لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (31)
مقدمة إملاء الاستذكار
للحافظ أبي عمر ابن عبد البر القرطبي
تأليف
الحافظ أبي طاهر السلفي الأصبهاني
المتوفى سنة 576 هـ
تحقيق
عبد اللطيف بن محمد الجيلاني
دار البشائر الإسلامية
الطبعة الثانية
1425 هـ - 2004 م(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر
قرئ على الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد إبراهيم السلفي الأصبهاني -وأنا أسمع- في يوم الجمعة الثالث عشر من شوال من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بثغر الإسكندرية بالمدرسة العادلية, قال:
قلت: أما بعد حمد الله رب العالمين, والصلاة على سيد الأولين والآخرين, وخاتم الرسل والنبيين, محمد وآله الطيبين الطاهرين, وأصحابه المهاجرين, [والأنصار المجاهدين بنصرة الدين], والتابعين لهم بإحسان وأتباع التابعين:(1/25)
فقد سألتموني -سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة- معشر الفقهاء المالكية والشافعية بالثغر المبارك -ثغر الإسكندرية- بعد تضلعكم من أصول الفقه وفروعه, واستيفائكم -وقت استفتائكم- كل نوع من ينبوعه, وتبحركم -بعون الله تعالى- [في] سائر فنونه, وما يتعين تحصيله من نكته وعيونه؛ أن أملي عليكم من الحديث -الذي عليه مدار الشرع الأصل منه والفرع- ما يمكنني إملاؤه ويخف علي إلقاؤه.
فأملت في المدرسة العادلية -التي لم [ينشأ للفقهاء, ولم يبن قط] مثلها شرقاً وغرباً, بعداً وقرباً, والله تعالى يكافئ منشئها الحسنى, ويبوأه جنات عدن في العقبى- مجالس من رواياتي عن شيوخي تتضمن من الحديث الصحيح والمشهور الكثير, ومن الفرد والغريب اليسير, مع الكلام على الأكثر وفق ما كان الخاطر يسمح به ويمليه, وبلا ارتياء تام كما أرتضيه, وفي آخر كل مجلس ما تيسر من حكاية وشعر لي(1/26)
ولغيري من النوازل والعوالي على ما جرت به العادة في الأمالي.
فلما بلغت الثلاثين وجزتها, قطعتها إلى أن أرى رأيي فيما بعد من ضم مجالس أخرى -إن شاء الله- إليها؛ على قضية أرتضيها وأعول عليها, ثم آثرت إملاء ديوان جامع من رواياتي وعوالي سماعاتي يحتوي على(1/27)
ما يحتاج إليه الفقيه الكامل المتصدي للفتيا, ولا يستغني عنه ما دام في الدنيا؛ لتضمنه أحاديث الأحكام, وما لا بد للمفتي منه مدى الأيام.
فتعذر علي؛ لبعد الكتب عني والفوائد التي سمعتها بالعلو في الصغر, وجمعتها في السفر والحضر, ولو كانت حاضرة لكان إخراج ما ذكرته منها [أسهل] علي من كل سهل, وأهون من كل هين, لكن العذر واضح على ما بينته, والحمد لله على كل حكم منه وأمرٍ وقضاء قضاه, حلو أو مر.
فلم أر بعد ذلك كتاباً أولى بالإملاء من موطأ [أبي عبد الله] مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي, إمام دار الهجرة؛ لاشتهاره(1/28)
في الآفاق, واتفاق الفرق على صحته من غير اختلاف بينهم على الإطلاق.
ولو لم يرد في فضله سوى قول الشافعي رحمة الله عليه: ((ما بعد كتاب الله تعالى كتاب أصح من الموطأ)), لكان مقنعاً, وبجلالته معلناً معلماً, ثم لمحل مؤلفه عند المؤالف والمخالف, وإجماعهم على علمه وثقته, وقصورهم عن شرح فضله وصفته؛ حتى قال يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين -وهما هما- ((مالك أمير المؤمنين في الحديث)), ولم يبلغ فيما بلغنا أحد درجته, [ولم ينل] رتبته ومنزلته, فضلاً من الله تبارك وتعالى, ونعمة عليه من عنده تتوالى.
وقد بلغني أن أبا بكر الخطيب الحافظ ببغداد قال: ((جمعت الرواة عن(1/29)
مالك فبلغ عددهم ألفاً أو قريباً من الألف)), الشك مني.
ولو لم يكتب عنه [آلاف] لما بقيت رواية [ألف], وهو رحمه الله المعني بما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة)).(1/30)
قال ذلك سفيان بن عيينة وغيره من الجلة, وعلماء الملة.
وحسبك بمن يروم الخليفة إسماع كتابه لولديه [في منزله] فيكون من جوابه: ((العلم يا أمير المؤمنين يؤتى [إليه] ولا يأتي)),(1/31)
فيسأله إفرادهما [عند حضورهما] في مجلسه بالسماع, فيجيبه: ((إن العلم لا يحل منعه)), حتى سمعاه مع عامة الناس عليه, بعد أن مشيا إليه.
ويسأله في حمل الأمة كافة على كتابه فيمتنع ويقول: ((قد تفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاد, وأنا جمعت من حديث أهل المدينة ما جمعت, [ما] كان لله فسيبدو)).
فبدا كما قال, وظهر وانبث في مدن الإسلام, وانتشر بحسن نيته وبركته, وتركه زخارف الدنيا رغبةً في آخرته, فرضي الله عنه وأرضاه, وجزاه عن المسلمين خيراً بما ألفه وأملاه.
ولي فيه وفي كتابه الذي إن شاء الله أمليه مقطعات, فمما قلته فيه قديماً:
إمام الورى في الشرع بالشرق مالكٌ ... وبالغرب أيضاً في جميع الممالك
فمن يك سنياً وللشرع تابعاً ... وللعلم طلاباً عليه بمالك(1/32)
فاستخرت الله تعالى وعولت على إملائه -سنة إحدى وخمسين وخمسمائة- في كل أسبوع يومين فقط حتى لا يكون ذلك سبباً للإخلال بالدروس الفقهية [الخلافية والمذهبية].
فلما تقرر هذا سئلت في الكلام على المشكل منه, وما يجب ذكره من فوائده عند السؤال عنه.
فامتنعت من المطلوب؛ إذ البضاعة مزجاة, لا تجب فيها زكاة, والأوقات مستغرقة فيما لا خفاء به من الاشتغال مع الأصحاب وما اقترحوه من شرح الكتاب يستدعي فراغاً وأمداً طويلاً, ولا أجد [ذا] الآن إلى ذلك سبيلاً, مع هذا فربما لم أصل إلى المراد, ولم أبلغ الغرض مع الاجتهاد, فأصير غرضاً للكلام, بل للكلام, وعرضه للملال والآلام. فرأيت الإعراض(1/33)
عما ينصب الإعراض عند القصور للذم أولى وأحرى, وأدعى إلى السلامة في الأولى والأخرى.
فملت إلى إملاء كتاب الاستذكار لأبي عمر ابن عبد البر الأندلسي في شرحه؛ إذ هو كتابٌ لم يصنف في فنه مثله.
والمصنف فقد اشتهر نبله وفضله, وتضمن كتابه ما يحتاج إليه كاملاً, ويعجب من كان عالماً فاضلاً, ويستغنى به عن غيره من المؤلفات, والله الموفق لإلقائه في أبرك الأوقات والساعات, وإتمامه وفق المأمول, وعلى مقتضى السول, بمنه وفضله, ويمنه وطوله.
وقد كتب به إلي أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي, من الأندلس, وهو سماعه من مؤلفه على ما أعلمنيه أبو الوليد ابن الدباغ, وكتبه إلي بخطه, وهو من [أهل] المعرفة والدراية, والعارفين بمراتب الرواية.
وقال في فهرسته: ((كتاب الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما(1/34)
رسمه مالك بن أنس في موطئه من الرأي والآثار: سمعت جميعه على الفقيه المشاور أبي عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد, سماعه من مؤلفه أبي عمر ابن عبد البر)).
وفيما كتب إلي [به] أبو الوليد أيضاً بخطه: كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله, لأبي عمر, سماع لشيخنا أبي عمران منه.
وسمع منه أيضاً من تواليفه كتاب الصحابة, وكتاب الاستذكار, وكتاب التقصي, وغير ذلك من تواليفه ورواياته, وأجازه جميع رواياته وتواليفه.(1/35)
وأبو تليد: خصيب بن موسى, روى عن القاسم بن مسعدة, عن النسوي أبي عبد الرحمن.
وهو جد شيخنا أبي عمران موسى بن عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تليد, أراني الفقيه أبو عمران كتاب السير من مصنف النسائي, وفيه السماع على جده أبي تليد المذكور سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة بمدينة سالم من ثغر الأندلس.
ولموسى بن أبي تليد سماع من قاسم بن أصبغ, ووهب بن(1/36)
مسرة.
ولخلف بن موسى بن أبي تليد سماع من عبد الوارث بن سفيان بن جبرون.
وأما أبو المطرف [عبد الرحمن بن خلف, فسمع من أبيه خلف, ومن أبي المطرف] عبد الرحمن بن معافى -شيخ من أهل شاطبة, يحدث بالموطأ عن أبي عمر أحمد بن ثابت التغلبي, عن عبيد الله بن(1/37)
يحيى بن يحيى, عن أبيه, عن مالك- ولأبي المطرف إجازة من أبي بكر محمد بن مروان بن زهر الإيادي, وصحبة طويلة لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر, وتوفي سنة خمس وسبعين وأربعمائة, أخبرني بذلك كله ابنه الفقيه أبو عمران.
وأخبرني أبو عمران أنه ولد في سنة أربع وأربعين وأربعمائة, وله سماعٌ كثيرٌ من أبي عمر, موجودٌ بخطوط الثقات الأثبات, وتوفي رحمه الله سنة سبع عشرة وخمسمائة.
هذا كله مما كتبه إلي أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن الدباغ من سماع أبي عمران على أبي عمر وإجازته له.
وقال أيضاً فيما كتبه إلي بخطه:
أخبرنا الشيخ الأجل الفقيه المشاور أبو عمران موسى بن(1/38)
عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تليد خصيب بن موسى الشاطبي -وهو أجل من أن يقال فيه ثقة-.
فأقول [أنا] إن شاء الله في أول ما أمليه:
كتب إلي أبو عمران, قال أخبرنا أبو عمر؛ إذ لم تقع النسخة المقابلة بأصل سماع أبي عمران عن أبي عمر إلي.
ومذهب أبي عمر وعامة حفاظ الأندلس: الجواز فيما يجاز قول حدثنا, وأخبرنا, أو ما شاء المجاز مما يقرب منهما؛ بخلاف ما نحن وأهل المشرق عليه من إظهار السماع والإجازة, وتمييز أحدهما عن الآخر بلفظ لا إشكال فيه:
فمنهم: من قال أخبرنا وحدثنا سواء, لكن لا يقال ذلك إلا في المسموع, وفي الإجازة يقال: أنبأنا وأجاز لنا وأذن لنا, وما يشاكل هذه الألفاظ مما يزيل الإشكال, ويعلم به أنه إجازة على أي لفظ بين ذلك غير قال.(1/39)
ومنهم: من لا يستعمل قول حدثنا إلا فيما يسمعه من لفظ الشيخ, وأخبرنا فيما يقرؤه هو عليه أو يسمعه بقراءة غيره, وهو الأشهر الأكثر.
فجريت على مذهبهم في هذا, لكن لم أر بداً من بيانه احتياطاً, فإن وافق مسموعه, وهو الظاهر في الباب فقد حصل الغرض على الصواب, وإن لم يوافق -وهو بعيد- فقد أجاز له أن يروي عنه ما صح أنه تأليفه وحديثه, وهذا من تأليفه وحديثه بغير ريبٍ, إذ قابلناه بنسخ مكتوبة عنه مقابلة بكتابه مقروءة على أعيان أصحابه, فوافق والحمد لله على آلائه ونعمائه.
[التعريف بابن عبد البر]:
وأبو عمر, فلا بد أيضاً من التعريف به, والتنبيه على موضعه ومكانه ومحله من العلم, وكبير شأنه.
ذكره أبو محمد بن حزم الظاهري في رسالته في فضل الأندلس وعلمائها وما صنف بها من كتاب, فأثنى عليه وعلى تواليفه, وقال: ((كتاب(1/40)
التمهيد لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر -وهو الآن بعد في الحياة فلم يبلغ سن الشيخوخة- كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً, فكيف أحسن منه, وكتابه في الصحابة ليس لأحد من المتقدمين قبله مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك)).
قال: ((ولصاحبنا أبي عمر تواليف لا مثل لها في جميع معانيها)).
وحسبك بأبي محمد مثنياً, وكان من أقرانه, وجرت بينهما مناظرات ومنافرات, ومع ذلك فيروي عنه بالإجازة, وتوفي سنة ست وخمسين(1/41)
قبل موت أبي عمر بأزيد من ست سنين, وكان من نوادر الدهر, وعلماء ذلك العصر في فنون شتى, وأنواع مختلفة [في] المعنى.
وسمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن مرزوق اليحصبي الأندلسي بمصر يقول: سمعت أبا بكر عبد الباقي بن محمد بن [بريال] الحجاري بالأندلس يقول: سمعت القاضي أبا القاسم صاعد ابن(1/42)
أحمد بن صاعد الطليطلي يقول: ((أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري أعلم من كان بالأندلس قبله بالآثار, والسنن واختلاف علماء الأمصار, وكان في أول زمانه ظاهري المذهب مدة طويلة, ثم رجع عن ذلك إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد؛ إلا أنه كثيراً ما يميل إلى مذاهب الشافعي, وله تواليف شريفة مشهورة, وولد في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وثلاثمائة.(1/43)
قال ابن [بريال]: وتوفي في جمادى الأولى لسبع خلون منه سنة ثلاث وستين وأربعمائة, وكان عمره أربعاً وتسعين سنة.
وقد ذكره أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي الأندلسي المقيم ببغداد -وكان من أهل الحفظ والمعرفة- في كتابه المترجم(1/44)
بجذوة المقتبس في تاريخ الأندلس, فنقلنا ما ذكره على نصه نقل المسطرة من غير زيادة ولا نقصان.
قال رحمه الله في باب الياء من تاريخه:
((يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري, أبو عمر:
فقيه حافظ, مكثر, عالم بالقراءات, وبالخلاف في الفقه, وبعلوم الحديث والرجال, قديم السماع, كثير الشيوخ, على أنه لم يخرج عن الأندلس, [لكنه] سمع من أكابر أهل الحديث بقرطبة وغيرها, ومن الغرباء القادمين إليها. وألف مما جمع تواليف نافعة سارت عنه. وكان يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي رحمه الله.
مولده في رجب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
وسمع بنفسه قبل الأربعمائة بمدة من جماعة من أصحاب قاسم بن أصبغ البياني وغيره.
ومن شيوخه:
أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ, وعبد الوارث بن سفيان,(1/45)
وسعيد بن نصر, وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد, وأبو عمر أحمد بن محمد بن الجسور, وأحمد بن عبد الله الباجي, وأبو الوليد [بن] الفرضي, ويونس بن عبد الله(1/46)
القاضي, وأحمد بن محمد بن عبد الله المقرئ الطلمنكي, وجماعات قد ذكرنا من حضرنا منهم مفرقاً في أبوابه.
ومن مجموعاته:
- كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد, سبعون(1/47)
جزءاً.
قال لنا أبو محمد علي بن محمد -يعني ابن حزم الظاهري-: ((هو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله, فكيف أحسن منه)).
ومنها كتاب في الصحابة سماه:
- كتاب الاستيعاب في أسماء المذكورين في الروايات والسير والمصنفات من الصحابة رضي الله عنهم, والتعريف بهم, وتلخيص أحوالهم ومنازلهم, وعيون أخبارهم, على حروف المعجم, اثنا عشر جزءاً.
- كتاب جامع بيان العلم وفضله, وما ينبغي في روايته وحمله, ستة أجزاء.
- كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير, ثلاثة أجزاء.
- كتاب الشواهد في إثبات خبر الواحد, جزء.
- كتاب التقصي لما في الموطأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , أربعة أجزاء.(1/48)
- كتاب أخبار أئمة الأمصار, [سبعة أجزاء].
- كتاب البيان عن تلاوة القرآن, جزء.
- كتاب التجريد والمدخل إلى علم القرآن بالتجويد.
- كتاب الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو بن العلاء بتوجيه ما اختلفا فيه, جزء واحد.
- كتاب الكافي في الفقه على مذهب أهل المدينة, ستة عشر جزءاً.
- كتاب اختلاف أصحاب مالك بن أنس واختلاف رواياتهم عنه, أربعة وعشرون جزءاً.
- كتاب العقل والعقلاء, وما جاء في أوصافهم عن الحكماء والعلماء, جزء واحد.(1/49)
- كتاب بهجة المجالس, وأنس المجالس, بما يجري في المذاكرات, من غرر الأبيات, ونوادر الحكايات, مجلدان.
وغير ذلك من تواليفه.
وقد لقيناه, وكتب لنا بخطه في فهرسة مسموعاته ومجموعاته مجيزاً لنا [بخطه], وكاتباً إلينا بجميع ذلك كله, وتركته حياً وقت خروجي من الأندلس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة, ثم بلغني وفاته, وأخبرني أبو الحسن علي بن أحمد العابدي أنه مات في سنة ستين وأربعمائة بشاطبة من بلاد الأندلس)).
هذا جميع ما ذكره الحميدي, وقد خالف صاعداً في مولده, وابن بريال في وفاته.
والقلب إلى ما ذكراه أميل لكونهما بالأندلس مقيمين لم يبرحا منها بخلاف الحميدي رحمه الله.(1/50)
وبالجملة: فالرجل جليل القدر, واسع العلم, وكتبه فمفيدة كثيرة, وقد قلت فيها لحسنها وكثرة فوائدها:
يا من يسافر في الحديث مشرقاً ... ومغرباً في البحر بعد البر
ما أن يرى أبداً لكتبٍ صاغها ... بالغرب حافظها ابن عبد البر
وقلت في الاستذكار خاصة:
قل لمن دأبه التفقه في الدين ... وعلم الحديث حفظاً وضبطا
اشتغل بالموطأ المرتضى شرقاً ... وغرباً ولا تجز فيه إبطا
بل على الفور لا التراخي وبادر ... بخلاف الذي تراخى وأبطا
واكتب الاستذكار تغن به عن ... كل جمعٍ من بعد كتب الموطا
فابن عبد البر المصنف ما قصر ... في الاختيار شرحاً وبسطا
وأتى بالخلاف أعلام علم الشرع ... طراً وعد ذلك شرطا
وبما كلهم قد اتفقوا أيضاً ... عليه وفي المصنف خطا
والمقال الصحيح صوب فيه ... والذي لم يوافق الحق خطا
والسقيم الذي يحط لدى النقد ... فقد أسقط الجميع وخطا
هذه جملة المضمن في الجمع ... ومن قال غيرها قلت أخطا
فحباه الإله جنة عدنٍ ... بعد إعطائه الرضى منه إعطا(1/51)
وهذا أول الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وآخر [ما] نقل من كلام شيخنا, والحمد لله.(1/52)