الأخطاء العقدية
في بعض الترجمات لمعاني القرآن الكريم
إلى اللغة الروسية
د. إلمير رفائيل كولييف
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول: ضرورة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسيةعلى نحو يوافق عقيدة أهل السنة والجماعة
تعد اللغة الروسية لغة التعامل لأكثر من 250 مليون إنسان ساكنين في روسيا ودول أوروبا الشرقية ودول بحر البلطيق وما وراء القفقاس وآسيا الوسطى، ومنهم شعوب إسلامية كثيرة ذات تاريخ مجيد. ويرجع تاريخ أولى الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية إلى عهد الإمبراطور بيوتر الأول. وقد قام بترجمة معاني القرآن بأمر الإمبراطور الأديب المشهور في ذلك الوقت بوسنيكوف، ونشرت ترجمته في سنة 1716م وكانت مليئة بالأخطاء، وذلك لأنه قام بالترجمة من ترجمة ضعيفة باللغة الفرنسية لصاحبها ديورييه.(1/1)
وفي القرن الثامن عشر ظهرت ترجمتان جديدتان مأخوذتان من الكتاب نفسه باللغة الفرنسية. والأخيرة منهما طبعت في سنة 1790م، وقام بكتابتها الأديب الشهير فيريوفكين، وتميزت ترجمته بالجمال والفصاحة وأبقت بعدها أثراً كبيراً في تاريخ الأدب الروسي. وبعد سنتين من نشر تلك الترجمة ظهرت ترجمة أخرى لمعاني القرآن للكاتب قالماكوف، وهي مأخوذة من ترجمة معاني القرآن باللغة الإنجليزية للكاتب سيل، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت ترجمة معاني القرآن الكريم للكاتب نيكولايف المأخوذة من الترجمة الفرنسية للمستشرق بيبيرشتين كازميرسكي، وإلى بداية القرن العشرين تكررت طباعتها في مدينة موسكو خمس مرات. وكل هذه الترجمات حملت معلومات سطحية عن معاني القرآن، والسبب في ذلك أن كل هذه الترجمات قام بكتابتها كتّاب غير متخصصين، ولم يكن مصدر تلك الترجمات القرآن باللغة العربية بل كانت مأخوذة من ترجمات لمعاني القرآن بلغات أوربية، ولم تكن تلك المصادر نفسها خالية من الأخطاء. ومع ذلك فقد كان لهذه الترجمات دور عظيم في تعرف الناس على معاني القرآن وإزالة التصورات الخاطئة عن الإسلام.(1/2)
في السبعينيات من القرن التاسع عشر صدرت ترجمتان مختلفتان للقرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة الروسية، وقد قام بإعداد إحداهما الجنرال بوجوسلافسكي، الذي درس الاستشراق وعمل دبلوماسيا في إستنبول، لكن ترجمته لم تطبع قط. أما الترجمة الثانية فكانت للمستشرق الشهير والمبشر النصراني المعروف صابلوكوف. وطبعت ترجمته لأول مرة في سنة 1878م وتكررت طباعتها في سنة 1894م وكذلك في سنة 1907م مع النص العربي. وعلى مدى مائة عام أشبعت هذه الترجمة حاجات العلماء والمجتمع الروسي، وقد تميزت عن الترجمات السابقة بميزات كثيرة إيجابية، ولكن كانت تحتوي على الكثير من الأخطاء. ومما قيل عن هذه الترجمات ما قاله المستشرقان بيلاييف وجريزنيفيتش في تقويم هذه الترجمة: مع مرور الزمن ظهرت سلبيات هذه الترجمة لكل من قام بالرجوع إليها. فأما المستشرق المتخصص في اللغة العربية فكان يجد فيها أخطاء كثيرة، وأما غير المتخصص فكان لا يفهم أحياناً خصوصيات نص الترجمة المليئة بالكلمات القديمة أو العبارات المبهمة التي منعت من فهم المعنى الظاهر للترجمة. وقد يسأل القارئ نفسه: هل فهم المترجم ماذا أراد بهذا الكلام؟(1)
وقالا: وجد في ترجمته كلمات خاصة بالكتب النصرانية التي تستخدم عند ترجمة التوراة والإنجيل إلى اللغة الروسية، وبسبب هذه الكلمات يكون القارئ العامي قد أخذ فكرة خاطئة عن العقيدة الإسلامية والمعنى الحقيقي لهذا الأثر العظيم(2).
وفي عام 1921م قام المستشرق الروسي الشهير كراتشكوفسكي بترجمة معاني القرآن الكريم، واختلف عمله عن سابقيه في الأصل. فإذا كانت الترجمات في القرن التاسع عشر قد تأثرت بعلماء الدين النصارى فترجمة كراتشكوفسكي تأثرت بالسياسة والإلحاد والمادية.
__________
(1) كراتشكوفسكي، ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، ص17.
(2) كراتشكوفسكي، ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، ص18.(1/3)
وقال المستشرقان بيلاييف وجريزنيفيتش في مقدمة هذه الترجمة: القاعدة التي اعتمد عليها كراتشكوفسكي في ترجمة معاني القرآن هي اعتقاده أن القرآن هو مادة أدبية وأول أثر نثري كبير في الأدب العربي. ولذلك سلك طرقاً جديدة في الترجمة. وقد اعترض المترجم على أن القرآن مرجع ديني وشرعي، وهذا جعله يلجأ إلى أساليب جديدة في الترجمة. ووضع كراتشكوفسكي نصب عينيه هدفاً وهو كتابة ترجمة أدبية صحيحة بعيدة عن التفاسير(1).
ثم قالا: هناك ظروف وأسباب منعت كراتشكوفسكي من بلوغ أهدافه. ولم يقم المترجم بتحرير نهائي لترجمته، ولم يستفد من المادة العلمية الغنية التي جمعها، كما أن نص الترجمة لم يعالج من ناحية أدبية كما يجب(2).
وكتب أستاذ التاريخ المعروف شوموفسكي: الترجمة الحديثة للقرآن لكراتشكوفسكي طبعت ثلاث مرات في سنة 1963م وسنة 1986م وكذلك في سنة 1990م، وهي مليئة بالأخطاء. فالمقارنة بين الترجمة النصية اللغوية لكراتشكوفسكي والنص باللغة العربية أظهرت 550 خطأ في الترجمة، و184 تشويهاً للمعنى. واستخدم المترجم كلمات جديدة غير مشهورة وغير مناسبة لترجمة مثل هذا الأثر العظيم في 108 مواضع. واستخدم اللهجة التي لا يعرفها كل الناس في 33 موضعاً. وقد يصل عدم اعتناء المترجم أحيانا إلى التهاون الواضح. ففي كل الترجمة يظهر أثر العجلة التي منعت المترجم من التأكد من معاني الكلمات والرجوع إلى القواميس(3).
__________
(1) كراتشكوفسكي، ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، ص20.
(2) كراتشكوفسكي، ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، ص21.
(3) شوموفسكي، الترجمة الشعرية لمعاني القرآن الكريم، ص18.(1/4)
ثم قال: قام كراتشكوفسكي بترجمة حرفية للقرآن دون الرجوع إلى القواعد اللغوية العربية أو مراعاة أساليب القرآن الخاصة. فكان يقوم بوضع كلمة روسية محل الكلمة العربية وحصل على صفحات ميتة لا تعطي تصوراً حقيقياً عن هذا الأثر العالمي الكبير(1).
ومع ذلك وضعت هذه الترجمة بداية عصر جديد لترجمة معاني القرآن الكريم، فقد قام كراتشكوفسكي بترجمة دقيقة لمعظم الآيات القرآنية، ويمكننا القول بكل تأكيد أن كل من تبعه في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية قام بالرجوع إلى ترجمته. ومن ضمن هؤلاء أستاذ التاريخ المشهور شوموفسكي، إذ قام بترجمة شعرية لمعاني القرآن الكريم، وقد تمت طباعة هذه الترجمة في سنة 1995م.
وقال المترجم في المقدمة: لا يمكن اعتبار هذه الترجمة ترجمة حرفية للقرآن الكريم لعدم إمكان المحافظة على القافية مع الترجمة الحرفية. وقد قال المترجم الروسي المشهور لازينسكي: إن الترجمة الحرفية مع المحافظة على القافية أو الأسلوب الأدبي المتبع فيها هو مثل رسم مربع دائري، وهذا غير ممكن. لكني بينت كل معنى قرآني موجود بدقة ووضوح معتمداً على ثراء اللغة الروسية(2).
ومع الأسف لم يستطع المترجم الوصول إلى هذا الهدف، واحتوت ترجمته على عدد كبير من الأخطاء التي ظهرت لعدم علمه بالعقيدة الإسلامية الصحيحة والأحكام الشرعية.
__________
(1) شوموفسكي، الترجمة الشعرية لمعاني القرآن الكريم، ص19.
(2) شوموفسكي، الترجمة الشعرية لمعاني القرآن الكريم، ص18.(1/5)
وقبل شوموفسكي كانت هناك محاولة لترجمة مفسرة لمعاني القرآن بطريقة الشعر قامت بها بروخوفا. والمسلمون الذين خاب ظنهم في ترجمة معاني القرآن لكراتشكوفسكي فرحوا فرحاً عظيماً بظهور هذه الترجمة المفسرة التي امتازت عن ترجمة كراتشكوفسكي بلغتها السليمة الصحيحة. وطبعت هذه الترجمة لأول مرة سنة 1991م، وقد اعتمدت المترجمة في عملها على تفاسير الطبري وابن كثير وسيد قطب وترجمة عبد الله يوسف علي إلى اللغة الإنجليزية.
وقد أبعدت الرغبة في الحصول على ترجمة جميلة بروخوفا من الحصول على المعاني الدقيقة لبعض الآيات القرآنية، وأوقعت المترجمة في كثير من الأخطاء العقدية والشرعية، بل سمحت لنفسها في تفسير بعض الآيات القرآنية على نحو مغاير ومتعارض مع أقوال السلف الصالح، وقد استمالت القراء إلى بعض من معتقداتها الباطلة. ونظر القارئ الروسي العامي الذي لا يعرف اللغة العربية والأحكام الشرعية إلى هذه الترجمة نظرة إيجابية، ولكن الأخطاء الفاحشة التي وقعت فيها المترجمة تمنع من اعتبار عملها موافقا لمطالب المسلمين المتحدثين باللغة الروسية.
في سنة 1992م ظهرت ترجمة معاني القرآن للبروفيسور عثمانوف وقد قامت بمساعدته مجموعة من أحد عشر مستشرقاً، قاموا بدراسة نقائص ومميزات كل الترجمات السابقة واستطاعوا الحصول على الأسلوب الأمثل لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية.
واستخدم المترجم تفاسير الطبري والبيضاوي والقرطبي وابن كثير والرازي وحلل أكثر من عشر ترجمات مختلفة للقرآن إلى اللغات الإنجليزية والروسية والألمانية والفرنسية والفارسية. وزيدت ترجمته بتعليقات مفيدة اعتمدت على أقوال السلف الصالح مما ميزها عن تعليقات بروخوفا التي اعتمدت في تفسير كثير من الآيات القرآنية على فهمها وتصورها.(1/6)
لكن على الرغم من كل ذلك لم يستطع عثمانوف تجنب الوقوع في الأخطاء العقدية والشرعية. فهو درس باهتمام ترجمة كراتشكوفسكي، لكنه أحياناً كرر أخطاءه وأحياناً من دون سبب مفهوم اعترض على معاني كلمات صحيحة وردت في ترجمة كراتشكوفسكي.
ومع كل ما قيل عن ترجمة عثمانوف فإن ترجمته تعد من أنجح الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية في أواخر القرن العشرين، فكان من الممكن الاستفادة من ترجمته في ترجمة الكتب الإسلامية الأخرى.
وفي سنة 1999م ظهرت ترجمة جديدة للمؤلِّفَين: عبد السلام المنسي وسمية العفيفي، وكانت هذه الترجمة مطابقة لترجمة كراتشكوفسكي، ولكن زيدت بالتعليقات والتفاسير، وتميزت هذه التفاسير عما سبقها بأنها لم تحتو على أقوال العلماء المتقدمين، وقد اقتصر المؤلفان على تفاسير سيد قطب والمودودي والصديقي والدريابادي وعبد الله يوسف علي ونحوهم.
والنقائص الأدبية الظاهرة في هذه الترجمة كانت متعلقة بمطابقتها لترجمة كراتشكوفسكي الذي لم يحصل على التحرير العلمي والأدبي، ولكن بعض هذه النقائص غطت عليها التعليقات الجيدة المفيدة.
ومن أهم السلبيات التي احتوت عليها هذه الترجمة بعض المعتقدات الباطلة المخالفة للعقيدة السلفية الصحيحة، والتضليل للقراء مما جعل من هذه الترجمة خطراً كبيراً على عوام المسلمين ممن لا يملكون العلم بعقيدة أهل السنة والجماعة.
وهكذا كان الحال مع ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية إلى زمن قريب.(1/7)
كل هذه الظروف أوجبت على مسلمي أهل السنة والجماعة العمل على كتابة ترجمة لمعاني القرآن تهتم بإصلاح الأخطاء العقدية والشرعية واللغوية التي وقعت في الترجمات السابقة ومنعت الناس من معرفة الحق وسمحت لأعداء الدين الإسلامي والمبتدعين بالاستدلال بهذه الترجمات على أفكارهم الباطلة في المناقشات مع من يجهل المعاني الحقيقية للآيات القرآنية. وقد قمت بالعمل على إعداد ترجمة لمعاني القرآن الكريم مع تفسير للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. وأسأل الله تعالى أن يوفقني في عملي هذا لكتابة الترجمة التي تطابق العقيدة الإسلامية الصحيحة، مع يقيني القاطع أن الحصول على ترجمة مثالية يحتاج إلى عمل طويل وتحرير دقيق ومساعدة العلماء المسلمين.
الفصل الثاني:بعض الأخطاء العقدية في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية
ظهور الأخطاء العقدية في ترجمات معاني القرآن الكريم والكتب الإسلامية الأخرى يرجع إلى عدة أسباب:
منها أن أكثر المؤلفين الذين عملوا على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية لم يكونوا مسلمين، بل كانوا نصارى وملحدين. فهم بجهلهم وكفرهم لم يولوا حفظ العقيدة الصحيحة عناية كبيرة. وأما الترجمات الأخيرة لمعاني القرآن الكريم فكانت لمسلمين عقائدهم تختلف عن عقيدة الصحابة الكرام وعلماء السلف العظام، وآراؤهم الباطلة لم تكن لتبقى هكذا دون أن تؤثر في ترجمة معاني الآيات. وكل هذا جعل الترجمات السابقة غير دقيقة وغير صحيحة.
ومنها أن بعض مؤلفي هذه الترجمات في أكثر الأحيان كانوا يرجعون إلى تفاسير المعاصرين مثل سيد قطب والمودودي وعبد الله يوسف علي وغيرهم وتركوا تفاسير العلماء الكبار مثل الطبري والقرطبي وابن كثير.(1/8)
ومنها أنه لا يكفي للقيام بترجمة لمعاني القرآن الكريم النية الصالحة ومعرفة اللغة العربية فقط، بل يجب على المؤلف أن يكون ذا خبرة كبيرة في مجال ترجمة الكتب الإسلامية، لأن إيضاحات بعض المسائل الدقيقة إما موجودة في كتب العقيدة والفقه أو موجودة في تفاسير آيات أخرى مشابهة. وإذا لم يعر المؤلف الاهتمام الكافي لهذه المسائل ظهر في ترجمته أخطاء كثيرة.
ومنها أنه يجب عند الترجمة تركيز الاهتمام على ما قد يصل إليه القارئ للترجمة من مفاهيم ومقارنة هذه المفاهيم مع تلك التي قد يصل إليها القارئ للآيات القرآنية باللغة العربية، فإذا لم يضع المترجم نصب عينيه كتابة ترجمة تسمح بالحصول على أكثر المفاهيم والمعاني الصحيحة فلابد في ترجمته من الوقوع في الأخطاء، وتكون ترجمته غير صالحة للاقتباس في ترجمات الكتب الإسلامية الأخرى.
وبهذه الأسباب وغيرها أصبح المسلمون المتحدثون باللغة الروسية ومن يريد التعرف على كتاب الله محرومين من معرفة أصول الدين وفروعه من ترجمات معاني القرآن. وفي هذا البحث لم أضع أمام عيني ذكر كل الأخطاء العقدية الواقعة في الترجمات السابقة ولكن حاولت جاهدا توضيح مدى التحريف الذي تتعرض له عقيدة المسلم الذي يعتمد على مثل هذه الترجمات في فهمه للعقيدة. ولهذا قمت بتتبع ترجمات معاني القرآن الكريم الأكثر انتشاراً مثل ترجمات صابلوكوف وكراتشكوفسكي وبروخوفا وعثمانوف وشوموفسكي وكذلك ترجمة المنسي والعفيفي.
المبحث الأول:الأخطاء في ترجمات بعض المصطلحات الشرعية
الأخطاء في ترجمة معاني بعض أنواع العبادة(1/9)
قامت بروخوفا بترجمة معنى قوله تعالى: { إياك نعبد وإياك نستعين } (الفاتحة: 5) فترجمت فعل عبد على أنه سجد، والفرق بين المعاني اللغوية لهذين الفعلين ظاهر جدا، ولكن الأهم من ذلك هو أن ترجمتها افتقرت إلى المعنى العميق المذكور في كل تفاسير القرآن الكريم، والحديث في هذه الآية يدور على العبادة بكل معانيها العميقة في الوقت الذي فيه السجود هو فقط نوع من أنواع العبادة. وفي ترجمة معنى قوله تعالى { فليعبدوا رب هذا البيت } (قريش: 3) ترجمت بروخوفا فعل (عَبَدَ) على أنه: عَظَّمَ، والفرق بين هذين الفعلين ظاهر أيضاً، لأن التعظيم هو نوع من أنواع العبادة.
وقام عثمانوف بترجمة قوله تعالى: { ومن الليل فاسجد له } (الإنسان: 26) فترجم فعل سجد على أنه سأل. وفي ترجمة قوله تعالى: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } (البقرة: 43) ترجم فعل ركع كسجد. وفي ترجمته لقوله تعالى: { الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } (الأنفال: 3) ترجم فعل أنفق كذبح.
ومن الإنصاف ذكر أن مثل هذه الأخطاء نادر جداً في ترجمات معاني القرآن، لكن وجودها يدل على قلة اهتمام بعض المترجمين وعدم عنايتهم بحفظ العقيدة الصحيحة عند الترجمة.
الأخطاء في ترجمة كلمة "العبد"
ترجمت بوروخوفا كلمة العبد على أنه خادم في عدة مواضع مثل قوله تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } (البقرة: 23) وقوله: { وإذا سألك عبادي عني } (البقرة: 186). والفرق بين هاتين الكلمتين كبير جداً ولا يجوز غضُّ النظر عنه. وذكر في "المعجم الوسيط" أن عبادة الله هي الانقياد له والخضوع والذل، (1) وخدمة الشخص هي القيام بحاجته(2).
__________
(1) المعجم الوسيط، 2/579.
(2) المعجم الوسيط، 1/221.(1/10)
وكل المخلوقات عبيد لله ولكن عبودية المؤمنين خاصة، فالمؤمنون مسرورون بأنهم عباد الله، بخلاف الجهلاء الذين أعماهم الكبر وهم لا يحبون أن يسموا أنفسهم عباداً لله، كما يفعله النصارى واليهود الذين يسمون أنفسهم أبناء الله وأحباءَه. قال الله تعالى: { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق } (المائدة: 18). فهم لا يريدون أن يكونوا عباداً لله ودعوتهم الفاسدة تلقى تأييدا وقبولاً من الجهلة والضالين، ولا يعني هذا أنه يجب على المسلمين أن يتبعوا شهواتهم ويتركوا ذكر عبوديتهم أمام الله.
الأخطاء في ترجمة كلمتي "العرش" و"الكرسي"
المؤلفون لكل ترجمات معاني القرآن الكريم السابقة لم يلقوا اهتماما للفرق بين كلمتي العرش والكرسي: بروخوفا في ترجمة قوله تعالى: { وسع كرسيه السموات والأرض } (البقرة: 255) قالت: هو أعلى عرشه على الأرض والسماء. وهذه الترجمة ليست صحيحة من عدة وجوه، وقد ترجمت بروخوفا الكرسي على أنه العرش. وترجم عثمانوف العرش على أنه الكرسي في غير موضع، ومنها قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } (الأعراف: 54). وتكررت هذه الأخطاء في ترجمات صابلوكوف وشوموفسكي وكذلك في ترجمة المنسي والعفيفي،مع أن المفسرين المتقدمين والمتأخرين وضحوا الفرق بين هذين المخلوقين.
وعن أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة. رواه محمد بن أبي شيبة في كتاب ((صفات العرش)) بإسناد ضعيف وله شواهد وقد صححه الألباني(1).
__________
(1) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/223.(1/11)
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: { وسع كرسيه السموات والأرض } (البقرة: 255) أنه قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدّر قدره إلا الله تعالى. رواه ابن أبي شيبة في كتاب ((صفات العرش)) والحاكم في ((مستدركه)). وقد روي مرفوعا، والصواب أنه موقوف على ابن عباس(1).
وإذا كان بعض العلماء قد حسبوا أن الكرسي والعرش شيء واحد، فالنصوص المذكورة تدل على وجود فرق عظيم بينهما. قال ابن كثير: وروى ابن جرير من طريق جويبر عن الحسن البصري أنه كان يقول: الكرسي هو العرش، والصحيح أن الكرسي غير العرش، والعرش أكبر منه، كما دلت على ذلك الآثار والأخبار(2).
ولننظر كيف قام المنسي والعفيفي بشرح كلمتي العرش والكرسي. قالا: والعرش بلا شك يجب فهمه على سبيل المجاز، وهو رمز التقدير والملك والعناية ومثله الكرسي في قوله تعالى: { وسع كرسيه السموات والأرض } ولعل الكرسي هو العظمة والعرش هو الملك(3).
مثل هذه التفاسير تعارض تفاسير السلف الصالح وتكون سبباً في تضليل الناس. فالعرش والكرسي من غير الممكن تفسيرهما مجازيا، ولا يجوز التحدث عنهما بالظن. وقد طرح المترجمان افتراضاتهما في معاني الكرسي والعرش، فكيف يسوغ تفسير الآيات على أساس افتراضاتنا وظنوننا وترك أقوال الصحابة والسلف الصالح؟ ومن يفعل ذلك فقد تَقَوَّل على الله، وقد قال تعالى: { قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون } (الأعراف:33).
المبحث الثاني:إيراد بعض الأقوال التي تزعم أن الإسلام ليس هو دين الحق الوحيد
__________
(1) ابن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، ص279.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/405.
(3) عبد السلام المنسي وسمية العفيفي، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، 3/628، ت155.(1/12)
إن الاعتقاد بأن الإسلام هو الدين الحق الوحيد الواجب اتباعه من أهم المعتقدات الإسلامية الذي لا يتصور كمال الدين الإسلامي إلا به. وإن شريعة هذا الدين نسخت شرائع جميع الأمم السابقة, والقرآن نسخ جميع الكتب السماوية السابقة. قال الله تعالى: { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران: 19) وقال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران: 85).
وعلى النقيض تماما ما نجده في تفسير بروخوفا لقوله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا } (البقرة: 62). فقد أوردت بروخوفا كلام المستشرق الروسي الشهير سولوفيوف الذي قال: القرآن لا ينسخ بل يثبت التوراة والإنجيل لأهل هذين الكتابين، وتبقى شرائعهم كما هي. ولا يشترط لنجاة اليهود والنصارى قبول القرآن بل واجب عليهم الامتثال لأوامر دينهم، ويحاكم كل منهم في الدنيا ويحاسب في الآخرة بنبيه وكتابه(1).
وقد وصفت بروخوفا هذا المستشرق بأنه صاحبَ العلم والرأي الصالح(2) مع أن قوله باطل لا أصل له. وقد أجمع المسلمون على أن القرآن ناسخ لما خالفه من الكتب السابقة وأن أهل الكتاب حرفوا التوراة والإنجيل. قال الله تعالى: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } (البقرة: 79).
__________
(1) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص685.
(2) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص685.(1/13)
وهذا المعتقد الفاسد الذي تدعو إليه بروخوفا يعد من الكبائر التي تخرج صاحبها من الملة. قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: "من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر لقوله تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران: 85).(1)
المبحث الثالث: الترجمات المعارضة لشهادة التوحيد
أجمع المسلمون على أن شهادة التوحيد هي الركن الأساس من أركان الإسلام. والله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب التي تأمر أن لا يعبد معه أحد، ولا يستحق المخلوق مثقال ذرة من العبادة والتأليه سواء كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا فضلا عن بقية المخلوقات. وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل: 36): وبعث الله في كل أمة أي في كل قرن وطائفة رسولا، وكلهم يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه { أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي شملت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب(2).
ومثل هذه الأقوال نجدها في كل التفاسير لكتاب الله ومع هذا نجد في ترجمة كراتشكوفسكي بعض الأقوال المخالفة لكلمة التوحيد. قال كراتشكوفسكي في ترجمة معنى قوله تعالى : { ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون* إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه } (الزخرف:63-64): إن الله هو ربي وربكم فاعبدون، محرِّفاً لنص الآية.
__________
(1) ابن باز، العقيدة الصحيحة و نواقض الإسلام، ص30.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/741.(1/14)
ويفهم من هذه الترجمة أن عيسى عليه السلام أمر حوارييه بعبادته. وإذا قرأ النصراني هذه الترجمة أيقن بضلالة المسلمين الذين يذمون النصارى لعبادة عيسى وأمه. وقد قيل: إن هذا الخطأ عفوي، ولكن ترجمة كراتشكوفسكي هي أكثر الترجمات انتشارا بين ترجمات معاني القرآن باللغة الروسية، وقد طبعت عدة مرات وتكرر هذا الخطأ في كل الطبعات. ويا ليت شعري ما السبب الذي جعل كبار المستشرقين الروس يتجاهلون مثل هذا الخطأ الفاحش الذي يسبب غضبا لعامة المسلمين؟
إيراد بعض الترجمات أن الله اتخذ ولدا
قال الله تعالى: { قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد } (الإخلاص: 1-4). هذه السورة الجليلة تثبت لله سبحانه وتعالى صفات الكمال وتنفي عنه النقائص. ومن كمال ربنا تبارك وتعالى أنه لم يلد ولم يولد. وفي هذا الرد على أهل الكتاب الذين يزعمون أن لله ولدا والمشركين الذين يقولون إن الملائكة بنات الله. وقال تعالى: { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون } (التوبة: 30) وقال تعالى: { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون* أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } (الصافات:149-150). وتدل الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة على أن الله لم يتخذ ولدا، ولكن وقعت في بعض ترجمات معاني القرآن الآراء المخالفة لهذا الاعتقاد الصحيح.
قال عثمانوف في ترجمة معنى قوله تعالى: { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } (المؤمنون: 31): ثم ولدنا من بعدهم قرنا آخرين. وقال في ترجمة معنى قوله: { ويستخلف ربي قوما غيركم } (هود: 57): ويلد الله قوما غيركم. وليس من الصعب تصور حال المسلم العامي عندما يعرض عليه المنصِّر هذه الترجمة الخاطئة. ولم يبق لنا إلا الحيرة كيف وقع اثنا عشر مستشرقا كبيرا في مثل هذه الغلطة؟(1/15)
وقد أخطأ كل المترجمين السابقين في ترجمة معنى قوله تعالى: { وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض } (البقرة: 116). قال المنصِّر صابلوكوف في ترجمته لهذه الآية: قالوا اتخذ الله ولدا. احمدوه. له ما في السموات والأرض. ويفهم القارئ الروسي من هذه الترجمة أن لله ولدا ولذلك ينبغي لنا أن نحمد الله. والخطأ نفسه وقع في ترجمتَي كراتشكوفسكي وبروخوفا ولعلهما تابعا صابلوكوف ولم يهتما بما يستنتج من ترجماتهما.
وقال عثمانوف في ترجمة معنى هذه الآية: قالوا اتخذ الله ولدا، هو منزه، نعم، له ما في السموات وما في الأرض. ولا يفهم القارئ الروسي من هذه الترجمة أن الله نفى عن نفسه الأولاد مع أن هذا هو المعنى الحقيقي لهذه الآية الكريمة.
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "اشتملت هذه الآية الكريمة والتي تليها على الرد على النصارى عليهم لعائن الله وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ممن جعل الملائكة بنات الله فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم إن لله ولدا، فقال تعالى: { سبحانه } أي تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا"(1).
ولم ينتبه المترجمون للنتيجة التي يمكن استخلاصها من ترجمة هذه الآية، وهذا هو أحد الأسباب لوقوع الأخطاء العقدية والشرعية في ترجمات معاني القرآن الكريم.
إيراد بعض الترجمات أن لله أصحابا
قامت بروخوفا بترجمة معنى قوله تعالى: { أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } (المجادلة: 22) وقالت: أولئك أصحاب الله. وهذا القول يعارض أصول الدين الإسلامي تماما. وكلمة روسية (صبودفيجنيك) تعني مساعد في الأمر وظهير كما هو في معجم اللغة الروسية(2). قال الله تعالى: { وماله منهم من ظهير } (سبأ:22) .
المبحث الرابع: الأخطاء في ترجمات أسماء الله تعالى
الأخطاء في ترجمة اسم (الله)
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/ 211-212.
(2) أوجوقوف،معجم اللغة الروسية، ص618.(1/16)
ترجم بعض المترجمين لمعاني القرآن اسم الله على أنه الإله، ونجد أمثلة كثيرة لهذا في ترجمات صابلوكوف وبروخوفا وشوموفسكي. وليست هذه الترجمة صحيحة؛ لأن اسم الله لا يشركه فيه غيره ولا ينبغي أن يترجم هذا الاسم الجليل إلى اللغات الأخرى بل يبقى كما هو. والفرق بين كلمتي الله والإله ظاهر جدا. قال ابن منظور: اسم الله لا يجوز فيه الإله، ولا يكون إلا محذوف الهمزة، تفرد سبحانه بهذا الاسم لا يشركه فيه غيره، فإذا قيل "الإله" انطلق على الله سبحانه وعلى ما يعبد من الأصنام، وإذا قلت "الله" لم ينطلق إلا عليه سبحانه وتعالى(1).
الأخطاء في ترجمة كلمة (الرب)
لم ينتبه بعض المترجمين للفرق بين كلمتي الله والرب، بل لم تعط بروخوفا أية عناية لهذا الفرق الكبير. وقالت في ترجمة قوله تعالى: { الله يستهزئ بهم } (البقرة: 15): الرب يرد إليهم استهزاءهم. وقالت في ترجمة قوله تعالى: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } (البقرة: 21): يا أيها الناس اعبدوا ملككم.
يشبه الاصطلاح اللغوي لكلمة الملك الاصطلاح اللغوي لكلمة الرب في اللغة العربية وفي اللغة الروسية. وقال ابن منظور: الرب يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبّر(2).ولكن معنى كلمة الرب أوسع ولا ينبغي التهاون بهذا الفرق. وقال الشيخ السعدي: "والرب هو المربي لجميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم. ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة"(3).
__________
(1) ابن منظور، لسان العرب، 1/190.
(2) ابن منظور، لسان العرب، 5/95.
(3) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 16.(1/17)
وجاءت كلمة الرب في كتاب الله بمعنى آخر وهو السيد. قال الله تعالى على لسان النبي الكريم يوسف عليه السلام: { إنه ربي أحسن مثواي } (يوسف: 23). وترجم كراتشكوفسكي كلمة الرب في هذه الآية على أنه الرب سبحانه وتعالى، وهذا يعارض أقوال المفسرين من السلف الصالح. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي } وكانوا يطلقون الرب على السيد الكبير، أي إن بعلك ربي أحسن مثواي أي منزلي، وأحسن إلي فلا أقابله بالفاحشة في أهله { إنه لا يفلح الظالمون } . قال ذلك مجاهد والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم(1).
ووقع الخطأ أفدح من ذلك في الترجمة المفسرة للمنسي والعفيفي لما أطلقا على عمر بن الخطاب اسم رب المؤمنين بدل أن يقولا أمير المؤمنين(2).وقد ذم الله أهل الكتاب لاتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله. وكيف يرتكب المترجم لمعاني القرآن مثل هذا الخطأ ويفتح بابا لاتهام المسلمين بالغلو في الخلفاء؟
الأخطاء في ترجمة اسمي (الرحمن) و(الرحيم)
لم يفرق بعض المترجمين بين اسم الرحمن واسم الرحيم. بروخوفا ترجمت اسم الرحمن على أنه الرحمن في موضع مثل ترجمتها لقوله تعالى: { بسم الله الرحمن الرحيم } وترجمت هذا الاسم على أنه الرحيم في موضع آخر مثل ترجمتها لقوله { الرحمن* علم القرآن } (الرحمن: 1-2). وترجمت اسم الرحيم على أنه الرحيم في ترجمتها لقوله تعالى: { فإن الله كان غفورا رحيما } (النساء: 129) وترجمت هذا الاسم كأنه الرحمن في ترجمتها لقوله { والله غفور رحيم } (التحريم:1). وأمثلة ذلك كثيرة جداً. ويتكرر الخطأ نفسه في ترجمتي كراتشكوفسكي وعثمانوف وسائر الترجمات السابقة.
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/616.
(2) عبد السلام المنسي وسمية العفيفي،الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، 1/6، ت2.(1/18)
وقد بيَّن العلماء المسلمون أن بين معنى كلمة الرحمن ومعنى كلمة الرحيم فرقا لا ينبغي أن يغض البصر عنه. قال ابن كثير: "الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة"(1).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "الرحمن فهو ذو الرحمة الواسعة، لأن (فعلان) في اللغة العربية تدل على السعة والامتلاء،كما يقال: رجل غضبان، إذا امتلأ غضبا. الرحيم اسم يدل على الفعل، لأنه فعيل بمعنى فاعل، فهو دال على الفعل. فيجتمع من الرحمن الرحيم أن رحمة الله واسعة، وأنها واصلة إلى الخلق. وهذا هو ما أومأ إليه بعضهم بقوله: الرحمن رحمة عامة، والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين، ولما كانت رحمة الله للكافر رحمة خاصة في الدنيا فقط، فكأنه لا رحمة لهم"(2).
وكل ما قيل يدل على أن المترجمين لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية لم يبدوا العناية الكاملة بالمعاني الدقيقة للكلمات القرآنية.
الأخطاء في ترجمة اسم (التواب)
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/ 32.
(2) ابن عثيمين،شرح العقيدة الواسطية،1/38.(1/19)
إن ترجمة كلمة التواب إلى اللغة الروسية أصبحت من المسائل الصعبة التي وقع فيها المترجمون. قامت بروخوفا بترجمة معنى قوله تعالى: { وأنا التواب الرحيم } (البقرة: 160) وقالت: وأنا الرجاع الرحيم. ولا يفهم القارئ الروسي ما المقصود من هذه الترجمة. وقالت في ترجمتها لقوله: { فأولئك يتوب الله عليهم } (النساء: 17): والله عاطف عليهم. وقالت في ترجمة قوله تعالى: { إنه كان توابا } (النصر: 3): إنه كان معطيا غفورا، وهذه الترجمة بعيدة عن الصواب. وقال صابلوكوف في ترجمة معنى قوله: { إنك أنت التواب الرحيم } (البقرة: 128): إنك أنت المشفق الرحيم. وكان كراتشكوفسكي يترجم هذا الاسم على أنه الرجاع. وكان عثمانوف يترجمه على أنه الغفور. وأقرب الترجمات المذكورة إلى الصواب هي ترجمة عثمانوف، ومع ذلك هي تُظهر معنى واحدا لهذا الاسم من بين المعاني الأخرى. وقال الشيخ السعدي: "التواب الذي لم يزل يتوب على التائبين ويغفر ذنوب المنيبين. فكل من تاب إلى الله توبة نصوحا، تاب الله عليه. فهو التائب على التائبين: أولا بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه، وهو التائب عليهم بعد توبتهم قبولا لها وعفوا عن خطاياهم"(1).
الأخطاء في ترجمة اسم العليم
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 17.(1/20)
كان كراتشكوفسكي أحيانا يترجم اسم العليم على أنه الحكيم، وقال في ترجمته لقوله تعالى: { ذلك تقدير العزيز العليم } (يس: 38): ذلك تقدير المجيد الحكيم. وقال في ترجمة قوله { بلى وهو الخلاق العليم } (يس: 81): بلى وهو الخلاق الحكيم. وليست هاتان الترجمتان صحيحتين لأن بين كلمة العليم وبين كلمة الحكيم فرقاً ذكره العلماء والمفسرون. قال الشيخ السعدي: العليم الخبير هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان وبالواجبات والمستحيلات والممكنات وبالعالم العلوي والسفلي وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء. الحكيم هو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي أحسن كل شيء خلقه { ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } (المائدة: 50) فلا يخلق شيئا عبثا ولا يشرع شيئا سدى، الذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك: فيحكم بين عباده في شرعه وفي قدره وجزائه والحكمة وضع الأشياء مواضعها وتنزيلها منازلها(1).
الأخطاء في ترجمة اسم العزيز
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 16.(1/21)
كان كراتشكوفسكي أحيانا يترجم اسم العزيز على أنه الجليل كما هو في ترجمته لقوله تعالى: { وهو العزيز الحكيم } (الجمعة: 3) وكان يترجمه على أنه العظيم في آيات أخرى. وتابعه في ذلك عثمانوف الذي كان يترجم هذا الاسم على أنه العظيم. ولكن هذه الترجمة تعارض أقوال العلماء والمفسرين. قال الشيخ السعدي: "العزيز الذي له العزة كلها: عزة القوة وعزة الغلبة وعزة الامتناع. فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته(1). وقال: المجيد الكبير العظيم الجليل وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء وأجل وأعلى. وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه وإجلاله والخضوع له والتذلل لكبريائه"(2).
المبحث الخامس:الأخطاء في ترجمة صفات الله الذاتية
الأخطاء في ترجمة الآيات التي تدل على معية الله تعالى
غلط بعض المترجمين في ترجمة الآيات التي يذكر فيها أن الله مع المتقين والصابرين. قامت بروخوفا بترجمة قوله تعالى: { إن الله مع الصابرين } (البقرة: 153) وقالت: إن الله عاطف على الصابرين. وهكذا قالت في ترجمتها لقوله تعالى: { والله مع الصابرين } (البقرة: 249). وقال عثمانوف في ترجمته لهذه الآية: والله بجانب الصابرين. أما ترجمة بروخوفا فهي ليست صحيحة، وأما ترجمة عثمانوف فمعناها صحيح ولكن ترك المترجم ذكر معية الله. ويجب على كل مسلم أن يؤمن بأن الله مع خلقه بعلمه وبصره وسمعه.
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 17.
(2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 17.(1/22)
قال الشيخ محمد بن صالح: "هذه المعية تقتضي الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسمعا وبصرا وسلطانا وتدبيرا وغير ذلك من معاني ربوبيته إن كانت المعية عامة لم تخص بشخص أو وصف كقوله تعالى: { وهو معكم أينما كنتم } (الحديد: 4) وقوله: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا } (المجادلة: 7). فإن خصت بشخص أو وصف اقتضت مع ذلك النصر والتأييد والتوفيق والتسديد"(1).
ولا يعني هذا أن الله تعالى مع خلقه بذاته، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس معنى قوله { وهو معكم } أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجبه اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان"(2).
ولا يعارض هذه المعية أن الله مستو على العرش، والإيمان بعلو الله يعد من أهم المعتقدات الإسلامية يدل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى: { ءَأَمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور* أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير } (الملك: 16-17). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً. رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري(3). والنصوص في ذلك كثيرة جدا وليس هذا موضع بسطها.
تأويل صفة الوجه
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن لله تعالى وجها وهو من صفات الله الذاتية. قال الإمام الأشعري: ونؤمن بأن له سبحانه وجها بلا كيف كما قال: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } (الرحمن: 27) (4).
__________
(1) من رسائل الدعوة السلفية، 2/300.
(2) محمد هراس، شرح العقيدة الواسطية، ص134.
(3) الألباني، صحيح الجامع الصغير (2645).
(4) الأشعري،الإبانة عن أصول الديانة، ص44.(1/23)
وقال الشيخ الفوزان في شرح قوله تعالى: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } (الرحمن: 27) وقوله: { كل شيء هالك إلا وجهه } (القصص: 88): فيهما إثبات الوجه لله سبحانه وهو من صفاته الذاتية فهو وجه على حقيقته يليق بجلاله { ليس كمثله شيء } (الشورى: 11) لا كما يزعم معطلة الصفات أن الوجه ليس على حقيقته, وإنما المراد به الذات أو الثواب أو الجهة أو غير ذلك, وهذه التأويلات باطلة من وجوه(1).
ومع هذا نجد في بعض ترجمات معاني القرآن الكريم أخطاء تعارض هذا الاعتقاد. وقد قام عثمانوف بترجمة قوله تعالى: { فأينما تولوا فثم وجه الله } (البقرة: 115) وقال: فأينما تولوا فثم الله(2). وهذه الترجمة تؤكد ما قيل في تفسير المنسي والعفيفي وقد قالا: وجه الله له معنى مجازي والمراد به ذات الله(3).
وبارتكاب هذه الأخطاء ومثلها يكون المترجم سببا لضلالة الناس وانتشار العقائد الباطلة, وهذا من أخوف الأمور على الأمة الإسلامية. والله المستعان.
تأويل صفة (اليد)
يجب على كل مسلم أن يثبت لله تعالى اليدين لقوله تعالى: { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ } (ص: 75) وقوله: { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } (المائدة: 64).
__________
(1) الفوزان،شرح العقيدة الواسطية، ص55.
(2) هذه الآية تدل على إثبات الوجه صفة لله، ومعناها أينما توجهتم بصلاتكم بأمر الله لكم فإنكم مبتغون وجهه، ولم تخرجوا عن ملكه وطاعته (اللجنة العلمية).
(3) عبد السلام المنسي وسمية العفيفي،الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، 1/ 61، ت208.(1/24)
قال الشيخ الفوزان في شرحه للآيتين المذكورتين: فيهما إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى وأنهما يدان حقيقتان لائقتان بجلاله وعظمته ليستا كيدي المخلوق { ليس كمثله شيء } (الشورى: 11). وفي ذلك الرد على من نفى اليدين الحقيقتين عن الله وزعم أن المراد باليد القدرة أو النعمة, وهذا تأويل باطل وتحريف للقرآن الكريم(1).
وقد أوّل بعض المترجمين لمعاني القرآن باللغة الروسية هذه الصفة، قال المنسي والعفيفي: لما خلقت بيديّ أي بقوة وقدرة على الخلق(2).
ورد الإمام الأشعري على هذا التأويل وقال: فلو كان الله عز وجل عنى بقوله: { لما خلقت بيديّ } القدرة لم يكن لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك من مزية، والله عز وجل أراد أن يري فضل آدم عليه السلام عليه إذ خلقه بيده دونه، ولو كان خالقا لإبليس بيديه كما خلق آدم عليه السلام بيديه لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه، وكان إبليس يقول محتجا على ربه فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم عليه السلام بهما، فلما أراد الله عز وجل تفضيله عليه بذلك قال له موبخا على استكباره على آدم أن يسجد له: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت } (ص: 75) دل على أنه ليس معنى الآية القدرة إذ كان الله عز وجل خلق الأشياء جميعا بقدرته، وإنما أراد إثبات يدين ولم يشارك إبليس آدم عليه السلام في أن خُلق بهما(3).
أخطاء أخرى في ترجمة كلمة (اليد)
غلط بعض المترجمين في ترجمة معنى قوله تعالى: { تبارك الذي بيده الملك } (الملك: 1) وقالوا: تبارك الذي بأيديه الملك. ووقع هذا الخطأ في ترجمات كراتشكوفسكي وبروخوفا وعثمانوف وكذلك في ترجمة المنسي والعفيفي.
__________
(1) الفوزان،شرح العقيدة الواسطية، ص58.
(2) عبد السلام المنسي وسمية العفيفي، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، 8/2197، ت152.
(3) الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص108-109.(1/25)
وكذلك أخطأ بعض المترجمين في ترجمة قوله تعالى: { أَولم يروا أنّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } (يس: 71). وقالت بروخوفا في ترجمتها لهذه الآية: ألم يروا أن من بين الأشياء التي عملناها بأيدينا أنعاما. وهذه الترجمة ليست صحيحة، لأن هناك فرقا بين عبارة عملت أيدينا وبين عبارة عملنا بأيدينا.
قال الشيخ محمد بن صالح في كتاب ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)) شارحا لقوله تعالى: { أَولم يروا أنّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } (يس: 71): هل يقال إن ظاهر هذه الآية أن الله تعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم بيده؟ أو يقال إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها لم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن. أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:
أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه اللسان العربي الذي نزل القرآن به، ألا ترى إلى قوله تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } (الشورى: 30) وقوله: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } (الروم: 41) وقوله: { ذلك بما قدمت أيديكم } (آل عمران: 182) فإن المراد ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه، وإن عمله بغير يده بخلاف ما إذا قال عملته بيدي كما في قوله تعالى: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } (البقرة: 79) فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.
الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده لكان لفظ الآية خلقنا لهم بأيدينا أنعاما كما قال تعالى في آدم: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ } (ص: 75) لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية لقوله تعالى: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } (النحل: 89).(1/26)
وإذا ظهر بطلان القول الأول تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني وهو أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها ولم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدِّي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق فإن التنبيه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات(1).
الأخطاء في ترجمة صفة (الساق)
غلط كل المترجمين في ترجمة معنى قوله تعالى: { يوم يكشف عن ساق } (القلم: 42). قال صابلوكوف في ترجمته لهذه الآية: يوم تكشف سيقانهم. وكذا ترجمها كراتشكوفسكي وبروخوفا. وقال عثمانوف: يوم تشتد أحوالهم. وقالت بروخوفا في تفسير هذه الآية: الساق ترمز إلى سر روحاني وحقيقة هذا السر إخفاء مضاعف لشيئين، أحدهما اللباس والثاني البشرة، وكشفهما يعني تحضير لأمر عظيم(2).وقال المنسي والعفيفي: الساق ترمز إلى السر والأمر الخفي(3).
ولكن هذين التفسيرين يعارضان أقوال السلف الصالح والعلماء الكبار. قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم، فكشف عن ساقه الكريمة، التي لا يشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذ يدعون إلى السجود لله. فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله طوعا واختيارا، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود، وتكون ظهورهم كصياصي البقر لا يستطيعون الانحناء"(4).
__________
(1) من رسائل الدعوة السلفية، 2/281-282.
(2) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص804، ت2257.
(3) عبد السلام المنسي وسمية العفيفي،الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، 10/2730، ت49.
(4) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 815-816.(1/27)
ويؤكد هذا القول ما رواه البخاري عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاءً وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحدا.(1)
وذكر ابن كثير في تفسيره عدة أقوال للسلف في قوله تعالى: { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } (القلم: 42) وقال: وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { يوم يكشف عن ساق } قال: شدة الأمر، وقال ابن عباس: هي أول ساعة تكون في يوم القيامة، وقال ابن جرير عن مجاهد { يوم يكشف عن ساق } هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة، وقال العوفي عن ابن عباس قوله: { يوم يكشف عن ساق } يقول حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه، وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس. أورد ذلك كله أبو جعفر ابن جرير(2).
ولم يذكر رحمه الله أن الساق ترمز إلى السر وما أشبه ذلك مما ورد في التفاسير باللغة الروسية.
الأخطاء في ترجمة صفة (العين)
غلط بعض المترجمين في ترجمة معاني الآيات التي فيها إثبات العين لله تعالى. قام عثمانوف بترجمة معنى قوله تعالى : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } (الطور: 48) وقال: واصبر لحكم ربك فإنا نعتني بك. وهكذا ترجمها المنسي والعفيفي. وقال عثمانوف في ترجمة معنى قوله تعالى: { تجري بأعيننا } (القمر: 14): تجري تحت عنايتنا. وهكذا في ترجمة المنسي والعفيفي أيضاً. ويستنتج من هذه الترجمات أن الله بصير بالعباد ولا يستنتج منها إثبات العين لله سبحانه وتعالى.
__________
(1) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، 8/846.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/523.(1/28)
وقال الشيخ الفوزان في شرحه للآيات المذكورة: "فيها إثبات العينين لله تعالى حقيقة على ما يليق به سبحانه. فقد نطق القرآن بلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربكم ليس بأعور. (أخرجه الشيخان) وذلك صريح بأنه ليس المراد إثبات عين واحدة فإن ذلك عور ظاهر تعالى الله عنه. ولغة العرب جاءت بإفراد المضاف وتثنيته وجمعه بحسب أحوال المضاف إليه. فإن أضافوا الواحد المتصل إلى مفرد أفردوه، وإن أضافوا إلى جمع ظاهرا أو مضمرا فالأحسن جمعه مشاكلة للفظ كقوله سبحانه: { تجري بأعيننا } وكقوله: { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً } . وإن أضافوه إلى اسم مثنى فالأفصح في لغتهم جمعه كقوله: { فقد صغت قلوبكما } وإنما هما قلبان فلا يلتبس على السامع قول المتكلم نراك بأعيننا ونأخذك بأيدينا، ولا يفهم منه بشر على وجه الأرض عيونا كثيرة على وجه واحد والله أعلم"(1).
المبحث السادس: الأخطاء في ترجمة صفات الله الفعلية
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن الله استوى على العرش كما يليق بكماله وجلاله لقوله تعالى: { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } (الأنعام: 54) وقوله: { الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش } (الرعد: 2).
قال الشيخ الفوزان في شرحه للآيات المذكورة: "ويستفاد منها جميعا إثبات استواء الله على عرشه على ما يليق بجلاله، وفيها الرد على من أوّل الاستواء بأنه الاستيلاء والقهر وفسر العرش بأنه الملك، فقال: استوى على العرش معناه استولى على الملك وقهر غيره، وهذا باطل من وجوه كثيرة"(2).
__________
(1) الفوزان، شرح العقيدة الواسطية، ص 60.
(2) الفوزان، شرح العقيدة الواسطية، ص 76.(1/29)
وقال ابن كثير في تفسيره: "وأما قوله { ثم استوى على العرش } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله لا يشبهه شيء من خلقه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (الشورى: 11) بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى"(1).
ولكن تغافل بعض المترجمين لمعاني القرآن الكريم عن هذه العقيدة الصحيحة، وقال صابلوكوف في ترجمة معنى قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } (الفرقان: 59): ثم جلس على العرش. وقال المنسي والعفيفي في ترجمة معنى قوله { ثم استوى على العرش } (يونس: 3): ثم جلس على العرش. وقالا في تفسيرهما للآية من سورة السجدة: تدل التصورات الإسلامية على أن الله خارج المادة، ولذلك ليس العرش مكاناً لله. وإنما هو يرمز إلى الملك والجلالة والعظمة والمجد(2).
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/296.
(2) عبد السلام المنسي وسمية العفيفي، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، 4/879، ت7.(1/30)
وهذه الترجمة وهذا التفسير يعارضان ما قاله العلماء الكبار في معنى الاستواء. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله ولا يماثل استواء المخلوقين. فإن سألت: ما معنى الاستواء عندهم؟ فمعناه العلو والاستقرار. وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معانٍ: الأول علا، والثاني ارتفع، والثالث صعد، والرابع استقر. لكن (علا) و(ارتفع) و(صعد) معناها واحد، وأما (استقر) فهو يختلف عنها. ودليلهم في ذلك أنها في جميع مواردها في اللغة العربية لم تأت إلا لهذا المعنى إذا كانت متعدية بـ(على) (1).
وصف الله بصفات ليست في الكتاب والسنة
قد وصف بعض المترجمين ربنا تبارك وتعالى بصفات لم تثبت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وهذا ما يخالف عقيدة السلف الصالح في أسماء الله وصفاته. قال الشيخ محمد بن صالح في كتاب ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)): صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دلَّ لكتاب والسنة على ثبوته. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث"(2).
نجد في الترجمة الشعرية لشوموفسكي. أنه أثبت لله القلب، وقال في ترجمة قوله { بسم الله الرحمن الرحيم } : بسم الرب الذي قلبه ملآن بالرحمة. وهذا القول يعارض عقيدة أهل السنة والجماعة, وسبب ظهور مثل هذا الخطأ يرجع إلى عدم تصور المترجم للعقيدة الصحيحة وعدم عنايته بحفظها. وتدل على صحة هذا التقدير مئات الأخطاء الفاحشة الواقعة في ترجمته. والله المستعان.
__________
(1) ابن عثيمين،شرح العقيدة الواسطية،1/375.
(2) من رسائل الدعوة السلفية، 2/ 245.(1/31)
تحريف بعض صفات الله تعالى
حرَّف بعض المترجمين لمعاني القرآن الكريم الصفات التي تكون كمالا في حال ونقصاً في حال آخر، منها الخداع والمكر والاستهزاء. قالت بروخوفا في ترجمة معنى قوله تعالى: { الله يستهزئ بهم } (البقرة: 15): الرب يرد إليهم استهزاءهم. وهكذا ترجمها المنسي والعفيفي. وقالا في ترجمة معنى قوله تعالى: { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } (النساء: 142): إن المنافقين يخادعون الله وهو يعذبهم. وقال عثمانوف في ترجمة معنى قوله تعالى: { ويمكرون ويمكر الله } (الأنفال: 30): ومكروا وأبطل الله مكرهم. وقال في ترجمة معنى قوله تعالى: { إن كيدي متين } (القلم: 45): إن أمري متين.(1/32)
وما هذه الترجمات إلا تحريف لصفات الرب تبارك وتعالى. وقال الشيخ محمد بن صالح شارحا لهذه الصفات: وإذا كانت الصفة كمالا في حال ونقصا في حال لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، ولا تنفى عنه نفيا مطلقا، بل لا بد من التفصيل، فتجوز في الحال التي تكون كمالا وتمتنع في الحال التي تكون نقصا، وذلك كالمكر والكيد والخداع ونحوها، فهذه الصفات تكون كمالا إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها، لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصا في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها كقوله تعالى: { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } (الأنفال: 30) وقوله: { إنهم يكيدون كيدا* وأكيد كيدا } (الطارق: 15-16) وقوله: { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون* وأملي لهم إن كيدي متين } (الأعراف: 182-183) وقوله: { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } (النساء: 142) وقوله: { قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون* الله يستهزئ بهم } (البقرة: 14-15). ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى: { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم } (الأنفال: 71). فقال فأمكن منهم ولم يقل فخانهم لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان وهي صفة ذم مطلقا(1).
أخطاء أخرى في ترجمات الصفات
__________
(1) من رسائل الدعوة السلفية، 2/238-239.(1/33)
غلطت بروخوفا في ترجمة صفة البصر، وقالت في قوله تعالى: { والله بصير بالعباد } (آل عمران: 15): والله يحفظ خدمه. وقالت في قوله تعالى: { والله بصير بالعباد } (آل عمران: 20): والله يحفظ من يخدمه. وكذلك غلطت في ترجمة صفة الإعزاز والإذلال، وقالت في قوله تعالى: { وتعز من تشاء وتذل من تشاء } (آل عمران: 26): وتوقر من تشاء وتحرم من تشاء. وكذلك أخطأت في ترجمة معنى قوله تعالى: { فإن الله يحب المتقين } (آل عمران: 76) وقالت: ويرضى الرب عن الأبرار. كما أخطأت في ترجمة معنى قوله { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم } (آل عمران: 77) وقالت: ولا يتوجه إليهم الرب ولا يلتفت إليهم بالنظر. وهذه الترجمة ليست صريحة، ولا يفهم القارئ منها أن الله وصف نفسه بصفة الكلام. مع أنه يجب على كل مسلم أن يثبت لله هذه الصفة الجليلة.
قال الله تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } (التوبة: 6) وقال تعالى: { وكلم الله موسى تكليماً } (النساء: 164).
وقال الشيخ الفوزان في شرحه لهذه الآيات وما أشبهها: "ويستفاد من مجموع الآيات التي ساقها المؤلف إثبات الكلام لله ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله موصوف بالكلام وكلامه سبحانه من صفاته الذاتية لقيامه به واتصافه به، ومن صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته وقدرته. فيتكلم إذا شاء كيف شاء بما شاء ولم يزل متكلما ولا يزال متكلما لأنه لم يزل ولا يزال كاملا والكلام من صفات الكمال، ولأن الله وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم"(1).
__________
(1) الفوزان، شرح العقيدة الواسطية، ص 91.(1/34)
وغلط بعض المترجمين في ترجمة صفة الأخذ، وقال عثمانوف في ترجمة معنى قوله تعالى: { فأخذهم أخذة رابية } (الحاقة: 10): وعذَّبهم عذاباً شديداً. وكذا ترجمتها بروخوفا. وقال صابلوكوف في ترجمة معنى قوله { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } (النازعات: 25): وأعدمه الله في الدنيا والآخرة والإعدام في اللغة الروسية يعني العذاب. وكذلك أخطأ المترجمون في ترجمة صفة البطش، وقال عثمانوف في قوله تعالى: { إن بطش ربك لشديد } (البروج: 12): إن عذاب ربك لشديد. وقال صابلوكوف في ترجمة معنى هذه الآية: إن قوة ربك لمتينة. وكذا ترجمها كراتشكوفسكي. وقالت بروخوفا في ترجمتها لهذه الآية: إن مِلْزَمَةَ ربك لشديدة. واستخدمت الكلمة الروسية (تِيسْكِي)، وجاء في معجم اللغة الروسية أنه أداة مركبة من خشبتين أو حديدتين. ولهذه الكلمة معنى مجازي أنه شيء يضغط ويطرق(1).وبعض الترجمات المذكورة تفسر معاني الآيات، ولكنه لا يستنتج منها أن الله وصف نفسه بصفتي الأخذ والبطش، وبعضها ليست صحيحة تماماً.
وهناك خطأ آخر وقع في ترجمة صابلوكوف لمعنى قوله تعالى: { إنه هو يبدئ ويعيد } (البروج: 13) حيث قال: وهو يبدأ ويبيد. وهذا الخطأ الفاحش يغير معنى الآية الكريمة تماماً ويدل على أن ترجمات معاني القرآن باللغة الروسية تحتاج إلى تحرير كامل.
المبحث السابع: الأخطاء في المسائل المتعلقة بالإيمان بالملائكة
الأخطاء في وصف خزنة النار
__________
(1) أوجوقوف،معجم اللغة الروسية، ص651.(1/35)
قالت بروخوفا في تفسيرها لقوله تعالى: { عليها تسعة عشر } (المدثر: 30): هم الملائكة الذين يمثلون الحواس التي بواسطتها يشعر الإنسان بالعالم(1).وليت شعري من أين جاءت المترجمة بهذا التفسير الغريب الخاطئ الذي يعارض تفاسير السلف الصالح والعقيدة الصحيحة. وقال الشيخ السعدي في تفسيره: { عليها تسعة عشر } من الملائكة خزنة لها، غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون(2).
الأخطاء في وصف هاروت وماروت
قالت بروخوفا في تفسيرها لقوله تعالى: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } (البقرة: 102): تسمية هاروت وماروت بالملكين من المجاز، وفي الحقيقة كانا من أناس عاديين ببابل. وقد تفوقا في علوم حضارتهم المختلفة وبينَّا خطورة هذه العلوم إذا تعلمها الكفرة المجانين. وماتا صالحين وألحقهما قومهما بإله السحر. وفي الإسرائيليات هما الملكان العاصيان اتبعا الشهوات وعوقبا بالتعليق من الرجلين. وكذا قال النصارى المتقدمون(3).
وقد اختلف المفسرون في معنى كلمة الملكين في الآية المذكورة، والظاهر أنهما كانا ملكين وهذا هو الصحيح. وقال الشيخ السعدي في تفسيره: "اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق، أنزل عليهما السحر امتحاناً وابتلاءً من الله لعباده فيعلمانهم السحر. { وما يعلمان من أحد حتى } ينصحاه و { يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } أي: لا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته"(4).
وينبغي للمترجم لمعاني القرآن أن يعتمد على التفاسير الصحيحة الراجحة ولا يكتفي بذكر التفاسير المرجوحة، والله أعلم.
__________
(1) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص806، ت2283.
(2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 830.
(3) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص668-669، ت48.
(4) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص42.(1/36)
وهناك خطأ آخر وقع في ترجمة لمعنى هذه الآية للبروفيسور عثمانوف قال: وما هاروت وماروت بضارين به من أحد إلا بإذن الله. وهذا غلط، وقد قال تعالى: { وما هم } أي السحرة { بضارين به من أحد إلا بإذن الله } ولعل سبب ظهور أخطاء مثل هذه يرجع إلى السهو.
المبحث الثامن: الأخطاء في وصف أحوال يوم القيامة
إن القارئ لترجمات معاني القرآن باللغة الروسية يكوّن فكرة خاطئة عن أحوال يوم القيامة، ويرجع سبب ذلك إلى العبارات الغريبة في بعض الترجمات.
قامت بروخوفا بترجمة قوله تعالى: { إذا زلزلت الأرض زلزالها } (الزلزلة:1) وقالت: إذا اختلجت الأرض اختلاجا، واستخدمت الكلمة الروسية (كُونْفُولْسِييَا) التي هي اصطلاح طبي. وهذا خطأ لغوي فاحش!
وقال كراتشكوفسكي في ترجمة معنى قوله تعالى: { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } (الحاقة: 14): ونجت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. وهذه الترجمة تعارض ما قيل في كتب التفسير، وقد قال الشيخ السعدي: { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } أي فتتت الجبال، واضمحلت، وخلطت بالأرض، ونسفت عليها، فكان الجميع قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، هذا ما يصنع بالأرض وما عليها(1).
وقالت بروخوفا في ترجمة معنى قوله تعالى: { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } (القارعة: 5): وتعلق الجبال كعشٍ من العهن. ولا يبقى للقارئ إلا التكهن كيف تعلّق الجبال يوم القيامة؟ وهذه الترجمة ليست صحيحة، ولم يذكر في الكتاب والسنة أن الجبال تكون معلقة يوم القيامة. بل قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: { وإذا الجبال سيرت } (التكوير: 3) أي صارت كثيباً مهيلاً، ثم صارت كالعهن المنفوش. ثم تغيرت وصارت هباء منبثاً، وأزيلت عن أماكنها(2).
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص817-818.
(2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص843.(1/37)
وقالت بروخوفا في ترجمة معنى قوله تعالى: { يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون } (المعارج: 43): يوم يخرجون من الأجداث سراعا ويسعون إلى مكان الصلاة. ويفهم من ترجمتها أنه يكون يوم القيامة مكان للصلاة. وهذه الترجمة الخاطئة تعارض أقوال السلف الصالح.
وقال ابن كثير: { يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون } يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، قال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير: إلى غاية يسعون إليها، وقد قرأ الجمهور ((إلى نَصْب)) بفتح النون وإسكان الصاد وهو مصدر بمعنى المنصوب، وقرأ الحسن البصري "نُصُب" بضم النون والصاد وهو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف -كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه- يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم(1).
وقالت بروخوفا في ترجمة معنى قوله { ثم لتسألنَّ يومئذ عن النعيم } (التكاثر: 8): يومئذ لتسألن عن اللذات المحرمة. وقال صابلوكوف في ترجمته لهذه الآية: يومئذ لتسألن عن حبكم للشهوات. ويفهم من الترجمة الأولى أن العبد سوف يسأل عن النعم المحرمة فقط، ويفهم من الثانية أنه سوف يسأل عن النعم إذا أحبها. وليست هاتان الترجمتان دقيقتين، بل سوف يسأل الله عباده عن كل نعمة أعطاهم في الدنيا ولو لم يُرزق العبد إلا الماء والتمر.
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/544.(1/38)
وقال الشيخ السعدي في قوله تعالى: { ثم لتسألنَّ يومئذ عن النعيم } الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به على معاصيه، فينعمكم نعيماً أعلى منه وأفضل. أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على المعاصي، فيعاقبكم على ذلك(1).
المبحث التاسع: الأخطاء في وصف الجنة والنار
الأخطاء المتعلقة بالإيمان بعذاب القبر
قامت بروخوفا بترجمة قوله تعالى: { فحسبه جهنم ولبئس المهاد } (البقرة: 206) وقالت: إن جزاءه جهنم فبئس مثوى الأموات. ويستنتج من هذه الترجمة الخاطئة أن الفاجر(2) بعد موته يدخل النار، وهذا يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة، لأن الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة تدل على أن الأموات في البرزخ، والقبر أول منازل الآخرة، فإن نجا العبد من عذابه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه، فما بعده أشد منه.
قال الإمام الأشعري: ومما يبين عذاب الكافرين في القبور قول الله عز وجل: { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدَّ العذاب } (غافر: 46) فجعل عذابهم يوم تقوم الساعة بعد عرضهم على النار في الدنيا(3) غدوا وعشياً، وقال: { سنعذبهم مرتين } (التوبة: 101)، مرة بالسيف ومرة قي قبورهم، { ثم يردون إلى عذاب } غليظ في الآخرة(4).
وذُكر عذاب القبر ونعيمه في أحاديث نبوية كثيرة، منها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عوذوا بالله من عذاب القبر. عوذوا بالله من عذاب القبر. عوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال. عوذوا بالله من فتنة المحيا والممات). رواه مسلم(5).
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص863.
(2) والفاجر بعد الموت تحت المشيئة (اللجنة العلمية).
(3) في البرزخ (اللجنة العلمية).
(4) الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص167.
(5) النووي، شرح صحيح مسلم، 3/95.(1/39)
ويجب أن يعتني المترجم لمعاني القرآن الكريم بحفظ هذه العقيدة السليمة ولا يضل القراء بأخطائه الفاحشة. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
الأخطاء في ترجمة عبارة أصحاب المشأمة
قامت بروخوفا بترجمة معنى قوله تعالى: { والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة } (البلد: 19) وقالت: والذين كفروا بآياتنا هم يستريحون على الشمال. وقال كراتشكوفسكي في ترجمته لهذه الآية: والذين كفروا بآياتنا هم ملوك الشمال. ويفهم من الترجمة الأولى أن الكفار يستريحون يوم القيامة، وأنى لهم ذلك! ويفهم من الثانية أنهم الملوك في النار، وهي تؤكد ما يزعمه الجهلة من معتقداتهم الباطلة بأن الشيطان ملك النار وأنه لا يعذب فيها.
وقد قال الله تعالى: { لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون } (الزخرف: 75) وقال: { لا تجعل مع الله إلهاً ءاخرَ فتقعدَ مذموماً مخذولا } (الإسراء: 22). والكفار لا يستريحون في النار، بل هم مذمومون مخذولون في العذاب. نسأل الله ألا يجعلنا منهم!
الأخطاء في ترجمة كلمة الساهرة
اختلف المترجمون في معنى قوله تعالى: { فإذا هم بالساهرة } (النازعات: 14)، فقالت بروخوفا: فإذا هم سُهّار إلى الأبد. فكذلك في ترجمة كراتشكوفسكي، وليست هذه الترجمة صحيحة. وقال صابلوكوف: فإذا هم في الساهرة أي النار الساهرة. وزعم أن الساهرة من أسماء النار، وهذا القول ضعيف يعارض الأقوال القوية في معنى هذه الآية.(1/40)
قال ابن كثير في قوله تعالى: { فإذا هم بالساهرة } قال ابن عباس: الساهرة الأرض كلها، وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وأبو صالح، وقال عكرمة والحسن والضحاك وابن زيد: الساهرة وجه الأرض. وقال مجاهد: كانوا بأسفلها فأخرجوا إلى أعلاها، قال والساهرة المكان المستوي، وقال الثوري: الساهرة أرض الشام، وقال عثمان بن أبي العاتكة: الساهرة أرض بيت المقدس، وقال وهب بن منبه: الساهرة جبل إلى جانب بيت المقدس، وقال قتادة أيضاً: الساهرة جهنم، وهذه أقوال غريبة، والصحيح أنها الأرض ووجهها الأعلى(1).
الأخطاء في وصف عذاب النار
قالت بروخوفا في تفسير قوله تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } (الرعد: 25): إذا كان الإنسان يسعى إلى النعم الروحانية فهو يصعد إلى دار النور، وإذا كان لا يعترف إلا بالنعم المادية فسوف ينحل مع لباسه المادي لأنه لم يستطع أن ينزع هذا اللباس. ويكون انحلاله مؤلما ويعدم في آخر الأمر. وهذه هي اللعنة الأبدية، وإذا بدأ الإنسان ينحل فهو لا يكون شخصية ويشطب اسمه من كتاب الحياة، وهذا أخوف شيء على الإنسان(2).
وقالت في تفسيرها لقوله تعالى: { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق } (الحجر: 85): الكافر المربوط إلى المادية سوف ينحل ويعدم إلى الأبد(3).وقالت في الموضع نفسه: إن يوم القيامة هو ساعة الانحلال.
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/600.
(2) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص729-730، ت926.
(3) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص734، ت995.(1/41)
وقالت في تفسير قوله تعالى: { حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين } (المائدة: 53): ينتهي عدد من الآيات القرآنية بكلمة خاسرين. ولا شك أن المقصود من الخسارة هو الخسارة الروحانية. وهذه الآية هي دليل قاطع على صحة تفسيري، لأن الخسارة المادية ذكرت فيما قبلها(1).
ويكوّن القارئ لهذه الترجمة المفسرة فكرة فاسدة عن العذاب في النار ويوقن بأن العذاب يكون للروح فقط وأنه في الحقيقة الإعدام والانحلال. وهذا يعارض العقيدة الإسلامية الصحيحة، لأن العذاب يوم القيامة يكون على البدن والروح، وأهل النار لا يموتون ولا يعدمون، خلافا لما يزعمه بعض الناس.
وقال ابن أبي العز الحنفي: والقرآن بيّن معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع. وهؤلاء ينكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقول من يقول منهم: إنه لم يخبر به إلا محمد صلى الله عليه وسلم على طريق التخيل! وهذا كذب، فإن القيامة الكبرى هي معروفة عند الأنبياء، من آدم إلى نوح، إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وقد أخبر الله بها من حين أهبط آدم، فقال تعالى: { قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } (الأعراف: 24) { قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } (الأعراف: 25).(2)
والآيات الدالة على أن الأموات يبعثون بأبدانهم وأن العذاب يكون للبدن كما يكون للروح كثيرة جداً، منها قوله تعالى: { وضرب لنا مثلاً ونسيَ خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم* قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } (يس: 78-79) وقوله: { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } (النساء:56).
الأخطاء في وصف الجنة
__________
(1) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص685-686، ت323.
(2) ابن ابي العز، شرح العقيدة الطحاوية،ص404-405.(1/42)
قامت بروخوفا بترجمة معنى قوله تعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } (آل عمران: 133) وقالت: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة سعتها كسعة السموات والأرض. وقال عثمانوف في ترجمته لهذه الآية: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة متسعة في السموات والأرض.
وتؤكد الترجمة الثانية قول الكفار الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور ويزعمون أن الجنة والنار في الأرض، وهذا الاعتقاد كفر بواح، أعاذنا الله منه! ويجب ألا يند عن البال النتائج التي يمكن استخلاصها من الترجمة حتى لا يقع القارئ لها في ضلال.
وأما ترجمة بروخوفا فيفهم منها أن سعة الجنة كسعة السموات والأرض، ولقد تحجرت المترجمة واسعا، فإن الجنة عرضها السموات والأرض، وإذا كان كذلك فكيف بطولها؟
الأخطاء في وصف النعيم في الجنة
يكوّن القارئ للترجمة المفسرة لبروخوفا فكرة خاطئة عن نعيم الجنة ويوقن بأنه نعيم روحاني فقط، لأن المترجمة دعت إلى هذا الاعتقاد في كثير من المواضع. وقالت في تفسير قوله تعالى: { ماكثين فيه أبداً } (الكهف: 3): والأجر المذكور هو حالة نفسية ونعيم روحاني استحقه أهل الجنة بأعمالهم الصالحة(1).
وقالت في تفسير قوله تعالى: { أولئك لهم رزق معلوم* فواكه } (الصافات:41-42): والظاهر أن الفواكه هي الثمار وهي حالة نفسية على سبيل المجاز(2).
وقالت في تفسير قوله تعالى: { مثل الجنة التي وُعد المتقون } (محمد: 15): ولا يفهم هذا إلا على سبيل المجاز، وهذه الأشربة تتلذذ بها النفس وتتحسن بها الحياة بصورة عامة(3).
__________
(1) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص743، ت1145.
(2) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص792، ت2008.
(3) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص798، ت2144.(1/43)
وهذه التفاسير تعارض عقيدة أهل السنة والجماعة الذين لا يصرفون النصوص عن ظاهرها ويؤمنون بأن النعيم في الجنة يكون للبدن والروح جميعاً, والأدلة على ذلك في الكتاب والسنة كثيرة.
قال الله تعالى: { يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين* لا يصدّعون عنها ولا ينزفون* وفاكهة مما يتخيرون* ولحم طير مما يشتهون* وحور عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون } (الواقعة: 17-23). وصح في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس). رواه مسلم(1).
المبحث العاشر:الأخطاء المتعلقة بالولاء والبراء
قامت بروخوفا بترجمة قوله تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله } (المجادلة: 22) وقالت: لا تجد فيمن آمن بالله واليوم الآخر قوما يحادون الله ورسوله. وتغير معنى هذه الآية بسبب غلط المترجمة، ولا يستطيع القارئ أن يستفيد المعنى الصحيح للآية من هذه الترجمة. وقال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله } أي لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمناً بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا إذا كان عاملا على مقتضى إيمانه ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به، ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه. هذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته، والمقصود منه(2).
__________
(1) النووي، رياض الصالحين (1880).
(2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص786-787.(1/44)
وقد قيل إن هذا الخطأ عفوي، والله أعلم. وهناك خطأ آخر يدل على أن عقيدة المترجمة في الولاء والبراء منحرفة باطلة. قالت بروخوفا في تفسيرها لقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } (المائدة: 51): إن سبب بغض المسلمين لليهود والنصارى لا يرجع إلى إنكار دينهم إطلاقا، كما ذكر في القرآن، ويرجع إلى عداوتهم للمسلمين التي تتحول أحيانا إلى الاعتداء عليهم كما يرجع إلى إنكارهم القطعي للدين الإسلامي(1).
وليس الأمر كما قالت بروخوفا، فإن كفر اليهود والنصارى والمشركين هو السبب الحقيقي لبغض المسلمين لهم لقوله تعالى: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } (الممتحنة: 4). ويجب على كل مسلم أن ينكر الديانات الباطلة ويعادي أهل الكفر والشرك. وأما قول المترجمة الروسية، فهو باطل، ويجب الحذر منه.
وكذلك نجد في تفسيرها القول بأن بعض أهل الكتاب لم يدخلوا في الإسلام ومع ذلك ما زالوا أصدقاء مخلصين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت في تفسيرها لقوله تعالى: { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً } (النساء: 62): هذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين لم يدخلوا في الإسلام ومع ذلك ما زالوا أصدقاء مخلصين له(2).
__________
(1) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص685، ت322.
(2) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص682، ت264.(1/45)
وهذا القول الباطل يعارض ما ذكر في كتب التفسير، وقال الشيخ السعدي: { فكيف } يكون حال هؤلاء الضالين { إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم } من المعاصي، ومنها تحكيم الطاغوت؟! { ثم جاءوك } معتذرين لما صدر منهم، و { يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً } أي ما قصدنا في ذلك إلا الإحسان إلى المتخاصمين والتوفيق بينهم، وهم كذبة في ذلك. فإن الإحسان تحكيم الله ورسوله. ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون. ولهذا قال: { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } أي من النفاق والقصد السيئ. { فأعرض عنهم } (النساء 63) أي لا تبال بهم ولا تقابلهم على ما فعلوه واقترفوه(1).
وقال الله تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } (البقرة: 120) وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر } (آل عمران: 118).
هذه الآية وما أشبهها تدل على عداوة أهل الكتاب للمسلمين، فإنهم لا يرضون عنا ولا ينصحون لنا حتى نتبع ملتهم ونترك ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجب على المسلمين أن يدركوا خطر الاعتقاد الذي دعت إليه المترجمة ويحذروا منه.
المبحث الحادي عشر: سائر الأخطاء العقدية
القرآن هو كلام الله غير مخلوق
لا نجد – ولله الحمد – القول بأن القرآن مخلوق في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية، ولكن نجده في المقدمة للترجمة الشعرية للمستشرق شوموفسكي، قال: وبناء على هذا نوقن بأن الداعية العربي محمدا كان له حق أن يقول إن الله هو الذي خلق القرآن(2).
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص149.
(2) شوموفسكي، الترجمة الشعرية لمعاني القرآن الكريم، ص12.(1/46)
وكان جهم بن صفوان أول من ابتدع القول بخلق القرآن(1).وكان الصحابة متفقين على أن القرآن غير مخلوق، بل هو كلام الله سبحانه وتعالى لقوله: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } (التوبة:6).
وقال الإمام الأشعري: والقائلون إن القرآن غير مخلوق، والمكفرون من قال بخلقه، من العلماء وحملة الآثار ونقلة الأخبار لا يحصون كثرة، منهم الحمادان، والثوري، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومالك بن أنس، والشافعي وأصحابه، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وهشام، وعيسى بن يونس، وحفص بن غياث، وسعد بن عامر، وعبد الرحمن ابن مهدي، وأبو بكر بن عياش، ووكيع، وأبو عاصم النبيل، ويعلى بن عبيد، ومحمد بن يوسف، وبشر بن المفضل، وعبد الله بن داود، وسلام بن أبي مطيع، وابن المبارك، وعلي بن عاصم، وأحمد بن يونس، وأبو نعيم، وقبيصة بن عقبة، وسليمان بن داود، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ويزيد بن هارون، وغيرهم.(2)
إن الله غني عن المغفرة
لا يتوقع المسلم أن يجد في ترجمة معاني القرآن القول بأن الله يستحق المغفرة، ولكنه يوجد في ترجمة الأكاديمي كراتشكوفسكي. قال في قوله تعالى: { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } (المدثر: 56): هو يستحق الخوف ويستحق المغفرة. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والله غني عن المغفرة وغني عن خلقه، وقال تعالى عن نفسه: { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } (الأنبياء: 23).
لا معمودية في الإسلام
__________
(1) غالب بن علي العواجي، فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، 2/986.
(2) الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص90-91.(1/47)
المعمودية عند النصارى: أن يغمس القس الطفل في ماء يتلو عليه بعض فقر من الإنجيل، وهو آية التنصير عندهم.(1) ولا أصل لهذه العبارة في الدين الإسلامي، ومع ذلك نجد ذكرها في بعض الترجمات لمعاني القرآن إلى اللغة الروسية. قال المنصِّر صابلوكوف في قوله تعالى: { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } (البقرة: 138): عمدنا الإله، ومن أحسن ممن عمده الإله! وتابعته بروخوفا وقالت: معمودية الله، ومن يعمد أحسن من الله!
وتعارض هاتان الترجمتان العقيدة الإسلامية وأقوال السلف الصالح في الآية المذكورة. قال ابن كثير: { صبغة الله } قال الضحاك عن ابن عباس: دين الله، وكذا روي عن مجاهد وأبي العالية وعكرمة وإبراهيم والحسن وقتادة والضحاك وعبد الله بن كثير وعطية العوفي والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك.(2)
لا يدرك العباد أمّ الكتاب
قال تعالى: { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } (الرعد: 39). قال الشيخ السعدي: { يمحو الله ما يشاء } من الأقدار { ويثبت } ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير، في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير، لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص، أو خلل، ولهذا قال: { وعنده أم الكتاب } أي اللوح المحفوظ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع وشعب.(3)
__________
(1) المعجم الوسيط، ص626.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/ 247.
(3) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 374.(1/48)
وخالفت بروخوفا في تفسيرها السلف الصالح وقالت: أم الكتاب هو حق دائم وأصل الكتب السماوية سواء متى نزلت ومن جاء بها. والوحي له أشكال مختلفة، ولكن الحق دائم لا يتغير. والحواس تحس تغير الأشكال ولا تدرك الحق الدائم. وإذا تخلصت من الأفكار الدنيوية واتجهت إلى قرارة نفسك واستغرقت في البواعث الروحانية لا المادية فسوف تدرك الحق وتقيم في داخله وتدرك ما في أم الكتاب.(1)
وذكرت بروخوفا أن الإنسان يدرك الحق بإدراك نفسه والزهد في الدنيا في مواضع كثيرة. ولا أصل لهذا الكلام في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنما العلم بالتعلم. قال تعالى: { فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } (النحل: 43). وماذا يدرك الإنسان إذا اتجه إلى قرارة نفسه التي قال الله تبارك وتعالى فيها: { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } (يوسف: 53).
لا يجوز الدفن في التابوت
لا يدفن المسلمون أمواتهم في التوابيت ولا يبنون على الأضرحة. ومع ذلك نجد هاتين الكلمتين في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية. قال صابلوكوف في ترجمة معنى قوله تعالى: { وإذا القبور بعثرت } (الانفطار: 4): وإذا التوابيت فتحت. وقال في ترجمة معنى قوله تعالى: { يوم يخرجون من الأجداث سراعا } (المعارج: 43): يوم يخرجون من التوابيت سراعاً. وقالت بروخوفا في ترجمة معنى قوله تعالى: { حتى زرتم المقابر } (التكاثر: 2): حتى تلاقوا خشبة التابوت.
__________
(1) بروخوفا، الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، ص730، ت935.(1/49)
وتعارض هذه الترجمات سنن المسلمين الذين يكفنون أمواتهم ولا يبنون على القبور. وجاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم. رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي.(1) وقد نهى الشارع أن يبنى على القبور، وقال جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. رواه مسلم.(2) وأما الأخطاء المذكورة فتغير معاني القرآن وتعين على انتشار التصورات الفاسدة عن الدين الإسلامي.
الهداية هدايتان
قامت بروخوفا بترجمة قوله تعالى: { والله لا يهدى القوم الظالمين } (البقرة: 258) وقالت: والله لا يبين الصراط المستقيم للكافرين. وهذه الترجمة خاطئة لأن الله لم يذكر في هذه الآية هداية البيان وإنما ذكر فيها هداية التوفيق.
قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } (القصص: 56): يخبر تعالى أنك يا محمد - وغيرك من باب أولى - لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا، أمر غير مقدور للخلق هداية التوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها، فيبقيه على ضلاله. أما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى: { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } (الشورى: 52) فتلك هداية البيان والإرشاد. فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له. وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا.(3)
__________
(1) ابن حجر، بلوغ المرام (535).
(2) ابن حجر، بلوغ المرام (567).
(3) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص570.(1/50)
والله تعالى يبين الحق للناس جميعا ولا يعذب حتى يبعث رسولاً، وقال الله تعالى: { والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم } (يونس: 25). فهداية البيان وهي الدعوة إلى دار السلام تشمل الناس جميعا وهداية التوفيق لا يختص الله بها إلا من يشاء من عباده.
إن الله يتوب حتى على من عصاه عمدا
قالت بروخوفا في ترجمة معنى قوله تعالى: { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } (النساء: 17): إن الله يقبل التوبة ممن يعمل السوء الذي لا علم له به ثم يتوب من قريب. وكذلك ترجمها الأكاديمي كراتشكوفسكي.
ويفهم من هاتين الترجمتين أن الله يقبل التوبة ممن يعصيه خطأً فقط، وهذا يعارض أقوال السلف الصالح. قال ابن كثير: قال مجاهد وغير واحد: كل من عصى الله خطأ أو عمدا، فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب، وقال قتادة عن أبي العالية أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة.(1)
إن أرواح الشهداء في طير خضر
قال المنسي والعفيفي في تفسير قوله تعالى: { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } (البقرة: 154): لا يشعر أقرباء الشهداء بفراقهم لأنهم يبقون عند أهلهم وأصدقائهم مثل الأحياء. ولم يذكرا في ترجمتهما أن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة تحت العرش، ويفهم منه أن أرواح الشهداء تبقى عند أقربائهم، وهذا غلط.
قال الله تعالى: { ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون } (آل عمران: 169). وجاء في حديث كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمار الجنة. رواه الترمذي، وصححه الألباني.(2)
الفصل الثالث: الأساليب التي تستخدم في ترجمة معاني القرآن الكريم
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/604.
(2) الألباني، صحيح الجامع الصغير (1559).(1/51)
في هذا الفصل أريد أن أعرج على أكثر المقاصد أهمية والتي يجب على المترجم لمعاني القرآن الكريم أن يضعها نصب عينيه.
قبل كل شيء يجب أن تكون الترجمة دقيقة لأن كل كلمة وكل حرف في كتاب الله له أهمية عظيمة. ويجب أن تفي الترجمة بحاجات المسلمين الذين لا يعرفون اللغة العربية ويرجعون إلى ترجمات المعاني ليتعلموا كتاب الله والأحكام الشرعية المستنبطة منه، وهذا يلزم المترجم الرجوع إلى التفاسير المختلفة عند ترجمة كل آية حتى يفهم القارئ لترجمته المعنى المقصود والحكم المطلوب في هذه الآية. كما يجب أن تلبي ترجمة معاني القرآن الكريم طلبات القراء الذين ليس عندهم علم بالإسلام، ولهذا يجب أن تكون الترجمة بليغة أدبية فصيحة وأن لا يكون فيها عبارات مبهمة وترجمة حرفية لبعض العبارات والألفاظ العربية دون وجود الشرح والتعليقات الضرورية. كما يجب عند الترجمة بذل أقصى الجهد حتى يشعر القارئ أن أمامه ترجمة لمعاني الكتاب السماوي الذي أنزل قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.
ويا للأسف الشديد في كل الترجمات السابقة لم يستطع المترجمون الوصول إلى هذه الغاية، ففي ترجماتهم نلاحظ وجود أخطاء لغوية فاحشة معارضة لقواعد اللغة الروسية. مثلا: ترجم كراتشكوفسكي معنى قوله تعالى: { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوَّوا رؤوسهم } (المنافقون: 5) على أنهم عوجوا رؤوسهم، وهذا يخالف قواعد اللغة الروسية. والأخطاء مثل هذه تبعد القراء عن الترجمة. الآيات القرآنية تمتاز بالبلاغة والجمال والكمال، والحصول على هذا الكمال عند الترجمة من غير الممكن وبغض النظر عن هذا يجب على المترجم أن يبذل قصارى جهده لأن يكون عمله جميلا ومفهوما.(1/52)
وأضرب مثلا آخر: ترجمت بروخوفا معنى قوله تعالى: { إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية } (الحاقة: 11) وقالت: إنا حملناكم في المجرفة الجارية. والمجرفة معروفة، ولا صلة لها بهذه الآية الكريمة. ويرجع سبب ظهور هذه الأخطاء إلى عدم معرفة المترجم معاني الكلمات الدقيقة.
وإذا كانت لآية معانٍ كثيرة فينبغي للمترجم أن يشير إليها في ترجمته أو تعليقه حتى يفهم القراء سبب ظهور بعض الفروق بين ترجمات المعاني الصحيحة. مثلاً: يمكن ذلك في ترجمة معنى قوله تعالى: { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } (إبراهم: 46).
وروى العوفي عن ابن عباس في قوله: { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، وكذا قال الحسن البصري، ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به، ما ضر شيئاً من الجبال ولا غيرها، وإنما عاد وبال ذلك عليهم، قلت: ويشبه هذا قول الله تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } (الإسراء: 37)، والقول الثاني في تفسيرها ما رواه علي بن طلحة عن ابن عباس { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } يقول: شركهم كقوله: { تكاد السموات يتفطرن منه } (مريم: 90)، وهكذا قال الضحاك وقتادة. ذكره ابن كثير في تفسيره.(1)
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/706.(1/53)
وينبغي أن يشير المترجم إلى وجود الترجمتين الصحيحتين لمعاني قوله تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } (الجن: 6). قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: أي كان الإنس يعوذون بالجن، عند المخاوف والأفزاع ويعبدونهم، فزاد الإنس الجن رهقاً، أي طغيانا وتكبرا، لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم. ويحتمل أن الضمير وهو الواو يرجع إلى الجن، أي زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم، ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، والتمسك بما هم عليه.(1)
ويجب على المترجم لمعاني القرآن أن يفسر بعض الكلمات عند الضرورة، لأن القارئ العامي لا يستطيع أن يفهم بعض الآيات فهما صحيحاً إلا مع وجود التفاسير الضرورية. مثلاً: إذا ترك المترجم قوله تعالى: { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين } (يوسف: 20) من دون التفسير الضروري فيفهم القارئ لترجمة معناه أن جماعة من المسافرين هم الذين باعوا يوسف بثمن بخس. وليس هذا هو المعنى الصحيح.
وقال الشيخ السعدي: وكان إخوته قريباً منه، فاشتراه السيارة منهم { بثمن بخس } أي: قليل جداً، فسره بقوله: { دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين } لأنه لم يكن لهم قصد إلا تغييبه، وإبعاده عن أبيه، ولم يكن لهم قصد في أخذ ثمنه، والمعنى في هذا: أن السيارة، لما وجدوه، عزموا أن يسروا أمره، ويجعلوه من جملة بضائعهم، التي معهم، حتى جاءهم إخوته، فزعموا أنه عبد أبق منهم، فاشتروه منهم، بذلك الثمن، واستوثقوا منهم فيه، لئلا يهرب، والله أعلم.(2)
__________
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص824.
(2) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص351.(1/54)
واستخدمت هذه الأساليب وغيرها في ترجمتي لمعاني القرآن إلى اللغة الروسية بطريقة تمكن القارئ الروسي من الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة عن معاني الآيات القرآنية. وآمل أن الترجمة الجديدة سوف تساعد الناس على الإجابة عن كثير من الأسئلة التي ظهرت عندهم وبقيت من دون جواب بعد قراءتهم للترجمات السابقة، كما آمل أن تكون هذه الترجمة موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة. وبكل تأكيد هذه المسألة صعبة جدا ولإدراكها يجب بذل جهد عظيم، وما التوفيق إلا بالله، ولا معين لنا في ذلك غير الله سبحانه وتعالى.
الخلاصة
بعد دراسة الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية وجدت أن كل الترجمات السابقة لا تطابق عقيدة أهل السنة والجماعة بالكلية، وأقربها إليها الترجمتان للأكاديمي كراتتشكوفسكي والبروفيسور عثمانوف. ولم يكن من المترجمين من ناصر عقيدة الصحابة الكرام والسلف الصالح، بل وجدت في الترجمات الدعوة إلى التصوف والكلام كما وجدت الأقوال التي تؤكد ما يعتقده الشيعة. وأخوف من ذلك وجود الكفريات والشركيات التي تخرج صاحبها من الملة. والأخطاء الواقعة في الترجمات السابقة تشمل كثيراً من المسائل العقدية، منها توحيد الله، ووجوب اتباع شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بأسماء الله وصفاته، والولاء والبراء وغيرها. وينتج من ذلك أن أكثر من 250 مليون إنسان لا يستطيعون أن يتعلموا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الترجمات لمعاني القرآن الكريم. بل يكوّن القارئ لها فكرة خاطئة عن العقيدة الإسلامية تكون سببا لانتشار الآراء الفاسدة بين الناس. ولذلك يجب على العلماء المسلمين والدعاة أن يبينوا للناس أخطاء المترجمين ويحذروا إخواننا منها. ومن هذا نفهم أهمية هذا البحث وما أشبهه وضرورة القيام بترجمة معاني القرآن المطابقة لعقيدة أهل السنة والجماعة.(1/55)
ولا شك أن الترجمات السابقة لها دور عظيم في نشر الدين الإسلامي، ولا ننكر فضل المترجمين السابقين، لأن ترجماتهم كانت سببا لهداية عدد كبير من الناس. وإضافة إلى ذلك لا يمكن إنشاء الترجمة الدقيقة والجميلة إلا بعد الدراسة الكاملة للترجمات السابقة. ومع ذلك يجب ألا يند عن البال أن الرجوع إلى هذه الترجمات أحيانا يؤدي إلى تكرار أخطاء المترجمين السابقين.
وقد أشرت إلى ضرورة الترجمة الصحيحة لمعاني القرآن إلى اللغة الروسية لأن الناس المتكلمين بهذه اللغة في حاجة ماسة إلى العلم بالكتاب والسنة. وإنشاء هذه الترجمة يكون خطوة كبيرة في سبيل انتشار الدين الإسلامي في البلاد المتكلمة باللغة الروسية.
وأسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل وجميع أعمالنا خالصة لوجهه سبحانه وتعالى، وأن ينفعني بهذا العمل وما فيه من العلم وجميع إخواني المسلمين، ويكتب لي أجره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإن أصبت فمن الله وبفضله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.
سبحانك اللهم وبحمدك، وأشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس المراجع
1 ... - الإبانة عن أصول الديانة، علي بن إسماعيل الأشعري، مكتبة المؤيد، الرياض، ط4، 1413هـ
2 ... - الإسلام على أراضي الإمبراطورية الروسية المنحلة، بروزوروف، مطبعة الأدب الشرقي، ط1، 1998م
3 ... - أشراط الساعة، يوسف بن عبد الله الوابل، دار ابن الجوزي، ط12، 1420هـ
4 ... - بلوغ المرام من أدلة الأحكام، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بشرح صفي الرحمن المباركفوري، دار العرفان، الكويت، ط2، 1416هـ
5 ... - الترجمة الشعرية لمعاني القرآن الكريم، شوموفسكي، مطبعة تيرّا، موسكو، 1995م(1/56)
6 ... - الترجمة المفسرة لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية، عبد السلام المنسي وسمية العفيفي، ألمانيا، 1999م
7 ... - الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، بروخوفا، مطبعة سبهر، تهران، ط1، 1417هـ
8 ... - ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية والتعليقات، عثمانوف، المطبعة الأنصارية، قم، 1992م
9 ... - ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، صابلوكوف، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1993م
10 ... - ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، كراتشكوفسكي، موسكو، 1990م
11 ... - تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن كثير، دار العرفان، الكويت، ط2، 1416هـ
12 ... - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1417هـ
13 ... - الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ
14 ... - رياض الصالحين، يحيى بن شرف النووي، دار العرفان، الكويت، ط2، 1416هـ
15 ... - زبدة التفسير من فتح القدير، محمد سليمان الأشقر، الكويت، ط2، 1408هـ
16 ... - سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1417هـ
17 ... - شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، مؤسسة الجريسي، ط5، 1418هـ
18 ... - شرح العقيدة الواسطية، صالح بن فوزان الفوزان، مكتبة المعارف، الرياض، ط6، 1413هـ
19 ... - شرح العقيدة الواسطية، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، ط4، 1417هـ
20 ... - شرح العقيدة الواسطية، محمد خليل هراس، مكتبة العلم، مصر
21 ... - الشرح الممتع على زاد المستقنع، محمد بن صالح العثيمين, مؤسسة آسام، الرياض، ط4، 1416هـ
22 ... - شرح صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي، دار أبي حيان، ط1، 1415هـ
23 ... - صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط3، 1408هـ(1/57)
24 ... - العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام، دار ابن خزيمة، ط1، 1416هـ
25 ... - فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام، الرياض، ط1، 1421هـ
26 ... - فتح القدير، محمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم، بيروت، 1421هـ
27 ... - فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، غالب بن علي العواجي، دار لينة، ط4، 1420هـ
28 ... - قاموس اللغة الروسية الحية العظيمة، دال، مطبعة اللغة الروسية، موسكو، 1980م
29 ... - لسان العرب، ابن منظور، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط3، 1419هـ
30 ... - المسلمون في اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية، بنينكسين، مطبعة الإيمان، قازان، 1999م
31 ... - معجم اللغة الروسية، أوجوقوف، مطبعة اللغة الروسية، موسكو، 1988م
32 ... - المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وعبد الحليم منتصر وغيرهما، دار الفكر، ط2
33 ... - من رسائل الدعوة السلفية، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، ط1, 1418هـ
فهرس الموضوعات
الفصل الأول: ضرورة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسيةعلى نحو يوافق عقيدة أهل السنة والجماعة ... 1
الفصل الثاني:بعض الأخطاء العقدية في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية ... 9
المبحث الأول:الأخطاء في ترجمات بعض المصطلحات الشرعية ... 11
الأخطاء في ترجمة معاني بعض أنواع العبادة ... 11
الأخطاء في ترجمة كلمة "العبد" ... 12
المبحث الثاني:إيراد بعض الأقوال التي تزعم أن الإسلام ليس هو دين الحق الوحيد ... 15
المبحث الثالث: الترجمات المعارضة لشهادة التوحيد ... 17
المبحث الرابع: الأخطاء في ترجمات أسماء الله تعالى ... 21
المبحث الخامس:الأخطاء في ترجمة صفات الله الذاتية ... 27
المبحث السادس: الأخطاء في ترجمة صفات الله الفعلية ... 36
المبحث السابع: الأخطاء في المسائل المتعلقة بالإيمان بالملائكة ... 42(1/58)
المبحث الثامن: الأخطاء في وصف أحوال يوم القيامة ... 44
المبحث التاسع: الأخطاء في وصف الجنة والنار ... 47
المبحث العاشر:الأخطاء المتعلقة بالولاء والبراء ... 54
المبحث الحادي عشر: سائر الأخطاء العقدية ... 57
الخلاصة ... 58
فهرس المراجع ... 58
فهرس الموضوعات ... 58(1/59)