بسم الله الرحمن الرحيم
باب ما جاء في خلق الجنة، وما أعد الله فيها لأهلها
1- حدثنا عبد الملك بن حبيب، قال: حدثني أسيد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن مسلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله الجنة قال لملائكته: اذهبوا إلى الجنة، فانظروا إليها، وإلى ما أعددت فيها لأهلها، فذهبوا، ونظروا، فقالوا: وعزتك لا يسمع أحد بهذه فيدخلها إلا دخلها، ثم خلق النار، ثم قال لهم: اذهبوا إلى النار، فانظروا إليها، وإلى ما أعددت لأهلها، فذهبوا، ونظروا، فإذا هي تأكل بعضها بعضاً، قالوا: وعزتك لا يسمع أحد بهذه فيدخلها، حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، ثم قال: انظروا، فنظروا، فقالوا: وعزتك لا يدخل هذه إلا قليل، ولا ينجو من هذه إلا قليل)).
2- قال: وحدثني غاز بن قيس، عن أبي حريزة يعقوب، عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله الجنة، فصاغها بكلامه، وجعل فيها ما شاء من ثوابه، نادته، فقالت: يا رب لمن خلقتني؟ قال: خلقتك لمن يطيعني، فقالت: وعزتك لا يعصيك عبد من عبادك أجمع رآني، أو سمع بي، فقال: إني حففتك بالمكاره، فقالت: ها هنا صدقني القوم)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ولما خلق الله النار، فصاغها بكلامه وجعل فيها ما شاء من عذابه قالت: يا رب لمن خلقتني؟ قال: لمن عصاني، قالت: وعزتك لا(1/7)
يعصيك عبد رآني أو سمع بي، قال: إني حففتك بالشهوات، قالت: ها هنا وردني القوم)).
3- قال: وحدثني مطرف عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)).
4- قال: وحدثني أسد بن موسى عن المعلى بن هلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله الجنة بيده، وجعل فيها ما شاء من كرامته، ثم نظر إليها، قالت: قد أفلح المؤمنون)).
5- قال: وحدثني المكفوف عن أيوب بن حوط، عن قتادة أن كعباً قال: لم يخلق الله بيده إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الجنة بيده، ثم قال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنين، ثم قال لها: تزيني، فتزينت، فقال لها: تكلمي، فقالت: طوبى لعبد رضيت عنه.
6- قال: وحدثني علي بن معبد عن خالد بن دينار، عن أبي العالية قال: لما خلق الله الجنة أذن لها في الكلام، فكان أول كلمة تكلمت بها: {قد أفلح المؤمنون} فأنزله الله تعالى قرآناً.
7- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الحسن البصري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: ((أرض الجنة رخام من فضة مضاءة نقية، وترابها مسك أبيض، ووحلها عنبر أشهب، وكثبانها كافور أصفر، وحشيشها الورس، والزعفران، وحصباؤها الدر والياقوت المنثور، وبناؤها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر أشد بياضاً من الحواري)).
قال عبد الملك: والملاط: الطين الذي يكون بين اللبنتين يعني طينها مسك أذفر، والأذفر: الشديد الطيب الرائحة التي تكاد رائحته نعم من شدة فيحها، وطيبها.(1/8)
8- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم، عن وهب بن منبه، عن محمد ابن الحنفية، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
9- قال: وحدثني أسد بن موسى عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حول الجنة سبعة أسوار، وثماني قناطر محيطة بالجنة كلها: أول سور منها فضة، والثاني ذهب، والثالث: ذهب، وفضة، والرابع: لؤلؤ، والخامس: ياقوت، والسادس: زبرجد، والسابع: نور يتلألأ ما بين كل سورين خمسمائة عام، ولها ثمانية أبواب وياقوت، وزبرجد ما بين المصراعين من كل باب مسيرة أربعين عاماً)).
10- قال: وحدثني مطرف عن ابن أبي حازم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن/ المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة بيضاء، تتلألأ، وأهلها بيض. لا ينام أهلها، لا شمس فيها، ولا قمر، ولا ليل يظلم، ولا برد فيها ولا حر يؤذيهم)).
11- قال: وحدثني أسد بن موسى عن إسرائيل بن يونس عن إسحاق الهمداني عن أبيه، عن جده، عن علقمة بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة سجسج لا حر فيها، ولا برد)). قال عبد الملك: والسجسج: الفاتر التي ليست حارة ولا باردة.
قال عبد الملك: وبلغني أن أبا العالية الرياحي –وكان من خيار التابعين بالبصرة- خرج يوماً بعد صلاة الصبح يمشي في حاجة له قبل طلوع الشمس في الصيف، فقال لمن معه من أصحابه: هكذا أيام الجنة لا حر، ولا برد.
12- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن العلاء بن هلال عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وجنةٍ عرضها السماوات والأرض} قال ابن عباس: سبع سماوات، وسبع أرضين يلفقهن جميعاً كما تلفق أشتات بعضها إلى بعض، فهذا عرضها، ولا يصف أحد طولها.(1/9)
13- قال: وحدثني علي بن معبد، عن عبد الله بن عمرو، عن يحيى بن أبي أنيسة، عن كعب، قال: ما اطلع الله إلى الجنة إلا قال لها/ ازدادي طيباً لأهلك، فهي تزداد طيباً إلى يوم القيامة.
ما جاء في تسمية أبواب الجنة
14- حدثنا عبد الملك قال: حدثني عبد العزيز الأوسي، عن إسماعيل بن عياش، عن أبان، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((للجنة ثمانية أبواب: باب المصلين، وباب الصائمين، وباب الصادقين، وباب المتصدقين، وباب القانتين، وباب الذاكرين، وباب الصابرين، وباب الخاشعين، وباب المتوكلين، فإذا كان في الرجل خصلة واحدة من هذه، واستغلب عليه دعاه خزنة ذلك الباب، وإذا كن فيه جميعاً، واستغلب عليه دعاه خزنة جميع تلك الأبواب إلى الجنة)).
15- قال: وحدثني أسد بن موسى يرفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
16- وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، وما على الرجل أن يدعى من تلك الأبواب كلها؟ فقال: ((لا شيء، والله أرجو أن تكون منهم)).
17- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عبيد بن مسلم، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للجنة ثمانية أبواب ما بين المصراع إلى المصراع أربعين سنة، وليلتين عليه يوم كطيط الرخام)).
18- /: وحدثني أسد بن موسى، عن الوليد بن مسلم، عن خليد بن دعلج، عن الحسن أنه ذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب الجنة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها تتكلم، وتكلم، فتفهم: انفتحي، انغلقي، فتفعل.(1/10)
ما جاء في موضع الجنة اليوم، ويوم القيامة
19- حدثنا عبد الملك قال: حدثني أسد بن موسى، عن سعيد بن الحجاج، عن مجاهد قال: البحر المحيط من وراء السماوات والأرض، مظلم لا تجري فيه جارية وقعره إلى الأرض السابعة، وجهنم من تحته، ومن ورائه، والجنة من وراء ذلك كله محيطة، فلذلك كان الصراط على جهنم.
قال عبد الملك: وبلغني أن الليل، والنهار، والجنة والنار من وراء السماوات، والأرض فيما بين أقطار السماوات، والأرض، وبين العرش مثل تفسير مجاهد في الجنة، والنار.
20- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن مهدي بن ميمون، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام قال: الجنة في السماء، والنار في الأرض.
21- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن رضي الله عنه في قول الله تعالى: {في جنةٍ عاليةٍ} قال: في السماء، وفي قوله تعالى: {في مقعد صدقٍ} يعني: الجنة، {عند مليكٍ مقتدرٍ}، قال: عند الله في السماء.
22- قال عبد الملك/، وليس يعني الحسن في تفسير هذا، ولا عبد الله بن سلام في قولهما: ((الجنة في السماء هذه السماء القادة علينا اليوم، لأن هذه السماء، والسماوات التي فوقها تزول يوم القيامة، وتطوى كما يطوى السجل للكتاب، فتكون في قبضة الله، كما قال الله تعالى: {يوم نطوي السماء}، {والسماوات مطويات بيمينه}، و((هي سبع سماوات بعضها فوق بعض)) بين الأرض، والسماء خمسمائة عام، وبين السماء، والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، ثم هكذا ما بين كل سماء إلى سماء، مسيرة خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي، والعرش خمسمائة، فالسماوات، والأرض، والخلق كلها في جوف الكرسي، والكرسي في جوف العرش، والعرش محيط بذلك كله قد خرج عن(1/11)
الكرسي، والسماوات يميناً، وشمالاً على الهوى حيث لا أرض، ولا سماء، لا يصف أحد قدره.
23- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ((يا أبا ذر ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في ترس، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ملقاة بأرضٍ فلاة، ففضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، وما السماوات السبع في الهوى حيث لا أرض، ولا سماء إلا كفسطاط ضربتموه في صحرائكم هذه/ يرى ذلك الفسطاط كل من في الصحراء)).
قال عبد الملك: والجنة فوق السماء السابعة فيما بينها وبين العرش، ألا ترى أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة، وقد قال الله في كتابه في إسرائه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {ولقد رءاه نزلةً أخرى. عند سدرة المنتهى} الآية.
24- ولقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، وما رأيت السدرة يغشاها ليلة أسري بك؟ قال: ((رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب، ورأيت ورقها كآذان الفيلة، ورأيت تمرها كقلال هجر))، فلقد أعلمنا الله عز وجل، أن الجنة المأوى هنالك فوق السماء السابعة، وتحت العرش، وإنما سميت جنة المأوى، لأن أرواح المؤمنين تأوي إليها.
قال عبد الملك، ثم الجنة بجميع ما فيها من جناتها ذاهبة في الهوى الذي تحت العرش من وراء السماوات، وخارجاً عنها يميناً، وشمالاً، والعرش سماء الجنة كلها، وهو من ياقوتة حمراء ليس بين الجنة، والعرش سماء غير العرش ألا ترى في قول الله تعالى: {في مقعد صدقٍ} يعني الجنة {عند مليكٍ مقتدرٍ} يعني عند الله، والله فوق عرشه، وهو تفسير قوله: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} يعني الجنة، ويعني بالسماء الاستعلاء الذي فوق السماء السابعة فيما بينهما، وبين العرش، ثم هي ذاهبة/ في الهوى محيطة بالسماوات حيث لا أرض، ولا سماء إلا العرش.(1/12)
قال عبد الملك: فإذا كان يوم القيامة، وبدلت السماوات والأرض كما قال الله، جذب الله الجنة جذبة فتجذب بما فيها من الجنات حتى تملأ الهوى الذي كانت فيه السماوات قبل أن تبدل، ثم لا يكون بينها وبين العرش سماء إلا العرش الذي هو اليوم، ويومئذ سماء الجنة فهو قوله تعالى: { وأزلفت الجنة للمتقين} يعني قربت إلى موضع السماوات اليوم، ويصير عرضها يومئذٍ عرض السماوات والأرض قبل أن يبدلا كما قال عز وجل في كتابه: {وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} وأما الأرض فتبدل بأرض من فضة، ثم درجاتها عالية إلى العرش، والعرش سماؤها كلها.
قال عبد الملك: وأما تفسير قوله تعالى: {خالدين فيها} يعني في الجنة ما دامت السماوات والأرض، يعني أرض الجنة، وسماء الجنة بعد أن بدلتا بالعرش، وبأرض الفضة، وإنما سماء العرش سماوات لاتساعه وامتداده، وعظمته، وأنه لا يصف أحد قدره، هكذا سمعت أهل العلم يقولون في هذا كله.
ما جاء في صفة قصور الجنة، ومساكنها
25- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى وغيره، عن ابن لهيعة/ عن بكرة بن سوادة، عن هاني بن معاوية، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن في الجنة قصراً لا يدخله إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو إمام عدل))، ثم قال عمر: ما شاء الله أما النبوة، فقد ختمها الله، وأما الشهادة فأنى لي بها، وأما إمام عدل، فإن شاء الله، ثم رفع يديه، وقال: اللهم ارزق عمر ذلك.
26- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن في الجنة نهراً حوله البروج والمروج، فيه سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف بيت لا يدخله إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو حكم عدل.(1/13)
27- قال: وحدثني أسد بن موسى، وغيره عن ابن لهيعة، وإسماعيل بن عياش، عن معبد بن خالد، عن كعب الحبر أنه قال: إن في الجنة قصراً فيه سبعون ألف دار في كل دار سبعون ألف بيت، ليس فيها قصم، ولا وصم، ولا وصل قائمة على قضيب الياقوت يدخله النبي، والصديق، والشهيد، والإمام العدل، والمحكم في نفسه.
قال عبد الملك: وتفسير المحكم في نفسه الأسير الذي يخير بين الكفر والقتل، فيختار القتل.
28- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهرم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: ((دار المؤمن في الجنة من لؤلؤة واحدة، فيها أربعون قصراً، وفي وسطها شجرة تنبت بالحلل منطقة باللؤلؤ، والمرجان)).
29- قال: وحدثني أسد بن موسى، وغيره عن إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن شفي بن ماتع قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها من الرقة والحسن أعدها لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وألان الكلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل، والناس نيام)).
30- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن الليث بن عبد الله بن جعفر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قصور الجنة ظاهرها ذهب أحمر، وباطنها زبرجد أخضر، وأبرجها ياقوت، وشرفها لؤلؤ)).
31- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل مؤمن في الجنة تسعة قصور من قصور الجنة، قصر من فضة شرفه ذهب، وقصر من ذهب شرفه فضة، وقصر من لؤلؤ شرفه ياقوت،(1/14)
وقصر من ياقوت شرفه لؤلؤ، وقصر من زبرجد شرفه ياقوت، وقصر من ياقوت شرفه زبرجد، وقصر من نور يكاد يذهب بالأبصار، وقصر لا تدركه الأبصار، وقصر على لون العرش/، وكل قصر مائة فرسخ في مائة فرسخ، ولكل قصر منها ألف مصراع)).
32- قال: وحدثنا أسد بن موسى، عن أخيه، عن الضحاك عن مزاحم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة تلقى كل رجل منهم ملك، فيأخذ بيده حتى يأتي به إلى قصر من فضة شرف بالذهب حوله الأشجار والأنهار، بين كل شرافتين غلام يناديه: مرحباً بسيدنا، ومولانا، فيدخله إلى القصر، فينظر ما أعد الله له، ثم يأخذ بيده حتى يأتي به إلى قصر من لؤلؤ مشرف بالياقوت حوله الأشجار والأنهار، بين كل شرافتين غلام يناديه: مرحباً بسيدنا، ومولانا، فيأخذه، فيدخله القصر، فيريه ما أعد الله له، ثم يأخذ بيده، حتى ينتهي به إلى قصر من زبرجد مشرف بالياقوت حوله الأشجار والأنهار، بين كل شرافتين غلام له يناديه: مرحباً بسيدنا، ومولانا، فيدخله القصر، فيرى ما أعد الله له هكذا قصراً، فقصراً حتى ينتهي به إلى جميع قصوره، ثم يقول له الملك: يا ولي الله، كل هذه القصور التي رأيت، ودخلت من قصر الفضة إلى هذا القصر كلها لك، وما بينها لك.
33- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن محمد بن أبي عبيد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة عمداً من/ ياقوت عليها غرف من زبرجد لها أبواب مفتحة تضيء كما يضيء الكوكب الدري. قلنا: يا رسول الله من يسكنها؟ قال: المتحابون في الله، والمتآلفون في الله، والمتحدثون في الله)).
34- قال: وحدثني طلق المعافري، عن صمصام بن إسماعيل عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
35- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال: أعطاه ألف قصر في الجنة من لؤلؤ ترابها المسك لكل قصر منها ما ينبغي له.(1/15)
36- قال: وحدثني المغيرة، عن ابن لهيعة عن سريج، عن زهرة بن معبد، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرةً بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة، فقال عمر: يا رسول الله لتكثرن في قصورنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الله أوسع من ذلك)).
ما جاء في صفة خيام الجنة، وقبابها
37- حدثنا عبد الملك قال: حدثني أسد بن موسى، وغيره عن ابن لهيعة عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم /، قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلةً من ينصب له قبة من لؤلؤ، وياقوت، وزبرجد كما بين الجابية وضيعها)).
38- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن روح، عن يزيد، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله سمعت الله تعالى يقول: {حورٌ مقصوراتٌ في الخيام} فما تلك الخيام؟ فقال عليه السلام : ((والذي نفسي بيده إن الخيمة من خيام الجنة لمن لؤلؤة واحدة مجوفة أربع فراسخ في أربع فراسخ مكللة بالياقوت، والزبرجد لها سبعون باباً يعني من الذهب.
39- قال: وحدثنيه أسد بن موسى، عن الفضيل بن عياض، عن هشام بن حسام، عن ابن عباس في قوله تعالى: {حورٌ مقصوراتٌ}: محبوسات.(1/16)
40- قال عبد الملك: وحدثني بعضهم أن في كل خيمة من خيام الجنة التي هي من لؤلؤة مجوفة طولها أربع فراسخ في أربع فراسخ، وفي الارتفاع مثل ذلك سرد عليها من الدر، والياقوت، وعلى كل سرير فرشٌ منضودةٌ ملونةٌ بعضها فوق بعضٍ، وأمام كل سرير طنفسة قد طبقت الخيمة منسوجة بالدر والياقوت والزبرجد في قضبان الذهب، والفضة، وعلى كل سرير زوجة من الحور العين يطفئ نورها نور الشمس مع كل زوجة سبعون جارية، وسبعون غلاماً كما قال الله: {ويطوف عليهم غلمانٌ لهم كأنهم لؤلؤٌ مكنونٌ}، وبين يدي/ كل سرير كرسي من جوهر يرتقي عليه ولي الله حتى يجلس على سريره، فينظر إلى أساس خيمته طريقةً بيضاء، وطريقةً حمراء، وطريقةً خضراء يكاد نورها يغشى نور بصره، ثم يعانق زوجته، ويلتذ بها مقدار سبعين سنة لا تنقطع شهوته، ونهمته، ثم ينتقل عنها إلى غيرها هكذا ما اشتهت نفسه، ولذت عينه أبداً دائماً.
ما جاء في صفة درجات الجنة
41- قال عبد الملك في قول الله تعالى: {وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلاً}، وفي قوله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ} ثم قال: الدرجات هي المنازل، والفضيلات، وإنما معنى الدرجة في الجنة الفضيلة، والمنزلة التي يفضل الله بها بعضهم على بعض على قدر أعمالهم في الدنيا بطاعته، ألا ترى قوله تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعضٍ} يعني في الرزق في الدنيا، وللآخرة أكبر درجات يعني فضيلات، ومنازل، ثم بين ذلك، فقال: {وأكبر تفضيلاً} والدرجات في الجنة، والمنازل التي فضل بها بعضهم على بعض مائة درجة، فأهل كل درجة، ومنزلة، وفضيلة هم رفقاء ليس أنهم رفعاء في المطعم، والمشرب، والمسكن، ولكن لما جمعتهم فضيلة واحدة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ومن يطع الله/ والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} وهم الرفقاء لاجتماعهم في تلك الدرجة، وتلك الفضيلة، وتلك المنزلة.(1/17)
قال عبد الملك: وما بين الدرجة إلى الدرجة الأولى أعني ما بين الفضيلتين كما بين السماء والأرض.
42- حدثني بذلك أسد بن موسى، وغيره عن إسماعيل بن عباس، عن صفوان بن عمرو، عن سريج بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض)).
43- قال: وحدثني أسد بن موسى، وعبد الله بن عبد الحكم، وغيرهما عن ابن لهيعة، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة مائة درجة، لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم)).
قال عبد الملك: وقد سمى الله بعض تلك الدرجات، فمنها الدرجات، ومنها الوسيلة، ومنها عليون. وعليون: قائمة العرش اليمنى.
44- وحدثني أسد بن موسى، عن محمد بن حازم، عن عمرو بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ركب الرجل من أهل عليين أشرف ما تحته من الجنة كلها حتى يقول من تحته من الجنة: لقد ركب اليوم رجل من أهل عليين)).
45- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الفضيل بن عياض،/ عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليرون أهل الدرجات العلى كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء)).
46- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن الليث بن سعد، عن عمرو مولى المطلب، عن المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراؤون في الجنة كما يرى الكوكب الشرقي من الكوكب الغربي، وذلك لتفاضل الدرجات)).
47- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل الباجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين(1/18)
السماء والأرض، وإن الرجل من أهل الجنة ليرفع بصره، فيلمع له نور يكاد يخطف نور بصره، فيقول: ما هذا ما ظننت أن البرق في الجنة، فيقال له: هذا نور أخيك فلان فيقول: أخي فلان كنا نعمل في الدنيا جميعاً، وقد فضل علي هكذا، فيقال: إنه كان أحسن منك عملاً، قال: ثم يجعل الله في قلبه الرضى حتى يرضى)).
48- قال: وحدثني النقي، عن أسماء، عن ابن زيد، عن محمد بن كعب القرظي قال: يرون أهل الجنة في الجنة كهيئة البرق، فيقولوا: أيكون في الجنة برق، فيقال لهم: هذا رجل من أهل عليين قد خرج من غرفة إلى غرفة.
49- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: ((الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، في كل درجة منها سيد منهم يرون له الفضيلة عليهم، والسؤدد فيهم)).
50- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عمران بن يزيد، عن أم الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: ((عدد درج الجنة على عدد سور القرآن، فمن قرأ من القرآن شيئاً، قيل له: اقرأ، وارق، يعني: ارتفع في الفضيلة حتى ينتهي ما معه من القرآن، فمن قرأ القرآن كله، وعمل به كان من الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً)).
51- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم عن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أريت الجنة فإذا فيها درجة لم أر في الجنة أحسن منها، فسألت جبريل عنها، فقال لي: هذه الوسيلة، ولم يعطها أحد، ونحن نرجو أن تعطاها فمر أمتك يسألوا الله لك الوسيلة)).
52- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الوسيلة أرفع درجة في الجنة فسلوا الله أن يؤتيها على الخلق كلهم يوم القيامة)).(1/19)
53- قال: وحدثنا إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة، عن موسى بن وردان أن رسول الله/ صلى الله عليه وسلم قال: ((من سأل لي الوسيلة، فأكثر حلت له شفاعتي يوم القيامة)).
ما جاء في تسمية الجنات، وصفاتها
حدثنا عبد الملك قال: خلق الله الجنة يوم خلقها، وخلق فيها سبع سماوات، وفضل بعضها على بعض، وهي دار السلام، ودار الجلال، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، فهذه سبع جنات في داخل الجنة، واسم الجنة جمعهن، وقد سماها الله عز وجل في كتابه بالجنة، فقال: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض} يعني الجنة كلها بما فيها، وقال في موضع آخر: {جناتٍ تجري من تحتها الأنهار} فجمعها.
54- وقد حدثني مطرف عن مالك أن فتى من الأنصار يقال له: حارثة استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فبلغ أم الفتى بالمدينة مصابه قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع إليها النساء ليبكينه معها، فقالت لهن: لن أبكي حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسأله أفي الجنة هو أم في النار؟ فإن كان في الجنة لم أبكه، وإن كان في النار، فسترين بكائي عليه، فلما سمعت بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم خرجت إليه، فلقيته، فقالت: يا رسول الله أقتل حارثة؟ قال: نعم. قالت: فأين هو/ يا رسول الله أفي الجنة أم في النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا أم حارثة إنها جنان كثيرة، وإن حارثة في أعلاها))، فقالت: لن أبكيه أبداً)).
قال عبد الملك: فدار الجلال، ودار السلام منسوبتان إلى الله عز وجل، وأما جنة عدن، فإنها أوسط الجنة وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنات، وقد ذكر ابن عباس، وسعيد بن المسيب أنها دار الرحمن التي فيها عرشه، وأن الجنات حولها، فأفضلها، وأشرفها أقربها إليها.
55- حدثني بذلك أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال: جنة عدن التي بها الرب تبارك وتعالى، وموضع عرشه تبارك الله رب العالمين.
قال عبد الملك: وأما جنة المأوى، فهي التي تأوي إليها أرواح المؤمنين إذا قبضت، وأما جنة الخلد، وجنة النعيم، والنعيم، والخلود خصهما الله بهذين الاسمين، وكل الجنات خلود ونعيم، وأما جنة الفردوس فالفردوس الكروم، والأعناب، وهي في جبل عالٍ في الجنة من شجر أنهار الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((سلوا الله الفردوس، فإنها سرة الجنة، وأعلى الجنة منه تتفجر أنهار الجنة، وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش)).
56- وحدثني ابن موسى، عن الفرج/ بن فضالة، عن لقمان بن عامر قال: سئل أبو أمامة عن الفردوس؟ فقال: هي سرة الجنة.
57- وحدثني علي بن معبد، عن عبيد الله بن عمر، عن يحيى بن أبي أنيسة، عن ابن عباس أنه سأل(1/20)
كعباً عن الفردوس، فقال: هي الكروم بالسريانية.
58- وحدثني أسد بن موسى، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم قال: الفردوس: الكروم، والأعناب.
59- وحدثني أسد بن موسى، عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: الفردوس جبل في الجنة تنفجر منه أنهار الجنة.
قال عبد الملك: والفردوس الكروم، والأعناب في جبلٍ عالٍ منه تتفجر أنهار الجنة، وهو سدة الجنة، وأعلى الجنة، كما قال: جاءت هذه الآثار.(1/21)
60- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن مسلمة بن علي، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينظر الجبار عز وجل إلى الفردوس في سحر كل ليلة، فيقول: ازدادي طيباً إلى طيبك قد أفلح المؤمنون)).
61- قال: وحدثني ابن عبد الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((جنة عدن أعظم من الجنة بتسعمائة ألف جزء، ودار السلام أعظم من عدن بتسعمائة ألف جزء)).
ما جاء في صفة أنهار الجنة، وأشربتها
62-/ قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن ثوبان بن عطاء، عن قرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وتخرج من جبال المسك)).
63- قال: وحدثني معاذ بن عبد الحكم، عن مقاتل، عن يزيد الرقاشي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنهار الجنة تجري في غير أخدود أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، وعيونها كذلك تجري على رضراض الدر، والياقوت، وطين الأنهار من مسك أذفر تجري للرجل منهم عيونه، وأنهاره حيث يشتهي يشير بإصبعه في قصور من الدر، لو حل بأحدهم أهل الدنيا من الجن والإنس لأوسعهم طعاماً، وشراباً وحللاً لا ينقصه ذلك شيئاً)).
64- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كعب أنه قال: النيل من أنهار العسل في الجنة، والفرات من أنهار الخمر في الجنة، وسيحان من أنهار الماء في الجنة، وجيحان من أنهار اللبن في الجنة، وذكر أن محله معهم.(1/22)
65- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الكوثر نهر في الجنة حافاته من ذهب، وهو يجري على الدر، والياقوت/ وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل)).
66- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، عن قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} فقالت: نهراً في الجنة حافاته فتات الدر، والياقوت المسحوق، عليه من الآنية عدد النجوم.
67- قالت: وحدثني المكفوف، عن العلاء، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حوضي ما بين صنعاء إلى الأردن ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، حافاته فتات الدر، والياقوت، وحصباؤه اللؤلؤ، وترابه المسك الأذفر، فيه أقداح كعدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً)).(1/23)
68- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يزيد بن عطاء، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} {يسقون من رحيقٍ مختومٍ. ختامه مسك} قال: الرحيق: الخمر في الجنة من أشرف خمر الجنة، وقوله: مختوم يعني مختوم على آنيته بخاتم من مسك كما يختم أهل الدنيا على آنية شرابهم بطين، كان ابن عباس يقرؤها خاتمة على سان الخاتم، وإنما معناه الختم عليه، كما يختم على الشراب.
قال عبد الملك: وهو أحسن ما سمعت فيه، وقد سمعت قولاً كثيراً.
69- وقد حدثني أسد/ بن موسى في تفسير {ختامه مسكٌ} عن ابن مسعود أنه كان يقول: خلطه مسك، وأن قتادة كان يقول: عاقبته مسك أي آخره.
قال عبد الملك: وكل ما قال هؤلاء هو فيه بلا شك خلطه مسك، وطعمه مسك ورائحته مسك، وأوله مسك، وآخره مسك في طيبه وطيب رائحته، غير أنه ليس تفسير الكلمة بعينها إلا الختام ختام الشيء، ألا ترى أنه عز وجل قال في كتابه: {مختومٍ} فكيف ينصرف معنى الخلط، والطعم، والريح، وآخره إلى مختوم هذا لا يمكن في تصرف الكلمة إنما تفسيره على ما قال ابن عباس.
قال عبد الملك: وأما قوله: {ومزاجه من تسنيمٍ} قال: تسنيم عين من ماء، أشرف عيون ماء في الجنة، يمزج فيها لأصحاب اليمين، وهم جماعة أهل الجنة، ويشرب منها المقربون يعني صرفاً غير ممزوج، كذلك قاله ابن عباس، وابن مسعود في تفسيرهما، وقاله الحسن، وقتادة، وغيرهما.
قال عبد الملك: وأما قوله تعالى: {إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً. عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً} فهي الكأس ها هنا الخمر من خمر الجنة، وقوله تعالى: {كان مزاجها كافوراً} فالكافور ها هنا اسم عين من عيون الماء في الجنة سماها الله تعالى كافوراً ثم بينها، فقال: {عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً}/ وكان قتادة يقول في تفسير تفجيرها: إن أحدهم يومئ إليها بإصبعه حيث يريد أن يسلك فتتبعه.(1/24)
قال عبد الملك: وأما قوله تعالى: {وكأسٍ من معينٍ لا يصدعون عنها ولا ينزفون} فالكأس أيضاً ها هنا الخمر مثل التي فوقها، وقوله: {من معين} يقول: ليست من عصارة العنب، ولا مما يعصر بالأيدي والأرجل كما تكون خمر الدنيا، ولكنها من معين مما يتفجر من جبل الفردوس كما تتفجر ماء العيون والأنهار، وكذلك قال في الآية الأخرى: {وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير} وقوله: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} فمعناه لا يصيبهم منها صداع، ولا سكر كما يصنع خمر الدنيا، والنزيف السكران، ومثله قوله في الآية الأخرى: {يطاف عليهم بكأسٍ من معين. بيضاء لذةٍ للشاربين} وكذلك خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن، وأما قوله: {لا فيها غولٌ} أي لا يصيبهم منها وجع يعني بالغول وجع البطن: {ولا هم عنها ينزفون} يقول: لا يسكرون منها.
قال عبد الملك: وأما قوله تعالى: {وكأساً دهاقاً} فهي الكأس بعينها التي يشرب بها، والدهاق الممتلئة المترعة. كذلك قال ابن عباس، وقتادة، وغيرهما.
قال عبد الملك في قول الله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} قال: صفة الجنة التي وعد المتقون فيها: {أنهارٌ من ماءٍ غير ءاسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير/ طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى} فأما قوله: {من ماءٍ غير ءاسنٍ} يعني غير كدر، ولا متغير وأنهار من لبن لم يتغير، لم يخرج من ضروع المواشي، وأنهار من خمر لم يعصرها الرجال بأقدامهم، وأنهار من عسل لم يخرج من بطون النحل.
70- قال عبد الملك: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في كل قصر من قصور الجنة أربعة أنهار: نهر من ماء معين، ونهر من خمر معين، ونهر من لبن معين، ونهر من عسل معين، ولا يشرب منها حتى يمزج بالعيون التي سماها الله تعالى التسنيم، والزنجبيل والسلسبيل، والكافور، وهي التي يشرب بها المقربون منها صرفاً)).(1/25)
71- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ولولا أن الله تعالى قضى على أهل الجنة أنهم يتنازعون الكأس بينهم ما رفعوه عن أفواههم لذاذة)).
72- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى: {وسقاهم ربهم شراباً طهوراً} قال: ((إن آخر شراب يشربه أهل الجنة على إثر طعامهم وشرابهم ماءٌ يقال له الطهور إذا شربوا منه هضم طعامهم وشرابهم حتى يشتهوا الطعام والشراب، فهذا دأبهم أبداً)).
73- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الحسن بن دينار، عن زاذان، عن علي رضي الله عنه قال: لما سري برسول/ الله صلى الله عليه وسلم ، أصبح يحدث عن الكوثر، فقال رجل من المنافقين لرجل من المؤمنين: سله سله، فإنا لم نر نهراً إلا له نبت فما نباته؟ فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((جندل اللؤلؤ، والياقوت، والزبرجد)) فقال له المنافق: سله سله، فإنا لم نر نهراً إلا له حماة فما حماته؟ فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((حماه المسك الأذفر)).
74- قال: وحدثني علي بن معبد، عن أبي إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ليس من يوم إلا وهو ينزل في الفرات مثاقيل من بركة الجنة.
ما جاء في آنية أهل الجنة
قال عبد الملك في قول الله تعالى: {يطوف عليهم ولدانٌ مخلدون. بأكوابٍ وأباريق} قال: الولدان المخلدون هم الذين لا يموتون، والأكواب واحدها كوب من المكوكبات، وهي القصار الأعناق القصيرة العرى، والأباريق واحدها إبريق، وهي المستطيلة الطويلة الأعناق الطويلة العرى. قال: ومثله قوله تعالى: {ويطاف عليهم بآنيةٍ من فضةٍ وأكوابٍ كانت قواريراً. قواريراً من فضةٍ} فالآنية: الأقداح، والأكواب التي تشرب لك، وقوله تعالى: {كانت قواريراً. قواريرا من فضةٍ}(1/26)
فالقوارير الزجاج، يعني ذلك الزجاج من فضة، فاجتمع فيها صفاء الزجاج في بياض الفضة، وهي من فضة.
75- هكذا حدثني/ أسد بن موسى، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة في تفسير ذلك كله.
76- وحدثني ابن عبد الحكم، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو أخذت فضة من فضة الدنيا، فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم تر الماء من ورائها، ولكن آنية الجنة من فضة في صفاء القوارير، وبياض الفضة.
قال عبد الملك: وأما قوله: {قدروها تقديراً} فإنها قدرت على قدر أكف الخدم، وعلى قدر ري الشارب بها لا تعضل عنه، ولا تنقص من مبلغ شهوته، ولا زيادة فيها، ولا نقصان مما يحب.
77- كذلك حدثني أسد بن موسى، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والقرظي، وعبد الله بن عمير الليثي في تفسير ذلك كله.
ما جاء في طعام أهل الجنة، وأكلهم
78- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن النضر بن معبد، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن سلام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول طعام أهل الجنة؟ فقال: ((كبد الحوت)).
79- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن مالك بن أنس أنه سمع أنه أول ما ينزل لأهل الجنة حوت، وثور يظل الثور نافشاً في الجنة يأكل من شجر الجنة ويظل الحوت سابحاً في أنهار الجنة، فإذا دخل أهل الجنة الجنة/ دعي بالثور والحوت فيلعبان لأهل الجنة بكل لعبة، ويتعاركان جميعاً يلذذان أهل الجنة، ثم يضرب الثور الحوت بذنبه، ويضرب الثور الحوت بقرنه، فيصير ذلك ذكاةً لهما، ثم يأكلون من لحومهما ما اشتهوا يجدون في لحومهما طعم كل شيء في الجنة.(1/27)
80- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليأخذ اللقمة فيجعلها في فيه، ثم يخطر على باله طعام آخر فتتحول تلك اللقمة على التي تمنى)).
81- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم، عن شهر بن حوشب، عن كعب قال: إن أحدهم ليختلف على مائدته سبعين ألف صحفة من ذهب.
قال عبد الملك: وبيان ذلك في كتاب الله تعالى حيث يقول: {يطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكوابٍ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون}.
82- قال: وحدثني المكفوف، عن أيوب بن حوط، عن قتادة في قول الله عز وجل: {ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً} قال: إنما هما ساعتا الغداء والعشاء، وليس ثم بكرة، ولا عشاء.
ما جاء في خلاء أهل الجنة
83- قال عبد الملك: حدثني عبد الله بن موسى، عن الأعمش، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم قال: جاء يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم / فقال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، فقال: ((نعم، والذي نفسي بيده إن الرجل ليعطى مثل قوة مائة رجل في الأكل، والشرب، والشهوة، والجماع)) فقال اليهودي: إن الذي يأكل، ويشرب تكون له الحاجة، والجنة مطهرة، فقال عليه السلام : ((إنما حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده كريح المسك، فإذا بطنه قد ضمر)).
84- وحدثني أسد بن موسى، عن الفضيل بن عياض، عن الأعمش، عن ثمامة، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأكل أهل(1/28)
الجنة فيها ويشربون، ولا يتغوطون ولا يبولون، إنما ذلك جشأ وريح مسك، ويلهمون الحمد، والتسبيح كما يلهمون النفوس)).
85- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن خالد الحداء، عن نفيع مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلاً قال: يا رسول الله هل يخلو أهل الجنة؟ فقال عليه السلام : ((يأكلون، ويشربون حتى إذا امتلأت بطونهم ناداهم منادٍ هنيئاً لكم شهوتكم، فيرشحون عند ذلك رشحاً كريح المسك لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يتمخطون)).
86- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: ((جشأ أهل الجنة كريح المسك، وهو مكان الخلاء، وعرقهم كريح المسك، وهو مكان البول)).
ما جاء في طير الجنة، وأكل أهل الجنة منه
87- قال عبد الملك: حدثني عبد الله بن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((طير الجنة كالجزر العظام، للطير منها سبعون ألف ريشة، لكل ريشة منها لون ليس يشبه الآخر إذا اشتهى الرجل منها شيئاً أتي به، فوضع في صحفة، فانتفض فوقع منه تسعون لوناً من طعام، ومصنوع من لحمه من بين قديدٍ، وسليقٍ، وشواء، وألوان شتى طعمها أطيب من المن، ولبنها ألين من الزبد وبياضها أنصع من المخض، فإذا انقطع شهوة أحدهم صار صحيحاً حياً، ولم ينقص منه ريشة بإذن الله، فطيرهم، ودوابهم ترعى من رياض الجنة حول قصورهم)).(1/29)
88- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن الليث، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لأبي بكر.
89- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليكون جالساً فيمر به الطير من طير الجنة، فيدعوه، فيأكل من إحدى جانبيه قديداً، ومن الجانب الآخر شواء، فإذا/ قضى حاجته منها طار)).
ما جاء في صفة أشجار الجنة، وثمارها
90- قال عبد الملك بن حبيب: حدثني ابن عبد الحكم، وأسد بن موسى، وعلي بن معبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((طوبى شجرة في الجنة لو سار الراكب المحث في ظلها مائة عام لم يقطعها، ولم يخرج من ظلها، ولو طاف بأصلها لم يبلغ فرعها حتى يبيض شيباً، وإن ورقها من الجنة فيها من ألوان الثمار، وألوان الطيور، وما من دار في الجنة إلا عليها غصن من أغصانها بما فيه من ألوان الفاكهة، وألوان الطير، لو أن أمة من الأمم كانت تحت ورقة من ورقها لأظلتهم، زهرها رياض، وورقها برود، وبطحاؤها الدر والياقوت، وترابها المسك، والكافور، والعنبر، ومن أصل تلك الشجرة تنبع أنهار الجنة، وهو مجلس من مجالس أهل الجنة، ومتحدث لهم)).
91- قال عبد الملك: وزادني عن إسماعيل بن أبي أويس في الحديث، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن زياد مولى ابن مخزوم، عن كعب أنه قال: غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لترى من وراء سور الجنة.
92- قال عبد الملك: وزادني عبد العزيز الأوسي في الحديث عن محمد بن عبد الله بن عمير الليثي عن أبيه، عن جده أنه قال: أصلها في دار محمد صلى الله عليه وسلم ، لم يخلق الله زهرةً، ولا لوناً إلا وهو/ فيها إلا السواد، وليس في الجنة دار إلا(1/30)
وغصن منها على تلك الدار تنبت بالحلي، والحلل، ويخرج من ساقها عينان السلسبيل، والكافور، ولو أن رجلاً شاباً ركب قلوصاً وأراد أن يطوف بأصلها ما بلغ مكانه الذي ركب منه حتى يقتله الهرم.
93- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى، ثم طوبى لمن آمن بي، ولم يرني، فقال له رجل: وما طوبى يا رسول الله؟ قال: شجرة في الجنة يقال لها طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها بطحاؤها ياقوت أحمر، وترابها مسك أبيض، ووحلها عنبر أشهب، وكثيبها كافور أصفر، وسررها زبرجد أخضر، وأفنانها سندس، وإستبرق، وزهرها رياض صفر، وورقها برود خضر، ووحلها حلل صفر، وصمغها زنجبيل، وغصونها زعفران. والسحوج يتأجج منها من غير وقود يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل، والمعين، والرحيق، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة، ومتحدث لجميعهم.
94- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الفضيل بن عياض، عن ليث بن سليم، عن مجاهد بن عباد بن عمير قال: إن في الجنة شجرةً لها ضروع كضروع البقرة يقرأها الولدان لأهل الجنة الذين كان أصغار البكرة.
95-/ قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نخل الجنة نضدها ما بين أصله إلى فرعه، وثمره كالقلال كلما نزعت منه ثمرة عادت مكانها ثمرة طول العذق منها اثنا عشر ذراعاً، وأنهار الجنة تجري في غير أخدود)).
96- قال: وحدثنيه ابن المغيرة، عن مسعر بن كدام بن عمر بن مرة، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود.
97- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الأشعب، عن سعيد بن جبير، عن(1/31)
ابن عباس قال: نخل الجنة جذوعها ذهب أحمر، وكرنها زبرجد أخضر، وشماريخها در أبيض، وسعفها الحلل، ورطبها كمثل قلال هجر أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد ليس فيه شيء من عجم، طول العرق اثنا عشر ذراعاً منضود من أعلاه إلى أسفله أمثال القلال، لا يؤخذ منه شيء إلا أعاده الله كما كان.
98- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن أبي وكيع الجراح بن مليح، عن أبي إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده إن أهل الجنة ليتناولون من قطوفها، وهم متكئون على فرشهم فما تصل إلى في أحدهم حتى يبدل الله مكانها أخرى)).
99- قال: وحدثني أسد/ بن موسى، عن أسباط بن محمد عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد في قول الله تعالى: {مدهامتان} قال: خضروان ينحوان من شدة وزنها إلى السواد {فيهما عينان نضاختان} قال: ينضخان بكل خير. قال عبد الملك: وينضخان مثل تحان الماء. النضاخ هو الثجاج.
100- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن في قول الله تعالى: {وفاكهةٍ كثيرةٍ. لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ} قال: إن ثمار الدنيا لها زمان تكون فيها، ثم تنقطع، وإن ثمار الدنيا لها من يمنعها، وإن ثمار الجنة لا تمنع فهذا قوله: {لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ}.
قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة عن الحسن في قول الله تعالى: {سدرٍ مخضودٍ}. قال: هو اللين الذي لا شوك فيه، وسدر الدنيا له الشوك. وقوله: {وطلحٍ منضودٍ} قال: الذي بعضه فوق بعض، والطلح هو الموز.
قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة عن الحسن في قول الله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به(1/32)
متشابهاً} قال: يشبه بعضه بعضاً في فخره، وطيبه كله خيار لا رذل فيه، آخره مثل أوله، وأوله مثل أخره.
101- وحدثني أسد بن موسى، عن المعلى بن هلال، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: الطلح: الموز.
102- قال: وحدثني أسد بن/ موسى، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، قال: إن الرجل من أهل الجنة ليأخذ البسرة، فيأكل من ناحيتها بسراً، ثم يحولها فيأكل من الناحية الأخرى عنباً، ثم يحولها، فيأكل من الناحية الأخرى تمراً لا يقع في نفسه ذكر شيء من الثمار يشتهيه إلا صار له فيها.
قال عبد الملك: وبلغني أنه ليس في الدنيا شيء مما ذكره الله في الجنة إلا الأسماء، فأما أن تكون على هيئة فلا، إلا أنه أول ما أنزل الله إلى الدنيا فمن الجنة، ثم حالت حاله في الدنيا، وبقيت أسماؤه، وبلغني أن الله أهبط على آدم من الجنة إلى الأرض ثلاثين ثمرة أتاه جبريل بغراسها، عشر يؤكل ظاهرها وباطنها، وعشر يؤكل ظاهرها، ولا يؤكل باطنها، وعشر يؤكل باطنها، ولا يؤكل ظاهرها.
103- قال عبد الملك: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فروع شجر الجنة ذهب، ومنها ورق، ومنها ياقوت، ومنها زبرجد، وسعفها مثل ذلك. وورقها كأحسن حلل رآه أحد، وثمرها ألين من الزبد وأحلى من العسل في كل شجرة منها ألوان من الثمار، ليس منها لون على طعم الآخر، إذا اشتهى أحدهم شيئاً من تلك الألوان انحنى ذلك الغصن الذي فيه تلك الثمرة التي اشتهى حتى يتناولها بيده كيف ما شاء، إن شاء قائماً، أو قاعداً، أو متكئاً، وإن شاء فتح لها فاه حتى تدخل في فيه/ فإذا أخذ منها شيئاً أحدث الله تبارك وتعالى أحسن منها، وأطيب)).
104- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من شجر الجنة ما يثمر، ومنها ما لا يثمر، ولكن لها أكمام فيها المسك، والكافور)).(1/33)
ما جاء في أول من يدخل الجنة، وأكرمهم على الله
105- قال عبد الملك: وحدثني مطرف عن ملك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا أول من يقرع باب الجنة)).
106- قال: وحدثني المغيرة، عن مسعر بن كدام، عن عبد الله بن ميسرة، عن كعب أنه قال: أول ما يأخذ بحلقة باب الجنة، فتفتح له هو محمد رسول الله ، وأمته، ثم قرأ كعب آية من التوراة أخر ما قرأ منا.
107- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن مثله.
108- قال: وحدثني مطرف، وأسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: أول من يدخل الجنة محمد رسول الله.
109- قال: وحدثني مطرف بن أبي حازم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجنة محرمة على النبيين حتى أدخلها، ومحرمة على أمم النبيين حتى تدخلها أمتي)).
110- قال: وحدثني مطرف، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن الآخرون، ونحن السابقون)).
111- قال: وحدثني معاذ بن الحكم، عن مقاتل، عن/ شرحبيل، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنتم تؤتون سبعين أمة أنتم آخرها، وخيرها)).(1/34)
112- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن مهدي بن ميمون، عن عمر بن سعاف قال: كنا عند عبد الله بن سلام يوم الجمعة فقال: إن أفضل الأيام يوم الجمعة، وإن أكرم الخلق على الله محمد رسول الله، فقلت: يرحمك الله، فأين الملائكة؟ فضحك، ثم قال: وهل الملائكة إلا خلق كخلق السحاب، أو كخلق الريح، أو كخلق الجبال، إن أكرم الخلق على الله محمد رسول الله، إذا كان يوم القيامة ووضع الجسر جاءت النبيون على مراكزها فيكون أولهم مركزاً نوح عليه السلام، وآخرهم مركزاً محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يجيء منادٍ فيقول: أين محمد، وأمته؟ فيجيئون حتى يأخذوا الجسر، فينجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصالحون، ويسقط من يسقط، فإذا جاوزوا الجسر تلقتهم الملائكة تنزلهم منازلهم على يمينك على يسارك، ثم ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستأذن على الله تعالى، فيؤذن له، فيدخل، فيوضع له كرسي على يمينه، ثم يجيء منادٍ، فينادي أين عيسى، وأمته؟ فيجيئون، حتى يأخذوا الجسر، فينجو عيسى عليه السلام، والصالحون معه، والذين اتبعوه على الإسلام الذين لم يبدلوا، ولم يغيروا، ويسقط من يسقط، فإذا/ جاوزوا تلقتهم الملائكة تنزلهم منازلهم على يمينك على يسارك، ثم ينطلق عيسى نبي الله، فيستأذن على الله، فيؤذن له، فيدخل، فيوضع له كرسي على يمينه، ثم يقول المنادي: أين موسى ثم النبيون كذلك حتى يكون آخرهم نوح عليه السلام ومن آمن معه.
113- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهرم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن أكرم عند الله من الملائكة الذين عنده)).
114- قال: وحدثني هارون الطلحي، عن عبد الرحمن بن يزيد عن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قالت الملائكة ربنا خلقت بني آدم يأكلون، ويشربون، ويتلذذون، وخلقتنا لا نأكل ولا نشرب، ولا نتلذذ، فاجعل لهم الدنيا، ولنا الآخرة، فقال: لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن ، فكان)).(1/35)
قال عبد الملك: فالمؤمن من بني آدم أكرم على الله من الملائكة، وذلك قوله تعالى في كتابه: {إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}، والبرية الخلق.
115- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أبعث يوم القيامة في أول زمرة تخرج من الأرض، وأدخل/ الجنة في سبعين ألفاً من أمتي لا يحاسبون، وأرفع من أعلى درجة في الجنة ليس فوقي إلا الملائكة الذين يحملون العرش)).
116- قال عبد الملك: وحدثني عبيد الله بن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي يوم القيامة معي من أمتي مثل الليل، والسيل، فتقول الملائكة: ما جاء محمد من أمته أكثر مما جاء مع سائر الأنبياء)).
117- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: ((أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة))، فكبر القوم، فأنزل الله تعالى: {ثلةٌ من الأولين} {وثلةٌ من الآخرين}.
118- قال: وحدثني عبد الله بن موسى، عن علقمة بن مرثد، عن عبد الله بن يزيد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهل الجنة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون)).
119- وحدثني ابن المغيرة، عن ميد بن علي، عن عامر الشعبي أن(1/36)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون)).
120- قال: وحدثني علي بن معبد عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الله استقل أهل الجنة إلى أن بعث عيسى ابن مريم، فلذلك بعث محمداً صلى الله عليه وسلم / وإن أهل الجنة عشرون، ومائة، ثمانون منها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وليبقين يوم القيامة منازل من الجنة لم يسكنها أحد حتى ينشئ لها خلقاً يسكنوها.
121- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة فيبقى منها ما شاء الله أن يبقى فينشئ الله خلقاً مما يشاء)).
ما جاء في سوق أهل الجنة إلى الجنة
قال عبد الملك بن حبيب في قول الله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} قال: تتنزل عليهم الملائكة بهذه البشرى في موطنين، عند نزول الموت، وعند خروجهم من قبورهم للحشر إلى ربهم، فتتلقاهم الملائكة بهذه البشرى، يقولون لهم: لا تخافوا، ولا تحزنوا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، يعني بالقرآن في الدنيا، فيقولون لهم: من أنتم رحمكم الله؟ فيقولون: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون، فيقولون: من عند من رحمكم الله؟ فيقولون: نزلاً من غفور رحيم، فيتلقونهم بالكساء، فيكسونهم لأن الناس كلهم إنما يحشرون عراة مشاة كما خرجوا من قبورهم، فيكرم الله أولياءه العاملين بطاعته بهذه البشرى، وهذه الكرامة، / فيكسونهم عند خروجهم من قبورهم، ويجعلونهم على نجائب الجنة، وخيل الجنة فيحشرون مكسيون ركباناً، والملائكة معهم يبشرونهم بكل خير، ويسوقوهم إلى منازلهم من الجنة فذلك قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين(1/37)
إلى الرحمن وفداً} يعني: ركباناً، ولا يكون الوافد إلا راكباً، ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً يعني عطاشاً ذائبة ألسنتهم من العطش، فذلك قوله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً} يعني جماعة الأول فالأول، على قدر مسارعتهم إلى طاعة الله في الدنيا، كما قال الله عز وجل في كتابه: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}.
122- قال عبد الملك: فحدثني أسد بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن جده، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً} قال: تسوقهم الملائكة الذين تلقوهم بالبشرى من الله، وبالكساء، والنجائب حتى إذا انتهوا إلى باب من أبواب الجنة وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فعمدوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة، فلن تتغير أبصارهم بعدها أبداً كأنما دهنوا بالدهان، ثم عمدوا/ إلى الأخرى كأنما أمروا بها، فشربوا منها، فأذهب الله ما كان في بطونهم من أذى، أو قذى، أو غل، أو حسد، أو غمز، وتلقتهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون لهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين.
123- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن السري، عن ابن يحيى، عن عبد الكريم بن رشيد قال: ينتهون أهل الجنة إلى الجنة، وإنهم ليتلاحظون تلاحظ النيران، فإذا دخلوها نزع الله ما في صدورهم من غل، وصاروا إخواناً على سرر متقابلين.
124- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، وأسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والثانية كأشد كوكب في السماء إضاءةً قلوبهم على قلب رجلٍ واحد لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، ولا تحاسد)).(1/38)
125- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عافية بن يزيد، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله تبارك وتعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً} قال علي: أما والله ما يحشرون على أقدامهم كما يحشر الناس، ولكنهم يؤتون بنوق ما رأى الخلائق مثلها قط، رحائلها الذهب، وأزمتها الزبرجد ثم يسيرون، حتى يقرعون/ باب الجنة.
126- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم عن وهب بن منبه، عن محمد ابن الحنفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تأتيهم الملائكة يقودون نجباً مزمونة بأزمة من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارةً، وحسناً عليها الرحائل من الياقوت الأبيض مضيئة بالذهب الأحمر، والمرعوي الأبيض مختلطتان الحمرة بالبياض لم ير الراؤون مثلها حسناً ذللاً من غير مهانة، نجباً من غير رياضة)).
127- قال: وحدثني ابن المغيرة، عن العرزمي، عن عطية العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً} قال: ركباناً على نجائب الجنة يتلقون بها عليها من الكسوة ما الله به أعلم، ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً. قال: عطاشاً دابغة ألسنتهم كالكلاب يلهثون.
ما جاء في دخول أهل الجنة الجنة
128- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن جده، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عاصم بن مضرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة تلقى كل رجل منهم غلمانه يطوفون به فعل الولدان بالحميم، جاء من الغيبة أبشر فقد أعد الله لك من الكرامة كذا. وأعد لك من الكرامة)).
/ قال: وينطلق غلام من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين، فيقولون:(1/39)
هذا فلان يسمونه باسمه المسمى به في الدنيا، فيقلن: أنت رأيته؟ فيقول: نعم، فيستخفهن الفرح حتى يخرجوا إلى أسكه باب القصر، قال: فيجيء فيدخل، فإذا بنمارق مصفوفة، وأبواب موضوعة، وزرابي مبثوثة، وينظر إلى تأسيس بنيانه، فإذا هو قد أسس على جنادل اللؤلؤ بين أصفر، وأخضر، وأحمر، وأبيض من كل لون، ثم يرفع بصره إلى سقفه، فلولا أن الله قدره له لأذهب نور بصره، إنه لمثل البرق، وينظر إلى أزواجه من الحور العين، ويتكئ على أريكة من أرائكه، ثم يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون.
129- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سعيد بن دبي، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة تلقى كل رجل منهم الملك الذي كان يكتبه عمله، فيدخله منازله في الجنة يأخذ بيده، ثم يقول له: تعال يا ولي الله حتى أريك ما أعد الله لك من الكرامة فيسير به مسيرة ألف عام في جنان وقصور، وخيام، وأشجار، وأنهار يلقاه ملك فيقول له السلام عليك يا ولي الله/ ورحمة الله وبركاته، فيقول: وعليك السلام من أنت يا عبد الله؟ ما رأيت أطيب ريحاً، ولا أحسن منظراً منك، فيقول له: أنا قهرمان من قهارمتك، ومن بعدي لك أفضل مني، ثم يستقبله ملك آخر، فيقول له: السلام عليك يا ولي الله، ورحمة الله وبركاته، فيقول: وعليك السلام من أنت يا عبد الله؟ فما رأيت أطيب ريحاً، ولا أحسن منظراً منك، فيقول: أنا قهرمان من قهارمتك، ومن بعدي لك أفضل مني، فلا يزال يستقبله قهرمان بعد قهرمان حتى يستقبله قهرمان يسلم عليه، ثم يرجع يبشر الحور بمجيئه، فلولا أن الله قال: مقصورات في الخيام، لخرجن فرحاً، ولولا أن الله ثبتها لخرجت نفسها، فإذا انتهى إلى باب قصره، وعليه ستور من طرائف حلل الجنة، ثم يبعث الله ريحاً، فتزول الستور يميناً وشمالاً، لا يمسها بيده فيدخل قصره، ثم يأتي خيمته من درة مجوفة فتستقبله الحوراء بالمعاطفة، والمصافحة، ثم وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم تنعمه معها، وانتقاله من حوراء إلى حوراء، وما يصل إليه من كرامة الله)).(1/40)
130- قال: وحدثني علي بن معبد، عن المعتم بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إذا دخل الرجل من أهل الجنة أخذ بيده الملك الذي كان يكتب صالح عمله، فيقول له: تعال يا ولي الله حتى أريك ما أعد الله لك من/ الكرامة، فيستقبل به قصراً من فضة، وشرفه من ذهب فيه عشرة آلاف غلام مثل اللؤلؤ المكنون معهم الحلي، والحلل، وآنية الفضة، وأكواب الذهب لا يكبرون، ولا يهرمون، فيدخلونه، فيرى ما أعد الله له من الكرامة، فيهوي، يريد أن ينزل، فيقول له الملك الذي معه: ما تريد؟ فيقول: أريد أن أنزل إلى كرامة الله، فيقول له الملك: تقدم، فإن لك هذا وأكثر منه، فيسير، فيرفع له قصراً من ذهب شرفه فضة فيه عشرة آلاف غلام مثل اللؤلؤ المكنون معهم الحلي، والحلل، وآنية الفضة، وأكواب الذهب لا يكبرون، ولا يهرمون، فيدخل، فيرى ما أعد الله له من الكرامة، فيريد أن ينزل، فيقول له الملك: ما تريد يا ولي الله؟ فيقول: أريد أن أنزل إلى كرامة الله، فيقول: تقدم فإن لك هذا، وأفضل منه فيسير، فيرفع له قصر من در شرفه الياقوت فيه عشرة آلاف غلام مثل اللؤلؤ المكنون معهم الحلي، والحلل، وآنية الفضة، وأكواب الذهب في كل قصر من هذه القصور الأزواج، والخدم والأنهار كما قال الله تعالى، فيدخل فيرى ما أعد الله له من الكرامة، فيريد أن ينزل، فيقول له الملك: ما تريد؟ فيقول: أريد أن أنزل إلى كرامة الله، فيقول له الملك: تقدم، فإن لك هذا وأفضل من هذا، فما يزال كذلك من قصر إلى قصر حتى ينتهي به إلى قصر من/ نور فيه عشرة آلاف غلام مثل اللؤلؤ المكنون معهم الحلي، والحلل وآنية الفضة، وأكواب الذهب عليهم أوصاف جميع أهل الدنيا من الجن، والإنس لأوسعهم من أدنى قصوره، وعلى كل قصر قهرمان عليه من البهاء، والنور ما شاء، فيرحبون به في كل قصر، ويصنعون به من اللطف والترحيب كما كان يصنع بالحميم في دار الدنيا، وقد سبق أول الخدم إلى الأزواج، فيبشرونهن بدخوله الجنة، وتقول الزوجة منهن: أنت رأيته بعينك؟ فيقول: نعم، فتقول: فلان بن فلان بعينه؟ فيقول: نعم نعم فيستخفها الفرح شوقاً إليه، فيلتقيان على باب القصر هذا من والج، وهذا من خارج، ثم تأخذ، فترحب به حتى يجلس على سريره.
131- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن شعبة بن الحجاج، عن مجاهد في قول الله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} قال: يعرفون منازلهم منها حين(1/41)
يدخلونها، فإذا دخلوها كانوا بها أعرف من أحدكم بمنزله في الدنيا إذا انصرف من الحمة قاله ابن عباس.
ما جاء في أهل الأعراف، وتفسير الأعراف
حدثنا عبد الملك بن حبيب في قول الله تعالى: {وبينهما حجاب} يعني الجنة، والنار، وهو السور المضروب بين الجنة والنار، حيث يقول عز وجل في كتابه: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين/ ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} يعني: النار، فهو الحجاب، وهو السور وهو الأعراف الذي قال الله عز وجل: {وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم}، وهم قوم من المسلمين يحبسون على ذلك السور الذي سماه الله الأعراف، وسماه الحجاب حتى يقضي بين الناس، ويصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، ثم يصيرون إلى الجنة برحمة الله، وهم صنفان: صنف قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم قتلهم في سبيل الله من النار، ومنعهم معصية آبائهم من الجنة، وصنف استوت حسناتهم وسيئاتهم فجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة فيحبسون على الأعراف، وهو السور المضروب بين الجنة والنار حتى يقضى بين الناس، وقوله: {يعرفون كلاً بسيماهم} يعرفون من دخل ببياض وجهه، ونضارة لونه، وحسن خلقه، ويعرفون من دخل النار بسواد وجهه، وزرقة عينيه، وقبح حاله، فإذا نظروا إلى أهل الجنة، قالوا: سلام عليكم، قال الله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون}، يعني في دخولها، {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. ونادى أصحاب الأعراف/ رجالاً يعرفونهم بسيماهم} يعني بسيما أهل النار، قالوا: {ما أغنى عنكم جمعكم} يعني في الدنيا، {وما كنتم تستكبرون} يعني عن عبادة الله، وعلى أولياء الله، {أهؤلاء} يعني أهل الجنة {الذين أقسمتم}، يعني في الدنيا {لا ينالهم الله برحمةٍ}، انقضى كلامهم، ثم قال لهم الله عز وجل: {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
قال عبد الملك: فها هنا دخلوها، والحمد لله رب العالمين هكذا حدثني أسد بن موسى، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في تفسير ذلك كله.(1/42)
132- وحدثني أبو إسحاق الشامي، عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، عن عطية، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن، {فضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} هو السور الشرقي باطنه بيت المقدس وما يليه، وظاهره وادي جهنم، وما يليه.
133- قال: وحدثني أبو الحسن الشامي، عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس الشرقي فبكى، فقال له بعضهم: وما يبكيك يا أبا الوليد؟ فقال: من ها هنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم.
قال عبد الملك: معنى ذلك إذا برزت كما قال تعالى: {وبرزت الجحيم للغاوين}، ومنتهاها إلى ذلك السور الشرقي {وإذا الجنة أزلفت} للمتقين، يكون/ منتهاها من ناحية الغرب من ذلك السور.
ما جاء في آخر من يدخل الجنة
134- حدثنا عبد الملك قال: حدثني مطرف، عن أبي حازم، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأعرف آخر من يدخل الجنة، قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: رجل يخرج من النار لا يسأل الله إلا الظل، فترفع له شجرة ظليلة فيقول: يا رب أظلني تحت هذه الشجرة، فيقال له: فلعلك تسأل غيرها، فيقول: لا، فيظله الله تحتها، ثم يرفع له شجرة أحسن من شجرته وأظل، فيقول: رب أظلني تحت هذه الشجرة، فيقال له: أولم تقل: لا أسألك غيرها؟ فيقول: أي رب لا أسألك غير هذه بعد، فيظله تحتها فيرفع له شجرة أظل، وأحسن من شجرته، فيظله تحتها، ثم يفتح له باب من الجنة، فينظر إلى ما فيها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقال له: أولم تقل: لا أسألك بعدها شيئاً، فإلى متى لا تفي بما تقول؟ فيقول: أي رب الجنة لا أسألك غيرها، فيدخله الجنة، فيأتي منزله من لؤلؤة واحدة لها سبعون باباً كل باب منها غاصٌ بالملائكة يحيون ذلك الإنسان)).(1/43)
135- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن سعيد دري قال: حدثني ثابت البناني، وهو يبتسم، قال: حدثني جبريل، وهو يبتسم، قال: إن آخر من يدخل/ الجنة ممن لم يصر إلى النار لرجل يقال له: يا عبد الله مر على الصراط، فيمر، فتزول قدم، ويستمسك بالأخرى، وتزول يد، ويستمسك بالأخرى، والنار تأخذ منه، وترميه بشررها، وتلدغه بلهيبها كلما أصابه منها شيء ضرب بيده عليه، حتى ينجو منها برحمة الله تعالى، فيرفع له جدار أمامه، فيقول: يا رب أخرجتني من النار برحمتك، فبلغني هذا الجدار برحمتك، حتى لا أرى جهنم، ولا أسمع لها حسيساً، قال: فيأتيه ملك فيقول له: يا ابن آدم لعلك تسأل ما وراءه، فيقول: لا، وعزة الله، ثم ترفع له شجرة أمامه، فيقول: يا رب أخرجتني من النار برحمتك، وبلغتني هذا الجدار برحمتك، فبلغني هذه الشجرة برحمتك أستظل إليها فيأتيه الملك، فيقول له: يا ابن آدم أما عاهدت ربك ألا تسأل ما وراء الجدار، فلعلك تسأل ما وراء الشجرة، فيقول: لا، وعزة الله، فيقول له: قم فيأتي الشجرة، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة أمامه، فيقول: يا رب أخرجتني من النار برحمتك، وبلغتني الجدار برحمتك، وأظللتني تحت هذه الشجرة برحمتك، فأدخلني الجنة برحمتك، فيأتيه الملك، فيقول: يا ابن آدم أما تستحي من ربك؟ أما عاهدت ربك ألا تسأل ما وراء الشجرة؟ قم فيأتي به باباً من أبواب الجنة، وعلى يمينها عين، وعلى/ يسارها عين فيغتسل من إحداهما، فتذهب حرقته، ويرجع لونه على ألوان أهل الجنة، ويشرب من الأخرى، فيذهب الله ما في قلبه من غل، أو غش، أو حسد، ثم يأتيه الملك، فيقول: يا ابن آدم مكانك حتى يأتيك إذنك من ربك، فيقوم، وينتظر، وينظر يميناً، وشمالاً، فيأتيه الملك، فيقول له: قم فادخل الجنة، برحمة الله، ثم يأتيه ملك من عند الله، فيقول له: إن ربك يقول: إني قضيت لمن دخل الجنة أن له فيها ما اشتهت نفسه، فاسألني منها ما شئت أعطيك ما لو نزل بك أهل الأرض من يوم خلقتهم إلى يوم أفنيهم، وعشرة أضعافهم لأطعمتهم، ولأسقيتهم، وحليتهم، وكسوتهم لا ينقص ذلك مما أعطيتهم شيئاً، فيقول: رب أتهزأ بي، وأنت رب العزة؟ فيقول الله عز وجل: لا يا عبدي ما أتهزأ بك، ولكني قادر على ما شئت إذا أردت أمراً، فإنما أقول له كن، فيكون.(1/44)
136- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن آخر من يدخل الجنة، وهو أدناهم درجة لعبد يزحزح عن النار، فيرفع له جدار، فيقول: يا رب اجعلني تحت ظل هذا الجدار أكون تحته وأستظل بظله، فيقول الله تعالى: أعطوا عبدي ما سأل، ثم يرفع له باب من/ أبواب الجنة فيقول: يا رب اجعلني على باب الجنة، أنظر إلى أهل الجنة، فيقول الله تعالى: أعطوا عبدي ما سأل فإذا نظر إلى أهل الجنة لم يتمالك، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله الكريم: أدخلوه الجنة، فإذا دخل قيل له: إن من دخلها فله ما اشتهت نفسه ولذت عينه، فسأل ما شئت، فيسأل، ويعطى، ويسأل فيعطى، ويسأل، فيعطى حتى تنقطع مسألته، فيقول له: لك ما سألت، وعشرة أمثاله، قال: فيفرح لذلك فرحاً لولا أن الموت دفع عنهم لمات من فرحه)).
137- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عبد الرحمن بن صفوان، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آخر من يدخل الجنة من الأمم الماضية ثلاث نفر، لم يكن لهم كثير عمل صالح، أما أحدهم فإنه لما حضره الموت قال لأهله: إذا مت فأحرقوا جسدي، ثم ذروا رمادي في يوم شديد الريح، فقال الله له: يا عبدي ما حملك على ما صنعت؟ وهو أعلم بما حمله على ذلك، فقال: يا رب شدة فرقي منك، فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة، لشدة فرقه مني، وأما الثاني، فكان يداين الناس، ويرفق، ويتجاوز، فقال الله: أنا أحق بالرفق، والتجاوز أدخلوا عبدي الجنة. وأما الثالث فإنه لما أمر الله به إلى النار، فتوجه به يحول بوجهه إلى الله، فقال:/ يا رب ما كان هذا رجائي منك! فقال الله تعالى: ردوا عبدي إلي، فيردوه، فقال له: وما كان رجاؤك مني؟ فقال: كنت أرجو أن تغفر لي، وترحمني، وتدخلني جنتك! قال الله تعالى: أدخلوا عبدي الجنة، فقال بكفه هكذا أيا رب أتسخر بي، وأنت رب العزة، فأين تدخلني، فوالله ما بقي في جنتك موضع كف إلا وقد أسكنته من قد دخل الجنة، فأنا أين تجعلني؟ فضحك(1/45)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ها هنا، ثم قال: فيقول الله الكريم: اذهبوا بعبدي فأدخلوه الجنة، فإن له كسعة الدنيا كلها)).
ما جاء في أدنى أهل الجنة منزلة
138- قال عبد الملك بن حبيب قال: حدثني أسد بن موسى، عن محمد بن حازم، عن دويد بن أبي فياحة، عن ابن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجلٌ ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر إلى أزواجه، وسرره، وخدمه وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه الله تعالى كل يوم مرتين غدوة، وعشية)).
139- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم، عن عطاء بن عجلان، عن شهر بن حوشب، عن كعب قال: أدنى أهل الجنة منزلة الذي يدخل الجنة مع الملائكة، حتى يأتي قصراً من فضة شرفه أحسن منه، ثم يمشي حتى يأتي قصراً من/ ذهب شرفه أحسن منه، ثم يمشي حتى يأتي قصراً من در شرفه أحسن منه، فيقول العبد: يا رب لمن هذا؟ فيقول: هذا لك فلولا أنه لا يموت لمات فرحاً، ثم يأتي منزله، فيفتح له أربعة آلاف باب من ذهب، وتأتيه أزواجه، وخدمه.
140- قال: وحدثني علي بن معبد، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى ربه في كل يوم جمعة مرة، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى الله في كل يوم مرتين بكرةً، وعشياً)).
141- قال: وحدثني ابن المغيرة، عن العرزمي، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة قال: إن موسى بن عمران عليه السلام سأل ربه فقال: يا رب ما لأدنى عبادك منك نصيباً في الجنة؟ فقال: يا موسى رجل إذا دخل أهل الجنة الجنة(1/46)
وأهل النار النار، فقيل: اذهب، فادخل الجنة، فيقول: سبقني الناس لا آتي منزل أحد إلا طردني عنه، فيقال له: أتعرف من ملوك الدنيا أحداً؟ فيقول: بلى، فيقال له: لك مثل أربعة منهم، فيقول: فلان، وفلان، وفلان، وفلان، فيقول له: لك ما اشتهت نفسك، فيقول ذا، وكذا، فيقال له: لك ما تلذ عينك، فيقول: كذا، وكذا، ثم يقال له: لك، ولك كله، وعشرة أضعافه، قال موسى: يا رب فما لأهل خاصة/ كرامتك؟ قال الله: يا موسى خلقت كرامتهم بيدي، وعملتها بيدي، ثم ختمت على خزائنها ما لم تسمعه أذن، ولم تره عين، ولم يخطر على قلب بشر من عجب ما فيها.
142- وحدثني أسد بن موسى، عن أبي هلال الراسبي، عن عبد الله بن معبد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة، وما فيهم دنا، من يغدو عليه ويروح عشرة آلاف خادم، ما فيهم خادم إلا معه طريقة ليست مع صاحبه.
143- قال: وحدثنا أسد بن موسى، عن المبارك، عن الحسن قال: أدنى أهل الجنة منزلة، وآخرهم فيها دخولاً رجل قد مسه سفع من النار، فيعطى، فيقال له: انظر ما أعطاك الله، فيبلغ حتى ينتهي بصره، ويفسح لهم في أبصارهم، فينظر إلى مسيرة ألف سنة كل له ليس فيه موضع إلا، وهو عامر، قصور الذهب والفضة، وخيام اللؤلؤ، والياقوت، ليس منها قصر إلا وفيه أزواجه، وخدمه يغدى عليه كل يوم بسبعين ألف صحفة من ذهب، ويراح عليه بمثلها في كل يوم في كل واحدة منها ما له ليس في الأخرى يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ولو نزل عليه الإنس، والجن في غداء واحد لأوسعهم ما شاء، ولا ينقص ذلك مما عنده شيئاً.
144- وحدثني أسد بن موسى، عن علي بن معبد، عن المعتم بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن/ بن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث يوماً فذكر أهل الجنة، فقال: ((والذي نفسي بيده لو أن أسفل أهل الجنة درجة للذي يسعى بين يديه سبعون ألف غلام ما منهم غلام إلا وبيده صحفة من ذهب فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها مثله يجد طعم آخرها كما يجد طعم(1/47)
أولها في اللذة لا يشبه بعضه بعضاً))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا تسألوني عن أرفع أهل الجنة درجة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: والذي نفسي بيده إن أرفع أهل الجنة درجة الذي يسعى عليه سبعمائة ألف غلام ما منهم غلام إلا وبيده صحفة من ذهب فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها مثله يجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها لا يشبه بعضه بعضاً، وإن أدنى أهل الجنة منزلةً الذي له مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاها كما ينظر إلى أدناها، وقصوره درة بيضاء، وياقوتة حمراء مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها)).
145- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أدنى أهل الجنة منزلةً لرجلٌ يقال له: تمن، فيتمنى بلسان طلق، وعقل جميع، يقول: أعطني كذا، أعطني كذا حتى إذا لم يجد شيئاً يسأله، فيقال له: قل كذا، وقل كذا فيقال له: هذا لك، وعشرة أمثاله معه)).
146- / قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة لو نزل عليه الجن، والإنس لكان عنده من الكراسي، والفرش والزرابي، والنمارق ما يجلسون، ويتكئون عليه من الموائد، والصحاف، والخدم، والطعام، والشراب، والأباريق ما يفضل عنهم، فإذا أكلوا، أو شربوا انصرفوا، ولم ينقص من الطعام، والشراب شيئاً)).
147- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول زمرة تنجو على صورة القمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضواء نجم، ثم كذلك حتى تحل الشفاعة فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير مثقال ذرة، فيجلسون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يهرقون عليهم من الماء، فينبت أحدهم، ثم يسأل الله حتى يجعل له الدنيا، وعشرة أمثالها)).(1/48)
ما جاء في أعلى الجنة منزلة، وذكر عليين
148- حدثنا عبد الملك بن حبيب قال: حدثني مطرف بن عبد الله، وأسد بن موسى، عن أبي الزناد، عن أبيه عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب/ بشر ذخراً له ما قد أطلعكم الله عليه، يقول: سوى ما قد أطلعكم الله عليه، ثم قال اقرؤوا إن شئتم {فلا تعلم نفسٌ ما أخفى لهم من قرة أعينٍ جزاء بما كانوا يعلمون}.
149- قال: وحدثني إسحاق بن صالح، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة أقواماً من أهل عليين يركبون إذا شاؤوا خيلاً من ياقوت أحمر لها أجنحة من لؤلؤ أبيض سرجها من زبرجد أخضر لها أرواح تطير بهم في الجنة حيث شاؤوا، فيقول الذين تحتهم في الجنة: يا رب العزة بم فضلت هؤلاء علينا، وقد قلت في كتابك: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} فبم قصرت بنا عن هؤلاء؟ فيقول الجبار تبارك وتعالى: إن هؤلاء كانوا يقاتلون، وتجبنون، وينفقون وتبخلون، ويظمؤون، وتروون، ويسهرون، وتنامون، فكان جزاؤهم ما ترون قال: ثم يجعل الله الرضا في قلوبهم فيرضوا بما هم فيه، وتلذ به أعينهم)).
150- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن الليث بن سعد، عن عبد الله بن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الغرف العلا لينظر إلى الذين تحته، فيشرق لنوره كل شيء كما تشرق الأرض للشمس إذا طلعت)).
151- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن فطر بن خليفة، عن عطية(1/49)
العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراؤون أهل عليين، كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر، وعمر منهم، وأنعما)).
152- قال: وحدثني المكفوف، عن أيوب، عن حوط، عن قتادة أن كعباً قال: عليون قائمة العرش اليمنى.
153- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن مالك بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الغرف العلى ليرى في الجنة كما يرى الكوكب الدري العابر في الأفق الغربي، أو الشرقي، فقيل: يا رسول الله تلك منازل لا ينالها إلا الأنبياء، فقال: بلى، والذي نفسي بيده، وقوم آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين)).
154- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليرفع بصره فيرى مملوكه أرفع درجة منه، ثم يجعل الله في نفسه الرضا، فيرضى)).
ما جاء في صفة أهل الجنة، وصفة قصورهم، وحسنهم
155- قال عبد الملك: حدثني مطرف، عن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة صغارهم وكبارهم على سن واحد، جعداً مرداً بيضاً مكحلين ذوي أفانين أبناء ثلاث وثلاثين سنة لا يزيدون عليها أبداً على سن عيسى، وحسن يوسف، وقلب أيوب/ وائان محمد صلى الله عليه وسلم ، وطول آدم، أمثال النخلة السحوق، ستين ذراعاً في سبعة أذرع)).
156- قال: وحدثني أسد بن أيوب، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.(1/50)
157- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن البصري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
قال: وحدثني أصبغ بن الفرج، عن سليمان بن حسان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
158- قال: وحدثنا الطلحي، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أسلم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم، عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يدخل الجنة يخلد، ولا يموت، وينعم فلا يبؤس، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، لا يؤتى أحدهم بشيء من الطعام إلا اشتهاه، ولا يشتهي شيئاً إلا أتاه ولا يتمنى على الله شيئاً إلا أعطاه)).
159- قال: وحدثنا الطلحي، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أسلم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
160- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن/ الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة يدخلونها رجالهم ونساؤهم صغارهم وكبارهم من عند آخرهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة على طول آدم: ستين ذراعاً، الله أعلم بأي ذراع! جعداً جرداً مرداً بيضاً يأكلون، ويشربون ولا يبولون، ولا يتغوطون إنما هو جشاء كريح المسك، ويلهمون الحمد، والتسبيح كما يلهمون النفس، والنساء عرب أتراب لا يحضن، ولا يلدن، ولا يتمخطن، ولا يبلن، ولا يقضين حاجة ليس فيها قدر)).
161- قال: وحدثني مطرف، عن ابن أبي حازم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة مشورون بالذهب والفضة، مكللون بتيجان الدر والياقوت، شباب ناعمون بيض مكحلون جعد ذوو(1/51)
أفانين أبناء ثلاث وثلاثين سنة، عليهم ثياب السندس والإستبرق، ليس منهم أحد إلا وفي يده ثلاثة أسورة، سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ، فذلك قوله تعالى في كتابه: {يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسهم فيها حريرٌ} ويوضع على رأسه تاج الملك من نور، ودر، وياقوت، وأسفل من ذلك الإكليل، بعضها على لون الدر، وبعضها على لون القمر، وبعضها/ على لون الشمس، وبعضها على لون البرق وبعضها على لون النور تتلألأ، وبعضها يكاد يذهب بالأبصار)).
162- قال: وحدثني معاذ بن الحكم، عن مقاتل، عن عبيد الله بن عبيد بن عمير، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهل الجنة جرد مرد جعد بيض مكحلون مسودون مخدمون مسرورون ناعمون محبورون مكرمون يعطى أحدهم قوة مائة رجل في الجماع، ويجد لذة جماعه مقدار أربعين سنة قد ألبس الله وجوههم النور، وأجسادهم الحرير الأبيض، بيض الألوان، صفر الحلي، خضر الثياب)).
163- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن [ما] يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض ولو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم)).
164- قال: وحدثني علي بن معبد، عن حماد بن عمر، عن ليث بن أبي سليم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهل الجنة جرد مرد إلا موسى بن عمران عليه السلام، فإن لحيته تضرب إلى صدره، قال: وكلهم يسمون/ بأسمائهم إلا آدم عليه السلام، فإنه يكنى أبا محمد.(1/52)
ما جاء في صفة نجائب أهل الجنة، وخيلهم، ودوابهم
165- قال عبد الملك بن حبيب قال: حدثني من أثق به، عن سعيد بن طريف، عن زيد بن علي، وحسين بن علي، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها، ومن أسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة بالدر، والياقوت ذوات أجنحة لا تبول، ولا تروث، يركبها أولياء الله من أهل عليين، فتطير بهم حيث ما شاؤوا من الجنة، فيناديهم الذين أسفل منهم: ناصفونا يا إخواننا، يقولون لرب العزة ما بلغ هؤلاء هذه الكرامة التي لم نبلغها نحن، وهم في جنتك، فيقال لهم: إنهم كانوا يقومون الليل، وكنتم تنامون، وكانوا يصومون، وأنتم تأكلون، وكانوا يتصدقون وأنتم تبخلون، وكانوا يجاهدون وأنتم تجبنون، فكان جزاؤهم ما ترون، قال: ثم يجعل الله في قلوبهم الرضا بما هم فيه، فيرضون، وتقر أعينهم)).
166- قال: وحدثني علي بن معبد، عن المعتم بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن أسباط، أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رجل أحب الإبل فهل في الجنة إبل؟/ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فيها إن دخلتها لك ناقة من ياقوتة حمراء، وزمامها من زمرد، أخضر ألين من الحرير تركبها، فتذهب بك من الجنة حيث شئت))، وقال أعرابي آخر: يا رسول الله، إني أحب الخيل، فهل في الجنة خيل؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فيها إن دخلتها، لك فرس من ياقوت أحمر تركبه، فيذهب بك من الجنة حيث شئت)).
167- قال: وحدثني ابن الماجشون، وغيره، عن محمد بن أبي حميد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني رجل من أهل الخيل، فهل في الجنة خيل؟ قال: ((أي، والذي بعثني بالحق لها سروج ولجم من ذهب، وأجنحة من ذهب تطير براكبها، حيث أحب من الجنة، ثم قام آخر، فقال: يا رسول الله: إني رجل من أهل الإبل، فهل في الجنة إبل؟ فقال: ((إي(1/53)
والذي نفسي بيده، مثل النجم لها أرجل وأزمة، وأجنحة من ذهب تخل براكبها حيث أحب من الجنة))، ثم قام آخر، فقال: يا رسول الله: إني رجل من أهل نخيل، فهل في الجنة نخل؟ فقال: ((أي والذي بعثني بالحق إن في الجنة نخلاً جذوعها، وجرائدها وكرانيفها، وعراجينها، وشماريخها، وأقماعها من ذهب، وسعفها كأحسن حلل، وتمرها كالقلال ألين من الزبد وأحلى من العسل))، ثم قام آخر، فقال: يا رسول الله إني رجل من أهل البادية/ فهل في الجنة بادية؟ فقال: ((أي والذي بعثني بالحق إنهم ليبتدون على كثبان المسك، والياقوت حيث أحبوا من الجنة، ثم قام آخر فقال: يا رسول الله، إني رجل أحب السماع، فهل في الجنة من سماع؟ فقال: ((أي، والذي بعثني بالحق إن الله ليأذن لشجر الجنة، فتسبحه، وتكبره، وتهلله بأحسن أصوات سمعها الخلائق)).
168- قال: وحدثنا الكلبي، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
قال: وحدثني علي بن معبد، عن أبي بكر بن عباس، عن علقمة بن مرثد قال: أتى أعرابيون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: يا رسول الله إني أحب الخيل، فهل في الجنة من خيل؟ فقال له: ((إن دخلت الجنة، ثم تشاء أن تركب فرساً من ياقوتة حمراء تطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت. فقال آخر: يا رسول الله فيها إبل، فإني أحب الإبل؟ وقال آخر: فيها سماع، فإني أحب السماع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون)).
169- قال: وحدثني ابن عبد الحكم، عن الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال أن رجلاً قال لابن عباس: إني رجل أحب النزهة، فهل في الجنة نزهة؟ فقال: نعم إن شئت إلى حيث شئت، قال: إلى أحسن ما في الجنة، قال: نعم إن شئت/، ثم تلا هذه الآية: {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ}.(1/54)
170- قال: وحدثني عبد الله بن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دواب الجنة خلق من ياقوت أبيض)).
ما جاء في سوق الجنة
171- قال عبد الملك: حدثني عبد الله بن عبد الحكم، عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي قال: أنبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة رضي الله عنه، فقال له أبو هريرة: جمع الله بيننا، وبينك في سوق الجنة، فقال له سعيد: يا أبا هريرة، وفي الجنة سوق؟ قال: نعم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الجنة سوقاً حفت به الملائكة فيها [ما] لم تره العيون، ولم يخطر على القلوب، ولم تسمعه الآذان، فيحملون منه ما اشتهوا، وفي تلك السوق يلقى بعضهم بعضاً حتى إن الرجل منهم ليلقى من هو فوقه، فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي تعجبه، حتى يتمثل عليه من اللباس مثله، أو ما هو أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها كما قال الله تعالى.
172- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن محمد بن حازم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة سوقاً ما فيها بيع، ولا شراء/ ولهم فيها ما اشتهت أنفسهم وفيها الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخلها، وإذا اشتهى لزوجته صورة ركبت له فيها، وإن فيها مجتمع الحور العين يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الطاعمات فلا نجوع أبداً، ونحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الكاسيات فلا نعرى أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن خيرات حسان أزواج قوم كرام طوبى لمن كنا له، وكان لنا)).
173- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سلمة بن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لأهل الجنة سوقاً فيها(1/55)
كثبان المسك يأتونها كل جمعة فتهب عليهم ريح الجنوب، فتثير المسك في وجوههم، وثيابهم، فيزدادون طيباً، وحسناً، وجمالاً، فيقولون لهم: وأنتم قد زادكم الله طيباً، وحسناً، وجمالاً)).
174- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة سوقاً فيها كثبان المسك أشد بياضاً من الثلج، فإذا دخلها أهل الجنة أرسل الله عليهم ريحاً يقال لها: المثيرة، فتثير عليهم ذلك المسك، فينصرفون إلى أزواجهم، ولهم ريح طيبة، وألوان مشرقة ما خرجتم بها من عندنا، فيقولون: وأنتم، والله قد/ ازددتن عندنا طيباً، وحسناً، وجمالاً، فيناديهم ملك من عند الرحمن كذلك أنتم يا عباد الله وأولياءه، يجدد لكم نعمته، وكرامته كل وقت)).
175- قال: وحدثني المغيرة، عن مسعر بن كدام، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول أهل الجنة بعضهم لبعض: انطلق بنا إلى سوق الجنة، فينطلقون إلى كثبان من مسك، فيتبطحون عليها، ويتحدثون)).
176- قال: وحدثني عبد العزيز الأويسي، عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة سوقاً يمثل فيها لأهل الجنة الصور الحسان فإذا أحب أحدهم منها صورة تحول فيها، ثم يرجع إلى زوجته، فإذا رأته قالت: يا ولي الله ما رأيتك قط أحسن منك اليوم، فأين كنت؟ فيقول: كنت مع أولياء الله في سوق الجنة جمع الله لنا فيها الصور الحسان فتحول كل امرئ منا فيما أختار لنفسه، فاخترت الصورة التي أنا فيها، فكيف تريني يا ولية الله؟ فتقول: يا ولي الله ما رأيت قط أحسن منك اليوم، ويقول هو: والله يا ولية الله ما رأيت قط أحسن منك اليوم، فتقول: يا ولي الله، فإن الله تعالى بعث إلينا بعدك بحلل من حلل الجنة، وصورني هذه الصورة، فكيف تراني يا ولي/ الله؟ فيقول: ما رأيت قط أحسن منك اليوم)).(1/56)
177- قال: وحدثني عبد الله بن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة لسوقاً ليس فيها بيع، ولا شراء، فيها الحلل، والسندس، والإستبرق، والحرير، والرفرف، والعبقري، والدر، والياقوت، والأكاليل المعلقة، فيأخذون من ذلك ما اشتهت أنفسهم لا ينقص ذلك منها شيئاً، وفيها صور كصور الرجال من أحسن ما يكون مكتوب في نحر كل صورة منها من تمنى أن يكون حسنه على صورتي جعل الله صورته على حسني، من تمنى أن يكون حسن وجهه على صورتي جعل الله صورته على حسني، فمن تمنى أن يكون حسن وجهه مثل حسن تلك الصورة جعله الله على تلك الصورة)).
ما جاء في زوار أهل الجنة، ورفع الأدنى إلى الأرفع في درجه
178- قال عبد الملك: حدثني صعصعة بن سلام، عن الأوزاعي عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يزور أهل الجنة الأعلون منهم الأسفلين، ولا يزور الأسفلون الأعلين إلا رجل كان يزور في الله فذلك يزور في الجنة حيث شاء)).
179- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سليمان بن المعتم، عن حميد بن هلال نحو ذلك.
180- قال: وحدثني عبد الله بن عبد الحكم أن رسول/ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليشتاق في الجنة إلى أخ له كان يحبه في الدنيا، فيقول: يا ليت شعري ما فعل فلان أخي –شفقة عليه أن يكون قد هلك- فيطلع الله تبارك وتعالى على ما في قلبه،/ فيوحي إلى الملائكة أن سيروا بعبدي فلان إلى أخيه، فتأتيه الملائكة بنجيبة عليها رحلها من زبرجد، وذهب، فيسلمون عليه، فيرد عليهم فيقولون: يا ولي الله قم، فاركب، فانطلق إلى أخيك فلان فيركب، فيسير به في الجنة مسيرة ألف سنة أسرع من أحدكم إذا ركب نجيبة، فسار عليه، فرسخاً، فإذا بلغ منزل أخيه سلم عليه، فرد عليه أخوه، ورحب به، وأنزله، وأكرمه/.(1/57)
من درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل يمسك منها بين أصبعيه سبعين حلة منطقة بالدر، والياقوت.
ما جاء في طيب أهل الجنة
181- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهل الجنة رشحهم المسك، وأمشاطهم الذهب، وآنيتهم الفضة، والسحوج يتأجج لهم من غير وقود، يعني به العود الهندي)).
182- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق عمر بن ميمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تربة الجنة مسك أذفر، وحشيشها الزعفران، ووحلها عنبر، وكثبانها الكافور)).
183- قال: وحدثني مطرف عن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا هبت الجنوب في الجنة أثارت كثبان المسك)).
184- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن إسماعيل بن عباس، عن أبان، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس في الأرض طيب من الجنة إلا الزعفران، والحناء)).
185- قال: وحدثني علي بن معبد، عن يوسف بن يعقوب، عن قتادة/، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الحناء سيد ريحان أهل الجنة)).(1/58)
ما جاء في سماع أهل الجنة
186- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن الفزاري، عن علي بن أبي الوليد، عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة شجرة يقال لها الفيض لها سماع لم يسمع السامعون مثله، لم يخلق الله من صوت حسن إلا وهو منها ينعمهم، ويلذذهم بذلك)).
187- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الأوزاعي، عن عبدة، عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة شجرة ثمارها الياقوت، واللؤلؤ، والزبرجد يهب الله لها ريحاً، فيصطفق منها، فما سمع صوت شيء ألذ من صوتها)).
188- قال: وحدثني المكفوف، عن أيوب بن حوط، عن قتادة، عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يبعث الله ريحاً على شجر الجنة، فيصطفق أغصانها بالتسبيح، والتحميد، والثناء على الله بأحسن من أصوات المزامير)).
189- قال: وحدثني ابن المغيرة، عن مالك بن مغول، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أفي الجنة مسمع؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم /، وسكت، وقال: ما سألني عن هذا أحد قبلك، فلما أتاه جبريل عليه السلام سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((نعم إن في الجنة مكاناً يسمى الخير طوله مسيرة مائة عام في عرض سبعين عاماً حافاته ياقوت أحمر، وفي وسطه نهر جاري أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل على حافتيه شجر من الياقوت والزبرجد، ثمرها جواري لم تر الخلائق مثلهن حسناً، فيأتيهن أهل الجنة، فتجلسهم الملائكة على منابر من النور، فيوحي الله تبارك وتعالى إلى أولئك الجواري، فيرفعن أصواتهن بالقرآن، وبتحميد الله، وتمجيده بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلهن قط، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي، فحدثه، ذلك، فقال الأعرابي: وإن هذا لفي الجنة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، فقال الأعرابي: لأدعون إليها قومي.(1/59)
190- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سعيد بن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى: أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم، وأسماعهم عن اللهو في الدنيا، ومزامير الشيطان اجعلوهم في رياض المسك وأسمعوهم حمدي، والثناء علي وأخبروهم أن لا خوف/ عليهم، ولا هم يحزنون)) قال: وحدثني مطرف، وغيره عن ملك، عن محمد بن المنكدر نحو ذلك.
191- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأى أهل الجنة في الجنة ربهم، فأكلوا، وشربوا، وتنعموا قال رب العزة: يا داود مجدني بصوتك الحسن، فيمجده، فلا يبقى شيء في الجنة إلا نصت لحسن صوته ولذاذته، ثم يجيزهم رب العزة بالحلية، والكسوة، ثم ينصرفون إلى أهليهم)).
192- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من رجلٍ من أهل الجنة إلا له مسمعتان يسمعانه من تقديس الله، وتحميده بصوت لم يسمع الخلائق مثله حسناً)).
193- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن شعبة بن الحجاج، عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليقولن للجارية من جواريه من الحور العين إني لأشتهي السماع، وقد وعدنا ربنا أن لنا فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، فتقول له: أنا أسمعك من تحميد الله ما هو أحسن من مزامير الشيطان، فترفع صوتها بالقرآن، وبتحميد الله فيهدأ لذلك مقدار أربعين يوماً من أيام الدنيا/ مما يجد لذلك، ثم تقول بأثر ذلك إذا فرغت نحن الآمنات فلا نخاف أبداً، ونحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الكاسيات فلا نعرى أبداً، ونحن الشواب فلا نهرم أبداً، ونحن الفرحات فلا نحزن أبداً، ونحن الغنيات فلا نحتاج أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام)).
194- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن نساء أهل الجنة ليتغنين عند آخر طعامهم بأصوات لذيذة ممدودة يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الآمنات فلا نخاف أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الكاسيات فلا نعرى أبداً، ونحن الأبكار فلا نمل أبداً، ونحن الشواب فلا نهرم أبداً، ونحن الفرحات فلا نحزن أبداً، ونحن الغنيات فلا نحتاج أبداً، ونحن(1/60)
المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن الطاعمات فلا نجوع أبداً، ونحن خيرات حسان أزواج قوم كرام)).
195- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن إبراهيم النخعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة لنهراً ينبت الله حافاته الحواري حواري لم ير مثل وجوههن حسناً، فيوحي الله إليهن/ أسمعن عبادي تحميدي، وتمجيدي، والثناء علي، فيرفعن أصواتهن بالقرآن، وتحميد الله، وتمجيده، لم يسمع الخلائق مثلهن فيطرب أهل الجنة حتى يقول القائل من أهل الجنة: سبحانك ربنا، وهل في الجنة من طرب ما سمعنا بهذا؟ فيوحي الله إليهم أن الله أذن لكم أن تأخذوا منهن ما شئتم، فلا يشتهي عبد شيئاً إلا أخذ حاجته منهن لا يتغايرون، ولا يتحاسدون، ولا يتباغضون.
ما جاء في جماع أهل الجنة
196- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيطأ أهل الجنة؟ قال: ((نعم، والذي نفسي بيده دحماً بذكر لا يمل وفرج لا يجفأ، وشهوة لا تنقطع، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكراً)).
197- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن محمد بن حازم، عن راشد بن سعد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
198- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الفضيل بن عياض، عن هشام بن حسان، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليجد اللذة، والشهوة، لا ينزلون، وذلك أنه ليس فيها قذر، ولا محيض، ولا غائط، ولا بول، ولا مخاط، ولا بصاق)).
199- قال: وحدثني المكفوف:/، عن أيوب بن حوط، عن قتادة، عن(1/61)
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الشهوة والجماع)).
200- قال: وحدثني علي بن معبد، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليعطى قوة مائة رجل محتلم في الجماع، وما يأتي أحدهم زوجته إلا عذراء، ثم تعود عذراء، فمن شاء منهم أدام الأكل فأمن الكظة، ومن شاء منهم أدام الشراب فأمن الصداع والسكر، ومن شاء منهم لها عنهما فأمن الجوع والظمأ، وإنهم ليأكلون كل يوم مرتين مقدار الغداء، والعشاء في الدنيا، وما يحدثون، إنما يخرج منهم عرق رشحاً فيرشحونه ريحه ريح المسك)).
201- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن أسباط بن محمد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله تبارك وتعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون} قال: افتضاض الأبكار العذارى.
ما جاء في الولد، والجنة
202- قال عبد الملك: حدثني علي بن معبد عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل وزوجته في الجنة ليشتهيان الولد، فما يكون حمله، وولادته وفصاله، إلا كطرفة عين حتى يكون كأنه لؤلؤ مكنون)).
/ ما جاء في المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا
203- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن علي بن يزيد، عن جدعان، عن سعيد بن المسيب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا امرأة أيهما تكون في الجنة؟ قال: ((امرأة الآخر)).(1/62)
204- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن العراب بن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لابنته أسماء، وهي تحت الزبير: أي بنية إن المرأة إذا كان لها زوج صالح، فمات، ولم تتزوج بعده جمع الله بينهما في الجنة.
205- قال: وحدثني علي بن معبد، عن بقية بن الوليد، وعن العوارمي أن أم الدرداء قالت لأبي الدرداء عندما نزل به الموت: إنك كنت خطبتني إلى أهلي في الدنيا، وإني أخطبك إلى نفسك لتكون زوجي في الجنة، فقال لها: إن كنت تريدين ذلك، فلا تتزوجي بعدي، فإنما المرأة لآخر أزواجها في الدنيا.
ما جاء في عدد أزواج أهل الجنة
206- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، وصالح الجهني عن معاوية بن صالح، عن عامر بن حبيب، عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة يوم القيامة/ وجوههم مثل ضوء القمر ليلة البدر لكل رجل منهم اثنتان وسبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء ذلك كله كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء)).
207- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة من له اثنتان وسبعون زوجة)).
ما جاء في صفة الحور العين
208- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(1/63)
((إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيبدو مخ ساقها من وراء لحمها، وعظمها، وحللها كما يبدو الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء)).
قال ابن مسعود: وذلك بأن الله تعالى يقول: {كأنهن الياقوت والمرجان} فلو أخذت سلكاً، فجعلته في ثقب الياقوت أو المرجان، وهو اللؤلؤ الكبير، ثم استطبته لرأيت السلك من ورائه.
209- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: ((لو أن المرأة من الحور العين اطلعت إلى الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض، ولملأت ما بينهما ريح مسك، وإن نصف إحداهن خير من الدنيا وما فيها، وإنهن ليتغنين بهذه الكلمات يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن الطاعمات فلا نجوع أبداً، ونحن الكاسيات فلا نعرى أبداً، ونحن الآمنات فلا نخاف أبداً، ونحن الفرحات فلا نحزن أبداً، ونحن الشواب فلا نهرم أبداً، ونحن الغنيات فلا نحتاج أبداً، ونحن خيرات حسان أزواج قوم كرام طوبى لمن كان لنا، وكنا له)).
210- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سعيد بن المسيب عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليدخل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة، والمصافحة، فيرى وجهه في خدها أصفى من المرآة، ولو أن بعض ثيابها بدا في الدنيا لطمس ضوؤه ضوء الشمس والقمر، ولو أن شعرة من شعرها بدا لملأت ما بين الخافقين من طيب ريحها، فبينما هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه، فيظن أن الله أشرف على خلقه، فإذا بحوراء تناديه/: يا ولي الله أما لنا منك دولة؟ فيقول: ومن أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من التي قال الله: {ولدينا مزيدٌ} فيتحول إليها، فإذا هي فوق الأولى في الجمال والبهاء، فبينما هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله أما لنا منك دولة؟ فيقول: ومن أنت(1/64)
يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفى لهم من قرة أعينٍ جزاء بما كانوا يعلمون} فلا يزال يتحول من حوراء إلى حوراء، ما اشتهت نفسه، ولذت عينه)).
211- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل من أهل الجنة ليتنعم عند زوجته في التكاة الواحدة مقدار سبعمائة عام ما يتحول)).
212- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل الرجل من أهل الجنة على زوجته قالت له: والذي هو أكرمني بك ما في الجنة شيء أحب إلي منك، قال: ويقول هو أيضاً مثل ذلك)).
213- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن عدي بن الفضل، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفس محمد بيده لقاب قوس أحدكم، أو موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها، والذي نفس محمد بيده لنصيف المرأة من نساء أهل الجنة خير من الدنيا، وما فيها/ والذي نفس محمد بيده لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة لملأت الأرض ريح مسك، والذي نفس محمد بيده ما تعدل الدنيا حوتاً ذكراً)).
214- قال: وحدثني علي بن معبد، عن عبد الله بن المبارك، عن صفوان بن عمر، عن سريح بن عبيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً لكعب: بشرنا يا كعب، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن لله ثلاثمائة شريعة، وأربع عشرة شريعة لا يأتي أحد بواحدة منهن مع كلمة الإخلاص إلا أدخله الله الجنة، والله لو تعلمون كل رحمة لأبطأتم في العمل، والله لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من السماء في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض، ولوجد طيب نشرها جميع أهل الأرض، والله لو أن ثوباً من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من نظر إليه، وما حملته أبصارهم.(1/65)
215- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن امرأة من الحور العين أشرفت إلى الأرض لذهبت بنور الشمس، ولو تكلمت في الدنيا لمات الناس عشقاً لكلامها، ولو بصقت في الدنيا بصقة لملأت ما بين الخافقين ريح مسك، ولو بصقت في بحوركم هذه لعذبت، وإن على رأسها لتاجاً له سبعون ركناً منظم بالياقوت، والزبرجد هو أخف على رأسها/ من ريش النعام ينظر إلى مفرق شعرها كأن فيه شعاع الشمس، وإذا ضحكت أو تبسمت لكان اللؤلؤ ينثر من فيها، مرآة كفها، ومرآة زوجها كبدها، وعليها سبعين حلة تستبين من ورائها ومن وراء لحمها وعظمها مخ ساقها كما يستبين الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء)).
216- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: والله الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من الحور العين تطلعت بسوارها إلى الأرض لأطفأ نور سوارها نور الشمس، والقمر، فكيف بالمسورة؟.
217- قال: وحدثني المغيرة، وعلي بن معبد، عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نساء أهل الجنة لا زفرات، ولا مرحات، ولا بخرات، ولا طامحات، ولا يغرن، حور عين كأنهن بيض مكنون)).
218- قال: وحدثني علي بن معبد، عن بقية بن الوليد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تمر السحابة بأهل الجنة، فتقول: يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم؟ فلا يتمنون شيئاً إلا أمطرتهم)) فقال كثير بن مرة: إن الله أشهدني ذلك لأقولن: أمطرنا حوراء.
219- قال: وحدثني/ أسد بن موسى عن الفزاري أن سلمان الفارسي قال: إن الرجل من أهل الجنة ليأتي الشجرة، فيقول لها: تفطري عن جارية كذا، وعن غلام كذا، وكذا، وعن بغلة مسرجة ملجمة، وعن نجيبة براحلتها، فما يسألها شيئاً إلا تفطرت له عنه.
220- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الحسن بن دينار، عن أبي مسلم(1/66)
الخولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة نهراً يقال له: الهرول يخرج من تحت العرش عرضه سبعون عاماً يجري على الدر والياقوت والزبرجد، حافاته حواري من الحور العين، فإذا استوين قياماً ضربت عليهن الملائكة خيام الدر، والياقوت، فهن ينادين في أجواف الخيام بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها: أين خطابنا؟ أين طلابنا؟ أين رجالنا؟ أين من نحن له؟ نحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن المحبات فلا نمل أبداً، ونحن الآمنات فلا نخاف أبداً، ونحن الشواب فلا نهرم أبداً، ونحن الفرحات فلا نحزن أبداً، ونحن الغنيات فلا نحتاج أبداً، ونحن الكاملات فلا نتغير أبداً، ونحن الصادقات فلا نكذب أبداً، ونحن الضاحكات فلا نبكي أبداً، ونحن الطاعمات فلا نجوع أبداً، ونحن الطيبات فلا نثفل أبداً،/ ونحن الكاسيات فلا نعرى أبداً، طوبى لمن كنا له وكان لنا)).
221- قال: وحدثني علي بن معبد، عن شريك بن عبد الله، عن جابر الجعفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة حوراء يقال لها لعبة تجمع إليها الحور العين، فيقلن لها يا لعبة لو رآك طلاب ثواب الله لجدوا)).
222- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد ليخرج من عند زوجته، فما يرجع إليها حتى يزداد لها عشقاً سبعين ضعفاً)).
223- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، وغيره عن الليث بن سعد، عن سعيد ابن أبي هلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مكتوب على صدر زوجة المؤمن من أهل الجنة أنت حبي، وأنا حبك، لم تر عيني مثلك، انتهت نفسي عندك)).
224- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((موطنان تزخرف فيهما الجنة، وتتزين فيهما الحور العين عند مواقيت الصلاة، وعند القتال، فإذا انصرف المنصرف من الصلاة، ولم يسأل الله الجنة، ولا الحور العين، قال الحور العين: ويح لهذا الذي لم يسأل الله إيانا، ولا الجنة، وإذا كان وقت القتال قالت زوجة المؤمن: أقدم ولا تخزني في صواحبي، يعني لا تفضحني عند صواحبي))/.
225- قال: وحدثني علي بن معبد، عن أبي معاوية الضرير، قال: قالت عائشة: (عجباً للرجال حين يختارون الحيض المناتين على الحور العين).(1/67)
226- قال: وحدثني علي بن معبد، عن الحسن .. .. / ولدينا مزيد.
227- قال: وحدثني المغيرة، عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليزورون ربهم كل يوم جمعة يخوضون في رمال الكافور، فأقربهم منه مجلساً، وأحسنهم عنده منزلة أشدهم تبكيراً إلى الجمعة، وأشدهم مواظبة عليها، وهو في الجنة يوم المزيد، يزيدهم الله من كل فضل، ومن كل كرامة)).
228- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يعقوب بن إبراهيم، عن شهر بن حوشب، عن كعب الحبر أنه قال: لأهل الجنة مجمع يجتمعون فيه كل يوم جمعة، فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: أطعموا عبادي، وأضيافي، وجيراني، فيطعمونهم، ثم يقول: اسقوا عبادي، وأضيافي، وجيراني، فيسقونهم، ثم يقول: فكهوا عبادي، وأضيافي، وجيراني، فيفكهونهم، ثم يقول: اكسوا عبادي، وأضيافي، وجيراني، فيكسونهم، ثم يقول: طيبوا عبادي، وأضيافي، وجيراني، فيطيبونهم، فتهيج ريح تسمى المثيرة، فتثير عليهم المسك والكافور، ثم يتجلى لهم رب العزة، فينظرون إليه، فيجدون لذلك من النضرة، والسرور، واللذة ما شاء الله، ثم يرجعون إلى أزواجهم، فيقولون: سبحان الله ماذا أعطيتن من الكمال/ والبهاء، وتقول لهم أزواجهم مثل ذلك، فهذا لهم في كل يوم جمعة، وهذا يوم المزيد)).
229- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن إبراهيم، عن وهب بن محمد، عن محمد ابن الحنيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سار الراكب الواحد في ظلها مائة عام لم يقطعه، بطحاؤها ياقوت أحمر، وترابها مسك أبيض، ووحلها عنبر أشهب، وكثبانها كافور أصفر، وأستارها زبرجد أخضر، وأقناؤها سندس وإستبرق، وزهرها رياض صفر، وورقها برود خضر، وثمرها حلل حمر، وصمغها زنجبيل وعسل، وغصونها زعفران، والسحوج يتأجج منها من غير وقود ويتفجر من أصلها السلسبيل، والمعين، والرحيق، وظلها(1/68)
مجلس من مجالس أهل الجنة بالومة، ومتحدث يجمعهم، فبينما هم في ظل تلك الشجرة يتحدثون إذ جاءتهم الملائكة يقودون خيلاً مزمومة من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة، وحسناً، وبرها خز أحمر ومرعز أبيض، مختلطان الحمرة في البياض، والبياض في الحمرة لم ينظر الناظرون إلى مثله حسناً، ذللاً من غير مهابة، نجباً من غير رياضة عليها الرحائل، ألواحها من الياقوت الأخضر مضيئة بالذهب الأحمر ملبسة/ بالعبقري والأرجوان، فأناخوا إليهم تلك الرواحل، فسلموا عليهم وحيوهم، وصافحوهم، وقالوا لهم: أجيبوا ربكم فإنه يقرئكم السلام، ويستزيدكم لتنظروا إليه، وتكلموه، ويكلمكم، ويزيدكم من فضله، فإنه ذو رحمة واسعة، وفضل عظيم، فتحول كل واحد منهم على راحلة من تلك الرواحل، ثم ينطلق صفاً واحداً معتدلاً لا يفوت منكب منكباً، ولا أذن ناقة دون صاحبتها، لا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا عزلت عن طريقهم كراهية أن تخرق صفوفهم، أو تفرق بين الرجل ورفيقه فإذا وقفوا على الجبار تبارك وتعالى، سفر لهم عن وجهه الكريم، وتجلى لهم في عظمته العظيمة، وتحيتهم أنت السلام، ومنك السلام، ولك حق الجلال، والإكرام، فيرجع إليهم ربهم: أنا السلام، ومني السلام، وأنا أحق بالجلال، والإكرام فمرحباً بعبادي الذين حفظوا وصيتي، ورعوا عهدي، وخافوني بالغيب، وكانوا مني على كل حال مشفقين، فقالوا: أما وعزتك، وعظمتك، وجلالك، وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك، ولا أدينا إليك كل حقك فأذن لنا بالسجود لك، فيقول تبارك وتعالى: إني قد وضعت عنكم مؤونة العبادة هذا حين أرحت لكم أبدانكم، وأفضيتم إلى/ روحي، وكرامتي، وجنتي، فسلوني ما شئتم، وتمنوا علي أعطيكم أمنيتكم، فإني لست أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم، ولكني أجزيكم بقدر كرامتي، ورأفتي وطولي، وجلالي، وعلو مكاني، وعظمة سلطاني، فسلوني ما شئتم، فلا يزالون في الأماني حتى أن المقصر منهم في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا من يوم خلقها الله إلى يوم أفناها، فيقول القائل منهم: ربنا تنافس أهل الدنيا في دنياهم، ورفضناها وزهدنا فيها، وصغرت في أعيننا اشتغالاً بأمرك، وإيثاراً لطاعتك، وتصديقاً لوعدك، ورغبة في ثوابك، وإجلالاً لأجلالك، وإعزازاً لوجهك، وإعظاماً لعظمتك ربنا، وإنا(1/69)
نرغب إليك في مقامنا هذا أن تؤتي كل امرئ في مقامنا هذا مثل الدنيا من يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها، فيقول لهم ربهم الكريم لقد قصرتم في أمنيتكم ورضيتم بدون حقكم، وقد أوجبت لكم ما شئتم، وسألتم، وأوجبت لكم ما قصرت عنه أمنيتكم، فانظروا إلى ما أعددت لكم، فيرفعوا رؤوسهم فإذا هم بقباب في الرفيق الأعلى، وغرف مبنية من الدر، والياقوت، والمرجان، أبوابها من الذهب ومنابرها من النور، وسررها من الياقوت، وفراشها من سندس وإستبرق يقدر من أبوابها/، وعرضها نور ساطع شعاعه كشعاع الشمس عنده، كمثل الكوكب الدري والنهار المضيء، وإذا القصور شامخة من أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها، فلولا أنه مسخر لهم لالتمع إبصارهم من شدة صفائها وعين جوهرها ما كان منها أبيض فمن الياقوت الأبيض مفروش بالحرير الأبيض، وما كان منها أحمر فمن الياقوت الأحمر والذهب الأحمر والفضة البيضاء، قواعدها من الجوهر، وأركانها من الذهب وشرفها قباب اللؤلؤ، وبروجها غرف من المرجان، وإذا ببراذين مقرونة من ياقوت أبيض مصنوع فيها الروح يجيبها الولدان المخلدون بيد كل وليد حكمة ببرذون من تلك البراذين، لجمها وأعينها من فضة بيضاء، منظمومة بالدر والياقوت، وسرجها من ياقوت أحمر ملبسة بالسندس الأخضر على كل أربعة منها مركبة من مراكب الجنة والرحالة أسفلها سرير من ذهب، وأعلاها قبة من جوهر، إما لؤلؤة وإما زمردة وإما درة، وباقية القصور منابر من النور عليها الملائكة قعود ينتظرونهم رواداً ليهنئوهم، ويحيوهم، فيتحول كل رجل منهم على مركبة، ثم ينطلقون، وتشيعهم الملائكة المقربون يسلكون بهم رياض الجنة، فإذا وصلوا إلى قصورهم نهضت الملائكة من مجالسها، فعارضوهم، واستنزلوهم/، وصافحوهم وشبكوا أيديهم في أيديهم، ثم أجلسوهم بينهم، ثم أقبلوا على الضحك، والمداعبة، وتقول لهم الملائكة: أما وعزة الله وجلاله ما ضحكنا مذ خلقنا إلا معكم، ولا تحركت ألسنتنا، ولا شفاهنا مذ خلقنا إلا بالتسبيح حتى ضحكنا، وتكلمنا معكم فهنيئاً هنيئاً لكم كرامة ربكم، وهنيئاً هنيئاً لكم جنان الخلد التي بوأكم، فإذا ودعوهم وانصرفوا عنهم دخل القوم قصورهم، فليس منهم أحد إلا وقد وجد في قصره جميع أمنيته التي تمنى على ربه قد جمعها الله، وإذا في كل قصر باب يفضي إلى وادٍ أفيح من أودية الجنة محفوفة تلك الأودية بجبال من المها الأبيض، وكذلك جبال الجنة، وفي تلك الجبال معادن الجوهر، والياقوت، والذهب،(1/70)
والفضة قاعدة تلك المعادن أفواهها في بطن كل واد منها أربع جنات، جنتان ذواتا أفنان، فيهما عينان تجريان، وفيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان مدهامتان فيهما عينان نضاختان، وفيهما فاكهة ونخل، ورمان، وحور مقصورات في الخيام لم يطمسهن إنس قبلهم، ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان، فإذا تبوؤوا منازلهم، واستقر قرارهم قال الله تبارك وتعالى لهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ قالوا: نعم، وعزة ربنا. قال: فكيف/ وجدتم ثوابه؟ قالوا: رضينا، فارض عنا، قال لهم: برضائي عنكم نظرتم إلى وجهي، وسمعتم كلامي، وأحللتم داري، وصافحتكم ملائكتي، فهنيئاً لكم عطاء غير مجدود ليس فيها نصب، ولا لغوب، فيقولوا عند ذلك: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب، ولا يمسنا فيها لغوب)).
230- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل في ظلل من الغمام، والملائكة الكرام، فسلم عليهم في أول درجة فيردوا عليه السلام، قال القرظي: وبيان هذا في القرآن قوله تعال: {سلامٌ قولاً من ربٍ رحيمٍ} ثم يقول: سلوني، فيقولون: نسألك أي رب رضوانك، فيقول: رضائي أحللتكم داري، وجنتي، فيقولون: ربنا وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك لو قسمت علينا، ورق الثقلين لأطعمناهم، ولأسقيناهم، ولألبسناهم، ولخدمناهم لا ينقص ذلك شيئاً، فيقول: إن لدي مزيد، قال: ثم يأتيهم التحف من عند الله تحملها الملائكة إليهم.
231- قال عبد الملك: وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم /: ((إذا صار أهل الجنة إلى منازلهم من الجنة، ناداهم ربهم جل جلاله، وتقدست أسماؤه: يا أهل الجنة أرضيتم منازلكم، فيقولون: وما أنزلتنا منازل الكرامة، فلا نبغ عنها حولاً، ولا نبغ بها بدلاً، وإنا قد سمعنا الصوت، واشتقنا النظر إلى وجهك الكريم، فيقول الله للجنة التي بها موضع عرشه، وهي جنة عدن: خذي زينتك، واستعدي، فإن عبادي يريدون زيارتي، وأنا أريد أن أريهم وجهي الكريم، فتأخذ زينتها وتستعد، فيأتون رب العزة لزيارته، فيأذن لهم، فيدخلون عليه، وينظرون إلى وجهه الكريم العظيم الجليل، فيقولون: ربنا لك الحمد، ويخرون سجداً، فيقول الله عز وجل: عبادي ليس هذا حين(1/71)
عمل، ولكن هذا حين نظرة، وسرور وكرامة، ونعمة، فارفعوا رؤوسكم، وسلوني ما شئتم أعطيكم أمنيتكم، فيقولون: ربنا نسألك رضاك، فيقول: قد رضيت عنكم الرضا كله، وبرضائي عنكم نظرتم إلى وجهي فسلوني ما شئتم، وتمنوا علي أعطيكموه، فيتمنون، فيقول: ازدادوا، ثم يتمنون، فيقول: ازدادوا، ثم يتمنون، فيقول: ازدادوا، فيقولون: حسبنا ربنا، فيقول لهم: لكم ما شئتم، وعشرة أضعافه)).
232- قال عبد الملك: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صار أهل/ الجنة إلى منازلهم من الجنة بعث إليهم الروح الأمين جبريل عليه السلام، فيقول: يا أهل الجنة إن ربكم يقرئكم السلام، ويأمركم أن تزوروه في دار الجلال، ودار السلام، فينطلقوا مسرورين مستبشرين إلى ربهم حتى يقفوا بداره التي بها موضع عرشه، وهي جنة عدن، فيأذن لهم، فيدخلون، ويسفر لهم عن وجهه الكريم العظيم الجليل، فيسلمون، وتسليمهم أن يقولوا: ربنا أنت السلام، ومنك السلام، ولك حق الجلال والإكرام، فيقول لهم رب العزة: وعليكم السلام مني وعليكم رحمتي، وتحيتي، مرحباً وأهلاً بعبادي الذين أطاعوني بالغيب، وحفظوا وصيتي، ورعوا عهدي، فيقولون: وعزتك وجلالك ما عبدناك حق عبادتك، ولا قدرناك حق قدرك، ولا أدينا إليك كل حقك، فأذن لنا بالسجود، فيقول لهم: إني قد رفعت عنكم مؤونة العبادة، وأفضيتم إلى كرامتي فيوضع عند ذلك المنابر للأنبياء، والرسل، والكراسي للشهداء والصديقين، والنمارق لمن دونهم، فيأخذون مجالسهم، فيقول الله تعالى لداود نبيه: يا داود مجدني بصوتك الحسن، فيرفع صوته بالتسبيح، والتحميد، والتمجيد، والتقديس، بصوت لم يسمع الخلائق أحسن منه، ثم يقول الله عز وجل لملائكته/: أطعموا عبادي وزواري، فتوضع بينهم مائدة الخلد بألوان الأطعمة، فيأكلون أكلة لا يمسهم بعدها جوع أبداً، ثم يقول الله عز وجل: اسقوا عبادي وزواري الرحيق المختوم الذي لم تمسه الأيدي، ولم يغير طعمه شمس، ولا ريح، فيشربون شربة لا يمسهم بعدها ظمأ أبداً، ثم يقول تعالى: فكهوا عبادي وزواري، فيتفكهون بما لم يخطر على بالٍ، ولم يظنوا أنه يكون مثله، ثم يقول تعالى: اكسوا عبادي، وزواري، فيكسى كل رجلٍ منهم سبعمائة حلة، والأدنى منهم سبعين حلة ليس منها حلة على لون الأخرى هي أخف عليهم من ريشة على ظهورهم، ثم يقول تعالى: عطروا عبادي، وزواري،(1/72)
فتظلهم سحابة، فتمطر عليهم ما وجدوا مثله في شيء من الجنة، ولا من طيبها يزيدهم بذلك حسناً، وجمالاً، ثم يقول تعالى: عبادي سلوني ما شئتم أعطيكموه، فيقولون: ربنا نسألك رضاك، فيقول: قد رضيت عنكم الرضا كله، وبرضائي عنكم نظرتم إلى وجهي، وحللتم داري، فاسألوني ما شئتم أعطيكموه، فيتمنى كل رجلٍ منهم ما شاء، فيقول: ازدادوا، فيتمنون، فيقول: ازدادوا، فيتمنون، فلا يزالون يتمنون، ويعطون، فيقولون ربنا حسبنا، فيقول لهم: قد أعطيتكم أمنيتكم وعشرة أضعافها/، ولكم عندي من المزيد ما لم تبلغه أمنيتكم، ولم يخطر على قلوبكم، فيؤتون بذلك كله، فإذا فرغوا من ذلك عرضت عليهم خيل مقرنة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة، وعلى كل سرير منها قبة من ذهب مفروغة، في كل قبة منها فراشان من فرش الجنة، وفي كل قبة جاريتان من الحور العين، فيأمر الله كل رجل منهم، فيتحول في قبة مع جاريته يعانقها، وتعانقه، ويهنئان بكرامة الله، ويأمر الله الملائكة فينصرفون بهم إلى منازلهم التي أعدها الله لهم في الجنة إلى قباب من در مجوفة محصنة بالدر، والياقوت، والزبرجد فيتلقاهم أزواجهم، وعليهن من كرامة الله، وحوادث نعمته أكثر مما فارقوهم عليه، فتقول كل زوجة منهم: مرحباً بحبيبي، فتضع فاها على فيه، وبطنها على بطنه، ثم تجيء الأخرى فتقول: مرحباً بحبيبي، ثم تأتي أخرى، فتقول مثل ذلك، ثم يقلن بأجمعهن، والذي كرمك يا ولي الله بالنظر إلى وجهه لقد ازددت في أعيننا حسناً، وكمالاً، وجمالاً، وبهاءً، فيقول: وأنتن، والله لقد زادكن الله حسناً، وكمالاً، وجمالاً، وبهاءً، فهذا لهم في مقدار يوم الجمعة مثل أيام الدنيا، وهو يوم المزيد في الجنة)).
233- قال عبد الملك: وحدثني ابن عبد الحكم، عن الليث بن سعد، عن أبي هلال، عن/ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة يرون الجبار تبارك وتعالى في مقدار يوم من أيام الدنيا، فيكون أقربهم من الله على منابر من ياقوت، ثم الذين يلونهم على منابر من زبرجد، ثم الذين يلونهم على منابر من لؤلؤ، ثم الذين يلونهم على منابر من ذهب، ثم الذين يلونهم على منابر من فضة، ثم الذين يلونهم على كثبان المسك، فبينما هم ينظرون في وجه الله تعالى الكريم العظيم الجليل، وينظر الله في وجوههم، إذ أقبلت سحابة حتى تغشاهم فأمطرت عليهم من النعمة، والكرامة(1/73)
واللذة، ما لا يعلمه إلا الله فيزدادون لذلك نوراً، وجمالاً، وحسناً وكرامة من الله لهم)).
234- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليزورون ربهم في كل يوم جمعة في كثيب من كافور لا يرى طرفاه، وفيه نهر جارٍ حافتاه المسك عليه حواري يقرأن القرآن بأحسن أصوات يسمعها الأولون، والآخرون، فإذا انصرفوا إلى منازلهم أخذ كل رجل منهم ما شاء بيده منهن)).
ما جاء في خلود أهل الجنة والنار
235- قال عبد الملك/ بن حبيب: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يخشى أهل الجنة إلا الموت، وما يرجو أهل النار إلا الموت، قد علم أهل الجنة أن كل نعيم يكون الموت بعده يقطعه، وقد علم أهل النار أن كل عذاب يكون الموت بعده يقطعه قال: فيؤتى بالموت فيوقف بين الجنة والنار كأنه كبش أملح، فيذبح، ثم ينادي منادٍ يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، قال: فيأمن أهل الجنة آخر ما عليهم، وييأس أهل النار آخر ما عليهم)).
236- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيقام بين الجنة والنار، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيستجيبون، وينظرون، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، ثم ينادي منادٍ: يا أهل النار فيستجيبون، وينظرون، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، ثم يؤمر به، فيذبح، فيقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا(1/74)
أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ عليه السلام: {وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر/ كاظمين ما للظالمين من حميمٍ ولا شفيع يطاع}.
237- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الكلبي في قول الله تبارك وتعالى: {الذي خلق الموت والحياة} قال: خلق الموت في صورة كبش أملح.
ذكر تفسير ما في القرآن من ذكر الجنة، وما فيها
238- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى، وعبد الله بن الحكم، عن الفزاري، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تبارك وتعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قال: من راقب الله في السر، والعلانية بعمله كله، وعلم أنه سيقوم ذلك المقام، فما كان من خير أفضى به إلى الله تعالى لا يحب أن يطلع عليه أحد، وما عرض له من ركوب محرم تركه من مخافة الله، فإن الله ينجز له ما وعده في كتابه حيث يقول: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} أما الأولى منها فمدينة من فضة شرفها من ذهب حوله جنتان فيأخذ ملك من ملائكة الله بيده، فينطلق به إليها، ويبلغ أهلها: أن ولي الله قد أقبل، فيشرف من فيها على المدينة فإذا رأوه قالوا: مرحباً بسيدنا، ومولانا نحن لك، فيدخله المدينة، فيرى ما فيها من الأزواج، والخدم، والخيل، وما أعد الله له فيها من الكرامة، ثم يأخذ بيده، فينطلق به إلى مدينة/ من ذهب شرفها من فضة، ويبلغ أهلها أن ولي الله قد أقبل، فيشرف من فيها على المدينة، فإذا رأوه قالوا: مرحباً بسيدنا، ومولانا نحن لك، فيدخله المدينة، فيريه ما فيها. قال: ومدينتان أخريان حولهما فذلك قوله في كتابه: {ومن دونهما جنتان} ثم يأخذ بيده، فينطلق إلى مدينة من ياقوت، وشرفها زبرجد، فيبلغ أهلها: أن ولي الله قد أقبل فيشرف من فيها على المدينة، فإذا رأوه قالوا: مرحباً بسيدنا، ومولانا نحن لك، ثم يأخذ بيده، فينطلق به إلى مدينة من زبرجد شرفها ياقوت، فيبلغ أهلها:(1/75)
أن ولي الله قد أقبل، فيشرف من فيها على المدينة، فإذا رأوه، قالوا: مرحباً بسيدنا، ومولانا نحن لك، فيدخله القصر، فيريه ما أعد الله له من النعيم والكرامة والأزواج والخيل والخدم، فيقول له الملك: يا ولي الله كل ما ترى لك، ولك عند الله المزيد، فيقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين.
239- قال عبد الله: وحدثني المكفوف، عن أيوب بن حوط، عن قتادة، قال: المنزل الأول في سورة الرحمن منزل المقربين، والمنزل الآخر منزل أصحاب اليمين.
240- قال عبد الملك: وهو أحسن عندي من تفسير الضحاك فيه، قال: وقال قتادة في قوله تعالى: {ولقاهم نضرةً وسروراً} قال: نضرة في وجوههم،/ وسروراً في قلوبهم.
قال: وقال قتادة في قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} أي صفة الجنة، وفي قوله تعالى: {ذواتا أفنانٍ} قال: الأفنان: الأغصان، وقال بعضهم: الألوان، وفي قوله تعالى: {وندخلهم ظلاً ظليلاً} قال: ندخلهم ظلاً لذلك الظل ظل، وقال بعضهم: ظلاً دائماً، وفي قوله تعالى: {مدهامتان} قال: خضراوان ناعمتان، وفي قوله تعالى: {فيهما عينان نضاختان} قال: نباعتان بكل خير، وفي قوله تعالى: {ويطوف عليهم ولدانٌ مخلدون} قال: لا يموتون، وفي قوله تعالى: {بأكوابٍ وأباريقٍ} قال: المكوكب المدور القصير العنق القصير العروة، والإبريق المستطيل العنق الطويل العروة، وفي قوله تعالى: {كانت قواريراً قواريراً من فضةٍ} قال: اجتمع فيها صفاء الزجاج في بياض الفضة، وهي من فضة، وفي قوله تعالى: {قدروها تقديراً} قال: على قدر أكف الخدم، وقال بعضهم: على قدر ريهم، وما يشتهون لا ينقص، ولا يفضل، وفي قوله تعالى: {وكأساً دهاقاً} قال: الممتلئة المترعة، وفي قوله تعالى: {يسقون من رحيقٍ مختومٍ. ختامه مسكٌ} قال: عاقبته مسك، وقال بعضهم: خاتمه مسك كما يختم أهل الدنيا على آنية شرابهم بالطين، وهو أحسن ما سمعت.
وكذلك كان ابن عباس رضي/ الله عنهما يقرؤها: خاتمه مسك، وفي قوله(1/76)
تعالى: {ومزاجه من تسنيمٍ. عيناً يشرب بها المقربون} قال قتادة: يشربون صرفاً، ويمزج منها لسائر أهل الجنة، وقال ابن عباس: من تسنيم، إنها التي قال الله فيها: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفى الله لهم من قرة أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون}، وفي قوله تعالى: {عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً} قال قتادة: يؤتي أحدهم بإصبعه إليها، فتتبعه حيث شاء، وفي قوله تعالى: {وكأسٍ من معينٍ لا يصدعون عنها ولا ينزفون} قال قتادة: الكأس الخمر، لا يصدعون عنها قال: لا يصيبهم منها صداع ولا ملل، {ولا هم عنها ينزفون} يقول: لا تذهب عقولهم، ولا يسكرون منها، وفي قوله تعالى: {يطاف عليهم بكأسٍ من معينٍ. بيضاء لذةٍ للشاربين} قال قتادة: الكأس هنا الخمر بيضاء ليست خمراً كخمر الدنيا لا فيها غول، قال: لا يصيبهم منها وجع بطن، {ولا هم عنها ينزفون} يقول: لا يسكرون، والنزيف هو السكران الذي قد أنزف السكر عقله يعني ذهبت الخمرة بعقله، وفي قوله تعالى: {متكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقريٍ حسانٍ} قال قتادة: الرفرف المحابس، والعبقري: المرافق وقال الحسن مثله.
وفي قوله تعالى: {ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرقٍ} قال قتادة: السندس من الوشي، والإستبرق/ الديباج، وقال عكرمة مثله، وفي قوله تعالى: {فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون} قال قتادة: إن في السور الذي بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد الرجل من أهل الجنة أن ينظر إلى عدوه من أهل النار كيف يعذب اطلع، فينظر إليه، وإن شاء نظر إليه، وهو متكئ على أريكته، وذلك أن الملائكة تأتي أهل النار، فيفتح لهم باباً من النار، وتناديهم ألا هلموا ألا هلموا فيذهبون مسرعين يجرون الأغلال، والسلاسل، ويجرون على وجوههم طمعاً في الخروج، فإذا قاربوا أغلق الباب دونهم، وأهل الجنة ينظرون إليهم، وهم متكئون على أرائكهم، فيضحكون منهم، فذلك قوله عز وجل: {فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون. على الأرائك ينظرون} وهو قوله أيضاً: {الله يستهزئ بهم} وهو قوله أيضاً: {يخادعون الله وهو خادعهم} وقوله تعالى: {قال قائل منهم إني كان لي قرينٌ. يقول أءنك لمن المصدقين. أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمدينون. قال هل أنتم مطلعون. فاطلع فرءاه في سواء الجحيم} قال قتادة في وسط الجحيم قال: الجحيم قال: فوالله لولا أن الله عرفه به ما عرفه لقد تغير لونه، وشعره، قال: {تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من(1/77)
المحضرين}/ قال: في النار {أفما نحن بميتين. إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين. إن هذا لهو الفوز العظيم. لمثل هذا فليعمل العاملون} وفي قوله تعالى: {بطائنها من إستبرق} قال قتادة: الإستبرق الديباج وقال الحسن مثله، وقال بطائنها هي التي تلي جلودهم، وهي ظواهر العرش.
241- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الأعراف رجالٌ} قال:هم قوم استوت حسناتهم، وسيئاتهم، وقوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، والأعراف سور بين الجنة، والنار، وقوله تعالى: {يعرفون كلاً بسيماهم} قال: يعرفون من دخل الجنة ببياض وجهه، وسواد عينيه، ومن دخل النار بسواد وجهه، وزرقة عينيه، فإذا نظروا إلى أهل الجنة قالوا: {سلام عليكم} قال الله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} قال: ثم يدخلهم الله عز وجل الجنة بعد، وهم لا يطمعون في دخولها.
وفي قوله تعالى: {مقصوراتٌ في الخيام} قال ابن عباس رضي الله عنهما: محبوسات في الخيام، والخيمة الواحدة مجوفة أربع فراسخ في أربع فراسخ. وفي قوله تعالى: {وحور عينٌ} قال/ ابن عباس: الحور: البيض، والعين: الحسان العيون. وفي قوله تعالى: {جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب} قال ابن عباس: عدن دار الرحمن والجنات حولها، فأيهم كان أقرب إليها، فهو أفضل، وهو قوله: {جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب}.
وفي قوله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} قال ابن عباس: يكون أحدهم إذا دخلها أعرف بمنزله من أحدكم بمنزله إذا انصرف من الجمعة.
وفي قوله تعالى: {ءاباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً} قال ابن عباس: ذلك في الآخرة يكون الوالد في درجة، والولد في درجة أسفل منها أو فوقها، فيرفع الأسفل إليه، قال ابن عباس، وهو قوله أيضاً: {والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} يعني في درجاتهم، وفي قوله تعالى: {وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً} قال ابن عباس: إن الملائكة تأتيهم بالهدايا، والكرامة من عند الله، فلا يدخلوا عليهم، حتى يستأذنوا،(1/78)
فذلك الملك الكبير، وقاله الحسن أيضاً. وأما قوله تعالى: {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} قال ابن عباس: لكل رجل منهم من بني آدم قصر آهل، ومنزل في الجنة، فإذا دخل النار صارت منازلهم، وأهليهم للمسلمين، فذلك قوله تعالى: {أولئك الذين/ خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} وهو قوله أيضاً: {أولئك هم الوارثون. الذين يرثون} قال: يرثون من الكفار أهليهم، ومنازلهم في الجنة، وفي قوله تعالى: {ويطوف عليهم غلمانٌ لهم كأنهم لؤلؤٌ مكنونٌ} قال ابن عباس: شبههم بصفاء اللؤلؤ المكنون الذي قد كن من أن يصيبه شمس، وريح، أو مطر، وفي قوله تعالى: {كأنهن الياقوت والمرجان} قال المرجان كبار اللؤلؤ. فشبه صفاءهن بصفاء الياقوت، وبياضهن ببياض اللؤلؤ الكبير، وفي قوله تعالى: {إخواناً على سررٍ متقابلين} قال ابن عباس: لا ينظر أهل الجنة بعضهم إلى قفا بعض إنما ينظر بعضهم إلى وجه بعض.
قال سفيان الثوري: ينظر أحدهم إلى ما خلفه كما ينظر إلى ما بين يديه، وفي قوله تعالى متكئين: {على سررٍ موضونةٍ} قال ابن عباس: مزمولة بالذهب، وقضبان اللؤلؤ.
قال عبد الملك: والمزمولة المضفورة المنسوجة، زمال السرير فرشه بالسريك والحجال، وفي قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون} قال ابن عباس في افتضاض العذارى كلما افتض أحدهم عذراء عادت عذراء بذكر لا يمل، وفرج لا يمني، وشهوة لا تنقطع.
وفي قوله تعالى: {هم وأزواجهم في ظللٍ على الأرائك متكئون} قال: الأرائك هي السرر في الحجال.
242- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن في قول الله تعالى: {في سدرٍ مخضودٍ} قال الحسن: هو الذي لا شوك فيه {وطلحٍ منضودٍ} قال الحسن: الطلح: الموز، والمنضود: المتراكب، وقاله ابن عباس، وسعيد بن عياش، وقوله تعالى: {وفاكهةٍ كثيرةٍ. لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ} قال الحسن: إن ثمار الدنيا لها زمان تكون فيه، ثم تنقطع، وإن ثمار الجنة لا تنقطع، وإن ثمار الدنيا لها من يمنعها، وإن ثمار الجنة لا تمنع، وفي قوله تعالى: {قطوفها دانيةٌ} قال الحسن: يتناولون(1/79)
فيها قياماً، وقعوداً، ومضطجعين، وكيف شاؤوا. وفي قوله تعالى: {وذللت قطوفها تذليلاً} قال: ذللت لهم يتناولون منها كيف شاؤوا من أيها شاؤوا.. وفي قوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً} خياراً لا رذل فيه يشبه آخره أوله في الطيب والفضل، ليس فيه رذل.
243- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن روح، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمر بن ميمون الأزدي في قول الله تعالى: {{وظلٍ ممدودٍ} قال: سبعون ألف ذراع.
جامع ذكر الجنة، وكرامة أهلها
244- قال عبد الملك: حدثني أسد بن موسى/ عن يعقوب بن إبراهيم، عن إسماعيل بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يدعى أهل القرآن، فيكسى كل رجل منهم حلة الكرامة، ويتوج بتاج الملك إن لذلك التاج سبعين ركناً من ياقوت، يضيء كذا وكذا من البلاد، ثم يقال له: اقرأ، وارق فما يقرأ سورة إلا رفعه الله بها درجة حتى ينتهي به القرآن إلى غرفة لها سبعون ألف باب فيها أزواجه، وخدمه وقهارمته، وفيها الأنهار المطردة، والثمار المتدلية، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فبينما هو فيها قد سر، وحبر، وقرت عينه إذ دخل عليه من أول باب منها سبعون ألف ملك كلهم معهم هدية أهداها الله له، لكل شيء منها من ذلك ريح، ولون، وطعم ما ليس لصاحبه، فيقولون له: السلام عليك بما صبرت، فنعم عقبى الدار، فيوضع بين يديه، فيسر، ويحبر، وتقر عينه، ثم يأمر قهارمته، فيرفعونها، ثم يدخل عليه من الباب الآخر أربعون ومائة ألف، هم أحسن من الذين كانوا قبلهم وجوهاً، وأطيب ريحاً كلهم معهم هدية أهداها الله لكل شيء من ذلك ريح، وطعم ولون، وريح غير طعم صاحبه، ولونه فيضعونها بين يديه، فيسر، ويحبر، وتقر عينه، فيقولون/ له: السلام عليك بما صبرت، فنعم عقبى الدار، فيأمر قهارمته، فيرفعونها، ثم يدخل عليه من الباب الآخر ثمانون ومائة ألف ملك، ثم يدخل عليه من كل باب على قدر ذلك من التضعيف له أبداً ثم يؤتى بوالديه إذا كانا مسلمين فيصنع بهما كما صنع به تكرمة لهما، وله)).(1/80)
245- قال: وحدثني علي بن معبد، عن المعتمر بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للرجل من أهل الجنة ألف قصر على كل قصر قيم، فبعض القصور من درة بيضاء، وياقوتة حمراء، وزبرجدة خضراء غرفها، وعلاليها، وسافلها، وفيها خدمها، وأزواجها، وفيها أنهارها، وأشجارها، وثمارها تتفجر تلك الأنهار من جبل من مسك، فإذا نظر المؤمن إلى قيمه عليه من البهاء والنور ما شاء الله فيوهي ليسجد له لما يرى عليه من البهاء، فيقول القيم: ما تريد يا ولي الله؟ فيقول له: من تكون؟ فيقول له: أنا لك، ولك ألف قصر، وعلى كل قصر قيم، وهذه المفاتيح، فينتهي به إلى أول قصر من قصوره، ومعه ملك من الملائكة، يدله على منازله من الجنة، فينتهي إلى قصر من فضة، وشرفه من ذهب/ فيتلقاه غلمانه، وخدمه، كأنهم اللؤلؤ المكنون من كثرتهم، عليهم الأساورة، وفي أيديهم أباريق الذهب، والفضة، فيسلمون عليه، ويقولون له: نحن لك يا ولي الله، فيريد أن ينزل إليهم، فيقول له الملك تقدم، فإن أمامك أكثر من هذا، فيتقدم به حتى ينتهي إلى قصر من ذهب شرفه الياقوت، فيستقبله من الخدم كأنهم اللؤلؤ المكنون عليهم الأساورة، وفي أيديهم الأباريق الذهب، والفضة، فيسلمون عليه، ويقولون له: نحن لك يا ولي الله، فيريد أن ينزل، فيقول له الملك تقدم، فإن أمامك أفضل من هذا، فما يزال به كذلك حتى ينتهي إلى أفضل منازله من درة بيضاء لها سبعون ألف باب من ذهب فيها أزواجه وسرره، فيتكئ على الأسرة عليها الحجال معانق الحور العين مثل من يوم خلقت إلى يوم القيامة لا يمل أحدهم من صاحبه، ويعطى أحدهم قوة مائة رجل شاب في الطعام، والشراب، واللذة، والشهوة، والجماع)).
246- قال عبد الملك: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهل الجنة جرد مرد جعد مكحلون ليس/ لهم شعر إلا الرؤوس، والحواجب والأشفار، على طول آدم ستون ذراعاً، وسن عيسى ابن مريم أبناء ثلاثة وثلاثين سنة رجالهم ونساؤهم بيض الألوان، صفر الحلي، خضر الثياب، يضع أحدهم مائدته، وهي من ياقوتة حمراء، ودرة بيضاء ميل في ميل، والطير كالإبل صافة بين يديه فرسخ في فرسخ، فيقول الطير: يا ولي الله أما أني قد شربت من أنهار الجنة، وأكلت من ثمارها،(1/81)
وسمني كذا، وريحي كذا، وشربت من كذا، وكذا، فكل مني، ويقول غيره من الطير نحو ذلك أيضاً، فإذا أعجبه شيء مما يشتهيه وقع الطير في مائدته بين يديه على حال ما يشتهي، فيأكل على مائدته من كل لون سمناً مقدار أربعين سنة كلما شبع ألقي عليه ألف باب من الشهوة، ثم تأتيه الغلمان بالشراب على برد الكافور، وليس بهذا الكافور، وطعم الزنجبيل، وليس هذا الزنجبيل، وعلى ريح المسك، وليس بهذا المسك، فإذا شربه هضم ما أكل من الطعام، والشراب، ويعطى قوة مائة رجل شاب في الجماع، والشهوة، فيقيم في مجامعته مقدار أربعين عاماً في كل يوم مائة عذراء من الحور العين)).
247- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة أجمعون أعلاهم وأسفلهم، ونساؤهم على قدر واحد، فإذا دخلوها، وصاروا إلى منازلهم بعث الله منادياً ينادي: يا أهل الجنة أرضيتم منازلكم؟ فيقولون بأجمعهم: نعم، والله لقد أنزلنا ربنا منازلنا النعمة، والكرامة، فلا نبغي بها بدلاً، ولا عنها حولاً، رضينا ربنا جاراً، اللهم ربنا فإنا سمعنا مناديك فأجبناه بالقول الصادق، اللهم ربنا فإنا اشتهينا النظر إلى وجهك الكريم، فإنه أفضل ثوابنا عندك، فيأمر الله تعالى عند ذلك الجنة التي بها عرشه، ومحله، وهي دار السلام، فيقول لها: خذي زينتك، واستعدي لزيارة أوليائي، فتسمع لربها، وتطيعه، قبل أن ينقضي كلامه، فتأخذ زينتها، وتستعد لزيارة أولياء الله، ويأمر الله ملكاً من الملائكة أن أدع عبادي إلى زيارتي، فيخرج الملك من عند الرحمن، فينادي بأعلى صوته بصوت لذيذ ممدود: يا أهل الجنة، يا أولياء الله، زورا ربكم، فيسمع صوته أعلاهم، وأسفلهم، فيركبون الخيل، والنوق، فيسيرون في ظلال شجر الجنة في تلال مسك أبيض، وزعفران أصفر حتى ينتهون إلى الباب، ويسلمون ويدخلون، وينظرون إلى عرش الرحمن/ وكرسيه، إلى نور يتلألأ من غير أن يتجلى لهم، فيقولون: سبحانك ربنا قدوس، قدوس، رب الملائكة والروح، تباركت ربنا وتعاليت، أرنا ننظر إلى وجهك، فيقول الله عز وجل لحجاب النور الذي يتلألأ دونه: اعتزلي فيعتزل حجاب دون حجاب حتى يعتزل سبعون ألف حجاب كل حجاب هو أشد من الذي يليه بسبعين ضعفاً، فيتجلى لهم رب العزة تبارك وتعالى، فينظرون إلى وجهه الكريم العظيم الجليل، فيخرون له سجداً، فيقولون(1/82)
وهم سجود: سبحانك ربنا، ولك الحمد والتسبيح أبداً، أنجيتنا من النار، وأدخلتنا الجنة، فنعم الدار ونعم القرار، ورضينا عنك الرضا كله، فارض عنا، فيقول الجبار تعالى: وأنا قد رضيت عنكم الرضا كله، ليس هذا حين عمل، ولكن هذا حين نضرة وسرور ونعيم، فسلوني أعطيكم، وتمنوا علي أزيدكم، فيتمنون في أنفسهم، وهم سجود أن يتم لهم ما أعطاهم من غير أن يتكلموا به، فيقول لهم الجبار تعالى: أنا معطيكم الذي تمنيتم، ولكم عندي من المزيد أضعافاً، فيرفعون رؤوسهم بالتكبير لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم إلى ربهم من شدة النور، فيقول لهم/ العلي الأعلى: مرحباً بعبادي، وأضيافي، وجيراني، وأحبائي، وأوليائي، وخيرتي من خلقي، وأهل طاعتي، فيأمر الله تعالى رب العزة بمنابر من نور، ودون تلك المنابر الكرسي من ذهب، ودون تلك الكراسي الفرش والنمارق المصفوفة، ودون تلك النمارق، الزرابي المبثوثة، فيقول الجبار تعالى: هلموا اجلسوا على كراماتكم، فيتقدم الأنبياء فيجلسون على تلك الكراسي، ثم الأمثل، فالأمثل على قدر المجالس، ثم يوضع لهم موائد من نور لكل مائدة منها سبعون لوناً مكللة بالدر، والياقوت، فيقول رب العزة لحفدته: أطعموا عبادي، فيأكلون من ذلك ما شاؤوا فيقول بعضهم لبعض: ما طعامنا الذي عند أهلينا عند هذا الطعام إلا حلم، ثم يقول رب العزة لحفدته: اسقوا عبادي، فيؤتون بشراب، فيشربون منه، فيقول بعضهم لبعض: ما شرابنا الذي عند أهلينا عند هذا الشراب إلا حلم، ثم يقول رب العزة لحفدته: أطعمتم عبادي وسقيتموهم، فكهوهم، فيؤتون بفاكهة، فيأكلون منها، فيقولون فيها مثل ما قالوا فيما قبلها، ثم يقول رب العزة: اكسوا/ عبادي، وحلوهم، فيكسون، ويحلون، فيقولون فيها مثل ما قالوا فيما قبلها، فبينما هم جلوس على كرامتهم إذ بعث الله عليهم ريحاً من تحت العرش، فتثير عليهم مسكاً هو أشد بياضاً من الثلج، فتغير ثيابهم، ورؤوسهم، ثم يقول لهم رب العزة: سلوني أزيدكم، فيقولون بأجمعهم: ربنا نسألك رضاك، فيقول لهم: إني قد رضيت عنكم يا عبادي فيخرون له سجداً بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، فيقول لهم: عبادي ارفعوا رؤوسكم، فليس هذا موضع عبادة، ولكنه موضع نعيم، وسرور، فيرفعون رؤوسهم، ووجوههم مشرقة من نور ربهم، ثم يقول لهم رب العزة: انصرفوا إلى منازلكم، فيخرجون من عند ربهم، فتتلقاهم(1/83)
غلمانهم بدوابهم، فيركب الرجل منه على ما اشتهى من دوابه، ويركب معه سبعون ألف غلام على مثل الذي يركب، فيسبق من شاء بالبشرى إلى قصوره، ثم يسير معه سائرهم حتى يأتي أي قصر شاء من قصوره، فيخرج إليه خدمه، وغلمانه، وأزواجه من الحور العين، فيتلقونه خارجاً من قصره، فإذا دخل قصره قامت إليه زوجته فرحبت به وقالت/ له: لقد جئتني بنور وجه وجمال، وريح، وحلية، وكسوة لم أفارقك عليها، قال: فينادي ملك من عند الرحمن بصوت عال: يا أهل الجنة هكذا أنتم أبداً أجدد لكم الكرامة، والنعيم. قال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب يقولون لهم: سلام عليكم، ربكم يقرئكم السلام، معهم الأطعمة، والأشربة، والكسوة، والحلية فجند من الملائكة تدخل، وجند من الملائكة تخرج هكذا أبداً)).
248- قال: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المتحابون في الله في جنة عدن في قصور على عمد من ياقوت مشرفين على أهل الجنة مكتوب في جباههم، هؤلاء المتحابون في الله بخط من النور إذا أطلع أحدهم من قصره ملأ نور وجهه قصور أهل الجنة، كما يملأ نور الشمس الأرض، فيقول أهل الجنة: هذا رجل من المتحابين في الله قد أطلع، فينظرون إلى وجهه، فإذا هو كالقمر ليلة البدر)).
249- قال: وحدثني ابن المغيرة، عن العرزمي، عن مجاهد قال: إنما وصف لكم ما في الجنة مثل ما في الدنيا يشبهها لتعرفوه، وليس هو على حاله، ولا على لونه، ولا على طعمه، ولكن شبه لكم لتعرفوه))/.
250- قال: وحدثني أصبغ بن الفرج قال: كان الحسن البصري يقول: ما حليت جنة ما حليت لهذه الأمة، وذكر أن رجلاً تلا آية من كتاب الله عند النبي صلى الله عليه وسلم فيها ذكر الجنة، فرددها، ثم زفر زفرةً خرجت منها نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((خرجت نفس صاحبكم شوقاً إلى الجنة)).(1/84)
ما جاء في نوم أهل الجنة
251- قال عبد الملك: حدثني عبد الله بن نافع، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ فقال عليه السلام : ((لا تسألوني إلا ما ابتدائكم به، ثم قال: إن بلغت شهوتهم النوم، فإنه لهم، قالوا: يا رسول الله النوم مما يقر بأعيننا في الدنيا، فقال: إن النوم أخو الموت، وليس في الجنة موت، قالوا: فما راحتهم فيها يا رسول الله؟ فقال: وهل فيها من لغوب كل أمرهم راحة))، فأنزل الله تعالى: {لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوبٌ}.
ما جاء في تفسير النفس من الروح، وهو الجزء الثاني من كتاب عبد الملك ابن حبيب السلمي رضي الله عنه
/ قال عبد الملك بن حبيب رضي الله عنه: النفس غير الروح، والروح غير النفس، فالنفس صورة مصورة، وجسد مجسد لها يدان ورجلان، ورأس، وعينان، وهي في الجسد كخلق مركب عليه خلق، وكخلق في جوف خلق تسل من الجسد عند الوفاة بخلقها وصورتها، ويبقى الجسد بعدها جثة.
252- قال عبد الملك: هكذا أخبرني أصبغ بن الفرج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الرحمن بن خالد، وكان فقيهاً عالماً يعرف ما يقول، ولا يقول إلا ما علم.
قال عبد الملك: والروح إنما هو النفس الجاري في الجسد الداخل والخارج وهو للنفس بمنزلة الماء للحوت لا حياة للحوت إلا بالماء وكذلك لا حياة للنفس إلا بالروح.
قال عبد الملك: والنفس هي التي تلذ وتسر، وتفرح وتحزن، وتتوجع، وتتألم، وتعقل وتعرف، وتبصر، وتسمع، وتتكلم، والروح دون النفس لا تلذ، ولا تحزن، ولا تتألم، ولا تعرف شيئاً.
قال عبد الملك: وبيان ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: {الله يتوفى(1/85)
الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك/ التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى}.
قال عبد الملك: فالأنفس كلها تقبض عند الموت، وتبقى الأرواح في الأجساد لا تسمع، ولا تبصر، ولا تألم، ولا تحزن ولا تعرف شيئاً، والأنفس قد تألم في منامها، كما ترى، وتجزع، وتلذ، وتفزع.
قال عبد الملك: يقول الله تعالى في كتابه: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} يقول: يتوفى هذه، وهذه يتوفى التي تموت حين موتها، ويتوفى التي لم تمت حين نومها، فمن كان منهم قد انقضى أجله تبع روحه نفسه، ولم ينتبه، فرب رجلٍ مات في نومه، ومن كان منهم لم ينقض أجله رجعت النفس إلى الروح، فهو قوله تعالى: { فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى}.
253- قال عبد الملك: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليضطجع على جنبه الأيمن وليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، واليسرى على فخده اليسرى، فإنها وفاة، وليقل هذه الكلمات: رب باسمك وضعت جنبي، وباسمك اللهم أرفعه/ أنت خلقتني، وأنت تتوفاني تتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فتمسك التي قضيت عليها الموت، وترسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى اللهم إن أسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك)).
قال عبد الملك: ومثل هذا أيضاً قوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} يعني وفاة الأنفس عند النوم دون الأرواح، ويعلم ما جرحتم بالنهار يعني ما أذنبتم بالنهار، ثم يبعثكم من وفاة نومكم، وقوله تعالى فيه يعني: في النهار ليقضى أجل مسمى يعني: أجل الموت، يقول: يبعثكم من نومكم لتبلغ المدة، وينتهي الأجل، ثم إليه مرجعكم يقول: مرجعكم من بعد الموت، ثم ينبئكم بما كنتم تعملون، يقول: يجزيكم بأعمالكم إن كانت خيراً فخير، وإن كانت شراً فشر.
قال عبد الملك: وكان بعض العلماء يقول: كيف تشكون في البعث بعد الموت، وأنتم تموتون كل ليلة، ثم تبعثون، يعني موت النوم، والبعث منه.(1/86)
قال عبد الملك: وليست تموت الأنفس، والأرواح بموت الأجساد إنما تموت الأجساد بخروج الأنفس، والأرواح منها، وبخروج، الأنفس، والأرواح حية عند الله تبارك وتعالى غير ميتة، وذلك بين في كتاب الله تعالى، يقول الله عز وجل: {كلا إذا بلغت التراقي} –يعني الأنفس- {وقيل من راق} يقول: من يريقها، فترجع {وظن أنه الفراق} يقول: وعلم أنه الفراق من الدنيا، {والتفت الساق بالساق} يعني كرب بكرب الآخرة، والساق في كلام العرب الكرب، يقول: التفت كرب الدنيا، وهو الموت بكرب الآخرة، وهو المطلع {إلى ربك يومئذٍ المساق} فقد أخبرك أن مساق النفس حينئذ إلى الله عز وجل، ولو كانت تموت بموت الأجساد لها لما قال إلى ربك يومئذ المساق، وفي الآية الأخرى قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم. وأنتم حينئذٍ تنظرون} يعني: من حضر الميت {ونحن أقرب إليه منكم} يعني الملائكة الموكلون بقبض الأنفس مع ملك الموت {ولكن لا تبصرون} يعني لا تبصرونهم {فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين} ثم أخبر بما تصير إليه بعد خروجها من جسدها، فقال: {فأما إن كان من المقربين} يقول: من أشراف أهل الجنة {فروحٌ وريحانٌ} فالروح الرحمة، والريحان الرزق الحسن {وجنت نعيمٍ/ وأما إن كان من أصحاب اليمين} يعني فالخير، والبركة لأصحاب اليمين {وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزلٌ من حميمٍ. وتصلية جحيمٍ} فأخبرك بنزول النفس بعد خروجها من جسدها، ولو كانت تموت بموت الجسد، ما كان لها نزل، إنما يكون النزل لمن هو حي ينعم بذلك المنزل، أو يشقى به، وليس يكون النزل لمن هو ميت، لأنه لا ينعم بشيء، ولا يشقى به، وقال أيضاً في الآية الأخرى {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} يعني أرجعوني إلى جسدي {لعلي أعمل صالحاً فيما تركت} يعني من المال الذي لم يعمل فيه صالحاً، فلو كانت نفسه تموت، أو يموت جسده لم تسأل الرجعة، وهي ميتة، فكل هذا من الله برهان واضح لمن أراد الله هداه، وألهمه تقواه.
قال عبد الملك: وإنما يقول: الأرواح والأنفس تموت رجلان: رجل جاهل بأمر الله لا يعرف ما يقول، أو رجل زنديق كافر مكذب بما بعد الموت، ألا ترى قول الله تعالى الذي فسرت لك { يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى} فقد(1/87)
أعلمك عز وجل أنه يمسكها/ عنده، وما أمسك عنده فحي غير ميت، وإنما تموت الأجساد ها هنا بإمساك الله الأنفس، وإنما قال: {فيمسك التي قضى عليها الموت} ولم يقل فيميت التي قضى عليها الموت، فافهم، واحذر قول أهل التكذيب فقد فشا في الناس منه طرف خفت التضليل به على العباد، فلذلك تكلفت تفسير ما فسرت لك، وإيضاح ما أوضحت.
وفي قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بيان من هذا حين يقول في خطبته: (ألا ترون أيها الناس أنكم في أصلاب الهالكين، وفي بيوت الميتين وفي دار الظاعنين أحياء، مثلكم كانوا بالأمس، فاصبحوا في دار الخالدين بين آمن روحه إلى يوم القيامة، وبين معذب روحه إلى يوم القيامة).
254- حدثني ابن أبي أويس وابن عبد الحكم، وأصبغ بن الفرج، وهو قول أهل السنة وجماعة الأئمة لم يختلف فيه أحد منهم أن الأرواح بعد الموت على ما وصف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بين روح آمن إلى يوم القيامة، وبين روح معذب إلى يوم القيامة، والأرواح والأنفس بعد الموت شيء واحد، إنما يتميز في الأجساد قبل الموت، فالنفس هي التي تقبض عند النوم، وهي التي تفهم، وتعرف، وتبقى الروح/ وهو النفس الجاري فإذا انقضى الأجل تبع الروح النفس وصارت كلها أرواحاً حية عند الله تعالى السعداء منها والأشقياء، فالشهداء منها آمنة منعمة، والأشقياء منها معذبة، وقد أبان الله عز وجل ذلك في آيات كثيرة في كتابه منها قوله تعالى في أرواح الأشقياء {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً}.
255- وروى مالك، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا مات عرض على مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة))، وقال عز وجل في أرواح السعداء: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون}. وقال في أرواح السعداء من غير أهل الشهادة إنهم مع الشهداء عند الله، وذلك قوله تعالى:(1/88)
{والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم}.
وقال أيضاً: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن/ أولئك رفيقاً} فجمعهم كلهم في الجنة، وذلك إنما هما منزلتان: جنة، ونار ممن شهد بأي وجه سعد به من طاعة الله بشهادة، أو غيرها في الجنة مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين إلا أن الدرجات منهم متفاضلة، ومن شقي بأي وجه شقي به من معصية الله فإلى النار مع من صار إلى النار من آل فرعون وغيرهم، إلا أن إدراكهم فيها مختلفة، وقد قال الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} ومن عصى الله إلى يوم القيامة، فهم من آل فرعون، كما أن من أطاع الله إلى يوم القيامة، فهو من آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أبان الله عز وجل في هذه الآيات حياة الأرواح بعد الموت، وأنها غير ميتة، وقد روى مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه الله يعلق نصيب منها، ولا يصيب منها إلا وهو حي غير ميت)).
قال عبد الملك: وإنما تخمد الأرواح كلها أرواح السعداء وأرواح الأشقياء في البرزخ بين النفختين نفخة الصعق، ونفخة البعث/ يقول الله عز وجل: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في والأرض إلا من شاء الله} وقوله تعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون} خمدوا عند الصعق، فدخلت الأرواح كلها في ذلك، وذلك لأنها أحياء عند ربها غير أموات إلا من استثنى بقوله: {فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} يعني الشهداء فإنهم لا يصعقون، ولا يخمدون، ولا يفزعون لتلك الصيحة التي صعق، وخمد من شر بها من في السموات، ومن في الأرض تفضيلاً من الله لهم، ومن أجل خمود الأرواح ما بين النفختين، قال الأشقياء منهم عند نفخة البعث، وهي النفخة الثانية التي يبعثون إلى الله فيها {ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون. قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} للراحة التي كانوا فيها فيما بين النفختين من العذاب الذي كانوا فيه قبل النفخة الأولى بما صعقوا بما صاروا إليه بعد النفخة الثانية التي بها حيوا، فلما واجههم العذاب قالوا: {يا ويلنا من بعثنا(1/89)
من مرقدنا} وإنما يدعو بالويل أهل النار فأجابهم السعداء {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} يقولوا: هذا البعث/ الذي وعدنا الرحمن في الدنيا أن يصيروا إليه يوم القيامة وصدق المرسلون الذين جاؤوا بذلك من الله، لأن الأشقياء الذين دعوا بالويل لم يكونوا مصدقين به في الدنيا، فمنهم من كذبه بالقول، ومنهم من كذبه بتضييع العمل، وإيثار العاجلة عليه، قال الله عز وجل: {إن كانت إلا صيحةً واحدةً فإذا هم جميعٌ لدينا محضرون} فافهم تمييز اللفظ من هذه الآية من الفريقين جميعاً على المعنى الذي فسرت لك، فإنه لم يختلف فيه أهل السنة، وأهل الإيمان بالله، وأهل العلم به، وبالمعاد بعد الموت.
256- وقد حدثني أسد بن موسى، عن الفضيل بن عياض، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: للكافر هجعة قبل يوم القيامة، وذلك في البرزخ ما بين النفختين إذا صيح بأهل القبور قالوا: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} قال المؤمنون لهم: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
قال عبد الملك: والبرزخ الذي بين النفختين أربعون عاماً قال الله عز وجل: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} وقد فسرنا ذلك في كتاب القيامة.
ما جاء في خروج.. ..
257- / قال: حدثنا عبد الملك بن حبيب في قول الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} قال: يسلط على قبض الأنفس كما يسلط الرجل على قبض ما في راحته فإذا قبض نفساً مؤمنة دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإذا قبض نفساً كافرة دفعها إلى ملائكة العذاب فذلك قوله في كتابه العزيز: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} يعني يتوفاهم ملك الموت، ثم يصعدون بها إلى الله عز وجل قوله: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين} ومثل ذلك قوله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} يعني ملك الموت.(1/90)
كذلك حدثني أسد بن موسى، عن الكلبي في ذلك كله.
257م- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الكلبي في قول الله تعالى: {كلا إذا بلغت التراقي} قيل: يعني به: النفس، {وقيل من راقٍ} قال: من يرقيها، فترجع {وظن أنه الفراق} قال: علم أنه الفراق من الدنيا {والتفت الساق بالساق} قال: كرب الدنيا بكرب الآخرة {إلى ربك يومئذ المساق} قال: يعني خروج النفس، وفي قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} قال: هي النفس {وأنتم حينئذ تنظرون}/ يعني من حضر الموت {ونحن أقرب إليه منكم} يعني الملائكة.
258- قال عبد الملك: وحدثني ابن المغيرة، عن مالك بن مغول عن الحصين بن عبد الرحمن، عن ابن عباس قال: إذا احتضر العبد المؤمن أتاه ملك فعمر وبينه، فعند ذلك يشخص بصره ويعاين ملك الموت، ويذهل عن الدنيا.
259- قال: وحدثني أبو محمد الحنفي، عن أبي معشر المدني، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ميت يموت إلا وله خوار يسمعه كل دابة عنده إلا الإنسان لو سمعه صعق)).
قال عبد الملك: وبلغني أن الميت يموت عطشاناً، ويبعث عطشاناً، فيأتي الحوض، فإن شرب شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وإن صرف عنه نادى وا طول عطشاه)).
260- قال: وحدثني أصبغ بن الفرج عن أبي صخر أنه سمع محمد بن كعب القرظي، يقول: إذا احتضر العبد الصالح جاءه ملك، فقال له: السلام عليك يا ولي الله ربك يقرأ عليك السلام، ثم نزع بهذه الآية قوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}.
261- قال: وحدثني الطلحي، وقال: حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في/ قول الله تبارك وتعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} يعني في طاعته {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا} يعني عند موتهم، وعند خروجهم من قبورهم {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}(1/91)
فيقولون لهم: من أنتم يرحمكم الله، فيقولون لهم: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} فيقولون: من عند من؟ فيقولون: {نزلاً من غفورٍ رحيمٍ}.
262- قال عبد الملك في تأويل حديث مالك: رواه عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: ((إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه)).
قال عبد الملك: إنما ذلك عند حلول الميت، ومعاينة ما يعانيه عند نزول الموت به من خير أو شر، فأما قبل ذلك فكل يكره الموت.
263- والحديث مستفاض قد حدثنيه أبو معاوية المدني، عن يزيد بن عياض، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء/ الله كره الله لقاءه)).
264- وحدثنيه عبد الله بن موسى الكوفي، عن زكريا، عن الشعبي، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)).
265- قال: وحدثني ابن أبي حازم، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))، فقال القوم: كلنا نكره الموت يا رسول الله! فقال: ((إن المؤمن إذا احتضر بشر، وأري خيراً، فإذا رأى ذلك، ود أنها قد خرجت حباً للقاء الله، والله يحب لقاءه، وإن الفاجر، أو الكافر إذا رأى مما يرى ما يسوؤه ود أنها لا تخرج أبداً كراهية للقاء الله، والله يكره لقاءه)).
266- قال: وحدثني أصبغ بن الفرج، عن الأعمش، عن أبي عطية، عن(1/92)
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحب الله عبداً يسر له ملكاً قبل موته بعام، فسدده، ووفقه، ويسره للخير حتى يموت على خير ما كان عليه، فإذا احتضر، ورأى مكانه من الجنة أرادت نفسه الخروج، فذلك حين يحب لقاء الله، ويحب/ الله لقاءه، وإذا أراد الله بعبد شراً قيض له شيطاناً قبل موته بعام فصده، وفتنه، وأضله حتى يموت على شر ما كان عليه، فإذا احتضر، ورأى مكانه من النار ابتلع نفسه كراهية أن تخرج فذلك حين يكره لقاء الله، ويكره الله لقاءه)).
267- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن القاسم بن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم} ثم قال عليه السلام : ((والذي نفسي بيده ما منكم من بشر تفارق روحه جسده حتى يرى أي المنزلتين يصير، وأنه إذا نزل به الموت صف له سماطان من الملائكة يملأون ما بين الأفقين كأن وجوههم الشمس، فتخطف بصره إليهم، فلا يرى غيرهم، وإن كنتم تظنون أنه ينظر إليكم مع كل ملك منهم كفن وحنوط، فإن كان من أهل الحق والثبات في دينه، بشروه بالجنة، وقالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى رضوان الله إلى ما أعد الله لك من الكرامة، اخرجي من هذا المأوى الذم الذي أنت فيه، فقد أعد الله لك من/ الكرامة ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، فقال النبي عليه السلام : ((فلا يزالون يبشرونه ويعزونه، ويسلونها من بين ظفر ظفر، وعضو عضو، ويموت الأول، فالأول، من أعضاء جسده، ويهون عليه وإن كنتم ترون أنه يشدد عليه حتى يرفعونها في صدره، فيضيق بها، ثم يبشرونه، ويعدونه، ويسلونها شيئاً فشيئاً حتى يبلغوا بها ذقنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلهي أشد خروجاً من الولد حين يخرج من الرحم، فيبتدرونها كلهم، فيتولى قبضها ملك الموت صلى الله عليه وسلم الذي وكل بها، وقرأ هذه الآية: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} فيتلقاها بأكفان بيض، فيلفها فيها، ثم يحتضنها فوالذي نفسي بيده لهو أشد لزوماً لها، ورفقاً بها من البكر بواحدها، ويفوح لها فيهم ريح أطيب من المسك فيستنشقون ريحها، ويتباشرون بها، ويقولون رآها لهذا الروح الطيبة، والنفس الطيبة؛ اللهم صل على روحه وصل على جسد خرج منها، ثم يدفعها إلى ملائكة الرحمة، ونزع بهذه/ الآية: {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} يعني يتوفاها من ملك الموت حين يقبضونها منه، فيصعدون بها إلى السماء، ولله خلق في الهوى لا يعلمهم إلا هو، فيفوح لها فيهم ريح أطيب(1/93)
من المسك فيكم، فيصلون عليها ما بين السماء والأرض، ويفتح لها أبواب السماء كلها ما منها باب إلا وهو يحب أن تدخل منه، ويصلون عليها حتى توقف بين يدي الجبار تبارك وتعالى فيقول لها: مرحباً بالنفس الطيبة، وبجسد خرجت منه، وإذا قال الجبار لشيء: مرحباً رحب به كل شيء من شأنه، وذهب عنه الضيق، ثم يقول: اذهبوا بهذه النفس، فأروها مقعدها من الجنة، وما أعددت لها من النعيم، والكرامة، ثم اهبطوا بها الأرض فإني قضيت أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتقول: أين تذهبون بي إلى ذلك الجسد الذي كنت فيه، فيقولون: إنا مأمورون بهذا ولا بد منه، فيهبطون بها قدر ما فرغ من غسل الجسد وتكفينه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي بعثني بالحق إنهم ليدخلون بين الجسد، وأكفانه فما خلق الله/ كلمة يتكلم بها حبيب، ولا بغيض إلا وهو يسمعها إلا أنه لا يؤذن له بالمراجعة، فلو سمع أشد الناس له بغضاً في الدنيا، يقول: اعجلوا به، ثم أذن له بالرجوع ليشكر له، وإن كان أشد الناس له بغضاً حتى يؤتى به حفرته، فيوضع، فإذا فرغ منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والذي بعثني بالحق إنه ليسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم من التراب إذا ولوا عنه، ثم يأتيه فتانا القبر منكر ونكير، ملكان أسودان أزرقان بطنان في شعورهما، وينحتان الأرض بأنيابهما معهما أرازب الحديد، والمقامع، والأغلال، والسلاسل، فيقولون له: اقعد بإذن الله، فإذا هو مستوٍ جالس فيرى خلقاً فظيعاً كريهاً ينسيه ما أتاه عند الموت، فينتهرانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: وما علمك؟ فيقول: جاءنا من عنده نبي وكتاب، فآمنا وصدقنا، واتبعنا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له: فمن نبيك هذا الذي تذكر؟ فيقول محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقولان: فما دينك؟ فيقول: الإسلام، فيرددان/ المسألة ثلاث مرات، فيثبته الله، ونزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية: {يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} يعني في القبر، فيسمع نداءً خفيفاً من الهواء صدق عبدي، فلينفعه الصدق، فيقولان له: انعم بما حباك الله قرير العين، ويفسح له في قبره، ويفتح له باب إلى الجنة يرى مقعده منها، وما أعد الله له فيها، وتهب له منها أرواح الجنة، ويصير إلى عليين)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وإن كان من غير أهل الجنة، والثبات في دينه، فإذا نزل به الموت صف له سماطان من الملائكة فيملأون ما بين الأفقين فيخطف بصره إليهم فما يرى غيرهم، وإن كنتم تظنون أنه ينظر إليكم قال: وشدد عليه، وإن(1/94)
كنتم تظنون أنه يخفف عنه، ويقولون: اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى ما أعد الله لك من العذاب، والنكال كذا وكذا، فلا يزالون يسلونها من بين ظفر ظفر، وعضو عضو ويموت الأول، فالأول من أعضاء جسده، وتنشط نفسه كما ينشط الصوف/ المبتل بالسفود بالشعب حتى يوقعونها في صدره، فلهي أشد خروجاً من الولد حين يخرج من الرحم، ثم يسلونها حتى تبلغ الذقن، فيبتدرونها، فيتولى ملك الموت صلى الله عليه وسلم قبضها الذي وكل، فيلفها في خرقة سوداء، ويفوح لها فيهم ريح أنتن من الجيفة، فيسدون على أنوفهم ويقولون: اللهم العنها نفساً، والعن جسداً خرجت منه، ثم يدفعها إلى ملائكة العذاب، ومعهم سرابيل من قطران، وثياب من النار، فيصعدون بها، ويلعنها كل ملك بين السماء والأرض، ويغلق دونها أبواب السماء ليس منها باب إلا وهو يكره أن تدخل منه، فيقول الجبار عز وجل: لا مرحباً بهذه النفس الخبيثة، ولا بجسد خرجت منه، وإذا قال الجبار: لا مرحباً لشيء ذهب الترحيب عنه، وأقبل عليه الضيق كله، ثم يقول الله تعالى: انطلقوا بها إلى جهنم، فاعرضوا عليه مقعده منها، وما أعددت له فيها من النكال والهوان، ثم اهبطوا بها إلى الأرض، فإني قضيت أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى قال: فيهبطون بها قدر ما فرغ من غسل/ الجسد وتكفينه، فوالذي بعثني بالحق ليدخلون ذلك الروح بين جسده، وبين أكفانه، فما خلق الله من كلمة يتكلم بها حبيب، أو بغيض إلا وهو يسمعها، إلا أنه لا يؤذن له بالمراجعة، فلو سمع أحب الناس إليه، يقول: اخرجوا به، ثم أذن له بالمراجعة للعنه، ويود أنه لو مشى به كما هو لا يبلغ حفرته إلى أن تقوم الساعة، ولو سمع أشد الناس بغضاً له يقول: على رسلكم ما يعجلكم، ثم أذن له بالمراجعة ليشكر له، فإذا دخل قبره جاءه الملكان معهما أرازب الحديد، ومقامع النار، والسلاسل والأغلال، فيقولان له: اقعد بإذن الله، فإذا هو مستوٍ جالس، فيرى خلقاً كريهاً فظيعاً، فينتهرانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: أنتما، فيغضبان، وينتفضان، فيضربانه فلا يبقى منه عضو إلا تطاير، والذي بعثني بالحق لو وضعت أزربة واحدهما. ثم اجتمع الثقلان ما حركوها، ثم يقولان له: عد بإذن الله، فإذا هو مستوٍ جالس، فيقولان له من ربك؟ فيقول: لا أدري، ثم يقولان له: من نبيك، فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون: محمداً، ولا أدري، فيقولان:/ له لا دريت على الشك حييت، وعليه مت، فنم نومة المنهوس، ويضيق عليه في قبره، ويفتح له باب إلى جهنم، فيرى مقعده منها، وتلفحه النار، ويصير إلى سجين إلى أن ينفخ في الصور.(1/95)
268- قال عبد الملك: وحدثني المقبري، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولم يلحد بعد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض كأنه ينكث شيئاً، ثم رفع رأسه، فقال: ((الله إني أعوذ بك من عذاب القبر رددها ثلاثاً، ثم قال: إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وانقطاع من الدنيا تنزلت عليه الملائكة كأن وجوههم الشمس فتخطف بصره إليهم، فلا يرى غيرهم))، ثم ساق الحديث كله على وجهه إلا ما كان من اختلاف اللفظ.
269- قال: وحدثني أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن عبد الله بن عباس، عن إسماعيل بن رافع قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم /، قال: ((إذا قبض الله عبده المؤمن الكريم عليه دعاه ملك الموت عليه السلام، فقال له: اذهب يا ملك الموت فأتني بروح وليي لنرح عبدي فحسبي من عمله، فقد بلوته في السراء، والضراء فوجدته حيث أحب فيذهب ملك الموت عليه السلام، فيأخذ من مسك الجنة الأذفر، ومن حريرها الأبيض، ثم يهبط، ويهبط بأثره خمسمائة ملك ليس منهم ملك إلا ومعه بشارة من الله إلى ذلك الولي، وليس منهم ملك يدري ما مع صاحبه من البشارة، وليس منهم ملك إلا ومعه من رياحين الجنة، فإذا أهبطوا حدقوا بالأرض، وتولى الله، وجلس ملك الموت عند رأسه يقول له: يا ولي الله ارتحل من الدنيا، فليست لك بدار، وليست لك بوطن، ولكن يا ولي الله لا بد أن تذوق ما ذاق إخوانك من قبلك قال: فملك الموت أرفق سلاً بإخراج نفسه ألطف من الوالدة بولدها فإذا دنت نفسه للخروج، وكانت عند دفنه أكب عليه الخمسمائة ملك الذين جاؤوا مع ملك الموت عليه السلام: يبشرونه بالبشارة التي أرسلهم الله بها إليه، وليس منهم ملك إلا/ وهو يضع على بقعة من جسده من تلك/ الرياحين كل ذلك لطفاً به، وترحيباً، فإذا خرجت نفسه لفها ملك الموت عليه السلام في ذلك المسك، والحرير ثم يعرج بها إلى سماء الدنيا، وتثبت الخمسمائة ملك عن جسده عند أهله حتى إذا دنا ملك الموت من سماء الدنيا تلقاه جبريل عليه السلام في سبعين ألف موكب فأخذ الروح منه، ثم عرج به جبريل حتى يضعه بين يدي الجبار تبارك وتعالى، فيقول الله الكريم: اذهب يا جبريل فضع روح عبدي في جسده، فيدخل بين جسده، وكفنه، فإذا حمل على سريره هبط خمسمائة ملك آخرون سوى الذين جاؤوا مع ملك الموت، فيجلسون صفين ما بين منزله، إلى قبره يستقبلون جنازته بالاستغفار، فإذا دلي إلى قبره،(1/96)
وحثي عليه التراب، وولى القوم عنه جاءته الصلاة والزكاة، فكانتا عند يمينه، وجاءه الصوم، فكان عن شماله، وجاءه ذكر الله، وتلاوة القرآن فكان عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الجمع، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، فكان عند رجليه، وجاءه الصبر، فلم يجد مجلساً فجلس ناحية من قبره، فيخرج الله عنقاً من العذاب، فيأتي على يمينه، فتقول الصلاة والزكاة: وراءك عنا لا سبيل له عليه، إنما استراح/ ولي الله هذه الساعة، ثم يأتيه من قبل رأسه، فيقول: ذكر الله، وتلاوة القرآن وراك عنا لا سبيل لك عليه إنما استراح ولي الله هذه الساعة، فيأتيه من قبل رجليه فيقول: مشيه إلى الجمع، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز وراءك عنا لا سبيل لك عليه، إنما استراح ولي الله هذه الساعة، فلما لم يجد شيئاً انقمع فدخل في الأرض، فيقول الصبر: يا هؤلاء أما إذ كفيتموه من عذاب القبر، فسأكفيكموه عند الموازين إذا نصبت، ثم يأتيه منكر، ونكير، وهما ملكان أسودان أزرقان بطيان في شعورهما، وينحتان الأرض بأنيابهما كلامهما كالرعد القاصف، وأعينهما مثل البرق الخاطف، ونفسهما مثل اللهب، وألوانهما مثل الليل المظلم، فيقولان له: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، فيقولان له: قد علمنا إن كنت لمؤمناً فيفتحان له باباً إلى النار، فينظر إلى ما أعد الله لأهل معصيته من العذاب، والنقمة، ثم يغلقان ذلك الباب دونه، ويقولان له: لا تخف يا ولي الله من هذه النار أبداً، ثم يفتحان له باباً إلى الجنة، فينظرا إلى ما أعد الله لأهل طاعته من الكرامة والنعيم، فيقولان: أما إن هذه يا ولي الله دارك، وقرارك فيدخل من ذلك الباب روح/ الجنة، وطيبها فيقولان له: انعم فينعم نعمة العروس، ويصير إلى عليين حتى يبعثه الله يوم القيامة.
270- قال: وحدثني أبو محمد الحنفي، عن أبي ذئب، عن محمد بن عمر بن عطاء، عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك إلا ما اختلف من اللفظ.
271- قال عبد الملك بن حبيب في قول الله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة}.
قال عبد الملك: لا تفتح لهم أبواب السماء لأرواحهم إذا قبضت، وذلك أن الأرواح إذا قبضها ملك الموت عليه السلام، فما كان منها سعيداً دفعه إلى ملائكة الرحمة وما كان منها شقياً، دفعه إلى ملائكة العذاب فيصعدون به هؤلاء وهؤلاء، فأما السعيد، فتفتح له أبواب السماء ليس منها باب إلا وهو يحب أن يدخل منه،(1/97)
وتصلي عليه الملائكة ملائكة كل سماء حتى تنتهي به إلى العرش، فيرحب به الجبار عز وجل: ومن رحب به الجبار عز وجل رحب به كل شيء من أمره، وذهب عنه الضيق كله، ثم يقول الكريم العزيز: اذهبوا به إلى الجنة فأروه مقعده منها، وما يصير إليه منها، ثم يهبط به إلى جسده قدر ما فرغ/ من غسل الجسد، وتكفينه، فيدخل بين كفه وجسده، حتى يذهب به إلى قبره.
قال عبد الملك: وأما روح الشقي، فتغلق دونه أبواب السماء، فيقول الجبار عز وجل: لا مرحباً به اذهبوا به إلى أمه الهاوية، فأروه مقعده منها، وما أعددت له فيها من العذاب، والنكال، فيرسله الملك الموكل به من يده من السماء فيهوي به إلى الأرض ويهوي في طلبه، فيكون هول ذلك أشد عليه من هول الموت حتى يهوي به إلى سجين، وهي صخرة سوداء على شفير جهنم، فيها أرواح الكفار، والأشقياء الفجار، فيقال له: هذا مثواك إلى يوم القيامة، ويعرض عليه مقعده من النار، وما أعد الله له فيها ثم يعرج به إلى جسده، فيدخل فيما بين الجسد والكفن حتى يدخل لحده، فإذا أدخل الجسد اللحد، وسوي عليه قبره السعيد، والشقي أعيد في كل واحد روحه للفتنة التي كتبها الله عليه، وعلى كل مقبور، فأما السعيد فيثبته الله، وأما الشقي فيضله الله، وذلك قوله في كتابه: {يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} يعني القبر، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء فيهدي المؤمن، ويعذب الكافر، وقد/ سقت ما جاء في ذلك في موضعه من هذا الكتاب.
قال عبد الملك: ويصير قبر المؤمن عليه في ذلك الوقت روضة من رياض الجنة، ويصير قبر الشقي عليه في ذلك الوقت حفرة من حفر النار.
272- قال: وحدثني أبو محمد الحنفي، عن نافع القارئ، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((للمؤمن في قبره روضة خضراء، ويرحب به في قبره، وينور له فيه)).
273- قال: وحدثني الطلحي، عن أبي حازم، عن أبيه أنه كان يقول: إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
ما جاء في عذاب القبر
274- حدثني مطرف، وغيره عن مالك بن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية جاءت تسألها، فقالت: أعاذك(1/98)
الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من ذلك))، ثم إن الشمس كسفت، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الكسوف، ثم انصرف، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر.
275- قال: وحدثني/ مطرف وغيره، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة حين كسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس، فأشارت بيدها إلى السماء، ثم قالت: سبحان الله، فقلت: آية: فأشارت أن نعم، فقمت حتى تغشاني العشى، وجعلت أصب فوق رأسي الماء، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم يؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل، فأما المؤمن فيقول: هو محمد جاءنا بالبينات، والهدى، فأجبنا، وآمنا، واتبعنا، فيقال له: نم صالحاً، فقد علمنا أن كنت لمؤمناً، وأما المنافق، أو المرتاب، فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
276- وحدثني الأوسي، عن محمد بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات على اليقين أقعد على اليقين، ومن مات على الشك أقعد على الشك)) يعني: في القبر.
277- قال: وحدثني مطرف، وغيره عن مالك، عن أبي الزبير، عن مطرف بن موسى، عن طاوس/ اليماني، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء، كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا، والممات)).(1/99)
278- قال: وحدثني مطرف، وغيره عن ملك، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط، فسمعته يقول: ((اللهم أعذه من عذاب القبر)).
279- قال عبد الملك: ورواه المقبري، وسفيان الثوري، وابن أبي ذئب، وابن سمعان، والليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد بن المسيب كما رواه مالك.
280- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من عذاب القبر.
281- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: ((كيف بك يا عمر إذا دخلت قبرك، ودخلا عليك فتانا القبر، منكر ونكير، فقال عمر: وما منكر ونكير يا رسول الله؟ قال: ملكان/ أسودان أزرقان بطيان في شعورهما، وينحتان الأرض بأنيابهما معهما أرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل منى لم يطيقوها، وهي أهون عليهما من هذا، ودفع شيئاً من الأرض، قال عمر: فكيف أنا يومئذ يا رسول الله؟ قال: كهيئتك اليوم. قال: إذاً اكفيهما يا رسول الله)).
282- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتاني القبر، فقال عمر: أترد علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال: ((نعم كهيئتكم اليوم)) قال عمر: فبقية الحجر.
283- قال: وحدثني عبد العزيز الأوسي، عن محمد بن عبيد، عن عمر، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما فتنة القبر بي، فإذا سئلتم عني، فلا تشكوا، قالت: فقلت: يا رسول الله كيف أصنع، وأنا امرأة ضعيفة؟ قال: {يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
284- قال: وحدثني ابن أبي أويس، عن محمد بن هلال عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول: إن الميت حين يقبر إنه ليسمع خفق نعالكم إذا وليتم عنه.(1/100)
285- قال: وحدثني أسد بن/ موسى، عن عنبسة بن سعيد، عن كثير، عن عبيد، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه ليسمع خفق نعالكم إذا وليتم عنه مدبرين، ثم يجلس فيوضع كفيه في عنقه، ثم يسأل)).
286- قال: وحدثني هارون الطلحي، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل المؤمن في قبره أتت إليه ملائكة العذاب، وحفت به الأعمال الصالحة من دونهم، ثم قالوا: ألا والله لا تخلصوا إليه، فإذا بشيء يكلمهم من جانب القبر يخبرهم خبراً، فتقول الأعمال: من أنت يرحمك الله؟ فيقول: أنا الصبر أما إني لو رأيت فيكم خللاً لسددته، ولكني صاحبه عدا إلى الموازين أكفيكموه إن شاء الله يوم القيامة قال عليه السلام: وإن كان شقياً أسلمته الأعمال إلى ملائكة العذاب)).
287- قال: وحدثني الطلحي، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل على الرجل الصالح عمله الصالح في قبره، ويبعث معه إذا بعث في أحسن صورة رجل رآه أحد قط أحسنه وجهاً، وأطيبه ريحاً، وأحسنه لوناً، فيجلس إلى جنبه، فلا يرى/ الرجل هولاً، ولا مكروهاً إلا قال ما لك؟ ما عليك من هذا شيء، ولا على من كان مثلك، فلا تحزن فيقول: الحمد لله الذي خصني بمجالستك فيقول: أوما تعرفني؟ فيقول: لا والله، فمن أنت يرحمك الله؟ فيقول له: صحبتك في الدنيا، ولا تعرفني أنا عملك، فيقول: عملي أي والله تراني حسناً؟ فيقول: نعم، فيقول: إن عملك، والله كان حسناً، فلا يفارقه حتى يدخله الجنة)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ويدخل على الشقي عمله السوء في قبره، ويبعث معه إذا بعث في أقبح صورة رجل رآه أحد قط، وأنتنه رائحة فيجلس إلى جانبه، فيعظم عليه كل هول رآه، فيقول الشقي ما لي وما لك من بين الناس خصصت بمجالستك؟ فيقول له: صحبتك في الدنيا، ولا تعرفني، فيقول: لا أعرفك، ولا أحب أن أعرفك، فيقول: أنا عملك. فيقول: عملي، فيقول: أي والله تراني قبيحاً، فيقول: أي والله، فيقول: عملك، والله كان قبيحاً تراني منتن الريح؟ فيقول: أي والله، فيقول: إن عملك كان منتناً، فلا يفارقه حتى يؤمر، فيذهب به إلى النار)).(1/101)
288- وحدثني مطرف، عن ابن أبي حازم، عن سعد بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن مسعود أنه قال: من قرأ:/ {تبارك الذي بيده الملك} كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر يؤتى من قبل فيه، فتقول تبارك: لا تستطيعونه قد كان يقرأني كل ليلة، فليس لكم إليه سبيل، ثم يؤتى من قبل بطنه، فتقول تبارك: لا تستطيعونه قد وعاني سورة الملك، ثم يؤتى من قبل رجليه، فتقول تبارك: قد كان يقرأني كل ليلة، فلا سبيل لكم عليه، قال ابن مسعود: فكنا نسميها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : المانعة من قرأها كل ليلة فقد أكثر، وأصاب.
289- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبيه أن رجلاً من أهل القرآن أوتي إلى قبره، فقيل له: إنا ضاربوك مائة ضربة من عذاب الله، فلم يزل يناشدهم، وينقصونه ضربة ضربة حتى بقيت ضربة، فقيل له: ليس بد منها، فقال لهم: ففيم تضربوني؟ فقالوا: لا نخبرك حتى نضربك، فضربوه فاضطرم قبره عليه ناراً، ثم أعيد فيه الروح، فقال لهم: فيم ضربتموني؟ فقيل له: استنصر بك مظلوم فلم تنصره، وصليت يوماً بغير وضوء)).
290- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن الفراء، عن العلاء بن المسيب، عن زاد بن أبي عمر قال:/ لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته جلس عند القبر، فتربد وجهه، ثم سري عنه، فسأله بعض أصحابه فقال: ذكرت ابنتي، وضعفها، وعذاب القبر، فدعوت الله أن يفرج عنها، وأيم الله لقد ضمت ضمة، ثم رحى عنها.
291- قال: وحدثني الماجشون، وغيره، عن الدراوردي، عن ابن الهاد، عن جابر بن عبد الله قال: جاء جبريل عليه السلام فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؟ ففتحت له أبواب السماء، وتحرك له العرش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد بن معاذ قد مات، فشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازته، وجلس عند قبره، وهو يدفن، فبينما هو جالس قال: ((سبحان الله سبحان الله، فسبح القوم، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، فكبر القوم، ثم قال: شدد على هذا العبد الصالح، ثم فرج عنه)).
292- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن معاذ، ولقد ضم ضمةً ثم عافاه الله منها، وذلك من أثر البول)).(1/102)
293- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :/ قال: ((تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر من البول)).
294- قال: وحدثني الأوسي، عن الرحال محمد بن عبد الرحمن، عن أبي الحسين المكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يعذب أحد من هذه الأمة في قبره إلا في إحدى ثلاث النميمة، والغيبة، والبول)).
295- قال: وحدثني محمد بن سلام، عن حماد بن زيد، عن عمر بن دينار، عن طاوس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مر بقبرين يعذب صاحباهما، فقال: ألا إن هذين يعذبان في قبورهما، وما يعذبان في كبير كان أحدهما يأكل لحوم الناس، وكان الآخر لا يحتفظ البول، ثم دعا بجريدة رطبة، فشقها فلقتين، ثم وضع على قبر ذا فلقة، وعلى قبر ذا فلقة، ثم قال: لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين)).
296- قال: وحدثني مطرف، عن أبي حازم، عن سهيل بن أبي صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس مثله.
297- قال: وحدثني المكفوف، عن الحرامي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن النحلي، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مر على قبر، وأنا معه، فسمع صياحاً من القبر، فقال: يا أنس هذا يعذب في قبره، ولولا ألا يدافنوا لسألت/ الله أن يسمعكم أصواتهم، فإن أشد ما عذب به المرء في قبره البول، والنميمة، والغيبة)).
298- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)).
299- قال: وحدثني عبيد الله بن موسى، وأبو محمد الحنفي، عن أسامة بن زيد الليثي قال: سمعت عمر بن دينار يحدث مالك بن دينار قال: أقبلت مع سالم بن(1/103)
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى أتينا مقبرة بين مكة والمدينة، فقال سالم: (السلام عليكم يا أهل القبور، فقلت: أتسلم على أهل القبور؟ فقال: نعم سمعت أبي يسلم عليهم، وأخبرني أنه أقبل من مكة حتى أتى على هذه المقبرة إذا رجل قد خرج من قبره مشتعل ناراً من قرنه إلى قدمه قال: فأقبل يغدو نحوي في عنقه سلسلة تشتعل ناراً فجعلت الناقة تحيد، وجعلت أكفها، وأنظر إلى العجب، وجعل الرجل يقول: يا عبد الله اصبب علي من الماء فما أدري في قوله أيدعوني باسمي، أو كما يقول الرجل للرجل: يا عبد الله، فخرج رجل من القبر آخذ بطرف السلسلة، فقال: لا تصبب عليه، ولا كرامة، ثم جذبه بالسلسلة حتى أدناه إلى القبر، ثم ضربه/ بسوط يشتعل ناراً حتى دخل القبر، قال مالك بن دينار: أنت سمعت هذا من سالم؟ قال: نعم، قال: فإني أشهد أنك لم تكذب على سالم، وإن سالم لم يكذب على عبد الله، وإن عبد الله لم يكذب.
300- قال: وحدثني ابن المغيرة، عن مالك بن مغول، عن نافع، عن ابن عمر قال: بينما أنا أسير بجنبات بئر إذ خرج رجل من الأرض في عنقه سلسلة يمسك بطرفها أسود، وفي يده أرزبة، فقال الخارج: يا عبد الله اسقني، فلا أدري أعرفني، أو كما يقول الرجل للرجل: يا عبد الله فقال لي الأسود: لا تسقه، فإنه كافر، ثم اجتذبه، فدخل إلى الأرض، قال عبد الله: فدخلت إلى المدينة، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((أوقد رأيته؟ ذلك أبو جهل لعنه الله، وذلك عذابه إلى يوم القيامة)).
301- قال: وحدثني أسد بن موسى، عن ابن لهيعة عن أبي حجيرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده إنه ليسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنيناً، لكل تنين منها تسعة أرؤس يلسعونه، وينفخون في جسده، ويجد عذاب ذلك إلى يوم القيامة)).
302- وحدثني أسد بن موسى، عن جرير بن حازم/.
أرواح المسلمين في طير بيض في ظل العرش، وأرواح الفجار في طير سود في الأرض السابعة، فإذا مات المؤمن مر به على أرواح المسلمين قال: قال مات قالوا: علي به، وإذا كان كافراً أو فاجراً أو شقياً هوي به إلى الأرض السابعة، فيسألونه عن الرجل، فإن قال: قد مات قالوا: أسفل به. قال يزيد بن أبي صيب:(1/104)
فكان بعض العلماء يقولون: إنا نستحي من الأموات كما نستحي من الأحياء.
303- قال: وحدثني أسد بن موسى، وعبد العزيز الأوسي، عن إسماعيل بن عياش، عن أبي الزبير، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل أرواحهم في طير خضر تروى من أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من نور في ظل العرش، فلما وجدوا طيب منقلبهم، ومطمعهم، ومشربهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لكي لا يزهدوا في الجهاد، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى على رسوله محمد عليه السلام : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون. فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} إلى آخر الآية.
304-/ قال: وحدثني مطرف: وغيره، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده، ثم يبعثه)).
قال عبد الملك: تفسير يعلق: يصيب منها ويسرح فيها.
305- قال عبد الملك: وقد قيل: إن أرواح المؤمنين باقية موقوفة باقية قبورها، ولكن أرواح المؤمنين خالص دون أرواح الكفار والأشقياء الفجار، تطلع إلى قبورها، وموضع رميم أجسادها ذاهبة وراجعة في ملكوت الله، وسلطانه ثم تأوي إلى جنة المأوى تكرمة من الله لها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم على أهل القبور، ويأمر بالتسليم عليهم، وبزيارتهم، وأما أرواح الأشقياء، فمحبوسة في سجين على شفير جهنم لا يؤذن لها باطلاع قبورها تضييقاً من الله عليها، وحبساً لها على شفير جهنم، وسأسوق في ذلك: ما بلغني علمه، وحضرني فهمه، وما توفيقي إلا بالله.
306- حدثني ابن المغيرة، عن مالك بن مغول، عن مطرف بن الشخير أنه(1/105)
أقبل يوم الجمعة يريد المسجد قال: فمررت بمقبرة، وأنا أنعس على دابتي، فكأني رأيتهم جلوساً على/ ركبهم بأفنية قبورهم، فلما نظروا إلي قالوا: هذا مطرف يريد الجمعة، فقلت: أو تدرون ما الجمعة؟ فقالوا: نعم، وندري ما تقول الطير في جو السماء، فقلت: وما تقول؟ قال: سلم سلم من يوم صالح.
307- قال: وحدثني ابن المغيرة، عن مالك بن مغول، عن أبي منصور الجهني قال: أتيت المقبرة، فصليت ركعتين، ثم توسدت قبراً، فوضعت رأسي عليه، فكلمني شيء من القبر أنكم تعملون، ولا تعلمون، وإنا نعلم، ولا نعمل، والله لأن يكون ركعتين في صحيفتي أحب إلي من الدنيا، وما فيها.
308- قال عبد الملك: وسمعت مطرف بن عبد الله يحدث بذلك.
309- قال الحسن بن يسار، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال: خرج رجل من المدينة غازياً فشيعته امرأته وهي حبلى إلى باب داره، فلما ودعها أشار بيده إلى بطنها، وقال: أستودع الله ما في بطنك، فقضي أنها ماتت بجمع، فدفنت وجنينها في بطنها، فرئي على قبرها من ليلة يومها نور ساطع ففشا ذلك في الناس، وكان يرى كل ليلة حتى قدم زوجها، فأخبر بخبرها، فخرج ليلاً حتى أتى قبرها، فانصدع القبر، وإذا المرأة قاعدة في أكفانها، وصبيها في حجرها فقالت: يا فلان دونك ما استودعت الله فخذه، ولو استودعتنا/ لوجدتنا، فأخذ الصبي منها حياً، وانطبق القبر عليها، قال زيد بن أسلم: ولقد رأيت الصبي بعد ذلك غلاماً يجري في أزقة المدينة مع الصبيان؟ قال هشام بن سعد: ولقد سمعت أبا الصبي يحدث بذلك.
310- قال: وحدثني عبد العزيز الأويسي، عن إسماعيل بن عياش، عن معاذ بن معاذ بن رفاعة، عن عبد الرحمن بن إبراهيم: أن يحيى بن زكريا صلى الله عليه وسلم مر بقبر دانيال عليه السلام، فسمع صوتاً من القبر، يقول: سبحان من تعزز بالقدرة، وقهر العباد بالموت فوقف متعجباً، فسمع صوتاً من السماء يقول: أنا الذي تعززت بالقدرة، وقهرت العباد بالموت، من قالهن استغفرت له السماوات، والأرض، وما فيهن.
311- قال عبد الملك: وبلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل الله عز وجل أن يريه الموتى فرأى في منامه أنه وقف بهم، وهم قعود على رموسهم فسلم عليهم، فردوا عليه السلام، ثم قالوا: ما أعظمك عند الله يا عمر لقد سمعنا صوتك في السماء أن يريكنا كالرعد في أهل الأرض قال عمر: فبالذي أرانيكم ألا أخبرتموني ما عملكم؟ قالوا: ما لنا من عمل إلا القعود على رموسنا هذه فإذا كان(1/106)
يوم الجمعة، وراح الناس إلى المسجد رحنا إلى هذا المرج ومرج أمامهم ممدود فكنا/ نتحدث جميعاً حتى تنصرف الناس من صلاة الجمعة، أو صلاة العصر، ثم ننصرف إلى رموسنا.
قال عبد الملك: فقولهم لعمر لقد سمعنا صوتك حين سألت الله أن يريكنا كالرعد في أهل الأرض، ما يدل على أنهم ليسوا مقيمين على رموسهم، وأنهم كانوا في السماء حين دعا عمر الله أن يريه إياهم، ثم اطلعوا رموسهم حتى أريهم عمر في منامه، وقولهم: ما لنا من عمل إلا القعود على رموسنا هذا معناه إذا اطلعوها، وأكثر اطلاعهم لها يوم الجمعة.
312- قال عبد الملك: وحدثني أسد بن موسى، عن المبارك بن فضالة أنه سمع الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا عرج بروح المؤمن تلقاه أرواح المؤمنين بالرحمة، والبشرى كما يتلقى في دار الدنيا، ثم يقبلون عليه، ويسألونه ما فعل فلان، ما فعلت فلانة هل تزوجت؟ وكيف فلان، وفلانة؟ فيقول: بخير، والله تركته بحمد الله على طريقة حسنة، فيقولون: الحمد لله اللهم أنت هديته لذلك، فثبته عليه حتى تقبضه عليه وإن سألوه عن فلان قد مات قال: هيهات هلك ذلك قبلي، فيقولون جميعاً: إنا لله، وإنا إليه راجعون عمل والله بغير عملنا، فسلك به غير طريقتنا ذهب به، والله إلى أمه الهاوية فبئست/ الأم، وبئست المرتبة.
قال عبد السلام: ((ويعرض على الموتى أعمالكم، فإن رأوا خيراً استبشروا، وقالوا: اللهم هذه نعمتك مننت بها على عبدك، فأتمها عليه، وإن رأوا سيئة حزنوا لها وقالوا: اللهم راجع بعبدك)).
قال عليه السلام : ((لا تحزنوا موتاكم بالأعمال السيئة فإن أعمالكم تعرض عليهم)).
313- قال: وحدثني عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد قال: استشهد رجل من أهل الشام، فكان يأتي أباه في كل ليلة جمعة، فيحدثه، ويؤانسه تكرمةً من الله له، قال: فغاب عنه، ثم جاءه في الجمعة الأخرى، فقال: يا بني لقد أحزنتني، وشق علي تخلفك عني، قال: يا أبت إنما شغلني عنك أن أرواح الشهداء أمروا أن يتلقوا روح عمر بن عبد العزيز قال: وكنت معهم، فتلقيناه.
قال الليث: وذلك بعدما توفي عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
314- قال: وحدثني ابن الماجشون، عن أبيه، عن الدراوردي، عن علي بن نفحة الجهني أنهم قالوا: بينما رجل في أندر له بالشام يعالجه، ومعه زوجته، وقد(1/107)
كان استشهد ابن لهما قبل ذلك بما شاء الله إذ رأى فارساً، فقال لامرأته: ابني، وابنك، والله يا فلانة، فقالت: أخس عنك الشيطان ابنك قد استشهد/ مذ زمان، وأنت مفتون أقبل على عملك، فأقبل على عمله، واستغفر الله، ثم إن الفارس دنا منهما، فأعاد نظره، فعاد من قوله لها وعادت من قولها، ثم نظر، فقال: ابنك والله، ونظرت، فقالت: هو والله هو، فأقبل حتى وقف عليهما، فأرادوا القيام إليه، فقال: مكانكما لست لكما، ثم سلم عليهما، وسلما عليه، فقال له أبوه: ألم تك استشهدت يا بني؟ فقال: نعم يا أبتاه، ولكن عمر بن عبد العزيز توفي في هذه الساعة من هذا اليوم، فاستأذن الشهداء ربهم في شهوده، فأذن لهم، وكنت معهم، واستأذنته في السلام عليكما، فأذن، ثم ساءلهما، ودعا لهما، ثم غاب، فما عرف موت عمر بن عبد العزيز بتلك القرية إلا بحديث الشيخ، ووجد قد توفي في تلك الساعة من ذلك اليوم.
315- قال: وحدثني طلق بن السمع، عن ضمام بن إسماعيل المعافري قال: هلك رجل منا، وعنده وديعة لقوم فأتوا فيها إلى ولده، فقال: ما ذكرها لنا، ولست أعرفها فذهب ولده إلى شعيب الحبشاني، وكان يقرأ التوراة، والإنجيل، والزبور، وغيرهما من الكتب، قال: فشكا ذلك إليه، فقال له: تجهز حتى تأتي/ ناحية برهوت، فستلقى وادياً يسيل رملاً كما يسيل السيل فجاوزه حتى تلقى جبلاً، فأصعده، وأقم حتى يجن عليك الليل، فستمر بك سحابة تسمع فيها دوياً، فناد بأبيك، فيستجيب لك، فاسأله عما تريد، قال: ففعل ما أمره به، فانطلق حتى أتى الوادي، فجاوزه ثم صعد على الجبل، فأقام حتى جن عليه الليل، فمرت به السحابة، فسمع فيها دوياً، فناداه، فقال: من أنت؟ فقال: أنا ابنك فلان: إن بني فلان طلبوا الوديعة التي لهم عندك، فأين هي؟ قال: بموضع كذا، وكذا فردها عليهم.
قال عبد الملك: برهوت: واد بناحية حضرموت من أرض اليمن، وهو طريق لمختلف الأرواح في صعودها وهبوطها، ومجتمع لها بذلك المكان.
316- قال عبد الملك: وبلغني عن مكحول، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري أنه قال: شهدت وفاة معاذ بن جبل يوم طاعون، فحسن عزاؤه عليه، فأغمي على معاذ فسمعته يهمس، فدنوت منه، فإذا هو يقول: يا بني قد علمت أن الله سيبدلك بأهلك خيراً منهم فناديته ففتح بصره، فقلت له: هل ترى شيئاً؟ قال: نعم قد لحق ابني مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين/ وحسن أولئك رفيقاً، وشكر لي ربي بحسن عزائي عليه، ثم جاءني روحه آنفاً، فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائة ألف من النبيين، والصديقين،(1/108)
والشهداء، والصالحين، ومائة ألف من الملائكة المقربين يلقوني اليوم، ويصلون علي، ويسعون بي إلى الجنة، ثم أغمي عليه، فرفع يديه كأنه يصافح قوماً، ويقول: مرحباً مرحباً نعم نعم إن شاء الله إن شاء الله الآن الآن آتيكم آتيكم جئتكم جئتكم، ثم يضحك، ثم يقول مثلها ثم يضحك، ثم قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ثم مات. قال ابن غنم: فتعجلنا والله جهازته فلما فرغنا من دفنه رأيته بعد ثلاث ليال في منامي على فرس أبلق، وخلق كزحام أهل منى رجال بيض عليهم ثياب خضر على خيل بلق، وهو قدامهم يقول: {يا ليت قومي يعلمون. بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} ثم التفت على يمينه، وعلى شماله، ويقول: يا عبد الله بن رواحة، ويا ابن مظعون: {الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين} قال ابن غنم: ثم صافحني، وسلم علي، ثم انتبهت وأهلي يقولون: الصلاة فشق علي ألا يكونوا كفوا عني قليلاً، فأنعم، وأسر برؤيتهم أكثر من ذلك.
317- قال عبد الملك: وحدثني مطرف، عن مالك: أن عيسى ابن مريم عليه السلام مر بقرية قد تخرب بنيانها، وتغيرت أشجارها، وغارت.
يا خراب أين أهلك، وعمارك، فيسمع صوتاً يقول أبياناً.
قال عيسى: وما بلغهم من قبلك: قالوا: كانوا لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر.
قال عيسى: فما بالك أتيت من بينهم؟ قال: إني لم أكن منهم، وإنما كنت ماشياً على الطريق، فغشيني العذاب معهم، فروحي مع أرواحهم في سجين.
قال: أخبرني وما سجين؟ قال: صخرة سوداء تحت الأرض السابعة على شفير جهنم أعاذنا الله منها بمنه، وكرمه، والحمد لله وحده.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
في اليوم المبارك الثاني والعشرين من شعبان سنة أربع وتسعمائة من كتابة العبد الفقير المعروف بالعجز والله خير الراحمين أحمد محمد علام الله المحلي المالكي.(1/109)