتبع، وَلَا نبتدع، وَلنْ نضل مَا تمسكنا بالأثر ".(2/458)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: عَلَيْك بآثار من سلف، وَإِيَّاك وآراء الرِّجَال وَإِن زخرفوه بالْقَوْل، فَإِن الْأَمر ينجلي، وَأَنت عَلَى طَرِيق مُسْتَقِيم ".
وَقَالَ عُلَمَاء السّلف: " السّنة: الْعَمَل بِالْكتاب، وَالسّنة الِاقْتِدَاء بِصَالح السّلف وَأَتْبَاع الْأَثر ".
قَالُوا: وَلَا يستحي إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا علم لَهُ بِهِ أَن يَقُول: لَا أعلم ".
فصل
قَالَ أهل السّنة من السّلف: إِذا طعن الرجل عَلَى الْآثَار يَنْبَغِي أَن يتهم عَلَى الْإِسْلَام، وَأهل السّنة يتركون الْبَحْث عَمَّا لم تحط عُقُولهمْ بِهِ من(2/459)
المشكلات الَّتِي لم يتَكَلَّم فِيهَا المتقدمون، وَالْأَئِمَّة الماضون، وَلم يخوضوا فِيهِ، وهم أعلم بالتنزيل والتأويل، وَمِنْهُم أَخذ الْعلم وبهم يَقْتَدِي.
وَقَالُوا: " إِنَّمَا يُطَالب الله كل إِنْسَان بِقدر مَا أعطَاهُ من الْعقل، وَلَيْسَ الْعقل بالاكتساب، وَإِنَّمَا هُوَ فضل الله يُعْطي كل إِنْسَان مَا أَرَادَ فالخلق يتفاوتون فِي الْعقل.
فصل
449 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمد الإسفرايني، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ مُطَيَّنٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ إِلَهَكُمُ الَّذِي يُعْبَدُ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ قَدْ مَاتَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ إِلَهَكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، ثُمَّ تَلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خلت من قبله الرُّسُل} .(2/460)
450 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مَرْدُوَيْهِ بْنِ عِيسَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَارِضُ بِالأَهْوَازِ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ ابْن جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوَجِّهَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ اسْتَشَارَ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْلا أَنَّكَ تَسْتَشِيرُنَا مَا تكلمنا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيَّ كَأَحَدِكُمْ " فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ فَتَكَلَّمَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِرَأْيِهِ قَالَ: " مَا تَرَى يَا مُعَاذُ؟ " قَالَ: أَرَى مَا رَأَى أَبُو بكر. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْرَهُ مِنْ فَوْقِ سَمَائِهِ أَنْ يُخْطِئَ أَبُو بَكْرٍ "، أَوْ قَالَ: " أَنْ يُخطئ أَبُو بَكْرٍ ".
451 - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ النَّعَّالُ بِبَغْدَاد، أخبرنَا أَبُو الْحسن ابْن بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنَا أَعْظَمُ نِسَائِكَ عَلَيْكَ(2/461)
حَقًّا، وَأَنَا خَيْرُهُنَّ مَنْكَحًا، وَأَكْرَمُهُنَّ سَفِيرًا، وَأَقْرَبُهُنَّ رَحِمًا زَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ السَّفِيرَ بِذَلِكَ، وَأَنَا ابْنَةُ عَمَّتِكَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ نِسَائِكَ قَرِيبَةٌ غَيْرِي.
452 - أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُثْمَان ابْن أَحْمَدَ السَّمَّاكُ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ الثَّغْرِيُّ، حَدثنَا عبد الصَّمد ابْن النُّعْمَان بن عِيسَى بن طعمان، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تَفْخَرُ عَلَى نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي مِنَ السَّمَاءِ.
فصل
قَالَ أهل السّنة: لَا نرى أحدا مَال إِلَى هوى، أَو بِدعَة إِلَّا وجدته متحيرا ميت الْقلب مَمْنُوعًا من النُّطْق بِالْحَقِّ.
وَقَالُوا: الْكَلَام فِي الرب عَزَّ وَجَلَّ بِدعَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يتَكَلَّم فِي الرب عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِمَا وصف بِهِ نَفسه فِي الْقُرْآن وَمَا بَينه رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ جلّ ثَنَاؤُهُ الأول بِلَا ابْتِدَاء وَالْآخر بِلَا انْتِهَاء يعلم السِّرّ وأخفى، وعَلى الْعَرْش اسْتَوَى، علمه بِكُل مَكَان قد أحَاط بِكُل شَيْء علما {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} .(2/462)
لَا يُقَال فِي صِفَاته كَيفَ، وَلم، وَالْقُرْآن كَلَامه عَزَّ وَجَلَّ: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} . ففصل الْأَمر من الْخلق، فَمن زعم أَن الْأَمر الَّذِي خلق بِهِ الْخلق مَخْلُوق فَهُوَ ضال.
فصل
وَمن مَذْهَب أهل السّنة: أَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان فِي السَّمَاء السَّابِعَة وسقفها الْعَرْش، وَالنَّار تَحت الأَرْض السُّفْلى، وَأهل السّنة يُؤمنُونَ بنزول عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، ينزل وَيقتل الدَّجَّال، ويدفنه الْمُسلمُونَ.(2/463)
فصل فِي قصَّة الدَّجَّال
453 - أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذان، أخبربا أَبُو بَكْرٍ الْقَبَّابُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَاتَ يَوْمٍ فَكَانَ آخِرُ خُطْبَتِهِ مَا يُحَدِّثُنَا عَنِ الدَّجَّالِ، وَيُحَذِّرُنَا، فَكَانَ قَوْلُهُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ إِلا حَذَّرَ أُمَّتَهُ، وَأَنَا آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدِي فَكل امريء حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهِ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَيَعِيثُ يَمِينًا، وَشِمَالا، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فَيَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ، وَلا نَبِيَّ بَعْدِي، ثُمَّ يَثْنِي فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، وَلَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه كُلُّ مُؤْمِنٍ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَتْفُلْ فِي وَجهه، وَإِن من فِتْنَتَهُ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وجنته نَارا فَمن ابتلى(2/464)
بِنَارِهِ فَلْيَقْرَأْ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ يَكُونُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا كَمَا كَانَتِ النَّارُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ شَيَاطِينَ يَتَمَثَّلُ عَلَى صُورَةِ النَّاسِ فَيَأْتِي الأَعْرَابِيَّ فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيَاطِينُهُ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَقُولانِ لَهُ: يَا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ رَبُّكَ. وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا ثُمَّ يُحْيِيهَا وَلَنْ يُقْدَرَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلا يصنع ذَلِك بِنَفس غَيرهَا. فَيَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي أَبْعَثُهُ الآنَ، فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِي فَيَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ، وَأَنْتَ الدَّجَّالُ عَدُوُّ اللَّهِ.
وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ: أَنْ يَقُولَ لِلأَعْرَابِيِّ: أَرَأَيْتَكَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيَاطِينُهُ على صُورَة أَبِيه.
وَإِن من فتنته: أَنْ يَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ، فَيَمُرُّ بِالْحَيِّ مِنَ الْعَرَبِ فَيُكَذِّبُونَهُ فَلا يَبْقَى لَهُمْ سَائِمَةٌ إِلا هَلَكَتْ وَيَمُرُّ مِنَ الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُونَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فتننبت فَتَرُوحُ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ أَسْمَنَهُ وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ وَأَدَرَّهُ ضُرُوعًا، وَإِنَّ أَيَّامه أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمًا كَالسَّنَةِ، وَيَوْمًا دُونَ ذَلِكَ، وَيَوْمًا كَالشَّهْرِ وَيَوْمًا دُونَ ذَلِكَ، وَيَوْمًا كَالْجُمُعَةِ وَيَوْمًا دُونَ ذَلِكَ، وَيَوْمًا كَالأَيَّامِ، وَسَائِرُ أَيَّامِه كَالشَّرَرَةِ فِي الجريدة ".(2/465)
قَالَ الشَّيْخ: قَوْله: " فَأَنا حجيج كل مُسلم " أَي محجج أحتج لكل مُسلم. وَقَوله: " من خله ": يَعْنِي من خربه، والجريدة، جَرِيدَة النّخل يَعْنِي الْغُصْن الْيَابِس، وَالْوَرق الْيَابِس، وَقَوله: وَلنْ يقدر لَهَا بعد ذَلِكَ يُسَلِّطهُ الله فِي الِابْتِدَاء على قلته وإحيائه، ويمنعه من ذَلِكَ فِي الثَّانِيَة، وَقَوله: " فيأمر السَّمَاء أَن تمطر ": قيل: يقدره الله على ذَلِك للعباد كَمَا أقدر إِبْلِيس عَلَى الجري فِي عروق بني آدم.
فصل
وَمن مَذْهَب أهل السّنة: إِن كل مَا سَمعه الْمَرْء من الْآثَار مِمَّا لم يبلغهُ عقله نَحْو حَدِيث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
454 - " خلق الله آدم عَلَى صورته " وأضباه ذَلِكَ فَعَلَيهِ التَّسْلِيم والتصديق، والتفويض وَالرِّضَا، وَلَا يتَصَرَّف فِي شَيْء مِنْهَا بِرَأْيهِ وهواه من فسر من ذَلِكَ شَيْئا بِرَأْيهِ وهواه أَخطَأ وضل.
فصل
وَمن مَذْهَب أهل السّنة: أَنهم لَا يرَوْنَ الْخُرُوج عَلَى الْأَئِمَّة وَإِن كَانَ مِنْهُم بعض الْجور مَا أَقَامُوا الصَّلَاة لما ورد فِي ذَلِكَ من الْخَبَر. وعَلى(2/466)
الْأَئِمَّة إِقَامَة الْحُدُود، وَقسم الْفَيْء وَصَلَاة الْجُمُعَة، والأعياد. وَقد كَانَ جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلونَ صَلَاة الْجُمُعَة والأعياد خلف أَئِمَّة الْجور، وَالصَّلَاة مَعَه سنة قَائِمَة فِي تَركهَا مَعَهم هلكة قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
455 - " اسْمَع، وأطع، وَإِن كَانَ عبدا حَبَشِيًّا ".
456 - وَقَالَ: " اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْض ".
فصل
ونقر بِأَن الرّوح ترسل فِي الْمَيِّت فِي قَبره حَتَّى يسْأَله مُنكر وَنَكِير عَن الْإِيمَان ثمَّ تسل بِلَا ألم، وَيعرف الْمَيِّت الزائر إِذا أَتَاهُ، ويعذب الْمُؤمن فِي قَبره كَيفَ شَاءَ الله، وكل شَيْء كتب عَلَيْهِ الفناء، وَلَيْسَ تفنى الْجنَّة وَالنَّار، وَالْعرش والكرسي، واللوح، والقلم، والصور لَيْسَ يفنى شَيْء من هَذِهِ الْأَشْيَاء.(2/467)
فصل
وأفعال الله لَا تشبه أَفعَال الْعباد فَيُقَال: لم، وَكَيف؟ إِنَّمَا ذَلِكَ تعبد من الله لخلقه وابتلاهم بِهِ وَقد توقف الزُّهْرِيّ عَن تَفْسِير حَدِيث رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقيل لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: من الله الْعلم، وعَلى رَسُوله الْبَلَاغ، وعلينا التَّسْلِيم
قَالَ أهل السّنة: أَدَاء الْفَرَائِض، وأعمال الْجَوَارِح من الطَّاعَات هِيَ من الْإِيمَان وللنبيين شَفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة، وللصديقين، وَالصَّالِحِينَ، وَللَّه عَزَّ وَجَلَّ تفضل كثير عَلَى من يَشَاء، وَخُرُوج المذنبين من النَّار بَعْدَمَا احترقوا وصاروا حمما حق.
والصراط حق يجوز عَلَيْهِ من شَاءَ الله، وَيسْقط فِي جَهَنَّم من شَاءَ الله، وَلَهُم أنوار عَلَى قدر أَعْمَالهم.(2/468)
وَيَنْبَغِي للمرء أَن يحذر محدثات الْأُمُور فَإِن كَانَ محدثة بِدعَة، وَالسّنة إِنَّمَا هِيَ التَّصْدِيق لآثار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَترك معارضتها بكيف، وَلم، وَالْكَلَام والخصومات فِي الدّين، والجدال مُحدث وَهُوَ يُوقع الشَّك فِي الْقُلُوب، وَيمْنَع من معرفَة الْحق وَالصَّوَاب، وَلَيْسَ الْعلم بِكَثْرَة الرِّوَايَة، وَإِنَّمَا هُوَ الإتباع، والاستعمال.
يَقْتَدِي بالصحابة، وَالتَّابِعِينَ وَإِن كَانَ قَلِيل الْعلم، وَمن خَالف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَهُوَ ضال، وَإِن كَانَ كثير الْعلم.
فصل
وَإِذا طلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا فقد حرمت عَلَيْهِ لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره وَالشِّرَاء وَالْبيع فِي أسواق الْمُسلمين حَلَال بِحكم الْكتاب وَالسّنة. ومتعة النِّسَاء حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.(2/469)
فصل يدل عَلَى أَن الْعين حق
457 - أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَوْ قُلْتُ إِنَّ شَيْئًا يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَقُلْتُ الْعَيْنُ، تَسْبِقُ الْقَدَرَ ".
458 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْحَارِثِيُّ عَنْ طَالِبِ بْنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ(2/470)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِالأَنْفُسِ يَعْنِي الْعَيْنَ ".
فصل
إِن الله عَزَّ وَجَلَّ بفضله وَكَرمه أنزل كِتَابه فكشف بِهِ الْحيرَة، وَأتم بِهِ الْحجَّة علينا، وَلم يفرط فِي شَيْء فِيهِ حَتَّى يحوجنا إِلَى اسْتِعْمَال الرَّأْي، وَالْعقل قَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهم مهتدون} وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَة حَسَنَة} ، وَقَالَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب إليم} فَهَذَا حجَّة من الله عَلَى خلقه دعاهم إِلَيْهَا ليكونوا متبعين لمن يَأْخُذُونَ عَنهُ الدّين.
459 - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: خطّ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطا ثمَّ قَالَ: " هَذَا سَبِيل الله "، وَخط خُطُوطًا عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله فَقَالَ:(2/471)
" هَذِه سبل الشَّيْطَان على كل سَبِيل مِنْهَا شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ "، ثمَّ تَلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتفرق بكم عَن سَبيله}
460 - وَرُوِيَ عَن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا عذر لأحد فِي ضَلَالَة ركبهَا حسبها هدي، وَلَا هدى يركبه حَسبه ضَلَالَة. فقد ثبتَتْ الْحجَّة، وَانْقطع الْعذر.
وَذَلِكَ أَنه تبين للنَّاس أَمر دينهم فعلينا الإتباع لِأَن الدّين إِنَّمَا جَاءَ من قبل الله تَعَالَى لم يوضع عَلَى عقول الرِّجَال، وآرائهم قد بَين الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السّنة لأمته، وأوضحها لأَصْحَابه، فَمن خَالف أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شَيْء من الدّين فقد ضل.
فصل
461 - أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْمَدِينِيّ، أخبرنَا أَبُو الْحسن بن عبد كويه، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْن(2/472)
إِسْحَاقَ بْنِ إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ الْقَاضِي، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ شِبْلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَحْكِي عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: " وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - هَلْ يَنَامُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عز وَجل إِلَيْهِ ملكلاً فَأَرَّقَهُ ثَلاثًا وَأَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ بِهِمَا فَجَعَلَ يَنَامُ، وَتَكَادُ يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ نَامَ نَوْمَةٌ فَاصْطَكَّتْ يَدَاهُ فَانْكَسَرَتِ الْقَارُورَتَانِ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى لَو نمت لم تسْتَمْسك السَّمَاوَات وَالأَرْضُ ".
462 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ اللَّيْثِ أَبُو صَالِحٍ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ذِي الْجَنَاحَيْنِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الطَّائِفِ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَأَتَى ظِلَّ شَجَرَةٍ، فَصَلَّى تَحْتَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَاخِطًا عَلَيَّ فَلا أُبَالِي، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِكَ أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ(2/473)
الْكَرِيم الَّذِي أَضَاءَت لَهُ السماوت، وَأَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَنْ تُنْزِلَ عَلَيَّ غَضَبَكَ، أَوْ يَحُلَّ عَليّ سخطك ".
463 - قَالَ: وَحدثنَا الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَرْبَعٍ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ ".
464 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ أَبُو أُمَيَّةَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيم بن أُميَّة عَن عبد الله ابْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ ".
465 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ،(2/474)
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ الْقِتْبَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَرَدَّ سَائِلَهُ ".
466 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن الأحمد، حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب ابْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخَوْلانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَّمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ صَبَاحٍ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ، أَوْ خلقت من خلق فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا شِئْتَ كَانَ، وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَا صَلَّيْتَ مِنْ صَلاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتَ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ. أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَدَرِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ(2/475)
مُضِلَّةٍ. أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَعْتَدِيَ، أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ، أَوْ أَكْسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ. اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدُكَ، وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا. أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ، وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ. وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ. وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ / وَأَشْهَدُ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَة، وعوزة، وَذَنْبٍ، وَخَطِيئَةٍ فَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلا بِرَحْمَتِكَ فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ".
467 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلاةً أَوْجَزَهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، خَفَّفْتَ. فَقَالَ: أَمَا عَلَيَّ ذَلِكَ، لَقَدْ دَعَوْتُ بدعوات سَمِعتهنَّ من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَامَ رَجُلٌ فَاتَّبَعَهُ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ(2/476)
فَأَخْبَرَهُ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلك نعيماً لَا ينفذ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.
فصل
قَالَ بعض عُلَمَاء أهل السّنة: الْكَلَام فِي صِفَات الله صَعب، وَالدُّخُول فِيهَا شَدِيد وَمن تكلم فِي صِفَات الله بِمَا لَا يَلِيق بِهِ، وَنسب إِلَيْهِ مَا لَا يحسن فِي صِفَاته، وَترك الإتباع، وآثر الاختراع ضل عَن الْهدى وَقد ذمّ الله أَقْوَامًا خَاضُوا فِي آيَاته فَقَالَ عز من قَائِل لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُم} فَأمره بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُم، ثمَّ أَمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يبين للْمُؤْمِنين مَا أنزلهُ إِلَيْهِ من كَلَامه فَقَالَ: " {أنزلنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وكل مَا بَينه الله تَعَالَى، أَو رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقد كفانا الله(2/477)
مؤونته، وَمَا لم يُبينهُ فالمرجع فِيهِ إِلَى كَلَام الصَّحَابَة، وَالْعُلَمَاء المقتدى بهم الَّذين هم أَعْلَام الْهدى. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فبهداهم اقتداه} وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
468 - " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ " وَقد ترك قوم الِاقْتِدَاء، وقاسوا صِفَات الله بعقولهم فضلوا، وأضلوا، فَمن مقالتهم أَن قَالُوا بعقولهم النَّاقِصَة، ومقاييسهم الْبَاطِلَة: كَمَا أَن الله تَعَالَى لَيْسَ فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِك صِفَاته لَيست فِي الدُّنْيَا، يعنون أَن الْمَصَاحِف لَيْسَ فِيهَا قُرْآن وَأَن الْقُرْآن الَّذِي نَكْتُبهُ إِنَّمَا هُوَ مداد نسود بِهِ بَيَاضًا.
وَقَالُوا كَمَا أَن الله تَعَالَى لَيْسَ فِي قُلُوبنَا فَكَذَلِك صفته لَيست فِي قُلُوبنَا يُرِيدُونَ أَن لَيْسَ بموجود فِي الصُّدُور، وَأَن الَّذِي نقرأه لَيْسَ بقرآن إِنَّمَا هُوَ عبارَة، وحكاية. وَمن قَالَ هَذَا، فقد صرح بِأَن الْقُرْآن غير منزل.
وَمذهب أهل السّنة أَن الله تَعَالَى أظهر للسامعين من أَلْسِنَة مخلوقة، وأفعال مخلوقة، وَهِي حركات الْأَلْسِنَة كلَاما غير مَخْلُوق، وَكَذَلِكَ يظْهر من حبر مَخْلُوق وكاغد مَخْلُوق، وَأَقْلَام مخلوقة، وكلاما غير مَخْلُوق بِلَا كَيفَ.
وَقَالُوا: أَنا نسْمع تَارَة صَوتا طيبا، وَتارَة صَوتا غير طيب، وَتارَة رفيعا، وَتارَة غير رفيع. يُقَال لَهُم: إِن الله قد أظهر من الْأَلْسِنَة المخلوقة(2/478)
والحركات المخلوقة قُرْآنًا غير مَخْلُوق، وَكَذَلِكَ أظهر من المداد الْمَخْلُوق، وَالْأَفْعَال المخلوقة كلَاما غير مَخْلُوق بِلَا كَيفَ، وَالله تَعَالَى يظْهر صِفَاته من حَيْثُ يَشَاء، كَيفَ يَشَاء عَلَى مَا يَشَاء، وَقد قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّكَ لتلقى الْقُرْآن من لدن حَكِيم عليم} . وَقَالَ: {وأوحي إِلَيّ هَذَا الْقُرْآن} . وَقَالَ: {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} وَهَذَا إِشَارَة إِلَى حَاضر. فَأخْبر أَن النُّطْق يَصح من الْكتاب بِلَا نَاطِق، والناطق بِهِ رَبنَا عَزَّ وَجَلَّ بِلَا كَيْفيَّة، وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
469 - فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} إِن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي بَين أظْهركُم يُوشك أَن يرفع، قيل لَهُ: كَيفَ يرفع وَقد أثْبته الله فِي قُلُوبنَا، وَأَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفنَا؟ قَالَ: يسري عَلَيْهِ لَيْلَة فينزع مَا فِي الْقُلُوب وَيذْهب مَا فِي الْمَصَاحِف.(2/479)
فَدلَّ أَنه أَرَادَ أَن يرفع الْقُرْآن الظَّاهِر فِي الْمَصَاحِف، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّه لقرآن كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطهرُونَ} فَلَو أَرَادَ بِهِ الحبر لنهاهم أَن يمسوا الحبر الَّذِي فِي المحبرة، وَلَا يجوز أَن ينْهَى عَن مس شَيْء لَيْسَ يرى، وَلَا هُوَ غير ظَاهر.
470 - وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تسافروا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو ". وَلَو أَرَادَ بِالْقُرْآنِ الحبر لنهاهم عَن السّفر بالمحابر.
471 - وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لجَابِر حِين شكا إِلَيْهِ رمد الْعين: " انْظُر بالمصحف ". أَرَادَ بِهِ النّظر إِلَى الْقُرْآن الَّذِي أنزلهُ الله تَعَالَى شِفَاء للْمُسلمين.
472 - وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قَرَأَ الْقُرْآن نظرا فَلهُ بختمه ألفا دَرَجَة، وَمن قَرَأَ حفظا فَلهُ ألف دَرَجَة ". فولا أَن يَصح النّظر لم يكن لتضعيف الثَّوَاب معنى، وَصَحَّ أَنه أَرَادَ بِهِ النّظر إِلَى كَلَامه، الَّذِي هُوَ مَخْلُوق.
473 - وَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " مَا أحب أَن يَأْتِي عَليّ يَوْم وَلَا لَيْلَة لَا أنظر إِلَى كَلَام رَبِّي ".(2/480)
وَقَالَ أَحْمَد بن حَنْبَل رَحمَه الله: إِن الْقُرْآن يتَصَرَّف عَلَى خَمْسَة أوجه: نرَاهُ بِأَبْصَارِنَا، والأبصار مخلوقة، وَالَّذِي نبصر فِيهَا غير مَخْلُوق، ونقرأه بألسنتنا الْأَلْسِنَة مخلوقة، والمقروء بهَا غير مَخْلُوق، ونسمعه بآذاننا، والآذان مخلوقة والمسموع بهَا غير مَخْلُوق، ونكتبه بِأَيْدِينَا، وَالْأَيْدِي مخلوقة، والمكتوب بهَا غير مَخْلُوق، ونحفظه بقلوبنا الْقُلُوب مخلوقة، وَالْمَحْفُوظ بهَا غير مَخْلُوق ".
فصل
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} وَقَالَ: {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون} وَقَالَ تَعَالَى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} وَقَالَ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذين أُوتُوا الْعلم} . وَقَالَ: {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} وَقَالَ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} أخبر أَنه يجوز أَن يكون كَلَامه فِي الألواح، والمصاحف، وَأَن يكون مَوْجُودا فِي الْقُلُوب، والصدور.(2/481)
وَقَالَ: {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك} ، وَقَالَ: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر} وَقَالَ: {يسمعُونَ كَلَام الله ثمَّ يحرفونه} يَعْنِي يسمعُونَ كَلَام الله من لِسَان مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ: {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}
فَهُوَ عَلَى عَرْشه، وَكَلَامه يجْرِي عَلَى ألسنتنا، وَهُوَ مَحْفُوظ فِي قُلُوبنَا مَكْتُوب مرئي كَمَا قَالَ: إِن الله تَعَالَى لَا كَيْفيَّة لَهُ فَكَذَلِك كَلَامه لَا مثل لَهُ، وَصِفَاته لَا كَيْفيَّة لَهَا.
فَإِن قيل: كل مرئي بِالْعينِ لَا بُد من كيفيته. قُلْنَا: إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى ربه لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَلم يقدر أَن يصفه بكيفية. لِأَن من لَا كَيْفيَّة لَهُ لَا يُوصف بالكيف، وَكَذَلِكَ يرى الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَة فَلَا يقدرُونَ أَن يصفوه بكيفية.(2/482)
فَإِن قيل: أَنا نرى الْمَصَاحِف تحرق، والسواد يمحى، وَيغسل. قيل: المحو وَالْغسْل إِذا حصل لم يكن وَاقعا عَلَى صِفَات لربنا عَزَّ وَجَلَّ، لِأَن الله عَزَّ وَجَلَّ يظْهر صفته كَيفَ يَشَاء، يَشَاء مرّة عَلَى الْأَلْسِنَة، وَمرَّة فِي الْمَصَاحِف وَالله تَعَالَى لَا مثل لَهُ وَكَلَامه لَا مثل لَهُ، وَلَيْسَ إِلَى الْخَوْض فِي آيَاته وَصِفَاته بالعقول سَبِيل، عصمنا الله من الْقدح، والخوض فِيمَا لَا نحيط بِهِ علما بفضله وَرَحمته.
فصل
قَالَ بعض الْعلمَاء: لَا يُوصف الله إِلَّا بِمَا وصف بِهِ نَفسه أَو قَالَه الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ.
سَأَلَ أَبُو الْعَبَّاس الناشيء أَبَا إِسْحَاق الزّجاج فَقَالَ: الله عَزَّ وَجَلَّ الرَّحِيم، وَيَقُول: فلَان رَحِيم، كَيفَ نفرق بَينهمَا، وَإِنَّمَا الرَّحْمَة رقة؟ فَكيف جَازَ أَن يُوصف الله عَزَّ وَجَلَّ بهَا؟ فحاد(2/483)
وَقَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعت إِسْحَاق يَقُول: إِن الله عَزَّ وَجَلَّ وصف نَفسه فِي كِتَابه بِصِفَات اسْتغنى الْخلق كلهم أَن يصفوه بِغَيْر مَا وصف بِهِ نَفسه.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا يلْزم الْعباد الاستسلام، وَلَا يعرف ملك مقرب، وَلَا نَبِي مُرْسل تِلْكَ الصِّفَات، إِلَّا بالأسماء الَّتِي عرفهم الرب عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يدْرك بالعقول والمقاييس مُنْتَهى صِفَات الله عَزَّ وَجَلَّ، فسبيل ذَلِكَ إِثْبَات معرفَة صِفَاته بالاتباع والاستسلام، فَإِن طعن أهل الْأَهْوَاء عَلَى أهل السّنة ونسبوهم إِلَى التَّشْبِيه إِذا وافقوا بَين الْأَسْمَاء. يُقَال: لَيْسَ الْأَمر كَمَا يتوهمون لِأَن الشَّيْئَيْنِ لَا يشتبهان لاشتباه أسمائها فِي اللَّفْظ، وَإِنَّمَا يشتبهان بأنفسهما أَو بمعان مشتبهة فيهمَا، وَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا قَالُوا وتوهموا لاشتبهت الْأَشْيَاء كلهَا لِأَنَّهُ يَقع عَلَى كل وَاحِد مِنْهُم اسْم شَيْء.(2/484)
فصل
قَالَ بعض عُلَمَاء أهل السّنة: نَحن لَا نرى الْكَلَام، والخوض فِي الدّين والمراء والخصومات، فمهما وَقع الْخلاف فِي مَسْأَلَة رَجعْنَا إِلَى كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى سنة رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَإِلَى قَول الْأَئِمَّة، فَإِن لم نجد ذَلِكَ فِي كتاب الله، وَلَا فِي سنة رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يقلهُ الصَّحَابَة، والتابعون سكتنا عَن ذَلِكَ ووكلنا علمه إِلَى الله تَعَالَى، لِأَن الله تَعَالَى أمرنَا بذلك فَقَالَ عز من قَائِل: \ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول}
قَالَ أهل التَّفْسِير: إِلَى الله: إِلَى كِتَابه، وَإِلَى الرَّسُول: إِلَى سنته، وَمَا قَالَه اللفظية فَلَيْسَ فِي كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا فِي سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا قَالَه أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَأول من تلكم بِهِ الْحُسَيْن الْكَرَابِيسِي فَأنْكر عَلَيْهِ أَحْمد ابْن حَنْبَل قَوْله أَشد الْإِنْكَار وَنهى عَن مُجَالَسَته، فَمَاتَ مَهْجُورًا فَلم ينْتَفع بِعِلْمِهِ.
وَمن الدَّلِيل عَلَى بطلَان قَوْلهم من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يسمع كَلَام الله} ، وَلنْ يسمع كَلَام الله إِلَّا بِتِلَاوَة التَّالِي، وَهل هُوَ إِلَّا كَلَام الله.(2/485)
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} فقد علم أَن هَؤُلاءِ النَّفر من الْجِنّ إِنَّمَا سمعُوا من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فامنا بِهِ} ، فآمنت طَائِفَة من أهل الْإِسْلَام أَن يَقُولُوا: قُرْآن. إِن هَذَا للعجب العجيب.
وَأما بَيَان ذَلِك من قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي:
474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن كثير، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيل، حَدَّثَنَا عُثْمَان بن الْمُغيرَة عَن سَالم، عَن جَابر قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعرض نَفسه عَلَى النَّاس بالموقف فَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه، فَإِن قُريْشًا مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي؟ ".
قَالَ: وَلم يقل: أَن أبلغ حِكَايَة كَلَام رَبِّي.
475 - وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ من كَلَام النَّاس ".
قَالَ أَبُو عُثْمَان: من أَمر السّنة عَلَى نَفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، وَمن أَمر الْهوى عَلَى نَفسه نطق بالبدعة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تهتدوا}(2/486)
فصل
476 - رُوِيَ عَن أَبِي أُمَامَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ، إِلَّا أُوتُوا الجدل "، ثمَّ قَرَأَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَك إِلَّا جدلاً} .
477 - وَعَن عَليّ بن أَبِي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله عَزَّ وَجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا} قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ بِالْجَمَاعَة ونهاهم عَن الِاخْتِلَاف والفرقة، وَأخْبرهمْ أَنما هلك من كَانَ قبلهم بالمراء والخصومات فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ مَالك بن أنس، وَذكر الْجِدَال فِي الدّين فَأنكرهُ، وَنهى عَنهُ قَالَ: أَو كلما جَاءَ رجل أجدل من رجل تركنَا مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلامُ - إِلَى مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/487)
وَقَالَ مَعْرُوف الْكَرْخِي: إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى بِعَبْد خيرا فتح لَهُ بَاب الْعَمَل، وَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد شرا أغلق عَلَيْهِ بَاب الْعلم، وَفتح عَلَيْهِ بَاب الجدل.
فصل
ذكر أَبُو مَسْعُود الرَّازِيّ فِي كتاب السّنة عَن عمر بن الْخطاب قَالَ:
478 - إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم كل مُنَافِق عليم اللِّسَان يتَكَلَّم بالحكمة وَيعْمل بالجور.
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: " من جعل دينه غَرضا للخصومات أَكثر التنقل. وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، أَو مُعَاوِيَة بن قُرَّة: إيَّاكُمْ، والخصومات(2/488)
فَإِنَّهَا تحبط الْأَعْمَال. وَرَأى صَفْوَان بن مُحرز شبيبة يجادلون فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتُم حَرْب. وَقَالَ أَبُو الجوزاء مَا رَأَيْت أحدا قطّ.
فصل
قَالَ بعض أهل النّظر: لَا يُوصف الله بِالصبرِ، وَلَا يُقَال صبور، وَقَالَ: الصَّبْر تحمل الشَّيْء، وَلَا وَجه لإنكار هَذَا الِاسْم لِأَن الحَدِيث قد ورد بِهِ، وَلَوْلَا التَّوْقِيف لم نَقله. وَقَالَ بعض عُلَمَاء أهل السّنة: معنى الصبور: أَنه لَا يعاجل بالعقوبة.(2/489)
وَقَالَ: لَا يجوز أَن يُوصف الله بالجميل، وَلَا وَجه لإنكار هَذَا الِاسْم أَيْضا لِأَنَّهُ إِذا صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا معنى للمعارضة، وَقد صَحَّ أَنه قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
479 - " إِن الله جميل يحب الْجمال ". فَالْوَجْه إِنَّمَا هُوَ التَّسْلِيم وَالْإِيمَان.
قَالَ بعض الْعلمَاء: لَا يجوز أَن يُوصف الله بالسخي لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ نَص ويوصف بالجواد لِأَنَّهُ ورد بِهِ النَّص.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُوصف الله بِالْغَضَبِ، وَلَا يُوصف بالغيظ. وَقيل الغيظ بِمَنْزِلَة الْحَسْرَة، وَقيل أَنا نغتاظ من أفعالنا، وَلَا نغضب مِنْهَا.
وَقَالَ قوم: لَا يُوصف الله بِأَنَّهُ يعجب، لِأَن الْعجب مِمَّن يعلم مَا لم يكن يعلم. وَاحْتج مُثبت هَذِهِ الصّفة بِالْحَدِيثِ، وبقراءة أهل الْكُوفَة: {بل عجبت ويسخرون} عَلَى أَنه إِخْبَار من الله عَزَّ وَجَلَّ عَن نَفسه.(2/490)
وَأنكر قوم فِي الصِّفَات الضحك، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
480 - " يضْحك الله إِلَى رجلَيْنِ قتل أَحدهمَا الآخر، كِلَاهُمَا يدْخل الْجنَّة فقاتل هَذَا فِي سَبِيل الله فَيقْتل، فيتوب الله عَلَى الْقَاتِل فَيُقَاتل هَذَا فِي سَبِيل الله فيستشهد " وَإِذا صَحَّ الحَدِيث لم يحل لمُسلم رده وَخيف عَلَى من يردهُ الْكفْر.
قَالَ بعض الْعلمَاء: من أنكر الضحك فقد جهل جهلا شَدِيدا، وَمن نسب الحَدِيث إِلَى الضعْف وَقَالَ: لَو كَانَ قَوِيا لوَجَبَ رده. وَهَذَا عَظِيم من القَوْل أَن يرد قَول رَسُول الله
، وَالْحق أَن الحَدِيث إِذا صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجب الْإِيمَان بِهِ، وَلَا تُوصَف صفته بكيفية، وَلَكِن نسلم إِثْبَاتًا لَهُ، وَتَصْدِيقًا بِهِ.(2/491)
فصل
عِنْد أهل السّنة أَن نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ متعبدا بشريعة من كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء خلافًا لمن قَالَ: لم يكن متعبدا.
دليلنا قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فبهداهم اقتداه} فَذكر الله أنبياءه إِبْرَاهِيم، وَإِسْمَاعِيل، وَإِسْحَاق، وَغَيرهم، وَأخْبر أَنه هدَاهُم، وأمرنا باتبَاعهمْ فِيمَا هدَاهُم بِهِ، وَالْأَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب.
وَقَوله تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} فَأمر بِاتِّبَاع مِلَّة إِبْرَاهِيم، وَأمره عَلَى الْوُجُوب، لِأَن الحكم إِذا ثَبت فِي الشَّرْع لم يجز تَركه حَتَّى يرد دَلِيل نسخه، وَلَيْسَ فِي بَعثه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يُوجب نسخ الْأَحْكَام الَّتِي قبله فَإِن النّسخ إِنَّمَا يكون عِنْد التَّنَافِي، والبعثة إِنَّمَا تكون بِالتَّوْحِيدِ، وَلَيْسَ فِيهِ مُنَافَاة لتِلْك الْأَحْكَام، فوجوب التَّمَسُّك بِتِلْكَ الْأَحْكَام وَالْعَمَل بهَا حَتَّى يرد مَا ينافيها ويزيلها كَمَا وَجب ذَلِك قبل بَعثه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/492)
فصل
الزِّيَادَة فِي النَّص لَيست بنسخ
وَتجوز الزِّيَادَة فِي النَّص بِالْقِيَاسِ، وبالخبر الْوَاحِد، مثل إِيجَاب النِّيَّة فِي الْوضُوء بالْخبر وَالْقِيَاس، وَإِن كَانَ زِيَادَة عَلَى قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وَكَذَلِكَ إِيجَاب النَّفْي فِي حد الزِّنَا، وَإِن كَانَ زِيَادَة عَلَى قَوْله(2/493)
تَعَالَى: " {فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مئة جلدَة} وَكَذَلِكَ إِيجَاب شَرط الْإِيمَان فِي كَفَّارَة الظِّهَار بِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَّارَة الْقَتْل، وَإِن كَانَ فِيهِ زِيَادَة على قَوْله: {فَتَحْرِير رَقَبَة} ، وَكَذَلِكَ الحكم بِشَاهِد وَيَمِين جَائِز بالْخبر، وَإِن كَانَ فِيهِ زِيَادَة عَلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ} ، وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: إِن كَانَت الزِّيَادَة تغير حكم الْمَزِيد عَلَيْهِ مثل، أَن يَأْمر بِرَكْعَتَيْنِ، ويجعلها أَرْبعا كَانَ نسخا، وَإِن كَانَ لَا يُغير حكما مثل أَن يزِيد عشر جلدات عَلَى الْمِائَة لم يكن نسخا.
دليلنا: أَن النّسخ هُوَ رفع الحكم وإزالته، وَالزِّيَادَة لَا توجب رفع الْمَزِيد عَلَيْهِ، أَلا ترى أَنه إِذا كَانَ فِي الْكيس مائَة دِرْهَم فزدت فَوْقهَا دِرْهَمَيْنِ أَن ذَلِكَ لَا يُوجب رفع الشَّيْء مِمَّا كَانَ فِي الْكيس، وَكَذَلِكَ إِذا فرض الله تَعَالَى عَلَى عباده خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، ثمَّ فرض صَوْم شهر رَمَضَان لَا نقُول: فرض الصَّوْم نسخ للصلوات كَذَلِك هَا هُنَا، وَالَّذِي يبين صِحَة هَذَا، وَأَن النّسخ هُوَ الرّفْع والإزالة قَوْلهم: نسخت الشَّمْس الظل إِذا أزالته، وَنسخ الرّيح الْأَثر. وَلِأَن الرَّكْعَتَيْنِ صحيحتان وَاقِعَتَانِ عَن(2/494)
الْفَرْض، لَكِن ضم إِلَيْهَا شَيْء آخر وَهُوَ بِمَنْزِلَة اشْتِرَاط ستر الْعَوْرَة فيهمَا، واستقبال الْقبْلَة، وَنَحْو ذَلِكَ من الشَّرَائِط.
وَلِأَن الزِّيَادَة عَلَى الْجلد قد كَانَ قبلهَا مجزئا، وَتحصل بِهِ الْكَفَّارَة، وَبعدهَا لَا يجزيء وَلَا يكون ذَلِك نسخا عِنْدهم كَذَلِك هَا هُنَا.
فصل فِي بَيَان أَن الْأَرْوَاح بيد الله فِي حَالَة الْمَوْت، والحياة، وَالنَّوْم والانتباه
481 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ، أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أخبرنَا مُحَمَّد ابْن الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِي الله عَنهُ - حدث أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: أَلا تُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ إِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُول: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً} .(2/495)
482 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: عرس بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ فَقَالَ: مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا صَلاتَنَا؟ فَقَالَ بِلالٌ: أَنَا. قَالَ: فَمَا اسْتَيْقَظُوا إِلَّا بَحر الشَّمْس، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْتَفِعُوا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ "، ثُمَّ قَالَ لِبِلالٍ: نِمْتَ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِأَنْفُسِكُمْ، قَالَ: فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. قَالَ اللَّهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاة لذكري}
فصل فِي بَيَان أَن الله الممرض، والمداوي، والشافي
483 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ حَمَّادٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز ابْن صُهَيْبٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ. فَقَالَ: أَلا أرقيك برقية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: بَلَى، قَالَ: " قُلِ اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَأْسَ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا "(2/496)
فصل فِي قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
484 - " من كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه تَعَالَى "
485 - " وَمن حلف بِغَيْر الله تَعَالَى فقد أشرك ".
486 - أَخْبَرَنَا أَبُو عمر، أخبرنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَن(2/497)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " يَعْنِي لِعُمَرَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَسْكُتْ ".
487 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أخبرنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَمِعَ رَجُلا فِي حَلْقَةٍ أُخْرَى يَقُولُ: وَأَبِي. فَرَمَاهُ بِالْحَصَى، فَقَالَ هَذِهِ كَانَتْ يَمِينَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَهَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: " إِنَّهَا شِرْكٌ "
فصل فِي بَيَان أَن الله عَزَّ وَجَلَّ لَا ينظر إِلَى مُسبل إزَاره بطرا
488 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْبِيكَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا(2/498)
إِسْحَاقُ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا "
489 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدي ن أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ جَرَّ ثِيَابَهُ خُيَلاءً لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ: " لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاءً ".
فصل
490 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ الطَّرَائِفِيُّ بِمِصْرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ قَالا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:(2/499)
سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ ... إِلَى قَوْله: المبطلون} .
قَالَ: فَجَمَعَهُمْ، فَجَعَلَهُمْ أَزْوَاجًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ، ثُمَّ اسْتَنْطَقَهُمْ لِيَتَكَلَّمُوا فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَشْهَدَهُمْ على أنفسهم: أَلَسْت بربكم؟ قَالُوا: بلَى: الآيَةَ. فَقَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَمْ نَعْلَمْ هَذَا. اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي فَلا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا فَإِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي. فَقَالُوا: شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا، وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، فَأَقَرُّوا يَوْمَئِذٍ بِالطَّاعَةِ، وَرَفَعَ عَلَيْهِمْ أَبَاهُمْ آدَمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَرَأَى فيهم الْغَنِيّ، وَالْفَقِير، وَحسن الصُّورَة وَغير لَك. فَقَالَ ": رب لَو سويت يبن عِبَادِكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ. وَرَأَى فِيهِمُ الأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ عَلَيْهِمُ النُّورُ، وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ فِي الرِّسَالَةِ، وَالنُّبُوَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم ميثاقاً غليظاً} وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} الْآيَة.(2/500)
قَالَ: فَكَانَ رُوحُ اللَّهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فِي تِلْكَ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ. قَالَ: نَعَمْ أَرْسَلَ ذَلِكَ إِلَى مَرْيَمَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحنَا} إِلَى قَوْله: {حتما مقضياً} قَالَ: حَمَلَتِ الَّذِي خَاطَبَهَا وَهُوَ رُوحُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَسَأَلَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ مِنْ أَيْنَ دَخَلَ الرُّوحُ، فَذَكَرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا.
قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا الحَدِيث من رسم النَّسَائِيّ وَهَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل مَشْهُور رَوَاهُ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بِإِسْنَاد نَحوه.(2/501)
فصل
قَالَ أحد عُلَمَاء السّنة حرَام عَلَى الْعُقُول أَن تمثل الله، حرَام عَلَى الْخلق أَن يكيفوه، وعَلى الضمائر أَن تضمر فِيهِ غير الْمَنْقُول، وَحرَام عَلَى النُّفُوس أَن تتفكر فِيهِ وَحرَام عَلَى الْفِكر أَن يُدْرِكهُ، وَحرَام عَلَى كل أحد أَن يصفه إِلَّا بِمَا وصف بِهِ نَفسه فِي كِتَابه، أَو وَصفه بِهِ رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أخباره الصَّحِيحَة عِنْد أهل النَّقْل وَالسَّلَف الْمَشْهُورين بِالسنةِ المعروفين بِالصّدقِ، وَالْعَدَالَة، وَجَمِيع آيَات الصِّفَات الَّتِي فِي الْقُرْآن وَالْأَخْبَار الصِّحَاح فِي الصِّفَات الَّتِي نقلهَا أهل الحَدِيث، وَاجِب عَلَى جَمِيع الْمُسلمين أَن يُؤمنُوا بهَا، ويسلموها، ويتركوا السُّؤَال فِيهِ وَعنهُ، لِأَن السُّؤَال فِي غوامضها بِدعَة، وَذَلِكَ قَول الله تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام} وَقَوله: {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} وَقَوله: (وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات(2/502)
بِيَمِينِهِ} . وَمثل النَّفس، وَالْيَدَيْنِ، والسمع، وَالْبَصَر، وَالْكَلَام، والاستحياء، والدنو، والأولية والآخرية، والحياة والبقاء، والتجلي، وَالْوَجْه، والقدم، والقهر، وَالْمَكْر، وَغير ذَلِكَ مِمَّا ذكر الله من صِفَاته فِي كِتَابه، وَمَا ذكره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أخباره مثل قَوْله:
491 - خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ، وغرس شَجَرَة طُوبَى بِيَدِهِ، وَكتب(2/503)
التَّوْرَاة بِيَدِهِ. ونزوله كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان، وغيرة الله تَعَالَى، وفرحته بتوبة العَبْد، واحتجابه برداء الْكِبْرِيَاء، وكلتا يَدَيْهِ يَمِين، وَحَدِيث القبضة، والحثيات، وَله كل يَوْم كَذَا نظرة إِلَى اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَإِلَى قلب الْمُؤمن. وَالْإِقْرَار بِأَن الْقُرْآن كَلَام الله عَزَّ وَجَلَّ غير مَخْلُوق، ومعراج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حق، وصعود أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِلَيْهِ حق، وَغير ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ عَنهُ وَثَبت. فعلى العَبْد أَن يُؤمن بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا يؤوله تَأْوِيل الْمُخَالفين، وَلَا يمثله تَمْثِيل الممثلين، وَلَا يزِيد فِيهِ، وَلَا ينقص عَنهُ، وَلَا يُفَسر مِنْهُ إِلَّا مَا فسره السّلف، ويمره عَلَى مَا أمروا، وَيقف حَيْثُ وقفُوا لَا يَقُول كَيفَ، وَلم؟ يقبل مَا قبلوه وَلَا يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمُعْتَزلَة، والجهمية. هَذَا(2/504)
مَذْهَب أهل السّنة، وَمَا وَرَاء ذَلِكَ بِدعَة وفتنة، ثبتنا الله عَلَى الطَّرِيقَة المستقيمة بمنه وفضله.
فصل
492 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الْوَهَّاب، أخبرنَا أَبُو الْحسن ابْن عبد كوية، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قُرَّةَ بْنِ حَبِيبٍ الْقَنَّادُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الْحَرِيرِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ قُلْتُ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ يَنْفَعْنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: نَعَمْ، أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ كُتِبَ إِلَيْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: احْفَظُوا هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ كُنُوزِ الْحَدِيثِ، قَالَ: غَزَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَارَ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ نَزَلَ وَعَسْكَرَ النَّاسُ، وَنَامَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ زَوْجُ أُمِّ أَنَسٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، أَرْبَعَةٌ، فتوسد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَ رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَامَ، وَنَامَ الأَرْبَعَةُ إِلَى جَنْبِهِ، فَلَّمَا ذَهَبَ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ رَفَعُوا رؤوسهم فَلم يَجدوا نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد رَاحِلَته فَذَهَبُوا يَلْتَمِسُونَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلقواه مُقْبِلا. فَقَالُوا: جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ، أَيْنَ كُنْتَ؟ فَزِعْنَا لَكَ لَمْ نَرَكَ؟ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كُنْتُ نَائِمًا حَيْثُ وَأَنْتُمْ فَسَمِعْتُ فِي نَوْمَتِي دَوِيًّا كَدَوِيِّ الرَّحَا، أَوْ هَزِيزًا كَهَزِيزِ الرَّحَا، فَفَزِعْتُ فِي مَنَامِي فَوَثَبْتُ(2/505)
فَمَضْيُت حَتَّى اسْتَقْبَلَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي إِلَيْكَ السَّاعَةَ لأُخَيِّرَكَ فَاخْتَرْ: إِمَّا أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمَّتِكَ الْجَنَّةَ، وَإِمَّا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لأُمَّتِي. فَقَالَ النَّفَرُ الأَرْبَعَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَشْفَعُ لَهُمْ؟ فَقَالَ: وَجَبت لكم "، ثمَّ أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالأَرْبَعَةُ حَتَّى اسْتَقَبَلَهُ عَشَرَةٌ فَقَالُوا: أَيْنَ كَانَ نَبينَا نَبِي الرحمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَحَدَّثَهُمْ بِالَّذِي حَدَّثَ الْقَوْمَ. فَقَالُوا: جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تُشَفَّعُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " وَجَبَتْ لَكُمْ " قَالُوا فَجَاءُوا جَمِيعًا إِلَى عُظْمِ النَّاسِ فَنَادَوْا فِي النَّاسِ: أَيْنَ نَبينَا نَبِي الرَّحْمَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَحَدَّثَهُمْ بِالَّذِي حَدَّثَ الْقَوْمُ فَنَادَوْا بِأَجْمَعِهِمْ، أَيْ جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تُشَفَّعُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ نَادَى ثَلاثًا: " إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ، وَأُشْهِدُ مَنْ سَمِعَ أَنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ يَمُوتُ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا "، قَالَهَا ثَلاثًا.
493 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ قَالَ: قلت لأبي أُسَامَة: أحدثكُم أَبُو رزق عَطِيَّة ابْن الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي ظَرِيفٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذِهِ الآيَةِ شَيْئًا: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يُخْرِجُ اللَّهُ(2/506)
عَزَّ وَجَلَّ نَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ، وَقَالَ: لَمَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُمُ الْمُشْركُونَ: كنت تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا فَمَا بَالُكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ؟ فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، فَتَشْفَعُ الْمَلائِكَةُ، وَالنَّبِيُّونَ، وَيَشْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قُولُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مِثْلَهُمْ فَتُدْرِكُنَا الشَّفَاعَةُ فَنَخْرُجُ مَعَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} فَيُسَمُّونَ فِي الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ. مِنْ أَجْلِ سَوَادٍ فِي وُجُوهِهِمْ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَذْهِبْ عَنَّا هَذَا الاسْمَ فَيَأْمُرُهُمْ فَيَغْتَسِلُونَ فِي نَهْرِ الْجَنَّةِ فَيَذْهَبُ ذَلِكَ الاسْمُ عَنْهُمْ ". فَأَقَرَّ بِهِ أُسَامَةُ، قَالَ: نَعَمْ.
494 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْبَكْرَاوِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَخْرُجُ ضُبَارَةٌ مِنَ النَّارِ قَدْ كَانُوا فَحْمًا، فَقَالَ: بُثُّوهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَرُشُّوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَاءِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّمَا كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ.
فصل
قَالَ بعض عُلَمَاء أهل السّنة أما بعد فَإِنِّي وجدت جمَاعَة من مَشَايِخ السّلف وَكَثِيرًا مِمَّن تَبِعَهُمْ من الْخلف من عَلَيْهِم الْمُعْتَمد فِي أَبْوَاب الدّيانَة، وبهم الْقدْوَة فِي اسْتِعْمَال السّنة قد أظهرُوا اعْتِقَادهم، وَمَا انطوت عَلَيْهِ ضمائرهم فِي(2/507)
مَعَاني السّنَن ليقتدي بهم المقتفي، وَذَلِكَ حِين فَشَتْ الْبدع فِي الْبلدَانِ وَكَثُرت دواعيها فِي الزَّمَان، فَحِينَئِذٍ وَقع الِاضْطِرَار إِلَى الْكَشْف وَالْبَيَان ليهتدي بهَا المسترشد فِي الْخلف كَمَا فَازَ لَهَا من مضى من السّلف نسْأَل الله تَعَالَى أَن يجعلنا من الْمُتَّقِينَ، وَأَن يعصمنا من اختراع المبتدعين، وَأَنا أذكر بِتَوْفِيق الله تَعَالَى جمَاعَة من أَئِمَّتنَا من السّلف مِمَّن شرعوا فِي هَذِهِ الْمعَانِي فَمنهمْ أَبُو عبد الله سُفْيَان بن سَعِيد بن مَسْرُوق الثَّوْريّ فَإِنَّهُ قد أظهر اعْتِقَاده، ومذهبه فِي السّنة فِي غير مَوضِع، وَقد أملاه عَلَى شُعَيْب بن حَرْب.
وَمِنْهُم أَبُو مُحَمَّد سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ الْهِلَالِي فَإِنَّهُ قد أجَاب فِي اعْتِقَاده حِين سُئِلَ عَنهُ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ، وَمِنْهُم أَبُو عَمْرو عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام فَإِنَّهُ قد أظهر اعْتِقَاده فِي زَمَانه، وَرَوَاهُ ابْن إِسْحَاق الْفَزارِيّ.(2/508)
وَمِنْهُم أَبُو عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن الْمُبَارك إِمَام خُرَاسَان، والفضيل ابْن عِيَاض، ووكيع بن الْجراح، ويوسف بن أَسْبَاط، قد أظهرُوا اعْتِقَادهم، ومذاهبهم بالسنن، وَمِنْهُم شريك بن عبد الله النَّخعِيّ، وَيحيى بن سَعِيد الْقطَّان، وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ، وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مَالك بن أنس الأصبحي الْمَدِينِيّ إِمَام دَار الْهِجْرَة وفقيه الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قد أظهر اعْتِقَاده فِي بَاب الْإِيمَان وَالْقُرْآن، وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي المطلبي سيد الْفُقَهَاء فِي زَمَانه، وَمِنْهُم أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام، وَالنضْر بن شُمَيْل، وَأَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يَحْيَى الْبُوَيْطِيّ من تلاميذ الشَّافِعِي أظهر اعْتِقَاده حِين ظَهرت المحنة فِي بَاب الْقُرْآن، وَمِنْهُم أَبُو عبد الله أَحْمَد بن حَنْبَل سيد أهل الحَدِيث فِي زَمَانه، وَأفضل من تورع فِي عصره، وأوانه قد أظهر اعْتِقَاده ودعا النَّاس إِلَيْهِ وَثَبت فِي المحنة، وَبَالغ فِيهِ غَايَة الْمُبَالغَة، وَمِنْهُم الشَّيْخ الزَّاهِد الْفَاضِل زُهَيْر ابْن نعيم البابي السجسْتانِي، لَهُ اعْتِقَاد فِي رِسَالَة كتبهَا إِلَى بعض إخوانه(2/509)
وَمِنْهُم أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بن يَحْيَى السَّاجِي الْفَقِيه لَهُ اعْتِقَاد، وَمِنْهُم أَبُو رَجَاء قُتَيْبَة بن سَعِيد الثَّقَفِيّ البغلاني لَهُ اعْتِقَاد رَوَاهُ عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج، وَمِنْهُم الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الاحتياطي لَهُ اعْتِقَاد رَوَاهُ عَنهُ أَحْمَد بن مُوسَى الْبَصْرِيّ، وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عكاشة الْكرْمَانِي، وَمِنْهُم أَحْمَد بن مُحَمَّد بن غَالب الْمَعْرُوف بِغُلَام الْخَلِيل صَاحب أَحْمَد بن حَنْبَل، وَمِنْهُم الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحَارِث لَهُ سُؤَالَات سَأَلَ عَنْهَا مَشَايِخ الْآفَاق فَأَجَابُوهُ باعتقادهم فِي الْإِيمَان حدث بِهِ مَشَايِخ سجستان، وَمِنْهُم أَحْمد ابْن نصر المقريء النَّيْسَابُورِي كَانَ أحد عُلَمَاء خُرَاسَان وعبادها، رَحل عَن(2/510)
خُرَاسَان حِين نبغت نَابِغَة الكرامية وَله سُؤَالَات سَأَلَهَا عَن مَشَايِخ الْآفَاق حدث بِهِ أَبُو بكر بن خُزَيْمَة عَنهُ، وَلأبي بكر بن خُزَيْمَة اعْتِقَاد، ولعَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي حَاتِم الرَّازِيّ، وَلأبي الْفضل مُحَمَّد بن أَبِي الْحُسَيْن جَاوز أَبِي سَعِيد الْهَرَوِيّ حَافظ خُرَاسَان، وعالمها فِي زَمَانه، وَكَانَ أَبُو أَحْمَد ابْن أَبِي أُسَامَة الْقرشِي الْهَرَوِيّ من أفاضل من بخراسان من الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء أمْلى اعتقادا لَهُ قَالَ: وَيَنْبَغِي لمن من الله بِعلم الْهِدَايَة والكرامة بِالسنةِ مِمَّن بَقِي من الْخلف الْقدْوَة مِمَّن مضى من السّلف، وَأَن مَذْهَبنَا وَمذهب أَئِمَّتنَا من أهل الْأَثر: أَن نقُول إِن الله عَزَّ وَجَلَّ أحد لَا شريك لَهُ، وَلَا ضد لَهُ وَلَا ند وَلَا شَبيه لَهُ، إِلَهًا وَاحِدًا صمدا لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلم يُشْرك فِي حكمه أحدا
قَالَ: ونؤمن بصفاته أَنه كَمَا وصف نَفسه فِي كِتَابه الْمنزل الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه، تَنْزِيل من حَكِيم حميد، ونؤمن بِمَا ثَبت عَن(2/511)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من صِفَاته جلّ جَلَاله بِنَقْل الْعُدُول، والأسانيد الْمُتَّصِلَة الَّتِي اجْتمع عَلَيْهَا أهل الْمعرفَة بِالنَّقْلِ أَنَّهَا صَحِيحَة ثَابِتَة عَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ونطلقها بألفاظها كَمَا أطلقها، وتعتقد عَلَيْهَا ضمائرنا بِصدق وإخلاص أَنَّهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا نكيف صِفَات الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا نفسرها تَفْسِير أهل التكييف والتشبيه، وَلَا نضرب لَهَا الْأَمْثَال، بل نتلقاها بِحسن الْقبُول تَصْدِيقًا، ونطلق ألفاظها تَصْرِيحًا كَمَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه، وكما قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ونقول: إِن صِفَات الله عَزَّ وَجَلَّ كلهَا غير مخلوقة، وَلَيْسَ من كَلَامه وَعلمه وَصِفَاته شَيْء مَخْلُوق، جلّ الله تَعَالَى عَن صِفَات المخلوقين. والكيف عَن صِفَات الله مَرْفُوع.
ونقول: كَمَا قَالَ السّلف من أهل الزُّهْرِيّ وَغَيره: عَلَى الله الْبَيَان وعَلى رَسُول الله الْبَلَاغ، وعلينا التَّسْلِيم، ونؤدي أَحَادِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا سمعنَا، وَلَا نقُول فِي صِفَات الله كَمَا قَالَت الْجَهْمِية والمعطلة، بل نثبت صِفَات الله تَعَالَى بِإِيمَان وتصديق.
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: اقروا أَحَادِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأمروها كَمَا جَاءَت.
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: إِنِّي لآخذ الحَدِيث عَلَى ثَلَاثَة أوجه: آخذ الحَدِيث عَلَى وَجه أتخذه دينا، وَمن وَجه آخر لَا أتركه وأتحرج أَن أتخذه دينا، أَو فقها وَآخذه من وَجه لَا أتخذه دينا، وَإِنَّمَا آخذه لأعرفه.(2/512)
فصل يتَعَلَّق باعتقاد أهل السّنة ومذهبهم
فَمن مَذْهَبهم تَقْصِير الصَّلَاة فِي السّفر الْمُبَاح، وإفطار الصَّوْم فِيهِ، وَالصَّلَاة عَلَى من مَاتَ من أهل الْقبْلَة، وَذَلِكَ من آخر حق الْمُسلم عَلَى الْمُسلم، وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ سنة مسنونة، وشهود الْجُمُعَة عَلَى أَهلهَا فَرِيضَة، وَمن رمى أَخَاهُ بالْكفْر فقد بَاء بِهِ إِلَّا أَن يكون صَاحبه، كَذَلِك بِحكم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَطَاعَة أولي الْأَمر وَاجِبَة وَهِي من أوكد السّنَن ورد بهَا الْكتاب وَالسّنة، وَلَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق.(2/513)
فصل
والرافضة الَّذين رفضوا زيد بن عَليّ بْن الْحُسَيْن بْن عَليّ بْن أَبِي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - وَذَلِكَ أَنهم أرادوه عَلَى أَن يتبرأ من أَبِي بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَلم يفعل فرفضوه وتركوه، وهم الَّذين يشتمون أَبَا بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَرَضي عَن محبيهما، ويرون السَّيْف عَلَى الْأمة.
والناصبة سموا ناصبة لأَنهم نصبوا الْعَدَاوَة لعَلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلأَهل بَيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
والخوارج تبرأوا من عُثْمَان، وَعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، وَقَالُوا: نكفر أهل الْكَبَائِر، وَأَن من لم يقل بقَوْلهمْ فَهُوَ كَافِر.
والقدرية يَزْعمُونَ أَن لَيْسَ لله فِي كفر الْعباد ومعاصي الْعباد صنع، والجهمية: لَا يصفونَ الله بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر والاستواء عَلَى الْعَرْش، وَيَقُولُونَ هُوَ فِي الأَرْض كَمَا هُوَ فِي السَّمَاء وَهُوَ بِكُل مَكَان.(2/514)
والمعتزلة يَقُولُونَ: إِن الله لَا يروي، وَلم يتَكَلَّم الله بِالْقُرْآنِ، وَلكنه خلقه وأضافه إِلَى نَفسه.
وَقوم من الْجَهْمِية يَقُولُونَ: الْإِيمَان معرفَة الله بِالْقَلْبِ، وَإِن لم يكن مَعهَا شَهَادَة بِاللِّسَانِ، وَلَا إِقْرَار بِالنُّبُوَّةِ، وَقد كَانَت الْمَلَائِكَة مُؤمنين قبل أَن يخلق الله الرُّسُل.
والجبرية يَقُولُونَ: إِن الله كلف الْعباد مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ، وَعلم أَن مِنْهُم من لَا يطيقه.
فصل الدَّلِيل عَلَى أَن الْقُرْآن منزل. وَهُوَ مَا يقرأه الْقَارئ خلافًا لمن يَقُول كَلَام الله لَيْسَ بمنزل، وَلَا حرف، وَلَا صَوت
فَإِن قيل: الْمُتَكَلّم بِحرف وَصَوت يحْتَاج إِلَى أدوات الْكَلَام، فَقل: عدم أَدَاة الْكَلَام لَا يمْنَع من ثُبُوت الْكَلَام، كَمَا أَن عدم آلَة الْعلم لَا يمْنَع من ثُبُوت الْعلم
دَلِيل أهل السّنة: قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَام الله} والمسموع إِنَّمَا هُوَ الْحَرْف وَالصَّوْت، لِأَن الْمَعْنى: لَا يسمع، بل يفهم. يُقَال فِي اللُّغَة: سَمِعت(2/515)
الْكَلَام وفهمت الْمَعْنى، فَلَمَّا قَالَ: حَتَّى يسمع: دلّ أَنه حرف وَصَوت.
وَقَالَ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نفر من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصتُوا} . وَإِنَّمَا ينصت إِلَى الْحُرُوف والأصوات.
وَمن الدَّلِيل قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن} . وَهَذَا عِنْد جَمِيع أهل اللُّغَة إِشَارَة إِلَى شَيْء حَاضر وَمَا فِي النَّفس لَا يَصح الْإِشَارَة إِلَيْهِ، وَلِأَن الله تَعَالَى قد تحدى الْعَرَب بِأَن يَأْتُوا بِمثلِهِ وَلَا يتحداهم إِلَّا بِمَا سَمِعُوهُ من الْحَرْف وَالصَّوْت.
وَاخْتلف المتكلمون فِي حد الْمُتَكَلّم فَقَالَت الأشعرية: حد الْمُتَكَلّم من قَامَ الْكَلَام بِذَاتِهِ، وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: حد الْمُتَكَلّم من وجد مِنْهُ الْحَرْف وَالصَّوْت! وَاتفقَ أهل الْعلم فِي من حلف بِالطَّلَاق أَلا يتَكَلَّم فَقَرَأَ الْقُرْآن لم يَحْنَث وَلَو كَانَت الْقِرَاءَة غير المقروء لحنث.
فصل فِيمَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
495 - " من قَرَأَ حرفا من الْقُرْآن كتب الله لَهُ بِهِ حَسَنَة، لَا أَقُول(2/516)
بِسم الله وَلَكِن بِسم بِكُل حرف مقطعَة، وَلَا ألم، وَلَكِن ألف، وَلَام، وَمِيم ". رُوِيَ ذَلِكَ عَن مُحَمَّد بن كَعْب بن عَوْف بن مَالك.
وَرُوِيَ عَن هِشَام بن عمار: قَالَ: عدد سور الْقُرْآن فِي الْمدنِي، والشامي والكوفي مائَة وَأَرْبع عشرَة سُورَة بالمعوذتين، وَعدد آيَاته فِي الْمدنِي سِتَّة آلَاف، ومئة وَسبع عشرَة آيَة، وَفِي الشَّامي سِتَّة آلَاف ومائتان، وَسبع وَثَلَاثُونَ آيَة.
وَعدد حُرُوفه ثلثمِائة ألف حرف، وَاحِد وَعِشْرُونَ ألف حرف، ومائتان وَخَمْسُونَ حرفا.
وَعَن عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه: وَجَمِيع آي الْقُرْآن سِتَّة أُلَّاف آيَة، وَمِائَة وست عشرَة آيَة. وجيمع حُرُوف الْقُرْآن ثلثمِائة ألف حرف، وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ ألف حرف، وسِتمِائَة حرف، وَوَاحِد وَسَبْعُونَ حرفا.(2/517)
فصل فِي ذهَاب الْعلم
496 - رُوِيَ عَن أَبِي قلَابَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول مَا يذهب من النَّاس الْعلم، قَالُوا: يَا رَسُول الله، أيذهب الْقُرْآن؟ قَالَ: يذهب الَّذين يعلمونه، وَيبقى قوم لَا يعلمونه فيتأولونه عَلَى أهوائهم ".
497 - وَعَن مُوسَى الغافقي عَن عَمه، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ: إِنَّك إِن بقيت فسيقرأ الْقُرْآن ثَلَاثَة أَصْنَاف، صنف لله، وصنف للدنيا وصنف للجدال.
وَعَن مطرف قَالَ: أَتَى عَلَى النَّاس زمَان، وَخَيرهمْ فِي دينهم المسارع وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاس زمَان، وَخَيرهمْ فِي دينهم المستبين الْعَالم بِالسنةِ، قَالَ الرَّاوِي: المتبين الْعَالم بِالسنةِ.(2/518)
498 - وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: من كَانَ مِنْكُم متأسياً فليتأس بأصحاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّهُم كَانُوا أبر هَذِهِ الْأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هَديا، وأحسنها أَخْلَاقًا اخْتَارَهُمْ الله عز وَجل لصحبه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَإِقَامَة دينه فاعرفوا لَهُم فَضلهمْ، واتبعوهم فِي آثَارهم فَإِنَّهُم كَانُوا عَلَى الْهدى الْمُسْتَقيم.
499 - وَعَن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ قَالَ: هَذَا أَوَان الْعلم أَن يرفع، قُلْنَا: يَا رَسُول الله، يرفع الْعلم، وَعِنْدنَا كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وَقد قرأناه، وعلمناه نِسَاءَنَا وصبياننا. فَذكر ضلال أهل الْكِتَابَيْنِ: الْيَهُود، وَالنَّصَارَى ثمَّ قَالَ: ذَهَابه بذهاب أوعيته. قَالَ شَدَّاد بن أَوْس: صَدُوق عَوْف، وَأول مَا يرفع الْخُشُوع حَتَّى لَا يرى خَاشِعًا.
500 - وَفِي رِوَايَة أَبِي أُمَامَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَو لم تكن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِي بني إِسْرَائِيل، ثمَّ لم يغنيا عَنْهُم شَيْئا، وَإِن ذهَاب الْعلم ذهَاب حَملته. قَالَهَا ثَلَاثًا.(2/519)
501 - وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يقبض الْعلم، وَيكثر الْكَذِب، وَتظهر الْفِتَن ".
وَقَالَ الضَّحَّاك بن مُزَاحم: كَانَ أولكم يتعلمون الْوَرع، وَيَأْتِي عَلَيْكُم زمَان يتَعَلَّم فِيهِ الْكَلَام.
وَقَالَ أَبُو هِلَال: قلت لِقَتَادَة أَلا تعجب من مُحَمَّد بن سِيرِين يتورع فِي الْفتيا، ويعبر الرُّؤْيَا؟ قَالَ: إِن الرُّؤْيَا لَيْسَ بحلال وَلَا حرَام، إِنَّمَا هُوَ الظَّن. أَلا ترى أَن يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَالَ للَّذي ظن أَنه نَاجٍ مِنْهُمَا: {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} . إِنَّمَا الرُّؤْيَا ظن.
502 - وَقَالَ بشير بن عَمْرو: إِذا أحلّت الحَدِيث عَلَى غَيْرك اكتفيت.
وَقَالَ الْحسن: شرار عباد الله الَّذين يتبعُون شرار الْمسَائِل، يعمون بهَا عباد الله.(2/520)
وَقَالَ سُفْيَان: كَانَ يُقَال: مَا من ضَلَالَة إِلَّا عَلَيْهَا زِينَة فَلَا تعرض دينك لمن يبغضه إِلَيْك.
وَقَالَ هِشَام بن حُجَيْر: هَل لَك أَن أعلمك المراء؟ إِذا قَالُوا لَك لشَيْء. لَا. فَقل: نعم، وَإِذا قَالُوا: نعم، فَقل: لَا.
وَقَالَ ابْن سِيرِين: إِنِّي لأدع المراء وَإِنِّي أعلمكُم بِهِ.
وَقَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: لَا تعلم للمراء، وَلَا تفقه للرياء.
وَقَالَ ابْن سِيرِين: لَا تجَادل إِلَّا رجلا إِن كَلمته رَجَوْت أَن يرجع، فَأَما من كَلمته فجادلك فإياك أَن تكَلمه.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: فِي قَوْله {فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة} قَالَ: أغري بَعضهم بِبَعْض فِي الْخُصُومَات، والجدال فِي الدّين.(2/521)
503 - وَقَالَ عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تهادوا تحَابوا، وَلَا تتماروا فتباغضوا.
وَقَالَ ابْن أَبِي ليلى: لَا تماروا فَإِن المراء لَا يَأْتِي بِخَير. وَقَالَ: لَا أماري أخي: فإمَّا أَن أكذبه، وَإِمَّا أَن أغضبهُ.
وَقَالَ قَتَادَة لما مَاتَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مُورق الْعجلِيّ: الْيَوْم ذهب نصف الْعلم، قَالُوا: كَيفَ ذَاك؟ قَالَ: كَانَ الرجل من أهل الْبدع إِذا خَالَفنَا فِي الحَدِيث قُلْنَا: تَعَالَى إِلَى من سَمعه من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
504 - وروى حسان بن عَطِيَّة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: عَارِف الْحق كعامله.
505 - وَرُوِيَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: يَا ابْن مَسْعُود: هَل تَدْرِي أَي الْمُؤمنِينَ(2/522)
أعلم؟ قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: أبصرهم بِالْحَقِّ إِذا اخْتلفُوا، وَإِن كَانَ فِي عمله تَقْصِير.
506 - وخطب عمر بن الْخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: قد أَفْلح مِنْكُم من حفظ من الطمع، وَالْغَضَب، والهوى.
وَعَن مُصعب بن سعد قَالَ: لَا تجَالس مفتونا فَإِنَّهُ لن يخطئك مِنْهُ اثْنَتَانِ: إِمَّا أَن يفتنك فتتابعه، وَإِمَّا أَن يُؤْذِيك قبل أَن تُفَارِقهُ.
507 - وَعَن أَبِي الدَّرْدَاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: من كثر كَلَامه كثر كذبه، وَمن كثر حلفه كثر إثمه، وَمن كثر خصومته لم يسلم دينه.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِن الْمُؤمن إِذا امْتنع من الشَّيْطَان قَالَ: من أَيْن آتيه؟ قَالَ: بلَى من قبل هَوَاهُ.
وَكَانَ الْحسن ينزل أَصْحَاب الْأَهْوَاء منزلَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى.(2/523)
وَقَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: إِنَّه ليبلغني عَن الرجل من أهل السّنة أَنه مَاتَ، فَكَأَنَّمَا فقدت بعض أعضائي.
فصل فِي الرُّؤْيَة
مَذْهَب أهل السّنة أَن الله عَزَّ وَجَلَّ يكرم أولياءه بِالرُّؤْيَةِ، يرونه بأعينهم كَمَا شَاءَ فضلا مِنْهُ ومنة.
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضرة} . وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي قَوْله: {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} ، لما حجب عَنهُ الْكفَّار دلّ عَلَى أَن الْمُؤمنِينَ يرونه.
508 - وَرُوِيَ عَن أَبِي بكر الصّديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: الْحسنى: الْجنَّة، وَالزِّيَادَة: النّظر إِلَى وَجه الله عَزَّ وَجَلَّ.(2/524)
قَالُوا: وَفِي قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: {لَهُمْ فِيهَا مَا يشاءون} دلَالَة أَنهم يرونه، لِأَن من الْمحَال أَن لَا يَشَاء أَوْلِيَاء الله وَأهل طَاعَته الَّذين وحدوه وعبدوه أَن يرَوا معبودهم، جلّ جَلَاله.
وَفِي قَوْله: {وَفِيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين} . وَفِي قَوْله: {وَلَهُم مَا يشتهون} دلَالَة أَنهم يرَوْنَ الله لِأَن من الْمحَال أَن لَا يَشْتَهِي أَوْلِيَاء الله، وَأهل طَاعَته أَن يرَوا معبودهم، وخالقهم الَّذِي خلقهمْ، وأوصلهم إِلَى جواره، وأنزلهم فِي دَاره، وَحقّ عَلَى المزور أَن يكرم زَائِره، كَمَا لَو أَن ملكا من الْمُلُوك أكْرم بعض أوليائه، وأضافه عِنْده فِي دَاره ثمَّ احتجب عَنهُ كَانَ مَنْسُوبا إِلَى بعض الْمُرُوءَة وَالْكَرم. فَالله عَزَّ وَجَلَّ أولى بِالْكَرمِ والإفضال وإتمام النِّعْمَة الَّتِي من بهَا عَلَيْهِم، وَلَا يكون تَمام النِّعْمَة إِلَّا بِالنّظرِ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى إِن جَمِيع نعم أهل الْجنَّة لتغرق فِي جنب مَا أنعم الله عَلَى أوليائه بِالنّظرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
509 - وروى جرير بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْبَدْر فَقَالَ: " إِنَّكُم ترَوْنَ ربكُم يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ هَذَا لَا تضَامون فِي رُؤْيَته ".(2/525)
فصل
قَالَ بعض عُلَمَاء أهل السّنة: مَا كَانَت بِدعَة وَلَا ضَلَالَة إِلَّا كَانَ مفتاحها وتولدها من الْكَلَام وَالْقَوْل فِي ذَات الله عَزَّ وَجَلَّ وَفِي صِفَاته بالمعقول وَالْقِيَاس، وَإِنَّمَا أُمُور اتِّبَاع كَلَام الله عَزَّ وَجَلَّ، وَاتِّبَاع سنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: ديننَا دين الْعَجَائِز وَالصبيان.
قَالُوا: وَقد قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره}
كَيفَ يجتريء عَاقل عَلَى المراء والجدال بعد قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: {مَا يُجادل فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذين كفرُوا} وَبعد قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
510 - " المراء فِي الْقُرْآن كفر "(2/526)
فصل
وَمن السّنة حب أهل بَيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم الَّذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى}
511 - وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله وعترتي "
فَمن عترته فَاطِمَة بنت مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسبطاه الْحسن وَالْحُسَيْن وهما سيدا شباب أهل الْجنَّة، وَأَبُو السبطين عَليّ بن أَبِي طَالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْعَبَّاس، وَحَمْزَة ابْنا عبد الْمطلب، وجعفر وَعقيل ابْنا أَبِي طَالب.
فصل
قَالَ أهل السّلف لَا نقُول إيمَاننَا كَإِيمَانِ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، بل نقُول آمنا بِجَمِيعِ مَا آمن بِهِ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، وعَلى الله الْإِتْمَام. وَمن قَالَ: إِنِّي مُؤمن، عَلَى معنى مَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط} وَلَا نستثني فِيهِ(2/527)
فَهَذَا أحسن، وَأما من قَالَ إِنِّي مُؤمن عَلَى معنى أَنه فِي الْجنَّة فَلَا يجوز إِلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ. قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: أهل الْقبْلَة عندنَا مُسلمُونَ مُؤمنُونَ فِي الْأَحْكَام والمواريث والمناكحات وَالْحُدُود وَالصَّلَاة عَلَيْهِم وَالصَّلَاة خَلفهم لَا نحاسب الْأَحْيَاء، وَلَا نقضي عَلَى الْمَوْتَى، وَنَرْجُو للمحسنين بإحسانهم، ونخاف عَلَى المسيئين بعصيانهم، وَلَا نَدْرِي مَا هم عِنْد الله عَزَّ وَجَلَّ.
فصل
512 - رُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ثَلاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الإِمَام الْكذَّاب، وَالشَّيْخ الزَّانِي، والعائل المزهو " وَفِي رِوَايَة أُسَامَة: عَاق لوَالِديهِ، ومدمن خمر، ومنان بِمَا أعْطى.(2/528)
513 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا ينظر الله إِلَى امْرَأَة لَا تعرف حق زَوجهَا وَهِي لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ ".
مَذْهَب أهل السّنة: أَنه لَا يجوز وصف الله تَعَالَى بِأَنَّهُ رَاء بَصِير، وَقَالَ ابْن فورك: لَا يجوز وَصفه بِأَنَّهُ نَاظر نظرا هُوَ رُؤْيَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن نثبت لَهُ إِلَّا مَا وصف بهَا نَفسه، أَو وَصفه رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَلَيْسَ كَمَا ذكر ابْن فورك: فَإِن الله عَزَّ وَجَلَّ قد وصف بِهَذِهِ الصّفة، وَوَصفه بهَا رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فوصف نَفسه بِالنّظرِ.
514 - وروى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ الله عَنهُ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله عَزَّ وَجَلَّ لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وألوانكم، وَلَكِن إِنَّمَا ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ ".
515 - وَرُوِيَ إِذا كَانَ أول لَيْلَة فِي رَمَضَان نظر الله إِلَيْهِم، وَمن نظر إِلَيْهِ لم يعذبه.
قَالُوا: وَإِذا جَازَ وَصفه بِالرُّؤْيَةِ جَازَ وَصفه بِالنّظرِ. وَأما قَوْلهم: رُوِيَ(2/529)
516 - " إِن الله عَزَّ وَجَلَّ لم ينظر إِلَى الدُّنْيَا مذ خلقهَا ".
فَلَيْسَ إِذْ نَفينَا النّظر فِي حَال دلّ عَلَى نفي ذَلِكَ فِي الْجُمْلَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَلم يدل عَلَى نفي الْكَلَام بِالْجُمْلَةِ.
فُصُول مستخرجه من كتب السّنة
فصل من كتاب الرَّد عَلَى أهل الْأَهْوَاء لأبي زرْعَة الرَّازِيّ
ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ:
517 - خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن نذْكر الْفقر ونتخوفه فَقَالَ: " الْفقر تخافون، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتصبن عَلَيْكُم الدُّنْيَا صبا حَتَّى لَا يزِيغ قلب أحد مِنْكُم إِلَّا هيه، وأيم الله لأتركنكم عَلَى الْبَيْضَاء لَيْلهَا ونهارها سَوَاء ".
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: صدق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تركنَا وَالله عَلَى الْبَيْضَاء لَيْلهَا ونهاراها سَوَاء.(2/530)
518 - وَرُوِيَ عَن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من أكل طيبا وَعمل فِي سنة وَأمن النَّاس بوائقه دخل الْجنَّة، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله: إِن هَذَا الْيَوْم فِي النَّاس لكثير. قَالَ: " وسيكون فِي قُرُون بعدِي ".
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: من بلغه حَدِيث فكذب بِهِ فقد كذب ثَلَاثَة، كذب الله وَرَسُوله، وَالَّذِي حَدثهُ.
519 - وَقَالَ معَاذ بن جبل - رَضِيَ الله عَنهُ -: التَّكْذِيب بِحَدِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نفاق.
وَقَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: إِذا حدثت الرجل بِالسنةِ فَقَالَ: دَعْنَا من هَذَا وَحدثنَا الْقُرْآن فَأعْلم أَنه ضال.
520 - وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليَأْتِيَن عَلَى النَّاس زمَان يحدثُونَ بِأَحَادِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيقوم أحدهم فينفض ثَوْبه يَقُول: لَا إِلَّا الْقُرْآن، وَمَا يعْمل من الْقُرْآن بِحرف ".
وَعَن مَالك بن أنس عَن ربيعَة بن أَبِي عبد الرَّحْمَن قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أنزل الْقُرْآن وَترك فِيهِ مَوضِع السّنة.(2/531)
فصل من كتاب السّنة لعبد الله بن أَحْمَد بن حَنْبَل رَحمَه الله
ذكر فِي كِتَابه بِإِسْنَادِهِ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَو شِئْت أَن يمْلَأ لي بَيْتِي هَذَا وَرقا عَلَى أَن أكذب لَهُم عَلَى عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لفَعَلت، وَالله لَا أكذب عَلَيْهِ أبدا.
وَرُوِيَ عَنهُ قَالَ: مَا رَأَيْت قوما أَحمَق من الشِّيعَة لَو أردْت أَن يملؤا لي بَيْتِي هَذَا لملؤه.
وَرُوِيَ عَنهُ: لَو كَانَت الشِّيعَة من الطير لكَانَتْ رخما، وَلَو كَانَت من الْبَهَائِم لكَانَتْ حمرا.
وَقَالَ عَلْقَمَة: لقد غلت هَذِهِ الشِّيعَة فِي عَليّ كَمَا غلت النَّصَارَى فِي عِيسَى بن مَرْيَم - عَلَيْهِ السَّلامُ -(2/532)
فصل
521 - رُوِيَ عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذْ جَاءَ رجل عَلَيْهِ ثِيَاب السّفر مَا اسْتَأْذن عَلَى عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يكلم النَّاس فشغل عَنهُ فأقبلنا فَسَأَلْنَاهُ من أَيْن قدمت؟ قَالَ: خرجت مُعْتَمِرًا فَلَقِيت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَت مَا هَؤُلاءِ الَّذين خَرجُوا من بِلَادكُمْ يسمون الحرورية قلت خَرجُوا من أَرْضنَا إِلَى مَكَان يُسمى حرورا بِهِ يدعونَ. قَالَت: " طُوبَى لمن قَتلهمْ، أما وَالله لَو شَاءَ ابْن أَبِي طَالب لخبركم خبرهم. قَالَ: فَأهل عَليّ وَكبر، ثمَّ أهل وَكبر فَقَالَ: إِنِّي دخلت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَعِنْده عَائِشَة فَقَالَ لي: كَيفَ أَنْت وَقوم كَذَا وَكَذَا؟ قلت: الله وَرَسُوله أعلم، قَالَ: " قوم يخرجُون من قبل الْمشرق يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم، يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية، فيهم رجل مُخْدج الْيَد كَأَن يَده ثدي حبشية "، أنْشدكُمْ الله هَل خبرتكم أَنه(2/533)
فيهم فأتيتموني فأخبرتموني أَنه لَيْسَ فيهم، فَحَلَفت بِاللَّه لكم أَنه فيهم فأتيتموني تسحبونه كَمَا نعت لكم؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم. قَالَ: فَأهل عَليّ وَكبر.
522 - وَعَن ربيعَة بن ناجذ عَن عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِيك مثل من عِيسَى، أبغضه يهود حَتَّى بهتُوا أمه، وأحبه النَّصَارَى حَتَّى أنزلوه بالمنزلة الَّتِي لَيْسَ لَهَا ".
ثمَّ قَالَ عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هلك فِي رجلَانِ محب مفرط، ومبغض مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي، ومبغض يحملهُ شنآني عَلَى أَن يَنْتَهِي.
523 - وَعَن قيس بن عباد قَالَ: قَالَ عَليّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِابْنِهِ الْحسن يَوْم الْجمل: يَا حسن لَيْت أَن أَبَاك مَاتَ من عشْرين سنة. فَقَالَ لَهُ الْحسن: يَا أَبَت قد كنت أَنهَاك عَن هَذَا. قَالَ: يَا بني لم أر أَن الْأَمر يبلغ هَذَا.
وَقَالَ عبد الله: سَمِعت أَبِي يَقُول: السّنة فِي التَّفْصِيل الَّذِي يذهب إِلَيْهِ مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:(2/534)
524 - كُنَّا نقُول: أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان ... أما الْخلَافَة فَيذْهب إِلَى حَدِيث.
525 - سفينة. فَيَقُول: أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي فِي الْخُلَفَاء.
ونستعمل الْحَدِيثين جَمِيعًا، وَلَا نعيب عَلَى من ربع بعلي لِقَرَابَتِهِ وصهره وإسلامه الْقَدِيم وعدله. قلت لأبي: إِن قوما يَقُولُونَ: إِنَّه لَيْسَ بخليفة قَالَ: هَذَا قَول سوء رَدِيء، وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُونَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. أفنكذبهم، وَقد حج النَّاس، وَقطع، ورجم، أَيكُون هَذَا إِلَّا خَليفَة؟ قلت لأبي من احْتج بِحَدِيث عُبَيْدَة.(2/535)
526 - أَنه قَالَ لعَلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأْيك فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيّ من رَأْيك فِي الْفرْقَة.
فَقَالَ أَبِي: إِنَّمَا أَرَادَ أَمِير الْمُؤمنِينَ. بذلك يضع من نَفسه بتواضع، قَوْله: خبطتنا فتْنَة، تواضع بذلك.
527 - وَعَن سفينة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخلَافَة ثَلَاثُونَ. قَالَ سفينة: فَخذ سنتي أَبُو بكر، وَعشر عمر، وثنتي عشرَة عُثْمَان، وست عَليّ.
528 - وَعَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَت: لما أسس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَسْجِد الْمَدِينَة جَاءَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحجر فَوَضعه، وَجَاء أَبُو بكر بِحجر فَوَضعه، ثمَّ جَاءَ عمر بِحجر فَوَضعه، ثمَّ جَاءَ عُثْمَان بِحجر فَوَضعه، ثمَّ قَالَ: هَؤُلاءِ أُمَرَاء الْخلَافَة من بعدِي.
529 - وَفِي رِوَايَة سفينة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ثَلَاثُونَ سنة قَالَ سفينة: فأتمهما عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثِينَ.
فصل
لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب سَوَاء أَن كَانَ الْمَرْء إِمَامًا أَو مَأْمُوما لحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/536)
530 - " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب " وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عِنْد افتتاحها، وَعند الرُّكُوع، وَعند رفع الرَّأْس سنة مسنونة وَهِي من عَلَامَات أهل السّنة. وإفراد الْإِقَامَة، وتثنية الْأَذَان، سنة مسنونة لما رَوَى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
531 - أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان، ويوتر الْإِقَامَة. وَكَانَ الْآمِر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُبين ذَلِكَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَعِيد بن الْمسيب:
532 - أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لعبد الله بن زيد: " ألقه عَلَى بِلَال فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك ". وَأما مَا رُوِيَ فِي حَدِيث أَبِي مَحْذُورَة:
533 - من تَرْجِيع الْأَذَان، وتثنية الْإِقَامَة. فَصَحِيح أَيْضا وَهُوَ من(2/537)
اخْتِلَاف الْمُبَاح.
وَالْوتر لَيْسَ بِفَرْض إِن أحب أوتر بِرَكْعَة وَإِن شَاءَ بِثَلَاث، بتسليمتين وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِن أَرَادَ فبخمس، بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وجلسة وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ فبسبع، بجلستين فِي السَّادِسَة، وَالسَّابِعَة، وتسليمة وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ فبتسع، بجلستين فِي الثَّامِنَة والتاسعة بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة.(2/538)
وَأَدَاء الصَّلَاة فِي أول الْوَقْت أفضل الْأَعْمَال إِلَّا الظّهْر فِي شدَّة الْحر وَالْعشَاء إِذا لم يخف الإِمَام ضعف الضَّعِيف.
قَالَ بعض الْعلمَاء: وَمن عَلامَة أَصْحَاب الحَدِيث أَدَاء الصَّلَاة فِي أول وَقت، وَصدق اللهجة، والتهجد بِاللَّيْلِ، وَكِتَابَة الحَدِيث والرحلة فِيهِ وَالنَّفقَة فِيهِ.
فصل
وعَلى الْمَرْء محبَّة أهل السّنة أَي مَوضِع كَانُوا رَجَاء محبَّة الله لَهُ كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
534 - " وَجَبت محبتي للمتحابين فِي والمتجالسين فِي والمتلاقين فِي ".
وَعَلِيهِ بغض أهل الْبدع أَي مَوضِع كَانُوا حَتَّى يكون مِمَّن أحب فِي الله وَأبْغض فِي الله، ولمحبة أهل السّنة عَلامَة، ولبغض أهل الْبِدْعَة عَلامَة، فَإِذا رَأَيْت الرجل يذكر مَالك بن أنس، وسُفْيَان بن سَعِيد الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن ابْن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ، عبد الله بن الْمُبَارك، وَمُحَمّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي، وَالْأَئِمَّة المرضيين بِخَير فَأعْلم أَنه من أهل السّنة، وَإِذا رَأَيْت الرجل يُخَاصم فِي دين الله(2/539)
ويجادل فِي كتاب الله فَإِذا قيل لَهُ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: حَسبنَا كتاب الله فَأعْلم أَنه صَاحب بِدعَة، وَإِذا رَأَيْت الرجل إِذا قيل لَهُ لم لَا تكْتب الحَدِيث؟ يَقُول: الْعقل أولى فَأعْلم أَنه صَاحب بِدعَة، وَإِذا رَأَيْته يمدح الفلسفة والهندسة ويمدح الَّذين ألفوا الْكتب فِيهَا فَأعْلم أَنه ضال، وَإِذا رَأَيْت الرجل يُسَمِّي أهل الحَدِيث حشوية، أَو مشبهة، أَو ناصبة فَأعْلم أَنه مُبْتَدع، وَإِذا رَأَيْت الرجل يَنْفِي صِفَات الله، أَو يشبهها بِصِفَات المخلوقين فَأعْلم أَنه ضال.
قَالَ عُلَمَاء أهل السّنة: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدع إِلَّا وَقد نزع حلاوة الحَدِيث من قلبه.
فصل
وَمن السّنة العقد عَلَى النِّسَاء الثّيّب اللَّاتِي لَا أَوْلِيَاء لَهُنَّ إِلَى الإِمَام لَا إِلَى أَنْفسهنَّ، وَأَن كل شراب يسكر كَثِيرَة فقليله حرَام، سَوَاء اتخذ من(2/540)
زبيب، أَو عِنَب، أَو عسل، أَو شعير، أَو ذرة وَأَن من شربهَا كَانَ عَلَى الإِمَام إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ.
وَأَن الأوتار والمزامير كلهَا من فعل الشَّيْطَان لَا يحل لمُسلم أَن يسْمعهَا أَو يستعملها فَإِن فعل ذَلِكَ كَانَ عَاصِيا آثِما.
وَالشَّمْس تطلع من مغْرِبهَا فِي آخر الزَّمَان عَلَى مَا جَاءَت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيهِ دون قَول من أنكر ذَلِكَ، فَالله قَادر عَلَى إطلاعها من مغْرِبهَا كَمَا هُوَ قَادر عَلَى إطلاعها من مشرقها.
535 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الشَّمْس تغرب فِي كل لَيْلَة فَتَقَع تَحت الْعَرْش سَاجِدَة فَتَسْتَأْذِن لَهَا بالطلوع من مطْلعهَا فَإِذا قربت الْقِيَامَة تستأذن فَيُؤذن لَهَا بالطلوع من مغْرِبهَا "
فصل
قَالَ بعض الْعلمَاء: الدّين لَا يدْرك بِالْعقلِ، وَالْعقل نَوْعَانِ غريزي واكتسابي، فالغريزي مَا يكون مَوْجُودا مَعَ الْمَوْلُود كعقله للارتضاع وَأكل الطَّعَام وضحكه مِمَّا يسره وبكائه مِمَّا لَا يهواه وامتناعه مِمَّا يضرّهُ، كل هَذَا يعقله بِالْعقلِ الغريزي.(2/541)
وأصل الْعقل فِي اللُّغَة الْحَبْس، وَالْحَيَوَان قد يحبس نَفسه عَمَّا يضرّهُ وَذَلِكَ إلهام يَدعُوهُ إِلَى مَا يَنْفَعهُ حَتَّى لَا يقرب مِمَّا فِيهِ ضَرَره وهلاكه، بل ينفر مِنْهُ وَلَا يَأْكُل مِمَّا يضر بِهِ، أَو يكون سما من النَّبَات وَغَيره.
ثمَّ يكْتَسب الصَّبِي زِيَادَة فِي الْعقل عَلَى مُرُور الْأَيَّام إِلَى أَن يبلغ أَرْبَعِينَ سنة، فَحِينَئِذٍ يكمل عقله قَالَ الله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا بلغ أشده وَبلغ أَرْبَعِينَ سنة} أَي بلغ كَمَال الْعقل، وَبلغ أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ بعد ذَلِكَ يَأْخُذ عقله فِي النُّقْصَان إِلَى أَن يخرف وَتلك زِيَادَة عقل اكتسابي، فَأَما الْعلم يكون كل يَوْم فِي زِيَادَة، ومنتهى تعلم الْعلم يَنْتَهِي الْعُمر، فالإنسان لَا يصير مستغنيا عَن زِيَادَة الْعلم مَا دَامَ بِهِ رَمق وَقد يَسْتَغْنِي عَن زِيَادَة الْعقل إِذا بلغ منتهاه، وَهَذَا يدل عَلَى أَن الْعقل أَضْعَف من الْعلم، وَأَن الدّين لَا يدْرك بِهِ لضَعْفه وقلته، وَيدْرك بِالْعلمِ لقُوته وكثرته، وَيدل عَلَى ذَلِكَ أَن الْعَاقِل إِذا جن ذهب عَنهُ الْعقل الاكتسابي وَلم يتعهد إِلَى أَمر الْآخِرَة، وَمَا يتَعَلَّق بِالدّينِ وَبَقِي مَعَه الْعقل الغريزي يفعل مَا يَفْعَله الصَّبِي، وعقل نَفسه عَمَّا يعقله، وَلم يذهب عَنهُ(2/542)
مَا يتَعَلَّق بالأمور الدنوية من الْأكل وَالشرب والإمساك عَمَّا يضر بِهِ والإسراع إِلَى مَا يَنْفَعهُ، فَدلَّ أَن قَلِيل الْعقل وَكَثِيره لَا مجَال لَهُ فِي الدّين مَا لم تنضم إِلَيْهِ قرينَة، وَلِأَن الْعقل يتَضَمَّن ظنا وشكا، لِأَن الْعَاقِل إِذا قَالَ شَيْئا فِي أَمر الدّين يعقله قَالَ كَذَا يُوجب عَقْلِي فيكل علم ذَلِكَ إِلَى عقله وظنه والعالم يَقُول: هَذَا الَّذِي أعلمهُ يَقِينا وأتحققه.
وَمن الدَّلِيل عَلَى ضعف الْعقل أَن الدّين لَا يدْرك بِهِ أَن الله تَعَالَى ذمّ الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا يرجعُونَ فِي نفاقهم إِلَى عُقُولهمْ فَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ من بعد مَا عقلوه وهم يعلمُونَ} أَي من بعد مَا قَالُوا: وقفنا عَلَى كَلَام الله تَعَالَى بعقولنا وهم يعلمُونَ بطلَان مَا أدركوه بعقولهم.
فَدلَّ هَذَا عَلَى أَن معنى كَلَام الله لَا يدْرك بِالْعقلِ وَإِنَّمَا يدْرك بِالْعلمِ، وَلِأَن الْعقل لَا مجَال لَهُ فِي إِدْرَاك الدّين بِكَمَالِهِ وبالعلم يدْرك بِكَمَالِهِ، وَلِأَن الْعلم يستحسن أَشْيَاء فِي الدّين وَلَا يردهَا شرعا ويستقبحها الْعقل ويردها طبعا فَإِن مجامعة الزَّوْج امْرَأَته يردهَا الْعقل ويحسنها الْعلم وَالشَّرْع، وَأكل الْميتَة(2/543)
كالسمك وَالْجَرَاد، وَأكل الدَّم كالكبد وَالطحَال، وَأكل الكرش الَّذِي هُوَ وعَاء ... والنجاسات، وَإِن غسل وطهر بِالْمَاءِ فَإِن الطَّبْع ينفر عَن تنَاوله وَالْعلم يحله، وَكَذَلِكَ قتل الْحَيَوَان من الصَّيْد وَالدَّوَاب يُنكره الْعقل لَا سِيمَا قتل الْإِنْسَان، وَالشَّرْع وَالْعلم يحله إِذا كَانَ وَاجِبا.
فَبَان أَن الْعقل لَا مجَال لَهُ فِي دَرك الدّين إِذا كَانَ مُنْفَردا عَن قرينه وَلَو كَانَ لِلْعَقْلِ مجَال فِي الدّين يدْرك بِهِ الدّين لَكَانَ الْعُقَلَاء من الْكفَّار لَا يصرون عَلَى الْكفْر ويبصرون الدّين القويم لَا سِيمَا كفار قُرَيْش الَّذين كَانُوا معروفين بوفور الْعقل وأصالة الرَّأْي حَتَّى وَصفهم الله تَعَالَى فِي كِتَابه فَقَالَ: {أم تَأْمُرهُمْ أحلامهم بِهَذَا} أَي عُقُولهمْ فَدلَّ أَن الْعقل لَا يهدي إِلَى الدّين.
536 - وَقَالَ بعض الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم: لَو كَانَ الدّين بِالْعقلِ لَكَانَ بَاطِن الْخُف أولى بِالْمَسْحِ من ظَاهره.
وَلِأَن الْخَارِج النَّجس من مخرج الْحَدث يُوجب غسل بعض أَعْضَاء الْجَسَد وَالْخَارِج الَّذِي هُوَ طَاهِر فِي قَول كثير من الْعلمَاء يُوجب غسل(2/544)
الْبدن كُله، وَهَكَذَا التَّيَمُّم وَلَو كَانَ بِالرَّأْيِ لَكَانَ عَلَى أَعْضَاء الْوضُوء، أَو عَلَى جَمِيع الْبدن.
وَلَو كَانَ الْعقل يُغني لما أَمر الله تَعَالَى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالمشاورة فِي الْأَمر مَعَ تَمام عقله ووفور رَأْيه فَقَالَ: {وشاروهم فِي الْأَمر} أَي لَا تتكل عَلَى عقلك وَحده، فَدلَّ هَذَا عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
قَالَ بعض الْعلمَاء: لَا يُوصف الله بِكَوْنِهِ عَاقِلا ويوصف بِكَوْنِهِ عَالما فَدلَّ أَن الْعلم أقوى من الْعقل.
فُصُول مستخرجه من كتب السّنة
قَالَ أهل السّنة: الْكَفّ عَن مساويء أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سنة لِأَن تِلْكَ المساويء لم تكن على الْحَقِيقَة مساويء فالصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا(2/545)
أخير النَّاس وهم أَئِمَّة لمن بعدهمْ، وَالْإِمَام إِذا لَاحَ لَهُ الْخَيْر فِي شَيْء حَتَّى فعله لَا يجب أَن يُسمى ذَلِكَ الشَّيْء إساءة. إِذْ المساويء مَا كَانَ عَلَى اخْتِيَار فِي قصد الْحق من غير إِمَام، فَكيف تعد أفعالهم مساويء وَقد أَمر الله بالاقتداء بهم، طهر الله قُلُوبنَا من الْقدح فيهم وألحقنا بهم.
فصل
ونعتقد أَن الْمُؤمن يبشر عِنْد الْمَوْت بِالروحِ والراحة حَتَّى يحب لِقَاء الله وَيُحب الله لقاءه، وَأَن الْكَافِر يبشر بِالْعَذَابِ عِنْد الْمَوْت حَتَّى يكره لِقَاء الله وَيكرهُ الله لقاءه.
وَقَالَ بعض الْعلمَاء: يُحَاسب الله عباده فِي الْقِيَامَة ويناقشهم. يُحَاسب بِالْعرضِ من قضى لَهُ بالمغفرة ويناقش بِالْحِسَابِ من قضى عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ.(2/546)
وَيُحَاسب الْكَافِر غير أَن الْمُؤمن عاقبته الْجنَّة، وَالْكَافِر عاقبته النَّار قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأما من أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ فَيَقُول يليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ياليتها كَانَت القاضية} . وَقَالَ: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوف يَدْعُو ثبوراً وَيُصلي سعيراً} . وَقَالَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نكراً} فالكفار يُعْطون كتبهمْ بشمالهم، والمؤمنون يُعْطون كتبهمْ بيمينهم قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فسوق يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}
فصل
وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ركنان وثيقان من أَرْكَان الدّين يجب عَلَى الْمَرْء أَن لَا يهملهما.
فصل
والمطيع لله يحب أَن يحب لطاعته، وَإِن كَانَ فِي خلال ذَلِكَ بعض الْمعاصِي، والمعاصي لله يجب أَن يبغض لمعصيته وَإِن كَانَ فِي خلال ذَلِكَ بغض(2/547)
الطَّاعَة، فَمن كَانَت طَاعَته أَكثر ازْدَادَ إيمَانه وَوَجَبَت محبته، وَمن كَانَت مَعَاصيه أَكثر انْتقصَ إيمَانه وَوَجَب بغضه حَتَّى يحصل الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله.
فصل
وَالتَّوْبَة مَقْبُولَة مَا لم يُغَرْغر الْمَرْء بِنَفسِهِ، وَمَا لم تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا، وَحكم الْمُرْتَدَّة حكم الْمُرْتَد لَا يتربص بهَا إِلَّا لأحد أَمريْن إِمَّا أَن تتوب وَترجع إِلَى الْإِسْلَام، وَإِمَّا أَن تقتل كَمَا يقتل الْمُرْتَد.
فصل
وَأَصْحَاب الحَدِيث لَا يرَوْنَ الصَّلَاة خلف أهل الْبدع لِئَلَّا يرَاهُ الْعَامَّة فيفسدون بذلك.(2/548)
فصل
وَأهل السّنة يطلقون مَا أطلق الله فِي كِتَابه وَمَا أطلقهُ رَسُوله فِي سنته مثل السّمع وَالْبَصَر وَالْوَجْه وَالنَّفس والقدم والضحك من غير تكييف وَلَا تَشْبِيه وَلَا ينفون صِفَاته كَمَا نفت الْجَهْمِية، وَمن زعم أَن الله يرى فِي الدُّنْيَا فَهُوَ ضال لَا يرَاهُ أحد فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ خلق فِي دَار الفناء للفناء، وَلَا يرَاهُ أحد فِي دَار الفناء بِالْعينِ الفانية، فَإِذا أَحْيَاهُ الله فِي الْقِيَامَة للبقاء يرى بِالْعينِ الْبَاقِيَة الرب الْبَاقِي فِي دَار الْبَقَاء وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَاب تغني عَن الِاسْتِدْلَال بِالنّظرِ، والعقول.
فصل
وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شقّ صَدره فَأخْرج مِنْهُ حَظّ الشَّيْطَان ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ معْجزَة لَهُ خَاصَّة دون الْبشر. إِذْ الْبشر لَو فعل ذَلِكَ بهم مَاتُوا.
فصل
وَلَا نعارض سنة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالمعقول لِأَن الدّين إِنَّمَا هُوَ الانقياد وَالتَّسْلِيم دون الرَّد إِلَى مَا يُوجِبهُ الْعقل، لِأَن الْعقل مَا يُؤَدِّي إِلَى قبُول السّنة فَأَما مَا يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالهَا فَهُوَ جهل لَا عقل.(2/549)
وَترك مجالسة أهل الْبِدْعَة، ومعاشرتهم سنة لِئَلَّا تعلق بقلوب ضعفاء الْمُسلمين بعض بدعتهم، وَحَتَّى يعلم النَّاس أَنهم أهل الْبِدْعَة، وَلِئَلَّا يكون مجالستهم ذَرِيعَة إِلَى ظُهُور بدعتهم.
والخوض فِي الْكَلَام المذموم، ومجانبة أَهله محمودة ليعلم أَنهم ناكبون عَن طَرِيق الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم.
فصل
ظَهرت الْمُعْتَزلَة فقدحت فِي كتاب الله، وَقَالَت: بِخلق الْقُرْآن، وقدحت فِي أَحَادِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَالَت: لَا تصح، وَسموا أَصْحَاب الحَدِيث حشوية، وَقَالُوا: الْخَبَر يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب وكل مَا تردد بَين الصدْق وَالْكذب فَهُوَ شكّ، وتأولت أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته، وَقَالَت: إِن الله لَا يَشَاء الْمعاصِي وَلَا يقدرها عَلَى العَبْد، ونفت حَدِيث النُّزُول، وَحَدِيث الْقدَم، والأصبع أَرَادوا نقض أصُول الدّين فَلَمَّا لم يتم لَهُم مَا قصدوه تَبِعَهُمْ الْكلابِي فَوضع كلَاما ظَاهره مُوَافق، وباطنه موبق، وَقَالَ: لَا أَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق، وَلَكِن أَقُول إِن الَّذِي فِي مَصَاحِفنَا لَيْسَ كَلَام الله، وَلكنه عبارَة عَن كَلَامه، وَكَلَامه قديم قَائِم بِذَاتِهِ، وَلَا أنفي الاسْتوَاء، وَلَكِن لَا أَقُول: اسْتَوَى بِذَاتِهِ وَلَا أنفي الْيَد، وَالْوَجْه، وَلَكِن أتأولها، فتأولهما تَأْوِيلا ذهب عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون.(2/550)
فصل
وَقد عرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى السَّمَاء لَيْلَة الْمِعْرَاج حَتَّى رأى مَا فِي السَّمَوَات من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، وَرَأى ربه عَزَّ وَجَلَّ، وَلم يكن ذَلِكَ نوم بل كَانَ فِي يقظة إِذْ لَو كَانَ فِي النّوم لاستوى فِيهِ مَعَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبشر كلهم لأَنهم يرَوْنَ فِي منامهم السَّمَوَات وَالْمَلَائِكَة والأنبياء وَالْجنَّة وَالنَّار وَغير ذَلِكَ، بل كَانَت ذَلِك معْجزَة من معجزات النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فصل ذكره بعض الْعلمَاء قَالَ
المتأول إِذا أَخطَأ وَكَانَ من أهل عقد الْإِيمَان نُظِرَ فِي تَأْوِيله فَإِن كَانَ قد تعلق بِأَمْر يُفْضِي بِهِ إِلَى خلاف بعض كتاب الله، أَو سنة يقطع بهَا الْعذر، أَو إِجْمَاع فَإِنَّهُ يكفر وَلَا يعْذر. لِأَن الشُّبْهَة الَّتِي يتَعَلَّق بهَا من هَذَا ضَعِيفَة لَا يُقَوي قُوَّة يعْذر بهَا لِأَن مَا شهد لَهُ أصل من هَذَا الْأُصُول فَإِنَّهُ فِي غَايَة(2/551)
الوضوح وَالْبَيَان فَلَمَّا كَانَ صَاحب هَذِهِ الْمقَالة لَا يصعب عَلَيْهِ دَرك الْحق، وَلَا يغمض عِنْده بعض مَوضِع الْحجَّة لم يعْذر فِي الذّهاب عَن الْحق، بل عمل خِلَافه فِي ذَلِكَ عَلَى أَنه عناد وإصرار، وَمن تعمد خلاف أصل من هَذِهِ الْأُصُول وَكَانَ جَاهِلا لم يقْصد إِلَيْهِ من طَرِيق العناد فَإِنَّهُ لَا يكفر، لِأَنَّهُ لم يقْصد اخْتِيَار الْكفْر وَلَا رَضِي بِهِ وَقد بلغ جهده فَلم يَقع لَهُ غير ذَلِكَ، وَقد أعلم الله سُبْحَانَهُ أَنه لَا يُؤَاخذ إِلَّا بعد الْبَيَان، وَلَا يُعَاقب إِلَّا بعد الْإِنْذَار فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هدَاهُم} فَكل من هداه الله عَزَّ وَجَلَّ وَدخل فِي عقد الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يخرج إِلَى الْكفْر إِلَّا بعد الْبَيَان.
وَمن بلغ من الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض فِي الْمَذْهَب أَن يكفر الصَّحَابَة، وَمن الْقَدَرِيَّة أَن يكفر من خَالفه من الْمُسلمين، وَلَا نرى الصَّلَاة خَلفهم، وَلَا نرى أَحْكَام قضاتهم وقضائهم جَائِزَة، وَرَأى السَّيْف واستباح الدَّم فَهَؤُلَاءِ لَا شَهَادَة لَهُم.
قَالَ: ومشايخ أهل الحَدِيث قد أطْلقُوا القَوْل بتكفير الْقَدَرِيَّة، وَكَفرُوا من قَالَ: بِخلق الْقُرْآن.
وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء: قد نطق الْكَلِمَة عَلَى الشَّيْء لنَوْع من التَّمْثِيل وَلَا يحكم بحقيقتها عِنْد التَّفْصِيل.
537 - قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر "(2/552)
538 - وَقَالَ: المراء فِي الْقُرْآن كفر.
539 - وَقَالَ: بَين العَبْد وَالْكفْر ترك الصَّلَاة.
فصل
قَالَ الْحَارِث المحاسبي: اعتزل مُحَمَّد بن مسلمة، وَأَبُو مُوسَى وَأُسَامَة وَابْن عمر، وَأنس، وَأَبُو مَسْعُود، وَجَمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي وَاحِد مِنْهُم الْقدْوَة، وَلم يقاتلوا، وأشكل الْأَمر إِذْ لم يبين فِي آيَة وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع من الْأمة فامسكنا عَن الدِّمَاء أَن نقُول فِيهَا شَيْئا لاخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /، وَشَهِدْنَا لعَلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنه أَحَق بهَا، وَلم يسْتَقرّ الْعلم عندنَا بِآيَة وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع أَن لَهُ أَن يُقَاتل فَهُوَ عندنَا عَلَى فضيلته وسابقته الأولى، وَلم يتَبَيَّن لنا فِي قِتَاله خطأ يشْهد بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا اسْتَقر عندنَا الْعلم بِهِ فنقطع بِهِ، وَلَكِن نمسك إِذْ أشكل الْأَمر علينا وَنكل علم ذَلِكَ إِلَى الله عَزَّ(2/553)
وَجل قد أشكل ذَلِكَ عَلَى أَئِمَّة قبلنَا مِنْهُم سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واعتزاله، وَقَوله: إِن أَتَيْتُمُونِي بِسيف يعرف الْمُؤمن من الْكَافِر قَاتَلت مَعكُمْ، فَدلَّ بقوله هَذَا أَن قتل الْمُؤمن حرَام، وَأَن قتل الْكَافِر حَلَال، وَأَن سَيْفه لَيْسَ عِنْده معرفَة بذلك، وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَن الْأَمر قد أشكل واشتبه، وَأَن سَعْدا كره أَن يُقَاتل عَلَى شُبْهَة.
وَمِمَّا يدل عَلَى ذَلِكَ أَن مُعَاوِيَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عاتبه عَلَى أَن لَا يكون يُقَاتل مَعَه فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا مثلي ومثلكم كَمثل قوم كَانُوا يَسِيرُونَ عَلَى جادة الطَّرِيق فهاجت ريح شَدِيدَة وظلمة فَلم يعرفوا الطَّرِيق وَأخذ النَّاس يَمِينا وَشمَالًا فتاهوا، وَقَالَ بَعضهم: أَخ، أَخ، ونزلوا حَتَّى أسفرت الظلمَة وأبصروا الطَّرِيق. فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا أَبَا إِسْحَاق أتجد فِي كتاب الله: أَخ، أَخ؟ فَقَالَ: لَا أقَاتل حَتَّى تَأْتُونِي بِسيف يعرف الْمُؤمن من الْكَافِر يَقُول: هَذَا مُسلم لَا تقتله وَهَذَا كَافِر فاقتله. وَقد تقدم من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِكَ قَول بَين:(2/554)
540 - " الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين، وَبَين ذَلِكَ أُمُور متشابهات فَمن اتَّقى الشُّبُهَات فقد اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه ". فَأَي شُبْهَة أعظم فِي الشُّبْهَة فِي الدِّمَاء.
541 - وَأرْسل عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أُسَامَة بن زيد أَلا تقَاتل مَعنا؟ فَأرْسل إِلَيْهِ يَا مولَايَ لَو كنت فِي بطن أَسد لدخلت مَعَك، وَلَكِن هَذَا شَيْء لَا أرَاهُ. يخبر أَنه لَا تسخو نَفسه أَن يتَقَدَّم عَلَى أَمر لم يتَبَيَّن عِنْده أَنه حَلَال، وَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنه أمسك للإشكال عَلَيْهِ وَلم ير فِي ذَلِكَ مَا رأى عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
542 - وَمُحَمّد بن مسلمة أرسل إِلَيْهِ عَليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن يَأْتِيهِ فَأبى أَن يَأْتِيهِ فَقَالَ: إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَانِي سَيْفا، وَقَالَ: قَاتل بِهِ الْمُشْركين فَإِذا اقتتل الْمُسلمُونَ فأت بِهِ فاكسره ثمَّ الزم بَيْتك حَتَّى تَأْتِيك منية قاضية، أَو يَد خاطئة. فَقَالَ عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعوه. وَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنه أشكل عَلَيْهِ الْأَمر فَأمْسك وَاتبع وَصِيَّة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
543 - وَقيل لعَلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِن أردْت أَن يطيعك أهل الشَّام فَأرْسل إِلَيْهِم ابْن عمر فَإِنَّهُم سيطيعونه لحب أَبِيه. فَكتب إِلَيْهِ الْكتب بولايته عَلَى الشَّام فَلَمَّا أحس ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بذلك ركب رَاحِلَته فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ خرج مُعْتَمِرًا فجَاء عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَطْلُبهُ فَقَالَ: أَبُو عبد الرَّحْمَن هَل هُنَا؟ فَقَالُوا: إِنَّه قد خرج. وَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنه أمسك للشُّبْهَة وللإشكال عَلَيْهِ.(2/555)
544 - وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو اسْتَخْلَفَهُ عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِين خرج إِلَى صفّين كَانَ يخْطب، ويثبط النَّاس فِي خطبَته عَن الْخُرُوج إِلَى صفّين، وَيَأْمُرهُمْ بالكف عَن الدِّمَاء، وَكَانَ يَأْتِيهم الْخَبَر أَن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد نصر فيخطب فَيَقُول - أَيهَا النَّاس إِن هَذَا لَيْسَ بِفَتْح إِنَّمَا الْفَتْح أَن يحقن الله دِمَاء أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
545 - وَسَهل بن حنيف الَّذِي كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آخى بَينه وَبَين عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَوْم صفّين: " أَيهَا النَّاس اتهموا الرَّأْي فَإنَّا مَا حملنَا أسيافنا هَذِهِ عَلَى عواتقنا فِي أَمر إِلَّا أسهل بِنَا إِلَى أَمر نعرفه إِلَّا أمرنَا هَذَا. فَفِي هَذَا دَلِيل أَنه رأى أَنه لَا يحل لَهُ أَن يهريق الدِّمَاء عَلَى الْإِشْكَال.
وَمِمَّا يدل عَلَى أَن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم ير أَن يُقَاتل مَعَه من أشكل عَلَيْهِ الْأَمر وَذَلِكَ أَنه خطب فَقَالَ:
546 - من كره قتال مُعَاوِيَة فلينتدب حَتَّى نعرفه، فَانْتدبَ أَرْبَعَة أُلَّاف(2/556)
فأغزاهم إِلَى الديلم. رَوَاهُ مرّة الْهَمدَانِي أَنه سَمعه، من عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَنه انتدب فِيمَن انتدب. وَالَّذين قَاتلُوا رَأَوْا أَن فعالهم وَالصَّوَاب وَالْحق وهم لنا جَمِيعًا أَئِمَّة فَإِذا اجْتَمعُوا عَلَى أَمر قُلْنَا بِهِ، وَإِذا اخْتلفُوا فِي أَمر لم يفْرض علينا القَوْل بِهِ وَالْعَمَل. وخفنا أَن لَا نسلم من القَوْل فِيهِ فأمسكنا القَوْل بِهِ حَتَّى يَصح لنا القَوْل فِي ذَلِكَ.
فُصُول مستخرجة من كتب السّنة
ذكر إِسْمَاعِيل بن أسيد الْمَدِينِيّ رَحمَه الله فِي كتب السّنة قَالَ: دخل رجلَانِ من أَصْحَاب الْأَهْوَاء عَلَى ابْن سِيرِين فَقَالَا: يَا أَبَا بكر نحدثك بِحَدِيث؟ قَالَ: لَا قَالَ: فنقرأ عَلَيْك آيَة من كتاب الله؟ قَالَ: لَا لتقومان عني أَو لأقومن؟ قَالَ: فَقَامَ الرّجلَانِ. فَقَالَ بعض الْقَوْم: يَا أَبَا بكر مَا كَانَ عَلَيْك أَن يقْرَأ عَلَيْك آيَة من كتاب الله: فَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: إِنِّي(2/557)
خشيت أَن يقرآ عَليّ آيَة فيحرفانها فَيقر ذَلِكَ فِي قلبِي، ثمَّ قَالَ: لَو أعلم أَنِّي أكون مثلي السَّاعَة لتركتهما.
وَقَالَ أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج أَبُو بكر الْمروزِي خَادِم أَحْمَد ابْن حَنْبَل قَالَ: قلت لأبي عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحمَه اللَّه أجبْت فِي الْقُرْآن أَنه غير مَخْلُوق؟ قَالَ: نعم كتبت إِلَى عبيد الله بن يَحْيَى كتبت إِلَيْك بِالَّذِي سَالَ عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ من أَمر الْقُرْآن بِمَا حضرني، وَقد كَانَ النَّاس فِي خوض من الْبَاطِل وَاخْتِلَاف شَدِيد يغتمسون فِيهِ، وانجلى عَن النَّاس مَا كَانُوا فِيهِ من الذل وضيق المحابس فصرف الله ذَلِكَ، وَذهب بِهِ وَوَقع ذَلِكَ من الْمُسلمين موقعاً عَظِيما ودعوا لأمير الْمُؤمنِينَ وَقد ذكر عَن عبد الله بن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
547 - قَالَ: لَا تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض فَإِن ذَلِكَ يُوقع الشَّك فِي قُلُوبكُمْ.(2/558)
وَذكر عَن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
548 - أَن نَفرا جُلُوسًا بِبَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ بَعضهم: ألم يقل الله كَذَا، وَقَالَ بَعضهم: ألم يقل الله كَذَا، وَقَالَ: فَسمع ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَخرج فَكَأَنَّمَا فقيء فِي وَجهه حب الرُّمَّان فَقَالَ: أَبِهَذَا أمرْتُم أَن تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض إِنَّمَا ضلت الْأُمَم قبلكُمْ فِي مثل هَذَا إِنَّكُم لَسْتُم مِمَّا هُنَاكَ فِي شَيْء، انْظُرُوا الَّذِي أمرْتُم بِهِ فاعملوا بِهِ، وانظروا إِلَى الَّذِي نهيتم عَنهُ فَانْتَهوا عَنهُ.
549 - وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قدم عَلَى عمر بن الْخطاب رجل فَجعل عمر يسْأَل عَن النَّاس فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد قَرَأَ الْقُرْآن فيهم كَذَا وَكَذَا وَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَقلت: وَالله مَا أحب أَن يتسارعوا يومهم هَذَا فِي الْقُرْآن هَذِهِ المسارعة. قَالَ: فزبرني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثمَّ قَالَ لي: مَه. فَانْطَلق إِلَى منزلي كئيبا حَزينًا، فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ أَتَانِي رجل فَقَالَ: أجب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَخرجت فَإِذا هُوَ بِالْبَابِ ينتظرني فَأخذ بيَدي فَخَلا بِي فَقَالَ: مَا الَّذِي كرهت مِمَّا قَالَ الرجل آنِفا: قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَتى سارعوا هَذِه المسارعة يحنقوا، وَمعنى يحنقوا يختصموا وَمَتى يختصموا يَخْتَلِفُوا وَمَتى يَخْتَلِفُوا يقتتلوا. فَقَالَ: لله أَبوك، وَالله إِن كنت أكاتمها النَّاس حَتَّى جِئْت بهَا(2/559)
550 - وَرُوِيَ عَن أَبِي جهيم رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا تماروا فِي الْقُرْآن فَإِن مراء فِيهِ كفر.
551 - وَرُوِيَ عَن جُبَير بن نفير قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّكُم لن ترجعوا إِلَى الله بِشَيْء أفضل مِمَّا خرج مِنْهُ - يَعْنِي الْقُرْآن - "
552 - وَرُوِيَ عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنه قَالَ: جردوا الْقُرْآن وَلَا تكْتبُوا فِيهِ شَيْئا إِلَّا كَلَام الله.
553 - وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنه قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن كَلَام الله فضعوه عَلَى موَاضعه.(2/560)
554 - وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اتَّقوا الله معشر الْقُرَّاء، وخذوا طَرِيق من كَانَ قبلكُمْ فوَاللَّه لَئِن أسبقتم لقد سبقتم بَعيدا، وَلَئِن تَرَكْتُمُوهُ شمالا ويمينا لقد ضللتم ضلالا بَعيدا
قَالَ: وَإِنَّمَا تركت ذكر الْأَسَانِيد لما تقدم من الْيَمين الَّتِي حَلَفت بهَا بِمَا علمه أَمِير الْمُؤمنِينَ لَوْلَا ذَلِكَ لذكرتها بأسانيدها، وَقد قَالَ الله عزوجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يسمع كَلَام الله} . وَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} فَأخْبر تبَارك وَتَعَالَى بالخلق ثمَّ قَالَ: وَالْأَمر فَأخْبر أَن الْأَمر غير الْخلق، وَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} فَأخْبر تبَارك وَتَعَالَى أَن الْقُرْآن من علمه إِذْ قَالَ: {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} وَقَالَ: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ من الْعلم} . فالقرآن من علم الله، وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل على أَن الَّذِي جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الْقُرْآن، وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد مِمَّن مضى من سلفنا أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: القرآ كَلَام الله وَلَيْسَ بمخلوق. وَهُوَ الَّذِي أذهب إِلَيْهِ وَلست بِصَاحِب كَلَام وَلَا أرى الْكَلَام فِي شَيْء من هَذَا إِلا مَا كَانَ فِي كتاب الله أَو(2/561)
حَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو عَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَو عَن التَّابِعين، فَأَما غير ذَلِكَ فَإِن الْكَلَام فِيهِ غير مَحْمُود.
فصل
555 - رُوِيَ عَن الْأَعْمَش عَن سَالم أَن أَسْقُف نَجْرَان جَاءَ إِلَى عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أنْشدك كتابك بيمينك، وشفاعتك بلسانك - وَكَانَ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجهم من أَرضهم - أرجعنا إِلَى أَرْضنَا؟ قَالَ: لَا، إِن عمر كَانَ رشيد الْأَمر.
وَقَالَ الشّعبِيّ: أرجيء الْأُمُور إِلَى الله وَلَا تكن مرجئا، وَمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر وَلَا تكن حروريا، وَأعلم أَن الْخَيْر من الله وَلَا تكن قدريا.
وَقَالَ الشّعبِيّ: قلت لزياد بن النَّضر: قد كنت من الشِّيعَة فَلم تَركتهم؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتهمْ يَأْخُذُونَ بأعجاز لَيْسَ لَهَا صُدُور.(2/562)
فصل
روى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَن قتال يَوْم الْجمل وَيَوْم صفّين، وَقيل: لَو قلت فِيهَا بِرَأْيِك: فَقَالَ دِمَاء لم أغمس فِيهَا يَدي أغمس فِيهَا لساني.
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: دِمَاء غيب الله عَنْهَا يَدي، أحضرها بلساني.
وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن صرد أَنه قَالَ لِلْحسنِ بن عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أعذرني عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي تخلفي عَنهُ يَوْم الْجمل، فَقَالَ: لَا تفعل لقد رَأَيْته يَوْم الْجمل، وَقد رأى الجماجم تندر فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ:
556 - يَا حسن أكل هَذَا فِينَا ولوددت أَنِّي مت قبل هَذَا بِعشْرين سنة، تمنى أَن يكون قد مَاتَ قبل أَن يرى مَا رأى من كَثْرَة الْقَتْل فِي أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا أَنه علم أَنه كَانَ مخطئا، وَذَلِكَ أَنه يَوْم النهروان أظهر السرُور بِقِتَال الْخَوَارِج وَقَالَ:
557 - " لَوْلَا أَن تنظروا لأخبرتكم بِمَا قضى الله عَلَى لِسَان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمن قتل هَؤُلاءِ ".(2/563)
لم يكن عِنْده عهد من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قتال أَصْحَاب الْجمل كَمَا كَانَ عِنْده فِي قتال أهل النهروان. وَقَالَ:
558 - سبق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصلى أَبُو بكر، وَثلث عمر، ثمَّ خبطتنا فتْنَة، فَهِيَ مَا شَاءَ الله. وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنه كَانَ فِي شُبْهَة من أمره بل كَانَ مصيبا عِنْد نَفسه، وَلَا يرى مَا يحدث.
559 - سُئِلَ عَن قِتَاله وقتال مُعَاوِيَة فَقَالَ: يُؤْتى بِي وبمعاوية فنختصم عِنْد ذِي الْعَرْش، وأينا، أفلج أفلج أَصْحَابه.
كَانَ يشفق لِأَنَّهُ كَانَ عِنْده رَأيا ً رَآهُ، وَعِنْده أَن ذَلِكَ الْحق، وَلَو كَانَ عِنْده من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خبر فِي ذَلِكَ لاحتج بِهِ عَلَيْهِم، وَلَو أخْبرهُم بِخَبَر فِي ذَلِكَ كَانَ مُصدقا غير مكذب، وَلَكِن كره ذَلِكَ.
560 - وَقَالَ: لَو أعلم أَن الْأَمر يبلغ مَا دخلت فِيهِ.(2/564)
فصل فِي ذكر يزِيد وحاله
561 - أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل العباسي، أخبرنَا الشريف أَبُو الْفضل أَحْمد ابْن الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَبَّاسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلا أَعْلَمُ عُذْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلا تَابَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ".
قَالَ الشَّيْخ: قَالَ أهل اللُّغَة: والفيصل ولقطيعة والهجران. وَالْأولَى فِي هَذَا الْبَاب أَن يبْنى الْكَلَام فِيهِ عَلَى مُقَدمَات أَولهَا ثُبُوت إِسْلَامه، وَمن ثَبت إِسْلَامه لَا يجوز لَعنه، وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/565)
562 - لعن الْمُؤمن كقتله. فَإِن شكّ وَاحِد فِي إِسْلَامه كَانَ بِمَنْزِلَة من شكّ فِي إِسْلَام من فِي عصره، وَإِذا ثَبت ذَلِكَ فَلَا يدع الْيَقِين بِالظَّنِّ، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
563 - يلعن الْكفَّار فِي الصَّلَاة فَأنْزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} فَترك الدُّعَاء عَلَيْهِم واللعن فَإِذا كَانَ أَمر الْكفَّار فِي هَذَا الْمَعْنى إِلَى الله يتَوَلَّى جزاهم فَأمر الْمُسلم أولى أَن يُفَوض إِلَيْهِ ليفعل فِيهِ مَا يسْتَحق الْمَرْء، وَمَا ذكر من قَتله الْحُسَيْن ابْن عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالَّذِي ثَبت عِنْد أهل النَّقْل أَنه أَمر عبيد الله بن زِيَاد بِحِفْظ الْكُوفَة، وَكتب إِلَيْهِ أَن يمْنَع من أَرَادَ الِاسْتِيلَاء عَلَى الْكُوفَة، فَلَمَّا قصد الْحُسَيْن ابْن عَليّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكُوفَة استقبلته خيل ابْن زِيَاد ليمنعوه من دُخُول الْكُوفَة فَلم يتمكنوا من مَنعه إِلَّا بقتْله هَذَا مَا ثَبت عِنْد أهل النَّقْل مَعَ مَا أظهر من(2/566)
إِنْكَاره عَلَيْهِ ولعنه عبيد الله بن زِيَاد وَقَوله: قد كُنَّا نرضى فِيك بِدُونِ قتل الْحُسَيْن، وإظهاره التحيد والبكاء لقَتله، وَأَنه جعل يضْرب بِيَدِهِ عَلَى فَخذه ويلعن قتلته وصلب قَاتل الْحُسَيْن فَقَالَ: لقد عجل عَلَيْهِ ابْن زِيَاد قَتله الله، وَلم يثبت ضربه بالقضيب عَلَى أَسْنَانه إِنَّمَا ثَبت ذَلِكَ من فعل ابْن زِيَاد بالرواية الصَّحِيحَة.
هَذَا مَعَ مَا رُوِيَ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أدخلنا عَلَى يزِيد، وَنحن اثْنَا عشر غُلَاما فَقَالَ: وَالله مَا علمت بِخُرُوج أَبِي عبد الله يَعْنِي الْحُسَيْن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِين خرج وَلَا بقتْله حِين قتل ثمَّ قَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْض وَلَا فِي انفسكم} الْآيَة فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان بن بشير اصْنَع بهم مَا كَانَ يصنع بهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَو رَآهُمْ بِهَذِهِ الصُّورَة، فَبكى بكاء شَدِيدا أهل الدَّار حَتَّى علت أَصْوَاتهم، ثمَّ قَالَ: فكوا عَنْهُم الغل، وَفك الغل بِيَدِهِ من عنق عَليّ بن الْحُسَيْن، وَأمر بحملهم إِلَى الْحمام وغسلهم وَأمر بِضَرْب القباب عَلَيْهِم وَأمرهمْ بالمطبخ وكساهم وَأخرج لَهُم جوائز كَثِيرَة.(2/567)
قَالَ أَبُو عَليّ بن شَاذان رِوَايَة عَن عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أدخلنا دمشق بعد أَن شخصنا من الْكُوفَة فَإِذا النَّاس مجتمعون بِبَاب يزِيد فأدخلنا عَلَيْهِ وَهُوَ جَالس عَلَى سَرِير وَعِنْده النَّاس سماطين من أهل الشَّام وَأهل الْعرَاق والحجاز وَكنت قُدَّام أهل بَيْتِي فَسلمت عَلَيْهِ وَقَالَ: أَيّكُم عَليّ بن الْحُسَيْن؟ فَقلت: أَنا فَقَالَ: ادن فدنوت ثمَّ قَالَ: ادن فدنوت حَتَّى صَار صَدْرِي عَلَى فرَاشه ثمَّ قَالَ: أما لَو أَنا أَبَاك أَمَامِي لوصلت رَحمَه وقضيت مَا يلْزَمنِي من حَقه، وَلَكِن عجل عَلَيْهِ ابْن زِيَاد فَقتله قَتله الله. قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: أصابتنا جفوة، فَقَالَ: نَذْهَب عَنْكُم الجفوة فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمْوَالنَا قبضت فَاكْتُبْ أَن ترد علينا فَكتب لنا بردهَا، وَقَالَ: فَإِنِّي أَقْْضِي حَوَائِجكُمْ وأفعل بكم وأفعل. قلت: الْمَدِينَة أحب إِلَيّ. فَقَالَ: قربي خير لكم، قلت: إِن أهل بَيْتِي قد تفَرقُوا فيجتمعون ويحمدون الله عَلَى هَذِهِ النِّعْمَة فجهزنا وأعطانا أَكثر مِمَّا ذهب منا من الْكسْوَة والجهاز وسرح مَعنا رسلًا إِلَى الْمَدِينَة وأمرنا أَن ننزل حَيْثُ شِئْنَا.
قَالَت فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَخَلنَا عَلَى نِسَائِهِ فَمَا بقيت امْرَأَة من آل مُعَاوِيَة إِلَّا تلقتنا تبْكي وتنوح عَلَى الْحُسَيْن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا مَا نَقله الثِّقَات من أهل الحَدِيث، فَأَما مَا رَوَاهُ أَبُو مخنف وَغَيره من الروافض فَلَا اعْتِمَاد بروايتهم، وَإِنَّمَا الِاعْتِمَاد عَلَى نقل ابْن أَبِي الدُّنْيَا وَغَيره مِمَّن نقل هَذِهِ الْقِصَّة عَلَى الصِّحَّة.(2/568)
فصل
564 - قيل لما حضر مُعَاوِيَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوَفَاة أَخذ عَلَى يزِيد الْوَصِيَّة بالحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: انْظُر الْحُسَيْن بن عَليّ بن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ أحب النَّاس إِلَى النَّاس فصل رَحمَه، وارفق بِهِ وداره يصلح لَك أَمرك.
وَمَا جرى بَين عَليّ وَبَين مُعَاوِيَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَالَ السّلف: من السّنة السُّكُوت عَمَّا شجر بَين أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَقَالَ رَسُول الله
:
565 - " إِذا ذكر أَصْحَابِي فأمسكوا " وَمَعْلُوم أَنه لَا يَأْمُرنَا بالإمساك فِي ذكر محاسنهم، وَإِنَّمَا أمرنَا بالإمساك عَن ذمهم.
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَسُئِلَ عَن أَمر الْحَرْب الَّتِي جرت بَينهم فَقَالَ: دِمَاء كفى الله يَدي فِيهَا فَلَا أحب أَن أغمس لساني فِيهَا، وَأَرْجُو أَن يَكُونُوا مِمَّن قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}(2/569)
فصل
قَالَ قوم من المبتدعة أَبُو سُفْيَان أَبُو مُعَاوِيَة قَاتل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأمه هِنْد أكلت كبد حَمْزَة، وَمُعَاوِيَة قَاتل عليا، وَيزِيد قتل الْحُسَيْن.
وَالْجَوَاب عَن ذَلِكَ: أَن قتال أَبِي سُفْيَان إِنَّمَا كَانَ قبل إِسْلَامه وإسلامه قد هدم مَا كَانَ قبله قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
566 - " الْإِسْلَام يجب مَا قبله " قَالَ أهل التَّفْسِير: نزل قَوْله تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة} فِي أبي سُفْيَان، وَأمره الله أَن يتَزَوَّج ابْنَته وَأَن يَجْعَل ابْنه مُعَاوِيَة كَاتب الْوَحْي، وَقَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سيئاتهم حَسَنَات} فَأَما هِنْد أم مُعَاوِيَة فَإِنَّهَا(2/570)
جَاءَت إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسْلمت وبايعت وَنزل قَوْله تَعَالَى {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله} فَاسْتَغْفر لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يَضرهَا مَا فعلت قبل ذَلِكَ.
وَشهد أَبُو سُفْيَان مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الطَّائِف وفقئت عينه فِي سَبِيل الله وفقئت عينه الْأُخْرَى يَوْم اليرموك، وَكَانَ يُنَادي يَا نصر الله اقْترب.
فصل
وَمن مَذْهَب أهل السّنة التورع فِي المآكل والمشارب والمناكح والتحرز من الْفَوَاحِش والقبائح، والتحريض عَلَى التحاب فِي الله عَزَّ وَجَلَّ، واتقاء الْجِدَال والمنازعة فِي أصُول الدّين، ومجانبة أهل الْأَهْوَاء والضلالة، وهجرهم ومباينتهم، وَالْقِيَام بوفاء الْعَهْد وَالْأَمَانَة، وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم والتبعات وغض الطّرف عَن الرِّيبَة والحرمات، وَمنع النَّفس عَن الشَّهَوَات،(2/571)
وَترك شَهَادَة الزُّور وَقذف الْمُحْصنَات، وإمساك اللِّسَان عَن الْغَيْبَة والبهتان، والفضول من الْكَلَام وكظم الغيظ، والصفح عَن زلل الإخوان، والمسابقة إِلَى فعل الخبرات، والإمساك عَن الشُّبُهَات، وصلَة الْأَرْحَام، وموساة الضُّعَفَاء والنصيحة فِي الله، والشفقة عَلَى خلق الله، والتهجد لقِيَام اللَّيْل لَا سِيمَا لحملة الْقُرْآن، والبدار إِلَى أَدَاء الصَّلَوَات، وَمن السّنة السّمع وَالطَّاعَة لولاة الْأَمر أبرارا كَانُوا أَو فجارا، وَالصَّلَاة خَلفهم فِي الْجُمُعَات والأعياد وَالْجهَاد مَعَهم وَالدُّعَاء لَهُم بالصلاح، والإفطار فِي السّفر،(2/572)
وَالْقصر وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ جَائِز وَهِي رخصَة من الله عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ وَتَخْفِيف عَلَيْهِم إِذا كَانَ السّفر سِتَّة عشرَة فرسخا وَكَانَ سفر طَاعَة، وَالتَّيَمُّم عِنْد عدم المَاء فِي السّفر رخصَة، والتنفل عَلَى الرَّاحِلَة فِي السّفر جَائِز حَيْثُ مَا تَوَجَّهت بِهِ الرَّاحِلَة.
فصل
تدخل النِّسَاء فِي جمع الْمُذكر نَحْو الْمُؤمنِينَ وَالصَّابِرِينَ، لِأَن الْأَمِير إِذا قَالَ لمن بِحَضْرَتِهِ من الرِّجَال وَالنِّسَاء قومُوا واقعدوا كَانَ ذَلِكَ خطابا لَهُم جَمِيعًا بِاتِّفَاق أهل اللُّغَة، وألفاظ الْأَوَامِر مثل قَوْله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وألفاظ الْوَعيد والمدح والذم وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب بِلَفْظ الْمُذكر(2/573)
عَامَّة لعلمنا بِمُرَاد الله الْفَرِيقَيْنِ، وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول: عرفنَا ذَلِكَ بِدَلِيل الْآيَة لِأَنَّهُ لم يرد لفظ يخْتَص بِالنسَاء وَلَو كَانَ لظهر.
وَإِطْلَاق النَّهْي يَقْتَضِي الْفساد، خلافًا لقَوْل من قَالَ لَا يَقْتَضِي فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ بِإِطْلَاقِهِ.
دليلنا مَا رَوَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
567 - " من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد " وَلِأَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ استدلوا على فَسَاد الْعُقُود بِالنَّهْي عَنْهَا من ذَلِكَ.(2/574)
568 - احتجاج ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَسَاد نِكَاح المشركات بقوله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا المشركات} . وَكَذَلِكَ احتجاجهم فِي فَسَاد عُقُود الرِّبَا.
569 - بقوله: " وَلَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب، وَلَا الْوَرق بالورق، وَلَا الْبر بِالْبرِّ " إِلَى آخر الحَدِيث.
فَلَو كَانَ إِطْلَاقه لَا يُفِيد الْفساد لم يرجِعوا إِلَى ظَاهر الْكَلَام، وَلِأَن النَّهْي عَن الْفِعْل يُخرجهُ عَن أَن يكون شرعا، وَالصِّحَّة وَالْجَوَاز من أَحْكَام الشَّرْع فَمَا أخرجه من أَن يكون مُوَافقا للشَّرْع وَجب أَن يُخرجهُ من أَن يكون مُوَافقا لحكمه. وَلِأَن الْأَمر يدل عَلَى الصِّحَّة وَالْجَوَاز فَوَجَبَ أَن يدل النَّهْي عَلَى الْبطلَان وَالْفساد.
وَلِأَن النَّهْي ضد الْأَمر فَمَا أَفَادَهُ الْأَمر فِي الْمَأْمُور وَجب أَن يُفِيد النَّهْي وضده فِي الْمنْهِي عَنهُ، وَلِهَذَا لما أَفَادَ الْأَمر وجوب الْفِعْل أَفَادَ النَّهْي وجوب التّرْك، وَالنَّهْي إِذا تعلق بِمَعْنى فِي غير الْمنْهِي عَنهُ دلّ عَلَى الْفساد، وَذَلِكَ مثل النَّهْي عَن البيع عِنْد النداء، وَالصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، وَالثَّوْب الْمَغْصُوب وَالصَّلَاة بِمَاء مَغْصُوب.
وَقَالَت الأشعرية فِي هَذِهِ الْمسَائِل بِخِلَاف مَا قُلْنَاهُ، وَدَلِيلنَا مَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/575)
570 - " من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد " وَلِأَن النَّهْي عَن الْفِعْل عَلَى هَذِهِ الصّفة يُخرجهُ عَن أَن يكون شرعا، وَالصِّحَّة وَالْجَوَاز من أَحْكَام الشَّرْع وَهَذَا الْفِعْل مَنْهِيّ عَنهُ فَوَجَبَ أَن يكون شرعا.
مَسْأَلَة
إِذا كَانَ الْأَمر مؤقتا لم يسْقط الْأَمر بفواته، وَيكون عَلَيْهِ بعد الْوَقْت بذلك الْأَمر، وَيكون تَقْدِيره فعله فِي الْوَقْت الأول وَلَا يُؤَخِّرهُ، فَإِن لم يَفْعَله فيفعله فِي الْوَقْت الثَّانِي خلافًا لمن قَالَ يسْقط بِفَوَات الْوَقْت وَيجب الْقَضَاء بِأَمْر ثَان. دليلنا أَن النّذر الْمُؤَقت لَا يسْقط بِفَوَات وقته، وَكَذَلِكَ مَا وَجب بِالشَّرْعِ، وَلِأَنَّهُ حق وَاجِب فَلم يسْقط بِفَوَات وقته، وَدَلِيله، الدّين الْمُؤَجل إِلَى شهر ثمَّ انْقَضى فَإِن الدّين لَا يسْقط.(2/576)
فصل
قَالَ الْمروزِي: سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَحمَه الله عَمَّن قَالَ: إِن الْإِيمَان مَخْلُوق فَغَضب وَقَالَ: من أَيْن هَذَا الرجل؟ عَلَى من نزل؟ وَمن يُجَالس؟ قلت: هُوَ رجل غَرِيب يُقَال: إِنَّه قدم من الصُّور وَكتب فِي رقْعَة، أَن أنكر عَليّ أَبُو عبد الله تبت. قَالَ: انْظُر عَدو الله كَيفَ يقدم التَّوْبَة قُدَّام، أَن أنكر عَليّ تبت، وَلم يرد أَن يتَكَلَّم بِكَلَام يُرِيد أَن يَتُوب مِنْهُ، هَذَا جهمي، هَذِهِ الْمَسْأَلَة اللفظية حذروا عَنهُ أَشد التحذير.
571 - وَقَالَ خَارِجَة بن زيد عَن أَبِيه، وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن مسئلة يَقُول: أوقعت؟ فَيُقَال: يَا أَبَا سَعِيد مَا وَقعت وَلَكِن نعدها، فَيَقُول: دَعُوهَا فَإِن كَانَت وَقعت أخْبرهُم.
572 - وَعَن عَمْرو بن قيس قَالَ: سَمِعت رجلا يحدث أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يفتح القَوْل، ويخزن الْفِعْل وتوضع(2/577)
الْأَخْبَار وترفع الأشرار، وَأَن تقْرَأ المشاة فِي الْقَوْم لَيْسَ لَهُ فيهم مغير، قَالُوا: وَمَا المشاة؟ قَالَ: مَا اكتتب سوى كتاب الله ". وَفِي رِوَايَة: كل مَا كتب لَيْسَ فِي كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ.
وَعَن زيد بن ميسرَة قَالَ: كتب حَكِيم من الْحُكَمَاء ثلثمِائة وَسِتِّينَ مُصحفا حكما، فَأُوحي الله إِلَيْهِ أَنَّك قد مَلَأت الأَرْض نفَاقًا، وَأَن الله لم يقبل من نفاقك شَيْئا. قَالَ الشَّيْخ: النِّفَاق كَثْرَة الْكَلَام من غير الْكتاب وَالسّنة.
573 - وَعَن حُذَيْفَة قَالَ؟ : بِحَسب الْمَرْء من الْعلم أَن يخْشَى الله، وبحسبه من الْجَهْل أَن يعجب عمله.
574 - وَعَن أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: من كَانَ عِنْده علم فَليعلم النَّاس، وَلَا يَقُولَن مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم فَيكون من المتكلفين.
وَقَالَ الشّعبِيّ: إِن من الْعلم أَن يَقُول الرجل لما لَا يدْرِي: لَا أَدْرِي.
وَقَالَ يزِيد بن أَبِي حبيب: من الْعلمَاء من إِذا وعظ عنف، وَإِذا وعظ أنف.(2/578)
وَقَالَ عبد الله بن بُرَيْدَة: من ضنائن الْعلم الرُّجُوع إِلَى الْحق.
وَقَالَ رجل لِلشَّعْبِيِّ: أَفْتِنَا أَيهَا الْعَالم. قَالَ: الْعَالم من خَافَ الله.
وَهَذَا آخر مَا اتّفق املاؤه من كتاب الله الْحجَّة فِي بَيَان المحجة فِي شرح التَّوْحِيد، وَمَعْرِفَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَبَيَان طَريقَة السّلف، أعاذنا الله من مُخَالفَة السّنة بالاتبداع، وَجَعَلنَا مِمَّن يلْزم طَرِيق الِاتِّبَاع، وَصلى الله عَلَى مُحَمَّد، وحشرنا فِي زمرته، وأماتنا عَلَى سنته إِنَّه خير المسؤولين.(2/579)